شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f202/)
-   -   1108 - دورة الأيام - شارلوت لامب ع.د.ن(كتابة /كاملة)** (https://www.rewity.com/forum/t305015.html)

Just Faith 28-07-14 03:19 AM

1108 - دورة الأيام - شارلوت لامب ع.د.ن(كتابة /كاملة)**
 

https://files2.fatakat.com/2014/1/13898314791590.gif


كل عام وانتم بخير آل روايتي الرومانسيات
اول عيديتنا اليوم
مكتوبة حصرياً على روايتي وبس

لا نحلل نقلها لأي مكان بدون موافقة مشرفات القسم






https://upload.rewity.com/upfiles/Hka70669.gif
هنزلها كاملة حالا يا حلويات
الجزء الثالث من سلسلة بتحبوها كتير
سلسلة الكاتبة شارلوت لامب

رواية دورة الأيام
عبير دار نحاس
رقم 1108


كتابة فريق الكتابة

( روح الغاليناناناسبنوتة عراقية ام مزن -


silvertulip21- Just Faith)




سداسية شارلوت لامب مكتوبة كاملة:


1109 - شئ من الحقيقة ( العدد الأول )

https://www.rewity.com/forum/t175165.html

1107 - معركة التملك ( العدد الثانى )

1108 - دورة الأيام ( العدد الثالث )

https://www.rewity.com/forum/t305015.html#post9401375

1110 - الدلال ( العدد الرابع )
https://www.rewity.com/forum/t326212.html
1111 - الحلم ( العدد الخامس )
https://www.rewity.com/forum/t171100.html
1112 - الإستسلام ( العدد السادس )
https://www.rewity.com/forum/t308223.html



1108-دورة الأيام


الملخص

احتلت ايرينا بعد ألتحاقها بسنتنال اخبار الصفحة الأولى كانت فتاة محتشمة خجولة رائعة الجمال تدير الرؤس اينما ذهبت وتثير اعجاب كل رجل في الصحيفة

كل رجل ماعدا استيبان سيباستيان ,مدير التسويق قي الصحيفة وقلب الشركة النابض وبالرغم من قوة جاذبيته إلا ان كل ما كان يريدههو محاربة ايرينا ...أترى كان هذا اسلوبا جديداً في الغزل ...؟ على كل حال فقد كان نيكولاس كاسبيان وجينا تيريل لا يكفان عن القتال لأجل السيطرة على الصحيفة .. ومع هذا كل شخص في سنتنال كان يعلم انهما مغرمان ببعضهما البعض ....
روابط تحميل الرواية

وورد
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

pdf
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

txt
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

https://files2.fatakat.com/2014/1/13898314871976.gif

Just Faith 28-07-14 03:30 AM

الفصل الأول
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

Just Faith 28-07-14 03:30 AM

حيث تقف سيارات الأجرة ,لم يكن هناك سوى رجل واحد ينتظر , ورأت ايرينا تلك الكتفين العريضتين وذلك الظهر الطويل المستقيم ,وغاص قلبها بين جنبيها ,ها هو ذا مرة أخرى .
قال دانيال ببشاشة :"إذا لم تكن الطرق مزدحمة , فسنصل إلي شقتنا بظرف ساعة ,ولكن ذلك قد يستغرق ساعتين إذا كانت مزدحمة , هل أنت متعبة يا صغيرة؟انك شديدة الشحوب ."
" بل أنا بخير."
قالت ذلك وسيارة أجرة تقترب فيخطو ذلك الرجل نحوها ليأخذها ,نظر إليه دانيال لحظة وما لبث أن هتف بعدها :" استيبان "
فالتفت الرجل بنفور واضح ,ودون أن يظهر أية دهشة ما جعل ايرينا تدرك انه كان قد رأى دانيال منذ فترة قال له :"مرحبا دانيال ."
فقال دانيال : لم ألحظك من قبل ."
هز الرجل كتفيه :"لا باس , فالديك ما يشغلك ." وتحولت عيناه لحظة خاطفة نحو ايرينا , فبدت أسنان دانيال الناصعة البياض بابتسامة واسعة :"كنت فعلا كذلك."ونقل نظراته بينهما :"ايرينا,أقدم إليك استيبان سيباستيان . مدير التسويق في سنتنال و وهو أيضا,من أهل بلدك .....أن ايرينا يا استيبان , قادمة للعمل في قسم الترجمة لفترة الصيف .ومن غرابة الصدف أنها اسبانية هي أيضا."
ادى استيبان لها شبه انحناءة وهو يقول بالانكليزية بأدب بالغ البرودة:" تشرفنا."
فتمتمت بكلام غير مفهوم دون أن تقابل عينيه تماما.
وضع سائق سيارة الأجرة حقيبة استيبان داخل السيارة ,ثم صعد إلي خلف عجلة القيادة وهو ينظر إليهما قائلا :"حسنا ,من منكم سيأتي معي ؟"
فصعد استيبان إلي العربة , ثم نظر إلي خلفه يسألهما باقتضاب :" أتحبان أن تشاركاني السيارة ؟"
ولحسن الحظ , كانت سيارة أجرة أخرى تقترب منهما في هذه الأثناء , فرمق دانيال ايرينا بنظرة سريعة رأى فيه التعبير الذي بدا علي وجهها ما جعله يجيبه قائلا :" شكرا ,يا استيبان ,ولكننا سنأخذ السيارة الثانية ,إذ لم نجد فرصة نتحدث فيها بعد ."
قال استيبان لأويا شفتيه " طبعا إلي اللقاء في المكتب ." وانطلقت به السيارة فتنهدت ايرينا بارتياح ,وبينما كانت تصعد إلي المقعد الخلفي , كان دانيال يناول سائق السيارة حقيبتها .
قال لها وهو يجلس بجانبها :" هل افهم من تصرفك انك لم تنسجمي مع استيبان ؟"
فقالت متلعثمة :"انه غير ودود تماما."لم تشأ أن تخبر دانيال عن تلك الحادثة السخيفة في الطائرة ,أو أنها تشعر بان استيبان شعر بالنفور منها,كانت بعض الأشياء من الغموض بحيث لا يستطيع المرء شرحها ,وإذ كان دانيال رجلا منطقيا واقعيا,فهو سيعتبر مشاعرها مجرد تخيلات .
قال لها دانيال رافعا حاجبيه :" لا أرى لديك سوى حقيبة واحدة ,ألا تحتاجين إلي أكثر من حقيبة ملابس إذا كنت ستمضين هنا عدة أسابيع ؟أنني اعلم أن روز كانت ستحتاج إلي سيارة فان محملة بالملابس لو كانت مكانك ."
قالت له وقد احمر وجهها :" لا املك ملابس غير هذه."
نظر دانيال إليها غير مصدق :"يا له من اعتراف من امرأة تعيش في باريس , حسنا , سنرى ما يمكن أن نفعله بهذا الشأن أثناء وجودك هنا,أن هذا سيدفع روز إلي أخذك للتسوق ,فلندن هي أيضا مركز للموضة , خصوصا بالنسبة للملابس الانكليزية التقليدية ."
بدا الذعر علي ايرينا , وتمتمت بحرج :"أرجوك ألا تذكر ذلك لروز , فانا لا استطيع أنفاق كل نقودي علي الملابس ,وعلي كل حال,فان لدي كل ما احتاجه ."
نظر إلي الطقم الفيروزي اللون الذي ترتديه ,وقد بدا الإعجاب في عينيه , ثم قال :" ثوبك هذا جميل للغاية ,من أين اشتريته ؟"
" لقد صنعته بنفسي."
" أحقا ؟" وعاد يتأملها من جديد بإعجاب واضح :"انك فتاة ماهرة تماما ."
فاحمر وجهها :" أنني أخيط اغلب ملابسي بنفسي علي آلة خياطة اشتريتها مستعملة من سوق البضائع المستعملة ."
وكانت قد اشترت القماش من التنزيلات بنصف الثمن ووضعت تصميمه بنفسها ,أيضا,فكان بهذا ارخص كثيرا من ثوب جاهز تشتريه من المتجر.
كان زحام السير خفيفا هذا النهار ,وهكذا استغرق وصولهما إلي الشقة ساعة فقط,والتي كانت في بناية جديدة قريبة من نهر التايمس , وعلي بعد مسافة قريبة من مجمع باربري وارف . أشار دانيال إلي المجمع هذا يريها إياه فأخذت تحدق إليه وقد اتسعت عيناها.
كان زجاج النوافذ المغشى بالسواد يلتمع في أشعة الشمس ,بينما المبنى المثمن الأضلاع ينعكس شكله في مياه النهر بجانبه,كان ثمة شيء وحشي في بنائه ,لمحة في شكل الحصان ,أو شيء يتوارى خلف جدران عاليه ,بعث قشعريرة في جسم ايرينا .
ألقى دانيال عليها نظرة جانبيه ماكرة ,وهو يقول :"لا تدعي الذعر يتملكك لمظهر المجمع هذا ,إذ سرعان ما ستشعرين وكأنك في بيتك ."
فقالت بصوت ضعيف :" هذا ما ارجوه ."أي فرق هنا سوى أعجبها العمل هنا أو لم يعجبها؟ كانت بحاجة إلي النقود ومن حسن حظها أن وجدت هذا العمل .
بعد ذلك بدقائق , أنزلتهما السيارة عند باب المبنى الحديث والذي كان بني حوالي نفس وقت بناء باربري وارف . واستقلا المصعد إلي الطابق الثالث , فتح هو الباب الأمامي ووقف جانبا لكي يدعها تدخل أولا , ومن ثم تبعها حاملا الحقيبة .
قال لها :" فلنذهب أولا ونرى الغرفة التي ستقيمين فيها ."وسار أمامها في الممر الضيق , يريها كل غرفه كان يمران بها , كانت غرفتها في نهاية الممر , ففتح بابها لتقف هي علي العتبة تحدق حولها ,وقد تملكها السرور لرؤية هذه الغرفة الفسيحة المضيئة , والتي كانت مؤثثة بشكل بسيط وعصري .
كانت الجدران مدهونة باللون الأبيض , والسجاد والستائر بلون أشعة الشمس ,بينما الأثاث كان من خشب الصنوبر ذهبي اللون ,وكانت هناك نوافذ بالغة الاتساع ,كانت تطل علي منظر النهر , وكان ثمة خزانه للثياب محفورة في
الجدار ذات باب انزلاقي وهو شيء لم تره ايرينا قط من قبل ,كما كان هناك مقعد بذراعين يواجهه جهاز هاتفي وصف من الكتب علي رف بجانب السرير."
قالت ايرينا لاهثة :" أنها رائعة ."
فابتسم دانيال :"أنا مسرور لأنها أعجبتك سأتركك الآن لتنظيم أمتعتك والتعود علي بيتك الجديد , فإذا احتجتني فسأكون في المطبخ , أن روز لن تتأخر . آه ,بالمناسبة أننا سنتناول عشاءنا في الخارج هذه الليلة , في مطعم بيير قرب باربري وارف ,انه سيعجبك جدا ."سكت لحظة ثم عاد يقول برقة :" هناك شيء آخر , أنني اعرف أن من الأسهل علينا التحدث باللغة الفرنسية , ولكن من الآن فصاعدا عليك أن تتدربي علي التحدث باللغة الانكليزية , كما تعلمين , فهذه لندن , وهذا هو السبب في وجودك هنا,لكي تحسني لغتك الانكليزية ."
احمر وجهها و أومأت وهي تقول بالانكليزية بحذر :"اعلم ذلك ,وسأتكلم الانكليزية من الآن فصاعدا ."
" هذا حسن ."ابتسم لها,ثم أغلق الباب تاركا إياها وحدها .
تنهدت بعمق ثم اتجهت نحو النافذة تنظر منها وهي لا تكاد تصدق ما ترى...
كان نهر التايمس يجري هادئا أمامها كان يقوم مجموعة مبان مرتفعة ذات سطوح رمادية مدببة كانت تمثل ناحية من عظمة لندن ,وبدا لها ذلك من الغرابة والبعد عن المألوف بحيث تمنت لو تعود إلي باريس ,أنها لن تنسجم أبدا مع مكان كهذا .
في هذه اللحظة كانت جينا تيريل تقف عند نافذة مكتبها الكائن في مجمع باربري وارف ,تنظر إلي أشعة شمس الأصيل المنعكسة علي مياه النهر,هي , أيضا , بينما كانت تتحدث من فوق كتفها.
" نعم ,لماذا لا تدعينها إلي حفلة زفافك يا هيزل ؟أن هذا سيسر روز,وأنا واثقة من انك ستحبين ايرينا , فهي حلوه وخجول...."
قال هيزل ضاحكة :" أنها لا تشبه روز إذن ؟"
فضحكت جينا :"لا أظن روز يعجبها أن توصف بأنها حلوة خجول ,علي كل حال ,
كلا, لا يمكنك أبدا أن تتكهني بأنهما من والد واحد ,حتى أن ايرينا لا تشبه والدها ,وأظنها تشبه والدتها."
"أتريد أن تصبح مراسلة هي أيضا؟"
كانت هيزل تتكلم بينما تنظم الملفات في أماكنها,فهزت جينا كتفيها,
قائلة :" ليس لدي فكرة عن ذلك ,ولكنني لا أظنها من ذلك النوع ,أنها بالغة الحساسية ,كما تبدو,ولكنها ماهرة في اللغات مثل روز ديسموند,
وهذا ما تدرسه في جامعة السوربون في باريس ,ولكنها ستسر كثيرا بحضور عرس انكليزي ,ومن اللطف البالغ أن تفكري في ذلك ,يا هزل."
"حسنا ,أظنها ستشعر بالإهمال إذا أنا لم ادعها,حيث أن روز و دانيال سيكونان موجودين ."
" الم ينته صنع ثوب الزفاف بعد ؟"
"القياس الأخير له سيكون الأسبوع القادم ." وفي تلك اللحظة ,تناهى إلي سمعهما صوت باب يصفق ,فرفعت جينا رأسها بحدة ,ثم تبادلت و هيزل النظرات .
"لقد عاد"
كان نيكولاس كاسبيان مشتركا في اجتماع طويل مع واحد من رؤساء اتحاد الطابعين ,ومن الضجة التي أحدثتها عودته كان ظاهرا انه في مزاج سيء ,و أن لم يكن هذا غريبا عنه,فقد كان مستغرقا في المشاكل مع أكثر الاتحادات البريطانية وذلك منذ استلامه صحيفة سنتنال . من ناحية لأنه كان يحاول تحديد ساعات العمل والأجور,وذلك لكي تسير علي نفس الخط المعمول به في صحفه الأخرى في أوروبا ,ومن ناحية أخرى لان العمال الانكليز لم يكونوا يثقون بتصرفات أصحاب العمل,فهم يناضلون ضدهم كلما و أينما استطاعوا ذلك .
أسرعت جينا نحو مكتبها لتجمع حاجياتها,فقد كان المكتب للسيد جورج تيريل جد زوجها جايمس تيريل والذي كان توفي منذ ست سنوات , وعندما انتقلت صحيفة سنتنال من شارع فليت ستريت إلي مجمع باربري وارف, كان هذا المكتب الأثري المكسو سطحه بالجلد في مكتب السير جورج ,ولكن عندما مات واستلم نيكولاس كاسبيان الصحيفة ,استلم أيضا مكتب السير جورج , وشعرت جينا بالمرارة لجلوس نيكولاس خلف ذلك المكتب ,فقد كانت اعتبرت نيكولاس كاسبيان مسؤولا عن وفاة الرجل العجوز ,إذ انه لو لم يحول السيطرة الكاملة علي الصحيفة ,ربما كان السير جورج مازال علي قيد الحياة ,وكانت رؤيتها له خلف ذلك المكتب دليلا ساطعا علي انتصاره,
وعلي انهزام الرجل العجوز وموته .
علي كل حال,عندما أقنعها نيكولاس بالبقاء في الصحيفة ,نقل هذا المكتب إلي غرفة مكتبها ......وكانت هذه لفته ذكية منه خففت من قلة ثقتها به,
فقد كان نيكولاس يعرف شعورها,وكان هذا شيئا يثير ضيقها لأنها لم تكن تريد أن يعرف نيكولاس كاسبيان الكثير عنها .
قالت بصوت اجش وقد شحب وجهها :"أنني ذاهبة ."لقد كانت تتجنب مقابلة نيكولاس قدر بإمكانها وكان ذلك سهلا عليها أكثر أيام السنة ,لأنه كان يمضي أياما طويلة خارج لندن فقد كانت مؤسسته الدولية للنشر تملك صحفا في كل عاصمة أوروبية ,وعندما يكون في الخارج في أحدى صحفه ,كانت تمضي أسابيع دون أن تراه , ولكنه الآن في لندن منذ أسبوعين ما جعل التوتر يتملكها فقد كان له تأثير مدمر علي أعصابها ,كما أنها حاليا ,
كانت تشعر بتعب بالغ ما يجعلها غير قادرة علي مواجهته وهو في أحدى نوبات غضبه هذه.
لكن وقت الهرب قد فاتها ,فما أن كانت علي وشك الخروج ,حتى دخل نيكولاس كاسبيان إلي المكتب ,فشمل جينا بنظرة شاملة , كان وجهه تكسوه البرودة ,ولكن كان في عينية سؤال عرفته جينا,فصرفت بأسنانها .
قال ساخرا :" أراك تراقبين الساعة ؟"
" لدي موعد هذا المساء ."
فتوتر فمه :"مع من؟ فيليب ؟"
"نعم ."تمتمت تجيب بذلك بينما أهدابها مسبلة تخفي عينيها الخضراوين اللوزيتي الشكل ,حاولت أن لا تنظر إليه ,ولكن صورته دوما لا تبارح ذهنها,
ولكن عينيها كانتا ترمقانه بسرعة ,تارة ثم تبتعدان تارة أخرى .
كان نيكولاس في منتصف الثلاثينات من عمره ,قوي البنية ,ذا جسم رشيق مرن .
لم تكن جينا قد عرفت شيئا بعد عنه أو عن أسرته ,حتى ولا مسقط رأسه أو مكان نشأته,لقد حاولت صحف أخرى أن تجري تحقيقا ,ولكنها لم تخرج بسوى شيء قليل جدا , رغم أنها جينا قد قرأت مره أن والده زاكاري كاسبيان ,
كان ميتا ,لم يكن نيكولاس يتحدث قط عن نفسه أو ماضية , ومن كان يلقي عليه مثل هذه الأسئلة كان يقابل بالبرودة والصمت .
كان ثمة شيء وحيد واضح ,وهو أن لون بشرته كانت تنبئ بأنه من عنصر لاتيني ,فقد كانت سمراء اللون,ورغم ذلك كان من المدهش أن عينيه كانتا ذات لون ازرق فاتح ,وكانتا في تلك اللحظة ,تلتمعان غضبا.
"حسنا,أريد كلمة معك قبل خروجك ....فهل لك أن تدخلي إلي مكتبي ؟"قال ذلك بصوت أجش ,ثم نظر إلي هيزل :"هل تلك الرسائل جاهزة لتوقيعي ؟"
" نعم ,جميعها ."أجابته بذلك بصوتها الهادئ كالعادة ,حاملة ملفا يحتوي علي رسائل سبق وطبعتها.
تناولها نيكولاس بصبر فارغ ثم استدار عائدا إلي مكتبة ,نظرت جينا و هيزل إلي بعضهما البعض بعبوس ,ثم تبعته جينا مغلقه الباب خلفها.
كان نيكولاس جالسا خلف مكتبه يوقع الرسائل بحركات سريعة من قلمه الذهبي .
سألته جينا وهي تقف في الناحية الأخرى من الغرفة ,قرب الباب:"أنني مستعجلة فهل الأمر هام ؟"
لكن رأسه لم يرتفع , ولا كف قلمه عن الحركة , وإنما قال ببرودة:"نعم,لن أتأخر أكثر من لحظة , أريد أن انهي التوقيع علي هذه لكي نستطيع إرسالها ببريد هذا النهار."
أخذت جينا تنظر حولها إلي الجدران المبطنة بخشب السنديان المذهب و أشعة شمس الأصيل تومض فوقه,وإذا بها تلحظ فجأة أن صورة والد السير جورج تيريل قد نقلت من مكانها المعتاد بين النافذتين ووضع مكانها صورة رجل قصير القامة إلي حد بدا معه وكأنه كان قزما , أو بما كان ذلك نتيجة الوضع الذي كان جالسا فيه علي الكرسي , محني الكتفين ,بينما عيناه شاردتان في مكان بعيد ,كان اسمر البشرة والعينين ,رمادي الشعر خفيفة ,وقد سرح إلي الوراء .
كان نيكولاس قد انتهى من توقيع رسائله ورفع عينيه بنظر إليها وهي تحدق إلي اللوحة ,فقال باختصار :" انه والدي ."
" آه."وألقت جينا عليه نظرة سريعة ,إذن فهذا هو زاكاري كاسبيان؟أن نيكولاس لا يشبهه , وعادت تنظر إلي اللوحة ,فقال نيكولاس بصوت كئيب:" أنها أفضل صورة له,وقد علقتها والدتي في منزلها,في سان فرنسيسكو سنوات طويلة ,ولم أكن أظن علي الإطلاق أن من الممكن أن تنفصل عنها,ولكنها قد أرسلتها إلي لتوها."
" هل تعيش والدتك في أمريكا ؟" ولم تكن جينا تعرف هذا,حتى أنها لم تكن تعرف ما إذا كانت والدته ما تزال حيه .
فأومأ برأسه وهو ينقر علي سطح المكتب بأصابعه كعادته حين يكون غاضبا أو فارغ الصبر , وتابع يقول :" هذا ما أريد أن أتحدث إليك عنه,أنني أفكر في اتخاذ منحى جديد في الولايات المتحدة ,وذلك بالذهاب إلي الساحل الغربي لأرى الوضع هناك , أنني سآخذ معي هيئه من المديرين لدراسة الوضع ورؤية أن كان ثمة إمكانيات جيدة أم لا , وأريدك أن تكوني ضمن الهيئة تلك .
شعرت جينا بالتوتر يتملكها ,فقالت ببطء وقد بدا الحذر في عينيها كقطة خائفة :" أتريدني أن اذهب إلي كاليفورنيا ؟ليس من ورائي فائدة بالنسبة إلي دراسة الإمكانيات هناك , فانا لست خبيرة بمثل هذا الأمر."
" لكنك دوما تصرين علي أن تكوني شريكة في السلطة ,وان تعرفي كل ما يدور ,ولماذا تصدر القرارات ,لن يكون بإمكانك المشاركة في الإدارة إذا كنت لا تغادرين لندن , أو تعرفين ما يحصل في بقية المؤسسة ."
فقالت بحدة :"أن مؤسسة كاسبيان لا علاقة لها بي . أنني من مؤسسة تيريل ."
فتمتم غاضبا :" انك تزوجت من آل تيريل , هذا صحيح,ولكنه ,لا يجعلك منهم"
حدقت إليه باستياء ومرارة ,وقد التهبت عيناها ,كان هذا صحيحا بالطبع,
ولكنها مع ذلك ,تشعر بأنها من أسرة تيريل ,فقد كانت تعلم أن السير جورج كان يعتبرها من أفراد أسرته .....وكان هذا هو السبب في انه أورثها أسهمه وأوصاها بان تتابع مسيرته بعد وفاته .
" لقد أصبحت من أسرة تيريل بعد زواجي من جايمس ."
ألقت إليه بهذا الجواب , فهب واقفا ,واستقام جسمها واستيقظت أحاسيسها , ربما كانت تكره وتحتقر نيكولاس كاسبيان ولكن وجودهما معا في نفس الغرفة كان له وقع الكارثة عليها حتى أنها لم تعد تسيطر علي مشاعرها .
فتمتمت تقول بصوت أبح وهي تجاهد في سبيل التظاهر بالهدوء :"أنني لا أريد الحديث عن ذلك ,فكل ما يهمني هو ما يحدث في سنتنال ,فلا تحاول أشراكي في أعمال مؤسسة كاسبيان ."
استدارت نحو الباب وهو لا تكاد ترى ما أمامها ,ولكن نيكولاس كان قد أصبح خلفها يمسك بذراعها بقبضة من حديد .
" لا تتركيني بهذا الشكل يا جينا."
لقد شعرت بخوف حقيقي هذه المرة , ولكنها جاهدت في سبيل إخفائه وذلك بقولها بحدة :"كم مرة قلت لك أنني اكره أن تلمسني ؟"
" لقد وصلت إلي حد لم اعد ابالي معه ."تمتم بذلك وهو يحدق في وجهها بشكل أخذت معه ترتجف وهي تبادله التحديق , متنفسه بصعوبة.....وعند ذلك تصاعد رنين الهاتف الموضوع علي المكتب فأجفلت جينا بعنف .
وقف نيكولاس لحظة طويلة لا يحول عينيه عن وجهها الشاحب ,ثم ما لبث أن ترك ذراعها واستدار عائدا إلي المكتب حيث انتزع السماعة من مكانها.
ثم سال بحدة :" نعم ؟" ثم اخذ يستمع ,وظهره إلي جينا التي كانت من الارتجاف بحيث لم تستطع الخروج من الغرفة ,فقد كان قلبها يخفق بعنف ما جعلها تشعر بالغثيان كما أصبحت ساقاها برخاوة الماء.
" ماذا ؟"قال نيكولاس ذلك بخشونة , فنظرت هي إليه كما التفت هو يحدق فيها أثناء استماعه إلي ما كان يقال له خلال الهاتف .
تملك جينا حدس جعلها تبقى , محدقة في وجه نيكولاس الخشن ,كان الشحوب يكسو وجهه وقد قطب حاجبيه , وأظلمت عيناه,ما الذي حدث؟ اهو خبر سيء ؟ولكن ما هو نوع ذلك الخبر؟أتراه متعلقا بالعمل ,أم هو شخصي؟
سال نيكولاس :"هل أنت واثق من أنها موجودة علي متنها ؟"وعندما سمع الجواب قطب جبينه :" نعم ,فهمت ,كلا,ستأحدث إليها بنفسي,فقط ابقى هناك , وأعلمني علي الفور بكل ما يحصل ."
وضع السماعة , ثم استدار ينظر إلي جينا ,ولكنه لم يقل شيئا للحظة طويلة وقد عض شفته وكأنه يفكر بما عليه أن يقول,أو كيف يقوله .
سألته جينا وقد تملكها الانزعاج والحيرة :"ماذا حدث ؟"
تنهد نيكولاس :" أنها روز ."
فشهقت جينا :"روز؟لقد عادت من روما منذ ساعات ....وكانت تستقبل ايرينا في المطار....."
فقاطعها بهدوء :"لقد تأخرت طائرة روما,فقد كانوا تلقوا إنذارا بوجود قنبلة فيها,فبقوا ساعات يفتشون الطائرة ولكنهم لم يجدوا شيئا, وهكذا انطلقت الطائرة متأخرة أربع ساعات ."
كانت جينا ترتجف وقد شحب وجهها , وأخذت مخيلتها تقفز مذعورة إلي النتائج , متصورة ما لم يكن بإمكانها احتماله :" آه,كلا...كلا...ليست روز..."
فقال نيكولاس بسرعة :"أنها لم تمت , يا جينا ,فلم يكن هناك قنبلة ."
تنهدت بارتياح , ثم عادت عيناها الخضراوان تتسمران علي وجهه بعنف :
" ماذا ....إذن ؟"
فتنهد قائلا : لقد كان التحذير باللغة الانكليزية ولا بد أن عامل التلغراف لم يفهمه جيدا , لم يكن هناك قنبلة ,وإنما إرهابيون داخل الطائرة "
" إرهابيون!" عضت جينا شفتها بعنف شعرت معه بطعم الدم في فمها.
" لقد اختطفوا الطائرة وهم يرغمون الطيار علي التوجه الآن نحو قبرص."
كان الذي يحدثني بن وينتر احد مراسلينا وكان وصل لتوه إلي مطار نيقوسيا من لندن ,لقضاء عطلة أسبوعين , وكان يقف في الصف ليوقع علي استئجار سيارة كان قد حجزها , عندما امتلأ المكان فجأة بالجنود ورجال الشرطة آمرين الجميع بالخروج وترك المنطقة في الحال . وطبعا, رفض بن الخروج مخرجا بطاقته كصحافي , وهكذا حصل علي القصة قبل أي شخص آخر,
قال أن من الصعب أن يعرف بالضبط من هم أو ما الذي يحدث ,ولكن يبدو أن هناك اثنين أو ثلاثة من الإرهابيين ,وعندما اكتشف أن الطائرة قادمة من روما إلي لندن , تذكر أن دانييل اخبره بان روز قادمة من روما اليوم ."




