آخر 10 مشاركات
وشمتِ اسمكِ بين أنفاسي (1) سلسلة قلوب موشومة (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )           »          [تحميل] زينه هي الموت والمنعوت والنجوى بقلم/black widow(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          [تحميل] أشباه الظلال للكاتبة / برد المشاعر ( ليبية فصحى) (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          عذراء الإيطالى(141)للكاتبة:Lynne Graham(الجزء1سلسلة عذراوات عيد الميلاد) كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          مشاعر من نار (65) للكاتبة: لين غراهام (الجزء الثانى من سلسلة عرائس متمردات)×كاملة× (الكاتـب : Dalyia - )           »          أحفاد الصائغ *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          582 - الصحافية الجميلة - جاين دونيللي - ق.ع.د.ن (الكاتـب : Gege86 - )           »          و آن أوان قطافك * مميزة **مكتملة* (الكاتـب : ahlem ahlem - )           »          يبقى الحب ...... قصة سعودية رومانسيه واقعية .. مميزة مكتملة (الكاتـب : غيوض 2008 - )           »          589 - أكره أن أحبك - سارا وود - ق.ع.د.ن (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-05-14, 10:02 AM   #1

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 سأبكي يوم ترجعين / للكاتب احمد عبد السلام البقالي ، فصحى


[/TABLE1]

[TABLE1="width:95%;background-image:url('https://www.rewity.com/forum/mwaextraedit2/backgrounds/15.gif');border:10px groove darkblue;"]



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقدم لكم رواية
سأبكي يوم ترجعين
للكاتب / احمد عبد السلام البقالي
تنقلها لكم / ضَجِيجُ الاِشْتِيَاق



قراءة ممتعة لكم جميعاً.....



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-05-14, 10:04 AM   #2

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي







[ السلآم عليكم و رحمة الله تعآلى و بركآته ]






سأبكي يوم ترجعين



روآية ليست ككل الروايات ..
من أروع ما قرأت ..
للكاتب أحمد عبد السلام البقالي ..


من الروايات النادرة ..
الصعب الحصول عليهآ ..



شخصيا ، ما كنت لأحصل عليها لولا حب أمي للقرآءة ..
و حرصها على الاحتفاظ بكل مآ قرأته في صغرهآ ..



لن أطيل عليكم ..
سأضع بين أيديكم رواية الكآتب " احمد عبد السلام البقالي " ..
أتمنى أن تنال إعجابكم ..


رابط لتحميل الرواية

https://www.rewity.com/forum/t321087.html#post10231344






التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 27-04-15 الساعة 08:14 AM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-05-14, 10:05 AM   #3

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


مــقدمة :

ماذا يحدث للعقل العبقري حين ينقطع عنه تيار الحب ؟
قصة " اسماعيل البناء " تجيب عن ذلك ..
تأخذك داخل العقل العبقري البارد و دهاليز العاطفة البشرية المحترقة ..
قتلوا حبه العظيم مرتين ..
فعاش حياتين ..
و مات ميتتين ..
عاش حياتين يحلم في إحداهما بالمجد و شرف خدمة الوطن و الإنسانية ..
أما الثانية ..
فهي موضوع هذه الرواية ..
قصة " اسماعيل البناء " ليست ككل القصص ..
ذلك أنها لم تنته بعد .. !
فحذار من الاقتراب من منزله !





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-05-14, 10:08 AM   #4

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



ـــــــــــــ


البـــــارت الأول :



لم يكن إسماعيل البناء يعرف ما ينتظره على الأرض من قدر رهيب !

و لو استطاع أن يطل من نافذة الغيب على ما ينتظره ، لفضل أن تتحطم به الطائرة ، و يحترق جسده،و يتحول إلى رماد .. فذلك أرحم !

كان غارقا في مقعده الوتير بالدرجة الاولى ، على متن الطائرة القادمة من نيويورك إلى طنجة ، عن طريق لشبونة ، مستغرقا في مراجعة تقاريره ، فلم يسمع همس المضيفة الحسناء و هي تسأله :

— شامبان ؟

أحس بوجودها .. بظلها ، و عطرها ، و نسائم أنوثتها الناعمة، ورفع رأسه فوقعت عيناه الواسعتان في عينيها الزرقاوين زرقة السماء خارج الطائرة .. و رفعت هي الزجاجة الندية لتسكب السائل المضيء في كأس بلورية رشيقة ، مستجدية موافقته بابتسامة دافئة و كأنها ترجوه ألا يرفض .. فنزع نظارته، و ابتسم لها بهدوء و قال معتذرا :

— آسف يا آنسة .. سأسوق بعد الهبوط .. و شكرا على أي حال ..

و نظر من نافذه الطائرة إلى سماء صيفية رمادية اللون .. ثم إلى الأرض ، فرأى بحيرته المفضلة .. كان يسميها التنين .. فقد كانت تشبه ذلك الحيوان الأسطوري فعلا إلى حد الكمال ، بأقدامها الأربعة الطويلة الأصابع و البراثن ، و برأسها التمساحي المتعدد القرون و الأسنان ، و المفتوح الفم ، و بذيلها الطويل الشائك .. كانت بحيرة شديدة الزرقة في منطقة جبلية وعرة قاحلة ، على هضبة وسط الجزيرة الإيبيرية .

و عاد إلى أوراقه ، فلبس نظارته و تأكد من مربط حزام الأمان الذي اعتاد أن يتركه معقودا، خشية الاهتزاز المفاجىء، ثم تناول قلمه الجاف، و أخذ يلمس برأسه مفاتيح آلته الحاسبة المركبة في ساعة يده، و يملي النتيجة على آلة الإملاء المصغرة داخل جيبه ، من خلال ميكروفون معلق بعروة سترته .

و حين انتهى من وضع اللمسات الأخيرة على تقريره عن المؤتمر الذي كان يحضره بواشنطن عن " تقنيات البناء الجاهز السريع " ، أحس بسعادة كبيرة .. فاقفل حقيبة يده على الاوراق، و وضعها جانبا، و تناول سماعة الموسيقى الموصولة بذراع المقعد، ووضعها في أذنيه، و دفع بالمقعد إلى الخلف، و اغمض عينيه سابحا مع أغنية من شريط مسرحية ( جنوب الباسيفيك ) :

"
يا له من صباح يوم جميل ..

و نسيم رطب عليل عليل ..

كل ما في الوجود حاز رضايا ..

كل شيء يسير وفق هوايا ..
"

و وقعت الأغنية من نفسه موقعا جميلا ، فطرب لها طربا شديدا ..

و حين انتهت شعر بوخز ضمير، و بالاثم لما خامره من سعادة.. فقد كان يحس في أعماقه أن الكمال لابد أن يعقبه نقص.. و أن السعادة المفرطة، لا بد أن تنتهي إلى شقاء.

لم يكن الثراء الشخصي هدفا في حياته، فقد حقق في السنوات السبع الأخيرة من النجاح المادي ما جعله يعد بين أثرياء المدينة العشر الأوائل .. و لم يكن ذلك بالأمر اليسير إذا اعتبرنا خلفيته المتواضعة..

نشأ اسماعيل البناء في بيت عمالي فقير كثير العيال..و كان صغير إخوته التسعة، و أذكاهم و أكثرهم تألقا.. و قد أنقذه نجاحه الدراسي من ترك المدرسة و الانضمام إلى أبيه و اخوته في عمل البناء..

و استطاع الحصول على منحة بمجرد دخوله الثانوي، فرفع عن والده ثقل مصاريفه.

و احرق المراحل بسرعة، و حصل على منحة إلى الولايات المتحدة للاختصاص في تقنيات البناء السريع الجاهز القليل التكاليف ، و الذي كان يشعر في أعماقه أنه ضرورة قصوى لجميع بلدان العالم الثالث.

و في الولايات المتحدة التقى " بكارين " في بيت عائلة صديقه.. و كاد يصعقه جمالها.

كانت صغيرة الحجم، رشيقة الحركة، ناعمة الصوت، شديدة سواد الشعر، و بياض البشرة، و اخضرار العينين ...

و لم يكن يدري أنها اعجبت به في سرها بقدر ما اعجب بها.. فقد كان لا يعد نفسه من بين من يلهبون خيال النساء، لذلك كان يعتبر فوزه بها و الزواج منها أعظم من أي فوز علمي حققه، كان يعتبره معجزة و فلتة من فلتات الطبيعة.

و عاد إلى طنجة صحبة زوجته كارين، ففتح مكتبا للمقاولات الهندسية.. و عرفه الناس بتواضعه و جديته، و رأفته بالفقراء في معاملاته، إلى جانب اتقانه لعمله، و عنايته بالنواحي الفنية و الجمالية فيه.

و بنجاحه السريع في عمله، بدأ يحس في أعماقه بأنه مؤهل لعمل أهم من إدارة شركة هندسية، و مكتب مقاولات معمارية عاديين.

و زاد هذا الاحساس وضوحا توارد الخواطر بينه و بين ( كارين) ، زوجته، التي كانت تتنبأ له بمستقبل عظيم، و تثق في قدرته ثقة عمياء، كانت مصدر قوة هائلة بالنسبة له. فقد كان يحدثها عن مشكل الاسكان في بلاده، و كيف أن الأجهزة المختصة تتخبط في حضيض من العجز و الجهل بالطرق العلمية الصحيحة لحله، و بانعدام الأطر الكفأة للقيام بعمل حاسم في وجه تزايد السكان المستمر.. الأمر الذي قد يسبب هزات اجتماعية خطيرة في المستقبل القريب.

