آخر 10 مشاركات
حــــصاد مــــاضي...روايتي الثانية *متميزة&مكتملة* (الكاتـب : nobian - )           »          [تحميل] مهلاً يا قدر ،للكاتبة/ أقدار (جميع الصيغ) (الكاتـب : Topaz. - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          [تحميل] كنا فمتى نعود ؟للكاتبة/ الكريستال " مميزة " (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          201 - لقاء في الظلام - باتريشيا ويلسون - ع.ق (مكتبة مدبولي) (الكاتـب : Gege86 - )           »          بلسم جراحي (28) للكاتبة الرائعة: salmanlina *مميزة & مكتملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          راسين في الحلال .. كوميديا رومانسية *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : منال سالم - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          215 - لعبة الحب والحياة - بيتانى كامبل - مكتبة مدبولى ( اعادة تنزيل ) (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          متى تحضني عيونك اذا هذي العيون اوطان ؟ , متميزة"مكتملة" (الكاتـب : توآقهَ ♥ لِــ ♥ لُقّياكـْ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هي الرواية الجديدة التي تفضلونها
فكرة جديدة تماما 2,055 56.56%
جزء ثاني لرواية بأمر الحب 665 18.30%
جزء ثاني لواية لعنتي جنون عشقك 913 25.13%
المصوتون: 3633. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree505Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-10-15, 11:45 PM   #25011

modyyasser43

? العضوٌ??? » 331158
?  التسِجيلٌ » Nov 2014
? مشَارَ?اتْي » 520
?  نُقآطِيْ » modyyasser43 has a reputation beyond reputemodyyasser43 has a reputation beyond reputemodyyasser43 has a reputation beyond reputemodyyasser43 has a reputation beyond reputemodyyasser43 has a reputation beyond reputemodyyasser43 has a reputation beyond reputemodyyasser43 has a reputation beyond reputemodyyasser43 has a reputation beyond reputemodyyasser43 has a reputation beyond reputemodyyasser43 has a reputation beyond reputemodyyasser43 has a reputation beyond repute
افتراضي


ها يا جماعة الخير ايه الاخبار البارت هينزل امتي؟ 😥😥😥😥😥

modyyasser43 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-10-15, 11:46 PM   #25012

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

مسا الورد يا سكاكر .... أنا حنزل الفصلين حالا .... أرجو الامتناع عن التعليق قليلا

tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 24-10-15, 11:51 PM   #25013

dema25
 
الصورة الرمزية dema25

? العضوٌ??? » 295964
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 661
?  نُقآطِيْ » dema25 has a reputation beyond reputedema25 has a reputation beyond reputedema25 has a reputation beyond reputedema25 has a reputation beyond reputedema25 has a reputation beyond reputedema25 has a reputation beyond reputedema25 has a reputation beyond reputedema25 has a reputation beyond reputedema25 has a reputation beyond reputedema25 has a reputation beyond reputedema25 has a reputation beyond repute
افتراضي

هيه هيه حمد لله على السلامه

dema25 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-10-15, 11:51 PM   #25014

nagah elsayed

? العضوٌ??? » 266456
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 922
?  نُقآطِيْ » nagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond reputenagah elsayed has a reputation beyond repute
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

nagah elsayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-10-15, 11:51 PM   #25015

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

الفصل الخامس و الخمسين :

