آخر 10 مشاركات
وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )           »          لك بكل الحب (5) "رواية شرقية" بقلم: athenadelta *مميزة* ((كاملة)) (الكاتـب : athenadelta - )           »          445 - غرباء في الصحراء - جيسيكا هارت ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          الجبلي .. *مميزة ومكتملة* رواية بقلم الكاتبة ضي الشمس (فعاليات رمضان 1436) (الكاتـب : قصص من وحي الاعضاء - )           »          دين العذراء (158) للكاتبة : Abby Green .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          لقاء الخريف / الكاتبة : طرماء و ثرثارة ، كاملة (الكاتـب : taman - )           »          لا تتحديني (165) للكاتبة: Angela Bissell(ج2 من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          Caitlin Crews - My Bought Virgin Wife (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          رافاييل (50) للكاتبة: ساندرا مارتون (الجزء الأول من سلسلة الأخوة أورسيني) .. كاملة.. (الكاتـب : Gege86 - )           »          Kay Thorpe A MAN OF MEANS (الكاتـب : رومنسيات - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-04-14, 05:12 PM   #11

دكتور جيفاجو

? العضوٌ??? » 315386
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 9
?  نُقآطِيْ » دكتور جيفاجو is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الرابع
بلغ التعب بسارة مبلغاً عظيماً في نهار اليوم التالي وتمنت لو أنها خلت بهمومها لتعمل الفكر فيها , كان ما حدث بالأمس طامة زادت من لهيب صدرها وضاعفت من حنقها ليس فقط على إبرام أو كوبرفيلد وإنما على الدنيا بأسرها ، لقد باتت تمقت العالم وترى في الموت خلاصها مما تجد من هم ويأس.
تمنت لو ألقت نظرة على خطاب كوبرفيلد قبل أن تمنحه لوالدها البارحة لما أوجسته في نفسها من خيفة حين وجدت والدها يتناسي ما حل به من مرض بعد مطالعته للخطاب وقد بدا عليه التوتر وهو يقف مع والدتها على قدم وساق تأهباً لاستقبال بعض الزائرين في المنزل.
كانت قد سمعت والدها يهمس لوالدتها بأنه يتوقع ضيوفاً على قدر من الأهمية مساء اليوم وإن لم يفصح لها عن هويتهم , ولقد قضت نهارها تمد يد العون لوالدتها شاردة الذهن تقلب الأمر على كل وجه وبداخلها أحساس يراودها بأن للأمر علاقة بخطاب كوبرفيلد , فراحت التساؤلات تتدافع في رأسها مخافة أن يكون كوبرفيلد أحد هؤلاء الضيفان.
" ولكن لماذا يسعي كوبرفيلد للقاء والدي؟ .. وما علاقة هذا اللقاء بوعده في معاونتي على الثأر من إبرام؟"
هكذا تسائلت في أعماقها وهي تجاهد بحثاً عن إجابة توضح لها كل ما يكتنف أحداث السويعات القادمة من غموض , حتى كانت اللحظة التى جهدها فيها طول التفكر فلم تعد تلقي بالا وشعرت بالراحة تتسلل إلي صدرها المكلوم مع ما أصابها من عدم اكتراث بالأمر كله.
همست لنفسها وهي تنسحب إلي غرفتها بعد أن انتهت من مساعدة والدتها وقد أوشك الضيوف على المجيء
" لم أعد أبالي بما قد يحدث .. فاليذهب الجميع إلي الجحيم."
كانت الشمس قد مالت نحو الغرب حين تفردت بنفسها وساعدها هروبها من مشكلاتها وأحزانها في التخفيف من وطأة ما تكابده من ألام نفسية كادت أن تفتك بها. ولقد كانت تظن أن تلك الراحة والطمئنينة التي تنتابها ما كانت لتبرحها وما أدركت أن ذلك الأحساس لن يعدو كونه عرضاً زائلاً وضيفاً نزل على قلبها المنهك وما لبث أن رحل عنه حين تسلل الزائران إلى المنزل تحت جنح الظلام.