و أعلن عن موعد الانتخابات النيابية فرأى فيها أملا لتحقيق أهدافه الوطنية الكبيرة، و فرصة لتوعية المسؤولين و الرأي العام بالمشكل السكني، و التوجه إلى حله.. فقد كان يؤمن إيمانا مطلقا بأنه أصلح رجل لحل تلك المشكلة في بلاده، و العالم الثالث بأسره.

و عزم على ترشيح نفسه.. فاستشار عددا من )أصدقائه فتحمسوا جميعا للفكرة و أخذت زوجته ( كارين ) على عاتقها تنظيم حملته الانتخابية على الطريقة الأمريكية بكل ما يلزم من شعارات، و ملصقات، و قمصان و لافتات تحمل صورة المرشح و شعاره البارز : " دار لكل أسرة "

و في هذا النطاق قبل الدعوة لحضور المؤتمر بالولايات المتحدة حتى يكون على علم بآخر ما وصلت إليه تقنيات فن البناء الجاهز السريع.

وحاول إقناع كارين بالذهاب معه لزيارة عائلتها، فآثرت البقاء لاعداد تفاصيل الحملة الانتخابية، فسره حماسها، و اهتمامها البالغ بالحملة.

و ليته كان ارغمها على الذهاب معه، و لكن لا سبيل إلى ارجاع شريط الزمن.

و عاد من المؤتمر أكثر حماسا، و ثقة بنفسه، و إيمانا برسالته.. فقد وجد نفسه اصبح حجة كبرى في هذا الميدان.. سبقته سمعته، بما كتبه من مقالات في الدوريات و المجلات الاختصاصية في فن البناء الجاهز، إلى جميع الأوساط المهتمة، و أصبح يشار إليه بالبنان بين أكبر الاختصاصيين في ميدانه.

و كان على استعداد لأن يتعهد للمسؤولين في بلاده بالقضاء على أزمة السكن في أقل من عشر سنوات.. أن يبني مدنا كاملة في بضعة شهور بحيث لا يتعدى الوقت المطلوب لبناء المنزل الواحد بضع ساعات..

مر كل هذا بسرعة البرق في ذاكرة اسماعيل البناء، و هو يستمرىء أنغام الموسيقى الناعمة..

و لم يقطع حبل ذكرياته إلا صوت الطيار الذي أوقف الموسيقى ليعلن عن اقترابهم من صخرة جبل طارق، والبوغاز، و بالتالي نهاية رحلته إلى طنجة..

و نظر من نافذة الطائرة إلى صفحة البحر المتلألئة تحت أشعة الشمس الغاربة، و إلى البواخر الضخمة عابرة المحيطات تبدو صغيرة كلعب الأطفال، ثم فتح حقيبته و اخرج آلة حلاقته الكهربائية، فمر بها على وجهه سريعا، و صب من زجاجة عطر في يده، و غسل وجهه مستعدا للنزول..

و عاد ينظر إلى شواطىء طنجة التي كانت أمواجها تتكسر بطيئة و كأنها مخدرة تحت هدأة المساء، و حمرة الشفق الحالمة. و في تلك اللحظة بدأت أضواء المدينة تتلألأ على طول الشوارع العريضة، و بين العمارات، و عبر شبكة الطرق و الممرات المنتشرة فوق الجبل، و كأنها تصحو من قيلولة، و تستعد لمهرجان.

و حطت الطائرة على مدرج المطار.. و خرج اسماعيل بين تحيات رجال الشرطة و الجمارك الذين كانوا يعرفونه جميعا، إلى موقف السيارات، حيث كانت سيارته في انتظاره، كما تركها قبل ثلاثة أيام.

و ارتعشت كبده حين تذكر طفلته ( نورا ) شوقا اليها.. فقد كان لا يطيق فراقها.. كان يعتبرها تاج سعادته الحقيقية. فقد فجرت جميع ينابيع الحب و آلفرحة و الجمال، و حب الحياة و الناس، جميع الناس، في أعماق روحه و وجدانه فكان يرجع كل يوم من مكتبه، يستعجل السيارة، و يستطيل المسافة، لكي يلتقطها من مهدها، حين كانت طفلة دون العام، أو يجدها تنتظره وراء الباب حين بدأت تمشي.. كان يقضي معها اعذب أوقاته و أحلاها، و هي تلعب بأصباعها المكتنزة الصغيرة في وجهه و شعره، و تملأ وجهه لعابا أحلى من الشهد، و تطرب قلبه بأصواتها السعيدة كأغاريد الملائكة، و أنغام الفردوس.

و تسلق طريق الجبل المنعرج بسرعة سائق سباق إلى حيث كانت تقع الفيلا القديمة التي كان يسكنها.. كان اشتراها من أحد القناصل الذين سكنوا طنجة أيام كانت دولية فكانت تحفة فنية رائعة..

و اقترب من الفيلا فاحس بانقباض مفاجىء في صدره.. لم يكن يدري، و هو يلوي المنعرج الأخير ، أنه سيقلب صفحة جديدة في حياته.. صفحة لا ككل الصفحات التي عاشها منذ رأت عيناه النور.

و لاحت بوابة الفيلا فرأى حولها عددا من سيارات الشرطة، و سيارة اسعاف، و عددا من رجال الأمن، و رجال الصحة، فدق قلبه بعنف شديد، و ارتخت اعصابه حتى كاد يفلت منه زمام السيارة.. و لكنه كافح لايقافها على جانب الطريق، و خرج فارغ الركبتين، لا يكاد يقوى على الوقوف ..




لا زالت الرواية في بدايتها ..
انتظروا باقي الاجزاء ..

في أمان الله ..







لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-05-14, 10:10 AM   #5

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


ــــــــــــــــــــ

بارت 2 :





خرج فارغ الركبتين، لا يكاد يقوى على الوقوف ..

فاسرع نحوه ضابط الشرطة الذي كان يعرفه، و أمسك بذراعه و سأله بلهفة :



— ماذا حدث ؟



فأجاب الضابط مشيحا بوجهه عنه.



— تعال معي يا ستاذ اسماعيل، ادخل اولا.. لابد أنك متعب من السفر..



فنزع اسماعيل ذراعه بقوة، و توجه نحو باب الدار و هو يصيح :



— ماذا حدث ؟



و دخل ينادي صائحا :



— كارين ! كارين !



و على الباب وجد أخاه الأكبر خارجا فأمسك بذراعيه :



— محمد .. ماذا حدث ؟ أين كارين ؟ أين نورا ؟ ماذا حدث ؟ هل حدث شيء لنورا ؟



و خرجت أمه تبكي فأدرك أن شيئا رهيبا حدث.. و هنا قال له أخوه الأكبر :



— البركة فيك يا اسماعيل ..



و لم يسمع ما قاله أخوه، فأزاله من طريقه، و دخل :



— كارين ! نورا !



و لحق به أخوه يحاول الامساك به حتى لا يؤذي نفسه من الانفعال..



— اسماعيل .. اسماعيل ..



و وصل غرفة النوم فوجد أحد اخوته على بابها، و قد ورمت عيناه من البكاء.. و حاول منعه من الدخول..



— اسماعيل أرجوك .. لا تدخل .. !



فأمسك بصدره و أزاله بقوة شيطانية عن الباب، و فتحه و دخل.. و هناك على السرير الكبير كانت جثتان مغطتان بازار أبيض.. احداهما كبيرة، و أخرى صغيره..



و وقف اسماعيل وسط الغرفة ينظر بعينين جهنميتين إلى الجثتين ثم تقدم ينادي :



— كارين .. كارين .. نورا .. نورا ..



و نزع الغطاء عنهما ، فإذا بهما غارقتان في الدم الأسود و قد فارقتهما الحياة، فأصبحتا دميتين من شمع بارد..



و تسمر في مكانه هو الآخر، و كأنه اصبح تمثالا من النحاس، و غاضت من عينيه كل علامات الحياة الانسانية..



و دخلت أمه ورمت بنفسها عليه تبكي و تنوح، و هو غير شاعر بوجودها.. و اجتمع عليه أبوه و أخوه و اخوته يحاولون إخراجه من الغرفة و هو واقف مسمر عينيه على الجثتين الهامدتين..



و هنا دخل أحد أصدقائه الأطباء و معه ممرضة، فأمسكت هذه بذراع اسماعيل، و حقنه الطبيب بحقنة افقدته الوعي بعد لحظات، فإرتخى بين أيديهم، فوضعوه على

محفة و اخرجوه إلى سيارة الاسعاف..



و انطلقت السيارة إلى عيادة صديقه الخاصة، و هو بجانبه يجس نبضه، و يضع قناع الاكسجين على انفه و فمه حتى لا يتوقف عن التنفس او يختنق ..



و في العيادة أدخلوه غرفة الإنعاش، و أحاطوه بعدد من الآلات الدقيقة و الأسلاك، و هو غائب عن وعيه تحت خيمة من البلاستيك الشفاف.



و أصرت أمه على البقاء إلى جانبه فسمح لها الطبيب بذلك، و أمر لها بسرير إضافي داخل الغرفة، على شرط ألا تزعج المريض بأي شيء، و باتت الأم الحزينة إلى جانب فراش ابنها الغائب عن الوجود، تصلي و تسبح و تدعو له بالشفاء العاجل، و تدعو على القتلة بالنقمة و عذاب النار..



و أعطى طبيب الحراسة الأوامر لممرضة كفأة بالبقاء إلى جانبه، و تتبع تطورات حالته، فجلست إلى جانب الأم العجوز تقرأ في مجلتها و تبادلها الحديث، من حين لآخر، حين يبدو عليها أنها ستنفجر في نوبة نحيب، و تدخل حالة كآبة..