Just Faith 28-07-14 03:43 AM

الفصل الثاني

شعرت جينا بأرتخاء في ساقيها , فهبطت جالسه على أقرب مقعد وهي تشبك يديها تمنعهما من الارتجاف : " ولكن ...ولكن ...لماذا لم نسمع بالخبر قبل الان لو كانت الطائره قد اختطفت منذ عدة ساعات ؟ لماذا لم تذع وكالات الاخبار ذلك ؟"

" كان هناك تعتيم اعلامي من ناحية قبرص كما قال بن ,فلم يذيعوا بيانا بذلك . انه يظنهم لم يعلموا بالضبط بعد ما يحدث , ولهذا هم لا يتحدثون فهو لم يحصل الا على هذه المعلومات وذلك بالصدفه , لانه كان موجودا هناك , وهو يظن انهم سيرفضون إعطاءهم الإذن بالهبوط "

سحبت جينا نفسا مرتجفا : " ولكن ...هل سيكون في الطائره ما يكفي من الوقود لكي تذهب الى مكان آخر ؟ ماذا لو كان الارهابيون مجرمين ؟ آه ..روز .."

قال لها وهو ينظر اليها مقطبا جبينه :" لا تدعي مخيلتك تذهب بعيدا , ابقي هادئه الى ان نحصل على صورة واضحه لما وراء هذا كله ..يا جينا ."

انفجرت تقول بغضب عارم :"ما اسهل ان تقول ذلك , فروز ليست صديقة عمرك , كما ان الامر لا يتعلق بك مباشرة."

فقال بحده :"انني أعرف روز منذ سنوات اتظنين انني لست قلقا الى اقصى حد على سلامتها ؟"

أدار ظهره اليها عائدا الى حيث كان يجلس خلف مكتبه ثم رفع سماعة الهاتف الداخلي وهو يقول وقد توتر فمه :"ارى ان اتحدث الى دانيال , وان كنت لا أحب إخباره بالأمر . من حسن الحظ انه متدرب على معالجة الازمات , وهو سيكون بحاجة إلى ما اكتسبه من ذلك التدريب , لكي يعالج هذا الامر ."

أخذت جينا تحدق في يديها المتوترين في حجرها وهي تحركهما وتلويهما , سيكون لهذا الخبر وقع عنيف على دانيال , بالرغم من تدريبه , بقد أمضى سنوات كان فيها مراسلا خشنا مقاوما للصعاب والأخطار والكوارث , ولكن هذا كان في الماضي , فهو قد تغير منذ ان عقد خطوبته على روز , فالسعاده قد جعلت منه رجلا آخر , رجلا دافئا ودودا سهل المعشر , فلو حدث شيء لروز لمزقه ذلك اشتاتا ً.


كان نيكولاس يتكلم في الهاتف بأختصار ،فأخذت تستمع مقطبه جبينها إزاء لهجته ،لايمكن أن يكون حديثه موجها الى دانيال " أين ، آه ، فهمت كلا ،سأتصل به إلى بيته.
وضع سماعة الهاتف ثم نظر إليها :" لقد كانت روز اتصلت بدانيال لتقول له انها لم تستطع ان تستقبل ايرينا في المطار لأن الطائرة تأخرت ، ولهذا ذهب دانيال الى مطار هيثرو منذ عدة ساعات ." والتقط دفترا كبيراً ذا غلاف من الجلد اخذ يقلب صفحاته وهو يقول :"لابد ان لدي رقم هاتف بيت دانيال ،هنا "

عند ذلك ذكرت له الرقم مستمداً من ذاكرتها ،فوضع الدفتر جانبا ًوهو يقول :"شكرا لك "وابتدا يدير ىالرقم وهو يقول :"لابد انه عاد الى بيته الآن ، ولكنني لا اتصور انه قد سمع بالخبر "

تصاعد رنين هاتف ثان على المكتب ن فرفع نيكولاس السماعه بينما ما يزال ينتظر من يجيبه من شقة دانيال :"نعم ،من هناك ؟"عند ذلك قال بفروغ صبر ."نعم ،مرحبا يا فابيان ....نعم اعرف هذا ،لقد سمعنا به فقد اتصل بنا بن قبل ان يتصل بقسم الشؤون الأجنبيه انني احاول الاتصال بدانيال بنفسي الآن ،دع اخباره بالأمر لي انا نعم ، يمكنه بن ان يعالج الموضوع حاليا ً، ولكن لا ترسل احداًإلى هناك ."وعبس لحظه "لا جواب من شقة دانيال ،ربما لم يعد مباشرة إلى بيته ..وربما ما يزال في المطار ينتظر روز ، اسمع ،سأتابع الاتصال به ،فهو سيرغب في الذهاب الى هناك حال سماعه بالخبر ، وأنا سأتاكد من ان طائرتي الخاصة جاهزة لكي تطير به قبرص ، فهذا سيكون اسهل . فهم اغلقوا مطار نيقوسيا امام الطائرات وسيكون عليهم ان يجدوا مكانا آخر في الجزيره لتهبط فيه ،وسأرسل معه مراسلا آخر ،إذ لا يمكننا ان نطلب من دانيال ان يغطي هذا الحدث كما انه ليس من العدل ان نطلب المزيد من بن ان يعمل بينما هو في اجازه ،كلا ،لايهمني من يذهب فأختر شخصا بنفسك ،وسأتصل بك عندما اعثر على دانيال ."

أنهى مخابرة فابيان ، انتظر لحظه أخرى انهى بعدها اتصاله بمنزل دانيال وهو يقول لها : "أين يمكن ان يكون دانيال ؟"

فقالت جينا :"ربما سمع بالخبر ، وهو في طريقه الى هنا ."

لكن نيكولاس لوى شفتيه :"حسب معرفتي بدانيال ،فهو في طريقه عائدا إلى مطار لكي يستقل اول طائره ذاهبه الى قبرص ،كلا ،لايمكن ان يكون قد سمع ...ولكن أين هو ؟"

قالت جينا وهي تتنهد :"ربما أخذ ايرينا في جولة يريها معالم المدينه ."

كانت روز تفكر في دانيال ،هي ايضا ، وكانت صورته تملئ خيالها ،ولهذا كان عليها ان تعض على شفتيها لتخنق آهه عذاب ،هل ستراه مرة اخرى؟ سنوات كثيرة ضيعتها في مشاحنات معه مقاومة مشاعرها نحوه ،وقد ينتهي كله الآن .

كانت في ضيق شديد وهي تربض في مقعدها في الطائره ويداها معقودتان خلف راسها مبقيتهما بهذا الشكل طالما الارهابيان المسلحان بالمسدسات والقنابل اليدويه واقفين في مقدمة الطائره ويراقبان بقيةالمسافرين بأعين يقظى وثابه ،كيف أدخلا أسلحتهم هذه الى الطائره أخذت تسأل نفسها ذلك وهي تفكر في القصه التي ادلى بها المسؤولون في روما ،وهي أن عطلاً في المحرك قد سبب هذا التأخر الطويل للطائره عن السفر ، كما اخبروهم ...ولكن لم يتضح الأمر إلا الآن ،وهو انه كان هناك نوع من الانذار ،ماجعلهم يفتشون الطائره ...فكيف استطاع هؤلاء الرجال تهريب اسلحتهم إلى الطائره ؟

كانت تحتل المقعد الذي بجانبها امراه متوسطة العمر وكانت تبكي بصمت وعيناها مغمضتان ،ولم تجرؤ روز على الكلام معها ،فقد منعوا من احداث أي صوت انها لا تستطيع وضع ذراعها حولها أو محاولة التخفيف عنها ،إذ انها إذا حاولت انزال يديها فسيطلقون عليها الرصاص .

كانت على علم بكل الاحتمالات ، فقد كان ممكنا جداً أن يكون هذا آخر ايامها على الارض ، فقد كان الرجال الثلاثه الذين احتلوا الطائره ، مستعدين لكل شيء ، فأذا نطق أي شخص بكلمه لا تعجبهم أو تحرك قليلا ، فقد يعني هذا الموت لكل من في الطائره ن فقد كان الجو مشحونا ً بالتوتر ، خصوصا منذ ان توقفوا عن الطيران بشكل دائري فوق الجزيره .

لم يخبروا المسافرين بشيء ما عدا أن في عدم إطاعتهم للخاطفين خطر كبيراً. لم يجرؤ احد منهم على القاء اسئله بعد تلك الأوامر التي صاح بها رجل وهو يصوب مسدسه الى رأس صبي ،لقد شحب وجهه الأم وبدا عليها أنها موشكة على الموت ، بينما بدا وجه الولد أغبر وكأنه شاخ فجأه ،أخذ الصبي يبكي وهو يدس وجهه في ذراع والدته ، بينما كشر حامل المسدس عن اسنانه بابتسامة خالية من السرور.

" هذا حسن " قال ذلك بصوت خشن دون ان يتوقع أي جواب بعد أن فهم الجميع الوضع .

رأت روز من جانب عينيها التلال الصخريه والوديان الخضراء ، هل هي جزيرة يوناينه ؟ام انهم ما يزالون أقرب الى ايطاليا ؟ هل هذه سردينيا ؟ صقليه ؟ كلا ، فقد امضوا في الجو فترة طويله ...ولكن هذه تبدو لها مألوفه ..وتصورت انها لابد كانت هنا قبل فتره ...وهبط عليها الادراك فجأه ... انها قبرص ، لقد كانوا يحاولن الهبوط في قبرص .


