آخر 10 مشاركات
236-واحة القلب -جيسيكا هارت -عبير مكتبة مدبولي (الكاتـب : Just Faith - )           »          1-لمن يسهر القمر؟-آن هامبسون -كنوز أحلام قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          الضحية البريئة (24) للكاتبة: Abby Green *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          هل يصفح القلب؟-قلوب شرقية(33)-[حصرياً]للكاتبة:: Asma Ahmed(كاملة)*مميزة* (الكاتـب : Asmaa Ahmad - )           »          ستظل .. عذرائي الأخيرة / للكاتبة ياسمين عادل ، مصرية (الكاتـب : لامارا - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          إلى مغتصبي...بعد التحية! *مميزة ومكتملة *(2) .. سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          [تحميل]رواية قل متى ستحبني؟!!/ للكاتبة شيماءمحمد ShiMoOo، مصرية (الكاتـب : Just Faith - )           »          16- انت وحدك - ناتالى فوكس . حصريا" (الكاتـب : فرح - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هي الرواية الجديدة التي تفضلونها
فكرة جديدة تماما 2,055 56.56%
جزء ثاني لرواية بأمر الحب 665 18.30%
جزء ثاني لواية لعنتي جنون عشقك 913 25.13%
المصوتون: 3633. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree505Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-07-15, 11:51 AM   #21081

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي


الفصل السادس و الأربعين :
( لقد طلقتك اليوم صباحا يا وعد ........... )
للحظات لم تشعر بأطرافها .... و كأنها انفصلت عن جسدها و طفت بعيدة , تراقب نفسها ...... و هي تقف جامدة .... تحاول التقاط اشارة ما تعيدها للحياة .....
ساد صمت غريب بينهما , فقال سيف بخفوت قلق
( وعد ........ هل ...... أنتِ بخير ؟ )
رمشت بعينيها عدة مرات ... و فغرت شفتيها تتنفس ما يضمن لها بعض الحياة مؤقتا ... ثم قالت بصوت غريب على أذنها
( نعم ...... نعم ....... بخير ....... )
كان حوارا مهذبا .... مضحكا بمأساوية ........ فقال سيف بعد عدة لحظات بصوتٍ أكثر خفوتا ,
( هذا ما أردته .......... اليس كذلك ؟.... )
ابتلعت ريقها و هي ترفع رأسها قليلا ... تحاول التنفس بطبيعية ... ثم أسرعت تقول بفتور
( نعم ....... نعم ...... شكرا ...... )
ساد صمت طويل هذه المرة .... بينما هي تتشبث بهاتفها تنظر حولها قليلا و كأنها تبحث عن نفسها .....
ثم قال سيف بصوت جامد خافت
( ربما تأخرت كثيرا ....... و ضيعت من وقتك الكثير بأنانية )
ارتجفت لا تعي شيئا مما يقوله ..... لكن تمكن لسانها من النطق منفصلا عنها
( لا ...... لا ....... أبدا ...... لقد كان بيننا العديد من الايام الجميلة )
صدمتها ضحكته الخافتة الخشنة .... و التي بدت كحشرجةٍ حيوانٍ ضاري يحتضر
( لكن على ما اظن أن الأيام المؤلمة كانت اكثر عددا ....... )
نطقت بخفوت و هي تشعر بتجمد أطرافها
( نعم .... ربما ....... لم أعد واثقة ....... )
قال سيف بخفوت بائس
( لا ....... لا تدعي الشك ينتابك الآن , فأمامك طريق طويل و أنت في بدايته ....... )
ابتلعت ريقها بذهول و هي ترمش بعينيها متسائلة ... هل تهذي ام تعيش كابوسا ؟!! ....
هل فعلا انتهى الامر بهذه البساطة و السرعة ؟!!!...... نعم سرعة ...... و كأنهما تزوجا بالأمس فقط .... و كأن الأشهر لم تمر بينهما طويلة .....
قال سيف يقاطع تفكيرها المهووس بخفوت غريب
( تستحقين فراقا اكثر احتراما ..... لكنني تعبت المواجهة ....... لذا فضلت أن ...... )
انتهى صوته .... انتهت خشونته التي خفتت الى أن انتهى صوته دون أن يتابع ... فساد صمت قليل قبل أن يقول بصوتٍ أكثر خفوتا
( وعد ....... هل تعديني بشيء ؟ ...... )
فغرت شفتيها تلتقط نفسا ... لكنها لم تجده , فقالت بخفوت لا تزال الصدمة بادية عليه
( نعم ...... طبعا ........ اي شيء ....... )
صمت قليلا ..... ثم قال بصوته العميق و الذي بدا كهمس خافت أجش
( عديني أن تكوني بخير دائما ......... )
ظلت صامتة قليلا .... تنظر بعينين متسعتين أمامها بينما صدرها يعلو و يهبط بسرعة مؤلمة حتى رفعت يدها تلمسه بصعوبة علها تهدىء من خفقاته المؤلمة .... ثم تدبرت ضحكة صغيرة جوفاء و قالت بخفوت
( أما قلنا من قبل ... لا وعود ............ )
قال سيف بصوت أجش بدا مختنقا قليلا
( قلتِ للتو بأنكِ ستعدينني بأي شيء ........الا أستحق منكِ ذلك الوعد في النهاية ؟! ... . )
زفرت نفسا مرتجفا كان محتبسا في صدرها الهائج ثم قالت باختناق
( سأبذل قصارى جهدي ............أعدك بذلك )
عاد الصمت ليسود بينهما طويلا ... و كأنهما غريبين لا يجدان وصفا مناسبا يصف ما يحدث .... الى أن قال سيف بصوتٍ له صدى و كأنه تأوه .....
( وعد ............ )
بدأت شفتيها بالإرتعاش ..... و رفعت وجهها لأعلى ترمش بعينيها و هي تحاول التنفس بأعجوبة
الا أنه عاد ليقول بنفس النبرة المترددة عبر الأمواج بينهما
( وعد ........... )
فردت بصوتٍ يرتعش
( نعم ............... )
سمعته يأخذ نفسا أجشا قبل أن يقول بصوت خافت
( سأظل دائما ابن عمتك ..... هذا واقع لن يغيره شيء في العالم , تعلمين ذلك ..... )
امتدت شفتيها المرتعشتين في ابتسامةٍ ملتوية ... الا أنها فشلت فاختفت قبل أن تظهر ...
ثم قالت بصوتٍ مختنق
( نعم ........... تلك هي علاقة ...... لن تنفصم ..... ابدا ..... اطمئن )
ثم اختنق صوتها هي هذه المرة فشهقت شهقة بكاء معتصرة صدرها ... فتأوه سيف وهو يقول بصوت معذب خافت
( وعد ............. )
الا أنها قالت بسرعة و هي تكتم فمها بيدها بينما الدموع تنساب من عينيها بغزارة
( يجب ان اذهب ........... )
و اغلقت الخط مع آخر احرف بكائها و نطقه اليائس باسمها ......
لكنها رمت الهاتف على السرير و نهضت من مكانها تتلمس الاثاث ..... تدور بين انحاء الغرفة و كأنها تبحث عن شيء وهمي ... ثم همست من بين نشيج مذهول
( ماذا بكِ ؟! ........ ماذا بكِ ؟! ...... لقد حضرتِ نفسك لهذا الألم طويلا ..... ماذا بك الآن ؟!! .... )
وقفت مكانها و هي تغمض عينيها محاولة السيطرة على نفسها و ملامحها .... تحاول تقوية نفسها ...

لكن حين شعرت ان ساقيها غير قادرتين على حملها طويلا .... ارتمت على السرير و هي تدفن وجهها بين اغطيته لتفجر كل انهار دموعها بعدد كل حجرٍ بنته في الحائط بينهما على مدى الاشهر الماضية .....
سمعت صوت رنين هاتفها يتواصل ملحا ..... و كانت تعلم علم اليقين انه هو .... لكنها لم تستطع ان تسمع صوته و هي تعلم انه لم يعد لها ..... تلك النبرة العميقة لم تعد لها ..... لم تعد تخص أذنيها
حتى الآن لا تزال غير مصدقة .....
( وعد .......... لماذا تبكين ؟!! ...... )
أغمضت وعد عينيها على صوت ملك الخافت الخائف عند الباب .... لابد أنها أتت على صوت شهقاتها المختنقة ....
صمتت وعد و ابتلعت دموعها بصعوبة خانقة دون أن ترفع وجهها .... فاقتربت ملك لتشعل الضوء ....
و دخلت اليها مترددة .... ثم قالت بخفوت
( وعد ...... ماذا حدث ؟!! ........ )
ظلت وعد صامتة تحاول السيطرة على نفسها ثم قالت اخيرا بصوت مخفي بين الأغطية و الوسائد
( لم يحدث شيء يا ملك ...... فقط اتركيني قليلا ...)
ظلت ملك واقفة مكانها قليلا ..... ثم تحركت في اتجاهها الى أن جلست على حافة السرير بجوار رأس وعد ....
فقالت بصوت يائس
( ملك رجاءا ..... اذهبي الآن ....)
الا أن ملك ظلت جالسة بجوارها .... تنظر اليها بصمت ثم قالت بخفوت
( لا لن أذهب ...... حتى إن لم تستطيعي الكلام )
نظرت ملك الى هاتف وعد الذي ظل يرن بإلحاح ... فمالت تلتقطه لتنظر الى الإسم ... ثم رفعت وجهها الى وعد تقول بخفوت
( إنه سيف ...... الن تردي عليه )
قالت وعد باختناق دون أن ترفع وجهها
( اتركي الهاتف يا ملك .......)
اخفضت ملك الهاتف الى ركبتيها و هي تنظر الى وعد بقنوط .... ثم مدت يدها تتلاعب بشعرها كما كانت تفعل وعد معها ... حينها لم تستطع وعد منع نفسها أكثر بعد ان طال جلوس ملك
فاهتزت كتفيها بنحيبٍ خافت .... دون أن ترفع وجهها ......
تركتها ملك قليلا قبل أن تقول بخفوت
( ماذا فعلتِ به مجددا ثم ندمتِ بعدها ؟؟ .......... )
ابتسمت وعد ساخرة بمرارة من بين دموعها ..... ثم همست بعد فترة طويلة
( لم أفعل أنا شيئا هذه المرة ........ و لن أفعل فيما بعد ......لقد طلقني سيف )
فغرت ملك شفتيها ببطىء ... حتى اتسعت بالكامل ... بينما التمعت عيناها بلون الهلع و هي تهمس دون وعي
( بسبب ما اقترفته أنا ؟!!! ......... )
ظلت وعد مكانها قليلا .... قبل أن تستقيم لتجلس ببطىء متهالك بجوار ملك ... مطرقة برأسها ... شعرها متهدل من حولها كروحها المتهدلة بلا حياة .... أخذت نفسا مرتجفا , قبل أن ترفع يدها لتسمح الدموع عن وجهها بتعب ... ثم نظرت الى ملك بعينين حمراوين .... تتأملها طويلا
رفعت وعد يدها التي لا تزال مبللة بدموعها تتلمس بها وجه ملك الشاحب المصدوم ... ثم همست وعد أخيرا بصوتٍ لا يكاد يسمع
( بل بسبب ما اقترفته أنا ........ أنتِ لا دخل لكِ ...... )
الا أن ملك قالت بارتياع خافت
( لقد أصبح وجودي خزي لأي عائلة كبيرة ..... هل هذا هو السبب ؟؟ ...... )
هزت وعد رأسها نفيا و هي تمد كلا يديها لتمسك بكتفي ملك لتقول بصلابة على الرغم من وجهها المتورم بالدموع ..
( لا تنعتي نفسك بتلك الأوصاف مجددا ..... لن أسمح لكِ ........ )
أرتجفت شفتيها قليلا و هي تتنفس بقوة كي تجلي صدرها المتألم ... ثم قالت بخفوت
( ما بيننا أنا و سيف كان أكثر تعقيدا مما يمكنك استيعابه ...... أنا فقط .....أنا فقط ...... )
مدت ملك كلتا يديها لتحيط بهما وجه وعد و هي تقول بقوة
( تحبيه ....... أنتِ تحبيه ..و تموتين الآن بداخلك . فلماذا تفعلين به و بنفسك ذلك ؟!!.......... )
صمتت قليلا تنظر الي عيني وعد الرماديتين الحمراوين .... فقالت وعد بفتور ميت
( الازلت تؤمنين بما يسمى حبا يا ملك ؟!! ........ )
شعرت ملك و كأن وعد ضربتها بقوة ...... حتى أن ملامحها أجفلت للحظة , ثم انتشر الوجع بداخلها كلونٍ أسود وقع و تشعب في صدرها ملوثا روحها النقية .....
زفرت ملك نفسا نازفا ... لكنها لم تستسلم و هي تقول بصوتٍ متحدي رغم نبرة الألم به
( و أنتِ ؟!! ........ انظري الى عيني و أخبريني أنكِ لا تحبين سيف ....... )
مالت عينا وعد بعيدا عن عيني ملك .... لم تستطع ..... لم تستطع حتى مجرد النظر اليها , لا نطقها !! ....
قالت وعد أخيرا بخفوت مرتجف
( لا داعي لكل هذا الآن ...... لقد افترقت بنا الطرق و انتهى الأمر ..... )
شددت ملك على وجهها بين كفيها و هي تجلس أمامها على ركبتيها لتقول بقوة
( اذهبي اليه يا وعد ..... ليس هناك ما يقيدك .... اذهبي اليه غدا و لو اقتضى الأمر توسلي اليه كي يعيدك .... لكن لا تبقي مكانك هكذا تنزفين حتى الموت ....... )
رفعت وعد عينيها الى عيني ملك .... تنظر بصمت الى قوتها الرقيقة الغريبة على الرغم من كل ما تمر به .....
توقف رنين الهاتف ..... لتصل رسالة صوتها شق السكون القاتم بينهما .....
نظرت وعد الى الهاتف بصمت و ألم .... لكن ملك هي من تناولت الهاتف و فتحت الرسالة لتقرأها بصوت خافت لكن مسموع لدرجة اخترقت كيان وعد
( هل أنتِ بخير ؟؟ ........ أجيبيني )
رفعت ملك وجهها الى وعد و مدت اليها الهاتف تقول بقوة
( ردي عليه ..... طمئنيه ....... اطلبي منه العفو ........ )
ظلت وعد تنظر الى الهاتف طويلا بيأس قبل أن تلتقطه و ترد برسالة أخرى.... فالكتابة أكثر سهولة من أن تنطق أمامه حاليا......
فكتبت سريعا ترد
( أنا بخير ....... لا تقلق )
وصلها الرد بأسرع مما تتخيل
( أريد سماع صوتك ........... )
أرتجفت بشدة .... و التاع قلبها أكثر ... فابتلعت غصة في حلقها باختناق و هي تكتب ترد بأصابعها المرتجفة
( لا أستطيع الآن ....... لا تقلق , هل كنت أستطيع الكتابة لو كان قلبي العليل قد انهار ؟!! ....)
ارسلت الرسالة .... فساد الصمت لفترة طويلة .... و تأخر الرد .... و كانت تعرف أنها تضغط على نقطة ضعفه ..... مرضها ..... لطالما كان هو الآخر ضعيفا تجاهها ....
رمشت بعينيها عدة مرات ..... منتظرة بقلب خافق ... و هي تهمس بداخلها
" أعلم أنني فعلت الكثير ......و آخر مواجهة بيننا كنت شديدة الدناءة ......لكن لا تتركني الآن ....أرجوك "
حين هاتفته منذ قليل .... كانت تخبره بانها تنازلت عن دعوى الخلع ... ناوية ان تطلب منه ان ينتظرها قليلا الى ان تحل مشكلة ملك .....
لم تكن تتخيل انه تعب هكذا و استسلم سريعا ...... ....
لقد جرحته و اهانت رجولته اكثر من مرة ... علنا ... و فيما بينهما ..... لكن .... لكن ....
لكنه يحبها .... الا يغفر ... و يتفهم ؟؟ .........
وصلتها الرسالة فانتفض قلبها و رفعت الهاتف بكلتا يديها الى وجهها تنظر اليه بلهفة و قرأت الرسالة
( أتمنى لكِ كل الخير يا وعد ....... فقط تذكري أن ابن عمتك موجود .... و بيت عمتك مفتوح لكِ و لملك دائما .......)
فغرت وعد شفتيها و هي تقرأ تلك الأحرف المتناثرة أمامها ... و قد بدأت تتباعد و تتمواج بين أمواج غلالة دموع عينيها ...... حتى سلاحها الضعيف لم يعد يؤثر ليأتي به جريا اليها .......
سقطت يدها بالهاتف على حجرها بصدمة ...... لقد انتهى ما بينهما ...... أخيرا ........ و للأبد ......
لكن بعد أن ربطها بعشق ٍ أقسمت الا يضعفها يوما ...... و ها هي نكثت بقسمها .......
رفعت عينين متوسلتين الى ملك تسألها العون .... فجذبتها ملك الى صدرها و هي تلمس شعرها .... تاركة لها الفرصة كي تبكي بألم ... بينما ملك تهمس لها بخفوت
( لدي يقين أنها ليست النهاية ......... اذهبي اليه يا وعد .........)
أغمضت وعد عينيها و هي تضم خصر ملك اليها ..... تشعر بأن الدائرة تتسع من حولها لترميها بين أمواجٍ أكثر علوا من تلك التي كانت تظنها عالية قبل دخول سيف الى حياتها .......
.................................................. .................................................. ....................
ترك سيف هاتفه بجواره و هو ينظر أمامه بوجه قاتم .... فاقد الرغبة في الحياة ......
لقد خرجت وعد من حياته بعد صولات و جولات .......
نظر حوله الى غرفتها ... و هو يجلس على حافة سريرها ........
فنهض من مكانه وهو يشعر بالإختناق .... حتى أنه فك أزرار قميصه الأولى ... و تحرك مجهدا بصعوبة الى الأن استند بكفيه الى طاولة زينتها الصغيرة ... مخفضا رأسه وهو يحاول جاهدا التنفس دون الم
كان طلاقها يبدو و كأنه انتزاع اللحم من جسده .... و امتصاص الدم من وريده
رفع رأسه عاليا لينظر الى المرآة القديمة أمامه قبل أن يصرخ فجأة بوحشية
( تبا ..........)
ثم ضرب المرآة بقبضته فتهشمت بشكل سرطاني ... جعل من وجهه مشوها
بينما تركت قبضته خيطا دمويا بين تعرجات الزجاج المحطم ....
ظل ينظر الى وجهه المحطم المجزء بعينين قاتمتين ..... لا يصدق أنه سيف الدين فؤاد رضوان ذلك الذي تملكه امرأة بتلك الصورة المخزية .....
لم يصدق أن تسرقه لتلك الدرجة .... درجة أن يقبل منها الجرح و النفور و الرغبة في الإبتعاد و التحرر و كأنه لم يساوى لديها أكثر من تذكرة مرور لعالم أرقى و أفضل ....
استدار على عقبيه وهو يراقب غرفتها ربما للمرة الأخيرة ......
فرقت عيناه المظلمتان وهو يتذكرها تخرج من تلك الغرفة الى الرواق .... مرتدية منامتها الوردية الباهتة .... و شعرها المشعث حول وجهها ....
تراقبه بنظراتٍ حذرة كارهة .......
يومها علم ان تلك الفتاة دخلت قلبه دون اذن .... ودون حتى رغبة منه ........
تحرك ببطىء .... غير آبه لكفه المجروحة ...... وهو يتفقد باقي المكان ....
ذلك البيت الذي كان بالنسبة له دائما جحر الكره و الرغبة في الاذى .....
بات الآن محراب يأتي اليه ليتذكرها .... ليبثها حبه .... و يتذكر لحظات عشقهما الذي كان قبل ان تنطقه الألسنة ......
لقد انكسر آخر ما بينهما ليلة المعرض ..... ووضعت كلمة النهاية .....
لذا كان عليه الرحيل بآخر ما يمتلكه من كبرياء ......
لم يتخيل أبدا أن يستطيع فعلها ..... أن يطلقها و دون حتى أن يمتلك الجرأة على النظر الى عينيها .....
لكن وعد علمته الإنسحاب حين لا يكون له مكان بعد الآن ......
ليعود الى مكانه الذي تركه بكل انانية ...... الى بيته ..... شقيقتيه ووالدته .....
و الذي كان يوما ما سندا لهن ..... لدرجةٍ جعلته ينبذ الماضي بكل آلامه كي يركز على حمله الثقيل في الحياة بعد وفاة والده ...... فأصبح لهن الأب قبل الأخ و الإبن
لكن وعد دخلت حياته فأعادته بكل قوة للماضي .... مضيفة حبها الى المزيج البائس .....
حتى غاب عن تلك الحياة الطويلة التي بناها بأصابعه و أظافره ....