و سألتها الممرضة في أول الليل :



— ماذا حدث ؟



فحركت الأم رأسها إلى اليمين و اليسار، و أخذت تحكي بنبرة مثقلة بالتعاسة و الحزن، و الدموع تتقاطر من عينيها، و هي تجففها بينما الممرضة تشجعها :



— لا تحبسي دموعك.. الدموع تغسل القلب من الحزن.. و سوف يفيق ابنك اسماعيل من غيبوبته، و نرجو ان يبكي هو الآخر كثيرا، فالبكاء علامة خير..



و أحست المرأة المسنة بقليل من الراحة بعد انهمار دموعها، و بدأت تحكي :



— لا أحد يعرف كيف حدث ذلك.. كان ولدي اسماعيل غائبا في أمريكا.. و بالأمس أخبرتنا زوجته الأمريكية ( كارين ) أنه سيعود صباح اليوم فذهبنا لاستقباله عند زوجته و طفلته ( نورا ) الصغيرة الغالية.



و اجهشت بالبكاء عند ذكر اسم ( نورا ) حفيدتها الحبيبة، فوضعت الممرضة يدها على كتفها، و سألتها لتخرجها من كمدها أو سؤال خطر ببالها :



— لماذا لم تذهبوا لاستقباله بالمطار ؟



فحركت العجوز رأسها قائلة منتحبة :



— لم يكن اسماعيل يسمح لنا باستقباله بالمطار.. كان يخاف علينا جميعا من أخطار الطريق.. مع تكاثر الحوادث هذه الايام.. كان يفكر لنا في كل شيء.. كل شيء..



و نظرت إلى وجه ابنها تحت خيمة البلاستيك، و أخذت تدعو له بالشفاء و السعادة. و من تحت الخيمة كان اسماعيل يسمع كل شيء، و يرى من بين جفنتيه المرأتين بوضوح و هما يتحدثان، و لكنه لم يكن قادرا على الانضمام إليهما، و كأنه كان يراهما في حلم، أو في شريط سينيمائي يمر أمامه.. لم يكن يحس بألم، و لكنه كان عاجزا تماما عن تحريك أي جزء من جسده حتى لسانه أو شفتيه، و حتى جفنيه أو مقلتيه.. و كان يخيل إليه في غيبوبته أنه قادرا على الخروج من بدنه، و تركه على السرير جثة بلا حراك، و العودة إلى منزله.. إلى كارين و نورا ..



و جاءه صوت أمه و هي تحكي للممرضة :



— و دخلنا الدار، أنا و الحاج أبو اسماعيل.. و ناديت كارين التي كانت بدأت تتكلم العربية من أجل الحديث معي.. المسكينة ! ناديتها من الباب الخارجي على عادتي، فلم أسمع جوابا.. و توقعت أن ارى بنتي الصغيرة نورا و هي تدرج في الحديقة كعادتها في تلك الساعة، فلم أرها.. و لم يخامرني أي شك في أي شيء بالمرة، رغم أن باب الدار الداخلي كان مفتوحا على مصراعيه، حين دخلنا.. و حين دخلنا .. دخلت أنا الأولى لأمهد الطريق للحاج كعادتنا، و جدنا منظرا يطير العقل.. وجدنا الصبية هي الأولى مطروحة على أرض المدخل و قد تهشم رأسها الصغير .. و .. و ..



و أسرعت الممرضة إلى الامساك برأس الجدة التي بدأت أعراض الغثيان و اصفرار اغماء تظهر عليها.



و كسرت عود انعاش قربته من انفها حتى استرجعت صحوها، و نصحتها بالتمدد و الاستراحة..



و شاهد اسماعيل كل ذلك، و سمع الاصوات، و شم رائحة المحلول المنعش النفاذة و انتظر في صبر أن تعود أمه إلى اتمام القصة. و كان بوده لو يهز جسده المسجرى هزا. و يقعد أو يقف، بل تمنى لو استطاع أن يفتح فمه و ينطق باسم نورا أو كارين ..



و كان فضول الممرضة أقوى من أن يثبطه غثيان العجوز، و ضعفها، الأشياء التي صارت عندها جزء من عملها اليومي، لا تهز عاطفة، و لا تدعو لشفقة، فحالما احست براحة العجوز عادت تسألها :



— ماذا حدث بعد ذلك .. ؟



فتنهدت المرأة بأسى عميق، و أجابت :



— ليس هناك ما يحكى يا بنيتي .. قتلوها أعداء الله.. ذبحوها كما تذبح الخرفان..



— و لكن من فعل ذلك ؟



— لا أحد يعلم حتى الآن.. رجال الشرطة يقولون أنها عصابة لصوص، فعلا سرقوا كل شيء.. كل ما استطاعوا حمله.. لم يتركوا إلا المطارب، و الموائد، و الكراسي الكبيرة. و ليتهم أخذوا الدار بأكملها، و أبقوا على حياة زوجة ابني، و صغيرتها الغالية.



— هذا عمل انسان حاقد ! ماذا سيجني أي لص من قتل امرأة و طفلة صغيرة بريئة ؟ سترين.. سيقعون في قبضة العدالة. و ستقتص منهم أشد ما يكون الاقتصاص.



و راحت تدعو عليهم بالطاعون و الخراب. و الجدة العجوز تنظر إلى الأرض، و تحرك رأسها في حسرة و ألم..



و قامت الممرضة لتنظر إلى الأجهزة الملصقة اسلاكها بأطراف اسماعيل، فوجدت انخفاضا خطيرا في عدد دقات القلب. فخرجت تنادي طبيب الحراسة.



كان اسماعيل قد سمع ما راج بين أمه و الممرضة، فأحس كأنه يغرق في لجة خاثرة من الزفت و العفن..و حاول الصراخ، و البكاء و الفرار، و لكن جسده ظل هامدا جامدا لا يتحرك..



و دخل طبيب الحراسة، فنظر إلى مؤشرات الأجهزة، ثم كشف الغطاء، و راح يدلك صدر المريض، و يضرب عليه بقبضته لعله يستجيب، بينما الأم تنظر مبهورة و تصيح :



— ولدي .. ولدي ..





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-05-14, 10:35 AM   #6

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي






و تقاطر العرق على وجه الطبيب الجديد الشاب، و هو يدلك منطقة القلب و ينظر إلى مؤشر النبض، ثم يضع رأسه على صدر المريض لينصت آملا أن يكون بالآلة عطب.

و أخيرا انسحب يائسا، و غطى صدر المريض، و اسدل عليه غطاء الخيمة و وقف يمسح عرقه، بينما الممرضة تضم الأم العجيز في محاولة تهدئة روعها، و الأم متهالكة تنوح، و تردد :

— أريد أن أموت ..! أريد أن أموت .. ! لا حياة لي بعدك يا اسماعيل .. !

و اضطر الطبيب إلى حقنها بمنوم قوي اسلمها في الحين إلى نوم عميق، و خرج الطبيب، فوضعتها الممرضة على سريرها، ثم توجهت نحو اسماعيل، فرفعت عليه الخيمة و نزعت كل ما كان ملصقا بجسده من اسلاك و انابيب ، ثم غطت وجهه بالازار، و راحت تنظف المائدة المجاورة و تجمع ما كان فوقها من أدوات..

و في الصباح الباكر، رن جرس التلفون إلى جانب سرير الطبيب مدير العيادة الذي كان صديقا شخصيا لاسماعيل، فحضر في الحال.. و قابله على باب العيادة طبيب الحراسة المتدرب الشاب، و الممرضة، فقصد إلى غرفة المتوفي بخطى واسعة و هو يسأل :

— متى حدثت الوفاة ؟

فردت الممرضة :

— في الرابعة و أربعين دقيقة بالضبط .

و تدخل الطبيب الشاب :

— توقف القلب.. حاولت التدليك، فلم ينفع.

و فتح الطبيب الرئيس باب غرفة اسماعيل، و دخل، و توجه نحو السرير، و رفع الغطاء عن وجهه، و نظر إليه، فدق قلبه بعنف.. لم يكن وجهه وجه رجل ميت.. إنه رأى آلاف الأموات من قبل. و هذا ليس وجه رجل ميت..

و تناول يده فجس النبض، و كأنما لم يصدق فطلب السماعة من الطبيب الشاب، و استمع بها إلى قلب الرجل، و صاح فجأة :

— هذا الرجل حي !

فشهقت الممرضة للمفاجأة، و اقترب الطبيب المتدرب يريد أن يتأكد بنفسه :

— مستحيل ! هذا الرجل كان ميتا بجميع المقاييس الطبية.. و لا يمكن أن يعود إلى الحياة إلا بمعجزة !

و أخذ السماعة من الطبيب الرئيسي و أنصت إلى القلب :

— اذن حدثت المعجزه.. لابد أنه كان توقفا مؤقتا..

و هنا تحركت يد اسماعيل فأمسك الطبيب الرئيسي بها، و توجه إليه بالكلام :

— اسماعيل .. اسماعيل .. هل تسمعني ؟

و هنا انفتحت عينا اسماعيل، و تحركت شفتاه في ارتعاشة خفيفة، فكاد الطبيب يصرخ من الانفعال :

— هل تسمعني ؟ كيف تحس ؟

فحرك اسماعيل شفتيه دون صوت .. فقال الطبيب :

لا ترهق نفسك .. لا تحاول الكلام.

و القى بأوامره إلى الممرضة و الطبيب المتدرب، فخرجا، و عادا بعدد من الحقن و الأجهزة..

و أفاقت الأم من نومها العميق فلم يفهم ما كان يحدث.. و بدأت تتساءل بينها و بين نفسها : هل كانت وفاة ابنها حقيقة أم حلما ؟ لا بد أنها كانت حلما.. فها هو الطبيب يركب الاسلاك و الأنابيب بساعده، و يطلق عليه خيمة الاوكسيجين مرة اخرى..
و لم تمض بضع ساعات حتى فتح اسماعيل عينيه ، و رفع رأسه قليلا ليرى ما حوله. و انحنت أمه عليه تقبل جبينه، و تبلله بدموع السعادة و الفرح..