توقفت الطائره فجأه عن الطيران وأخذت تميل على جناح وح واحد لكي تغير من اجاهها ، وبعد ذلك بلحظه ابتدأت في الهبوط ، استقام الرجلان المسلحان واخذا يتمتمان لبعضهما البعض ، ليستديرا بعد ذلك ، الرجل الذي كان يهدد الطفل منذ فترة ، صارخا بالمسافرين بانكليزية مهشمه :"اذهبوا جميعا الى مؤخرة الطائره ...انبطحوا جميعا على الارض ، انبطحوا جميعا على الارض في مؤخرة الطائره مشبكين ايديكم فوق رؤوسكم ، الايدي جميعا فوق الرؤوس والا أطلقت النار ."


ساد الذعر المسافرين وهم يتدافعون الى المؤخره لينبحوا على وجوههم ، وشعرت روز بنفسها ترتجف فاخذت تكافح لتبدو هادئه ، فإذا كانت ستموت ، عندئذ ... عندئذ ستموت بسرعه زذلك افضل من الموت البطئ ، إذ ان هذا الاخير أسوأ بكثير .

ارتطمت الطائره بالارض بعنف ، وكأنها سقطت من السماء بسرعه , اخذت بعض النسوة بالصراخ ، أما روز فظلت منبطحه بثبات وهي تحاول ان تشغل نفسها بالتركيز على تذكر كل ما حدث فهذا ماكان والدها سيفعله لو كان مكانها وكذلك دانيال ، فأذا هي نجت فسيكون هذا أهم سبق صحفي في حياتها ...ولهذا هي بحاجه الى ان تتذكر كل التفاصيل هذه اللحظات ...أما اذا لم ... حسنا ، انها إذن لن تكون بحاجه إلى ذلك....



***
عندما افرغت ايرينا حقيبة ثيابها وارتاحت قليلا ، التحقت بدانيال في غرفة الجلوس حيث جلسا ينتظران وصول روز ، واخذ الاثنان يتحدثان وهما يرتشفان القهوه وأعينهما على الساعة .

أخيراً قال دانيال وقد بان عليه شئء من القلق :"سأتصل بأستعلامات المطار لأرى مالذي يعيق الطائره".

استغرق الاتصال هذا بعض الوقت ،وبعد حديث قصير أعاد السماعه إلى مكانها وقد بان الضيق على وجهه وهو يقول :"ثمة مزيد من التأخير كما يقولون . إذ يبدو انهم غير واثقين من شيء ، لقد سالتهم عما اذا كانت الطائره قد شرعت برحلتها فعلا ،ولكن حديث الفتاة بدا غامضا للغايه حتى بهذا الخصوص ، كل ما كانت تعرفه هو ان الطائره ستتأخر اكثر من ذلك ، قد يكون الجو هو المسؤول ، كما تقول ، ثم قالت لي ان أعود الى الاتصال فيما بعد عندما يتوفر لهم المزيد من المعلومات ".

فقالت ايرينا : "آه ، مسكينه روز ،انني اكره الجلوس في المطارات ".

" لا افهم لماذا لا يضعون المسافرين في طائرة اخرى ، لكنهم لا يفعلون ذلك ابداً ، وأظن ليس لديهم طائره احتياطيه وخطوط الطيران لاتهتم بتجنيب المسافرين الانتظار ساعات ". ونهض واقفا " حسنا ، لافائده من الجلوس هنا بينما ليس لدينا فكره عن موعد وصولها ، انه مساء جميل ومناسب جدا للتمشي حول باربري وارف وتناول العشاء كما كنا اعتزمنا ".

وغادرا البيت بعد ذلك بعشرة دقائق وما ان دخلا المصعد حتى سمعا صوت رنين الهاتف من داخل الشقه ، فركض دانيال عائدا وهو يبحث في جيوبه بسرعه عن المفتاح ،وعندما وجده في النهايه دخل مندفعا نحو الهاتف ولكن ما ان مد يده الى السماعه حتى توقف الرنين .

كانت ايرينا قد عادت الى الشقه ، هي ايضا ونظرت باهتمام الى وجهه العابس وقالت :"ربما الآفضل ألا نخرج ن أليس علينا ان نجلس بجانب الهاتف إذ قد تكون روز هي المتصله فتعاود الكره مره اخرى ؟ "

فقال عابسا :" ان لدينا جهاز اجابه ، فلو كان صالحا لأمكننا ان نتركه ن=مفتوحا ليسجل رسالة روز ولكنه تعطل أمس ولم يأت المهندس لاصلاحه بعد ، وهذا يكلفني كثيرا لحاجتي الماسه إليه بالنسبه لوظيفتي " .

نظر اليها متأملا ، ثم قال :"إنك تعلمين كل شيء عن شكسبير أليس كذلك ؟ ان هذا سيساعد في الكلمات المتقاطعهالتي تنشرها صحيفة سنتنال يوميا و التي اخذت شهرة كبيره ، وكلها تدور حول شكسبير ، كما انها صعبة تماما ، ولكن بأمكان نيكولاس كاسابيان ان يصنعها ، كما قيل لي ، اثناء تناوله طعام الافطار عند الصباح ، ودون ان يمدد وقت الوجبه " .

فقالت ضاحكه :" انه مخيف أليس كذلك ؟ هل صحيح انه مغرم بكرستينا نوردستروم ؟"

هز دانيال كتفيه :" من يدري ؟ فهو ليس من نوع الرجال الذين يتحدثون عن مغامراتهم العاطفيه ، كما انني لست صديقا شخصيا له " .

وما لبث ان خرج دانيال مع ايرينا مره اخرى ، وهذه المره لم يرجعهما رنين الهاتف .

كان مساءً دافئا هادئا ، وميا ه النهر تتالق باشعه الشمس الغرابه .

لم يسرع دانيال وايرينا في السير فقد اخذا يتمشيان على مهل بينما دانيال يشير لها الاماكن الهامه ،وعندما حل الظلام كان مبنى سانت بول وساعة بيغ بن يبدوان وكأنهما من الكارتون بالنسبة الى الشمس التي كانت تغرب خلفهما .

وصلا اخيراً الى حدائق البلازا والتي تقوم في قلب باربري وارف والتي كانت تضاء في الليالي بمصابيح من طراز العهد الفكتوري كانت تلقي بأنوارها الذهبيه على الساحه الفسيحه المكشوفه . كان لمطعم بيير الفرنسي مظله جميله مخططه باللونين الأخضر والذهبي فوق واجهة يستطيع المرء ان يرى من خلالها الزبائن الذين كانوا يتناولون وجباتهم على موائد مضاءه بالشموع .

قال دانيال للنادل الذي جاء يستقبلهم :" لقد كنا حجزنا مائده لثلاثه ، ولكن الشخص الثالث تأخر ، ولهذا نحن الاثنان فقط هنا ."

تمتم النادل يقول :" ليس ثمة مشكله يا سيد بروني ، وقد حجزت لك مائدتك المفضله ف يالزاويه البعيده ."

عندما تبعاه إلى داخل المطعم ، شعرت ايرينا بالأنظار تتجه اليهما ، وأومأ دانيال لبعض ممن يعرف ، متحدثا إلى واحد أو اثنين منهم بما في ذلك شقراء خلابه ألقت على ايرينا نظره سريعه مجفله وإذا كانت فكرت في اللقاء أية اسئله ، فقد فات أوان ذلك ودانيال يسير بايرينا نحو مائدتهما دون كلمة اخرى .

اخذت فاليري نايت تتبا بعهما بنظراتها رافعة حاجيبها ، ماذا يقصد دانيال بهذا حين يخرج مع فتاة بهذه السن بينما كان اعلن خطوبته على روز ايميري ؟ ياللرجال ! انهم غير أهل للثقه ،لقد كانت حقا تظن ان دانيال كان جاداًفي خطوبته لروز ، ولكن يبدو انه لم يستطيع مقاومة صغيرة مثل هذه ، إذ لا يمكن ان تكون قد وصلت الى العشرين بعد بينما كان دانيال يسير نحو الخامسه والثلاثين . أم تراه اكثر من ذلك ؟ مسكينه روز ، اتراها تعلم بالفتاة الأخرى ؟ كانت فاليري تفكر في كل ذلك وهي تتأملهما عن بعد .

كان اليوم هو الجمعه وقد ابتدأت العطله الأسبوعيه ، وكانت فاليري متعبه ، فقد كان العمل كثيرا هذا الاسبوع حتى انها عملت عدة ليال إلى ساعة متأخره في الليلة ما ألقى بظلال تحت عينيها البنفسجيتين ، وكان القسم الذي تعمل فيه قد خسر اثنين من المراسلين ، حديثا ، مما يعني تراكم الآعمال على الباقين ، وقد حدث الشيء نفسه في بقية الاقسام ، بطبيعة الحال ففي الستة أشهر الأخيرة كانت التغيرات في الصحيفه مستمره ، لقد ذهب اعضاء مجلس الأدارة حيث انهم لم يكونوا من مجموعة موسسة كاسبيان ، كما ان نيكولاس كان يخفف من عدد الموظفين من كل الاقسام وقد اصبح جو العمل مؤخرا ، من التوتر بحيث ان كثيرا من موظفي الصحيفه القدامى اما تقاعدوا ، واما استقالوا بناءاًعلى طلبهم .

لقد كان الوضع كله مثير للإضطراب ، كانت فاليي تفكر في ذلك وهي ترتشف القهوه التي كانت طلبتها ، كان المفروض ان تتناول العشاء مع استيبان ، ولكنه لم يصل بعد ، لكنها لم تهتم لذلك ن فقد كان ماتعانبه من إرهاق يجعلها لاتهتم لشيء في تلك اللحظه ، وهكذا مالت إلى مسند مقعدها المخملي واغمضت عينيها .

" هل تتعبين في العمل ؟"

نبهها من غفوتها ذلك الصوت الساخر فرفعت جفنيها الثقيلتين رغم انها لم تكن بحاجه الى ان تنظر الى صاحبه لتعرف فيه جيب كولينوود .

فقالت له : " اسكت قبل ان تبدأ ."

فقال مدعيا عدم الفهم : " أبدأ بماذا ؟"

" بالنيل مني "


Just Faith 28-07-14 03:43 AM


شعرت بالضيق وهو يحدد فيه النظر , كانت عيناه البنيتان تجولان عليها . أضافت باستياء : " وكف أيضا عن التحديق بي ." ذلك لأن نظرات جيب كانت تحتوي على شيء حعل اعصابها تتوتر .

فقال لاويا شفتيه :" إذا كنت لاتحبين ان يحدق اليك الرجال ، لماذا ترتدين إذن مثل هذه الثياب؟"

أجابت بحدة :" ماعداك انت . فأ،ا لا اريدك ان تحدق بي ، لا أحب الطريقه التي تنظر فيها إلي."

لقد افسد عليها لحظة راحتها هذه فأصبحت متوترة يتملكها الانزعاج ...ولولم تكن تنتظر استيبان ، لغادرت المطعم ، اين هو ولماذا تأخر ؟ وتملكها الضيق .

سألها ببط : " هل تتنتظرين احداً ؟ "

" ابتعد عني " لم تنظر اليه ،كانت تريد ان تتجاهله تماما . ولكن هذا هذا لم يكن سهلا ، فقد كان ذا وسامه لا تدع سبيلا لتجاهله كما كان فارع الطول ورياضيا من الطراز الاول . فهو يمارس اغلب انواع الرياضه كالسباحه والركض والعاب القوى . وكانت فاليري لا تستطيع انكار جاذبيته ، فقد كان نموذج الرجل الذي يعجبها .. ولكن من المؤسف انه كان متزوجا .

جلس جيب بجانبها ما ضايقها جدا ، فنظرت اليه ببرودة ، قائلة :" هل لك من فضلك ، ان تجلس في مكان اخر ؟ انني بانتظار شخص سيأتي في أية لحظه ولا أريده ان يأخذ عني فكره سيئه عندما يراك معي ."

فكان جوابه الوحيد ان ابتسم ساخراً ، ومرمن جانبهما احد المراسلين العاملين في القسم التجاري في الصحيفه وذلك حيث يعمل جيب نفسه ، وكان المراسل في طريقه للخروج فحيا جيب ، ثم احنى رأسه لفاليري يحييها بأدل ، ثم سأل جيب :" هل انت ذاهب الى الحفلة ليلة السبت القادم ؟"

فأومأ هذا قائلا :" بالتأكيد ، ساراك هناك ولتر ."

وعندما ذهب الرجل ، ألقى جيب على فاليري نظرة جانبيه ثم سألها :" هل انت ذاهبة الى الحفلة؟"

فهزت كتفها :" ربما "

" اتريدين ان اوصلك معي ؟"

نظرت اليه ساخرة :" كلا ، شكراً. "

" هل هناك شخص آخر سيأخذك ؟"

" ربما "

" استيبان ؟"

هزت كتفيها مرة اخرى ، ولم تزعج نفسها بالجواب ، فأخذ هو يتأملها ، ولكنها تظاهرت بأنها لم تلاحظ ذلك . وبقى وجهها جامدا .

فعاد يقول : " هل هو من تواعدت معه هذه الليلة ؟ " فأومأت ايجاباً ، وساد الصمت ، وأخذت ترتشف قهوتها شاعرة بفمها جافاً وكأنها متوترة الاعصاب .

كانت تكره الاعتراف بأن جيب يثير الاضطراب في نفسها ، كما انه يزعجها أيضا ، لماذا لا يمتثل لكلمة الرفض منها ويدعها وشأنها ؟

لكنه قال فجأه : " اخبرني المحامي ان طلاقي سيكون نافذا في أي وقت ، الآن ."

فقالت بحده :" هذا ما تقوله لي دوماً ، ولكن يبدو ان هذا لن يحدث ابداً."

" ان هذه الامور تستغرق وقتا ، وعلي ان اتذرع بالصبر ، كما يقول المحامي ." التفت اليها يحدق في وجهها وهو يقول :" ان زوجتي رحلت مع رجل اخر تريد ان تتزوجه ، ولهفتها الى الطلاق بقدر لهفتي اليه يا فاليري ."

فقالت ساخرة :" هذا مؤكد ."

" اسمعي ، ماذا علي ان افعله لأثبت لك ان ما اقوله هي الحقيقه ؟ كنت سأعطيك عنوانها لكي تذهبي وتقابليها ولمنها تعيش في الناحية الاخرى من العالم ."

فأبتسمت له بجفاء " هذا صحيح " . جلس جيب صامتا عدة لحظات ، محملقا فيها :" حضرت في الشهر الماضي ، اجتماعا ..."

" أي اجتماع ؟ "

" اجتماع في مؤسسة كاسبيان الدولية ."

" آه .."

" وعندما كنت هناك ، وكان ذلك في لكسمبروغ ، قابلت محاسبا يعمل في صحيفة مدريد ."

بانت اليقظه في عينيها ، بينما تابع حيب يقول برقه :" كان يعرف استيبان سباستيان تماماً ، فقد حضر حفلة زفافه . "

بان الغضب البالغ في عيني فاليري : " هذا كذب ، لأن استيبان غير متزوج ، لقد ذهبت الى شقته ، ولم أر آثار أية امرأة تسكن معه ."

ببرودة ، اجابها قائلا :" ربما زوجته لا تسكن معه في لندن ولكنه رجل متزوج فعلا ."

" هذا غير صحيح ."

رفع صوته فوق صوتها : " أساليه أذن ." ثم وقف وتركها الى الداخل ، فنظرت هي في أثره بغضب ، لكنها لم تستطع منع نفسها ان تلاحظ عدة نساء يلتفتن اليه بأعجاب وهو يخطو بينهن بأناقته الباديه وحركاته القويه الرشيقه ، قد يلاحقها جيب ن وقت لاخر ، ولكن النساء كن يلاحقنه هو ايضاً ، ولم تستطع فاليري ان تنكر أنه لو لم متزوجا ...

لكنها عادت تحدث نفسها باستياء ، انه متزوج فعلا ، ثم كيف يكذب بهذه الصراحه بالنسبة الى استيبان ؟ كانت تعلم ان الغيره تتملكه من استيبان ، وذلك منذ وقت طويل ، ولكنها لم تكن تظن قط انه سيكذب بشأنه ، نعم ، كان ما قاله كذباً ، وهي واثقه من ذلك ، لأنها كانت سألت استيبان في بداية تعرفهما ، وهي تضحك :" اضن ان لديك زوجة تنتظرك في الوطن " ولكنه هز رأسه حينئذ ، برصانته المعهوده ثم اجاب بهدوء :" كلا ، ليس لدي من ينتظرني في أي مكان ."

كانا في ذلك الحين مايزالان غريبين عن بعضهما البعض ، ولكنه لم يخطر في بالها ان تشك في قوله ذاك ، والآن قد اصبحت تعرف استيبان اكثر من السابق ، كانت واثقه من انه كان يقول الحقيقه ، فشعوره العميق بكرامته لا تسمح له بأن يكذب ن خصوصا بالنسبه الى أمر هام كهذا ، وعلى كل حال ، فقد كان في صوته حزن ووحشة ما جعله مقنعا تماماً.

لكن هذا لايعني ان استيبان وقد حدثها الكثير عن نفسه ، حتى الان ، فهو ليس بالرجل الثرثار ، كان في الواقع ، رجلا متحفظا كتوما ، لا يكاد يتحدث عن حياته السابقه ، واذا ما القت عليه سؤالا ما ، فهو يجيبها برقة ، بعد تفكير عميق ، ولن يدهشها اذا هي عرفت ان هناك الكثير عنه مما لا تعلمه ..... ولكنه كانت متأكده من أنه رجل مستقيم .

سمعت صوت باب المطعم من ناحية بلازا ينفتح فنظرت ناحيته ، كان استيبان قادما نحوها بخطوات واسعه : " آسف جدا فاليري ، لقد تأخرت بعد ان سمعت ذلك الخبر الحزين عن روز ايميري ". وكانت نبرات صوته بالغة الخطورة ، فسألته مقطبة الجبين :" وماهو ذلك الخبر الحزين عن روز ؟"

فجلس بجانبها وهو يقول :" ألم تسمعي بذلك ؟ أنا آسف ، هل هي من صديقاتك ؟ كانت قادمة من روما عندما اختطف طائرتها إرهابيون ."

فتحت فاليري عينيها على اتساعهما :" آه ، ما افظع ذلك ، هل هي بخير ؟ اعني ...هل ما زالت ... هل هناك خبر عنها ؟"

" كلا ، حتى الآن ، ما عدا انها على متن الطائره ."

فأرتجفت فاليري :" لا يمكن لي ان اقبل أبدا بان اكون مراسلة صحيفه . فأعصابي لا تحتمل ذلك ، مسكينة روز ، فهذا خبر هائل ... هل هناك من اخبر والدها ؟"وتذكرت فجأة دانيال ، فالتفت تحدق إلى نهاية المطعم المظلمة وهي تقول :" لا أظن دانيال علم بذلك ." فقد تذكرت وجهه الباسم عندما مر بجانبها ، لم يكن وجهه عابسا أو متجهما أو كئيباً.

