آخر 10 مشاركات
227- المبادلة العادلة - فاليري بارف - مدبولي (حصري على روايتي) (الكاتـب : Gege86 - )           »          27 - حبى المعذب - شريف شوقى (الكاتـب : * فوفو * - )           »          انتقام النمر الأسود (13) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          بحر الأسود (1) .. * متميزة ومكتملة * سلسلة سِباع آل تميم تزأر (الكاتـب : Aurora - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          436 - سراب - كارول مارينيللي ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          1-لمن يسهر القمر؟-آن هامبسون -كنوز أحلام قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          لآلىء الغيرة " قصة قصيرة " للقاصة أروع إحساس.. كاملة** (الكاتـب : ميرا جابر - )           »          93- الشمس والظلال - آن هامبسون - ع.ق ( نسخه أصلية بتصوير جديد ) (الكاتـب : angel08 - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هي الرواية الجديدة التي تفضلونها
فكرة جديدة تماما 2,055 56.56%
جزء ثاني لرواية بأمر الحب 665 18.30%
جزء ثاني لواية لعنتي جنون عشقك 913 25.13%
المصوتون: 3633. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree505Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-04-15, 10:31 PM   #17961

ايماااا

? العضوٌ??? » 33647
?  التسِجيلٌ » Aug 2008
? مشَارَ?اتْي » 889
?  نُقآطِيْ » ايماااا is on a distinguished road
افتراضي


تميمة الي يريحك ..

ايماااا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-15, 10:33 PM   #17962

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

أنا حنزل الفصل الآن يا سكاكر .... قبل موعده بساعة و نصف
حضحي بالحضور العالي من أجل من يطلبون الفصل مبكرا
شفتو طيبتي
أنا حنزل فصل بحجم فصلين ....
و فصل يوم الاثنين باذن الله

mareen likes this.

tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 18-04-15, 10:33 PM   #17963

نيو ستار
 
الصورة الرمزية نيو ستار

? العضوٌ??? » 310187
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 265
?  نُقآطِيْ » نيو ستار is on a distinguished road
افتراضي

تميم بليز نزلة البارت بدرى شويه بلللللللللييييييييييززززز زززز

نيو ستار غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-15, 10:34 PM   #17964

sara sarita

مشرفة الطب والصحة ونجمة فعالية لنقرأ معا

alkap ~
 
الصورة الرمزية sara sarita

? العضوٌ??? » 324547
?  التسِجيلٌ » Aug 2014
? مشَارَ?اتْي » 1,526
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
?  نُقآطِيْ » sara sarita has a reputation beyond reputesara sarita has a reputation beyond reputesara sarita has a reputation beyond reputesara sarita has a reputation beyond reputesara sarita has a reputation beyond reputesara sarita has a reputation beyond reputesara sarita has a reputation beyond reputesara sarita has a reputation beyond reputesara sarita has a reputation beyond reputesara sarita has a reputation beyond reputesara sarita has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

تسجيل حضوووووووووووووووور
mareen likes this.

sara sarita غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-15, 10:36 PM   #17965

amoud

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية amoud

? العضوٌ??? » 85305
?  التسِجيلٌ » Apr 2009
? مشَارَ?اتْي » 1,361
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » amoud has a reputation beyond reputeamoud has a reputation beyond reputeamoud has a reputation beyond reputeamoud has a reputation beyond reputeamoud has a reputation beyond reputeamoud has a reputation beyond reputeamoud has a reputation beyond reputeamoud has a reputation beyond reputeamoud has a reputation beyond reputeamoud has a reputation beyond reputeamoud has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الخير تسجيل الحضور

خاطرة لوعد

mareen likes this.

amoud غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 18-04-15, 10:37 PM   #17966

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

أرجوا الامتناع عن التعليق مؤقتا
mareen likes this.

tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 18-04-15, 10:37 PM   #17967

ريناد السيد
 
الصورة الرمزية ريناد السيد

? العضوٌ??? » 302634
?  التسِجيلٌ » Aug 2013
? مشَارَ?اتْي » 837
?  مُ?إني » ميلانو
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ريناد السيد is on a distinguished road
¬» مشروبك   fanta
¬» قناتك action
?? ??? ~
الحياه كذبه كبيره
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

Temoooooo waitting the part
mareen likes this.

ريناد السيد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-15, 10:38 PM   #17968

elizabithbenet

نجم روايتي وفراشة متالقه بعالم الازياء و الاناقةوقلم مميز بخاطرة من وحي الكلمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية elizabithbenet

? العضوٌ??? » 297131
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,687
?  مُ?إني » العراق
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » elizabithbenet has a reputation beyond reputeelizabithbenet has a reputation beyond reputeelizabithbenet has a reputation beyond reputeelizabithbenet has a reputation beyond reputeelizabithbenet has a reputation beyond reputeelizabithbenet has a reputation beyond reputeelizabithbenet has a reputation beyond reputeelizabithbenet has a reputation beyond reputeelizabithbenet has a reputation beyond reputeelizabithbenet has a reputation beyond reputeelizabithbenet has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
انا لست مجبرة ان افهم الناس من انافمن يمتلك مقومات العقل ساكون امامهكالكتاب المفتوح وعليه ان يحسن الاستيعاب
افتراضي

ينصر دينك تيمو هههههه والله الفرحة مسايعتني
اموه اموه اموه

mareen likes this.

elizabithbenet غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-15, 10:39 PM   #17969

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

الفصل التاسع و الثلاثين :