ليلة المعرض و بعد أن نال منها الضربة الأخيرة لكرامته و الطاعنة لحبه .......
عاد لبيته مهزوما .... محنى الكتفين و ممزق القلب .......
شعر فجأة حين اندفعت اليه كل من والدته وورد بأنه لم يراهما منذ سنواتٍ طويلة ..... طويلة جدا .....
بينما هو في الواقع لم يتركهما سوى لأيامٍ قلائل .... لكن منذ دخول وعد الى حياته وهو يبتعد و يبتعد ... و ينغمس في دائرة لا فرار منها .....
كان واقفا يضم أمه اليه ...... وهو ينظر الى ورد بصمت شارد .... ينظر الى ملامحها الجامدة .... و عينيها اللتي تشبه عيون النمور و التي كانت متعبة .... و .... يائسة ......
كان شكلها أكبر من سنها .... أول مرة يراوده هذا الشعور وهو ينظر اليها صامتا ....
و تسائل بنفسه ..... كم عمرها كي يزيده بالتأجيل فيما يخص أمر خطبتها يوما بعد يوم ؟!!!!!
هل كان أنانيا الى تلك الدرجة ؟!!!!
أغمض عينيه حينها لحظات ....قبل أن يتسائل بخفوت بداخله
" أين كنت يا سيف ؟!!! ....... أين ابتعدت طويلا عن الحياة الطويلة التي شقيت بها الى أن بنيت ما بنيته !! "
أفاق سيف من أفكاره وهو ينظر مرة أخيرة الى بيت وعد ...... قبل أن تتصلب ملامحه و ينتفخ صدره ... ليوصد الباب خلفه ..... و يوصد قلبه بقوةٍ على هذا الماضي .... ماضيه مع وعد .....
.................................................. .................................................. ...................
طرق سيف الباب .... قبل أن يسمع صوت ورد يأتيه بجمود .....
ففتح الباب و دخل ..... توقف لحظة , ينظر اليها و هي تجلس على سريرها ... متربعة تقرأ بكتاب بينما شعرها مجموع خلف وجهها تشده بكل قوة ... مما زاد وجهها حدة .....
رفعت وجهها اليه و هي تراه واقفا ينظر اليها بشرود .... فقالت بحيرة
( لماذا تقف هكذا ؟!! ......... )
ابتسم قليلا دون مرح وهو يقول بخفوت
( أنظر اليك ....... ممنوع ؟!! ..... )
قالت ورد بفتور و هي ترفع حاجبا غير مرتاح .....
( منذ متى تحب النظر الي ؟!! ......... )
ابتسم أكثر قليلا وهو يقترب منها ببطىء الى أن جلس بجوارها على حافة السرير .... مائلا الى الأمام
يستند بمرفقيه الى ركبتيه .... يشبك أصابعه و ينظر اليهم ........
ظلت ورد تنظر اليه بصمت طويلا .... قبل أن تترك الكتاب بجوارها و تستقيم قليلا قائلة
( خير اللهم اجعله خير ...... فاجئني ..... )
لم ينظر اليها سيف .... بل ظل ينظر الى أصابعه المشبكة طويلا .... ثم قال أخيرا بصوتٍ ميت
( لقد طلقت وعد اليوم ............ )
قفزت متوهجة الوجه فجأة .... عيناها تبرقان و هي لا تصدق ما سمعته للتو ..... لكن النظر الى وجهه كان أكبر تأكيدا على ما اخترق أذنها .... و دون وعي منها اطلقت أكبر زغرودة في حياتها .... بل الوحيدة على الإطلاق ......
انتفض سيف وهو ينظر اليها مذهولا .... غير مصدقا لما يسمعه ..... لا يكاد يصدق أنها أخته ورد التي تزغرد و كأنها عروس سعيدة .....
ضاقت عيناه بمشاعر منتفضة .... قاتمة .... بينما انقبض قلبه بشدة .....
و ما أن استطاع الكلام حتى صرخ هادرا
( ورد !!!! ...... توقفي ....... )
أخذت نفسا قويا و هي تحاول جاهدة السيطرة على فرحتها القوية .... ثم نظرت اليه تواجه عينيه بعينيها المتوهجتين .... فصرخت بسعادة لم تستطع أن تخفيها
( ماذا ؟!! .......... لقد استأصلت الشر من بيتنا أخيرا ......هل تلومني ؟؟!!!. )
ضاقت عيناه اكثر .... و انعقد حاجبيه اكثر و اكثر .....
ثم هدر بقوة و غضب
( الا تملكين بعضا من الشعور يا ورد ؟!! ........)
برقت عيناها بشر قليلا .... و هي تطالع عينيه , قبل ان تقول بهدوء
( الا أمتلك بعض من الشعور ؟!! ....... نعم أمتلك يا سيف ..... أمتلك كرها قديما لذلك الرجل الذي تسبب في مرض والدي و موته ... و سرقتنا .... و في النهاية اجبار أمنا على أن يمتلكها رجل آخر .... )
صمتت قليلا و هي تلهث من شدة الحقد ...... ثم رفعت يدها الى أذنها و هي تقول بصوت مشدود متألم
( أما عن اصابتي فأتنازل عن ذكرها ..... فهي لا تقارن بباقي الضرر الذي تسبب به .... )
نظر أمامه وهو يحاول أن يلغي ذكرى مريرة من عقله ..... ثم قال بصوتٍ ميت
( و ما ذنبها وعد ؟!! ....... لماذا تكرهينها حتى تتشفين بطلاقها لهذه الدرجة ؟!! .......)
صمتت قليلا و هي تراه غريب الشكل .... قاتم العينين .... ولوهلة شعرت بأن الخطوط قد ازدادت حول زاويتي فمه ..... أنه يتألم .... و بشدة .....
تسائلت ورد عن ذلك الحب ..... و تسائلت بجنون لماذا تشعر بشعور غريب ... يختلف عن الكره و الحقد المرير .... شعور يشبه الغيرة .....
تغار بشدة من تلك العلاقة الغريبة بين سيف ووعد ..... التي تكاد تكون سحرا ... رمته وعد من حوله و أسرته بها ......
لقد ضاعت أجمل سنوات عمرها .... و لم تجد مثل تلك العلاقة ......
الا أنها هزت رأسها قليلا من تلك الأفكار المجنونة .... و قالت بخفوت
( لماذا طلقتها اذن ؟!! ..............)
رفع وجهه ينظر اليها بصمت دون جواب ..... فقالت بفتور واثق
( لأنها آذتك ..... ليست مرة ... و لا مرتين ....... و قد حذرناك كلنا من قبل ..... لكنك لم تستمع الينا ...)
قال سيف بصوت خافت
(سعيدة لما أصابني يا ورد ؟!! ........)
اتسعت عيناها فجأة و فغرت شفتيها .... توقفت كل مشاعرها في لحظة واحدة و هي تنظر الى مبلغ ألمه ....
فقالت بصوت باهت
( أنا يا سيف ؟!!! ....... )
أطرقت بوجهها قليلا و هي تتنهد بألم .... قبل أن تعاود النظر اليه بصمت ثم قالت
( ما فائدة الكلام الآن ؟!! ..... ألم تطلقها عن اقتناع ؟!! ..... لماذا تعاود الى القاء اللوم على الجميع اذن ؟!!)
زفر سيف بقوة و هو يرفع يده الى جبهته .... ثم أغمض عينيه وهو يقول بصوتٍ أجوف متألم
( أنا أحبها يا ورد ...........و حبها يؤلمني .... بشدة ... )
سكنت ورد مكانها تماما .... و هبط كتفاها و هي تنظر اليه بصدمة ... فاغرة شفتيها قليلا ... قبل أن تقول بخفوت و رهبة
( ياللهي !!! ........... )
اقتربت منه على ركبتيها الى أن صارت ملاصقة له ... فضمت كتفيه اليها قبل أن تريح رأسه الى كتفها و تمشط شعره قليلا قائلة بصوتٍ جاف
( من تكون تلك التي تخذلك لتلك الدرجة ؟!! ........ )
قال سيف بصوتٍ أجوف غريب
( و أنا أيضا خذلتها من قبل ...... كثيرا ..... )
تنهدت ورد و هي تريح جبهتها الى رأسه قائلة بهدوء
( على الأقل كانت لديك الرغبة لتقييدها بك مهما بلغت كارثية العلاقة بينكما .... لو أحبتك يوما , لتمسكت بك على الرغم مما نالها منك .... مثلما فعلت أنت أكثر من مرة ..... )
رفع رأسه ينظر اليها بعينين مطعونتين ... قبل أن يقول بصوتٍ باهت
( اعترفتِ أخيرا بحبي لها ......... )
ابتسمت ورد ابتسامة شاحبة قليلا .... قبل أن تقول بخفوت
( يكفي أن أنظر الي عينيك الآن يا سيف ..... أنت تتألم لدرجة لم أرك عليها منذ وفاة والدي ..... )
التوى فمه قليلا .... محاولا الابتسام , الا أنه خسر أمام وجعه .... فقال بصوتٍ أجش
( ورد ...... وعدتها أن بيت عمتها سيبقى بيت عائلتها دائما , فهلا قبلتِ بذلك رجاءا ...... لقد انتهى زواجنا ... و لم يعد هناك خوفا من أي شيء ..... )
أظلمت عيناها و هي تزم شفتيها بيأس ...ثم هتفت بقوة
( هذا ما تظنه أنت ........ لا تترك لعلاقتكما أذيالا يا سيف .... كن حادا في بتر الطرف الذي يضعفك ... )
نهض سيف من مكانه بغضب وهو يقول بقوة
( إنها ابنة خالي مهما حدث يا ورد ..... و لن أكون من الرجولة لو أغلقت باب بيتي في وجهها بعد وفاته ... إنها لا تمتلك أحدا ... بخلاف ملك ..... )
نهضت ورد من مكانها و هي تهتف بغضب
( حين طلبت مني رعاية ملك فعلت ذلك مرغمة ...... لأن لا حد لها ... خاصة بعد تفضل السيدة وعد بتركها و السفر بعيدا حتى حدث لها ما حدث .... لكن أن نهتم بوعد مجددا فهذا مستحيل .... انها لم تترك فردا في هذا البيت الا و تسببت في أذيته .... )
صرخ سيف وهو يلوح بذراعيه عاليا بغضب
( ونحن فعلنا المثل يا ورد ..... على الأقل نحن أسرة ... قوتنا أكبر .... لكنها كانت تحاربنا وحيدة ... ضعيفة ...... )
صرخت ورد في المقابل بغضب
( و لماذا كل تلك الحروب طالما أنك منحتها حبك ؟!!! ..... لكنها رفضته ..... رمته و داست عليه ..... )
صرخ سيف بوحشية مجنونة وهو يدور على عقبيه
( ليس صحيحا ....... إنها لم تحب رجلا غيري ........ إنها ...... )
صمت قليلا يلهث بقوة ... وهو ينظر الى ورد بيأس و غضب و عذاب ... ثم تابع بصوت ميت باهت
( إنها لا تريد ما يضعفها مجددا ...... و أنا لم أعد احتمل ما يريق كرامتي أكثر ..... )
تنهد بتعب وهو يقول بصوتٍ خافت
( و ليس هناك ما يوجع الرجل أكثر من زوجة رافضة ..... تكره حبها له في كل لحظة ..... نقطة نهاية السطر ..... )
صمت ينظر الى الأرض بوجهٍ شاحب ثم تابع بخفوت
( انتهى الأمر ....... كان حبا ضعيفا فانتهى .... سريعا ..... )
ضحكت بسخرية مريرة دون صوت و هي تنظر اليه .....
من يحاول أن يقنع المسكين الأحمق ؟!!! ...... الا يرى نفسه ؟!!! ..... يسمع صوته ؟!!! .......
لكنها لم تتكلم .... عله ينهي هذا الموضوع فيرتاح قليلا .... لكن هيهات
رفع سيف رأسه ينظر اليها طويلا ..... ثم قال بخفوت
( ورد ............ )
رفعت حاجبها عاليا ثم قالت بتشكك
( خير ؟!!!!!!!! .......... )
تنهد سيف بتعب قبل أن يقول بصوتٍ خشن مختنق
( لقد أخبرت وعد بخبر طلاقنا منذ قليل ....... لقد .... بدت متعبة جدا ..... و أنتِ تعلمين أن صحتها ليست على ما يرام ...... )
رفعت ورد حاجبيها أكثر و هي تقول بحذر
( و ؟!!!!!!! ............. )
تنهد سيف مرة أخرى حتى أوشكت أزرار قميصه على أن تتطاير دون شك ... لكنه قال بصوتٍ لا رجعة به
( أريدك أن تذهبي اليها صباحا ...... بأي حجة ..... أريد أن أعرف حالها و اطمئن عليها ..... أنا لن استطيع فعل ذلك بنفسي حاليا على الأقل ..... فلو رأيتها ل .........)
فغرت ورد شفتيها و هي تكمل العبارة عنه
( لتراجعت ......... اليس كذلك ؟!!! ...... ياللهي ماذا بها تلك الهزيلة نحيلة الكاحلين ... منحوتة الوجه جاحظة العينين .... ابنة عبد الحميد .... خريجة دور ال ....... )
كانت تلهث بغضب و هي تعدد عيوب وعد الا ان سيف هدر قائلا وهو يرفع سبابته محذرا
( اياك ان تكمليها يا ورد ....... اياك ...... تعرفين علم اليقين على من يقع الذنب .... وليس عبد الحميد وحده .......)
صمتت ورد تضغط على أسنانها بقوة .... بينما كان سيف ينظر اليها بغضب ... و بينهما حرب صامتة
أنهاها بأن قال مشددا على كل حرف
( و تعلمين أيضا ..... أنها جميلة ......... فلا تهيني جمالها أمام رجلٍ أحبها ......)
مطت شفتيها جانبا و هي تضع يدا فوق الأخرى لتقول بلهجةٍ ممطوطة
( يا حبيبي !!! .............)
قال مجددا بقسوة مختنقة رغم فظاظة نبرته
( ورد ..........)
لكنه صمت عن تهديده وهو يعلم انه يحتاج لها في خدمة جليلة .... فقال بصوتٍ متعب
( هلا ذهبتِ اليها يا ورد بأي حجة ....... هذا رجاء خاص مني .... أريد فقط التأكد بأنها بخير ..... )
زفرت ورد بشدة و هي تنظر اليه قائلة بغضب
( أنت تطلب المستحيل يا سيف ........... انظر اليك ... أخى الوحيد و تتعذب بسببها ... فكيف أستطيع الذهاب اليها للإطئنان على جنابها ؟!!! ...... أنا أكرهها .... صدقني ..... )
نظر اليها سيف بصمت طويلا ..... قبل أن يقول بصوتٍ خافت قوي
( أنا سأذهب اليها اذن ..... و لن اضطر للإنتظار حتى الصباح .... سأذهب اليها الآن ..... )
استدار ليخرج من الغرفة ... الا أن ورد هجمت عليه لتتشبث بذراعه و هي تهتف بغضب و قسوة
( انت تتحجج يا سيف ..... تريد فقط أن تراها .... أن تخر تحت سحرها مجددا .... تذكر رغبتها في الإنفصال عنك .... تذكر فضيحة قضية الخلع ..... الا تتحلى ببعض الكرامة ؟!! .... )
وقف سيف مكانه و نظر اليها بصمت .... فقالت بخفوت غريب عليها
( هل آلمتك بكلامي ؟؟............ )
قال سيف بصوت خشن صعب النبرات
( كلكمة في المعدة ......... )
قالت بقوة
( جيد ....... اذن تذكر كذلك سفرها دون اذن منك ....... )
اطرق سيف برأسه وهو يضع يديه في خصره .... يتنفس بصعوبة ... و كأن كل نفسٍ من انفاسه كان يشق صدره مخلفا جرحا غائرا .....
قال بخفوت اجش دون ان ينظر اليها
( هل ستذهبين ؟!!! ............... )
زفرت ورد بقوة و هي تنظر اليه ..... ثم قالت بغضب من بين اسنانها
( سأبحث عن حجةٍ مقيتة مثل صف أسنانها المعوج .......... )
رفع سيف وجهه ينظر اليها بغضب فقاطعته وهي تهتف
( و أقسم بالله لو أخبرتني أن أسنانها كصفي اللؤلؤ فلن أذهب ولو احتضرت مريحة العالم من وجودها ....)
لم ينطق سيف .... بل استدار معطيا ظهره الى ورد .... يغمض عينيه لبرهة ... وهو يهمس بداخله بألم
" ليتني قبلها .......فقط لا تنطقي كلمة الإحتضار تلك مقترنة باسمها .... . "
ظل مغمضا عينيه ... يديه بخصره .... يتنفس بقوة .... ثم قال أخيرا ما أن وجد صوته الخشن المجهد
( جيد ......... اجلسي اذن و اخبريني عما تعرفينه عن ملك و ما حدث لها ........ )
.................................................. .................................................. .....................
( علياء حامل .............)
شعرت كرمة فجأة و كأن الأصوات قد اختفت من حولهما ... فوقفت تنظر اليه بعدم فهم ...
تحاول استيعاب ما نطق به للتو بصوته الأجش البائس كمظهره ... فقالت بعدم فهم و هي ترمش بعينيها
( علياء ....... من ؟!!! ......)
هتف محمد وهو يلوح بذراعيه
( علياء يا كرمة ........زوجتي ......)
ظلت تنظر الى عينيه طويلا و كأنها لا تزال تحاول الفهم ... و كأنها تحولت الى غبية فجأة .... أو كأنها فقدت كل مقومات استيعابها ... فهمست
( ك ..... لماذا ..... أعني ... كيف ؟!! .......)
أسقط ذراعيه حتى ضربتا جزعه القوي بيأس وهو يهز رأسه بحركةٍ غير مفهومة ... بينما كانت ملامحه غريبة عنها تماما
و كأنه شخص غريب لم تعرفه قبلا .... هل هو حقا زوجها ... هل كان زوجها ؟!!!
هل غيرته ذقنه الغير حليقة حتى طالت ؟!! .... أم عيناه الحمراوان هما السبب
شعرت فجأة و كأن أفكارها تهذي في دوائر كي تبعدها عن المعلومة الأساسية
" علياء ..... علياء زوجته .... حامل بعد عشرة سنوات !!! .... "
فغرت فمها الجميل و المنحني بعدم فهم حزين .... تحاول النطق الا أنها لم تجد ما هو مناسب كي تنطق به ...
مالت شفتيها بسخرية مريرة ... قبل أن تهمس بخفوت
( مبارك يا محمد !!!!! .......... مبارك .... )
هتف بقوةٍ و يأس ... هتاف رجل يحتضر كوحش جريح
( كرمة !!!! ............ )
انتفضت و هي تسمع صرخة أنينه .... فرفعت وجهها اليه لتقول بعد اتزان
( ماذا ؟!!!! ........ ماذا تريد مني الآن يا محمد ؟!!! .... هل جئت هي تشفي غليلك بنقل الخبر لي ؟!! ... هل هذا سبب الحاحك في الإتصال بي ؟!!! ..... جيد ... لقد وصلت الرسالة ..... )
شعرت فجأة بأن الهواء يسحب من صدرها ببطىء فشعرت بحاجةٍ الى الجلوس و الا ستسقط بفعل هبوط في دورتها الدموية .....
ترنحت خطوة ... فسارع محمد الى امساك ذراعها ... الا أن ذلك كان كافيا كي تنتفض بقوة و تبعد كفه بقوة و هي تهتف غضبا
( اياك أن تلمسني يا محمد ......... ابتعد عن طريقي و عد الى زوجتك ..... و ابنك ... )
لم تدرك ان الكلمة الأخيرة خرجت من بين شفتيها متكسرةٍ باختناق ... فأسرعت لتطرق بوجهها الشاحب كالأموات و هي تسرع الخطا كي تتجاوزه ... الا أنه كان أسرع منها وهو يقف أمامها .. فرفعت رأسها تقول باختناق
( ابتعد عن طريقي يا محمد ..... أنت تتسبب لي في مشكلة قوية باحتجازك لي بهذا الشكل علنيا ... )
نظر اليها بعينين منحنيتين ووجهٍ مائل .... شاحب .....
ثم قال اخيرا بخفوت
( لم أكن أتخيل أن يأتي اليوم الذي لا يحق لي فيه أن أكلمك .... انظر اليك ..... أمسك يدك ..... لماذا يا كرمة ؟!! ..... لماذا ؟! ..... لماذا فعلتِ بنا هذا ؟!! .... )
اتسعت عيناها و ظهر الشر بهما و هي تصرخ بقوة
( أنا ؟!!! ....... أنا من فعلت بنا ذلك ؟!!! ...... أنا ....... )
صمتت تخنق باقي كلماتها و هي تشعر بالعالم يزداد قتامة أمام عينيها .... ثم رفعت ذقنها لتنظر اليه بقوةٍ على الرغم من اختناق صدرها و هي تقول حازمة
( ابتعد يا محمد بالله عليك ....... ابتعد عن طريقي ...... )
تحركت خطوة تبتعد عنه ... الا أنه استدار اليها يخاطب ظهرها فقال بقوة
( لن ترينني مجددا يا كرمة ..... لقد جئت كي أودعك ..... )
تسمرت مكانها و عقدت حاجبيها و هي تستشعر شيئا غريبا بنبرته ... فاستدارت اليه و هي تميل بوجهها ... ناظرة اليه بدقة .... تحاول فهم انطباعه للمرة الأولى ...
كان مثال البؤس .... صحيح كما رأته في اول لحظة ... لكن الآن بدأ قلبها يخبرها ان هناك امرٍ خاطىء ...
فقالت بفتور على الرغم من الألم الجارح في صدرها
( تودعني ! ........ تتكلم و كأنك .... راحل الى مكان بعيد ...... )
صمتت قليلا و هي تنظر اليه من بعيد على الرغم من قرب المسافة بينهما .... ثم قالت بصوتٍ أجوف
( هل ستأخذ معك ..... زوجتك ...... و تسافر ؟!! ..... )
جزء منها شعر بالخسارة ... و كأنها صداقة قديمة ستنفصم للأبد.... أقوى الصداقات على الإطلاق ....
تلك التي لم تحمل يوما أي نوع من التفاهم .... لكن حملت حبا حقيقيا ذات يوم ... جعل كلا منهما يضحي و يتنازل الى أن بدأ الحب في التصدع تحت ثقل الحمل المتزايد ......
تنهد محمد بتعب وهو ينظر اليها بعينين رجولتين تبكيان دون دموع ... ثم قال
( بل سأتركها و أرحل ........... )
رمشت كرمة بعينيها مرة ... قبل أن تقول بصوت غريب
( تتركها ؟!! ............ هل ستطلق زوجتك ؟!! ...... لماذا ؟!! ..... ألم تخبرني للتو أن حلم السنين قد تحقق و أنها تحمل بأحشائها طفل منك ؟! .... )
كانت تلك العبارة لتي نطقتها للتو مؤلمة بما يكفي .... شعرت و كأنها تقطع أحشائها هي ......
العجيب في الأمر أنها لم تشعر بالنشوى من احتمال تركه لزوجته ..... فشعور أن تلك الزوجة تحمل طفلا طغى على أي شعور آخر .... مرارة بدأت تتجرعها وصولا الى حلقها ببطىء .....
رمشت بعينيها مجددا و هي تهز رأسها لترفع وجهها الى محمد تنظر اليه طويلا .....
قبل أن تقول بخفوت جامد
( أنا لم أعد أفهم منك شيئا ........... )
أظلمت عينا محمد القاتمتين بحبٍ قديم تدركه بوضوح ..... نظرة عشق تسللت الى نظراته المطعونة ...
فنظرت بعيدا عن تلك العينين .... حينها قال محمد بصوتٍ مجهد
( أيمكنني أن أتكلم معك قليلا قبل ذهابي ....... )
نظرت اليه بقوة و هي تهتف
( مستحيل ......... ابتعد ارجوك يا محمد و عد الى زوجتك ... و حاول أن تسعد مع زوجتك بهذا الخبر ..... الرائع .... )
ابتلعت غصة في حلقها ... و حاولت تجاوزه كي تهرب الى بيتها علها تجد الخصوصية الكافية كي تنفجر بكاءا ....
الا أنه سد طريقها مجددا وهو يقول بقوة
( أرجوك يا كرمة ........... أحتاجك لدقائق .... فقط دقائق ضئيلة .... ربما كانت الأخيرة بيننا .... الا يستحق العمر الطويل بيننا تلك الدقائق ؟!! ....... )
ظلت كرمة تنظر اليه طويلا .... لم يكن يخادع .... بل كان منظره مخيفا .... كرجلٍ يحتضر .....
هل تمشي بببساطة و تغادره للأبد ؟!!..... هل تعطيه ظهرها و تبتعد ؟!! .....
لا تعلم لماذا تذكرت في تلك اللحظة .... يوم أن كانت جالسة على المقعد العام ... تبكي ... و معها حقيبة ملابسها المهترئة .....
يومها خرج أمامها من تحت الأرض كفارس ذو درعٍ حامي ..... و لم يتركها بعدها لمدة عشر سنوات ......
أفلا تمنحه بضع دقتائق ؟!! .....
زمت شفتيها بقوة ..... ثم نظرت في اتجاه المصرف على الجانب المقابل .... لو حدث أن رآها حاتم فستكون كارثة .... بل أن كلمة كارثة ستكون قليلة على ما سيحدث .....
أعادت نظرها الى محمدو هي تفكر
" قرري يا كرمة ...... هل تبتعدي .... ام تمنحيه بضع دقائق ؟!! ..... "
أعادت عينيها الى عيني محمد ..... ثم رفعت ذقنها لتقول بلهجة جامدة
( تعال معي ............. )
رقت عيناه بألم .... وللحظة ظنت ان عيناه قد ابتسمتا ابتسامة غارقةٍ بين امواج حزنٍ قاتم .....
لكنها تجاهلت كل اشاراته و سارت امامه .... الى ان عبرا الطريق الرئيسي .... بعد ان وقف جانبها للحظة و تلقائيا مد يده و كأنه ينوي ان يمسك يدها ليعبر بها الطريق كما كان يفعل من قبل ....
الا انها نظرت لكفه بصمت ... قبل ان ترفع عينيها اليه ... فانزل يده ببطىء وهو يدرك انها المرة الاولى التي يعبر معها الطريق دون ان يكون له الحق في الامساك بيدها ....
فاسرعت كرمة تعبر الطريق قبله جريا .... فتبعها محمد مجهد القلب و القوى ... حتى ان اكثر من سيارة اوشكت على ان تضربه وهو غير مباليا بالموت ....
وصلت كرمة الى سور البحر .... فوقفت تنظر الى أواجه المتلاطمة .... و الهواء يطير شعرها المتمواج ...
بينما وقف محمد خلفها .... ينظر اليها و كأنه يرسم لها صورة أخيرة
لتلك الطفلة التي كبرت على يديه هو .... قبل أن يتسبب في افلاتها فطارت منه للأبد ....
و كأنه كان حارسا يحرسها الى أن تذهب لمكانها الذي يليق بها ..... فأي عدل هذا ؟!! ....
تكلمت كرمة أخيرا ... بصوتٍ قوي النبرات ...
( دقائقك تنفذ يا محمد ........ )
قال محمد بصوتٍ مختنق
( الا تنظرين الي ........ ارجوكِ ...... )
استدارت كرمة اليه ببطء و هي تكتف ذراعيها ناظرة اليهِ بوجهٍ جامد الملامح ....
تنظر اليه و كأنما تراه للمرة الاولى .... و كم اختلف شعورها الان عن تلك التي هتفت الى وعد باسى بانها تريد ان تطمئن عليه و تواظب على السؤال عنه ....
شيء ما بداخلها وقع بشدة ما ان سمعت خبر حمل زوجته ......
لكنها نفضت افكارها و هي تقول بلهجة فاترة ...
( لماذا ستترك زوجتك و هي ....... حامل ؟!! ...... )
اطرق محمد بوجهه ينظر ارضا و انحنت كتفيه ..... قبل ن يقول بصوت اجوف غريب
( لست قادرا على التعامل مع الشك الذي نبع بداخلي ........ )
عقدت كرمة حاجبيها بحيرة .... و هي تقول بعدم فهم
( شك ؟!!! .......... )
سرعان ما بدأ انعقاد حاجبيها يزداد تدريجيا ... ثم ارتفعا بدهشة و الأدراك يحالفها سريعا .... فهتفت بذهول
( الشك ؟!!!!! .......... هل تشك أن زوجتك ت ....... )
صمتت فجأة و هي تنظر حولها ... ثم أعادت نظرها اليها و هي تتابع بذهول من بين أسنانها
( تخونك ؟!!! ............. )
رفع محمد عينيه اللذين يملأهما الخزي و قال بصوت متكسر وهو يرفع ذراعيه قليلا قائلا بصوت باهت
( عشر سنوات يا كرمة !! ...... عشر سنوات فقدت فيهم الأمل ..... و ما أن تزوجتها بأشهر حملت طفلا في أحشائها ..... )
فغرت شفتيها تنظر اليه و كأنها تنظر الى مختل عقليا .... ثم سرعان ما هتفت بقوة و هي تلوح بكفيها
( تبا لك ....... ياللهي ....... )
دارت حول نفسها بغضب ثم هتفت مجددا
( لا اصدق ما اسمعه منك ......... انت لن تتغير ابدا )
هتف محمد من خلفها بعذاب
( ماذا تتوقعين من الرجل غير ذلك ؟!! ........ )
عادت لتستدير اليه بقوة و هي تقول من بين اسنانها
( ان يكون رجلا يا محمد ........... )
أرجع رأسه قليلا و كأنها ضربته للتو .... لكنه كان أضعف من أن يجادل ...
فشراسة رجل يشعر بالخيانة تجعل منه ضعيفا ... متخاذلا .....
صمت قليلا ثم دار بعيدا عنها بظهر محني وهو يقول بعذاب
( لم أعرفها الا من أشهر قليلة يا كرمة . كيف لي أن أصدقها ؟!! .... بعد عشر سنوات من فقد الأمل .... )
ظلت تنظر اليه عدة لحظات عاقدة حاجبيها , بينما كان صدرها يغلي بغضبٍ بدا كبركانٍ ثائر ....
ثم قالت بقسوة و شدة
( و أنا لم اعرفها سوى للحظات ..... و لم تنتابني ولو ذرة شك ...... )
هتف محمد ينظر اليها
( لأنكِ لستِ رجلا يا كرمة ....... لا تعرفين كيف ينتابه الرعب في مثل تلك اللحظة .... )
كانت تنظر اليه صامتة تتأمله ثم قالت اخيرا بصوتٍ باهت
( ينتابه الرعب قبل الفرح .... قبل ان يخر ساجدا شكرا لله بعد كل تلك السنوات ... اي رجولةٍ تلك ؟!! ..... هوس الخيانة لديكم بات مقرفا ...... )
ادارت ظهرها له و هي غير قادرة على النظر اليه .... ثم قالت بجمود قاسي
( لقد دمرت عشرة عشر سنوات طويلة بيننا ..... لا لشيء سوى لاثبات تفوقك .... و انك قادر على تحطيمي ..... لم يكن لديك اي سبب مقنع لتدخل امرأة اخرى لحياتنا .... و الان بعد ان افسدت حياتي معك ... تتجرأ على المجىء الى هنا .. كي تودعني و تخبرني بكل بساطة انك ستتخلى عن ذلك الطفل الذي ضحيت من اجله بحياتنا معا حتى قبل ان تعرف عن احتمالية ذلك ....... )
ظل ينظر اليها طويلا .... لطالما كانت كرمة هي قبلته التى يستريح عندها مهما ابتعد عنها و آذاها ....
يطوف حائرا ... ثم يعود لأحضانها ...
الوحيدة التي لم يكن يخجل من أن يعري روحه و كرامته أمامها .....
و هي الوحيدة التي جاء اليها بسره المخزي ......
قال أخيرا بصوت كئيب
( لن أتخلى عن طفلي أبدا ..... لكن ليس قبل أن أتأكد .... و أنا لا يمكنني التأكد الآن .... )
لفت حول نفسها بجنون كي تواجهه و عيناها شرستان .. هائجتان ....
ثم هتفت بذهول عاقدة حاجبيها
( سترحل الى ان يحين وقت التأكد و اثبات انه طفلك ؟!!! .... ستتخلى عنها و هي في امس الحاجة اليك ثم تعود اليها بعد ان تضع طفلها ؟!! ..... و هل ستقبل بك حينها ؟! .... والله لو كنت مكانها لقذفتك بماءٍ كاوي قبل ان تتجرأ على لمس طفلي ...... )
صمتت تلهث من شدة الغضب ... بينما كان محمد مطرق الرأس ... يلهث هو الآخر دون ان يكون قادرا على المواجهة في حالته تلك ..... فقال بصوتٍ رجولي بائس
( ضعي نفسك مكاني يا كرمة ...... أنا اموت كل لحظة منذ ان سمعت الخبر منها .... اخشى أن أجني عليها و أصيبها بسوء في لحظة تهور ...... )
هزت رأسها بعدم تصديق و هي تنظر اليه بغضب ... ثم قالت بذهول خافت
( لهذه الدرجة أنت ضعيف ؟!! ....... لم أعهدك بهذا الضعف من قبل يا محمد !! .... )
قال دون أن ينظر الى عينيها المصدومتين فيه
( أي رجل مكاني كان ليكون بنفس الضعف يا كرمة ....... )
ظلت تتنفس بسرعة و هي تنظر اليه بغضب .... تريد ضربه بشدة حتى تؤلمه ألما يجعله يفيق من الغيبوبة البائسة التي يعيش بها ....
لكنها تمكنت من تهدئة نفسها قليلا .... قبل أن تقول بفتور
( هل سألت طبيبا عن الأمر ؟!! ..... هل أعدت التحاليل القديمة ؟!! ...... هل حاولت أي شيء على الإطلاق قبل تقرر الرحيل ؟!........... )
نظر اليها بعينين مثقلتين قبل ان يقول بصوتٍ واهي
( لم استطع .......اخشى الذهاب .. و اخشى اراقة المزيد من كرامتي امام الطبيب .... اخشى الاجابة .... و لن تكون تأكيدا قويا مهما قال الطبيب ان الامر بات محتملا ..... )
ضيقت كرمة عينيها و هي تهمس بغضب
( ياللهي !! ...... لو تعرف ما أشعر به الآن !! ...... لو تعلم كم ألومك على كل عشرتنا معا التي ضيعتها في سبيل لحظة كرامة زائفة من تلك التي تتكلم عنها الآن ........ )
صمتت قليلا و هي ترى بوضوح أنها قد آلمته بشدة و كأنها قد نثرت الملح على الجرح ....فأجبرت نفسها على الصمت ... لم تكن بمثل هذه السادية مهما بلغ غبائه و انانيته .....
لذا قالت بفتور و هي تعدل من حقيبتها
( اذهب للطبيب يا محمد ..... ربما يمنحك أملا يجعلك تصمد معها الى ان تتأكد حين يأتي الطفل .... )
قال محمد بعينين تنضحان الما
( و ماذا لو أكد لي الطبيب العكس ؟!!! ...... سأقتلها ...... لن يكون أمامي سوى الذهاب اليها و قتلها ... )
فغرت كرمة شفتيها بذهول و هي تهتف بعدم تصديق
( تقتلها ؟!! ..... هل هي دجاجة ؟!! ..... ماذا حدث لك ؟!! ... هل اصبت بالجنون تماما ؟!! .... )
هتف محمد بيأس و غضب
( لو تأكد لي انها خائنة .... لن استطيع الحياة بكرامة الا بعد ان اشعر بدمها على يدي .... )
هتفت كرمة بغضب ....
( نعم ..... انعم حينها بالحياة بكرامة خلف القضبان .....تبا لكل هذا الغباء و الجنون .... )
زفرت و هي تنظر الى البحر طويلا .... قبل ان تقول اخيرا بنبرةٍ جامدة
( لا تذهب يا محمد ........ لا تذهب للطبيب .... فقط ارحل ... فوجودك معها لم يعد السند و الأمان على أية حال .... )
قال محمد بصوتٍ كئيب
( صدقتِ شكي اذن ...... و خشيت ان اسمع نفس الجواب .... أرئيت يا كرمة أن معي الحق في رحيلي ...)
قالت كرمة بصوتٍ بارد كالجليد
( نعم يا محمد ...... معك الحق في الرحيل ........ اذهب )
اغمض عينيه طويلا على صورتها تعطيه ظهرها .... و شعرها يتطاير نحوه .....
ثم قال اخيرا بصوتٍ يصفر كرياحٍ باردة في مكانٍ مهجور
( قد لا أراكِ بعد الآن يا كرمة ........ لذا ...... أريد أن أخبرك ...... أن ... أنني لن أحب امرأة غيرك أبدا ... و أنا آسف .... لكل لحظة ألم عشتها بسببي .... و ها هو القدر يعيد اليكِ حقك و أتجرع أنا أضعافها الآن ...... )
أغمضت كرمة عينيها على ألمٍ حارق ... رفض دموعا غاضبة ... و اعادها لتنساب على قلبها .....
بينما تابع محمد بخفوت ... لمرةٍ واحدةٍ أخيرة
( وداعا ....... حبيبتي )
سمعت كرمة صوت خطواته تبتعد بسرعةٍ قبل أن يتراجع .....
ففتحت عينيها و هي تشهق آخذة نفسها قويا من هواء البحر .... حتى امتلأ به صدرها ...... لكنه لم يكن كافيا لمداواة الألم ...... لم يكن كافيا ابدا .....
.................................................. .................................................. ......................
تنهدت كرمة بتعب .... لقد اسرفت كثيرا اليوم فيما تفعله .... فلقد ذهبت للجامعة و انتهت من محاضراتها .... ثم خرجت منها الى فريدة ....
فاتفقتا على الخروج ... و ذهبت فريدة لتستعد و تبدل ملابسها ..... بينما بقت كرمة مع الصغيرة تلاعبها بصمت ... دون ان تجد القدرة على الضحك و الغناء ككل مرة .....
فأخذت تلاعب شعرها حتى نامت الصغيرة
فظلت كرمة تنظر اليها طويلا ....مستمرة في ملاعبة شعرها ...الى أن شعرت بفريدة خلفها فالتفتت اليها و هي تقف بقمة أناقتها استعدادا للخروج ....ثم همست بخفوت مبتسمة
( دعيها الآن يا كرمة ...... جليسة الأطفال ستتولى رعايتها أثناء نومها , هيا لنخرج ...... )
عادت كرمة لتنظر الى الصغيرة النائمة مجددا ... ثم أخذت تلامس وجنتها الناعمة بظاهر اصبعها ... قبل أن تقول بخفوت
( ملمسها يشبه ملمس ثمرة الدراق ......... )
ضحكت فريدة بصوت خافت و هي تقول
( احيانا أشعر أنني أريد أكلها بالفعل ....... )
نظرت كرمة الى فريدة و قالت بخفوت قلق
( فريدة ..... أنا دائما أسمي الله بداخلي و أنا ألاعبها ..... )
عقدت فريدة حاجبيها و هي تجلس بجوار كرمة على حافة السرير ثم قالت بخفوت
( ما فائدة اخباري بتلك الملحوظة الآن ؟!! ......... )
نظرت كرمة الى الصغيرة مجددا و قالت بخفوت حزين
( اخشى ان تخافين أن أحسدها .......... )
ارتفع حاجبي فريدة .... ثم قالت بصوت خافت لكن مندهش
( هل أنت حمقاء الى تلك الدرجة ؟!!! ..... حقا ؟!! ..... هل فعلت من قبل ما يجعلك تشكين في احتمال خوفي ولو للحظةٍ منكِ ؟!! ..... )
ظلت كرمة صامتة قليلا ... قبل ان تقول بخفوت
( انه قلب الأم .... و هذا أمر طبيعي ..... أنا فقط أخشى الا يكون لي الحق ذات يوم في حملها بين ذراعي ... )
عبست فريدة بشدة ... ثم قالت
(خذيها حبيبتي و أريحيني قليلا .... إنها أحيانا تكون كبوق سيارة الإسعاف لدرجة أنني أتمنى وضعها مع القطط خارج البت و تركها هناك الى أن تنتهي من وصلتها النغمية المعتادة ....... ماذا بك اليوم يا كرمة ؟!! ....... لماذا هذا الكلام الغريب ؟!! ..... )
قالت كرمة بفتور
( شقيقات زوجي السابق كن يخفن مني ...... يهمسن من خلفي .. يفردن كفوفهن في خمسةِ اصابع خلف ظهري كلما حملت احد اطفالهن ...... )
زمت فريدة شفتيها و هي تقول بغيظ
( و هل الكف المفرودة في خمس أصابع هي من ستحمي الأطفال ؟!! ..... جهل و تخلف ... لماذا تذكرين هذا الماضي الآن يا كرمة ؟!! ..... انسيه و اهتمي بحياتك مع حاتم ..... )
تنهدت كرمة و هي تقول بخفوت
( ماذا لو لم أستطع الإنجاب ؟! ...... أخشى أن يتركني يا فريدة ...... اموت رعبا من أن يتركني حاتم ..... أنا مؤخرا أشعر بأنني أحيا فوق لهيب ذلك الخطر ..... )
عقدت فريدة حاجبيها و هي تقول بقوة
( أولا حاتم عنده ابن ...... أي أنه لن يفتقد الأبوة بتلك الدرجة التي تخيفك , ثانيا و هو الأهم .... أنه يهيم عشقا بكِ .... و لن يتركك أبدا .... )
رفعت كرمة وجهها الى فريدة و هي تقول بأمل
( حقا يا فريدة ؟!! ....... أتظنين ذلك ؟!! ...... )
زمت فريدة شفتيها مجددا و هي تقول
( أنتِ غريبة جدا اليوم !!......... )
همست كرمة و هي تضغط عينيها
( ربما أنا فقط متعبة ...... و الأمور مختلطة لدي .... )
ابتسمت فريدة و هي تقول
( حسنا ..... هيا لنخرج و انا ساقوم بتعديل حالتك الغريبة تلك ...... )
ترددت كرمة قليلا ... ثم همست برجاء
( فريدة ..... أشعر أنني لست بخير تماما .. هل يمكنني الراحة بجوار نغم قليلا ...... )
ربتت فريدة على ركبتها بلطف ... ثم قالت بخفوت مبتسمة
( حسنا لقد أفسدتِ خروجنا .... لكن خذي راحتك ... سأغلق لك الباب .... )
مالت كرمة تستلقي بجوار الصغيرة نغم ... حتى اصبح وجهيهما متواجهين ... فوضعت اصبعها في كفها الصغير المفرود ... حينها أطبقت الصغيرة كفها على اصبع كرمة تلقائيا .....
رفعت كرمة اصبع يدها الأخرى , و ثنته حتى لامست شفتي الصغيرة بمفصل اصبعها ... ففغرت شفتيها و أخذت تمصه بحركة روتينية ...
فغرت كرمة شفتيها هي الأخرى بذهول و هي تشعر بشعور غريب جدا ... دافىء جدا .... محبب لدرجة تأسر قلب .... فاذا كان هذا شعورها لمجرد أن وضعت اصبعها في فمها ... فكيف تكون الرضاعة ... حين تمنح الأم من روحها حبا لطفل صغير ... رقيق ... يعتمد عليها في غذاءه ....
مالت عينيها بحب و رقة رغم الحزن بهما ..... و طال بها النظر الى الصغيرة و هي تتخيل نفسها تحمل فتاة جميلة ... تشبه حاتم ... و محمد ....
ابتسمت كرمة و هي تتخيل محمد اخ اكبر شديد الوسامة ... بينما تتبعه اخته الجميلة في كل مكان ...
شعرت كرمة بنعاس فأغلقت عينيها على ذلك الحلم حتى راحت في سباتٍ عميق .... و الصغيرة لا تزال ترضع بإصبعها ......
.................................................. .................................................. ..................
زفر حاتم بقوة وهو يلجأ الى هاتف فريدة مجددا .... بعد أن يئس من أن ترد كرمة على اتصالاته بها ....
و ما أن ردت عليه و أخبرته أنها تنام في الغرفة مع نغم ....
شعر بغضب شديد ....
الآن تنام في بيت غريب !! ..... انها تتفن في استثارة غضبه بكل الأشكال الممكنة ...
انها تخرج من المصرف كي تذهب للجامعة ... ثم تخرج مع فريدة بشكل يومي .. و إن لم تفعل فتذهب الى وعد بالمعرض ....
ثم تعود اليه في وقت متأخر ..... وهو يحاول جاهدا تفهم حاجتها لتلك الإستقلالية ... يعرف أن الحياة التي تعيشها الآن هي النقيض من حياتها الأولى ... لذا يحاول جاهدا منحها المتع التي كانت محرومة منها من قبل ...
لكنها تزيد في اثارة غضبه بدلالها المتضاعف كل يوم ... و ها هي اليوم تتأخر لا لشيء سوى لتنام في بيت غريب بدلا من أن تأتي الى بيتها و تنام به ....
ألقى الهاتف بقوة وهو يزفر بغضب ....
ونهض من مكانه لينظر من النافذة الى المساء الذي بدأ في اسدال ظلامه .....
ابتسم قليلا باستياء ... حسنا أنه يتحول الى مجنون قليلا .. ربما بسبب اعترافها المفاجىء له بالحب !! ...
لا ... ليس في الواقع ...
قبل هذا بكثير .... اعترافها فقط زاده جنونا .....
لو ترك له حرية الإختيار لأغلق عليها الابواب ... و لازمها ليل نهار حتى يتمكن من التسرب اليها ... و معرفة ما بداخل رأسها المغلق بألف مفتاح ....
زفر بقوة و هو يستدير بغضب ... لا يملك الآن سوى انتظار السيدة حتى تأتي .... فلو ذهب اليها الآن فسيحرجها علنا أمام فريدة ... فهو غاضب و بشدة .... و لن يتمكن من السيطرة على نفسه ...
عاد ليتأفف مجددا ... لا يصدق أنه ينتظرها هنا في البيت الى أن تستيقظ من نومها في بيتٍ آخر
حتى حين طلب من فريدة أن توقظها ... و تأمرها أن تعود للبيت حالا رفضت بصرامة و أمرته هو أن يأتي لو يحب .... فكرمة ستظل نائمة معززة مكرمة ....
مر الوقت بطيئا ... وهو يجلس بخفوت يراقب ساعة الحائط ....
الى أن سمع صوت المفتاح في باب الشقة ....
فأمال وجهه قليلا ... ينتظر دخولها حتى يصب عليها طوفان غضبه الذي تحمله حتى الآن لساعاتٍ طويلة ...
دخلت كرمة البيت مساءا .... منهكة القوى ...
تجر حقيبتها التي كادت أن تلامس الأرض دون اهتمام بغلو ثمنها .....
الآن عرفت سبب تعبها .... دون ذكر ما حدث مع محمد .. و كأنها كارثة من زمن سحيق ....
لكن اضافة الى ذلك ... شعرت بآلامها الشهرية المعتادة ...
لقد انتابتها مرتين هذا الشهر !!! ... من شدة الضغط و التوتر ...
رفعت وجهها لتنظر الى المرآة المعلقة بجوار الباب ... فهالها شحوبه الشديد و زرقة شفتيها ...
لكنها ابتسمت بسخرية حزينة و هي تخاطب نفسها قائلة
( مرتين ؟!! ..... لا احتاج لتأكيد أكبر من ذلك على عدم وجود حمل .....و صلتني الرسالة .. )
جرت نفسها بألم و تعب الى الداخل .... لكنها توقفت على منظر حاتم الجالس في انتظارها ... مكتفا ذراعيه ... مادا ساقيه و مسترخي ظاهريا .... بينما استطاعت من النظر الى عينيه إدراك أنه ليس مسترخيا أبدا ...
لذا زفرت بقوة و بادرت قائلة بصوت مجهد
( حاتم رجاءا ..... اعفني من تحقيقك اليومي ...... )
نهض من مكانه فجأة و كأنما كانت عبارتها الشرارة لتفجير بركان غضبه .... فهدر بها و هي تستدير لتذهب الى غرفتها
( ابقي مكانك ........ )
وقفت كرمة مكانها دون أن تستدير اليه ... و أغمضت عينيها بتعب ... لكنها قالت بفتور
( حسنا ...... المزيد من الصراخ و الصوت العالي ... )
كانت تشعل غضبه أكثر و أكثر .... فهدر مجددا
( انظري الي حين اخاطبك ......... )
زمت شفتيها بغضب , الا انها استدارت اليه ببطىء ... تنظر له بصمت و بلادة تعبير مما اثار حفيظته .. فأخذ نفسا مرتجفا محاولا الكلام بهدوء ثم قال بصوت بارد .... آلمها اكثر من صراخه
( حين خرجت من المصرف .... كانت وجهتك للجامعة .... هذا ما اتفقنا عليه و لم تخبريني انكِ ستخرجين مع فريدة اليوم .... مجددا .... و الأدهى أنكِ لم تخرجي حتى ... بل ذهبتِ للنوم عندها و كأنك تحتاجين مكانٍ لهذا !!!! ..... )
رفعت عينيها لأعلى بصبر ... ثم نظرت اليه تتنهد بتعب و قالت بصوتٍ مجهد
( لم ادرك انني يجب ان اسجل لك حرفيا وجهتي .. حتى لو حدث اي تغيير طفيف في برنامجي اليومي .... )
هدر حاتم صارخا
( و هل نومك في بيوت الناس يعد تغييرا طفيفا ؟!! ..... الم يخطر ببالك ولو للحظة احتمال أن يكونا متضايقين لكن احرجا من اظهار ذلك لكِ ؟!! ....... )
ارتبكت كرمة قليلا ... و توتر لون بشرتها ... لكنها قالت بحرج
( زوجها لم يكن في البيت اصلا ......... )
قال حاتم بعنف
( و ما ادراكِ الا يكون سبب تأخر عودته هو وجودك في البيت كي لا يحرجك ؟!! ..... )
ارتبكت كرمة اكثر .... فأخفضت وجهها و هي بالفعل تدرك انها لم تفكر في هذا الاحتمال .... لقد تصرفت بعفوية ...
رق قلبه قليلا حين لاحظ اربتباكها ... و علم انه احرجها بشدة ...
لكنه عاد و قسى قلبه قليلا ... فلقد تمادت كثيرا , فتابع بصوتٍ أكثر صرامة
( من اليوم يا كرمة لن يكون هناك خروج كل يوم ..... هذا الوضع لا يناسبني و لا يلائم طبعي ... )
رفعت وجهها اليه بصدمة .... و هي تراه متحكما متسلطا للمرة الأولى و ليس ذلك المتملك العاطفي , فقالت بلهجة جامدة
( هل هذا أمر ؟!! ..... و أنا أيضا لا أقبل بهذا التحكم يا حاتم .... لا يلائم سني و لا مركزي )
لم تتغير ملامحه كثيرا ... لكنها تجمدت بوضوح .. و تصلبت نظراته وهو ينظر اليها ...
و فجأة قال بصوت أكثر جمودا
( سنك و مركزك !! ....... مركزك الوحيد الذي اعترف به يا كرمة هو زوجتي ... و أظن أنه عليك البدىء في الاعتراف به بشكل أكثر احتراما ..... )
استدارت عنه و هي تقول بملل
( ها قد عدنا لنفس النبرة ...... يؤسفني أن أخبرك يا حاتم أن لا قوة لدي حاليا كي أجادلك ... لكن خلاصة القول أنني لم أعتد تقديم تقرير بكل تحركاتي ..... )
سارت عدة خطوات تنوي فض هذا الخلاف بالقوة .... الا أن صوته اندفع من خلفها يقول بنبرةٍ صادمة
( لم تعتادي تقديم تقرير !! ....... ليس هذا حقيقيا يا كرمة .... كنتِ تقدمين أكثر من تقرير و اثبات ... )
تسمرت مكانها و اتسعت عيناها قليلا ...
و فغرت شفتيها للحظة .... قبل أن تقول بصوتٍ ميت
( لم أتخيل أن تذكر ذلك يوما يا حاتم .......... )
ثم تركته لتسرع لغرفتها و هي غير قادرة على المزيد من التناطح بتلك الصورة المخزية ....
بينما وقف حاتم مكانه غاضبا منها ... و من نفسه قبلها ....
و مع ذلك لم يشعر بالندم كثيرا .... فمدللته باتت تزيد في دلالها بدرجةٍ غير مقبولة ... تستهلك من طاقته و تركيزه ... و الى متى سيظل يدللها ؟!!
نظر بصمت في اتجاه غرفتهما .... ثم همس بصوتٍ أجش غاضب
( الى أن أن ينقضي آخر نفس بصدري ..... لكن لا ضرر من وضع بعض القوانين منذ اليوم ... )
.................................................. .................................................. ......................
خرجت كرمة من الحمام ... ملتفة بمنشفة كبيرة و هي مطرقة الرأس ....
لكنها توقفت مكانها و هي تراه مستلقيا على السرير ...
واضعا ذراعيه تحت رأسه ينتظرها ... فقالت بقسوة
( لو هذه اشارة الى أنك ستنام هنا .... فأنا اذن من سأنام في غرفة محمد .... )
قال حاتم بصلابة باردة ...
( لن يحدث هذا ..... فلا تحاولي حتى ..... )
قالت كرمة بغضب و استياء
( حسنا .... فليكن السرير لك ...... تمتع به ... )
تحركت في اتجاه الباب و حاولت فتحه ... الا أنها فوجئت به موصدا .. فالتفتت اليه مصدومة و هي تقول بصوت مذهول
( هل أغلقت الباب بالمفتاح ؟!! ....... حالة الهوس لديك تتزايد ... هل تدرك أنك تحتاج لعلاج ؟!! ... )
لم تهتز عضلة في وجه حاتم وهو يقول ببرود
( لو ظننتِ أن اللجوء للإهانة سيساعدك ففكري في طريقة أخرى ...... )
الا أن كرمة هتفت بغضب
( يبدو أنه اسلوبك أنت ........ أم نسيت ما اشجيت به مسامعي منذ لحظات ؟!! ... )
كان حاتم لا يزال مستلقيا .... واضعا ذراعيه تحت رأسه وهو يراقبها ... همجية ... ثائرة ... غاضبة ... و عيناها تبرقان بشررٍ حانق على الرغم من اجهادها الواضح
لا يصدق انه منذ لحظات ... تمكن من التلميح للماضي كي يوقفها عن التمادي في تصرفاتها
لكن عجبه الأساسي ... لم يكن بقدرته هو على النطق بما نطقه في هدوء تام .... بل العجب أنه يراها غاضبة ثائرة .... لكن ليست منكسرة !!!!!
بل على العكس لقد أثارت عبارته حفيظتها فأشعلت بها بعض الحياة لتبدد بها الإرهاق القوي الذي كان مرتسما على وجهها لحظة دخولها البيت
شيء بداخله كان يتوهج كبرعم يتفتح .... بدا غير نادما على التلميح للماضي وهو يراها غاضبة ... لا مهزومة ....
حتى ان شعورا لذيذا بدأ في الرفرفة بالقرب من معدته ....
لكن كل هذا لم يظهر على ملامحه الجامدة وهو ينظر اليها باشتهاءٍ أخفاه جيدا ... الى ان قاطعت أفكاره بقلة تهذيب و فظاظة
( افتح الباب ......... )
ظل صامتا عدة لحظات ... ثم قال ببرود
( تعالي الى هنا ........ )
برقت عيناها بغضب اكثر ... و اشتعل وجهها بدماءٍ حرة فأنعشه هذا و أثار شهيته أكثر و أكثر و هي تصرخ بحنق
( أنت تحلم .........افتح الباب .. )
الا أنه قال ببرود جليدي
( لا بأس من الأحلام ...... تعالي ... )
الا أنها هتفت و هي تضرب الأرض بقدمها
( افتح الباب يا حالا حاتم ....... )
ضحك بصوتٍ أجش ..... فزمت شفتيها بغضب أكبر
" لماذا تخطىء الكلام دائما أثناء غضبها !! .... هذا يجعلها خرقاء و يفقدها موقفها .. "
الا أنها زمت شفتيها كي تمنع نفسها عن ابتسامة حمقاء و هي تقول بصوتٍ متعب فعلا
( افتح الباب حالا يا حاتم ...... أنا أريد النوم بشدة ... )
الا انه رفع حاجبه ليقول ببرود
( هل ستنامين الساعة التاسعة ؟!! .... بعد نومك ثلاث ساعات متصلة في بيوت الناس !!... )
قالت كرمة بحنق و جنون الغيظ
( لا اصدق انك حسبت عدد الساعات !! ..... فهمنا يا سيدي انني ضايقت الناس معي و تصرفت بغباء .... هل انت راضٍ الآن ؟!! ..... افتح الباب ... انا متعبة ... )
قال حاتم بهدوء وهو لا يشعر بالرضا بعد
( يمكنك المجيء و النوم في سريرك من باب التغيير ....... أنا أنتظرك ... )
تأففت بقوة وهي تلوح بذراعيها لتقول بحدة
( حان دوري لأسألك ... بالله عليك هل ستنام أنت الساعة التاسعة ؟!! .... )
قال حاتم ببساطة
( طالما ستنامين ... فأنا سأنام ....... ليس لدي شيء أفضل لأفعله ..... )
تابعت من بين أسنانها بغضب
( أفضل من مراقبتي على ما اعتقد ...... )
صمتت قليلا و هي تنظر الى أعلى بيأس و تعب ... ثم قالت بفتور
( امنحني بعض الوقت لنفسي يا حاتم .... أرجووووووك ... لقد تعبت منك حقا .. )
آلمته عبارتها الأخيرة بشدة .... على الرغم من بساطتها .... لكنه لم يسمح لألمه بالظهور على ملامحه ... بل ظل ينظر اليها طويلا ببرود الى أن قال أخيرا بصوتٍ جامد
( كم من الوقت رأيتك اليوم ؟!!! ..... لو قمنا بتجميع ساعة الإفطار مع بعض الدقائق المتفرقة خلال العمل ... لن يكمل ذلك ثلاث ساعات خلال يومٍ بأكمله !!! .... هل وجودي بغيض لكِ الى هذه الدرجة ؟!! ... )
شعرت بألم في قلبها .... ألم حاد ... لا تشعر به الا حين تؤلمه بدون قصد .....
ربما فعلا لم يكادا يريا بعضهما سوى وقتٍ محدود اليوم ..... لكن ما مرت به مع محمد جعلها منهكة القوى ...
غاضبة ... ثائرة ..... لذلك كانت تحتاج لوقتٍ مع نفسها لتفكر في تقييم شعورها الجديد .... و الذي بدا مختلفا عن كل مشاعرها السابقة ....
كانت مطرقة الوجه ... تشعر بتأنيب الضمير ... جميلة و هي تتشبث بمنشفتها بتعب و قد بدأت تتساقط مظهرة أكثر مما يحتمل رؤيته ... بعد أن تعبت ذراعها من التشبث ....
مالت شفتيها في ابتسامة صغيرة ... متراجعة ... لا تريد الخروج كي تعاقبه على ما تفوه به منذ لحظات بغباء ...
فعقدت حاجبيها بقسوة زائفة ... لكنها قالت بخبث
( بالنسبة لدقائق العمل ..... ألم تكن كافية لك و أنت توشك على فقدان السيطرة على نفسك أكثر من مرة ؟!! .... )
ابتسم رغم عنه وهو يتذكر تلك اللحظات التي مال بها على سطح المكتب حتى استلقت عليه و كاد أن يسحبها معه الى عالم من التهور لم يعرفه قبلها ....
لولا أن استطاعت الفرار منه و تعديل طاقمها الكلاسيكي ... بتهور و ارتباك ... هاتفة أنها لن تدخل الى مكتبه مرة أخرى الى أن يتعلم الإنضباط ...
فقال ببساطة
( أنا عريس .... في شهر العسل ..... و هذا أمر متوقع ....)
زمت كرمة شفتيها و هي تقول بغضب
( شهر العسل انقضى منذ دهور ...... هل ستظل عريسا طوال العمر ؟!! )
قال بهدوء وهو يتمطى بأريحية
( هذا ما أنتويه .... هل لديك مانع ؟!! ..... )
زمت شفتيها و هي تنظر جانبا بنفاذ صبر .... و أوشكت على الصراخ به كي يفتح الباب .. الا أن الألم كان أقوى من قدرتها على المزيد من الهتاف ... فوضعت يدها على بطنها و هي تنحني قليلا .. و ملامحها تتأوه قليلا بصمت ....
عقد حاتم حاجبيه بشدة وهو يرى أنها لا تتلاعب به كالمعتاد ... بل وجهها الشاحب و شفتيها البيضاء كانا الدليل على أن هناك ما يؤلمها ...
فقفز من السرير وهو يتجه اليها الى أن أمسك بذراعها وهو يقول بقلق
( ماذا بكِ يا كرمة ؟!! ..... هل يؤلمك شيئ ما بجسدك ؟! .... )
زفرت كرمة بتعب و هي تهمس متألمة
( هل يمكنني البقاء وحدي قليلا يا حاتم ؟!! ...... الليلة ستكون حالتي غاية في السوء و لا أحبك أن تراني في هذا الوضع ..... )
أدرك ما بها ... فمنذ اسبوعين جائتها نفس الأعراض و عملت على التهرب منه و الإغلاق على نفسها كي لايراها ...و قد سمح لها نظرا لأنها المرة الأولى ... أما الليلة فلن يسمح لها ... فهي زوجته و عليها أن تدرك ذلك ...
و دون كلمة انحنى ليرفعها بين ذراعيه .... و كأنها لا تزن شيئا , فهتفت بغضب على الرغم من تأوهها ألما
( حاتم أرجوك .... اتركني قليلا ..... )
الا أنه لم يستمع اليها ... وهو يتجه بها الى السرير .... و ما أن رفع طرف الغطاء و مددها أسفله حتى رفعت وجهها اليه تقول بغضب
( لن يحدث شيء الليلة .... فلا تتأمل كثيرا ... )
ابتسم لوجهها بحنان ... فارتجفت شفتيها قليلا و أدركت أنها لا تزال تتعلق بعنقه على الرغم من انه وضعها على السرير ....
أخفض وجهه قليلا .. فتتبعت نظراته لتفاجىء بأن منشفتها قد انزاحت بجرأة .... مما جعل وجهها يزداد احمرارا بقوة .... فتركت عنقه بسرعة و اخذت ترفعها و تربطها مجددا و هي تشتمه دون كلمات مفهومة ..
لكنه ضحكت بخفوت ليجلس بجوارها على حافة السرير و أخذ يداعب شعرها وهو يتأملها مليا ....
ثم انحنى الى وجهها ليتبع قسماته بقبلاتٍ بدت كلمسات أوراق الورد ...
ارتعش قلبها بشدة خاصة حين وصل بشفتيه الى شفتيها ... فلامسهما مرة بعد مرة بحنان أرسل الدموع الى عينيها ... ثم همس فوقهما بصوتٍ أجش
( لا تخجلي من ذكر ما ينتابك يا كرمة ..... لا يعد هناك أي مجال للخجل بيننا .... أنتِ أصبحتِ جزء مني ... أحد أضلاعي ..... أتخجل أضلاعي مني ؟!! ..... كم مرة علي افهامك ذلك !!..... )
رفعت عينيها الدامعتين اليه .... ثم رفعت اصابع يدها الحرة لتتلمس شعره برقة .... بينما الأخرى لا تزال متشبثة بالمنشفة اللعينة .....
همست كرمة برقة تذيب الحجر ...
( لست خجلة ...... لكنني أختلف قليلا ... سأكون بأسوأ حالٍ قد تراه .... ظهري و ساقي ينبضان بألم رهيب و أعاني بما يشبه النزيف .... و معدتي تصرخ ألما ... فلا أتوقف عن التأوه طوال الليل .... بخلاف نوباتٍ رائعة خلابة من البكاء الهيستيري ...... هذا ما أخجل منه ..... )
داعب شعرها برفق .... وهو يعود و يخفض وجهه اليها يقبله و كأنه صائم منذ دهرٍ ... حتى أخذت شفتيها ترتعشان بقوة أكبر ... فانسابت دموعها و هي تغمض جفنيها مستسلمة لهذا السيل من الحنان ....
فهمست ترتجف بين ذراعيه ... و قد تركت المنشفة المختنقة أخيرا
( أخشى أن تشعر بالإحباط ....... )
همس من بين قبلاته المجنونة ....
( أنا بالفعل في غاية الإحباط ...... الا تراضيني قليلا كأم طيبة )
ابتسمت تضحك بتأوه على الرغم من دموعها .... و رفعت وجهها اليه , لكن قبل أن تقبله فعليا كانت نوبة ألم قد هاجمتها مجددا فتأوهت و هي تتركه لتنقلب على جانبها ... متكورة جنين متألم ....
عقد حاجبيه بشدة و هو ينظر اليها ... فقال بخفوت
( ابقي هنا ....... سأعود اليك سريعا .... إياك و محاولة الهروب ... )
هتفت بغضب من بين تأوهاتها و من بين أغطية الوسادة
( تبا يا حاتم ...... هل تراني قادرة على حك رأسي حتى .... كي أستطيع الهرب ..... تبا لهوسك ... )
ظل يلامس شعرها قليلا قبل أن يقول
( لن أعاقبك الآن .......... )
هتفت بجنون متألم
( جيد ............. )
تركها و خرج .... لكن ليس قبل أن ينظر اليها وهو يراها تتلوى قليلا ... فعقد حاجبيه من شدة تألمها ...
لكنه خرج ... بينما بقت كرمة مكانها تعتصر معدتها بتأوه .... لا تعلم إن كان جسديا أو أن أكثره نفسيا على الرغم من أنها معتادة هذا الألم منذ سنوات طويلة ....
عاد حاتم بعد فترة ... لكنها لم تنظر اليه ... فاستلقى بجوارها .. يحيط كتفيها بذراعه وهو يقول ...
( هل يمكنك الجلوس قليلا ؟؟ ........ )
قاومت كرمة و بدأت تستقيم بصعوبة و هي تستند الى ذراعه القوية ... فوجدته يحمل كوبا من مشروب ساخن تتصاعد أبخرته الناعمة ... فقال لها بخفوت
( اشربي هذا ..... سريحك ... لكن قبلا ابتلعي هذا القرص .... )
أخذته كرمة و ابتلعته بصمت و عيناها متعلقتين بوجهه .... ثم أخذت الكوب منه , الا أنه لم يتركه .. بل ظل ممسكا به تحت يديها كي لا تريقه على نفسها ...
و ما أن شربت نصفه .... حتى استدار ليضع الكوب .. ثم أخذ شيئا ما ... ليضعه تحت شقي المنشفة عند بطنها ... اتسعت عينا كرمة و هي تشعر بزجاجٍ ساخن على بطنها و هي تنام على جانبها .. بينما حاتم خلفها يحيطها بذراعه... و يضمها الى صدره بقوة ....
فنظرت لأسفل لتجده قد ملأ زجاجةٍ بماء ساخن ووضعها على معدتها المتشنجة ... و كم أراحها ذلك ..
بقت ساكنة قليلا و هي تشعر بشفتيه تلامسان أعلى شعرها برقةٍ كي تنام ....
وقد ساد بينهما صمتٍ دافيء .... لم تشأن أن تبدد راحته و جماله بعد تعب اليوم ..... لكنها قالت بخفوت بعد وقتٍ طويل و هي تستند بظهرها الى صدره براحة ...
( أين كنت منذ خمسة عشر عاما ؟!! ....... كنت أحتاجك و بشدة ..... )
ضحك بخفوت مثير ... الا أن شعورا عمقا انتشر في صدره ... مزيج من السعادة بسؤالها العفوي و حنان و شفقة .... فقال بهدوء مازح
( حسنا بما أني أكبرك بثماني سنوات .. فعلى الأرجح أنني كنت وقتها في بداية دراستي الجامعية .... و لم أكن أعلم أن هناك مراهقة صغيرة تتألم وحدها و في حاجة الى أحضاني و رعايتي ..... لو كنت أعلم لكن بحثت عنكِ حتى وجدتك ......الا يكن هناك من تساعدك لإجتياز هذا الألم ؟!! ... )
ابتسمت كرمة برقة و عيناها تلمعان بحنانٍ دافق ... ثم قالت
( لم يكن هناك من يتسع وقته وقته ليساعدنا حتىولو من باب المعرفة ..... كنا نستنتج وحدنا وفقا لما تمر به من هي أكبر منا ..... )
مد يده يربت على شعرها المتموج الطويل .... ليمر على كتفها المرمري الأبيض الناعم ....
فانحنى بشفتيه حتى قبل ذلك الكتف الغض وهو يهمس فوقه بصوتٍ أجش
( ليتني كنت معك وقتها .......... )
ضحكت و هي تهمس بخفوت
( كنت في الثانية عشر يا حاتم ..... أي أن مساعدتك تلك كانت تصنف وقتها كتصرف دنيء النوايا .... )
ضحك هو الآخر ثم همس بجدية بصوته الأجش الخشن
( كيف يمكنني ان انسيك الماضي ؟!! ..... بالله عليك اخبريني ...... )
ابتسمت كرمة و هي تقول بخفوت
( انت تبلي حسنا الآن ........... )
ضمها اليه اكثر .... فاغمضت عينيها بتعب ... وقالت بشدة و تحفظ
( حين لا تكون شديد التضييق علي ....... )
لم يحررها من بين ذراعيه ... لكنه قال بهدوء جدي
( و مع ذلك .... لن اتراجع عن امري بالنسبة لمسألة الخروج يوميا ..... هذا يكفي .... )
امتعضت بشدة دون ان تدير وجهها اليه ... بينما همست بخفوت
( آآآه بطني ......... )
شدد عليها قليلا ... مما جعلها تبتسم بإنتصار ... الا أنه قال بعد لحظة بنفس الهدوء المستفز
( تأوهي من الآن و حتى الصباح ...... انتهت المناقشة ... و دلالك سيدتي لست غافلا عنه .... )
رمشت كرمة بعينيها و هي تهمس بنعاس و براءة متثائبة
( الن تدللني مجددا سيدي ؟!! ....... و هل هانت عليك جاريتك المحبة !! ... )
عبس قليلا وهو يقول بجدية
( لا تنعتي نفسك بذلك .......... )
ابتسمت و هي تتثائب مجددا ... تتحرك و تندس بصدره أكثر حتى وجدت وضعا أكثر راحة ... فهمست و هي بين عالم اليقظة و النوم
( أحببت قولها الآن ...... أنا حرة ...... )
ابتسم قليلا وهو ينظر الى عينيها اللتين تنغلقان و هي تجاهد و تفتحهما بصعوبة .... من المؤكد أن الدواء قد أظهر نتيجته أخيرا بعد أن تلوت أمعائه تشاركها ألمها ... حتى أن جبينه نضحت ببعض قطرات العرق البارد ...
ثم قالت بخفوت
( مللت الخروج يا حاتم لدرجة النوم ...... من تلك التي تريد الخروج و لديها في البيت أجمل رجل في التاريخ .....)
اتسعت عيناه بصدمة وهو يسمع عبارتها العفوية في وصفه ... و كأنها تتكلم عن شيء منطقي بمنتهى الهدوء !!
هل حقا تراه كأجمل رجل ؟!! ..... لكن لماذا ليست سعيدة ؟!! ....
همس همسا أجشا ثائر العواطف و هو يلامس عنقها بأنفه .. يستنشق عطرها الأخاذ
( كرمة .......... )
الا أنه لم يسمع ردا لها .. فرفع رأسه ليجدها قد نامت أخيرا .... فزفر بإحباط وهو يبعد الزجاجة بعد أن بردت قليلا .. و دثرها جيدا كيلا تبرد ... ثم ظل ينظر اليها طويلا ... الى أن قال بهمسٍ يخجل العشق من عشقه
( التاريخ نقش حروف اسمك مرادف للجمال يا كرمة ..... فمن أكون أنا سوى خادم لجمالك وظيفته دلالك ....)

يتبع


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 17-07-15, 11:56 AM   #21082