فتحت عينيها بصعوبةٍ على ألمٍ حارق شعرت به قبل حتى أن تستيقظ تماما ... فتأوهت و هي تتقلب على جانبها بصعوبة ...
سكنت مكانها و هي تتنفس بضيق الى أن هدأت قليلا ... ثم فتحت عينيها دون أن تحرك عضلة في جسدها , تراقب الوسادة الخالية بجوار وجهها ...
كانت أشعة الشمس الشديدة السخونة .. تتسلل بخجل من شقي الستار المعتم الذي يغطي النافذة بإحكام ...
رفعت يدها ببطىء من تحت الغطاء . .. لتتلمس الوسادة الخالية و التي أنبئتها أنه لم ينم بجوارها من الأساس ...
و على الرغم من أنه قد فترة طويلة منذ آخر فترة ناما بها متجاورين ... الا أن هذه اللحظة تحديدا شعرت بحسرة غريبة و هي تدرك بأنه فضل مكانا آخر للنوم على أن يجاورها !! ...
أغمضت بشرى عينيها للحظة .. ثم فتحتها علها تجد يوما آخر و زمنا آخر ... حيث ينتظرها وليد ضاحكا ... أو ربما يوقظها بنفسه ليجذبها ضاحكا خارج الغرفة ... حيث الشمس و البحر ! ...
لكن هيهات ... كل هذا كان من وحي مخيلتها المثيرة للشفقة ....
كانت تلك هيا الأحلام التي تحضرت لها طويلا قبل أن تأتي معه الى هذا المكان ... حيث لقائهما الأول ..
و لم تكن تظن أن ينهار عالمها الهش من حولها بعد صدمة أمس !! ...
أسعفتها ذاكرتها فجأة بكل ما حدث .... و خبر حملها !!! ....
انقلبت على ظهرها بسرعة لدرجةٍ جعلتها تتأوه قليلا ... ثم استكانت تنظر الى السقف بعينين متسعتين من هول ذكرى الخبر ....
هي .... حامل !! ....
ظلت تنظر الى السقف قليلا مشدوهة ... قبل أن تهمس بخفوت
( بعد كل هذه السنين ؟!!! ...... لماذا الآن ؟!!! ...... )
لم يكن لديها أي تفسير منطقي .. لحملها في هذه الفترة من حياتها أبدا ... و لماذا وليد ؟ّ!! ....
انتقل السؤال الى شفتيها الفاغرتين تلقائيا و هي تهمسه بعدم استيعاب
( لماذا وليد بالذات ؟!!! ....... ..... )
رمشت بعينيها المتسعتين مرة ... ثم مرة ثانية .... قبل ان تهمس بغباء
( أيشرط الحب من أجل حدوث الحمل ؟!! ...... )
ظلت صامتة قليلا .. قبل أن تهمس بصوتٍ واهي لم تسمعه تقريبا
( لكن حملي الأول لم يتكون من حب .... فلماذا وليد الآن ... بعد كل هذه السنوات من انعدام الخصوبة ... )
صمتت قليلا و هي تتابع شريط حياتها مرتسما على السقف ... ثم تابعت همسا
( سنوات تقربني من سن اليأس .... فأسرعت بإستغلالها قدر امكاني كي احصل على حياة نظيفة ... و قد أيقنت بأن جسدي قد تحول مع كثرة الإستخدام الى أرضٍ بور ... لا تنبت و لا تعرف الخضار .... )
ظلت مكانها تنظر الى السقف بنفس النظرة المشدوهة و الشفتين الفاغرتين قليلا ....
الى أن حاولت النهوض ببطىء ... مبعدة ذلك الوهن الغريب عنها ... و ما كادت أن تفعل حتى أدركت بأن أحد ما كان قد خلع فستانها الذي نامت به ليلة أمس !! ... و من غيره !!
استوت جالسة على حافة السرير متشبثة به تدافع ضد الدوار الذي انتابها للحظة الأولى ...
ثم اتجهت عيناها الخضراوين الى فستانها المرمي أرضا في احد زوايا الغرفة باهمال ... و كأن من خلعه كان يشعر بنفاذ الصبر , فرماه على أقصى مسافة ...
تنهدت بخفوت ... قبل أن تسمع طرقة على الباب ...و قبل أن ترد , سمعت الباب يفتح بخفوت و عربة طعام تتقدم فتاة مرتبة ترتدي زي العاملين في الفندق ...
تسمرت الفتاة مكانها ما أن رفعت وجهها و شاهدت بشرى جالسة على حافة السرير ... و لا ترتدي الكثير !!
شهقت رغما عنها و ارتبكت لتعتذر بسرعة
( أنا آسفة ..... أنا لم أعرف أنك مستيقظة سيدتي .... لقد طلب السيد وليد الفطور لكِ و طلب أن تدخله عاملات الطاقم الى الغرفة دون أن نزعجك ...... )
كانت بشرى لا تزال جالسة مكانها تنظر اليها بعينين دائختين قليلا .. دون أن تجفل أو أن تنتفض من شدة تعبها ... و ما أن صمتت الفتاة أخيرا حتى قالت بشرى بخفوت مجهد
( أين هو السيد وليد ؟!! ........... أتعرفين مكانه ؟! ... )
أخفضت الفتاة عينيها أرضا و هي تقول بخفوت
( لا سيدتي ...... لقد تلقيت الطلب فقط ...... )
أومأت بشرى برأسها دون أن ترد .... ثم لم تلبث أن أخفضت وجهها أرضا و كأنه زهرة ذابلة .. قبل أن تقول بإعياء
( ما اسمك ؟؟ ........ )
أجفلت الفتاة قليلا و هي تنظر الى بشرى مرتبكة .. ثم قالت تلقائيا
( هدى .......... )
عادت بشرى لتومىء برأسها بجهد ثم قالت بخفوت
( حسنا هدى .. هلا ساعدتني في الذهاب الى الحمام من فضلك .... أشعر بالغثيان و ساقي لا تساعداني ... )
ظلت الفتاة واقفة مكانها مجفلة للحظة .. قبل أن تتخذ بشرى المبادرة لتهمس بصوتٍ أجش
( بسرعة من فضلك لأنني سأتقيأ حالا ........ )
لم تحتاج الفتاة الى وقت طويل للتفكير .. فتركت العربة و أسرعت مهرولة الى بشرى ... و أمسكت بمرفقها و هي تقول
( هيا أستندي عليً .. سيدتي , أنا أمسكك جيدا ...... )
تشبثت بشرى بكفي الفتاة الممسكتين بمرفقها ... و رفعت وجهها الشاحب و الذي يماثل بياض الشراشف تحتها ... و الشيء الوحيد الملون في وجهها كان عينيها الخضراوين بحمارٍ منهك ....
همست بشرى بصوتٍ لا تزال الصدمة بادية به
( أنا حامل !! .........أنا حامل يا هدى !!.. )
نظرت الفتاة الى عينيها للحظة قبل أن تقول بقوة
( هيا سيدتي ..... حاولي النهوض معي .... سأساعدك ... )
دفعت بشرى نفسها دفعا ... بينما الفتاة تكاد أن تحملها متلقية وزنها كله ... و ما أن استقرت قدميها الحافيتين على الأرض حتى مادت بها قليلا فترنحت .... متشبثة بهدى أكثر ... و التي بدورها تمسكت بها رافضة أن تسقطها و هي تقول
( لا بأس سيدتي .... لا بأس ... أمسكت بك ...... )
تحركت بشرى عدة خطوات و هي ترمي وزنها كله على الفتاة ... و استغرقا وقتا طويلا مضاعفا في الوصول الى الحمام .... و الأرض تبدو من تحتها مطاطية بدرجة عجيبة ... تهدد باسقاطها في أي لحظة ...
و ما أن وصلا الى الحمام أخيرا ... أوصلتها هدى الى المرحاض ... و قالت بسرعة
( هيا .... انزلي على ركبتيك ... فأنتِ لن تستطيعين الوقوف لفترة أطول .... )
نزلت بشرى على ركبتيها بضعف و قد صدمتها برودة الرخام بشدة جعلت أسنانها تصطك ... بينما لم تستطع الإنتظار أكثر وهي تترك ذراعي هدى .. لتميل الى المرحاض متشبثة بحافته قبل أن تفرغ كل ما هو متبقي بمعدتها المتهالكة ....
وقفت بشرى خلفها و هي تحاول أن تجمع لها شعرها الناعم المتطاير الى الخلف ... و قالت بخفوت قلق
( حرارتك مرتفعة جدا سيدتي .... هل أستدعي لكِ الطبيب ؟!!..... لا أظنك بخير أبدا .... )
رفعت بشرى يدها اليها ب " لا " .. دون ان تجد القدرة على الكلام ... بينما انحنت مرة اخرى و هي تتقيأ مجددا ... و ما ان استطاعت التنفس قليلا بعد هذا الإعياء الرهيب ...
رفعت وجهها المنهك الى هدى و قالت بخفوت
( أريدك أنتِ أن تحملي الفطور غدا من فضلك ..... لا اريد أن يراني المزيد من البشر في هذا الوضع ... واحدة تكفي ..... هلا تدبرتِ الأمر؟! .... )
شعرت هدى بإشفاق رهيب عليها و هي تسمع منها تلك الكلمات المتخاذلة .. فقالت بخفوت
( سأحاول سيدتي .... و أرجو ان تكوني أفضل حالا غدا فلا تكوني بحاجةٍ لأحد ..... )
أومأت بشرى برأسها بتعب قبل أن تطرق به فقالت بشرى بخفوت
( هل انتهيتِ ؟!! ..... هل اساعدك كي تنظفي وجهك ؟!! ...... )
هزت بشرى رأسها نفيا .. مما جعل العالم يموج من حولها بسبب تلك الحركة البسيطة .. فثبتت رأسها و هي تسحب نفسا عميقا كي تهدأ الحركة من حولها ... ثم همست أخيرا
( انتظريني لحظة من فضلك ...... لا تذهبي ... )
انحنت هدى و جلست القرفصاء بجوارها و هي تربت على كتفها قائلة بخفوت
( لن أذهب .... خذي وقتك ....... )
.................................................. .................................................. ...................
خرج من البحر ما أن شعر باشعة الشمس تدفىء ماؤه ....
فآخر ما يحتاج اليه في هذه اللحظة هو الدفىء .... فلقد انتظر الفجر بأعجوبة وهو يجلس في كرسيه عند النافذة ناظرا اليها بصمت ...
و ما ان حلت أولى بوادر الفجر حتى انطلق ليرمي نفسه في برودة ماء البحر ... الذي بدا كالثلج و مع هذا لم يهدىء مما يجيش بداخله ولو للحظة ...
عدة ساعات أستغرقها سباحة وهو يضرب الأمواج الخفيفة بذراعيه القويتين دون ان يهدأ أو أن يستريح ... و شعر و كأنه قادرا على السفر سباحة بكل تلك الطاقة الهادرة بداخله كمرجلٍ مشتعل ...
و ما أن بدأ الماء في أخذ حرارته من الشمس .. حتى شعر وليد بخدرٍ في ذراعيه .. فخرج أخيرا , متثاقلا .. محني الكتفين !! ,,,....
وقف مكانه للحظة وهو يراقب البحر من بعيد .... يحدق الى منتهاه ... يلهث بغضبٍ يسيطر على دواخله كلها ... و يجعله راغبا في كسرِ شيء ما ...
انها تحمل طفله الآن !! ......
لماذا يدعي الغضب و يفتعل الجنون الآن ؟!! .... لماذا لم يكلف نفسه عناء الحرص أولا .....
لماذا يدعي الوقوع في الفخ , بينما الفخ ما هو الا هوة حفرها لنفسه بنفسه ... مرحبا بالسقوط بها بدعوى ال ... غضب ....
لقد تزوجها غضبا .... و استمر معها غضبا .... احتملها غضبا .... و هي الآن تحمل طفله بفعل غضبه ....
مدركا بأنه لا يصفع الا نفسه كل مرة ....
لم تعد النزوة نزوة ... فهناك حياة اخرى صغيرة بدأت في التشكل بين احشائها .....
فأين زمام الأمور التي ادعى أنه يحكم امساكها جيدا ؟!! ........
و كأن القدر كان يحميها من فورات الغضب تلك ... فأرفق المرض بحملها , كي أمنها شره ....
فقد كان صدره يتمزق مع كل تأوه من تأوهاتها .... يشعر بالرغبة في تحطيم المكان وهو عاجز حتى عن منحها دواء قد يخفف عنها ...
لقد أرجع هذا الى كونه بشر في النهاية ... ليس ساديا أو مجنونا ...
لكن هذا لتفسير لم يكن منصفا تماما لكل هذا الاختناق الذي عاشه ليلة أمس مع تأوهاتها ... حتى أن صدمة خبر الحمل أخذت تتراجع بداخله بفضل أنينها المضني .....
لكنه يعرف بأنها ما أن تسترد صحتها قليلا حتى يعود لإيذائها من جديد ...
لا يزال بداخله مخلوقا همجيا فوضوي المشاعر , يعاقبها على كونها لم تكن الفتاة التي أحبها ...
رفع ذقنه وهو ينظر الى البحر مجددا بعينيه الكئيبتين ... كم يشتاق اليها !!
تلك الفتاة سليطة اللسان و التي يهاب الجميع شراستها في الدفاع عن نفسها .... كم يشتاق اليها و الى مرحها المتردد بحذر ... و كأنها تخشى هذا المرح ....
هتف فجأة بغضب محدثا نفسه
( تبا لكِ ... لقد اشتقت لها , و بفضلك لن أراها مجددا ...... )
زفر بقوة وهو يغمض عينيه ألما داكنا ... سوداويا ....
تلك التي أحبها , لم يمسها ثلاث رجالٍ قبله !!! ..... و هو غير قادر على التحمل ... من يخدع ؟!! .....
كان ليبقيها معه فقط كي لا تخرج الى المزيد من الخيارات البائسة المذلة .... لكن أن تحمل طفله الآن ؟!!
فهذا غير كل الموازين ... قلبها رأسا على عقب ....
فتح عينيه أخيرا ليلقي نظرة أخرى على الأفق البعيد ... قبل أن يستدير عائدا ... اليها ....
فهي على الأرجح قد استيقظت الآن ......
.................................................. .................................................. ...............
حين وصل الى باب جناحهما في الفندق بآخر الممر ... توقف فجأة وهو يشعر بالبرد يسري في جسده مرسلا رعشة غير محببة الى قلبه ...
فقد كان الباب مواربا ... و ليس مغلقا ...
ظل مسمرا مكانه عدة لحظات قبل ان يتحرك بخطواتٍ بطيئة ... متوجسه وهو يدفع الباب قليلا .. فوجد عربة الإفطار كما هي مكانها في الممر القصير .. لم تمس بعد !!!
حينها تسمر مكانه للحظة من الزمن ... وهو يتخيل أن يكون من أوصل الفطور الى بشرى أحد العاملين ... و ليست عاملة كما طلب !! ... بينما بشرى وحدها في الداخل !!! ....
للحظة تخيل يدٍ رجولية تبعد الغطاء عنها ... و تلامسها بقذارة ...
لم يستمر شلل اطرافه اكثر من تلك اللحظة وهو يندفع داخلا ... يهدر بصوتٍ عنيف
( بشرى !!! .......... )
بنظرةٍ واحدة ... رأى السرير خاليا و مشعث الشراشف ... وبعضها متساقط ارضا !! ...
فانتشر الرعب البارد في جميع أوصاله بينما هجم على الحمام يدفع بابه صارخا باسمها ....
( بشرى ............ )
الا أنه تسمر في مكانه للمرة الثانية وهو يراها ماكثة على الأرض , شبه عارية .. متشبثة بحافة المرحاض ... ووجهها يبدو شديد الإرهاق و الذبول ... تمسك بها فتاة من العاملات ..
نظرت كلتاهما الى وليد الواقف أمامهما بحجمه الضخم وهو يلهث قليلا بينما عيناه كانتا تحملان الكثير من العنف المختلط بالخوف ....
كان هو أول من استوعب منظر بشرى فهتف بقوة
( ماذا تفعلين هنا ؟!!! ...... )
انتفضت هدى مكانها و شحب وجهها و قالت متلعثمة مبررة
( السيدة كانت تعاني غثيانا شديدا .... و كادت أن تسقط أرضا فساعدتها ... )
قال وليد بقوة دون أن ينزع عينيه عن بشرى الجالسة أرضا و ساقيها تحتها ..
( اخرجي ...... الآن ..... )
ارتبكت الفتاة اكثر و سارعت للخروج جريا تتجاوزه هو و غضبه المخيف ....
بينما كانت بشرى تنظر اليه بملامح باهتة .. و شفتين شديدتي الإحمرار ... تلهثان قليلا من فرط التعب ... بينما فقدت عيناها الخوف ... و كأنها لم تعد تأبه لأي شىء في هذه الحياة ....
تقدم منها حتى جثا بجوارها ليمسك بذراعها وهو يهتف بقسوة ...
( كيف تسمحين لأحدِ بأن يراكِ شبه عارية ؟!! ...... الا تملكين ذرة من الحياء ؟!! .... )
كانت تنظر اليه بعينين غائرتين ... قبل أن تقول بصوتٍ أجوف ..
( أنا لم أسمح لأحد بأي شيء ..... ألست أنت من طلبت دخول عاملة الى الجناح ؟!! ....... )
شدد أصابعه على ذراعها النحيل وهو يهتف بغضب
( طلبت أن تُدخل اليكِ الفطور و تنصرف .... لا أن تراكِ عارية !! ..... )
عيناها بعينيه لا تحيد عنهما ..... هادئتين حد التعب ... ذابلتين كزهرتين افتقدتا للندى ...
و استمر حرب النظرات بينهما ... ما بين حربٍ عاصفة بعينيه ... و استسلام هادىء بعينيها ...
فقالت اخيرا بخفوت
( لماذا تفتعل الحجج حي تلحق بي المزيد من الأذى ؟!! ..... لا تفتعل تلك المسرحية و غيرها .... فقط قم بأذيتي مباشرة ..... لماذا تفتعل بالله عليك ؟!! .... أيوفر لك الإفتعال راحة لضميرك ؟!! .... لا تأبه و قم بأذيتي ... أنا لم أعد اهتم حقا ..... )
شعر بالصدمة قليلا من مدى الهدوء الباهت الذي تتحدث به .... فتراجع رأسه قليلا , بينما تابعت بفتور
( تريد التصديق بأنني لست أكثر من سلعةٍ رخيصة لم تعد تمتلك الحياء ..... حسنا هذا صحيح تماما و لا أنكر ...... لذا لا توقعني في فخ طلبك للفطور بينما انت من خلع عني ملابسي !!! ..... )
عقد حاجبيه قليلا و تزايدت صدمته ... بينما قال بصوتٍ أجش خطير
( أتظنين أنني فعلتها قصدا ؟!!! ........ )
ظلت تنظر اليه طويلا بنفس النظرات المتبلدة المجهدة ... الى أن قالت أخيرا بلا حياة ...
( من العدل أن أظن ذلك ..... و مع ذلك لم أصدر نفسا من الإعتراض حتى .... تعريني أمام غريبة , ثم تدخل الى هائجا تريد الإنتقام من أخلاقي الرخيصة ...... أسمع , أنا أرحب بالأذى .... لكن أمقت المسرحيات الأكثر رخصا مني ....... )
كانت قد وصلت الى نهاية ما تريد قوله ... فصمتت متعبة و هي تنظر الى المرحاض بشرود .... بينما هو ظل واقفا مكانه ينظر اليها لاهثا من شدة غيظه من استردادها الهدوء سريعا هذا الصباح ...
أبهذه البساطة استيقظت شجاعة بعد رعب الأمس ؟!! ....
و حين أوشك غيظه على أن يحرق أعاصبه ببطىء مقيت ... انتهى بأن قال من بين أسنانه و عينيه تبرقان بحقد
( أرى أنكِ قد تخطيتِ رعب الأمس بمنتهى السرعة !! ..... كم أنتِ ماهرة في تمثيل الأدوار !!! .. و تدعين كرهك للمسرحيات على الرغم من ذلك !! ..... )
ظلت على هدوءها و هي تنظر اليه بفراغ ثم قالت اخيرا
( لم أتخطى رعبي ..... لكنني متعبة فقط .... ربما لو منحتني بعض الوقت كي أتجاوز هذا الغثيان المريع الذي اشعر به حاليا .... لاستطعت حينها الإرتجاف رعبا من جديد ... مع نوبة بكاء و توسل عاصفة .... أنا حتى لا أشعر بأنني حية الآن ..... )
أعادت عينيها الى المرحاض ... بينما وليد واقفا ورائها يريد الصراخ عاليا ..... يريد أن يشبعها ضربا و ضربا و ضربا .... الى أن يبدد كل غيظه منها ... و ما أن ينتهي حتى ........
يقبل كل جزءٍ منها !! .... انها تبدو ... شهية .... شهية كالخطيئة .... يحاول ان يبعد عينيه عنها فلا يستطيع
بكل شحوبها و تعبها الظاهر .... يظل مظهر الطفلة بها يثير شهية اي رجل ....
و كان هذا هو سبب كل ما نالها منذ وقت طويل ....
وجهها الشاحب كان يتحول ببطىء الى احمرار وردي يشتد سريعا .... شفتيها المنفرجتين , قد زاد تورمهما من زفير مرتجف منبعثٍ منهما ...
و شعرها الناعم ... يتطاير كريش عصفورٍ صغير من حول ذلك الوجه المحمر بعينيه الزائغتين الخضراوين ...
لقد حرم نفسه منها طويلا ... طويلا جدا .... هو نفسه لا يعرف كيف استطاع التحمل !!!...
أحيانا كانت سيطرته تهدد بالإنفجار .... لكنه يعود و يقاوم نفسه بقوةٍ الى ان يحقق مراده بتعليمها الرغبة الحقيقية بين الرجل و زوجته ......
لا يصدق انه كان صابرا ... متفانيا بهذه النقطة , بينما يحاول جاهدا اقناع نفسه بأنها ليست سوى نزوة بحياته !!
اقترب منها ببطىء على أرض الحمام ... و ما ان وصل اليها حتى انحنى ليجلس القرفصاء بجوارها ...
فرفعت وجهها اليه مجددا ببطىء ... و حينها و كأن سلكا كهربيا قد صعقها ... عيناه كانتا داكنتين ... و تنظران اليها بكسلٍ تدرك معناه جيدا ...
ابتلعت ريقها بتوتر ... بينما رفع يده ليتحسس جانب وجهها و صدغها ... نازلا الى عنقها حيث النبض الذي بدا ينفر بقوة عنيفة ...
ساد الصمت بيهما طويلا و هي تحدق اليه مشدوهة ... تتنفس بسرعة , بينما جفنيه شبه مسبلين ...
زفر اخيرا نفسا دافئا وهو يقول بخفوت أجش
( حرارتك مرتفعة جدا ............... )
ابتعلت بشرى ريقها تحت كفه المنفتحة على عنقها و حلقها ... ثم قالت بخفوت مختنق قليلا
( آآآآه ... ربما .... لا أعلم .... ربما كان عرض مصاحبا للحمل .... )
صمت وليد قليلا و هو ينظر اليها بعينيه الغريبتين ... ثم قال أخيرا بصوتٍ خافت
( ليس من الحمل ...... ... )
رفعت نظرها الى شعره المبلل النضر ... كان يلمع بشدة ... بينما صدره ينبض بقوة عنيفة .... لكنها لم تكن خائفة من هذه القوة اليوم .... ترى هل بالفعل سلبها التعب .. الرعب !! ...
قال وليد بصوتٍ أجش أكثر
( تعالي ...... لنخفض درجة حرارتك ..... )
صمت للحظة ثم قال بخفوت
( هل زال غثيانك .... أم تحتاجين الى المكوث أطول ؟..... )
كانت تنظر اليه هي الأخرى بطريقةٍ أكثر غرابة من نظراته ... ثم أجبرت نفسها على هز رأسها نفيا بطىء مرتبك و هي تهمس
( لا ...... لقد .... انتهيت .... )
نهض من مكانه فجأة جعلتها تجفل قليلا .... قبل أن ينحني اليها , ليحملها بين ذراعيه مجددا , فتعلقت بعنقه وهو يتجه الى حوض الاستحمام .. بدلا من الخروج منه ... فدخله بحرص وهو لا يزال يحملها ....
رمشت بعينيها عدة مرات و تشنج جسدها بين ذراعيه ...فقالت بصوت مهتز رافض
( لا أريد هذا ....... أرجوك .... لا أحب أن يحممني أحد .... )
توقف مكانه متسمرا وهو ينظر اليها .... بينما انعقد حاجباها و شعر بنفور جسدها يكاد ان يخترق ذراعيه الحاملتين لها ..... شعر بشيء قميء لاذع الطعم يلوث حنجرته ... بينما صدره ينقبض وهو يقول بصوتٍ غريب متشنج
( أنا زوجك ....... ..... )
ارتجفت شفتيها بينما انخفض جفناها ووجهها لتحمي نفسها من عينيه المتفحصتين لها كالصقر ... ثم قالت بتشنج مماثل
( و إن يكن ......... لا احب ذلك ..... )
توترت أنفاسه أكثر ... بينما كانت لا تزال منخفضة الوجه بعناد و هي متعلقة بعنقه .... و استمر الصمت طويلا الى أن قال أخيرا بصوتٍ قاطع ...
( كم كان عمرك ؟!!! ........... )
ارتفع وجهها مجفل الملامح و هي تنظر اليه بعينين متسعتين .... قبل ان تقول بارتباك خافت
( ماذا تقصد ؟!! ........... )
نظر الي عينيها بقوةٍ وهو يقول بخشونة بينما جسده الضخم يتوتر برغبةٍ في القتل ...
( حين جرحتِ ذلك الرجل الذي سبق و اخبرتني به ...... كم كان عمرك ؟.... )
ارتجفت أكثر ... بل ارتعش كل جزء بها على ذراعيه حتى تبدد الإعياء و باتت كقطة متوترة منتفشة الشعر ...
هل هي شفافة الى تلك الدرجة المريعة ؟!!! ..... لكن كيف استطاع ربط تشنجها بمجرد ملاحظةٍ عابرة أبدتها بتهور ذات ليلة .....
همست مرتجفة بتوتر ...
( ما ..... ما الذي ..... جعلك تتذكر هذا الشخص .... الآن ؟؟ ....... )
عقد حاجبيه بشدة ... فشاهدة بعينيه وهجٍ لشعلة من الغضب .... الا أنها شعلة مختلفة ... تظهره و كأنه يوشك على قتل شخص ما ....
رد عليها وليد بصوتٍ خافت يرتجف من ذبذبات العنف المكتوم
( كم كان عمرك ؟؟ ................ )
رمشت بعينيها بقلق اكثر ... ثم همست بارتجاف
( في الخامسة عشر ..... تقريبا ..... لا أتذكر تماما ..... لقد كان مجرد ..... )
لم يدعها تتابع كلامها ... بل قال بصوتٍ يحمل بطشا خفيا
( كم عامٍ خضعتِ لقذارته ؟؟ ................ )
فغرت شفتيها المرتجفتين ببطىء و هي تنظر اليه بعينين مصدومتين .... انه يبدو كمن ......
كمن يعلم عما يتحدث بالضبط !!!!
همست بصوتٍ غريب
( وليد ......... ماذا ...... كيف ........ )
الا أنه شدد الضغط بذراعه القوية على فخذيها وهو يسألها مجددا من بين أسنانه
( كم عام يا بشرى ؟؟ ................. )
عادت شفتيها لترتجف بينما انحنت عيناها بشعورٍ من الخزي .. قبل ان تقول هامسة مستسلمة
( سنوات عديدة .......... )
استكانت بين ذراعيه و اطرقت بوجهها ... لا تعلم كيف يحاول استنتاج امرٍ لم تقصه عليه ابدا ....
بينما ظل وليد يلهث ببطىء و صدره يضربها مخبرا اياها حالة الهرج المنفعلة بداخله حاليا ....
الى أن قال اخيرا بصوتٍ لم يكن متفاجىء .... لم يكن مصدوما ... بل كان مكبوتا بشكل غريب
( كبرت بين يديه ......... )
أغمضت عينيها بيأس و لعقت شفتيها بشعور من الدونية أمامه ....
كيف عرف ؟!! ...... كيف عرف ؟!! .....
حاولت التذكر جاهدة ما نطقت به تماما أمامه .... لكنها متأكدة بأنها لم تذكر سوى معلومة عابرة عنه ...
زاد وليد من ضمها لصدره بقوةٍ ... ايضا ليست حنانا بقدر ان تكون قوة غاضبة ...
زفرت بشرى نفسا مرتجفا و هي تميل بوجهها لتنام به في جويف عنقه ...
هذا الرجل لا يجيد التعامل مع غضبه ابدا .... و كأن القدر أراد أن يعاقبه , فمنحه الأنسانة التي فجرت كل كوابح هذا الغضب ...
منذ اليوم الأول لزواجهما وهو لا يهدأ و لا يرتاح .... لدرجة أنها تشفق عليه منها ...
لكنها كثيرا ما كانت تختلس النظر اليه بحزنٍ يائس و هي تراه كأسدٍ هائج يدور في دوائر عنيفة مغلقة ....
لا تتذكر أنها أشفقت على أحدٍ من قبل !! ....
استطاعت الهمس بصعوبة بتجويف عنقه
( ماذا تعرف عنه ؟............ )
شعرت بحرارة جسده بينما عضلاته تشتد و تزداد قساوة ... بينما همس من بين شفتيه بشراسة
( ما يكفي لأن أشعر بالرغبة في تمزيقه حيا ... دون ان أقتله .. كي ازيد من عذابه ..... )
رفعت بشرى عينيها الواسعتين اليه ... تنظر الى ملامح وجهه القاتمة العنيفة .... كانت ترتجف شدة و هي تهمس بعدم تصديق
( تقتل من أجلي ؟!! ........ حقا !! ..... )
انخفضت عيناه اليها بصمت كئيب ... قبل أن يقول بصوتٍ منخفض كاره
( أنت زوجتي ........ )
رغم أنه نطقها بضيق و رفض ... و قد شعرت جليا بعدم فخره بتلك النزوة الا انها لم تشعر بالالم هذه المرة ...
على العكس فقد همست مبهوتة
( لم يغرب أحد في القتل من أجلي قبلا ....... )
رفعت يدها ببطىء شديد من خلف عنقه ... لتلامس بها زوايا فمه القاسية برقة ... بينما كانت هي شاردة تماما و هي تهمس
( كيف عرفت عنه ؟!! ........... )
ابتلع شعلة تحرق حلقه .. قبل أن يقول بغضبٍ تحت ملمس أصابعها
( لا يهم ......... المهم انني أعرف ما فعل بكِ .... متى ... و أين )
صمت قليلا وهو يهدر نفسا خشنا محترقا ... قبل أن يهمس في اذنها بصوتٍ أجش
( .... و كيف كان يلامسك ..... )
تغضن أنفها دون ارادة منها و ارتجفت شفتيها خزيا و دونية ... فهمست باختناق
( أنا آسفة ....... آسفة جدا يا وليد .... )
زفر بقوةٍ نفسا أوشك على أن يلفح وجهها بحرارته وهو يهمس مزمجرا
( على ماذا تأسفين ؟!! ...... )
لا تعلم من اين واتتها الإبتسامة الحزينة في تلك اللحظة ... فهمست بخفوت باهت
( أعلم أن أسباب أسفي لك باتت كثيرة ... اكثر مما أستطيع حصرها .... لكن أنا الآن آسفة لما تشعر به في تلك اللحظة تحديدا..... و أنت تمسك بين ذراعيك امرأة تحمل اسمك ... بينما جسدها دهسته الكثير من الأيادي و الأقدام قبلك ..... )
رفعت وجهها اليه و هي تتابع باختناق
( كنت أباهي القول دائما بأنني لم أرتكب أي خطأ .... فلقد تزوجت و لم أقرب الحرام .... لكني أخفيت عنك ذكرى هذا الرجل تحديدا ..... لأنني كنت أعرف بأنك لو عرفت به , فسأرى بعينيك هذه النظرة التي أراها الآن ..... نظرة تقزز ... ازدراء .... أستطيع الشعور بعضلاتك كلها متشنجة لملامستي .... و بنفس الوقت الجزء الشهم منك يريد تعذيبه مشفقا علي ...... )
ابتلع وليد غصة مسننة بحلقة كادت أن تمزق حنجرته وهو يقول بصوتٍ خشن متحشرج ...
غاضب ... غاضب ...
( ذلك الحيوان و ما فعله ..... هو الشيء الوحيد الذي لم يكن لك ذنب به في حياتك كلها .....)
كانت تنظر اليه بذهول ... لا تصدق ما تسمعه منه للمرة الأولى ... و الآن تحديدا .....
لكنها همست باختناق غريب
( هناك شيء آخر ...... لم يكن لي ذنب به ....)
ضيق عينيه وهو ينظر الى عينيها الحمراوين ... و فمها المرتعش و كأنها تبكي داخلها , دون أن تسمح لنفسها بالإنهيار في تلك اللحظة
فغر شفتيه قليلا ... بينما همست هي بنحيب مختنق هامس
( أرجوك انطقها ..... هذا الأمر يقتلني .... )
ظل صامتا قليلا بعينين تحملان عذابا داكنا ... عميقا .. قبل أن يهمس طابعا شفتيه على جبينها بعنف
( ليس لكِ ذنب بخطأ والديك ...... قصدت أذيتك في كثير مما قلته , الا هذا الأمر ... قلته فقط لأزيد من ألمك بقدر ما آلمتني ...... كانت تلك دناءة مني .... )
دون أن تدري وجدت نفسها تفتر شفتيها عن شهقة ارتياح عميقة و هي تغمض عينيها .. و كأنها كانت تحتاج منه هذا الإعتراف ... فرفعت نفسها قليلا لتزيد من تعلقها بعنقه و هي تدفن وجهها بتجويفه الدافىء و هي تهمس
( شكرا ....... شكرا ........ )
أغمض عينيه بقوةٍ بينما كان المكان من حوله يطبق على صدره بعنف يجعله يريد كسر الجدران .. كي يستطيع التنفس فقط ...
مرت عدة لحظات وهما في صمتٍ قاتم غريب .... يحملها بين ذراعيه كطفلةٍ مجهدة .. و هي تدفن وجهها بعنقه و كأنه والدها يهدهدها ... وهو بالفعل كان يتحرك بها قليلا كي يهدئها الى أن قال أخيرا بصوتٍ خشن خافت
( أنتِ تشتعلين حرارة ..... هذا ليس جيدا ... )
و دون أن ينتظر ردها ... أنزلها ببطىء شديد حتى لامست قدميها أرض حوض الإستحمام فشعرت بسقايها تتخاذلان قليلا ... الا أنه لم يكن ليسمح لها بالسقوط فشد على خصرها بذراعه كي يسندها على صدره .. بينما هو ينحني بها قليلا الى ان تمكن من فتح الماء البارد فوقها ... فانتفضت صارخة بقوة وهي تتشبث في ذراعيه بأظافرها ....
( الماء كالثلج يا وليد ......... )
لكنه لم يحررها كي تهرب .. بل شدد الإمساك بها تحت الماء و هي تحاول المقاومة .. بينما قدميها تنزلقان على الأرض الناعمة ...
قال وليد بصوتٍ أجش
( ستسقطين نفسك بهذا الشكل ..... أثبتي مكانك تحت الماء ...)
أخذت تتنفس بشهيقٍ عالي الصوت من فمها المفتوح بإتساع و هي تهتف
( الماء بارد ..... الماء بارد ..... )
تمكن من تحرير احدى ذراعيه من حول خصرها .... ليرفع يده الى شعرها و أخذ يمشطه بأصابعه برفق تحت الماء البارد كي يسمح لرأسها بنيل قدر مناسب من البرودة وهو يقول بخفوت خشن
( أهدئي .......... ها قد اعتدتِ برودتها ...... اهدئي قليلا .... )
كانت ممسكة بمعصميه العضليين بقوةِ و هي تنشب أظافرها بها .... تتنفس بصوتٍ عالٍ ... بينما هو يتابع غسل و جهها و شعرها ... و ما أن انتهى حتى اقترب منها وهو يقول بخفوت أكبر
( ستكونين أفضل الآن .......... )
ابتلعت ريقها المتشنج عدة مرات ...... الى أن قرر عتقها أخيرا ...
فانحنى ليغلق الماء ... و تراجع يخطو خارج حوض الإستحمام قبل أن يسحبها بحرص .... ثم جففها بمنشفة كبيرة و لفها بها ... تاركا شعرها حرا مبللا ... كي يبرد رأسها لفترة أطول ...
ثم حملها مجددا الى السرير ... ليضعها عليه برفق مزيحا الأغطية ...
أوشكت عيناها ان تفيضا بالدموعِ مجددا من تلك المعاملة الحنونة التي نادرا ما تحظى به منه ....
و كم ودت لو تملك زرا لإيقاف الوقت عند هذه اللحظة .... كي تستمتع به وهو يدثرها مجددا ...
و يمد يده ليلامس صدغها بينما حاجباه منعقدان بتركيز ....
قال وليد أخيرا بصوتٍ أجش و يده تنخفض الى عنقها
( هل زال الغثيان تماما ؟........... )
أومأت برأسها و هي تهمس بخفوت ناظرة اليه بتأمل
( نعم .... شكرا لك ......... )
في الواقع كلمة الشكر أثارت به الشعور بالحقارة وهو يتذكر هجومه عليها من أن دخل الى الغرفة ... لكنه كتم شعوره وهو يقول بصوتٍ أجشٍ خافت
( حسنا ....... يجب أن تأكلي الآن ...... )
رمشت بعينيها و هي تقول بصوتٍ خافت
( لست جائعة أبدا ...... في الواقع أشعر بأنني سأتقيأ مجددا لو وضعت أي شيءٍ بفمي .... )
انحنى وليد ليجلس على حافة السرير بجوارها ... غير عابىء بتبلل بنطاله القصير و الذي بلل الفراش تماما ,....
و لاحظت بارتجاف أنه لم يبعد يده بعد .... بل انخفضت أكثر ... هل لازال يتأكد من حرارتها بالفعل ؟!! ...
قال أخيرا بجفاء وهو يقرب صينية الطعام التي تركتها العاملة على المنضدة الجانبية للسرير
( لم أكن أطلب منكِ ...... بل آمرك .... هل نسيتِ أنكِ تحملين طفلا و لم تأكلي شيئا لمدة أربع و عشرين ساعة !! .... )
ارتجفت بشدة و هي تفتح فمها تلقائيا و بمنتهى الطاعة لترتشف من كوب العصير الذي وضعه على شفتيها بحرص ...
لقد نسيت الطفل بالفعل منذ أن دخل الى الجناح ....
على الرغم من كل الغثيان و الدوار ... فقد نسيت كل شيء عن الطفل ...
فتحت فمها مجددا و هي تقضم قضمة صغيرة من شريحة الخبز الجاف التي قربها من فمها ... ثم همست بتردد و هي تمضغها ببطىء
( هل قررت شيئا ؟!! ...... بشأن الطفل !! ...... )
رفع اليها وجها قاتما متصلبا ... و عينان جامدتان جعلتاها تغص فيما تأكله ... الا أنه قال بصوتٍ جاف صارم
( و هل هناك أي قرارات متاحة أمامي ؟!! ....... لقد حدث ما حدث و أنتهى الأمر .... لذا سنحاول جاهدين بأن نبقيه حيا .... )
جلف و كل ما ينطق به هو مجرد قشور صخرية ...
اخفضت بشرى وجهها و هي تهمس بخفوت بعد أن انعدمت شهيتها قبل حتى أن تبدأ
( أعتقد ...... أن الحل الآخر يجب أن يكون محل دراسة , لو كنت تنوي ...... إنهاء هذا الزواج ...)
هدر وليد فجأة بغضب
( انسي تماما جريمة الإجهاض ..... الا يوجد لديك ذرة ضمير ؟!! .....)
رفعت وجهها الشاحب اليه و قالت بفتور
( لكن لو تركتني ....... كيف سأستطيع أن ......)
عاد ليقول بقوةٍ قاصمة ... يقاطعها بشدة
( أنا لن أتخلى عن طفلي أبدا ...... سأمنحه كل الرعاية و سأتكفل به , فلا تحملي هما لهذه النقطة ....)
لم تكن تحمل هم التكفل به !! .... بل تحمل هم ذلك اليوم الذي سيتركها فيه , فتعود الى شقتها الخاوية المعتمة من جديد ... تنفق من مدخراتها بحرص خشية أن تنفذ فتضطر حينها للبحث عن زوج جديد ....
أخفضت وجهها قليلا و هي تقول بتوتر
( و هل فكرت فيما سيحدث لو تركتني اذن ؟!! .... هل ستأخذ الطفل لك ؟!! ..... )
أبعد يده عنها بتشنج ... ناظرا اليها عدة لحظات مرتبكا قبل أن يقول بخشونة
( أنت تفكرين في مراحل متقدمة جدا ..... الا ترين أنكِ تستبقين الأحداث قليلا , بينما أنا لا أزال أحاول جاهدا التخلص من عبء الصدمة !! ....... )
تأفف بقوةٍ كبيرة دون أن يملك أدنى قدر من المراعاة كي يخبىء ضيقه ... بينما ملامحه كانت تظهر صراعه الداخلي بوضوح ...
فازداد ألمها و هي تراقبه بصمت .... نعم إنها تعلم جيدا بأنها عبء عليه ... هذا لا يحمل أي شك ....
تعرف أن يريد التخلص منها اليوم قبل الغد .....
رفعت عينيها اليه مجددا و هي تتأمله ...
ملامحه الفتية العنيفة .... عضلاته القوية .... شعره المبلل .....
قالت أخيرا بشرود
( أين كنت صباحا ؟!! ....... هل نزلت البحر ؟!! .... )
رفع وجهه اليها مقطبا .... عابسا ...
إنها بارعة في تغيير المواضيع كلما وصلا الى حائط سد .... لكنه حاليا رحب بتغيير الموضوع غاية الترحيب
لذا قال باقتضاب
( نعم ........................ )
قالت بشرى بخفوت
( هلا أخذتني للبحر الآن ...... أرجوك .... )
قال وليد رافضا بقوة
( لن تتعرضي للشمس مطلقا و لعدة أشهر قادمة ..... هذه أوامر الطبيب ... )
همست بشرى بتوسل
( أرجوك يا وليد ...... لقد سمعتك تقول بأننا سنرحل غدا أو بعد الغد على الأكثر .... و قد تكون تلك هي الرحلة الأخيرة لنا معا ...... كنت متشوقة لها جدا , و تخيلت كل لحظة بها و كيف سأقضيها ...... ارجوك خذني معك مرة واحدة ...... الآن ....)
ارتعشت عضلة نافرة بوجنته و هو ينظر اليها عابسا ... بعينين تفيضان بالكثير من النوازع ...
و رأت حلقه بعينيها يتحرك بصعوبة و كأنه يحاول أن يبتلع غصة مؤلمة ...
الا أن ظنها كان وهما وهو يرد بجفاء لا يقبل الجدل
( انسي الأمر ....... مرضك ليس هينا , و هذا ما تأكدت منه بنفسي , لذا لا تحاولي المجازفة ..... )
نظرت اليه بشرى بصمت قبل أن تقول بخفوت و أمل
( هل تهتم بي ؟ .... ولو قليلا ؟؟ ..... )
بادلها النظر دون أن تلين ملامحه ... لكن النظرات طالت .... طالت أكثر من أن يدعي عدم الإهتمام ...
فهمست تلقائيا برهبة
( أنت لا تتمنى موتي كما قلت ليلة أمس ...... )
كانت تقر أمرا واقعا و هي تبادله النظر بقوة ... تحاصر عينيه بعينيها الخضراوين بكل اصرار
الا أن وليد تهرب منهما بقوة وهو يقول بخشونة
( هلا توقفتِ عن الثرثرة التافهة !! ...... أقتربي مني لأرى البقعة في ظهرك كيف أصبحت ... )
تنهدت بشرى بيأس وهي تسمح له بأن يسحبها من ذراعيها اليه ... حتى استقامت جالسة , ثم مالت تستند الى كتفه .... بينما شعرت بيد على بشرة ظهرها و هي تخفض المنشفة قليلا ....
كان ينظر الى البقعة الملتهبة بجانب ظهرها و كتفها ... بينما أصابعه تمر عليها برفق ... وهو يميل اكثر محتضنا اياها ... ثم همس بخفوت
( لا تزال ملتهبة ...... هل تؤلمك كليلة أمس ؟؟ ....... )
لم ترد بشرى على الفور .... بل كانت شاردة تماما و هي تشعر فجأة بشماعر غريبة تنتابها فجأة ...
قربه منها جعلها ترتجف أكثر مما اعتادت في الواقع ....
لا القرب المعنوي الذي يجعلها تتشبث به .... و إنما قرب آخر لم تعتد الإحساس به بتلك الصورة الغريبة
القرب الجسدي .....
كانت تشعر بحرارتها ترتفع مجددا تدريجيا ... و قلبها يخفق بسرعة ... بينما تلعق شفتيها بتوتر ...
شيء غريب ينتابها منذ أن علمت بحملها ....
رفعت أصابعها ببطىء لتلامس صدره ... دون أن تصدر صوت ... و كأنها تستكشفه ... و تستكشف نفسها ...
حينها ارتفع هدير أنفاسه بسرعةٍ أكبر وهو يقول بخشونة هامسا
( بشرى !!!! ........... )
أخذ نفسا آخر ,.... بينما كانت شفتيها تلامسان عنقه بطريقةٍ غريبة ... فالتفت وجهها اليها وهو يقول بحدة
( ماذا تفعلين ؟!!! ....... )
رفعت وجهها المحمر و هي تنظ ر اليه بعينين خضراوين براقتين ... قبل أن تبتلع ريقهما هامسة
( اشتقت لك ............. )
أغمض عينيه وهو يزفر بقوةٍ ثم هتف بخشونة وهو يشدد من قبضته فوق خصرها الناعم
( هل عدنا لتلك الطريقة مجددا ؟!!! ..... إنها لن تحل الأمر هذه المرة .... توقفي عن ذلك ... )
هتف بها بقوة و هو يراها لا تزال تلامس صدره ناظرة الى مسار اصبعها بشرود .... و لا يبدو أنها قد سمعت أي كلمة مما نطق للتو ....
هتف بها بقسوة جعلتها ترفع عينيها اليه
( بشرى ............. )
ظلت صامتة قليلا تنظر اليه قبل أن تقول بخفوت
( إنها المرة الأولى التي أشعر بشعور مماثل ...... هل هي هرمونات الحمل ؟!! ..... سمعت مرة أن النساء تنقلبن في بدء الحمل من حالٍ الى نقيضه !! ..... )
كانت تتكلم بهدوء خافت , عاقدة حاجبيها قليلا بتركيز على ما تشعر به و كأنها تقر حقيقة واقعة و تناقشها بهدوء .... بينما هو يستعر نارا أمامها ...
رفعت وجهها اليه مجددا ثم همست بصوت خافت
( أنا أريدك ........ أريدك أن تلامسني ........ )
شتم وليد بقوة وهو يندفع واقفا مبتعدا عنها قبل أن يصيبه الجنون .... بينما هي ماكثة مكانها تتشبث بمنشفتها و شعرها الندى متناثر من حولها مما يجعلها أقرب الى طفلةٍ مجنونة شهية ....
دار حول نفسه بغضب ... ثم توقف ناظرا اليها و يداه في خصره ... يلهث تقريبا ...
ثم هتف بعنف
( ماذا تحاولين أن تفعلي ؟!! .......... أخبرتك أنني أمقت هذا الإسلوب .... )
ظلت تراقبه قليلا بصمت و هي تتنفس بسرعة .... شاردة بحركاته و كل تشنجاته ... قبل ان تغمض عينيها و تسقط للخلف على الوسائد .... هامسة بخفوت
( ربما كنت مخطئة فيما أشعر به ....... لا اريدك أن تحتقرني أكثر لو عاد الى البرود ...... أنت الوحيد القادر على اكتشافه بسهولة ...... )
لم تكن قد فتحت عينيها حين سمعت هديرا خشنا ... و ثانية واحدة مرت قبل أن يهتز السرير بجانبها حتى كاد أن يوقعها و هو يندفع اليها ....
يدس ذراعيه من تحتها حتى رفعها قليلا .... لمرمى شفتيه اللتين التقطتا شفتيها كاتمتين شهقة الذهول الوحيدة التي خرجت من بينهما ....
لحظة واحدة ... لم يقاوم أكثر من لحظة قبل أن يهاجمها بهذا الهجوم العنيف المحموم
ارتجفت بشدة عدة لحظات و ذراعيها متراخيتين بجوارها كدمية مسلوبة الإرادة ...
لكن شوقا غريبا اندفع بداخلها تدريجيا و هي ترفع ذراعيها خلف عنقه ... تتحسس شعره بلطف , لا يليق بعنفه في التهام طفولتها الظاهرية ....
همس ساحقا شفتيها المتأوهتين
( أرغب بكِ بشدة ....... ياللهي أشتقت اليك و الى جمالك و صغر حجمك ..... )
مد يده خلف عنقه لينتزع أحدى كفيها المتعلقتين به هناك ... ثم أخذها عنوة الى فمه ليقبل كل اصبعٍ منها ... بل يلتهمها حرفيا ....
حانت منها انعقادة حاجبين و هي تلمح أظافرها القصيرة للغاية و الغير منمقة ... بل منعدمة الوجود ... فبدت يدها متورمة المفاصل تفتقر الى الأناقة تماما .... و تسائلت أين ذهبت الأظافر الملونة الطويلة التي كانت تحرص ملك على أن تقلمها لها و تطليها بطلاء لامع ...
لكن لم يكن لديها المزيد من الوقت لتتسائل أكثر و هي تغرق و تغرق ببطىء في موجات عاطفته العنيفة و التي أختلفت كليا عن تلك المرات التي أجتمعا بها من قبل ...
فالآن هو أكثر عاطفا و إحتياجا ... يشبه احتياجها ....
كانت تسمع صوته و كأنه هو المحموم لا هي .... يهمس بخشونة في اذنها
( جميلة ..... جميلة ..... زوجة طفلة ..... أستطيع تحطيمك بقبضةٍ واحدة .... )
الآن كان عليها أن تتشنج و تشعر بالنفور الذي كانت تشعر به مع رابح لكنها كانت تداريه
لكن في تلك اللحظة , لم تشعر بالنفور .... بل هو نفور أقرب للخجل و الرغبة في الخوض به الى أن يتحول من نفورٍ الى شيء آخر أكثر روعة ...
رأته يلقي بمنشفتها بعيدا بقوة ذراعه ... فرمشت بعينيها عدة مرات قبل أن تسمع زمجرته الخشنة و بعدها ... تاهت معه في عالمٍ لم تعرفه من قبل ...
على الرغم من تحرش سنوات ... و ثلاث زيجات .... كانت تلك المرة مع وليد شيئا لم تعشه و آفاقا لم تحلم أبدا بالإحساس بها ....
بعد وقت طويل من العنف العاطفي المتبادل صرخت ألما ......
( ظهري .......... ظهري ....... )
تسمر مكانه وهو يبتعد عنها قليلا مصعوقا لاهثا.... لقد نسي ألمها تماما .... لقد كان ....!!!!!
ارتفع حاجبيه من صدمة الساعة الماضية المحمومة ...
لكنه أفاق على نشيجها مجددا ... فضمها اليه وهو يقول بخفوت
( استديري .... سأدلكه لكِ ...... )
شهقت بشرى و هي تهتف
( بل أريد مسكنا ...... أرجوك ....... )
عقد وليد وهو يسألها مصدوما
( منذ متى كنتِ تتألمين بالله عليكِ ؟!!! ..... لماذا لم تخبريني ؟! ... كنت لأتوقف .... )
قالت بشرى بإختناق و هي تدفن وجهها في الوسادة
( لم أريد أن تتوقف ولو سأموت ..... أرجوك أعطني مسكنا الآن , لم أعد أحتمل ...... )
كان مأخوذا بما شعرت به بشرى بين ذراعيه ..... كانت و كأنها امرأة أخرى .....
أمرأة حاملة بطفله ... مرغوبة و ترغبه !! .....
لقد نجح الجنين في بطنها بكل فورة الهرمونات التي أشعلها ... بما فشل هو بتحقيقه منذ بداية زواجهما .....
لقد شعرت بالرغبة في العلاقة الزوجية من نفسها ... و دون التفكير بأي مصالح مترتبة عليها !!! ....
انتفض فجأة من شروده على صوت هتافها مجددا
( أريد المسكن يا وليد أرجوك ........ ظهري يحرقني بشدة )
تحشرج صوت وليد و انعقد حاجباه بعجز وهو يقول بصوتٍ مكتوم
( أنت حامل يا بشرى ...... حتى المسكن الخفيف , فقد أوصى الطبيب بعدم الإكثار منه .... )
صرخت غضبا و هي تضرب الوسادة بقبضتيها المضموتين
( تبا للطبيب ....... أعطني إياه حالا ..... )