راحت تسترق السمع والبصر من خلف باب غرفتها فهالها ما رأت وما سمعت. فقبالتها وتحت الضؤ الخافت كان كوبرفيلد بشعره الذهبي وجسده الممتليء جالساً في مواجهة والدها والحاخام رابين وقد حمل لها سكون الليل صوته الحاد
" أنت تعلم يا نيافة الحاخام أن الأعتراف الرسمي بمحفلك لن يكون بغير أنضمامكم للمحفل الأعظم ببريطانيا"
" بالطبع يا سيدي .. ونرجوا أن نكون عند حسن ظنكم"
قال كوبرفيلد بلهجة أثارت قلق الحاخام وحفيظته
" هذا يعتمد على مدى تعاونكم معنا "
" وهل بدر منا ما قد يعكر صفو هذا التعاون؟ "
" لا .. ليس هذا ما أقصده "
" ماذا إذاً ؟ "
مال كوبرفيلد بجسده للأمام كمن يوشك أن يبوح بسر رهيب
" أنت تعلم جيداً ما تسعى إليه بريطانيا وما بات حاجة ملحة لمصلحة أمبراطوريتنا وأن هذا السعى لن يكلل بالنجاح بغير تعاونكم .. وتقديراً مني لخدماتكم الجليلة فقد تحدثت إلي الأستاذ الأعظم في المحفل الإنجليزي الأكبر بشأن أعترافه بكم ولكن ...."
صمت كوبرفيلد لوهلة كاد فيها التوتر أن يذهب بعقل الحاخام رابين الذي سأل متلعثماً
" ولكن ماذا يا سيدي ؟"
تراجع كوبرفيلد بجسده وأجاب وهو يسدد نظرة ثاقبة للحاخام
" لا أخفي عليك أنه مرتاب من قدرتكم علىى معاونتنا في سعينا "
" ولكن يا سيدي أنت تعلم .......... "
قاطعه كوبرفيلد بإشارة من يده وهو يقول
" أعلم يا نيافة الحاخام وهذا ما دفعني لأن ألتقي بك وجهاً لوجه بالرغم مما في ذلك من مخاطر ومخالفة للقواعد "
خيم عليهم الصمت للحظات عاد بعدها كوبرفيلد يردف
"هناك مهمة أريد أن أوكلها إليك , مهمة غاية في الخطورة والأهمية , يمكنك القول أن انضمام محفلكم للمحفل الأكبر يتوقف على نجاح هذه المهمة "
كانت كلمات السيد الإنجليزي تنساب من بين شفتيه ببطء من يريد لها أن تُسمع وتُدرك على الوجه الأمثل
" هناك خطاب يجب أن يُسلم إلي صديق في الأستانة "
سأله الحاخام رابين ذاهلاً
" هل تريدني أن أحمل الخطاب إليه بنفسي ؟ "
أومأ كوبرفيلد برأسه نافياً
" لا .. إنه خطاب لا يجب أن تحمله بنفسك , بل ولا يجب أن يحمله أي من أعضاء محفلك. "
ضاعفت عبارته من دهشة رابين الذي لزم الصمت تاركاً له المجال ليستكمل حديثه
" هناك شخص بعينه هو من يجب عليه حملها"
" من هو يا سيدي ؟ "
مرة أخرى ساد الصمت بينهما برهة قصيرة قبل أن يجيب كوبرفيلد وقد لمعت عيناه ببريق عجيب
" إبرام .. إبرام باخوم "
ارتدت سارة للخلف في مخبأها وقد استولى عليها الرعب لما سمعت اسم إبرام يُهمس به وقفز إلى ذهنها تساؤلا عما يسعى إليه كوبرفيلد , وشرد خاطرها بعيداً وهي تتفكر ملياً فيما رأت وسمعت وما ينوي هذا الثعلب البدين فعله.
كان ثمة ما جال بخاطرها وبدا لها تفسيراً معقولاً لما يدور حولها وما يضمره كوبرفيلد لإبرام , غير أنها لما أمعنت الفكر عاودتها الحيرة فلقد ظنت في بادئ الأمر أن كوبرفيلد إنما يسعى لإزاحة إبرام وإبعاده عن مصر وأن ليس بمقدوره الذهاب لأبعد من هذا في معاونتها على الأخذ بثأرها , على أن ذلك بدا لها غير مقبول فمهما تطلبت تلك المهمة من وقت لابد لإبرام أن يعود أدراجه بعد إتمامها.
" إذاً فذلك الخطاب المزعوم ليس إلا مقدمة لمؤامرة ربما على حياة إبرام "
تباينت مشاعرها على نحو لم تعهده من قبل , كانت تشعر بالسعادة والإمتنان فما دار بخلدها أن تبلغ ما ترنو إليه بمثل هذه السرعة , غير أن شيئاً ما كان يغلف تلك السعادة بالخوف مما تحمله الأيام لها ولمن كان يوماً حبيبها. حقاً أنه خانها وأن مقتها له بلغ حداً تمنت معه الموت له غير أنها لا زالت تشعر بشيء من الخوف لأجله. ثم ...