انتهت اللعبة !! .....
هكذا ببساطة !! .... انتهى الرهان عليها بأسرع مما تخيلت ....
على الرغم من أن الدقائق كانت بطيئةٍ بدرجة جعلتها تموت و كأنها تقف على منصةٍ لبيع الجواري ...
كانت تنظر الي الجميع وهم يعلون بهتافاتهم من حولها كأجمل جائزة ... و مدى غرابة الفكرة و جرأتها في أيامهم و لياليهم الباهتة
الجميع التف حول الطاولة وهم ينتظرون هزيمة علوان ... و خسارته لخطيبته التى دخل بها متباهيا ....
كانت تبتلع ريقها ... و كتفيها ينخفضان شيئا فشيئا .... حتى شعرت و كأن قامتها تلامس الأرض في دونيةٍ .....
عيناها تطوفان يمينا و يسارا .. تنظر بطرفهما بخزيٍ لم تشعر به من قبل ....
تدلك ذراعها بيدها المرتجفة ... و هالها أن تجد القشعريرة تعذب جسدها بوجع حقيقي ....
تلاقت عيناها بعيني وليد في جولةٍ من الجولات .... ففغرت شفتيها الدمويتين و هي ترى بهما ازدراءا خفيا .... لم يلحظه سواها ..... بينما وجهه البارد الوسيم لم يفقد ابتسامته الجليدية ....
لم تستطع خلال تلك اللعبة أن تحدد أمنيتها ... حاولت لكنها لم تستطع .... من تريد أن يفوز بها !!!
ممن تريد أن تربح ؟؟ .... و تربح ماذا ؟؟
السعادة لفترةٍ قصيرة ممتزجة بالربح و الإزدراء مع كسر القلب ؟؟
أم الربح خالصا بشياكة .... دون ألم .... دون وجع .....
وجدت نفسها تميل في لحظة خادعة .... لأن تعيش السعادة المزيفة معه ولو ليوم واحد .... واحد فقط ...
تعود فيه الى أمواج حبه من جديد .... حبه الذي تحطم على صخور ماضيها المشين
أما الآن ....
فها هي اللعبة قد انتهت ....ووجدت ابتسامته الواثقة تتألق مع تصفيق من الجميع ...
بينما بدى علوان بوجهٍ أسود ... يعلوه شعور حارق بالهزيمة ....
ارتجفت شيراز بشدة و هي لا تصدق سرعة ما حدث , فنظرت الى علوان بهلع و هي تتراجع عن أمنيتها المجنونة في أن يفوز وليد بها ...
و دون وعي وضعت يدها على كتف علوان ترجوه في صمت أن يسخر من تلك اللعبة ... و أنه لا قانون ملزم لها .. ينص على تداولها بتلك الطريقة ... فليتراجعا عن ذلك الرهان الحقير و ليضحكا عاليا و يسخرا من وليد الناظر اليها بإبتسامته الهادئة المخيفة ...
لكن لصدمتها وجدت علوان يمد يده لينزع يدها عن كتفه بفظاظة ... لينهض من مقعده بملامحه السوداء من الغضب حين قال وليد بهدوء مستفز
( حظ سيء سيد علوان .... لكن مبارك لك الصفقة .... )
تعالى التصفيق مجددا .... بينما رمقه علوان بنظرةٍ سوداء ... لينهض فجأة بقوة مغادرا المكان تحت همسات المتواجدين ...
نظرت شيراز في اثره بذهول و هي فاغرة شفتيها ... لا تصدق أنه غادر بمثل هذه البساطة و كأن تلك اللعبة قانون يجب احترامه !!! .....
إن كان لا يتقيد بالقانون الحقيقي ... فهل يتقيد بقوانين اللعب بشرف و أمانة !!!!...
كيف تركها بهذه البساطة ؟!! .... لقد كان لعابه يسيل في انتظارها ... فكيف يتركها لمجرد أنه قد خسرها في لعبة !!
ما الذي يمنعه كي يستغل قوته و يرفض أن يمتثل للخسارة !!! ..... ماذا يمكن لوليد أن يفعله و كيف يمكنه أن يرغم علوان على تركها !!
لكنه رحل بمنتهى البساطة ... رمى يدها و رحل!! ...
لم تكن تدرك أثناء شرودها أن وليد قد قام من مكانه و دار حول الطاولة الى أن وقف خلفها ... ينظر اليها بازدراء من علوه ... ثم قال بلهجة ساخرة هادئة جعلتها تنتفض شاهقة
( لو قرر عدم الإمتثال للرهان فستكون نهايته على موائد اللعب ....اللعب قانون في حد ذاته ... . )
نظرت اليه مذهولة من تمكنه بقراءة أفكارها بهذه السهولة ... الا أنها اصطدمت بابتسامته المزدرية و التي على الرغم من هدوئها الا انها أرعبتها ... بينما تابع ببساطة وهو يقول هازئا
( لم يتركك الآن رغبة منه في الصفقة .... بل تركك لا يوصم بأنه ممن لا يمتثلون للرهان في خسارتهم ... )
صمت قليلا وهو ينظر الى وجهها الشاحب ثم تابع بدون رحمة
( هل تصدقين أنه يهتم لمستقبله في اللعب أكثر من اهتمامه بك !! .....)
هز رأسه قليلا وهو يعقد حاجبيه هامسا بلهجةٍ مذهولة زائفة
( أي مكانة وضيعة كان يضعك بها !!! .......... )
تشوشت الرؤية أمامها بغلالة الدموع على عينيها الخضراوين ... و ضاعت ملامحه من أمام عينيها , بينما ارتجفت شفتيها .... أين لسانها ..... أين لسانها ...... أين قدرتها الفذة على التظاهر بالسخرية و الإقتدار ...
زفرت نفسا مرتجفا .... قبل أن تستدير عنه لتفعل أسوأ ما قد تفعله في تلك اللحظة ....
انطلقت تجري أمام الأعين الناظرة لها تكاد تعريها من ملابسها .....
أخذت معطفها الأسود من العامل ثم خرجت سريعا الى الليل الأسود ببرودته ...
صفعها نسيم الليل الندي بقطرات مطر خجولة .....
لكنها لم تهتم و هي تندفع بخطواتها التي تطرق الطريق بكعبي حذائيها دون اهتمام للأعين الملتهمة لها في الطريق كالقاعة ... ككل مكان ....
انسابت دمعتان على وجنتيها الباردتين ... لكنها لم تهتم حتى بمسحهما و هي تود لو اختفت و ذابت في سواد هذا الليل كي ترتاح ......
ظلت تسير و تسير ..... تتعثر في الطريق بين كلِ خطوةٍ و أخرى ....
اللى أن داهمتها أضواء سيارةٍ قوية ..... أبطأت سيرها الى أن أصبحت تسير بمحاذاتها .....لكنها لم تنظر أو تلتفت ...
كانت تعرف لمن هذه السيارة ..... فضمت ذراعيها أكثر و تابعت سيرها ...
وقفت السيارة فجأة , فشعرت بقنوط أنه ربما غير رأيه و قرر العودة و تركها
ففي النهاية لم تكن سوى لعبة .. تمكن بواسطتها من الإنتقام منها بجعلها تخسر الزوج المستقبلي الذي كان سيؤمن لها
في لمح البصر دخل و أنها الأمر بمنتهى الإزدراء ... فما حاجته للبقاء الآن !! ....
لكنها كانت مخطئة ... فانتفضت فجأة و هي تستدير على نفسها بفعل قبضةٍ حديدية غرزت أصابعها في لحم ذراعها جعلتها تتعثر في كعبي حذائها لتسقط على صدره بقوة ....
حتى أن أحمر شفاهها انطبع بوضوحٍ على قميصه الأبيض ...
اعتدلت بصعوبة و هي تقف بوهن لترفع وجهها الي ملامحه المزدرية و التي تقتلها ببطىء ... قبل أن تقول بصوتٍ ميت
( ماذا تريد مني ؟؟ ...... ألم تحقق ما جئت لأجله و أفسدت زواجي قبل أن يتم ؟!! ..... )
كانت عيناه مخيفتاه ... صامتتان عميقتان ... حتى كادتا أن تبتلعانها و تضيعانها في سوادهما المخيف ...
لكنه حين تكلم قال بصوت جليدي قاتم
( ادخلي الى السيارة ........... )
لهث صدرها مرتين قبل أن تقول مندفعة بعذاب
( لا ............... )
اشتدت قساوة عينيه .... حتى ارتجفت خوفا منه , هنا في الظلام ... و من حجمه الذي بات مخيفا لها بعد أن كان طريفا فيما مضى ....
شعرت في لحظةٍ أنه على وشكِ أن يضربها .... الا أنه لم يلبث أن ابتسم بسخريةٍ وهو يقول ببرود دون أن يتخلى عن ذراعها
( الى أين تنوين الذهاب ؟؟ ...... أترغبين في اللحاق به زحفا على ركبتيكِ تترجينه أن يتراجع عن هزيمته و يتزوجك ؟؟ ..... )
كانت تنظر اليه بملامح تزداد شحوبا أكثر و أكثر ..... بينما رفع يده الأخرى ليربت على وجنتها بقوة مهينة متابعا بازدراء
( لا تحاولي .... لن يتراجع عن هزيمته و الا فلن يدخل أي من نوادي اللعب مجددا ..... أريد فقط أن أجنبك عناء المزيد من الذل ...... )
عضت على شفتها و هي تحاول جاهدة السيطرة على تدفق دموعها التي تحارب كي تنفجر .... بينما أكمل بهدوء قاتل
( ربما سيعرض عليكِ ليلة أو ليلتين بمبلغ محترم .... دون زواج , و سيكون هذا كرما منه .... كي لا يخرجك من شقته خالية اليدين ..... )
همست من بين شفتيها المتيبستين بصوتٍ ميت ... بل مذبوح
( كفى ......... لا يحق لك .... )
التوت شفتيه في ابتسامة متشفية قبل أن يقول بهدوء جليدي
( الا يحق لي ؟!! ........ )
ارتسم اصبعه في خط طويل على طول فكها قبل أن يقول بصوتٍ أقسى نبرة
( بل كل الحق لي ....... فهناك قواعد للعبة ستلتزمين بها بدئا من هذه اللحظة .... )
اتسعت عيناها بعدم تصديق ... و دوى قلبها في قصفٍ كالمدافع الا أنه لم يترك لها الفرصة للرد و هو يجذبها باستهانة الى السيارة ففتح الباب الأمامي ليدفعها كي تسقط جالسة ... و لم ينسى أن يرميها بنظرة سخرية عابثة وهو يرمق ساقيها و هي تحاول مرعوبة من تعديل فستانها القصير ... لكن من بين السخرية كان غضبا أسودا محتجزا و كأنه مارد في قمقم يوشك على الخروج بكل براكين العنف بداخله ....
الا أنه لم يتكلم ... بل صفق الباب خلفها ... ليدور حول السيارة و يدخل منطلقا بها بعنف ....
كانت ترتجف من قمة رأسها و حتى أخمص أصابع قدميها ....... تشعر و كأن الظلام من حولهما يطبق عليها ... يخنقها ببطىء .....
أغمضت عيناها للحظات و هي تضم ذراعيها الى خصرها ... تحاول تحمل الصمت و الظلام الخانقين ... الا أن ارتجافها حال دون محاولة السيطرة على ما تشعر به في تلك اللحظة ...
فالتفتت تنظر الي ملامح وجهه الجانبية ... و التي كانت تضيء و تظلم مع أعمدة الإنارة التي كانت تجري على جانبي الطريق أثناء انطلاقهما ...
و كانت لمحة الضوء كل ثانية ... تظهر لها أي مصير مظلم ينتظرها على يديه ....
كانت حمقاء حين تخيلت للحظة أنه قد يلقيها ببساطة كمجرد قذارة التقى بها و انتهى الأمر سريعا ....
ابتلعت ريقها بضعف لكن ارتجافها لم يكن شعورا بالخوف حقيقة بقدر ما كان اختناق من شدة الإزدراء الذي يعاملها به
و حين شعرت بأنها لا اتستطيع تحمل الصمت للحظة اضافية اخرى همست بصوتها الخافت الأجوف
( على ماذا تنوي ؟؟ ........ )
ظنت للحظةٍ بأنه لم يسمعها فملامحه كانت صلبةٍ لم تتحرك بها عضلة واحدة ...
لكنه التفت اليها بعد فترة ... يرمقها بنظرةٍ غريبة , قبل أن يقول بهدوءه الذي جعل جسدها يقشعر بشدة
( أنوي إكمال اللعبة ....... )
ازدادت سرعة تنفسها قليلا , قبل أن ترد بصوتٍ يرتجف
( توقف عن تلك الحماقة ..... لقد نلت انتقامك مني و انتهى الأمر , فلا تتمادى أكثر .... فلن تربح شيء سوى تلويث اسمك ....... )
ضحك ضحكة خافتة ... جعلتها ترتجف بشدة , قبل أن يقول بصوتٍ مشتد كالوتر
( و ما هو التلوث في الإقتران بمن هي مثلك ؟..... ألم تكن كل زيجاتك في الحلال ... )
عضت على شفتها و هي تتنفس تنفسا يكاد أن يكون لهاثا بعد عدوٍ سريع .... لكنها أجابت بصوتٍ كالوتر
( نعم أنا لم أخطىء يوما ..... لقد تزوجت ... لكنى أتحدث من وجهة نظرك و نظر من حولك , لا يمكن أن يصل شر الإنتقام بك الى تلك الدرجة في التهور ...... )
ازدادت ابتسامته قساوة ... و اختفت الإضاءة لمسافة طويلة ... فعم الظلام التام بينهما , مما زاد من ارتجافها و هي تتخيله يتخلى عن القيادة ليطبق على عنقها و يمتص روحها متلذذا بعذابها .....
الا أن تكلم بمنتهى الهدوء و الخفوت ... بنبرةٍ تحمل من القسوة و السخرية و ...... وشيء آخر مخيفا أكثر ....
( لقد أغفلتِ حقيقة هامة ........ )
فنظر اليها في الظلام .... ليقول بصوتٍ أكثر خفوتا و لذة في الشر
( وهو أنني أريدك ........ و منذ فترةٍ طويلة , لذا قد أحصل عليك بأي طريقة ...... )
رفعت يدها المرتجفة الى عنقها و هي تتنفس بصعوبةٍ و ارتجاف من اعترافه الخافت الذي بدا و كأنه تهديد بالقتل ... و ليس المتعة ....
لكنها همست بصوتٍ يرتجف ...
( و إن رفضت ؟؟ ................. )
عاد لينظر اليها مرة أخرى قبل أن يقول مبتسما بهدوء
( بل ستوافقين ............... )
رمشت عيناها عدة مرات قبل أن تهمس بصوتٍ أجوف كالناقوس
( هل هذا تهديد بالإغتصاب مثلا ؟!!! ......... )
عاد لينظر اليها مرة أخرى .. قبل أن ينظر الى الطريق بملامح غريبة , بدت لها مرعبةٍ في تلك اللحظة .. مما جعلها تفكر في أنها ربما لم تعرفه حقا من قبل ... ربما من كان في الرحلة مجرد شخص يرتدي قناع لطيف ليوقع به الفتيات .... لكن ... قلبها .... في زاوية عميقة منه , رفض تصديق هذا ...
رد وليد بصوت قاتم رغم السخرية الظاهرة به
( و ما حاجتي للإغتصاب ؟!! ...... أنتِ أسهل من ذلك يا شيراز ..... )
لم تستطع منع نفسها من قذف كلمتها في وجهه بعنف هامس بينما الدموع تغزو عينيها بشدة
( أنت سافل .... قذر ..... )
لم يرد عليها ... و لم يلتفت اليها حتى ... و بدت ملامحه تزداد قتامة لكنه لم يفقد ابتسامته وهو يقول بهدوء
( أنصحك الا تزيدي يا شيراز ..... لأنكِ ستدفعين ثمن كل كلمة ... و أنا أشفق عليكِ من الثمن )
فغرت شفتيها و هي تنوي صب المزيد من بذاءة لسانها عليه ... لكن لأول مرة ينتابها الخوف ...
فضمت شفتيها ببطء و هي تبتلع ريقها ..... فقال بهدوء
( أحسنتِ ..... لكن تذكري هاتين الكلمتين , فما خرج من شفتيكِ لن يعود ...... )
كان قد وصل الى بيتها فأوقف السيارة في الظلام ... و سكن مكانه عدة لحظات قبل أن يستدير اليها بضخامته في الظلام فتراجعت رغما عنها تلتصق بباب مقعدها .... حينها ضحك بسخريةٍ خافتة قبل أن يقول بازدراء
( ماذا ؟!! ..... أتظنين أننني قد اهجم عليكِ هنا و الآن ؟!! ...... )
ارتجفت أكثر ... و أستعدت يدها لأن تقبض على مقبض الباب و تهرب في السيارة عند أول حركةٍ تبدر منه
الا أنه عاد ليبتسم في الظلام ابتسامة شريرة وهو يقول بخفوت
( لا .... لن أمنحك متعة الشعور بدور الضحية المنتهكة ...... أما في الحلال !!! ....... )
صمت قليلا و قد اختفت ابتسامته وهو يتطلع بقوةٍ الى عينيها الخضراوين المتسعتين بذعر ... ثم تابع بصوتٍ أكثر خفوتا
( في الحلال ..... ستكونين ملكي , و أعدك أنني لن أرحمك وقتها ....... )
فغرت شفتيها بصمت ... ليحرج من بينهما نفس مرتعش ...بينما تابع بصوتٍ كان يفتت عظامها واحدة تلو الأخرى
( و سأتلذذ بكل لحظةٍ .. انتِ فيها بين يديّ ........ )
ساد صمت طويل خانق بينهما .... كانت شيراز تجاهد فيه كي تتنفس ...فقط تتنفس من هول الإشارات التي تصلها منه .... و ما أن وجدت صوتها أخيرا حتى همست بنبرةٍ مختنقة ترتجف .... لا تكاد أن تسمع ...
( لا أصدق أن.... أنك ..... ستتزوجني بالفعل ....... )
عادت ابتسامته لتتسع بشراسة قبل أن يقول بهدوء
( اطمئني حبيبتي ..... ستحصلين على قسيمة الزواج قبل أن احصل عليكِ ..... )
عادت لتفغر شفتيها مرة أخرى و بذهول أكبر .... هل هذا حلم وردي أم كابوس أسود ؟!!!
هل حقا سيتزوجها وليد ؟!!! ....... هل ستصبح زوجته ؟؟ .... و تكون بين ذراعيه بالحلال ؟!!
هو من تمنته أكثر من أي رجلٍ آخر قد تكون رأته في حياتها كلها !!.......
كانت تنظر اليه في الظلام بعينين متسعتين ..... لكنها انتفضت حين قال بهدوء بدى كرصاصة شقت سكون الليل بينهما
( كم تريدين ؟؟ ............)
شعرت و كأنه لكمها بقوة .... لكنها تمالكت نفسها و هي تهمس بارتعاش
( ما....... ماذا ..... تقصد ؟!! ....... )
التوت شفتيه قليلا بسخرية ..... قبل أن يجيبها بهدوء طبيعي موضحا
( مهرك ....... بكم تقدرينه ؟ ......... )
ظلت تنظر الى ملامحه قليلا .... نعم هي نفس الملامح التي عشقتها في وقتٍ قياسي .... لكن الصوت صوت شيطان ......
من المؤكد أنه يقول نفس الشيء عنها في تلك اللحظة ......
أسبلت جفنيها و أخفضت وجهها دون أن تجد القدرة على الرد ...... الا أنه لم ينتظر ردها حقا فقد تكلم بمنتهى العملية و الهدوء .. ضاربا لها رقما سيودع باسمها في المصرف
رفعت شيراز وجهها منتفضة بعينين متسعتين و هي تسمع منه هذا الرقم و الذي فاق ما ربحته من زيجاتها الثلاث .... بينما كان وليد ينظر اليها بطريقة جعلت مجرد نطقها لأي كلمة سيكون الطريق لهلاكها ....
ثم تابع بهدوء
( و سيكون لكِ بيت ..... لكنك لن تحصلي عليه الا بعد انتهاء زواجنا ,..... هذا إن انتهى .... )
لم يستوعب عقلها العبارة الأخيرة ..... فقط سؤال قاسي كان يطوف بعقلها كخناجر تتلاعب به بوحشية
فهمست بصوتٍ ميت
( ما هي ........ مدة هذا الزواج ؟؟ ........ )
لم يرد عليها .... بل كانت نظرته المزدرية أكثر من كفيلة بأن تجعلها تخرس تماما و تمتقع ملامحها ... الا أنه تكلم بهدوء ليقول
( لن نتفق علة مدة معينة .... أعتقد أنني سأدفع ما يمنحني الحق كي أنهي هذا الزواج وقت أن أريد أنا ..... )
أخفضت رأسها ببطىء .... و هي تدور بداخل دوامة عنيفة , دوامة من تحقير الذات و الشعور بالذل و المهانة ... لكن بها خيط رفيع ... خيط رفيع يدور حولها من عدم التصديق بأنها ستصبح زوجته ... ولو لفترة .... رغبتها في أن تحمل اسمه ولو ليوم واحد فاقت انبهارها بالربح الذي ستناله من هذا الزواج ...
قال وليد فجأة بلهجة باردة واثقة
( هاتي مفاتيح سيارتك ......... )
رفعت رأسها فجأة تنظر اليه بوجهٍ ممتقع لتقول بخفوت مهتز
( ل.... لماذا ؟؟ .......... )
رد عليها بجفاء
( من الآن ستنفذين ما يطلب منكِ دون مناقشة ..... هذا الزواج سيتم وفق شروطي .... و الطاعة هي أولها )
مد اليها راحة يده المفرودة منتظرا دون أن يضيف المزيد
ففتحت حقيبتها الصغيرة بأصابع مرتجفة ... لتلتقط منها سلسلة مفاتيحهها و تعثرت بشدة و فشلت أكثر من مرة في اخراج مفتاح السيارة منها ...و ما أن نجحت أخيرا حتى رفعت يدها ببطء كي تضع المفتاح في يده .. لامست أصابعها باطن كفه ... فرفعت عينيها الملتاعتين اليه ... الا أن وجهه كان عبارة عن قناع صلب مخيف لا يحمل أي أثر للرحمة .... وهو يقبض على المفتاح ليضعه في جيب سترته باهمال ... وهو يقول
( ستستردينها في حالة انتهاء زواجنا .......... )
كانت تنظر اليه بعينين ضائعتين ... ثم همست بخفوت ميت
( الا تريد مفاتيح شقتي أيضا ؟!! ...... )
نظر اليها مبتسما ببرود ليقول ببساطة
( سآخذها منكِ ........ بعد عقد قراننا لن يكون لكِ حاجة بها مؤقتا .... فستأتين معي .... الى بيتي .... )
كلمة " الى بيتي " ... خرجت منه مخيفة كتهديد واضح جعلها ترتجف و تبتلع ريقها .. و مع ذلك لو كان يقصد ارعابها .. فهو لم يفلح تماما .... خوفها الحقيقي كان متمثلا في السؤال الذي نطقت به بخفوت بعد فترة
( لا زلت لا ..... أصدق أنك ستفعلها .... و تتزوجني ...... )
نظر اليها ليبتسم بإزدراء وهو يقول بهدوء
( هل أنتِ يائسة لتلك الدرجة ؟!! ..... يجب عليكِ التحلي بالثقة حين تعرضين بضاعتك ... كي يزداد ثمنها )
كانت لكمة أخرى أطاحت بروحها بعيدا ... الا أنها أجابت بالموافقة على سؤاله دون صوت
نعم هي يائسة .... يائسة جدا ..... تريد أن تتزوجه و تحمل اسمه مهما بلغ الثمن الذي ستدفعه ..... و هذا شعور ... لم تشعر به من قبل مع أي رجل .... و لا مع أي من أزواجها السابقين .....
حتى شاكر .... زوجها الثاني الذي يمثل لها كل الأمان و الحنان ... كانت مشاعرها تجاهه تختلف عما تشعر به تجاه وليد .... فهي لا تريد منه الآمان ... لا تريد منه أي شيء .... تريد فقط أن تحمل اسمه ... تكون زوجته ليوم واحد .... تريد أن تجرب احساس أن تكون زوجة لرجل أحبها بصدق ذات يوم ....
رفعت عينيها اليه بصمت تتأمل ملامحه القاسية .. الا أنه نظر أمامه وهو يتمسك بالمقود قائلا بجفاء
( انزلي الآن ..... ادخلي الى سريرك و فكري في أنكِ ستصبحين زوجتي خلال يومين ... و حينها قد تبدأين في التصديق بالفعل ..... هيا اخرجي .... )
ظلت تنظر اليه بخوف ... تريد أن يطمئنها بكلمة , أي كلمة ... و لو من باب الشفقة ....
الا أنه كان صلب الملامح بدرجةٍ فظيعة .... مما جعلها تلتفت بعيدا عنه و تفتح الباب لتخرج من السيارة ببطىء ... لكن ما أن أغلقت الباب خلفها حتى سمعت صوته الآمر
( شيراز ....... )
عادت لتنحنى الى زجاج النافذة المفتوح ... تتشبث به بقبضتيها و هي تنظر اليه بأمل يائس ... الا أنه قال دون أن ينظر اليها ...
( منذ هذه اللحظة ..... اياكِ و أن تخطي خطوة دون علمي ..... أو الإتصال بأيٍ ممن عرفتيهم سابقا .... )
ظلت تنظر اليه عدة لحظات ... قبل أن تقول بصوت ميت
( أنت لست زوجي بعد ....... و يمكنك الرحيل وقت تشاء .... )
" و أنا سأموت من بعدك " .... لكنها لم تنطق بعبارتها المعذبة ... بل ظلت تنظر اليه بعينيها الضائعتين ... بينما التفت ينظر اليها ببطىء .... و مضت فترة قاتلة قبل أن يقول بهدوء خطير
( العبي أوراقك بشكل صحيح يا شيراز ..... فلو رحلت فسأعمل على افساد كل زيجة لكِ لا توافق رضاي .. و حينها ستعيشين حياتك مشردة حتى النهاية كما كانت بدايتها ..... )
هبت ريح عاصفة من حولها و كأنها تساعده في بث الارتجاف فيها في تلك اللحظة ....
ظلت تنظر اليه وهو يبادلها النظر باستهانة .... بينما كان تنفسها يتسارع بزيادة رهيبة .... الى أن قالت أخيرا بفتور تشوبه بعض القسوة الدفينة
( بدايتها ليست ذنبي ........... اياك و محاسبتي عليه ..... )
ظل ينظر الى وجهها الشاحب في الظلام طويلا ... دون أن تتغير ذرة من ملامحه ... قبل أن تستقيم و تستدير مبتعدة عنه لتسرع الى الداخل بناية سكنها .....
كانت كشبح ضئيل قصير يجري في الظلام بفستانها الاسود و معطفها الذي يماثله لونا و هي تضم جسدها بذراعيها .... بينما خصلات شعرها المتطايرة الفاتحة كانت الروح الوحيدة في منظرها ......
الى أن أختفت من أمام عينيه المحتقرتين .... أو ربما اللتين اتخذتا الإحتقار كساتر للغضب الأسود خلفهما ...
.................................................. .................................................. ......................
جلست كرمة في مقعدها كتلميذة مرتبكة .... و هي تتطلع بتوتر و أمل عصبي الى الطبيبة ودودة الملامح التي تجلس قبالتها ....
أخذت تفرك أصابعها بعصبية و هي تتسائل أين ذهب أملها الحيوي المتوهج و ثقتها هذا الصباح ...
لماذا تبدو الآن و كأنها تنتظر نتيجة عمرها ؟! ......
لم تخبر حاتم عن حملها حتى تتأكد .... بالرغم من أن كل الظواهر تدل على أنها حامل , لكن مع ذلك كان هناك شيئا يقبع في داخلها يخبرها بأن هذا الحمل بعيد المنال ... لا تعرف لهذا الهاجس سببا ...
لذا أصرت على الا تقوم باختبار حمل منزلي ... و الا تخبر حاتم , بل قررت الذهاب الى الطبيبة رأسا ... حتى تؤكد لها ما يطمئن و يسعد قلبها ...
رفعت الطبيبة وجهها المبتسم اخيرا تنظر الى كرمة التي اجابتها بابتسامة كذلك لكن مهتزة و عصبية و هي تسأل بتوتر
( اذن ؟!! ........... )
مالت ابتسامة الطبيبة تعاطفا و هي تقول برقة
( لا سيدة كرمة .... لستِ حامل بعد .... )
هوت روح كرمة فجأة بتأثير هاتين الكلمتين الصاعقتين ... فبهت وجهها و ضاعت ابتسامتها العصبية و هي تنظر الى الطبيبة منتظرة أن تضحك فجأة و تخبرها بأنها كانت تمزح معها فقط و أنها بالفعل حامل
لكن هذا لم يحدث ... و في داخل نفسها عميقا ... كان شيئا ما يتوقع هذه الجملة ....
حاولت كرمة الكلام عدة مرات ... فبدا صوتها مبحوحا مهتزا ... الا أنها نجحت في النهاية في السعال قليلا و هي تهز رأسها لتقول بصوت خافت
( ك ...... كيف ؟!! ..... لقد كانت كل الظواهر ........ )
ابتلعت باقي كلماتها الباهتة ... الا أن الطبيبة تابعت بدلا منها و هي تقول برقة
( مجرد تأخر بسبب التوتر .... على الأرجح أنتى شديدة الإنتظار و القلق بسبب الأمر .....)
صمتت للحظة تنظر الى وجه كرمة الشاحب .... فضحكت قليلا و هي تقول بتعاطف
( سيدة كرمة .... لقد كانت عدة أيام فقط من التأخير , هذا بخلاف أنكِ متزوجة منذ ما يقرب من شهرين فقط ......)
عادت لتصمت مجددا و هي تنظر الى عيني كرمة الدامعتين ثم تابعت بلطف ....
( من التحاليل التي أجريتها لكِ .... أستطيع أن أؤكد لكِ أن كل شيء على ما يرام ... لكنك تمرين بما يشبه مرحلة تكاسل ضئيل .... نظرا لتأخر الحمل في حياتك .... لذا مع بعض المتابعة و علاج بسيط سيكون كل شيء على ما يرام حقا ...... )
صمتت و هي ترى كرمة تنظر اليها بهدوء .... تومىء برأسها بتفهم , الا أن وجهها كان مغرقا بدموع ناعمة صامتة ..... فهتفت الطبيبة بتعاطف