و نظر هو إليها، و إلى الممرضة و سأل:

— أين أنا ؟

فأجابت الممرضة :

— في عيادة صديقك، الدكتور رضوان.. لقد تعرضت لحادث خفيف،و الآن عليك أن ترتاح..

و نظرت الأم ،و غمزتها، فحركت رأسها متواطئة..

و خرجت فعادت بالدكتور رضوان الذي أمسك بيد صديقه المهندس، و أخذ يحدثه و يداعيه :

— الحمد لله على سلامتك، يا عزيزي اسماعيل.. لقد كدت تذهب عنا.. عهدتك شجاعا قويا لا تزعزعك الأحداث مهما كانت عصبية.. و الآن، كل شيء يعتمد عيك.. عودتك إلى والديك، و إخوتك، و أصدقائك، و جميع الذين يحبونك و يعتمدون عليك و على معنوياتك.. على صمودك للصدمة، و كفاحك من أجل العودة إلى الحياة.

و تماثل اسماعيل بالشفاء تدريجيا، فوقف على قدميه، و خرج إلى حديقة العيادة.

و لكن الدكتور رضوان كان يخفي قلقا من حالته.. خلال ما قرأه من بحوث علماء النفس حول هذه الحالات، ان المريض لا يمكن أن يتم شفاؤه إلا اذا انفجر انفجارا كاملا، و نفس عن برحائه بالدمع أو بالثورة أو بأي طريقة.. ما دام صامتا فمعنى ذلك أنه كبت الحدث بكامله في عقله الباطن.. و معنى ذلك ان الانفجار سيحدث بالداخل، و لا يعلم إلا الله أي شكل سيتخذ ذلك الانفجار !

و إذا كانت روح اسماعيل البناء قد اصيبت بعطب كبير، فإن عقله خرج من المحنة سليما، بل و أكثر توقدا و حدة.. فأدرك ما يجول بخاطر صديقه الدكتور رضوان دون أن يصارحه هذا بشيء..

و في صباح يوم طلب اسماعيل الذهاب إلى المقبره للوقوف على قبر زوجته و ابنته. و اعتبرها الطبيب علامة تحسن تدعو للاستبشار.. و حضرت أمه و أبوه، و بعض إخوته، فذهب الجميع إلى المقبرة.. و وقفوا على القبرين الحديثين.. قبر كارين التي سمت نفسها كريمة بعد أن أسلمت، و قبر ابنتها نورا الصغيرة إلى جانبها، و كلاهما مرشوش بماء الزهر، و أوراق الورد و الريحان..

و لم يكن اسماعيل بحاجة كبيرة إلى تزييف عواطفه ليطلق لدمعه العنان، فقد ركعت أمه إلى جانب القبرين، و بكت بحرقة كبيرة.. فأجهش هو الآخر، و انهمرت دموعه مما اضطر والده و أخويه إلى الإمساك به حتى لا ينهار..

و في داخله كانت عين ناشفة تنظر إلى كل ما كان يحدث حولها بقسوة و برودة دم..

و هنأه الطبيب، بعد عودته، بالشفاء الحقيقي من كل آثار الصدمة.. و عاد إلى داره يتقبل عزاء المعزين، و كان من بينهم رئيس الشرطة الذي أقسم له، و هو يعزيه، أن يد العدالة لن ترتاح إلا حين تمسك بالمجرمين..

و سمعه بعد ذلك يشرح للعامل بأن العصابة ليست محلية، و أنها لابد جاءت من الدار البيضاء للاصطياف بطنجة، و السطو على منازل بعض الأثرياء، و لكنه لم يستطع تقديم شرح معقول لقتلهم الزوجة و ابنتها الصغيرة ..

و كان اسماعيل، و هو يتلقى التعازي، و يربت على اكتاف الباكيات من المعزيات، يستمع إلى رئيس الشرطة بعقله الباطن، و يرد عليه في سره بسخرية و استهزاء بسخف منطقه :

" إذا لم تعرف السبب في قتل زوجتي و بنتي، فأنا أعرفه.. لقد رأيتهم يقتلونهما كانوا يعذبون أولا كارين بالتهديد بقتل ابنتها اذا لم ترشدهم إلى مكان حليها، و خزانة أموال زوجها.. لم ينفع توسلها، و شرحها لهم أن حليها يوجد في صندوق خاص بالبنك، و كذلك أموال زوجها.. و أنهما لا يتركان شيئا نفيسا في الدار لكثرة سفرهما..

" ولشدة خيبة أمل رئيس العصابة العنيف الطبع، أمسك بالطفلة الصغيرة من أحد ساقيها، و أدارها في الهواء، و هي تصرخ، و الأم تستغيث و ضرب برأسها الحائط حتى تشتت مخها..

" و وقعت الأم مغشيا عليها فلم تشعر بهم حين ذبحوها، و راحوا يجمعون من أثاث الدار و تحفها كل ما خف حمله، و غلا ثمنه، و يخرجونه إلى السيارة ( الفورغونيت ) الواقفة على الباب .. "

و نظرت عين عقله الحاقدة القاسية إلى رئيس الشرطة، و قالت:

" هذا بالضبط ما حدث ، يا رئيس الشرطة ! "

و بعد أسبوع من مغادرته المستشفى أعلن أنه سيأخذ اجازة الى الخارج، فوافقه الجميع على الفكره .. بقاؤه في مكان المأساة لن يساعده على نسيانها..

و هكذا حزم حقيبته، و طار إلى لندن حيث استأجر شقة مفروشة في أحد الأحياء القديمة، و اشترى مجموعة من الكتب اختارها من مكتبة ( فويلز) الكبرى بعناية و دقة، و اختلى بها يدرسها و يسجل ملاحظاته..

و في الصباح كان يقصد المتحف البريطاني، و يقضي به ساعات النهار الأولى، بين المعروضات الفرعونية، الكتب القديمة بمكتبة المتحف..

و سجل نفسه في إحدى مدارس الكبار المسائية لدراسة الفنون الإليكترونية، فبهر أساتذته بسرعة استيعابه للمعلومات الدقيقة ، و التفاصيل المعقدة، بحيث اضطروا إلى نقله، في مدة شهرين إلى قسمهم النهائي.

و كان اعجابهم به مقرونا بعجب و استغراب، مما جعل أحد أساتذته يسميه ( الظاهرة المغربية )، و يعلق على تفوقه السريع بقوله :

— هذا المغربي، إما أنه يتمتع بذكاء خارق فوق البشر، أو أن شيطانا ماردا يركب أكتافه !






أفعلا سافر اسماعيل من أجل نسيان مأساته ؟

لا زالت قصة اسماعيل في بدايتها ..
انتظروا التتمة ..
في أمان الله ..





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-05-14, 10:36 AM   #7

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


ــــــــــــــــــــــــ




البــــارت 3 :










و بعد ثلاثة أشهر عاد متجدد النشاط، و قد تورد وجهه، و بانت عليه آثار العافية...

و نزل بمطار النواصر بالدار البيضاء أولا، و قصد مكتب مهندس صديق له يدعى ابراهيم الحبيب، و طلب منه مصاحبته في جولة عبر القطع الأرضية المعروضة للبيع داخل الدائرة الحضرية.

و سأله صديقه ابراهيم :

— لماذا تريد الارض ؟

— لبناء دار.. دار أجعل منها تذكارا لزوجتي كارين، و ابنتي نورة..

و تأثر الصديق للفكرة :

— هذا أجمل ما يمكن أن تفعل !

ثم تساءل مستغربا :

— و لكن لماذا هنا في الدار البيضاء ؟ ألا يكون ذكل أنسب في طنجة ؟

— لا.. أنا أفضل الدار البيضاء.. و سوف أنتقل للسكن و العمل هنا.. فلم أعد أتحمل الوجود في طنجة..

و حرك الصديق رأسه فاهما :

— آسف ! لم يخطر في بالي ..

ثم تغيرت لهجته إلى سرور، و قال :

— اذن ، قررت الانتقال الى هنا.. دعني أكون أول المرحبين.

فابتسم اسماعيل، و قال :

— أرجو ألا تعدني منافسا لك..

— نافس يا أخي ! نافس ما شئت ! ستريحنا من كثرة الأشعال.. وسوف نجد صديقا قديما نحيي معه ذكريات الصبا و الدراسة..

و خرج المهندسان يجولان في أجمل أحياء الدار البيضاء و أرقاها.. و كلما وجدوا قطعة مناسبة رفضها اسماعيل، حتى لم تبق إلا الأحياء الشعبية الفقيرة..

و على حافة احدى المدن القصديرية استوقف اسماعيل صديقه ابراهيم ، و سأله :

— هذه القطعة.. لمن هي ؟

فنظر ابراهيم إلى البقعة التي كانت أشبه ما تكون بمزبلة، لا تفصلها عن حزام المدينة القصديري إلا غابة صغيرة من أشجار الصفصاف، و نظر إلى اسماعيل مستغربا :

— هذه القطعة ؟

— نعم هذه ..

— تريدها لبناء الدار ؟

— نعم،

أنت تمزح !

— لماذا ؟

— موقعها.. أنت لا تعرف هذه المدينة.. لا أحد يجرؤ على وضع قدميه هنا حتى في وضح النهار، حتى رجال الشرطة يأتون إلى هنا معززين بالرجال و السلاح ! فهذه المنطقة تعج باللصوص و عتاة قطاع الطريق..

— لمن هي الارض ؟

— اذا أصررت، فسأبحث و أخبرك غدا صباحا، و لكن،أكيدا لا تنوي اقامة تذكارك الجميل وسط هذه.. هذه..