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

نهضت كرمة في منتصف الليل بعد أن نالت كفايتها من النوم و شبعت ....
رمشت بعينيها و تمطت قليلا و هي تستشعر بشكر زوال الألم العنيف ..... أمالت وجهها تنظر الى حاتم النائم بجوارها ... و قد تراخت ذراعه من حولها ...
ظلت تتأمله طويلا ... ثم نهضت من تحت ذراعه ببطىء و هي تريد الإختلاء بنفسها قليلا بعد أن اطئنت الى نومه العميق ....
تنهدت براحة و سارعت لتنهض بإجهاد كي ترتدي بنطال قصير من الجينز لا يكاد يتجاوز فخذيها .. الا أنه كان يناسب ما ستقوم به .... و كنزة خفيفة صيفية وردية فضفاضة ...و رفعت شعرها بإهمال في كتلة فوضوية متناثرة ....
ثم سارت بخفة على أطراف اصابعها حتى وصلت الى الغرفة الخالية و التي لا تزال تحتوي على دلو الطلاء الوردي ....
مدت يدها تشعل الضوء ببطىء ... ثم وقفت مكانها تنظر في أرجاء الغرفة .....دون تعبير معين ...
ثم تقدمت في اتجاه الدلو ..... و جثت بجواره و فتحته ... ثم تناولت سكين التقليب الموضوعة بجواره على ورقة جرائد قديمة مع باقي الأدوات ....
فأخذت تقلب الطلاء ببطىء و هي تنظر الى موجاته الكثيفة بشرود ....
و خلال دقائق كانت تطلي أحد الجدران بصورة روتينية أخذت تتسارع قليلا و كأنها فنانة بوهيمية ....
سرعتها تزيد و تزيد .... و ذراعها يرتفع و يرتفع .... بينما صدرها يلهث قليلا ....
ثم همست بكبت من بين أسنانها دون تركيز و هي تعمل بهذه السرعة
( زوجته حامل !!! ...... بعد عشرة سنوات !!! ..... بعد أن باع عشرتنا ببساطة .... و هو صاحب العيب لا أنا ..... أنا من تحملت .... و اخفيت الأمر حتى عن نفسي ..... لأفاجأ الآن أن زوجته حامل بمعجزةٍ ما ....
أين عقابه ؟!! ...... اين عقابه ؟!! ..... سرعان ما سيتأكد أنها لم تخنه ... ثم يعيش سعيدا للأبد وهو يحمل الطفل الذي طالما تمناه ..... فأين عقابه ؟!!! .... اين عقابه ؟!!!!!!! .... )
كانت لهجتها تشتد ... و تخرج و كأنها لهيب ساخن ... لافح .....
لم تدرك حتى اليوم أنها كانت تنتظر عقابه و ندمه الى تلك الدرجة !! .... مع كل تمنياتها له بان تطمئن عليه دائما ... الا أنها اكتشفت اليوم فقط أنها كانت تتمنى عقابه و ندمه ..... لقد كسر كبريائها و حطم أنوثتها باختيار امرأة أخرى دون أن يكون له أي سبب مقنع !! ..... لقد أراق كبريائها كامرأة .... و دهسه بحذائه .....
صحيح انه يتألم لفراقها ....لكن ما أن يحمل طفله بين ذراعيه حتى ينتفي أي اعتبار آخر ...... و سيسعد للأبد .... بينما هي من ستعاقب و لن تحمل طفلا ربما ...
أخذت تتسارع حركاتها و هي ترفع ذراعها بالطلاء و هي تهمس بجنون و غضب و عدم فهم
( لماذا أنا لست حامل ؟!!! ...... لماذا أنا لست حامل ؟!!! ..... أنا لا أفهم ..... لماذا أنا لست حامل ؟!!! ......)
رمشت بعينيها و هي تلهث بجنون قائلة
( هل كنت أتخيل ؟!! ..... أكان العيب مني أنا وهو من كان يتحمل و يخفي الأمر عني ؟!!! .... لكن الطبيبة أكدت لي انني بخير !! ..... )
صمتت قليلا وهي تلهث بقوةٍ أكبر و تعمل كالمجنونة ....
كل كلامها الطيب مع وعد عن رغبتها في التواصل معه ... الإطمئنان عليه برقي و تحضر ... كان يخفي خلفه رغبة خفية في رؤية عقابه على اهداره لكرامتها كامرأة .....
أخذ صوتها يعلو قليلا بغيرة عمياء و غريزة ظمئانة ...... و هي تلهث و تعمل كالمجنونة.....
( لماذا أنا لست حامل ؟!!! ..... لماذا ؟!!! ...... أين العدل في ذلك ؟!! ..... )
صرخت فجأة و هي ترمي فرشاة الدهان على أقصى ارتفاع ذراعها الى آخر الغرفة
( لماذا أنا لست حااااامل حتى الآآآآآن ؟!!! ...... )
سقطت تجلس أرضا و هي ترفع ركبتيها الى صدرها ..... ثم ظللت جبهتها بكفيها و جلست تلهث بتعب ...
.................................................. .................................................. .................
انتفض حاتم على صوت صرخة بعيدة ....
ففتح عينيه و استقام جالسا يرهف السمع .... بنظرةٍ واحدة أدرك أن كرمة ليست بجواره ...
بدأ صدره ينبض بقلق وهو ينهض بسرعةٍ بحثا عنها ...
إنه متأكد أنه سمعها تصرخ .... خرج مسرعا من الغرفة و تلقائيا اتجه الى المطبخ ... ملاذها الوحيد في منتصف الليل ...
لكن هاله أن يجد الضوء مطفأ .....
فتحول قلقه رعبا ... و دار في خلده العديد من السيناريوهات .. بدئا من عودة ألمها ... و حتى تسلل أحد المجرمين الى داخل البيت !!
اندفع برعب وهو يقسم أن يقتلها بنفسه لو كانت لا تزال حية ....
و حين لمح الضوء من شق الباب الخاص بالغرفة الخالية ... أسرع اليه ليفتحه على مصرعيه ..
ثم توقف مكانه رافعا يده اللي صدره اللاهث .... و يده الأخرى تستند الى إطار الباب ... وهو يراقبها بجنون حانق ... تجلس أرضا ..... رافعة ركبتيها الى صدرها ... تظلل جبهتها بكفيها .... و .... تبكي بصوتٍ خافت رقيق !!! ...
زفر حاتم بحنقٍ شديد وهو يوشك على الإصابة بنوبةٍ قلبية ..
" تبا ..... لقد تصورها في لحظةٍ سوداء ملقاة أرضا و مذبوحة أو ....... "
أغمض عينيه وهو يهز رأسه قليلا مفكرا
" ماذا بك يا حاتم ؟! .... اهدأ .... على ما يبدو أنها قد أصابتك بعدوى الجنون و صدقت أمينة "
أغمض عينيه وهو يطرق بوجهه قليلا .. محاولا التهدئة من فزعه الذي أيقظه من النوم على صرختها ....
ثم رفع وجهه وفتح عينيه ينظر اليها بفتور ... قبل أن يقول بصوتٍ جامد
( ماذا بكِ يا مجنونة ؟!!! .... قسم بالله لقد اتضح لي أنه لا يفهم الا أمينة .... و قد صدقت نظرتها لك )
انتفضت كرمة مكانها و هي ترفع وجهها المحمر المتورم من البكاء ... لتنظر اليه و قد صدمها وجوده
فلجم لسانها و اتسعت عينيها بذعر ... محاولة تذكر بماذا صرخت ؟!!! .... و هل نطقت اسم محمد ؟!!
لا ينقصها الآن غضب حاتم لكي يصبه عليها ......
لكن بنظرةٍ واحدةٍ من عينيها المنتفختين اليه .... أدركت أنه كان هادىء الملامح ... تعلوها بعض الصرامة ... لكن بالتأكيد ليس العنف ....
لم تستطع كرمة الكلام لعدة لحظات .... بينما تولى حاتم الكلام وهو يستقيم ليدخل الى الغرفة ببطىء و عينيه لا تتحزحان عنها ....
( لماذا تبكين في هذه الساعة ؟!!! ......... وفري على نفسك هذا الدلال الزائف .... لن تأكلي الآن مهما بكيتِ .... )
ظلت كرمة مكانها أرضا .... تنظر اليه بعينيها المتسعتين الحمراوين و هي غير قادرة على الكلام ....
فقال حاتم مجددا بصوتٍ أكثر عاطفة و حنانا ... بينما ظللت شفتيه ابتسامة حنونة حزينة وهو يقف بجوارها يعلوها كالمارد
( لماذا تبكين يا مدللة حاتم ؟!!......... )
ابتلعت غصة في حلقها و هي تحاول النطق .... ثم همست أخيرا و هي تلوح بكفها بإشارة من كفها الرقيق تجاه الحائط المطلى حتى ثلاث أربعه .....
( آآآآآ ... لم تطال يدي نهاية الجدار ...... و أنت لم تحضر ..... سلما ...... ماذا من المفترض بي أن أفعل أنا الآن ؟!!! ..... ها ؟!!! ..... )
ارتفع حاجبي حاتم وهو يقف بجوارها صامتا .. مكتفا ذراعيه فوق صدره القوى العضلات و قد بدا منظره مهددا لها في تلك اللحظة .....
و بقى هكذا طويلا .... قبل أن يقول بصوت هادىء
( كرمة ...... لا اعتقد أنني قد شتمت امرأة في حياتي كلها ..... و بما أن لكِ السبق في هذا المضمار ... اسمحي لي بأن أخبرك أنكِ ...... معتوهة ..... )
مالت عينيها بحزن حقيقي و هي تخفض يدها و ووجهها بألم ..... و بدت كطفلة مسكينة صغيرة ....
فابتسم قبل أن تراه .... لكنه سارع بإخفاء ابتسامته وهو يقول بصرامة
( غدا أحضر لك سلما .... و لم يكن هناك داعيا لكي بوق سيارة الإسعاف الذي أطلقته منذ لحظات ....)
رفعت وجهها اليه وهي تهتف بغضب و قد تبللت عيناها بالدموع مجددا
(لو انتظرنا للغد سيجف النصف الذي طليته .... و سيبدو الحائط مبقعا ..... الا تمتلك عقلا مفكرا ولو للحظة ؟!!! ....)
رفع حاتم وجهه ينظر الى العمل الفني المرتسم على الجدار ... و الذي أقل ما يقال عنه هو انه مبشاعة مشوهة .... فقد طلت بالفرشاة في كل الإتجاهات ....
والله لو كانت تنوي رسم شمس كبيرة لما تمكنت من جعل أشعتها أكثر مهارة من تلك العشوائية التي طلت بها الجدار ....
استعاض حاتم الله في الجدار و الغرفة كلها و عقد العزم على استئجار عمال لطلائها من جديد .... و سيعمل على أن تدفع كرمة ثمن دلو طلاء جديد من راتبها ......
لكنه قال كاذبا كي يراضيها
( معك حق ...... و نحن لا نريد أفساد روعة ما انجزته حتى الآن .....)
صمت قليلا ينظر اليها بحب ... قبل أن يمد يده اليها قائلا بلهجة آمرة
( هاتي يدك .......)
نظرت الى يده المفرودة و الممتدة اليها .... قبل أن ترفع يدها لتضعها بكفه بتردد ... فجذبها بقوةٍ حتى أوقفها على قدميها أمامه دون أن يتخلى عن كفها ... الا أن عينيه نزلتا لتلامسان ساقيها المكتنزتين و المديدتين أمامه
فبرقت نظراته و هو يرى بقع الطلاء الوردية التي تناثرت فوقهما لتزيد من ورديتهما المحببة ....
رفع احدى حاجبيه ليقول بصرامة ...
( من أذن لك أن تلوثي هاتين الساقين ؟!!! ........ )
أطرقت كرمة بوجهها تنظر الي ساقيها ... ثم نظرت اليه مجددا و هي تقول بغضب طفولي
( اليستا ساقي أنا و انا حرة بهما ؟!! .........)
عقد حاجبيه وهو يقول بجدية
( بل ساقي أنا ............)
دار حولها وهو ينظر الي ساقيها باستياء .... الى أن وقف خلفها ... مرت لحظة شعرت بها بالتوجس ...
قبل أن تجده ينحني بسرعة ليدخل رأسه بين ساقيها .... ووجدت نفسها مرفوعة على كتفيه ... و ساقيها ترتاحان على صدره بينما هي تشهق هلعا .. هاتفة
( حاااااتم ..... أنزلني ..... أنزلني ..... سأصاب بالدوار )
الا انه ضحك بخفوت وهو يشعر بمتعة خالصة في حملها ... ثم قال وهو يسير بها الى الجدار المشوه
( لن تنزلي قبل أن تكملي عملك حبيبتي .......... اعتبريني سلمك )
نظرت كرمة الى الجدار و هي تشعر بنفسها ترتجف اثارة و سعادة .... ثم همست مبتسمة على الرغم من تورم عينيها و وجهها
( الفرشاة ملقاة على الأرض ...... أنزلني كي احضرها .... )
اتجه بها الى الفرشاة ... فظنت أنه سينزلها .... الا أنه انحنى القرفصاء وهو يحملها حتى أصبحت في متناول يدها .... و غمستها في الطلاء ... ثم عاد ليرتفع بها بسهولة .....
اتسعت عينا كرمة بذهول من قوته البدنية ... و هي تراه يقوم بهذه الحركة عدة مرات ... و كلما ارتفع بها أسرعت لتطلي الجدار ... بينما قلبها يخفق بقوة ....
و في احدى المرات ... و أثناء طلائها للجدار ... قالت بصوتٍ مبهور
( أنت قوي جدا !!! ........ تختلف عن مديري المكاتب عظيمي البطون ....)
ابتسم حاتم وهو يستمع الى مدحها المبهور ... بينما هو يشعر في نفس الوقت أنها اجمل مخلوقة على وجه الأرض ..... و من حسن حظه أنه يحملها فوق كتفيه ....
قالت كرمة متابعة بنفس الصوت المبهور الشارد و هي تتابع تلوين الحائط
( قوي و جميل ..... و شعرك جميل .....خانق قليلا ... لكن جمالك يعوض عن ذلك .... )
شعر بصدره يتضخم بقوة ... فقال بصوت أجش خشن
( كرمة ..... هل يمكنني أنزالك للحظة ؟؟ .....)
اتسعت عيناها برعب و هي تقول
( هل أنا ثقيلة عليك ؟!! ...... هل تعبت ؟!! .....)
قال حاتم بلهجة دافئة .... بل تحترق في الواقع
( أنت في وزن الريشة حبيبتي ....... سامحني يا الله على الكذبة ....)
عقدت كرمة حاجبيها و هي تضرب كتفيه قائلة بغيظ
(إياك و التعليق على وزني مجددا .........)
ضحك حاتم بقوةٍ ثم قال بعدها
( أريد أن أقبلك فقط سيدتي ........... )
أنزلها دون أن تسمح له و قبل أن تستطيع الكلام كان قد جذبها اليه وهو يرتوي من شوقه الذي لا ينضب لها أبدا .... و هو يهمس من بين شوقه المجنون .... من بين قبلةٍ مجنونةٍ و أخرى ....
( أحبك ....... أحبك ...... أحبك يا كرمة ..... أعشقك بكل جنونك .... و كآبتك .... و دلالك .... و جمالك )
كانت كرمة تائهة بين أمواج عشقه .... تحيا حبه .... تتنفس عشقه المجنون .... الى أن همست بإختناق بين شفتيه
( أريد أن ..... اتنفس ..... حبيبي .... أرجوك .... )
كادت كلمة حبيبي التي خرجت من بين شفتيه أن تذهب عقله ... فتحول الى مجنون يهذي و هي تختنق بين ذراعيه .. الى أن تراجع بها حتى التصقت بالجدار المطلي حديثا .... لكن أيا منهما لم يلحظ ذلك ... أو لم يهتما بالجدار .....
فقد تحولا الى زوج من العاشقين يجمعها الظمأ الى بعضهما ....
أصابعها تعبث بشعره بجنون ... و شفتيها تهمسان بقبلاته المجنونة و تتشكل معها بتناغم متكامل .....
و ما ان حرر شفتيها المنتفختين قليلا حتى يستطيع التنفس بصعوبةٍ و بلهاث ....
حتى كانت تسقط على صدره بتعب و هي تشاركه صعوبة التنفس ....
ابعدها حاتم عن الجدار ليتخلل شعرها باصابعه بقوةٍ حتى فك عقدته المرتخية ... و اخذ يمشطه بأصابعه وهو ينظر الي عينيها المأسورتين به ... عاقد الحاجبين من شدة ما يشعر به في تلك اللحظة ....
عاد ليضمها اليه بقوةٍ ... حتى دار بها ... فتعلقت به و هي تنظر من خلف كتفه الى آثار جسدها الذي انطبع على الطلاء الوردي اللين ....
شردت بتفكيرها اثناء انشغاله بعاطفته بها كطفلٍ متعلق بثوب امه .... بينما كانت هي تفكر في سلاطة لسانها قبل ان يستيقظ مباشرة .... لقد تجرأت على ما رزق به الله غيرها ....
اعمتها غيرتها السوداء .... فنسيت كل ما منحه لها هذا المخلوق الرائع ..... و الذي تحبه .... بقوة ...
رفعت يدها لتمشط شعره برقة و حنان ... حتى امالت وجهه الذي دفنه بتجويف عنقها .... و همست مغمضة عينيها
( احبك يا حاتم ..... و اتمنى ان احمل طفلا منك ..... اتمناه اكثر من اي شيء آخر ليبدد كل حزن الماضي ... و يروي صحراء جسدي المتعطش للأمومة ..... لكن لو لن يكون طفلك .... فلا أريده ... فقد حدث و أحببتك .... أحب ابنك .... لأنه يشبهك ...... أنا آسفة .... أنا آسفة .... سامحني حبيبي .... )
لم تكن تدري ان همسها الخافت قد تخلل أمواج عاطفته الجامحة ... فجعلته يسكن و يهدأ ... ليسمع كل حرف تنطق به ... و الذي هطل كماء المطر على أرضٍ جافة ... فأنبتت بها خضارا زاهيا ... براقا ....
رفع وجهه عنها ... ليتطلع الى عينيها الدامعتين .... لكن دموعها بدت هذه المرة و كأنها تبرق ببريقٍ غريبٍ عليها ....
عقد حاجبيه متأوها وهو يهمس مختنقا
( و تعتذرين ؟!! ...... ألم أقل أنك .... معتوهة ..... حبيبتي المعتوهة .... )
همست كرمة و هي تتعلق به بشدة و كأنه وسيلة نجاتها الوحيدة
( لو ظللت العمر كله اطلب منك السماح .... فلن يكفي ذلك لتبديد كل نكراني لما بين يدي من جمالٍ و حب ... احبك يا حاتم ..... )
تأوه حاتم بصوتٍ عالي وهو يضمها اليه بشدة الى ان رفعها عن الأرض و دار بها .... ثم همس بصوتٍ اجش
( بالله عليك يا كرمة .... هل من الضروري متابعة الطلاء الآن ؟!! ..... احتاجك ... أحتاجك بدرجةٍ موجعة مهلكة ..... )
ابتسمت كرمة و هي تلهث من شدة مشاعرها .... ثم همست برقة و عبث
( البقاء هنا أكثر أمانا يا حاتم ....... احملني أرجوك ... أحب ذلك ..... جدا ......... )
.................................................. .................................................. .....................
للمرة الثانية بذهول !!
صعدت ورد درجات السلم للطابق الأول حيث المعرض و هي لا تزال تشتم و تشتم و تشتم ...
إنها المرة الثانية التي يجبرها سيف على القدوم الى هنا كغنمة منقادة ...
و الأمر الذي لا يصدق أنها في المرتين تأتي بأمرٍ يخص التعيسة وعد ابنة عبد الحميد ....
كانت تحمل معها الصندوق الموسيقي السخيف الذي تركته ملك لديهم في البيت ... و الذي كان لا يفارقها ليل نهار
حتى في ساعات الليل المظلمة ... كانت ملك تفتح غطائه في الظلام و تستمع الى موسيقاه ... بينما ورد تغلي و تزبد تحت الوسادة الى أن انتفضت مرة صارخة بها
" اغلقي هذا الشيء .... لا أستطيع النوم "
كانت ملك نائمة على جانبها و الصندوق مفتوح أمام وجهها على الوسادة ... بينما دمعة صامتة منحدرة على وجنتها ... استطاعت ورد الشعور بها رغم الظلام ...
الا أن ملك حينها همست بكلمة " آسفة " بخفوت و هي تغلق الصندوق و تستدير الى جانبها الآخر
تأففت ورد و هي تشعر بنفس الغضب من نفسها تلك الليلة ...
لكن تعلق ملك بالصندوق كان تعلقا مرضيا ... و كان هذا يثير غضبها بشدة , فقد كانت تكره هذا الدلال الفارغ بكل صوره ....
لكنها وجدته حجة مواتية كي تأتيها به .... كي تطمئن على السيدة ... تبا لذلك ...
صعدت الدرجة قبل الأخيرة ., و كادت أن تدوس الأخيرة , الا أنها داست على الفراغ في غمرة غضبها , مما جعلها تتعثر و تسقط على ركبتها ....
أمسكت ورد حاجز السلم في اللحظة الاخيرة .... لكن هذا لم يمنع من سقوط الصندوق على السلالم أمامها متدحرجا .... بينما تأذت ركبتها قليلا ...
تأوهت بشدة ... الا أن تأوهها صمت و اتسعت عيناها و هي ترى الصندوق الملقى آخر السلم رأسا على عقب ....
فرفعت يدها الى وجنتها و هي تهمس بصدمة
( هل كان هذا صوت شيء كسر ؟!!! ..... أم أنني أتوهم ؟! .... )
سمعت صوتا رخيما يقول من خلفها متسليا
( لو لم يكن ذلك صوت احدى عظامك ..... فأعتقد آسفا أنكِ كسرتِ ما بداخل هذا الصندوق المسكين .... )
ارتفع حاجبيها بشدة مع سماعها لذلك الصوت ... ثم أغمضت عينيها و هي تهمس لنفسها بشيطانية
( لا يمكن أن تكون أنت .....إنه مجرد وهم لتكتمل قتامة هذا الموقف .... )
صدر الصوت الرخيم من خلفها مجددا بنبرةٍ أكثر تسلية
( يؤسفني اخبارك أنني بالفعل كنت الشاهد على سقطتك الأنيقة .....و لي عظيم الشرف .. . )
فتحت ورد عينيها ببطىء دون أن تستدير اليه .... و الا لكانت قتلته بنظرات عينيها الطائشة في تلك اللحظة ,
فقال يوسف مبتسما بعد عدة لحظات
( هل ستظلين جالسة عندك ؟! ....... )
قالت ورد من بين أسنانها التي كادت أن تتحطم من شدة ضغطها عليها
( أنتظر اختفاء وجودك البغيض ........ )
و كادت تجن و هي تسمعه يضحك بكل وقاحة و انعدام ذوق .... ثم قال ببساطة
( يؤسفني اذن أنك ستضطرين للإنتظار طويلا ..... فأنا أستنشق بعض الهواء هنا , و لا نية لدي للذهاب )
استدارت اليه بجنون و هي لا تزال جالسة على درجة السلم مكانها و صرخت
( أنت أكثر الأشخاص لزوجة و سماجة و انعداما للذوق ...... ياللهي انت غاية في ال .... )
صمتت فجأة و هي تعي منظره الذي انتقل في اشارة بطيئة متأخرة الى عقلها الغاضب ....
كان يقف عند اول درجة ... منحنيا يستند بذراعه الى سور السلم وهو يتأملها مبتسما ....
كان قميصه الأبيض مفتوحا حتى منتصف صدره ... مظهرا الكثير من جسده الرياضي البغيض ...
تبا , الا يمتلك جراما واحدا من الشحوم الزائدة !
بينما كان شعره يلمع بشدة ... و كأنه ريش غرابٍ اسود .... نعم إنه يشبه الغراب الأسود بالفعل ...
كانت قد نست نفسها و هي تتأمله بطريقة لم تعهدها بنفسها من قبل .... فلم تكن ممن يستهويهن تأمل الرجال ... مهما بلغت وسامتهم ! ....
رفع يوسف حاجبه وهو يقول ببساطة دون أن يفقد ابتسامته
(و أنتِ قليلة الأدب ........ )
حينها عادت نظراتها لتشتعل و هي تصرخ
( إنها ثالث مرة تشتمني بها ...... احترم نفسك .... )
قال لها ببساطة وهو يستقيم واقفا لينزل تلك الدرجة التي تجلس عليها ... ثم جلس بجوارها أمام عينيها المذهولتين ....
( هل الشتائم تعتبر حكرا لكِ فقط ؟!! .......... )
نظرت الى ساقيه العضليتين القريبتين من ساقيها ... فأبعدتهما الى آخر الجدار بقلق ..و هي تشعر بشمشاعر غريبة عليها... ومستفزة ....
فرفعت وجهها اليه تقول ببرودٍ حانق فظ
( من المفترض أن تكون سيدا مهذبا .......... )
رد عليها ببساطة وهدوء
( لا عزيزتي .... أنا اؤمن بالمساواة بين الرجل و المرأة بكل شيء ..... و مع ذلك , فأنا لم أساويكِ في سلاطة لسانك بعد .... لذا عليكِ أن تكوني ممتنة ..... )
كانت تنظر اليه و هي تتنفس بسرعةٍِ قليلا .... وجوده كان قريبا منها للغاية دون تهذيب أو مراعاة للوضع ... و مع ذلك كانت قوة تدفعها للبقاء دون القفز وقوفا و الابتعادا عنه ...
الا أنها هزت رأسها بقوةٍ و هي تقول بغضب
( لا تذكر لفظ عزيزتي ذلك مجددا ......... لست عزيزتك .... )
قال يوسف باستفزاز ...
( عزيزتي أنا حر بذكر لفظ عزيزتي كلما أردت و أينما أردت .... و أنتِ إن لم يعجبك لفظ عزيزتي يا عزيزتي فلتغادري كي لا تسمعيها .... عزيزتي .... )
زفرت ورد بضيق و هي تهتف بنفاذ صبر
( من ظلمك و خدعك ... و أوهمك بأنك خفيف الظل , طريف القفشات !! ..... )
رفع حاجبه وهو يقول بهدوء و رقي
( الحقيقة أنني نلت هذه الشهادة من عدد لا بأس به من الجنس الآخر .... الحقيقة أيضا أن معظم بنات جنسك يجدنني جذابا خفيف الظل ..... )
رفعت احدى حاجبيها و هي ترمقه بطرف عينيها ... ثم تمتمت بضيق شديد
( أنت اذن من ذلك النوع الساذج الذي يصدق كل كلمة تقال له .... كمعظم ابناء جنسك ... )
ابتسم مجددا وهو يقول
( آآه و ما هو نوع خطيبك اذن ؟! ..... هل يصدق كل كلمة لطيفة تخدعينه بها بفعل معجزةٍ ما , تحسن من شفرة لسانك ؟!! ...... )
انتفضت فجأة و هي تعبس بشدة .... محاولة التذكر علاقته بخطيبها ..... من هو خطيبها اصلا ؟!! ....
بينما تابع يوسف قائلا بهدوء وهو يرمق أصابع كفها
( بالمناسبة .... مبارك الخطبة ولو أنها أتت متأخرة .... كيف كان الفستان البرتقالي الذي يشبه برتقالة ماسخة لم تنضج بعد ..... هل نال اعجاب خطيبك ؟! .... لا عجب في ذلك فإن كان خطيبك من اختيارك , كما كان الفستان الماسخ من اختيارك كذلك فسيعجبه بالتأكيد....... )
كانت تنظر اليه بشبه ذهول و هي عاقدة حاجبيها ... بينما كان هو في غاية الهدوء , يتسامر معها كأنهما صديقين ... ثم قال متظاهرا بالدهشة البريئة
( لكن لماذا لا أرى خاتما باصبعك ؟!! ........ الايستحق الفستان البرتقالي خاتما يليق ببرتقاليته ؟! ... )
كانت البلادة مرتسمة على ملامح وجهها و هي تسمعه بصمت الى أن انتهى تماما ... ثم قالت أخيرا ببرود
( تم تأجيل الخطبة ...... فهلا كففت بعضا من ظرفك لأنني بدأت أصاب بالحساسية ! ..... )
تظاهر بالدهشة مجددا ... ثم قال ببساطة
( خسارة !........ لماذا تم التأجيل ؟! ..... ألم يكن سعيد الحظ متعجلا بما يكفي ؟! .... )
قالت بشدة ضاغطة على الأحرف
( تم التأجيل لأن أخي لم يكن موجودا ...... و أنت تعرف ذلك .... لكن لماذا أرد على أسئلتك من الأساس ؟! .... هل مجيئك بتلك اللحظة كان صدفة ؟! .... أنا لا أصدق كل تلك الصدف .... )
رد يوسف وهو يراقب انفعالها بتأمل
( الحقيقة ليست صدفة .... أنتِ للمرة الثانية تتواجدين عند باب المكان الذي أتواجد به بشكلٍ شبه يومي ... مما يجعلني أسألك نفس السؤال .... هل هذه صدفة ؟! .... أم تتعمدين لقائي ؟! ..... )
عقدت حاجبيها بشدة و هي تتحفز جسديا هاتفة بقوة و غضب
( ماذا ؟! .... من يتعمد لقاء من ؟!!! .... أنت آخر شخص أتمنى رؤيته ... بل مجرد أن ألمحه من بعيد ..... أنت .... أنت .... )
رفع يوسف يده وهو يقول بهدوء مستفز
( اهدئي ..... اهدئي .... حاولي أن تتخلصي من شخصية أخيك المسيطرة على طباعك و التقطي أنفاسك .... ربما لو اخذت بعضا من طبائع والدتك , لتعدل حالك في الحياة قليلا .... )
كانت بالفعل تتنفس بسرعة و غضب بدا و كأنه يخرج كلهيبٍ من عينيها النمرتين .... و ما ان استطاعت النطق اخيرا حتى صرخت بغضب
( كيف تجرؤ ؟!! ....... )
الا أن يوسف تجرأ بالفعل و سألها مباشرة وهو يتأمل ملامح وجهها الحادة ليعود الى عيني النمور الهائجة مجددا وهو يسألها باهتمام
( كم عمرك ؟........... )
اتسعت عيناها و ارتفع حاجباها ... و هي ترمقه بعدم تصديق ... ثم هتفت مجددا
( أنت عديم الذوق فعلا ....... محدود العقل .... )
رفع حاجبيه وهو يقول ببساطة
( أتعانين من رهاب العمر ككل أنثى قابلتها هنا ؟! ......)
تأففت ورد بقوة وهي تعيد خصلة من شعرها خلف أذنها ... الا أنها تذكرت السماعة خلفها , فارتجفت أصابعها و هي تترك تلك الخصلة لتنساب على وجهها و أذنها مجددا ... بينما كان هو يراقبها صامتا ...
ثم قال أخيرا بجدية
( لماذا أتيت اليوم ؟! ..........)
نظرت اليه بسرعة و هي تقول بمنتهى الوضوح
( و ما دخلك ؟! ........ من أنت أصلا كي تستجوبني ؟! .....)
الا ان يوسف قال بجدية أكبر
( حسنا .... لماذا لا تزال وعد هنا ؟! ...... كنت أظن أنها ستذهب مع سيف الى بيتهما بعد ليلة العرض ...)
ارتبكت ورد أمام سؤاله الجاد و نظراته المراقبة باهتمام ..... و تذكرت تصريحه الوقح في المرة السابقة بأنه يريد الزواج من وعد !! .....
فرفعت ذقنها و هي تقول ببرود
( لما لا تسألها ؟! ......... )
الا أنه لم يشعر بالإهانة أو حتى الحرج من الفضول ... بل قال بصوتٍ قاطع
( وعد ليست بحالةٍ تسمح لها بالكلام مؤخرا ..... و هذا ظاهر للجميع , و ها أنا أسألك أنت ... )
في حالٍ آخر كانت لتهاجم صلفه ... و تتجاهل بروده ... ثم تنهض و تتركه , الا أنها في لحظةٍ مجنونة شعرت بالفضول كي ترى ردة فعله على طلاق وعد .... فقالت ببرود و هي تنظر الى عينيه
( لقد طلق سيف وعد ........ )
لم تخدعها عيناها و هي تراقب عيني يوسف تتألقان فجأة و كأنهما زادتا بريقا ... بينما شعرت بجسده بجوارها يتصلب و يتأهب ... ففغر شفتيه قليلا بابتسامة غير مصدقة .. لم تلبث أن تحولت الى ضحكة خافتة .. مذهولة و حيوية ...
ثم قال بصوتٍ خافت مزدهر متوهج
( حقا ؟! ..........كنت قد فقدت الأمل !! )
شعرت بداخلها بنوعٍ من انقباض الصدر و هي تراقب ذلك الإهتمام و البريق الذي لا يمكن اغفاله ...
انقباض يشبه الغيرة .... الغيرة من وعد التي تنال كل هذا الإعجاب من حولها لسببٍ غير منطقي او معلوم ...
قال يوسف أخيرا و قد استعاد اتزانه سريعا ...
( و مادام سيف قد طلق وعد .... لماذا أنتِ هنا اليوم ؟! ..... )
ضاقت عيناها و هي تراقبه ... و مع ذلك لم تصرخ و لم تحتد ... بل قالت ببرود جليدي علها تجمد قلبه
( الا ترى أنك بالفعل تتجاوز حدودك ؟! .... )
استقام جالسا وهو يميل اليها قائلا بجدية
( اسمعي ... لقد حصل ما كنتِ تتمنينه ... و طلق أخاك وعد , فلما لا تجيبين ببساطة ؟! .... )
نظرت اليه بطرف عينيها ... ثم زمت شفتيها و هي تقول مرغمة
( يريد الإطمئنان عليها ..... و لا يريد المجيء بنفسه ..... )
كان يوسف يومىء برأسه وهو يقلب كلامها في عقله ... ثم قال بهدوء
( اذن سيظل يدور بمدارها ... كل يومٍ بحجة ..... )
صمت قليلا وهو ينظر أمامه ... بينما هي تتأمله خلسة .... بداخلها نفور غريب , .... نفور من رغبته بوعد الى تلك الدرجة ....
فقالت أخيرا بفتور و هي تقاوم خروج العبارة المرة كالعلقم و كأنها تبتلع فأرا ميتا
( ستظل ابنة ......خالنا ....... )
نظر اليها يوسف مندهشا ... ثم لم يلبث أن ضحك عاليا وهو يقول
( هل هذه الحجة التي سيتبعها اذن ؟! .. أخاك سيؤذي نفسه أكثر بتلك الطريقة , و أنت تساعدينه في ذلك ..... )
مطت شفتيها و هي تقول بامتعاض
( هل تريد أن تخبرني بأنك تشفق على سيف الآن ؟! ...... )
نظر الى عينيها و قال ببساطة
( و لا لذرة ...... أنا فقط اريد استغلال خوفك على أخيك ..... )
رفعت حاجبيها و هي تقول بفتور
( ما تلك الصراحة ؟!! .......... )
هز كتفيه وهو يقول
( الصراحة هي اقصر الطرق في نيل الإنسان لما يريده ...... أنت تريدين مصلحة أخيك ... و مصلحته تعتمد على ابتعاده عن دائرة وعد .... و ابتعاده سيكون نهائيا دون رجعة بزواجها ... )
صمت قليلا وهو ينظر اليها متابعا بابتسامة
( مني أنا ............. )
بهت وجه ورد ... و ذهبت الوانه .... و هي تتابع ذلك التألق الظاهر بعينيه ... ثم قالت بنفس الفتور
( سيف لن يسمح بذلك ...... لأنه يحبها .... أنت لا تعلم كيف يتصرف حيال ممتلكاته ... حتى لو قرر تحريرها ..... لكنه لن يتركها لغيره .... أبدا ... )
رفع يوسف حاجبه وهو يقول
( حيال ممتلكاته !!! ..... حتى بعد أن طلقها سيعتبرها احدى ممتلكاته المهملة ... يفضل أن يعلوها الغبار على أن تلمسها يد غير يده !!! ...... كم هذا رائع ....)
مال اليها فتراجعت قليلا و هي تشعر بالتوتر لكنه قال غير منتبها لتوترها و ارتباكها
( لكن الأمر سيظل قائما . اليوم ستأتين ... و غدا سيأتي هو ..... لذا لما لا نحاول مساعدة الجميع للأصلح )
نظرت اليه ورد و هي تقول ببرود
( و الأصلح للجميع هو أن تتزوجها ...... اليس كذلك ؟! .....)
ابتسم يوسف وهو يقول بثقة
( من المؤكد سيكون الأصلح لوعد ..... و لي .... و أنت تعلمين بقرار نفسك أنه الأصلح لأخيك )
شعرت ورد بطعم صدىء بحلقها ... لكنها كانت تنظر اليه بصمت , ثم قالت أخيرا ببرود
(؛ و ما هو دوري تحديدا ؟! .......)
فرد كفيه وهو يقول مبتسما
( لا شيء أكثر من نقل سعادة كل منهما للآخر ..... أخبريه أنها سعيدة مرتاحة .... راضية , تغزو العالم بعملها الناجح و لا وقت لديها للتفكير ..... و العكس .... أخبريها أنه بخير أخيرا ....)
ظلت تنظر اليه طويلا قبل أن تقول أخيرا بصوت لا حياة به
( أنت منعدم الضمير حقا !! ........)
ارتفع حاجبيه بدهشة وهو يقول بلهجة ذات مغزى
( متأكد أنك فعلت أفظع من ذلك سابقا في سبيل إبعادها عن حياتكم ......)
رفع ذقنه وهو يراقب توتر ملامحها و كره عينيها ... ثم قال متابعا مباشرة
( أخاك سيكون أول المستفيدين يا ورد .... و أنت ستضمنين أنها لن تعود اليكم مجددا ... هذا بالإضافة الى أنه ليس مطلوبا منكِ شيئا فعليا ..... )
ظلت ورد تنظر اليه بصمت .. بينما كانت ملامحها متبلدة ... و عيناها .... عيناها مرهقتان ببعض الظلال و الخطوط تحتهما ....
تلك الخطوط كانت الشيء الوحيد الذي يخفف من حدة شكل عينيها ... و يجعل منها أكثر هشاشة و انوثة ...
و شعر بداخله بما يشبه الذنب لأنه يقسو عليها بكلِ مرةٍ يراها بها .... لكن ماذا يفعل ؟!! ... هي التي تجبره على ذلك .... فلسانها سليط و روحها قاسية مؤذية ....
لذا حاول حاليا الإبتعاد عن هذا الموضوع و قرر تركه لعقلها كي تتناقش به مع نفسها على مهل ...
فقال مبتسما بلطف وهو يشير بذقنه الى نهاية السلم
( اذن ..... من كان الضحية التي استخدمتها كخدعة في القدوم الى هنا ؟! ....)
نظرت ورد الى الصندوق الملقى على رأسه في نهاية السلم بوجوم ... ثم قالت مكورة شفتيها
( إنه صندوق الموسيقى الخاص بملك .... كانت قد نسيته عندنا ....و هو ذو مكانة خاصة لديها .. )
ارتفع حاجباه بصدمة وهو يقول ببراءة مفتعلة
( ألم تجدي سوى ملك الصغيرة كي تنتقمي منها ؟! ...... )
انتفضت تنظر اليه بسرعة و غضب لتقول
( كان رغما عني .... لقد سقطت على السلم ... و التوى كاحلي ....)
عقد حاجبيه قليلا وهو ينظر الى كاحلها الذي بدأ يتورم بالفعل .... فقال باستياء
( لماذا لم تذكري هذا من قبل ؟! ...... هل يمكنك القيام بمفردك ؟! .... تعالي لأربطه لكِ ... )
لم يبد على ملامحها و كأنها سمعته من الأساس و هي تنظر اليه بازدراء ... ثم قالت ببرود
( نعم ..... لما لا تحملني كذلك ؟! ......... )
قال ببساطة ووضوح
( آسف .... أعتقد أنكِ أثقل من احتمال ظهري ... أنا أقارب الأربعين من العمر و لم أعد في كامل لياقتي .... ربما لو ظهرتِ منذ عشر سنوات لكنت قد حملتك ممتنا ..... )
مطت شفتيها و هي تقول من بين أسنانها
( خفة ظلك نادرة الوجود ....... اتمنى من الله أن يلتوي ظهرك بنفس التواء كاحلي و لا تستطيع حمل نفسك حتى ...... )
عقد حاجبيه وهو يقول بعجب
( ياللهي !! ....... انتِ فعلا شريرة ..... لا أعلم ممن ورثتِ أنتِ و أخيك مثل هذا الشر ؟! .... فأمك تبدو ملائكية الطبع ...... )
مطت شفتيها بسخرية و هي تقول
( لم يحالفك الحظ لرؤية خالي ......... )
حينها أرجع راسه للخلف يضحك بقوةٍ وهو يقول باختناق من شدة ضحكه
( لقد رأيته بالفعل رحمه الله ..... و أنا الذي كنت أتسائل أين رأيتك من قبل !! .... كيف نسيت وجه الشبه بينكما ..... )
عبست بشدة من تلك الإهانة .... لكنها صمتت تراقب ضحكاته العالية و هي تبتلع انجذاب انثوي غبي ينمو بداخلها .... لم يحدث لها من قبل حتى في أولى سنوات مراهقتها ....
في تلك اللحظة كانت وعد تهبط السلم من الطابق الذي يعلوهما مباشرة حيث تقع شقتها مع ملك ...
لكنها توقفت فجأة بمنتصف السلم و هي ترى ورد تجلس بجوار يوسف على أولى الدرجات بينما يوسف يضحك عاليا بمرح ....
التفتت ورد تنظر اليها بارتباك ... بينما توقف يوسف عن الضحك وهو يقول باهتمام و بعينين مشعتين
( صباح الخير يا وعد ..... لقد تأخرتِ اليوم ..... )
عقدت ورد حاجبيها و هي تنظر الى وعد مليا ....
حيث كانت عيناها منتفختان ... حمراوان ... و تحتهما انتفاخاتٍ زرقاء دلت بوضوح على بكاء ليلة طويلة ...
كانت تستند الى حاجز السلم بارهاق ... و شعرها يبدو وكأن مشطا لم يلمسه هذا الصباح ....
عيناها كانتا لا تحيدان عن عيني ورد التي لم تجد الجرأة على النهوض حتى ... لكن وعد قالت بخفوت و لمحة أمل ... تكاد تكون توسل
( هل أرسلك سيف الى هنا ؟! ........ )
رمشت ورد بعينيها عدة مرات و هي تشعر بانقباض بقلبها ... كان منظر وعد هزيلا مرهقا و شفتيها زرقاوين للغاية ... عيناها الرماديتان تتوسلان و تنبضان بالألم ....
لا لم تكن ورد شريرة الى تلك الدرجة التي ذكرها يوسف ... و الا لما كانت لتشعر بهذا الإنقباض الذي تشعر به حاليا ....
لكن ماذا بيدها ؟! ..... حتى لو كانت تكره وعد ... الا أنها لم تكن السبب بطلاقها .... و سيف يريد الإطمئنان عليها من بعيد ....
لذا أخفضت وجهها و هي تقول بفتور خافت
( لا .... لقد جئت .... كي اعطي ملك صندوقا يخصها .... نسيته لدينا ..... )
صمتت قليلا و هي تشعر بدناءة غير مبررة .... ثم قالت متابعة بخفوت اكبر كي تعطي حجتها اهمية اكبر
( و امي تريد الإطمئنان عليها كذلك ..... لقد رحلت ..... فجأة .... )
ساد صمت طويل قاتم .... فرفعت ورد وجهها بتردد ... و هالها رؤية ملامح وعد .... فقد ظهر الم اكبر ... يكاد يكون شعورا بالضطهاد ... حتى انها فغرت شفتيها قليلا تتنفس من بينهما ....
ثم اخفضت وجهها و هي تقول بخفوت
( ملك بالشقة فوق ..... تفضلي ...... و اخبري عمتى ..... أن بإمكانها المجيء و رؤية ملك بأي وقت ...)
ثم قالت بعد لحظة اختفى بها صوتها
( اعذراني .... يجب أن أذهب للمعرض ...... )
مرت بهما و تجاوزتهما ببطىء .... و هي منحنية الكتفين ... متهدلة الشعر و الروح .... تجر ساقيها بصعوبةٍ
و ما أن اختفت عن ناظريهما ... حتى انتفضت ورد تقول بغضب و جنون
( تبا لكما معا انت و سيف .... و أنا قبلكما ..... )
انتفض يوسف في مكانه و الذي كان يراقب اثر وعد بعد اختفائها .... فنظر الي ورد طويلا مقطب الجبين عاقدا حاجبيه بشعور قاتم منقبض .... ثم قال اخيرا بعد فترةٍ طويلة بخشونةٍ خافتة
( تعالي لأساعدك في النهوض ........ )
نهضت وحدها و هي تقول بشراسة
( لا أحتاجك ..... فقط ابتعد عني ..... )
الا أنها ما أن داست على كاحلها المتورم .... حتى أغمضت عينيها بشدةٍ و تأوهت ألما و هي تميل استنادا الى حاجز السلم ....
حينها هتف بجفاء و خشونة
( يالكِ من حجرٍ ناتىء مدبب الزوايا ..... هات يدك لأساعدك ... أو أتركك هنا و اغلق باب المعرض خلفي... )
زفرت بشدة و هي تطبق جفنيها ... متشبثة بكلتا يديها بالحاجز .... ثم قالت اخيرا دون أن تستدير اليه بلهجةٍ فظة و صلف
( أنزل أولا لتحضر الصندوق ......... )
ارتفع حاجبيه وهو ينظر اليها بدهشة ... قبل أن يهز رأسه بيأس ... لكنه امتنع عن الكلام وهو ينزل السلالم كل درجتين معا ... ليحضر الصندوق ... و ما ان وصل اليها مجددا ... حتى مد يده اليها قائلا بجفاء
( هلا تمسكت بذراعي الآن ....... )
رفعت وجهها و فتحت عينيها تنظر الى ذراعه الممتدة .... فشعر بنفس الشعور بالشفقة تجاهها , حينها رق قلبه لها قليلا فابتسم قائلا بلطف أكبر
( من فضلك ...... لن آكلك .... )
نظرت اليه قائلة بجمود و لمحة الألم لا تزال تعلو وجهها
( أنا مدببة الزوايا أيها الجلف الأخنف ! ..... )
اتسعت عيناه قليلا بذهول قبل أن ينفجر ضاحكا مجددا وهو يقول
( هل شفيت أذنك الآن و صار سمعك حادا عند هذا اللقب تحديدا ؟!!! .....)
رغم وقاحته .. الا أنها لم تشعر بالنفور من تلميحه لإصابة أذنها ... فمرحه كان أكبر من وقاحته ...
لكنها أخفضت وجهها تخفي رغبة سخيفة في الضحك و هي ترفع يدها للتتشبث بذراعه دون اذن ...
حينها توقف عن الضحك تدريجيا وهو ينظر الى جفنيها المسبلين .... ثم قال اخيرا بخفوت لطيف وهو يساعدها للصعود درجة درجة
( أحسنتِ ...............)
ظلا يصعدان السلم جنبا الى جنب وهو يتلقى استنادها اليه بلطف .... ممازحا اياها بين الحين و الآخر ليقول
( لو كنتِ رأيتني أيام الشباب .. كنت أستطيع حمل رجلا يفوقك وزنا بحوالي ثلاثة كيلوجرامات اضافية ... )
و كانت ترفع وجهها اليه بامتعاض ... تمط شفتيها , الا أنها كانت تريد الضحك للحظة ... فقط ضحكة واحدة محتجزة خلف شفتيها .... لكنها قالت ببرود خافت
( هل ترى أن هذه هي المشكلة الوحيدة في حملي ؟! .... أن ظهرك لا يتحمل وزني ؟! .... )
رفع حاجبه وهو يقول متظاهرا بالحيرة و البراءة
( لا تخبريني أنكِ تخجلين كباقي النساء ؟! .... ستكون تلك طفرة ... )
مطت شفتيها أكثر و هي تعرج صاعدة ... ثم قالت بوجوم
( ربما الأصلح هو أن تعود من حيث أتيت .... فعقلك غير معرف على قاعدة البيانات الخاصة بنا هنا ... و قد تتسبب لنفسك في الأذى ... من زوجٍ غيور ... أو أخ مجنون ..... )
ضحك بخشونة وهو يقول ببساطة
( لماذا ينتابني شعور بأن الزوج الغيور و الأخ المجنون هما في الواقع نفس الشخص ؟!! ...... )
احمر وجهها بشدة ... لدرجة أنها تعثرت بآخر درجة .... فتأوهت بشدة ... حينها امتدت ذراعه غما عنه تحيط بخصرها ... لكنه سارع لانتزاعها في اللحظة التالية وهو يشعر بالحرج و الإرتباك ....
و ما أن انتظمت أنفاسها قليلا ... حتى قال بخفوت
( أنا آسف ..... لم أقصد ارباكك .... و ايلامك ... )
ارتبكت الآن أكثر فتنفست بسرعةٍ اكبر .... حينها قال بعبوس وهو يخطىء فهم طبيعة اهتزازها
( هل تتألمين لتلك الدرجة ؟!! ..... ربما يجب أن أصطحبك الى المشفى ... قد تعانين من كسر لو كنتِ مصابة بهشاشةٍ في العظام .... حينها اي حركةٍ خاطئة قد تسبب لكِ كسرا )
أغمضت عينيها و هي تمط شفتيها بامتعاض .... لدرجة أن كرهت استنادها اليه ... انه يشعرها بعمرها في كل كلمةٍ ينطق بها ....
همست من بين أسنانها بغيظ
" هشاشة عظام ..... معطوب الظهر ... معدوم حرف العين ... "
عقد يوسف حاجبيه وهو يحني رأسه ليسألها باهتمام
( ماذا قلتِ ؟! ...... )
ابعدت وجهها عنه قليلا و هي تقول بتوتر
( قلت أنا بخير ..... ابتعد قليلا فقط .... )
ابتعد عنها و قد وصلا الى باب شقة ملك ووعد ... لكن و قبل أن يضغط الجرس سارعت تقول فجأة بقوة
( كيف تدعي حبها و أنت لا تبدو حتى متأثرا بمنظرها منذ لحظات .... أنا نفسي شعرت بالإختناق رغم كرهي لها .... )
ظل ينظر الي عينيها الحادتين بهدوء ... قبل أن يقول باتزان دون أن يدعي عدم الفهم
( أولا أنا لم أدعي حبها أمامك على الأقل . لا يزال الوقت مبكرا كي أصل الى تلك الدرجة من الحب التي تجعلني أهتز لدموعها على رجلٍ آخر ... لكنني بكل تأكيد أكثر من راضٍ لأنها ستكون الدموع الأخيرة .... )
رمشت عيني ورد و هي تراقبه بتأمل .... قبل أن تقول بخفوت على الرغم من الإنقباض بصدرها
( منذ رآها سيف للمرة الأولى و قد اختل توازنه و عزم على أن تكون ملكه .... حبه لها كان همجيا ضاربا لكل المنطق ..... )
رفع حاجبيه وهو يقول بلهجةٍ ذات مغزى
( و انظري الى أين آل هذا الحب الهمجي الآن !! ........ إنها مجرد فورة مشاعر شرقية و ما أن تبدد رحيق توهجها الحاد ... حتى بدأت الخلافات و العناد في الطفو الى السطح ... فلماذا التمسك بتلك العلاقة الغير صحية ؟! ....... )
كانت تنظر اليه بملامح جامدة صامتة ... من المفترض أن تشعر بكل الرضا لكلامه ... الا أنها على العكس
كانت تشعر بضيق شديد ... منذ أن رأت منظر وعد البائس ... و أمس حين كان صوت سيف الخشن الخافت يقطر ألما .... و آخر شيء غير مفهوم لها , هو ضيقها من فكرة ارتباط وعد بيوسف هذا ....
و ماذا يهمها ؟! .... منذ متى كانت تشعر بالغيرة لأن أي فتاة حولها ارتبطت برجل وسيم ؟! ..
هل بدأت تختل عقليا في هذا السن بعد أن نضجت كما تعتقد ؟! .......
و كي ينهي جدالهما .. مد يوسف يده و ضغط الجرس ....

بعد عدة دقائق .. كان ثلاثتهم يجلسون على الأريكة ... يوسف و ورد و ملك .... و أمامهم الصندوق مفتوح بينما العروس الصغيرة واقعة بجواره ....
و كانت ورد تنظر بطرف عينيها الى ملك الصامتة المصدومة .. فقالت محاولة تخفيف الأمر و هي تحتضن حقيبتها بين ذراعيها
( إنه يبدو أجمل بدون العروس ...... كانت تافهة جدا .... يمكنك الآن وضع المزيد من الخواتم به ... )
رفع يوسف عينيه للسماء .. ثم قال بخفوت
( أنتِ لا تساعدين بلسانك هذا ...... اكبحيه قليلا .... )
ثم قال لملك التي ظلت صامتة ... بلا أي تعبير حي على وجهها الساكن المتأمل للصندوق
( انظري .... لو وضعنا العروس هنا .... و ثبتناها بشريط لاصق .... هكذا .... )
كان يعمل بإهتمام بعد أن أخرج من جيب قميصه نظارة أنيقة ... بنصف اطار رفيع أسود ....
و ما أن انتهى .. حتى رفع رأسه قائلا بفخر
( آآآه .... انظري الى جمالها ..... )
بدأت العروس تدور مصدرة صوت حشرجة الورق اللاقص للحظتين فقط .. قبل أن تقع مجددا و هي ممسوكة من قدمها بالشريط اللاصق ...
عبس يوسف وهو ينظر اليها تدور نصف دورة .. و تطرق رأسها بجدار الصندوق مرة بعد مرة ...
بينما ضحكت ورد و هي تقول بسماجة
( لماذا تلطم المسكينة ؟! ....... على الأقل أصبح لها دور فلكلوري أكثر ... فرقص الباليه لم يكن واقعيا تماما ... )
رمقها يوسف بطرفِ عينيه غاضبا ... ثم قال بخشونة
( لما لا ترينا بعضا من موهبتك الفذة .. بدلا من لسانك المحتاج لقصه , ففي النهاية أنتِ من رميتِ الصندوق بأقصى ارتفاع ذراعك ...... )
رفعت ملك وجهها المصدوم و هي تنظر الى ورد متحققة مما نطق به يوسف للتو ... فهتفت ورد بقوة وغضب
( أقسم بالله لم أرمه قصدا ...... لقد وقعت على السلم و آذيت كاحلي كما ترين ...... )
نظرت الى يوسف شزرا و هي تقول من بين أسنانها
( كم أنت طفل ساذج !! ........ طبعا , السعادة تتألق بداخلك منذ أن عرفت بطلاق الأميرة ... )
عقد يوسف حاجبيه وهو يقول بخشونة هامسا مشيرا الى ملك بعينيه
( شششش .... ما بالك ؟! .... الا ترين أن أخت الأميرة تجلس بجوارك ؟! .... )
زمت ورد شفتيها و هي تنظر اليه بغضب ... بينما نهضت ملك من مكانها ببطىء و هي تحمل الصندوق بين ذراعيها تحتضنه كطفل صغير ... ثم ابتعدت الى غرفتها دون كلمةٍ إضافية ...
بينما نظر اليها كل من يوسف وورد باحساس بالذنب .... الى أن اختفت فالتفتت ورد الى يوسف تقول بغضب
( هل أنت راضٍ الآن ؟! ....... أوووف , شخص لا يحتمل .... احترم سنوات عمرك قليلا ... )
نظر اليها بجفاء وهو يقول
( يكفي احترامك أنتِ لسنوات عمرك لدرجة تجعلك أقرب للواء شرطة .... متقاعد .... )
زمت شفتيها بغضب و هي تنظر اليه تكاد أن تقتلع عينيه من محجريهما ... لكنه نهض من مكانه ليقول بنبرةٍ آمرة
( هيا لأقلك الى بيتك ......... )
عقدت حاجبيها و هي تهتف
( مستحيل ......... سأعود وحدي ... يكفيني وجودك الى هذا الحد )
نظر اليها من علو رافعا حاجبيه بصمت .... بينما قالت بعد فترة طويلة مندفعة
( مستحيل ...... انسى ..... )


يتبع


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 17-07-15, 12:00 PM   #21083

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

أوقف يوسف سيارته أمام بيتها وهو ينظر اليها مبتسما ليقول ببساطة
( كانت فرصة سعيدة .... مجددا ..... أتمنى المرة القادمة أن أرى خاتم الخطبة باصبعك قبل أن يهرب العريس ...... )
كانت تتنفس بسرعة و هي تنظر اليه ... فقال قبل أن تنفجر
( احذرك قبل أن تندفعي بقذائفك طويلة المدى ..... قد يكون أخاك قريبا من المكان و لو رآكِ بسيارتي فسوف تكون ليلتك منقوشة بلون قميصك .... )
أخفضت ورد عينيها تلقائيا الى قميصها الرمادي و المنقوش بمكعباتٍ سوداء حريرية .... و بالفعل تخيلت منظر وجه سيف لو رآها في سيارة يوسف ...
فأسرعت تمسك بمقبض الباب و هي ترتجف بهلع ... حينها قال يوسف بهدوء مبتسما من خلفها
( جبانة .......... )
التفتت اليه بعينيها النمرتين ... و اندفع ذيل حصانها على كتفها و هي تلتفت اليه تلك الالتفاتة الشرسة ...
حينها ابتسم متسليا وهو يجدها بمعجزةٍ ما .. جذابة جاذبيةٍ خاصة ...
ابتسم أكثر وهو يفكر أن التسلية بها ظريفة ....
لكنه شعر بالخسارة وهو يجدها تتنازل عن الرد قليل التهذيب و هي تندفع خارجة تعرج قليلا ثم تصفق الباب خلفها ....
ابتسم قليلا وهو يشعر بأنه سيفتقد تلك المرأة المسلية ... الى أن يراها مجددا !
.................................................. .................................................. ....................
دخل سيف غرفة ورد دون أن يطرق الباب .... فالتفتت اليه بدهشة و هي تنظر الى هيئته المشعثة ... و ذقنه الغير حليقة ... عيناه المتعطشتان ...
فقالت بخفوت
( إنها المرة الأولى بحياتك و التي تنسى أن تطرق بها الباب قبل أن تدخل !! ...... )
عقد سيف حاجبيه وهو يخفض وجهه لينظر الى كفه الممسكة بمقبض باب غرفتها المفتوح ,
فرفع عينيه اليها يقول بخفوت مماثل مرتبك ... بشكلٍ لم ترى به سيف من قبل
( أنا آسف .... لم ألحظ , رأيتك تدخلين البيت و أنتِ تعرجين .... ف ..... )
تنهدت ورد و هي تخلع ساعة معصمها ... لتستدير عنه و تلقي بها على طاولة الزينة بإهمال قائلة بفتور
( آخر ما يهمك الآن هي قدمي يا سيف ...... أنت تريد السؤال عنها .... )
عبس سيف أكثر وهو يقول منكرا
( بالطبع لا ...... ماذا حدث لقدمك ؟....... )
ضحكت ورد باستهزاء ضعيف ... قبل أن تقول ببرود
( وقعت على السلم ..... لكنه مجرد التواء ....... )
ساد صمت متوتر ... لم تقطعه بكل قساوة قلب , و مرت اللحظات بطيئة و هي تسمع صوت مقبض الباب يصدر صريرا متوترا بين قبضته .... فتنهدت مجددا حين اشفقت عليه فقالت متنازلة قليلا
( أسال يا سيف ...... لن ألومك .... )
ابتلع غصة بحلقه .... و ازداد عبوسه , فقال بخفوت رغما عنه
( كيف هي يا ورد ؟........... )
وقفت مكانها قليلا دون أن تستدير اليه ... تنظر الى وجهها في المرآة بصمت ...
و طال بها الوقت و طال به الحريق .... الى أن قالت أخيرا بفتور
( مثل القرد ......... )
عقد حاجبيه قليلا وهو يقول بشك مكررا
( هل هي ب ..... بخير ؟؟! ...... )
هزت كتفيها و هي تقول ببساطة و صدق دون أن تستدير اليه
( كانت متجهة الى عملها حين رأيتها ... قبل أن أصعد لملك .... )
أخفض سيف وجهه وهو يقبض على مقبض الباب أكثر .... بينما كانت ورد تراقب ملامحه في المرآة ... الى أن قالت أخيرا بخفوت
( تبدو كمن كان يتمنى أن تكون مريضة .... عليلة ...... )
انتفض يرفع وجهه وهو يقابل عينيها في المرآة .... حينها عقد حاجبيه بشدةٍ اكثر قبل أن يهمس بصوتٍ أجش
( لست مختلا كي اتمنى مرضها ........ )
ابتسمت قليلا بحزن ... قبل أن تهمس هي الأخرى
( لكنك تتمنى الشعور بذرةٍ من ولعها بك ..... مرضها بسبب فراقك .... )
ظل سيف ينظر اليها طويلا .... الى أن قال بصوتٍ أجش خافت
( لا أريد سوى أن تكون بخير ..........)
و دون كلمة اخرى كان قد خرج مطرق الرأس ... مغلقا الباب خلفه بهدوء ميت
تاركا ورد واقفة تنظر الى مرآتها بصمت ... و هي تشعر بأنها ما نطقت الا الحقيقة الكاذبة ........
و كم احتقرت نفسها !!.....