فقال استيبان بشيء من الغضب : "لم نستطع ان نعثر عليه ."

فقالت له :" انه هنا ، في تلك الزاوية هناك ...."

تابع استيبان إشارتها ببصره ثم وقف يقول :" هل لك ان تعذريني لحظه ، يا فاليري ، هي أيضا ، انني سأذهب لأتحدث اليه ." فوقفت فاليري ، هي أيضا ،ولكن استيبان نظر اليها بعينيه السوداوين اللامعتين وهو يقول بأشارة حاسمه من يده :" كلا، إبقى هنا من فضلك ."

ثم استدار على عقبيه مبتعدا عنها بخطواته الواسعه ،بينما وقفت هي تحدق في اثره فاتحه فمها وهي تفكر ،بشيء من الضيق ، بمبلغ استبداده ، من السهل عليه القاء اوامره عليها ،كما يبدو ، فقد صدر ذلك عنه بشكل طبيعي تماما ، مانوع الأسرة التي جاء منها ، في اسبانيا ؟

لم ينتبه دانيال او ايرينا الى ذلك الرجل الطويل القامه الأسود الشعر والذي كان واقفا ينظر اليهما ، فقد كانا مستغرقين في الحديث إلأى حد بالغ ، كان دانيال يحدثها بقصص مرحه شيقه عن والدها ن وقد وضعت مرفقيها على المائده ووجهها بين كفيها وقد استرسل شعرها الطويل على إحدى كتفيها ، كانت تبدو صغيرة السن تماما ورائعه الجمال ،فقد كانت عيناها الكبيرتان تتألقان بشكل غامض في وجهها الرقيق .

اخذ استيبان ينظر اليها وهو يتقدم نحوهما وقد بانت القسوه على ملامحه . بدت له هذه الفتاة الصغيرة وكأنها مجنونه حبا بذلك الرجل الجالس فبالتها ، وهذا مازاد في غضبه ، وقف بجانب المائده فرفع دانيال بصره اليه بدهشة .

ثم ابتسم قائلا له بمودة :" مرحبا يا استيبان ، انت مرة أخرى ؟ اننا نتصادف كثيراً، اليس كذلك ؟"

لكن استيبان لم يبتسم ، وانما قال بختصار :" ان لدي خبر سيئا ، انني اعلم ان نيكولاس يريد ان يخبرك به بنفسه ، وكان الجميع يبحثون عنك ، فيتصلون ببيتك دون جواب وكذلك يتصلون بأصدقائك يسألون عنك ، ولكن لم يكن يعرف احد مكانك ."

بدأ القلق على دانيال وهو يلحظ عبوس ملامح استيبان ن تسمرت عيناه على وجه الرجل :" أي خبر ؟ ما الذي تتحدث عنه ؟"

نظرت ايرينا اليه بعطف وقلق ورأى استيبان نظرتها تلك ،فقطب جبينه :" بينما انت تخرج مع حبيبتك الجديده ، تجلس روز في طائره مخطوفه في مطار قبرص ".

قال ذلك والازدراء يتجلى في صوته ، فاستحال دانيال الى حجر ، ولكن ايرينا لم تستطع ان تفهم ما قاله استيبان بانكليزيته الثقيله ، أو ربما جعل الغضب لغة استيبان صعبة الفهم عليها ، كان رجلا مزعجا حقا ....لماذا يحدق اليهما بهذا الشكل وكأنهما قد اقترفا شيئا ما ؟

سألت دانيال مقطبة الجبين :" مالذي يعنيه بقوله ( جالسه في طائره..)..اين ؟" وعندما ابتدأت تفهم ما قاله لهما استيبان بتلك اللهجه الحاده ، شحب وجهها :" دانيال ...هل حدث شيء لروز ؟"

لم يجب دانيال ، فقد كان شاحب الوجه هو الآخر وقد انعقدت الخطوط على جبينه ، ثم أخذ يتحدث بصوت ابح :" متى حدث هذا ؟ خطف الطائره؟ ارهابيون ؟ من ؟ هل تضرر أحد ؟ هل قات قبرص ؟ ومالذي جعل طائرتها تذهب هناك خارجة من روما ؟"

فكررت ايرينا قوله :" ارهابيون ؟ ماذا حدث لشقيقتي ، يا دانيال ؟"

التفت استيبان اليها بسرعه وقد ضاقت عيناه :" شقيقتك ؟ هل روز شقيقتك ؟"واخذ يتفحص وجهها ليرى ان كان هناك شبه بينها وبين روز فلم ير شيئا، وكاد يتساءل عما إذا كان لم يسمع جيدا ما قالت .

سأله دانيال بحده وكان قد وقف الآن :" اخبرني ، ارجوك ، هل روز حية؟"

كان كل شخص في المطعم يستمع اليهم وهم يتهامسون وبان الذهول علة وجوههم أذ كانوا جميعا يعملون في صحيفة سنتنال وكانوا كلهم يعرفون دانيال واستيبان واكثرهم يعرفون روز ايضاً.

أجاب استيبان ببطء وهو مايزال يحدق في ايرينا مقطبا جبينه :" لاندري "

استدار دانيال على عقبيه مسرعا نحو الباب وهو يقول لرئيس الندل الذي كان منتبها لما حدث ، ويدور حولهم ليرى ما بأمكانه ان يفعل ، كان يقول له :" ان علي ان اذهب ويمكنك ان ترسل الفاتوره الحساب إلى مكتبي ، من فضلك ."

انحنى الرجل يقول :"بكل تأكيد ، يا سيد بروني "

لحقت ايرينا بدانيال بسرعه تمسك بذراعه ، وكانت الشمس قد غربت :" الى اين انت ذاهب يا دانيال ؟ ماذا حدث لروز ؟ لم افهم جيدا اخبرني من فضلك ..."

فقال دانيال بخشونه :" لقد ارغم ارهابيون طائرتها بالتحول الى قبرص ."

همست وقد شحب وجهها :" آه ، كلا ..."

نظر اليها وتأوه لاجلها ، فقد كانت صغيرة السن بالنسبه الى لأمور كهذه ، ولكن لم يكن لديه وقت لتخفيف ذعرها .

" اسمعي يا ايرينا ، ان علي ان اذهب الآن ، فأنا مستعجل للوصول الى روز في أسرع وقت ممكن ... ان علي ان اذهب أكون هناك ، هل تفهمين ؟ ....وذلك في حالة ما ...."

فتمسكت بيده تومئ برأسها وهي تقول بسرعه :" نعم ، نعم، حتى اذا اطلقوا سراحها ستكون بحاجة اليك ."

ارتجفت شفتاه الشاحبتان :" نعم ، وأنا آسف إذ اتركك وحدك ، انني سأطلب من جينا ان تهتم بأمرك ، هل تذكرين جينا من باريس ؟ هو ذا مفتاح شقتي سأطلب من جينا أن تعيدك اليها ، ولكن إبقى هناك فقط وانتظري الاخبار "

واستدار دون انتظار جوابها ، واخذ يركض في ساحة بلازا وايرينا لاحقه به ممسكه بيدها المرتجفه بالمفتاح الذي اعطاها إياه ، وقبل ان يبتعدا ، إذا بجينا ونيكولاس قادمان للبحث عنهما ، بعد ان تلقيا هاتفا من استيبان يقول فيه ان دانيال في الطريق اليهما .

وقف دانيال جامدا في مكانه ينتظر اقترابهما ، وانهمرت دموع جينا وهي تراه :" أواه ...دانيال ..."

فأخذ يحدق من فوق كتفيها إلى وجه نيكولاس المتجهم ، وسأله بصوت مبحوح :"هل ثمة خبر جديد؟"

فقال نيكولاس :" نعم ، مع الأسف ". ورأى دانيال في عينه انه كان حائرا كيف يخبره بما عنده .

وبعنف بالغ ،قال دانيال :" اخبرني به فقط ، يا نيكولاس ، لا تخف عني شيئا ."

تنهد نيكولاس :" لقد عين الأرهابيون وقتا محددأً،فأما استجابة مطالبهم قبل ظهر الغد ،إما ان يبدوأوا بأطلاق الرصاص على الرهائن ،واحداً كل ساعة ."

Just Faith 28-07-14 03:47 AM

الفصل الثالث
قالت جينا لدانيال بهدوء :"ألا تظن من الأفضل أن تأتي ايرينا معي إلي منزلي ؟فأنت تعرف كيف يتصرف بعض المراسلين الصحفيين ......فقد ترسل أحدى الصحف التي تنافسنا شخصا إلي شقتك , وأنت لا تريد أن تتعرض ايرينا إلي اهتمام الإعلام ,أليس كذلك ؟"
" نعم ,انك علي حق ."وافقها دانيال علي ذلك بذهن شبه غائب ,فقد كان جلده ينضح عرقا وهو يفكر في روز .لم يكن يستطيع أن يفكر بوضوح أو يشعر بالراحة .كانت روز تحتل كل تفكيره ,وقال :"شكرا لدعوتك هذه, يا جينا ."
قالت جينا :"وهكذا , إذا أردت الاتصال بها ,فتذكر أنها في منزلي ."كانت تقول ذلك وهي تنظر إليه ,مدركة انه لم يكن يفهم أو يستوعب ما تقول .
فتمتم نيكولاس يقول لها :" سأذكره بذلك حين يتصل بي من قبرص ."
عانقت ايرينا دانيال والدموع تنهمر من عينيها ,وهي تحاول أن تقول ما يخفف عنه,
ولكن لغتها الانكليزية خانتها أمام حدة عواطفها .
فاخذ هو يربت علي كتفها بخشونة :"سيكون الأمر علي ما يرام ,يا ايرينا ولا تقلقي علي روز .فقد اعتادت علي مثل هذه الأمور من قبل . وجينا سترعاك ,فهي تسكن في نفس البناية التي اسكنها أنا ."
ومن فوق رأسها ألقى إلي جينا بنظرة متوسلة ,فتقدمت هذه تحيط ايرينا بذراعها , وهي تقول برقة زائدة :"الأفضل أن تذهب الآن . إن دانيال و الآخرين لديهم الكثير من العمل ."
فأومأت ايرينا برأسها وسارت معها بعد أن ألقت نظرة علي وجه دانيال الشاحب متمنية لو أن بإمكانها الذهاب معه .
أخذتها جينا بسيارتها عائدة إلي البناية حيث دخلت ايرينا إلي شقة دانيال لكي تحضر بعض الحاجيات لقضاء الليلة .ولم تكن البناية ناطحة سحاب , وهكذا سرعان ما توقف بها المصعد عند الطابق الأخير وكان الساكن في البناية يحتاج عادة ,إلي مفتاح خاص يستعمله للمصعد وللسلم معا ,وذلك للطوارئ .
قالت جينا :" لا يستطيع احد الدخول إلي البناية بسهولة ,إذ عليه أولا أن يتصل هاتفيا من مركز الاستقبال ,حيث يصحبهم البواب إلي أعلى ."
كان في الطابق الأخير شقتان فقط ,كما قالت لها جينا , والشقة الثانية تعود إلي صاحب البناية , ولكنه يعيش في جزر كيمان معظم السنة .
ثم ابتسمت قائلة وهي تجول بارينا أنحاء شقتها :"أنني لم أره قط . هذه غرفة الجلوس"
فقالت ايرينا بأدب :"أنها أنيقة للغاية ."فقد كانت ترغم نفسها علي الابتسام وان تكن الحقيقة إن الغرفة كانت أنيقة حقا فقد كانت مؤثثة بشكل متقن ,ولكن كان عليها تظهر شيئا من اهتمام لم تكن تشعر به حاليا.
نظرت إلي جهاز التلفزيون الموضوع في الزاوية وقد تنازعها الخوف والرجاء من أن تفتحه لسماع الأخبار .
وكانت جينا تقول :" أنني لم أؤثثها بنفسي,وإنما ورثت كل شيء في هذه الغرفة من جد زوجي .وهكذا لم يكن ثمة ما يوجب شرائي لأثاث جديد .فوجود أشياء مألوفة حولي يجعل الشقة تبدو أشبه بالبيت الحقيقي ."
"جد زوجك ....؟"وتذكرت ايرينا كل ما كان والدها اخبرها به ,فتابعت تقول :"تعنين السير جورج ......"
فأومأت جينا :" نعم ,جورج تيريل . ويا ليتك تعرفت إليه ....كم كان عزيزا علي لقد كنت أحبه كثيرا ."
أخذت ايرينا تنظر حولها :"هل تسكنين هنا بمفردك ؟"
و أدركت فجأة مبلغ اتساع ورفاهية هذه الشقة , حيث أن غرفة الجلوس هذه وحدها كانت اكبر من شقة والدها في باريس بأكملها .
فابتسمت جينا لها بأسى :" اعلم ذلك ,فهي كبيرة جدا بالنسبة لشخص واحد.ولكن كان عليك أن ترى المنزل الذي كنت أعيش فيه قبل انتقالي إلي هنا .لقد ترك لي السير جورج ذلك المنزل أيضا ......وكرهت بيعه لأنني كنت اعلم كم كان يحبه ....
ولكنه كان عبارة عن قصر صغير , وهو كبير جدا بالنسبة لشخص واحد ."
" هل تقومين بأعمال المنزل بنفسك ؟" ألقت عليها ايرينا هذا السؤال بعد آن رأت إن الأثاث كان فخما قديم الطراز ,والكراسي والأرائك من طراز القرن الثامن عشر , والمناضد بالغة اللمعان ,وكذلك المرآة الذهبية علي احد الجدران.
كما كان هناك لوحات فنية علي جدار آخر ,كانت الغرفة بالغة النظافة والنظام .ولا بد أن هناك من يبذل غاية الجهد لكي يجعلها تبدو كذلك .
فهزت جينا رأسها :" كلا,بل هناك امرأة تأتي يوميا عند الصباح ,ولكن بما أنني اسكن وحدي ,فالشقة تبقى منظمة ونظيفة علي الدوام.تعالي اريك غرفتك ."
نظرت ايرينا إلي جهاز الهاتف ,وفتحت فمها لكي تحتج ,ولكن جينا كانت قد أصبحت خارج الغرفة , وهكذا تنهدت ايرينا ثم تبعتها إلي غرفة نوم جميلة بلونيها الوردي والأبيض .فقالت :" ما أجملها ."
لكنها لم تكن تنظر إلي الأثاث , فقد أخذت تحدق إلي جهاز تلفزيون صغير ابيض اللون موضوع علي منضدة أمام السرير.
فابتسمت جينا :"هذا حسن . اجلسي هنا ريثما اصنع فنجاني كاكاو ساخن لنا معا.ارى إن تذهبي إلي فراشك مبكرة ,أليس كذلك ؟فقد أمضت نهارا شاقا مجهدا ."
كانت قد نقلت حقيبة ايرينا الصغيرة ووضعتها بجانب السرير ,فجاهدت ايرينا في أن تبتسم لها,رغم ارتجاف شفتيها والكآبة التي تطل من عينيها .
خرجت جينا من الغرفة مغلقة الباب خلفها , فاندفعت ايرينا نحو التلفزيون ففتحته ثم أخذت تنتقل من محطة إلي أخرى إلي ان وجدت برنامجا إخباريا , فوقفت تستمع وهي تقرض أظافرها كالأطفال, وقد تسمرت نظراتها علي الشاشة .كان هناك مشهد طائرة قد صورت من بعيد ما جعلها تبدو كلعبة أطفال . ولكن هذه لم تكن لعبة ,فقد كانت جدية إلي حد بالغ .
لم يكن ثمة أخبار حقيقية .فقد هبطت الطائرة في قبرص ,وكانت الشرطة تتحدث إلي الإرهابيين علي راديو الطائرة . لم يكن يحدث شيء .ولم يكن الرصاص اطلق علي احد منهم بعد ,وكان ذلك أهم شيء بالنسبة إلي ايرينا . عند ذلك تنهدت بارتياح , ثم تركت التلفزيون مفتوحا وأخذت تخرج حاجياتها من الحقيبة , ملقية بقميص منزلي في الخزانة , هذا بينما كان الاضطراب يتملك ذهنها المشغول بالتفكير في شقيقتها .
كان كلام جينا صحيحا,ولكن ايرينا كانت تعلم ان النوم لن يطرق جفنيها هذه الليلة,
وهي لا تعلم ان كانت شقيقتها حية أم ميتة . أنها ستكون سخرية بالغة من الحظ ان تعلم , بعد كل تلك السنوات , أن لها شقيقة , ثم إذا بها تفقدها في مثل هذه الظروف المفجعة .
أزاحت الستائر لتنظر إلي مشهد لندن في الليل ,إلي الأنوار المنبعثة من مصابيح المباني المتألقة ,والمنعكسة علي مياه النهر المظلمة .
تمنت لو أنها في اسبانيا الآن ,واقفة في غرفتها في منزلهم القروي ,تنظر إلي الظلام والسكون في الخارج , فلا ضوء هناك لبيت آخر في المنطقة .....لا شيء سوى لمعان النجوم في سماء الليل , وانحناءات الجبال السوداء في الأفق . لأول مرة , تشعر ايرينا بحنين إلي موطنها , فقد شعرت بالضياع .......بالغربة , وبأنها في غير مكانها الطبيعي .
و اغمضت عينيها تتخيل أنها في منزلها في الوطن . تستمع إلي نواح قطة وحشية يخترق سكون الليل حول مخازن الغلال,ما يبعد عنها الجراذين و الفئران .او صفير الريح بين أغصان شجر الزيتون ,كلب ينبح في الوادي ,حفيف فسائل أشجار البرتقال المغروسة في أصص فخارية ضخمة .
كانت المزرعة تقوم في الداخل ,بعيدة حوالي الخمسين ميلا في الشريط الساحلي بفنادقه البيضاء وحدائقه الاستوائية ,ومبانيه وشققه المخصصة للأجانب ,وكذلك مطاعمه و نواديه .تلك كانت اسبانيا التي لم تعرفها ايرينا .
فقد كانت نشأت في اسبانيا القديمة والتي نقع ترابها بالدم أثناء الحرب الأهلية المرة......تلك التي عرفت الجوع والموت ,والبرد القارس والرياح الهوجاء أثناء فصل الشتاء,وحرارة الشمس المحرقة أثناء فصل الصيف .
كانت لندن غريبة مخيفة .وهذه الليلة كان منظرها مخيفا ,فأضواء مصابيح الشارع تنعكس علي السحب المتراكمة ,وأبراج المباني العالية تلوح في الأفق .حتى صوت حركة السير الرائجة ,كانت الآن تبدو وكأنها زئير أسد غاضب .
تمنت لو تذهب إلي والدها تلتمس عنده السلوان ,كما تسري عنه هو أيضا .....ولكنه كان في طريقة إلي فيتنام الآن ,ولا مجال للوصول إليه في الطائرة ,ولن يعلم ما حدث لابنته ألا بعد وصوله . وشعرت ايرينا بألم بالغ لأجله فهذا سيسبب له صدمه كبرى , اكبر كثيرا مما حدث لها هي .
مضى وقت كانت ايرينا تشعر فيه بالمرارة من والدها .....ولكن ذلك كان قبل ان تلقاه فتشعر نحوه بحب لم تكن تتوقعه .
ثم أصبحت شغوفا به, وقد ابتدأت تشعر نفس الشيء نحو شقيقتها روز . عندما سمعت بها لأول مرة ,شعرت بالغيرة لان روز عاشت دوما مع والدها ,وكان الواضح ان الصلة بينهما وثيقة جدا .فوالدها دائم الذكر لها ما جعل ايرينا تشعر بالهجران ,والاستبعاد من هذه الأسرة الصغيرة التي كانا يؤلفانها .إلي أن قابلت روز أخيرا ,فكان تأثير ذلك عليها كبيرا حين تصرفت روز معها علي الفور تصرف شقيقة مع شقيقتها ,دون أي بادرة نفور أو عداء .
كانت زيارتها هذه إلي لندن فرصة سانحة لها لكي تتعرف إلي روز بشكل كامل ,أنما الآن قد لا يحدث هذا علي الإطلاق .
وشعرت ايرينا بعينيها يغرورقان بدموع محرقة لم تنهمر .
" الكاكاو جاهز ."جاء صوت جينا من خلفها دون أن تسمعها ايرينا تفتح الباب .
فتمتمت تقول وهي تمسح عينيها بيدها :"أنني قادمة ."
قالت جينا وهي تتنهد :"إذا كنت تريدين أن تنظر ي إلي التلفزيون فالأفضل أن يكون ذلك معي . هيا بنا ....وان كنت لا أظن جيدا سيحصل قبل مدة طويلة ."
*********
وفي قبرص , كانت الطائرة قد هبطت ,ثم سارت إلي منتصف المدرج , حيث توقفت وقد هبط الليل الآن ,ولكن قوس الأضواء الكبير كان ينير المطار بأكمله بطريقة مخيفة .
فإذا ما نظرت روز جانبيا ,أمكنها أن ترى محيط المطار ,والشرطة والسيارات العسكرية التي كانت تقف في مسافة آمنه . ورجالا يراقبون الطائرة بالمناظير المقربة وبين لحظة وأخرى كان رجل يندفع من تحت غطاء ساتر , ثم يعود إليه مرة أخرى . كما وقف رجل يرتدي بنطلونا اسود وقميصا ابيض , يتفحص الطائرة بمنظاره المقرب .
إلي أي حد يستطيع أن يرى ؟ أتراه ينظر إليها كما تنظر هي إليه ؟انه يشبه دانيال من بعيد . فهو نحيف طويل القامة مثله وذو شعر اسود . واغرورقت عيناها بالدموع فأخذت تغالبها بسرعة , فهي لا تريد أن تبكي .ورفعت رأسها ثم أخذت تحدق أمامها بجمود .
كانت امرأة أمامها تحتضني طفلتها التي كانت تبكي وهي تتمتم ملاطفة وصرخ فيها اصغر الإرهابيين سنا لكي تسكتها , فأجفلت وانحنت فوق الطفلة تضع يدها علي فمها وهي تهمس لها بسرعة باللغة الايطالية ,فدست الطفلة رأسها في صدر أمها وهي تشهق.
وجاء الرجل الذي يتكلم الانكليزية وتمتم بشيء لرفيقيه بلغة بدت لروز أشبه بالعربية .وتمنت لو كانت تعلمت المزيد من هذه اللغة . ولكن المشكلة هي انه في هذه البلاد العربية التي كانت زارتها مع والدها, وجدت من السهل عليها التحدث
بالفرنسية والتي هي لغة شائعة في بلاد المغرب مثل مراكش والجزائر حيث أنها كانت تحت حكم الفرنسيين من قبل .
وفجأة , زعق قائد الإرهابيين بأمر هو :"احضروا جوازات سفركم ."
تحرك الجميع وقد شحبت وجوههم وتملكهم التوتر , شاعرين بالراحة للسماح لهم بالحركة ......للقيام بعمل ما,ولكنهم كانوا يتساءلون عن معنى ذلك ,وعما إذا كان ثمة أمل في إطلاق سراحهم , أم أن هناك المزيد من الشؤم خلف ذلك ؟
وكان جواز سفر روز في حقيبة يدها , فأخرجته بسرعة وأمسكت به بيدها ,شاعرة بالعرق يسيل من ظهرها ما جعل قميصها يلتصق بها ,بينما التمعت علي جبينها أيضا.

