آخر 10 مشاركات
غيوم البعاد (2)__ سلسلة إشراقة الفؤاد (الكاتـب : سما صافية - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          قلبه من رخام (37) للكاتبة الآخاذة: أميرة الحب raja tortorici(مميزة) *كاملة* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          1126- الملهمة - ميراندا لى - دار النحاس ( عدد جديد ) (الكاتـب : Dalyia - )           »          104 - بانتظار الكلام - ليليان بيك - ع.ق ( مكتبة زهران اعادة تصوير ) (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          بأمر الحب * مميزة & مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          [تحميل]ظلمني من أحببت،للكاتبة/ سمر شكري "مصرية" ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          جارية في ثياب ملكية (60) -ج1 قصور من رمال- بقلم:نرمين نحمدالله *كاملة&بالروابط*مميزة (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )           »          ذنوب مُقيدة بالنسيان *مكتملة* (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          89 - جرح الغزالة - آن هامبسون - ع.ق (الكاتـب : pink moon - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-06-14, 07:27 AM   #41

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



ـــــــــــــــــــــــ

الـــجــــزء 20 ( الأخـــير ) :












و وضع السماعة و خرج يعدو و قلبه يدق بعنف، و وقف وسط الطريق لسيارة خاصة يستوقف صاحبها و يستركبه غير عابىء بالخطر المحتمل .. و وقف السائق ثائر الأعصاب فانحنى اسماعيل على نافذته :

— سامحني .. أرجوك .. طفلتي الوحيدة في خطر .. خذني إلى المطار .. أرجوك ..

و هدأت ثورة الرجل في الحال فمد يده و فتح الباب :

— أدخل يا سيدي .

إنطلق نحو المنارة ..

و حطت طائرته الصغيرة بمطار " أنفا " و نقلته سيارة المطار إلى بيته ، و هو يغالب الرغبة في الصراخ للتنفيس عن توتر أعصابه ، و يداعب الأمل في أن تكون زينة وجدت الصبية ..

و لكن شكا قاتلا كان يلح عليه في أن تكون طفلته وقعت في أحد الفخاخ .. خرجت تحبو من فجوة ما في السور الزجاجي ، و ابتلعتها البالوعة الكبرى ، و إذا صح ما توقعه .. يا ويلتاه !

و أغمض عينيه ليجد صورة حبيبته الصغيرة على شاشة خياله الهائلة و هي تتعرض للاستنطاق الآلي ، و التعذيب الذي يتجاوز الاحتمال البشري ..

و عذبه ازدحام المرور . و لم يصل إلى داره حتى كاد يفقد عقله.

و فتح الباب بيد مرتعشة ، و صعد يعدو إلى السطح ، و فتح الباب فهرعت إليه زينة مشيرة إلى ثقب في السور :

— لابد أنها خرجت تحبو من هنا ووقعت لا أدري أين .

و انقلب هو راجعا فتبعته المرأة الهالعة ، و قد شحب وجهها و تحول إلى وجه امرأة ميتة تتحرك .

و في القبو الأسفل فتح باب غرفة الاستنطاق ، و ضغط على أزرار النور فظهرت الطفلة لحسن حظهما جالسة تبكي ، و قد بدأت أضواء الاستنطاق تعلن نهاية الجلسة ..

و ضغط اسماعيل على أحد الأزرار ، فانفتح الباب الزجاجي ، و اختطف الطفلة بثوان قبل أن تنفتح الأرض الجهنمية تحتها .. و ضمها إليه .. و اخرجها لأمها التي أخذتها منه هي الأخرى ، و ضمتها إليه و وقفت ترتجف و تنتحب ..

و فجأة .. و دون توقع . أحس اسماعيل بالبلل على خذيه .. و مد يده فمسح عينيه و انتظر لحظة معتقدا أنها دموع الطفلة على وجهه .. و لكنه شعر بأنابيب الدمع التي كانت مقفلة مصمتة منذ صدمته الأولى في " كارين " و الطفلة ، و قد بدأت تنفتح و بالدمع ساخنا يتدفق بغزارة فيغرق عينيه و وجهه .

و زغردت بلابل السعادة في أعماقه بأصوات لم يسمع مثلها منذ قابل " كارين " ..