و لم يرد اتمام الجملة، فقاطعه اسماعيل :

— أنا أنظر بعين المستقبل.. فهذه الارض هي الاتجاه الذي تزحف نحوه المدينة. و سوف يصبح أجمل ضاحية في المدينة، سترى...

حرك ابراهيم رأسه غير موافق.. و لكنه لم يرد معاكسة صديقه.. و أضاف اسماعيل، غير طامع في اقناعه:

— أما فيما يخص الأمن، فمجرد وجود دار حسنة البناء، محاطة بهالة الاحترام و الحراسة وسط هذه المنطقة، سيجعل اللصوص و القطاع يرحلون عنها، و يبحثون عن مكان أنسب لنشاطهم.. يجب على المواطنين أن يساعدوا في مكافحة الجريمة.. و لا بد لاحد أن يبدأ.

و أشرف اسماعيل بنفسه على بناء الدار، جاء بعدد هائل من العمال، و آلات الحفر، و الجرف، و الخلط، و الرفع، و النقل، و تناوب على العمل ثلاثة افواج يعملون ليل نهار، فسويت الأرض، و أقيم حولها سور خلال يومين، و جاءت آلات احفر الجبارة فحفرت قبوا عمقه ستة امتار، و حفرت فيه عشرة آبار لا يزيد عمقها عن مترين، افرغت من مائها، و غلفت بعدد من المواد التي لا تتاكسد من البلاستيك المقوى لخزن الزيتون و الحبوب و الوقود، كما أشار إلى ذلك تصميم الدار.

ثم بلطت الأرض، و افرغت السواري، و السطوح، و النوافذ، و الأبواب، و مدت القنوات و أسلاك الكهرباء و التلفون.




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-05-14, 10:38 AM   #8

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25


و لم تمض على البناء شهران حتى كان الصباغون قد خرجوا منها و تركوا الطريق للمزخرفين و المؤثثين.

و كان المهندس اسماعيل يقف على رؤوسهم ليل نهار، تحت اشعة الشمس، و الأضواء الكاشفة بالليل، و لا أحد يدري متى ينام هذا الرجل أو يأكل، كانت كل نوبة تعتقد أنه مشرفها الخاص، و لم يكن يرحم الكسول، أو الجاهل، او المخطىء، كان ينقده حسابه، و يصرفه في الحال، و يأتي بغيره، و لم يكن أحد يتجرأ على رفع صوته ضده، لارتفاع الأجور التي كان يدفعها لهم، و لاشتراطه عليهم ظروف عملهم مسبقا.

و في نهاية الشهر الثالث بالضبط، و كما قرر في تصميمه خرج آخر عامل من الدار، و تركوها تحفة رائعة من تحف المعمار الحديث.

كانت تلمع بالنهار تحت أشعة الشمس كجورة عملاقة من أكمل الجواهر نقشا و صقلا ! و بالليل كانت تتلألأ و كأنها فانوس مضاء من البلور المتعدد الألوان و الأشكال : و يبدو كل ما بداخلها من الخارج، حتى تسدل الستائر المخملية الخضراء فكان الأطفال و النساء و الغلمان يتعلقون بالسور لينظروا إلى الدار الجديدة التي نبتت بين يوم و ليلة، في قلب منطقتهم الجائعة الوسخة، المتعفنة، المتوحشة، كقصر من قصور هارون الرشيد التي يسمعون عنها من رواة الأزليات في الأسواق، أو حلم من الأحلام، بما يشع من داخلها من بهاء و ترف و رياش.

و علق أحد ضباط الشرطة، و هو ينظر إلى الدار ليلا من نافذة سيارته، و يحرك رأسه بمرارة لزميله :

— صاحب هذه الدار لا بد أن يكون مجنونا ! انه كالذي وضع خروفا بين الذئاب ! ثم انه لم يتقدم حتى الان للسلام على رئيس الدائرة، و طلب مساعدته في حراسة الدار، لابد أنه يتمتع بثقة الأغبياء.

ثم أشار إلى السائق ليتحرك، و هو يقول مشيرا إلى الدار :

أرجو لك حظا سعيدا !

— و في الاسبوع الاول لم ينطفيء النور داخل الدار طوال الليل، و كانت بعض الشاحنات، و سيارات شركات مختصة في الكهرباء و الحديد و الرصاص، و المواد الكيماوية، تصل مشحونة بعدد من المواد، و الأجهزة الالكترونية، المعقدة، و يحملها العمال إلى تحت، ثم يخرجون، ليبقى اسماعيل يشتغل في تركيبها في أماكن تركت لها خصيصا في هدأة الليل، لا يغني و لا يصفر، و لا يسمع حتى الموسيقى.

و خلال مدة البناء كان يذهب إلى طنجة مرة كل اسبوع. ثم كل اسبوعين ليطمئن على سير أعمال المكتب هناك، و ليثني عزم والديه و اخوته عن زيارته بالدار البيضاء.

و في النهاية استقر في الدار، و بعد أن انتهى عمل البستانيين الذين نشروا بساطا كثيفا نظيفا من العشب الأخضر حول الدار كلها، و تركوا الأماكن لأدغال الزهور، و الورود و أشجار الفواكه.

و في المساء بعد الغروب، كانت ترصد اسماعيل عشرات العيون المصطفة على السور لجماعة من الفضوليات و الفضوليين، من أطفال و بنات الحي القصديري المهترىء و رجاله و غلمانه، و هو جالس في أحد صالوناته يقرأ في كتاب، أو يتفرج على التلفزيون.

و كان بعض الجريئين منهم يقفز إلى داخل الحديقة، و يقترب متلصصا من احدى النوافذ ليتفرج على التلفزيون أو ينظر إلى قطع الأثات النفيسة و عناقيد التحف المصفوفة بذوق سليم، على الرفوف الزجاجية، أو داخل نوافذ الخشب المصندل، و إلى اللوحات الزيتية المعلقة تحت أضوئها الخاصة، و تماثيل العاج، و البرونز، و الرخام، و الفضة، و البلور، و الخشب، و إلى الزرابي الحريرية المبثوثة في كل مكان فلى رخام البلاط اللماع، و كأنها تسبح فوق الماء.

و في الحادية عشرة و النصف من كل ليلة كان النور ينطفىء في مجموع الدار.. و تنزل الستائر المخملية، و شبابيك الحديد الآلية التي تغلق النوافذ و الأبواب الأرضية دون أن تحجب النور.

و في تلك الليلة، صعد اسماعيل إلى غرفة نومه الفسيح بالطابق الأعلى ، و خلع ملابسه، و دخل في منامته الحريرية، و استلقى على سريره العريض و أطفأ النور، ثم مد يده فضغط على زر من عشرين زرا على آلة أنيقة بجانبه، فانفتح السقف على سماء مخملية سوداء، لا تضيئها إلا ثقوب النجوم المنثورة بالملايين...

و ضغط على زر آخر فانحسر السقف الزجاجي الذي كان يفصل جو الغرفة عن الجو الخارجي، فأحس اسماعيل بالليل يتدفق بأمواجه الصامتة إلى داخل المرقد.. و ترامت إلى سمعه أصوات الغرانيق، و الكروانات و حفيف أجنحة الخفافيش، و أوراق شجر الغابة المجاورة..

كانت الليلة ناعمة دافئة و حالكة، فأحس اسماعيل بخدر غريب في جميع حواسه و هو يتأمل المجرة، و ينقل بصره بين نجومها و كأنه عقل مجرد سابح في أعماق الكون اللانهائية ، لا تربطه بالأرض و لا بالزمن صلة..

كان هذا النوع من التأمل يدخل على قلبه المحترق نوعا من الراحة.. فوجوده على كوكب صغير تافه، بعيد كل البعد عن وسط المجموعة الشمسية التي ينتمي إليها في بحر زمن لم تعرف له بداية، و لن تعرف له نهاية، كان يشعره بصغره أمام ضخامة هذا الكون و بالتالي بتفاهة مشاعره و أحزانه..

و أخرجه من تأملاته صوت ظن أنه سمعه.. فضغط على عدة أزرار انقفل على إثرها السقف بطبقتيه، و ظهرت جهات الدار الاربع على الشاشة التي تغطي الحائط أمامه، و ارتفع به نصف الفراش الأعلى حوالي ستين درجة.. و لما لم ير شيئا يتحرك عاد إلى ضغط زر لاطفائها..

و يبدو أنه أخطأ الزر المقصود فظهر على الشاشة العريضة شريط بالألوان الطبيعية، و الحجم الكبير، لزوجته ( كارين ) و طفلتهما ( نورا ) ،و هما على الشاطىء في ملابس السباحة، و الموج يتكسر خلفهما، و نورة تملأ دلوها الصغير بالماء، و تحمله إلى أمها لتبني لها قصرا من الرمل، و بين الفينة و الفينة، كانت ( كارين ) ترفع رأسها الصغير الأنيق، لتغمز اسماعيل، و هو يصورها بابتسامة خضراء من عينيها الزمردتين الدافئتين، و هي جاثية على ركبتيها تمثالا رائعا للسعادة و النجاه، و الحب و الحياة..

و بداخله كانت يدان تمتدان في شوق لاحتضان تلك المخلوقة النورانية، و عناقها و رفعها عن الأرض، و الخروج بها إلى عالم الحقيقة.. و من أعماقه كان يصدر نداء اخرس تتردد أصداؤه بين أطلال روح خربة، و تجري بين دروبها غدران من حميم، و تنبت على أرضها أشجار الزقوم و الحنظل، تصفر بين أغصانها الشوكية رياح السموم ..

كان وجه اسماعيل جامدا يابسا و هو ينظر إلى صور الشريط التي كانت تملأ عليه الغرفة، و كلمات ( نورا ) الصغيرة العذبة، و مناغاة ( كارين) الموسيقية ..