ثم لإن كان قد خانها فإنها قد خانته أيضاً وأقترفت من الإثم ما أقترف ولا مناص من أن تشاركه نفس المصير إذاً.
"ولكن كيف سأقنعه بأن يفعل .. إنه........"
انتزعها صوت رابين من شرودها فعادت تتابع الحوار الدائر بالخارج
" ليس هذا بالأمر الصعب .. أخبره بأنه سيتقاضى ألف جنيه كاملة حين عودته."
اتسعت عين رابين ذهولاً فلقد كان ذلك القدر من المال ثروة لا يستهان بها بمقاييس ذلك العصر
" سيد كوبرفيلد؟!!!!!"
دوت ضحكات كوبرفيلد لوهلة قبل أن يقول وقد أطلت من عينه نظرة مخيفة
" لا تقلق حيال المال .. فقط أخبره بذلك"
أصابت تلك النظرة المخيفة الفزع في أعماق سارة فقضت ليلتها على مثل الجمر تتخطفها نوازع القلق والجذع على إبرام وهفت إليه روحها الحائرة مع ما أحست به من تأنيب الضمير فراحت تفكر في سبيل لإنقاذه بيد أن السيف كان قد سبق العذل.
ذلك ما كان من أمرها في ليلتها تلك أما الحاخام رابين فإنه وبعد ذلك اللقاء الذي لم يكن يتوقعه فقد انطلق إلى مسكنه تغمره السعادة ويحدوه الأمل في أن يتحقق حلمه وأن يفي كوبرفيلد بما قطعه من وعد له , كان ثمة حلم يراوده منذ أن انتُخب أستاذاً أعظماً لمحفله بأن تُجمع المحافل المصرية كلها تحت جناح محفل واحد يضمها جميعاً , على أنه كان عليه أولاً أن يسعى للإعتراف بمحفله من قبل المحفل الإنجليزي الأعظم إذ كان منوطاً به منح الموافقة والإعتراف الدولي لغيره من محافل الماسونية في دول العالم وذلك منذ أن تأسس في عام 1717 م في عيد القديس يوحنا المعمدان.
ولم يكن رابين يدري وهو يتلو صلواته في ظلام غرفته الملحقة بالمحفل أنه بات قاب قوسين أو أدنى من حلمه وأنه في غضون عام وبعض العام سوف يتوحد محفله مع عشرات المحافل الأخرى المنتشرة في ربوع القطر المصري تحت راية محفل واحد , ذلك أنه وفي أكتوبر من عام 1876 م. تم تكريس المحافل الماسونية في مصر تحت اسم ( محفل الشرق الوطني المصري الأعظم ) الذي حظى بمباركة الخديو توفيق آنذاك بعد انتخابه أستاذاً أعظماً له وأناب عنه في حضور الاجتماعات ( حسين باشا فخري ) ناظر الحقانية وقتئذ.
وعلى كلٍ فإن أحلام رابين تلك لم تكن هي فقط ما يشغل باله في مخدعه وهو يقلب الأمر على كل وجه محدقاً في تلك الرسالة الغامضة التي سلمه أياها كوبرفيلد. كان ثمة ما يحيره ويقض مضجعه , فلقد عهد إليه كوبرفيلد بتلك المهمة وهو أمر يمكن إدراكه في إطار ما بينهما من تعاون وتلك المؤامرة الكبرى الضالعان فيها , غير أن ما استعصى على فهمه هو طلبه بأن يحمل إبرام الرسالة بنفسه
" إبرام باخوم وليس أحد غيره. "
هكذا أخبره كوبرفيلد مشدداً فهم بأن يسأله من أين له معرفة إبرام ؟ ولماذا هو على وجه التحديد ؟ غير أن مكانته ونظرات محدثه لم تكن لتسمح له بغير الانصياع في صمت وقد أدرك ألا سبيل لتنفيذ ما أوكل إليه بغير الإستعانة بجان فعقد العزم على لقائها في الغد.
..................................