.................................................. .................................................. .....................
بقت في الماء الساخن طويلا .... علها تريح من جسدها المتعب ....
أرجعت رأسها للخلف و ارتاحت قليلا ..... و تراجعت الى أن استلقت تحت الماء .....
دائما ما كانت تحب هذه الحركة كلما رغبت في الهرب ....
تنام تحت سطح الماء و تتخيل أنها أصبحت في عالم آخر .... الى أن تختنق تماما ... و ما أن تفعل حتى ....
قفزت شيراز من تحت سطح الماء و هي تشهق بقوة بعد أن نفذ الهواء من رئتيها فانطبقتا بشدة ...
أخذت تلهث قليلا و هي تمسح الماء عن وجهها .... قبل أن تستلقي مجددا و تنظر الى سقف الحمام ...
ثم همست بجمود
( و ماذا بعد ؟!! ........ هل ستهربين أم ستبقين ؟!! ..... بأي من الخيارين نجاتك و بأي منهما عذابك ؟!! .... بت لا أعرف ......)
انها تشعر هذا الصباح أن الحب بداخلها تجاهه تراجع كثيرا .... حتى أنها بدأت تشك في أن ما كانت تشعر به هو حب حقيقي من الأساس !!
إنها تعاني خللا ما .... بعقلها ... و قلبها .... و قرارتها .... و حتى بجسدها ...
باتت لا تستطيع استغلال أي منهم ........
أول مرة تشعر بالخوف .... كل مرة من مرات زواجها التي سبقت كان لديها شبه تأكيد أنه...انها ستنال الأفضل منه
لكن الآن .... ينتابها القلق ... بل الرعب
لم تعد صالحة لأحد .... لقد كبرت و بدأ الوهن ينتابها و لم تعد مغرية لأحد .... تبا له هو السبب ...
منذ أن دخل حياتها و قد عمل على الإخلال بكل موازينها في الحياة ....
انتفضت شيراز حين سمعت صوت جرس الباب ....
فتمسكت بحوض الإستحمام بكلتا يديها و هي تدير رأسها .....
هل عاد سريعا ؟!!! ..... لكن من المؤكد أنه لن يستخدم جرس الباب ...
نهضت ببطىء من حوض الإستحمام ... فلفت نفسها بمنشفة كبيرة و هي تخرج من الحمام بقلق ...
هل باب البيت محكم الغلق ؟!! ...... اكتشفت للتو أنها تجهل كل شيء عن هذا المكان الجديد عليها ...
وصلت الى الباب ... فوضعت يدها عليه و هي تقول بتوتر
( من ؟!! .........)
سمعت صوت رقيق يقول
( أنا لجين ...... اخت وليد .... افتحي يا بشرى ...)
أغمضت شيراز عينيها للحظة و هي لا ترغب في رؤيتها .....
لكنها فتحت الباب ببطىء ... تنظر اليها .... بكل جمالها و رقيها ..... و صوتها الإذاعي الجميل ...
كان وشاحهها ملتف بعشوائية فوق شعرها المتهدل على جانبي وجهها ....
بينما كانت ترتدي بنطالا من الجينز الضيق .الغالي الثمن .. و قميص قطني قصير بلون الليمون الأخضر ... لم يخفي جمال جسدها .....
كانت تبتسم باشراق و هي تحمل صينية طعام كبيرة .... الا أنها ارتبكت قليلا و ارتعشت ابتسامتها حين رأت شيراز لا ترتدي شيئا سوى ....... منشفة !! ....
أخفضت وجهها الأحمر و هي تقول
( يبدو أنني جئت في وقت غير مناسب ..... هل خرجت من الحمام لتوك ؟!! ....)
نظرت شيراز الى نفسها .... لكنها لم تخجل .... فرفعت وجهها الى لجين تقول بفتور
( يبدو هذا ........)
رفعت لجين وجهها الى وجه شيراز .... الا أنها شهقت و هي تقترب منها هاتفة
( ياللهي !! ...... ماهذا ؟!!! ......)
كانت شيراز قد نست تماما وجهها الملون بصفعات وليد ..... لكنها عادت و تذكرتها
فرفعت يدها الى أعلى وجنتها تخفي فقط احداها ..... حينها زمت لجين شفتيها بغضب و هي تقول بصرامة
( افتحي الباب و أدخليني ............)
.................................................. .................................................. ......................
لا يعلم ما الذي أعاده هكذا مبكرا !! ...
كان ينوى البقاء خارج البيت حتى وقت متأخر .... كان يريد أن يمنحها الفرصة كي تمارس جشعها و تهرب بما غنمته ....
لكن لم تكد تمر بضعة ساعات حتى وجد نفسه يعود و بأسرع ما يمكنه ....
أوقف سيارته أمام بيته وهو ينظر اليه بعينين ناريتين .... ووجهٍ قاتم .... عديم الرحمة ... لكنه يخفي خلف تلك الواجهة الصلبة القشرة ... توترا لم يحسب حسابه ....
شيئ ما بداخله كان يرفض أن يتركها تهرب بمثل هذه السهولة ... دون أن يمتص منها آخر ذرة حياة توازي ما سيدفعه لها .....
و ليلة أمس لم تكن سوى مثال ..... كان يريدها ... و بشدة .... على الرغم من أنها لم تكن أجمل النساء .. و اغرائها الذي تتوهمه كان مجرد وهم ...
لكنها كانت تتخلل كيانه وهو يضمها بين ذراعيه ... و كأنها روح شريرة سوداء... تستشري داخل صدره ... تذيقه متعة محرمة ... حرمها هو على نفسه ثم أخل بما حرمه على نفسه .. و تمتع بارتشافه قطرة قطرة ....
دموعها كانت تمنحه راحة غريبة .....
أهي سادية منه ام انه راغب في الانصياع لتمثيلها المتقن .. و ندمها الزائف ؟!! .......
خرج من السيارة ببطىء ... ثم صفق الباب بعنف وهو يرفع رأسه ناظرا الى البيت .... قبل أن يدخل متثاقلا وهو يعلم أنه لن يجدها ...
صعد الطابق الأول عيناه متصلبتان لأعلى ... و يده تقبض على حاجز السلم ....
مر على شقة خالته و سمية .... فخف وقع أقدامه و تمنى الا تفتح لجين الباب ... فهو لا يريد مواجهة أي منهما الآن ....
إن كان غير قادرا على مواجهة نفسه في المرآة .... فهل يستطيع النظر بعيني أخته !! ...
ما ان تجازو شقتهما حتى اسرع الخطا الى شقته .... و عيناه تزدادان قسوة و ظلاما وهو يخرج مفتاحه مندفعا ....
و ما أن دخل .... كان أول ما صدمه هو الصمت الواضح الذي يغمر المكان ...
توقف مكانه عدة لحظات ... و هو يبدو كتمثالٍ هائل الحجم .... رخامي القسمات .... يدرك أن ما توقعه قد حدث ....
اخفض يده التي سقطت الى جانبه وهي تحمل المفتاح ...
ثم اتجه الى المطبخ ... و منه الى الحمام .. فأزاح باب ببطىئ شديد دون أن تهتز ملامحه القاتمة ...
ذهب بعدها الى غرفة النوم ... و أزاح بابها المفتوح جزئيا بنفس البطىء ... بل أشد بطئا .....
و من أول نظرة وجدها خالية .....
دخل بصمت و عيناه مثببتتان على السرير الذي بدا و كأنه كان حلبة مصارعةٍ شرسة .....
التوت عضلة في فكه .... وصور ليلة أمس تتدافع أمامه ....
كانت الغرفة الأخيرة .... و هي ليست بها ..... لقد هربت بالفعل ....
تحرك وليد ببطىء الى أن جلس على حافة السرير .... و مال بذراعيه يستند بهما الى ركبتيه .... مطرقا برأسه ...
شيراز .... كانت أكبر خدعة و لطمة لكبريائه ..... فاغتنما كمجرد نزوة ... دفع لها الكثير كي يسترد جزءا من كرامته .... ثم رحلت .....
رفع رأسه ينظر أمامه بصمت .... يراقب الشمس المتسللة من النافذة التي كانت تجلس أرضا أسفلها ليلة أمس
....
ترى أين ذهبت الآن ؟!! ...... هل ستعود لبيتها ؟!! .... أم ستذهب مرة أخرى الى علوان تترجاه كي يقبل بها ... أوربما تذهب الى زوجها الثاني.... ذلك الذي اعترفت أنها أحبته ... و وقفت أمامه باكية تترجاه بكل خنوع و ذل ..... و مع ذلك رماها هو الآخر ....
شعر بالقرف يملأ نفسه .... منها و من نفسه ....
كيف استطاع أن يرمي نفسه بمثل هذا المستنقع القذر !! ... و لماذا ؟!! ...
و الأهم .... لماذا يجلس الآن شاعرا بأنه خسر شيئا ما ..... شيء يكرهه ... لكنه خسره .....
نظر الى سلسلة مفاتيحه التي تدلت من يده .... و رآى بها مفتاح شقتها ... كان لا يزال معه منذ أن أخذه منها ...
لكنها تستطيع دخولها بكل سهولة .... هذا لو قررت البقاء وحدها .....
كيف ستطلب الطلاق الآن ؟!! .... و من سيقف بجوارها الى أن تناله ..... علوان ... أم زوجها الثاني ... أو الأول الذي لا يعرف عنه شيئا بعد .....
أطرق وجهه بصمت وهو يؤرجح سلسلة مفاتيحه بايقاع روتيني ..... و ابتسم بقسوة دون مرح .. ثم همس بصوت أجش
( ربحتها لتدفع ثمنها غاليا ثم خسرتها أسرع ما تخيلت ....... )
بعد فترة قصيرة حانت منه التفاتة .... فرمشت عيناه لتجد ورقة بيضاء مطوية موضوعة على طاولة الزينة ... لم يرها مباشرة عند دخوله ...
نهض من مكانه ببطىء و عيناه مثبتتان على الورقة .... فأخذها ليفتحها قبل أن يرفع حاجبيه فوق عينيه الناريتين و هو يقرأ رسالة في منتهى البساطة منها
" لقد خرجت للقاء ملك .... الصغيرة ذات الضفيرة ..... لن أتأخر ..... هذا في حال لو عدت قبلي و بصراحة أشك في ذلك .... لو رجعت أنا قبلك سأمزق الورقة كأن شيئا لم يكن .... الى اللقاء "
ظل وليد يقرأ الكلمات العفوية غير مصدقا !! ....
هل هي مجنونة ؟!!... أم غبية لتلك الدرجة التي تجعلها تتعامل بمثل تلك العفوية ؟!! ...
رفع رأسه وهو يهدر بنفسٍ غاضب .... غضب فاق الشعور الميت الذي كان يعيشه منذ لحظات ...
هز رأسه وهو يقبض على سلسلة مفاتيحه بقبضة ... و بالقبضة الأخرى يسحق الورقة بين اصابعه بشدةٍ حتى اهترئت ثم رماها ارضا عند قدمه و داسها بحذائها وهو يندفع خارجا مجددا .....
نزل السلم مجددا ... لكن هذه المرة وجد لجين تفتح الباب ... و تخرج ناظرة اليه و كأنها ضبطته متلبسا أخيرا ...
زفر وليد بغضب على الرغم من أنها لم تنطق بعد ... ثم قال صارما
( ماذا تريدين يا لجين ؟!! ...... أرجوك أنا لست في أفضل حالاتي الآن ..... )
ظلت لجين تنظر اليه قليلا قبل أن تقول بصوت هادىء
( هذا ما أراه بوضوح ..... الى أين أنت ذاهب ؟؟!! ..... لم تكد تدخل بيتك لتخرج !! .....)
نظ الى السلم خلفه للحظة ... ثم قال بصوتٍ متوتر
( هل صعدتِ الى شيراز اليوم ؟!! ..... )
رفعت احدى حاجبيها و هي تقول بلهجةٍ ذات مغزى
( تقصد بشرى ........ نعم تسللت دون علم خالتي و أحضرت بعض الطعام لها .... )
اشتعلت عيناه و برقتا بغضبٍ و كأنه ينتظر لما يغضب له ممتنا ... فقال بعنف
( لقد امرتك بألا تفعلي ...... أتتحدينني من باب الإستفزاز لا لشيء سوى اثارة غضبي !! .... )
كتفت لجين ذراعيها و هي تقول بتحدي رافعة ذقنها
( إنها عروس .... ومن حقها أن أحمل لها الطعام .... طالما أنها بنفس البيت معنا ....ام انك كنت تحضر لخطة تجويعها ؟!! .... )
عبس وليد بشدة وهو يقول حانقا
( البيت مليء بالطعام الذي يمكنها تجهيزه ......... تجويعها لن يفيدني في شيء )
قالت لجين بصوتٍ فاتر ...
( اذن ربما نفيها هو الأكثر فاعلية ....... لماذا جلبتها اذن الى بيتنا طالما انك تريد عزلها عنا ؟!.... )
زفر وليد وهو ينظر الى مدخل البيت ... يريد الاندفاع سريعا و اللحاق بها قبل أن تهرب الى مكانٍ مجهول ...
ثم قال بتوتر و غيظ
( تبا لذلك لجين .... .... لنكمل كلامنا فيما بعد ..... يجب أن أخرج الآن ..... )
حاول التحرك الا أنها تشبثت بذراعه و هي تقول بقوة و شجاعة
( انتظر ......... أريد ان اسألك سؤالا هاما , قبل أن تخرج مجددا .... )
زفر بقوةٍ وهو يتطلع اليها بغضب قائلا
( ماذا بعد يا لجين ؟!! ....... يجب أن أخرج حالا ...... )
قالت لجين بلهجة باردة ... جامدة
( ماذا فعلت كي تستحق كل هذا الضرب ؟! ........ )
تراجع رأس وليد للخلف و أجفلت ملامحه و كأنها ضربته على حين غفلة ..... الا أنه نظر بعيدا وهو يقول بصوتٍ متلجلج قليلا
( لا تتدخلي فيما لا يخصك .......... )
نزع ذراعه من يدها و هو يندفع خارجا , الا أنها تحركت خطوة مستديرة و هي تصرخ من خلفه
( أنت تضر نفسك يا وليد ...... لو تلك هي البداية ... فأنت تقتل نفسك ببطىء .... اتركها لحالها و سيكون هذا أكثر رحمة لكما معا .... )
توقف وليد مكانه لحظة ... دون أن يستدير اليها ... ثم اكمل طريقه مندفعا دون ان يرد عليها ...
.................................................. .................................................. ...................
توقفت شيراز للحظة امام مكان سكن و عمل ملك الجديد ... فرفعت عينيها تنظر اليه ...
ثم دخلت بتردد .... و ازداد ترددها اكثر و هي تقف امام باب المعرض الواسع ...
له واجهة زجاجية تطل على الطريق .... تحمل عدة فساتين راقية ....
أطلت بعينيها من باب المعرض .... فوجدت أقمشة ملونة متوهجة في كل مكان ... و تبدو عدة فتيات ظاهرات من إحدى الغرف و هن تعملن على ماكينات خياطة ...
شعرت شيراز بالتوتر و هي لا تعرف هل تدخل هذا المعرض حيث تعمل ملك ... أم تصعد الي شقتها ؟!! ...
ظلت واقفة مكانها ... تطرق برأسها و هي تشعر بالرهبة ...
من كان يظن أن يأتي اليوم الذي تكون فيه مترددة و متوترة من لقاء ملك !! ...
ملك التي كانت تقلم لها اظافرها و تأتيها بالطعام !! ......
تشعر الآن انها في مقامٍ اكثر دونية ... حتى انها تريد لو استدارت و هربت الآن ....
لكن قبل ان تتخذ القرار و تهرب بالفعل ... كاد ان يصطدم بها شاب صغير وسيم .... يبدو في السابعة عشر لا اكثر ....لكن يفوقها طولا بالكثير
ابتسم معتذرا وهو يقول بحرج .. بينما ارتبكت هي بشدةٍ لتحيط صدرها بذراعيها و هي تتراجع خطوتين
( انا آسف جدا ....... لكنك قصيرة للغاية لدرجة جعلتني أكاد ألا أراكِ ....)
عقدت شيراز حاجبيها و هي تقول متناسية القليل من توترها المعتاد في مثل تلك المواقف
( لست قصيرة الي ذلك الحد الذي يماثل قصر نظرك !!! ..... ثم أنك أنت الطويل كحائط سد لا فائدة منه سوى ارتطام الناس به ! ..... )
تعمد النظر اليها ... حتى أنه اقترب منها خطوة فتشنجت أكثر الا أنه لم يمسها وهو يحاول قياس طول كتفها و الذي وصل تقريبا الى أعلى مرفقه ....
ثم قال ببساطة
( فعلا أنتِ لستِ قصيرة ........ العتب على النظر اذن ..... لقد كدت أتعثر بكِ و أقع على وجههي ... نصيحة مني ... لا تقفين مجددا هكذا أمام أي باب كدرجة سلم غير ملحوظة خاصة مع طولك هذا .... )
عقدت شيراز حاجبيها و هي تقول بغضب
( تبا لذلك .... لن أبقى هناك لأنال المزيد من الإهانات ..... أنا ذاهبة .... )
و اندفعت تغادر بغضب .... الا أنه أسرع ليقف أمامها ... يعرقل سيرها وهو يقول ببشاشة يراضيها
( انتظري ...... انتظري يا آنسة ..... لا تغضبي ...... أنت لستِ قصيرة ... أنتِ طولك مناسب تماما ... )
رفعت وجهها اليه عاقدة حاجبيها بحنق و تردد .... كانت تريد أن تهرب ... لا تعلم لماذا ...
و بنفس الوقت كان "علي" ينظر اليها بتعاطف وهو يرى وجهها الذي تلون بعدة كدمات و كأنها خرجت للتو من أحدى حروب الشوارع التي يعرفها جيدا ....
صحيح أنها تبدو راقية الملبس الا أن عينيها و ملامحها عن قرب تخبره أنها ليست من بيئة رفيعة المستوى تماما ..... و لهذا تعاطف معها ....
حتى أنها ذكرته بالتعيسة ذات الأربعين لسان راوية .... فهي خضراء العينين مثلها , الا ان البائسة راوية أكثر اسمرارا منها ....
قال علي مبتسما برقة
( هل جئت لتفصيل شيئ ما ؟!! ....... )
ظلت تنظر اليه بطرف عينيها ... و هي زامة شفتيها المتكورتين كالأطفال ... لكنها قالت بجمود
( لا ...... لقد جئت لرؤية .... ملك ..... هل تعرفها ؟!! ...... )
رفع رأسه عاليا وهو يبتسم ببشاشةٍ أكبر و كأنه أحضر الذئب من ذيله ..واضعا يده على صدره بفخر ثم قال
( أعرفها ؟!!!! ....الجميلة ذات الضفيرة الساحرة ؟!! ها ها .... ليكن بعلمك آنستي أن الشخص الذي يقف أمامك هذا هو من وجدها من بين ملايين البشر ..... لكنني لا أحب أن أتكلم عن إنجازاتي كثيرا .... )
زمت شفتيها أكثر و هي تنظر اليه بحنق ... ثم قالت و هي تحتد تدريجيا حتى أوشكت أن تفقد القدرة على السيطرة على لسانها
( أنت ثرثار .... ثرثاااار ... ثرثاااااااااار أووووووووف ...... هل هي هنا أم أعد من حيث أتيت ؟!! .... أجب بنعم أم بلا فقط ...... )
اتسعت عيناه بتوجس أمام هجومها الضاري ... في حين أنه لو تظاهر بالإتكاء عليها فقط ..بحجمها هذا لسحقها و جعلها رسما على الحائط .... من أين أكتسبت هذا الجبروت و هي لا تتعدى حجم عقلة الإصبع ؟!! .... الا مراعاة لفارق الأحجام بينهما ؟!! .....
عقد حاجبيه باستياء ... ثم قال معدلا قميصه بنزق
( نعم ..... إنها هنا ... لكن ليس قبل أن ..... )
رفعت إصبعها فوق شفتيها و هي تهمس بعيني قطةٍ شرسة
( هششششششششش ..... اذهب و نادها ..... )
ارتفع حاجبيه بعدم تصديق !! ......ما تلك الهنجهية ؟!! ..... و من أين أتت بها و هي تبدو مضروبة كضرب لص تم ضبطه من الجموع الغفيرة !! ....
الا أنه قال وهو يمط شفتيه
( تحت امرك سيدتي .... هل تأمرين بشيءٍ آخر ؟!! ...... )
لوحت له بكفها بأن يذهب ... فارتفع حاجبه أكثر ... فابتعد خطوة وهو يهز رأسه بتعجب .. ثم لم يلبث أن نظر اليها مجددا بتعجب اكثر .... ليتأكد من أنها شخص حقيقي ... لا مجرد عفريت ...
ثم دخل الى المعرض ... بينما وقفت شيراز مكانها يتوتر .... تفرك كفيها بقوةٍ و توتر ....
عيناها مرهقتان تماما و هي تنظر أمامها .... شفتاها المكتنزتان مائلتان بحزنٍ متموج ... يماثله تماوج شعرها المتهدل بفوضوية حول وجهها ... مما يزيد الإعتقاد بصغر سنها ...
الا من ينظر الى عينيها الخضراوين عن قرب ... ليرى تلك الخطوط الدقيقة التي تزيدها هشاشة و ألما .....
سمعت صوتا أنثويا من خلفها يقول بتهذيب
( عفوا ....... هل تسألين عن ملك ؟!! ..... )
استدارت شيراز لتنظر الى من تكلمها .... فوجدت شابة تقاربها عمرا ...
جميلة ... بعينين رماديتين واسعتين .... شعرها أسود ناعم و طويل ..... أطول مما كان منذ سنواتٍ... تلك السنوات التي تماثل شعرها طولا ....و كان هذا هو الإختلاف الوحيد في مظهرها ...
ففغرت شيراز شفتيها وهي تتأملها بينما كانت عيناها تحملان الكثير ... و هي تهمس بصوتٍ أجوف ذو صدى بعيد
( وعد !! ............ )
عقدت وعد حاجبيها و هي تتأملها بارتياب
( هل تقابلنا من قبل ؟!! ...... )
رمشت شيراز بعينيها و هي تشعر بانفعال قوي ... تكاد تلتهم وعد بعينيها ....
نعم هي ..... هي وعد .... و كأن السنوات لم تمر ...... هي وعد التي كانت تساعدها دائما في أسود و أبشع ما مرت به قديما ...
اهتزت حدقتا شيراز .... و شعرت برغبةٍ عنيفة في البكاء ... و على الرغم من ذلك لم تجد دموعٍ لتبكي بها ...
كانت تبتلع كل غصة و أخرى و هي غير قادرة على النطق .... أو حتى اشاحة عينيها عن وعد ..
عقدت وعد حاجبيها و هي تقترب منها لتقول
( هل أنتِ بخير ؟!!! ....... هل تحتاجين لمساعدة ؟!! ....... )
و ما أن لمحت كدمات وجهها حتى ازداد انعقاد حاجبيها و هي تقول بخفوت
( هل ضربك أحد ؟!! ........ هل تعدي عليكِ أحدهم ؟!! ...... )
أطرقت شيراز بوجهها و هي تضع يدها فوق صدرها محاولة التنفس ... كي تتمكن من النطق ...
ثم لم تلبث أن سعلت قليلا و هي ترفع رأسها .... تبتسم ابتسامة مهتزة للغاية .... ثم تمكنت من القول أخيرا بصوت جامد لا يحمل أي تعبير
( لا .... أنا بخير ..... هل ..... يمكنني رؤية ملك ؟...... )
عقدت وعد حاجبيها و هي تراقبها بارتياب عن كثب .... ثم قالت ببعض القسوة
( إنها متعبة قليلا ...... هل أنتِ صديقتها ؟!! ...... )
ابتلعت شيراز ريقها و هي تشعر بالدونية تتزايد بداخلها بقوة .... على الرغم من أنها قد تمتلك من المال و الملابس ما يكفيها .... الا أن احساسا بالدونية يخنقها أمام وعد ...نفس الإحساس الذي شعرت به أمام لجين أخت وليد .....
فقالت بارتباك و توتر
( نوعا ما ............... )
عبست وعد بشدة و قد زاد شكها خاصة أن تلك المرأة لا تماثل ملك سنا ... و من عينيها تبدو ذات خبرة و اقتدار على الرغم من كدمات وجهها .. حتى ملابسها الجريئة في وضح النهار كانت أكثر ريبة ... فقالت بصرامة
( نوعا ما ؟!!! ..... عذرا لكنني يجب أن أعرف صلتك بملك قبل أن أسمح لكِ بمقابلتها ..... )
ارتبكت شيراز بقوة .... و رمشت بعينيها ... فقالت بفتور
( لا بأس ....... سأغادر ....... )
استدارت لتبتعد قبل أن ينطلق لسانها بما لا يحمد عقباه .... و هي لا تريد لوعد أن ينالها من شر لسانها ...
الا أن وعد قالت بصوتٍ قاتم
( انتظري لحظة من فضلك ....... لن تغادري من هنا قبل أن أعرف من أنتِ ..... )
استدارت اليها شيراز بغضب و هي تقول بعدوانية
( هل ستحتجزينني لمجرد أن سألت عن أختك ؟!! ..... هل أنتِ مجنونة ؟! .... )
قالت وعد بحدة
( احترمي نفسك ...... أعتقد أنني أصبحت أملك فكرة واضحة عمن أرسلوكِ الى هنا ..... فلتذهبي اليهم و تخبريهم بأنن المحاكم هي وسيلة التواصل الوحيدة بيننا .... و فضيحتكم ستملأ الجرائد .... وأقسم بالله لو حاول اي منكم الإقتراب منها مجددا ... فأنهش لحمه .. و أفقأ مقلتيه بأظافري ..... )
عبست شيراز بشدة و هي تواجه هذا الهجوم الضاري .... لكنها لم تهجم عليها بالمقابل .. و هي قادرة تماما على ذلك ....
شيئا آخر شغل بالها .... فعقدت حاجبيها بشدة و هي تقول بقلق
( هل تأزم أمر زواجها الى تلك الدرجة ؟!! ............ )
حينها هتفت وعد بتوتر و غضب و هي تقف أمامها كي لا تهرب
( من أنتِ ؟!! ............ و ماذا تعرفين عن زواجها ؟!! ..... والله لن ترحلي من هنا قبل أن أعرف )
تنهدت شيراز بقنوط و هي تقول
( لا داعي لمثل تلك الدراما الرخيصة ....... أنا جارتها .... كنت أقطن في نفس الxxxx الذي به غرفتها القديمة .... قبل أن تأتي معكِ الى هنا ...... و أنا أعرف عن زواجها قبل حتى أن تعرفي أنتِ .....)
ارتبكت وعد ..... و شعرت و كأنها صفعتها بأدب و دون قصد ..... فظلت تنظر اليها قليلا ... قبل أن تقول بصوتٍ بارد ... متوتر ....
( تعالي معي ............. )
صعدت معها شيراز الى الشقة العلوية و هي تراقبها ....
و رغما عنها ابتسمت بشرود ذاهل ... مصدوم ..... و نفس الشعور بالدونية البغيضة ...
لطالما كانت وعد قاسية متهورة ..... حادة كحواف الزجاج المكسور .....
لم يهذبها العمر أبدا ...... لكن من هذب اذن ؟!! ......
هل فعلا تلك هي وعد التي تسير أمامها ؟!! .... إنها أنيقة ... و أناقاتها راقية .... تختلف عن أناقتها هي ... الفجة ... و التي لا تعرف غيرها .....
وصلا الى باب الشقة ... فأخرجت وعد المفتاح من جيبها و فتحت الباب .... فدخلت خطوة , ثم استدارت الى شيراز و قالت بلهجة آمرة
( انتظري هنا لحظة .........)
ثم أغلقت الباب في وجه شيراز الواقفة في الخارج ....
اجفلت شيراز بشدة .... و امتقع وجهها .... و هي ترى نفسها تقف امام باب اغلق للتو في وجهها .....
فأطرقت برأسها و هي تشعر بمدى غبائها في القدوم الى هنا بنفسها ....
فملك لم تعد هي نفسها ملك التي كانت تخدمها من قبل .... بل عادت لأسرتها .... أخت ناجحة متألقة ... متزوجة من رجل له وزنه في المجتمع .... و الأهم أنه نظيف الإسم و السمعة ... اسمه يشرف من تقترن به ....
لذا من حقها طبعا أن تغلق الباب في وجهها و تتركها خارجا كي لا تدنس البيت ....
استدارت شيراز قليلا فلاحت أمامها مرآة مذهبة معلقة على جدار الطابق الأنيق أمام المصعد ...
فهالها منظرها ... بدت كمشردة وضيعة .... قذرة ....
ملابسها الجريئة مشعثة قليلا و كأنها ارتدتها دون اهتمام .... شعرها مشعث فوضوي و متهدل حول وجهها المكدوم .... و الذي لم تهتم بخطه بخط واحد من الزينة ...
كانت تبدو أصغر سنا .... لكن أكثر وضاعة ....
و كأن السنوات لم تمر ...
و كأن السنوات لم تمر ....
رفعت يدها الى جبهتها و هي تستدير عن المرآة ....
أكان عليها أن تقابل وعد اليوم تحديدا ؟!! ......
بعد المطحنة الروحية و الجسدية التي مرت بها ليلة أمس !! .......
لم تكد تمر عدة لحظات ... حتى فتح الباب بقوة .... و خرجت ملك مشعثة الشعر و قد بدا طوفانا غير مرتب على غير عادتها ...
فوقفت تنظر اليها بلهفة ... ثم هتفت
( لم أصدق حين أخبرتني وعد أنكِ هنا ....... تعالي ... تفضلي ... )
لكنها عبست حين لاحظت كدمات وجهها ... فهتفت برعب و هي تقترب منها بسرعة
( ماهذا ؟!! ...... من فعل بكِ هذا ؟!! .... )
أطرقت شيراز بوجهها و هي تشعر بالغضب ....هل هناك أحد في البلد كلها لم يلحظ كدمات وجهها ؟!!
و هذا يرجعها لنفس نقطة الغباء ..... أكان عليها أن تخرج اليوم بعد ليلة أمس الكارثية بكل المقاييس ....
حين دققت ملك النظر الى عيني شيراز المرتبكتين .... تراجعت عن سؤالها و قالت بحزم و هي تشدها من يدها
( تعالي معي .......... لندخل )
ترددت شيراز وطالت بعينيها من خلف كتفي ملك تنظر الى وعد بقلق و حرج .... فقد كانت واقفة مكتفة ذراعيها بتحفز و هي مستعدة للهجوم عليها لو بدر عنها اي حركةٍ مثيرةٍ للشك ....
حينها استدارت ملك تنظر الى وعد و قالت بسرعة و لهفة بها طفولة
( لا تقلقي يا وعد .....الا تعلمين من هي ؟!! .... إنها بش ..... )
قاطعتها شيراز تقول بسرعة
( شيراز ..... جارتها قبل أن تنتقل الى هنا ...... )
نظرت ملك الى عيني بشرى المتخاذلتين ... المتعبتين ..... و شعرت بأنها تود لو تخفي نفسها عن العالم كله ...
فظلت صامتة قليلا ... قبل أن تقول بصوتٍ هادىء و هي تنظر الى وجه شيراز المطرق
( نعم انها جارتي ..... هي من أوجدت لي الغرفة التي كنت أقطنها ... و العمل في محل الورد .... لقد ساعدتني كثيرا من قبل .... سأظل ممتنة لها دائما .... )
رفعت شيراز عينيها الى عيني ملك ... و هي تفكر
" كما كنت ممتنة أنا لأختك .... ممتنة لحماية طفولية .... لم تأتي بالكثير من النفع ... الا أنها بقت في نفسي طويلا ...... "
جذبتها ملك لتدخل معها ..... الا أن وعد تمكنت من الإختلاء بها لعدة لحظات و هي تقول بارتياب ناظرة الى شيراز التي جلست على احدى المقاعد البعيدة ... تفرك أصابعها و قد بان عليها التعب ...
( هل أنتِ واثقة منها ؟!! ....... إنها لا تماثلك عمرا ... و مظهرها الجريء غريب علينا !! ..... أنا لا أشعر بالراحة لها .... )
قالت ملك بخفوت تطمئنها
( أعرفها منذ سنوات يا وعد ...... لا تحكمي عليها من مظهرها , لقد تعرضت للكثير من قبل فباتت لا تستطيع تمييز الكثير من الأمور ..... هي فقط تحتاج لمعاملة طيبة .... أنا الوحيدة التي كنت أمنحها تلك المعاملة ..... لا تكوني قاسية لهذه الدرجة ... )
تركتها ملك بينما وقفت وعد تنظر اليهما .... بضيق .... تشعر بأن أسرار ملك لا تنتهي ...
لكن من تلوم غير نفسها .....
نظرت ملك الي شيراز بعد أن جلست بجوارها و قالت بقوة
( من فعل بكِ هذا ؟!! .......أين ذهب الوسيم الذي كان يعد لك الطعام ؟ ... . )
أظلمت عينا شيراز و هي تنظر بعيدا بينما انقبض صدرها بشدة ... ثم تنهدت قائلة بخفوت
( دعكِ مني ..... لقد أتيت كي أعرف ما حدث بزواجك أنتِ .... )
لكن قبل أن ترد ملك ... عادت شيراز لتنظر حيث اختفت وعد ... فتابعت بصوتٍ شارد و بعدم تركيز و شبه ابتسامة واهية
( وعد لم تتغير إطلاقا ....... و كأن السنوات لم تمر ...... )
ابتسمت ملك قليلا بحزن و هي تقول
( لماذا لم تخبريها عن نفسك ؟!! ...... كانت لتسعد برؤيتك .... )
رفعت شيراز يدها بشرود تتلمس وجهها .. و قالت بصوت أجوف خافت خجل
( لقد تغيرت كثيرا ........ لم تعرفني .... )
قالت ملك بخفوت و حزن
( لقد تغيرتِ للأجمل ........... )
أنزلت شيراز يدها و هي تنظر اليها بابتسامة حزينة ... باهتة .... لا حياة بها ...
ثم همست بخفوت
( أنت كاذبة فاشلة يا ملك ...... جدا .....)
رفعت وجهها و هي تحاول مسح تلك الحالة عن وجهها ... فهي تشعر و كأنها تغيب و تنفصل عن واقعها ...
ثم قالت بخفوت متقطع ... غير متزن
( ماذا حدث معكِ أنتِ ؟؟ ..... ........ أردت المجىء اليك .... السؤال عنكِ .... أنا .... أنا أحتاجك جدا يا ملك ....)
ارتعشت شفتيها ... و أغروقت عينيها بغلالة من دموع ساخنة ... فتشوشت الرؤية أمامها ....
لقد أقسمت أن تعود لطبيعتها ... و لذلك خرجت .... لكن رؤية ملك جعلت الدموع تنفر من عينيها ....
و سرعان ما شهقت و هي تخفض وجهها ..... لتبكي باختناق ... محاولة ايقاف شهقاتها دون جدوى ...
انتقلت ملك الى جوارها بسرعة و ضمتها الى صدرها .....
ربما كانت تمر بظروف أصعب من أن تحتمل غيرها .... لكنها أقوى من شيراز ....
شيراز هشة .... مضطربة .... غير قادرة على الإتزان .....
أخذت ملك تربت على كتفيها و هي تقول برفق
( ماذا حدث الآن ؟!! ....... هل عدنا للبكاء مجددا ؟!! .... ظننت أن زمن البكاء قد ولى مع دخول الوسيم الضخم الى حياتك ......)
صمتت قليلا و هي تضم شيراز التي كان ارتعاشها يتزايد .... ثم قالت بخفوت تهمس لها
( أعرف ما قد يرفه عنكِ ...... لم يقلم أحد أظافرك منذ غيابي .... اليس كذلك ؟؟ .... ربما أحضر لك الوسيم ذو العضلات الإفطار .... لكنه لن يتمكن من تقليم أظافرك كما كنت أفعل أنا ...... )
ضحكت شيراز بجنون و هي تشهق باكية .... بينما كانت تضغط عينيها بقبضتها المضمومة كالأطفال ...
لو تعلم ملك أنه كان الأمهر من الجميع في تقليم أظافرها ...... بل اقتلعهم واحدا تلو الآخر .....
أخذت ترتجف و تشهق .... لكنها رفعت رأسها من صدر ملك .... تنظر اليها بوجهٍ أحمر بائس ...
ثم قالت باختناق
( لقد تزوجته ليلة أمس ........ )
ارتفع حاجبي ملك بذهول ... و هتفت غير مصدقة
( تزوجتِ كتلة العضلات ليلة أمس ؟!! ...... بهذه السهولة ؟!! ..... و ماذا حدث اذن ؟!! ... لماذا أنتِ هنا و تبكين ؟!! .....الا تحبينه ؟!!. )
مسحت شيراز وجنتها بظاهر يدها ... و هي تقول باختناق دون ان تتوقف عن البكاء .... تشهق بعنف بين كل كلمةٍ و اخرى ....
( لا أعرف ..... لا أعرف ..... بت لا أعرف شيئا ....... )
اخذت ملك كفها بين يديها و اخذت تفركهما .... بينما صمتت شيراز قليلا ... ثم قالت بصوتٍ ضائع القوى
( ماذا افعل ؟!! ......... ماذا أفعل ؟!! ....... )
رفعت ملك يدها تربت على وجنة شيراز برفق و هي تقول بخفوت
( تنفسي ببطىء ...... انتِ تعانين من صدمةٍ ما ....... خذي نفس ..... )
تعالى رنين الباب فجأة ..... فخرجت وعد من المطبخ لتفتح الباب .....
عقدت حاجبيها و هي ترى أمامها رجلا وسيما لكن شديد الضخامة ..... قوي العضلات ....
ملامحه غاضبة بشكلٍ لا يمكن إغفاله ....
فقالت وعد بعدائية
( نعم !! ...... من أنت؟!! ....... )
ازدادت شراسة وجهه وهو يواجه تلك العدوانية .... فقال بصلف من بين أسنانه ..
( أريد زوجتي ..... أخبروني في الطابق الأسفل أنها هنا ...... )
رفعت وعد ذقنها لتقول ببأس شديد
( عذرا ..... أنت لم تقل بعد من أنت كي أعرف من هي زوجتك .... )
اشتعلت عيناه أكثر .... بينما كان التوتر يتلاعب تحت بشرته المشدودة كالأوتار ....
فقال بهدوء خطير بينما قبضتاه تنقبضان الى جانبيه
( شيراز .... زوجتي هنا .... نادها من فضلك ....)
ظلت وعد واقفة مكانها ترفع ذقنها كي تتمكن من النظر اليه ... بينما قالت بنفس لهجته الخطيرة و عينيها في عينيه
( أنت لم تذكر بعد من أنت ...... و اذا لم تحترم البيت الذي طرقت بابه للتو .... فسيغلق هذا الباب بوجهك ....)
اتسعت عيناه بذهول .... و ازداد انقباض قبضته أكثر حتى ابيضت مفاصل أصابعه ... فلاحظتها وعد و توترت قليلا .... الا أنها لم تسمح لهذا التوتر أن يظهر عليها .....
لكنها لم تنتظر طويلا .... فقد جاء صوت هش من خلفها يقول
( لا داعي لهذا يا وليد ..... ها أنا ذا ..... كنت في زيارة لملك .... أنت تعرفها ....)
أجفلت ملامح وليد قليلا حين سمع صوتها الهش ... ثم رآها تطل من خلف وعد ...
التقت أعينهما في لحظة خاطفة .... فسرى ارتعاش بجسده الضخم المتوتر ....
وهو يراها في وضح النهار ... بوجهها الذي ضربه ليلة امس دون تمييز ... عيناها الخضراوان يمتزج خضارهما باحمرار البكاء .... لكن وجهها كان جافا ... فهل هو أثر بكاء ليلة أمس .... أم أنها بكت مجددا ؟؟....
شعر بحلقه يلتوى وهو يدرك أنها كانت على وشك السقوط بأي لحظة ..... كانت هزيلة شاحبة ... و كأنها فقدت نصف وزنها ليلة أمس ...
أخذ نفسا خشنا قبل أن يقول بلهجة الأمر
( تعالي الى هنا ...........)
تحركت شيراز بخنوع مطرقة الرأس كي تتجاوز وعد ... الا أن وعد قبضت على ذراعها بشراسةٍ فجأة لتبقيها خلفها و هي تقول بغلظة
( انتظري .... برؤية هذا الجلف ,أستطيع استنتاج أنه هو من ضربك بهذا الشكل الهمجي .... و أنا اكثر من قادرة على حمايتك طالما أنكِ ببيتي .....)
ابتسمت شيراز فجأة على الرغم من شحوب وجهها ... و تشقق شفتيها ....
نعم هي وعد .... حتى أنها تشبثت بكفها كطفل صغير و هي تنظر الى كفيهما معا ....
لم يهتم وليد بوقاحة وعد ... بل ضاقت عيناه و هما تراقبان ابتسامة شيراز الحزينة .... و كأنها سافرت الى زمنٍ آخر ....
تكلمت شيراز بخفوت .... و هي تترك كف وعد على مضض
( لا تقلقي ..... انا بخير ...... )
صمتت قليلا ... ثم رفعت عينيها الى عيني وليد .... لتتابع بصوتٍ أجوف له صدى
( انه زوجي .........و يجب أن أذهب معه ..... )
تحركت تتجاوزها ببطىء و برأسٍ منخفضة ...... فقالت وعد بحدة قبل ان تخرج
( نستطيع أن نحميكِ ......... زوجي لن يسمح له بالإقتراب من هنا ... )
اظلمت عينا وليد بشدة .... و قدرته على السيطرة على نفسه تتضائل ... و تهدد بأن يبطش بتلك الوقحة .. لولا ان عيناه لم تبارحا وجه شيراز .... كانت غريبة ... مهتزة .... و غير متوازنة على الرغم من هدوئها الظاهر .....
قالت شيراز بخفوت تكلم وعد
( فليحفظه الله لكِ ...... أنا سعيدة من أجلك ..... أنت تستحقي كل خير .... )
عقدت وعد حاجبيها قليلا .... و هي تشعر بشيء ما غريب ... و كأنها تعرف تلك المرأة .... ملامحها ليست غريبة عليها ... و خاضة عينيها الخضراوين المذعورتين ....
لكن ما شتت انتباهها هو دعائها الخافت ..... تلك الدعوة التي ذكرتها بأن سيف لم يعد لها .... لم يعد من حقها أن تطلبه لتطلب نجدته ......
اظلمت عينا وليد وهو يقول آمرا
( هيا بنا ..... لقد احرجتني و أحرجتِ نفسك بما فيه الكفاية ..... )
خرجت شيراز اليه مطرقة الرأس ... لكن قبل ان يستدير رآى ملك التي كانت تتمسك بالباب بأسى ...
و ما أن تعرف عليها حتى ابتسم قليلا دون مرح ....
حينها رفعت ملك كفها تلقائيا و كأنها تلوح له محيية متجهمة بصمت .... تخبره أنها تتذكره
شعر بداخله بشعور هائل من الاختناق و تلك الصغيرة ترى ما فعله بشيراز ...
و مع هذا تلوح له بائسة دون حتى ان تبتسم .... و كأنها لا تعرف ما هو الحل ........
مد يده ليمسك كف شيراز بتملك .... يجرها خلفه بتملك .... بينما شيعتهما وعد بكلمةٍ اخترقت أسماعه كالقذيفة
( همجي ........ )
أخذ يجرها خلفه الى أن وصلا الى السيارة .... فدفعها بقوةٍ تجاه المقعد الأمامي كي تفتح الباب ...
ثم اندفع يدور حول مقدمة السيارة .... ليجلس و يصفق الباب بعنف ..
جلست شيراز بمقعدها بجواره وهو ينطلق بالسيارة .... مطرقة الرأس ... صامتة تماما ....
بينما كان هو يغلي بغضب .... خاصة وهو ينظر بين حينٍ و آخر الى ساقيها الظاهرتين من الفستان القصير الذي ترتديه ....
فقال بخفوت و شر و كأنه يكلم نفسه دون أن ينظر اليها
( لنا حساب في البيت ........ لا بأس .... )
نظرت اليه فجأة .... و كانت أول مرة ترفع رأسها منذ أن استقلت السيارة بجواره ....
كانت ملامحها متبلدة .... شاحبة ....
لكنها قالت بخفوت فاتر
( أستطيع أستنتاج ذلك .......... )
أدار رأسه اليها بوحشية .... قبل أن يقول من بين أسنانه
( برودك لن يفيدك اليوم يا شيراز ....... و ما فعلته لن أمرره على خير .... )
ارتفع حاجبيها قليلا ... ثم قالت بنفس الفتور
( هل يمكنني السؤال ... عما فعلته بالضبط ليكون بمثل هذه الكارثة ؟!! ..... )
ضرب بقبضته على المقود بقوة وهو يهدر قائلا ..
( خرجتِ دون اذن مني ..... و أنت ترتدين ملابس رخيصة مثلك ...... دون اي اعتبار أن هناك ما تغير في حياتك .... وهو شيء بسيط جدا .... مجرد اسم رجل اصبحت تنتمين له .....)
ظلت تنظر اليه قليلا قبل أن تقول بفتور
( لقد اخذت هذا الفستان من الملابس التي أحضرتها لي .......... )
التمعت عيناه بوحشية وهو يقول بصوتٍ خافت أشد خطورة من علوه
( لا تتلاعبين معي انا بالذات يا شيراز ....... تعلمين جيدا أن تلك الملابس أحضرتها من أجل عيني أنا فقط ........ و يمكنك أخذها بعد انتهاء صفقتنا .... لكن حتى هذا الحين ..... لن تراكي عين سوى عيني ... لكنك تعرفين ذلك جيدا ..... و قررتِ أن تتحديني ..... )
تنهدت شيراز بتعب ..... ثم قالت و هي تنظر من نافذتها ...
( كل ما أعلمه أنني أخذت أول ما وقعت عليه يدي حين أردت النزول ..... لم أفكر في تحديك أبدا ...... و هذا يجعلني أطلب منك المرور على شقتي كي أحضر بعض من ملابسي ...... )
ضحك ضجكة خطيرة ..... أثارت رجفة في أوصالها و هي تنظر اليه بصمت .... ثم قال أخيرا باحتقار
( و كأنك كنتِ مثال الفضيلة قبل أن نتزوج ........ )
صمتت شيراز و لم تجد فائدة من الرد .... فعادت لتنظر من نافذتها بملامح ميتة ....
لكن وليد لم يرحمها وهو يقول من بين أسنانه
( ..... تظنين أنكِ ستحين نفس حياتك المنحلة و أنا العب دور المشاهد... أتمتع بما أناله منكِ ليلا على أن أصمت خلال باقي اليوم .... كباقي أزواجك .... )
زمت شفتيها قليلا ..... و هي تنظر الى وجهه الجانبي المجنون .... ثم قالت بخفوت
( حياتي المنحلة ؟!! ........... )
كان في سؤالها الكفاية .... فالتوى حلقه أكثر ... الا أنه تمكن من الإبتسام بسخريةٍ خشنة دون مرح وهو يقول
( ذكريني أين ربحتك تحديدا .......... )
ظلت تنظر اليه طويلا ... ثم قالت ببرود خافت
( حيث كنت أنت هناك ...............)
نظر اليها بطرف عينيه نظرة جعلتها ترتجف ..... قبل أن يعيد عينيه الى الطريق ...
ثم قال لنفسه بنفس الخفوت
( لا بأس .......... في البيت سنتابع حديثنا ..... )
تنهدت شيراز بصمت و هي تنظر أمامها ..... كانت عيناها واسعتان ... تنظران بلا حياة الى الطريق الطويل أمامهما ....
ثم قالت بخفوت
( افعل ما يحلو لك ........... لقد دفعت لتفعل ذلك )
ضاقت عيناه أكثر على الطريق .... بينما ابيضت مفاصل أصابعه على المقود ..... ثم قال بعد فترة صمت مشحونة طويلة ....
( من الأفضل أن تصمتي الى أن نصل ........ )
صمتت شيراز بالفعل و اسندت رأسها الى زجاج النافذة ..... مغمضة عينيها منتظرة انتهاء عقابه كي تتمكن من النوم ....
فتحت عينيها على صوته الآمر وهو يقول بصلابة
( انزلي ............... )
ذكرها هذا بليلة أمس .... حين نطق بنفس الأمر و هي تلبس فستان زفافها ... طائرة على سحاب الأحلام ...
على الرغم مما أمطرها به من الفاظه البشعة .... لكن بداخل قلبها كانت تحمل أملا .... سرعان ما دهسه بحذائه القديم .....
نزلت بصمت ... فترنحت قليلا .... الا أنها تمكنت من أن تخطو بخفةٍ و هي تسبقه الى البيت دون أن تستدير ....
فتح الباب بصمت فسبقته للداخل دون أن تتكلم .... و اتجهت الى غرفة النوم و هي تنتظر مصيرها من التقريع و ربما أسوأ ......
دخل خلفها ببطىء .... الى ان سمعت صوت باب غرفة النوم يغلق ... فاستدارت اليه ببطى ....
تراه يقف عند الباب ... ينظر االيها بنظراتٍ عديمة الرحمة ....
فرفعت وجهها تنظر اليه منتظرة ..... على الرغم من تعبها الشديد ...
ظل ينظر اليها قليلا بصمت ... قبل ان يقترب منها ببطىء دون ان يرفع عينيه عن عينيها ....
ثم قال اخيرا بخفوت
( خروج من هنا ..... لن اسمح لكِ به بعد اليوم ...... )
قالت شيراز بعد لحظة
( لقد اعطيتني حرية الخروج صباحا ..... فهل هذا فخ لتلحق بي المزيد من الإهانة ؟!! ..... )
كان قد وصل اليها .... فرفعت رأسها عاليا كي تتمكن من النظر اليه ...
رفع وليد اصبعه محذرا للحظة وهو يتأملها عن قرب ..... ثم قال أخيرا يتهجأ كل حرف
( الآن اسمعيني جيدا لأنني لن أكرر كلامي ..... منحتك حرية الخروج للأبد ... أي فصم العقد بيننا ... لكن بما أنكِ هنا الآن ..... مما يعني أنكِ قد قررتِ البقاء .... فهذا يعني أنكِ ستبقين هنا بشروطي أنا .... هل ما أقوله واضحا ؟!!! ....... )
قالت شيراز بصوتٍ فاتر
( هل سيكون سجنا ؟!! ....... ما الداعي منه ؟!! ... )
أومأ برأسه وهو يقول
( يمكنك اعتباره سجنا لو أردتِ ..... و الداعي هو أنني لا أثق بكِ ..... و لن أفعل ابدا .... )
ظلت شيراز تنظر اليه قليلا .... قبل أن تقول بخفوت
( لقد كنت مخلصة لكل زوج من أزواجي السابقين ....... )
أدركت أنها نطقت بشيء خاطىء .... من نظرة عينيه ... و التواء زاوية شفتيه .... على الرغم من ان ملامحه لم تتغير أبدا ... بل ازدادت صلابة .....
ابتعد عنها قليلا ... وهو ينظر اليها بصمت ... ثم قال بصوتٍ متجمد
( فكرتنا عن الثقة تختلف يا شيراز ...... اخلعي فستانك ... )
ارتفع حاجبيها و اتسعت عينيها بشدة و هي تفكر
" مجددا !!!! ...... "
فقالت بخفوت مضطرب
( أنا متعبة ....... هل يمكنني النوم قليلا ؟!! ......... )
التوت شفتيه أكثر .... الا أنه قال بصوتٍ جامد
( اخلعي فستانك يا شيراز ....... الآن ..... )
ارتجفت شفتيها قليلا ...... و نظرت الي عينيه تغوص بهما طويلا ...لكنها اصرت على ان تستجمع كل قواها و الا تدعه يهزمها مجددا كليلة امس .... فلتفعل ما تجيده اذن ... فهذا اكثر كرامة ...
انحنت و هي ترفع حافتي الفستان الى ان خلعته من فوق رأسها .... ثم وقفت تنظر اليه بسكون ....
طافت نظراته بها و طالت .... ببطىء كاد ان يهلكها .... فاحمر وجهها مجددا !! ... حينها لم تستطع متابعة التحدي اكثر ... فاطرقت برأسها و كتفت ذراعيها ببطىء ..
شعرت انها تموت امام عينيه ...... لكنه قال فجأة بصوتٍ صارم
( هاتي الفستان ........... )
رفعت وجهها اليه للحظة بعدم فهم .... لكنها عادت و اخفضته مجددا امام نظراته ... فانحنت لتلتقط الفستان قبل ان تستقيم و ترميه له ,..... دون ان تنظر اليه ....
سرعان ما سمعت صوت تمزقٍ عالي ..... فرفعت وجهها تنظر اليه بذهول و هي تراه ينتقم من الفستان ليمزقه من اعلاه الى اسفله ...
فغرت شيراز شفتيها و هي تراقبه ..... متأكدة انه اصابه مس من الجنون !! ...
رمى وليد الفستان المشقوق بعيدا ثم اعاد عينيه اليها ليقول بصوته القاسي ....
( من هذه اللحظة لن تدعي احدا يرى ذرة منكِ ....... تلك الملابس للبيت فقط .... )
اشتدت ذراعيها من حولها و هي ترتجف قليلا .... ثم قالت بخفوت باهت ....
( ألن أخرج اطلاقا ؟!! ...... حتى .... معك ؟!! ....... )
لم يرد عليها .... بل ظل ينظر اليها .... يدقق النظر بها ...... لكنه لم يرد عليها ..... بل اتجه الى أحد الأدراج .... ليخرج منه شيئا .... ثم عاد اليها ....
رأته بعينين مهتزتين وهو يمسك بشريط من الأقراص .... ليخرج منه قرصا ...
مده اليها وهو يقول
( ابتلعي هذا ............ )
التقطتت القرص منه وهي تنظر اليه ... ثم همست بخنوع
( ماهذا ؟!! ............ )
استدار بعيدا عنها وهو يوليها ظهره ..... ليقول بصوتٍ لا تعبير به ...
( ماذا تظنين ؟! ....... أقراص منع حمل ..... )
شيء ما أصابها في الصميم ..... شيء جعلها تنظر الى القرص المستكين في راحة يدها بصمت .....
كان وليد ينظر اليها في المرآة دون أن يستدير اليها .... و شعر بمخالب شرسة تنهش صدره ....
فعقد حاجبيه بغضب و استياء ....
لماذا من الممكن أن يخالجه شعورا يشبه الشفقة تجاهها .... من المؤكد أنها مرت بهذه الخطوة مرارا من قبل ...
رفعت شيراز وجهها الشاحب اليه .... فالتقت اعينهما في المرآة بصمت ...
حينها قالت بخفوت
( أنا لن أحمل ..... لا تخشى شيئا ...... )
انعقد حاجباه بشدة وهو يستدير اليها و ملامحه يعلوها شيئا ما ...... هل كان بعض القلق أم أنها تتوهم ؟!!
ابتلعت ريقها تبعد عنها تلك الأوهام ..... فقالت و هي تطرق بوجهها
( لقد استخدمت وسيلة أخرى .... في زواجي الثاني .. و جدتتها في الثالث ... لقد كان هذا طلب كل منهما ....... ثم نسيتها ..... )
انتفخ صدره بقوةٍ و انتشر لون قاتم ... بينما هجم عليها فجأة يقبض على ذراعيها يهزها بعنف حتى تطاير القرص من يدها بعيدا ... وهو يهدر عاليا
( توقفي عن الكلام عن رجال آخرين ..... توقفي عن أتكوني بمثل هذا الرخص .... )
أغمضت عينيها بشدةٍ و هي تشعر بالدوار و التهالك ... لكنها تمكنت من الصراخ عاليا و هي مطبقة جفنيها
( لم اكن يوما رخيصة .... كنت متزوجة ...... كنت متزوجة ..... كنت متزو....... )
لم تستطع إكمال عبارتها .... و هي تشعر بالعالم يغيب من حولها و يتداخل بصورةٍ عنيفة ....
فهمست و هي تلهث ...
( وليد ........ أشعر ...... )
الا أنها سقطت بين ذراعيه .... وآخر ما سمعته كان صوته وهو يهتف بقلق ... يلتقطها قبل أن تسقط أرضا
( بشرى ............ )