و انتهى الشريط، و غرقت الغرفة في ظلامها الأول، و عاد الهدوء، فمد يده، و ضغط زرا أعاد السرير إلى وضعه الأفقي فاغمض عينيه ، و استرخى ، و كأنه يراود النعاس..

و ما كان لينام ..

لم يعرف اسماعيل النوم ، كما يعرفه الناس، منذ يقظته من غيبوبته الكبرى بالعيادة بطنجة.. كان يأوي إلى فراشه، و يستلقي و يغمض عينيه، و لكنه لم يكن ينام، بل كان ينسحب من عالم الأحياء إلى عالم موحش، بارد، مظلم من الخرائب و الأطلال، و في كل درب كان يلتقي بقتلة ( كارين ) و ( نورا) ، و هم ينفذون فيهما الحكم الرهيب.. و كان يصرخ، و يعدو، و أحيانا يرتفع عن الأرض و يطير للانقضاض عليهم، فيقع على الأرض أو يخوض في لجة خاثرة من الزفت و الابخرة المتعفنة، فتبدأ في ابتلاعه رويدا رويدا، و هو يجاهد للخروج منها ، مستغيثا بأصوات خرساء مكبوتة..

و لا ينقذه من عالمه الداخلي إلا الصباح ..

إلا أنه في تلك الليلة، و حوالي الساعة الثالثة صباحا، استيقظ على جرس وضوء أحمر يصدران فن الآلة المعقدة إلى جانب سريره .. و فتح عينيه في تام اليقظة و حضور الذهن، فنظر إلى لوح المؤشرات المضاء إلى الآلة، فخفق قلبه، و دق بسرعة و عنف.. كان يحس احساس الصياد الكامن في الأدغال مدة طويلة، حين يقع صيده الثمين المراوغ في شباكه، أو الصياد في البحر حين ينجذب خيطه بقوة إلى تحت ..

و ارتعدت فرائصه من الانفعال و التوقع، فأخذ يخاطب نفسه بصوت مسموع محاولا تهدئة روعه، فقد فاته الا يكون، و هو المهندس البارع الدقيق، قد أخذ الاحتياطات اللازمة لهذه اللحظة بالذات، اللحظة التي بنى الدار من أجلها، و من أجل مثيلاتها و زودها بأحدث ما يصل إليه العلم الحديث من أجهزة الرصد، و الكشف، و الاستدراج، و الاحاطة، و التصوير، و التسجيل، و التخلص، و التمويه.

و مد يده ، فلمس زرا بجانب السرير، فارتفع ظهره ليصبح اريكة مريحة، و جذب الجهاز المعقد الذي كان يشبه آلة كاتبة، فانجذب مسهولة فوق الذراع المثبت بالحائط، ليستقر أمامه كمائدة افطار، و نظر إلى لوحة المؤشرات فوجد أن رقم ( 3 ) مضاء بالأحمر ، و مد يدا مرتعشة و لمس الرقم، فظهرت على الشاشة الكبيرة أمامه صورة حية بالألوان الطبيعية لشاب يسبح داخل بئر، و قد ارتسم الرعب في وجهه، و هو يحاول الامساك بشيء ما فلا يجد الا الحائط الرخامي الاملس ..







أكيد أن نوآيا اسمآعيل لآ تخلو من الشر ..
و بآله لآ تخفى عنه فكرة الانتقآم ..
هآ هو اسماعيل قد بدأ في لعبته ..
أمعقول ، و هو الذي ذآق مر الفقد ..
أن يصبح مجرد من ذرة احسآس .. ؟!


انتظروا البآرت الرآبع ..
دمتم بخير ..



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-05-14, 10:39 AM   #9

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


ـــــــــــــــــ



البــــارت 4 :






و أخذ اسماعيل يدير الأزرار و صورة وجه الشاب تقترب و تكبر على الشاشة، و هو يغطس ثم يعود إلى السطح فاتحا فمه في استغاثة صامتة.

و مد اسماعيل يده فأدار مفتاحا آخر فبدأ الصوت، هو الآخر، يسمع داخل الغرفة، كان صوت رجل يغرق و يطلب النجدة، فأدرك اسماعيل أنه لا يحسن السباحة و ضغط زرا آخر فغاض بعض الماء حتى لامست قدما الغريق قعر البئر، فوقف يلهث غارقا إلى عنقه في الماء و ينظر إلى الضوء المسلط عليه من فوق، و يطرف بسرعة دون أن يدرك ما حدث له ..

و انطفأ عليه النور فجأة فأخذ يدور في مكانه، و يتحسس الحائط و قد داخله رعب شديد من الظلام. و نشطت مخيلته فبدأ يتوقع كل شر.

و ضغط اسماعيل زرا آخر فظهرت على الشاشة الشرفة الطويلة المحيطة بالطابق الأعلى للدار، و رأى شيئا يتحرك فأدار الزر لتقريبه، فإذا هو شاب آخر يبحث عن الأول بين النوافذ و الأبواب الكثيرة المطلة على الشرفة،. و صغط اسماعيل زرا آخر فانفتح أحد الأبواب التي كان يقترب منها اللص، و حين وصل إليها، نظر حواليه، و هم بالدخول. و ما كاد يصع قدمه داخل الغرفة حتى انشقت الأرض و ابتلعته، و عادت إلى الانسداد.

و لم يدر اللص ما أصابه، فقد وجد نفسه ينزلق نازلا في شبه حلقوم معدني ناعم ملولب حتى غطس في بئر ماء بارد، و وجد نفسه تحت الماء يجاهد للصعود إلى السطح بكامل ما أوتي من قوة، و لفظه الماء فطفا على سطحه و هو يشهق و يملأ رئتيه بالهواء، و ينظر حواليه في توقع، و توجس، و رعب.

و لمس اسماعيل زرا آخر، فظهر امامه الضحية الثاني يسبح و ينظر إلى النور المسلط عليه من فوق، و أسنانه تصطك من الخوف.

و قام اسماعيل فدخل في معطفه المنزلي، و نزل إلى القبو بمصعد خاص ينفتح على باب سرية من مخدع نومه، و في القبو دخل في ممر طويل على جانبيه عشرة أبواب معدنية كان على اثنين منها نور أحمر، و قصد الباب الأول ففتحه عن طريق ادارة رقم كما تفتح خزائن البنوك، و دخل، و اقفله خلفه.

و في الغرفة الصغيرة المستطيلة كان كرسي مريح أمامه جهاز اليكتروني كالذي بجانب سريره، فجلس على الكرسي، و أخذ يلمس الأزرار على اللوح المضاء أمامه، فتسلط النور على الحائط المقابل، فإذا هو شفاف ممتلىء بالماء.

و بالتدريج بدأ الماء يغيض من البئر الشفافة، و ظهرت قدما اللص الأول و هو ينزل مع الماء حتى توقف على مستوى أرضية الغرفة، و بدأت البئر تضيق من حوله، و هو ينظر إليها في رعب شديد، و يحاول تسلق الجدران الملساء بأظافره و قدميه دون جدوى. و في النهاية اطبقت عليه و تشكلت بشكل حجمه، و كأنها عجينة بلاستيك.

و وقف الدخيل داخل غلافه الشفاف كمومياء مصرية في تابوت من البلاستيك يلهث و يرتعد بقوة متوقعا في أية لحظة أن يسحقه أو يعصره هذا التابوت الرهيب.

و تأمله اسماعيل بوجه جامد، ثم ضغط على زر كتب عليه ( تسجيل) ، فانطلقت آلات ( الفيديو ) تسجل المقابلة على شريط ملون لسجل الوثائق ثم ضغط على زر آخر كتب عليه : ( الطريقة رقم 1 ) ، فانطبق حزامان موصولان باسلاك كهربائية على رأس اللص و صدره، دون ضغط، و سمع اللص صوتا يخاطبه بداخل الأنبوب :

— لا تخف، استرح، و استرخ، فلسنا نريد بك شكا، و قد بنينا هذه الدار في هذه البقعة بالذات لنلتقي بامثالك من اللصوص و القتلة و قطاع الطريق، لا لنعاقبهم فذلك من شأن رجال الشرطة و القضاء، و لسنا نلومك على اقتحام الدار، فقد وضعنا أمامك كل المغريات، و شجعناك بطريقة البناء على تسلقه، و بالتالي على الوقوع في الفخ الذي أنت فيه الآن أنت و زميلك، فلا تخف، و اطمئن على حياتك، لان غرضنا من ايقاعك في فخنا علمي يجريبي محض، فنحن ندرس الجريمة بطريقة علمية حديثة ما تزال في طور التجربة، و ربما لاحظت حزاما حول رأسك، و آخر حول صدرك، الحزامان موصولان بآلة جديدة للكشف عن الحقيقة، و هي فريدة من نوعها لا تكشف الكذب عن طريقة نبض القلب فقط، بل و انفعال المخ، فالحقيقة و الكذب مصدرهما المخ، لا القلب.

فإذا تعاونت معنا، و أجبت على جميع اسئلتنا بصدق كامل، و لم تحاول اخفاء أية جزيئة مهما كانت صغيرة، فإننا سنطلق سراحك بعد انتهاء التجربة، و ربما ساعدناك على العثور على عمل شريف، إذا لم تكن لصا بالسليقة، على أن لا تذيع سرنا، و تعيش في مسينة أخرى مواطنا صلحا. فماذا تقول ؟ "

ففتح اللص فمه في حماس شديد و هو يجيب :

— أنا موافق يا سيدي، موافق، أنا تائب.. تائب إلى الله.. و لن أذيع لكم سرا، أعدكم وعد الشرف ، و اقسم على رأس أمي..