يتبع


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 24-10-15, 11:54 PM   #25016

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

زفر وليد نفسا متألما وهو ينظر اليها عاجزا قبل أن يقول بخشونةِ متحشرجة زائفة
( يجب أن تتحملي المسؤولية يا بشرى ..... هناك حياة تخلق داخل رحمك .... )
كزت على أسنانها و هي تعض على الوسادة بقوةِ بينما تطبق جفنيها بشدة ... فتأوه وليد دون صوت ...
كان دفىء جسدها الصغير لا يزال منطبعا على جسده الصلب الجائع ... فكيف يسلم الآن بأن يراها في الساعة التالية تتأوه ألما دون أن تكون مستلقية تسترخي بكسل عاطفي محبب !! ...
مد يده جانبا ليتناول أنبوب الدهان .. ثم مال عليها و عاد ليدلك لها التقرح الذي بدا متورما الآن برفق شديد جعلها تشهق منتفضة بغضب و ألم معا
( لا ..... لا يا وليد , ابتعد عني .... أريد شيئا يذهب الألم .... أبعد هذا السائل اللزج عني .... )
الا أنه لم يسمع أوامرها الصارخة ... بل مال عليها أكثر حتى لامست شفتيه كتفها المرمري الأبيض .. و بقت هناك ....
أخذ يقبل كتفها برقةِ مرة بعدة مرة و يده تدلك لها التقرح في كتفها ببطىء... بينما هي تعض على شفتها بألمٍ طاحن .. و لكنها في نفس الوقت لا تريد التخلي عن ملمس شفتيه على بشرتها ...
و الذي كان مسكنا لروحها ... فداوى قليلا الم جسدها و طغى عليه ....
همست بشرى بخفوت متألم
( وليد ..... لا تتركني أرجوك .......ليس بعد الآن ..... ماذا سأفعل بدونك ؟!!..... .. )
أغمض وليد عينيه باختناق معذب .... بينما شفتاه لا تبارحان كتفها ... خوفا من عودة الألم .......
.................................................. .................................................. ......................
أمسكت كرمة بالهاتف و هي تقول بكل حماس ناظرة الى نفسها في المرآة من كل جانب
( اسمعيني جيدا يا وعد ... أريد عدة قمصان للحمل .... تظهر قصة صدري و لا تخفي بطني ..... بشريط حريري معقود تحت الصدر .... و أريد منه كل الألوان ... )
سمعت فجأة صوتا رجوليا يقول من خلفها بهدوء
( الوصف الأمثل على ما تطلبين هو حلة الرقص ......... )
انتفضت كرمة وهي تستدير بسرعة لتجد حاتم واقفا عند باب الغرفة و ذراعه مرتاحة على قبضة الباب بتكاسل ... بينما عيناه تلمعان ببريقٍ متوهج ... ثم استقام ليدخل بهدوء قبل أن يجلس على المقعد مستندا بذقنه الى اصبعه يتأملها بحرية ....
عقدت كرمة حاجبيها و هددته بعينيها أن يتوقف ثم تابعت كلام مع وعد متذمرة
( نعم يا وعد أنا معك .... كان مجرد تدخل غير مرغوب به من السيد زوجي .... لديك مقاساتي , اليس كذلك ؟!! .... لا لا ... انتظري .... زيدي من عرض الصدر ثلاثة سانتيمترات ....بل أربعة أفضل فنحن الآن لا نزال في البداية و الأمور تتدهور سريعا ... . )
كان حاتم يرمق ما تتكلم عنه تماما , عيناه تبرقان ببريقٍ اكثر عبثا ... ثم قال مبتسما بخفوت بطيء
( راااائع ......... )
احمر وجهها و هي توليه ظهرها عن قصد .... بينما قالت لوعد
( سأهاتفك فيما بعد , فهناك تدخل سافر على الخط .... و لن يرحل الآن , أنا أعلم ذلك ...... )
أغلقت الخط مع وعد قبل أن تستدير ناظرة الى حاتم وبغضب و يديها في خصرها
( الا يحق لي بعض الخصوصية قليلا دون أن تدخل و تتحرش بي لفظيا كما تفعل دائما و تحرجني أمام الجميع ؟!! ...... )
رفع حاتم يديه باستسلام وهو يقول ببراءة مندهشا
( كل ما قلته هو كلمة " رائع " ..... فأين التحرش الذي ستلحظه صديقتك ؟!! .... )
زفرت كرمة بغيظ و هي تقول بنفاذ صبر
( أنت تعلم جيدا ما كنت تتحدث عنه ........... )
ارتفع حاجبيه ببراءة اكبر و هو يقول
( ما هو ؟!! ............ )
زمت كرمة شفتيها و هي تقول
( أنت غريب الأطوار هذه الأيام ......... لكن أنا لن أسمح لك بأن توترني , فهذا غير صحي للجنين ... )
حاولت الخروج من الغرفة , الا أنه سبقها بسرعةٍ مندفعا من مكانه ليسد عليها طريق الخروج و يحاصرها كلما حاولت أن تتجاوزه ... فتوقفت مكانها لتنهره بقوة
( توقف عن هذا يا حاتم ..... أنت ترهقني ..... )
أغلق حاتم الباب من خلفه بدفعة من قدمه ... و ظل يقترب منها و عيناه تشبهان عيني فهدٍ أسود ...
رفعت كرمة اصبعها محذرة امام فمها ....
( حاتم .... احترم نفسك , محمد و أمينة في الخارج ...... )
لكنه استمر يقترب منها و بعينيه نفس النظرة قبل أن يقول ببراءته المعهودة
( ماذا ؟!! ..... أنا لم أفعل شيئا بعد ...... )
عقدت كرمة حاجبيها بشدة و هي تقول حازمة ...
( أها .... تماما كتحرشاتك اللفظية البريئة ..... )
كان قد اقترب منها فهربت بسرعة و هي تهتف
( حاتم ,..... لا يجب أن أجري , أنا حامل ....... )
لكنه كان قد أمسك بخصرها من الخلف ليضم ظهرها الى صدره بقوةٍ بينما أخذت تتلوى هاتفة
( انت تعتصر الطفل ...... فك ذراعيك عن عنقه .... )
استدار بها الى أن وقفت أمام المرآة وهو خلفها يتحسس بطنها برفق ..... ثم همس في اذنها بهيام
( أصبحتِ ثقيلة الحركة كالبطة ........ )
مالت على صدره قليلا و هي تهمس
( انا حامل !! ..... يجب أن أحترس ...... )
قبل عنقها برقةٍ أثارت رعشة بركبتيها وهو يهمس لها
( يمكنك ان تمارسي الرياضة حتى لو أردتِ .... الحمل ليس مرضا .... )
عقدت كرمة حاجبيها قليلا و هي تتأمل نفسها قبل أن تقول بتركيز
( أممممم أفضل الإحتراس .... لكن شكرا على النصيحة ..... )
حاولت أن تتخلص من ذراعيه الا أنه لم يسمح لها ... بل شدد عليها قليلا وهو يقول بخفوت
( لم تكن نصيحة ..... بل أمر , من الغد ستخرجين للمشي معي قليلا كل صباح .... )
كورت شفتيها و هي تتأمل نفسها قبل أن تقول بقنوط
( حاتم ..... لا اريد المجازفة , هذا الحمل حدث بالصدفة و لا أظنه سيتكرر مرة أخرى ..... )
عقد حاتم حاجبيه وهو يقول بصرامةٍ
( هاااي .... أنت تهينين رجولتي بهذا الكلام , طبعا سيتكرر .... لما لا نبدأ من الآن .... )
ازدادت جرأة لمساته .. فابتسمت كرمة و هي تطرق بوجهها الأحمر .... بينما قالت معترضة
( يجب أن نخرج الآن .......... )
ازدادت قبلاته على عنقها وهو يهمس
( لا ...... لا يجب .........أريد أن أكلمك بموضوع هام ... .. )
ضحكت كرمة بارتباك قبل أن تقول
( أعتقد أنه لدي فكرة جيدة عن فحوى الموضوع ....... )
ضحك هو الآخر وهو يهمس بأذنها
( لا مانع من التكرار اذن ....... فنحن لم نناقشه منذ فترة , .....هل تبعديني عنكِ قصدا أم أنني أتوهم فقط من شدة شوقي اليكِ )
عضت على شفتها و هي تقول بخفوت و تردد
( حاتم .. أنا في بداية الحمل , لذا يجب أن نتجنب هذا التقارب قليلا الى أن يستقر الجنين في موضوعه .... )
عقد حاتم حاجبيه وهو يرفع وجهه عن عنقها ليقول بخفوت
( الى أين سيرحل المسكين ؟!! .... سيستقر يا كرمة ..... لا تكوني بهذا الرعب , هل نصحتك الطبيبة بذلك ؟؟! ..... )
مطت شفتيها قليلا ... فرفع حاتم حاجبيه وهو يقول بهدوء
( حسنا ..... من الواضح جدا أنكِ قد سألتِها و أثبتت لكِ مدى حماقتك .... و مع هذا تكابرين .... )
مطت كرمة شفتيها و هي تهمس
( أفهمني يا حاتم .... انا أفضل الراحة بكل شيء , حتى أنني أفكر في أخذ أجازة في بداية الحمل .... )
عبس حاتم بشدة وهو يقول بجدية
( انسي الأمر ..... لن أسمح لكِ بأن تختفي في بياتٍ شتوى كالدببة .... أو أن تتكاثرين ذاتيا كالخلية على نفسها .... أنت ستمارسين حياتك بشكلٍ طبيعي تماما ..... و تنبذى عنكِ هذا الخوف المرضي ... )
رفعت كرمة وجهها لتنظر اليه في المرآة ثم قالت بجدية
( قد اكرهك لو أصاب هذا الحمل مكروها لا سمح الله ....... )
بهت الهزل عن عينيه و نظر الى عينيها قليلا قبل أن يقول بخفوت
( هكذا يا كرمة ؟!! ......... )
عضت على شفتها مجددا و هي تغمض عينيها هامسة تضم ذراعيه على بطنها
( لا ..... لن أكرهك أبدا , لكن دعني أمشي على نصائح الأمهات و الجدات ..... )
فتحت عينيها و هي تقول عابسة مازحة
( طبعا أنت تتسائل بداخلك و من أين لي أن أعرف أمهات و جدات ؟!! ...... حسنا امينة تقوم بالدور بشكلٍ ممتاز .... )
ارتعشت عضلة بفكه وهو يزيد من ضمه اليها ليهمس لها برقة
( يمكن أن أكون أمك لو أردتِ ...... لكن أشك أن أصلح كجدتك ... )
ضحكت كرمة بقوة و هي تميل بوجهها المحمر بينما هو يبتسم لضحكتها هامسا
( اذن أمينة هي من تبعدك عني ؟!! ....... سيكون حسابها معي عسيرا ... )
فتحت كرمة عينيها و هي تقول بتحذير
( إياك و أن تحادثها في هذا الأمر .... إنها مواضيع خاصة جدا .... )
اتسعت عينا حاتم وهو يقول بدهشة
( بينما يحق لكما هذا ؟!! ........ )
قالت كرمة تقنعه بالحكمة
( نحن نتحدث لهدف سامي .... بينما أنت تتحدث به لغرض التحرش .... )
ضحك وهو يمد يداه حولها ليفتح أزرار فستانها الأمامية و هو يقول لها ببساطة
( لعلمك أنا يحق لي كافة أنواع التحرش ........ )
أغمضت كرمة عينيها بحب و يدها على بطنها بينما مشاعرها تغني أغنية تلهيها عن هذا الخوف البائس على طفلها ....
و ما كادت أن تذوب معه حتى سمعت رنين هاتفها في يدها فانتفضت شاهقة و هي تستقيم , بينما لم يتركها حاتم بل شتم قائلا
( اغلقي الهاتف بدلا من أن ألقي به من النافذة ........ )
قالت كرمة بجدية
( سأرد ..... لحظة واحدة فقط , قد يكون الأمر هاما ..... )
شتم حاتم همسا مجددا ... بينما تركها ليجلس على نفس المقعد وهو يراقبها بنفاذ صبر ... بينما ردت كرمة على الهاتف و هي تنظر اليه معتذرة
( نعم ...... اهلا .. مرحبا من معي ؟؟ ........ )
لحظة مرت قبل أن ترتبك ملامحها قليلا ... و حاتم يراقبها بدقة ...
نظرت كرمة الى الباب المغلق و فكرت في الهرب الا انها لم تلبث أن اخذت نفسا قويا ثم قالت بهدوء مسلمة أمرها لله
( نعم .... مرحبا علياء كيف حالك ....... )
و كما ظنت تماما , فقد تلبدت ملامح حاتم و فغر شفتيه قليلا في اشارةٍ غير محمودة ... و ما ان هم بالنهوض و قد رأت نية المغادة الصامتة في عينه ... حتى سارعت اليه ركضا ... ثم جلست فوقه بالمعنى الحرفي للكلمة .... فقد ارتمت جالسة على ركبتيه وهي تثبته بوزنها .. داهسة بقدميها على الارض كي لا ينهض ... بينما هو يهمس بقسوة
( ابتعدي يا كرمة ....... )
لكنها تجاهلته و هي ترد بهدوء
( أنا بألف خير يا علياء .... )
ثم ابعدت الهاتف عن أذنها لتضغط على مكبر الصوت ووضعته بينهما على الرغم من مقاومة حاتم و ملامحه الفظة ...
قالت علياء بصوتها الرقيق المتردد
( أنا أردت أن أكلمك منذ فترة طويلة سيدة كرمة ..... فمنذ ما فعلتهِ معي أنتِ و زوجك الكريم ... لم تتسنى لي الفرصة كي أشكركما ..... )
قالت كرمة بهدوء
( لا داعي للشكر يا علياء .... أي انسان يمتلك ضمير كان ليساعد انسان يحتاج للمساعدة و انا أيضا مقصرة بحقك في السؤال عنك منذ أن بدأت أمينة في الذهاب اليكِ لمساعدتك .... )
صمتت للحظة ثم رفعت عينيها الى عيني حاتم الغير معبرتين عن شيء معين لكنهما كانتا قاسيتين قليلا ...
فتابعت بهدوء و هي تنظر الى عينيه بثقة ...
( لكن أنت من المؤكد تعرفين ظروفي و أن هذه الأمور قد تكون جارحة لزوجي و أنا لا أريد ان أسبب له أي ألم ...... )
للحظات تبادلت النظر مع حاتم , دون ان يظهر عليه أي تغيير , الا أنها تكاد أن تقسم بوجودِ حنان مندفع من بين تلك القساوة ...
قالت علياء بسرعة
( نعم أدرك ذلك ...... و لن أسبب لكِ و لحياتك أي ضرر مجددا .... أنا فقط أحب ان أطمئن عليكِ من الآن و الآخر ..... )
ابتسمت كرمة قليلا ثم قالت
( المهم أخبريني عن حملك ..... هل كل الأمور بخيرٍ الآن ؟؟ ...... )
قالت علياء بلهفة
( أنا بخير و الطفل أيضا .... و انا أدعو لكِ في كل لحظة يا سيدة كرمة أن يرزقك بالذرية الصالحة , سمعت أن دعاء المراة الحامل مستجابا ..... )
أبتسمت كرمة و هي تمسك بيد حاتم لتضعها على بطنها برفق ... و يدها تعلو كفه .... ثم عادت لتنظر الى عينيه هامسة
( كل شيء بأمر الله يا علياء ...... )
لم يستطح حاتم الا أن يبتسم للنظرة في عينيها ... ولو حاول وصفها بمجلداتٍ فلن ينجح أبدا ....
كانت نظرة عشقٍ ممتزجةٍ بالإمتنان لأمومةٍ مرتقبة ....
قالت كرمة أخيرا
( صدقيني يا علياء ..... أحب أن أسمع عنكِ كل خيرٍ دائما .... )
قالت علياء بخجل
( و أنا أيضا يا سيدة كرمة ..... هلا شكرتِ زوجك بالنيابة عني عما فعله معي ؟؟ .... )
ابتسمت كرمة لحاتم و هي تقول بتأكيد
( سيصله شكرك يا علياء .... لا تشغلي بالك و اهتمي بنفسك و طفلك .... )
أغلقت هاتفها ثم نظرت الى عيني حاتم مجددا .. فقال بخفوت
( لماذا لم تخبريها بحملك ؟؟ ........ )
اتسعت عينا كرمة و هي تقول بدهشة
( هل تمزح ؟!! ...... لن أخبر أحدا حتى الشهر الرابع .... بل الخامس .... أو حتى السادس ... الى أن أكون مضطرة للإعتراف بما لا يقبل الشك ..... انت و أمينة و محمد ووعد فقط من ستعلمون حاليا ... )
ابتسم حاتم رغما عنه وهو يرجع رأسه للخلف ملاعبا خصلة من شعرها المموج ثم قال بهدوء
( لماذا تتعمدين الإخفاء ؟!! ..... ظننتك ستنشرين الخبر في اذاعات الأخبار كلها ..... )
اتسعت عيناها بخوف حقيقي و هي تضغط يده الى بطنها قائلة بجدية
( لا ... هذه الأمور تظل طي الكتمان حتى آخر لحظة ممكنة ..... )
نظرت الى بطنها للحظةٍ ثم نظرت الى حاتم تقول بلهجة صادقة
( أنا خائفة عليه جدا يا حاتم .... و أحبه .. جدا ... جدا .. جدا ..... )
مد يده الى مؤخرة شعرها ليسحب وجهها الي وجهه بقوة حتى داعب أنفها بأنفه و هو يهمس لها بصوتٍ أجش مزمجر
( و أنا أحبك .... جدا ... جدا ... جدا .... يا أجمل معجزةٍ قدرت لي .... )
ابتسمت بحنان و هي تلامس وجنتها بأنفه كي تستنشق عطره ... لكنها فتحت عينيها فجأة لتقول بصدمة
( هل شعرت بذلك ؟!! ....... )
عقد حاجبيه وهو يرفع وجهه عنها ليقول بقلق
( ماذا ؟!!! ........ )
قالت كرمة برهبة
( لقد تحرك الطفل !!! .......... )
ارتسمت البلادة على وجه حاتم وهو يقول بصبر
( أنتِ في الشهر الأول يا كرمة ........ )
هتفت بلهفة و هي تتحسس بطنها
( لكني شعرت به يتحرك ...... )
قال حاتم ببساطة وهو يربت على شعرها
( انها على الأغلب غازات ....... )
عقدت حاجبيها و هي تقول
( و هل سأخطىء بين الغازات و حركة الجنين ؟!! ...... )
مد يديه ليتابع فتح أزرار فستانها وهو يقول بنفاذ صبر
( كرمة لدينا بضعة دقائق قبل أن يهجم علينا جيش التتار ... فهل سنضيعها ما بين شكر علياء و المحاضرة العلمية في شرح الفرق بين حركة الغازات و حركة الجنين .... )
ابتسمت كرمة رغما عنها ... ثم همست و هي تحيط عنقه بذراعيها
( حسنا ..... لكن لو آذيت الطفل سأقتلك حبيبي .... )
همس لها بصوتٍ أجش
( سأحاول ..... اثبتي يا أم الأطفال ..... )
همست كرمة حالمة و هي تستسلم لقبلاته
( أم الأطفال !!!! .... ما أجمل هذا اللقب !! ...... يا رب ستة أطفال يا رب .... )
سمعا فجأة طرقا على الباب جعلهما ينتفضا معا ... ومحمد يقول
( كمرة ... كمرة كمرة .... كمرة .... كمرة كمرة ... كمرة ....كمرة كمرة ....كمرة )
بينما كانت كرمة وحاتم يتبادلان النظر بيأس الى أن قالت كرمة بصوتٍ خافت
( لن يتوقف ..... أنه عادة يغنيها الى أن أفتح الباب .... إنه لحن كامل حتى النهاية و قد يعاد مرتين .... )
دفعها حاتم وهو يقول من بين أسنانه
( اذهبي يا كمرة .... اذهبي .... لم أعد أريد شيئا ...... خذيه بيدك و ابتعدا عن ناظري ..... )
ربتت على وجنته و هي تكور شفتيها كأنها تراضي طفلا ... ثم نهضت بسرعة الا أنه أمسك بيدها ليقول بخشونة
( أغلقي زرار فستانك ......... )
احمر وجهها و هي تعيد ترتيب ملابسها بسرعة ... قبل تسرع للباب الا أن حاتم , ناداها قائلا بجدية
( كمرة ....الليلة .... لا اعتذارات .... )
ابتسمت له كرمة برقة و خجل و هي تقول مازحة
( الليلة يا عمدة ......... )
برقت عيناه و هو يراها تشع فرحة و بهجة كثمرة ناضجة ... ثم قال بخفوت مشتعل
( يا روح العمدة ......... )
ضحكت كرمة و هي تفتح الباب ... فوجدت محمد كان لا يزال يلحن اسمها دون ملل .... و ما أن رآها حتى قال ببساطة
( الغذاء جاهز يا روح العمدة ........ )
شهقت كرمة و هي تدفعه أمامها مبعثرة شعره هاتفة
( ابتعد عن أبيك هذه الساعة ..... فهو مستعد لضرب أمينة نفسها دون اعتبارٍ للسن )
على مائدة العشاء كان ثلاثتهم ينظرون اليها بحواجب مرفوعة ما بين ريبة و توجس ...
و كان حاتم هو أول من تكلم ..... فقال بقلق
( كرمة ...... هل أنتِ بخير ؟؟ ....... )
لكنها كانت جالسة امام الطعام ووجهها مائل للشمال الشرقي ... فاغرة الشفتين و عيناها زائتين ....
قال محمد وهو ينظر اليها مضيقا عينيه و هو يتفحصها
( إنها تشبه بطوط في المجلة حين يكون لون وجهه أخضرا لأنه مصابا بالغثيان !!! .... )
بينما نظرت اليها أمينة عاقدة حاجبيها و هي تقول
( كنتِ مثل العفريت منذ دقائق !! .... و ما أن دخلتِ الغرفةِ معه حتى تحولتِ الى كتكوت تم رشه بمبيدٍ حشري ..... أخبرتك و نصحتك , فلم تمتثلي لنصيحتي .... )
رمقها حاتم شزرا بطرف عينيه .. الا أن وجود محمد منعه من الإسترسال في الكلام كما يرغب تماما ....
نهض محمد من مكانه و تناول منشفة المطبخ الصغيرة وأخذ يلوح بها امام وجه كرمة وهو يقول ..
( خذي نفسا عميقا يا كمرة ....... )
حاولت أخذ عدة أنفاس الا أنها لم تريحها ... بل شعرت بالدوار أكثر .. فمد محمد يده يمسك بشعر كرمة وهو يقول
( هيا أخفضي رأسك الى بين ركبتيك عدة مرات ...... )
انحنت الى ركبتيها مرة و أثنتين بإعياء و محمد يدفعها ... فهتف حاتم بقوة
( ستزهق روحها بيدك يا ولد اتركها .... لقد أصبحت كفك أكبر من رأسها .... )
نظر اليه محمد عابسا وهو يقول
( ألم تكن رياضيا يوما ما ؟!! .... و تعرف تلك الإجراءات ؟!! ..... صحيح أن هذا كان من أيام العصر الحجري , لكن من المؤكد أنك تتذكر شيئا ...... )
استطال حاتم و ضربه على رأسه وهو يقول
( احترم نفسك ....... أو اقلب داخلك خارجك كالجورب .... )
تأهوت كرمة بصوتٍ واهي .... لكنه كان كفيلا كي يثير انتباه حاتم
فعقد حاجبيه بشدة وهو يلتقط معصمها و يربت عليه بقوةٍ قائلا
( كرمة ...... هل تعانين من الغثيان ؟!! .... هل تريدين التقيؤ ؟!! .... )
هزت رأسها نفيا و هي تقول بخفوت
( لا ..... لا ..... لكن أحتاج الي شيء ما ..... بشدة ....... )
عبس حاتم وهو يقول بسرعة
( ما هو حبيبتي ؟!! ..... أخبريني بما تحتاجين و أنا سأحضره لكِ ..... )
الا أن كرمة أزاحت الكرسي و نهضت واقفة و هي تقول بقوة
( أنا أعرف ما أحتاج ........ )
ثم انطلقت مهرولة .... نهض حاتم وهو يقول
( سأذهب اليها .... اكملا طعامكما ......... )
الا أن أمينة نهضت تسبقه و هي تقول
( بل أكمل أنت طعامك ..... صدقني , لا زوجة تحب أن يراها زوجها في هذا الموقف .... أترى تلك القماشة المهترئة التي أمسح بها الأرض هناك ؟!! .... هكذا يكون شكل المرأة بعد أن تتقيأ .... )
ثم ابتعدت لتتبع كرمة ... بينما جرى محمد خلفها وهو يقول
( سأذهب لأشاهد ......... )
بقى حاتم مكانه وهويرتشف من كوب ماء بامتعاض ... ثم قال بضيق مخاطبا نفسه
( اذهب لتشاهد ..... يبدو أن لقاء الرجل بزوجته هذه الأيام أشد زحاما من سوق الثلاثاء وقت الظهيرة .... و أشك حتى في أن يسمحو لي بوضع يدٍ عليها .... )
لكن لم تكد أن تمر دقيقة حتى سمع أمينة تصرخ
( يا حاتم ..... الحق زوجتك المجنونة ...... )
انتفض حاتم من مكانه مندفعا الي غرفتهما .... و القلق يبعثر خطواته , بل كان مرتعبا ...
ثم اتجه الى الحمام , مصدر الصوت ... فتسمر مكانه وهو يرى محمد متشبثا بخصر كرمة ... ممسكا معصمها لأعلى ... حيث تمسك ب ..... صابونة ....
بينما هتفت أمينة ما أن رأت حاتم ...
( انظر المعدولة زوجتك ... أختيار الهناء و السعد .... تريد أن تأكل الصابونة !!! ..... )
ارتفع حاجبي حاتم بذهول بينما كانت كرمة تصارع محمد و هي تهتف
( أتركني يا محمد .... سأعض عليها فقط , لن أبتلعها , فأنا لن أؤذي طفلي أبدا ..... )
بينما ازداد تشبث محمد بها وهو يهتف بقوة
( حسنا .... حسنا .... هذه حالة هيستيرية , فقط خذي نفس أو أصفعك ...... )
هز حاتم رأسه يأسا .... ثم اقترب منهما و قال لمحمد
( اتركها يا محمد .... أنا سأتولى الأمر من هنا ...... )
نظر اليه محمد بشك و قال
( هل أنت متأكد ؟!! ........ لا نريد أن تنجب لنا طفلا مخبولا يتجشأ فقاقيع هواء ..... )
قال حاتم يطمئنه
( لا تخف ..... إنها لا تعاني حالة , هيستيرية .... إنها فقط تتوحم ...... )
تركها محمد بالتدريج وهو يحاصرها بشك ... مستعدا لأن يهجم عليها بأي لحظة .... و ما أن تركها حتى التقطها حاتم محيطا خصرها بذراعيه و يده تدلك لها معصمها بنعومة ...
اما يده الأخرى فكانت تتحرك على ظهرها برفق صعودا و نزولا .... ثم قال أخيرا بمنتهى الهدوء
( كرمة ...... تعقلي , أتفقنا ؟! ...... )
هتفت بيأس و إعياء
( أنا لست مجنونة ..... أنا فقط أشعر بشهية غير مسيطر عليها لتذوقها .... أريد أن أعض عليها فقط .... )
قال حاتم بهدوء
( أتعدين الا تبتلعيها ؟؟ .......... )
رفعت وجها متعبا متوسلا اليه و قالت بصدق
( أعدك يا حاتم ....... )
رد عليها برقة
( حسنا اذن ......... )
ثم التقط الصابونة من يدها و قربها من شفتيها وهو يهمس لها مبتسما بدلال
( هيا عضي عليها بأسنانك فقط ...... )
فتحت كرمة فمها و عضت على الصابونة برفق و تمهل و بينما هي تفعل ذلك تأوهت مستمتعة .. مغمضة عينيها براحة غريبة ...
ابتسم حاتم ابتسامة أعمق و اكثر دلالا وهو يداعب ظهرها بحنان ... بينما كان محمد يراقبها عاقدا حاجبيه بذهول .. ثم همس بانبهار
( غريب الأطوار !!........ )
خرجت أمينة من الحمام و هي تضرب كفا على كف .... قائلة بإمتعاض
( خيبة الناس السبت و الأحد ... و خيبة زوجتك لن ترد على أحد !!! ...... حسرتي على الطفل الموكوس )
استمرت كرمة في الغض على الصابونة المعطرة بنهم .. الى أن حاول حاتم شدها من بين أسنانها وهو يقول بخفوت
( يكفي هذا كي لا ينساب الصابون الى حلقك ...... افتحي فمك ... هيا .....)
الا أن كرمة استمرت في العض عليها .... وهو يشد من ناحيته متابعا بحزم
( كرمة .... اخلي سبيل الصابونة هيا .... كرمة .... )
عادت أمينة و هي تقول
( انزعها بالقوة و أنا سأعصر نصف ليمونة بفمها .......... )
و بالفعل نزع الصابونة بينما أمسك بذقنها بالقوة و هي تهتف
( لا احب الليمون ..... لا احب الليمون ..... )
الا أنه تقبض ذقنها فاتحا فمها غصبا بينما عصرت أمينة النصف ليمونة بها و هي تقول
( بالشفاء حبيبتي .... عقلا قبل جسدا ...... )
أخذت كرمة تتشنج و ملامحها تتعقد مع عصارة الليمون ... فقال حاتم ضاحكا
( حسنا ..... عودا الى ثكناتكما الآن و أنا سأتولى زوجتي ..... رجاءا .... )
خرجا من الغرفة , بينما مالت كرمة الى الحوض و فتحت الماء لتغسل لسانها مرة بعد مرة ...
بينما مال اليها حاتم ليقبل مقدمة شعرها هامسا برفق
( هل أخبرتك من قبل بأنني آسف ؟!! ......... )
رفعت كرمة وجهها الشاحب اليه و هي تجففه بالمنشفة ... ثم همست بإعياء
( على ماذا تعتذر ؟!! ......... )
مد يده ليحتضن وجنتها هامسا
( على أشهرٍ أبعدتك بها عني قسرا .... بينما أنت هشة و تحتاجين لكل دلال العالم , فالدلال لم يخلق الا لكِ )
رمشت كرمة بعينيها و هي تهمس مبتسمة برقة
( بالنسبة لي ..... لم أسلم للحظة بأنني قد أفشل و أدعك تفلت من قبضتي , أما بالنسبة لك ..... فأنت الخاسر الوحيد حيث ضيعت أشهرا ثمينة لنا معا ..... )
عقد حاجبيه و هو يلتقط انتقامها الأنثوي ... فقال صارما
( من الأفضل لكِ أن ترتاحي الآن قليلا ....... فأنا أنوي لحاق ما فاتني سريعا .... )
بنفس الليلة ....
كان يدور الغرفة وهو يتأفف من طول انتظارها .... مضت أكثر من ساعةٍ و هي في الحمام ...
و كلما طرق الباب طمأنته بأنها بخير .....
لكن الآن عيل صبره و لا قدرة له على الإحتمال أكثر ..... فتوجه الى الحمام و فتح الباب عنوة ...
الا أنه لم يلبث أن تنهد وهو يستند بكتفه الى اطار الباب قائلا
( راهنت نفسي بأنك تفعلين ذلك ....... )
انتفضت كرمة من أمام المرآة .... حيث كانت واقفة بجانبها , مكورة المنشفة الكبيرة على بطنها ... تحت قميص نومها الأرجواني القصير بلون العنب ....
و كأنها طفلة تمثل دور الحمل و ترى كيف يكون شكلها بالبطن المنتفخة ....
لكن الغريب في الأمر أنه حين اقتحم خلوتها لم يجدها ممستاءة من البطن المتكورة .... بل كانت ابتسامتها واسعة و عيناها تريان نفسها في المرآة كأكثر النساء جمالا ....
انحنت كرمة بسرعة لترمي المنشفة بعيدا و هي تهتف بغضب
( كيف تدخل الى هنا بلا استئذان ؟!!.... الا يوجد لي أي مساحة من الخصوصية هنا ؟!! .... )
ابتسم حاتم ابتسامة مفترسة وهو يقترب منها بسرعةٍ ليحملها بحركةٍ واحدة بين ذراعيه و كأنما تطير في الهواء فشهقت بقوةٍ .... بينما نظر اليها مبتسما وهو يقول بصوتٍ مبحوح
( لا ..... لا يوجد ......... )