يتبع


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 17-07-15, 12:06 PM   #21084

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
Rewitysmile24

فتحت شيراز عينيها على صوت رجولي قوي يحثها مناديا باسمها ... و كف قوية تضرب الكدمات على وجنتها فتزيدها ألما .... لكنها كانت في عالم داكن قاتم ....
كانت في زاوية مظلمة من أركان الدار .... و ثور هائج يهاجمها فيدفعها لتلتصق باجدار المقشر المؤلم أكثر ...
يداه تندفعان تحت ثوبها القطني الرخيص .... و هي تحاول جاهدة كي تصرخ و تستنجد بأحدهم ... لكن لا فائدة ....
حنجرتها كانت مصمتة تماما ... و كأنها تحمل صخورا و حصوات أسفل بعضها ... و آخر قابع في صدرها مما يثقلها و يجعلها غير قادرة حتى على الحركة ....
يداه كانتا تعتصرانها بقوةٍ من تحت فستانها .... و أنفاسه تقتلها ببشاعتها .....
و هي تحاول ابعاد وجهها عنه يمينا و يسارا .... بينما يده الأخرى تضرب وجهها ...
صفعاتٍ رتيبة ... تتناقض مع عنف يده الأخرى تحت فستانها
و صوته يهتف بقلق
( بشرى ...... بشرى ..... أفيقي .... )
لكنها لم تكن تريد أن تفيق .... بل الموت أفضل لها من أن تفتح عينيها على رؤية وجهه البشع و أسنانه السوداء ...
هتفت أخيرا بكل قواها
( ابعد يديك القذرتين عني ....... أيها القذر .... ايها القذر .... )
و دون أن تدري رفعت يدها و تمكنت من صفعه بكل قوتها ..... و هي تصرخ باسمه ....
توقفت اليد الي كانت تربت على وجنتها ... و تشنجت العضلات التي تضمها الى صدره ....
و بدأت فجأة تجد قوتها .... و كم شعرت بحالة غريبة من النشوى و هي تجد نفسها قادرة على مصارعته للمرة الأولى ...
لكن قوته كانت أكبر من قوتها .... فقيد معصميها فوق رأسها و أخذ يصرخ بها كي تصمت ...
فلسانها لم يكن يهدأ من نعته بكل ما تخيلته يوما .... و لم تكن قادرة على ذلك حينها .....
صرخة هادرة بها .... و قبضتين تشدان على معصميها بصوةٍ نشرت الألم بشدة عبر ذراعيها
جعلتها تنتفض شاهقة و هي ترمش بعينيها عدة مرات .....
كانت مقيدة ... ذراعيها أعلى رأسها و احدهم يعلوها ... مما جعلها تنتفض اكثر و هي تطلقة صرخة قصيرة ..
الا ان صيحته هدرت بها مجددا
( توقفي يا بشرى ...... إنه أنا .... وليد .... زوجك )
صمتت قليلا و هي ترمش بعينيها عدة مرات ... تلهث بعنف , لدرجةٍ آلمت صدرها , و قد اغرقها العرق البارد ... و بلل قميص نومٍ قطني فضفاض ترتديه ....
نظرت الى ملامحه المتجهمة تعلو وجهها ... لا تبعد عنه سوى سانتيمترات قليلة ....
ابتلعت ريقها و هي تستوعب مكانها أخيرا .... ثم همست بضعف من بين شفتيها البيضاء المتشققة
( لقد استيقظت ..... استيقظت .... لا داعي لتقيدي هكذا .... لن أهرب لأي مكان ....)
خفف قبضتيه على معصميها تدريجيا ... ثم تركهما ببطىء .. فأخذت تدلكهما و هي تغمض عينيها بتعب , بينما قال هو بغضب
( تقصدين أفقت ...... لا استيقظتِ ..... لقد اصبت بالإغماء ........)
لم تتغير ملامحها الباهتة ... و لم تفتح عينيها لتواجهه .... بل قالت بخفوت
( استيقظت ..... أفقت .... لا فرق ... المهم أنني هنا الآن ......)
شعرت به يجس النبض بباطن معصمها .... قبل أن يقول بخشونة
( على ما يبدو أن ضغطك قد انخفض جدا ..........)
لم ترد شيراز .... كانت ملامحها باهتة .... غير مبالية بشيء .....
لكن شيء ما انتفض بداخلها و هي تشعر بيده على وجهها ... تمسح عنه العرق الذي اغرقه .....
ارتعشت قليلا من تلك المعاملة .... الا أنها عادت و نهرت نفسها على الغباء المكرر ....
لن تقع في هذا الفخ مجددا .......
قال وليد بصوتٍ أجش
( الطعام الذي أحضرته لكِ لجين لم تمسي منه شيئا.... متى كانت آخر مرة تناولت فيها طعاما ؟!! .... )
عبست قليلا تحاول التذكر ..... لكنها لم تستطع , و هناك شيء آخر شغل بالها ...
هل راقب الطعام .... و اهتم بملاحظة أنها لم تأكل شيئا ؟! ....
طيف دافىء تخللها فجأة عند تلك النقطة ........
لكنه سرعان ما اختفى حين قال وليد بخشونة
( عما تحدثتما أنتِ و لجين ؟؟ .......... )
فتحت عينيها ببطىء تنظر اليه .... تستحق ما تشعر به حاليا .... لكنها قالت بخفوت دون أن تنزل عينيها عن عينيه ..
( لما لا تسألها هي ؟؟ ......... )
عقد حاجبيه وهو يقول بخشونة
( تحدثتما اذن .............. )
ردت شيراز بخفوت و هي تبعد وجهها جانبا
( يمكنك سؤالها عن ذلك أيضا .......... )
قال وليد بقوة
( لا أريدها أن تختلط بكِ ........... )
أغمضت عينيها للحظة قبل أن تقول بخفوت
( لماذا ؟! ....... هل سأدنسها ؟!! ........ )
قال وليد بصوتٍ أجش متوتر
( اسمعي ما أقوله فقط ..... و لا تجادلي ..... )
قالت بصوتٍ مجهد ... باهت .....
( ايضا عليكِ أن تأمرها هي ...... هي من صعدت الى هنا , أنا لم أدعها ..... )
زفر بقوةٍ ... فازداد انطباق جفنيها .... و أخذت تدلك ذراعها بيدها المرتجفة بشرود ....
فأخذ يتأملها مليا .... قبل أن يقول بصوتٍ أجش مهتز قليلا
( عليكِ ابدال هذا القميص ..... انه مبلل بالعرق جدا و قد تمرضين ..... )
تحسست يداها القماش المبلل .... فتذكرت أنها لم تكن ترتديه منذ دقائق ..... هل ألبسه لها بنفسه ؟؟!!
نظرت اليه , فكأنما سألته السؤال بعينيها .... فالتقت أعينهما للحظةٍ قبل أن ينهض ليقول بصوتٍ آمر
( بدلي ملابسك ثم تعالي لتأكلي ........... )
ثم استدار مبتعدا بسرعة ينوي الخروج .... لكن و قبل أن يخرج التفت اليها قائلا بصوتٍ قاسي
( بشرى .......... من هو فتحي ؟؟ ......)
انتفضت شيراز بقوةٍ و هي تنظر اليه متسعة العينين بذهول .... قبل أن تقول بصوت مهتز قليلا
( من ؟!!! ......... )
ازداد انعقاد حاجبيه وهو يقول بهدوء
( فتحي ..... صرختِ باسمه كثيرا ...... )
فغرت شفتيها قليلا ... قبل أن تقول بصوت خافت قلق
( ماذا قلت ؟!! ............. )
ظل ينظر اليها قليلا قبل أن يقول بخشونة مقلدا اسلوبها
( ربما عليك سؤال نفسك ........... )
ارتبكت بشدة ... و تاهت عيناها تحاول جاهدة تذكر ما نطقت به ..... لكنها فشلت تماما ....
رمشت بعينيها عدة مرات ... فتحي مشرف الدار ... أي أنه ليس أحد أزواجها ... لم تكن تحل له ... بل كانت مجرد طفلة .....
دائما تتبجح بأنها لم تفعل شيئا في الحرام ... كله في الحلال ....
ماعدا فتحي ..... كان حراما بحرام .....
رفعت عينيها الخائفتين تنظر اليه بصمت .... كانت عيناه قاسيتين ... صلبتين ... غير متفهمتين
استجمعت كل قواها و هي تتلمس شعرها قبل أن تقول بخفوت دون أن تواجه عينيه
( لا أعرف أحدا بهذا الاسم .......... )
شفتاها المتكورتان و عيناها المنخفضتان ....و أصابعها المتلاعبة بأصابعها ... خير دليل على كذبها ....
لكنه لم يتكلم .... بل خرج مباشرة ....
بينما تنهدت شيراز بتعب و هي تنزلق في الفراش قليلا ..... مغمضة عينيها .....
هذه الزيجة أصعب من كل سابقاتها ..... انها تمتص كل ذرة حياة متبقية بها .....
فتحت عينيها و هي تستقيم قليلا ....لا تريد أسيرة تلك الحالة طويلا ... الحياة يجب أن تستمر ....
و هي يجب أن تقاوم حتى آخر نفس بها ....
منذ سنوات قررت أنها لن تسمح لشيء في هذه الحياة بأن يهزمها مجددا ... ستتحدى انعدام هويتها ... و ستتحدى عدم امتلاكها اي مؤهلات و ستكون أفضل من اي ممن يحملن تلك المؤهلات العلمية ... و حتى ممن لديهن أسر و عائلات .....
اتجهت الى المرآة .... تنظر لهيئتها البائسة .... و عينيها الضائعتين .....
تتذكر ذلك القسم الذي اقسمته لنفسها .....
همست بخفوت فاتر
( هي مجرد كبوة أمر بها ...... مجرد حالة ركود ...... و سأكون بخير ..... سأكون كما قررت أن أكون )
اتجهت الى الحمام كي تزيل آثار العرق و التوتر عنها .....
ثم خرجت لتفتح الدولاب ..... و تنتقي منه ما ترتديه .... فاختارت قميصا قطنيا يبدو طفوليا ... يصل الى ركبتيها .... و مشطت شعرها المبلل ..... فبدت بحالٍ أفضل قليلا ....
فقط كدمات وجهها هي السيئة الوحيدة بشكلها .... تجاهلت تلك الكدمات فسرعان ما ستزول ....
دخلت الى المطبخ بقدمين حافيتين .... مترددة و هي تنظر الى ظهر وليد و قد خلع قميصه و كأنه لا يجلس في البيت الا عاري الصدر ....
الحقيقة أن رجولته توترها ...... وسامته تربكها ....
حين وقعت في حبه , لم يكن ذلك بسبب شبابه أو وسامته أو عضلاته الضخمة .... بل على العكس هذه الأشياء هي ما كان يجعلها غير مرتاحة ...حيث أنه اقرب الى الكمال .... بينما هي في القاع ....
و حتى الآن لا يزال شبابه و ضخامته يربكانها .... لا يسحران عينيها ....
كان لا يزال يوليها ظهره وهو يضع الطعام الذي احضرته أخته في الفرن الكهربائي ....
تنحنحت قليلا ... فالتفت اليها ينظر اليها من خلف كتفه ... نظرة لا تحمل أي لطف....
ثم أعاد نظره الى ما يفعله ليقول بنفس اللهجة الآمرة
( هل تنتظرين دعوة ؟! ........ إجلسي ..... )
ارتبكت قليلا لكنها داست على الأرض الباردة ..... فصعدت على احد الكراسي العالية .... حتى أن قدميها لم تصلا للأرض ....
التفت اليها وهو يضع أمامها طبقا .... تقريبا رماه على سطح المائدة ... فأصدر صوتا عليا و أوشك على أن يتحطم ....
ثم جلس امامها .... ناظرا اليها و هي تبدو صغيرة ... شعرها المبلل متناثر حول وجهها المنخفض ...
رفعته قليلا تنظر اليه بتوتر .. و ما ان التقت أعينهما حتى عادت لتخفضهما و هي تبعد شعرها خلف أذنها بارتباك واضح ....
قال وليد بصوتٍ قاسي خشن
( كلي .............. )
أمسكت بالمعلقة و هي تنظر الى سطح المائدة الخالي أمامه ... قبل أن تقول بخفوت
( ألن تأكل ؟! ........... )
قال لها بلهجته الخشنة
( اهتمي بنفسك .......... )
تنهدت شيراز بيأس و هي تتلاعب معلقتها في الطبق دون أن تأكل ....ثم بعد لحظات طويلة رفعت وجهها و هي تضع المعلقة جانبا ...
ثم قالت بخفوت
( حسنا ...... أعلم جيدا أنك تكرهني .... تحتقرني ..... و تكره نفسك لأنك أدخلتني الى حياتك ..... لا تصدق أن تمنح اسمك لمن هي بمثل وضاعتي .... و بنفس الوقت لم تكن لتجعلني أفلت بخداعي لك .... )
أرجع ظهره للخلف ينظر اليها بملامح جامدة .... لا تحمل أي شعور ....
فتنهدت شيراز مجددا بتوتر .... ثم تابعت قائلة
( لكن و بما أنك دفعت الكثير ..... الا يمكننا الوصول الى نوع من الحياة المرضية لكلينا ..... على الأقل كي لا يضيع مالك هباءا ..... لو منحتني الفرصة أستطيع أن ....... )
قاطعها قائلا بكل هدوء .... على الرغم من ان نبرته كانت من القوة بحيث ان تشنجت منها
( أولا ......... أولا آخر همي أن تنالي حياة مرضية .... ثانيا لما تخيلتِ أن هذه الحياة ليست مرضية لي ؟!! .... جعلك تعانين هو أكثر ارضاءا لي من كل مواهب اغرائك التي لم أرى أيا منها حتى الآن ..... )
ظلت تنظر اليه طويلا .... جانبا منها كان يحثها على أن تنفجر باكية و تهرب جريا من أمام عينيه القاسيتين
لكن حالة البلادة جعلتها تمكث مكانها .... تنظر اليه بصمت , قبل أن تقول بصوتٍ فاتر
( السادية ليست طبعك ......لن تتمتع بها ... )
ابتسم بتقزز وهو يقول مشمئزا
( تتكلمين عن خبرة !! .......... )
ظلت تنظر اليه دون ان تحيد بعينيها عن عينيه ... ثم قالت بهدوء
( استطيع ان اخبرك بها افضل من اي كتاب قد تقرأه عنها ....... متعة ..... شهوة ..... لكن ليس كل الرجال قادرين على التفنن بها ..... تحتاج الى مختل نفسيا .... )
كان ينظر اليها بنفس الملامح الجامدة ....
كانا هادئين ... يتحدثان بنبرةٍ مهذبة .... تتناقض تماما مع فحوى حديثهما ....
قال اخيرا بصوت بارد جليدي
( اهانك ؟!! ................ )
قالت بخفوت ترد عليه
( كحيوان ............ )
امال وجهه قليلا و استطاعت سماع صوت نفس حاد ..... قبل ان يقول بنفس البرود
( اهكذا كنت تنظرين اليه ؟!! ......... )
التوت شفتيها للحظة خاطفة .... قبل ان تقول بهدوء
( كنت اتحدث عن نفسي ............ )
اظلمت عيناه قليلا ... و تشنجت قبضته ... و ظل ينظر اليها طويلا , قبل ان يقول بنبرة خافتة مشتدة
( أكان يعتمد على الذل أم الألم ؟؟ ......... )
ظلت صامتة قليلا تنظر اليه ..... قبل ان ترفع اصبعيها امامه قائلة ببساطة خافتة
( الاثنين ............ )
تشنج فكه بشدة .... حتى بدا و كأنه غير قادرا على السيطرة على فكه .... و عضلاته .....
حينها اخفضت نظراتها .... و نظرت الى الطبق امامها .... قبل ان يقول وليد بتقزز
( هل تنتظرين ان اشفق عليكِ ؟!! ....... )
رفعت عينين متسعتين اليه .... و على الرغم من صدمتها المؤلمة بتقززه , الا انها قالت بسرعة
( اطلاقا ....... اكثر ما اكرهه بحياتي هو أن أكون مثيرة للشفقة ..... )
ضحك دون أي احساس بالمرح .... و دون أن يبعد عينيه عن عينيها ... ثم قال بصوت محتقر
( الا تعتقدين أنكِ مثيرة للشفقة ؟!!! ........)
تجمدت عيناها .... و تبلدت ملامحها ببرود ثم قالت بصوتٍ غريب به لمحة من القسوة
( لا .... لست مثيرة للشفقة يا وليد .... و لو عاد بي الزمن لقبلت بنفس خياراتي في الحياة ..... مرة واحدة ندمت على تلك الخيارات و ها أنا الآن أعاني من ذلك الندم ...... كان يمكن أن يكون وضعي أكثر خزيا لو لم اقبل بتلك الخيارات ..... )
مال اليها بعنف فوق المائدة وهو يقول بلهجة كره
( هذه حجة كل ما يبيع نفسه برخص تراب الأرض ...... )
مالت اليه هي الأخرى فوق المائدة .... بهدوء ... و هي تسند ذقنها الى كفها ... تنظر اليه ووجهه لا يبتعد الكثير عن وجهها .....
ثم قالت بنفس الهدوء
( هناك بيع دون ثمن أصلا....... لذا أنا أعتبر رابحة بأفضل ما كان متاحا لي ..... )
ارتجفت ملامحه بغضب شديد وعيناه تطوفان بوجهها القريب من وجهه ....
لكنها همست بخفوت
( أنا آسفة لأنني خدعتك ....... لم أخدع أي ممن عرفتهم قبلا , كانو يعرفون حقيقتي و يقبلون بها.... لكن معك , لم استطع ..... بنيت حياة كاملة و انا أعتقد أنني لن اراك مجددا .... لكن الوقت كان قد فات .... و أحببت..... أقصد و تخيلت أنني أحببتك .... لذا لم أستطع التراجع عن كذبي ...... )
ارتجفت شفتيها قليلا .... بينما عيناه تتأملانها بشراسة .... و اصبعها يرسم دوائر وهمية فوق سطح المائدة .... و جانب شعرها الذي بدأ يجف متساقط على وجهها يخفي معظم ملامحها عن عينيه ....
ثم قالت بفتور خافت دون أن تنظر اليه ...
( الا يمكننا فقط أن ........ نركز على أرباحنا سويا دون التطرق لما مضى ..... لقد عاقبتني بما فيه الكفاية حتى الآن ..... )
سمعت صوت ضحكة خافتة خشنة قبل ان يقول بصوتٍ هازيء
( عاقبتك بما فيه الكفاية لليلة واحدة ؟!! ......... يبدو ان زوجك السادي لم يدربكِ جيدا , فأنتِ لا تجيدين التحمل ...... )
كان وجهها مطرقا .... و لم ترد عليه ... و لم ترفع وجنتها عن يدها التى تستند بها الى الطاولة ....
نظر وليد بعينين تشعان نارا الى اصبعها الذي كان لا يزال يرسم الدوائر ... ....
ليجد فجأة قطرة ماء سقطت فوق سطح المائدة ......
عقد حاجبيه وهو يرفع عينيه الى ما ظهر من وجهها ..... فوجد مسار تلك القطرة مرسوما في مجرى رفيع من عينها ......
تراجع بظهره للخلف وهو يشعر بشيء ينهش أحشاءه .....
ثم زفر بقوة وهو يقول بغضب
( كلي و توقفي عن كلامك الرخيص يا شيراز ....... حذرتك من التحدث عن قذاراتك السابقة و انتِ لا تتعلمين ابدا ..... )
لم ترد عليه ..... و لم ترفع وجهها .... فهدر قائلا
( كلي يا شيراز ........... )
ردت بخفوت ميت دون ان تنظر اليه
( لا اريد ............... )
اندفع تجاهها فجأة ليمسك بذقنها بين أصابعه القوية حتى ضغط شفتيها وهو يهدر غاضبا بجنون يفوق آلاف المرات غضبه من عدم أكلها ...
كان يصرخ بها بصوتٍ هادر
( لقد مللت من برودك ..... تعلمي طاعتي خلال الفترة التي سنقضيها هنا سويا ..... )
أخذت تقاوم محاولة أن تنزع يده عن فكه دون جدوى و هي تصرخ
( كفى ...... كفى .......وجههي لا يزال يؤلمني مما فعلته ليلة امس ..... )
كان غضبه من الحديث الذي تناولاه بمنتهى الهدوء منذ لحظات قد وصل به الى حافة البركان ... وهو يتخيل الصور التي رمتها لها ببرودها الذي تتبعه كاسلوب في معاملته ....
مد اصبعه بين شفتيها يفتحهما بالقوة وهو يدس بيده الأخرى بينهما بعض الطعام رغم عنها ....
كان يبدو كمن يسكتها .... لا من يطعمها !! ....
لا تزال عبارة نطقت بها من قبل تطوف بذهنه
" القذرهو من يطلب السماع بعنجهية .... ثم يظهر ضعفه المثير للشفقة بعدها ....."
أخذت شيراز تتلوى و هي تحاول القفز من على الكرسي .. بينما هو يمسك بمؤخرة رأسها و بيده الأخرى يتابع اطعامها بالقوة ...
تساقطت دموعها على وجنتيها و هي تهتف باختناق من بين الطعام المندس بين شفتيها
( كفى ..... كفى ........)
تمكنت من الإفلات منه أخيرا فقفزت على الأرض تجري حتى حوض المطبخ فاستندت اليه بكفيها و هي تبكي بخفوت و غضب مكبوت ....
بينما رمى هو الطعام الذي بيده في الطبق وهو يزفر بجنون ....
صرخت شيراز فجأة
( هذا لن يفلح ..... لن يفلح ..... انت لا تجيد اللعبة .... لعبة تكرهها و بنفس الوقت لا تريد الخروج منها ...)
صدرت عنها شهقة بكاء غاضبة .... الا أنها كبتتها بعنف وهي ترتجف و تغلي ...
و ككل مرة تدرك قبلها أنها ستقوم بتصرف متهور .... كانت قد القطت فجأة كوب زجاجي و رمته بها بكل قوتها صارخة
( هذا لن يفلح ........ )
لم تدرك أنه كان شاردا ... ينظر بتعبير كئيب الى سطح الطاولة ..
فارتطم الكوب بوجهه بشدة و عنف ....ثم سقط في شظايا على الأرض
تأوه وليد بقوة و خشونة وهو يرفع يده الى رأسه التي اصابها الدوار .... فشهقت شيراز وهي ترفع يديها الى فمها بينما اتسعت عيناها بذهول ....
نهض من مكانه وهو ينظر اليها بوحشية .... بينما تراجعت برعب لكن حوض المطبخ منع تراجعها أكثر .. و ما أن وصل اليها حتى داست على كرامتها و هتفت
( أنا آسفة ..... لم أقصد ...... لم أقصد ...... )
لكنه لم يرد .... كانت تظهر عليه علامات الجنون بوضوح .... فعلمت أنه لا هرب من فعلتها ....
مد يده يمسك بشعرها بقوة ... فصرخت بألم و هي تبكي
( آنا آسفة ........ )
و أغمضت عينيها منتظرة المزيد من الضرب ... الا أنه جذبها من شعرها ... وهو يقول بخشونة
( انزلي على ركبتيك ....... انزلي ..... )
فتحت عينيها الباكيتين و هي ترتجف بشدة ... الا أنها نزلت على ركبتيها و كفيها عند قدميه .... ترفع عينيها اليه و هي تشهق بقوة و بصورةٍ بائسة ...
الا أنه هدر بها بقوة
( ماذا تنتظرين ؟!!! ............. )
انتفضت مكانها و هي ترتجف شاهقة ببكاء مثير للشفقة ,. الا أنها هتفت باكية بعدم فهم
( ماذا ..... ماذا أفعل ؟!! ......... هل أقبل قدمك ؟!! .... )
للحظة أجفلت ملامحه وهو ينظر اليها بصدمة.... الا أنه سرعان ما مسح هذا التعبير عن وجهه و هدر بنفسٍ قوي لافح وهو يهتف بها
( اجمعي الزجاج المكسور ....... هيا ..... )
رمشت بعينيها عدة لحظات قبل أن تومىء برأسها بسرعة ... فمالت بجسمها و أخذت تجمع قطع الزجاج من كل مكان .. و من تحت الطاولة .... و لم تأبه لجروح يديها و ركبتيها ....
و ما ان انتهت ... و جمعتهم في حجر قميص نومها القطني .... ثم نظرت اليه بوجهها الأحمر بعد أن كانت قد توقفت عن البكاء ... فقالت بصوتٍ مختنق
( هل أنهض ؟............. )
نظر اليها للحظة .... قبل أن يقول آمرا
( انهضي و ارميهم ........... )
نهضت من مكانها بتعثر ... الا أنها جمعت حواف ثوبها الذي يحمل الزجاج المكسور ... ثم اتجهت به الى سلة المهملات ... و تركت الزجاج يسقط بها ....
استدارت اليه ... كانت أصابعها مجروحة بعدة مناطق ... و كذلك ركبتيها ... بينما كان هناك جرحا واضحا في جبهته ....
كان من الممكن أن تفقأ عينه !!!! ..... كان شعورها بالرعب ليس فقط منه .... بل أيضا مما فعلته !! ...
قالت بصوتٍ متحشرج
( هناك جرح في جبهتك .......... )
الا أنه لم يرد عليها على الفور .... بل اقترب منها ... الى أن وصل اليها فقبض بيده على ذقنها يرفعه اليه بقوة وهو ينظر الى عينيها المتورمتين من البكاء ...
ثم قال بهدوء يتناقض مع صدره المتسارع في أنفاسه ....
( سأعمل جاهدا على تنظيف ألفاظك و أفعالك يا شيراز ..... و سأستمتع بذلك .... ثقي بذلك )
أغمضت عينيها بقوةٍ و هي تهتف باختناق
( هذه أنا .....هذه أنا يا وليد .... لن تستطيع ..... لن تستطيع تغيري الا بكسري ....... )
ظل ينظر اليها قليلا ... قبل أن يدفع ذقنها بعيدا وهو يقول بجمود وهو يلهث قليلا
( سنرى ............ )
صمت قليلا قبل أن يقول ببرود
( الزمي غرفتك منذ الآن و حتى آتي اليكِ ....... لن تخرجي منها اليوم ..... )
هتفت بقوة و هي تضرب الأرض بقدمها و قد بدأت تنهار بأسرع مما توقعت
( أحسن ........... سيكون هذا فضلا منك أن تحرمني من طلتك البهية الى أن ..... )
مد يده ببقوةٍ يقبض على فكها مجددا حتى أغلق شفتيها بين أصابعه وهو يقول بصوتٍ خطير
( ماذا ؟!! ........ هل تقولين شيئا ؟!ّ! ...... )
ظلت عيناها المرهقتان ببعض الشراسة المتبقية بهما ... تنظران اليه .... تتحديان عينيه و بنفس الوقت تهابه و تهاب غضبه الذي باتت تملك عنه فكرة جيدة ....
فقالت أخيرا بخفوت و خنوع
( لا ....... لم أقل شيئا ........ )
كانت عيناه كعيني صقر .... ينتظر أي هفوة من فريسته , فقال أخيرا وهو يترك ذقنها
( اذهبي .......... )
اندست تحت الغطاء لفترة طويلة .... حتى نامت بعمق , كان نوما متعبا ... مليئا بالأشخاص الذين تود لو تقتلعهم من صفحة ذاكرتها ....
كانت تتأوه بين الحين و الآخر .... ثم تشهق مستيقظة .... لكنها كانت تجد الغرفة خالية , فتعود للنوم بتعب ..
لا تعلم كم من الوقت نامت .... لكن آخر مرة استيقظت بها .... كان الظلام قد حل على الغرفة ....
فقط شعاع ضئيل كان منسلا من النافذة جعلها ترى ظلا ضخما يقف في الغرفة .... فشهقت عاليا برعب ...
الا ان صوتا رجوليا قال بخفوت من بعيد ...
( نامي ...... لا تخافي ...... )
أغمضت عينيها و قد هدأ رعبها قليلا ... و ذهب عنها الوعي لعدة لحظات ... لكنها عادت و استيقظت ...
فتحت عينيها و هي تستقيم جالسة ... تنظر بحثا عن الظل الذي خاطبها منذ قليل , لكن الغرفة كانت خالية مجددا ...
نهضت من مكانها ببطىء و هي تشعر بنفسها أفضل حالا بعد أن نامت لوقتٍ غير منتهى ....
فأشعلت الضوء و نظرت الى الساعة و هالها أن تكتشف بأنها قد نامت لمدة اثنتي عشرة ساعة !!....
ألم يدخل وليد الى الغرفة كل هذا الوقت ؟!! .... ..... هل خرج و تركها مجددا ؟! ....
تنهدت بقنوط و هي تجلس على حافة السرير .... ناظرة الى حجزها الإنفرادي بصمت ......
لقد أعطاها حريتها صباحا ..... و هي تخلت عن تلك الحرية بترددها ..... فضاعت الفرصة .....
سمعت صوتا خارج الغرفة جعلها تتشنج قليلا .....
" انه هنا !! ...... "
ظلت تستمع قليلا ..... ثم نهضت بسرعة , فمن المؤكد أنه شعر باستيقاظها و أشعالها للضوء ...
فأسرعت للدولاب تفتحه ..لتتفقد الملابس التي أحضرها لمتعته ....
ابتسمت قليلا بسخرية و هي ترى وفرة من الملابس الداخلية الحريرية ... تفوق الفساتين عددا ....
ارتفع حاجبيها قليلا بدهشة و هي تلاحظ شيئا غريبا ...
لقد اختفت كل الفساتين القصيرة التي كانت موجودة صباحا !! ....
لم يعد هناك سوى ملابس البيت و الملابس الداخلية ! ....
عدد الفساتين كان لا يتعدى الأصابع ... لذا يمكنها ملاحظة اختفائهم بسهولة ....
عقدت حاجبيها و هي تفكر بتلك الطريقة المبتكرة في سجنها .... إنه يبقيها هنا مع الملابس الداخلية و ملابس البيت فقط !!! ...
زفرت بعنف و استياء ...و هي تقول من بين اسنانها
( إنه يبدو كطفل أحمق غبي ..... و يظن أنه ينافس من عرفتهم قبله بحركاته الطفولية تلك !! )
مدت يدها بعنف لتتناول أول قميص نوم وقعت يدها عليه ....
و ما أن انسدل على جسدها ... حتى استدارت تنظز الى نفسها في المرآة ....
عقدت حاجبيها بعدم راحة .... شيء ما خاطىء بشكلها .....
ليست هي شيراز التي اعتادت الإغراء و فنونه ..... بل كانت تبدو كطفلة تلعب دور الكبار و الذي لا يليق بها ...
كانت ترتدي قميص حريري أسود .... قصير للغاية .... لا يترك الكثير للمخيلة ....
شعرها متهدل حول وجهها بعفوية بخصلاته الخفيفة ... وجهها لا يزال مزينا بعدة ألوان لم تبارحه بعد ....
و هناك جروح ظاهرة على ركبتيها .... كطفلة وقعت على السلالم و هي تلعب ! ...
مدت يدها الى حقيبتها التي جائت بها أمس ... فتناولت منها أحمر الشفاه القرمزي .... و مالت لتلون شفتيها علها تحصل على منظر أكثر إرضاءا ....
تشنجت يدها و هي تشعر بالباب يفتح خلفها .... و دون أن تستدير ... وجدت وليد يدخل الى الغرفة , لتتقابل أعينهما في المرآة ....
ابتلعت شيراز ريقها و هي تستقيم .... تنظر اليه طويلا محاولة استنتاج مزاجه .....
قبل أن تستدير اليه ببطىء .... منتظرة أن يتكلم بأي شيء
كانت عيناه غريبتان و هما تتأملانها .... لم تستطع تبين انطباعه أبدا ...
هل هو رفض ؟! ..... نفور ؟!! ...... أم هل هما يبرقان بخطر !! ...
لا تعرف تحديدا .... كل ما تعرفه هو أن قلبها كان يخفق بعنف ....
فأخذت نفسا مهتزا و هي ترفع عينيها الى الجرح في رأسه .... و فجأة قالت بخفوت
( إجتماعنا معا شديد الخطورة .......... )
كانت تشير الى جروحهما المشتركة ..... و ما الغريب ؟!! ... فقد كان أول علاقتهما صفعتين متبادلتين ...
لم تعد تتوهم الآن البريق الذي رأته في عينيه ... قبل أن يقترب منها فوق بساط الغرفة ...
ثم قال بصوتٍ أجش
( الا تمثيل الليلة ؟!! ..... لا هيستيريا أو جنون ؟!! .... )
كانت تريد أن تصرخ به انها لم تكن تمثل ..... لكنها وفرت على نفسها عناء المحاولة ... فقالت بفتور و هي تنظر الى عينيه قبل أن تضع أحمر الشفاه من يدها على طاولة الزينة
( لا تمثيل الليلة ....... )
ظل مكانه صامتا .... ينظر اليها بوجهٍ جامد , و مع ذلك بدا مترددا ... ثم قال أخيرا ببرود
( جيد ........ )
و رأته يخلع قميص قطني كان يرتديه و لم يخفي عضلاته , من فوق رأسه ... ليرميه بعيدا ....
ثم واجهها بهيئته الضخمة و التي تجعلها تجفل دائما .... الفرق في الحجم بينهما كان رهيبا ... يذكرها ب الفرق الذي كان بين حجمها و بين ... فتحي ... مشرف الدار .... حين كانت اقصر و اصغر ...
بينما مع باقي أزواجها فقد كانو أطول منها بالقليل ... لم يتميز أي منهم بالطول الفارع ... لذا كانت تشعر بالتفوق الجسدي .... كانت كالند المساوي لكل منهم ....
قال وليد فجأة يشدها من أفكارها بصوتٍ متكاسل .. كثيف النبرات
( ماذا ؟!! ....... هل تفكرين في الهرب بطريقة ما ؟!! ...... فات الأوان يا شيراز )
و قبل أن تشهق حتى ....كانت قد أصبحت بين ذراعيه , اتسعت عيناها قليلا بذهول و هي تشعر بقدميها ترتفعان عن سطح الأرض ... لكن كان من المستحيل أن تستطيع النطق , ....
فدوامة ساحقة أحاطت بها ..... وهو يقبلها بقوةٍ ...... و كأنه فقد السيطرة على بروده ...
يبدو أنها لم تفقد كل قدراتها تماما ..... و جذبته على الرغم من هيئتها البائسة .....
استطاعت الهمس بخوف من بين هجومه الضاري وهو يدور بها قليلا دون أن يشعر .... فهمست و هي تبعد وجهها بصعوبةٍ فلا يسلم عنقها وفكها من هول رغبته الرجولية الشابة ...
( انتظر ...... انتظر لحظة ..... التقط أنفاسك فقط ...... )
الا انه همس بوحشية ... وهو يحملها الى السرير
( اخرسي ........ )
رماها على السرير بقوة ثم انضم اليها أمام عينيها المتسعتين , و قبل أن يطالها قالت بقلق و هي تريد ان تؤخره قليلا ...
( الا تريد أن آخذ قرص منع الحمل الى أن تتأكد !! ...... )
الا أنه مال عليها يصمت كل محاولاتها القلقة وهو يقول من بين رغبته الهائجة
( اخرسي يا بشرى ........لن آؤذيك الآن مهما حاولتِ ... .. )
أغمضت عينيها بقلق ... لكن جسدها كان متصلبا .. و كأنها تخشى عضلاته الضخمة و قوته الفجة ....
شعرت به يتباطأ قليلا ... ليمس النبض المجنون بعنقها ليقول هامسا في اذنها و كأنه يخاطب فرسا متوترة
( اهدئي ......... انتِ ترهقين نفسك )
وجدت نفسها تهمس بدون و عي و هي تدير رأسها يمينا و يسارا قليلا
( أنت قوي جدا ......... )
ساد الصمت بينهما قليلا .... لا يقطعه سوى نفسه اللاهث ... و نفسها المرتجف , ثم همس وهو يعلوها .... ليميل اليها و يقبل عنقها برفق ...
( لا بأس ...أنت لست خائفة ؟!! ..... )
لم تعلم ان كان هذا سؤالا أم مجرد تقرير واقع ... لكنها اعتبرته سؤالا فهمست بصوتٍ يرتجف قليلا
( لا ... لست خائفة ......... أنا بخير )
عقد حاجبيه من فتورها الخارجي .... و توترها الداخلي ....
لكنه أجل التفكير ... و ابعده في زاوية دفينة ... فسيطرته على نفسه انتهت و كان يريدها ... بشدة ..
هبط بوجهه اليها ... يرتوي من طفولتها الشهية ... مزمجرا برضا أعمى .....
بينما أغمضت شيراز عينيها و هي تهدأ قليلا بعد أن اطمأنت أنه تخلى عن شراسته ...
فاستسلمت ..... محاولة تذكر أنها أحبته يوما ..... عل الحب ينفعها كي تتقبل العلاقة الحميمية التي لم تثر اهتمامها يوما ..... بل نفورها في معظم الأوقات .... إن لم يكن كلها ...
.................................................. .................................................. ..................
وضعت كفها الناعم على الملف بيدها .... و هي تنظر اليه ما بين الرهبة .. و بريق الإنتصار و في نفس الوقت شعور بالتقزز ....
منذ أن حصلت على مرادها و أحضرته معها الى البيت كي لا يضيع تحت أي ظروف ....
نظر عاصم اليها في المرآة مبتسما وهو يغلق قميصه ... حيث كانت لا تزال مستلقية في السرير .. ترفع ركبتيها الى صدرها ... و عليهما استند الملف الذي لا تزال تنظر اليه بنفس النظرة منذ أن حصلت اليه ...
كان لا يستطيع ابعاد نظره عنها ....
ثلاث سنوات مرت على زواجهما و هو لايزال غير قادرا على ابعاد عينيه عنها ... خاصة حين تكون شاردة بهذا البريق في عينيها ...
بريق يشبه شخص استطاع القبض على باعوضة في كفه بعد أن أهلكته تقريصا ...و مصا في دماءه ...
و شكل صبا الآن كم يفكر كيف ستسحق الباعوضة ... هل تسحقها بين قبضتها ؟... أم تحرق أجنحتها ؟! ...
ابتسم مجددا بوله وهو يراقب صورتها في المرآة .... برقتها و شعرها العسلي الطويل المنسدل بنعومة على كتف واحدة .....
وسادته الحريرية التي يستيقظ عليها ... منذ أن منعها من جمعه أثناء نومها ...
يعشق أن يستيقظ على رائحته ... كمن يستيقظ على نسيم الزهور الآتية من نافذة مفتوحة على الحياة ....
قال عاصم أخيرا بنبرة تسلية وهو يضع عطره .. ناظرا اليها في المرآة
(هل اصبح السرير مكان لملفات قضاياك يا أستاذة ..... احذري .... قد أحيطه بسلك شائك لو لزم الأمر )
رفعت رأسها تنظر اليه في المرآة .....
فابتسمت قليلا و هي تراه مثال الهيبة و الوقار ..... يملأ العين و القلب .....
شردت بعينيها عليه .... فالتقط نظرتها بحب ... ثم قال بخفوت
( احذري من نظراتك يا أستاذة ..... فهي تفضحك بغدر ....)
افترت شفتيها عن ابتسامة عذبة أظهرت صفي اللؤلؤ كما يلقب أسنانها .... ثم قالت بدلالٍ ناعم
( توقفت عن الحذر معك يا حبيب الأستاذة .......)
زفر بقوة وهو يتجه الى السرير ... ثم جلس على حافته يوليها ظهره وهو يقول
( تجيدين حقا اختيار الكلمات المناسبة في الأوقات الخاطئة ..... أنا مضطر للخروج الآن )
ابتسمت بجمالٍ أكبر ... و قالت بحب
( في أمان الله حبيبي .........)
توقف عن ارتداء حذاءه وهو يزفر مجددا ... ناظرا الى الحذاء ... ثم أدار وجهه اليها وهو يقول كطفل متذمر
( أفكر في الإتصال بهم و تأجيل عمل اليوم للبقاء معك ......)
أغمضت عينيها و هي تهز رأسها قليلا قبل أن تقول بحزم
( نفس الحوار ....كل يوم عطلة لي ..... اذهب لعملك يا عاصم فأنا لست متفرغة لك ... سأقضي اليوم في المطبخ مع عمتي لعمل المحشو .....)
عقد حاجبيه وهو يقول بشك
( ستحشين المحشو خلال اليوم بأكمله ؟!!! ....... لما لا تيأسين و تتخلين عن المحاولة كما سأتخلى أنا عن عملي اليوم ....)
ضمت الملف الى صدرها وهي تقول بحزم
( لقد بدأت في الغضب حقا من عنادك .. و أفكر في الغاء يوم العطلة الإضافي طالما أنه يجلب لي المشاكل )
عبس عاصم حاجبيه وهو يقول بغضب
( أنتِ السبب بكلماتك السخيفة الرقيقة ..... لقد أثرت عاطفتي .... بما أنك تحسنين الكلام في العطلات و الأعياد فقط .....)
ارتفع حاجبي صبا و هي تقول بدهشة
( أنا يا عاصم ؟!! ...... أنا أحسن الكلام في العطلات فقط ؟!! ......)
قال ببساطة وهو يرتدي حذاءه
( مادمت تمنعين أي كلمة غزل أمام الناس ...... و بما أننا دائما بين الناس لذا فأنا لا اسمعها منك الا في المناسبات ... )
ابتسمت بمرح وهي تراقبه الحبيب الغالي .... رجل بمعنى الكلمة .... طفل بداخله ....
ثم قالت بنعومة و أنوثة
( أخاف أن يحسدنا أحد يا حبيب الأستاذة ....... )
ضحك قليلا باستياء وهو يقول من بين أسنانه ....
( أنت حقا تتلاعبين بالنار .........)
ابتسمت بحب و هي تملأ عينيها من رؤياه ... بينها و بين نفسها ... و تحت تلك القشرة الحازمة , تحمل قلبها يخاف عليه من أن يخرج و يتركها .....
يخاف عليه من كل أنثى سيراها ..... تخاف عليه من كل ما هو مؤنث .....
لكن القوة التي اكتسبتها من والدها تمنعها من اظهار مثل هذا الضعف الغير منطقي ....
لو تركت نفسها لهواها لسجنته داخل سجن وردي .... مفتاحه معها هي فقط ... و لمنعت عنه عيون عشرات النساء ممن يرمين عليه شباكهن ....
تاهت ابتسامتها قليلا .... و هي تمس الملف بيدها .... تتأمله بصمت ....
استدار اليها عاصم يراقب نظرتها الحزينة الشاردة .... فاعتصر شيء ما قلبه .... لكنه ابتلع تلك الغصة وهو يقول متظاهرا بالسخرية
( لقد بدأت أغير فعلا من ذلك الملف بيدك ...... يبدو أنني أخطأت من البداية في مساعدتك , لقد أصبح رجالي يعملون لديكِ أكثر من عملهم لدي .... بالأمس طلبت من حسين أن يذهب لقضاء مصلحة , الا أنه قال لي ببساطة .... أنه سيفعل فور أن ينتهي من قضاء بعض طلبات الأستاذة !!..... )
رفعت وجهها اليه و هي تبتسم باشراق اضاء حياته كما اراد تماما ... و لو استطلع لمنحها من حياة قلبه كي تظل مشرقة بهذا الشكل .....
قالت صبا بسعادة
( رجالك يقومون بما أطلبه على أكمل وجه ...... إنهم يجعلون من المحاماة مهنة أسهل .... و لا أصدق ذلك العراك الذي افتعلاه مع كريم القاضي !! .... بصراحة لقد قاومهما بجسده الرياضي قليلا , الا أنه لم يصمد طويلا أمامها و هما يبدوان كبابين .... )
ضحك عاصم بشدة وهو يقول هازا رأسه بيأس
( أتخيل منظرهما حين طلبتِ منهما افتعال شجار معه .... فانتفخت أوداجهما فخرا قبل أن تتسع أعينهما ذهولا و أنتِ تتابعين طلبك خصلة شعر من المذكور ..... من المؤكد أنهما يظناكِ مجنونة !! )
ضحكت صبا قليلا و هي تقول برقة
( لكنهما أديا المهمة بنجاح منقطع النظير .... و اهم شيء هو نظافة العملية , فقد بدا شجار عادي جدا و انصرفا بعدها بعد ان فض الناس بينهم ......... هذه التفاصيل هي ما تعجبني ... )
قال عاصم بفخر
( طبعا .... إنهم رجال عاصم رشوان , ....... لكن أخبريني يا استاذة ... هل ما تفعلينه يعد قانونيا ؟!! )
نظرت اليه وهي تقول ببساطة
( بالطبع لا .......... لكن كان يجب أن يكون هذا الملف بيدي و أنا اطلب من القاضي اثبات أن كريم القاضي ليس هو في الواقع من عائلة القاضي ...... )
صمتت قليلا تتنهد و هي تنظر الى الملف للمرة العاشرة و هي تقول بتعجب
( من كان يظن هذا ؟!! ....... لآخر لحظة كان لدي شك في الأمر ...... كريم القاضي ..... ابن اكرم القاضي !! ... ليس في الواقع ابنه , و تم شراءه منذ أن كان صبي في مقتبل عمره !! ...... )
شردت ملامحها و هي تقول بخفوت متابعة
( لقد استبدل به ابنه الذي توفي وهو بنفس العمر ......... )
قال عاصم وهو ينظر اليها
( ماذا يا أستاذة ؟!! ....... هل قلبك الحنون يشعر بالشفقة عليه ؟!! ..... )
رفعت وجهها تنظر اليه و قالت بخفوت
( لا انكر ان شيء ما يعتصر قلبي كلما سمعت عن موت طفل .... و اظل افكر بحال والديه .... لكن اكرم القاضي ؟!! .... لا , انه لا يستحق اي شفقة ..... كان هذا الولد بالنسبة له عبارة عن ضمان لعدة صفقات غير مشروعة .... أنت لا تعرف ما فعلاه بالفتاة المسكينة .... )
رفع رأسه اليها يقول بحنق
( اعرف حبيبتي ...... لكن مالا اعرفه هو ما الداعي لكل هذا اللف الطويل ؟!! ...... لدينا في الحي لو تجرأ أحد الشباب على فعل هذا بفتاة , يمسك به رجال الحي و يقومون بضربه و التعليم عليه بجروحٍ تترك اثرا دائما ... و حلاقة شعر رأسه , ثم يجر الى المأذون هو ووالده الى أن يعقد قرانه عليها ....... )
نظرت اليه بلا تعبير ... أقرب الى اليأس , ثم قالت بهدوء
( و يتم تسليم الفتاة له كي يغتصبها كل ليلة !! ....... أنتم تكافئونه بهذا الشكل ..... )
رفع احدى حاجبيه وهو يقول
( لو ترين بعض مما يحدث له حين يقع بين أيدي الرجال ,,, فلن تقولي مكافأة أبدا .... )
قالت صبا بغضب و هي تستقيم جالسة
( و ماذا عن الفتاة ؟!! ..... الا يفكر بها أحد ؟!! ..... أن تعاقب بخدمته العمر كله بعد ما فعله ... )
قال عاصم بصلابة و خشونة
( هذا نتيجة تصرفها ....... و عليها تحمل نتيجة اختيارها ..... في زمنٍ قديم كان والدها يقتلها ... لذا عليها أن تكون شاكرة أن الجميع تكاتف للحفاظ على سمعتها .... )
هتفت صبا من بين أسنانها
( لمجرد خطأ ارتكبته في مقتبل حياتها .... تظل تتعذب المتبقي من حياتها ؟!! .... )
قال عاصم بصرامة
( بعض الأخطاء لا اصلاح لها الا بالعذاب أو الدم ....... الشرف لا خيار ثالث له ... )
زمت صبا شفتيها و هي تهتف بحدة
( أنتم تتبعون نفس العقاب مع الفتاة المغتصبة ...... هل يمكنك اخباري ما ذنبها هي الأخرى ؟!! ... )
عقد عاصم حاجبيه بشدة وهو يقول
( نحن نحافظ عليها من الفضيحة و ضياع مستقبلها ..... من سيقبل بها فيما بعد ؟! .... )
هتفت صبا بغضب و هي تضرب سطح الملف بيدها قائلة بجنون
( هذا ليس عدلا ......... أنتم تجنون عليهن ..... )
قال عاصم بحنق وهو ينهض من مكانه
( صبا دعينا لا نتجادل .... فنحن دائما لا نتفق .....)
قالت صبا باستياء بالغ
( هذا ما يبدو .............. )
اتجه عاصم الى طاولة الزينة يأخذ ساعة معصمه وهو يقول
( أريد فقط انذارك أن أسرة هذه الفتاة ملك .. لن تطلب سوى زواج كريم القاضي بها رسميا ..... فلا تتوهمي أنهم يريدون معاقبته .... أو أنهم سيهتمون بالقانون في حالتهم الصعبة تلك ..... )
قالت صبا بقسوة
( مكتبي مكتب محاماة ..... و ليس مكتب مأذون .... أنا لن أسلمها له بهذه الطريقة ..... )
استدار عاصم اليها ليقول بهدوء متصلب
( أنت لم تقابلي الفتاة بعد ........ و عليك الإلتزام بما يريدونه .... )
اتجه الى الباب ينوي الخروج .. لكن قبل أن يخرج , استدار اليها .... ينظر اليها و هي تجلس في السرير و ملامحها تعلوها القنوط و الرفض ....
( صبا ....... الفضيحة القانونية التي تخبئينها لأكرم القاضي ستكون كارثة ..... و أنا لن أسمح بأن يمسك مكروه ..... هلا توقفتِ رجاءا عن اللعب مع الكبار ؟!! ...... )
رفعت ذقنها اليه وهي تقول بكبرياء رافض و عينين تشتعلان
( من قال أن أمثاله من الكبار ؟!! ........ الكبار من وجهة نظرك , هم القاع من وجهة نظري أنا ..... لذا الذي سيحسم اختلاف وجهات النظر بيني و بينك .... هو القانون .... )
التوى فكه بشدة ..... قبل أن يقول بجمود
( انتِ تنتهجين بعض الوسائل الغير قانونية خلال سعيك لتطبيق القانون يا استاذة ..... لذا لو فكرتِ قليلا ستجدين أنكِ تنحرفين الى المنطقة الرمادية رغما عنك ....... و بناء عليه , عليك منح البشر نفس الحق في تلك المنطقة .... )
فتحت صبا فمها تنوي الدفاع بغضب الا أنه رفع يده ليقول بصرامة
( صبا ....... اياكِ و التدخل بما قد يضرك , تعلمين أنني سأتدخل أيضا ...... لذا أنبهك من البداية ... )
صمت قليلا وهو ينظر اليها بنفس الصرامة ... قبل أن يرق صوته قليلا وهو يقول
( فكري قبل أي تهور ..... أن هناك من ينتظرك كل ليلة .... و قد يموت لو اصابك مكروه .... )
أسر عينيها الحزينتين بعينيه ..... و للحظات تشاركا نفس التفكير , ... ربما لو كان لديهما طفل لما كانت لتجازف بنفسها هكذا .....
فكر عاصم في هذا التفكير وهو يشعر بأن وجود الطفل كان ليحميها من جنونها و تهورها
و فكرت صبا في هذا التفكير و هي تشعر بأن وجود الطفل كان ليسعد قلبه .... و يضيء حياته بدلا من سعيه خلفها أثناء كل قضية خوفا عليها ....
تكلم أخيرا قائلا بصوتٍ أجش
( استعدي و الحقيني ..... تعرفين أن أمي لا تحب الفطور بدونك ..... )
ابتسم قليلا ... ثم قال بخفوت
( و ابنها لا تهنأ له لقمة الا أن تسبقها واحدة بين شفتي بنت السلطان ...... )
خرج عاصم من الغرفة , مغلقا الباب خلفه .... بينما بقت صبا مكانها تنظر الى الباب المغلق بصمت
لطالما تناقشا في قضاياها .... اعتادت ... بل أدمنت ..أن تقص له كل قضية و هي مستلقية على ذراعه و كأنها تقص له قصة .... تسمع رأيه و تهتم به .... لكن نادرا ما توافقا برأي واحد
حتى الآن لا تزال نفسها ... كيف يمكن لإثنين أن يكونا على هذا القدر من الإختلاف ... و بنفس الوقت استطاعا أن يفهما بعضهما من نظرة .... من ابتسامة ....
الجميع بات يعلق على تفاهمها مازحا .... و كأن بينهما سلكا غير مرئي ... يصل بينهما دون الحاجة للكلام ...
فقط لو تستطيع أن تمنحه جزءا و لو يسيرا من الرضا الذي يمنحه لها .... لو فقط تستطيع أن تحمل طفله ...
نظرت الى الملف بيدها و هي تهمس باختناق
( بأي حق من يريد طفلا .... يقوم بشراءه بتلك البساطة و يتوقع الفرار بفعلته ؟!! ..... )
.................................................. .................................................. ......................
نزلت صبا جريا على السلالم جريا كي لا تتأخر على طعام الفطور ... و هي تشعر بتأنيب الضمير لأنها لم تحضره مع روعة ....
كانت روعة و عاصم يولياها ظهرهما و هما يجلسان الى المائدة ... فلم يلحظا قدومها و روعة تقول بخفوت
( عاصم ..... لم تخبرني برأيك فيما تكلمنا به ليلة أمس ....يريدون الخطبة أن تكون خلال اسبوعين ... )
توقفت صبا مكانها قليلا ... و شعرت بصدرها ينبض بقلق ... و ما أن لمحتها روعة حتى قبضت على معصم عاصم المرتاح امامها على سطح المائدة و هي تقول بخفوت
( سنتحدث فيما بعد ..........)
حينها شعرت صبا بأنها غير قادرة على الحركة ... فقالت روعة و هي تنظر اليها مبتسمة ببشاشة
( تعالي يا حبيبة عمتك ....... لماذا تقفين هناك ..... )
استدار عاصم ينظر الى وجه صبا الشاحب ... فقال بقلق
( ماذا بكِ يا صبا ؟!! ......)
ظلت صامتة قليلا تنظر اليهما بهلع صامت ..... حينها أزاح عاصم الكرسي بقوة و هو ينهض ليسرع اليها فأسندها ليقول بقلق متضاعف
( ماذا بكِ ؟!! ....... هل هناك ما يؤلمك ؟!! ...... )
رفعت وجهها اليه و ابتسمت باهتزاز قليلا ثم قالت بصوتٍ خافت
( أنا بخير ...... بخير ...... أنا بخير )
عقد عاصم حاجبيه بشدة و هو يقول
( لقد ذكرتها ثلاث مرات .... مما ضاعف من قلقي ...... )
أمسكت بمعصمه و هي تبتسم أكثر قائلة بخفوت
( أنا بخير ....... )
ثم تركته و اتجهت لتجلس الى الطاولة .... بينما عقد هو حاجبيه أكثر و هو يلاحظ أنها نطقتها للمرة الرابعة ... و صبا ليس من طبعها أن تعيد الكلمة مرتين !! ....