و عاد الصوت :

— حسنا ، و قبل أن نبدأ يجب أن ننبهك إلى شيء مهم.

— نعم، كل ما تطلبون.

— هو أن الآلة ليست محايدة، و معنى ذلك أنها لا تكتفي بفرز الصدق من الكذب، و تقدم في نهاية الاستجواب تقريرا بذلك لمن يهمه الأمر، بل هي أساسا جهاز للكشف عن الحقيقة خالصة مجردة عن الكذب، و قد برمجناها أخيرا بجهاز جديد يقوم بعملية احباط الأكاذيب، حتى نحصل على الحقيقة خالصة دون شوائب، و هذا الجهاز يسمى ( المصفاة)، فإذا توصل بأجوبة كاذبة فإن عقوبة آلية تنزل بالكاذب، و هي تتراوح بين سياط من التيار الكهربائي إلى الاحراق النهائي لجثة الكاذب، و احالتها إلى رماد. و بين هاذين الطرفين سلسلة طويلة من ألوان التعذيب المادي و المعنوي، فحذار من قول كلمة لم تفكر فيه جيدا، يجب أن تكون اجابتك الصدق بعينه.

فارتعد اللص في تابوته و أجاب :

— سترون، سترون، لن أقول كلمة واحدة كاذبة.

فقال الصوت :

— و نحن بالمقابل لن نطلع أحدا على أي شيء من أقوالك. فهي بالنسبة لنا أسرار المهنة، لن يطلع عليها إلا العلماء. و لنبدأ ، ما هو اسمك الكامل ؟





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-05-14, 10:41 AM   #10

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


— عبد الله قويدر.

— سنك ؟

— أربع و عشرون سنة.

— عنوانك ؟

— 45 مجموعة 10 حي النواول، الدار البيضاء.

— متزوج ؟

— لا.

— هل دخلت مدرسة ؟

— لمدة قصيرة

— هل لك أبوان ؟

— أعيش مع أمي ، والدي تركنا.

— لماذا ؟

— ليتزوج امرأة أخرى .

— منذ متى ؟

— منذ كنت طفلا.

— هل لك اخوة و أخاوات ؟

— نعم ، ثلاث بنات، و أربعة ذكور.

— هل تعيشون معا ؟

— بقينا ثلاثة فقط، أنا ، و أمي، و أختي الصغرى، الباقون تزوجوا، و منهم من ذهب للخارج للعمل، و من يعمل في الدار البيضاء.
— هل يزورونكم ؟

— نعم.

— هل ينفقون عليكم ؟

— حين يتوفر لهم ما يبعثون به للوالدة، أخي مختار يبعث بمبلغ شهري من بلجيكا.

— و أنت ما عملك ؟

— عآطل.

— هل زاولت عملا من قبل ؟

— نعم.

— مثل ماذا ؟

— عملت مع ميكانيكي سيارات، و طردني بعد بضع أسابيع.

— لماذا ؟

— سرقت راديو من سيارة أحد الزبناء .

— هل عملت في مكان آخر ؟

— نعم.. مع صاحب مصنع رصاص.. و طردني لنفس السبب، سرقت من بيت أحد الزبناء جهاز لتنشيف الشعر و جدته بالحمام أثناء إصلاح بعض الأنابيب..

— هل زاولت أعمالا أخرى ؟

— كثيرة.. كانت كلها تنتهي بطردي لخفة يدي...

— ماذا كانت أولى سرقاتك ؟

— لا أذكر تماما.. و لكنني بدأت بالسرقة من بيتنا.. كنت أسرق من أمي بعض النقود للذهاب للسينما..

— و ماذا كانت آخر سرقاتك ؟

— جهاز تلفزيون..

— ما هي أكبر سرقاتك ؟

— سيارة..

— ماذا فعلت بها ؟

— ذهبت بها إلى مراكش لحضور مباراة في كرة القدم، و تركتها هناك..

— ما هي المدن التي مارست فيها مهنة السرقة..

— تقريبا في جميع مدن المغرب الكبيرة ...

— حتى مدن الشمال ؟

— نعم.. قضيت صيفا في طنجة، و آخر بتطوان، و ذهبت في جولة إلى الحسيمة و الناضور، ثم أصيلة، و العرائش، و القصر الكبير، و مولاي بوسلهام..

— هل سطوت على دار بطنجة ؟

— لا.

— لماذا ؟

— لم نكن مجهزين لسرقة المنازل. فذلك يحتاج إلى سيارة لنقل المسروقات، و كنا في طنجة للاصطياف و الاستجمام، فاقتصرنا على سرقة المحافظ في الأسواق، و أخذ ما بها من فلوس، و ارسال المحافظ بما فيها من أوراق لاصحابها.

— لماذا ؟

— لنخفف من نقمتهم و غضبهم، و بالتالي من شكاويهم لرجال الأمن، حتى لا ينشط هؤلاء في مطاردتنا.

— هل سمعت عن سرقة دار المهندس بالجبل هذا الصيف، و مقتل زوجته و طفلته ؟

— نعم.

— هل شاركت فيها ؟

— أبدا ! قلت لك لم نسط على أية دار في طنجة.

— هل تعرف من فعل ؟

— لا.

— ألم تسمع شيئا عن العصابة التي قامت بذلك ؟

— كل ما سمعته أنها عصابة مشتركة بين مغاربة و أجانب، و أنها اختصاصية في سرقة الحلي و الجواهر من القصور و فيلات الأغنياء، و أنها مجهزة بالسيارات و اللاسلكي.

— من يمكن ان يعرف شيئا عن هذه العصابة ؟

— لا أدري، يشاع أن لبعض رجال الأمن المنحرفين صلة بها.

— هل تعرف أحدا منهم ، اعني من رجال الأمن المنحرفين ؟

— لا.

— هل تستخدم السلاح في سرقاتك ؟

— أحمله، و لكن لا استعمله إلا عند الضرورة القصوى.

— هل معك الآن سلاح ؟

— نعم، سكين متعدد الشفرات.

— متى استعملت السلاح لاول مرة ؟

— عندما حاول صاحب دكان، وجدنا داخل دكانه، أن يقبض علي.

— هل قتلته ؟

— كلا ، جرحته في يده فقط، حتى يبتعد عن طريقي.

— هل قتلت أحدا قط ؟

— أبدا .

— و الاغتصاب، هل اغتصبت امرأة ؟

— نعم، و لكنها من النوع الذي يستعذب الاغتصاب.

— و غيرها ؟

— نعم، فتاة مراهقة كانت تعجبني، اختطفتها أنا و زميلي في سيارة سرقناها، و أخذناها للغابة و اغتصبتها.

— و زميلك ؟ هل اغتصبها هو الآخر ؟

— لا.

— لماذا؟

— لا ادري، خاف من غيرتي عليها ربما. قال أن له أختا في سنها و شكلها.

— و بعد الاغتصاب ؟

— تركناها في الغابة، بعد أن هددناها بالذبح إذا هي أخبرت أحدا بما حدث .

— لماذا تسرق ؟

— لكسب عيشي، لأعول الوالدة و الأخت الصغيرة، فهي تذهب للمدرسة.

— هل تحب أمك و أختك ؟

— جدا، أكثر من أي شيء في الدنيا.

— و تفعل أي شيء من أجلهما ؟

— نعم.

— هل تقتل، اذا اقتضى الأمر، لاسعادهما ؟

— نعم .

— و تموت من أجلهما ؟

— نعم، إذا كان لابد من ذلك.

و هنا انطلقت صفاة ثاقبة في اذنه حتى كادت تصمه، و اضطرب بعنف داخل التابوت من شدة الألم..
و عاد الصوت يخاطبه :

— أرأيت ماذا وقع لك حين كذبت ؟ أنت لا تحب امك و لا أختك، أنت أناني، لا تحب إلا نفسك، و لو كنت إنسانا قادرا على الحب لأحببت الناس جميعا و لما استبحت ديارهم، و أمتعتهم، و أموالهم، و أعراضهم. الحب شعور نبيل و شريف، و أنت لص حقير، و لا شر للصوص، أنت تسرق عرق الناس، و ثمرة سعيهم، و اجتهادهم و تفكيرهم الطويل، و صراعاتهم مع الحياة.. أنت تسرق شرف الفتيات، و سعادتهن و أحلام شبابهم.. أنت جرثومة قذرة، و مكروب مضر بصحة المجتمع.. لذلك سنعاملك كأمثالك من الجراثيم و الحشرات السامة.. و سنبيدك.

و فتح عبد الله قويدر فمه لشدة وقع المفاجأة، و سأل :

— و لكنك وعدتني بإطلاق سراحي.. قلت لي أن هذه مجرد تجربة لجهاز جديد..

— و اشترطنا عليك في البداية قول الحقيقة.

— ما قلته كذبا كان زلة لسان.. اندفاع عاطفي عند الكلام عن الأم و حنان الأمهات.

فصدرت عن الآلة ضحكة معدنية :

— هه.. هه.. هه.. هل حقيقة كنت تعتقد أننا سنطلق سراحك بمجرد قولك الصدق ؟

— اذن كذبتم علي !

— لنقل عاملناك كما تعامل أنت الناس ..

— أرجوكم.. أرجوكم لا تقتلوني ! ستبقى أمي و أختي بدون عائل !

و مرة أخرى ، انطلقت الصفارة في عمق أذنه فكادت تمزق طبلتها.. و نطقت الآلة :

— أنت تكذب مرة أخرى.. أمك و أختك ستستريحان منك، مرة و إلى الأبد.. ستستريحان من بحث الشرطة عنك كل يوم و ليلة.. كل ما وقعت سرقة من نوع سرقاتك ، حتى و لو قام بها غيرك.. ستبكي عليك، ثم تنساك.. انت عالة عليها و عار على اخوتك العاملين و سوسة خبيثة تنخر في قلب المجتمع !