مع وصول الحملة الفرنسية في نهايات القرن الثامن عشر وقدوم بونابرت بخيله ورجله عرفت مصر الماسونية. وإن كان البعض من الباحثين في هذا المجال يرجع تاريخ تلك المنظمة الهدامة في مصر إلي ما قبل ذلك إلا أن الثابت تاريخياً أن أول محفل ماسوني في مصر جاء بنائه في القاهرة مواكباً للإحتلال الفرنسي تحت اسم محفل (إيزيس) , ولعل هذا مما يدعم ما ذهب إليه هؤلاء الباحثون من أن نابليون بونابرت كان أحد أعضاء هذه الأخوية السرية شأنه في ذلك شأن الكثير من أعلام التاريخ الذين حامت حولهم شبهات الانتساب إلي تلك المحافل , وما لبثت أن انتشرت تلك المحافل في ربوع القطر المصري حتى بلغ عددها في الربع الأخير من القرن التاسع عشر نحو الثمانين محفلاً أجنبياً أعظم.
ولقد ظلت تلك الجمعية على مر العصور تعمل في الخفاء ضاربة بينها وبين انظار المراقبين أسجافاً ثقيلة جعلت من البحث حول أصولها وأهدافها مهمة شاقة حتى تباينت فيها أقوال الباحثين ونتائج بحوثهم فبينما ذهب الدكتور عبد الوهاب المسيري إلى أن نشأة الماسونية تعود إلى تلك الرابطة التي أنشأها بناءو عصر النهضة حيث نشطت حركة البناء وخاصة بناء الكاتدرائيات العظيمة , واتخذت تلك الرابطة بعض الرموز الهندسية كالفرجار والمثلث والمقص والنجمة الخماسية وغيرها مع ما أتخذت من لغة كودية وإشارات ملغزة يصعب فهمها على غيرهم من الدخلاء على الرابطة , ذهب الأستاذ ( الحسيني الحسيني المعدي ) إلي أقدم من ذلك فقال بأن أصولها تعود إلي الملك اليهودي هيرودوس أكريبا حين بزغ فجر المسيحية فاستشعر خطر الدين الجديد وأتباعه على مُلك اليهود فعمد بمساعدة وزيراه أحيرام أبيود و مواب لافي إلي أنشاء منظمة سرية لمحاربة أتباع المسيح والقضاء عليهم.
وعلى كلٍ وبالرغم من اتساع رقعة الماسونية وانتشارها في أرجاء المعمورة إلا أنها لا تعد دعوة عالمية خالصة الوحدة إذ ليس هناك أتحاد واحد ينضوي تحته كل تلك المحافل الممتدة عبر العالم وهو ما أكده الدكتور المسيري بقوله
"فعلى الرغم من أن الماسونية حركة بدأت في أوروبا ( في العالم الغربي ) إلا أنها انتشرت في العالم بأسره. ورغم انتشارها هذا إلا أنها لم تصبح حركة عالمية , إذ لا يوجد نمط واحد للتطور , فالماسونية في الغرب مختلفة عنها في العالم الثالث."
هذا ويعد عصر التنوير في أوروبا العصر الذهبي للماسونية , فمع ظهور الحركات التحررية وبزوغ القومية وبداية التحرر من الحكم الثيوقراطي ( الديني ) وتراخي يد الكنيسة السلطوية تعالت أبواق العلمانية الداعية لفصل الدين عن الحياة ليقتصر على دور العبادة هو ما لاقى هوى في نفس الماسونيين , ذلك أن الماسونية هي الداعي الأكبر لهدم الأديان وهي في ذلك لا تدعو للتنكر من الخالق خشية الفوضى كما لا تدعو من ينتسب إليها للتخلي عن معتقداته الدينية , وإنما تشترط عليه إعادة تنظيم أو بالأحرى تأسيس تلك المعتقدات على أسس من الحرية والمساواة والإخاء وغيرها من الشعارات الطنانة على نحو تدريجي يدفعه في النهاية للقبول بالمباديء المدنية ( القائمة على أساس مجتمعي ) ونبذ المباديء الدينية , فالأخلاق التي تتعامل بها طوئف المجتمع هي ظل الإله أو هي السبيل الأوحد لمعرفته وعلى ذلك يصبح الإيمان بالخالق مجرداً من الحاجة إلي وحي سماوي أو رسالات رسل. لذا يمكننا القول بأن الماسونية هي أم العلمانية فقد وافقتها في الهدف وسبقتها في المولد.