Just Faith 28-07-14 03:48 AM

أشار المسلح إلي غلام يرتدي بنطلون جينز وقميصا مقفلا :"اجمع أنت الجوازات واحضرها إلي ."
اخذ الغلام يدور علي المسافرين وهو يرتجف بينما كان المسلحون يصوبون مسدساتهم نحو ظهره .وناولته روز جوازها وهي تنظر إليه بعطف .ربما كان يمضى إجازة في ايطاليا وهو الآن راجع إلي وطنه ,فقد كان بمفردة ,ولا بد أن الذعر يتملك والديه الآن.
لا بد أن دانيال قد جن جنونه كذلك ,وأغمضت عينيها لا تريد أن تفكر فيه ,إذ لا فائدة من ذلك سوى جعلها تبكي .ولكن كيف يمكنها أن تمنع أفكارها عنه ؟
قد لا ترى دانيال بعد الآن .....أبدا وأخذت هذه الكلمة تجول في ذهنها , فارتجفت .... يا لها من كلمة هائلة .
اخذ قائد الإرهابيين الجوازات وذهب بها إلي قمره الطيار .وفي الخارج سمع المسافرون عويل صفارة الإنذار وصوت عجلات علي الإسفلت , فسرت حركة بينهم وهم يتهامسون.
" سكوت , لا تتحركوا , لا تتكلموا ."
صرخ واحد من الإرهابيين بهذه الكلمات . سار اثنان من الإرهابيين , بمشية جانبية , وذلك نحو النوافذ وهم يراقبون المسافرين ,شاهرين اسلحتهم .ثم اخذ احدهما ينظر إلي الخارج بينما بقيت عينا الآخر تراقبان الركاب .
كانت الحركات خارج الطائرة تأتي من بعيد , فلا احد يقترب منها , فعاد الإرهابيان إلي الاسترخاء ولكن روز استطاعت أن ترى أنهما كانا يرتجفان , هما الاثنين .
فكرت في أنهما مثلهم في الخوف ,كما أن الاحتمال كبير في أن تكون نهايتهم الموت,
كم يبلغ أصغرهم سنا , ذاك ؟ ثمانية عشر ؟ عشرين ؟ لقد كانت له بشرة غلام , كما انه أشبه بالنساء جمالا . أما الثاني فكان بالغ النحول وعلي وجهه أثار الجدري , وكانت عيناه تلتهبان غضبا , كما كان من التوتر بحيث أن أي شيء قد يجعله ينفجر ثائرا .
ولكنه لم يكن هو الذي كان يخيف روز حقا ...... وإنما الرجل الآخر . فقد كانت عيناه تشعان كراهية وكان بإمكانه القيام بأي شيء .
توالت الدقائق متتابعة ,لتصبح ساعات ومال رأسها إلي جانب وثقلت أجفانها .وتغلب عليها النوم لتحلم بأنها علي الطائرة و أن الطائرة اختطفت .وان رجلا تشع الكراهية من عينه يصوب مسدسه نحوها .فأخذت تصرخ خوفا .
استيقظت منتفضة و وفتحت عينيها لتدرك علي الفور أن حلمها كان حقيقة .وكان قلبها مازال يخفق وفمها جافا , أخذت تحدق حولها محمرة العينين شاعرة بالدوار , كان الآخرون نائمين وقد اتكأ الواحد منهم علي الآخر . ورأت امرأة أخرى تستيقظ مجفلة مثلها. ورأت وجهها وعينيها المذعورتين وهي تنظر حولها ,فأدركت أنها قد رأت هي أيضا نفس الحلم الذي رأته هي ,فاستيقظت لتجد انه لم يكن حلما .
تحركت روز في مقعدها موشكة علي الصراخ , فقد تشنجت عضلاتها بعد ساعات من الجلوس في نفس الوضع ,خصوصا في حرارة الجو العالية تلك .
نظرت إلي خارج النافذة فرات الفجر يبزغ من بعيد , صابغا الأفق بالنار , انه يوم حار آخر أمامهم حيث تلهب حرارة الشمس هيكل الطائرة المعدني فتجعله كالفرن.لقد كانت الحرارة انخفضت قليلا أثناء الليل , ولكنها , مع تقدم النهار , ستصبح بشكل لا يمكن احتماله في داخل الطائرة .
فكرت في الماء وقد ألهب جوفها الظمأ , كان فمها جافا ,وثيابها ملتصقة بجسمها ورأسها ينبض بالألم . كان بعض الأولاد رابضين بهدوء . لا بد أنهم ظمأى هم أيضا ,و كذلك خائفون . وكان فرض عدم الحركة أشقى عليهم منه عليها .
أخذت روز تراقب الظلام وهو يتبدد ببطء , بينما تنتشر أشعة الشمس , كان جمالا يحبس الأنفاس إلي حد بعث الدموع في عينيها , لم تر في حياتها قط جمالا كهذا , ولم تفهم لماذا جعلها هذا تبكي , ولكن يبدو أن كل أحاسيسها أصبحت أكثر ارهافا مما هي ,ربما هذا ما يعنيه الناس عندما يقولون عن احتمال تملك الذهن فكرة الموت , وارتسمت علي شفتيها ابتسامة جافة , وفي تلك اللحظة وقعت عيناها في عيني قائد الإرهابيين , فتلاشت ابتسامتها .
*********
رقدت ايرينا عند بزوغ الفجر ,كانت قد سهرت مع جينا حتى ساعة متأخرة من الليل , تراقبان التلفزيون إلي أن انتهى الإرسال عند ذلك أصرت جينا علي أن يناما هما الاثنتين ,قائلة :" لن يفيد روز بشيء أن تمرضي , ولا أظن لحظة أن شيئا سيحدث هذه الليلة , فمسالة خطف الطائرة يستغرق حلها ساعات وساعات , ولكن إذا كان ثمة خبر جديد فنحن سنعلم به علي الفور ......إذ سيتصل بنا دانيال من قبرص , فهو يعرف رقم الهاتف ."
كانت ايرينا من شدة التعب بحيث لم تناقش طويلا ,فعات متعثرة إلي غرفة النوم الوردية اللون حيث استلقت علي الفراش مستيقظة متوترة الأعصاب ,إلي أن غلبها النوم أخيرا ,ولكن الأحلام راودتها هي أيضا ,إذ كانت مخيفة إلي حد جعلها تستيقظ عدة مرات , قبل أن تعود في النهاية , إلي نوم عميق خال من الكوابيس .
عندما استيقظت في الصباح التالي كان الوقت متاخرا والجو حار , ووجدت نفسها وقد رفست الاغطية جميعها ما جعلها تظن نفسها في اسبانيا في مزرعتهم , فابتسمت وقد تملكتها السعادة , ولكن ذاكرتها ما لبثت أن عادت إليها قفزت جالسة علي الفور وهي ترتجف ....اه .....روز .كم الوقت الآن , ونظرت إلي ساعتها ....الحادية عشرة وثلث ! لقد
تركتها جينا نائمة ساعات طويلة ! قد يكون حدث شيء لروز أثناء نومها , قفزت من الفراش , وعند ذلك سمعت نقرا علي بابها .
أجفلت ايرينا وهي تهمس قائلة بالاسبانية :" من هذا ؟"
ساد صمت في البداية , ثم صوت جينا يقول مترددا :" ايرينا ؟هل أنت مستيقظة ؟"
" نعم ,ماذا حدث ؟"قالت ايرينا ذلك بالانكليزية وهي تفتح الباب .
كانت جينا مرتدية كامل ثيابها , ولكن وجهها كان شاحبا بعض الشيء ,فقالت تجيبها :"لا شيء ,ليس هناك أخبار جديدة ,ولم يحدث شيء ."ونظرت إلي عيني ايرينا المتلهفتين ثم أضافت تقول :"لم يطلقوا الرصاص علي احد ,و الإرهابيون يتفاوضون , فقد طلبوا طعاما وشرابا وأدوية ."
تنهدت ايرينا بينما قالت جينا وهي تقدم إليها فنجانا :" لقد أحضرت إليك قهوة بعد أن سمعتك تتحركين ."
" منذ متى استيقظت أنت ؟"
" ليس من مدة طويلة ,ربما منذ ساعة ."
" لماذا لم توقظيني ؟كان يجب أن توقظيني ."وكان صوتها يرتجف من الغضب فنظرت جينا إليها بقلق :" آه ,ولكنك كنت بحاجة إلي النوم ,يا ايرينا , أنني آسفة إذا كنت مستاءة , ولكنني فعلت ذلك لمصلحتك ."
تنهدت ايرينا وقد تجهم وجهها :"أنا آسفة , يا جينا , ما كان لي أن أكلمك بهذه الحدة, ولكنني فقط كنت قلقة علي روز ."
" اعلم ذلك , ولم كان هناك أي خبر ,لأيقظتك في الحال , ولكن بما انه لم يكن هناك أخبار جديدة ,فقد فكرة في أن من الأفضل أن تبقى نائمة , انك تشعرين بتحسن, أليس كذلك ؟ هذا حسن استمتعي بقهوتك إذن , واغتسلي ثم ارتدي ثيابك لكي نتناول شيئا من الطعام ."
فهزت ايرينا رأسها قائلة :" لا أريد شيئا ." ولكن جينا نظرت إليها بحزم :"يجب أن تأكلي شيئا و ألا تسببت لنفسك بالمرض , بعض السلطة والفاكهة .... آن هذا سيساعدك علي تمضية الوقت أثناء انتظارك للأخبار."
فقالت لها ايرينا وهي تبتسم بأسى :" هل تحبين إلقاء الأوامر بهذا الشكل دوما ؟"
قالت جينا ضاحكة :" لمصلحتك فقط ." وعادت إلي المطبخ وابتدأت تصنع وجبه خفيفة تصلح ما بين الفطور والغداء ...سلطة وفاكهة مع شيء من سمك السلمون المدخن و الذي يقدم البيض عادة بجانبه, وسمعت صوت المياه تتدفق في الحمام ,فأدركت أن ايرينا لن تتأخر .
تصاعد رنين الهاتف فقفزت تجيبه , ولكنه كان فيليب فقد يدعوها لتناول طعام الغذاء معه , فأجابت :" كان هذا سيسرني جدا , ولكن لدي هنا شقيقة روز مقيمة معي ولا يمكنني تركها بمفردها ."
" لماذا لا ؟ كم تبلغ من العمر ؟"
" أنها في حوالي العشرين من العمر , ولكنها حاليا بالغة القلق نظرا لان شقيقتها في الطائرة المختطفة , وأظن أن علي ألا ادعها بمفردها ."
قال فيليب باستياء :" ما هذا الإزعاج ؟أن علي أذن أن أتناول طعامي وحدي هذا ما اكرهه كثيرا ."
فقالت تلاطفه بشبه ابتسامة :" تعال وتناول الغداء معنا ." وتنهدت , فقد كانت تعلم أنه عندما يغضب يتصرف بشكل صبياني .
فقال بعناد :"كلا , لا استطيع تناول الطعام في مثل ذلك الجو الكئيب حيث شقيقة روز الصغرى تملاء جو المكان بكاء ."
ما أن وضعت جينا السماعة من يدها حتى هرعت ايرينا إلي الغرفة وما زال شعرها مبتلا من الدوش :" هل هنالك خبر عن روز ؟"وكانت اللهفة بادية عليها ,فهزت جينا رأسها نفيا :" كان ذلك اتصالا من صديق , كيف تشعرين بنفسك الآن ؟"
نفيا :" كان ذلك اتصالا من صديق , كيف تشعرين بنفسك الآن ؟"
" أحسن ."
" تعالي كلي إذن , فقد انتصف النهار تقريبا وأنا أكاد أموت جوعا , لا ادري إذا كنت تحبين البيض بجانب السمك المدخن , ولكنني سأقليه الآن ."
لم تكن ايرينا جائعة , ولكن منظر الفاكهة الطازجة وكذلك السلطة جعلتها تأكل أكثر مما كانت تتوقع , بما في ذلك البيض والسمك المدخن وسلطة الفاكهة المدهشة والتي كانت تحتوي علي ثمار الفراولة والأناناس والخوخ . ومع كل ذلك تناولت عصير فاكهة طازجة كانت جينا عصرته ووضعته في الثلاجة ليبرد قبل ذلك بساعة , وبعد أخذتا تتناولان قهوتهما وهما تستمعان إلي نشرة أخبار الساعة الواحدة.
لم يكن ثمة شيء جديد سوى أن الإرهابين تسلموا ما طلبوه من طعام وماء ودواء.
انتهت نشرة الأخبار , فادارتا محطة التلفزيون تبحثان عن نشرات أخرى , ولكن لم يكن هناك شيء جديد , وأخيرا أقفلتا الجهاز, بينما تنهدت ايرينا وهي تقول :" آه , إلي متى تدوم هذه الحالة ؟"
فقالت جينا :" أنها أحيانا تدوم أياما ." ونظرت إليها بعطف وهي تتابع قائلة :" أن علينا أن نتجمل بالصبر ."
" اعلم ذلك , ولكنه صعب , يا ليت دانيال يتصل بنا ."
" أنني واثقة من انه سيفعل ذلك قريبا جدا , ولا بد انه وصل الآن إلي هناك ." وفي الواقع كانت طائرة دانيال الخاصة قد هبطت به الآن في مطار خاص يبعد حوالي الثلاث أرباع الساعة عن نيقوسيا , وكانت سيارة يقودها سائق في انتظار دانيال هناك , وبينما كانت الطائرة في طريقها إلي قبرص .
انشغلت هيزل بها جدا علي الهاتف , قائمة بكل الإجراءات الضرورية لتسهيل رحلة دانيال بسرعة إلي سيارة ليموزين سوداء نقلته بعيدا بسرعة بالغة .
وصاح به السائق الذي كان يرتدي ثيابا رسمية قائلا :"لقد وصلت إليك بسرعة أنني اخدم في الجنائز , وسأعطيك بطاقتي في حال احتجتني مجددا ."
بقي دانيال صامتا يستمع إلي ما يقوله السائق وذلك طوال الطريق إلي المطار العام حيث كانت الطائرة , علي كل حال , وإنما ذلك الخليط من العربات وسيارات الإسعاف وأجهزة الإطفاء وسيارات الشرطة والشاحنات العسكرية وسيارات الجيب .
وما أن نزل دانيال من السيارة , حتى أحاط به رجال الشرطة مصرين علي تفتيشه , من الرأس حتى أخمص القدمين ,متفحصين جواز سفره وبقية وثائق إثبات الشخصية .
ثم جره رجل بيده إلي جانب وعيناه السوداوان تتفحصان وجهه بعنف , فنظر دانيال إلي ثياب الرجل الرسمية ,كان هذا ضابط الجيش ومن رتبة عالية كما بدا لدانيال في أواخر الأربعينات من عمره ,قوي الجسم اسمر اللون ذا وجه وكأنه قد من الصوان .
ثم قال له من خلال أسنانه و دون حرارة في صوته :" لقد اخبرونا بقدومك ,يا بروني ."
تصور دانيال تحركات نيكولاس كاسبيان الخفية في اتصالاته من وراء الستار , ولولا قلقه البالغ لابتسم ,كان من الواضح أن هذا الضابط العسكري لم يعجبه أن يفرض عليه الادب نحوه, ولكن كانت الأوامر قد وصلته من أعلى .
" أنني أسف ." قال الرجل هذا دون أن يعني شيئا مما قال :" ولكن علي أن أقوم بوظيفتي ولهذا لا استطيع أن ادعك تتدخل, يجب علي أن اطلب منك الالتحاق بفريق الصحافة في مبنى المطار , وان تبقى معهم , ولو لم تكن صحفيا لطلبت منك أن تترك هذه المنطقة تماما , أننا لا نريد أقارب للرهائن هنا , فهم لا يقومون بأي عمل مفيد , وإنما يعطلوننا عن عملنا فقط , أن هذه عملية عسكرية والوضع متقلب تماما ,وقد يتحول إلي الطريق المضاد في أية لحظة , أن مفاوضات متوترة تدور بيننا حاليا وليس لدينا وقت لشيء آخر ."
فقال دانيال :" اخبرني عما يحدث , علي الأقل ."
" ستعلم كل شيء في ذلك المبنى هناك ." قال الضابط هذا وهو يبتعد .
فابتدأ دانيال يقول :" ولكن ....اسمعني ...." عند ذلك امسك جندي بذراعه مسرعا به نحو سيارة جيب .
قال له دانيال بحدة :" لا أريدك أن تدفعني بهذا الشكل ." فدفعه الجندي إلي السيارة بشدة دون أن يجيبه , ثم أدار المحرك .
فسأله دانيال :" هل لك أن تخبرني إذن بما حدث حتى الآن ؟"
نظر إليه الجندي بعدم اكتراث , ثم قال هازئا , بانكليزية مهمشة :" لا أتكلم الانكليزية ." لم يعلم دانيال ما إذا كان عليه أن يصدق أم لا , ولكن لم يكن بوسعه سوى قبول ذلك .
عندما ادخل دانيال إلي القاعة التي كان الصحفيون ينتظرون الأخبار فيها, راه بن وينتر وهو الصحفي الذي يعمل في صحيفة سنتنال والذي كان أول من علم بالطائرة المخطوفة إذ كان ينزل من طائرته في المطار لقضاء اجازته في قبرص , رأى دانيال فقال له :" اخبروني بأنك قادم , يا دانيال , ولكنني لم أتصور انك ستصل بهذه السرعة ."
" لقد أرسلني كاسبيان بطائرة الخاصة ."
فقال بن عابسا :" لقد جئت أنا هنا مع زوجتي و أولادي ,فاستغرق سفري ساعات , أظنك ستستلم العمل مني ؟"
هز دانيال كتفيه :" سأفعل ذلك إذا كنت تريد متابعة اجازتك ."
" أنني لست حريصا علي ذلك , فهذه قصة هائلة , وقد كنت أول من كتب عنها ."
ضحك دانيال , وسكت برهة ثم سال:" هل هناك أخبار جديدة ؟"
فقال بن مترددا :" ليس الكثير , لقد مر الموعد المحدد دون أن يطلقوا النار علي احد ..."
فتنهد دانيال بارتياح بشكل بلغ من عنفه أن سبب له الألم .
وتابع بن يقول :" لقد جرى بينهم المفاوضات لمدة ساعات . لقد طلبوا طعاما وماء وأدوية , وأظنهم طلبهم سيستجاب ."
قال دانيال بصوت مرتجف :" هذا معقول . فهو سيخفف من صعوبة الوضع , ويهدئ من حرارته ."
فقال له بن باحترام :" أظنك سبق لك تغطية قضايا خطف طائرات من قبل ؟"
فأومأ دانيال , قائلا :" أنهم يتركونهم يتحدثون لكي يعرفوهم بشكل أوضح , فيستنتجون ما جعلهم يقومون بذلك , وما هي نقاط الضعف فيهم ." وتنهد طويلا :
" حسنا , هذا يبدو وكأنهم غير مزعزعين تماما كما بدا من قبل .والآن , اخبرني بكل ما حدث من البداية

