مقدمة هي !
حملق "هيرمان نايت " في الصورة بينما كان يضغط بكل قوته علي الرسالة التي يمسك بها في يده .
و نسي تماما الجو السيئ ل"مانهاتن " الذي طالما ظل يلعنه و هو يقبع في منزله .
كما نسي الشعور الرهيب بالضيق الذي كان يزرح تحت طائلته اثناء مشاهدته لبرامج التلفزيون و مقدمها الغبي . هكذا راح عن فكره كل ماكان يشغله و يؤرقه منذ ثوان معدودة و لم يبق سوى ذكرى هذا العشاء الذي أسرع لقضائه مع اجمل فتاة في العالم .
هي !
إنه ينتظر هذه الرسالة منذ وقت طويل ! و لآن حل محل السعادة احساس بالحقد و الضيق . . .
حقد ظالم و غير عادل ن و لكن قلما تخضع المشاعر الانسانية لما يمليه عليها العقل و النزاهة .
كان الاحساس بالضيق و المرارة يسيطر عليه ضد سخرية هذا الموقف ، و مع ذلك دلف الي المطبخ الحديث جدا و بدا يعد القهوة بيد غاضبة ن ثم بدأ يتخلص من سترته المبللة بينما ظلت عيناه عالقتين بالصورة التي ثبتها امامه علي التلفزيون .
كان منذ خمسة اعوام لا يتناول سوى المشروبات الكحولية و ليست القهوة ن كان منذ خمسة اعوام يخرج هائجا علي وجهه في الشارع ليهدئ من ثائرته ، او يحطم اى شيئ يجده أمامه و ينثر حطامه في كل مكان كأنه يحاول ان يتحدى قدره القاسي .
وربما فكر في البحث عن أي امراة تؤنس وحدته ، و مع ذلك يجد نفسه دائما وحيدا في النهاية .
و لكن منذ رآها ، منذ ان رأي فتاة الصورة ، لم يعد ، كما كان ن فريسة النزوات المدمرة .
هي الفتاة التي يراها تضحك امامه بين ذراعين رجل آخر . . .
بفضلها ، نجح في السيطرة علي مشاعره السلبية با و حولها الي افكار و افعال ايجابية ، و ها هو ذا الآن يتحسن وجهها بأصابعه ، و لكنه لا يلمس إلا الصورة .
ان مجرد لمسة لصورتها يشعره بالاضطراب ، نعم انها هي ! لقد تغير لون شعرها ، و لم تعد نحيفة و هزيللة كما كانت ، و لكن عينيها ظلتا كما هما . . . بلونها الاخضر و تعبير السعادة و ثقة في الحياة .
لم تضف عليها هذه الاعوام الخمسة اي تغييرات .. و لكن ليس بغريب :فلن تستطيع عوالم الزمن تغير معالم الملائكة ، و لكنها تزيدها روعة و جمالا فقط .
" ملاك في الظلمات " ... هكذا كان يراها ، و كان مجرد لمسها يبدد الظلمات من كابوس او تخلص من عماه .
لم تكن " هونج كونج " الا ميناء يرسو عليه لمدة قليلة و هو في طريقه الذييؤدي به الي المعركة جديدة مسرح جديد للأحداث الدموية التي تذيع شهرته كصحفي ناجح و تجعله يعتلي القمة دائما .
لقد استيقظ في اليوم التالي لوصوله عند الظهيرة و هو يعاني آلما مبرحة في رأسه نتيجة لتناوله المشروبات الكحولية طوال طريقه من امريكا الجنوبية .
لم يكن يعرف اين هو و لكنه يشعر بالراحة لسماع دوي طلقات من حوله .
ثم أتي الليل ، عندما ذهب الي هذه الامسية يائسا كأنه يحاول بذلك خنق الاصوات التي تؤرقه في الظلمات و تملأ رأسه بطنين مستمر .
فأينما ذه تلاحقه الدعوات نظرا لشهرته الذائعة الصيت و رذائله التي ارنكبها طوال سنوات عمره كانها درع له ، إنه يدخن و يرتكب المعاصي و يزج نفسه في مغامرات عاطفية لمجرد اللذة الجنسية و يهتم بكتابه القصص المنسوجة بعناية .
و لكن ما الشيء المختلف الذي يجده فيها و لا يجده في غيرها ؟
لقد لاحظها و اختارها من بين الجميع و كانت تجلس وحيدة و لكن ليست منعزلة .
عندما رآها هيرمان شعر في داخله بمزيج غريب من الحاجة و التحدي و الرغبة . . كانت صغيرة و هزيلة . .كان جمالها يحمل طابعا شرقيا و يبدو متناقضا تماما مع لون بشرتها و لون شعرها المتكلف .
و لكنه شعر ان بها طاقة داخلية و قوة اضطرته لأن يسلم لها .
و علي الرغم من تصرافاتها العدوانية ، إلا أنها لم تفقد ابدا رقتها و صفاءها ، و كان دائما و ابدا يغفر لها ويصفح عنها .
وكان أول لقاء بين غريبين فب حجرة منعزلة في احد الفنادق المجهولة ن و علي الرغم من ان اللقاء لا يحمل معني نظيفا إلا انه في نظر هيرمان لقاء حب بكل ما تحمله الكلمة من معان سامية ن حب خلق من العدم . .
لذلك يبدو كل شيء في عينيه مختلفا .. لقد رحلت بدون ان تقول له الوداع و لكنها تركت لديه هذا الانطباع الرائع و هو ... عاد من جديد الي ساحة المعركة و لكنه تخلص من يأسه الكئيب ... و منذ ذلك اليوم ، بدات كتاباته تتسم بالحب و الرحمة و اختفت الكآبة و السخرية من حياته .
لقد كان تحولا عميقا و عسيرا في نفس الوقت و لكنه لم يفقد وحيه و ظل يتذكر .. و ظل يتأمل .
و خلال خمسة اعوام طوال ، ظل مجنونا بحب هذه الفتاة القربية من الخيال ن و لكن ها هي ذي الان اخيرا اصبحت سهلة المنال .. لقد عرف اخيرا اسمها و اين تكون .. و لكن هل ترغب هي ايضا في رؤيته ! و هل يشعر هو انه مستعد لمواجهة نتائج هذا اللقاء ؟
انه سعيد بهذا التحدي ويشعر اخيرا ان جسده و عقله ينعمان بالراحة .
إن هيرمان نايت لن يتغير ابدا .