آخر 10 مشاركات
285 - أنين الذكريات - هيلين بروكس (الكاتـب : عنووود - )           »          تناقضاتُ عشقكَ * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : ملاك علي - )           »          جددي فيني حياتي باللقاء *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : وديمه العطا - )           »          منطقة الحب محظورة! - قلوب أحلام زائرة - للكاتبة::سارة عاصم - كاملة+روابط (الكاتـب : noor1984 - )           »          دين العذراء (158) للكاتبة : Abby Green .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          [تحميل] حصون من جليد للكاتبه المتألقه / برد المشاعر (مميزة )(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          وإني قتيلكِ ياحائرة (4) *مميزة ومكتملة *.. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          طريقة صنع البخور الملكي (الكاتـب : حبيبة حسن - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى عالمي .. خيالي > أنا أحكي

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-07-17, 08:22 AM   #1

الكاتب محمد
 
الصورة الرمزية الكاتب محمد

? العضوٌ??? » 405269
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 2
?  نُقآطِيْ » الكاتب محمد is on a distinguished road
Rewitysmile25 روايتي الأولى بعنوان الفتى الأعجوبة


بسم الله الرحمن الرحيم
إلى كل محبي روايات الأكشن والقتال والاستراتيجيات والنينجا
أقدم لكم روايتي الأولى بعنوان: الفتى الأعجوبة
أحداث هذه الرواية في اليابان وتحكي عن شاب في السادسة عشرة من عمره هو يوجي إيتو الذي يتصل نسبه بأحد كبار النينجا القدامى ولهذا فهو معرض للخطر فيلتحق بوزارة الدفاع للقبض على مجموعة مجرمين حاول زعيمهم قتله من قبل.