انتهى الفصل 55


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 24-10-15, 11:56 PM   #25017

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

الفصل السادس و الخمسين :

حين استيقظت للمرة الثانية ... أدركت على التو انه قد تبخر مجددا ....
فحين فتحت عينيها ... كان شعاع المغيب هو المتسلل من بين الستائر الداكنة ....
انتفضت جالسة في السرير ... تنظر حولها متمنية أن يكون بالجناح .... لكن من الواضح أنه لم يكن كذلك ...
فقد كان الصمت يحيط بها .... بجوٍ من الرهبة ... و الحميمية المتخلفة من ساعةِ حبٍ وحيدة ....
تراجعت بشرى الى مستندة الى ظهر السرير و هي تتنهد بحزن ... ثم لم تلبث أن همست مخاطبة الفراغ من حولها
( لماذا تركتني يا وليد ؟!! .... لقد رجوتك ...... )
كانت عيناها تتحركان من حولها تراقب جمال الجناح المظلم جزئيا الا من الاشعة الحمراء المتسللة من بين الستائر
كم نامت ؟!!! .... منذ الصباح و حتى الغروب !!!
ألهذه الدرجة كانت متعبة ؟!!! .... أم انها ببساطة لجأت للراحة مرحبة بعد الضياع المجنون الذي عاشته مع وليد ....
رفعت بشرى يديها لتتلاعب بخصلة من شعرها شاردة وهي تهمس
( هل شعر بنفس ما شعرت أنا به ؟!! ........ أم أنه كان يتظاهر كما كنت أتظاهر أنا من قبل !! ... )
أرجعت راسها للخلف تحدق بالسقف و هي تزفر بقوة .... ثم لم تلبث أن همست بخفوت
( لو تركتني سأموت .... فهذا ليس عدلا ..... ليس عدلا أن أجرب حياتك ثم تجبرني على العودة لحياتي بعدها ...... ليس عدلا ..... )
أسبلت جفنيها و هي تخفض نظرها الى بطنها .... ففغرت شفتيها قليلا و هي تهمس بغباء
( أنا أحمل طفلا !!!! ..... أي كارثة تلك !! .... )
رفعت يدها لتتلمس بطنها برفق ....
كانت نفس البطن التي إعتادتها ... لم يزدد حجمها .... لكنها تشعر في هذه اللحظة بالفرق مهولا ...
انها تكاد أن تشعر به يتحرك بداخلها ....
رفعت بشرى عينيها لأعلى و هي عاقدة حاجبيها ... ثم همست بحيرة
( ترى بأي شهرٍ من الحمل أنا ؟!!! ....... لقد نسيت كل مواعيدي الشهرية الهامة ...... )
ازاحت الغطاء جانبا و نهضت ببطىء ... للوهلة الأولى شعرت بالدوار ... الا أنها تماسكت و ثبتت قدميها لتغمض عينيها عدة لحظات ... و ما ان شعرت بالدنيا تهدأ من حولها حتى فتحت عينيها ببطىء و اتجهت الى المرآة المعتمة ...
نظرت الى نفسها و هالها شكل المرأة التي تراها !! ...
في الواقع ليس إنصافا أن تقلب بإمرأة ... فقد كان شكلها يوحي على افضل الأحوال بأنها فتاة مشردة بلا مأوى ...
جسدها النحيف ... محمرا للغاية .. و شعرها مشعث حول وجهها كهالة عسلية اللون ... شفتاها متورمتان و مكدومتان
بينما عيناها خضراوان عميقتان للغاية ....
عضت بشرى على شفتها ,تتذكر تلك الساعة المجنونة .. و احمر وجهها و هي تتسائل بعدم تصديق ,
" كيف وصلت الى مثل هذا العمر ... و لم تعرف يوما مشاعر مشابهة ؟!!! ... "
استدارت قليلا و هي تقف لتنظر الى منظرها الجانبي علها ترى أي بروز ظاهر ببطنها ....
لكن بطنها كانت تقريبا مسطحة ... فرفعت يدها لتتحسسها مجددا , عاقدة حاجبيها بتركيز ....
و استمر وقوفها عدة لحظات قبل أن تقول بخفوت .. محادثة صورة بطنها في المرآة
( مرحبا ...... كيف حالك ؟!! ....... )
صمتت قليلا و هي تشعر بالغباء الرهيب ... فزمت شفتيها , الا أنها قاومت احساسها بالحرج .. و عاودت التمليس على بطنها بحركةٍ دائرية ثم قالت بخفوت
( أنا أمك ..... على الأرجح أنك تدرك ذلك الآن ...... )
ابتلعت بشرى ريقها قليلا , ثم لم تلبث أن ضحكت ضحكة قصيرة متوترة
( يبدو أننا سنلتصق معا لفترةٍ طويلة قادمة ...... فوالدك يبدو متمسكا بك .... أما أنا فلم أتوقع قدومك بصراحة , و معرفتي بك كانت صدمة ..... )
صمتت قليلا و ضحكتها تتلاشى من وجهها و تتركه باهتا و هي تقول بخفوت
( آنا آسفة لأنني لست مثال الأم التي قد تفخر بها ..... لم يكن هذا بيدي , لكن انظر الى الجانب المشرق ... فأنت لم ترث الخزي مني حرفيا .... حسنا ربما معنويا ... لكنك واقعا ابن حلال ..... )
عادت لتصمت قليلا ... ثم تابعت متأوهة بصوتٍ أكثر خفوتا
( آآآه .. ابن حلال .... لو تعلم كم كان هذا اللقب عزيزا في طفولتي ... الحلم مستحيل المنال ... لم أتطلع يوما الى فستان أو دمية .... إنما كنت أتمنى هذا اللقب بشدة .... فأولاد الحلال كانو من الدرجة الأولى و لهم معاملة مختلفة عنا .... كان هذا اللقب هو الشارة الذهبية التي تجعلك أفضل حالا في ذلك المكان القميء ... أما نحن .... فكنا الدرجة المتندية من الأطفال .... )
أخذت بشرى نفسا مرتجفا ... ثم قالت بعبوس
( قد تلومني حين تصبح شابا .... و تتهرب مني ... تخجل من قربي ... تتنكر لوجودي بحياتك ... و تكتفي بوالدك الرائع و الذي يفخر به أي طفل .... لكنك حين تنضج اكثر , ستعرف بأنك رغم كل شيء ... ابن حلال ..... لك اسم ثلاثي كامل ... تضعه في عين أي شخص يحاول أن ينتقص من قدرك .... لديك والد و عائلة ..... حينها قد تكون ممتنا لإحتفاظي بك .... )
ظلت صامتة طويلا ... تتنفس بسرعة , قبل أن ترفع وجهها و تتابع بانفعال مبتسم
( أنا سأحتفظ بك ........ نعم , سنحاول أن ننجو معا ..... و لو تركني والدك , لن أتركك أنا له ... سأتمسك بحقي فيك , الى أن تنضج و تختار الذهاب الى والدك بنفسك ..... )
حين أنهت آخر حروف كلماتها ... كان وجهها قد تحول الى شمسٍ مشرقة الإبتسام ..... لم تلبث أن تطورت لضحكة براقة و هي تخفض وجهها بتصميم رائع ... تدس شعرها خلف أذنها بأصابع مرتجفة .. بينما يدها الأخرى تلامس بطنها و تربت عليها برقة ...
قالت أخيرا متنهدة بقوة
( حسنا .... بما أن والدك قد هرب مجددا .... ليس علينا الآن سوى انتظاره , فربما تمالك نفسه سريعا هذه المرة ..... )
ضحكت بخفة و هي تقول
( أنا أشفق عليه حقا ..... أتعلم ذلك .... يهرب و يعود .... يهرب و يعود .... أتعلم لماذا ؟!! ... لأنه ابن أصول , ضميره لا يسمح له بتركي ..... )
تنهدت بيأس و هي تهمس
( لكن الى متى سيقوى ضميره على مقاومة ما هو محتم ؟!! ..... شهر .... شهرين .... عام ..... عامين من الولادة ؟!!! ... )
أخفضت وجهها ثم قالت بقنوط
( لما لا نؤجل التفكير في هذا الأمر مؤقتا .... و نركز على الإهتمام بمظهرنا , فقد يعود كثورة جنون معتادة سريعا ..... )
لكن الساعات مرت و لم يعد وليد ... كان الليل قد أرخى ستاره الأسود في الخارج .. و بقت بشرى جالسة بأحد المقعدين بجوار النافذة الضخم بعرض الحائط ....
عيناها جامدتان ... و ملامحها باهتة ....
ترتدي فستانا ملونا جميلا ... بدرجات البرتقالي و الأحمر .... و شعرها عملت على تصفيفه حتى بات يلمع و ينسدل حتى كتفيها بفوضوية رقيقة مهذبة ...
كان كل زفيرٍ منها يبدو كتنهيدة غاضبة .... و أصابعها تربت على ذراع المقعد بلحنٍ رتيب ....
كانت تظنه سيعود سريعا بعد الوقت المميز الذي قضياه سويا ....
حسنا ....من المؤكد أنه حاليا في حاليا يمر بإحدى نوباته الغاضبة ... و ربما يكون قد رمى نفسه في البحر مجددا .... هي مقدرة ذلك تماما ....
لكن كل هذا العدد من الساعات !!! ...... إنها تستحق معاملة أفضل من ذلك ....
لا ان يفرغ بها رغبته و يرميها وحيدة بهذا الشكل البائس !!!
كانت ساقها قد بدأت تهتز بعصبية ... و أنفاسها تتسارع .... بينما عيناها تضيقان بألمٍ ناري أخضر ....
و بعد مرور عدة دقائق إضافية من الصمت المخيف الذي يطبق على صدرها ....
نهضت فجأة قافزة من مكانها و هي تقول بهياج
( حسنا هذا يكفي ....... ليس من حقه أن يحضرني هنا كأداة للمتعة ثم يرميني كمنديلٍ قذر .... )
و دون أي لحظة تردد أخرى .... خرجت من الغرفة مندفعة و عيناها تقدحان شررا ...
نزلت الى البهو و هي تنظر يمينا و يسارا بحثا عنه , .. المكان يعج بالبشر من مختلف الجنسيات .. لهم أشكال مختلفة .... بعضهم يتحدث بلغاتٍ لم تفقه منها شيئا ... و البعض الآخر من أبناء البلد ..
لكل منهم من يرافقه .. يستمتع معه ... يرى ابتسامته ....
بينما كانت هي تنظر الى الجميع بشعور غريب من الوحدة و الوجوم ....
تابعت سيرها على غير هدى ....
فخرجت عبر البوابة الداخلية الى حدائق الفندق فداهمها برد الليل .. مطيرا شعرها الفوضوي ...
كتفت ذراعيها لتدلكهما قليلا و هي تبحث عنه بعينيها دون جدوى ....
ثم رفعت عينيها الى امتداد نظرها ... حيث البحر الأسود من بعيد يبدو كفجوة مخيفة في هذا الوقت ..
توقفت لحظة و هي تشعر بخوف مفاجىء
" ماذا لو كان في البحر حتى هذا الوقت ؟!! ..... ماذا لو كان الظلام و إنحسار الأمواج قد سحباه الى نقطةٍ ابعد مما ظنها !!! .... "
تشنجت بشرى من شدة الرعب الذي شعرت به في تلك اللحظة ....
فرفعت يدها الى فمها المرتجف و هي تهمس
( وليد !! ........... )
لو أصابه مكروه , فستكون هي السبب .... هي التي جعلته يتصرف بجنون في الآونة الأخيرة بسبب صدماته المتوالية عنها
تحولت همستها فجاة الى هتاف مرتعب
( وليد !! ......... )
ثم انطلقت تجري في الممر الصخري الأنيق بين الحدائق و الموصل الى البحر ......
ستموت .... ستموت لو أصابه مكروه .... ستموت من بعده .....
في لحظة واحدة اكتشفت انها تستطيع تركه بنفسها و عن طيب خاطر ... على أن يكون بخير ..... فقط يكون بخير .... و هذا هو ما لم تشعر به يوما تجاه أي رجل ....
كانت لا تزال تجري و فستانها يطير من حول ساقيها اللتين اطلقتهما للريح ...
الى أن لمحته فجأة !!! .......
استغرق ادراكها لحظتين كاملتين و هي تبطىء من جريها ... كي تستوعب أخيرا بأنها تراه بالفعل ....
توقفت أخيرا و هي تلهث بعنف ...
تتأكد من أنه كان واقفا بالفعل في نهاية الممر الصخري .... ممسكا بحاجزه الخشبي ... احدى ساقيه مرفوعة على الدرجة العليا من عدة درجات سلمٍ قصير ....
يتحدث بطلاقةِ .... وهو مبتسم بانشراح ....
و امامه كانت هناك فتاة شابة ... تستمع اليه و هي تستند بظهرها الى الحاجز الخشبي .....
كانت تلك الفتاة ترتدي الزي الرسمي للمدراء في الفندق حيث الشعار الصغير مثبت على صدر هذا الزي ... طاقما كلاسيكيا اسود اللون تظهر تنورته القصيرة نوعا ... ساقيها الطويلتين ...
شعرها البني الطويل كان يتطاير حول وجهها و هي تعود و ترجعه خلف اذنها بعفويةٍ ... مبتسمة و هي تومىء لوليد ببساطة ..... بينما كان هو يتحدث معها كالأبله .......
لا تعلم بشرى كم مكثت مكانها بالتحديد ....
كانت كمن تحول الى تمثالٍ فاقد للحياة ..... و هي واقفة مكانها بعيدا عنهما ... تشبك أصابع يديها بينما شعرها يغطي وجهها تماما .... تلهث بعنفٍ أوجع صدرها ....
كانت تظنه ميتا بسببها في تلك اللحظة !!! ........
كانت تظنه تائها يفكر بحياتهما معا !!!! ......
كانت تظنه يفكر في ذلك الوقت الغريب الذي قضياه معا صباحا بكل جنون مشاعره .....
الا انه أخلف كل ظنونها ... وها هو يقف بكل هيبة شبابه النابض بالقوة أمام شابة أنيقة ... تكاد ان تطيرها أنفاسه لو نفخ بها قليلا ... تستمع اليه و كأنه الرجل الوحيد على سطح الأرض ...
لم تعلم بشرى أن قدميها قد بدأتها في التحرك نحوهما تلقائيا ببطىء و عيناها لا تتزحزحان عنهما ....
بدت المسافة القصيرة التي تفصلها عنهما و كأنها طريق سفر طويل لا ينتهي ... الى أن اقتربت منهما في النهاية فبات من المستحيل الا يلحظها ...
رفع وليد رأسه و قد صدمه وجودها المفاجىء .... و هي تقف أمامه بفستانها الملون المجنون و المتطاير من حول ساقيها ... تماما كشعرها المتطاير كشعر الأطفال ....
عقد حاجبيه فجأة و تلبدت ملامحه وهو يقول بصوت غريب
( بشرى !!! ............ )
لم ترد عليه و هي تبادله النظر بصمت ......
بينما نظرت اليها الفتاة الشابة باستفسار دون أن تفقد ابتسامتها ....
قال وليد مجددا بصوتٍ متشدد وهو يخفض ساقه
( ماذا تفعلين هنا ؟!! ...... هل أنتِ متعبة ؟!! ...... )
رفعت بشرى ذقنها و هي تشعر ببوادر الخطر من جنونٍ بدأ في السيطرة عليها .... ثم قالت رافعةٍ احد حاجبيها
( خرجت أبحث عنك .......... )
ظل وليد ينظر اليها عدة لحظات قبل ان يقول بصوتٍ لا يحمل أي تعبير
( لماذا ؟!! ........... )
تلك الكلمة المختصرة أشعلت غضبها بجنون اكبر .... فقالت بلهجة حادة
( لماذا تظن ؟!! ...... سئمت البقاء وحيدة ...... )
تنحنحت الفتاة الشابة و هي تقول بحرج
( مرحبا ....... أنا جيهان , مديرة بالعلاقات العامة هنا ..... )
قاطعتها بشرى و هي تقيمها بنظرة احتقار شملت الفتاة من رأسها حتى حذائها الأنيق
( أنا زوجته .............. )
ارتفع حاجبي الفتاة بدهشة و هي تنظر الى وليد قائلة
( هل تزوجت يا وليد ؟!! ...... متى كان هذا ؟!! ....... )
قبل أن يستطيع الرد قالت بشرى بلهجة مهينة و هي تضع يديها في خصرها بينما الشرر بعينيها الخضراوين يكاد أن يحرق قلاعا ...
( لم أكن أعلم أن عليه أخذ الإذن أولا!! .........لكن و بما أن في غاية البؤس كي تعرفي الجواب , فنحن هنا بشهر العسل ..... هل هناك مانع ؟!! ....)
هتف وليد بصرامة مخيفة
( بشرى ................. )
أخرج من جيب بنطاله بطاقة دخول الغرفة و مدها اليها وهو يقول بلهجةٍ خافتة منذرة بالشر .. و عيناه ترلان لها علامات التهديد
( خذي هذه و اصعدي للجناح ........ ... و لا تخرجي منه ... )
الا أن الوقت كان قد فات على التعقل و هي تهتف بجنون
( لماذا ؟!!! ...... ربما لتتمكن من أخذ المزيد من وقتك في الضحك مع الأستاذة !!..... )
صرخ بها بقوة
( بشرى توقفي عن ذلك ........... )
بينما قالت جيهان بصوت جليدي
( إنها لطيفة يا وليد ...... تشبه دمية من راقصات إحدى الجزر كنت أمتلكها قديما .... )
صرخت بشرى و هي تقول منحنية لتخلع احدى حذائيها
( تلك الدمية ستعلمك معنى الرقص ...... )
ارتاع وليد وهو يدرك نيتها في اللحظة الأخيرة , فهجم عليها و هو يلتقط حذائها من يدها قبل أن يمسك بكتفيها يهزها صارخا
( احترمي نفسك ....... هل جننتِ ؟!! ....... )
نظرت اليه بجنون و هي تنفض شعرها بعيدا عن وجهها صارخة
( طبعا جننت من الساعات الطويلة التي تركتني بها وحيدة و أنا حامل .... أتقيأ وأصاب بالغثيان بينما أنت هنا تضاحك مع تلك الغريبة الأطوار ....... )
لم تتحرك جيهان من استنادها للحاجز ... بينما تقيم بشرى ببطى , قبل أن تقول بهدوء
( حامل !! ........ بهذه السرعة !! ..... ربما هذا هو السبب في حالتك العصبية , لما لا تصعدي الى غرفتك و تحاولين الراحة قليلا .... فأنتِ تهينين نفسك و زوجك ..... )
استدارت اليها بشرى بجنون و هي تصرخ تنوي الهجوم عليها
( و ما دخلك أنتِ ؟!! ,........ ما دخلك يا متجمدة الوجه ... ايتها الشبيهة بالبيضة الفاسدة ؟!! ......... )
الا أن وليد اعتقل خصرها بذراعه بقوةٍ قبل أن تلمس جيهان و تقريبا رفعها من على الأرض و دفعها الى الجهة المقابلة هادرا بعنف جعل جيهان نفسها تنتفض
( أخرسي .... اخرسي يا بشرى .... )
الا أنها نفضت ذراعه و هي تحاول تجاوزه مجددا و هي تصرخ
( لن أخرس ....... بل سأريها الإهانة بحق ...... تلك العلقة الطفيلية القميئة .... )
قالت جيهان بصوتٍ متجمد
( هل أنتِ مخمورة ؟!! ....... هذا ضار بالطفل !! ...... )
كانت بشرى تلهث من شدة الغضب و الجنون و قد فقدت السيطرة على أي منطق تتحلى به فباتت تتصرف بهيستيرية و هي تصرخ بصوتٍ بح من شدة جنونه
( أنا أستطيع تمييز مثيلاتك جيدا ..... أيعجبك زوجي ؟!! ..... أيعجبك ؟!!! ..... و ربما سيعجبك أكثر لو علمت أنه خرج من فراشي مباشرة قبل أن يأتي اليكِ ...... )
رفعت جيهان يدها الى فمها مصدومة .... بينما ذهل وليد مما انتابها ... و قبل ان تستطيع النطق مجددا , كان قد رفع يده و صفعها على وجنتها بسرعةٍ لم تستطع تداركها ....
عم صمت مخيف حولهم .. بينما تراجعت بشرى للخلف خطوة و هي تنظر اليه لاهثة بصمت .....
فصرخ وليد بقوة
( هل افقتِ الآن ؟!! ......... )
لم ترد عليه بشرى , بينما أمسكت جيهان بذراعه و هي تقول بخفوت
( اهدأ يا وليد ..... من الواضح انها ليست في حالتها الطبيعية .......... )
مد وليد يده ببطاقة الجناح صارخا
( خذيها و اصعدي الى الجناح و إياك أن تخرجي منه مجددا ...... الآن .... )
استمر الصمت لحظة واحدة و بشرى تنقل عينيها بينهما قبل أن تنتزع البطاقة منه بيد .... و حذائها باليد الأخرى ... ثم انطلقت تجري مبتعدة , غير آبهة حتى بارتداءه ....
وقف وليد مكانه يتابع جريها كجنية مهووسة حمراء مبتعدة .... و صدره يغلي و يبرد في آنٍ واحد ... بينما عفاريت الغضب كلها تتقافز من حوله مطبقة على رئتيه ...
تبا لقد هرب منها ... من احساسه بها , و من السعادة البدائية بداخله تجاهها .... و لم يتخيل أن تخرج كالمجنونة بحثا عنه ......