ولقد تميزت تلك الأخوية بهيكلها التنظيمي الصارم وإن أختلف ذلك الهيكل في تشكيله وعدد درجاته من بلد لأخر غير أن الراجح في الأمر أن ذلك الهيكل التنظيمي كان يقوم في غالب الأحيان على درجات ثلاث فكان رئيس المحفل يمنح درجة الاستاذ الأعظم ويليه درجة المساعد ثم الدرجة الأدنى وهي درجة التلميذ وكانت تمنح للمنتسبين الجدد. وكان لكل درجة الحق في توجيه ومتابعة أعضاء الدرجة الأدنى في أطار من السرية عنهم فلم يكن يحق مثلاً لمن هو على درجة تلميذ أن يلقى الأستاذ الأعظم إذ كانت تحمل إليه الأوامر والتوجيهات من خلال المساعد التابع له هذا التلميذ.
لذا فلقد كانت دهشة شامير- ذلك المساعد المسؤول عن جان باخوم – لا تدانيها دهشة حين طلب إليه الاستاذ الأعظم ما طلبه في ذلك الصباح الباكر.
كان ذلك في الصباح التالي للقاء رابين وكوبرفيلد , حيث راح الأستالذ الأعظم يتجول شارداً في أرجاء قاعة الإجتماعات الرئيسية في محفل ( دانيال ) الذي يترأس كرسيه وقد أرسل في طلب مساعده شامير
كان رابين بادي التوتر على نحو لم يخفى على مساعده الذي سأله قلقاً
" أرى نيافتكم متوتراً كاسف البال , فماذا حدث؟"
جلس رابين على مقعده المتصدر طاولة الإجتماعات متجاهلاً السؤال وأشار إلي شامير بالجلوس ففعل وقد ألتزم الصمت أحتراماً حتى بادره رابين بقوله
" أخبرني بكل ما تعرفه عن جان."
" جان باخوم؟"
أومأ الأستاذ الأعظم برأسه فعاد شامير يسأله
" ماذا تريد أن تعرف بالضبط يا سيدي؟"
" كل شيء وبالتفصيل."
صمت شامير للحظات يستجمع فيها شتات أفكاره ثم شرع يقص على مسامع رابين كل ما يعرفه عن جان وبالتفصيل.
..........................................
في عام 1858 م ولدت جان باخوم في الإسكندرية وتحديداً بحارة اليهود - تلك الواقعة بالقرب من ساحل البحر وحي الجمرك – لأسرة فقيرة أندلسية الأصل , أضطر أسلافها القدامى إلي الهرب من الأندلس بعد سقوطها إلي المغرب العربي قبل أنتقالهم للإقامة بمصر – هذا ما قصها عليها والدها ذات يوم وقصته هي على شامير فيما بعد – ولقد ورثت جان مع ما ورثت من والدها طموحه وذكائه الذي أشتهر بهما مع ما يكابده من ضيق لذات اليد. كان باخوم ذلك الطويل القامة النحيف الجسد رجلاً ذا أمال عريضة لا يعرف اليأس بالرغم من حياته البائسة.
مع مولد جان بدأت مأساته حين أصاب زوجته مرضاً عضالاً عجل برحيلها مخلفة له ( إبرام ) ذو السبع سنين و (جان) التي لم تتعدى العامين من عمرها , ثم ما لبث أن فقد تجارته فما وهن وما يأس وإنما راح يصارع الحياة وتصارعه حتى ألقته المقادير في طريق ( يعقوب سوارتس ).
كان يعقوب عضواً في عائلة سوارتس وهي واحدة من أثري عائلات اليهود وقتذاك ولقد أعجب بمهارة باخوم ومثابرته بالرغم مما بينهما من خلاف طائفي فأراد أن يشاركه لا عن رأفته به وبما يحيق به وبطفليه من إملاق وإنما لما لمسه من ربح قد يجنيه من خلفه , فعمد إلي التقرب منه ومفاتحته في أمر تلك الشراكة التي يود أن تقوم بينهما , ولم يكن أمام باخوم الطموح غير الموافقة.
لم يمض عام وبعض العام حتى شرعت تجارتهما في الإزدهار والتوسع لتشمل بعضاً من المدن الكبرى في القطر المصري , ولقد جنى باخوم من تلك الشراكة ثروة من المال جعلته في رغد من العيش فكان أن ألحق إبرام وجان بأحد المدارس اليهودية ( الحيدر ) لتعلم القراءة والكتابة وتلاوة التوراة.
وعلى العكس من أخيها الذي كان دائم التهرب من الحيدر كانت جان فتاة شغوفة بالمعرفة والعلم على نحو دفع والدها لإلحاقها بواحدة من مدارس ( أجيون ) تلك التي تحمل أسم العائلة اليهودية التى أفتتحتها في مصر عام 1865 م.