يتبع


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 17-07-15, 12:10 PM   #21085

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

كانت وعد تتكلم في هاتفها بلهفة ... و هي تروح و تجيء بعصبية .... تتلاعب بشعرها و ترجعه الى خلف رأسها بتوتر ... بينما بعض الأمل ظاهر على وجهها ..
ثم توقفت مكانها و هي تقول بجنون
( لا ... لا .... لااااا ... أنا لا أريد سوى أن يتم عقد القران رسميا .... أرجوكِ لا تقومي بأي إجراء )
وقفت ملك في الرواق الطويل واضعة يدها على الجدار و هي تستمع الى وعد تتكلم ... بينما كانت ملامحها جامدة ... متبلدة ... و عيناها منطفئتا الحياة ....
رأت وعد و هي تعقد حاجبيها و هي تهتف
( رأيها من رأيي بالطبع ..... لقد كان اختيارها منذ البداية .... )
انعقد حاجبي ملك قليلا بينما أظلمت عيناها ألما .... خاصة ووعد تتابع هاتفة بقوة
( طبعا يمكنك سماع ذلك منها ......أرجوك ....أنا لا أريد أفساد هذا الزواج ....لن يكون لها مستقبل لو دخلنا في قضايا من هذا النوع ... انا فقط اريد ان نهددهم الى ان يستسلموا .... )
ظلت تسمع .. قليلا و هي في غاية التوتر .... تقضم اظافرها ... مطرقة برأسها ..... و ساقها تهتز بعصبية ..
على عكس ملك التي كانت تراقبها من بعيد ... ببرود وبلا حياة .... فقط لمحة ألم ظللت عينيها ....
انتهت وعد حوارها قائلة
( نعم ..... نعم ..... لن أفعل ...... حاضر .... شكرا لكِ .... شكرا ...... )
تركت وعد الهاتف من يدها لتلقيه على الأريكة .... ثم رفعت شعرها بكفيها و هي رجع رأسها للخلف ... مغمضة عينيها .. تتنهد بتعب ....
اقتربت ملك منها دون أن ترفع عينيها عن وعد .... ثم قالت أخيرا بصوتٍ خافت فاتر
( مع من كنتِ تتحدثين يا وعد ؟! ........ )
انتفضت وعد و هي تخفض رأسها تنظر الي ملك الواقفة خلفها بوجه شاحب .... فارتبكت قليلا , ثم قالت أخيرا بوجوم
( إنها المحامية التي أستشيرها بخصوص موضوعك ...... )
ظلت ملك تنظر اليها قليلا بصمت ... قبل أن تقول بصوتٍ خافت
( ها قد قلتها ..... موضوعي .... الا ترين أن من حقي المشاركة فيما تتجادلانِ به ؟! .... )
تجمدت وعد مكانها تنظر الى ملك ... و قد ضاقت عيناها قليلا , ثم قالت بهدوء
( أظن أنه لا جدال من الأصل يا ملك ...... نحن نحاول تهديدهم كي يتم عقد القران رسميا ... فهل لكِ رأي مخالف ؟!! ...... )
أطرقت ملك برأسها لعدة لحظات .... فظنت وعد أن الأمر منتهي , لكنها رفعت وجهها فجأة و قالت بهدوء
( اذن من واجبي اخبارك ..... أنني لن اتزوجه مطلقا ..... مطلقا يا وعد .... فأريحي نفسك من عناء المحاولة .... )
اتسعت عيني وعد بذهول و هي تصرخ
( ماذا ؟!......... )
الا أن ملك استدارت وابتعدت عنها و هي تقول
( ما سمعته يا وعد ...... أنا لن أسلم نفسي له من جديد .... و لن أقبل أن تجبروني على ذلك ... )
اندفعت وعد خلفها صارخة
( انتظري هنا ..... أنا أكلمك ..... )
وقفت ملك مكانها مكتفة ذراعيها بصلابة دون أن تستدير اليها .... فتقدمتها وعد لتواجهها ثم هتفت بغضب
( من تعاندين ؟!! .... و لماذا ؟!! ..... ألم يكن هذا هو خيارك ؟!! ..... اليس هذا هو الشخص الذي تحبينه ؟!! )
قالت ملك بقوة قاذفة بالكلمات
( كنت أحبه .... كنت ...... الآن بتت لا أقدر على الإقتراب منه ... أنت لا تعرفين بعد ذرة مما فعله بي ... )
صرخت وعد بجنون
( أعرف ..... أعرف أنه قذر ... حقير .... و كل البشاعة به .... لكنه كان خيارك يا ملك و أنتِ الآن في مصيبة كبيرة بسبب خيارك هذا ...... لذا عليك أن تتحمليه بكل بشاعته ..... لأن لا غيره سيقبل بكِ )
صرخت ملك بجنون هي الأخرى و هي تلوح بذراعيها
( و هل تظنين أنني قد أفكر بالزواج أبدا ؟!!! ...... ثم اهتمي بنفسك رجاءا .... اهتمي بزواجك انتِ ... انتِ حتى الآن لم تذهبي الى سيف ..... تريدين مني طاعتك في الزواج من شخص ببشاعة شادي ... بينما أنتِ تتركين كبريائك الغبية تتحكم بكِ كي تخسرين شخصا مثل سيف !!! .... )
أجفلت وعد قليلا و هي تقول بتوتر
( و هل هذا جزائي يا ملك ؟!! ..... لقد نسيت طلاقي الذي مر عليه أكثر من اسبوع و نسيت نفسي و حياتي كلها ... كي أحاول ايجاد حل لكِ تعويضا عما فعلته معك من قبل ..... فلماذا تعاندين معي ؟!! ... )
صرخت ملك بغضب
( أنا لا أعاندك .... هل تظنين أنني بمثل هذه السطحية ؟!! .... لقد وقعت في اختيار خاطىء , لكن ليس من المنطق أن أكمل حياتي المتبقية كلها .. هذا إن تبقى بها شيء في تحمل عواقب هذا الخيار ..... )
صمتت قليلا ... ثم هتفت متابعة بأنين
( أرجوك اذهبي الى سيف قبل أن تذهب الفرصة منكِ للأبد ........ و اتركيني أنا لمصيري )
اقتربت وعد منها تمسك بذراعيها بقوة و هي تقول بألم
( أعرف أنه اختيار خاطىء ..... لكن أنتِ لا تعرفين عواقب أن تظلين بمثل هذا الوضع .... أسوأ ألف مرة ... سيحاكمك الجميع ... و تصبحين درجة دنيا من المجتمع .... صديقيني أنا أريد مصلحتك ... و لو لم تستطيعي تحمله فيما بعد ... فلتطلبي منه الطلاق .... هذا ان لم يطلقك هو من نفسه .... )
أظلمت عينا ملك و هي تهمس بألم
( أترين أي مقامٍ رخيص تريدن مني القبول به !! ......... )
اسقطت وعد كفيها عن ذراعي ملك بيأس و هي تهمس بإختناق
( كان خيارك يا ملك ...... كان خيارك حبيبتي .... )
همست ملك بصعوبة و اختناق
( أنا اريد البقاء وحدي يا وعد ..... رجاءا .... انزلي الى عملك ..... )
استدارت تجري الى غرفتها ثم صفقت الباب بكل قوتها .... بينما بقت وعد تنظر الى الباب المغلق بيأس و رغم عنها سقطت دمعة من عينيها لم تستطع كبحها .....
.................................................. .................................................. ...................
أغلقت ملك الباب ثم ارتمت على سريرها تبكي بقوةٍ .... شاعرة بظلم أكبر مما تستطيع تحمله
لكنها بنفس الوقت لا تستطيع لوم الا نفسها .....
لم تشعر يوما أنها كانت عالة أو عبىء ثقيل على أحد مثلما تشعر في تلك اللحظة .....
سمعت صوت هاتفها يرن فجأة .... فتصلبت و شهقت شهقة بكاء مختنقة .... ثم نظرت الى شاشة هاتفها فاستطاعت التعرف الى رقمه ....
لقد ظل يهاتفها منذ أن أحضرها الى وعد ..... و هي لا ترد عليه .....
صحيح أنه لا يلح الا باتصال واحد .... ثم يغلق بعدها .... الا أنه كان يواظب على المحاولة كل يوم ...
لم ييأس يوما .... و لم يتوقف عن الإهتمام ....
كان صدرها يؤلمها بمثل هذا الإهتمام المهذب الهادىء .... تريد الصراخ به ان يتوقف
و على الرغم من ذلك كان اتصاله اليومي هو لحظة الرفق بها و التي تنتظر سماعها كل يوم .....
ظلت تنظر الى الهاتف بعينين حمراوين كبيرتين ... و شفتين تبتسمان خلسة .... بحزن
و ما أن انتهى الإتصال حتى أغمضتهما بألم .... و هي تشعر بأن الساعات ستطول قبل أن تسمع رنينه مجددا
الا إنها انتفتضت و فتحت عينيها على أقصى اتساعهما حين سمعت الرنين مرة أخرى !!
كانت المرة الأولى التي يتصل بها مرتين !! ....
و كانت المرة الأولى التي ترد بها عليه ... وضعت الهاتف على اذنها تسمع بصمت فقال بصوته الهادىء الذي افتقدته كثيرا
( هل كان واجبا علي أن أتصل مرتين كي تردي علي ؟!! ........ )
كان نفس صوته ... الا أنه كان يحمل نبرة غريبة .... و كأن بها .... لهفة ... افتقاد يماثل افتقادها ... شوق ...
ارتجفت قليلا من الكلمة الأخيرة ... فأخذت نفسا مرتجفا قبل أن تقول بخفوت
( كان بإمكانك المجيء الى هنا ........)
سمعت صوت تنفس خافت ... لكن طويل .. و حار .... ثم قال بعد فترةٍ بصوت أجش هادىء
( لا صغيرتي ...... لم يكن ذلك بإمكاني .......)
همست ملك بشجاعة و دون مقدمات
( لماذا ؟؟ ...................)
ساد صمت طويل متوتر بينهما .... قبل أن يقول بهدوء
( لأن ...... لأن هذا لن يفلح , بوضعك الحالي ..... خاصة و بعد رجوعك لأختك ......)
ابتلعت ملك ريقها و قالت بخفوت قاسي قليلا
( اذن هل تتصل بي لتطمئن على تلك الحمقاء التي زجت بك يوما بكل هذه المشاكل ..... بعد أن كانت حياتك هادئة .....)
قال رائف بخشونة
( لا تتكلمين بهذا الشكل عن نفسك ......... )
قالت ملك بقوة
( بل سأتكلم بهذا الشكل يا رائف ..... انهم يسعون لتزويجي به مجددا ..... ألن تساعدني ؟!! ...)
ساد الصمت مجددا , الا أنها استطاعت سماع حشرجة أنفاسه بوضوح .... فهتفت بقوة
( الن تساعدني يا رائف ؟!! .............)
قال بصوتٍ خافت
( أنا فعلا أساعدك ...... فقد حافظي على ثقتك بي , لو كنت تملكين بعضا منها )
ردت ملك بصوتٍ مترجي على الرغم من نبرة الصرامة فيه
( اذن متى سأراك ؟! ...........)
انتظرت اجابته و صدرها يخفق بعنف ..... و حين رد أخيرا قال بصوتٍ قوي , خشن ... يبدو كزمجرة أسد غاضب
( يوم الزفاف ..........)
فغرت شفتيها قليلا و اتسعت عيناها و هي تهمس باهتزاز
( أي زفاف ؟! .......)
لم يحتج الى وقتٍ طويل قبل أن يقول بصوت جامد ... كالرخام البارد
( زفافك من كريم ......لن يكون أقل من زفاف كبير ... سيراه العالم كله .... و يعرف الجميع بأنكِ تزوجتِ .... .)
كانت تتنفس بصوتٍ عالي .... و كأنها تركض بسبق طويل لا ينتهي .... و كان هو على الجانب المقابل يستطيع سماع صوت تنفسها مغمضا عينيه .... و كأنه يعمل على تعذيب نفسه كما تتعذب هي ...
الا أنها ما أن تمكنت من النطق حتى قالت بهدوء لاهث
( اذن سأهرب ....... سأهرب منكم جميعا ..... )
فتح عينيه و انتفض هادرا
( اياك يا ملك ...... اياك .......)
الا أنها هتفت بقوة
( أخبرتك مرارا أنني لن أستطيع ......لن أستطيع .... أنتم لا تعلمون .... لا تشعرون بما سيصيبني ...)
هدر قائلا
( أنا أعرف .... و أشعر بك اكثر من نفسك , لذا سأحميك منه و من نفسك لو تطلب الأمر .....)
رمشت بعينيها قليلا .... قبل أن تقول بخفوت
( سأهرب يا رائف ...... اعذرني إن كنت أضعف مما ظننتني ...سامحني لو خذلتك ... )
و دون أن تجد القدرة على سماع صوته أكثر أغلقت الهاتف ... الا أنها سمعت صوته يهتف باسمها غاضبا في النهاية ....
تركت هاتفها و هي تأخذ نفسا مختنقا ... جاهدة كي تتحمل ألم سماع صوته في هذا الوقت تحديدا ...
.................................................. .................................................. ....................
( هل أنت كريم القاضي ؟؟ ...... )
كان يسأل السؤال بصرامة .... على الرغم من معرفته الجواب جيدا ...
زفر كريم بقوةٍ وهو يستدير الى من يخاطبه قبل أن يدخل سيارته ... الكثير من الباشر باتو يحتكون به بطريقة توشك على أن تفقده أعصابه ....
استدار بخيلاء وهو ينظر من يحداثه بصلف .... فرأى رجلا ضخما , طويلا ...صلب الملامح و عيناه تختفيان خلف نظارة سوداء ... يقف أمامه واضعا كفيه بجيبي بنطاله ....
رفع كريم ذقنه وهو يقول بغرور
( من يريده ؟! .......... )
لم تتغير ملامح الرجل .... بل ظل ينظر اليه بنفس الجمود و الصلابة التي تبدو كاحتقار نوعا ما .... الا أنه قال أخيرا بهدوء
( غريب الا تتعرف الى صهرك ......إنها ليست بداية جيدة ..... )
عقد كريم حاجبيه بشدة وهو ينظر الى ملامحه .... نعم يعتقد أنه رآه من قبل , هل هو زوج أخت ملك بالفعل ؟!!
لقد رآه من بعيد في عدة مناسبات في الظلام .... كما كان مختفيا دائما ينتظرها
قاد سيف دفة الكلام و هو يقول بصرامة
( لقد وصلت دعواك الي بيتي ذات يوم .... تلك التي تتهم فيها ملك بأنها مجنونة كاذبة ... و تترصدك ... )
ارتبكت ملامح كريم قليلا ... قبل أن يرفع ذقنه مجددا قائلا باهتزاز
( لا أعلم ما تتحدث عنه ........ )
لم يهتز سيف , بل قال بهدوء
( ما هو الذي لا تعلمه ؟!! .... الدعوى التي ارسلتها أنت ووالدك .... أم ملك زوجتك ؟!! ... حدد من فضلك لأن الخيارين متناقضين ...... )
توتر كريم قليلا وهو يستدير ينوى فتح سيارته و الإبتعاد قائلا
( لا أستطيع البقاء ..... اعذرني )
الا ان سيف كان أسرع منه فقبض على ذراعه بشدةٍ وهو يديره اليه قبل أن يرميه الى سيارته فارتطم ظهره بابها ....
ثم قال بصرامة
( عرفت أنك جبان قبل أن آتي ......... لكن على الأقل كلمني رجلا لرجل ... لا تهرب بهذا الشكل المخزي , راكضا الى أبيك تسأله المشورة قبل أن تنطق بكلمة .... )
سكن كريم ينظر اليه دون أن يحاول تحرير ذراعه من كف سيف ....
هدرسيف بصرامة جعلته ينتفض مكانه
( أنا لست أحمل معي أي وسائل تسجيل .... ان كان هذا ما يرعبك , فهل تريد تفتيشي ؟! ...)
ظل كريم يتنفس بضيق قليلا ... قبل أن يقول بخفوت متردد
( ماذا تريد ؟ .............)
هدر سيف بنفسٍ قوى و هو يدفع ذراع كريم بتقزز ... ثم عدل قميصه قبل أن يقول بصرامة
( لن يمكننا الكلام هنا ..... لنجلس بأي مكان ... )
ظل كريم واقفا مكانه مترددا ... ينظر يمينه و يساره دون وعي ... فقال سيف ساخرا
( لن أخطفك أيضا لو هذا ما تخشاه ......... )
رفع كريم وجهه و قد احمر غضبا و هو يقول من بين أسنانه
( أنا لا أخشى شيئا ...... أنا كريم القاضي ..... )
ابتسم سيف هازئا وهو ينظر اليه بتقزز قبل أن يقول ببرود
( اذن يا كريم القاضي ... فلتترك سيارتك هنا و تأتي معي بسيارتي , و سنتحدث معا رجلا لرجل )
ثم تركه و استدار عنه متجها لسيارته .... مراهنا أن يتبعه , و بالفعل تبعه كريم بتردد و بملامح متشنجة و هو يعدل من قميصه ....
قبل أن يجلس بجوار سيف في السيارة .... متسائلا إن كان يفعل الصواب أم أنه يخاطر بكل شيء ...

بعد بضعة دقائق ... كان سيف يجلس بأحد المقاهي , متراجعا في كرسيه باسترخاء ... يقلب الشاي الخاص به وهو يراقب كريم بهدوء ....
كانت عيناه ثاقبتان وهو ينظر الى اصابعه التي تنقر سطح الطاولة بتوتر .... و الأخرى تتلاعب بأحد أكياس السكر الى أن مزقه فانساب السكر على السطح ....
ساقه تتحرك بعصبية من تحت الطاولة ..... ... عيناه تدوران باهتزاز و عدم اتزان ...
ضاقت عينا سيف وهو يراقبه ... من الواضح أنه يعاني من جنون العظمة و بنفس الوقت بداخله عدم اتزان يجعله مهتزا بهذا الشكل .....
و حين أوشكت أعصاب كريم على أن تنهار .... تكلم سيف أخيرا قائلا
( أنا لا أريد أن آخذ من وقتك الكثير .... لذا دعنا نتغاضى عن اللف و الدوران ... و كل المقدمات الغير نافعة لأي منا ....... أنت تعرف ملك جيدا و افضل ..... هي زوجتك .... صحيح أم لا ؟!! ...... )
فغر كريم شفتيه وهو ينوى الكذب ... الا ان سيف قال بصرامة لدرجة ان عدة رؤوس التفتت اليه
( و نصيحة قبل أن تجيب .... عليك ان تعلم انني لا اضيع لحظة من وقتي سدى , لذا مع اول كذبة منك ... لن افعل سوى القيام من هنا بكل بساطة و تزويج ملك من رجلٍ ذو شأن ...... و بالتأكيد سنكون نحن الرابحين بخسارة فتى غر مثلك .....)
برقت عينا كريم قليلا .... و استطاع سيف أن يلمح بهما شعرة من الجنون .... هذا الولد غير طبيعي أبدا ...
قال كريم أخيرا بخفوت
( من هو ذلك الرجل ذي الشأن ؟!! ...... خالي ؟!! ........ هل ستجمع ملك بين رجل و خاله ؟! ...)
لم تتحرك عضلة بوجه سيف ... بل قال بمنتهى الهدوء
( اترك خالك خارج الموضوع حاليا ..... ملك تعتبر بمكانة أختي ... و أخت سيف الدين فؤاد رضوان .. عشرات يتمنون نسبه .... هذا دون ذكر أن جمالها سيشفع لها زلتها عند الكثيرين .... اي أنها مال و جمال و و عائلة .... و أخطأت خطأ بالغ حين ظننت أن بإمكانك التلاعب بها دون أن يقف لك أحد ....)
كانت ملامح كريم تتشنج ... و حدقتاه تهتزان ... بينما التوتر يكاد يزهق روحه لدرجة أن شعر سيف ببعض الشفقة عليه ...
من المعلومات التي جمعها سيف عنه ... علم أنه شريك والده بمعظم صفقاته و على الرغم من حداثة سنه الا أنه أثبت ذكاءا و مجازفة راجحة دائما ....
لكن من الواضح أن ملك هي نقطة ضعفه .... يكاد يتحول الى طفل ذليل كلما ذكر اسمها .....
لذا استغل سيف الأمر و ضرب كلامه بقسوة .... ثم تركه يستوعبه قليلا ...قبل أن يقول بهدوء شديد
( اهدأ يا بني ...... لا داعي لكل هذه التوتر .... لقد وترتني ساقك أسفل الطاولة ...... )
رفع كريم عينيه الى عيني سيف بصمت , و تابع سيف قائلا
( بما أننا اتفقنا أن ملك ليست كاذبة أو مترصدة .... أو حتى مجنونة ..... لذا لدي لك سؤال آخر .... )
صمت قليلا قبل أن يميل اليه قائلا بوضوح و صرامة مخيفة
( هل تريدها ؟!! ...... أم ننفصل بالمعروف .... أو بغير المعروف لو اقتضى الأمر ... فهو راجع اليك )
التمعت عينا كريم بجنون .... فقال بهمس بدا كالفحيح وهو يضع يده على صدره و كأنه ثعبان بائس يتوسل
( لن أتركها أبدا ...... أنت لا تعرف من هي ملك بالنسبة لي .....إنها حياتي ....انها تخصني ... ما بيننا اكبر من اي انسان في هذه الدنيا .... إنها خلاصي ...أرجوك ساعدني ... .)
تنهد سيف بداخله براحة .... بينما تراجع للخلف مجددا .. يتأمله بصمت , يراقب سلطان ملك عليه بهوس حتى في عدم وجودها ...
ثم أخذ يطرق على الطاولة متظاهرا بالتفكير ... الى أن قال أخيرا متنازلا
( لكن ما فعلته حتى الآن .... لا أميل في قرارة نفسي لأن أمرره على خير ..... كي أكون صادقا معك ...)
قال كريم بصوت خافت متوتر
( الأمر أكبر مني ..... هناك أشياء أنت لا تعرفها ......)
ابتسم سيف ابتسامة باردة .... جليدية .... ثم قال أخيرا
( كموضوع نسبك مثلا ؟!! .......... هذا أمر اضافي يجعل منك غير لائقا بملك ... )
شحب وجه كريم و توترت ملامحه بشدة .... لدرجة أن الذعر رسم نظراته .... فقال سيف متابعا
( هناك قضية محكمة الخيوط يتم اعدادها لإثبات العكس ....... و حينها ستتمنى لو أنك لم تعرف فتاة اسمها ملك بحياتك كلها .......)
اتسعت عينا كريم أكثر ... و ازداد اهتزاز ساقه حتى اهتزت معها الطاولة .... ثم قال أخيرا بصوتٍ بائس
( ما هي طلباتك ؟ .... بما يضمن لي عدم ضياع ملك مني .....)
ضحك سيف بخشونة و هو يهز رأسه قليلا .... غير مصدقا ... قائلا
( و تملي شروطك أيضا ؟!!! ......... )
ثم لم يلبث أن هجم على كريم عبر الطاولة وهو يقبض على مقدمة قميصه يجذبه اليه موقعا الكوبين بينما تعالت شهقات الناسمن حولهما و ازداد ذعر كريم من فضيحة سيفتعها سيف الذي بدا كمخلوق همجي .... مرعب ....
همس كريم وهو يصارع قبضة سيف التي كادت أن تخنقه
( لا تفتعل فضيحة هنا ...... أرجوك ...... )
الا ان سيف كاد يبدو في تلك اللحظة مثال التوحش وهو يقول بصوت خافت أمام وجه كريم .... بينما عيناه تهدران بصراخٍ مرعب
( ستعقد قرانك عليها رسميا .... و هذا ما ستساندنا به حين نتفضل على والدك بزيارة قريبة ... فإما تكون بصفنا ... أو ضدنا .... و حينها أضمن لك خسارة ملك و هويتك و حياتك كلها ..... )
كان سيف يشعر بارتجاف حلق كريم تحت قبضته .... لكنه ظل منتظرا و اللحظات تمر ... و النادل يقترب منهما بقلق .....
الى أن قال كريم في اللحظة الاخيرة صاغرا
( سأكون معكما ..... لكن اضمن لي بقاء ملك معي ....... )
ظل سيف ينظر اليه بوحشية ... قبل أن يصل النادل اليهما قائلا بقلق
( سيدي ...... رجاءا , نحن لا نفضل افتعال المشاكل هنا .... )
ترك سيف قميص كريم بقوةٍ وهو يقول بهدوء أثناء نهوضه
( لا مشاكل ...... السيد سيغادر حالا ... )
ثم اخرج من حافظته ورقة مالية .. تكفي ثمن ما لم يشرباه و ثمن الأكواب التي تكسرت ... رماها على الطاولة وهو يقول ببرود
( خذ حاسب على ما شربته و عد الى بيتك يا فتى ...... و انتظر زيارة منا )
ابتعد سيف خارجا تحت أنظار الجالسين المذهولة ... بينما كان كريم يدلك عنقه وهو يشعر بأن الحياة أصبحت تضيق من حوله شيئا فشيء كفخ يطبق عليه ..... و كأن ملك تنظر اليه بحزن من خارج هذا الفخ ... و هي تبتعد ... و تبتعد ....
.................................................. .................................................. ...................
كانت ملك جالسة في المقعد الخلفي بسيارة أجرة .... تستند برأسها الى زجاج النافذة ...
تنظر الى الطرق التي تجري أمامها بصمت ... عيناها شاردتان .... ضائعتان ...
بينما تضم الى صدرها لفة تحوي صندوقها الموسيقي .....
نظرت الى اللفة و هي تتحسسها قليلا ... قبل أن تزيح الغلاف بيدها و تفتح الصندوق ....
ثم عادت لتستند برأسها الى النافذة مجددا و هي تستمع الى الموسيقى الهادئة ...
لكن بدون عروس .......
القاعدة المستديرة تدور وحدها .... و العروس ليست موجودة ......
ارتجفت شفتيها قليلا و همست
( كم هي محظوظة !! ............. )
سمعت فجأة سائق سيارة الأجرة يهتف بغضب
( ما اللذي يفعله هذا المجنون ؟!! ...... إنه يعيطيني اشاراتٍ منذ فترة و لا يتجاوزني ...... )
رفعت ملك رأسها بعدم فهم و هي تغلق صندوقها .... لتستدير ناظرة من النافذة خلفها.... فاتسعت عيناها بذهول و هي ترى رائف في السيارة خلفهما ... و يشير لهما بضوء السيارة ....
و استطاعت رغم النافذتين و المسافة ... رؤية ملامحه الغاضبة ...
التفتت ملك أمامها بسرعة و هي تقول
( توقف هنا من فضلك ........ )
عقد السائق حاجبيه وهو يقول
( هل تعرفينه ؟! ......... )
قالت ملك بحرج
( نعم ..... أنا آسفة جدا .... من فضلك توقف هنا........ )
توقفت السيارة على جانب الطريق ... فنزلت ملك و هي تحتضن لفتها بين ذراعيها ..وحقيبة صغيرة نوعا تحتوي بعضا من ملابسها ... .
وقفت على الرصيف و الهواء يطير خصلات شعرها حول وجهها ... و يحرك ضفيرتها على كتفها ...
توقف رائف بسيارته أمامها وهو يشعر بغضبٍ قادر على تحطيم أي شيء في متناول يده ... صدره لا يزال ينبض بعنف وهو يتخيل هروبها الى مكانٍ لا يعلمه الا الله .... لولا أن لحقها و هي تستقل سيارة الأجرة من امام بيتها في آخر لحظة ......
لكنه أخذ يتسائل وهو ينظر اليها إن كان هذا الغضب له القليل من العلاقة بمبلغ جمالها في تلك اللحظة بالذات و هي تبدو ذهبية تحت أشعة الشمس ... و تتلاعب معها نسائم الرياح ....
زفر بغضب وهو ينزل من السيارة صافقا بابها بقوة ليتجه اليها ... بينما بادرته هي بغضب هاتفة
( هل أنت مجنون ؟! .........)
تسمر رائف مكانه و ارتفع حاجبه ..... بينما شعرت ملك بالندم فور أن خرج هذا الهتاف الغبي من بين شفتيها
ففارق السن بينهما ... و مكانته لا يسمحان لها بأن تخاطبه بتلك اللهجة ....
تراجعت للخلف خطوة و هي تقول
( لم أقصد ...... أنا آسفة .......)
قال رائف بصرامة
( يجدر بكِ أن تكوني آسفة ..........)
اشتعل وجهها احمرارا ... و شعرت بالحرج من التأنيب و صرامة صوته ... و كأنه ضربها تماما ...
فأطرقت بوجهها ... بينما شعر هو بالندم لأنه أحرجها بهذا الشكل ..
فقال بصوتٍ ألين قليلا ... بينما لم تغادره الصرامة تماما
( و بالحديث عن الجنون فأنتِ آخر من تتحدثين عنه بهذه الوقاحة ....... أتعلمين لو كنتِ نجحت في الهرب .. والله لكنت .......)
لم يستطع اتمام جملته الغاضبة وهو يزفر بشدة ...خاصة بعد أن رآى حقيبة ملابسها الصغيرة الموضوعة أرضا تؤكد ظنونه ... فاستدار عنها قليلا , و كانت هي تنظر اليه بصمت
هالها أن تكتشف فجأة بأنها قد اشتاقت اليه !!! ...... و اشتاقت اليه بشدة ......
و كان هذا الشعور غريبا عليها بين كل ما تعانيه حاليا ..... ستظل رؤيته دائما تبعث بها الراحة و الأمان ... حتى لو أخذها بنفسه الى الموت .....
قالت ملك أخيرا بخفوت
( أرجوك ابتعد عني يا رائف ...... انها المرة الأولى التي أطلبها منك .... لكنني بعد فترة طويلة من التفكير , فهمت أن كريم اقرب اليك مني .... انه الفتى الذي تربى ببيتكم و أنت تحبه رغم كل شيء .... أعرف أنك تحبه رغم كل اشمئزازك مما فعله ..... و أنت تحاول جاهدا تصحيح الأمر ... لكنني لن أستطيع .... لن أستطيع صدقني ... )
كان ينظر اليها وهو يحاول استيعاب ما تقوله .... بينما بدت ملامحه مخيفة فجأة ....
فاندفع اليها خطوة جعلتها تتراجع للخلف الى أن ارتطمت بسور الطريق ... فتوقفت و هي تحتضن الصندوق بين ذراعيها عله يحميها
و ما أن أصبح على بعد خطوة منها حتى قال بصوتٍ خافت ... خطير
( أتظنين أنني انوي الإصلاح بينكما ؟!!! .... أهذا ما ترين أنني أحاول فعله ؟!! ...... )
هتفت ملك بيأس و هي تتشبث أكثر بالصندوق
( اذن ما الذي تحاول فعله ؟!! ...... اخبرني ....... تكلم و لا تبقى صامتا ... صارما بهذا الشكل ... أنت تدين لي بتفسير , فأنت لست أبي كي تقرر وحدك ..... )
كانت تشعر بنفسه يزداد سخونة و يلفح وجهها ..... بينما كانت تنظر اليه بعينين واسعتين و هي تشعر بالخوف ... أو شيء يماثله يزيد من نبضاتها لكن لا تستطيع تحديده تماما ...
بينما أظلمت عينا رائف وهو يقول بصوتٍ أجش خافت
( ليتني كنت والدك .............. )
رقت عيناها .. و ظلا ينظران الى بعضهما , تنتظر منه أن يشرح لها ... يريحها .... يخبرها أنها محقة و أنه سيغير رأيه و سيساندها كما يفعل دائما ....
لكن بينما تنظر اليه لم تخبره بكل ذلك ... و لم تسمع منه اي شيء مما انتظرته .... بل سمعت منه شيئا آخر ....
فقال بصوتٍ خافت وهو يتأملها
( اشتقت اليكِ يا ملك ...... ياللهي لم أدرك أن ....... )
فغرت ملك شفتيها أكثر ... و اتسعت عيناها بذهول , بينما رأت يده ترتفع الى جانب وجهها و كأنه سيبعد خصلات شعرها عنه .... لكن كفه كانت ترتجف قليلا دون أن تلامس بشرتها ....
و عيناه ..... آه من عيناه ....
في لحظة جنون دوى لحن أغنية تعشقها في أذنيها ... و اندفع صوت " اصالة " بداخلها و هي تهمس
" آه من عيناه ..... "
أنزل رائف يده دون ان يلمسها وهو يزفر بقوةٍ يخرجها من اللحن الغريب مجهول المصدر ....
ثم قال بخشونةٍ وهو يستدير
( هيا لأعيدك يا ملك ....... و توقفي عن تلك التصرفات الصبيانية , إنها لا تشبهك ... أنتِ قوية و أنا أعرف أنك )
قاطعته ملك تقول
( و أنا أيضا اشتقت لك ......... )
استدار اليها عاقدا حاجبيه ... ملامح وجهه غير مقروءة ... بينما عيناه كانتا .... و كأن بهما ذهولٍ لا يناسب وقاره و رقة قلبه ....
فتابعت تتشجع أكثر و هي تتشبث بالصندوق
( كنت أنتظر رنين هاتفي كل يوم .... كان يطمئنني و يخبرني أنك لا تزال موجودا معي ... لكن كنت أخاف من الرد ... و أنا أعرف قرارك جيدا .....)
حاجباه ينعقدان أكثر .. و الذهول بحدقتيه يزيد .... بينما الشجاعة ملأتها و هي تتكرر بوضوح
( اشتقت اليك جدا يا رائف ........ جدا )
رأته يزفر مجددا .... لكنه لم يكن يزفر في الواقع , بل هو نفس خشن أفلت منه رغم عنه ... ووجهه يزداد قتامة .....
كانت ملامحها هادئة ... و عيناها ساكنتان ... تراقبان كل انفعال يبدر منه ... بينما بدا هو يصارع ....
قال رائف أخيرا بخشونة ٍ و صرامة
( هيا بنا يا ملك ..... ستقلق عليك أختك , و صحتها لن تتحمل ..... )
قالت ملك باصرار
( رائف هل سمعت ما قلته للتو ؟؟ ......... هل يهمك بشيء ؟! .... أي شيء !! ....)
كانت نظرات رائف لها تشتعل بقوة .. ثم تعود و تتهرب منها ... الى أن قال أخيرا بنفس الصلابة و كأنه لم يسمع شيئا ...
( ملك ترفقي بأختك و هيا لنعود ........)
اتسعت عينا ملك قليلا و هي تقول بخفوت واهي
( أختي !!! ...........)
ثم لم تلبث أن هتفت بقوة و هي تتشبث بصندوقها كقوةٍ تحميها
( رااااائف ...... هل سمعتني ؟! ,........)
حينها انهارت سيطرته على نفسه وهو يهتف قائلا بغضب
( تبا يا ملك ..... ماذا تنتظرين مني ان اقول ؟!! ...... )
شعرت بصدمة قوية ... و كأنها تلقت لكمة بمعدتها .. لا تعلم إن كانت صدمة منه ... أم صدمة من نفسها .... فماذا كانت تنتظر ؟!! ..... الى ماذا كانت تحثه , هي نفسها غير متأكدة !!
تراجعت ملك أكثر أمام غضبه .. لكنها عادت و أكتشفت أن السور يمنع تراجعها باصرار ....
ارتجفت شفتيها قليلا لكنها زمتهما بقوة كي لا تبكي أمامه ... و رفعت ذقنها قائلة بهدوء
( لا شيء ..... أنا آسفة .... اذهب من فضلك و اتركني ...... أنا أكثر من قادرة على العودة وحدي ... )
كان ينظر اليها بتعبٍ .... يتأملها كزهرةٍ بيضاء تقف في مواجهة الرياح الرقيقة و التي لم تستطع حتى منافسة رقتها .... تشبه الياسمينات البيضاء ذات القلب الأصفر ...
و طال بهما الصمت , فقال بخفوت
( لم أكن أعلم كم أنتِ صغيرة مدللة !! ....... )
ارتفع حاجبيها ... الا أن الألم لم يغادر ملامحها و هي تقول
( أنا ..... مدللة ؟!! .........الا تظن نفسك متجنيا قليلا ؟! ..)
ارتسمت على شفتيه شبه ابتسامة حزينة ...ثم قال
( ترفضين فتهربين .......تطلبين فتغضبين ....... )
أسبلت جفنيها قليلا أمام الحنان الدافق و الذي يحمل نبرة يأس .... ثم قالت و ابتسامة تشبه ابتسامته تريد التسلل بعدوى الى شفتيها المتألمتين
( و كأنك تجعل مني طفلة ........ فتهون كل مشاكلي ...... )
ساد صمت طويل .... لكنها هذه المرة لم ترفع رأسها اليه ... بل ظلت مطرقة الوجه , تنظر الى اللفة بيدها بصمت .... الى أن سمعته يقول بصوتٍ أجش
( ردا على سؤالك ... سمعتك يا ملك ...... سمعتك ..... فلا تجبريني على جوابٍ أنت غير مؤهلة لسماعه ... )
انتابها خوف شديد مما قاله ... و شعرت بأن قلبها قد توقف .....
فاتسعت عيناها و هي مطرقة الوجه ..... و تشنجت أصابعها فوق صندوقه .....
و من بين الخوف كان هناك شعور لذيذ غريب يدغدغها ..... فابتلعت ريقها بصعوبة ...... و ذعر!! .
عقد رائف حاجبيه بشدة ...و شتم نفسه الف مرة على ما تفوه به .... فوقف بجوارها يوليها ظهره ... محاولا السيطرة على المتبقي من اتزانه ...
بينما كانت ملك تقف مكانها ... بداخلها شعور يحثها بالا تفسد تلك اللحظة باي محاولة توضيح ...
بعض العبارت تبدأ عندها حياة ... و بآخرها نقطة , فلا يستقيم بعدها الكلام ....
و لذلك حين همست ملك باسمه بعد فترة طويلة
( رائف ..........)
أجابها بصوتٍ جامد .... قوي يكاد يكون صارما ...
( لا تتكلمي الآن يا ملك ........... )
فشعرت بالخوف بداخلها يتزايد .. و بصدرها يتضخم , بينما هي تراقبه , يضع يديه بخصره .. ينظر للبعيد وهو يتنفس برتابةٍ .... أو على الأقل يحاول جاهدا ....
نظرت الى الصندوق بيدها .... فتسلقت السور خلفها لتجلس عليه ... بينما أزاحت اللفة من عليها و تفتح غطائه .... الى أن ينتهي رائف من حل مشاكله مع نفسه و يلتفت لها ....
فقد أرادت بتلك اللحظة أن تسمع صوت موسيقاه و كأنها نبتة عطشة تحتاج لقطرات المطر ....
و ما أن انبعث صوت الموسيقى الحالمة حتى استدار اليها رائف بسرعة ... ينظر اليها بذهول بينما عيناه منعقدان بشدة ...
كانت جالسة على سور الطريق ... فستانها الصيفي الرقيق يتطاير من حول ساقيها ال .........
زم شفتيه يبعد تفكيره بعيدا عن تلك النقطة ....
وهو يرى شعرها الذي يثير جنونه ....يتطاير من حول وجهها المنخفض و هي تستمع الى الموسيقى المنبعثة من صندوقه ....
كانت تحتضن الصندوق بين ذراعيها و تراقبه بصمت ..... و هي تؤرجه ساقيها بنعومةٍ مع أنغامه ...
و كأنها هي راقصة الباليه ..... ليتها كانت ليستطيع اغلاقه عليها و حمله معه أينما ذهب .....
كانت غير حقيقية ..... و كأنها خيالٍ حالم .... تجلس على سور الطريق لتستمع الى موسيقى الصندوق الذي ظل مهملا لسنواتٍ طويلة ... يعلوه الغبار ... دون أملٍ أن يحيه أحد من جديد ....
رآها فجأة ترفع يدها تمسح دمعة تساقطت على وجنتها دون صوت .... حينها شعر بشيء يلوي أحشائه , فاقترب منها خطوة وهو يقول بخشونة
( أتبكين يا ملك ؟!! ........... )
رفعت وجهها اليه بصمت ... تنظراليه بعينين لم يرى بجمالهما من قبل ...
فقالت بخفوت
( لقد كُسِرت العروس ............ )
عقد حاجبيه قليلا و هو يظنها تتكلم عن نفسها , لكنه سألها برهبة
( ماذا ؟!! ............ )
اطرقت بوجهها تقول بحزن
( لقد وقع الصندوق ...... و كُسِرت العروس ....... )
تنفس الصعداء قليلا وهو يطمئن لأن عروسه هو لم تُكسر ...... فاقترب منها , يضع يده على الصندوق بحجرها , ثم قال بهدوء
( هل هي معكِ ؟.......... )
أومأت برأسها و مدت يدها تخرجها من جانب اللفة ... ثم رفعتها اليه و هي تقول بخفوت
( ها هي ............... )
ابتسم رائف وهو ينظر اليها ... عروس تمسك عروس ...... لكن ابتسامته بهتت ثم ضاعت و قال بصوتٍ فاتر
( هل أصلحها لكِ ثم أعيدك للبيت ؟ ............ )
رفعت عيناها الى عينيه بصمت .... فقال بخشونة
( لا تنظري الي بهذه الطريقة ...... أنا أحاول أن أكون ........ )
صمت وهو يأخذ نفسا مرتجفا ... ثم أخذ الصندوق منها ليحمله تحت ذراعه .. و بنفس اليد انحنى ليحمل حقيبتها الصغيرة ...
بينما مد اليها يده الأخرى وهو يقول بصوتٍ قوي ... صارم ... به حنان العالم ... فهل يجتمع كل هذا بصوت رجل ؟!! ....
( هيا ملك .......... كوني الفتاة القوية التي عرفتها ...... )
مدت يدها اليه فقبض عليها بقوة و أعينهما لا تجد كل منهما القدرة على الفك من أسرها .....
صدرت عنه تنهيدة أجاد اخفائها .. فلم تسمعها وهو ينعم بذلك الكف المحرم للحظة .. قبل أن تقفز الى الأرض أمامه ... يتلقى وزنها خفيف على ذلك الكف الذي انطبع دافئا على يده ... فترك أثرا لن يزول أبدا ....
جذبها خلفه الا أنها مانعت قليلا ... فاستدار ينظر اليها ... بعينيها رفض لكنه رأى الرجاء خفيا
فنظر امامه يجرها خلفه بقوةٍ حتى اضطرت للجري تلاحق خطوتين الي السيارة ...
ففتح الباب الأمامي .... و هنا ودع كفها الرقيق متحسرا , قبل ان يقول بخشونة آمرة
( ادخلي يا ملك ...... و إياكِ و ان تعيديها مجددا ....... )
رفعت ملك وجهها و هي تقول
( و ما أدراك أنني سأنفذ كلامك ؟! ........... )
نظر اليها بقسوةٍ لم تخدعها .... فقسوته حنان .. و بأسه رفق ... و قال بصرامة
( لأنك ستجديني بطريقك دائما .... و لن أكون متساهلا معكِ المرة القادمة ... )
تركها و استدار حول السيارة .... بينما وقفت مكانها تنظر اليه .... تريد سؤاله كيف لن يكون متساهلا معها و ما هي وسائله
بل أرادت أن تطلق ساقيها للريح .... و تهرب ... تهرب ... تهرب ... و هي تعلم أنه خلفها بالمرصاد ...
كانت عيناها شاردتان في البعيد ... تعيش حلما مراهقا ......
الى أن أفاقت على صوته الهادر
( لن أعيدها يا ملك .............. )
دخلت ملك الى السيارة بصمت ....
فجلس بجوارها ... ينظر أمامه بصمت ..... لم يتحرك بالسيارة ... و لم ينظر اليها ... بل قال بصلابة
( أعرف رأيك بي حاليا ......... )
نظرت اليه بصمت , ثم قالت بخفوت
( أتعلم حقا ؟! ........... )
زفر بقوةٍ وهو يقول بخشونة
( أنتِ ترينني وحشا لا قلب له ..... و ربما كنت خائنا ..... )
قالت ملك بصوتٍ لا تعبير له
( لا ...... لا أراك بهذا الشكل ........ و في النهاية أنا أستطيع الرفض , لا يمكن لأحد أن يمنعني ... )
نظر اليها و عيناه تفضحان الكثير ...... من الطلاسم ...
فقالت ملك بثقة
( و بكل الأحوال ستكون بجانبي ..... حتى لو كنت غير راضيا عني .... هذا هو ما أثق به ..... )
كانت شجاعة بطريقة غريبة .... عيناها بعينيه ...
تحمل حمل الجبال و تعرضت لظلمٍ بين ... و بالرغم من ذلك شجاعتها تفوقها حجما و عمرا ....
لكن كلامها القوي أنعش بصدره ابتسامة .... و كأنها تتحداه أن ينطق العكس !!
باتت تعرف مكانتها لديه و من يلومها !! ........
اخفض وجهه الى الصندوق .... و العروس بيده ...
و دون كلام انحنى تجاهها ينفتح الرف الأمامي للسيارة , مخرجا منه انبوب لصق .... و لفة سلك رفيعة يحتفظ بها ...
ثم بدأ بالعمل وهو يتجاهل وجودها ..... بينما الابتسامة تحارب بخجل كي تظهر على شفتي كل منهما ...
و كأنهما صغيرين يلهوان بعد أن تصالحا ....
تراه يلف السلك الرفيع حول القاعدة المتديرة برفق و دقة .... و يثبت العروس مقيدا قدميها
فقالت ملك برقة و هي تبتسم بحسرة
( أنت تقيد قدميها !.......... )
قال برفق دون أن ينظر اليها
( المهم أن تكون بخير وهي ليست غاضبة مني ...... فلا تتدخلي أنتِ .... )
ضحكت ملك برقة ... فرفع وجهه اليها صامتا , حينها أدارت وجهها الى النافذة بجوارها ... و ساد التوتر بينهما مجددا ...
و بعد عدة لحظات سمعته يقول
( هاك ...... لقد أصبح كالجديد .... و إياكِ أن تبكي مجددا ..... )
وضع الصندوق بحضنها .... فنظرت الى العروس التي عادت تدور رافعة ذراعيها للسماء .... بعد أن داوى كسرها ...
فرفعت عينين مترقرقتين بالدموع الى عينيه و همست شاكرة باختناق
( شكرا لك يا رائف ...... على كل شيء .... )
ابتسم دون مرح أو سعادة .... بينما ضاقت عيناه وهو ينظر أمامه قائلا بهدوء
( يوما ما ستشكريني و ستعنين الشكر حقا ..... حين تدركين أنني كنت أعمل لصالحك ... )
و دون أن ينطق بكلمةٍ أخرى ... كان قد حرك السيارة و انطلق بها عائدا ... الى الواقع المرير ... بعد أن عاشا حلما منتزعا من الزمن .... بدأ بخطة هرب فاشلة ....
.................................................. .................................................. ....................
وقفت وعد بمنتصف البيت تصرخ ....و هي ترفع يديها الى شعرها
( أين يمكن أن تكون ؟!!! ........ لم أغب عنها سوى بضعة ساعات في العمل ثم عدت لأجد أنها ليست موجودة .... )
قالت صبا و هي تربت على ذراعها
( اهدئي قليلا يا وعد .... ربما خرجت كي تريح من أعصابها قليلا ....)
هزت وعد رأسها نفيا و هي تقول باصرار
( لم تفعلها من قبل و تخرج هكذا دون هدف !! ..... ثم لماذا تركت هاتفها هنا ؟! ..... خاصة و قد أخبرتها أنكِ ستأتين لمقابلتها ..... )
صمتت و هي تدور بتوتر حول نفسها ثم قالت
( إما أنها هربت .... و إما أن يكون والد كريم قد تدبر خطفها ....... )
قالت صبا بهدوء و هي تهز رأسها نفيا
( هذا خيال واسع جدا يا وعد .... لماذا يخطفها ؟! ..... بل على العكس هو يريد تجنب أي صلة بها ... )
نظرت صبا اليها بتدقيق , ثم تابعت قائلة
( ثم لماذا تهرب ؟! ...... ما الذي ترفضه تحديدا ؟! .... )
وقفت وعد مكانها تتنفس بسرعة .... و هي تنظر الى صبا بصمت , تشعر أنها أفسدت الأمور مجددا حين ضغطت على ملك بالقوة ... ربما لو حاولت اقناعها بطريقة اكثر لينا .....
قالت وعد بخفوت
( أنا لن أستطيع البقاء هنا .... و أنا لا أعلم أين هي ؟! ....... )
و فجأة برقت عيناها ثم هتفت بقوة
( ربما كانت قد ذهبت لعمتي .......تلجأ لها ....... ليس لها مكان آخر تذهب اليه ... )
أمسكت هاتفها بسرعة و هي تطلب رقم ورد مرغمة على مضض لكن لا وسيلة غيرها ....
و ما أن سمعت صوتها حتى قالت بفتور
( آآآ ورد ........ إنه أنا .... وعد ...... )
ساد صمت قصير قبل أن ترد ورد ببرود أقل حدة منه سابقا
( و أنا أقول لماذا يتراقص الهاتف فرحا ! ........ أهلا ... )
عضت وعد على شفتها السفلى بقوةٍ علها تسيطر على نفسها كي لا تشتمها و تخرج بها القديم و الجديد ...
قالت وعد بأكبر قدر تستطيعه من التهذيب
( هل ملك عندكم من فضلك ؟ .......... )
قالت ورد بنفس البرود
( و إن كانت ..... هل هناك مشكلة في ذلك ؟!! ..... )
قالت وعد بلهفة
( أتعنين أنها لديكم ؟! ..... أرجوك أخبريني فأنا لا اعرف طريقها منذ الصباح و هاتفها ليس معها .. )
ساد صمت قليل قبل أن تقول ورد بخفوت
( لا نحن لم نرها منذ أن أتيت اليكما .... أنا كنت أضايقك ليس الا ..... )
بهتت ملامح وعد و هي تجلس على الكرسي خلفها و هي تقول مصدوم
( ليست عندكم ؟!! ....... )
قالت ورد بقلق طفيف
( ربما خرجت قليلا .... أو أي شيء آخر ....... )
سمعت وعد عدة أصوات في الجانب المقابل , ثم لم تلبث أن سمعت صوتا رجوليا يخاطبها سلب أنفاسها و أوجع قلبها ... بعد أن بعث به النبض بعنف
( ماذا حدث يا وعد ؟! ...... )
حاولت الكلام و هي تفغر شفتيها ... بينما كل كيانها أصابه الحماقة و باتت كمراهقة تكلم صبيا للمرة الأولى بحياتها
فقالت أخيرا بغباء عاطفي ميؤوس منه .. و حمدت الله أنه لا يراها في تلك اللحظة
( آآه ... مرحبا سيف .... أنا آسفة لم أقصد أثارة القلق , ..... فقط أن ملك خرجت منذ عدة ساعات و تركت هاتفها هنا ... ربما كنت أبالغ في القلق ... )
كانت تثرثر بغباء لم تعتاده .. فقاطعها سيف بلهجةٍ لا تقبل الجدل
( دقائق و أكون عندك .......... )
ثم سمعت صوت اغلاق الخط بكل قلة أدب و فظاظة ... و مع ذلك كان كيانها كله يهذي
" سيف سيأتي ؟!! ..... الآن !! ..... هل حقا ستراه ؟! .... "
انتفضت وعد على صوت صبا و هي تقول بهدوء
( هل زوجك قادم ؟! ..... ربما علي المغادرة الآن ..... )
نظرت وعد اليها بعدم فهم ... ثم قالت بصوت باهت
( طليقي ........ )
اندهشت صبا و هي تنظر اليها لتجلس على الكرسي المقابل لها ... تدقق النظر بها و قد طار ثوب المحاماة بعيدا .. و حل محله غيرة زوجة مسكينة العقل و هي تفكر
" من الجيد أن أتيت أنا الى بيتها اذن .... و ليس العكس ... .... "
كانت وعد جالسة في نفس المقعد و هي تهز ساقها بجنون ...و تعض على طرف اصبعها
الى أن انتفضت حين سمعت صوت رنين جرس الباب بعد خمسة عشر دقيقة تماما ...
نظرت الى الباب بذهول و هي تتسائل إن كان قد جاء فعلا بمثل هذه السرعة !! .....
و داعبها أمل يخبرها بأنه قد أتى على جناح السرعة متحججا بملك كي يراها .......
رمشت بعينيها و هي تقفز واقفة .... ثم هرعت الى الباب , و قبل أن تفتح حانت منها نظرة الى نفسها في المرآة , فهالها مظهرها الفوضوي المشعث ..... فخصلات شعرها متناثرة بكل مكان حول وجهها
زمت شفتيها بغضب و هي تعرف بأنه فات أوان التعديل ... ففتحت الباب ببطىء ....
كان مطرق الرأس ..... بهيئته الضخمة الجميلة ....
نعم كان هو و لم يكن ينقصها سوى أن ترى وجهه ... و تنظر الى عينيه ..... أخذت نفسا مرتجفا و أصابع قدميها تتشنج و تتكور تحتها ... بينما ارتسمت فراشتين ملونتين على وجنتيها .... ثم قالت بصوت مبحوح اكثر مما تمنت
( سيف ........ )
كان يعلم أنها هي التي فتحت الباب قبل أن تهمس باسمه بتلك النبرة المتخاذلة ... و دون حتى أن يرفع عينيه إليها
قلبه أخبره أنها هي ....نبضاته تزايدت حد الوجع ....
نفس الوجع الذي يوقظه كل ليلة هامسا باسمها و جسده يلتمع عرقا ....
رفع وجهه اليها .... و أخيرا رآى عينيها الرماديتين .... بهما طريقه و كم هو طويل ....
شفتها المكتنزة العريضة كانت تعض عليها بتوتر ... ربما كان بسبب ملك ... و ربما كانت تشعر بالخزي أنها لجأت اليه ....
شعرها ازدادت كثافته ... و بات رائعا و يزيدها بريقا .... كانت تتنفس ... تحيا ... و كأنها ازدادت صحة ببعدها عنه ....كما أخبرته ورد
و أشعره ذلك بمزيج من السعادة من أجلها ... و بنفس الوقت خيبة طائشة ضربت قلبه العاصي .....
قال أخيرا بهدوءه العميق كبحرٍ في آخر سواد الليل
( كيف حالك يا وعد ؟ ........... )
ابتسمت ... و كانت ابتسامة اعتصرتها عصرا .... قبل أن تقول بخفوت مختنق
( بخير ........... و أنت ؟! ...... )
ابتسم هو الآخر ابتسامة قاسية قليلا ... متألمة ... هل تجتمع القسوة مع الألم ؟!! ... أم أن الألم من وحي خيالها المريض بحبه !! ...
قال سيف بصوتٍ مهذب بدا غريبا على أذنيها
( هل يمكنني الدخول ؟! ...... أعرف أن هذا أصبح غير مقبولا الآن نظرا للظروف .... لكن يمكنك ترك الباب مفتوحا ...... )
اتسعت عيناها بصدمة .... و فغرت شفتيها ...
" غير مقبولا !!! .... الباب مفتوحا !!! ... "
كلمات غريبة بدت مضحكة حد الهيستيريا ..... بدت كملحٍ ينثره على جرح طلاقهما المتقرح ... فنزف ألما ....
ابتلعت ريقها بصعوبة , ثم رفعت ذقنها تقول ببساطة
( منذ متى أوقفك الباب يا سيف ؟! ...... ادخل يا ابن عمتي , محاميتي بالداخل .... لا تقلق .. )
نظر اليها نظرة صامتة .... جعلتها تبتسم بداخلها ابتسامة حزينة ..
فتلك النظرة تعرفها جيدا ... كانت نظرة غضب , تليها عادة ضربة على ذراعها أو قبضة تمسك بفكها ... و أحيانا حين يشتد غضبه كان يفرغه كله بشوقٍ عبر شفتيها ...
للحظةٍ بدا و كأنهما تشاركا نفس الذكرى ... فاحمر وجهها بشدة و أطرقته و كأنها لا تزال فتاة ساذجة ...
قال سيف بصرامة
( ربما لو ابتعدتِ قليلا لتمكنت من الدخول ...... يا ابنة خالي ... )
انتفضت و هي ترفع وجهها المحمر اليه ... ثم ابتعدت قليلا كي يمر ... و حين مر يتجاوزها , لامس ذراعه صدرها ... فشعرت و كأنها على وشك السقوط انهيارا ....
بينما تلكأت خطوته لجزءٍ من الثانية ... و ظنته سيستدير اليها , الا أنه تابع طريقه ..و هي تشيعه بنظراتها
أغمضت عينيها للحظة ... تستجمع قواها ... ثم أغلقت الباب بهدوء و استدارت تدخل مطرقة الرأس
و ما ان رفعت وجهها حتى و جدته ينظر اليها بعينين كالصقر .... متربصتين ... مشتعلتين ... و غاضبتين ...
لقد أثارت كل غضبه تجاهها لفترة طويلة .... و تستحق جفاءه ..... تستحقه بجدارة .... فقد كان لها دور البطولة في قتل حبه لها .....
كان صدرها يؤلمها بشدة ... لم تظن أن رؤيته لأول مرة بعد الطلاق ستكون مؤلمة لهذا الحد ! ....
رفعت يدها الى صدرها و هي تطرق بوجهها الشارد .... لكنها انتفضت حين وجدت قبضة سمراء قوية تطبق على رسغها فارتفع وجهها بذهول و هي تراه بقربها ... يخفض يدها ... يجس نبضها بأصابعه ... وهو ينظر الى عينيها دون تعبير معين ... و مع هذا بدا و كأنه يتخلل كيانها بنظرته الحادة ...
ثم قال بخشونةٍ خافتة
( نضبك متسارع يا وعد ...... تعالي أجلسي و أهدئي .... لا تقلقي نفسك الى تلك الدرجة ... )
جذبها الى ان أجلسها لأقرب كرسي ... بينما كانت هي منساقة معه بذهول
تريد الصراخ به بجنون
" نبضي متسارع لأنك تمسك بي أيها الأحمق ....."
الا أنها كانت أكثر ضعفا من أن تنطق بكلمة و ما أن جلست حتى انحنى اليها يقبض على ذراعي كرسيها و أصبح وجهه قريبا من وجهها المرفوع اليه .... ثم قال بقوة
( ملك ستكون بخير ...... مفهوم ؟؟ .....)
ظلت تنظر لعينيه عدة لحظات قبل أن تومىء برأسها .... ثم همست بخفوت
( أتمنى هذا يا سيف ........ )
أومأ برأسه قليلا وهو ينظر الى عينيها ... ثم استقام واقفا ليبتعد عنها ... فشعرت ببردٍ شديد في حر الصيف ...
فضمت ذراعيها الى صدرها تشعر بالخسارة ....
نظرت اليه وهو يتحرك قليلا .. و يخاطب صبا ... يسألها عن بضعة أشياء تخص القضية ...
يتحرك بثقة ... رجولته تضنيها ... لطالما كان يخطف شيئا من انفاسها ..
أطرقت برأسها و هي تسند رأسها الى يدها ... و هي تسأل نفسها بخزي
" كيف يمكنها أن تفكر بزوجها السابق .. بينما أختها الوحيدة لا تعلم لها مكان ؟! ... "
قال سيف فجأة بخشونة
( وعد ...... وعد ........ ارفعي رأسك ... أين هو دوائك ؟! ... )
تنهدت بألم , لكنها لم ترفع رأسها .... بل قالت بخفوت
( لا أحتاج اليه .......... )
قال سيف بصلابة ..
( بلى تحتاجين اليه ...... اذهبي و أحضريه ..... )
قالت بعناد من بين أسنانها دون أن ترفع وجهها
( لا أحتاج يا سيف أرجوك ..... .... أصمت .... )
زم شفتيه بغضب وهو ينظر اليها .... بينما القلق بداخله لا يبارحه ليل نهار ....
يتخيل أنفاسها تضيق كل ليلة .... بينما هو بعيد عنها , غير قادر على مساعدتها .....
زفر بقوةٍ وهو يراقبها ..... ثم قال أخيرا ,
( أنا سأذهب للبحث عنها ........... )
رفعت وعد وجهها اليه و هي تقول بقلق
( الى أين ستذهب ؟! ..... هل ستجوب الطرقات بحثا عنها ؟! .... هذا غير منطقي .... )
قالت صبا بخفوت
( ربما نحن نبالغ فقط بقلقنا .....إنها مجرد بضعة ساعات ...... و هي على ما يبدو كانت في حاجةٍ لأن تختلي بنفسها قليلا ....... )
كانت ملامح سيف غير مرتاحة .... فمنذ أن رأى ذلك الحقير زوجها وهو غير مطمئن .....
فقال بهدوء
(و مع ذلك لن أبقى هنا منتظرا .... سأذهب لعملها لقديم ... غرفتها .... )
و لو اقتضى الأمر سيهجم على كريم القاضي و يقتلع حلقه إن كان قد مسها بسوء ...
اتجه الى الباب .. بينما جرت وعد خلفه و هي تقول بلهفة
( سآتي معك اذن .......... )
توقف مكانه لحظة ....ثم استدار ينظر اليها قائلا بهدوء
( بل ابقي هنا ........ )
كانت لهجته واضحة بما لا يقبل الشك أو الجدل .... أنه يجد وجودها معه في السيارة الضيقة أمرا بغيضا على نفسه ....
ثم قال بصوتٍ عميق وهو ينظر الى عينيها
( سأتصل بكِ لو علمت شيئا ....... )
ارتجفت شفتيها قليلا ... الا أنه كان قد استدار مبتعدا عنها و أسرع ليفتح الباب ...
لكنه وقف مكانه وهو يرى ملك واقفة أمام الباب مستعدة لأن تضغط الجرس ..
فقال بغضب
( أين كنتِ بالله عليك !! .... كادت أختك أن تموت قليلا عليكِ ..... )
اندفعت وعد من خلفه و هي تهتف بقوة و غضب
( ملك .... أين كنتِ ؟ ..... أقسم بالله أنني سوف .... )
حاولت تجاوز سيف بعنف ... الا أن ملك تراجعت خطوة الى رائف خلفها ... بينما اعتقل سيف خصرها وهو يقول
( اهدئي ...... و كفي عن تعنيفك هذا , لن يفلح بشيء .... )
نزع يديه عن خصرها فجأة ... و كأن كهرباء سرت بجسده .... فالتقت أعينهما للحظة , ... لكن وعد ابتلعت ريقها و هي تنظر الى ملك ... و رائف من خلفها يحمل حقيبة ملابسها .. ففهمت ما حدث بذهول و هتفت
( هل كنتِ توين الهرب حقا ؟!! ..... حقا ؟!!!! .... )
رفعت يديها الى شعرها تشعثه أكثر و هي تصرخ
(بالله عليكِ !! ..... كم تظنين عمرك ؟! .... نحن نقتل أنفسنا بحثا عن حل لكِ و أنت تهربين تاركة المصائب لنا ؟! ؟......... )
قال سيف يتأفف بغضب ...
( كفى يا وعد .......... انهما لا يزالان عند الباب .... )
ثم استدار يقول لملك برفق
( ادخلي أنتِ يا ملك و لا تخشين شيئا ......... )
نظرت ملك الى وعد بتردد .... بينما كانت وعد تقف بجنون و هي تلهث قليلا مكتفة ذراعيها ..... فدخلت بحذر و هي تتوقع ضربة مفاجئة من وعد بأية لحظة ....
نظر سيف الى رائف الذي كان واقفا ينظر الى ملك بصمت ...
فخرج من الشقة و أغلق الباب خلفه و استند اليه مكتفا ذراعيه يقول بصوتٍ حاسم
( الآن سنحظى ببضعة دقائق وحدنا أنا و أنت ..... دون مقدمات رجاءا... هلا أخبرتني ماذا تريد من ملك تحديدا ؟! .... و لماذا أراك حولها دائما في الآونة الأخيرة ؟! ..... )
نظر رائف اليه بصمت ... بينما تابع سيف قائلا بهدوء
( و كونك خال التعيس الذي تزوجته فهذا يجعل منك شخصا خطرا بالنسبة لنا .... لكن بما أنني انسان طيب حسن النية ... فأنا مستعد لسماع وجهة نظرك ..... )
ثم قال بصوتٍ قاطع قوي
( ماذا تريد من ملك ؟! ...... هذا إن كنت تريد منها شيئا ...... )
رفع رائف وجهه الى سيف بصمت ثم أخذ نفسا قويا ملأ صدره ... قبل أن يقول بنفس الحزم
( نعم أريد ........ )