همست جيهان بتوتر
( هل ستكون بخير ؟!!! ....... الن تلحق بها ؟!! ....... )
ظل وليد صامتا قليلا , قبل أن يقول بجفاء خافت
( لا ........... فلتتمالك نفسها اولا .... )
قالت جيهان بخفوت
( ألحق بها ......... من الواضح أنها تعاني من صدمةٍ ما ...... لم أعرفك قاسيا لهذا الحد .... )
زفر بقوة وهو يلا يزال ينظر الى الطريق المظلم الذي اختفت به بشرى .... بينما تابعت بخفوت
( آسفة لأنني قمت بإستفزازها ........ كنت أدافع عن نفسي , لكن أدركت بعد فوات الأوان أنها تمر بحالة هيستيرية ....... )
أطرق وليد برأسه وهو يغمض عينيه .... بينما وضع يديه في خصره , و كأنه يدعم حجمه الضخم و قد بدا متعبا ..... متعبا جدا ... فقالت جيهان بسرعة
( وليد ...... هل أنت بخير ؟!! .... )
ظل صامتا قليلا , قبل أن يقول بخفوت دون أن يرفع وجهه أو يفتح عينيه ...
( أشعر بالعالم يدور قليلا ........ )
قالت جيهان بقلق و هي تتمسك بذراعه ...
( لما لا تجلس قليلا ........ تعال ..... )
ساعدته الى ان استند الى الحاجز الخشبي مكانها ..... بينما نظر جانبا الى البحر المظلم البعيد ...
ظلت واقفة بجواره و يدها على كتفه ... ثم قالت بخفوت
( وليد ..... هل أنت بخير ؟!! ......)
لم يرد على الفور ... بل استمر نظره الى البحر الاسود من بعيد طويلا قبل ان يقول بخفوت
( آخر مرة كنت بها هنا ....... لم يكن لدي اي عمل اقوم به , ... كانت مجرد عطلة ..... كنت اشعر بالملل و قررت المجيء الى هنا دون اي هدف ....)
عقدت جيهان حاجبيها و هي تهمس
( و ما المشكلة بذلك ؟؟ ................)
قال وليد بصوتِ متباعد ودون ان يرفع عينيه عن الفراغ الداكن الممتد أمامه
( ليتني لم آتي ............ ليتني لم آتي ..........)
همست جيهان دون ان تفهم
( كل شيء مقدر ....... تخطىء إن ظننت بأنك مخير .....)
ظل صامتا عدة لحظات قبل ان ينهض من مكانه قائلا بخفوت
( أنا يجب أن أذهب ........ )
أومأت برأسها بصمت , الا أنه قال بصوتٍ متخاذل
( جيهان ....... أنا آسف لما حدث للتو ......)
هزت رأسها و هي تقول بخفوت
( لا عليك .............. انسى الأمر ....)
ابتسم لها وليد ابتسامة مهتزة .... قبل ان يستدير مبتعدا .....
" انسى الأمر ...... "
كم هي عبارة سهلة موجزة , لمن لا يعيش عذابه الداخلي حاليا .......
لم يشعر يوما بنفسه عاجزا مقيدا بتلك الصورة من قبل ......
سار متجها الى جناحه دون أن تباطىء وهو يسرع الخطا ...... قلبه يسبقه بتوتر , يخشى ان تتصرف بجنونٍ أو أن تؤذي نفسها .....

لكن .... خلال عدة دقائق بعد أن تأكد له بأن الجناح كان خاليا !!!! .... و أنها ليست موجودة به ....
تحول القلق عنده الى طوفان من الهلع وهو يعود أدراجه مندفعا ...
ليتجه الى الإستعلامات و وجهه يبدو مخيفا ... و خائفا ....
استند بكفيه الى المنضدة الرخامية الطويلة و هو يسأل موظف الإستعلامات بعنف
( هل تعرف أين ذهبت زوجتي ؟!! ....... )
ارتبك الرجل وهو يشير باصبعه تلقائيا الى اتجاه ما ... وهو يقول
( لقد سألتني للتو عن مكان صالة الرقص .... و اتجهت اليها ..... )
بدا وليد متسمرا مكانه عدة لحظات و كأنه لم يسمع ما نطق به الموظف للتو ... ثم لم تلبث ملامحه أن بدأت تتلبد بالغيوم الرمادية وهو يقول بصوتٍ هادر الغضب رغم خفوته
( و أخبرتها عن مكانها !!!!! ........ )
ارتبك الرجل اكثر وهو يقول بعدم فهم
( وظفيتي أن أجيب أي نزيل ... ثم ليس من العسير معرفة طريقها ...... أنا آسف سيد وليد لكن ...... )
نطق الموظف آخر كلماته مخاطبا ظهر وليد الذي اندفع مبتعدا وهو يكاد ان يخرق الأرض الرخامية بقدميه
لم يكن يرى أمامه حاليا سوى نفس عفاريت الغضب المتربصة به ... و ما أن دفع البابين الخشبين الأنيقين .. حتى اندفع داخلا الى صالةٍ معتمة ... تكاد ان تكون مظلمة تماما الا من أضواء متناثرة ذهبية و فضية ... تبرق و تدور من حوله ...
كان البحث عنها في الظلام مستحيلا .... لكنه لم يحتاج للبحث ...
فما أن دخل حتى سمع صوتها جليا ....
تسمر مكانه و اتجهت عيناه مباشرة حيث منصة الرقص في منتصف القاعة و هي البقعة المضيئة الوحيدة ...
كانت بشرى تقف هناك و معها مكبر الصوت و هي تغني ببطىء شديد ... و تتمايل بنفس البطىء رافعة ذراعيها لأعلى ... و ذقنها مرفوع لدرجة أن تراجع راسها لخلف فبان خط عنقها واضحا كعنق بجعة بيضاء و هي تحاول أن يصل صوتها الى مكبر الصوت بين كفيها المرتفعين لأعلى كراقصةٍ محترفة متمايلة على النغم البطىء ....
لم يشعر وليد بنفسه وهو يسير اليها متسارعا و عيناه متسعتان .. بينما يسمع همسات الإعجاب بتلك الفتاة التي سمع بأذنه أنها قريبة الشبه بمارلين منورو ... و آخر يهمس بأنها فجة الجاذبية ...
بينما الأخير يقول " انظر الى جسدها المتمايل .... لو كانت فقط ترتدي فستانا يليق بالرقصة !! "
كل هذه العبارات المسمومة جعلته يندفع و عيناه تلتهبانِ بنارٍ سوداء ...
و ما أن خطا الى مساحة الرقص التي تقف عليها ... حتى مد يده ليمسك بذراعها بقوةٍ يخفضها فانتفضت تنظر اليه مصدومة !!...
طال بهما الصمت وهو يحدقان ببعضهما و كأن الصخب من حولهما قد اختفى فجأة ....
هل تعلم أنه عينيها تلمعان كالجواهر الخضراء ؟!! .... ايمكن للجواهر أن تغضب ؟!! ... تتألم ؟!!
فيشتعل خضارها ليشعرك بأنها على وشكِ التحطم الي شظايا ... و تجرحك , لتنزف ألما فوق جمالها .!!...
و كان هو أول من وجد صوته فهمس و هو يحفر أصابعه بلحم ذراعها الأبيض
( تعالي معي بهدوء .... و لا داعي لإفتعال الفضائح ..... )
رفعت ذقنها قليلا و هي ترتجف بشدة .. بينما لم تفقد عيناها اشتعالهما ... الى أن همست بشراسةٍ و هي تحاول جذب ذراعها من يده
( لن أذهب ...... ابتعد عني و عد الى فسوقك ..... )
اتسعت عيناه بذهول وهو يهمس بجنون
( هل أنتِ مخمورةٍ فعلا ؟!!! ...... تعالي معي قبل أن أفقد المتبقي من أعصابي .... )
مدت وجهها و هي تهمس بوحشية
( لن أذهب .......... )
و كأنها أشعلت فتيل غضبه ... فتراجع وهو يجذبها خلفه بقوةٍ , لكنها أخذت تصرخ و هي تضرب ظهره بقبضتها
( لن أذهب ...... لن أذهب ...... )
لكنه كان قد وصل الى حافة سيطرته , فاستدار اليها وهو يرمقها بنظرةٍ مرعبة جعلتها تجفل قليلا ... قبل أن ينحني ليضع ذراعه تحت ركبتيها و يرفعها بين ذراعيه بحركةٍ واحدة بينما لم تجد الفرصة حتى كي تصاب بالذهول ...
و اندفع خارجا بها وسط تصفيق بعض المتواجدين ...
هتفت بشرى و هي تتلوى من بين ذراعيه
( أنزلني ....... أنزلني و الا قسما بالله فسوف أصرخ الى أن .... )
لكن وليد قاطعها بلهجةٍ تجمد الدم بالعروق و هو ينظر الى عينيها
( أقسم بالله لو نطقتِ بحرفٍ ما ان نعبر باب هذه الصالة فسوف أضربك أمام الجميع ..... )
ارتجفت بشرى بين ذراعيه و هي تحدق بعينيه الغاضبتين لتعي أنه صادق بكلِ كلمةٍ نطق بها ...
و دون كلمة أخرى كان يتجه بها الى المصعد ... صعودا الى جناحهما .....

في اللحظة التي دخلا بها الى الجناح ...
لم يحتاج وليد لأكثر من خطوةٍ واحدة .... قبل أن ينزلها على قدميها , ثم يدفعها عنه باحتقار ...
وهو يستدير ليغلق الباب من خلفه ....
ترنحت بشرى قليلا و هي توازن نفسها بصعوبةٍ كي لا تسقط اثر دفعته ....
بينما ابتعلت ريقها بصعوبةٍ و قد تبخرت شجاعتها في لحظةٍ واحدة وهو يستدير اليها ما أن أغلق الباب ...
متقدما اليها ببطىء وملامح وجهه لا تمزح .... بل هي ملامح قاتمة , الى درجة السواد ...
بينما عيناه !!....
ارتجفت بشدة و هي تتابع تراجعها ... وهو يتقدم اليها دون توقف ...
رفعت بشرى يدها الى بطنها و كأنها تحميها ثم قالت بصوتٍ خافت مرتعش
( أنا حامل .......... لا تتهور و تندم فيما بعد ..... )
كانت قد وصلت في تراجعها حتى حافة السرير ... فتوقفت وهي تراه يصل اليها ...
و دون كلمةٍ واحدة كان قد مد قبضتيه وأمسك بمقدمة الفستان ليمزقه على إمتداد طوله !! ...
أتسعت عينا بشرى بصدمة مذهولة و هي تقف امامه بفستانها المتراخي على جانبي جسدها ... بينما همست مرتعدة
( وليد .... ما اللذي .... )
الا انه لم يسمح لها بالمزيد من الكلام وهو ينحني بطوله الفارع ليحيط خصرها و ظهرها بذراعيه القويتين قبل أن يضمها الى صدره بقوةٍ و شفتاه تكتمان شهقتها الثانية بينما ارتفعت قدماها عن الأرض ..
و لعدة لحظات بقت ساكنة متسعة العينين من هول هجومه العاطفي المباغت و الذي لم تتوقعه .. بينما ضلوعها تكاد أن تتحطم على صدره ....
لكنها لم تلبث أن أغمضت عينيها بضياع و هي تحيط عنقه بذراعيها بتردد ... متذوقة تلك المشاعر الجديدة على مهل و حذر ...
مضت عدة لحظات لم يقدم بها سوى على الإرتواء من شهد قبلاتها .... لكنها حاولت ابعاد وجهها عنه بضعف و هي تهمس مرتجفة ...
( وليد ....... وليد ....... )
لكنه كان يلتقط اسمه بشفتيه في كل مرةٍ تهمس به .... و كانت هي تحاول جاهدة تفادي جنونه كي تتكلم , خاصة و هي تراه يتحرك بها الى السرير ...
و حين همست باسمه مجددا ... رماها على السرير و انضم اليها , الا انها حاولت دفعه قائلة بتوتر
( وليد .... أنتظر ..... )
لكنه عاد ليضمها الى صدره وهو يهمس مزمجرا من بين قبلاته اليائسة
( منذ أن تركتك ... و أنا لا أفكر سوى بشيء واحد ..... وهو العودة اليكِ مجددا ...... )
تسمرت مكانها تماما و هي تشعر بالصدمة مما نطق به للتو .. فهمست بغباء
( ها ؟!!! ............... )
و كانت هذا الإستفسار الواهي هو آخر ما استطاعت النطق به حاليا ... فأغمضت عينيها .... و استسلمت ..
.................................................. .................................................. .....................
كان نومه قلقا متوترا ... مليئا بالأحلام المزعجة ...
كلها تدور حول موضوعٍ واحد ....
أنها في مئزق وهو يجري ليحاول إنقاذها .... صارخا باسمها .....
هذه المرة كانت تغرق في الظلام .... و الأمواج السوداء تغمرها و لا يظهر منها سوى ذراعيها المرتفعتين بيأس ... و صوتها ينادي عليه بيأس
" وليد ...... وليد ..... لا تتركني ..... "
أما هو فكان يسبح بكل قوته كالمجنون ... صدره يتنفس بسرعةٍ و جسده مبللا بالعرق على الرغم من الأمواج المحيطة به ...
و الألم ينتشر بصدره و ذراعيه .... لكنه لم يأبه , فكل همه كان الوصول اليها قبل فوات الأوان ....
و صوته يصرخ باسمها هو الآخر
" بشرى ...... بشرى ...... ابقي رأسك عاليا .... "
كاد أن يموت هلعا و الألم بداخله يزداد ... و يزداد .... الى أن تمكن أخيرا من القبض على ذراعيها المرتفعتين فوق سطح الامواج المتلاطمة ... فصرخ عاليا
" أمسكت بكِ ...... أمسكت بكِ ..... "
و ما أن رفعها بكل قوته كي يعلو وجهها فوق الأمواج ... حتى صدمه منظر وجهها الذي كان مشوها بتقرحٍ أحمر اللون شديد التقشر و كأن بشرتها تتساقط أمامه ...
بينما هي تهمس مبتسمة
" ألم أخبرك بألا تتركني ............... "
صرخ فجأة بذعرٍ وهو يفتح عينيه بهلع
( بشرى !!!! ........... )
أستغرق عدة لحظات ليدرك انه نائما في السرير الواسع بجناح الفندق ... و الضوء الذهبي الشاحب مضاء بجانبه ..... بينما كان صدره مبللا بالعرق وهو يلهث بألم جسدي ....
التفت براسه بسرعةٍ وهو يمد ذراعه بحثا عنها ... الا ان مكانها كان خاليا .... فانتفض جالسا في السرير وهو يجيل عينيه بحثا عنها ....
و لم يحتاج الى الكثير من الوقت وهو يراها جاثية في أحد أركان الجناح بعيدا .... ترتدي إسدال الصلاة ...
منحنية للأمام قليلا و هي تغطي و جهها بكفيها بينما كتفاها يهتزان بضعف ...
فلم يدري إن كانت تدعو أم تبكي !! ......
نهض من مكانه ببطىء .... و ارتدى بنطاله القطني الخفيف و عيناه المصدومتين لا تتزحزحان عنها في جلستها الصامتة ....
ثم اقترب منها بقدمين حافيتين دون أن يصدر صوتا ... و ما أن اقترب منها حتى استطاع أن يسمع صوت نشيجها الهامس المختنق
( أنا آسفة ...... أنا آسفة ......... )
لم يكن دعاءا بالمعنى المعروف ... لكن بدا و كأنها لا تعرف غيره , بينما كانت تنتحب دون صوت تقريبا ...
ظل وليد واقفا مكانه طويلا وهو ينظر اليها بشعور غريب يعتمل بصدره ....
كانت هناك غصة مؤلمة بحلقه ... جعلته متورما جافا ....
و استمر الصمت به طويلا قبل أن يفتح شفتيه ليقول بخفوت شديد
( إتجاه القبلة خاطىء ........... )
انتفضت بشرى من مكانها و هي تستدير رافعة وجهها اليه , بعينين متورمتين متسعتين ....
بينما كان هو حجمه بالنسبة لها كمخلوقٍ بدائي ضخم للغاية .. يشرف عليها من علو .....
همست بعد فترة طويلة
( لم اكن أعرف ..... أين اتجاهها , لكن فضلت الا أضيع صلاة الفجر .... )
ظل صامتا لعدة لحظات قبل أن يقول بخفوت
( سأحضر نفسي , ثم نصلي معا .......... )
أومأت برأسها دون صوت ... بينما استدار هو بعيدا عنها , و كل ما يحيط بها يؤلمه ......