Just Faith 28-07-14 03:50 AM

الفصل الرابع
مع مرور عصر ذلك اليوم ,بقيت ايرينا وجينا علي اتصال بغرفة الأخبار في صحيفة سانتينال, ولكن لم تكن هناك أخبار مؤكدة ,ذلك أن السلطات في قبرص فرضت تعميما علي الأخبار , فهم لا يصرحون ألا ما يشعرون به ضروريا للادعاء بان قرارهم أنما فرضه عليهم الوضع والحاجة إلي حصر المعلومات التي يتلقاها الإرهابيون في الراديو في الطائرة كانوا يريدون أن يعتمد الإرهابيون عليهم في معرفة ما يحصلون هم عليه من المعلومات .
ولكن بإمكان المرء ,علي الأقل أن يعرف شيئا عن الجو في مدرج المطار وذلك من التعليقات التي يدلي بها مراسلي التلفزيون في نشرة الأخبار .الحرارة تقرب من الدرجة الأربعين في الظل خارج الطائرة عصر هذا اليوم , ولا بد أنها جحيم داخل الطائرة ." قال ذلك رجل كان لوجهه المتوهج الرطب تأثير ابلغ من كلامه .
بعد سماع دانيال لذلك في بوقت قصير, اتصل دانيال بايرينا يقول :" يؤسفني أن أقول أن ليس ثمة خبر عن روز , ولكنهم يقولون هنا أن المفاوضات لأجل إطلاق سراح النساء والأولاد تسير بشكل جيد ,رغم أن هذا يستغرق ساعات قبل تنفيذه ,و
سأخبرك بكل شيء حالما يحصل فحاولي ألا تقلقي كثيرا , هل هناك أخبار من والدك ديسموند ؟"
" ولا كلمة , لا اعتقده قد سمع بالأمر بعد ."
" حتى وان سمع فلن يدرك أن روز في تلك الطائرة ."بعد اتصال دانيال هذا بوقت قصير,اتصل نيكولاس من مكتبه وتكلم مع جينا يسألها :"هل اتصل بك دانيال ؟انه يعمل مع المراسل الشاب الذي كان أول من عرف بالقصة في قبرص ,وقد تحدثت مع دانيال بنفسي فوجدته هادئا بما يكفي ,ولكن لا بد انه متوتر للغاية رغم أن الوضع يبدو اقل خطورة مما كان في البداية ."
قالت جينا بحدة :"ومن يستطيع أن يعلم من خارج الطائرة بما يحدث في داخلها ؟"
فتمتم نيكولاس يقول :" لا تتعبيني بهذه الحدة منك , يا جينا ....فانا غير مسؤول عن وجود روز في الطائرة ."
" أنني لم اقل انك مسؤول عن ذلك ."ولكن جينا كانت تشعر أنها في عقلها الباطن,
كانت تلومه علي ذلك ,مهما كان ذلك شيئا غير عادل .
سألها بإيجاز :" كيف حال ايرينا ؟"
" المسالة صعبة بالنسبة إليها ,ولكنها مثل روز , يمكنها أن تواجه أي موقف ."
" يبدو انك أنت أيضا كذلك ."
فقالت :"هذا حال النساء ."
" ليس كل النساء ."
فثار غضبها ما جعلها تعد للعشرة قبل آن تقول :"هل لديك شيء تقوله غير هذا ,يا سيد كاسبيان ؟"
فقال فجأة وقد أصبح مثلها غاضبا :" اذهبي إلي الجحيم ."ثم اقفل الهاتف بوجهها, فنظرت جينا إلي السماعة بدهشة ,أن تصرفاتها تجعلها تجفل أحيانا .
في الطائرة أخذت روز تراقب الشفق من ناحية غروب الشمس ....لقد كان يوما طويلا مرهقا شاقا ,وكان جسمها متشنجا رطبا , كما كان رأسها ينبض بصداع مؤلم للغاية , ما الذي كان يحدث في قمره الطيار؟ كانت تتساءل عن هذا , عالمة بان جميع المسافرين كانوا مثلها تساؤلا هم أيضا ,وقد تسمرت أنظارهم علي مقدمة الطائرة حيث كان اصغر الإرهابيين سنا واقفا في الحراسة , كانوا كلهم يعملون أن هناك مفاوضات وذلك منذ وصل الطعام والماء والدواء , ولكن لم يعرفوا بالضبط ما هي مطالب الإرهابيين .
أين هو دانيال الآن ؟أخذت روز تتساءل عن ذلك وهي تحدق إلي ساحة المطار حيث عادت الأضواء تتألق مع حلول الظلام ,أتراه موجودا هنا الآن يراقبها ؟ قد يكون والدها هنا أيضا, فقد كانت تعلم أن القلق سيتملكهما هما الاثنين وكذلك الأسى , ولكنهما أكثر صلابة من معظم الرجال ,فهما بإمكانهما الصبر علي وضعها هذا أكثر من الأزواج والآباء, أنهما يعرفان أن بإمكانها مواجهة الصعوبات .
صدرت حركة مفاجئة داخل الطائرة جعلتها تنظر حولها ,كان جميع المسافرين يحدقون إلي مقدمة الطائرة حيث عاد قائد الإرهابيين حاملا رزمة من الجوازات في يد ,ومسدسه في اليد الأخرى وهو يعلن قائلا :"فليسمع كل واحد منكم ,لقد دار حديث طويل مع رجال في المطار , وقد استجابوا لبعض مطالبنا , وقد أذعنا علي العالم توضيحا لمطالبنا و أهدافنا.....ان يوزع الطعام علي مخيمات اللاجئين .... وفي مقابل ذلك قررنا أن نطلق سراح جميع النساء والأولاد ."
تصاعدت شهقات من أنحاء الطائرة ,و توهجت وجوه وشحبت أخرى ,واتسعت أعين ,
وتعلقت الزوجات بأزواجهن والأطفال بأمهاتهم , ثم تصاعد الهمس .
صرخ القائد بحدة :" لا أريد كلاما وابقوا في أماكنكم حتى اسمح لكم بالخروج ."
والتفت يتشاور مع الرجلين الآخرين ,ودارت بينهم مناقشة قصيرة بعربية خشنة ,ثم عاد يواجه المسافرين :" قريبا سننزل سلم النجاة ألانزلاقي,وستأتون إلي المقدمة واحدا بعد الآخر بعد أن أنادي أسماءكم فتنزلقون علي السلم إلي أسفل ثم تركضون بعيدا عن الطائرة دون النظر إلي الخلف , عليكم أن تنفذوا هذه العمليات حرفيا , فإذا أبدى أي منكم أي عصيان , فسنبدأ بإطلاق الرصاص علي الباقين في الطائرة ."
****
كانت ايرينا وجينا تتفرجان علي فيلم قديم لدوريس داي في ذلك المساء عندما انقطع البرنامج فجأة لإذاعة ملحق الأخبار .
توترت الفتاتان وقد شحب وجهاهما , وهمست ايرينا وهي ترتجف :"لقد حدث شيء ."
مدت جينا يدها تمسك بيد ايرينا بينما ابتدأ المذيع في الكلام ,وما أن انتهى حتى انفجرت هذه بالبكاء وهي ترتجف , فوضعت جينا ذراعها حولها وقد اغرورقت عيناها هي الأخرى وهي تمتم بصوت أبح :" أنها بخير فلا تبكي .....لقد انتهى كل شيء.....أنها في أمان الآن ......وستعود إلينا قريبا جدا ."
أخذت ايرينا تردد :" لا استطيع تصدق ذلك , لا استطيع تصديق ذلك ."
أطلقت جينا ضحكة مرتجفة :" اعرف ما تعنينه , ولكنها الحقيقة , فالنساء والأولاد قد أطلق سراحهم جميعا . ولا شك أن روز مع دانيال الآن , أليس هذا رائعا ؟"
فقالت ايرينا وهي تبكي وتضحك في وقت واحد :" رائع ."
وعندما هدأت , ذهبت جينا إلي المطبخ لتصنع لهما حليبا ساخنا ثم جلستا تشربانه أمام النافذة , ولكي تستطيع ايرينا أن تنام ,أطفأت جينا المصابيح تاركة مصباح المنضدة , والذي كان يسبغ علي الغرفة لونا ورديا .
ثم قالت وهي تتكوم في زاوية الأريكة تتثاءب :" بعد أن ننتهي من شرب هذا ,يجب أن نصعد لننام ."
أخذت ايرينا ترشف الحليب وهي تنظر إلي شاشة التلفزيون مخفضة الصوت والتي كانت تعرض البرنامج الليلي المتأخر من موسيقى ومقابلات وتقارير إخبارية ,وفيلم لوالت ديزني عن توم وجيري فضحكت حتى دمعت عيناها , ليس لأنه كان مضحكا إلي هذا الحد وإنما لان ابتهاجا بنجاة شقيقتها جعل أعصابها من الإرهاق بحيث جعلها تسترسل في البكاء والضحك معا .
نظرت إلي جينا لكي ترى أن كانت تضحك هي أيضا , ولكن جينا كانت قد استغرقت في النوم ورأسها علي ذراع الأريكة , ورأت فنجان الحليب مائلا في يدها بشكل خطر ,فقفزت تأخذه من يدها قبل أن يسقط , ولكن مع هذا لم تستيقظ جينا ,وكانت ايرينا قد أخذت تسير علي أطراف أصابعها عائدة إلي مقعدها عندما سمعت صوت جرس الباب الخافت الرنين.
أسرعت مجفلة إلي الباب الأمامي تنظر من خلال العدسة ,وإذا بها ترى وجه نيكولاس يلوح أمامها .
فتحت الباب بسرعة قبل أن يرن الجرس مرة أخرى ,وكان يبدو عليها الشحوب والتعب, ورأت وقد تملكها شيء من الذهول , انه مصطحب معه استيبان سيباستيان , نظرت إليه متوترة الأعصاب , ثم عادت تنظر إلي نيكولاس والذي لم يخفها رغم مهابته البالغة ,كما أخافها الرجل الآخر .
قال نيكولاس برقة وباللغة الاسبانية :" كيف حالك يا ايرينا ؟"
فهمست تقول :" أحسن كثيرا بعد أن أعلمت أن روز بأمان ."
قال نيكولاس بعد أن تبادل مع استيبان النظرات :" هل رأيت ذلك علي شاشة التلفزيون ؟"
فأشرق وجه ايرينا بالابتسام وهي تدس أصابعها في شعرها الطويل البني اللون,
وقالت:" نعم , ولكن أرجوك ......اخفض من صوتك , فجينا نائمة وعلينا ألا نوقظها فهي متعبة جدا , تعاليا إلي المطبخ ."
سارت أمامهما فسمعتهما يتحدثان معا بصوت منخفض ,ولكن عندما نظرت إلي الخلف سكتا وتبعاها ,ولكن نيكولاس توقف في غرفة الجلوس واخذ يحدق في جينا,والتي كانت متكورة كطفلة صغيرة في زاوية الأريكة وشعرها الذهبي المحمر يتألق في ضوء المصباح الوردي الخافت .
وما لبث أن لحق بايرينا واستيبان إلي المطبخ , وسألتهما ايرينا:" هل أقدم إليكما عصير الفواكه أم القهوة ؟"
فقال نيكولاس :" قهوة , وشكرا لك ." جلس علي كرسي واضعا ساقا علي ساق,ثم اخذ ينظر إليها وهي تطحن القهوة في مطحنة كهربائية , كانت في باريس تصنع القهوة لها ولوالدها علي الطريقة الفرنسية . فتطحن الحبوب في مطحنة خشبية صغيرة ,ثم تحمصها علي الموقد في محمصة كانت ملكا لوالدة والدها والتي لم يشاء أن يبدلها بأخرى حديثة الطراز , وإبريق القهوة نفسه ينم عن سنوات طويلة من صنع القهوة فيه, وكانت رائحة كل فنجان عبقة بشكل غير عادي .