(سيدة كرمة !!!! ..... أنتِ سيدة مثقفة و تدركين أن الحمل أحيانا لا يتم بهذه السرعة خاصة في وجود كل هذا القلق ...)
ضحكت كرمة بحزن دون مرح ..... و هي تبكي بصمت ... لكنها أومأت و هي تقول مبتسمة من بين دموعها
( نعم ......نعم .... أنا انسانة مثقفة , تبكي لأنها تأخرت في الحمل من الشهر الأول ...... )
عادت لتضحك بأسى و هي تمسح دموعها ..... و هي تدرك ذلك الطعم الصدىء المتخلف في حلقها و الذي كان يخبرها بأن شيئا ما بداخلها كان يجعلها متأكدة بأنها ستعاقب .... لأنها لم تتحمل زوجها كما ينبغى لأي زوجة أن تحتمل و تصبر حتى آخر العمر .......
نهضت ببطىء ... فنهضت معها الطبيبة و هي تسلمها التقرير الخاص بها قائلة برقة
( سنتابع معا منذ اليوم ...... لكن أهم شيء أن تلقي بهذا القلق من حياتك )
أومأت كرمة برأسها مبتسمة بمرارة دون أن تجيب ... بينما مدت يدها لتمسح المزيد من دموعها الناعمة .....
خرجت تسير بتثاقل .... و ملفها الخاص يتأرجح في يدها المتساقطة بتهدل ,
وقفت مكانها عدة لحظات تلتقط النسيم البارد قبل أن تصل الى السيارة و السائق عبر الطريق الآخر ....
أغمضت عينيها و تسمح للهواء بأن يضرب وجهها بقوةٍ عله يهدىء من احباطها المثير للرعب ....
كم كان جسدها يصرخ شوقا لجنين يضمه أخيرا بين أضلعها .....
ياللهي !! .... لقد انتظرت طويلا ... طويلا جدا ......
ارتجفت شفتيها و هي تحاول تهدئة صدرها المضطرب ألما و إحباطا .... مجرد انتظار شهرا آخر يبدو لها و كأنه الجحيم بعينه ....
همست من بين شفتيها المرتجفتين ...
( ثلاثون يوما .... و ربما ثلاثين بعدهم ..... ثم ثلاثين آخرين بعدهم ...... )
أطرقت وجهها دون أن تفتح عينيها و هي تهمس بحزن
( و ربما أبدا ....... لأنني لا أستحق ..... )
رفعت وجهها الشاحب الحزين تنظر بعيدا و هي تتلمس وجنتها بيدها المرتجفة تفكر بحزن
كم من زوجٍ سمعت عنه .... يتخلى عن زوجته التي لا تنجب , لتمر الأيام و السنوات و لا ينجب من أخرى كما تخيل ....و العكس صحيح .... إنها تصاريف القدر .....
عاد نفسها ليرتجف و هي تهمس بأسى مغمضة عينيها
( يا رب سامحني ...... لكنك تعلم أنني لم أتخلى عنه لهذا السبب .... يا رب أنت تعلم ..... )
انتفضت فجأة على صوت رنين هاتفها فابتلعت تلك الغصة المسننة في حلقها و مسحت آخر دمعة فوق وجهها البارد ... لتلتقط هاتفها و تنظر الى اسم حاتم الملح في طلبها ....
أخذت نفسا قبل أن تجيب بخفوت
( مرحبا يا حاتم .......... )
انفجر صوته بغضب وهو يهدر قائلا
( أين أنتِ يا كرمة ؟!..... لقد تأخرتِ جدا ......لقد كدت أن أجن قلقا .. )
نظرت الى ساعة معصمها بسرعة ... فهالها أن يكون الوقت قد مر بهذه السرعة و ازدحام عيادة أشهر طبيبة نسائية كان السبب في تأخيرها الى مالا نهاية .... الا أنها كانت في حالة من عدم الإحساس بالوقت
أسرعت كرمة الخطا كي تعبر الطريق و هي تقول بأسف
( أنا آآآآسفة يا حاتم ..... آآآآآسفة جدا .....أنا في الطريق ...دقائق فقط و أصل .... )
قال حاتم بغضب من بين أسنانه
( أين أنتِ ؟؟ ............ )
توقفت للحظة .... و شعرت بالإحباط يداهمها من جديد , ماذا ستقول له الآن ؟!! ...... كانت تنتظر أن تفاجئه بأجمل هدية في العمر .... فهل تطلعه الآن على المزيد من خيباتها !!
أخذت نفسا حزينا قبل أن تقول بارتباك
( لقد ضاع الوقت في التسوق مع فريدة ...... و لم أنتهى الا الآن ... أنا حقا آسفة .... )
ساد صمت طويل .... دون أن يجيبها , فعقدت حاجبيها و هي تقول بتوتر
( حاتم !! ............ )
رد عليها بصوت غريب هادىء
( أريدك هنا في البيت الآن ............ )
قالت بقلق و هي تقبض أصابعها
( حاضر ...... انا في الطريق ...... حاتم هل أنت غاضب ؟؟ ....... )
قال بصوت قاطع
( لا مزيد من الكلام الآن يا كرمة ......... )
ابتلعت ريقها و هي تقول بخفوت و توتر
( حاضر ............. )
أغلق الخط دون أن يودعها أو أن يطمئنها بصفة تحببية مما اعتاد أن يمطرها بها ... فانقبض صدرها ... لن تحتمل أي غضب اليوم .... لكنها باتت تقريبا شبه واثقة بأن حات غضبه مهما كان عاصفا الا أنه لا يتعدى الحدود الآمنة ....
جلست في السيارة التي انطلقت بها بسرعة .... و هي تفكر بشرود
" لكن لا يجب أن تعتمدي على ذلك طويلا ...... فلا تضغطي عليه أكثر من اللازم "
أثناء سير السيارة بها .... و هي تجلس شاردة ساهمة بالإحباط المتنامي بداخلها .... لكنها فجأة استقامت جالسة بقنوط و هي تتذكر بأنها مدينة لحاتم بمفاجأة كما وعدته
زفرت بقوة و هي تتسائل عما ستفعله الآن .... حينها نظر السائق اليها في المرآة متسائلا
( هل هناك مشكلة سيدة كرمة ؟؟..........)
رفعت كرمة عينيها تنظراليه بقنوط ... ثم قالت بخفوت
( احتاج المرور على عدة أماكن قبل الوصول الى البيت يا حسن من فضلك ......)
دخلت كرمة البيت بعد فترة اطول مما ظنت ... و كان الليل قد حل بعدة ساعات ....
الارهاق النفسي و الجسدي كانا ينلان منها لكنها أجبرت نفسها على الأبتسام ما أن فتح لها محمد الباب .. فقالت ببشاشة مزيفة
( مساء الخير .... ماذا تفعلان بدوني ؟؟ ......إياكما أن تكونا سعيدين )
رفع محمد احدى حاجبيه وهو يشير بعينيه اشارة تحذيرية لها , فارتجفت مفاصل كرمة و هي تدرك أن الوضع غير مبشر ...
سلمت اللفة في يدها الى محمد بحرص و هي تقول بهمس خافت
( هل والدك غاضب جدا ؟؟ ........ )
اقترب منها ليهمس بحذر
( انه يستشيط غضبا وهو على وشك قتل أحدهم .... و لقد ضقنا به أنا و أمينة و نتمنى خروجه من البيت بصراحة ..... )
انتفض قلب كرمة بقلق أكبر ... لكنها عقدت حاجبيها و قالت بصرامة
( عيب يا ولد .... خذ هذه وضعها على طاولة المطبخ بحرص ..... و هذه أيضا لكن خبئها أولا ..... )
نظر محمد الى الأشياء التي تناولها من كرمة بفضول وهو يقول
( هل أحضرتِ لي شيئا ؟؟؟ ........... )
أجابت و عيناها تبحثان عن حاتم بقلق ...
( لا .... اليوم احتفال بيوم ميلاد والدك الذي تجاهلناه منذ فترة حتى أصبح منظرنا غاية في النذالة .... )
رفع محمد حاجبيه وهو يقول بدهاء
( آآآه .... ذلك الذي اخترعناه لأنكِ تسببتِ في مصيبة سابقة , على ما يبدو أنكِ ستتخذين من يوم ميلاده حجة لمداواة مصائبك مرة بعد مرة ... )
عقدت كرمة حاجبيها و هي تضربه على رأسه كما يفعل حاتم قائلة بصرامة
( تأدب يا ولد ...... هيا اذهب الى المطبخ و سأترك لك مهمة اخراج الموقف لقد عينتك مساعد مخرج في الكوارث .... فأنا مرهقة جدا ..... )
ابتعد محمد بأدب ... الا أنها عادت و جذبته من ذراعه لتقول بضعف مبتلعة ريقها بتذلل للصبي الصغير
( محمد حبيبي ...... هل وصل غضب والدك لمرحلة أن كسر شيئا في البيت ؟؟ ...... )
تظاهر محمد بالتفكير .... فتوهج الرعب بداخل كرمة و هي تنتظر الإجابة ... تتنفس بسرعة ... الى أن أجاب محمد أخيرا
( لا ...... لكن أعتقد أنه يدخر مجهوده لرأسك ..... )
عقدت كرمة حاجبيها أكثر و هي تشعر بخوف أحمق .... يدها تتلمس وجنتها دون وعي .... لكنها عاتبت نفسها على انخداعها بعبث محمد فدفعته و هي تقول بحزم
( هيا اذهب قبل أن أبدأ برأسك أنت ....... )
ابتعد محمد .... بينما استقامت كرمة و هي تحاول اخذ نفسا مرتجفا لتهدىء من نفسها .. لكنها لم تنسى أن تلقي نظرة على وجهها و شعرها في المرآة القريبة من الباب ... و هالها أن تكون عينيها لا تزالان حمراوين و مجهدتين ... ووجهها شاحب ...
زفرت بقنوط مجددا و هي تفكر كم كان سيكون الأمر مختلفا لو كانت الآن عائدة الى حاتم طائرة على سحب السعادة لتبشره بخبر الحمل ... ليحملها كالأفلام و يدور بها ..... و تأمره بعنف الا يفعل خوفا على الجنين الذي طال الإنتظار اليه .....
مالت عيناها الجميلتان بحزن و هي ترفع يدها لتتلمس بطنها المسطحة بأسى .... كان هنا ... كانت متأكدة من وجوده ... كانت تشعر بقلبه ينبض تحت قلبها .... فكيف خدعها احساسها بتلك الطريقة المثيرة للشفقة ....
تنهدت بحزن غريب أكبر بكثير من الموقف نفسه ...
لكنها رسمت ابتسامة واسعة على شفتيها و هي تحاول أن تمحو ذلك الحزن كي تواجه حاتم ....
ثم تركت المرآة لتحث الخطا اليه ... بحثت عيناها عنه في كل مكان الى أن وجدته جالسا أمام مائدة الطعام
فتوقفت مكانها للحظات .... كانت ملامحه غامضه , .... جامدة بشكل مقلق , الا أن الغضب كان باديا في عينيه بوضوح
ابتلعت كرمة ريقها ... لكنها اقتربت منه بمرح لتقول و كأن شيئا لم يكن
( كيف حال صغيريّ الضائعين بدوني ؟؟ ...... )
انحنت اليه كي تقبل شفتيه بمبادرة لم تعتد عليها معه ... الا أنه أبعد وجهه فسقطت قبلتها على وجنته الحارة ...
استقامت كرمة و قد بهتت ابتسامتها من ردة فعله .... شيئا ما في حركته البسيطة آلمها بقوة , الا أنها ابتلعت ألمها بشجاعة و هي تسحب كرسيا لتجلس بجواره .. ناظرة اليه بصمت , قبل أن تقول بوداعة مهتزة
( ألن تكلمني مجددا ؟؟ ........... )
لم يرد عليها .... و لم ينظر اليها , لكن ملامحه كانت تشتد ..... فهمست كرمة بخفوت و هي تمد يدها لتضعها في يده الموضوعة على سطح المائدة ....
كانت قبضته جافة ... صلبه , لم تطبق على يدها كما اعتادت منه ... فهمست بقلق
( حاتم ....... حاتم ..... كل هذا من أجل يوم واحد تأخير ؟!! ........ لست طفلة .... )
حينها نظر اليها نظرة قوية جعلتها تصمت و تبتلع ما كانت تنوي أن تتابع به .....
الى أن قال أخيرا بدون مقدمات ..بصوت جاف صلب
( أين كنتِ ؟؟ ............... )
توترت قليلا ... لكنها قالت بخفوت أكثر
( أنت تعلم أين كنت ...... كنت مع فريدة و طال بنا الوقت دون ان نشعر .... هل يجعلني ذلك متهمة بشيء ما ؟!!....... )
عادت لتصمت أمام نظرة عينيه .... لم يتكلم , فقط نظرة عينيه كانت أكثر من كافية ....
حينها أخفضت عينيها أمام قوة عينيه .... و هذا هو ما أراده ... لقد قضى معها فترة أدرك خلالها أنها فاشلة كل الفشل في الكذب مهما حاولت ... و مجرد أن ينظر اليها حتى تنهار كذبتها ....
و هذا هو ما فعلته الآن ... فمجرد أن نظر اليها حتى خفت صوتها و اختفت آخر كلماتها مع احساس واضح بالذنب ....
فما لا تعرفه أنه هاتفها عدة مرات ... لكن هاتفها كان غير متاحا و ما أن هاتف فريدة ليطمئن عليهما حتى أخبرته أنها تركتها منذ وقت طويل .....
حينها عاش أكثر لحظة مرعبة في حياته وهو يتخيل أسوأ ما قد يكون حدث لها .... و هنا شعر أنه سيموت لو حدث لها مكروه ...
كل ذلك انتابه خلال لحظتين فقط ...... قبل أن يفعل أكثر ما قد يثير غضبها في العالم .. فاتصل بالسائق ليسأله عن مكانهما ....
يعلم جيدا حساسيتها من هذا الأمر نظرا لما تعرضت له من قبل على يد ..... طليقها..... بسبب شكوكه و ظنونه ., خاصة الفضيحة التي افتعلها مع السائق من قبل ....
لكنه في تلك اللحظة لم يأبه لحساسيتها ... كان كل همه أن يطمئن بأنها بخير ...
و بالفعل أخبره السائق بهدوء أن السيدة أخبرته أن لديها موعد هام و أنه يجلس في السيارة ينتظرها ....
الله يعلم مقدار السيطرة التي تكبدها بعذاب على نفسه كي لا يذهب الي المكان الذي ينتظر به السائق ....
بينما هو يجلس هنا منذ تلك اللحظة .... ينتظر ....و ينتظر .... و ما أن أصبح هاتفها متاحا أخيرا , حتى أخبرته بأنها كانت مع فريدة .... و أغفلت ذكر "موعدها الهام ".....
رفعت كرمة عينيها الي عينيه في تلك اللحظة بصمت ..... بينما كان هو ينظر اليها مفكرا .... و صدره يتضخم بشعور حارق يهدد بتدمير كل شيء .....
ما يعلمه حق اليقين هو أنه يثق في كرمة ثقة عمياء ..... لن يفقد ثقته بها أبدا , فعلى الرغم من قصر معرفته بها .... الا أنه يدرك جيدا مدى نقائها و براءة روحها ......
اخلاصها لطليقها كان الألم الذي ينحر جسده من بعيد .... و هو يراقب كل تلك الدرجة من الحب و التفاني من قبلها كزوجة على الرغم مما كانت تناله على يديه في المقابل ....
لكن المسألة ليست مسألة ثقة ..... انها لا تزال حتى الآن تقيم الحواجز بينهما ... تبعده عن بعض زوايا حياتها ....
و هذا يقتله ..... يقتله ببطىء و يجعله راغبا في اقتحام كل خلاياها ليسكن بها طاردا غيره ......
أما أن تذهب أيضا الى اي مكان دون علمه !!! .... فهذا ما لن يتسامح به أبدا , خاصة بعد المرة الأخيرة و التي لا أثرها في نفسه قويا لا يبارحه على الرغم من مهارته في اخفاء هذا الجرح .....
ضيق عينيه وهو يحاول بكل قوته ابعاد غضبه عنها كي لا يفزعها ... ثم قال بصوت هادىء غريب
( هل هناك ما تريدين أخباري به يا كرمة ؟؟ ......... )
ارتجفت شفتي كرمة و هي تنظر اليه ... عند هذه النقطة لم تستطع أن تتابع عفويتها المفتعلة ...
فهزت رأسها نفيا ببطىء ... و هي تخفض رأسها لتتلاعب بإصبعها فوق سطح المائدة و قد رسم الحزن محياها ....
بينما كان غضبه يزداد ... و يزداد .... و ألم السيطرة عليه يفوق قدرته ....
رفعت كرمة لتقول بصوتٍ به نبرة أمل يائسة محاولة الابتسام بمرح ....
( هل تناولتما طعام الغذاء ؟؟ ...... لو كنتما تنتظراني فسأحضره خلال دقائق .... اتفقنا ؟؟ ... )
حينها اشتعلت عيناه بقوةٍ جعلتها تشهق خاصة و قد اندفع واقفة بقوةٍ جعلت الكرسي يتراجع للخلف بصوتٍ عالي ... فأمالت وجهها تلقائيا بخوف
الا أن كل ما قاله هو
( كلي أنتِ و محمد .... فهو ينتظرك منذ فترة طويلة , أنا لست جائعا ..... )
ثم لم يلبث أن هدر بقوةٍ جعلتها تنتفض مكانها برعب
( و توقفي عن إمالة وجهك كلما سألتك عن شيء ..... أنا لن أضربك ..... )
شحب وجهها و شعرت بالإهانة ... لكنها ظلت مكانها تتنفس بسرعة قبل أن تقول بفتور
( ربما لا ..... لكنك لازلت تصرخ ....... )
تسمر مكانه ينظر الى وجهها الشاحب المطرق .... قبل أن يقول بجنون مكبوت من بين أسنانه التي يضغط عليها حتى احمر وجهه و خافت عليه بحق ....
( أنت .... ل ..... م ....أنا لست .... . تبا لكِ ... )
شحب وجهها أكثر و هي تبادله النظر بصمت كان على حافة الجنون و سيطرته تبدو واهية لذا لن تتعجب ان قذفها باقرب شيء امامه و فتح رأسها..فاستدار ليبتعد ... الا أنها قالت فجأة بهدوء
( ستأكل معنا يا حاتم .... و ستلتزم بالقانون الذي وضعته .... )
وقف مكانه دون أن يستدير اليها .... فبدا طويلا ضخما و هي تراقب عرض كتفيه ... و انتابها شعور ملح بالذهاب اليه و اراحة وجنتها على ظهره ... بين كتفيه ... هذا ان استطاعت الوصول اليهما طولا ....
لكن حاتم هدر بجفاء قاتل
( حين تخلين به ..... لا تتوقعي أن يمر الأمر بدون عقاب )
اتسعت عيناها بصدمة .... و بقت تنظر الى ظهره عدة لحظات قبل أن تقول بصوت باهت و كأنه ضربها تماما
( تعاقبني يا حاتم ؟!! .......... )
التفت اليها قليلا .... ينظر الى عينيها المصدومتين و اللتين ضربتاه في مقتل , الا أن غضبه كان أقوى من ضربتهما ... فقال بهدوء
( نعم سأعاقبك يا كرمة ....... )
ثم استدار مجددا ليبتعد عنها ..... الا أنها تبعت فطرتها فقفزت خلفه جريا و فعلت ما تتمناه فارتمت على ظهره و ألصقت وجنتها بظهره ... بينما أحاطت ذراعيها بجزعه القوي ... ووضعت كفيها على صدره تستشعر تلك المضخة القوية تحتهما .....
كان غاضبا و هو محق في غضبه .... لكنها همست و هي تتمسح به كقطة مدللة
( لن يطاوعك قلبك .......... )
كان تنفسه يتزايد و يتسارع ..... بينما غضبه لا يهدأ , لكنه قال بجفاء
( أنتِ واثقة من مكانتك اذن !! ........ )
ابتسمت على ظهره بحزن .... "لا ليست واثقة أبدا "..... تعتقد أنها لن تمتلك الثقة بمكانتها أبدا مهما مرت بها الأيام ....
فهمست برقة
( أنت السبب ............ )
الا أن حاتم لم يتهاون رغم أن ملامحه لانت قليلا ... فقال بجفاء صارم آمر
( أين ذهبتِ بعد أن تركتِ فريدة ؟؟ ........ )
تنهدت كرمة بقنوط على صدره ...ثم همست رغم معرفتها أنها فقط تضيع مجرى الحوار
( ألم تخبرني من قبل أنك تثق بي ؟!! ......... )
حينها دار حول نفسه بجنون وهو يلف خصرها بذراعه بينما يمسك بمؤخرة شعرها بيده ليرفع وجهها المصدوم اليه ... ثم همس الى عينيها المذعورتين
( أنتِ كاذبة ..... تعلمين أنكِ كاذبة و تحاولين الظهور بمظهر المظلومة اليس كذلك ؟!! ...... )
همس على فكها بقوةٍ مما جعلها تستشعر حرارة غضبه بحق
( ماذا أفعل لأكسر روحك الصلبة تلك و أنفذ اليكِ ؟!! ..... ماذا أفعل كي أقتحم كيانك كله و أحتله و أدمغه باسمي للأبد ........ )
كانت ترتجف بين ذراعيه من هول تملكه الذي يظهر جليا حين يفقد السيطرة على هدوءه الظاهري ...
الواقع أن هذا التملك يضايقها .... يقيدها .... و هي في أمس الحاجة الى مساحتها الخاصة ...
ما تريد قوله لا يستطيع سماعه .... و ما لا تستطيع قوله يكاد ينفذ اليها كي يعرفه ....
همست بارتجاف و هي ترفع يدها الى فكه الصلب
( احترت معك يا حاتم ..............)
شيء واحد أمرها الا تتحدث عنه .... وهو طليقها !! .... اذن لماذا تخفي عنه شيئا الآن الا اذا كان الموضوع يخص ذلك الجبان الذي كانت متزوجة منه قبلا .....
الجنون أوشك أن يطيح بعقله حينها .... فهدر و أصابعه تنغرز و تغلق على خصلات شعرها المتموج
( هل كان امرا جديدا يخصه ؟!!!!! ....... )
اتسعت عيناها بذهول و هي تقول بغباء
( يخص من ؟!!! .......... )
هدر حاتم بجنون لدرجة أنها أغمضت عينيها امام صوته القاصف
( يخص طليقك ............ )
هتفت كرمة بغضب
( أنا لا أقبل أن تتهمني بذلك ....... )
الا أن جنونه جعله يهدر بقوة وهو يضمها بذراعه أكثر
( ألم تفعليها من قبل !!! ...... )
ارتجفت شفتيها .... و نظرت اليه بصمت بينما ملامح وجهها كانت متألمة
( لم أظن أن تعيدها يا حاتم .... أترك شعري , أنت تؤلمني ..... )
اتسعت عيناه قليلا بصدمة ... وهاله أن يتكشف انقباض كفه على خصلات شعرها .... فتركها على الفور و كان أن يموت وهو يرها تخفض وجهها بصمت لترفع يدها و تدلك مؤخرة رأسها قليلا ....
حينها لم يستطع الا ان يرفع يده مجددا لتحل محل يدها وهو يدلك مؤخرة رأسها هامسا بصدمة
( هل آلمتك ؟!! ........ )
أرادت أن تجيبه بأن اتهامه آلمها أكثر .... لكنها أكتفت بأن همست بخفوت و طفولية مقصودة
( قليلا ......... )
حينها سحب نفسا هادرا ... جعل صدره يسحق صدرها دون ان تتخلى ذراعه عن خصرها ...
بينما همس بصوتٍ أجش بالقرب من أذنها
( لم أقصد ايلامك ..... كنت .... أشعر بالجنون منكِ و من أفعالك ... )
أغمضت عينيها .....و هي تتمتع بملامسته لمؤخرة شعرها و كأنها قطة ناعمة ... تلك الحركة كانت تحتاجها للغاية بعد احباط اليوم ....
لا تعلم أن الحزن بان على ملامحها الجميلة .... و ذلك الحزن كان كفيلا ليشعل روحه ... يحرقها ...
"امحيه ..... امحي هذا الحزن بالله عليكِ ..... أمحيه لأعرف أنكِ محوتهِ هو ... "
قالت كرمة بخفوت و هي ترفع كفيها الى صدره دون أن تفتح عينيها ...
( أحب تلك الحركة ....... أرجوك يا حاتم .... )
تنهد بقوة .... وهو يشعر بالرغبة في ضربها و ضمها الى صدره في نفس الوقت .... الا أنه لم يتوقف عن تلك الحركة طالما هي في حاجة ... لها .. ....
قال بصرامة خافتة بعد فترة دون أن يتوقف عما يفعله
( أين كنتِ ؟؟ .......... )
لم تفتح عينيها ... لكنها تنهدت بصمت , ثم همست بخفوت
( سأخبرك .......... )
فتحت عيناها اللتان سلبتا قلبه منذ اليوم الأول ... ثم همست برجاء
( الا يمكننا فقط أن نقضي وقتا سعيدا ثلاثتنا .... أنا و أنت و محمد .... أنا في حاجة اليه يا حاتم بشدة )
قال حاتم بصوت قوي
( افتحي عينيكِ ......... )
قاومت عدة لحظات قبل أن تفتح عينيها لتنظر اليه بصمت .... فقال بجفاء على الرغم من هدوء ملامحه بعد العاصفة
( هناك أشياء لن أسمح بها ....... )
همست و هي تومىء برأسها
( أعرف ........ فقط دللني قليلا ثم سأخبرك .... )
صمتت لحظة و هي تلاحظ التهاب عينيه بعاطفة لا يستطيع السيطرة عليها , فتابعت بحزن همسا
( أحتاج اليك ......... )
همس حاتم بصوتٍ أجش وهو يترك رأسها ليلامس وجنتها و يقرصها بخفة
( و أنا هنا ......... تعالي معي الى غرفتنا قليلا ... )
استندت الى صدره و هي تتنهد مجددا .... هامسة
( لا أحب الي من ذلك .... لكن حاليا أحتاج الى أن نقضي الوقت ثلاثتنا )
عبس حاتم ليقول بخشونة وهو يزيد من قرص خدها
( محمد أصبح يشاركني بكِ في كل لحظة ........ )
ابتسمت برقة و هي تقول بصدق
( لا مانع لدي ......... لا مانع أبدا )
عبس حاتم وتنفسه يضربها بقوة و يخبرها بأنه لم يهدأ بعد لكنه قال بخشونة
( لكنني أمانع و بشدة .......... )
ابتسمت كرمة لتقول
( عليك أن تعتاد الأمر و تتقبله أيها الرجل الكبير .... أعرف أنك قادرا على التحمل )
نظر اليها حاتم وهو يهمس اليها دون أن يتجاوز أنينه شفتيه
" آه لو تعلمين ما أتحمله ... و أنتِ لا تزالين تحيين معه هو .... "
عقد حاجبيه بألم وهو يسمع اعترافه لنفسه للمرة الأولى ....
كان يميل بها وكأنه يطبعها على صدره علها تهدىء من وجعه .... و منه كانت تستمد راحتها بعد التعب , لكنها ابتعدت قليلا و رفعت وجهها اليه مبتسمة قليلا و هي تهمس
( سأذهب لأستعد .... لقد حضرت لك المفاجأة التي أخبرتك عنها , ...... ابقى أنت هنا و أياك التحرك من مكانك ..... )
ابتعدت عنه على مضض منه ... حتى أنها أبعدت يديه عن خصرها و المتشبثتين بها كطفل صغير و كم أفرحها هذا الشعور ....
رفعت وجهها قبل أن تبتعد لتقول بدلال
( أم تريد أن آكل وحدي ؟!! ..... لن أكون مسؤولة حينها عن المخزون الإحتياطي في البيت ! .... )
عقد حاجبيه وهو يقول بخشونة
( كان مجرد تهديد ..... لن أسمح لكِ ..... )
ابتسمت برقة و هي تتراجع بظهرها
( بالأكل ؟!!! ........ )
أجابها بكلمة واحدة جدية هزتها الى الأعماق بجديتها و بنبرة القوة في صوته
( وحدك .............)
توقفت تنظر اليه بألفة ..... عيناها تبتسمان له و هي تدرك أنه يضايقها في الكثير ... يكاد يتخلل أنفاسها .. و هي لم تعتد على ذلك من قبل ... حتى في زواجها الأول كانت تقريبا وحيدة و مسؤولة عن كل شيء ... لقد اعتادت المسؤولية و الوحدة ..... لذا حاتم يخنقها بكل صراحة ... يكاد يعد اللقيمات التي تدخل حلقها ... هذا إن لم يكن هو من دسها في فمها .....
يمشط لها شعرها و يبدو مسحورا بتموجاته .... يطعمها .... يساعدها في الإستحمام دون حياء .....
ابتسمت أكثر و هي تتذكر منظره خلفها في المرآة وهو يبدو كطفل يلاعب خصلة من شعرها ... يموجها على اصبعه ثم يتركها لتلتف و تتراقص وحدها ... بينما هو يبتسم سعيدا بخصلة شعر !!! .... يهمس و كأنه يكلم نفسه
" ما أروعه !! ....... يتراقص مثلك ! "
حينها همست بنعومة و هي تتمايل
" و هل أتراقص أنا ؟!! ...... "
عبس بشدة خلفها في المرآة و يداه تتحسسان خصرها وهو يقول بغضب
" تتراقصين في سيرك ... خصرك في اتجاه بينما وركيك في اتجاه آخر , لدرجة تجعلني أرغب في ضربك على مؤخرتك و بشدة كي تعتدلي في سيرك .... "
ضحكت وهو يحملها بين ذراعيه ليعاقبها على سخريتها باقتناص شفتيها بغضب ... بينما هو في منتهى الجدية فيما يقوله .....
نعم انه يخنقها ... و غيرته تخنق أنفاسها ..... غيرته باتت تعرفها جيدا
غيرة متملكة ... لكنها خفية تتسلل في الخفاء من حولها في كل مكان ... و ليست غيرة انفعالية لحظية ....
يغار عليها من ابنه ... من تفكيرها .... شرودها ..... حزنها .... يغار على جاذبيتها حتى لو كانت محتشمة الملابس .....
اكتشفت أن قراراته هي التي تسري دائما ..... لكن دون أن تشعر
دون أن تكون أمرا ... أو أن تكون بالضرب أو بالصوت المرتفع .......