" كانت تلك هي بداية تعرفي بجان حيث أنتدبت معلماً بذات المدرسة التي ألتحقت بها الفتاة."
هكذا قال شامير للأستاذ الأعظم وهو يقص عليه خبر جان وعائلتها , ولقد قال له فيما قال أن والدها كان شديد التعلق بها لما هي عليه من ذكاء وأنه – أي شامير – لم يخفى عليه أيضاً ذلك العقل المتقد الذي جعل من الفتاة واحدة من أنجب تلامذته وأكثرهم تفوقاً
ولم يكن أحد على وجه البسيطة أسعد من باخوم في تلك الأيام فاقد تضاعفت ثروته وبات في بحبوحة من العيش قلما يجدها من هم على شاكلته من القرائيين غير أنه لم يكن يدري وهو يرفل في السعادة أن مأساته لن تلبث أن تعاوده وأن القدر على وشك أن يدير له ظهر المجن.
لطالما طالب باخوم ولده إبرام أن يعاونه في تجارته وأن يكون ساعداً أيمناً له , غير أن الفتى – وقد شب مدللاً لعوباً لا يأبه لشيء ولا يقدر المسئولية – أبى أن ينصاع لرغبة والده فنشب بينهما خلافاً عنيفاً دفعه لأن يغادر المنزل بل والإسكندرية كلها طريداً وينتقل للحياة في القاهرة.
ولقد كان لفراق إبرام , الذي أنقطعت أخباره عن والده , وقعاً أليماً على فؤاد باخوم فانتابه المرض وشرعت تجارته في التدهور والإنحدار على نحو أثار قلق شريكه الجشع ( يعقوب ) فقرر أن ينهي ما بينهما من شراكة على نحو يتيح له الاستيلاء على ثروة شريكه المريض.
كانت الشراكة بين باخوم ويعقوب قائمة – كما جرت العادة في القرن التاسع عشر – على مبدأ شريك رأس المال والشريك الفاعل حيث كانت العقود المبرمة بين الشريكين تنص على أن يقوم أحدهما بدفع رأس المال للطرف الأخر على أن يقوم بالمتاجرة بها في أصناف من البضاعة غالباً ما كانت تحدد أنواعها في تلك العقود , وكان على الشريك الفاعل أن يلتزم بتلك الأصناف المعينة من البضائع فإذا ما خالف ذلك وخاطر بالمتاجرة في نوع أخر غير متفق عليه تحمل وحده الخسارة الناجمة عن ذلك ولشريك رأس المال أن يسترد ماله كاملاً وإلا أودعه السجن. ولقد كانت تلك هي الدعامة التي استند عليها يعقوب في مؤامرته وما دبره لباخوم بليل , فكان أن قام بسرقة مخزن باخوم بعد أن احتال على أقناعه بالتجارة في صنف من البضائع لم ينص عليه ما بينهما من عقد مبرم , ولم يكن أما باخوم وقد أسقط في يده أمام وعيد يعقوب له بالسجن إلا أن يرد له ما كان قد دفعه من رأس المال.



كانت تلك هي الضربة التي قصمت ظهر الرجل فتكالبت عليه الهموم واشتد عليه المرض بعدما عاودته سنوات عجاف ظن أنها رحلت عنه بلا عودة وما لبث أن رحل عن الدنيا وقد أتمت جان عامها السادس عشر. ولقد كانت تلك الأيام التي أعقبت موت أبيها كليل بهيم أضلت فيه السبيل وضاقت عليها الدنيا بما رحبت , فشعرت وقد فقدت الأب والأخ وكأنها نبتة في مهب الريح يتقاذفها قدر أبى إلا أن يوصد في وجهها كل باب إذ قطعت المدينة طولاً وعرضاً بحثاً عن عمل ما تتكسب منه ما يقيم أودها ويكفل لها مئونة التعيش وقد أوشك ما تركه لها والدها من مال قليل أن يفنى , حتى إذا ما استيأست من الأمر قررت السفر إلي القاهرة بحثاً عن شقيقها وطلباً للرزق.
كان الليل قد أرخى سدوله حين وصلت جان إلي حارة اليهود بالقاهرة فراحت تبحث عن حي القرائيين طلباً للمأوى وقد أحست بالخدر يسري في جسدها الذي أوشك أن ينهار لشدة ما عانته من طول السفر والجوع .