Just Faith 28-07-14 03:50 AM

قال نيكولاس , والذي كان يحمل عدة نسخ من الصحيفة تحت إبطه :" رأينا النور في الشقة مضاء , فظننا انك قد تحبين رؤية نسخة من إصدار منتصف الليل ."ووضع النسخ علي المنضدة فرات في الصفحة الأولى صورة رمادية للطائرة المخطوفة , مرفقة بها بصورة اصغر لروز بدت فيها صغيرة غلامية الشكل بشعرها القصير ووجهها النحيل.
التقطت نسخة ونظرت إلي الصورة, وعلي فمها ابتسامة مرتجفة :" أن عملك هذا هو شهامة كبرى منك ."
قال نيكولاس وقد بدت الرقة في عينيه :" أنها قصة شخصية جدا , يا ايرينا أن روز واحدة منا ......وسيدهشك أن تعلمي كم من الموظفين اخذوا يتأخرون في عملهم لكي يتابعوا أخبارها."
نظرت ايرينا إلي استيبان تسأله :" هل كتبت أنت القصة هذه؟"
فضحك نيكولاس :" أن استيبان لا يكتب و أنما هو مدير المبيعات ,وقد جاء إلي هنا لأنه كان يتناول العشاء معي ومع بعض ذوي الأهمية من العملاء , وبعد ذلك ذهبنا إلي إدارة سنتنال لنحصل علي هذه النسخ مباشرة من المطبعة قبل أن نأتي إلي هنا لأجل فنجان الليل ."
سألتهما بحيرة :" فنجان الليل ؟"
فضحك الاثنان , وقال استيبان بالاسبانية ما جعلها تبتسم :" معنى هذا (آخر شراب ).
كان قد كدرها عندما صاح بها وبدانيال في مطعم بيير ليلة وصولها , وكانت مازالت تشعر بالغربة و ما جعل تصرفه العدائي ذاك نحوها يبعث الاضطراب في نفسها,ولكنه الآن يبدو مختلفا , فقد أصبح وجهه أكثر دفئا ولطفا واقل خشونة .
جهزت القهوة ووضعت ايرينا الفناجين وهي تسال :" هل تسكن في البناية , يا سيد كاسبيان ؟" ثم تذكرت فجأة فقالت :" ولكن كيف صعدت إلي هذا الطابق ؟ لقد قالت جينا أن هناك مفتاحا خاصا لدواعي الأمان ,إذ لن يتمكن احد أبدا من استعمال المصعد أو فتح باب سلالم الحريق , هناك مستأجر واحد فقط في هذا الطابق وهو يعيش في جزر كيمان ."
فقال :" لقد اشتريت الشقة منه . وأنا اسكن هنا الآن ."
نظرت إليه مجفلة :" هل تعلم جينا بهذا ؟"
أجاب وعيناه تلمعان ببريق النصر :" أنها لم تعلم بعد , و سأخبرها طبعا ."
أترى جينا سيسرها هذا الخبر ؟ أخذت ايرينا تتساءل عن ذلك ,ولكن كل ما قالته هو :" كان عليها أن تكون في السرير , أن الشعور بالذنب يتملكني إذ اتركها مستيقظة كل تلك المدة ,وخصوصا بعد الليلة الماضية عندما بقينا مستيقظتين إلي ساعات متأخرة من الصباح , ولكنني لم احتمل إيقاظها لأطلب منها الذهاب إلي سريرها ." وابتسمت للرجلين ,فتبادل هذين نظرة أخرى .
قال نيكولاس وهو ينهض واقفا :" سآخذها أنا إلي سريرها الآن ."
فأخذت ايرينا تقول باحتجاج :" آه ,لا أظن ......"
لكنه كان قد خرج من المطبخ , وكانت تتبعه عندما قال لها استيبان بصوت جاد:
"انتظري لحظة , يا ايرينا , أن هناك شيئا أريد أن أخبرك به ."
فنظرت إليه قد باغتتها نبرة صوته هذه ما جعلها ترتجف لهاجس خطر لها,فسألته رافعة يدها إلي فمها :" وما هو ؟"
أجاب بهدوء :" أنهم لم يطلقوا سراحها ,فقد علموا من جواز سفرها أنها صحافية فقرروا أنها قد تفيدهم بشيء , فاحتفظوا بها علي متن الطائرة ."
فقالت وهي ترتجف :" آه..... كلا ...."
فقال يخفف عنها برقة بالغة :" يمكنك الآن , علي الأقل أن تتأكدي من أنهم لن يصيبوها بضرر , ويبدو أنهم يريدونها أن تكتب عنهم نوع المقالات التي يريدون رؤيته في الصحف , ولهذا سيعاملونها بشكل جيد , وحسب طبيعة روز , ربما سيسرها أن تبقى في الطائرة . ولو أنها لم تكن تحب الأخطار والمواقف المثير لما سعت لان تصبح مراسلة خارجية , فهي ابنة والدها والذي لو كان مكانها لرغب في البقاء علي متن تلك الطائرة ."
وقفت ايرينا صامته وقد شردت نظراتها . لم تكن تستطيع نكران ذلك لأنه كان صحيحا ,فقد كانت روز صورة عن والدها , وهي ايرينا , كانت تتساءل أحيانا عما إذا كانت والدتها كذبت عليها , هل هي حقا ابنة ديسموند ؟ ثم تتذكر صورة والدة ديسموند والتي هي صورة أخرى لها .
تنهدت نعم أنها ابنة ديسموند , و روز شقيقتها حقا .
ثم عاد استيبان يقول بصوته العميق :" أنني أسف لإحضاري لك هذا الخبر ."
فقالت له بصوت مبحوح :" أن أخبارك لي ذلك بمثل هذه اللباقة ,هو شهامة منك .... أنا مسرورة لأنني لم اسمعه من التلفزيون , وإلا لكان صدمة قوية لي ."
حدق استيبان في وجهها الصغير , وقال :" انك فتاة شجاعة جدا ." فاحمر وجهها ,بينما عاد هو يقول وعيناه السوداوان تتألقان :" لقد كنت كلمتك بخشونة بالغة في ذلك المساء في المطعم , وأنا بالغ الآسف لذلك فقد أسأت فهم الوضع تماما....ذلك أنني أحب روز كثيرا لهذا ظننت دانيال خائنا لها ,وانك حبيبته الجديدة , لقد كنت شديد الغضب حينذاك , ولكن أن أتحدث إلي صغيرة مثلك بتلك اللهجة , هو شيء لا يغتفر ."
فقالت ساخطة :" أنا لست صغيرة ."
فضحك استيبان وقد رقت أساريره وبان عليه الهزل , ثم قال مازحا :" كلا بالطبع, وأنا أسف مرة أخرى , وآمل ألا يكون هناك دوما ما اعتذر عنه."
في هذه الأثناء , كان نيكولاس واقفا بجانب الأريكة ينظر إلي جينا ,والتي كانت مستغرقة في نوم عميق وأجفانها تتحرك , ما جعله يظنها تحلم ,متمنيا لو بإمكانه أن يرى ما بداخل أفكارها,كان يراها غامضة بالنسبة إليه , ما يجعله مستعدا لدفع أي شيء في سبيل حل هذا اللغز .
انحنى يضع ذراعه تحتها ويحملها بخفة ورفق زائدين , ولكنها لم تستيقظ .
وقف لحظة ولكنها مازالت لم تستيقظ , وهكذا سار ببطء شديد وعناية فائقة مجتازا الممر حيث وقف في نهايته وهو يتساءل , أي من الغرفتين تخصها ؟
ربما الكبرى منهما حيث أنها صاحبة الشقة ,وهكذا دخل إليها ليدرك من النظرة الأولى انه كان علي حق , فقد كانت خزانة الثياب مفتوحة كاشفة عن صفوف من الأثواب , التي كان بعضها مألوفا لدية ,ولا بد أن ايرينا تستعمل الغرفة الأخرى .
وضع جينا علي سريرها ,وعندما مس جسمها الملاءات الباردة تأوهت وما لبثت أن فتحت عينيها تنظر إلي وجهه ومازالت شبه غافية , وكان هو مازال منحنيا عليها, مضت لحظة أخذا يحدقان فيها في بعضهما البعض ,لقد كانت تحلم به وخيل إليها لثانية أو اثنتين , أن الحلم مازال مستمرا , كان بإمكانها أثناء اليقظة , أن تكبح مشاعرها وتغلفها بالبرودة , ولكن أثناء النوم كان عقلها الباطن يستيقظ كاشفا عن اعمق تلك المشاعر والغرائز , وكان حبها لنيكولاس أقوى من كل شعور آخر.
وأفلتت آهة عميقة من بين شفتي نيكولاس وهو يتمتم :" جينا , آه جينا ....."
وكان لصوته هذا وقع الصعقة علي وجهها أيقظها من شبه السبات الذي كان مسيطرا علي وعيها ,لقد فتحت الآن عينيها علي اتساعهما وقد بدت الصدمة في عينيها , لم يكن هذا حلما بل هو أمر واقع تماما ,ونيكولاس هنا في غرفة نومها ,حقيقية لا خيالا ...
فكيف حدث هذا ؟
تذكرت أنها كانت تشاهد التلفزيون مع ايرينا ,وأنها شعرت بالنعاس فنامت علي الأريكة في غرفة الجلوس .......ولكن كيف جاءت إلي غرفة نومها......ومن أين دخل نيكولاس ؟
كان نيكولاس غافلا عما تملك جينا من ذهول وحيرة ,فقد كان مستغرقا في مشاعره ما منعه من التفكير في أي شيء آخر .
ارتجفت جينا إزاء نظراته الجياشة بالمشاعر .......وشعرت بخطورة ذلك ......إذا هي لم تتخلص منه الآن فلن تتمكن من ذلك فيما بعد .
استجمعت قواها ,وقبل أن يدرك هو ما تهدف إليه ,كانت قد دفعته بعنف جعله يسقط علي الأرض .
وفي المطبخ , سكت استيبان عن الكلام وهو ينظر حوله متسائلا :" ما هذا ؟"
كانت ايرينا قد هبت واقفة وقد شحب وجهها وتملكها التوتر :" هل نذهب ونرى ما هناك ؟"
في غرفة النوم , كان نيكولاس قد عاد فوقف علي قدميه وهو ينظر إلي جينا عابسا,
والتي كانت جذبت ملاءة السرير إلي كتفيها .
وسألها :" ما الذي جعل تفعلين هذا ؟"
فقالت :" اخرج من غرفتي ."
" ما الذي حدث لك ؟"
" كنت نائمة ,يا وغد ,فاستيقظت وإذا بك في غرفة نومي ,حسنا , لم اعد نائمة الآن فاخرج من هنا , أن الأفعى خير منك ."
" هل لهذا فضلت الخروج من فيليب ؟" فنظرت إليه ببرودة ولم تجب .
واخذ هو يصرف بأسنانه :" يا لعنادها هذا الذي يبعث علي الجنون ........
" حسنا , ليس ثمة موجب لمثل هذا العنف منك ! أن الرضوض ستغطي جسمي غدا."
فقالت بحدة :" هذا حسن ."
في تلك اللحظة كانت ايرينا تدفع الباب وتدخل ثم تقف عند العتبة :" هل....هل حدث شيء ؟ لقد سمعنا صوت ارتطام ."
فقال يجيبها :" لقد اصطدمت بمصباح فوقع علي الأرض , ولكنه لم ينكسر , ولكنني أسف إذ أيقظت جينا من النوم ."
قالت ايرينا وهي تنظر إلي الفتاة الأخرى باهتمام :" كم هذا مؤسف ,يبدو عليك التعب أيضا وربما لديك حرارة , أتمنى لو لم يكن علي أن أخبرك ولكنك ستعرفين بالأمر غدا,
لقد احضرا لنا خبرا سيئا , يا جينا , وهو أن روز لم تغادر الطائرة , أنها ما تزال علي متنها."
****
وفي الطائرة كانت روز ما تزال مستيقظة وقد كومت علي مقعد في مقدمة الطائرة تحت مراقبة اصغر الإرهابيين والذي كانت عيناه دائمتي التنقل بعصبية بالغة . كان في الحراسة بينما كان القائد في قمره الطيار , أما الثالث فكان يهوم غافيا ,كانت ملامح الفتى الرقيقة يكسوها الضجر , وعيناه كثقبين اسودين , كما كان معظم المسافرين نائمين , فقد كانت هذه هي ليلتهم الثانية في الطائرة ما جعلهم يعدلون من وضعهم منذ مغادرة النساء والأطفال للطائرة , ولكن روز كانت من التوتر والالم بحيث لم تستطع الاسترخاء بشكل كاف ,لقد جعلوها تنتقل إلي هذا المقعد الأمامي لكي يتمكنوا من مراقبتها بعد أن اكتشفوا أنها صحافية ,لقد امضوا نصف ساعة في استجوابها ما ملاها ذعرا وخوفا علي حياتها . في أي صحيفة تعمل ؟ هل هي صحافية سياسية ؟ وما نوع الصحيفة التي تعمل فيها ؟ ماذا كانت تفعل علي متن الطائرة ؟
وكانت روز تجيب بقدر إمكانها من الهدوء ,ولكن الخوف كان يتملكها فقد كانت تتوقع أن يطلقوا عليها الرصاص في أية لحظة .
وبعد ذلك اخذ القائد في إلقاء محاضرة مطولة جعلها تدونها ........ذكر فيها مطالبهم واتهاماتهم وعقائدهم السياسية , وذلك في لغة قوية متدفقة ضخمة الألفاظ .
حاولت روز أن تبقى وجهها جامد الملامح ولكن ربما كشف شيء في وجهها عن أنها غير متأثرة بما يقول لان القائد زمجر فجأة غضبا ثم ضربها بالمسدس علي وجهها .
كان شعورها بالألم من الحدة بحيث أغمي عليها ,وعندما استفاقت , كان الرجال الثلاثة غير موجودين , فقد كانت أصواتهم تتصاعد من قرب قمره الطيار .
وما لبث القائد أن عاد ليتحدث إلي الطيارين فكلف هؤلاء المضيف بان يقوم ببعض الإسعافات لوجهها , ثم سألها بعطف :" هل أنت علي ما يرام ؟"
فردت عليه متمتمة :" سأعيش ."
عند ذلك صرخ بهما الفتى الصغير بحدة :" لا أريد همسا,هذا يكفي يا امرأة ,عودي إلي مقعدك ."
ظل وجهها ينبض بالألم لعدة ساعات أخرى خف بعدها بشكل ما ,كان بإمكانها أن ترى جانب وجهها في زجاج النافذة الداكن ,كانت وجنتها متورمة قد خالط لونها الأحمر مع الأزرق , وفكرت لاوية شفتيها ,بأنها لم تعد جميلة وان من حسن الحظ أن دانيال ليس هنا فيراها .
لكن ما كان لها أن تفكر في دانيال , فقد كان هذا يوهن من قواها ويجعل عينيها تغرورقان بالدموع .......نعم ,ما كان لها أن تفكر في دانيال .
اغمضت عينيها وأخذت تفكر في والدها بدلا منه .....أتراه في طريقة إلي فيتنام الآن؟
ثم فكرت في ايرينا المسكينة والتي لا بد أنها الآن في لندن والقلق يفترسها , لا احد يعرف ما يحدث له بين يوم وليلة ,فهذا كله الذي جرى كان أشبه بحادث سير,لقد كانت في رحلة عادية في الطائرة عندما ..... رفعت رأسها وقد تملكها الدوار والاضطراب , وأخذت تحدق في قائد الإرهابيين وهو يخرج إليهم صارخا بأوامره وهو يشتم.
واستدار الإرهابي الفتى واخذ يحدق إليه وهو يرتجف بعنف ,وسقط الإرهابي النائم علي الأرض ثم عاد فوقف , ومسدسه في يده وقد اخذ يطلق الرصاص .
حدثت أمور كثيرة في نفس الوقت ما جعلها لا تستطيع أن تفهم شيئا مما حدث في تلك اللحظات ,وعندما ركض قائدهم عائدا إلي قمره الطيار , سمعت صوت تحطيم زجاج في تلك القمرة تزامن مع امتلاء الجو بدخان لاذع صدر عن إلقاء قنابل دخانية .
وصدر صياح من مكان ما :" انبطحوا .....انبطحوا علي الأرض ." في نفس الوقت ,لاح خلال الدخان جنود في بزات مموهة ,وأيديهم ووجوههم مسودة واعينهم بيضاء لامعة بشكل غريب وعندما رأتهم روز ابتدأ صوت طلقات الرصاص تتصاعد .
كانت من الاضطراب والارتباك إزاء هذه الأحداث المفاجئة ما جعلها لا تفكر في الانبطاح علي الأرض ,ولم تدرك خطر ما هي معرضة له ألا بعد أن وجه القائد مسدسه إليها,وعندما أصابتها أول رصاصه ,فتحت فمها لتصرخ لكن صدمة الطلقة أخرستها قبل أن تلقيها الرصاصة الثانية ثم الثالثة إلي جانب ومن ثم إلي الأرض كدمية من الخزف حيث استلقت تنزف .