و على الرغم من كل ذلك الإختناق الذي يحيط به حياتها ببطىء و تسلل .... الا أنه يشعرها بالألفة .. يبدد وحدتها شيئا فشيئا .... و في نفس الوقت يشعرها بالأسى لأنها حتى الآن لا تستطيع أن تمنحه قلبها كاملا ...
و كأن هناك جزءا متمردا في قلبها يصر على ربطها بالماضي .....
رفعت كرمة اصبعها و هي تهمس بنعومة آمرة
( ابقى هنا ...... و أنا أعني ما أقول ...... )
كتف حاتم ذراعيه وهو يراقب ابتعادها دون أن يبتسم ...... انها تتلاعب به و بصبره .... و هي لا تعرف مدى خطورة الضغط على سيطرته ..... حينها عقد حاجبيه ... بقوة داخلية .... عنيفة ..حاول أن يجنبها إياها قدر استطاعته .....
كانت أمينة تفتح علبة قالب الحلوى باحتراس و هي تقول لمحمد الذي يساعدها بصوت خافت ممتعض
( أنا منذ البداية قلت لوالدك أنا زيجة بائسة ..... امرءة لينة لا تكف عن التذمر و استعراض البكاء ... بخلاف بعض دقات الجنون .... أحيانا أخاف منها .... و الله كما أخبرك يا محمد .... حين تبرق عيناها .... و يرتفع حاجباها أخاف منها .... فهي تبدو حينها كالقطط الجائعة ..... ووالدك ماشاء الله ميوله بالغريزة تحتوي هذا النوع .........)
كانت كرمة قد دخلت المطبخ و هي ترهف السمع ... و بالفعل برقت عيناها و ارتفع احدى حاجبيها و بان الشر على ملامحها .....
بينما قال
محمد ببساطة وهو يتخلص من الورق الزائد
( أعتقد أنها لطيفة .......... )
اصدرت أمينة صوت ضحكة ساخرة و هي تقول باستهزاء
( لطيفة !!! ........ ها هي لم يكد شهر العسل البائس ينتهي و تعود قرب منتصف الليل )
مط محمد شفتيه وهو يقول
( انها التاسعة يا أمينة ......... )
عادت أمينة لتتنهد و هي تقول بحزن
( التاسعة !! ..... دون اذن والدك , والله لو فعلتها في شبابي لكان زوجي رحمه الله قتلني .... )
قال محمد بهدوء
( ها هو سبقك رحمه الله .......... )
نظرت أمينة اليه بغضب وهي تقول
( هل أنت في صفي أم في صفها يا ولد !!! .... صحيح أنك ابن أبيك , يؤثر بك البكاء الخائب فتتحول الى قطعة عجين بين يديها ...... )
رفع محمد حاجبه وهو يكور شفتيه ليقول بشك
( لا أظن أن حاتم يبدو كالعجين في يدها ..... فكلما اجتمعا سويا , يكاد صوته يوقظ سكان القارة القطبية )
مطت أمينة شفتيها و هي تتنهد بحزن قائلة
( المسكين سيصاب بأمراض الشيخوخة مبكرا بسببها ..... تحرق دمه كل يوم و الإسم شهر عسل !!! ... حسبي الله و نعم الوكيل ..... )
ارتفع حاجبي كرمة معا و هي تضع يديها في خصرها لتسمع الى المزيد .... فتابعت أمينة ببؤس
( المسكين رغم أنه أحمق العقل .... لكنه طيب القلب مرهف الحس ..... هل سيتحملها أم يتحمل هلوسات أمك ..... لقد صبر على أمك كثيرا من قبل .... يبدو أن السعادة ليست من نصيبه .... من خيبة الى خيبةٍ أكبر منها ...... )
ارتبكت قليلا و هي تقول ناظرة الى محمد قائلة
( لا أقصد اهانة ......... )
مط محمد شفتيه في حركةٍ تشبه حركتها وهو يقول
( خذي راحتك يا أمينة ......... حاتم يقول دع أمينة تقول ما تريده و لا تحاسبها على كل كلمة .... )
عقدت أمينة حاجبيها و هي تقول بغضب
( لماذا !!! .... أتظناني مجنونة أم أصابني الخرف !! ...... )
قال محمد يسترضيها
( العفو يا أمينة ..... الإحترام واجب ..... )
نظرت اليه أمينة بغضب غير مقتنعة ثم قالت بغيظ
( آآآخ منك ..... خبيث و ناعم مثل والدك ...... )
أخذ محمد الأطباق ليخرج بها وهو يقول
( أنا ناعم .. و حاتم خبيث .... و أمي مهلوسة .... و كمرة مجنونة ... الا ترين خطأ ما في الصورة يا أمينة !! )
الا أنه توقف مكانه ما أن رآى كرمة تقف كالمجنونة فعلا و يديها في خصرها .... فقال بذهول مبالغ فيه
( كمرة ...... كنا نحكي عنكِ بكل خير ..... )
ارتفع احدى حاجبيها أكثر ... فصمت تماما لكنه عاد ليقول ليحسن الوضع و قد وجد أمينة تطرق برأسها مرتبكة للمرة الأولى في حياتها ...
( لدينا محشوات و مشويات للغذاء اليوم ........ )
الا أن ملامح كرمة لم تلين ... وهي ترمق أمينة شزرا .... فاقترب منها محمد وهو يجذبها من ذراعها بيد ... بينما يوازن الأطباق على اليد الأخرى قائلا
( أهتدي بالله يا كمرة ..... و اخرجي من هنا قبل أن يأتي حاتم و يطردنا جميعا ... لقد شبعنا من النكد لليوم .. )
ظلت كرمة تنظر الى أمينة شزرا بينما قوة محمد كانت أكبر منها وهو يجذبها غصبا خارج المطبخ
وضع محمد الأطباق على مائدة الطعام بينما نظر اليها ليقول بهدوء
( لا تشغلي بالك عما سمعتيه للتو ... لم تكن تقصدك )
قالت كرمة بحدة و هي تشير للمطبخ
( من تقصد ان لم تكن تقصدني !!! ....... )
وضع محمد يده على صدره وهو يقول ليسترضيها
( أمي ........... )
ظلت كرمة تتنفس بسرعة و غضب بينما أمسك محمد باحدى مناشف المائدة و أخذ يلوح به أمام وجهها كي يهدىء الهواء من غضبها و احمرار وجهها ... و ما أن أخذ تنفسها يهدأ قليلا حتى قال بتوجس
( هل أنتِ أفضل الآن !!! ...... )
هزت رأسها ايجابا و هي تكز على أسنانها ... بينما قال محمد
( أتعلمين ما المشكلة ؟!! ..... المشكلة تكمن في هذا الإحتفال نفسه ... كلما قررنا أن نحتفله ... يقطع الجميع بعضهم .... )
زفرت كرمة بعمق و هي تهمس
( ياللهي ..... يالها من نهاية يوم مغايرة تماما لما تخيلته ...... )
قال محمد بتذمر
( اذن مرري المتبقي من يومك على خير ... و اذهبي لتبدلي ملابسك و تحسنين من شكلك .... لنحتفل بهذا الإحتفال البائس و ننتهي منه ...... )
عبست كرمة و هي تقول
( يا ولد عيييييييب ........ )
قال محمد بملامح غبية من الملل
( اذهبي يا كمرة بالله عليكِ ........ )
أومأت كرمة برأسها في يأس و هي تتنهد قائلة
( محمد حبيبي ..... أعد المائدة و الأطباق ..... لكن قالب الحلوى اتركه في الثلاجة لبعد الغذاء .... )
قال محمد وهو يوزع الأطباق
( تحت أمرك يا سيدة كمرة ..... لو لديك غسيل اتركيه كي أغسله لكِ )
قالت كرمة بيأس
( لقد أخذت من طولك و أضفته الى لسانك ......... )
قال محمد عابسا
( أنا من اطول طلاب صفي بالمناسبة ......... )
رفعت حاجبها و هي تقول بخبث أنثوي
( وأطول من .... جوووووووودي ؟؟ ....... )
لم يرد محمد ولم تتغير ملامحه .... لكنه لم يلبث أن حمل ابريق الماء و سكب منه على يده و انطلق يجري خلفها وهو يرميها بالماء بينما كانت صرخاتها تصل الى حاتم عند النافذة ....
ابتسم لصوت صراخها الممتزج بالضحكات الغالية على قلبه .... بينما الألم بداخله لا يهدأ و لا يمل .....
همس و يده تتلمس الزجاج
( توجعيني يا كرمة ..... و يوجعني قلبك العاصي .... )
ظل واقفا مكانه طويلا يراقب سواد الليل الذي يماثل ظلام قلبه حاليا ... الى أن استطاع استنشاق عطرها قبل أن يسمع صوتها الهامس
( تعال يا حاتم ........... )
تسمر مكانه للحظات وهو يغمض عينيه ... يسكره صوتها الناعم و المبحوح بنبرةٍ باتت كالنغم في أذنيه
ثم استدار اليها ببطىء .... حينها عرف معنى أن يموت الإنسان عشقا في الجمال ....
كانت بهجة للنظر ....و هي تقف أمامه تمد يدها اليه ... تبتسم بحزن جعلها جميلة و هي تطلب منه السعادة ...
شعرها المموج طال على ظهرها في موجاتٍ بدت خلابة .... بينما حجزته بشريطٍ حريري وردي داكن التف حول وجهها لينتهي بعقدةٍ أنيقة أسفل أذنها ....
و ارتدت فستان حريري من نفس اللون ... طويل و ملتف حول قوامها مظهرا كالعادة نحافة خصرها و امتلاء وركيها .....
كان الفستان لونه متدرج من الوردي الداكن للغاية في أسفله ....صعودا الى الدرجات الأفتح حتى ينتهي عند صدرها بلون وردي فاتح يكاد يكون أبيض ....
و تطبع أسفله ببعض الياسمينات البيضاء .... المتناثرة هنا و هناك .... كانت تبدو !!!!
لم يجد وصفا يصفها به سوى اسمها ... فهمس بصوتٍ أجش مختنق
( كرمة .............. )
اتسعت ابتسامتها و هي تنال الثقة من نظراته و صوته الأجش .... وهو أيضا يبدو وسيما لحد الذهول ... و هي تحاول الهمس لنفسها بين كل حين ...
" هذا الرجل الوسيم و الذي ينظر الي و كأني آخر نساء العالم .... هو في الحقيقة زوجي "
كانت تدرب نفسها كل يومٍ على هذا المقطع دون أن تطلعه بعمق محاولاتها ,.... على الرغم من أن رجلا مثله ليس في حاجةٍ الى كل هذا المجهود في الإقناع .....
لكن العيب بها هي ..... العيب في قلبها الذي لا يزال يخاصمها غاضبا منها ......
كيف يمكن للإنسان أن يحيا حربا بين العقل و القلب .... بين الم الماضي و سعادة الحاضر .....
كيف يمكنه أن ينسى الألم و الإهانة .... لكن أيضا ينسى معهما حبا كان .....
همست كرمة بصوتٍ يتعدى معنى حروفها لشيء اعمق بكثير .... لإستجداء
( تعال يا حاتم ...... أنا أنتظرك , أرجوك ..... )
ظل واقفا مكانه .... بداخله رفض و توسل للقبول بيدها الممدودة .... تبا لها دائما تربح و تريه ضعفا لم يعرفه في نفسه قبلها ....