بعد أن انتهيا من الصلاة ... مكث وليد أمامها مطرق الرأس ... محني الكتفين , فهمست بشرى بخفوت من خلفه
( لمن تدعو ؟!! ........ )
ظل صامتا قليلا قبل أن يقول بخفوت أجش دون أن يرفع وجهه او يستدير اليها
( للطفل ........ )
انتفضت بشرى مكانها و هي تنظر اليه بعينيها الحمراوين , ثم همست بخفوت
( حقا يا وليد ؟!! ..... ظننتك تتمنى الا يكتمل الحمل , فلا تتحمل ذنب اجهاضه بقرارٍ منك .... )
قال وليد بنفس الصوت الأجش
( ارتكبنا سلسلة من النزوات , ... فكيف أنكر عليه حقه في الحصول على حياة ؟!! ....)
أطرقت بشرى برأسها و هي تهمس باختناق
( لا أعلم ماذا أصابني حين رأيتك واقفا معها ...... شعرت بروحٍ شريرة تحتلني و تتصرف بجسدي رغم ارادتي ..... )
لم يرد وليد و لم يتحرك من مكانه .... لفترة طويلة , ثم استدار اليها أخيرا ببطىء , فرفعت وجهها اليه برجاء , حينها لم يستطع مقاومة نفسه وهو يشدها اليه ليفك حجاب الإسدال عن شعرها الذي انسدل على وجهها ...
ثم خلعه عنها بالكامل ....
و كم بدت كأجمل طفلةٍ رآها بحياته و هي تجلس أمامه و ساقيها تحتها بينما شعرها الذي لا يزال نديا قليلا يتناثر حول وجهها مما يجعلها كثمرة خوخ شهية للأكل ....
بينما كانت ترتدي تحته إحدى القمصان الحريرية المغرية و القصيرة للغاية ...
رمقها وليد صامتا وهو يرفع عينيه اليها ... كما ارتفع حاجبه بارتياب .....
عضت على شفتها بخجل و هي تهمس من بين دموعها
( لم أحضر معي غير هذا النوع ...... كنت أنوى أن أغريك ..... )
لم يشعر بالغضب كما اعتاد مؤخرا ... بل كان هناك جوا صافيا , خافت الاصوات يحيط بهما كهالة تمنع طاقات الغضب من التولد ...
فقال بخفوت أجش
( لقد نجحتِ في مسعاكِ على ما يبدو .......... )
احمر وجهها رغم عنها ... و كان الخجل شعورا نادرا قد نسيته منذ قديم الأزل .... فهمست باختناق
( أتفهم كونك غاضبا لما ..... لما حدث بيننا ...... على الرغم من صدمة خبر الحمل ....... )
ظل وليد صامتا قليلا قبل أن يقول بصوتٍ أكثر خفوتا
( لست غاضبا لهذا ......... لقد احتجته , و بشدة ..... )
رفعت اليه وجهها مصدومة قبل أن تهمس بارتباك
( حقا ؟!!.............)
قال وليد بصوتٍ جاف
( و ماذا عنكِ يا بشرى ؟!! ........ )
ارتبكت أكثر و هي تتلاعب بأصابعها بجنون , ثم همست
( أنت شخص غريب جدا .... تدرك جيدا متى أشعر بالرغبة في ذلك , و متى أتظاهر ...... كيف بإمكانك قراءة جسدي بهذا الوضوح ؟!! ....... )
قال وليد بصوتٍ جامد ... خافت
( ربما استطاع من قبلي أيضا نفس الشىء ..... الا انهم اختاروا الا يهتموا ...... )
شعرت بخزيٍ بائس .... و كأنها عامل يحمل سيرةٍ ذاتية غير مشرفة بها الكثير من النقاط السوداء , يقف امام ربِ عملٍ شديد العظمة ...
أطرقت بوجهها و هي تهمس بإختناق
( انا ..... أنا أيضا احتجت ما حدث بيننا بشدة , بطريقةٍ تختلف عن ....... لا أعلم كيف أشرح لك .... )
قال وليد بخفوت
( أنا اعلم ........... )
عادت لترفع عينيها اليه بأمل ثم همست مجددا
( حقا ؟!! ..............)
أومأ برأسه دون أن يرد ...... قبل ان يقول بصوتٍ أجش
( و مع ذلك أوشكت على قتلك ليلة أمس ........ )
أغمضت عيناها بشدة و هي تزيد من سرعة فرك أصابعها حتى بدت يدها و كأنها تتحرك دون إرادة منها ...
قال أخيرا بصوتٍ أجش صارم
( تعالي الى هنا و اعتذري ....... )
رفعت اليه وجهها مذهولة , و هي تنظر الى وجهه الغاضب ... بينما عيناه لم تكونا كذلك ....
و لم تنتظر لأكثر من لحظةٍ واحدة قبل أن تنهض على ركبتيها لترتمي على صدره وهي تتعلق بعنقه بشدة .. هاتفة همسا
( أنا آسفة ....... أنا آسفة ......... )
مط شفتيه بامتعاض وهو يقول مستاءا, يستند الى الأرض بكفه كي لا تسقطه من قوة إنفعالها
( حقا أنت آسفة ......... أقسم يا بشرى أنني لو وجدتك مجددا بأحد هذه الاماكن , أو لو تصرفتِ تصرفٍ مشبوه مجددا فسوف ..... )
هتفت بقوة و هي تبكي في عنقه
( لا تتركني يا وليد ..... أرجوك لا تتركني ..... فقط أرحني و أعطني جوابا .... هل ستتركني في النهاية ؟!! ...... )
أغمض عينيه متنهدا ... وهو يتقبل وزنها على صدره و كأنها ضمادة تريح الألم الذي تتسبب به ... من ذلك الجرح النازف دون أن يهدأ ....
رفع يده ببطىء وهو يضم مؤخرة رأسها بقوةٍ متخللا خصلات شعرها بأصابعه ... بينما شفتاه تتجولان على وجهها دون هدى ...
فقال بخفوت ملامسا بشرتها
( بشرى ........ )
الا أنها هتفت متوسلة
( أرجوك أجبني ...... ليس عدلا أن تتركني هكذا دون جوابٍ قاطع ..... )
ظل صامتا قليلا , يبتلع غصة مؤلمة بحلقه قبل أن يقول بخفوت
( أتريدين نزول البحر ؟!! ........ )
رفعت وجهها المبلل عن عنقه .. و هي تهمس بضياع ناظرة الى عينيه بعينيها المتورمتين
( ها ؟!! .............. )
نظر اليها بصمت قبل أن يقول بخفوت
( قال الطبيب أن ماء البحر قد يكون مفيدا للتهيج الموجود بظهرك .... الا أن المشكلة تكمن في التعرض للشمس .... )
صمت قليلا وهو ينظر الى ملامحها المتعقدة و المتورمة من البكاء بينما تحاول الفهم ...
فقال متابعا بهدوء
( لذا لو تمكنتِ من تحضير نفسك خلال خمس دقائق .... يكون لدينا ساعة لنزول البحر .... )
فغرت شفتيها و هي تقول بغباء
( حقا ؟!!! ............ )
عقد حاجبيه وهو يقول باستياء
( لقد بدأت أسأم من كلمة حقا تلك ............ )

لكنه كان يخاطب الهواء ... فقد قفزت واقفة و هي تجري الى الدولاب , تبعثر الأشياء القليلة التي أحضرتها معها و تقلب بها ... فتراجع وليد وهو يستند بكفيه الى الأرض قائلا
( هكذا بسرعة ؟!! ......... كنت تبكين على عنقي منذ لحظةٍ واحدة !! .... )
لم يبد عليها أنها قد سمعته أصلا ... اما هو فصمت وهو يراقب انحنائها و هي ترتدي ذلك القميص الحريري القصير .... بساقيها القصيرتين الذهبيتين ....
و ما أن تستقيم حتى يظهر له التقرح الرهيب في ظهرها ... و الذي لم يقلل ذرة من جمالها , بينما ينهل من صحتها .... فالدوار و الحرارة المرتفعة أصبحا يرافقانها باستمرار ...
و الألم بكتفها يزداد قوةٍ لدرجة انها تتأوه و هي نائمة دون أن تدري ..و تمد يدها لتحك بها ظهرها بقوة ...
أسبل جفنيه عنها قليلا وهو يغوص أكثر .....
" بشرى ..... بحرٍ من الرمال المتحركةِ خطت اليه قدماه .... و لا يملك حق الخروج .... "
رفع عينيه اليها وهو يقول بهدوء بطيء
( لا داعي لأن أخبرك أنكِ ستنزلين البحر بملابسك كاملة ...... )
كانت قد استدارت و هي تلهث حاملة بين ذراعيها كومة من قميص و بنطال و ملابس داخلية و هي تقول
( لم يكن هناك داعٍ لتلك المداخلة .... لماذا أسعى لإغرائك خارج الجناح , بينما انت داخله لا تقصر ...... )
ضيق عينيه وهو يراها تجري الى الحمام و توصد الباب خلفها .... بينما كان هو ماكثا مكانه يفكر بغمٍ
" كنت افكر في اغرائك لرجالٍ آخرين ........ "
أغمض عينيه وهو يشتم بقوة , محاولا نسيان صورتها ليلة أمس و هي تتمايل أمام الجميع , على الرغم من أن فستانها كان محتشما و تمايلها يكاد أن يكون بطيئا جدا ...
الا أنها كانت تدرك جيدا أي ثورة فتنة تثيرها أينما حلت .... و أي أنظارٍ تجذب تحديدا .....
لتعود و تبكي في صلاتها الحديثة !!! ..... فهل هناك أدنى أملا بها ؟!!! ......
عقد حاجبيه فجأة وهو يسمع صوت تقيؤها عاليا .... آتيا من خلف الباب المغلق .....
فنهض مسرعا الى الحمام و طرق على بابه مناديا بقلق
( بشرى .......هل أنتِ بخير ؟!! ... افتحي الباب .... )
الا انها هتفت بسرعة
( أنا بخير ..... أنا بخير .... لحظات و سأكون جاهزة ..... )
ساد صمت قصير , قبل أن يسمع صوت تقيؤ عالٍ مجددا .....
ضرب الباب بقوةٍ وهو يقول
( افتحي الباب يا بشرى ..... تبا , هل سأكسر قفله كل يوم و يعاد اصلاحه ! ..... )
استمر الصمت قليلا .. قبل أن يسمع صوت مياهِ جارية ... و مرت عدة لحظات قبل أن تفتح الباب و تقف أمامه .. ببنطال يتعدى الركبتين ... و وشاح على هيئة قميص يتدلى حتى حافة البنطال تقريبا في نسيجٍ صيفي نام ينتهي باهدابٍ رقيقة ...
أما وجهها المرفوع اليه .... فكان شاحبا جدا لدرجة الموت ... و شفتيها زرقاوين ....
ضئيلة جدا .... باهتة جدا ... و جميلة جدا ....
قالت بشرى بحماس
( أنا جاهزة .............)
عقد وليد حاجبيه بشدة وهو يقول بتردد
( هل أنتِ متأكدة ؟!! ...... ربما من الأفضل أن ...... )
مدت يديها لتمسك بيده قائلة برجاء خافت
( أرجوك ...... قد تكون الرحلة الأخيرة لنا معا .....)
كانت تريد تأكيد منه بأنه لن يتركها .... و كان يعلم أنها تستدرجه في الكلام , الا أنه لم يستطع منحها ما تريد ...
لم يملك ما تريده ..... على الأقل الآن .... في أصعب الفترات بينهما ....
لذا قال بخفوت
( حسنا ...... سأبدل ملابسي بلحظةٍ و نخرج ..... )
لاحظ الألم الخفي في عينيها الخضراوين ... الا أنها أخفته سريعا و هي تستدير عنه مفتعلة البهجة
( سأمش شعري ......... )
ثم ابتعدت بسرعة عن عينيه الكئيبتين اللتين تلاحقانها .... وهو يراها تلتقط فرشاة تضرب بها شعرها المتطاير بقوةٍ ..... بينما نسيت أن ملامحها الحزينة ظاهرة له في المرآة .....


يتبع


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 24-10-15, 11:59 PM   #25018

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

مستلقية على فراشها الواسع ... مستندة الى مرفقها و هي تنظر اليه .....
بصحوهٍ جميل ... و بنومهِ أكثر جمالا .....
هل يدرك أن بإمكانها تأمه طويلا دون أن تمل أو تتعب !! ......
كانت الدموع تنساب من عينيها بصمت دون أن تتحرك عضلة من ملامحها ..... بينما عيناها ترسمان ملامح وجهه المجهدة ... و كأن الخطوط على جانبي عينيه قد زاد عددها ... فزادت من جاذبيته و زادت من ألمها ...
انسابت دمعة ثقيلة على وجنتها ببطىء ... حتى وصلت الى ذقنها ... فتبعتها اخرى على نفس المسار مما زاد تلك الماسة حجما , قبل ان تتثاقل و تسقط على وجنته مباشرة ....
في البداية لاحظت انعقاد حاجبيه قليلا و كأنه شعر بها , فمدت يده برفق تزيل تلك القطرة عن وجنته ....
حينها رمش بعينيه قبل أن يفتحهما ببطىء ....
للحظات لم ينظر اليها قبل أن يواجها بعينيه أخيرا ....
التقت أعينهما طويلا فانتظرت أن يكلمها .. ان يبتسم لها .... يطمئنها بحضنه الدافىء ...
الا أن الابتسام في تلك اللحظة شيئا مفقودا بالنسبة لشفتيه ......
كانت كأجمل شيء يراه في الصباح ... و هي تعلوه مستندة الى ذراعها ... كتفيها البيضاوين ينافسان المرمر جمالا من فوق الغطاء الناعم ...
و شعرها .... آهٍ من سلاسله الذهبية التي انسكبت على احدى كتفيها حتى انتهى مرتاحا على معدتها .....
لكن عيناها ..... عيناها ..... تنظران اليه و كأنها تشعر بالغربة ......
مد يده ببطىءٍ ليرفعها و يتلمس وجنتها ... حيث لاحق دموعها كأعمى لا يبصر بعينيه و انما يحتاج لأصابعه , كي تنقل اليه أن صغيرته ..... تبكي !! ....
و في لحظةٍ واحدة انتفض جالسا بجوارها ... وهويحتضن وجنتها كلها بكفه قائلا بصوتٍ حنون , مرتبك ,,,,
( أتبكين يا صغيرة ؟!! ........ )
لم ترد ملك .... ربما لأنها لم تملك جوابا .....
كيف تكذبه وهو يلامس وجنتها و يتلقف دموعها ؟!!! ..... و كيف تعترف له بانها تبكي فيحاصرها بحنانه الى ان يعرف السبب ؟!! .....
حين طال صمتها , قال رائف بصوتٍ غريب , يقر حقيقةٍ .... لا سؤالا
( لقد آلمتك !! ............... )
أخذت ملك نفسا مرتجفا قبل أن تهمس بخفوت .... مبتسمة ابتسامة حزينة مريرة
( لم أكن عذراء لتؤلمني ............. )
ظل ينظر اليها غير مصدقا لما فعله ليلة أمس ..... و كأنه كان شخصا آخر , غير ذلك الذي وعد نفسه بالإنتظار ......
كيف سمح لنفسه أن يقطع مساحة هذا الإنتظار دون التفكير مليا إن كانت مستعدة بعد أم لا ؟!! .....
قال لها بصوتٍ خافت يدين به نفسه باستغراب
( بلى آلمتك ..... و الدليل أنكِ تردين لي الالم بما قلتِه للتو !! ....... )
ابتلعت ملك ريقها بصعوبة و هي تهمس بخفوت بينما دمعتان أخرتان تنسابان على وجنتيها هاربتين الى أصابعه الحنونة ...
( هل آلمك تذكيرك بأنني لست عذراء ؟!! ....... أنا آسفة ..... )
مد يده الاخرى منتفضا وهو يحتضن بها الخد الآخر ... ليحاصر وجهها تماما يرفعه اليه وهو يقول بلهجةٍ خافتة صارمة ... غير مصدقة بعد
( توقفي ........ توقفي ........ لا تستخدمي هذا الأسلوب في ايلام نفسك عن عمد , .... أصرخي بي ....... أصرخي بي إن كنت قد تجاوزت قدرتك على التحمل , اضربي صدري كما شئتِ .... لكن لا تبقين صامتة متباعدة بهذا الشكل ..... )
دمعتان انسابتا مجددا .... و كأن مخزونها من الدموع لم ينضب أبدا .... و لن يفعل ....
لكنها لم تكن تبكي ...... وجهها كان بريئا .... جميلا كما عهده .... هادئا جدا و هذا هو ما أرعبه عليها ...
أوشك أن يضرب نفسه على تسرعه ليلة أمس ..... آه فقط لو تعرف !! .....
تأوه رائف وهو يتلفق دمعتين تليان سابقتيهما ..... بأصابعه التي تحتضن وجهها , .... ثم دون كلمة أخرى مد ذراعيه خلف ظهرها وهو يشدها اليه بقوة .... يحتضنها بين ضلوعه و شفتيه تهمسان باسمها فوق شفتيها بكل قوةٍ .... يعتصرهما بقبلةٍ لم تعرف بأمانها و حنانها من قبل رغم قوتها ..... مما جعل الدموع تنساب بسرعة أكبر قليلا من عينيها .... ثم قال بقوتٍ قوي متشددا رغم خفوته.... ينفث وهج الإمتلاك و القلق ..... وهو يقبل كل جزءٍ بوجهها بسرعةٍ و لهفة ....
( لو تدركين رغبتي في صهرك بين ضلوعي ليلة امس !!.... لو تعرفين فقط مدى حاجتي لوشم اسمك على قلبي .... لما بكيتِ الآن ..... لكن أنا الملام في عدم انتظار قدرتك على التعافي ..... )
رفعت ملك يدها لتلامس بها صدره المرتفع بسرعة و قلق ... حيث تحسست قلبه المتعب برفق ... و كانت هي ترتجف بكل قوةٍ ..... لكن ذراعاه القويتين من حولها منحتاها شعورا بانها في بيتها .... حيث تنتمي .....
فقالت بصوت مرتبك ... خافتا جدا ...
( أنا مستعدة لمنحك حياتي بكل سعادة .....و عن طيب خاطر ... لا فقط أن تتلاشى بي .... أنت زوجي و أبي و أخي و حبيبي ...... لم أشعر يوما بمعنى تلك الكلمات التي نطقت بها وعد ذات يوم الى ان أصبحت زوجتك ..... احتلني كما تشاء .... عسا أن تنسى وطنا آخر ..... )
عقد حاجبيه وهو يقول بتعجب
( أحتلك ؟!! ....... هل هذا ما شعرتِ به من ليلة أمس ؟!! ....... )
قالت ملك بصوتٍ مختنق قليلا
( شعرت بك تريد الهرب ......... )
رفع وجهه الشاحب عنها وهو يقول بقوة
( الهرب من ماذا يا صغيرة ؟!!! ............. )
كانت ملامحها لا تزال هادئة ناعمة .... لكن مع سؤاله الأخير أخفضت وجهها بعيدا عنه و هي تغمض عينيها , لكنه حاصره بقوة ... و رفعه الى عينيه مجددا وهو يقول
( لا ..... لا ... لن تهربي أنتِ مني الآن ,...... واجهيني بما تظنين أنني أريد الهرب منه فلجأت اليك ليلة أمس ....... )
رفعت ملك جفنيها اليه و شفتيها ترتجفان ... تهددان بفقدان تلك السيطرة المثيرة للإعجاب التي تفرضها على نفسها رغم ألمها ... ثم قالت بخفوت محاولة أن تتكلم برقة هادئة قدر استطاعتها
( رائف ....... هلا ضممتني اليك فقط ؟!! .... أرجوك .... ليس هذا وقت استجواب , أنا أريد النوم على صدرك ...... )
ظل ينظر اليها طويلا بعينين تتوهجان بمشاعرٍ متناقضةٍ عنيفة ...
ما بين الشعور بالذنب و القلق عليها... و الإمتلاك ... و الرغبة في تذوق رحيق تلك الزهرة الندية من جديد ...
لكن الشعور الأكبر في تلك اللحظة .... كان الخوف ....
الخوف من أن يكون قد تهور معها , دون اعتبارٍ لفرق السن بينهما أو ما مرت به من فواجع ....
فتتقوقع داخل نفسها تدريجيا .... و الله يعلم بأي قرارٍ ستخرج به من تلك القوقعة ....
ازداد انعقاد حاجبيه وهو يقول بشدة ...
( ملك ..... اسمعيني فقط , ليلة أمس ..... لم تكن الأفضل لكِ كما اردتها ..... خاصة بعد ما تعرضتِ له بقصر القاضي .... لذا علينا أن نتكلم ..... )
هزت رأسها نفيا و هي ترفع يدها الى فمه قائلة بتوسل
( ليس الآن ...... أرجوك ليس الآن ....... هلا ضممتني الى صدرك و أشعرتني أنني الوحيدة في قلبك .... أرجوك .... )
تحشرج حلقه و يبتلع شيئا مقلقا لاذع الطعم ... قبل أن يقول بتوتر
( و هل لديكِ شك بأنكِ الوحيدة بقلبي ؟!! ............ )
تنهدت بقوةٍ و بصوتٍ عالٍ جعله يعبس بشدة و هي تدير وجهها بعيدا .... قبل أن تترجاه مجددا
( فقط ضمني الى صدرك ..... أنا ..... خائفة ..... )
رمش بعينيه من كلمتها الأخيرة .. فكأنما ضربته بمقتل , ....
حينها ضمها أكثر الى صدره وهو يتراجع حتى استلقى على ظهره يسحبها معه فوق أضلعه ... بينما اصابعه كانت تمشط شعرها برفق .... و ذراعه الأخرى تحيطها و كأنه يخشى أن تهرب .....
استمر الصمت قليلا و كل منهما يلتحف بالآخر و بقلبه ألما مختلفا .... بينما أعينهما شاردة متباعدة ...
لكن للجسد رأي آخر .... فكأنما هما جسد واحد من الإندماج و النعومة ... و كأنهما خلقا لبعضهما ...
قال رائف بصوتٍ شديد الخفوت وهو يداعب رأسها ...
( لا أريد أن أسمع كلمة الخوف تلك منكِ مجددا ....... إياكِ .... )
افترت شفتيها عن ابتسامة حزينة ... دون ان ترفع وجهها اليه ... ثم قالت همسا
( طلباتك أوامر أيها الغريب ............. )
عقد حاجبيه بألم وهو يقول بتشدد
( بدأت أبغض ذلك اللقب .... أبغض كل ما قد يبعدك عني ..... )
قالت ملك بخفوت
( لا شيء سيبعدني عنك سوى الموت ........ )
رفع يده عن خصرها ليسكت بها شفتيها بقوة .... كي لا تنطق تلك الكلمة مجددا بينما تغضنت ملامحه بألمٍ جعل عيناه تغمضان طويلا ... و لم يعرف بأن عينيها ارتفعتا بعذابٍ لتراقبا المه بصمت ....
ابتلعت تلك الغصة بحلقها قبل أن تهمس بخفوت
( هلا قبلتني من فضلك ......... )
فتح عينيه بدهشة وهو يراقب وجهها المرتفع اليه على صدره ..... و برقت عيناه بشدة و أمل وهو يهمس بخفوتٍ اجش
( طبعا .......بأي وقتٍ يا صغيرة .... )
ثم رفع نفسه عنها الى ان استلقت على الوسادة بجواره ... و ماله فوقها ....
ظل ينظر اليها طويلا وهو يبعد خصلاتِ شعرها الطويل عن ملامحها .... ثم انحنى اليها ليقبلها برفقٍ هذه المرة ..... و طالت القبلة .... طالت ... طالت .....
الى أن رفع وجهه أخيرا ... يراقب ملامحها الساكنة بجمال القبلة التي تشاركاها للتو ... فقال بخفوت
( هل أنتِ بخيرٍ الآن ؟!! ......... )
أومأت برأسها دون أن تجيب .... فقال رائف بصوتٍ أكثر خفوتا
( اذن هلا سمحتِ لي بأن أكفر عن ذنبي بحقك ليلة أمس ....... )
فتحت عينيها تنظر اليه بصمت ...
كيف تشرح له بأن ليلة أمس كان يمكن ان تكون أجمل لحظاتٍ عاشتها بحياتها كلها ... لولا ادراكها جيدا بأن رائف حينها لم يكن معها تماما .... بل كان يهرب من الماضي الذي فاجأة من اللا مكان أمس ....
شعرت بألمٍ في حلقها ... الا أنها أومأت برأسها و هي تهمس
( نعم ....... أرجوك ......... )
ابتسم لها أجمل ابتسامة رأتها على بشرٍ من قبل ..... بينما انخفض وجهه اليها و هو يزيح عنها الغطاء برفقٍ يلائم طهارة روحها ....