و ود لو اختلى بنفسه ليستمتع بدموعه مع صورة كارين و كريمته في غرفة نومه ليبكيهما .. ليودعهما و ليطفىء الحريق الهائل الذي اشتعل بداخله منذ عودته من تلك الرحلة المشؤومة ..

و تحرك ليصعد ، فأمسكت زينة بتلابيبه ، و شرر الجريمة يومض في عينيها و خاطبته بصوت فولاذي بارد :

— أريد أن أخرج أنا و ابنتي من هنا الآن .. لن أمكث في هذه الدار دقيقة أخرى .. هل سمعت ؟

و دفعته نحو الحائط صارخة :

— أنت مجنون .. هذه المصيدة الكبرى لا يبنيها إلا مجنون ..

و دفعته بعنف ضد الحائط مرة أخرى :

— أسمعت ؟ مجنون .. أقتلني إذا أردت ..

فأمسك إسماعيل بيدها برفق :

— سنخرج .. سنخرج جميعا يا زينة .. الآن إذا شئت .. و تستطيعين أن تناديني بالمجنون متى أردت .. فقد كنت مجنونا .

و تركت زينة صدره و مسحت عينيها بكفها ، و نظرت إليه غير مصدقة :

— أنت تبكي .

و مدت يدها فلمست بأصابعها خده ، و ارتعشت شفتاها ، و هي تهمس لنفسها :

— و لكن المجانين لا يبكون ..

فمسح اسماعيل عينيه بمنديله و اعاد :

— نعم ، المجانين لا يبكون ..

و مدت أسماء يدها الصغيرة إليه تريده أن يحملها ، فابعدتها زينة عنه ، و قد زاغت عيناها ، و أحاطت بهما زرقة الإرهاق و الرعب ..

و نطق اسماعيل مشيرا إلى الباب :

— جميع الأبواب مفتوحة ..

فنظرت خلفها إلى الباب ثم إليه غير مصدقة ، و تحركت تصعد الدرج إلى القبو الأعلى ثم إلى وسط الدار .. و وقفت تنظر حواليها حتى وقعت عيناها على الباب المشبك بالحديد و الزجاج الملون .. فأسرعت نحوه ، و وضعت يدا وجلة على المقبض ، و جذبته فانفتح الباب .. ونزلت الدرجات الرخامية الأربع بسرعة ، و خرجت من البوابة الخارجية التي كانت ما تزال مفتوحة على مصراعيها ، و أطلقت ساقيها للريح قاصدة طريق السيارات العام ..

و توسطت الغابة و أخذت تنظر حواليها في توجس .. و أخذت الطفلة تبكي فلمست الأم مقعدها فإذا به بلل .. و تذكرت أن الطفلة جائعة و تحتاج إلى تبديل الخرق و الأكل ، و النوم ..

و قصدت شجرة فجلست تحتها ، و أزاحت الخرق الوسخة عن الطفلة لترتاح ، و لتفكر هي فيما ستفعله بنفسها ..

و هنا ظهرت سيارة إسماعيل تدرج على مهل ، فتوقف إلى جانبها ، و خرج إسماعيل بسلة فيها جميع أمتعة الطفلة و طعامها ..

فوضعها أمامها قائلا :

— فكرت في أنك ستحتاجين إلى هذه ..

فمدت يدها نحو السلة مسبلة جفنيها :

— شكرا ..

و ناولت الطفلة قطعة بسكويت أخذتها هذه إلى فمها بشراهة ، بينما هي تغير خرقها ، و إسماعيل ينظر إليهما من فوق ..و في النهاية نطق :

— زينة ..

فلم ترفع رأسها ، و لم تجب ..

— زينة .. أنت حرة الآن ... و أريد أن أسألك سؤالا كامرأة حرة ..

و ظلت صامتة .. فقعد إلى جانبها ، و سأل بصعوبة :

— هل تتزوجينني ؟

و أجابت بجفاف دون أن ترفع صوتها :

— كلا ..

فسرت في بدنه قشعريرة :

— لماذا ؟

و لم تجب ..

— و أسماء ؟

— أسماء بنتي أنا ..

— هل ستعيش بلا أب ؟

— ليس شغلك ..