اقترب منها ببطىء ..... و عينيه القاتمتين الجائعتين عليها ... ترسمان جمالها على قلبه .... الى أن وصل لها دون أن تلين ملامحه .... فأدركت أنه لا يزال غاضبا ....
وقف أمامها ينظر الى يدها الممتدة دون أن يمسك بها ... فابتلعت ريقها و ظلت تمدها و هي تهمس بدلال
( تخذل يدي يا حاتم !! ........ )
الا أنه لم يمسكها ... بل مد كلتا يديه ليمسك وجهها يرفعه اليه ... و دون مقدمات هبط بوجهه اليها راشفا قبلتها و كأنها اكسير الحياة بالنسبة له ....
لم تكن قبلة .... كانت شيئا غريبا .... شيئا يسحب منها روحها لتمتد عبر شفافهما اليه ....
أغمض كرمة عينيها و هي تستسلم لهذا السحر الغريب ..... تمنحه ما يطلب و تستمد منه شيئا آخر لا تعرف هويته .....
هل هو انعدام هوية ما يفعله بها .... ام هي احدى طرق استعبادها و التي بات يتقنها جيدا , و الأغرب أنها ليست رافضة أو غاضبة .... بل باتت تشعر بالكمال يوما بعد يوم .....
مر وقت طويل ... طويل جدا قبل أن تتمكن من تحرير وجهها قليلا طلبا للحياة و هي تشهق لاهثة بقوة
( انتظر يا حاتم ......... )
الا أنه لم ينتظر .... لم يسمح لها بأكثر من لحظتين لتلتقط بهما أنفاس الحياة قبل أن يعود الى إزهاقها مجددا وهو يميل بها الى الخلف فارتعبت من فقدانه السيطرة على نفسه لتحاول الهمس بعيدا عن مرمى شفتيه
( زينتي يا حاتم ........ )
الا أنه زمجر بخشونة و هو يعيد تخطيط زينتها بشفتيه
( تبا لزينتك يا كرمة ....... )
رفعت ذراعيها تحيط بعنقه و هي تتأوه بخفوت سامحة لفمه أن يشعل النبض الثائر أسفل عنقها ....
و ما أن سمعت صوت أقدام تقترب ... حتى أبعدت نفسها بمحاولة يائسة دون أن تستطيع التحرر هامسة بقلق
( محمد ....... محمد يا حاتم ..... )
رفع وجهه حينها يلهث بغضب ... بقوة ... بحزن .... ينظر الى عينيها العميقتي العاطفة ...
بينما همس بداخله بعنف
" لو تعرفين كم أصبح يؤلمني اسم ابني من بين شفتيكِ المسكرتين .... "
ابتعد عنها في لحظة ما أن سمعا صوت محمد يقول عن بعد
( من الجيد أن نتناول شيئا قبل أن نبدأ في التساقط ضحايا هذا اليوم ........ )
استدار حاتم عنهما وهو يحاول التهدئة من عنف أنفاسه و مشاعره ... تاركا المهمة الصعبة ليدي كرمة المرتجفتين تحاولان التسوية من ملابسها و شعرها و هي تلهث باضطراب من مدى جنون استسلامها
خلال لحظةٍ واحدة .... قبل أن يدخل حاتم اليهما , وهو ينقل عينيه بينهما بارتياب ثم قال بخفوت
( أريد أن آكل يا كمرة ........... )
اتسعت عينا كرمة بهلع و هي تنظر الى وجهه الوسيم المطالب بأبسط حقوقه في الحياة و شعرت بتأنيب ضمير كاد أن يقتلها و هي تدرك مدى تأخر الوقت , فهمست و هي تقترب منه لتلاعب شعره الجميل
( هيا بنا ........ كنت أصالح والدك فقط ..... )
مط محمد شفتيه وهو ينظر الى ظهر حاتم ... بينما همس في داخله دون أن تعلم كرمة
" سيفسد كل شيء أحبه كعادته ....... "