حين بلغت أبواب المعبد القائم بالحي كانت عيناها قد زاغتا ومادت الأرض تحت قدميها فسقطت على أعتابه فاقدة للوعي. ولم تدري جان كم من الوقت مر عليها وهي في ثباتها العميق هذا , غير أنها لما أفاقت وجدت نفسها ممددة على فراش وثير في غرفة ضيقة تبدو نظيفة بالرغم من جدرانها العتيقة القاتمة.
أعتدلت الفتاة في فراشها وراحت تدور ببصرها فيما حولها فوقعت عينها على ذلك الشمعدان الثماني القابع على طاولة صغيرة في ركن الغرفة , وفوق الطاولة كان ثمة لوحة مثبتة على الجدار تصور موسى عليه السلام وقد رفع يده تضرعاً إلي الله.
عاودتها ذكريات ما حدث بالأمس القريب وما كابدته وكان أخر ما تذكره وقوفها مستندة إلي حائط المعبد ودقات يدها الواهية على بابه تشق سكون الليل مستجدية من بالداخل.
" لابد أنني في المعبد إذاً"
علت طرقات على باب الغرفة انتزعتها من ذكرياتها , ثم ما لبث أن فُتح الباب ليظهر على أعتابه رجلاً طويل القامة بزي ديني مميز للحاخامات
" حمداً لله على سلامتك يا بنيتي"
" أين أنا؟"
قريباً إن شاء الله تتمة الفصل الرابع




دكتور جيفاجو غير متواجد حالياً  
قديم 11-04-14, 02:08 AM   #12

دكتور جيفاجو

? العضوٌ??? » 315386
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 9
?  نُقآطِيْ » دكتور جيفاجو is on a distinguished road
Rewitysmile27


تتمة الفصل الرابع
أمسك شامير عن الكلام والتزم الصمت دقائق حين دلف إلى غرفة الإجتماع أحد الخدم العاملين بالمحفل حاملاً إليهما بعض من الشاى الساخن الذي تعود الأستاذ الأعظم رابين على أحتساءه في تلك الساعة من الصباح ، وما أن خلت الغرفة من الخادم حتى أعتدل شامير في مقعده وشرد ببصره بعيداً فارتشف رابين رشفة صغيرة من كوبه وأصاخ السمع إلي مساعده الذي أكمل حديثه
" كنت في تلك الأثناء قد انتقلت من الإسكندرية إلي القاهرة للعمل بأحد المدارس , ولقد حدث ذات يوم أن قصدت المعبد للصلاة فالتقيت بجان وكان قد مر على إقامتها هناك نحو شهر"
كان شامير قد فرغ من صلاته فى ذلك اليوم وتأهب لمغادرة المعبد حين وقعت عيناه على جان , بدت له الفتاة حزينة كاسفة البال قد خفت بريقها وانزوت عن وجهها نضارته وهي تعبر ذلك الممر القصير الذي يربط غرفة المعبد بقاعة الصلاة فهم بأن ينطلق نحوها محيياً بيد أنه بدا له أن يدعها دقائق لصلاتها لما وجدها عليه من حزن ووجل , فجلس على أحد المقاعد منتظراً فروغها من الصلاة.
راحت جان تتمتم بصلاتها عند المذبح وقد جثت على ركبتيها خاشعة وانهمرت دموعها غزيرة لتبلل وجنتيها الشاحبتين حتى إذا ما فرغت وهمت بالنهوض شعرت بيد تربت على كتفها
" كيف حالك يا جان ؟"
جاءها الصوت من خلفها عطوفاً فالتفتت دهشة ليطالعها وجه شامير وقد علته بسمة رقيقة
اعتدلت جان واقفة ومدت يدها تصافحه بدهشة يشوبها سعادة واضحة
" الأستاذ شامير؟!!"
أحست الفتاة براحة تغمرها وانهمرت عبراتها وهي تشد على يده وكأنها غريق يشد على يد منقذه , فعلى الرغم من أنها لم تكن تغادر المعبد منذ أقامت به إلا ساعات قليلة كانت تقضيها بين جنبات الحي إلا أن المدينة بدت لها كصحراء مترامية ضلت فيها السبيل , ولعل ذلك كان ما يقف خلف شعورها بالضياع الذي ملك عليها النفس منذ أن ارتحلت إلي القاهرة بحثاً عن أخيها.