و لعق شفتيه بلسانه مستعدا لرد فعل عنيف منها ، و قال :

— إذا كنت تعتمدين على مجاهد .. فقد ذهب .. أعني إلى حيث لا يعود .

فقالت دون تأثر :

— أعرف ذلك ..

فتنهد مرتاحا ، و أضاف :

— زينة .. اطلبي مني ما تشائين ، و لكن لا تتركيني .. أسمعت ؟ ما تشائين ..

فتوقفت عما كانت تفعله ، و رفعت رأسها نحوه :

— ما أشاء ؟

— نعم ، كل ما تريدين ..

و اقترب منها و أمسك بيدها :

— أنا آسف على كل ما حدث مني .. و أريد أن أعوضك على سجنك الطويل و معاملتي القاسية لك ..

فسحبت يدها من بين كفيه :

— حسنا . إذا قبلت شروطي ، فلا مانع عندي .. أريدك أن تقفل هذه الدار و جميع الديار التي بنيتها على هذا الطراز .

فأجاب متحمسا :

— سأفعل .. ثم ماذا ؟

— أن ننتقل من هذه البيئة الموبوءة إلى مدينة أو قرية بعيدة عن ذكرياتنا أنا و أنت ، حتى يسهل علينا النسيان ، و البدء من جديد .

فأمسك بيدها و قبلها .. و قد اغرورقت عيناه ، و هو يردد :

— أحبك .. أحبك جدا يا زينة ..

و التقطت هي الطفلة من فوق العشب ، و ناولتها إياه :

— خذ ابنتك ..

و نظر إلى الطفلة ، و دموع السعادة تتلألأ في عينيه ، و قبلها ، و قال لزينة :

— أريد أن أريها لأمي .

— و أنا كذلك ، لماذا لا نسافر هذا المساء ؟ نبيت الليلة في دوارنا بالسبت قرب العرائش ، و في الصباح نكمل الطريق إلى طنجة ؟

— أليس الأفضل أن نخبرهم أولا ، حتى نعدهم للمفاجأة ؟

— هذه مفاجأة سارة .

ثم أضافت :

— و في قريتنا لا يوجد بريد و لا تلفون ، إلى جانب أنني لا أريد أن أعود إلى تلك الدار ( مشيرة إلى دار اسماعيل ) .

و انطلقت بهم السيارة نحو وسط مدينة الدار البيضاء ، و توقف إسماعيل على باب عمارة تجارية ، و دخل ليخرج ، بعد ساعة ، و خلفه حمال يحمل حقيبتين مثقلتين بالهدايا وضعهما في صندوق السيارة ، و انطلق نحو الطريق المزدوج المتوجه نحو الشمال .

و حين ترك ازدحام المدينة وراءه ضغط على أحد أزرار الراديو فامتلأت السيارة بموجة حالمة من الموسيقى الكلاسيكية من إذاعة البرتغال القريبة .

و ساد الصمت ، فسرح اسماعيل يفكر و يخطط لحياته الجديدة ، فكر في العودة إلى طنجة و لكنه رفض الفكرة في الحال . يستحيل أن يتعايش مع ذكرى حبيبتيه الراحلتين .

و فكر في مراكش .

مراكش جميلة و دافئة ، و لكن لا بحر لها ، و هو ابن طنجة ، ابن بحرين ، المحيط و الابيض .

و قفز ذهنه بسرعة جنوبا إلى أكادير ، المدينة الشابة التي انبعثت من جديد ، من تحت انقاضها بعد زلزال 1960 ، وقامت من رمادها كطائر الفينق الأسطوري العجيب !

و همس لنفسه : " أڭادير إذن ! "





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-06-14, 07:29 AM   #42

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



و نامت الطفلة في حجر زينة فسرحت هي الأخرى تسترجع صور ماضيها القديم و الحديث .

و في غابة الصفصاف و الفلين الكثيفة بين مدينتي القصر الكبير و العرائش ، عاودها حنين قوي إلى مرابع صباها ، كانت تقترب بسرعة من قريتها النائمة بين الصخور .

و تتابعت الصور في مخيلتها حتى توقفت عند الحاج عبد القادر الغمبوري ، فلم تتمالك من إطلاق ضحكة مكتومة .