يتبع


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 18-04-15, 10:42 PM   #17970

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

مدت كرمة يدها المرتجفة لتمسك بكف محمد تستمد منها الثبات و الشجاعة ... قبل أن تدير وجهها الى حاتم لتقول برقة مجددا
( تعال يا حاتم .......... )
استدار اليها ينظر اليها بطريقة نفذت الى روحها بقوة ..... ففغرت شفتيها قليلا تبادله النظر قبل أن يقترب منها ليمسك بيدها الممتدة اليه هذه المرة .....
بقت مكانها تنظر الي كفها في يده التي تطبق عليه ببطىء وقوة .... و هو كذلك كان ينظر الي كفيهما ...
ثم جذبته ليتبعها بصمت .... تنظر اليه و هي تجره خلفها كل لحظة ..... الى أن جلسوا ليتناولو صعامهم بصمت قلق مشحون ....
كانت تنظر اليه بطرف عينيها ..... تراقبه .... تتأمل فكه القوي ... شعره الجميل و الذي نالته بعض الفوضى من أصابعها الخرقاء ... و كلما انتبهت تجده يبادلها النظر بطريقة لم تفهمها ... فتبتسم بسرعة باشراق تحاول أن تزيد بريقه كل مرة .....
مد يد بمعلقته الى فمها ... ففتحته تلقائيا و هي تأكل بصمت , ... مرة بعد مرة .... الى أن همست أخيرا بارتباك لوجود محمد الذي كان منقضا على الأكل دون ان يعيرهما اهتماما
( كل أنت يا حاتم ........ )
ظل ينظر اليها قليلا ... قبل أن يقول بصوتٍ أجش
( أحب حقيقة أنني أصبحت قادرا على اطعامك بيدي كلما أردت ..... )
احمر وجهها بشدة و هي تعاود النظر الى وجه محمد المتجه الى طبقه ... بينما كانت تمضغ الأكل بعصبية و خجل و توتر ..... أصابعها تمر على الشريط الحريري المحيط برأسها ....
تتلمس وجنتها المحترقة ..... قبل أن تمدها بقلق و تلتقط قطعة لحم صغيرة من طبقها على أطراف شوكتها , لتمدها الى شفتي حاتم في المقابل ....
فهجم عليها دون تردد و عينيه على عينيها .... فاحمر وجهها أكثر و كأنها الحركة الأكثر حميمية على الإطلاق ......
فأعادت وجهها الى طبقها و أقسمت الا تعيدها مجددا .... " في وجود محمد " ......
و بعد انتهاء الطعام أشارت كرمة الى محمد بطرف عينيها .... فأومأ بملل و دون حماسٍ ... بينما كان حاتم ينقل نظره بينهما بشعور همجي في اقتحام تلك العلاقة السريعة بينهما .... بينما يبقى هو خارج تلك الدائرة ...
التفتت كرمة اليه تبتسم برقة قبل أن تقول
( اذهب لتغسل يديك ....... هيا ...... )
نظر اليها قليلا قبل أن يقول بجفاء
( تعالي معي ........ )
اتسعت عيناها قليلا قبل أن تضحك بعصبية لتقول
( سأحمل الأطباق الى المطبخ أولا ........ هيا اذهب أنت )
نهضت من مكانها و هي تدرك عيناه اللتان تدوران بجنون حول قدها المكتنز في الفستان الحريري ...
الا أنه نهض ليجمع الأطباق معها ... فتنهدت يأسا و هي تقول بغيظ
( ماذا تفعل يا حاتم بالله عليك !! ......... )
قال بهدوء
( أساعدك .............. )
تركت ما بيدها ... لتأخذ ما بيده بالقوة , لتدفعه بقوة كي يبتعد ... الا أنها اكتشفت أنها تتحرك في مكانها دون أن تقدر على زحزحته خطوة ....
فتوقفت لتزفر بقوةٍ مطيرة خصلة مموجة منسابة من تحت الشريط الحريري على وجهها و هي تقول
( تلك وظيفة الزوجات و يمكن لأمينة حبيبتي أن تساعدني .... هيا ابتعد من هنا )
تطوع محمد قائلا
( أمينة في سابع نومةٍ الآن ........ )
مطت كرمة شفتيها و هي تقول بغيظ
( نشكر لك تلك المداخلة العميقة يا محمد ...... )
ثم صرخت أخيرا بجنون
( اخرجا من هنا ........ الآن ..... )
ارتفع حاجبي حاتم ومحمد بنفس الحركة تماما .... قبل أن تخفف كرمة من حدة لهجتها و هي تقول بوداعة
( سأنظف الأطباق صباحا ...... هيا ابتعدا ..... شووو شوووو .... )
ابتعدا في النهاية ..... فزفرت كرمة بقنوط أخيرا و سارعت لتبعد الأطباق الى المطبخ .... ثم نظفت الطاولة وأحضرت قالب الحلوى .... بينما ملأت كؤوس من الكريستال بالماء ...... لتضع على سطح الماء في كل منها شمعة خفيفة معطرة قابلة للطفو .... و تشعلها بحرص .....
حتى امتلأت المائدة بالكؤوس المشتعلة ..... ثم وضعت بعض الشموع في قالب الحلوى .....و أشعلتها ...
اسرعت لتخرج الهديتين المغلفتين بجمال لتضعهما بجوار القالب بوضع فني .....
أنتهت أخيرا لتنظر الى تنظيمها مبتسمة بفخر قبل أن تطفىء الأنوار .... حينها بدا المكان يشع بجمالٍ خاص ....
لم تعلم أن حاتم كان قد عاد ووقف عند الناحية المقابلة من الطاولة ..... ينظر الى مدى جمالها المتألق بين الشموع و هي تنظر اليها بابتسامة لا يفارقها حزن جميل .....
ثم تنهيدة حارة ...... كانت كفيلة بإشعال نار حاتم و ألمه ...... حينها فقط رفعت كرمة وجهها لتفاجأ بوجوده أمامها ... وجهه القوي مضاءا على ضوء الشموع الضعيفة ....
ينظر اليها عاقدا حاجبيه و كأنه يتألم ..... ففغرت شفتيها قليلا بنفسٍ مرتجف .... و تلك اللحظة بينهما جمدت العالم في الخارج ....
لكنها فجأة أفسدت اللحظة و هي تصرخ فجأة بغضب
( لم أسمح لك بالعودة بعد يا حاتم ........ )
لم يرد على الفور ثم قال أخيرا بجفاء خافت
( ما هذا ؟!!! .............. )
زفرت بقوة و هي تلوح بذراعيها بحنق
( مفاجأة ..... يوم ميلاد سعيد .... أوووووووف .... الذكور هم الأفضل في افساد كل شيء )
ظل ينظر اليها قليلا .... قبل أن يقول بصوت أكثر خفوتا
( يوم مولدي فات منذ فترة ........... )
نعم تعرف حق المعرفة .... و لم تحب التطرق الى ذلك الحدث مجددا ..... لذا لم تعرف ماذا تفعل , من المؤكد أن ذاكرته عادت الى فعلتها الحمقاء السابقة ..... فأخفضت وجهها بيأس
محمد محق .... هذا الإحتفال بائس ....
الا أن حاتم وفر عليها عناء القلق الذي افترسها بوضوح و قال بهدوء
( هل هذا هو ما أخرك كل هذا الوقت ؟؟ .......... )
رفعت كرمة وجهها اليه ببطىء ..... و هي تنظر اليه ممسكة بظهر المقعد أمامها كي تدعم نفسها
يكفي أن توميء برأسها ...... فقط ايماءة صغيرة كي تنقذها , الا أنها .... لا تستطيع الكذب عليه أبدا
اكتشفت أن بعينيه سحر غريب .... يجعلها غير قادرة على الكذب عليه مطلقا ....
تماما كأمينة أمام " السيد " في الثلاثية الشهيرة .....
سيكون بينهما حوار طويل .... لكنها أرادت تأجيله قليلا ..... لأنها تعرف عواقبه , و كانت تطمع أن تخفف فرحة الحمل الذي كان من وطأة هذا الحوار ...
لم تتحرك و هي تنظر اليه بصمت .... فعلم أن الإجابة هي " لا " لم تستطع مغادرة شفتيها .....
فلم يتابع ..... لم يصرخ كعادته ... لم يسألها .... فقط ظل ينظر اليها ينتظر أن تتكلم بنفسها .... فهمست بخفوت
( أريد أن نطفىء الشموع أولا .......تأتي الي أم آتي اليك ؟؟؟ ..... او ربما نلتقي في نصف الطريق ؟؟ ... )
لم يتحرك من مكانه .... وهو ينظر اليها نظراتٍ غير متهاونة , فتنهدت بتعب و همست
( آتي اليك أنا و أمري لله ........ )
اقتربت منه ببطىء و هي تشعر بأنه على حافة أن يفترسها في أي لحظة ... حتى بدأت تشعر بالتسلية و هي تختبر مدى صبره ....
وصلت اليه لتقف بجواره كتفها يعلو مرفقه قليلا ..... ممسكة بظهر مقعد بجوار المقعد الذي يمسك هو بظهره
ثم رفعت اليه وجهها الذهبي على ضوء الشموع
( كم أصبح عمرك ؟؟ ....... )
ظل ينظر اليها طويلا بملامح صلبة قبل أن يقول بنفس الجفاء
( منذ أن عرفتك ...... أحسبيه أنتِ اذن , أنتِ ماهرة في الحساب ....... )
فغرت شفتيها من سماع تلك العبارة الرومانسية و التي تتناقض تماما مع جفاء صوته و صلابة ملامحه ...
ثم لم تلبث أن ضحكت بعصبية و هي تقول بذهول
( كم أنت رومانسي !! ......... )
اطرقت بوجهها و هي تتشبث بظهر مقعدها ..... ثم تابعت بخفوت دون أن تنظر اليه
( كان هذا ........ من أجمل ما سمعت .... )
رد حاتم ببساطة
( تعرفين أنها الحقيقة ............ )
تنهدت بقوة و هي ترتجف كتلميذة مرتبكة .... قبل أن ترفع وجهها اليه لتقول بصدق و حرارة
( كل عام و أنت بخير يا حاتم ...... كل عام ...... و أنت معي )
اتسعت عيناه قليلا ..... قبل أن يرفع يده ليحيط بها وجنتها بقوة ليقول بصوتٍ أجش مشتعل
( كل عام و أنتِ حياتي يا كرمة ..... حبي ... روحي .... و حظي الأجمل في الحياة ..... )
ابتلعت ريقها أمام تلك العاطفة الخالصة ..... حينها لم تستطع مقاومة أن تنال بعضا من السعادة و هي ترتفع على أصابع قدميها لتحاوط عنقه بذراعيها و هي تطبع شفتيها على وجنته بقوة هامسة
( شكرا لك ....... شكرا لك .... )
هز رأسه بيأس وهو يقول بغضب ضاما اياها بقوةٍ عنيفة الى صدره
( غبية أنتِ يا كرمة .......... )
غشاهما ضوء مفاجىء جعلها تشهق لتنزل على قدميها و تنزل من ذلك العالم الذهبي بقوةٍ الى أرض الواقع ....
بينما قال محمد ببساطة
( ماذا تفعلان ؟!! ..... ماهذا ؟!! ..... هل أنهيتما الإحتفال !!! ..... جيد .... المناسبات العائلية تخنقني )
قال حاتم بصرامة دون أن يتخلى عن خصر كرمة وهو يتنفس بصعوبةٍ قليلا
( ما دمت لا تفضلها لماذا لازلت مستيقظا حتى الآن !!! ..... اذهب لتنام .... )
حينها قالت كرمة بغضب
( لن ينام محمد ...... فهو لديه شيء يريد أن يقدمه لك ....تعال يا محمد قدم هديتك الى والدك )
نظر محمد الى الهدية المغلفة و التي أمسكتها كرمة بين يديها ليقول ببساطة
( لم أحضرها ....... أنتِ أحضرتها ...... )
قال حاتم بجفاء
( اتركيه براحته يا كرمة .... لا تضغطي عليه )
نظرت اليهما بقلق ثم قالت
( هل تشاجرتما أثناء غيابي ؟؟ ...........)
لم يجبها أحدهما .... بل لم ينظرا الى بعضهما من الأساس كطفلين عنيدين .... فرفعت كرمة ذقنها و هي تقول
( اذن لن تأخذ الهدية اليوم ...... لن تأخذها قبل أن تتصالحا , لكن يمكنك أخذ هديتي .... فأنا لا أحمل ضغينة لك ..... )
شددت كرمة على الكلمتين الأخيرتين و هي ترمق محمد بنظرات مؤنبة ....
ثم مدت بالهدية المغلفة الى حاتم و هي تقول بأمل
( افتحها ............. )
مد حاتم يديه ليتناول الهدية بين يديه .... يتأمل شكلها الجميل بصمت و على وجهه كان هناك انفعال قوي هدأ القليل من ملامح وجهه الصلبة و الغاضبة منها ....
ثم قال أخيرا بخفوت
( لم يكن عليكِ فعل ذلك يا كرمة ...... )
همست كرمة برقة
( بلى ...... لو كان الأمر بيدي لكنت أهديتك شيئا أغلى ...... )
ظل حاتم ينظر الى اللفة في يده ..... ثم رفع وجهه الى كرمة ليقول بهدوء
( سأؤجل فتحها يا كرمة .......... )
بهتت ابتسامتها و امتقع وجهها ... بينما همست بتلعثم
( الا تريد ....... الا تشعر بالفضول .... لرؤيتها على الأقل .... )
تلمست أصابعه الورق الجميل .... قبل أن يقول
( ليس اليوم ............ لا ....)
شحب وجهها .... فأطرقت دون أن تجيب فتذمر محمد قائلا بغضب
( لماذا تفعل ذلك ؟؟ ........ أنت دائما تفسد كل شيء و تتسبب في رحيل الجميع )
ساد صمت متوتر .... بينما نظرت كرمة الى وجه حاتم الذي شحب لعينيها فقط .... فالتاعت روحها عليه .... في تلك اللحظة شعرت بأنها توجعت من أجله جدا .....
استدارت كرمة الى محمد تقول بخفوت
( عيب يا محمد .... عامة لقد حرم والدك نفسه من الرقصة معي ....... بينما ستكون أنت أميري لهذه الليلة )
ابتعد محمد وهو يقول بغضب
( سأذهب لأنام ...... )
الا أنها تركت حاتم وحيدا لتلحق بمحمد بسرعة .... و هي تقول
( ليس بعد ....... لن تنام و أنت غاضب ..... تعال معي .... )
بينما أخفض حاتم وجهه لينظر الى الهدية المغلفة مجددا .... بورقها اللامع الأحمر و الذهبي يعد نفسه وعدا بعيدا ..... بعيدا جدا .... .....
حين ذهب ليبحث عنهما بعد وقت طويل ..... انساقت قدماه خلف مصدر موسيقا ناعمة منبعثة من المسجل الضخم في غرفة الجلوس ...
فاتجه اليهما ليقف متسمرا مكانه وهو يرى كرمة ... تضع يدها على كتف محمد ... و الأخرى تتوازن على يده .... بينما يراقصها مبتسما و كأنها صديقته في المدرسة ....
استند حاتم بتأوه غاضب الى اطار الباب وهو يتأمل ملامحها المشرقة و التي تشرق لمحمد فقط ...
بينما كان جسد كرمة يقشعر و هي تشعر وجوده خلفها .... فابتسمت ... تعرف انه لا يقاوم ملاحقتها ابدا ....
فتعمدت التمايل و الرقص برشاقة .... و هي تشعر بغرابة بأن كل ذرة من جسدها تحترق تحت أنظاره .....
بداخلها عفريت شرير يستمتع بتلك السيطرة الخطيرة التي يفرضها حاتم على نفسه .... حتى الآن لم تخبره أين كانت .... مع أنه ليس مكانا مفرحا .... الا أنه لا يعلم حتى الآن وهو غاضب ... و هي تعلم أنه غاضب و مع ذلك .... يقاوم و يقاوم .... يقاوم غضبه ... و يقاوم سحرها عليه .....
ذلك السحر التي باتت تثق به كل يومٍ عن الآخر ......
تبدل اللحن الى لحن سريع مرح .... فتركت كتف محمد لترفع شعرها المتموج بيديها عاليا و هي ترقص بحماقةٍ أمام عيني حاتم المراقبتين من الظلام .....
لا يمكنها الإنكار ..... تشعر بالسعادة و هي تستشعر تلك السيطرة المؤلمة التي يفرضها على نفسه ....
بالرغم من أنه حاد الطباع .... حامي الدم و الأعصاب .... يغار عليها من نفسه كما قال ....
تكاد نظراته تحرق المكان ما أن يرى احد زملائها يحادثها ..... يغار عليها من مطربها المفضل و يبدل القناة بتأفف ما أن يصادف تواجده وهما جالسين معا على الأريكة هنا ليلا .. و رأسها مستلقي على حجره ....
زادت من رعة رقصها الأحمق و كل ما بها يرقص على الرغم من إحباطها ....
فإن كانت أمومتها قد انهزمت الليلة كسنواتٍ طويلة خلت .... فلا مانع من أن تستمتع اذن بأنوثتها و ثقتها بنفسها ........
بينما كان حاتم ينظر اليها بتوهج مشتعل كاشتعال فستانها .... انها تحرقه حيا .... يود لو يخبئها عن العالم بأسره .... في برجٍ عالٍ مفتاحه في يده هو وحده ..... لكن و ماذا عن المفتاح المفقود لقلبها .....
زفر نفسا قاسيا محترقا وهو يهمس
" هل كان حقا الحظ الأجمل ؟؟ .... أم الأشقى يا كرمة العنب .... "