بعد فترة طويلة ...
كانت تجلس معه على مائدة الفطور الذي أعدته هي هذه المرة .....
كان الصمت يلازم كل منهما .... الصمت المحمل بالخجل و روعة المشاعر بينهما .... بينما هناك زوايا مظلمة بداخل قلبيهما جعلت الشرود رفيقهما الثالث ....
قال رائف بخفوت مبتسما
( سلمت يداكِ ...... الطعام رائع ...... )
رفعت وجهها المتورد اليه و كأنما أجفلها فجأة .... فقالت بارتباك مبتسمة
( انه مجرد فطور ....... لا يعتبر طهوا ....... )
مد يده الى ذقنها , فابتسمت بتوتر أكثر .... و حين طالت مراقبته لها و كأنه ينتظر منها أن تتكلم ...
قالت أخيرا كي تغير الموضوع المنتظر
( متى سنسافر ؟!! ........... )
لم يجفل لتهربها من نظراته ..... بل أزاح يده ببطىء وهو يقول
( لقد تواصلت مع شركةٍ سياحية ... و سنسافر خلال خمسة أيام على الأكثر ..... هل يعجبك ذلك ؟؟ .... )
أومأت برأسها بسرعة و هي تقول بخفوت
( جدا .... ظننت بأننا سننتظر طويلا ........ )
قال رائف بهدوء ( هل تريدين السفر بسرعة ؟!! .......... )
أومأت ملك برأسها دون أن تجيب .... فقال بهدوء مترقب
( قد أعتقد في ذلك لهفة منكِ في البدء بشهر العسل يا صغيرة .... لا مجرد السفر و السياحة .... )
ابتسمت و هي تقول بخفوت خجول مطرقة بوجهها
( أنت تعلم بأنني كذلك ........... )
ظل يراقبها صامتا ... ثم قال أخيرا بحذر
( ملك ....... أنا آسف لما عرضتك له بالأمس بقصر القاضي ...... لقد كان .... )
رفعت وجهها تقول بسرعة و حدة
( خمسة أيام ..... تجعل الوقت محدودا جدا بالنسبة الى ما أريد انجازه ..... لذا قد أنشغل خلالهم قليلا .. )
تنهد رائف وهو يقول بجدية
( ملك ....... اسمعيني ........ )
الا أنها كانت مصممة على تغيير الموضوع فقالت بحزم
( نحتاج للذهاب الى طبيبك كي نطمئن على سلامة قدمك و حالة الساق ... وأريد الذهاب الى وعد أيضا..... لا أعلم كيف سأعتذر لها عن عرض التصوير في مجموعتها الجديدة ... )
ثم تظاهرت بالمزاح و هي تقول عاقدة حاجبيها
( هذا لأن زوجي عنيدا ... غيورا ...... )
لم يبتسم رائف بل قال بهدوء
( لما تتجنبين الحديث معي ؟؟ .......... )
رمشت ملك بعينيها و هي تنهض من مكانها ... حاملة الأطباق الى المغسلة قائلة ...
( و علي أيضا الذهاب الى الأستاذة صبا .... كنت أريد منها عدة استشارات قبل استلام الميراث ... )
كانت توليه ظهرها ... الا أنها توترت قليلا حين سمعت تزحزح كرسيه وهو ينهض واقفا ... ليقول بجفاء
( هل أنتِ مصرة على موضوع استلام الميراث ؟!! ....... )
لم تستدير ملك اليه ....بل وقفت تنظف الأطباق و هي تقول بهدوء شديد
( أخبرتك أنني كذلك ..... لماذا لست مقتنعا ؟!! ..... )
ساد صمت مشحون ... قبل أن يقول رائف من خلفها
( ملك .... أنا على استعدادٍ على أن أمنحك قيمة ميراثك كاملا ... و أزيد لو طلبتِ , لكن تتنازلين عن هذا الميراث ..... )
وقفت مكانها دون حراكٍ لفترة ... قبل أن تستدير اليه ثم قالت بفتور
( هل تريد دفع ميراثي من جيبك الخاص ؟!! ....... لماذا ؟؟ .... )
قال بخشونة وهو يقف أمامها
( لأنني زوجك ............. )
استندت بكفيها الى الحوض من خلفها و هي تراقبه بصمت .. ثم قالت
( و هذا ميراثي من زوجي المتوفي ...... لا أرى علاقة بين الشيئين !! ...... )
أخذ نفسا عميقا قبل أن يقول بصرامة
( حاولت التلميح الى قصدي لكن دون جدوى .... لذا إن كنتِ تريدين سماعها صريحة , فليكن ذلك .... هذا الميراث ليس من حقك ... و لا من حقه لو كان لا يزال على قيد الحياة ..... و أنا لا أريد لزوجتي أن تأخذ شيئا لا يخصها ....... )
ساد صمت رهيب بينهما بعد أن القى توضيحه القاسي ....
بينما كانت هي لا تزال على وقفتها تنظر اليه صامتة دون أي تعبير ... الى أن قالت أخيرا بصوتٍ هادىء غريب
( أنت من تقول هذا ؟؟!! ... ... غريب أن تظنني محتالة في جريمةٍ شاركت فيها بدورٍ ليس هينا !! .... )
لمعت عينا رائف بذهولٍ زاد من انعقاد حاجبيه .... وهو يرى أمامه فتاة أخرى غير تلك العاشقة الصغيرة ...
التي تهيم به و لا تخجل من البوح بحبها له في كل لحظة ..
أما من تقف أمامه الآن فهي باردة العينين ... و صوتها ذو نغمةٍ قاسية .... بينما تحدق بعينيه دون أن تطرف لها عين ....
قال رائف أخيرا بخفوت متصلب ..
( أي جريمة تلك التي شاركت بها يا ملك ؟!! ........... آن الأوان لتفصحي عن كل ما يقلقك حيال هذا الغريب الذي احتل حياتك .... بعيدا عن اعترافات الحب الوردية التي أطريتني بها دون أي تردد ....)
" اعترافات حبٍ وردية أطرته بها دون أي تردد !!! .... "
أيعلم فقط كم آلمها بهذه العبارة التي سفهت من حبها !! .... و كأنها مجرد مراهقة أسمعته أكثر مما يطلب في الحقيقة .....
لكنها رفضت أن يظهر هذا الألم العنيف على ملامحها ... فرفعت ذقنها تقول نفس عبارته الجارحة
( أتريد سماعها صريحة ؟!! .... فليكن اذن ..... زوجي الذي توفي و الذي ترى أن ميراثي منه ليس من حقي ... ما هو الا صنيعة أيديكم ..... دمية بشرية اشتريتموها و دمغتوها باسم القاضي .... و صنعتم منه عبدا للمعجزة التي هيأتموها له ......أليست تلك جريمة أقرب الى جرائم شراء الأطفال ؟!! ... على ان هذا الصبي اشتريتموه من نفسه .... منحتوه صك الملكية الحصرية على أن يبيع روحه لكم ... . )
هتف رائف فجأة بقسوة
( لا تتكلمي بصيغة الجمع ............. )
الا أنها ردت بصوتٍ أكثر حدة
( و أنت كنت فردا مشاركا في تلك الجريمة ...... لا تنكر ذلك ..... )
اتسعت عيناه بصدمة بينما كانت هي حادة لكنها كانت على الرغم من ذلك تتحدث بكل موضوعية و هي مقتنعة تماما .....
الا أنها تابعت بقوة
( أتعلم ماذا ..... استطعت فهم دوافع أكرم القاضي ... و استطعت فهم دوافع زوجته .... لكن أنت .... لماذا سكت عمرا بأكمله عن جريمةٍ لا أخلاقية ؟!! ..... و الآن تلومني لأنني أريد أخذ ميراث ليس من حقي ؟!! ........ )
بهتت ملامح رائف ... الا أنه لم يحيد بعينيه عن عينيها .... ثم قال أخيرا بخفوت
( تابعي .......... انا أسمعك جيدا .... )
أخذت نفسا مرتجفا قبل أن تقول بشدة
( أنت ساهمت بقدر كبير في هذه الجريمة .... جعلت منه أخيك الأصغر ... أحببته و جعلت من صك البيع أكثر جمالا و حنانا بطبعك الخاص ..... حسنا بما أن هذا كان دورك في حياته , اذن كنت متأكدا بأنه كان يريد منحي حياته كلها لو أمكنه ذلك ... لا مجرد ميراث مادي ..... )
رفع رائف ذقنه وهو يقول بخفوت
( بدليل أنه رفض التنازل عن هويته المزيفة لأجلك .... و تزوجك إدعاءا فقط .... بل و قتل طفله بدمٍ بارد حفاظا على تلك الهوية .... لقد ساوى بين قيمتك و قيمة مجرد اسمٍ على ورق ... فعقد تلك الصفقة مع أكرم كي يتخلص من الجنين في سبيل الحفاظ عليك و على اسمه معا ..... فأي حياة تلك التي كان سيمنحها لك و أنت رخيصة الثمن بهذا الشكل ؟!! ..... )
شحب وجهها بشدة و هي تنظر اليه غير مصدقة ... ثم قالت بخفوت غامض
( أنا رخيصة الثمن يا رائف ؟!! ........ )
رد عليها بقسوة
( تعرفين أنها وجهة نظره .... و ليست وجهة نظري أنا ..... )
الا أنها لم تسمعه .... لم تسمع سوى ما تريد سماعه ... و ما هيأه لها دخول الماضي بينهما ليلة أمس . فقالت بخفوت شارد و هي تنظر بعيدا
( بالطبع أنا رخيصة الثمن بنظرك ..... لقد حذرتني منه مرارا قبل أن أتزوجه , حتى وصلت الى درجة التهديد ومع هذا لم أمتثل لك .... بل سلمت له نفسي بمنتهى السذاجة و البساطة على طبقٍ من ذهب .... )
هتف رائف بقوة
( اذا كنت تنوين الهذيان بتلك الخرافات كي تدعمين وجهة نظرك فمن الأفضل أن تغلقي هذا الجدل العقيم ....... )
الا أن ملك احتدت فجأة و هي تهتف بقوة
( أنا لا أشبه زوجتك الغالية ... ابنة خالك ... و حبيبتك الوحيدة ... التي أحبت رجلا غيرك و هي في مثل سني , و مع ذلك كانت من الاحترام و التربية بحيث نفذت رغبة والدها و تزوجتك ...رافضة الشاب الذي تحب .. )
صرخ رائف فجأة بقوةٍ مجلجلة
( اخرسي .......... )
صدمت ملك من صرخته التى رجت الجو من حولها ... بينما هدر قائلا وهو يرفع سبابته اليها بتحذير
( اياكِ ...... اياك و الكلام عن رؤى مجددا ..... )
ساد صمت طويل و هما يحدقان ببعضهما .... بينما كانت هي تتنفس بسرعة و ارتجاف قليلا من غضبه الظاهر و الذي رأته من قبل مراتٍ قليلة ... لكنه لم يكن موجها لها .... بل دفاعا عنها ...
أما الآن فقد انقلبت الأدوار ....
الا أنها قالت بهدوء على الرغم من سحابة الدموع التي اعتلت حدقتيها ... رافضة أن تسمح لها بالتساقط ..
( أنت انسان ترفض المواجهة يا رائف ..... قد تضحي بحياتك من أجل من تحب , ...
الا أنك ترفض المواجهة ... لم تواجه خالك حين رفضتك ابنته... لم تواجه زوجتك في حبها لغيرك ....بقيت معها العاشق الحنون المتفاني حتى آخر يوم بعمرها دون أن تلتفت الى جرحك أنت ....
لم تواجه اختك بتصرفاتها التي تقصد بها ايذائك بقصد أو بدون ....
و لم تواجه جريمة كبرت و نمت أمام ناظريك من أجل أختك ... ظنا منك بأنك تمنحها الإبن الذي فقدته .... أما هي فلم تكن محتاجة الى ابن يعوضها عن ابنها أبدا ... بل كانت تحتاج الى رجل ..... )
قال رائف بصوتٍ غريب مذبذب مصدوم ... و عيناه تعلمانها بمنتهى الوضوح أنها قد ضربته في مقتلٍ ..
( اصمتي يا ملك ..... لا حاجة لكِ بالمزيد ....كنت اعلم أن الأمر لن يظل بورديته المثالية ... و قد حذرتك بهذا حين اعترفتِ بحبك المتسرع لي .... . )
ساد الصمت مجددا و هي تضم شفتيها المرتجفتين معا ... ثم قالت بصوتٍ يرتجف و الرؤية تتماوج امام عينيها بسبب دموعها الحبيسة
( أنا فعلا لا أمتلك المزيد لأقوله ............ لكن ميراثي أمر يخصني و لو كان قروشا قليلة لأخذتها ... أضف ذلك الى لائحة عدم الفخر التي تعدها لي بداخلك دون أن تقوى على الإعتراف بها .... )
صمت تلتقط أنفاسها الميتة ... قبل أن تهتف باختناق
( من الأفضل أن تقوم بإلغاء الرحلة ........ فأنا لن أذهب ...... )
اندفعت لتهرب من أمامه ... الا أنها ما أن تجاوزته حتى أمسك بخصرها بقوةٍ يمنعها عن الهرب ... لكنها قاومته بعنفٍ و دموعها تنفجر أخيرا بقهرٍ و هي تهتف
( ابتعد عني يا رائف . لا تلمسني ... لن أسمح لك بأن تلمسني الآن ... لن تحيا خلالي مع اخرى مجددا .... )
نزع يديه عنها مصدوما و كأنها لسعته ... بينما نظرت اليه نظرة وحيدة من بين دموعها المتفجرة قبل أن تهرب من أمامه شاهقة بعنف .... و ما أن دخلت غرفتهما حتى صفقت الباب خلفها بقوة ....
ارتمت على السرير الذي شهد قوة مشاعرهما منذ وقتٍ قصير و هي تدفن وجهها بين أغطيته ووسائده المبعثرة ... لتنفجر باكية بكل عنف و هي تشهق بألمٍ يكاد أن يشق صدرها ... لم تعرف له مثيلا من قبل .... و لم تكد تمر عدة دقائق حتى سمعت صوت باب البيت يصفق بعنف ...... مما أخبرها بوضوح أنها أصبحت وحيدة .... و أنه قد خرج على الأرجح يلبي نداء حبيبته ....
.................................................. .................................................. ......................
( أنا آسفة لأخذي موعدا منكِ بهذه السرعة ........ )
نظرت صبا الى ملك التي كانت تجلس أمامها مخفضة وجهها .... هادئة ظاهريا , شديدة الإتزان و الرقي .. و لا تزال روحها الحلوة تطغى على ملامحا الجميلة ...
الا أن عيناها الشفافتان فضحتا بكائها طويلا لسببٍ أو لآخر .....
ردت صبا بمودة
( على العكس .... سعدت جدا برؤيتك يا ملك .... .... و صحيح مبارك للزواج )
رفعت ملك وجهها اليها ثم ابتسمت دون أن تصل الإبتسامة الى عينيها ... و قالت بخفوت
( شكرا لكِ .... لكنك لم تحضري , على الرغم من أنني وجهة اليكِ دعوة خاصة ..... )
تحرجت صبا و هي تبتسم معتذرة و قالت بتهذيب
( أنا آسفة جدا يا ملك .... كان لدي عمل هام , و لم أستطع أبدا الحضور ...... )
أومأت ملك برأسها بهدوء .... ثم قالت بخفوت أكبر
( لا عليكِ .... ولو أني كنت متأكدة بأنكِ لن تحضري ...... )
عقدت صبا حاجبيها رغم ابتسامتها ثم قالت بهدوء
( و لماذا التأكيد ؟!! ....... لولا انشغالي لأتيت ..... )
ابعدت ملك عينيها عن عيني صبا و هي تقول
( أشك بذلك ..... لكن شكرا لكِ على أية حال ...... )
صمتت صبا قليلا , ثم قالت بتردد
( أنتِ تتحدثين بالألغاز يا ملك و هذا أكثر ما أرفضه ..... لما لا تخبريني ما يضايقك مباشرة ؟!! .... )
رفعت ملك عينيها الى عيني صبا ثم قالت بنفس الهدوء
( أنتِ لستِ معجبة بي تماما أستاذة صبا .......... )
لم تتغير ملامح صبا أبدا عن الهدوء و هي تراقب ملك بصمت ... ثم قالت ببساطة
( طبعا و دون الحاجة الى الرفض حتى ..... هذا أمر غير صحيح , لكن ينتابني الفضول لمعرفة سبب احساسك هذا ..... )
هزت ملك كتفيها و هي تقول
( لا سبب مجرد احساس خاص .... و أنا عادة صادقة بأحاسيسي .... )
رفعت صبا وجهها قليلا و هي تقيم ملامح ملك و تعبيرات وجهها بعينٍ دقيقة ... قبل أن تقول رافعة حاجبيها
( الأحمق وحده هو من يتبع أحساسه دون دليل يا ملك ... فمهما كان الإنسان دقيق الإحساس , الا أنه يخض احيانا الى عوامل خارجية تؤثر على احساسه و نظرته للأمور و الأشخاص .... و أنا لا أظنك حمقاء ابدا .... لذا لما لا تخبريني بما جعلك تشعرين بهذا ... و أنا لم أعتدك فتاة تهرب من المواجهة ..... )
نظرت اليها ملك لفترة طويلة ... قبل أن تقول بخفوت
( ربما هذه هي النقطة ...... أنتِ كنتِ متحمسة جدا لمساعدتي و الوقوف بجانب قضيتي .... كنت تنوين خوض حربٍ عنيفة من اجل فتاة غريبة عنكِ .... لمجرد أنني أعجبتك حين ظننتني قادرة على المواجعة و خوض هذه الحرب .... لكن حين أعلنت بأنني سأستسلم لمحت نظرة الخيبة بعينيك واضحة ... و لم أنسها حتى الآن ..... )
ساد الصمت بينهما .... وهما تتبادلان النظر بهدوء طويلا , بينما بداخل كل منهما حديثا طويلا ....
الى أن قالت صبا أخيرا
( اولا ..... أنا كنت على استعداد للوقوف الى جانب قضيتك لأنه جانب الحق ... و أنا لا أتخاذل في الدفاع عن الحق أبدا والله أعلم ..... و ليس لمجرد اعجابي بمواجهتك أو شجاعتك ..... لا أنكر أن خيبة معينة ملأتني حين تراجعتِ عن محاربة عائلة القاضي و فضح عدم نسب كريم لهم و ما تضمنه ذلك من كثير من قضايا اخرى غير قانونية ..... لكن لم ألومك انت أبدا , حتى في قرارة نفسي .... أعلم أن ما مررتِ به لم يكن سهلا ... و قد خرجتِ منه خائرة القوى .... أضعف من أن تتحملي خوض حربا كهذه .... )
قالت ملك بهدوء و دون أي مقدمات
( لم أستسلم لأنني كنت خائرة القوى ..... بل كنت على استعدادٍ لنهشم بأسناني ... لقد استسلمت من أجل رائف ..... )
صمتت و ارتفع حاجبي صبا قليلا الا أنها لم ترد ... بينما تابعت ملك تقول بخفوت
( الذي هو زوجي الآن ...... تلك الحرب كانت ستضر بشقيقته الوحيدة , و قد خسر زوجته من قبل ... لذا لم أستطع فعل ذلك به بعد كل ما فعله من أجلي ..... )
اخذت نفسا قبل أن تقول بهدوء و ثقة
( أنا أحبه ...... و لهذا أنا هنا اليوم , أردت استشارتك بشيء ...... أنا سأستلم ميراثي كاملا و لن أقبل بتسوية نقدية كسيولة ... بل سآخذ حقي كله سواء كان أسهم بصفقات أو سيولة أو حتى أراضي .... أيا كان و مهما بلغ حجمه ..... حتى ولو كان قروشا قليلة .... الشيء الذي أردت استشارتك به هو إن كان هذا سيضر بموقف رائف في القضية !! ..... بمعنى هل من الممكن أن يبدو هذا كدافع لقتل كريم عمدا مثلا ؟!! ...و هل زواجي السريع برائف قد يشكل دافعا بالقضية ؟!! ..... )
عاد الصمت ليسود طويلا .... حتى بدا كعباءة سوداء ثقيلة من فوقهما ....
شبكت صبا أصابعها فوق سطح المكتب و هي تفكر قليلا دون أن تتغير ملامحها .... فقط عينيها ....
لقد رأت ملك نفس النظرة بهما للتو .... نظرة الخيبة ....
رفعت صبا وجهها بعد فترة طويلة ... ثم قالت بهدوء جامد
( من حيث القضية ... لا تقلقي , أركان الدفاع عن النفس كلها متوفرة ... كريم كان مسلحا ... و هو من تهجم على بيتكما ... و هناك شاهدين غيرك ... بخلاف الحالة الغير متزنة لكريم و قد سجلنا عدة مواقف له كدليل على أنه مؤخرا لم يتصرف بطريقة عقلية سليمة .... )
للحظة تذكرت ملك الإتهام الذي سكت عنه كريم بأنها كانت مختلة عقلية في طفولتها و هذا سبب ترصدها له و توهمها بعلاقة بينهما ... الا أنها هزت رأسها تحاول ابعاد تلك الذكريات الإنتقامية عن رأسها ...
ثم أومأت برأسها و هي تقول بخفوت
( جيد ...... هذا كل ما أردته ....... )
ظلت ملك صامتة قليلا قبل أن تقول صبا متسائلة
( كان بإمكانك سؤالي عن ذلك في الهاتف ......... )
احمر وجه ملك بشدة و هي تنظر الى صبا بتوتر ... ثم قالت محرجة
( أنا آسفة مجددا لأنني أتيت اليك فجأة و أخذت الكثير من وقتك ........ )
قالت صبا بهدوء
( اسلوب الضغط العاطفي لن يفلح معي ...... أنتِ مهتمة بمعرفة رأيي في خطوة استلامك للميراث ... اليس كذلك ؟؟ ..... )
ظلت ملك مطرقة وجهها و بان خط ملامحها الجانبي رقيقا كلاسيكيا و راقي ... بكل قوتها الداخلية و التي لا تتنافر مع رقتها الخارجية ....
ثم قالت أخيرا بخفوت
( أعتقد أنه لا حاجة بي للسؤال ..... لقد رأيت نفس النظرة ما أن أخبرتك .... )
ردت صبا بعفوية
( آآه ... تلك النظرة مجددا !! ......... )
صمتت لحظة , ثم قالت بهدوء
( لا داعي للنظرات .... أنا بالذات أستطيع قول ما أريده متحملة كل العواقب .... حتى لو كانت خسارة من أحبهم و أهتم لأمرهم ..... لذا فدعيني أخبرك أن استلامك للميراث , ليس حقك ... شرعا ... و قانونا لو تم فضح الأمر ...... )
لعقت ملك شفتيها بينما كانت تفرك أصابعها ... ثم قالت و هي تنظر الى صبا بقوة
( و ماذا عن زواجي منه ؟!! ..... الا يعطيني هذا الحق ؟!! ..... )
أمالت صبا وجهها و هي تقول بهدوء خافت
( لقد تزوجتِ من شادي يا ملك ..... أي أنكِ تعرفين بأنه لا يحمل نسب هذه العائلة .... و حقك لن تتقاضيه ماديا .... )
كانت ملك تتنفس بتوتر و سرعة ... بينما تابعت صبا تقول
( لكن دعيني أفكر فيما قلتهِ .... انتِ لا تريدين تعويضك بسيولة , بل تريدين الدخول الى الصفقات و الأراضي .... فهل تفهمين بهذه المسائل ؟!!! ..... )
ظلت ملك صامتة دون أن ترد ..... فردت صبا نيابة عنها
( طبعا لا فكرة لديكِ ..... اذن لا أفسر رغبتك في الميراث كرغبة مادية به كميراث .... و إنما هي رغبة مذهلة في انتقام معين ..... اليس كذلك ؟!! .... )
كانت ملك تتنفس بسرعة و ضيق .... تلك المحامية تثير سخطها منذ البداية , و في نفس الوقت يتملكها شعور غريب بالكآبة كلما نظرت اليها بنظرة الخيبة تلك ....
بداخلها رغبة عنيفة في اثارة اعجابها .... لأنها انسانة تمتلك الشجاعة على المواجهة ... و لم تعتد الهرب يوما ....
لكن مؤخرا تعترف بأنها لم تعد نفسها .... فلقد تراجعت و نفذت لهم ما يريدون صامتة عن حقها ...
قالت ملك بهدوء
( هل تلومينني على موت كريم يا أستاذة صبا ؟؟ ........ )
ردت عليها صبا بنفس الهدوء
( السؤال الأهم .... هل تلومين أنتِ نفسك ؟؟ ........ )
ظلت ملك صامتة عدة لحظات قبل أن تقول بخفوت
( نعم ...... الحقيقة نعم ألوم نفسي , لو كنت الإنسانة الشجاعة التي كنتها دائما من قبل ... و رفضت كل استسلام أو تنازل .... لربما كان كل منا ذهب الى حال سبيله و لظل كريم على قيد الحياة حتى الآن ..... )
قالت صبا بهدوء خافت
( استغفري ربك يا ملك ......... )
تنهدت ملك و هي تخفض وجهها ناظرة الى يديها المتشابكتين في حجرها ... ثم قالت بخفوت
( استغفر الله .... أعلم أن الأعمار بيد الله و أن لكل منا موعد مقدر .... لكن ربما لو كنت ..... )
قاطعتها صبا بهدوء
( ابعدي كلمة " لو " عن تفكيرك .... فهي تفتح مجالات كثيرة للشك و هذا ضعف ايمان ... ليس الموت هو الشيء الوحيد المقدر .... بل كل ما مررتِ به , صحيح ان الانسان يملك عقلا ليميز الحق من الباطل ... الا أنه طالما اختار طريقا , فليقف و يحاسب نفسه .... لا أن يركن لكلمة " لو كنت " ... فهي كلمة العاجز ... و المؤمن يجب أن يكون قويا و ليس عاجزا .... )
صمتت للحظة قبل أن تقول بهدوء
( لذا ... و بما أنك الآن تريدين تصحيح الخطأ , فإما أن تمضى قدما بحياتك رافضة ميراثٍ ليس لكِ شرعا و تتركي أي خطط انتقامية تنوين بها أن تكوني كالحصاة في أحذيتهم .... و إما أن تخوضي الحرب و تفضحي الأمر بأكمله ..... لا خيار ثالث في رأيي كي تحاولي تصحيح ما فات يا ملك ..... )
ظلت ملك تتلاعب بأصابعها ثم لم تلبث أن ضحكت بعصبية و هي تقول بخفوت
( أمر مضني أن يكون الأبيض أبيض و الأسود أسود ....... )
ابتسمت صبا و هي تقول
( لا تخبريني أنا بالذات عن ذلك ..... عشت عمري كله أعاني من تلك النقطة .... )
نهضت ملك من مكانها و هي تعدل من حقيبتها على كتفها ... فنهضت صبا هي الأخرى تبتسم لها بمودة حقيقية .... بينما قالت ملك بخفوت
( لو اقتصر الأمر على أنفسنا لهان الأمر أستاذة صبا ..... لنختار أحد اللونين و نتحمل عواقبه وحدنا .... لكن شئنا أم أبينا , فكل من نحبهم متواجدين في المنطقة الرمادية .... و علينا أن نرى بعين قلوبنا الى أي لونٍ هم أقرب .... أو نقبلهم هكذا على علاتهم ..... )
بهتت ابتسامة صبا و هي تسمع من ملك تماما ما تعيشه كل يومٍ في حياتها الخاصة ....
على عكس ما تظنه ملك من عدم اعجابها بها .... الا أنها في الواقع تراها تشبهها في الكثير من الأشياء ...
قالت ملك بخفوت
( شيئا آخر أكثر خصوصية أريد أن أسألك عنه ........ )
قالت صبا بخفوت
( طبعا ...... أي شيء يا ملك .... )
قالت ملك بهدوء
( أي لونٍ يتبعه زوجي في رأيك ؟!! ..... أليس متسترا على جريمة منذ سنوات ؟!! ..... )
ظلت صبا صامتة طويلا قبل أن تقول بهدوء
( هو لم يرتكب أي جريمة ...... واقع الأمر أنه رأى حادثة تبني و تغيير نسب غير قانونية و رفض الإبلاغ عن أخته ..... و لا أعتقد أن أي أحد في مكانه كان ليفعل ذلك .... وأعلم جيدا انه بعيدا كل البعد عن أي صفقات غير مشروعة .... و الا لم أكن ليتولى مكتبي قضية الدفاع عنه في أي شيء حتى لو دفاع عن النفس .....ثم ان التبني لم يكن خطفا .... بل كان الصبي موافقا و بلغ سن الرشد وهو يدرك جيدا ما يفعله .... لذا أرى أن زوجك هو الأقل ضررا في هذه القصة كلها ..... )
رفعت ملك ذقنها و هي تقول بخفوت
( لكنه بالتأكيد سكت عن الحق .... و على الرغم من ذلك أنا احببته ... و تزوجته , فاستسلمت و تنازلت .... لهذا أنتِ تنظرين الي بخيبة أمل ...... )
تنهدت صبا و هي تلامس سطح مكتبها بأصابعها ... مطرقة برأسها , ثم نظرت الى ملك أخيرا و قالت بصدق مبتسمة
( أتعرفين في حكايات الأطفال .... حين يخرج المارد من المصباح و يعلن عن قدرته على تحقيق كل الإمنيات الا شيء واحد , لا يملك عليه سلطانا ..... وهو الحب الصادق !! ..... )
أومأت ملك دون أن تجيب ...فابتسمت صبا و هي تقول متابعة
( هكذا أنا ...... أحاول جاهدة دفع من يهمني أمرهم الى ما أراه صحيحا , الا اذا تدخل القلب في الأمر ... و كان له راي آخر ..... كانت هناك فتاة صغيرة أعرفها , اسمها حنين .... سعيت جاهدة كي أنقذها من شخص ظلمها .... الى أن سلمت بحبه في النهاية .... فلم أجد أنا سوى الإستسلام ..... )
رفعت عينيها الى عيني ملك و قالت متابعة برقة
( بينما رائف لم يظلمك ..... بل ساندك على طولِ الخط ..... ربما أنا بطبيعة شخصي أرفض تستره على الأمر , لكنه ليس ظالما أو مجرما ...... لذا لا تفكري طويلا , و دعي قلبك يرتاح ...... )
ارتجفت شفتي ملك قليلا و هي تتسائل باختناق
" و هل سيعرف قلبها الراحة وهو لا يزال يعيش مع أخرى !! ..... حتى لو لم تعد تنتمي لهذا العالم !! "
قالت ملك أخيرا مبتسمة برقة
( شكرا لكِ أستاذة صبا ..... أنا حقا لا أعرف لماذا ساقتني قدماي اليك اليوم .... كنت في حاجةٍ ماسة للكلام معكِ أنتِ تحديدا .....كنت أمر بحالةٍ من الكآبة ... . )
ارتفع حاجبي صبا و هي تقول صارمة
( أي كآبة يا عروس أول أمس ؟!!! ...... بالله عليك اذهبي الى زوجك و لا تفسدي حياتك من أول يومين , ... على الأقل انتظري عاما ... و ابدأي في النكد ..... )
ضحكت ملك برقة و عينيها تدمعان رغم عنها ... ثم همست بخفوت
( أراكِ قريبا أستاذة صبا .......... )
و ما أن ابتعدت ملك , حتى نادتها صبا ...
فاستدارت اليها ملك متسائلة ... حينها قالت صبا بهدوء
( أنا حقا معجبة بكِ يا ملك ..... و أرى بكِ بوادر شجاعة فريدة من نوعها ..... )
اتسعت ابتسامة ملك أكثر ... ثم همست باختناق
( شكرا ....... شكرا لكِ أستاذة صبا ....... رأيك بي يهمني جدا ..... )
ردت صبا بخفوت
( الأهم أن تكوني راضية عن نفسك منذ اليوم يا ملك ..... و ليحدث ذلك , لا تنظري الى الوراء أبدا ..... )
.................................................. .................................................. ......................
مستلقيا بمكانه و ذراعيه تحت رأسه .... ينظر اليها طويلا و هي جالسة أمام المرآة ...
تمشط شعرها العسلي الطويل .... ملامحها هادئة كالعادة .... بينما عينيها لا تزالان على خصامهما له ....
و كم يقتله خصام عيني بنت السلطان !! .....
قال لها أخيرا بهدوء
( ألن تأتي ؟!! ........... )
توقفت يدها بشعرها للحظة .... ثم وضعت الفرشاة على منضدة الزينة بهدوء و نهضت من مكانها دون أن تواجه عينيه بالمرآة ....
كانت عيناه ترسمان لها لوحة من القرون الوسطى و هي تقترب منه بقميص نومها الأبيض الطويل حتى كاحليها ... حتى كميه طويلين الى رسغيها ....
لا يظهر سوى كتفيها الجميلتين من ياقته الواسعة الى تحتهما قليلا ....
أما شعرها ... فسبحن من أبدع وصوره ....
موجاتٍ من العسل تلتف على قلبه .... قبل أن تنساب على ظهرها .....
أبعدت صبا الغطاء و استلقت بقربه جالسة دون أن تنظر الى عينيه .... حينها قال عاصم مبتسما و دون أن يبعد ذراعيه من تحت رأسه
( هيا اعتذري ......... )
رفعت صبا عينيها الى عينيه أخيرا .... ثم قالت بصوتٍ فاتر متصلب
( الا ترى أنك بالغت جدا في الأمر ..... لقد بدأت في اذلالي ..... )
ارتفع حاجبي عاصم دون أن يتحرك من مكانه وهو يقول بصوتٍ رجولي جامد
( هل أنا من تهورت ؟!! ....... أتدرين لو أن أحدا غيرك فعل ما فعلته أنتِ يا بنت السلطان ... ما كان مصيره الآن ؟!! ..... )
أبعدت عينيها عنه و هي تقول بفتور بارد
( و قد اعتذرت على تصرفي مرارا .... لكني لن أغير موقفي أبدا ... و أنا لن أصالحك الا بعد أن تتخلى على ما عقدت العزم عليه .... )
قال عاصم بهدوء رجولي بارد بات يستفزها جدا ... خاصة و أنها ليست معتادة منه تلك المعاملة
( لندع موقفي و موقفك لما بعد ..... أما الآن فاعتذري ..... )
نظرت اليه بعينين تشتعلان نارا رغم سكون وجهها ثم قالت بصوت مكبوت تحاول جاهدة أن تسيطر على نبرته
( ليس من العدل أن تجعلني أعتذر كل ليلة لمدة ثلاثة أشهر !! ...... )
ارتفع حاجبي عاصم وهو يقول بهدوء
( عجبا ..... فأنا فأراه منتهى العدل ....... )
زمت صبا شفتيها و هي تقول رافعة ذقنها
( أعتذر يا عاصم .......... )
ثم نظرت بعيدا بشعور مبهم ... تشتم غبائها كل ليلةٍ على ذلك التهور الذي تسبب في أن تعتذر كل ليلة لشهريار .... وهو مستلقٍ أمامها , مستمتعا باذلالها بهذا الشكل ...
و بالفعل هو أكثر من مستمتع وهو يعاقبها على مهل , لم يملك أن يتهور معها فيخدش بنت السلطان .... سلطانة قلبه ..... لذا اقتصر العقاب على أن تعتذر له كل ليلة .... و قد فعلت ....
لكنها لاتزال تخاصمه لسببٍ آخر .... سببٍ لن تتنازل به أبدا ....
خصامهما كان فريدا من نوعه .... خصام العيون فقط ....
فلقد كانت على مدى الأشهر وديعة كقطةٍ ناعمة .... تنتظره كل ليلة ليطلب منها أن تعتذر .... فتعتذر بكل هدوء .... رافعة ذقنها بكبرياء مذهل , يكاد أن يذهب بعقله ....
و على الرغم من خصامها له , الا أنها لم تمنع نفسها عنه ولو لمرة ..... بل كلما طلب قربها كانت تقبل بكل هدوء .... بل و تشعره بأنه مرغوبا أيضا .....
فقط عيناها ..... عيناها تخاصمانه منذ أشهر ..... و تتهربان منه دون أن تضحك الى عينيه ....
كم هي قاسية في خصامها .... شرسة لا ترحم .....
الا تعلم بأنها تقتله حيا بتلك الطريقة مستخدمة أقوى سلاحٍ لديها !! ......
ظل مستلقيا مكانه يراقبها بشغف لا يزول أبدا ..... لا أجمل في حياته أكثر من تأملها بعد التعب ....