و التفت اسماعيل مبتسما لسرورها و متسائلا عن سببه ، فقالت :

— تذكرت الحاج الغمبروري .

— و من يكون صاحب هذا السم العجيب ؟

فقالت بمرح :

— أول غرام في حياتي !

— لم تقولي لي عنه شيئا من قبل .

— لأن هذه أول مرة أتذكره ، حين اقتربنا من " السبت " .

— أي غرام أول هذا الذي لا تتذكرينه إلا حين تقتربين من قريته ؟

فضحكت :

— لأنه كان غراما من طرف واحد .

ثم أضافت :

— حين أفكر فيه الآن أجد أنني مدينة له بلقائنا .

— كيف ؟

— لأنه كان السبب في هروبي من القرية صحبة مجاهد .

و تنهدت تنهدا مكتوما ، و أضافت :

— الغمبوري رجل في سن أبي أو جدي ، عشقني منذ صباي ، و كان يخصني بعطف خاص ، و خصوصا بعد وفاة والدي ، كان يأتينا بالهدايا كلما نزل إلى المدينة ، إلى العرائش أو أصيلا ، و حين بلغت الرابعة عشرة جاء يخطبني من والدتي ، فرفضت أولا بحجة أنه رجل متزوج ، فعرض أن يطلق زوجته .

فحرك إسماعيل رأسه :

— إلى هذه الدرجة !

—— بل أكثر! لم تستطع أمي و هي الأرملة الفقيرة مواجهته بالرفض القاطع ، لكبر سنه ، و صغري ، لعلو مقامه في القرية ، و غناه العريض ، فالتجأت إلى الحيلة معه ، و فكرت في انها إذا اشترطت عليه مهرا غاليا فإنه سيتراجع .

و توقفت لتسأل :

— أتعرف كم طلبت أمي مهرا لي ؟ نصف ثروة الرجل ! و صدقني إنها ثروة واسعة .

— و ماذا كان جوابه ؟

— قبل دون أن يرمش ! بدون تردد يذكر !

و تنهدت :

— مسكين !

— و ماذا فعلت والدتك ؟

— والدتي بهتت ، ولم تكن تتوقع أن يقبل ، و وجدت نفسها فجأة تملك ثروة لم تكن تحلم بها ، وقبلت هي الأخرى ، و وعدته بإقناعي .

و أغمضت عينيها :

— مسكينة !

— وكيف انتهت الحكاية ؟

— حين أدركت أنا أن أمي مصرة على تزويجي منه ، تظاهرت أنا الأخرى بالاقتناع و بكيت طوال الليل ، و باتت أمي الحبيبة تسليني بأحلامها بأنني سأعيش حياة الترف و الهناء ، و أن الحاج الغمبوري رجل كبير السن ،و سيموت قريبا ، و أرث أنا ثروته ، و اتزوج بعد ذلك من أشاء .

" و لكن صورة الغمبوري بضخامة جثته ، و بشاعة وجهه ، و رثاثة هندامه ، و عفونة جوفه كانت تطاردني كشبح مخيف .

" و جاء يوم السبت ، يوم يعمر السوق ، و خرجت الوالدة لقضاء بعض حاجاتها و بقيت وحدي ، و بينما أنا أفكر في مصيبتي إذ دخل علي " مجاهد " لا أدري كيف سمع بما حدث ، فجاء من العرائش ، حيث كان يزاول بطالته و حيث كنا ندرس معا ، قبل وفاة والدي ، و قبل سقوطه و طرده . اختلط بالمتسولين حتى لا يراه الحاج الغمبوري الذي كان يعرف علاقته بي ، علاقتنا كصبيان ، و لكنه كان شديد الغيرة من كل من ينظر إلي من جنس الذكور .

" دخل على مجاهد متخفيا في جلباب صوفي قديم . في المدينة كان يلبس ملابس العمال ، و بدون مقدمات قال لي آمرا " إجمعي ملابسك " !

" و لم أتوقف ، أنا الأخرى ، لحظة لأسأل . جمعت ملابسي القليلة في صرة ، و لبست جلبابي و وقفت أنتظر أوامره . و نظر إلي و قال : " الأحسن أن تتلحفي ، جلبابك معروف في القرية . " .