قالت كرمة بسعادة و هي تراقص محمد كأمير صغير
( أنت راقص رائع .......... )
قال محمد وهو يبتسم بثقة و هدوء
( و أنتِ كذلك ......... بالمناسبة , تبدين جميلة جدا الليلة ..... )
أمالت كرمة وجهها و هي تسأل رافعة احدى حاجبيها بخبث
( حقا !! ....... اجمل من جودي ؟؟ ....... )
عبس حاتم عند الباب ... و أعصابه تتنبه .... جودي !!! .... من هي جودي !!! ......
الا أن محمد قال بغيظ
( لكنك لازلت حمقاء يا كمرة ....... انتِ الأنثى المثالية بكل عيوبها ... أتعرفين ذلك ؟؟ ....)
ارتفع حاجبي كرمة و حاتم معا ..... بينما قالت كرمة عابسة و هي تعي وجود حاتم خلفهما ....
( و أنت الابن المثالي الأكثر حماقة .... أتدرك ذلك .... لقد أفسدت يوم والدك ..... )
قال محمد و قد تلبدت ملامحه
( لا بأس .... سترتاحان مني , فغدا سأذهب الى أمي ....... )
تسمرت كرمة مكانها فجأة .... و سقطت ذراعيها فتهدل شعرها بكآبة ... و هي تهمس بوجوم
( ماذا ؟؟..... لماذا ؟!! .... هل فعلت شيئا أغضبك ؟؟؟ ...... )
توقف محمد وهو يقول ببساطة مندهشا
( لا ....... انه موعد ذهابي لأمي ....... )
مالت عينا كرمة بصدمة غير متوقعة .... بينما همست بشرود
( آآآه ....... أكيد ....هل أنت سعيد ؟؟ ..... )
قال محمد وهو يهز كتفيه بلا انفعال
( نعم ..... زوجها طريف جدا و دائما ما نقوم بأشياء مجنونة معا ..... )
امالت كرمة وجهها جانبا .... و قلبها يوجعها على المسكين الواقف خلفهما يراقبهما ... و هي تعرف أنه يحب أبنه أكثر من نفسه ..... من يغار بتلك الصورة و لديه كل تلك المشاعر التملكية تجاه زوجته ... من المؤكد أنه يشعر بأكثر منها تجاه ابنه الوحيد ..... لكنه يسيء التصرف و كأنه يحاول القيام بدور الأب بمنتهى الجدية كصبي صغير مشاغب يتقمص دورا .....
نظرت كرمة الى محمد و قالت بخفوت
( من الرائع ان يكون صديقا لك ........لديك والد و صديق ... أنت أكثر حظا مني ... أنا لدي صديقة واحدة فقط ..... )
قال محمد بهدوء
( فريدة ؟؟؟ .......... )
هزت كرمة رأسها نفيا و هي تقول بخفوت
( لا ...... صديقة اسمها وعد ... صديقتي منذ أيام دار الرعاية .... عشنا معا أياما صعبة للغاية , لكننا لم نفترق يوما ..... الى أن كبرنا ... فافترقنا ..... )
قال محمد باهتمام
( لماذا ؟؟؟ .................. )
اخفضت كرمة وجهها الواجم و هي تهز كتفيها دون أن تعلم سببا ... ثم قالت
( البعد لا يمنع الحب ...... فأنا لازلت حتى اليوم أساعدها في التحضير لعملها .... و هي لا تزال تخيط لي ملابسي ... حتى هذا الفستان الذي أرتديه الآن .... لكن .... أسرارنا تباعدت ... بات لكل منا ما تخفيه عن الأخرى و تحرج من أن تخبره لها ......... )
قال محمد وهو يجلس على ذراع الأريكة
( و أين هي الآن ؟؟ .......... )
قالت كرمة مبتسمة برقة
( زوجها خطفها ...... لذلك أقوم أنا و أختها بالتحضير لعملها نيابة عنها .... )
رفع محمد حاجبيه وهو يقول بدهشة
( زوجها خطفها ؟!!! ........ الا تعد تلك جريمة ؟!!! ...... )
اتسعت ابتسامة كرمة أكثر .... و مع ذلك بحزنٍ أعمق وهي تقول
( بل يعد عشقا .......... )
أظلمت عينا حاتم .... وهو يسمع نبرة الحزن في صوتها و التي بدت كقذيفةٍ قصفت صدره و مزقت أحشاؤه ....
قالت كرمة و هي تداعب شعر محمد الناعم لتهمس بحزن
( من يعلم !! ..... قد تخطف زوجتك ذات يوم ......... )
ابتسم محمد وهو ينظر اليها تتحدث بحالمية ..... و للحظة شعر بأن الإناث لسن سيئاتٍ تماما ... من الممكن بلعهن بكوب ماء ..... أو ربما .... عصير فراولة ليتناسب مع رقهتن الساذجة .....
قال محمد أخيرا
( بالمناسبة ....... أين كنتِ الليلة ؟؟ ..... فلقد أوشك حاتم على خطفك و حينها كنا ارتحنا منه بعد أن يتم وضعه خلف القضبان ...... )
عادت كرمة لتميل بوجهها للخلف قليلا و هي تعرف ان حاتم خلفهما .... خارج الغرفة في الظلام ...
انتهى التلذذ و اللعب ...... و انتهى المرح ...... و بهتت نشوتها المؤقتة .....
فقالت وهي تعلم أن أوان الحقيقة قد آن
( كنت عند الطبيبة ...... لأن ...... )
صمتت تأخذ نفسا محبطا لكن و قبل أن تجيب كان حاتم قد شعر بضربةٍ في معدته من سماعة لكلمة طبيبة .... هل هي مريضة ؟؟؟ ..... لماذا تخفي عنه الذهاب الا اذا كانت تخفي عنه شيئا خطيرا ...
رفع يده الي صدره بألم ..... بينما اندفعت ساقاه للداخل بقوة ... و قبل أن ينطق محمد و كرمة ... كان حاتم قد قبض على معصمها بعنفٍ بالغ منبعه رعبه دون أن يدرك عنف أصابعه وهو يقول بصوتٍ آمر
( اذهب الى سريرك الآن يا محمد ..... أنا اريد كرمة في موضوع خاص ... )
ثم جرها خلفه بقوةٍ وهو يتنفس بصعوبة ... بينما كرمة تقول بقلق من خلفه
( انتظر لحظة يا حاتم .................. )
الا أنه سحبها بقوةٍ الى غرفتهما .. و أغلق الباب خلفهما في الظلام ... ثم سرعان ما أشعل الضوء فهالها مظهر وجهه ... كان مرعبا ... مرتعبا ... وهو يتراجع بها الى ان التصقت بالجدار ليرفع ذقنها بيده وهو يقول بصوتٍ اجش منقطع الانفاس
( هل أنتِ مريضة ؟؟؟ ......... )
فغرت شفتيها امام هذا الارتجاف الذي ينبعث من جسده الضخم منتقلا عبر جسدها المسحوق تحته ....
فهمست برقة
( أنا بخير يا حاتم ...... اهدأ قليلا .... )
الا ان صوتها الهادىء لم يفلح في تهدئة الجنون العاصف على وجهه وهو يهدر بعنف خافت النبرات
( أي طبيبة ؟؟ ..... و مما تشكين ؟؟ .... وجهك غريب التعابير منذ أن عدت ِ ..... )
كانت تنظر اليه بذهول .... غير مستوعبة ذلك التحول من الجفاء الي هذا القدر من الاهتمام ... بل و الذعر ... فهمست بذهول تتمادى قليلا و هي تختبره
( ربما أكون قد اكتشفت اصابتي بمرض خبيث مثلا ؟؟!! ........ )
فقد وجهه ألوانه .... جمدت عيناه .... حتى قلبه شعرت بأنها لم تعد تشعر بضرباته .....
و حينها همست لنفسها بغرابة
" أنا لست وحيدة في هذه الدنيا ..... لدي أسرة , لم أشعر بها من قبل "
مدت يديها المرتجفتين .... لتفتح أول زرين من أزرار قميصه ... ثم تسللت احداهما تتلمس صدره برقة ... لتنحي اليه تقبل موضع القلب الضخم الخائف و هي تهمس
( أنا بخير .... لا تقلق , لقد كانت طبيبة نسائية ....... )
شعرت ببعض أنفاسه تهدر باضطراب فوق جبهتها ..... لكنه لم يطمئن بعد .. فهدر بخشونة و قلق
( تبا لك يا كرمة انطقي .... توقفي عن التلاعب بأعصابي , أعرف أنكِ تستمتعين بالأمر .... ما حاجتك لها ... مما تشكين ؟؟ .... )
ابتسمت رغما عنها و هي تستمع الى تطفله المجنون في أدق أمورها الخاصة ... لكن رغما عليها عليها التوقف عن مراقبة كل ردات فعله حاليا و الإنذهال بها ....
عليها أن تبدأ حوارا تأخر بينهما ....
فقالت بخفوت مضطرب
( كنت ....... أجري تحليل لإختبار ح ...... حمل .... )
للحظات لم يبدو أنه قد سمعها أبدا .... ظل مكانه ينظر اليها بنفس الملامح القلقة ... فقط أنفاسه المجنونة كانت تضرب جسدها .... ثم عقد حاجبيه ببطىء وهو يعيد مجددا محاولا الإستيعاب
( حمل ؟!!! ..... كيف ؟؟ .... ظننت أن ..... أن الأمل معدوم !! .... لقد مرت عشر سنوات ..... و أنتِ أخبرتني أن .... )
لم يكن مستوعبا ما يقوله .... و هي كانت واجمة مضطربة .... غير قادرة على مواجهة عينيه في تلك اللحظة .... بينما سألها حاتم بعدم فهم
( هل كان هناك أملا للعلاج ؟!!! .......... )
ابتلعت ريقها بتوتر ... ثم همست أخيرا بخفوت
( لا علاج يا حاتم ........ أنا لم أحتج الى أي علاج من قبل ...... )
ازداد انعقاد حاجبيه وهو يهز وجهه قليلا ... بينما همست متابعة قبل أن تفقد شجاعتها
( أنا يمكنني الإنجاب ..... لقد كنت شبه متأكدة من انني حامل ..... )
بهتت ملامح حاتم ... و أظلمت عيناه بشدة بإدراك مفاجىء وهو يقول بذهول قاتم
( كان العيب به هو .......... )
شحب وجه كرمة و عقدت حاجبيها بألم و هي تقول بقوة و قسوة
( ليس من حقنا انتهاك ما يخصه ..... ما يؤلمه .... ولولا الظرف الذي أنا فيه حاليا لما كنت نطقت بكلمة )
اتسعت عينا حاتم وهو ينظر اليها بذهول ما بين الصدمة و الذهول .. ثم قال بشرود غريب
( عشر سنوات !!! .... حرمتِ نفسك من الأمومة عشر سنوات من أجله !!! ..... لانك تحبيه ... لأنه بدمك .. بروحك .... لأنه عشقك يا كرمة .... لأنه كان يغنيكِ عن اطفالٍ من صلبه .... )
عقدت كرمة حاجبيها أكثر بغضب بينما هتفت بقوة
( كفى يا حاتم ..... ليس من حقك , لقد أمرتني من قبل الا نعاود ذكره مجددا على الرغم من شدة احتياجحي لسماعك .....و ها أنا آمرك بالمثل و خاصة في هذا الأمر ... فهو أمر خاص به , لا يخصك .... )
جنت عيناه و التهبتا بينما يداه تطبقان على خصرها تكاد ترفعانها عن الأرض وهو يقول بخفوت شرير
( لا يخصني !!! ..... أخبرتني أنكِ لا تستطيعين الإنجاب ثم تزوجنا ... الا ترين من أبسط قواعد اللياقة أن تتذكري يوما بأن تخبريني بإمكانية أن أكون أبا لأطفالك !! ..... أم أنكِ ببساطة أغفلتِ هذا الموضوع و كأنه شيء غير هام بالنسبة لك ...... )
كانت كرمة تهز رأسها نفيا و هي عاقدة حاجبيها بذهول بينما تابع حاتم بحقد بالغ
( بقيتِ معه عشر سنوات يا كرمة تدفنين حلم الأمومة بداخلك ..... بينما أغفلتِ حتى عن الإهتمام ولو للحظة بامكانية حملك مني ..... )
هتفت كرمة بقهر
( هذا ليس عدلا ...... ليس عدلا , اليوم .... اليوم .... لو رأيتني عند الطبيبة و أنا أبكي بكل غباء لمجرد أنني لم أكن حاملا على الرغم من أنه لم يكد يمر شهرين على زواجنا ... لما كنت تقف الآن لتتهمني بتلك الإتهامات الظالمة ...... )
الا أنه أطبق على خصرها أكثر وهو يهدر بعمق و غضب متوجع
( لماذا لم تخبريني ؟؟ ...... كيف أغفلتِ عن ذكر خبرٍ كهذا ... و أنا أتعذب كلما رأيتك تحملين طفلة فريدة و تذوبين عشقا لها ....... )
هتفت كرمة بقوة
( أنا أتمنى الحمل ....... أتمنى أن أصبح أما بكل ذرة في كياني المحروم .... )
الا أن حاتم لم يهاون وهو يقول بخفوت لاهث
( ممن يا كرمة ؟؟؟ ....... الحمل بطفل من ؟؟؟ ....... )
اتسعت عيناها بارتياع وهي تقول
( ياللهي !! ....... لا أصدق أنك نطقت بهذا للتو !! ..... )
الا أنه ترك خصرها ليمسك بوجهها وهو يقول بوجع
( أعلم حلمك بالأمومة ...... و ما أنا الآن الا الأداة المتوفرة لتحقيق حلمك ... بينما في بدايته لم يكن لديك ذرة اهتمام لإخباري بخبر هو الحياة نفسها بيننا ...... لكن والد أطفالك الذي تتمنينه ليس له سوى صورة واحدة في خيالك...... )
هزت رأسها نفيا ببطى بينما انسابت دموعها على وجهها بصمت .... جزء من كلامه كان صحيحا
في بداية زواجهما ... لم تهتم البتة بتعديل ما أخبرته .... بل الأسوأ ... لم ترغب في أن تكون أما لطفل غير طفل محمد .......لم تشأ أن تطعنه بأن تحمل و تكيده .... بينما هو عاجز عن ذلك ....
لكن كان هذا في فترةٍ لم تكن متزنة بها .... فترة نقاهة لم تتعدى أيامٍ قلائل في بداية زواجهما ..... هل هذا كثير عليها !! ..... لكن بعدها يشهد الله أنها تمنت الطفل أكثر من روحها .....
شهقت كرمة ببكاء خافت و هي تهمس بعذاب
( هذا ظلم ... أنت تحاسبني على فترة تعلم جيدا أنني لم أكن طبيعية فيها تماما .... أول مرة تكون ظالما معي يا حاتم ..... لو كنت معي اليوم .... لو كنت رأيت بكائي .... لو كنت دخلت قلبي ليلة أمس و أنا أعد الدقائق ناظرة الى السقف انتظارا للحصول على تأكيد الخبر كي أزفه اليك .... لما ظلمتني بهذا الشكل الآن .... )
كانا يتنفسان بقسوة ووجع .... لا يصدق أنه آلمها لهذا الحد
على ماذا يحاسبها ؟؟ ..... أنها لم تخبره أم أنها كانت من الحب بحيث ارتضت البقاء معه على الرغم من .... من كل شيء .... حتى بعد زواجه بها رفضت ان تفضح سره .... فأي حبٍ هذا !!
أغمض عينيه بوجع ..... بينما صوت بكائها الخافت يقطع نياط قلبه ....
همست كرمة من بين دموعها و هي تتشبث بجانبي قميصه المفتوح لتدفن وجهها بصدره باكية بقوة
تودعه دموعها ووجعها
( اريد طفلا يا حاتم ..... اتمناه و لا أقوى على الإنتظار .... أريد الطفل أكثر مما أردته أنت .... )
مد يده يضغط مؤخرة رأسها بقوةٍ ليدمغ وجهها على شعر صدره وهو يهدر بعمق
( لأنني أريدك أنتِ أكثر من أي شيء آخر في العالم ..... لم أهتم ولو للحظة بأنك لن تحملين طفلي ... كنت أريده فقط من أجلك أنتِ ..... أريدك أنتِ يا كرمة ...... أريدك أنتِ ... )
كان تأكيده الأخير هادرا بقوةٍ زلزلت كيانها ... فرفعت وجهها المغرق بالدموع اليه تنظر اليه برهبة ... فمسحت وجهها قليلا و هي تهمس بخفوت
( و أنا لك ...... أنا هنا يا حاتم ..... المسني ..... )
انعقد حاجباه بألم وهو يتأوه بقوة رافعا يده يتلمس جانب محياها الجميل .... نعم إنها هنا ... بين أحضانه ....
الا أنه همس بجنون
( أريد قلبك يا كرمة ...... أحبيني .... )
و دون أن يسمع جوابا تمناه و لن يعثر عليه من عينين جميلتين نظرتا اليه بعجز و أسى ...
انقض على شفتيها فاغرتين وهو يداهم كل حصونها .. يهدها واحدا بعد آخر .... بينما كانت من الإحباط و الضغط بحيث تلاشت به بجنون و هي تشهق من بين أنفاسه المجنونة بها ...... كانت تحتاجه و هو يحتاج النفاذ الى أعماق قلبها ....
لم تنم للحظة .... و تعرف أنه لم ينم بعد ما كان بينهما .... لكنها فضلت الإختلاء بنفسها قليلا ... فنهضت ببطىء و هي تسير بخفة على أطراف قدميها فوق البساط الزغبي ... فداست على أشلاء الفستان الحريري المسكين .....
تعلم أن أنظاره عليها لكنها تناولت روبها لترتديه و تخرج شعرها منه ليتناثر بهمجيةٍ حول ظهرها و كتفيها
اتجهت الى غرفة الجلوس حيث رقصت طويلا مع محمد ... و كان الفجر قد اقترب ..... ففتحت نوافذ الشرفة تستمتع بالنسيم البارد ليلطف من حرارة بشرتها .....ابتسمت قليلا وهي تسمع صوت اليمام ... فهو صوت تعشقه منذ أن كانت طفلة في الدار ... وكان هذا الصوت دائما يخبرها بأن الغد أفضل ....
ارتفع رنين هاتفها الموضوع على الطاولة الخشبية الأنيقة القصيرة ... فاستدارت اليه عاقدة حاجبيها
من سيهاتفها في هذا الوقت من الليل !!
رفعت الهاتف لتجد رقما غريبا ... فازداد انعقاد حاجبيها و هي تشعر بالقلق ... و ما أن فتحت و ردت بخفوت ....
حتى وصلها صوت رجولي تعرفه حق المعرفة .... صوت عاشت على نبرته لسنوات مراهقتها و شبابها كلها ... وهو ينطق أجشا ..متأوها باسمها ما أن سمع صوتها
( كرمااا .......... )
شهقت بصوتٍ عالي وهي تغلق الهاتف بعنف قبل أن تلقيه على الأريكة و كأنها حية سامة ....
.................................................. .................................................. ......................
نظرت الى وجهها في المرآة ... و هالها أن ترى شحوبه و ازرقاق لون شفتيها ....
كانت قد اغتسلت و ارتدت بنطالا من الجينز و كنزة صوفيةٍ واسعة ... بينما تهدل شعرها المبلل على ظهرها ...
تنفست بعنف وهي تنظر الى نفسها هامسة بغضب
( الآن ماذا ؟!! ..... ماذا تملكين سوى انتظار رأسه أو أن يأتي حاملا رأس يوسف ..... )
تنهدت بقوة و هي تهتف بغضب
( اللعنة .... لماذا يكون الرجال أحيانا بمثل هذا الغباء !!! ..... )
صمتت للحظات تنظر الى ملامح وجهها العالية التفاصيل .... بينما قالت بخفوت من شدة وحدتها وهي ترفع يدها لتتلمس وجهها
( لقد خسرت الكثير من وزني ........ لكن لحسن الحظ أن العناية التي تلقيتها حسنت من شكلي كثيرا ...... )
أخذت تميل بوجهها يمينا و يسارا ... تراقبه و تقيم شكلها ... كم كانت تنوي الإهتمام بنفسها الفترة التي تسبق المعرض كي تبدو متلألئة به ....
لكنها هنا لن تجد عناية سوى الصابون فقط .... لذا على الأرجح ستتشقق بشرتها و يتقصف شعرها
استدارت بقنوط بعيدا عن المرآة ... و هي تستند الى طاولة الزينة .... بظهرها متنهدة بيأس و هي تقول
( عشرة فساتين لم يتم تفصيلها ..... عشرة فساتين متبقية ستخرج من العرض , لا لشيء سوى لأن السيد أمر بذلك ....... )
أخفضت وجهها و هي تقول بغضب مكبوت
( كم تعبت .... كم حلمت ...... كم تمنيت يوما مثل هذا اليوم ..... و بعد أن كاد يصبح الحلم حقيقة , يأتي زوجي العزيز و تنتابه نوبة تملكية عنيفة ما أن شعر بأنني قررت الإبتعاد .... )
رفعت وجهها تخاطب الفراغ
( الآن أصبحت بمثل تلك الأهمية لديه !! ........ لدرجة أنه الآن في طريقه كي يقتل رجلا لأجل عيني .. )
رفعت يدها فجأة الى صدرها و هي تشعر بإختناق رهيب .... تريد استنشاق هواءا بأي صورة قوية ... لا تكفيها فتح النوافذ ....
خرجت من غرفتها بصمت و هي تتأمل أرجاء المكان الصامت الباهت في غيابه ... على عكس اشتعاله في وجوده و كأن الحرب قد اندلعت ....
فتحت باب البيت .... فوجدت أنه لم يوصده هل هو واثق بأنها ستنتظره كأي زوجة صالحة بعد أن ينتهي من قتل غريمه ... أم أنه ببساطةٍ كان في حالةٍ من الجنون الغبي منعته من التفكير السليم ....
وجدت أن الأمطار قد توقفت .... و بدا الجو مندى بقطراتٍ رماديةٍ عالقة .... بينما برودته كانت لطيفة منعشة .... خاصة مع وقت الغروب الشاحب ....
خرجت وعد و أغلقت الباب خلفها .... بينما دست يداها في جيبي البنطال الضيق و هي تتلفت يمينا و يسارا بقنوط ... تبحث عن وجهةٍ معينة تمشي اليها ....
سارت ببطىء ... تستمتع بهدوء المكان الذي بدا كصفيرٍ هادىء في أذنيها .....
المكان كان منظما بجمال بسيط ... أربعة بيوت تشبه بيت سيف كلا منها على بعد كبير من الآخر مما يمنح كل منهم الخصوصية .... لكن في نفس الوقت يجعل المكان ليس مهجورا أو مخيفا ....
بيت واحد من الأربعة بيوت ... كان هو الأكبر ... و الأقرب للبحر ....
البحر بدا بعيدا نسبيا ... لكنها كانت تستطيع رؤيته .... و شعرت برغبة رهيبة في السير على رماله ...
تطاير شعرها المبلل كالأراضي من حولها ... و تركت للهواء مهمة تجفيفه .... فبدا فوضويا جميلا ...
قادتها قدماها الى البحر الذي بدا لها يقترب في كل خطوة .... و كذلك البيت الأكبر ....
شرد تفكيرها و الهواء البارد يضرب وجهها و شعرها ....
بداخلها قوتان تجذبانها بجنون الى ناحيتين متعاكستين .....
قوة تجذبها للخنوع .... للقبول برغبة سيف و البقاء بقربه ....
على من تكذب ..... نعم هي تحب البقاء معه ... تحب الشعور بأنوثتها معه ... تحب كل ما يثيره في نفسها من مشاعر لم تعرفها قبله ..... تحب ضحكتها النادرة له .... و تحب ابتسامته ما أن ينظر الي عينيها
تحب سماعها لعبارة أن عينيها هما الأجمل ... حين تخرج من بين شفتيه .....
تحب ..... تحب ....
توقفت مكانها و هي تنظر الى البحر الذي اقترب أكثر .... و هي تهمس بوجوم
( هل هذا هو الحب ؟!! ...... هل هذا هو ما يجبرها على التخلي عن احترامها لنفسها و البقاء مع سيف للتمتع ما يمنحه لها من مشاعر مترافقة مع مساعدات ... و .... اهانات هو غير قادر على السيطرة عليها .... )
أظلمت عيناها الرماديتان .... و ارتجفت شفتيها بشدة ... لا تعلم لماذا تذكرت كرمة الآن ....
بات وجه كرمة هو أول ما يطالعها حاليا .... لطالما أوجعتها وعد .... و بينت لها أن حبها لمحمد ينتقص من كرامتها و آدميتها
كيف لذلك الشعور المرفه المسمى بالحب أن يجعل انسانة ناجحة مثلها تقبل بالإهانة تلو الأخرى ....
تقبل بالفتات الذي يعرضه عليها ..... و تكون سعيدة ... بل و تدافع عنه .....
شحب وجه وعد و هي ترى انقلاب الأدوار الآن .....
لا تزال تتذكر صفعة كرمة لها ما أن تجرأت على اهانة محمد ..... حتى كادت صداقتهما على أن تنمحي في لحظةٍ بسبب هذا الحب المشوه .....
و الآن ..... لقد نجت كرمة بنفسها ..... نجت و تمكنت من الوقوف على قدميها ....
بينما هي قبلت بأول من عرض عليها المساعدة في لحظة احتياج .... ليس لأنه الوحيد .... لكن لأن انجذابا بينهما كان أقوى منها .... سهل لها القبول ....
إهانة تلو اهانة يرافقها اعتراف بحب لا تعرف ..... سيطرة على روحها و كرامتها .....
و الآن بعد أن أوشكت على الوصول لحلمها و بناء كيان لنفسها ....
ها هو ذلك الشعور المسمى بالحب .... يحثها بمكرٍ خادع على نبذ كل ما حققته خلف ظهرها و القبول ما يعرضه سيف ...
حتى اليوم لم تتوقف اهاناته لها ... و معاملته القاسية التي تنفجر ما أن تحاول الهرب من تحت سيطرته ...
نعم .... بداخلها رغبة في البقاء معه .... لتكون أنثى تنعم بحبٍ سمعت عنه و لم تصدقه الى أن جربته
رفعت وجهها الى السماء الرمادية بوجهٍ شاحب ..... و هي تهمس بوجوم
( نعم أنا أحب سيف ........ )
شهقت ببطىء و هي تشعر بنفسها توشك على الإغماء .... فالتقطت عدة أنفاس كي تقاوم الدوار بداخلها ...
و أسرعت الخطا الى البحر كي تجري على رماله الباردة المبللة ....
لكن وقبل أن تصل الى الرمال .. كانت قد وصلت الى البيت الأكبر ....
استمرت في السير بجواره و هي تتأمله كان بيتا حلو الطراز ... لكن ما جذب نظرها هو سوره الخشبي ... سور خشبي يدوي الدهان .... مفرغ بكل لوحٍ به قلب !! ....
سارت بجوار السور الذي لا ينتهي ... و عيناها تطولان بتطفل من بين الألواح الخشبية لتنظر الى الحديقة ذات الورود المختلفة .... و الأرجايح يدوية الصنع كذلك ....
عقدت وعد حاجبيها و هي ترى دميتين من القماش طريفتي الشكل لدرجة الغباء بين اثنين من الألواح و كأنهما معلقتين كنوع من الزينة
دميتان يدويتا الصنع .... بشعرٍ داكن و عينين خضراوين ......
طالت وعد بعينيها الى البيت حتى أعلاه ... لتجد سقيفة خشبيه ... ذات زجاج ملون ... بعضه مكسور بفعل الهواء القوي .... لكن السليم منها ينفذ المتبقى من أشعة الشمس الغاربة .....
كان بيتا ملونا دافئا ذكره بغرفة ملك التي كانت تسكن بها .....
أبعدت وعد عينيها عن البيت و هي تشعر بالحرج من تطفلها ..... ثم تابعت طريقها الى البحر حتى وصلت الى الرمال أخيرا .... فخلعت حذائها الأرضي الخفيف لتنطلق الى برودة الرمال التي دابعت أصابعها ...
كان البحر بموجه هادئا نوعا ما بعد الأمطار ..... رماديا بلون عينيها ....
فاقتربت أكثر قليلا .... تستنشق نسيمه , لكنها فجأة توقفت مكانها و هي تبصر شيئا غريبا ...
فعقدت حاجبيها و هي تمد رأسها كي تتأكد مما تراه ....وحينها تراجعت و هي ترفع حاجبيها بدهشة و هي تهمس
( مالذي ؟!! ......... )
اسرعت الخطوات فوق الرمال الباردة الى أن وصلت لطفلة صغيرة جالسة تلعب بالرمال .... ترتدي كنزة صوفية وردية تحت سترة بغطاء رأس ...
طفلة لا تزيد عن الثانية من عمرها .... خصلات شعرها البنية الناعمة تخرج في غرةٍ جميلة من تحت غطاء الرأس ....
كانت في شكل كرة ملتفة من كثرة الملابس الشتوية التي تحيط بها ... ملابس وردية و برتقالية و زرقاء
اقتربت وعد منها بذهول حتى انحنت على ركبتيها بجوارها و هي تهمس بخفوت كي لا تفزع الطفلة
( مرحبا !!! ..... ماذا تفعلين هنا وحدك ؟!!! ......)
رفعت الصغيرة وجهها الى وعد ...و التي رفعت حاجبها بتوجس و هي ترى الطفلة تأكل من الرمال بمنتهى الحرية و الأريحية ..... لكن عينيها كانتا غاية في الجمال ... داكنتي الخضرة و ذات بريق يفيض شقاوة ...
نظرت وعد حولها ... علها تجد أحدا من أهل الطفلة ... فلم تجد سوى بوابة مفتوحة للسور الخشبي ....
فأعادت نظرها الى الطفلة ذات الوجه الوردي بفعل العفرتة ..... و همست
( هل أهلك مجانين كي يتركوكِ هنا بمفردك ؟!!! ....... )
ضحكت الصغيرة التي بدت معتادة على الأغراب ....فابتسمت لها وعد و هي ترفع يدها لتتلمس جمال غرتها
لكن سرعان ما سمعت صوت امرأة تقول من خلفها
( مرحبا ............ )
التفتت وعد لتجد خلفها فتاة شابة في عمرها تقريبا .... جميلة , ذات شعر أسود طويل يكاد يصل الى وركيها ... و من عينيها عرفت أنها أم تلك الطفلة لا محالة ....
ردت وعد بفتور
( مرحبا ..... عذرا ... وجدتها وحدها على الشاطىء فانتابني القلق .... )
ابتسمت الشابة و هي تقول بغيظ و تذمر
( لا تقلقي .... عيني عليها من نافذة المطبخ ... لأن هذا ما أتوقعه من والدها .... كلما تركتها معه ... )
انحنت لتجلس على ركبتيها بجوارهما و هي تنفض وجه الطفلة من الرمال لتقول بغيظ أشد
( آخر مرة تركتها معه ..... عدت لأجدها مستلقية معه تحت السيارة في المرآب ..... )
نفضت الرمال عن وجه الطفلة و هي تقول بحدة
( لا يا ماما ... الرمال ليست للأكل .... عيب يا ماما ... )
الا أن الطفلة ضحكت بقوة و هي تمسك بقبضة صغيرة من الرمال على وجه أمها بكل قوة ....
بقت الشابة مكانها و الرمال تغطي وجهها و هي تتنفس محاولة الهدوء .... ثم تابعت بتذمر
( هذا أيضا بسبب والدها ..... تركتها مرة معه على على الشاطىء ... فعدت لأجدها و قد أكلت نصف رمال المكان بينما هو مستلقي باسترخاء في الحفرة التي حفرها لها كي تلعب بها ......
و حين عاتبته .... أخبرني بكل هدوء أن الدجاج يأكل بعض الرمال مع الحب لتساعده على الهضم .... )
زفرت بقوة و هي تقول بغيظ
( أشعر أحيانا أن تلك المسكينة سيكون مستقبلها سائقة شاحنة ان شاء الله .... و الفضل لوالدها )
انتبهت لنفسها فجأة ... فارتبكت و هي ترى وعد تنظر اليها بتوجس و حاجبها مرفوع ...
فرسمت على وجهها ابتسامة عريضة و هي تفرد ظهرها لتمد يدا مصافحة لتقول بود
( اعذريني ..... جررتك الى جزء من حياتي المذهلة و نسيت الترحيب بكِ .... أنتِ جارتنا الجديدة اليس كذلك ؟؟ ..... )
لم تبتسم وعد و هي لا تستطيع مواكبة تلك الطاقة الحيوية من الجنون التي هبت عليها فجأة .... لكنها اضطرت لرفع يدها و مصافحتها بدون حماس و هي تقول بفتور
( لو تقصدين أنني أنا من أقيم في أول بيت من جهة الطريق .... فالإجابة نعم ... )
ابتسمت الشابة بسعادة و هي تقول
( ياللسعادة .... أنتِ العروس الجديدة ؟؟ .... أنا سعيدة جدا بحضورك , كنا نعلم بقدومكما لكن قررنا أنا و زوجي ترك بعض الوقت لكما قبل أن نقوم بزيارتكما .... )
عقدت وعد حاجبيها و هي تقول بحيرة
( هل تعلمان بقدومنا ؟؟ .......... )
أومأت الشابة برأسها و هي تقول بسعادة
( نعم .... زوجي هو من باع البيت لزوجك ..... منذ عامين لم يكن هناك سوى بيتنا فقط في هذا المكان المهجور ... و زوجي اشترى المساحة من حوله و بنى عليها الأربعة بيوت المتشابهة كي نكون مجمع سكني صغير يقوم ببيعها حاليا كنوع من الإستثمار .... و في نفس الوقت كي لا نبقى هنا بمفردنا أثناء ذهابه للعمل كل يوم ... ستعجبك الحراسة و الأمان ..... كما أن زوجي لا يبيع لأي أحد .... إنه ينتقي المشترين بنفسه ....... )
رفعت وعد حاحبيها بشر و هي تقول بصوتٍ مشتد النبرات
( اذن زوجك هو من باع البيت لزوجي و انتقاه أيضا !!! .. كنت أعلم أنه اشتراه من شخص ابن حلال .... )
ابتسمت الشابة و هي تقول بتألق
( هل نال البيت اعجابك ؟؟ ....... )
زمت وعد شفتيها و ضاقت عيناها و هي تقول من بين أسنانها
( لقد خدمنا زوجك أكبر خدمة .......... )
ابتسمت الشابة بحرج و هي تحمل طفلتها فوق ركبتيها لتقول بسعادة
( لا تقولي هذا ..... إنه أقل واجب ...... )
ثم رفعت وجهها الى وعد و هي تقول بحب
( القي التحية على أصغر جيرانك .......... نوارة ...)
ابتسمت وعد رغما عنها للطفلة التي تشبه الشمس في جمالها و بريقها ..... بينما قالت أمها بلهجة المنتصرين
( لو تعلمين الحرب التي خضتها لأنجو بها من اسم " محسنة " !! ..... لقد دبت في الأمومة الشرسة حتى وصلنا الى حل وسط ... و سميناها نوارة ..... )
نظرت الشابة الى وعدى ثم قالت و هي تبعد شعرها الطويل عن وجهها الجذاب
( اذن ..... كم مضى على زواجكما ؟؟ ....... هل لازلتما في شهر العسل ؟؟ .... )
كان غيظ وعد يزيد و يفيض ..... من سيف و من زوجها الذي لا تعرف اسمه حتى ... فقالت بمنتهى الهدوء
( لا لسنا في شهر العسل ....... أنا أنتظر البت في دعوى خلع رفعتها ضد زوجي ... ......بينما هو يحتجزني هنا الى أن تلين رأسي ..... )
صمتت الشابة تماما و هي تفغر شفتيها بذهول ناظرة الى وعد التي تتكلم بلهجة طبيعية نسفت كل احلامها الرومانسية ....
رفعت وعد حاجبيها ببساطة و هي تنتظر أن تفيق المسكينة من ذهولها .... و بالفعل بعد فترة طويلة أمالت وجهها جانبها و هي تهمس بغيظ من بين أسنانها
( كنت أعلم طبيعة اختياراته ... و كنت أكذب نفسي ....... تبا له كنت أعلم ...... )
حاولت جاهدة رسم الإبتسامة على وجهها مجددا و هي تقول و كأنها لم تسمع شيئا
( اذن ........ هل زوجك في عمله ؟؟؟ ......... لذلك خرجتِ للشاطىء ......)
قالت وعد ببساطة
( لا ..... لقد ذهب ليضرب شخصا و سيعود سريعا ....... )
ارتسمت ضحكة صامتة على شفتي الشابة .... الا أنها ماتت قبل أن تخرج و هي ترى الجدية على ملامح وعد فابتلعت ضحكتها و هي تعود و تهمس جانبا من بين أسنانها
( تبا ...... و كان فخورا بالجيرة .... الآن عرفت لماذا .... )
ارتفع حاجبي وعد و هي تقول بهدوء
( صوتك مسموع على فكرة ......... )
تنحنحت الشابة و هي تنظر الى وعد مرتبكة ... بينما كانت تهدهد طفلتها التي كانت تقذف رمالا على كليهما ...
ثم قالت أخيرا بهدوء
( أمر مؤسف ...... الا أمل للإصلاح ؟!!! ..... )
نظرت وعد الى البحر دون أن ترد ....و هي لا تعلم جوابا للسؤال ... هي وحدها من يملك القرار ...
أي القوتين تختار .......
بينما تابعت الشابة و هي تتلمس شعر طفلتها بخفوت
( لو تعلمين كيف كانت بدايتي مع زوجي ..... كانت منذ الأزل , منذ أن كنت طفلة ..... و كنت أكرهه أكثر مما كرهت شخصا بحياتي ..... )
نظرت وعد اليها بصمت .... ثم نظرت الى الطفلة لتقول بهدوء
( من الواضح أنكِ تقبلتِ حياتك ....... )
ابتسمت وهي تهز رأسها نفيا ... ثم قالت ببساطة
( لم أتقبلها ..... لكن حدث أن عشقته ..... )
أظلمت عينا وعد و هي تطرق بوجهها ... بينما تلك الشابة ترمقها بإهتمام ... ثم لاحت خلفهما حركة , فاستدارت لتقول بتذمر ...
( ها هو شيخ الرجال .... وصل .... على الأرجح تذكر نوارة و كان من الممكن أن تكون الآن في منتصف البحر في طريقها الى اليونان ..... )
نهضت من مكانها تنفض الرمال عن فستانها البيتي البسيط ... بينما استدارت وعد تنظر خلفها لكنها صدمت بمرآى الرجل الضخم الذي كان واقفا ينتظر زوجته التي تحمل طفلته ...
كان خشن الملامح رغم وسامته .... ذقنه غير حليقة و قميصه مفتوح الصدر بإهمال ....
يبتسم بفخر و كأن أميرة تتجه اليه فوق الرمال و التي بدت بجواره كحمامة صغيرة بين مخالب دب متوحش ... بينما هي تتذمر بغيظ مع صوت الرياح
( لقد تركتها ...... مجددا ..... و أكلت رمال الشاطىء كله )
الا أنها شهقت ما أن ضحك عاليا وهو يرفعها بذراعٍ واحدةٍ وهي تحمل طفلتها .... هاتفا بقوة
( يا قوي !! ......... )
صرخت به وهي تلوح ساقيها
( أنزلني ..... لقد انسحقت نوارة بيننا ..... الن تكبر أبدا .... )
الا أنه كان ينظر اليها بعشق وهو يقول بصوتٍ وصل الى وعد يتناقض تماما مع شكله الإجرامي
( لقد أصبحت زيادة جمالك عادة .......)
هتفت بغضب و هي تضرب صدره
( لن يفيدك التملق ....... هيا لندخل ..... الظلام حل و الجو أصبح باردا على البنت .... )
أنزلها وهو يقول بلهجةٍ آمرة
( دقيقتين و أريد طعام الغذاء جاهزا ......لن تتعللين بتحميمها أو تنظيفها ... دقيقتين و الا قسما بالله ستجدينها تلعب بين الحمام فوق السطح ..... و تأكل من حبوبه .... )
زمت شفتيها بغضب و هي تقول
( لم أعلم من قبل أنني سأندم أشد الندم على انجابي فتاة الا الآن ..... والله لو كان ولدا لكنت سلمته للأحداث و ما اهتممت ....... )
طال زوجها بنظره قليلا....وهو يقول باهتمام
( من تلك التي كانت تجلس معك ؟؟ ..... )
انتبهت الى أنها نسيت وعد تماما .... فضربت صدره وهي تهمس من بين أسنانها
( بشائر خيرك ........ قضايا خلع و محاكم ... منك لله يا ابن محسنة لما تفعله بنا .... )
فتح ذراعيه وهو يقول مرحبا ببشاشةٍ و بصوتٍ أفزع سلطعونات الشاطىء
( يا مرحبا بالجيران الجدد ..... )
كانت وعد قد نهضت على قدميها و هي ترمقه شزرا ..... تتسائل عما يعرفه من قصتهما ...
لكنها قالت بهدوء
( اعذراني ........ يجب أن أعود الآن ...... )
لكنها فجأة وضعت يديها على جانبي وركيها و هي تقول بصدمة
( ياللهي !!! ...... ليس معي مفتاح !! ..... )
ابتسم الزوج وهو يقول ببشاشة .....
( ياألف مرحبا ...... لدينا ضيوف على العشاء اليوم عزيزتي .... )
نقلت زوجته نظرها بينهما و هي تريح طفلتها فوق جانبها ملتفة حول خصرها .... ثم قالت بخفوت
( يااااااااااااااللسعادة ...... )
.................................................. .................................................. ...............
كان أثناء قيادته للسيارة لا يتراىء أمامه سوى شيء واحد ....
لون الدمار ....
ضرب المقود بقبضته وهو يسرع في القيادة ... لا يتمنى شيء سوى الخلاص من ذلك الحقير ....
كانت أعصابه تزداد اشتعالا كلما قطع المزيد من الكيلومترات ....
يشتم بأقذع الألفاظ ...... بينما تنفسه يزداد حدة .....
الى أن شعر فجأة بعدم القدرة على التركيز فشتم وهو يميل بالسيارة ليقف على جانب الطريق المظلم
ارجع ظهره للخلف وهو يتنفس بقوة .... ناظرا أمامه الى الليل الذي أرخى ستائره ...
منذ سنواتٍ طويلة لم يشعر بغضبٍ يماثل ما يشعر به حاليا ......
لا ليس غضبا تماما .... بل كان خوفا ... خوفا هو ما جعله غاضبا بتلك الصورة ....
انها تتسلل من بين يديه كالزئبق ... كلما أمسك بها طارت من يده ....
هتف بعنفٍ وهو يضرب المقود مجددا بجنون
( لماذا ؟؟!!!! ........ )
صرخ مجددا في سكون الظلام
( لماذا يجب أن يكون الأمر بهذا التعقيد ؟؟ ........ )
الحقيقة أنه نال الفرصة لتفريغ غضبه كله .... ما أن سمع آخر يعرض الزواج على زوجته .....
لكن الغضب كان أكبر من ذلك بكثير ..... غضبا من بساطة تخليها عنه ....
أظلمت عيناه وهو يدرك أنه يرفض الإعتراف بالهزيمة .....
ربما ..... ليس عليه سوى الإستسلام ....
هدرت أنفاسه بقسوةٍ في البرد الذي بدأ يشتد ..... و استمر به الوقوف طويلا ... مع نفسه .....
الى أن أخرج هاتفها من جيبه ببطىء .... فطلب رقم يوسف و الذي لم ينتظر لأن يزيد الرنين عن رنتين فأجاب هاتفا بصوتٍ رجولي ملهوف لهفة يدركها سيف جيدا
( وعد .......... أين أنتِ ؟؟ ........ )
الا أن سيف أجاب بهدوء غريب
( لما لا تواجهني كرجل ..... عوضا عن التعرض لزوجتي كل مرة ...... )
سمع صوت تنفسا أجشا .... ثم تكلم يوسف أخيرا
( تلك الزوجة هي امرأة ...... تتنفس ... تحيا .... خطفتها ... حقرت من شأنها مرارا .... و الآن تتكلم من هاتفها بينما لا أحد يعلم أين هي و أي عذابٍ تذيقها ..... )
شحب وجه سيف .... لكنه لم يسمح لذلك التأثر الطفيف أن يظهر على صوته وهو يقول مشددا على كل حرف
( و ما دخلك أنت بما بيني و بين زوجتي ....... آآه تذكرت تريد أن تتزوجها اليس كذلك ؟؟ ... لكنها للأسف متزوجة ........ )
رد يوسف بصوتٍ قوي .... كادت ذبذباته أن تصل عبر الموجات الى سيف و بشدة
( إنها أمانة ..... قبل أن تكون المرأة التي أريد الإرتباط بها ..... )
كيف يتحمل سماع ما يسمعه ؟!! ..... هو نفسه لا يعلم ..... ربما هي الرغبة في أن يعذب نفسه وهو يفعل بها ما يفعله دون أن يجد القدرة على التوقف ....
قال أخيرا بصوت غريب
( أمانة !! ...... زوجتي أمانة لديك !!! .......أنت !! ....)
أجابه يوسف بقوة
( سافرت الي هربا ...... و كانت تنوي البقاء لفترة طويلة في الخارج و ترسل في طلب أختها .... لولا وفاة والدها .... حينها عدت معها على أن ترجع معي ..... لكنك أخذتها بكل سهولة دون رغبتها .... عادت الى ما هربت منه و كانت تحت حمايتي .... حتى ولو كانت زوجتك ...... انه ما يسمى الضمير ... هذا لو كنت تمتلك شيئا منه ...... لا تحملها المزيد , صحتها لم تعتد تحتمل ,...... تحلى ببعض الكرامة و استسلم ....)
ساد صمت أسود بينهما ... فعلم يوسف أنه ضرب ضربته الأقوى .. فألحقها قائلا
( أنت تدمر حلما عاشت من أجله لا تملك حتى المقدرة على تخيله ...... أنا الغريب عنها أدركت ذلك )
أبعد سيف الهاتف عن أذنه ببطىء ليغلقه بقوة ... بينما بقى مكانه طويلا , دون أن ينظر مرة واحدة للساعة ...
" أنت تدمر حلما عاشت من اجله طويلا ..... "
نظر سيف الى هاتفها في يده .... قبل أن يتذكر بأنه تركها وحيدة .... بلا هاتف ...
حينها عرف الجواب ... خوفه عليها أطفأ نارا كانت تشتعل أمام عينيه بلون الدم .....
و دون تفكير انطلق مجددا بالسيارةِ ..... عائدا اليها .....
.................................................. .................................................. ....................
نظرت الى وعد النائمة على الأريكة و قد دثرتها بغطاء سميك ....
ثم عادت الى زوجها لتهمس بقلق
( تبدو و كأنها لم تنم منذ أعوام ........ )
فرفع زوجها الهاتف الى أذنه وهو يقول لها
( سأهاتفه لأطمئنه عليها ........ ربما يكون في الطريق عائدا الآن ... )
مطت زوجته شفتيها بإمتعاض و هي تقول بغيظ شديد
( رجل متجه الى عراك .... بالله عليك ليس من المنتظر أن يعود قبل عدة ساعات .... )
نظرت اليه بطرف عينيها و هي تقول بتذمر مكبوت
( الرجال ما هم الا أطفال متمردين ...... )
رد الرجل أخيرا ليقول بصوته الأجش القوي ...
( هي بخير سيد سيف ..... سررنا بضياافتها حقا , على الرغم من أننا لم نقضي معها الكثير من الوقت بالفعل فلقد سقطت نائمة على الأريكة .... نعم .... نحن في انتظارك .... جيد جيد )
أغلق الهاتف وهو ينظر الى زوجته مبتسما ... ثم مد يديه ملوحا بتحدي
( انه على بعد دقائق من هنا ......... )