يتبع


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 17-07-15, 12:19 PM   #21086

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

بعد فترة طويلة .... فتحت وعد الباب لسيف ورائف و هي تنظر اليهما بشك .. ثم قالت بفظاظة
( بماذا كنتما تتكلمان ؟! ........ )
رفع سيف عينيه للسماء ثم قال بغيظ
( وعد هلا دخلنا من فضلك ؟! .......... )
ظلت تنظر اليهما قليلا بعدم رضا ... فظن سيف أنها ستغلق الباب , لكنها ابتعدت أخيرا سامحة لهما بالدخول ...
فدخلا ليجدا ملك جالسة على حافة الأريكة ... مطرقة برأسها و مشبكة اصابعها كتلميذة مذنبة ...
بينما صبا تقف أمامها تقول بهدوء
( أنا عن نفسي لا أميل ... بل لا اقبل بترك ظلم أو عمل غير مشروع يمر من تحت يدي دون أن أفضحه .... و هذا الولد ارتكب أكثر من جريمة .... و الجريمة الأكبر بدأت من والده .. أو ما يسمى والده.... لذا أبسط حقوقك ان تفضحينهما ... و تنالين حقك في طلاق رسمي بالقانون علنا ...... )
رفعت ملك عينيها الى رائف الذي كان ينظر اليها بصمت وهو يضع كفيه بجيبي بنطاله مستسلما .... لكنها كانت تعلم ما يشعر به في تلك اللحظة من الخوف و القلق على سمعة أخته ..... و ضررها ....
بينما قال صبا متابعة تتنهد
( الا ان الأمر في النهاية يخصك انتِ ..... لذا يمكنني الإمتثال لما تريدينه .... فلو أردتِ الحل الودي كي لا تتشوه سمعتك ... فيمكننا الضغط عليهم بما نملكه حتى يتم الزواج رسميا ...... )
صمتت قليلا ... ثم همست بصوت بائس رافض
( و تسلمين نفسك اليه من جديد ........... )
كانت عينا ملك تتعلقان بعيني رائف .... و مع الإقتراح الأخير ظنت أنها سترى الراحة بعينيه ... الا أنها على العكس ... رأت ألما ... صراعا .... و عذابا ...
احدى قبضتيه خرجت من جيبه و انقبضت الى جانبه بشدة الى أن ابيضت مفاصل أصابعه ....
انتفضت حين قالت صبا بخفوت شديد
( انتظر سماع قرارك يا ملك ......... )
نظرت ملك الى وعد التي كانت تبادلها النظر بخوف و قلق .... تخشى أن تضيع مستقبلها للأبد ....
أخفضت نظرها الى حجرها فانتبهت الى أن أصابعها كانت ترتجف بشدة ..... و شفتيها كذلك .....
فأغمضت عينيها و شهقة بكاء تفلت منها بذعر ... فهمست بإختناق
( ياللهي ! ............ )
حينها لم يستطع رائف البقاء صامتا أكثر ... فاقترب منها خطوة وهو يقول بصوت خافت
( ملك ...........)
الا أن سيف امسك بذراعه يمنعه , قبل ان يقول بصوت هادىء الى صبا
( هلا تكلمت معها قليلا قبل أن تتخذ قرارها ؟؟ ......)
أومأت صبا برأسها و هي تقول
( طبعا ......... )
قال سيف بهدوء و رقة وهو يجذب يدها لتقف
( تعالي معي يا ملك .......)
تبعته ملك و هي تبكي بخفوت .... فتبعتهما وعد الا أنه استدار اليها ليقول بجفاء
( وحدنا من فضلك .........)
توقفت وعد و هي تنظر اليه و هي لا تصدق أنه يكلمها بمثل هذا الجفاء .... فوقفت مكانها تنظر اليهما بصمت وهو يدخل مع ملك أقرب غرفة قبل أ يغلق الباب بهدوء
التفت سيف الى ملك قائلا بهدوء
( هل يمكنك التوقف عن البكاء الآن رجاءا ....... )
لكن ملك كانت تضغط عينيها بشدة و هي تهمس باختناق
( لقد افسدت حياة الكثيرين بفعلتي ..... و بكل خيار من الإثنين سيكون هناك المزيد من الضحايا ... )
ارتفع حاجبي سيف وهو يقول ضاحكا قليلا بشفقة
( ضحايا مرة واحدة !!! ..... انتِ مجرمة دولية اذن .... )
ضحكت ملك و هي تبكي ... و قد كانت تلك هي عادتها دائما , تميل للضحك على أي مزحة أثناء بكائها
فقال سيف مبتسما ( حسنا بما أنك ضحكت , فهناك فرصة للكلام بهدوء .... هلا جلستِ قليلا )
جلست ملك على مقعد قريب .... فاقترب منها سيف ليجلس على ذراع المقعد المقابل وهو يراقبها بدقة , قبل أن يقول بهدوء
( أيمكنك محادثتي بصراحة ؟! .... أم أنكِ تجدينني غريبا عنكِ ؟ .... )
رفعت ملك وجهها الأحمر و عينيها الدامعتين قبل أن تقول بخفوت
( طبعا لا أعتبرك كذلك ......... )
قال سيف بهدوء مرتاحا
( جيد ..... اذن عندي لكِ سؤال هام , ... ألازلتِ تحبين كريم القاضي ؟! ..... )
انعقد حاجباها ... و لم يفت سيف تشنج جسدها التلقائي ... قبل أن تقول بصوتٍ مشتد ... حاد النبرة
( حبه كان كسرطان يسري بجسدي ....... و شفيت منه بمعجزة ....معجزة حققها بكل فعلةٍ ارتكبها اكثر دناءة من سابقتها .... هو المريض لا أنا ....أنا فقط أحمل له الشفقة .... )
أومأ سيف برأسه وهو يقول
( وهو يستحقها ...... هو فعلا مختل .... و أنا لن أتركك له ..... )
سكنت دموعها قليلا و هي تقول بأمل
( حقا يا سيف ؟! ........ )
أومأ برأسه قائلا بهدوء
( حقا يا ملك ..... و لو كان الرجل الأخير على سطح هذا الكوكب ..... )
ثم قال بهدوء أكثر
( لكن مصلحتك تجبرني أن اسألك .... ماذا لو أردتِ الزواج فيم بعد !! .... ماذا لو احببت شابا آخر ... في يومٍ ما ..... الا يستحق الامر أن تتحملي زواجك من كريم رسميا كي تحصلي على طلاق مناسب ؟! .... )
هزت ملك رأسها بيأس و هي تهتف
( هذا نفس كلام رائف..... أنا لن أتزوج أبدا .... لقد رأيت من الفظائع ما جعلني أنفر من الزواج لآخر العمر ... )
ابتسم سيف وهو يقول مدققا بغموض
( نعم هذا كلام رائف ......... )
ظل ينظر اليها طويلا ....
لقد طلبها رائف للزواج للتو .......
و لم يدهشه ذلك كثيرا
و لو كان سيف قد لمح في كلامها الرغبة في الإرتباط برائف نفسه , لانتهت المشكلة ...
الا أن رائف كان من الشهامة بحيث كان يريد أن تكون جاهزة في حال لم ترضى به .....
فتكون فتاة لا يعيبها شيء ...... و يفخر بها كل من سيطلب زواجها ....
لقد أخبره رائف بنفسه ... أنه يرفض أن يكون خيارها الوحيد لأنها لا تملك غيره ....
و ترجاه الا يخبرها بطلبه الآن .... فهي ستقبل .... وهو متأكد أنها ستقبل , فمشاعرها مرتبكة و غير ثابتة .. خاصة و هي تراه المنقذ الوحيد .....
قال سيف أخيرا بهدوء
( و بما أنه نفس كلام رائف .... فأنا أريد أن أخبرك .. لا أنا و لا رائف سنسمح أن يمسك هذا الحيوان مجددا .... منذ اللحظة الأولى التي رأيته بها عرفت أنه غير طبيعي ..... )
قالت ملك بدهشة
( هل قابلته ؟! ........... )
أومأ سيف برأسه وهو يقول غاضبا
( و منعت نفسي من ضربه بمعجزة ......... )
قالت ملك بخفوت
( لكنه لمس قلبك .... و عطفك ... اليس كذلك ؟! ..... )
عقد سيف حاجبيه وهو يميل تجاهها .. مستندا الى ظهر مقعدها , ثم قال باهتمام
( هل تشعرين بالشفقة عليه ؟! ..... بعد كل ما فعله معكِ ؟! ..... ألا تتمنين أذيته ؟! ... )
شردت عينا ملك قليلا و هي تكتف ذراعيها حول جسدها المرتجف ... ثم قالت خفوت
( بعد أن شارك باجهاض طفلي .... ظننت أنني أتمنى له الموت .... لكن بمرور الوقت .... أصبحت مشاعري تجاهه متبلدة ... تحمل جزءا من العطف القديم الذي كنت أسانده به دائما ..... لكن وهم الحب انتهى ... )
ابتسم سيف وهو يقول بهدوء
( جيد .... انتِ اذن تخرجين من الصدمة بسرعة ..... و هذا رائع , مما يعني أنكِ ترفضين اقتراح رفع القضية و تقديم الاوراق التي ستزج به في السجن ..... )
عادت ملك لتنظر اليه بصدمة ....
نعم .... هي بالفعل لن تقبل بايذاء أخت رائف .... و لا تريد أن تؤذي كريم رغم كل ما فعله .....
هذا معناه أن لا حل أمامها سوى القبول بالزواج .....
فقالت بصوت ٍ متداعي غير ثابت
( الا يمكننا فقط ترك الأمور كما هي ؟ ......... )
هز سيف رأسه بحزم وهو يقول بصرامة
( هذا حل غير قابل للطرح .......... فلا تحاولي ..... )
شردت عينا ملك و هي تنظر الى الباب المغلق .... تتمنى لو تنادي رائف ليكون بجوارها في تلك اللحظة ... كما هو دائما .....
.................................................. .................................................. ......................
كانت وعد تدور جيئة و ذهابا .... بينما تنظر الى رائف من حينٍ لآخر بشك و ريبة و غضب .....
وهو كان يتنهد في موقفٍ لا يحسد عليه ....
ثم قالت فجأة بصوت صلب
( أنا غير مرتاحة لك ........... )
أجفل رائف من لهجتها الشديدة .... وهو ينظر اليها بصدمة ... ثم أخفض رأسه , يناقش نفسه في الرحيل من هنا ..
الا أن صوت الباب وهو يفتح جعله يرفع رأسه لينظر الى ملك التى خرجت مطرقة الوجه و خلفها سيف ...
فنهض من مكانه ببطىء شديد وهو يشعر بشيء يقبض صدره ...
قبل أن تقول ملك دون أن ترفع وجهها اليه كي يرى عينيها
( لقد اتخذت قراري ..... سأقبل الزواج من كريم علنا ..لو استطعتم اجبارهم على ذلك ....)
أخفضت صبا رأسها و هي تتنهد بيأس ....
بينما أظلمت عينا رائف بشدة و قد تحول الإنقباض بصدره الى وحشٍ يفترسه ...... فتأوه بداخله بشدة .. دون أن يسمح لتأوهه أن يخرج للحياة ....
.................................................. .................................................. .....................
جلس أكرم القاضي بخيلاء متراجعا في مقعده خلف مكتبه ... ينظر للجمع أمامه بسخرية واضحة .. لم تمنح بعض شحوب التوتر من شد خطوط وجهه
ثم قال باستهزاء
( أتظنون أن ببعض من الخيالات .... تستطيعون إجبار ابني على الزواج من ابنتكم الساقطة ؟! .... )
توتر جسد سيف وهو يتقدم غير قادرا على السيطرة على أعصابه .. الا أن رائف أمسك بذراعه بشدة و هو يمنعه من التهور ... قبل أن يتولى هو دفة الحوار قائلا
( الساقط هو الذي يرتكب جريمة تلي أخرى .... ثم يختبيء خلف والده ... و الذي هو بدوره يختبىء خلف كذبة ألفها و صدقها .... )
تحولت ملامح أكرم القاضي الى صفحة رمادية .... بينما عيناه الحمراوان كانتا تحملان من الشر ما يجعله يبدو كشيطانٍ أعمى ....
قال سيف بصوتٍ خطير خافت
( أكبر خطأ ترتكبه .... هو أن تعبث مع أحد أفراد أسرة سيف الدين فؤاد رضوان ..... أخطأت و أخطأ ابنك ..... و الآن ستخرون صاغرين لتصحيح فعلتكم ..... )
ابتسم أكرم بسخريته القميئة ..... ثم قال بهدوء جليدي
( و كيف يمكنكم اجباري على الرضوخ .... أود لو تمتعوني بمسرحيتكم ..... )
تطوع المحامي المبعوث من مكتب صبا .... وهو يخرج من حافظته ملفا رفيعا ... وضعه على سطح المكتب امام أكرم القاضي ثم قال بهدوء
( دون مقدمات ...... سنضطر لإثبات كذب ادعائكم بخصوص قوى موكلتنا العقلية .... و هذا التحليل سيكون البداية للتصديق على ادعائاتها ..... تحليل يثبت أن كريم القاضي ليس ابنك .... بل في الواقع هي جينات تناسب صبي آخر يسمى شادي عبد الله ... تم شرائه منذ سنوات .... )
تجمدت عينا أكرم حتى أصبحتا كحجري رخام ... يرقد تحت سطحهما جذوة مشتعلة ....
بينما قال بعد فترة بثبات يثير الإعجاب ......
( إنها مجرد خزعبلات ..... و أي محكمة سترفض تلك الورقة الساذجة ..... )
ابتسم المحامي وهو يقول بثقة
( بالطبع ستطعن بصحة هذا الإثبات ...... لذا سنطالب نحن المحكمة بارغامك على نفس الإجراء , فالقضية ليست هينة و تعتبر جريمة كبرى ...... )
هنا بدأت أصابع أكرم تربت بإيقاع منتظم على ذراع مقعده ..... وهو يراقب ملامحهم بصمت , بينما كان رائف ينظر اليه بوحشية صامتة ....
كانت حربا صامتة بين عيني أكرم ... و عيني رائف
فقال أكرم أخيرا
( و أنت تقف بصف زمرة من المجانين المنتفعين ... لأن فتاة في عمر أبنائك سلبت عقلك و جعلتك تلهث خلفها ..... لذا أخبرني ما الذي يمنعني من رمي أختك في الشارع في تلك اللحظة بالذات ؟! ....)
ضاقت عينا رائف بشدة وهو يتنفس بهياجٍ ... محاولا السيطرة على الغضب الذي يقصد أكرم تفجيره علنا أمام الأغراب ....
لكن حركة بجانبه جعلته ينتبه الى ملف آخر وضع بجوار الملف الأول على سطح المكتب ...
حينها رفع عينيه بذهول ليجد ميساء تقف بجواره بعد أن دخلت المكتب بصمت ....
ثم قالت بهدوء
( هذا ما سيمنعك .... أو لن يمنعك ..... لم أعد أهتم في الواقع ..... حملته معي منذ عامين كاملين ... و أنا متأكدة أنني سأحتاجه يوما .... لقد سبقت الجميع يا أكرم في القيام بهذا التحليل ... و سأسبق الجميع في تقديمه ... و حينها ستكون القضية منتهية .....)
عندها ظهرت شبه ابتسامة على شفتي رائف وهو ينظر اليها ... ثم اخذت تتسع و تتسع الى أن شملت وجهه ...
ثم وضع الملف الثالث .,.... وهو يقول ببساطة
( و هذا مني .... )
كان يشعر بلذة الإنتصار وهو يرى أكرم ينال مما سقاه لأخته على مدى سنوات طويلة .... لذا لم يقاوم نشوى وضع ملفه الضريبي ..... لمجرد الشعور باللحظة ليس الا ....
ضرب أكرم بقبضته على سطح المكتب بعنف و جنون و هو ينهض من مكانه صارخا
( اذن هي مكيدة ...... مكيدة رخيصة حقيرة ..... أصغر محامي لدي يستطيع أن .... )
رفع سيف يده وهو يهدر قائلا ....
( لا نية عندي لتضييع المزيد من وقتي معك لسماع تهديداتك القذرة .... لك حرية الإختيار الآن , و كل ما نريده كي نغلق هذه القصة الحقيرة , هو زواج علني ... لا أكثر .... و بعدها يتم الطلاق بهدوء ....ردك الأخير سيكون تحديد موعد الزفاف .... )
خرج سيف و المحامي من المكتب بينما صرخ أكرم بميساء
( أنتِ أيتها الحقيرة التي تحملت سكرك و عتهك و عقمك لسنواتٍ طويلة .. بينما أنتِ تخونينني أنا في النهاية ... ! ... )
كان رائف قد استدار ليغادر وهو ممسكا بكف ميساء ... الا أن عبارة أكرم الأخيرة جعلته يستدير على عقبيه ليلكمه بكل قوته لكمة اشتاق اليها منذ وقتٍ طويل ... لكمة أودعها كل غضبه و احتقاره ...
لكمة جعلته يسقط جالسا على كرسيه بعنف وهو ينظر مذهولا اليهما ... بينما كانت ميساء تنظر اليه بنظراتٍ متبلدة .... جامدة .... ثم قالت أخيرا بفتور
( تتحدث عن الخيانة .... و الخيانة تجري بدمك و دم الولد الذي لم اعتبره ابنا لي أبدا ... وهو لم يعتبرني أما قط .... و لك أن تفهم من هذا ما تشاء .... عله يحرق كبدك لو كنت تمتلك ذرة رجولة ... )
ضاقت عينا اكرم وهو يحاول فهم ما تشير اليه ... الا ان رائف اندفع خارجا وهو يجر ميساء خلفه ... شاعرا بأنه ربح شيئا غاليا ... و يكاد يخسر آخر بنفس الغلو ....
.................................................. .................................................. ......................
بعد أسبوعين .....
قبل ليلة الزفاف كانت وعد مستلقية بسريرها في الظلام تشعر بضيق في تنفسها ...
غدا حفل زفاف ملك ....
كانت تعيد العبارة منذ الصباح بعدم تصديق للسرعة التي جرت بها الأمور
و كان من المفترض أن تكون مرتاحة الآن .... الا أن العكس هو الصحيح , فملك بدت خلال الاسبوعين الماضيين كشبحٍ يتضائل حجمه كل يومٍ عن اليوم الذي يسبقه ....
لم تبكي مجددا ... و لم تجادل مطلقا ... بل كانت تبدو كمن استسلمت لمصيرها بصمت ....
روحها هائمة من حولها .... تبتسم كلما التقت أعينهما .... لكنها ابتسامة بلا حياة ... بلا فرحة عروس
همست وعد لنفسها بغضب
" أي فرحة ... و أي عروس يا وعد !! .... هل تتخيلين لمجرد أن تشعرين بالسعادة لها , حتى و لو بالكذب "
ارجعت رأسها للخلف و هي تقبض على جبهتها مغمضة العينين .....
لكنها انتفضت حين سمعت صوت رنين هاتفها .... فاتسعت عينيها في الظلام و هي تهجم عليه للتأكد من الآسم
نعم انه هو ..... انه سيف ... فقد خصصته بلحنٍ يميزه وحده .....
وضعت يدها على قلبها المشتاق قبل أن ترد عليه بصوتٍ مجهد
( سيف ............ )
أظلمت عيناه قليلا وهو يتسائل بألم ... متى ستتوقف عن مناداة اسمه بتلك الطريقة الهامسة التي لم يسمعها من غيرها .... حتى في أشد قسوتها ... كان اسمه يخرج من شفتيها همسا متنهدا ...
رد سيف بصوتٍ أجش
( هل أيقظتك ؟! ............ )
رمشت بعينيها و هي تقول بخفوت و تردد
( لا ..... لم يغمض لي جفن ....كيف أستطيع ؟! .... )
سكت قليلا .. ثم قال بصوتٍ أجش خافت
( هل هناك ما يؤلمك ؟! ..........)
هتفت بداخلها بجنون .. " نعم .... فراقك "
الا أنها هتفت بصوتٍ خافت حاد
( هلا توقفت عن اشعاري بالمرض أرجوك !! ...... لا أحب هذا السؤال ...إنه .... يخيفني ...)
سمعت صوت نفسه الخشن .... قبل أن يقول بصوتٍ أجش
( موعد كشفك الدوري بعد يومين ....... هل تذكرينه ؟؟ ......)
أغمضت عينيها و هي تهز رأسها بيأس قبل أن تقول بصوتٍ جاف
( لن أذهب ........ أنا بخير ........)
قال سيف بخشونة
( اذن سأقلك بنفسي ..... و لو رغم عنكِ .....)
فتحت وعد عينيها و هي تنظر الى السقف القاتم بعينين مظلمتين قبل أن تقول بخفوت باهت
( بأي صفة ؟!! ......... آآآه نسيت , ابن عمتي .......)
ساد صمت قليل متوتر ... قبل أن يقول بصوتٍ غريب
( هل تلومينني على الطلاق يا وعد ؟!! ..........)
فغرت شفتيها بنفسٍ مرتجف و هي تسمع سؤاله القاطع .....
فرفعت عينيها لأعلى ترمش بهما قليلا كي تمنع دموعها ... ثم قالت مبتسمة باختناق
( كيف ألومك على ما طلبته أنا ؟! .......)
ضحك ضحكة قصيرة ... أقسمت أنها ضحكة استياء خشنة قبل أن يقول بخفوت
( هذا ما ظننته ..... الا أنك تعطيني بعض الإشارات أشعر بعدم القدرة على قرائتها...)
شعرت بالألم في صدرها يتزايد .... فقالت بعد فترة طويلة
( و ماذا عنك ؟! ....... هل أنت نادم على تسرعك في اتخاذ القرار ؟! ...... )
قال سيف دون أي فترة صمت
( تسرع ؟! ...... لقد نفذت لدي كل الطرق يا وعد ... و كان آخرها أن خطفتك حبيبتي ... )
اتسعت عيناها بذهول و فغرت شفتيها بصدمة ....
هل نطق بكلمة حبيبتي فعلا !! .... يبدو أنه أيضا أدرك هفوته , فصمت بعدها تماما ... حينها لم تستطع أن تمنع ابتسامة تسللت الى شفتيها و هي تغمض عينيها ...
قال سيف بصوت خافت خشن بعد فترة
( وعد ......... سأكون غدا متواجدا بالزفاف ... ربما يضايقك هذا , لكن كان هذا ضروريا ..... )
بهتت ابتسامتها الحالمة و تجمدت ملامحها و هي تقول بخفوت
( لماذا يضايقني يا سيف ؟! ...... أنت كل عائلتنا الآن ... و أنا لم أشكرك بعد لما فعلته , فلولا اسم .... )
صمتت لحظة تتنهد و هي تهمس
( لولا اسم " سيف الدين فؤاد رضوان " ... لما كان الأمر بدا بهذه القوة في مواجهتهم ... لقد ظنوا أن لا عائلة لها ..... )
ابتسم بخشونة ... ها هي تصمت لتتنهد هامسة باسمه ... و كأنها تلميذة مراهقة
دائما كان يخدعه همسها باسمه ... ثم تقذفه بعدها حجرا و قوارير زجاجية طائشة من لسانها السليط ....
قالت وعد أخيرا برقة
( سيف ..... هل تتصل بي في هذا الوقت , لمجرد طلب الإذن في حضور حفل الزفاف ؟! ...... )
عقد حاجبيه وهو يستلقي في سريره ... و ساد صمت بينهما , قبل أن يقول بفتور خافت وهو يضع ذراعه تحت رأسه
( لقد وصلت البيت للتو ...... لذا أعتذر عن الإتصال المتأخر ..... )
عقدت وعد حاجبيها هي الاخرى و هي تستلقي على جانبها لتقول بخفوت
( وصلت الآن ؟! ........ لماذا ؟.... أين كنت حتى هذا الوقت ؟! ..... )
ابتسم سيف ابتسامة باهتة وهو يقول
( هل هذا تحقيق ؟! ........ )
عبست وعد بشدة و انتبهت الى أصابعها التي تلوي طرف الوسادة بعصبية ... فقالت بتوتر
( و لماذا أحقق معك ..... أنت أصبحت حرا بحياتك .... فلتفعل ما تشاء , لكن لا تحاول اقناعي بأنك كنت في العمل حتى هذا الوقت .....)
قال سيف بهدوء
( لن أحاول اقناعك بذلك ..... لأنني لم أكن في العمل ........ كنت أتمتع ببعض مزايا كوني أصبحت رجلا عازبا من جديد .....)
كانت عيناها الرماديتان واسعتان في الظلام ..... كعيني قطة سوداء بعينين فاتحتين .... بينما ملامحها لا تحمل أي تعبير و هي تهمس
( حقا ! ............. )
ابتلعت ريقها بصعوبة و اختناق .... لكنها رفعت وجهها و هي تقول بصلابة خافتة
( سعيدة لأجلك ....... هنيئا لك الإنحراف المتأخر ..... لكن لا شيء يجبرني أن اتلقى اتصالك في مثل هذا الوقت لمجرد أنك كنت تعبث خارج البيت .... أراك غدا .... تصبح على خير ... )
ثم أغلقت الخط و ألقت هاتفها بعيدا .... بينما ابتسم سيف في الظلام وهو يرسل اليها رسالة ..
و ما أن صدح رنينها .... أوشكت وعد أن تتجاهلها .... لكنها لم تستطع المقاومة فأمسكت الهاتف تقرأها
" سأمر عليكما غدا في السادسة كي أقلكما الى القاعة ....... و أنتِ من أهل الخير "
زفرت وعد بقوةٍ و هي ترمي الهاتف بعيدا .. لتدس رأسها تحت الوسادة علها تنال بعض النوم .لكن عبثا !!...
.................................................. .................................................. ......................
بالغرفة المخصصة للعروس ....
كانت ملك تقف أمام مرآة كبيرة... ترتدي فستان زفاف ضخم ... مرصع بالماسات و الخيوط الفضية .....
شعرها الطويل مجموعا بضفيرة التفت على رأسها كتاجٍ ذهبي .... تحت خمار غطى وجهها ...
و كانت ممتنة لهذا الخمار أن غطى عينيها , فلم تكن قادرة على مواجهة أي أحد بدون الخمار ....
لقد تم عقد قرانها منذ ساعة .... و هي جالسة هنا في هذه الغرفة بعد أن رفضت الخروج لمشاهدة ذلك العقد المؤلم ... و الذي يسبق زفاف غاب عنه كل من يمكنها دعوتهم كما طلبت
فهذا لم يكن زفافها .... و لن يكون .....
على الرغم من الحفل الضخم بفظاعة .... الا أن وعد و سيف فقط هما من حضرا معها ....
و على الرغم من ذلك شعرت و كأن الجميع خارج هذه الغرفة يعلم قصتها ... ينتظر أن يحاكمها ....
وقفت وعد خلفها تقول بخفوت و هي ترتب خمارها خلف رأسها
( هيا يا ملك ..... سنتأخر .... )
رفعت ملك وجهها و هي تأخذ نفسا مرتجفا ... قبل أن تومىء برأسها دون كلام ...
فقالت وعد بحزن
( ملك ..... هل أنتِ ناقمة علي ؟!! ........ )
استدارت ملك الى وعد ببطىء ... و صوت حفيف فستانها يدور معها .. ثم همست بخفوت
( و لماذا أكون ناقمة عليك يا وعد ؟! ........ )
قالت و عد بصوتٍ يائس
(لأنني أجبرتك على زواجٍ ترفضينه ...... )
ابتسمت ملك بحزن و هي تقول
( لم تجبريني ....... لقد كان قراري , حفاظا على أناسٍ لهم مكانة لدي .... )
عقدت وعد حاجبيها قليلا ... و هي تقول بخفوت
( حقا يا ملك ؟!! ........)
ابتسمت ملك من تحت خمارها تقول بصوتٍ هادىء
( حقا يا وعد ............. )
سمعا صوت طرقة على الباب ... قبل أن يسمعا صوت منسق الحفل وهو ينبههما الى ضرورة نزول العروس
تشنجت ملك قليلا ... و نظرت الى وعد بخوف , فابتسمت وعد لها و هي تقول
( أتتذكرين ليلة زفافي ..... حين أوشكت على الهرب لكن منعتمانتي أنتِ و كرمة ببراعة ..... )
ابتسمت ملك بارتجاف و هي تقول بأسى
( لكن كان هذا سيف ........ شتان بينهما ..... )
انحنت ابتسامة وعد و هي تهمس
( نعم ..... كان هذا سيف , شتان بينهما ........ )
تنهدت بقوة و هي تقول
( كوني قوية يا ملك كي يمر هذا الزفاف .... و بعدها سنخلصك منه ..... أعدك بذلك .. وسيف وعدك بهذا .... لن نجبرك على اي شيء مجددا ..... )
أومأت ملك برأسها و هي ترتجف رغما عنها .... فقط كل اهتمامها ان تمر تلك الليلة .....
فهي تعرف شادي جيدا .... و باتت تعرف أنه يصبح كالمجنون حين تتحكم به أهوائه .....
كل ما تعرفه أن سيف وعدها بأنها الليلة ستيبت آمنة بعيدا عنه .... لكنها تشك في أن يسمح شادي بذلك ...
تحركت ببطىء في اتجاه الباب الذي فتحته لها وعد .....
و ما أن خرجت حتى تسمرت مكانها و هي ترى رائف واقفا في مواجهتها !! ......
يقف مطرق الرأس .... احدى يديه في جيب بنطال حلة سوداء بالغة الأناقة ....
رفعت ملك وجهها تنظر اليه بانبهار على الرغم من أنها تراجعت للخلف خطوة .. تتمنى لو هربت من عينيه و اغلقت الباب... ما أن رفع وجهه اليها ....
كان شديد الوسامة لدرجة خطفت أنفاسها ....و بعضا من شعراته البيضاء الفضية تتألق تحت الثريا فوقهما ...
لم تره يوما بمثل هذه الوسامة و الجاذبية !!.... و كأنه تأنق خصيصا من أجلها هي ...
بينما كان هو الآخر ينظر اليها مسحورا بجمالها , الا أنه كان سحرا قاتما .... يائسا .... متألما ..
فهمس متأوها باسمها رغم عنه بصوتٍ أجش
( ملك ........ ملك يا جميلة ....... )
ارتجفت شفتيها غير قادرة على النطق ....و اتسعت عيناها تتأمله غير قادرة على ابعاد عينيها عنه ...
بينما قال منسق الحفل
( ستتأبطين ذراع وليّك نزولا على السلم الى أن يوصلك الى عريسك ..... )
رفعت ملك عينيها المذهولتين منتفضة الى رائف و هي تهز رأسها نفيا قليلا بطريقة غير ملحوظة ... الا أنه قال بخفوت وهو ينظر الى عينيها
( طلبت من سيف أن أحل محله ..... لن أتركك للحظة .....)
كانت ملك تنظر اليه فاغرة شفتيها الحمراوين .... تود لو تغمض عينيها و تفتحهما لتجد أن تلك الليلة ما هي الا كابوس ....
فهمست اختناق
( الا أنت ...... الا أنت ........ )
رغم انخفاض صوتها الا أنه سمعها بوضوح .... و كأن العالم ليس به سواهما , فاقترب منها خطوة وهو يقول بصوتٍ رجولي قاطع رغم خفوته ... وهو يحدق بعينيها من تحت خمارها
( لا أحد غيري ....... )
ثم مد ذراعه لها منتظرا .... فظلت تنظر اليه طويلا , قبل أن ترفع يدا مرتجفة .. مست بها ذراعه القوي تتعلق به كطوق نجاة ....
فشعر و كأنه يحمل حمامة بيضاء على ساعده ... و ليس صقرا .... حمامة تتشبث بذراعه بمخالب رقيقة .. على الرغم من رقتها الا أن تأثيرها انساب عبر طبقات حلته و قميصه و أرسلة رجفة عبر أوصاله ...
فجذبها معه وصولا الى أعلى السلم ...... حينها تسطلت عليهما الأضواء و بعض الشهقات من مدى جمالهما معا .... فتنهد رائف وهو يشعر بارتجافها الذي يزيد من الوحش الناهش في أعماقه ... بأصعب لحظة ممكن أن يمر بها ...
و صدحت الموسيقى عالية ... بينما اصطدمت عيناها بعيني كريم الذي ينتظرها أسفل السلم ...
كانت عيناه كعيني ظافر منتصر ... و ليس شخص أرغم على الزواج ...
عينان مفترستان ... تأكلانها حية .... ذرة ذرة ... و بريق مشتعل يضيئهما لدرجة تثير الذعر ...
لم تره و سيما أبدا .... على الرغم من أنها واثقة أنه اثار اعجاب كل أنثى في المكان .. بعينيه الملونتين الجائعتين و بريقهما اللاهث ... و شعره الفاتح اللامع و الذي طال قليلا .. فبات يشبه نفس الصبي الذي أحبته في الدار ... الا أنها فقدت هذا الحب .. و بدأت تفقد الشفقة , الا بعضا قليلا منها .....
همست ملك و هي تتشبث بذراع رائف
( رائف ......... أنا خائفة ....)
كان يحارب كي لا يظهر جانبا بداخله يأمره أن ينزل ليفترس ذلك الواقف بأسفل ينتظرها ... ثم يخطفها و يهرب بها ....
تلك الفتاة التي تتمسك بذراعه تخصه ... و لن يسمح لغيره أن ينالها الا ...... الا بطلبها هي ....
و الآن كان في لحظة ما بين الحكمة و القتل .... خاصة وهو يرى بوضوح نظرات كريم المفترسة لها ....
ضيق عينيه وهو يرفع يده الاخرى ليربت بها على يدها الممسكة بذراعه
( أعرف ........ لن أتركه يمس شعرة منكِ ...... أعدك .... )
كانا ينزلان كل درجةٍ ثم يتوقفان للحظة كي يتم تصويرهما بينما الاضواء أوشكت ان تعمي عينيها ...
فقالت بهمس متشنج
( لست واثقة ............. )
قال رائف بصرامة خافتة جعلتها ترتجف قليلا
( الا تثقين بي ؟!!............ )
رفعت ملك وجهها تنظر اليه من تحت خمارها ... فاخفض وجهه اليها ... و ابتسم ...
حينها تم التقاط عشرات الصور لهما .... بينما كان كريم يقبض أصابعه بشدة .... ينظر اليهما و الجنون بداخله يزداد و يتوهج ....
كان الانتصار لذته تكمن في اللحظة التي سيأخذها من ذراع رائف ... ليتركه متحسرا ...
الا أن تلك النظرة بينهما كادت أن تقتله هلعا !! .....
لكن الليلة .... الليلة سينسيها كل رجلٍ آخر على وجه الأرض ... سيعمل على ذلك حتى تهتف باسمه كالرجل الوحيد المهيمن على حياتها
كم اشتاق لملمس جسدها الناعم و الذي يعرفه حق معرفةٍ ... يكاد يستنشق عبيره , و أصابعه تتصارع ليلامس تلك النعومة المختبئة أسفل كل هذه الكومة البيضاء ...
وصلت ملك مع رائف الى آخر درجتين و هي تراقب الشعاعين بعيني كريم ...
فرفعت وجهها الى عيني رائف لتهمس قائلة بقوة
( لا أريده أن يرفع خماري ..... لا أستطيع تحمل تلك المسرحية ... )
توقف رائف مكانه للحظة قبل آخر درجتين .... فاستدار اليها وهو يقول بخفوت أجش
( طلباتك أوامر يا وردتي البيضاء .... )
و قبل أن تفهم قصده ... كان قد ترك يدها , ليمسك بحافة خمارها ... فرفعها عن وجهها الى أعلى رأسها ... أمام الجميع .... و عادت الصور برنين مميز من كل مكان رغم اندهاش المدعويين قليلا ...
بينما كان رائف ينظر الى وجه ملك دون أن يبتسم .... طويلا , لدرجة جعلتها تشك بأنه قد نسي الحفل ...
فهمس أخيرا بصوتٍ أجش
( ما أجملك حورية !! ........... )
همست هي الأخرى باسمه مذهولة و قلبها يخفق بعنف رهيب
( رائف ...... لا تتركني ......... )
ضيق رائف عينيه وهو يهبط بوجهه اليها .... ففغرت شفتيها بذهول دون أن تعي لأنها كانت ترفع وجهها اليه ...
و بدلا من أن تمس شفتيه جبهتها ... همس أمام بشرتها بخفوت
( سأكون كظلك ..... و لن تكوني له الا على جثتي ...... )
ثم ابتعد عنها تحت أنظارها المتعلقة به ... و شعر و كأنه ينتزع طفلته الباكية المتعلقة بعنقه بالقوة ....
سمعت صوت كريم يقول هازئا من خلف رائف
( ما الأمر يا .. خالي .... هل تنوي سرقة عروسي ؟! ....)
تشنجت ملك بشدة ... بينما أظلمت ملامح رائف و بدت مخيفة أمام عينيها , ... و تعالت بعض ضحكات المتواجدين من حولهم ...
بينما ابتعد رائف عن ملك و هو يستدير الى كريم الذي كان يبتسم بشراسةٍ غريبة ... جعلت منه مسخا مشوها بعيني رائف .....
و ما أن اقترب منها و أمسك ذراعها ... حتى انحنى اليها ليطبع شفتيه على وجنتها بقوةٍ ... و لعدة ثوانٍ جعلتها تغمض عينيها و تشعر فجأة بالغثيان و صور هجومه أكثر من مرة تندفع الى ذاكرتها ....
حاولت ابعاد وجهها عنه .... الا أنه منع هروبها بأن لف ذراعه حول خصرها بالقوة ... فشعرت أنها تكاد تختنق ...
نفس ذراعه ... نفس قوته التي قيدتها حين أجهض طفلها ......
بينما همس في أذنها متأوها وهو يلامسها بشفتيه غير آبها لوجود الجمع من حولهما ....
( أخيرا ......آآآآه أخيرا يا مليكة ...... ما أجملك يا دائي الوحيد !! ...)
أغمضت عينيها بشدة و هي توشك على أن تسقط أمام كل هذا العدد من البشر ... الا أنها حاولت استجماع قوتها بأقصى قدرة تستطيعها ....
و بدأت موسيقى عالية في الضرب من حولها ... و الألوان و الأضواء تتداخل أمام عينيها ...
بينما قوة ذراع كريم تجذبها اليه ليتقدم بها في اتجاه القاعة ... بينما هي تلتفت برأسها هاتفة دون أن تستطيع منع نفسها
( رائف ..... راااااائف .... )
لكن أحدا لم يسمعها .... فالصوت من حولها كان عاليا و كأنه صراخ شرس همجي ... ابعد ما يكون عن موسيقى زفاف ....
بينما كان رائف يبتعد بظهره و عيناه عليها ... الناس يتدافعون أمامه فيحجبونها عنه ...
و رغم الصوت العالي الصارخ ... الا أنه يكاد يكون متأكدا أنه سمعها تنادي باسمه ... فأغمض عينيه وهو يطرق برأسه متنهدا بعنفٍ بينما صدره يغلي بعدم قدرة على تحمل ابتعادها مع .... زوجها ... امام عينيه ...
نار حارقة كانت تشتعل بصدره ... بعنفٍ لم يعرفه تجاه مشاعره منذ سنواتٍ طويلة ....
شعور الغيرة ... شعور لم يظن أنه قد يقابله بمثل هذا العنف ... لكنها لم تكن مجرد غيرة عادية منطقية ...
بل هي غيرة مؤلمة بدرجة تجعله يود الصراخ عاليا و تحطيم هذا المكان ......
تبا لكل المنطق في هذا العالم .... كان عليه استغلال الموقف و عرض الزواج عليها ....
كان عليه خطفها لو تطلب الأمر ..... لقد طلقها الحقير أمامه .... سمع قسم الطلاق بنفسه .. و لا يهمه أن يسمعه أحد غيره .....
استلزمه كل قوته كي يسلمها له ..... بيده .... و يقف هنا منتظرا تلك الليلة أن تنتهى لينتزعها من هذا المكان ... و الأهم أن ينتزعها من بين ذراعي كريم .....
استدار مبتعدا وهو يقف عند نهاية القاعة ..... يتأوه بصمت حين اختفت عن عينيه تماما .....
.................................................. .................................................. .....................
وقف سيف خارج قاعة الزفاف في الظلام وحده .... يدخن سيجارة وهو ينعم ببعض الهدوء
ينظر الى الليل الداكن البعيد أمامه .... يضيق عينيه وهو يراقب آخر هذا الأفق عله يصل الى نهايتة ...
( أنت فعلا تحولت الى مدخن شره ........)
صوتها تخلل نسيم الليل الصيفي ... و عطرها سبقها الى رئتيه .....
فابتسم قليلا دون مرح ... و قال بهدوء
( هذا الدور لا يليق بكِ يا وعد ......... )
سمع صوت خطواتها تقترب منه على الأرض الرخامية برشاقة ... كعبي حذائها يصدران نغما كلاسيكيا يناسب مظهرها .... مظهرها الذي أهلكه منذ رآها خارجة مع ملك ....
كاد أن يصاب بنوبة جنون حانق وهو يراها بثوبٍ أسود كلاسيكي ضيق بالكاد يلامس ركبتيها ...
كميه القصيرين اللذين يتعديان استدارة كتفيها .... و شعرها الأسود الطويل التف بموجاتٍ طويلة انسابت على كتفيها بنعومة تنافس نعومة بشرتها ....
كاد أن يصرخ بها أن تعود و تبدل ملابسها و ترتدي ما يستر ساقيها و ذراعيها .....
الا أنه تذكر انها لم تعد تخصه ....أنه طلقها .....
فالتزم الصمت في نوبة عناد ... وها هو يدفع ثمنها الآن من أعصابه و كيانه المنقلب رأسا على عقب ..
و هو يلاحظ أن عيني كل رجلٍ في القاعة انحدرتا على قوامها النحيف الشبيه بقوام عارضات الازياء ...
وقفت وعد بجواره و هي تضع يديها على السور الرخامي أمامهما .... تنظر الى جانب وجهه الصلب .. وهو ينفث دخان سيجارته عاليا .... دون أن يتعطف عليها بكلمة ....
على الرغم من مأساوية هذا الحفل بالنسبة لها و لملك ... الا أن الجانب الأنثوي منها جعلها تهتم بأناقتها بشكل مبالغ فيه ... و هي تنتظر منه كلمة اعجاب .... كلمة تحيي أنوثتها من جديد و تسقي صحراء جسدها الجاف و المتشوق للمساته
لكنه نظر اليها نظرة صامتة ثم استدار دون أن يتكلم .....
لقد كسر نفسها المتألمة التي كانت تحتاج منه لكلمة اعجاب واحدة كي تصمد برقتها أمام تلك اليلة الصعبة عليهم جميعا ....
حين استمر الصمت بينهما طويلا ... و لم يتنازل حتى بالنظر اليها , فانتابها غيظ شديد منه
و قالت بتحدي راقي
( هلا أعطيتني سيجارة لو سمحت ....... أعصابي متوترة للغاية ... )
حينها و كأن عاصفة اندفعت خلاله فاستدار اليها بعنف وهو يهدر قائلا
( أعطيكِ ماذا يا روح والدتك الغالية ؟!!! .......... )
تظاهرت بالإندهاش و هي تقول ببساطة رافعة حاجبيها و هي تبعد شعرها عن كتفها بأناقة
( سيجارة يا سيف ..... ماذا بك ؟! ...... لم أحضر علبتي معي .... )
حينها هجم عليها يمسك بذراعها يجذبها اليه بقوةٍ فتأوهت بشدة ... بينما هتف بعنف
( هل تدخنين ؟! ..... منذ متى ؟! ...... )
قالت و هي تحاول أن تحرر ذراعها من يده التي بدت كالمخالب
( منذ فترة بسبب ضغط العمل ........ ما المشكلة ؟! ..... )
اتسعت عيناه بذهول بينما أوشك الغضب على أن يفتك به و بها ... وهدر مجددا وهو يجذبها اليه
( لقد جننتِ .... من المؤكد أنكِ جننتِ ....... )