" و التحفت و تلثمت ، و خرجنا رأسا إلى موقف السيارات حيث كانت سيارة أجرة تنتظرنا ، و ركبنا نحن الاثنين فقط فانطلقت بنا نحو العرائش .

" و منذ ذلك العهد ، لم أعد حى الآن .

" كتبت لوالدتي طبعا حتى أطمئنها على سلامتي ، و أشرح لها سبب هروبي ، و لكن لم أبعث لها بعنواني ، و لم أستقر منذئذ بمكان حتى أبعث لها بعنوانه "

فحرك إسماعيل رأسه غير مصدق :

— يا لها من مغامرة ! يا ترى ماذا فعل الله بالغمبوري ؟

— ذلك ما أود معرفته ، لابد بأن ذكراي تلاشت في ضباب شيخوخته !

و مع الغروب وقفت السيارة الفخمة بساحة المسجد بقرية السبت ، و تجمعت حولها جوقة من الصغار الحفاة الحليقي الرؤوس ، يشع الفضول الصبياني من عيونهم المتطلعة .

و قصدت ثلة من الفتيات الأكبر سنا دار زينة ليخبرن أمها بوصولها :

— جاءت زينة .. صحبة رجل وسيم ، و طفلة جميلة في سيارة من فضة خالصة .

و أتزرت الأم بمنديل صوفي مخطط بالأحمر و الأبيض ، و غطت رأسها بفوطة حمام كبيرة ، و خرجت من الغرفة المبنية بالطوب ، و المسقوفة بالقصدير ، و المبيضة بالجير و النيلة لتقف على باب الحوش الشوكي الذي تقف فيه أغنامها .

و ظهرت زينة و خلفها إسماعيل يحمل أسماء ووراءها ما تبقى من سكان القرية الصغار .

و عانقت زينة أمها ، و بكت من التأثر ، و عاجلتها ابنتها بطريقتها الخفيفة الآسرة التي حببتها إلى اسماعيل في أول لحظة رآها :

— للا أمي ، هذا زوجي ، إسماعيل ، و هذه طفلتنا اسماء .

و صافحت الأم اسماعيل و قبل يدها ، و نظرت زينة حواليها الى الوجوه الصغيرة من خلال بلل عينيها ، ثم تبعت أمها إلى داخل الغرفة مشجعة إسماعيل على الدخول هو الآخر .

و في منزل آخر من منازل قرية السبت وقف الحاج الغمبوري في غرفته . حين سمع بخبر عودة زينة أحس بموجة حرارية تغلف جسده و بقلبه يدق لسماع ذلك الاسم الذي طالما هيج مشاعره ، و اقترن في ذهنه بقمة السعادة أولا ، حين كان يراقبها و هي برعم يتفتح ، و ينضج ، و يمني بها نفسه حالما تصل السن المطلوب ! ثم بتحضيض الشقاء و الاهانة حين رفضت الزواج منه رغم تنازله لأمها عن نصف ثروته ، و عرضه تطليق زوجته أم أولاده ، من أجلها !

و عاودته جميع مشاعر الحسرة و الألم القديمة يوم علم بفرارها في جوف الليل خشية ضغط أمها عليها للزواج به .

و نظر إليه راعيه الذي جاء بالخبر :

— ماذا تنوي أن تفعل ؟

و لمس الحاج الغمبوري نبرة تحد في سؤال الراعي ، فصرفه بحركة من يده ، و أخذ بذرع الغرفة الطويلة جيئة و ذهابا .

و فجأة توقف ، و نادى باسم الراعي الذي كان يتعشى على السكة خارج الغرفة :

— إسمع ، إذهب إلى منصورة ، و قل لها تدور على جميع بيوت القرية تخبرهم بعودة زينة متزوجة ، و تطلب منهم الذهاب لتهنئة أمها .

— نعم ، آ سيدي !

و هم بالذهاب ، فاسترجعه الحاج :

— تعال ، و انزل حالا إلى النادر وعد بالجرار و المحراث الكبير ، وانتظرني في الغابة الصغيرة على الطريق ، اسمع .

و توقف الراعي ..

— لا تقل لأحد إنني أمرتك بهذا ، سمعت ؟ لا تتكلم مع أحد .