مطت شفتيها بامتعاض ثم استدارت لتبتعد ... الا أنه أمسك بمعصمها يديرها اليه بقوةٍ حتى وقعت على صدره .... فقال بخفوت
( إنه العشق الذي أوقعني بكِ ذات يوم ....... )
ابتسمت قليلا و هي تهمس مادعبة عنقه بيديها
( بل الذي أوقعني أنا بك ....... كنت اجمل حفرة سقطت بها )
قربها منه يتحسسها برفق وهو يهمس بخشونةٍ
( و ستظلين وسادتي الأنعم و الأجمل ...... )
همست بإعتراض ضعيف
( توقف ........... )
ضحك بصوتٍ أجش وهو يقول ملتهما تفاصيلها الجذابة
( ألم تيأسي بعد من أمر التوقف هذا ....... )
ضمها اليه بمحبة وهو يهمس في اذنها بصوتٍ أجش
( اعطني اشارة الحركة ....... )
ابتسمت رغما عنها و هي تعلم جيدا الى أن يسير مزاجه حاليا ... فقالت بخبث
( و كأنك تحتاجه !!!........... )
طافت يداه على قدها الناعم ذو المنحنيات وهو يهمس بخشونة
( لا ....... لكنه يبدو مثيرا من بين شفتيكِ ..... )
حاولت الإبتعاد عنه و هي تهمس
( لدينا ضيوف ...... احترم نفسك )
همس مقبلا عنقها
( إنها لا تبدو منتمية الى عالم الأحياء .......... هل عرفتِ الآن فائدة الجيران الذين أنتقيهم بنفسي , يثيرون في نفسي العاشق القديم ....... )
رفعت وجهها البريء اليه وهي تهمس بحب
( و كأنه غاب ولو للحظة!! .......... )
ارتجفت ابتسامته للحظة وهو يقول بخشونة خافتة
( هل أنتِ سعيدة ؟؟ ............ هل لازلتِ سعيدة بنفس الدرجة ؟؟ ..... )
ابتسمت بوله و هي تقول ناظرة الى عينيه بقوةٍ
( وعد مني .... لن أحب غيرك في الوجود .......... )
اقترب وجهه منها ببطىء دون أن يبتسم وهو يهمس ملامسا فخذها بحنان
( لقد طال شعرك جدا ....... حتى أصبح كليلٍ طويل ... في طول الليالي التي انتظرتك بها حتى تنام الصغيرة .... و أنتهت بأن نمت أنا قبلها ...... )
ليلتقط بعدها شفتيها في قبلاتٍ صغيرة مشتاقة .... قبل أن يعمق قبلته ناسيا الضيوف و المكان .... لكنهما انتفضا فجأة ما أن سمعا رنين الباب المجنون
فابتعدا عن بعضهما بذعر و كأنهما قد ضبطا متلبسين بفعلٍ مشين ..... فشتم بلفظ بذيء رغما عنه الا أنها وضعت يدها على فمه بسرعة و هي تنظر الى المكان الذي تستلقي به وعد وهي تهمس
( هششششش ....أين ذهب العاشق القديم !! ..... لسانك هذا بات خطيرا على تربية نوارة ... هيا افتح الباب )
ابتعد الى الباب بتذمر وهو يقول بصوتٍ خافت
( أقسم أنكِ لو نمتِ الليلة قبلي .... فسوف أحملك بنفسي للسقيفة و أبثك حبي الى أن تتجمدي بردا ... )
رفعت يديها لتغطي بهما وجنتيها اللتين لا تزالان تحمران خجلا من تصريحاته المخجلة حتى اليوم ...
بينما فتح الباب وهو يقول ببشاشة زائفة ظهرت للتو
( ياااااااا ألف مرحبا ........ )
الا أن سيف اندفع يقول بقلق
( أين هي ؟؟ ............ هل هي بخير ؟؟ ..... )
قال الرجل بهدوء
( انها بخير فقط نائمة ...... ستوقظها زوجتي .... )
نظر اليه سيف بصمت طويلا قبل أن يقول بصوتٍ خافت
( لا داعي من فضلك ..... هلا أرشدتني الى مكانها ........ )
أشار بيده بموافقة .... دون أن يتقدمه ليمنحه بعض الخصوصية .... فاتجه سيف اليها ببطىء ... حتى جثا بجوار الأريكة ينظر اليها ..... وعده .... كانت نائمة ووجهها يكاد أن يكون شاحبا مزرقا
مد يده يلامس وجنتها بظاهر كفه .... وهو يتأملها ... بينما الصوت لا يزال يهدر في أذنه
" أنت تدمر حلما عاشت من اجله طويلا ..... "
دس ذراعيه تحت ظهرها و ركبتيها ليرفعها و ينهض بها بحرص .... لكنها لم تستيقظ
فخرج بها بهدوء وهو يومىء لصاحب البيت و زوجته ..... فهمست زوجته بعطف
( دع الغطاء عليها ...... كي لا تبرد من الهواء )
همس سيف بشكر
( أنا ممتن لوجودكما ....... لن أتركها مجددا .....أشكركما )
أومأت مبتسمة برقة و هي تهمس
( لا عليك ..... لقد سعدنا بها ......)
ابتسم سيف قليلا قبل أن يخرج بها وهو يضمها الى صدره بقوة ..... كي يضعها في سيارته الواقفة أمام البيت
و ما أن أغلق صاحب البيت الباب .... حتى التفت الى زوجته بنظراتٍ شيطانية ... فابتسمت بحالمية وهي تهمس
( جارنا وسيم للغاية .......)
اختفت ابتسامته على الفور وبان التوحش على ملامحه وهو يهجم عليها بينما صرخت عاليا و هي تضحك لتجري منه بسرعة ... بينما أعاقه عن اللحاق بها عرج بسيط لا يزال متخلفا بإحدى ساقيه ... فوقف مكانه وهو يتأوه قليلا ... فانتفض قلبها و هي تستدير اليه تلهث قليلا , ثم عادت اليه بسرعة لتسنده بذراعيها و هي تقول بقلق
( ماذا ؟!! ...... هل عاد ظهرك ليؤلمك ؟!! ....)
رفع وجهه اليها و قد عادت اليه الشيطانية وهو يجذبها اليه بقوةِ ليسقطا أرضا وهو يقول بقوةٍ ضاحكا
(كلي يؤلمني .......... تعالي ....)
أخذت تضربه و تشتمه بينما سيطر عليها بسهولةٍ وهو يقول بخشونة
( اهدئي يا امرأة ......... )
و كان هذا هو آخر ما نطق به أحدهما لفترةٍ طويلة ..... أطول من شعرها ......
.................................................. .................................................. .....................
دخل سيف الي البيت وهو يحمل وعد التي ما تزال نائمة .....ثم تحرك عدة خطوات في اتجاه غرفته , الا أنه عاد و توقف مكانه قليلا وهو يخفض وجهه ليطيل النظر الى وجهها الشاحب ....
بعض آثار غضبه كانت لا تزال ظاهرة عليها بوضوح ... مما جعل شيئا ما يضربه اسفل قلبه بشدة ....
فاستدار ببطىء ليتجه بها الى غرفتها .... ليضعها على سريرها برفق دون أن تفتح حتى عينيها ....
جلس سيف بجوارها على حافة السرير برفق وهو يبعد شعرها الفوضوي بعيدا عن وجهها الشاحب و الذي يكاد أن يكون شفافا .... ثم همس بصوتٍ أجش
( ما كل هذا النوم ؟!! ..... مما تهربين ؟؟ .... مني ؟؟!! ..... )
لكنها لم تسمعه ... و لم تتحرك ... فانعقد حاجبيه بألم وهو يتأمل رقتها ... لقد بدت و كأنها مصنوعة من زجاجِ رقيق .... يهدد بالتهشم في أي لحظة
فنهض من مكانه ليساعدها على خلع ملابسها ببطىء و رفق كي لا تستيقظ .... ثم ألبسها إحدى سترات بيجاماته الشتوية عن قصد .... وهو يعرف نفسه يعشق رؤيتها بملابسه ....
و ما أن انتهى حتى بدت كطفلة أكبر قليلا من مراهقة .... بنحافتها و بياض بشرتها ... و شعرها الفوضوي بعيدا عن الترتيب ....
وقف مكانه يتأملها طويلا و هو يهمس لنفسه
" كيف تتخلى عمن تحب النظر اليها لمجرد النظر !! ....... "
تنهد باحتراق وهو ينحني ليدثرها جيدا ..... ثم قبل وجنتها بقوةٍ ليهمس بصوتٍ أجش
( تصبحين على خير يا وعد .......... )
ابتعد بعدها سريعا قبل أن يتهور و يندم مجددا ......
استيقظت وعد خلال الليل بعد عدة ساعات و هي تشعر بضيق في تنفسها ... فاستقامت جالسة في سريرها تنظر حولها و هي تضغط صدرها برفق تحاول ان تنظم تنفسها ....
الا أن يدها لامست سترة بيجامة سيف الشتوية الناعمة ... فهمست
( سيف !! ......... )
خرجت من سريرها بسرعة و هي تبحث عنه ..... الى أن فتحت باب غرفته و كان الظلام مغرقا المكان فعادت لتهمس بضعف
( سيف ......... )
شعرت بحركة سريعة و سرعان ما أضيء الضوء الجانبي لسريره و استقام جالسا ليقول بقلق
( لماذا قمتِ من سريرك ؟؟ ... هل أنت بخير ؟؟ .....)
قالت بضعف و هي تضغط صدرها
( أشعر بضيق في التنفس ........... )
انتفض جالسا مستويا و هو يفتح أحد الأدراج المجاورة لسريره ... ليخرج منه شريط دواء فتح منه قرصا وهو يقول بسرعة
( تعالي لتأخذي دوائك ........... )
نظرت اليه قليلا قبل أن تقول بوجوم
( هل تحمل دوائي معك ؟؟ ........ )
مد لها يده فاقتربت منه ببطىء الى أن جلست على حافة السرير كما كان يفعل هو عند سريرها
ثم أجاب بخفوت
( بالطبع ....... هيا ابتلعيه , ..... و اشربي الماء )
ابتلعت وعد القرص و هي تدلك صدرها قليلا .... و ما أن حاولت النهوض , حتى جذبها اليه ليجعلها تستلقي بين ذراعيه .... ظهرها ملاصق لصدره ... وهو يدثرهما معا بغطاءه هامسا بصوتٍ أجش
( نامي .......... )
كان جفناها يغلقان ببطىء بينما يده تدلك ظهرها بقوة ..... الى أن نامت بالفعل .....
و ظل هو ينظر اليها طوال المتبقي من الليل ...... من سيعطيها دوائها حين تحتاجه ؟؟ .......


انتهى الفصل 39
قراءة سعيدة


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:15 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.