عقدت حاجبيها و هي تهتف
( بل أنت الذي لا تزال رجعيا .... شره التدخين بينما ينتابك الجنون حين تعلم أنني أدخن مثلك .... )
هزها بقوة وهو يهدر غاضبا
( أيتها المعتوهة ..... حالة قلبك لا تتحمل التدخين ..... هل جننتِ ..... بالله عليكِ مما أنتِ مصنوعة ؟! ... )
سكنت ملامحها تماما .... و أفترت شفتيها عن تعبير رقيق و هي تسمع عبارته الهادرة ....
كانت تحاول الإبتسام ... الا أنها لم تستطع .....
ظلت تنظر الى عينيه الغاضبتين ... القلقتين ... و هي تنعم بتلك اللحظات قبل أن تقول بخفوت و رقة
( كنت أخدعك .... أنا لم أدخن بحياتي .... لا تقلق ... )
ظل قليلا غير مستوعبا بينما هو عاقدا حاجبيه يتحقق الصدق من الكذب بعينيها .... الى أن قالت برقة و هي تشير بعينيها الى السيجارة في يده
( لكنني أدخن معك الآن تدخينا سلبيا ........ )
رمش بعينيه وهو ينظر الى سيجارته المشتعلة .. قبل أن يرميها أرضا و يدهسها بحذائه وهو يتمتم غاضبا
( تبا ......... )
كانت تنظر اليه مبتسمة و هي تقول
( قد يخرج احد الى هنا و يرانا في هذا الوضع ....... هلا تركتني رجاءا .... لن أهرب أعدك ... )
رفع عينيه الغاضبتين الى عينيها الرماديتين الواسعتين المكحلتين بجمالٍ زاد من جمالهما ....
فترك ذراعها و كأنها احرقت كفه بنعومتها التي لم يلحظها قبلا في غمار قلقه عليها ....
لكنه عبس بشدة وهو يراها تدلك ذراعها من تأثير قبضته الساحقة التي ستترك علاماتٍ على بشرتها البيضاء
فقال معتذرا عابسا وهو يستدير عنها
( آسف .......... لكنك غبية ... )
قالت ساخرة
( منذ متى ؟! ........ )
رد عليها بخشونة دون أن ينظر اليها
( طوال عمرك غبية ........ )
ضحكت قليلا و هي تقول
( لم أقصد ذلك ..... بل قصدت منذ متى الأدب و الإعتذار ... ليست عادتك .... )
تأفف عاليا وهو يخرج علبة سيجارته ينوى اخراج واحدة .... الا انه تذكر وقوفها فقال مجددا بغضب
( أووووووف ..... هلا ابتعدتِ من هنا .... )
لكنها لم تبتعد ... بل استندت الى السور بظهرها بينما هو واقفا معاكسا لها .... فرأت وجهه بوضوح , و هي تقول ضاحكة قليلا
( يا اللهي أنت فعلا أصبحت مدخنا شرها ........ )
قال سيف من بين أنفاسه الغاضبة
( لا دخل لكِ يا وعد .........)
الا انها قالت بخفوت و بساطة
( الا يحق لي القلق عليك كما تقلق علي ؟!! ..... فأنت رغم كل شيء لا تزال ابن عمتي )
لم يرد عليها .... بل كان حتى يتجنب النظر اليها ... لكنها استطاعت سماع أنفاسه الخشنة ..
فاستدارت مثله وهي تنحني كي تستند الى السور بمرفقيها بميوعةٍ ...
حينها لمحت عينيه تنظران اليها رغم عنها ... تراقبان انحنائها الرشيق ...
فابتسمت و هي تعلم انه لا يزال يحبها .... على الرغم من أن هذا يبدو في منتهى القسوة و الظلم
الا أنها كانت سعيدة سادية و هي تعلم بأنه يحبها ... و لن يحب غيرها رغم الطلاق ....
ليلة أمس بعد مكالمته لها ... كانت كالمجنونة و هي تتخيل آلاف الصور له مع نساء غيرها ....
على الرغم من أنها تكاد أن تقسم بأن سيف لا ينجرف الى حياة العبث أبدا .... ليس هو ... و ليس طبعه ...
لكن رغم ذلك فنارها لم تهدأ للحظة واحدة ....
حتى الآن هي تراقبه ... تكاد تفحصه .. و تتخلل كيانه بعينيها لترى ان كان ارتاح مع غيرها !! ...
لكن عصبيته الشديدة تخبرها بأنه لم يفعل .... ليتها فقط تجزم بذلك ....
قال سيف أخيرا بخشونة يحاول تجنب تأثيرها عليه
( هل ملك بخير ؟! ........... )
تنهدت وعد و هي تعود لأرض الواقع بقسوة .....
واقع أن ملك ستغادر عريسها الليلة و ستتطلق قريبا ...
وواقع أن سيف طليقها و ليس زوجها .....
فقالت أخيرا تتنهد بخفوت
( من منا بخير ؟! ........ هذا الزفاف ما هو الا مسرحية رخيصة و ستصبح ملك مطلقة خلال أيام ..... بعد أن كنت أتخيلها عروسا لرجلٍ ذي شأن عظيم .... فها هو الزفاف لكن دون الشأن العظيم ... )
نظر اليها سيف بصمت ... بينما تابعت و هي تقول بخفوت ناظرة الى السماء السوداء أمامها
( منذ أن عثرت عليها .... و رأيتها شابة , سحرني جمالها ... و قبله جمال شخصيتها ... لذا كنت متأكدة أنها تستحق أن تكون عروسا لرجل عالي المستوى .... يليق بجمالها .... فهي تبدو كفتاة من فتياتِ الحكايات ... لذا اخذت ألهث كي احقق لها بعض المستوى تجهيزا لهذا الرجل المنتظر ..... كي لا يجدها مجرد بائعة زهور و اختها ما بين تقديم مشروبات و بين الخياطة ... من همٍ الى هم يا قلبي لا تحزن .... )
مطت شفتيها ضاحكة و هي تتابع قائلة
( كنت أنوى البحث لها عن عريس بنفسي ..... رغم أن الزواج لم يكن أبدا هو مطلق حلمي .... لكن حين يخص الأمر ملك , لم أكن أفكر سوى بمن ستتزوج و كأنني أم قديمة الطراز ......)
صمتت قليلا غير واعية لعيني سيف المدققتين بها و حاجبيه المنعقدين بشدة ... ثم همست تقول أخيرا
( و ها هي تزوجت ... و بحفل زفاف أسطوري .... بينما قلبها ينزف ألما .... )
هزت رأسها نفيا و كأنها غير مقتنعة .... ثم أخفضت رأسها , فانسدل شعرها حول وجهها ...
ظل يراقبها طويلا و هي تكاد تدفن وجهها بين ذراعيها المستندتين الى السور الرخامي ... و حين لاحظ اهتزاز كتفيها قليلا ... همس بصوتٍ اجش
( وعد ...... هل تبكين ؟! ....... )
لم ترد عليه ... و لم ترفع رأسها , فاقترب منها خطوة ... و رفع يده الى ظهرها ... فظلت معلقة في الهواء للحظة ... ثم انزلها أخيرا الى ظهرها يلامسها برفق وهو يقول بخفوت
( ارفعي وجهك ....... )
الا أنها ظلت مكانها .... غير قادرة على مواجهته ... فلم يجد بدا من أن يمسك بخصرها بكفيه و يرفعها لتقف أمامه ... و هاله أن يرى خطوطا سوداء مرتسمة على وجهها ... و مع ذلك لم يقلل هذا من جمالها ...
بينما همست بإختناق و هي تمسح وجنتيها بقبضتيها
( ياللهي .... لقد افسدت زينتي و من المؤكد أبدو مريعة الآن .......)
كان سيف ينظر اليها بصمت ... بينما صدحت من الداخل أنغام هادئة .... حالمة .....
فقال بخفوت وهو يمسك بقبضتها يخفضها عن وجهها
( ارقصي معي ........)
اتسعت عينيها بذهول ... بينما عقد هو حاجبيه بشدة وهو هو يلامس خصرها بيده ليجذبها اليه وهو يقول بخشونة ٍ خافتة
( أنتِ لا زلت زوجتي ..... فأشهر العدة لم تنتهي بعد .....)
أغمضت وعد عينيها و هي تهمس بينما تميل برأسها الى كتفه
( هشششش ........)
فضمها اليه بقوةٍ وهو يتمايل معها ....يتنهد بعطرها ... يضمها الى صدره الجائع المشتاق .... تاركا الغد لمصيره ....
.................................................. .................................................. ..................
كانت ملك تصارع كي تبعد ذراعيه عنها و هو يراقصها .... بينما كان هو يضمها اليه بقوةٍ ... و جرأة علنية فجة ... يقتنص وجنتيها و شفتيها بقبلاتٍ مسروقةٍ أمام أعين الجميع من الهاتفين و المصفقين بصفاقة ...
فهمست بجنون من بين شفتيها المحترقتين باشمئزاز
( ابتعد عني ........)
الا أنه كان بعالمٍ آخر من الهوس بها .... يتلمسها ... يتذوقها ... يشعرها بأنه مدمن و هي ادمانه ... لدرجةٍ أشعرتها بالقذارة التي تناقض بياض هذا الفستان الذي ترتديه و لا تليق به ....
همس في أذنها
( جميلة أنتِ جميلة .....أخيرا و بعد كل هذه السنوات أنت بين ذراعي أمام العالم كله ... من شدة نشوتي أشعر بالرغبة في طرحك أرضا و التهامك بنهمٍ أمامهم بعد أن كنتِ الخفاء .... أصبحتِ العلن بكل بهائه و سطوع ضوئه .....)
كان الغثيان يتزايد بداخلها بشدة و هي تدعو الله أن ينتهي هذا الحفل سريعا و تجد نفسها بسيارة سيف كي يعيدها للبيت .... و رائف سيكون معهما .... رائف !!
فتحت عينيها تبحث عنه في كل مكان .... الى أن أبصرته ....
كان يقف في آخر القاعة ... ينظر اليها بين ذراعي كريم و الصدمة تبدو واضحة على ملامحه ....
كان يقف كماردٍ ضخم ... أطول من كل الحاضرين رغم بعده ... و قبضتاه منقبضان الى جانبيه ....
بينما كان وجهه ..... و عيناه ......
كانت تنظر اليه باعتذار فطري ... لا تعرف له سببا .... و توسل بالغريزة .....
لكن عيناه كانتا مخيفتان وهو ينظر اليها .. ثم الى الجمع من حوله قليلا و كأنه يحاول السيطرة على نفسه كي لا يفتعل فضيحة ...
ثم يعود بعينيه الى عينيها لاهثا .... غاضبا ....
فجأة شعرت بقبضة كريم تمسك بذقنها تدير وجهها اليه ., و شفتيه تطبقان على شفتيها في قبلةٍ سرقت اليها أضواء الكاميرات كلها و تصفيق الجميع و كأنها حلبة مصارعة ....
صرخت فجأة بين شفتيه و هي تضرب صدره بقبضتيها
( ابتعد عني .......... )
ضاقت عيناه بشر , الا أنها لم تهتم .. بل طارت عيناها بحثا عن رائف , لكنها لم تجده ... بل وجدت مكانه خاليا .... مظلما ....
فأطرقت وجهها بخزي و ألم .... حينها ضمها كريم اليه يهمس بشرٍ مختبىء داخل نبرةٍ ناعمة كالعسل
( مليكة ....... )
انتفضت تنظر اليه وهي تقول
( قدمي أوجعتني ..... أريد الجلوس ..... )
و دون أن تسمع رأيه ابتعدت عنه كي تذهب الى أريكة العروسين و ارتمت جالسة عليها ... تبحث بعينيها عن رائف .... لكنها أيضا لم تجده .... و أثناء بحثها , التقت عيناها بعيني كريم الذي كان لا يزال واقفا مكانه حيث تركته .... ينظر اليها بنظرةٍ مخيفة ... الا أنها لم تهتم بها ...
كان كل همها يدور حول سؤال واحد ..... هل يمكن لرائف أن ينسى تلك القبلة التي رآها بعينيه !! ....
.................................................. .................................................. ..................
أخذ الوقت يمر ببطىء ... و هي جالسة مكانها مطرقة الرأس ....
كان كريم يرقص مع اصدقائه و يتعالى صراخه بجنون صاخب و كأنه فاز بأكبر جائزة يناصيب ...
بينما كانت شبه متأكدة بأسى أن رائف رحل و تركها ..... فهي لم تره مجددا ....
اخذت تفرك اصابعها محاولة حساب كم تبقى من الوقت كي تنتهي تلك المهزلة .....
ستنتهي برحيل آخر مدعو .... و حينها ستغادر مع سيف .... بعد أن رحل رائف .....
رفعت وجهها بأسى .... فشهقت و هي تراه مجددا ... يقف بنفس مكانه هناك , فابتسمت رغما عنها ...
و كانت تلك هي أول ابتسامة لها في هذا الزفاف البائس ....
صحيح أنه لم يستطع أن يرد لها الابتسامة بمثلها .... الا أن عينيه رقتا لها قليلا ... و كان ذلك في حد ذاته كفيلا كي لا تفقد ابتسامتها ...
لكنها انتفضت فجأة على صوت كريم وهو يقول في مكبر الصوت الخاص بمنسق الأغاني ....
( أصدقائي و حضرات المدعوين الكرام ..... كانت ليلة رائعة و لا تزال .... لكنني مضطر للخروج مع زوجتي و الصعود الى غرفتنا الآن .... فأنا غير قادر على الإنتظار أكثر .... سنوات طويلة من الحب ستكلل الليلة .....و غدا ستنقلنا الطائرة لشهر عسل هو مفاجتي المذهلة لعروسي الجميلة ... لذا استمتعوا بكل دقيقة و كأننا معكم تماما ... تحياتي للجميع .. )
تعالت الشهقات و الضحك الصاخب من صراحته الفظيعة ... لكن ملك لم تعي بنفسها الا و هي تشهق رعبا ..
أي ليلة ؟!! .... أي غرفة ؟! .... شهر عسل من ؟!!!
فنظرت بذعر الى رائف الذي كان يبدو غاضبا .. هائجا بصمت ....
ثم دون لحظة تأخير واحدة ... و جدته يندفع خارجا من القاعة ....
فرفعت يدها الى صدرها و هي تبحث عن سيف ...
لو تطلب الأمر فستصرخ و تجري من القاعة و ليحدث ما يحدث ..... و لتكن الفضيحة , لكن المهم أنها لن تدع كريم يقترب منها أو يلمسها ...
تدافع المهنئين الى كريم ... يحجبونه عنها قليلا .. لكن عيناه الشرستان كانتا مصوبتان عليها باصرار .. كي لا تهرب ...
و مرت عدة دقائق .... فانقشع الجمع من حوله ... و بقي هو واقفا ينظر اليها و في عينيه نظرة قناص حاد النظر ... يقترب منها على مهل...
الى أن وصل اليها , فأمسك بيدها يجذبها اليه بالقوة حتى نهضت من مكانها و ارتمت عليه فتلقفها بين ذراعيه .. الا انها انتفضت تدفعه في صدره بغضب....
و ما أن استقامت حتى وجدت رائف يندفع داخلا الى القاعة مجددا ...
فرمشت بعينيها و هي تتنفس براحة , على الرغم من لا تصور لها عن كيفية انقاذه لها .......
قال رائف بصوتٍ جليدي صلب من خلف كريم
( هل يمكنني تهنئة العروس يا عريس ؟! ............ )
ابتعد كريم ببطىء عن ملك .... و استدار ينظر الى رائف للحظات قبل ان يقول مبتسما بتشفي
( تفضل يا خالي ..... أعرف أنها "كابنتك" التي لم تنجبها تماما , لكن أسرع فنحن نريد الهرب من هنا لبدء شهر العسل ..... أنت تدرك طبعا مدى لهفتنا لذلك ... و لهفتي أنا تحديدا ... )
تجمدت عينا رائف .... و انقبضت كفه اكثر ... الا انه ابتسم ببرود ... ليقول بلطفٍ زائد
( أعرف لهفتك يا حبيب خالك .... خاصة بآخر لقاء لنا ... حين كنت مقيدا ... مرميا أرضا ... تتوسل حبها و بقائها... )
برقت عينا كريم بكرهٍ بشع .. شوه شكله الوسيم ... لكنه ضحك عاليا بعد لحظات ثم قال بصوتٍ عالٍ
( كان مجرد حلما يا خالي العزيز ..... بل كابوس احلم به دائما بأنها تتسرب من بين أصابعي ... لكن كلما استيقظت أجدها لا تزال ملكي ... فأتنفس الصعداء ..... )
ظل رائف ينظر اليه بصمت .... نظرة مخيفة في برودها و الجحيم القابع تحت سطح هذا البرود ...
ثم تجاهله وهو يستدير الى ملك ملتقطا يدها كي يصافحها مهنئا ...
أخفضت ملك وجهها و هي تشعر بأن شيئين صغيرين انتقلا من كفه الى كفها فأخفضت وجهها ..
الا انه كان أسرع منها وهو ينحنى اليها مقبلا وجنتها !!.... مما جعلها ترفع وجهها اليه شاهقة بذهول
فهمس بالقرب من فكها
( لا تخفضي وجهك .... هذه الأقراص ضعيها له بأي شراب و سأكون عندك خلال دقائق بكل الأحوال .... حتى ولو لم تتمكن من فعلها .... )
أبعد وجهه عنها ينظر اليها بصمت ...الى وجهها المشع احمرارا بشدة و هي لا تزال فاغرة شفتيها من قبلته التي حطت على وجنتها للتو !!... و خشي الا تكون سمعت ما قال ...
فأعاد برقة مؤكدا عليها
( هل سمعتني يا عروس ؟! ....... مبارك حبيبتي ... )
فغرت شفتيها أكثر ... و اتسعت عيناها بذهول أشد .... لكنها أومأت بغباء و هي تقبض كفها على الأقراص
فأومأ هو الآخر برأسه و عيناه بعينيها ... ثم ابتعد عنها على مضض ...
حينها اندفع كريم وهو يقبض على كفها الآخر ليقول بقوة و كرامةٍ مهتزة
( هيا مليكة ....... لنغادر قبل أن ينتهز خالي الفرصة ليقبلك مجددا ....)
تسمر رائف مكانه و انقبض صدره بشدة وهو يرى كريم يجر ملك خلفه ليندفع خارجا....
بينما كانت هي تنظر للخلف ... اليه ... عيناها متعلقتان به ... تقتله .......
.................................................. .................................................. ......................
فتح كريم باب الغرفة بنفسه بعد أن صرف العامل .... و دون كلمة استدار الى ملك المذعورة وانحنى ليحملها بسرعةٍ بينما شهقت هي عاليا و أخذت تصرخ بغضب و هياج ....
( أنزلني ....... أنزلني ...... )
ضحك كريم وهو يسرع بالدخول وهو يحملها هامسا
( ششششش ستثيرين الذعر بجنونك هذا ....... )
و ما أن أنزلها أرضا على قدميها و استدار ليغلق الباب ... حتى جرت سريعا و هي تحمل حافتي فستانها الى آخر الجناح الفخم ...
التفت كريم اليها مجددا يبحث عنها ... و حين رآها تقف في ركنٍ بعيد ... ترتعش و تنظر اليه بغضب يخالطه خوف تحاول جاهدة اخفائه ...
فقال باسما وهو يخلع سترته ببطىء ليلقيها بعيدا باهمال
( تبدين عروسا عذراء بحق ...... ربما لم تكن ليلتنا الأولى مرضية لكِ , لكنها كانت كالنعيم بالنسبة لي و ستظل تحفر ذكراها بقلبي دائما ... لكن هذا لن يمنع أنني سأحاول تعويضك عنها بأقصى استطاعتي ... )
نزع الصديري الخاص بالحلة ليلقيه هو الآخر على الأرض , بينما وقفت ملك تنظر اليه باشمئزاز و هي تتذكر تلك الليلة التي يحكي عنها بكل تفاصيلها المأساوية ... متغاضيا عن ذكر اعتقادها أنها كانت متزوجة رسميا منه بينما هو في الواقع لم يكتب سوى ورقة بيضاء ... تساويها رخصا .....
تجمدت عيناها عليه و هي تتمنى لو تنهش عينيه .... و صدره العاري الذي يتباهى به الآن بعد أن نزع قميصه عنه ....
وهو يقترب منها ببطء و بعينيه نظرة افتراس جلية , و ما أن لاحظ نفورها الواضح حتى قال برقته القديمة الناعمة كالعسل
( مليكة .... الا يمكنك تجاوز ما مضى ... انظري كيف جمعنا القدر رغم الجميع .... دون خسائر تذكر ..... آنا آسف و سأظل عمري كله أعتذر لكِ و أحاول أن أعوضك .... هلا منحتني الفرصة ..... )
كان قد وصل اليها , فوضع يديه على خصرها وهو ينحني اليها ليداعب عنقها بأنفه ....
بينما كانت هي متشنجة كتمثال من رخام .... و أوشكت على الصراخ , الا أنها تماسكت كي تنفذ خطة رائف أولا .... فقالت بجهد جبار و هي تتحمل لمساته البغيضة
( آسف على أي شيء ؟! ... على النصب أم الإغتصاب أم القتل ؟! ..... حدد رجاءا كي أحاول أن أسامحك )
رفع وجهه عنها بغضب وهو يقول بصوتٍ خافت خطير
( الا ترين أنكِ تبالغين بدرامية سخيفة ......... )
نظرت الى عينيه و هي تهمس بشراسة و قد نست خوفها
( لقد أوهمتني بأنه زواجا رسميا .... ثم فرضت رغبتك علي دون ارادة مني .... قيدتني بين ذراعيك و قتلت ابننا .... ثم ادعيت أنني مجنونة معتوهة ... مستغلا ظروفا ممرت بها و أنا صغيرة .... أي حقير .. دنيء ... قذرٍ أنت .... )
كانت تصرخ بكلماتها الأخيرة بجنون ....
فاشتعل الغضب بعينيه وهو يصرخ هو الآخر
( كفى ........ كفى ..... أنا أحاول جاهدا السيطرة على جموحي معك لكنك لا تمنحيني الفرصة ... بينما كان عليك أن تكوني شاكرة لأنني لم أعاقبك على ما فعلته مع رائف المرة السابقة ..... فقد اعتبرت أنك نلت حقك و انتهينا .... لا أريد كلمة أخرى عن الماضي ..... لقد نلتِ حقك كاملا .... و أنا راضيا و عليكِ أن تكوني راضية كذلك .... )
فغرت شفتيها بذهول و هي تنظر اليه .... بينما همست بصوتٍ واهي
( نلت حقي ؟! ..... لمجرد أنه ضربك ؟! ...... هل هذا هو حقي ؟! ...... )
تنهد بجنون وهو يصرخ فجأة بهياج مما جعلها تصرخ هي الأخرى بذعر لتتراجع ملتصقة بالجدار خلفها مغطية أذنيها بكفيها
زفر كريم بغضب وهو يشتم بصوتٍ منخفض .... ثم نظر لذعرها فتنهد بعد فترةٍ ليقول بعدها بعذاب
( لماذا تجبريني على هذا ؟!! ..... ماذا ستجنين من كل هذا ؟! .... لطالما كنتِ تفهمين طباعي و تحتوينني بكل رقتك و حنانك .... ما الذي غيرك ؟! ..... )
كانت تلهث بذعر .... و هي تراه مجنونا مختلا ... , لكنها سيطرت على نفسها بالقوة و هي تخفض كفيها لتقول باختناق لم تحتاج الى تمثيله
( أريد أن أشرب ....... أشعر بعطش شديد .... )
نظر اليها بلهفة وهو يبتسم قليلا , ثم هتف هامسا
( طبعا ...... طبعا مليكة .... فقط ارتاحي ... أو دعيني أنا أريحك ... فقط اهدئي .... )
ابتعد عنها ليتجه الى مسطح رخامي .... يحتوي على زجاجة خمر كهدية للعروسين بناءا على طلبه , ففتحها بقوةٍ و سائلها الذهبي الأبيض ينساب على يده ....
صب لها كأسا .... و لنفسه , بينما كانت تراقبه بصمت , قبل أن تقول بفتور
( متى تعلمت شرب الخمر ؟! ...... لم أكن أعلم ذلك ...... )
نظر اليها بطرف عينيه ... ثم ضحك قليلا وهو يقول
( قليلا فقط ... في بعض المناسبات ....لا يقارن شربي بشرب أمي .... فهي نهمة للخمر مهووسة و تقوم بحركاتٍ مجنونة بعد أن تسكر ...... لكنها تصبح مغرية لا تقاوم )
عقدت ملك حاجبيها بشدة و نفور .... ها هو يتكلم عن أمه مجددا بطريقة ..........
تثير الغثيان بغرابة ..... بينما كان هو يقول بخفوت ناظرا للسطح الذهبي الشفاف ...
( جميلة هي منذ أن رفضتني ......... هشة كأجمل النساء الضعيفات اللاتي يثرن الرغبة في حمايتهن , لكنها لا تصلح لأن تكون أما ..... )
رفع وجهه الى ملك التي كانت تنظر اليه بقتامة فقال مبتسما ببساطة
( لذا لم أعاملها كأم ......... )
هز رأسه قليلا وهو يعود لنفس الموضوع
(المهم ..... ترفقي بي مليكة , فالليلة ليلة زفافنا و أنا أنوي أن أجعلك راضية بكل ما أملك من أسلحتي ..... فقط لا تقاوميني ..... )
اتجه اليها ببطىء وهو ينظر الى عينيها مبتسما .... و ما ان مد لها بكأسٍ من الكأسين حتى تناولته و هي تقاوم رغبتها في القائه بعيدا .... بينما نظرت بقلق الى كأسه ثم همست بخفوت
( فقط عدني بشيء ......... )
نظر اليها بذهولٍ من صوتها الرقيق المذعن فهتف بلهفة
( أي شيء ...... اي شيء يا مليكة....... )
أطرقت برأسها و هي تهمس
( لا تقترب مني الى أن أهدأ تماما ...... ليس قبل ذلك , أريد أن أكون أنا من تناديك ..... أرجوك )
أغمض عينيه وهو يتنهد بقوةٍ تعبا و فرحا .... ثم همس بصوتٍ معذب سعيد
( على عكس ما تعتقدينه ...... أنا قادر على تحمل أي شيء ... اي شيء في سبيل ارضائك ... مهما كان صعبا مضنيا ... لذا .... فطلباتك أوامر مليكة .... )
اقتربت منه رغما عنها ... بكل النفور في جسدها و ارتفعت على أطراف أصابعها و هي تحيط عنقه باحدى ذراعيها .... حتى أصبح كأسها خلف رأسه و هي تقبل وجنته بشغف رائع التمثيل و هي تهمس
( شكرا .... لك ...... )
كان مذهولا ... يبدو كمتسول عاجز ... وهو يشعر بها ترتجف بين ذراعيه برضاها .... فهمس باختناق مذهول
( الا تمنحيني قبلة فقط ..... واحدة فقط أستطيع بها الصمود .... )
ابتلعت ريقها بصعوبة .... ثم أومأت برأسها بصمت .... فازداد ذهوله وهو يقترب منها ببطىء
و ما أن لامس شفتيها بشفتيه حتى أسقطت يدها بالكأس على ظهره ... فانتفض صارخا
( ما اللذي ؟! .......... )
تظاهرت بالذعر و هي تهتف
( أنا آسفة ....... أنا آسفة ...... لم أقصد لقد ارتعشت يدي و أنت تقبلني ..... )
رمش بعينيه وهو ينظر اليها متدلها برقتها و استسلامها .... فقال بخفوت
( حقا يا مليكة ؟! ........ )
أومأت برأسها بصمت ... ثم همست بخفوت
( هلا أحضرت لي واحدا آخرا ..... أنا أرتجف بشدة ....... )
هز رأسه قليلا بعدم تصديق وهو يهمس
( من عيوني مليكة ...... من عيوني .... خذي كأسي اشربي منه و سأحضر واحدا آخر .... )
فالتقطته منه مبتسمة و ما أن استدار عنها رغم عنه .... حتى اسقطت القرصين في الكأس و أخذت تديره بسرعة قبل أن يعود اليها ......
ثم سكبت رشفة منه بعيدا ... و ما أن عاد اليها بواحدٍ آخر .... حتى أخذته منه و ناولته كاسه وهي تهمس
( خذ هذا ...... لقد رشفت منه رشفة ..... )
ثم بللت شفتيها بلسانها بقصد .... حينها بدا كالأبله فعلا وهو ينظر الى لسانها مذهولا .... ثم شرب كأسه في جرعةٍ واحدة و عيناه لا تزال على عينيها ......
بينما كانت هي ترتجف بقوةٍ و هي تخشى أن يضيع كل شيء بسرعة .... و بالفعل همس كريم بجنون
( لا أستطيع الإنتظار ...... أنا آسف مليكة ..... لا أستطيع .... )
تجمدت عيناها بذعر و غضب ... لكنها همست بجمود
( لكنك وعدتني .......... )
همس بخفوت وهو يلهث قليلا
( لم يكن عليكِ اذن أن تثيريني ........ )
قفزت ملك من أمامه و هي تجري رامية الكأس بعيدا .... لكنه لحقها بسرعة صارخا
( لا تثيري جنوني كالمرة السابقة يا ملك , و تبكين بعدها ....... )
الا أنها مدت يدها في صدر فستانها و أخرجت منه مدية صغيرة أشهرتها في وجهه و هي تقف متحفزة بعينين شرستين و هي تهمس من بين أسنانها
( أقسم بالله لو اقتربت مني فسأفتلك ....... )
تسمر مكانه وهو ينظر اليها بذهول , قائلا
( تحملين مدية معك ؟!!! ...... أتهددينني بالقتل ؟! ...... )
هتفت بقوةٍ صارخة
( لم أكن لأترك شيئا للإحتمالات يا كريم القاضي ..... خاصة حين يتعلق الأمر بك تحتلني من جديد و تمارس علي أمراضك ....... )
وقف مكانه مصدوما .... غاضبا .... شرسا .....
لذا لم تمر لحظتين .... حتى هجم عليها صارخا
( اذن أريني أفضل ما لديكِ ....... )
حينها لم تتوانى عن شق فكه بجرحٍ سطحي ... فصرخ متألما وهو يتراجع عنها واضعا يده على الجرح النازف بذهول .... ينظر اليها غير مصدقا ....
.................................................. .................................................. ...............
نظر الى ساعة معصمه و هو يقارب الجنون .... لم تنتهي النصف ساعة ... بل تبقى منها خمس دقائق ...
الا أن هذه الدقائق بدت كالدهر .... فاندفع بكل قوته الى جناح العروسين ... حتى أنه كان تقريبا يركض في الممر الطويل ... و قلبه يصرخ بخوفٍ لم يعرفه منذ فترةٍ طويلة
نبضاته كلها تصرخ باسمها هلعا .... ملك ... ملك ... ملك ... كيف طاوعه قلبه و تركها ؟!!! ...
وصل الى الجناح ... فطرق بابه بعنف و حين لم يسمع صوتا أخذ يطرقه مجددا و بعنفٍ أكبر ..... الى أن سمع صوتها المرتجف يهمس من خلف الباب
( من ؟!!!! .......... )
حينها هدر نفسه بالصعداء وهو يستريح بكفيه و جبهته على سطح الباب ... لاهثا بتعب وهو يقول بخفوت
( إنه أنا يا صغيرة ...... افتحي الباب .... )
فتحت الباب ببطىء .... الى أن رآها واقفة أمامه بكامل فستانها الضخم ... تنظر اليه بخوف , الا أنها كانت سليمة تماما ...
حينها همس بقوةٍ
( ملك ...... ياللهي .. الحمد لله ... كدت أن ..... )
لم يكمل كلامه حين ارتمت على صدره ترتجف بشدة تحيط خصره بذراعيها .... فاتسعت عيناه قليلا و تشنج جسده كله ... و نظر الى جانبي الرواق .. قبل أن يغمض عينيه للحظة متحملا ذلك العذاب ... الحلو بطريقةٍ سافرة بحتة ...
ثم تحرك بها الى الداخل و أغلق الباب خلفه ليستند عليه ..مرجعا رأسه للخلف مغمضا عينيه بصعوبة ....
بينما هي لا تزال مرمية على صدره تتشبث به و ترتجف بشدة ....
فتح رائف عينيه و أمسك بكتفيها يبعدها عنه بالقوة و هي تمانع بشدة ... وليست في وعيها الكامل ....
فضحك قليلا بغضب و استياء
( ابتعدي يا صغيرة ..... كي لا أنسى الجزء القليل المتبقي من ضميري ..... )
كان يعلم أنها لا تسمعه ... فقد كانت في صدمة واضحة ... فرفع وجهها الشاحب اليه و أخذ يربت عليه بقوةٍ كي يعيد الدم اليه وهو يقول بحزم
( ملك .... ملك ..... أنتِ بخير ..... أنتِ بخير و لم يصبكِ مكروها .... )
أخذت تنظر حولها قليلا ... و هي ترمش بعينيها ... الى أن رفعتهما الى عينيه تقول بصدمة متأخرة و هي تتلمس نفسها
( أنا بخير ..... أنا بخير .... نعم أنا بخير ..... )
كل حركاتها تثير كيانه و تشعل به نارا تأبى أن تنطفىء .... الا أنه لاحظ بجنون أحمر شفتيها ملوثا ... مدنسا حول فمها ...
فابتعد عن الباب بجنون مندفعا للداخل ... يريد ضربه و سحق فمه الشهواني البغيض ...
الا أنه وجد كريم مرتميا على السرير ... فاردا ذراعيه ... رتيب التنفس ....
فاقترب رائف منه بعينين داكنتي الشر .... و رفع قبضته المضمومة عاليا ... الا أن ملك تعلقت بمعصمه في اللحظة الأخيرة و هي تهتف بذعر
( لا يا رائف .... لا .... إنه غائب عن الوعي ..... اتركه أرجوك , لقد جرحته بالفعل .... )
لم يهدأ غضب رائف ... و لم تلين ملامحه وهو ينظر الى الجرح في فك كريم ببرود .... ثم قال أخيرا بفتور قاسي
( بماذا جرحته ؟!! ......... )
أخرجت المدية من صدر فستانها تحت أنظاره المصدومة .... ثم قالت
( كان يجب أن آخذ احطياطاتي ....... )
ظل ينظر اليها بوجوم قليلا .... قبل أن يضحك بخفوت وهو يقول
( يبدو أنكِ لستِ في حاجةٍ لي يا صغيرة ........ )
نظرت الى وجهه بصمت .... قبل أن تقول بخفوت
( لكل منا وجهة نظر في ذلك ...........)
ضاقت عيناه بشدة .... و نبض قلبه بعنف , فعبس وهو يستدير عنها ليتأمل ذلك المرتمي على السرير ...
كان رائف يدور حول السرير ببطىء دون أن ينزع عينيه عن كريم ... ثم قال بخفوت
( لأول مرة بحياتي أشعر أنني لا أستطيع التمييز بين الصح من الخطأ ..... )
قالت ملك بخفوت
( هل تظن أن ما نفعله خطأ ؟!........ )
رفع وجهه اليها يقول بنبرةٍ ذات مغزى .... و ببطىء شديد بينما عيناه بعينيها
( أنتِ زوجته .... و أنا سآخذكِ معي الآن ..... )
كانت تنظر اليه بصمت طويل دون أن تحيد بعينيها عن عينيه ... ثم قالت أخيرا بهدوء
( ليس لوقتٍ طويل ....... لن أظل زوجته لوقتٍ طويل , هذا لو تحركنا حالا كي نبدأ في الإجراءات ... )
ارتفع حاجبيه و هو ينظر اليها يود لو يقبل قوتها تلك بكل شغفه المضني ... ثم انتشرت الإبتسامة على وجهه تدريجيا قبل أن يقول بنفس الهدوء
( اذن ...... هيا بنا ..... )
نظر حوله وهو يقول منعقد الحاجبين
( أين ال .......... )
ثم لم يلبث أن هتف وهو يضرب جبهته
( لقد نسيت الحقيبة في الخارج ........ )
اندفع الى الباب و هي تقول بحيرة
( أي حقيبة ؟!!! .......... )
رأته يفتح الباب ليتناول حقيبة ساقطة أرضا ثم يعود اليها قائلا
( لقد أقنعتهم في البهو أنني خال العريس و أنني أحمل له بعض الملابس التي يحتاجها ..... )
مد الحقيبة اليها وهو يقول بحزم
( ادخلي الحمام و بدلي ملابسك بسرعة ..... فليس من السهل أن نهربك و أنتِ ترتدين تلك الكومة الخيمية .... )
أخذت ملك الحقيبة و جرت الى الحمام بينما قال رائف بنفس الغباء السابق .... حين كانت ببيته
( هل تحتاجين مساعدة في خلعه ؟! ....... )
أغمض عينيه يلعن غبائه للمرة الثانية ..... يقسم أنه بريء النية , رغم انه الآن بدأ يشعر بالنية تتلوث قليلا ...
لكنه فتح عينيه حين شعر بها تقف مكانها و تستدير اليه ... لم تكن مصدومة مثل المرة السابقة , بل قالت بهدوء مبتسمة
( ليس معنى أنك لا تستطيع حاليا التمييز بين الصح و الخطأ .... أن تتمادى .... )
اتسعت ابتسامتها قليلا .. ثم دخلت الحمام و احكمت غلق الباب خلفها ... بينما كان هو يقف مكانه مذهولا
فالصغيرة تمازحه ... ببساطة ... ووقاحة .... و كأنه ......
رفع عينيه الى باب الحمام و صدره يتضخم أكثر و أكثر ... متسائلا عن عن صحة ما يحدث الآن ...
لكن أفكاره كلها توقفت حين فتحت الباب و خرجت ترتدي بنطالا من الجينز الضيق و سترة رياضية ذات خطاء للرأس خلف عنقها .... بينما أنسدلت ضفيرتها الطويلة على كتفها ......
كانت تبدو كصبي صغير .... و لم تكن يوما أكثر جمالا !!!!
ظل رائف مكانه صامتا .... واجما .... وهو يتأملها من ضفيرتها و حتى حذائها الرياضي ...
قبل أن يقول بخشونةٍ خافتة
( تعالي الى هنا ........ )
اقتربت منه ببطىء الى أن وقفت أمامه بأدب ... فمد يديه و رفع غطاء الرأس فوق شعرها و جذبه على جانبي وجهها بقوةٍ وهو يقول بابتسامةٍ كبيرة حنونة
( أخفي وجهك هذا ...... نريد أن تكلل العملية بنجاح .... )
اتسعت ابتسامتها .... و هي تنظر اليه برقة , بينما أخفض يده ليمسك بكفها يسحبها معه ....
و كانت مستعدة لأن تتبعه لأي مكان ... فقد سلمته ثقتها منذ زمن ....
لكن حانت منها التفاتة أخيرة الى كريم الملقى على السرير ... لكن رائف جذبها بقوةٍ وهو يقول بصوتٍ قاطع
( لا تنظري للخلف مجددا ..... لقد انتهى الامر ... )




انتهى الفصل 46


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 17-07-15, 12:24 PM   #21087

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

صباح الورد يا سكاكر ... والله بعودة الأيام ... مشتاااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااااااااا ااااااااقة جدا جدا فوق الوصف
كل عام و أنتو بالف خير يا رب و عيد سعيد للجميع
نزلت الفصل 46 وهو من أضخم الفصول .. عايزة بقى تعليقات عشان عندي جفاف رهيب
دلعوني بقى .... برعاية حملة
( أهلا أهلا بالعيد .. مرحب مرحب بالعيد .... هات تعليق و انا بقى سعيد .... و لو تقييم تبقى شديد )


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 17-07-15, 12:25 PM   #21088

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

ممكن حد من كوكب المشرفات الشقيق يكبر الخط بلييييييييييييييييييييييي ييييييييز
الوووو الووووووووووو حول


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 17-07-15, 12:52 PM   #21089

sapo
 
الصورة الرمزية sapo

? العضوٌ??? » 328265
?  التسِجيلٌ » Oct 2014
? مشَارَ?اتْي » 120
?  نُقآطِيْ » sapo has a reputation beyond reputesapo has a reputation beyond reputesapo has a reputation beyond reputesapo has a reputation beyond reputesapo has a reputation beyond reputesapo has a reputation beyond reputesapo has a reputation beyond reputesapo has a reputation beyond reputesapo has a reputation beyond reputesapo has a reputation beyond reputesapo has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة tamima nabil مشاهدة المشاركة
صباح الورد يا سكاكر ... والله بعودة الأيام ... مشتاااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااااااااا ااااااااقة جدا جدا فوق الوصف
كل عام و أنتو بالف خير يا رب و عيد سعيد للجميع
نزلت الفصل 46 وهو من أضخم الفصول .. عايزة بقى تعليقات عشان عندي جفاف رهيب
دلعوني بقى .... برعاية حملة
( أهلا أهلا بالعيد .. مرحب مرحب بالعيد .... هات تعليق و انا بقى سعيد .... و لو تقييم تبقى شديد )

صباحك ورد مسخسخ يا تيموووووو
و بعودة الايام و كدا
روايتك خلت السنى الي عدت دي من اجمل السنين الي عدت و الله
و كل اسبوع لينا ذكري مع الرواية ,, الاسابيع الي اتاجلت الفصول فيها قبل الاسابيع الي نزلتي فيها و الله
مش مصدقة فعلن ان زي النهاردة السنة الي فاتت كنا بنقرا المقدمة
قبلاتي و احضاني وكدا
كل سنة و انتي فرحانة و مفرحانا يا رب :*



sapo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-07-15, 01:35 PM   #21090

شمووخ وكلي طمووح

مشرفة منتدى انمي و كرتون

alkap ~
 
الصورة الرمزية شمووخ وكلي طمووح

? العضوٌ??? » 343671
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 160
?  مُ?إني » جنسية سعوديه
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » شمووخ وكلي طمووح has a reputation beyond reputeشمووخ وكلي طمووح has a reputation beyond reputeشمووخ وكلي طمووح has a reputation beyond reputeشمووخ وكلي طمووح has a reputation beyond reputeشمووخ وكلي طمووح has a reputation beyond reputeشمووخ وكلي طمووح has a reputation beyond reputeشمووخ وكلي طمووح has a reputation beyond reputeشمووخ وكلي طمووح has a reputation beyond reputeشمووخ وكلي طمووح has a reputation beyond reputeشمووخ وكلي طمووح has a reputation beyond reputeشمووخ وكلي طمووح has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   bison
¬» قناتك fox
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
هذي شموخ وشوقها قاوي من شأنها غصب يقول التحية ...كامل سناها ♥♥
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

كل عام وأنتم بألف خير
رواية رائعة


شمووخ وكلي طمووح غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:10 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.