أما صبا ... فشردت و هي تعود بذاكرتها الى حديث حماتها مع عاصم ذات صباح ....
( عاصم ..... لم تخبرني برأيك فيما تكلمنا به ليلة أمس ....يريدون الخطبة أن تكون خلال اسبوعين ... )
منذ أن سمعت تلك العبارة و هاجس واحد احتل كيانها كله ....
عاصم سيتزوج !! ....
و من يستطيع أن يلومه ؟!! ......
لا أحد يملك الحق في لومه .... الا هي .... هي الوحيدة التي تملك هذا الحق ....
بحق الحب .... بحق سلطانها على قلبه ..... بحق أنه هزأ منها ذات مرة حين فكرت مجرد تفكير باحتمال زواجه مجددا .... و أخبرها بكل ثقةٍ بأنه لن يظلم أمرأة أخرى معه و قلبه معها هي فقط ... بنت السلطان ....
هي الوحيدة التي تملك حق الرفض , و ليس حق منعه ......
بل ستبتعد قبل أن يموت قلبها في اليوم ألف مرة .... و ستظل تتمنى له الخير , اليس حبيبها الوحيد و عشقها الأكبر !!
منذ أن سمعت هذا الحوار و قد وضعت كل همها في مراقبته .... باتت تتنصت على كل ما يقوله لوالدته على انفراد ... و لم تشعر بأي تأنيب ضمير ....
لأنه قرر اخفاء الزواج الثاني عليها كزوجة أولى و هذا ليس من حقه .... لذا عليها أن تكشف الأمر بنفسها
باتت كظله في الخفاء .... الى أن سمعت الحوار الذي تنتظره ...
اتفاق بينه و بين والدته على الموعد في حيهم القديم ....
لن تنسى يومها أنها وقعت مستندة على الجدار و هي تغمض عينيها ... بينما تضع يدها على صدرها الخافق بعنف ....
كان ألما أكبر من اقدرتها على التحمل ... كان موعد خطبة , و العقد ... الذي هو واضح كعقد زواج ... سيكون بعدها ببضعة أشهر ....
ليلتها استطاعت بأعجوبة أن ترسم على شفتيها ابتسامة رقيقة و عاصم يقبل جبهتها ليخبرها بأنه مضطر للنزول مع أمه في أمرٍ به خير .... لا يريد الإفصاح عنه , كي ينال ثوابه ...
ظلت صامتة قليلا و هي تبتسم له دون رد .... و ما أن ابتعد عنها قليلا حتى همست باسمه
( عاصم !! ....... )
نظر اليها مبتسما .... فمدت نفسها كي تحيط عنقه بذراعيها و هي تنظر الي عينيه هامسة
( عاصم ..... أرجوك دع مالك أو أي شخص آخر يقوم بهذا الأمر و ابقى معي الليلة ..... )
نظر اليها حينها نظرة كادت ان تفضحها و تفجر كل دموعها .... نظرة شوق حقيقي على الرغم من أنها بين ذراعيه .... لكنه همس لها وهو ربت على وجنتها باليد التي تحمل سبحته
( سأعود اليكِ أسرع مما تتخيلين ........... )
أظلمت عيناها بسحابة قاتمة من الدموع رفضت بأن تظهرها ... فانحدرت على قلبها حارقة بقسوة ...
بدا مترددا للحظة و كانه لا يريد مغادرتها .... لكنه اتخذ قراره في النهاية و تراجع عنها خطوتين بظهره يبتسم لها ... و كم كان وسيما في حلته .... و كأنه عريس يوم خطبته .... بل هو بالفعل كذلك ....
انتظرت فترة قصيرة .... قبل أن تسارع بتبديل ملابسها , لتستقل سيارتها الصغيرة و انطلقت بها الى الحي القديم ....
و ما كادت أن تدخله حتى كان من السهولة أن تسأل عن سيارة عاصم رشوان ...
و بالفعل دلها أولاد الحلال على وجوده عند بيت شيخ من شيوخ الجامع ...
أوقفت صبا سيارتها و هي تنظر الى المكان بقلبٍ مثقل نازف ... و عينين جامدتين , غير قادرتين حتى على ذرف الدموع ....
ثم لم تلبث أن لملمت شتات نفسها و خرجت من السيارة لتدخل الى مبنى قديم ... صاعدة درجات السلالم ببطىء و هي تتطلع لأعلى ... و قد بدأت تسمع زغاريد ... صوتها يتزايد و يعلو مع كل درجةٍ و كأنها صراخٍ يكاد أن يفجر رأسها ....
وصلت أخيرا الى البيت المقصود ... فوجدت ابوابه مفتوحة على اتساعها .... و الصخب يعلو من الداخل
دخلت صبا بملامح جامدة .. فوجدت غرفتين مفتوحتين ....
احداهما للرقص و الغناء و كانت للسيدات ... أما الغرفة على يسارها فكانت للرجال ...
استدارت اليها صبا و استطاعت ان تلمح عاصم جالسا بهيبته ووقاره .... بكل وسامته ....
مبتسما وهو يتحدث بصوتٍ خافت ... و سبحته بين أصابعه ...
لم تشعر الا و قدماها تدخلانها عنوة الى الغرفة .... و ما أن فعلت حتى ساد الصمت تدريجيا الى أن رفع عاصم وجهه اليها و رآها ...
ارتفع حاجبيه بدهشة وهو ينهض من مكانه اليها ... قلقا , هاتفا
( صبا !! ...... ماذا تفعلين هنا ؟!! .... هل حدث شيء ؟!! ..... )
فغرت شفتيها بينما عينيها تنزفان الما و هي تقول بجمود
( مبارك يا عريس ....... لكن الم يكن من الواجب أن تدعوني معك .... كنت لأفرح لك ... و أقدم شراب الورد بنفسي .... )
تعالت الشهقات الخافتة و المذهولة من حولها ... و اسمها يتردد من الجميع همسا و صدمة ...
بينما تسمر عاصم مكانه .... و تحول وجهه الى صخرٍ صلب و عيناه تنظران اليها بغموض .. دون أن ينطق بكلمة ....
استمر بهما الصمت و هي ترفض ان تخفض عينيها عن عينيه الصامتتين .... بينما أصابعه تتحرك على سبحته ببطىء ....
سمعت فجأة صوت زغرودة من خلفها و سيدة تقول ...
( تفضلي شراب الورد ..... شراب ابنتى و أسأل الله أن نشرب شراب ابنتك قريبا .... )
استدارت صبا مذهولة الى السيدة الوقحة ... التي تقدم لها شراب العروس ... و بدأت النار تستعر بداخلها فجأة .... الى ان انفجرت فهتفت بقوة
( أنا ليس لدي بنات أو أي أطفال .... و لا أعرف سبب تلك القسوة في التطرق للأمر و أنت تعلمين جيدا أن العريس لم يكن ليخطب بنتك دون علم زوجته الا ليحصل على طفل ..... )
بهتت السيدة و تعالت الشهقات اكثر .... و البعض رفعوا ايديهم الى وجوههم بصدمة ... بينما قالت السيدة المشدوهة و الصينية تهتز بين أصابعها بشدة
( أي زوجة ؟؟ ...... و أي طفل ؟؟ ...... من تظنين العريس سيدتي ؟؟ ..... )
تسمرت صبا مكانها و هي تشعر فجأة و كأنما دلو من الماء البارد قد سكب عليها فجأة ... فابتلعت رقيها في هذا الصمت المشدوه المحيط بها ... بينما تشعر بنظرات عاصم من خلفها تكاد أن تحرق ظهرها ...
نهض رجل كبير في السن ... أبيض اللحية , لا يبدو عليه الذهول مثل البقية ... بل رحب بها بصوتٍ هادىء
حنون
( مرحبا بكِ يا ابنتى .... تعالي لتشاركينا الفرح , الليلة خطبة مشيرة ابنة اعتدال .... و هي تعتبر ابنة عاصم , .... )
أغمضت صبا عينيها بينما شفتيها لا تزال فاغرة و كأنما أصابها الشلل التام ....
سمعت صوته أخيرا من خلفها يقول بهدوء .. بدا لها كرصاصٍ حي
( تفضلي يا سيدة ...... اجلسي معنا ...... )
استدارت صبا مطرقة الرأس ... لا تملك القدرة على مواجهة عينيه .... بينما مد يده يشير بها الى الأريكة التي كان يجلس عليها ... ثم ابتعد دون كلمة أخرى , ليجلس متجاهلا النظر اليها ...
جلست صبا بجواره ... ملاصقة لساقيه تماما .... و كأنها طفلة مشاغبة معاقبة ...
همست بخفوت متوسل
( عاصم !! .......... )
استمر في تحريك حبات سبحته ثم قال اخيرا بصوت غريب لم يبدو كصوته ... جاء هامسا و شديد البتر
( اصمتي الآن .... لأنني أحاول شغل يدي عن ضربك .... )
الا انها لم تخشى من تهديده .... بل خشيت مما فعلته أكثر .. فهمست مجددا بتوسل
( عاصم ارجوك ......... )
لم ينظر اليها , و لم يرد ..... الى أن رأت فجأة الحاجة روعة و هي تقتحم المكان بمشيتها التي تشبه مخرطة الملوخية ... ترتدي عباءة فاخرة و تحمل حقيبتها تحت ذراعها ... و ما أن دخلت مجلس الرجال حتى اتجهت الى صبا فشدتها من ذراعها و هي تقول
( لماذا تجلس زوجة ابني بين الرجال ... و مجلس النساء هناك .... )
لم تخطىء صبا فهم نظرتها الطرفية الخاصة بالمصائب ... و مما زاد من رعبها وجدت شفتي روعة تتحركان يمينا و يسارا بسرعة خمس لفات في الثانية الواحدة ... و هذا دليل على المصيبة الأكبر ...
فقد عاشت معها سنوات حتى الان و باتت تفهم جيدا اشارات المصائب المتوالية ....
استسلمت صبا لذراع حماتها و هي تجرها خلفها ... لكنها لم تنسى أن تلقي نظرة أخيرة على عاصم و الذي رفع اليها عينيه مباشرة .... و كم بلغها بوضوح أنها قد أوجعته .... بخلاف الفضائح العلنية ....
سارت صبا متخاذلة ... ميتة ..لا تشعر بشيء من الفرح الصاخب حولها ...
و ما أن جلست حماتها و أجلستها بجوارها بالقوة ....
حتى قالت لها و هي تلوح بيدها في الخفاء
( ياللمصيبة التي حلت على رأسك يا صبا يا بنت ام صبا ..... ما هذا اللذي فعلته يا حزينة ؟!! ... الخبر وصلني الى هنا في لحظتها .... فضحتي زوجك يا صبا ؟!! .... فضحتي زوجك ؟!! .... )
همست صبا بتوسل
( أرجوك يا عمتي لا ترعبيني ...... )
قالت روعة و هي تتظاهر بالنظر الى السيدات و الإبتسام لهن ....
( و هل رأيتِ رعبا بعد ؟!! .... الرعب و السواد كله سنراه ما أن نعود للبيت ... أدعي ربك فقط أن يرأف بحالك و لا يغتالك ...... )
نظرت صبا أمامها بوجه ممتقع و عينين فارغتين .... كيف استطاعت التصرف بهذا الشكل مع زوجها ... حبيبها ...
الآن بعد أن شعرت بالندم .... أكتشفت أنه لم يكن من حقها أن تفضحه بتلك الصورة حتى لو كان قد نوى الزواج فعلا .... أهكذا تحب ؟!! .....
لو كان حبها منزها من الأنانية لتركته يسعد بخطبته ... بينما ترحل هي بصمت و كبرياء لتموت بعيدا ...
لكن أن تفتعل له مثل تلك الكارثة العلنية ... وهو ذو مكانة كبيرة هنا لدى أبناء الحي ......
قالت عمتها و هي تميل اليها متظاهرة بالابتسام
( ابتسمي قليلا .... دعينا نلطف من فعلتك السوداء ..... و ترتدين قميصا اسودا ايضا في حضور حفل خطبه ؟!!! ,,,, اخ لو اتمكن فقط من خلع اظافرك على تلك العملة ..... انتى الليلة ستبيتين معي بغرفتي ... اخشى ان يفعل بكِ عاصم شيئا ...... )
همست صبا بتوتر
( ليس الى هذه الدرجة يا عمتي ...... عاصم لن يؤذيني .... أنا واثقة بذلك .... )
قالت روعة و هي تمط شفتيها ....
( أنتِ لا تعرفين عقاب الزوجة التي تفضح زوجها مثلما فعلتِ هنا ........... )
تنهدت صبا بيأس قبل أن تنظر حولها بنظراتٍ فارغة ... و عينين تتوسلان البكاء و هي تمنعهما بالقوة ...
ثم همست بصوتٍ واهي غير مهتم ...
( و اين هي العروس في كل هذا الجمع ؟!! ....... )
قالت روعة بدهشة
( سلامة نظرك ..... ها هي التي ترتدي فستانا منتفشا و الورد من حولها .... )
دققت صبا النظر الى حيث تشير حماتها .... ثم تشنجت مكانها على الفور ......
ظلت تحدق في العروس طويلا .... الى أن نهضت فجأة , فهتفت روعة برعب
( أنت يا مصيبة ......الى اين أنت ذاهبة ؟!! ....... )
الا أن صبا تحركت ببطىء و عيناها على الفتاة ... الى أن وصلت اليها , فرفعت العروس وجهها الى صبا التي أخذت تتأمله و تنظر الى كمية الأصباغ التي تغطي ملامحها .... ثم قالت أخيرا بخفوت
( كم عمرك ؟!! ..........)
تعجبت الفتاة المسماة عروسا .... لكنها قالت ببراءة
( أربعة عشر ........... )
رفعت صبا ذقنها و هي تأخذ نفسا عميقا و الجذوة تشتعل من جديد ..... فابتسمت الى العروس قليلا
ثم استدارت مندفعة !!! .....
اقتحمت صبا مجلس الرجال مجددا و هي تقول بهدوء دون أن ترفع صوتها
( ما يحدث هنا جريمة ....... تلك العروس ما هي الا مجرد طفلة ..... )
عمت الصدمة المكان و عادت الشهقات و الاستنكار في الظهور بصوتٍ عالٍ ....
لكن حينها لم يتمالك عاصم نفسه وهو ينهض من مكانه بقوةٍ ليمسك بمرفقها مستديرا للرجال وهو يقول بهدوء جليدي
( اعذرونا ....... زوجتي على ما يبدو متعبة اليوم قليلا ..... )
الا أنها ضربت الارض بقدمها و هي تقول بقوة
( لست متعبة يا عاصم .... الفتاة طفلة ..... بأي حق تزوجونها الآن ؟؟ ..... و طبعا لا داعي للسؤال , عقدا شرعيا حتى تبلغ السن القانوني .... أي لا حقوق لها مطلقا .... )
رفعت يديها الى جبهتها و هي تهتف
( مجددا ؟!!! ...... مجددا يا عاصم ؟!!! ......أنسيت حنين و مأساتها ؟!!!... )

انتفضت صبا من شرودها في ذكريات تلك الليلة على صوت عاصم يقول هادئا
( لم أسمع اعتذارك جيدا .......أعيديه .... . )
نظرت اليه صبا بطرفِ عينيها ... تراه مستلقيا أمامها ككل ليلة , و رغم أنها أخذت على نفسها عهد بألا تحرمه من حقوقه ولو لمرة واحدة .... الا أنها كانت تشعر بما ينقصه و ينقصها ....
أن تفجر خصام العيون .....
ابتلعت صبا غصة بحلقها .... ثم قالت بخفوت
( لا اعتذارات مجددا الى أن تخبرني بما تم في الأمر ........ )
قال عاصم ببرود
( ليس من شأنك ................ )
استدارت بكليتها اليه و هي تقول بقوة
( بل من شأني ........أنا أعتذر كل ليلة منذ أشهر متحملة نصيبي من الخطأ , بينما أنت تكابر و تدفع طفلة صغيرة الى ما لا تقدر عليه ..... الفتاة مستواها ممتاز في التعليم و أمامها مستقبل ... فلماذا تفعل ذلك ؟ ... هل هذه هي الأمانة التي سلمها لك والدها المتوفي ؟!! ..... أليست ابنتك التي تكفلها ؟..... كيف تفعل بها هذا .... و ماذا عنا ؟!! ... ماذا لو أراد الله و رزقنا بفتاة , هل ستزوجها يوما بهذا السن و بورقة واهية اسمها عقد شرعي لا يمنحها اي حقوق كزوجة ..... أم أن ابنة عاصم رشوان ستكون اميرة متوجة ؟!! ... أي مصير ستختار لطفلتنا يا عاصم ؟؟؟ .... )
رفع عينيه الى عينيها مباشرة .... فارتجفت بشدة من هول عمق تلك العينين .... و كأن خصام العيون قد زال بلحظة واحدة ... فهمست بقلبها العاشق بعد فترة طويلة
( عاصم !! ........ )
حينها تكلم عاصم قائلا بصوتٍ أجش
( الخطبة لا تزال قائمة ...... و عقد القران ما أن تتم الثامنة عشر .... على أن تتابع تعليمها ... و مصاريف الزواج بأكمله أنا سأتكفل بها , كي لا يكون لديه حجة في موضوع السماح لها باتمام تعليمها ... )
ظنت صبا بأنها تحلم .... لم تصدق ان يتنازل عاصم بهذه السهولة .....
لا لم تكن سهولة مطلقا .... بل كانت حربا شعواء بين ارادتين صامتتين .. في سبيل انقاذ طفلة ....
لكنها و عميقا جدا بزوايا نفسها .... كانت شبه يائسة ....
حتى الان لا تصدق و لم تدري ان هناك دمعة قد انسابت من عينها المشدوهة ... حينها تحرك عاصم اخيرا وهو يرفع يده من تحت رأسه ... ليمسح بها تلك الدمعة قائلا بخفوت
( تلك العين التي خاصمتني طويلا .... لا تبكي و أنا على قيد الحياة ..... فدا دموعك حبيبك يا بنت السلطان )
شهقت صبا شهقة نحيب مرتجفة و هي ترتمي على صدره لتهمس باختناق
( أنا اسفة يا عاصم ..... أنا أسفة يا حبيبي ..... )
ضمها الى صدره بقوةٍ شديدة وهو يتنهد بارتياح بعد جفاء أشهرٍ طويلة .... ثم همس بصوته الأجش وهو يقبل شعرها
( تشكين بحبي يا بنت السلطان ؟!! .... كسرتِ عهد الثقة بيننا ؟!! ...... )
أخذت تبكي بصوتٍ عالٍ كالأطفال و هي تهتف على صدره
( أنا آسفة يا روح بنت السلطان ..... انا آسفة حبيبي ....... )
دمعت عينا عاصم رغم عنه وهو يضمها اليه بشدة .... ثم أمسك بذقنها يرفعه كي ينظر الى عينيها الحمراوين ... ثم همس بصوتٍ أجش
( عقابك أن تنظري الي دهرا بعد دهر ..... تعويضا عن عيني الحبيبة اللتين حجبتهما عني .... )
بكت من كل قلبها و هي تضحك با ختناق
( و هل هناك عقاب أجمل ؟!! .......... )
ساد بعد عبارتها صمتٍ طويل .... لم يقطعه سوى صوت لهيب أنفاسهما .... و لم يعلم أي منهما أن خارج باب غرفتهما كانت روعة واقفة تحرس المكان ... تبخره و ترقيه .....


انتهى الفصل 56 ... قراءة سعيدة


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 25-10-15, 12:03 AM   #25019

كبرياء عنيدة

نجم روايتي,وبطلة اتقابلنا فين ؟ ومصممة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية كبرياء عنيدة

? العضوٌ??? » 313643
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 1,886
?  نُقآطِيْ » كبرياء عنيدة has a reputation beyond reputeكبرياء عنيدة has a reputation beyond reputeكبرياء عنيدة has a reputation beyond reputeكبرياء عنيدة has a reputation beyond reputeكبرياء عنيدة has a reputation beyond reputeكبرياء عنيدة has a reputation beyond reputeكبرياء عنيدة has a reputation beyond reputeكبرياء عنيدة has a reputation beyond reputeكبرياء عنيدة has a reputation beyond reputeكبرياء عنيدة has a reputation beyond reputeكبرياء عنيدة has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

كبرياء عنيدة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-10-15, 12:04 AM   #25020

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

انتهى الفصلين 55, 56 يا سكاكر ....
قد يكون الفصل القادم هو الأخير ... و تليه الخاتمة ... لذا لا أوصيكم بالتعليقات
أعتقد اني أستحقها بآخر الفصول ....
قراءة سعيدة للجميع ...

أم أحلام likes this.

tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:13 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.