— كن هاني آسي الحاج .

و انطلق يعدو إلى دار القابلة منصورة .

و في ظرف نصف ساعة امتلأت غرفة أم زينة الوحيدة بالمهنئات من سيدات القرية ملفوفات في الحفهن الصوفية ، مما اضطر إسماعيل إلى الخروج إلى وسط الدار ، و تبعته زينة محرجة ، فاقترح عليها بأن يذهب إلى العرائش لقضاء الليلة بأحد فنادقها ، فرحبت بالفكرة .

وودعته على باب السيارة على أن يعود في صباح الغد .

و تدحرجت السيارة من فوق هضبة ( السبت ) على طريق منحدر ضيق مترب نحو سهل نهر ( لوكوس ) ينعرج بين الصخور الضخمة ، و أشجار التشت المتناثرة تحت ستار كثيف من الظلام .

و توسط الغابة الصغيرة التي كانت أغصان أشجارها تمتد إليه ، حين يمسها نور سيارته ، كأيدي حيوانات أسطورية غريبة ، فأحس بالوحشة و أخذ يستعجل الوصول إلى الطريق العام .

و لمح فجأة بطرف عينه اليسرى شيئا يتحرك بجانب الطريق ، فالتفت فإذا محراث من النوع الثقيل يدخل عليه السيارة من النافذة ، و يمزق راكبها و يعجنه مع جلد الكراسي ، و حديد الباب !

و نزل الحاج الغمبوري من فوق الجرار ، و تبعه راعيه ، ليتأكدا من موت غريمه ، و ما كادا يقتربان من السيارة حتى انفجر خزانها و قذف بهما فألصقهما أشلاء دامية مع عجلات الجرار ، و جذوع الأشجار .

و سمع سكان قرية السبت دوي الانفجار ، فخرجوا من بيوتهم ليقفوا على حافة الهضبة ، و ينظروا إلى النار تلتهم الحديد و الأشجار .

و سمعت زينة الانفجار فأحست بمغص حاد في بطنها ، و بفراغ في صدرها و ركبتيها .

————



و في طنجة ، وقفت تنظر مخدرة إلى بقايا اسماعيل توضع في قبره داخل تابوت بمقبرة المجاهدين.

و حين تفرق الناس ، اقتربت من القبر ، و انحنت تغرس على رأسه باقة من العطرشة ، ثم جلست على حافة القبر المجاور و غرقت في التأمل .

و أيقظها من سهوها ظل طويل على القبر فرفعت عينيها ، فإذا بوالد اسماعيل تماما كما عرفته في الصورة التي رأتها في داره .

— ماذا تفعلين هنا يا بنتي ؟

و وقفت تنظر إليه ثم إلى الأرض محرجة و أجابت :

— لا شيء .. لا شيء بالمرة ..

فسأل الرجل الحزين :

— أنت زينة ؟ أليس كذلك ؟

فبلعت غصتها و حركت رأسها بنعم ، فمد الرجل المهيب يدا في رقة و رشاقة يدي اسماعيل ، و وضعها على كتفها :

— تعالي يا بنتي ، تعالي ..


******



و انتهى اسماعيل .


و لكن عهد اسماعيل لم ينته ، فقد بقيت منازله المستقبلية قائمة في جميع أطراف المملكة تنبض بالحياة ، تشع بالإغراء ، و تجذب اللصوص و القتلة و قطاع الطريق ، كما تجتذب بعض نباتات الأمازون الجارحة الحيوانات و الحشرات ، فتنسد عليها و تعتصرها ، وتمتص دماءها و تفترس لحومها ، بينما الشركات المساهمة في بنائها تتجادل حول نصيبها من ملكيتها ، و تتنازع في حل الشبكة القانونية المعقدة التي ذهب بعض المحامين إلى القول خفية بأن اسماعيل تركها كذلك عمدا .








انتهت.





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-01-23, 01:09 AM   #43

المجدوبي

? العضوٌ??? » 510059
?  التسِجيلٌ » Jan 2023
? مشَارَ?اتْي » 3
?  نُقآطِيْ » المجدوبي is on a distinguished road
افتراضي سأبكي يوم ترجعين

رواية تستحق القراءة

المجدوبي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:09 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.