و سكتت الآلة قليلا ثم قالت :

— ما هي آخر طلباتك ؟

و حين هم بالاستغاثة و البكاء و الصياح، انطبق على وجهه قناع حتى كاد يخنقه. و جاءه صوت الآلة :

— أنت تخاطب آلة لا قلب لها و لآ عاطفة .. فلا تحاول البكاء، و الاستعطاف، و الاستخذاء، و الاستجداء.. لن يكون له أثر بالمرة.. فوفر انفاسك لساعة تنفيذ الحكم فيك.. فما هو طلبك الاخير ؟

و انفتح القناع فشهق اللص، و أخذ يلهث و قد امتقع وجهه امتقاعا شديد، و اكتسى جلده صفرة الموت و شحوبها.. و بصعوبة فتح شفتيه و هو يرتجف، عن كلمة :

— سيجارة..

فخرجت له سيجارة مشتعلة من ثقب أمامه..

و عاد صوت الآلة ليقول :

— كل الآلام و الأحزان، و القلق و الحرمان الذي كنت السبب فيه لغيرك من المواطنين الصالحين ، ستقاسيها أنت مجتمعة و مركزة حتى تنتهي حياتك الدنيئة، و تنتقل روحك القذرة إلى العالم الآخر، بعد تكفيرها على كل ما جنته في هذا العالم من جرائم.

و سقطت السيجارة من فمه، و هم بالصراخ، و الاستغاثة، و لكن القناع أطبق على وجهه مرة اخرى، فبقي يصيح في داخله :

— أريد أن أنتحر.. أريد أن أموت الآن .. أرجوك .. اقتلني الآن أرجوك !

و مد اسماعيل يده فلمس زرا و أسكت الصوت، و جلس ينظر إلى الأسير و يستحضر صوت ( كارين ) ، كما يتخيلها في آخر لحظات حياتها، و هي تنظر إلى قاتل ابنتهما ( نورا ) الصغيرة الحبيبة، و هو يلوح بها في الهواء و يضرب برأسها الحائط أمام نظراتها الجنونية !

و أحس كأن يدا تعصر قلبه .. فضغط بأصبع مرتعشة على زر أحمر، فبدأ البئر الزجاجي يمتلئ من حول الأسير بماء النار المحرق، و بدأت تظهر على وجهه أبشع علامات الرعب، و لولا احتجاب الصوت، لأصم صراخه سمع اسماعيل.

و ارتفع السائل المفترس حتى وصل فمه المفتوح فملأ جوفه، و بدأ في تمزيقه من الداخل و الخارج. و بعد لحظة كف عن الاضطراب.. و بدأت ملابسه تتآكل و كأنها تحترق بنار خفية.. و ذاب شعر رأسه، و جلد وجهه، و جفناه، و انكشفت مقلتاه، ثم فرغ محجراه باختفاء العينين..

و أخذت الجثة تتحلل .. و السائل الجهنمي يلتهمها بسرعة فائقة و كأنها تختفي تدريجيا عن الأنظار بسحر ساحر.

و حين لم يبق إلا الهيكل العظمي، قام اسماعيل فأطفأ النور..

و غادر الغرفة إلى الغرفة الثانية التي كان نورها الأحمر مشتعلا، و دخلها، و وقف إلى الآلة يلمس ازرارها، فنزل اللص الثاني مع هبوط الماء إلى مستوى الأرض، و هو يسبح مرهقا لا يدري ماذا يحدث حوله، و غاض الماء من حوله فجلس على الأرضية يلهث و يسترجع أنفاسه بعد محنته الطويلة.

و عاد اسماعيل فاطفأ عليه الأنوار، و صعد إلى مرقده، و قد احس بنشوة لا توصف .

و نظر إلى ساعة الراديو بجانب سريرة فإذا هي تشير إلى الخامسة صباحا، فاستلقى على سريره ، و اغمض عينيه، و انسحب من عالم الأحياء نازلا إلى عالمه الداخلي المقفر الموحش، و قد بدأ يحس بنسمات منعشة تذاعب روحه الشوهاء، و بنغمات مطربة تصدر عن روح أسيره المعذب و هو ينتظر الموت و يتمناه فلا يجده.

و في مساء الغد، عاد اسماعيل متأخرا من عمله، و متحفزا لاستنطاق ضحيته الثانية و دخل المطبخ، فصنع لنفسه شطيرة و صب فنجان قهوة و قعد يأكل في صمت صاخب.

و أخرجه من تأملاته جرس التليفون الذي ملأ عليه جو المطبخ، و بدا أكثر حدة من قبل، فتناوله، فإذا صديقه ابراهيم بصوته المرح المازج :

— مساء الخير .

— مساء الخير ، يا ابراهيم.

— هل قاطعت شيئا ؟

— لا، كنت اشرب قهوة، أين أنت ؟

— أنا مع بعض الأصدقاء، و الجميع يخوضون في سيرتك.

— بالخير إن شاء الله.

— هذا يتوقف عليك.

— ماذا تعني ؟

— انهم ينتظرون حفلة التدشين للدار الجديدة، و قد طال انتظارهم.

— كلهم يعرفون انها لم تتم تماما.

إنهم يرويدون تسبيق الفرح بليلة. يريدون مناسبة للاحتفال، مهما كانت المناسبة، لنجعلها مناسبة قرب اكتمال البناء.

فتنهد اسماعيل ، و لم يضحك هذه المرة، كعادته، لنكات صديقه و قال :

— ليتني استطيع يا ابراهيم !

— لماذا ؟ هل افلسك البناء ؟ إذا كان الأمر كذلك، فالمشروبات علينا و عليك السقف .

— لا، لا، ليس ذلك هو السبب، رغم انك لم تبتعد كثيرا عن الواقع، و لكنك تعرف أنني في فترة ، أعني أن نفسي غير متفتحة لاستقبال الأصدقاء بكل ما يليق بهم من ترحيب و ايناس.

فتغيرت لهجة ابراهيم إلى جد مغلف بنبرة قلق و حزن :

— اسماعيل .

و توقف قليلا ، ثم قال :

— انتظر لحظة، سأنتقل إلى غرفة أخرى حتى نتكلم بحرية أكثر.

و ساد الصمت لحظة، عاد بعدها صوت ابراهيم :

— اسماعيل ، أرجوك لا تؤاخذني إذا قلت لك إن هذا بالضبط هو ما كنا نناقشه، كلن ا نعرف ما تعانيه من آلام و لكنك لجأت الى علاج خاطىء، لجأت إلى الوحدة و الانطواء، و أنت تعرف أن الوحدة تزيد من حدة الآلم، و تضخم الأحداث، فأرجو يا اسماعيل أن تتيح لأصدقائك الفرصة لحمل بعض العبء عنك، و ادخال بعض السرور على قلبك، أو على الأقل بعض النسيان، فارجوك لا ترفض.

و أمام رجاءات صديقه لم يملك اماعيل إلا ان يرضخ لرغبة الجماعة حتى لا يتهم بشيء يثير فضولهم حوله، فقال :

— إذا كان كذلك، فتعالوا، و أمري لله.

و وضع السماعة، و وقف ينظر إلى المرآة، و مسح بكفيه شعره المتموج و اقترب من المرآة وجهه ليتأكد من أن أحدا لن يكتشف في عمق عينيه حقيقة روحه الخربة الممزقة.

و دخل غرفة جلوسه الكبرى ليتأكد من نظامها، ثم أطل في بقية الغرف الصغيرة، و صعد إلى مرقده ليغير ملابسه.

و بعد نصف ساعة من المكالمة، سمع على باب الفيلا أصوات ابواق السيارات و قهقهات البنات، و نداءات الأصدقاء الذين وصلوا في حوالي خمس سيارات، و مد يده إلى كنب سريره، و ضغط زرا، فانفتح باب الحديقة، و دخلت السيارات، واحدة خلف الأخرى، لتقف أمام الباب الداخلي.

و ما كادوا ينزلون من السيارات حتى فتح اسماعيل الباب بنفسه لاستقالهم بابتسامة ترحيب، و وقف إلى جانبه ابراهيم، صديقه، ليقدم له من يا يعرف اسماءهم من الجماعة.

و كان من بينهم موظفون كبار، و مهندسون، و محامون، و أطباء، و فنانون، و ممثلون، و دبلوماسيون أجانب، و أساتدة جامعيون، و كلهم مصحوبون بزوجاتهم، أو خطيباتهم، أو صديقاتهم، و بعض البنات لم يكن لهن رفقاء، و كان الجميع يحمل في يده شيئا من عدة الحفلة، زجاجات شراب، صناديق، أطباق ورقية، و أواني بها طعام، باقات زهور، اسطوانات حديثة الظهور، إلى غير ذلك.

و صاحت مريم زوجة ابراهيم المرحة، حين وقعت عيناها على اسماعيل و هي تلوح له اباناء الثلج الفضي :

— لم ترد أنت المجيء إلى حفلتنا، فجئناك بالحفلة !

و عانقته و قبلته على خ

ديه، و التفتت خلفها، و أشارت إلى فتاة أنيقة كانت تقف بعيدا على استحياء.

— زبيدة تعالي.

و نظر اسماعيل إلى زبيدة، و عادت به الذكرى إلى ماض سحيق، ماض زادته الأحداث الأخيرة بعدا و اقبارا في اعماق النسيان.








أيمكن للمآضي الذي ظهر في وجه اسماعيل فجأة ..
أن يغير بشكل ولو قليل ، مآ بنفسه ؟ و ما بنواياه ؟

بانتظار البارت الخآمس ..
دمتم في أمآن الله ..




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:12 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.