طلب منها شامير أن تقص عليه أمرها ففعلت حتى إذا ما انتهت أحس نحوها بشفقة لطول ما عانته فعقد عزمه على معاونتها في البحث عن إبرام , على أن ذلك العطف الذي كان يشعر به تجاهها لم يكن دافعه الوحيد لإقالتها من عثرتها , ذلك أنه كان على دراية بما تتمتع به جان من ذكاء متوقد وشخصية براقة فتمنى لو استطاع أن يضمها إلى محفل ( دانيال ) وقد كان منتسباً إليه آنذاك على درجة مساعد.
" أنني أشعر بضياع رهيب"
قالتها جان مختتمة حديثها حول مأساتها فأجاب متأثراً
" كلنا نشعر بمثل ما تشعرين به يا صغيرتي."
تطلعت إليه جان متسائلة عما يقصد فأردف مفسراً
" إنه لمن العار أن يعيش شعب الله المختار في مثل هذا الشتات , إننا أمة اليهود غرباء نعيش في غير وطننا تتقاذفنا النوازل على مر العصور وتهفو نفوسنا إلى جبل صهيون حيث الأصل والوطن"
" أتقول بأن ما أشعر به من ضياع ليس مرده إلى تلك الحياة البائسة التى أحياها؟"
" أجل يا عزيزتي , إن ذلك الإحساس بالتيه كامن في أعماق كل يهودي ولقد تجلى في صدرك مع ما تجابهينه من مشكلات"
قالت جان متعجبة
" ولكنني لا أعرف وطناً غير مصر , ففيها مسقط رأسي ومرتع طفولتي , أنت نفسكولدت ونئأت هنا."
" هذا صحيح , غير أني مسير في ذلك , ولو خُيرت ما أخترت غير أرضنا الموعودة مسقطاً للرأس."
بدت الفتاة متحيرة من ذلك المنطق العجيب الذي يتحدث به معلمها عن تلك الأرض الموعودة والوطن المزعوم , على أنها سرعان ما تناست حيرتها تلك مع ما داخلها من حبور لوعده أياها بمعاونتها في إيجاد شقيقها , ولقد كان شامير عند وعده هذا فلم تمض أيام حتى استطاع بمعاونة بعض من تلامذته في المحفل أن يقع على إبرام وأن يجمعها به , بل ولقد ذهب لأبعد من ذلك فكان وسيطاً لها في عملها بدار للصرافة.
كان لذلك الجميل الذي صنعه لها فعل السحر في عقلها وقلبها فتعلقت به حتى بات عوضاً لها عن والدها الراحل وأسلمت له قياد فكرها على نحو يسر له إقناعها بالانتساب إلي ذات المحفل الماسوني فانتظمت في سلكه كتلميذة له.
" هذا كل ما أعرفه عن الفتاة"
تخلى الحاخام رابين عن مقعده وراح يزرع الغرفة جيئة وذهاباً وهو يتفكر فيما قصه عليه شامير بصمت وشرود بحثاً عن سبيل لحمل جان على اقناع أخيها بالسفر إلي الأستانة , لقد عانت الفتاة كثيراً وألهب ظهرها سوط المحن ولم يعد لها في الوجود غير هذا الشقيق العائد بعد غياب , فهل ترضى بفراقه ثانية ولم يمض على لقائهما غير عام ؟
جاهد رابين في أن يخفي توتره عن مساعده الذي ألتزم الصمت إجلالاً لسيده حتى قال
" حسناً , لابد أنها في مقر عملها الأن , أليس كذلك؟"
أجاب شامير
" أجل يا سيدي "
ألتفت نحوه رابين وقال آمراً
" أعرج إليها الآن وأخبرها برغبتي في لقاءها مساء اليوم"
بهت شامير لقول الأستاذ الأعظم إذ لم يكن يتوقع منه مثل هذا الأمر لما فيه من خرق لقوانين المحفل وتعليماته
" ولكن يا سيدي ......"
أطلت من عيني رابين نظرة حادة ألزمته الصمت لوهلة ثم ما لبث أن أعتدل واقفاً وهو يقول متلعثماً
" حسناً , الأمر ما ترى يا سيدي."
" عجل بالأمر إذاً"
كانت عبارة الحاخام الأخيرة إيذاناً لشامير بالإنصراف فاعتدل واقفاً وألقى التحية على سيده وهو ينسحب من المكان دون أن تفارقه الدهشة.


دكتور جيفاجو غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
العرب, إلياذة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:49 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.