Just Faith 28-07-14 03:52 AM

الفصل الخامس
تملك ايرينا الاضطراب وهي نائمة تتقلب من جانب لآخر بسبب أحلام غريبة راودتها وبدت الليلة وكأنها لن تنتهي ولكنها استيقظت علي صباح انكليزي كانت تغاريد الطيور تملاء فيه الجو , ومن خلال الستائر ,تسربت الأشعة الذهبية منعكسة علي الجدران .بقيت مستلقية في سريرها تحدق حولها إلي ما يحيط بها من أشياء غير مألوفة,وما لبثت أن أخذت تتذكر ببطء كل ما حدث منذ وطأت قدماها ارض لندن.
هل كان ذلك قبل أمس فقط ؟ بدا لها وكأنها كان منذ أيام لو أسابيع .
ووخزها الألم فجأة ....أن روز مازالت علي متن تلك الطائرة , وفي خطر بالغ.كانت ايرينا تعلم أنها ما كان بإمكانها أن تواجه الأخطار التي تواجهها روز , وارتجفت لهذه الفكرة , ثم عادت ورفعت رأسها تستمع وقد أدركت ما الذي أيقظها في هذه اللحظة .
كان هناك من يقرع جرس الباب ....كان رنينا طويلا متواصلا ....فنظرت إلي ساعة يدها والتي كانت ملقاة علي المنضدة الجانبية للسرير .
كانت السابعة والنصف . ومن تراه يأتي إليهم في هذه الساعة ؟
سرى الذعر في كيانها ....روز.....لا بد أن شيئا قد حدث لروز .وماذا يكون غير ذلك ؟
وكادت تقع عن السرير وهي تقفز لتخطف معطفها المنزلي ثم تضعه علي كتفيها بينما تهرع خارجة من الغرفة نحو الردهة ومن ثم إلي الباب الخارجي .
وخرجت جينا من غرفتها هي الأخرى عندما مرت ايرينا بها .كانت هي أيضا ترتدي معطفها المنزلي وقد شحب وجهها .وتلاقت أعينهما بقلق مشترك .ولكنهما لم تتكلما .
وتبعتها ايرينا إلي الباب وفتحته .
كان استيبان واقفا عند العتبة وقد شحب وجهة وبان عليه الإرهاق .ورأت من ملامحه انه احضر خبرا سيئا .
" اجلسي أولا ."قال لها ذلك فازداد قلقها .
فهمست :" هل ماتت ؟"
" كلا , كلا ."ووضع ذراعه حول كتفها يدفعها بقوة إلي غرفة الجلوس حيث أجلسها ثم انحنى أمامها يفرك يدها الباردة وكأنها طفلة ,بينما كان يقول بصوت هادئ يطمئنها: " أهداي يا ايرينا لا ترتجفي بهذا الشكل .ان روز لم تمت صدقيني ......" سكت وهو ينظر إلي جينا التي كانت جلست بدورها وكأنها لم تعد تستطيع الوقوف ,ثم تابع يقول بخشونة :" حسنا ,لقد قررت السلطة اقتحام الطائرة أثناء الليل حيث يفاجئون الإرهابيين علي حين غرة وهم في أدنى حالات التيقظ ."
فصرخت ايرينا ذاهلة :" آه , كلا,كيف يتصرفون بهذا الشكل الطائش ؟لماذا لم ينتظروا ويستمروا في المفاوضات معهم حتى ينهكوهم ؟"
" لا ادري , إذ من الصعب القول ما الذي كان ينبغي القيام به في مثل هذه الظروف . أننا لا نعلم كل الحقائق ولكنهم اتخذوا هذا القرار , وأثناء القتال أصيبت روز بالرصاص...."
أصبح وجه ايرينا كوجوه الموتى وهي تحملق فيه :" هل حالتها سيئة ؟يجب أن اذهب إليها ......أريد أن اذهب إليها الآن لأكون معها ."
فهز استيبان رأسه بسرعة :" كلا , يا ايرينا . لا يمكنك ذلك . من المستحيل عليك أن تذهبي إلي هناك . أن نيكولاس يعالج الأمور وهو في مكتبة الآن , فقد ذهب إلي هناك حالما اتصل به دانيال بعد اقتحام الطائرة مباشرة وسماعة بان روز جريحة . أن نيكولاس يقوم بكل الترتيبات اللازمة لإحضارها إلي هنا بالطائرة وذلك حالما يمكنها السفر . وسيكون بإمكان دانيال أن يزودنا بأخر مستجدات الأخبار عندما يتصل بنا مره أخرى .فقد تحدث معه نيكولاس هاتفيا منذ ساعة , وهو معها في المستشفى الآن.
لم يجروا لها عملية بعد ,ولكنني أخشى أن من الضروري إجراء ذلك لها .فهم ينقلون إليها دما حاليا لتقويتها ......"
" آه ...." صدرت هذه الآهة عن ايرينا وهي تغمض عينيها وتتخيل ذلك . بدا هذا الأمر لها بالغ الخطورة بالرغم من محاولة استيبان التخفيف من ذلك .
اخذ استيبان ينظر إليها مقطب الجبين .
" سيتصل بنا دانيال حالما يتغير الوضع من أي ناحية كانت .وقد سأله نيكولاس عما إذا كان عليك الذهاب إلي هناك ,فقال دانيال كلا . فالفوضى هي السائدة حاليا ولن تسببي لهم سوى الارتباك ."
أجفلت وهي تقول :" ولكن لي الحق بان أكون هناك . أنها أختي ."
فقال لها برقة :" ايرينا ,أنني أدرك تماما مبلغ قلقك , ولكنني أظن أن عليك أن تفعلي ما يقترحه دانيال . فهو في مكان الحدث ,وبالتالي يعلم تماما كيف تجري الأمور."
نظرت إليه بعداء وعيناها تلتهبان :" لا تأمرني ,وما شانك أنت بكل هذا ,علي كل حال؟ ليس لروز علاقة بك فاهتم بشؤونك الخاصة .آه ,لماذا لا تخرج من هنا ؟"
وقف بقامته الفارعة وقد تحجرت ملامحه فجأة ,ثم قال ببرودة :" لقد طلب مني نيكولاس أن أبلغك الخبر بنفسي بدلا من أن تسمعيه من التلفزيون والآن , بعد أن انتهيت من هذه المهمة , فسأعود إلي مكتب نيكولاس. أظن أن عليك تذهبي إلي سريرك وتبقي فيه ......و أنا واثق من أن السيدة تيريل ستطلب لك طبيبا يعطيك بعض المهدئات ."
نظرت إليه عابسة وهي تقول :" لا أريد العودة إلي سريري ."
فهز كتفيه :" هذا عائد إليك . فقد أعطيتك نصيحتي ولكنني لم أتوقع منك حقا أن تتبعيها ."
استدار علي عقبيه وخرج من الغرفة وما أن أنصفق الباب الخارجي خلفه حتى انفجرت ايرينا باكية ."
نظرت إليها جينا بأسى وهي تقول :" أن قدومه لإخبارك بما حدث هو شهامة بالغة منه , كما تعلمين . فهي ليست مهمة سهلة , مسكين هو ."
" أريد أن اذهب إلي روز , يا جينا . لا استطيع احتمال البقاء هنا بينما هي مريضة و
قد ......" سكتت وهي تتنهد .
فتنهدت جينا هي أيضا :" اعلم ما تشعرين به , ولكنني أظن الحق مع دانيال ...فلن تكوني أنت سوى مشكلة أخرى له عليه أن يواجهها . فإذا كان نيكولاس ينوي استقدامها إلي الوطن ,فسيفعل ذلك في اقرب وقت مستطاع , فلا تقلقي ."
" أنني لن أعود إلي السرير أو أخدر نفسي حتى لا اعلم ما يجري ."
فابتسمت لها جينا تسري عنها :"وأنا أوافقك علي هذا ....فان أسوا الأمور بالنسبة إليك هو الجلوس و التفكير .فالعمل يساعدك علي تحويل ذهنك عن القلق . تعالي معي إلي المكتب حيث سنسمع ,علي الأقل ,كل ما يجد من أخبار قبل أن نحصل عليها من التلفزيون . لماذا لا تغتسلين وترتدين ثيابك بينما أجهز أنا الفطور ؟"
" أنا لست جائعة ."
نظرت إليها جينا متأملة , ثم قالت :" لماذا أنت عنيدة بهذا الشكل ؟ولكن كان علي أن أكون معتادة علي عناد أفراد أسرتك . فأنت و روز متشابهتان في العناد ."
ضحكت ايرينا عندئذ ما جعل من السهل أقناعها بالقيام بما طلبته منها جينا. فاغتسلت ,وارتدت ثوبا صيفيا ذا لون وردي مزيج بالأبيض.وبينما كانت تسرح شعرها الطويل ,ابتدأت نشرة الأخبار في التلفزيون وفي المقدمة أخبار الطائرة المخطوفة . كانت الشاشة مليئة بصور جمدت الدم في عروقها .الطائرة جاثمة علي أسفلت المطار والدخان يتصاعد منها والجنود يصعدون السلم , وسيارة إسعاف وأجهزة الإطفاء يتصاعد عويلها في الأنحاء , وآخر فيلم يظهر جثث الإرهابيين المغطاة بالملاءات وهم ينقلونها إذ يبدو أن جميعهم قتلوا .
قال المذيع بهدوء :" أما الركاب الجرحى فقد نقلوا جميعا إلي اقرب مستشفى للعلاج و بإمكان أقاربهم أن يتصلوا للسؤال عنهم علي الأرقام التالية ....."
أخذت ايرينا تبحث في حقيبة يدها عن قلم لتكتب الأرقام رغم أنها كانت تعلم أنها ستحصل علي أخبار أكثر تفصيلا من مكتب الشؤون الخارجية في الصحيفة سنتنال . وعندما انتهت الأخبار , أقفلت جهاز التلفزيون وذهبت إلي المطبخ لاحقة بجينا والتي نظرت إليها متفحصة . كان ثوب ايرينا أنيقا وجميلا ,ولكنه ابرز شحوبها بعدم وضع زينة علي وجهها هذا الصباح وكانت هناك هالات قاتمة تحت عينيها الكبيرتين .كان يجب عليها أن تأكل ولكن جينا لم تشأ أن ترغمها علي ذلك .فكل ما كانت ايرينا بحاجة إليه هو التخفيف عنها وبعث الاطمئنان إلي نفسها ,دون مناقشة .
وهكذا سكبت لها شيئا من القهوة ووضعت قشدة مع السكر ما جعل ايرينا تشربه دون وعي منها ,علي الأقل .
لم تتذكر جينا نيكولاس ألا بعد أن اتجهتا إلي المكتب ,فقالت :" لا ادري كيف دخل نيكولاس إلي شقتي .أتراه قدم رشوه إلي الحارس ؟ إذ أن الصعود إلي طابقي ممنوع دون رخصة مني .يجب أن انظر في هذا الأمر ."
نظرت إليها ايرينا مجفلة :" الم يخبرك نيكولاس ؟ لقد قال انه اشترى الشقة الأخرى الموجودة في طابقك ."
تشنج جسم جينا وشحب وجهها :" ماذا ؟" وتسارع ذهنها إلي ما يعنيه هذا الخبر . ها أن نيكولاس قد غزاها في عقر دارها .
كانت تشعر بالأمان في شقتها العليا هذه خلف الأقفال حيث لا يوجد مستأجر في طابقها سوى رجل يبدو انه لا يأتي أبدا إلي لندن . فبإمكانها أن تقفل بابها مطمئنة إلي أنها وحدها لا يقتحم خلوتها احد . ولكنها لم تعد كذلك الآن . فنيكولاس سيكون هنا يوميا, وأمام بابها مباشرة .
وشعرت بالعجز . فنيكولاس لا يستسلم . لقد ظلت تنسى طبيعته تلك , تنسى انه رجل يلاحق الأمر حتى يفوز به . فهو لا يعترف أبدا بالفشل أو الهزيمة إلى أن يحصل علي ما يريد .
كانت قد أصبح لديها فكرة ثابتة عن طبيعة نيكولاس وذلك حين اخلف وعده للرجل العجوز , محاولا بذلك الفوز بالسيطرة علي صحيفة سنتنال من خلف ظهرها . لقد أصر نيكولاس علي الفور بما يريد وذلك بكل قسوة , جاعلا كل شخص يقوم بما يريد , وهي من جملتهم .....ولكن جينا أصرت علي الوقوف في طريقه بكل معنى الكلمة .
كانت تمر لحظات يتملكها فيها الشك في أن نيكولاس أنما يتظاهر بالانجذاب إليها , ولكنها أدركت الآن أن ذلك كان صحيحا . لم تصدق بأنه يحبها , فهي قد أصبحت واثقة من انه لا يستطيع أن يحب سوى نفسه . ولكنه يرغب فيها فقط . لقد شعرت بالإحباط الذي أصابه الليلة الماضية .
كانت تتمنى أن تنساه , وذلك بالخروج مع فيليب سليد , ولكن ذلك لم يكن سوى إضاعة للوقت .صحيح أن فيليب كان شابا ظريفا , ولكنه لم يكن ناضجا , فلقد كان فتى أنانيا مدللا لم يكبر قط . ولكنها كانت أقسمت علي أن تجعل نيكولاس يدفع ثمن موت السير جورج الذي تسبب هو به .
فكانت بخروجها مع فيليب ترجو أن تثير غيرته علي الأقل . ويبدو أن هذا ما حصل .
عندما وصلت مع ايرينا إلي مجمع باربري وارف دخلتا إلي مكتب الحرس للتفتيش , حيث قال لها رئيسهم وهو ينظر إلي بطاقة إثبات شخصيتها :" أسف , يا سيدة تيريل. ولكننا تلقينا إنذارا بوجود قنبلة , فقرعنا ناقوس الخطر ,ربما كان ذلك مزاحا , ولكن نظرا لما يحصل الآن في قبرص , وإطلاق الرصاص علي زميلتنا روز ايميري بذلك الشكل , يجب علينا أن نتوخى الحذر ."
ابتسمت له جينا, قائلة :" هذا صحيح تماما ,يا سيد براون .انك ما كنت لتقوم بوظيفتك كما يجب إذا لم تلتزم الاحتياط البالغ ."
فنظر إلي ايرينا وقد ضاقت عيناه :" لا أظننا رأيناك من قبل , يا انسه ."
قالت جينا :" أنها أخت روز ايميري ."
فاخذ يحدق في ايرينا بعطف وشيء من الفضول :" مسرور بالتعرف إليك , يا انسه . لقد صدمت حقا عندما سمعت بإطلاق الرصاص علي الآنسة روز , وآمل أن تصلنا عنها أخبار طيبة قريبا جدا ."
فقالت له ايرينا بصوت تخنقه المشاعر :" شكرا لك ."
كانت هي قد اتصلت برقم الطوارئ الذي عمم علي شاشة التلفزيون وذلك قبل أن تترك الشقة مع جينا , ولكن لم يكن لديهم ما يخبرونها به ما عدا أن روز مرتاحة ,وأنها قد تخضع لعملية جراحية. وقد ألقت عليهم ايرينا الكثير من الأسئلة ولكنها لم تحظ بأي جواب . حتى أنهم لم يخبروها كم رصاصة استقرت في جسمها , وفي أي مكان منه.
سعل رجل الأمن ثم سألها :" ولكنني أسف إذ علي أن أرى بطاقة إثبات شخصيتك , فهذا مجرد رسميات إدارية وعلينا أن نخضع للنظام حتى ولو كنا نعرف المرء شخصيا,يا آنسة"
" لم أتزود بعد ببطاقة شخصية , أنما لدي جواز سفري وبطاقة إثبات الشخصية الفرنسية ....."
" بطاقة إثبات شخصية فرنسية ." كرر كلامها هذا بحيرة .
فقالت جينا :" أنها تعمل في فرنسا ,عادة. فلا تقلق . أني اكفلها بنفسي , يا سيد براون ."
فقال حائرا : " حسنا , لا ادري ...."
فقالت جينا متهكمة :" أم لعلك تريد أن ينزل السيد كاسبيان بنفسه إلي هنا لكي يفعل ذلك ؟"
قال السيد براون علي الفور كما كانت تتوقع :" آه , هذا ليس ضروريا ."
كل من يعمل في باربري وارف من اصغر عامل إلي اعلي مدير , كان يخاف من نيكولاس كاسبيان . ويكره التصادم معه.فقد تعلموا الخوف منه بسرعة بالغة , بعد أن عزل عدد لا يحصى من الموظفين , وكان كل من يريد الاحتفاظ بوظيفته مستعدا لفعل أي شيء تقريبا لكي يدخل السرور إلي نفسه . وكانت جينا تفكر , عابسة , بأنها ربما الشخص الوحيد الذي يجرؤ علي مخاصمته ,مهما كانت الظروف , لكنها عادت فتذكرت أن ليس عليها أن تخاف منه إذ ليس بإمكانه عزلها من عملها .
وأضاف السيد براون بلهجة رسمية :" ولكن عليك من فضلك أن تجعليها تحصل علي بطاقة إثبات الشخصية اليوم , إذا تكرمت ."
قالت جينا وهي تبتسم له ملاطفة :" سأفعل ."
تبعتها ايرينا إلي الردهة ذات الأرض الرخامية والمحتشدة بالناس الداخلين إلي المصاعد والخارجين منها.وكانت ايرينا تنظر إلي كل هذا وقد بدا عدم الفهم في عينيها الزرقاوين الكبيرتين . رأت الأبواب الزجاجية مفتوحة في ناحية الردهة ,ومن خلالها رأت أزهارا و أشعة شمس وساحة مكشوفة مبلطة .
قالت لها جينا تذكرها :" أنها ساحة بلازا حيث تناولت الطعام ليلة وصولك . هل تذكرت؟"
فأومأت ايرينا :" الساحة المكشوفة , حيث تناولنا الطعام أنا ودانيال ."
" اترين ستائر نوافذ مطعم بيير ؟ هناك تعشيتما أنت ودانيال ."
ولكن ذكرى تلك الليلة كانت بالغة التشويش في ذهن ايرينا لكثرة الأحداث التي مرت عليها منذ ذلك الحين . حتى أنها لا تتذكر ماذا اكلا في ذلك العشاء ,ولكن أمرا واحدا لم يفارق ذاكرتها .....تلك العينان السوداوان العنيفتان اللتان كانتا تنظران إليها بازدراء .
استيبان ...كان هذا اسما طالما أحبته فهو يعني استيفان باللغة الاسبانية .فيا له من اسم شاعري فهو يناسبه تماما.
فهو رجل ذو جاذبية بالغة بالرغم من جو الكآبة الذي يحيط به,وما أحست به من غضب كامن في نفسه .
لقد سبب لها الحيرة في البداية , إلي أن انفجر باتهاماته , ولكنها مازالت لا تفهم ما الذي جعله يظن أن بينها وبين دانيال علاقة ,ولماذا تغضبه هذه الفكرة بهذا الشكل.
أن كل من يعرف دانيال و روز , يدرك مبلغ متانة العلاقة التي تربطهما معا . وحيث انه هو نفسه يعرفهما بشكل جيد ,فقد كان غضبه ذاك غريبا , ألا إذا ....
وعقدت ايرينا حاجبيها. أترى كان استيبان مفتونا سرا بروز ؟
ولأمر ما ,تملكها الانزعاج لهذه الفكرة ....ولكن أي تفسير آخر يمكن أن يفسر غضبة تلك الليلة ؟
كان رجلا اسبانيا ,بطبيعة الحال ,وبالتالي بالغ الرزانة . وحتى في هذا الجبل ,الرجل الاسباني شديد الاعتداد بكرامته كرجل .فهو مازال متعلقا بالفكرة القديمة عن الطريقة التي يتصرف فيها الرجل بالنسبة إلي الشرف والتقاليد واحترام العائلة . و ايرينا لديها احترام وتعاطف مع هذه المواقف , فقد نشأت معها .
لقد تغيرت أمور كثيرة في اسبانيا , ولكن طريقة تفكير الرجال لا يمكن تغييرها بين يوم وليلة . وقد يكون استيبان اخذ فكرة خاطئة عنها وعن دانيال لان في أعماقه تكمن فكرة معينة عما تعني العلاقة بين رجل و امرأة . فرؤيته لدانيال مع امرأة أخرى في جلسة حميمة يمكن أن توحي إليه بسهولة بأنه يخون روز.
حسنا ,انه , علي الأقل , قد أدرك خطا شكوكه الحمقاء , تلك واعتذر عنها بلباقة .
كانت هذه الأفكار تجول في ذهن ايرينا والغضب مازال يتملكها .
هذا بينما كانت جينا مسترسلة في الحديث غير منتبهة إلي أن ايرينا لم تكن تستمع :" وهناك يوجد مقهى للأطعمة الخفيفة يدعي مطعم ترولي يمكنك أن تشتري منه أطعمة تأخذينها معك إلي أماكن أخرى , مثل الشطائر والسلطات والفاكهة . والسيدة ترولي هناك غالبا ,أو ابنها روبرتو . وهما شخصان ودودان جدا . ونحن , أحيانا, نشتري شيئا من هذا ونذهب لنأكلها في حدائق رانكليف .ويمكنك أن تأخذي تاكسي من نورث ستريت كما أن هناك محطة باص في شارع سيلفر ."
نظرت جينا حولها وهي تقول لايرينا ضاحكة :" لا بأس ,سرعان ما تتعلمين كل شيء عن رواحك ومجيئك ."
وسارت نحو المصاعد تتبعها ايرينا ,وبعد ذلك بلحظة كانا في طابق المدراء .
قالت جينا وهي تدفع بابا هناك تفتحه :" هو ذا مكتبي ."
وكانت فيه فتاة تقف بجانب نافذة واسعة تسقى بعض النباتات .فالتفتت باسمة وقد صبغت أشعة الشمس شعرها البني اللون ببريق ذهبي .
أحبتها ايرينا من أول نظرة , فقد كانت تنظر إلي الشخص بشكل مباشر,وكانت عيناها زرقاوين متألقتين وابتسامتها دافئة ودودا .
" هذا ايرينا أخت روز , يا هزل ." قالت روز هذا فأجفلت هيزل ونظرت إلي ايرينا بعطف , ثم قالت :" لقد سمعت طبقا انك قادمة إلي هنا للعمل أثناء فصل الصيف مسكينة أنت إذ لم تكن بدايتك معنا سعيدة , أليس كذلك ؟ أنني بالغة الآسف لما حدث لروز . ولكن دانيال اتصل منذ لحظة قائلا أنها خرجت من غرفة العمليات ,وان أمل الأطباء كبير في شفائها . انه خبر جديد , أليس كذلك ؟"
حملقت ايرينا فيها وقد اخذ وجهها الشاحب يسترد لونه الطبيعي :" هذا رائع ,آه, يا ليتني كنت هنا فأتكلم مع دانيال. هل ترك رقم الهاتف ؟ هل بإمكاننا الاتصال به ؟"
" آه ,آسفة جدا , لقد قال دانيال ألا نحاول الاتصال به , فهذا مستحيل حاليا ,فالفوضى تسود المستشفى كما فهمت , وهو سيبقى هناك ليكون موجودا عندما تستعيد روز وعيها . ولكنه قال انه سيعود إلي الاتصال في غضون ساعتين ,وقد ترك لك رسالة , وهي ألا تقلقي فهي في حالة جيدة وهو سيداوم علي الاتصال بنا ."
تنهدت ايرينا :" آه , حسنا ,علي أن أصبر , أليس كذلك ؟"
فابتسمت لها هيزل تطمئنها :" هذا ما أظنه ."



الساعة الآن 05:06 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.