إن شاء الله سأحاول رفع بارت كل يومين أو ثلاثة أيام
والآن أترككم مع البارت الأول


تاريخ اليوم هو الأول من نيسان/ أبريل سنة ألفين وستة , مضت أربعة أشهر تقريبا منذ انقضاء عيد الميلاد المجيد , وتمضي الأيام ويذوب الجليد ويعتدل الجو , وترسل مدينة أوكيناوا الرسالة إلى طوكيو أن حان الوقت لتفتح أزهار الكرز إيذانا بقدوم الربيع , لا يفصل بين ربيع طوكيو وربيع أوكيناوا سوى شهر واحد , تبدأ "ساكورا" إطلالتها البهية البيضاء في الأول من آذار/ مارس في أوكيناوا بينما تطلب طوكيو إليها الانتظار شهرا حتى يعتدل المناخ تمام الاعتدال , فإذا ما انتهى ذلك الشهر أعطت طوكيو "ساكورا" تأشيرة التفتح وتلوينها بالأبيض المشرب ببعض من اللون الوردي المريح للأعين.
ما إن تشرق شمس الأول من نيسان حتى يبدأ سكان طوكيو بالترحيب بضيفتهم ساكورا بتقليد ياباني قديم يعود إلى حقبة إيدو هو حفل "الهانامي", يستيقظون صباحا وينظرون إليها من شرفات غرفهم , ها هي ساكورا تطل إطلالتها المميزة , يسرعون لارتداء اليوكاتا بكميه الواسعين وألوانه الأخاذة وشد حزام الأوبي لتثبيته وعقده من الخلف ثم يسرعون إلى التلفاز لمتابعة "المانكاي" المخصصة لمواكبة تفتح ساكورا , يعلن مذيع المانكاي بدء لحظة "كايكا" أي بدء تفتح ساكورا عند الثامنة والنصف , يسرعون لإحضار زجاجات "الساكي" التي أعدوها منذ أشهر خصيصا لهذه المناسبة ثم ينطلقون إلى حدائق "أوينو" أو حدائق "إنوكاشيرا" أو حدائق "هاماريكيو" الامبراطورية.
تلك التقاليد يقوم بها سكان الأحياء الثلاثة والعشرين في طوكيو , كذلك حي شينجوكو الذي أقطنه , يتجمع السكان عند الحديقة الرئيسية في منطقة إيتشيغايا بجوار مقر وزارة الدفاع ويجلسون في جماعات , يحتسون الساكي ويتناولون "الدانغو" الحلو المذاق كأي نوع من أنواع الزلابية ويحتسون معه الشاي الأخضر.
جرت عادة السكان أن يصطحبوا معهم ورقة وقلما وحبرا معهم إلى هناك , يلاحظون تفتح الأزهار ويكتبون ما لذ وطاب من الأشعار الرنانة , ليست لدي هذه الموهبة إطلاقا , حاولت ذات مرة أن أكتب جملة تعبر عن سعادتي بقدوم الهانامي فاعتصرت ما لدي من كلمات وكتبت:
" ساكورا.. يا من تطلين بألوانك الحبيبة..
أبعدي عنا الشياطين البغيضة".
لم تنل تلك الكلمات إعجابي , فقد كانت تفتقر إلى الإحساس بالكلمات , صحيح أني بذلت جهدا مضاعفا لأحافظ على التناغم الموسيقي بها لكني ضيعت أهم ما بها وهو الإحساس بها , وبخت نفسي مرات عدة وعزمت ألا أضع قلما في محبرة ولا أخط خطا في ورقة لكتابة شعر مرة أخرى.
على أية حال , لست في الحديقة أصلا لأكتب الشعر أو لأحتفل بالهانامي , حزبني أمر طارئ بينما كنت خارجا من المنزل نحو المنتزه , كالعادة استيقظت من نومي عند السادسة والنصف , أسرعت إلى دورة المياه ثم إلى المغسل لأغسل وجهي , عدت إلى غرفتي وارتديت قميصا أبيض وسروالا أزرق داكن اللون فوق ثيابي الداخلية التي أنام بها , جلست أمام التلفاز وانتظرت لحظة الكايكا ثم غادرت المنزل نحو المتنزه.
المنظر بديع حقا في الحديقة الرئيسية في إيتشيغايا , البياض المشرب بالورود يملؤه , رائحة شواء الدانغو تفوح في المنتزه كله , صوت حفيف الأشجار بنسائم الربيع يداعب الأذنين ويشدها نحوه , وصوت ضحكات الناس وخصوصا محتسي الساكي يتعالى أكثر فأكثر.
لا أعلم حقا لم جرت العادة بشرب الساكي في الهانامي , فهو مشروب كحولي يصنعونه من فتات الأرز ومنه الردئ والجيد , لكن نسبة الكحول فيه عالية نوعا ما وقد يسبب الثمالة في أية لحظة بيد أن الثمالة يوم الهانامي صارت أمرا شائعا جدا.
بين جموع المحتفلين فتاة في عمر الزهور في السادسة عشرة , تلبس يوكاتا أبيض اللون مع كثير من الأزهار الوردية به , حزام الأوبي الخاص بها أحمر اللون , بيدو اليوكاتا عليها أشبه بالكيمونو الامبراطوري الذي يزن وحده عشرين كيلوغراما , لا أذكر اسمه تماما , ربما كان اسمه "جونيهيتويه" شيء من هذا القبيل , لا يهم أبدا , يعود ذلك لنحافة جسدها الشديد , لكنها رغم ذلك جميلة , شعرها أزرق داكن قصير جدا , قوامها قوام الغصن الطري الذي يغدو صلبا إن تطلبت الحال , عيناها سوداواتان تتوسطهما لؤلؤة بيضاء , تناسق وجهها وجمال قسماته لا يصدق, نظرة واحدة فقط إليها كفيلة بأن يتعلق المرء بها وكأنها ملاك نزل إلى الأرض واتخذ من أجمل الفتيات هيئة له.
ترتسم على شفتيها ابتسامة عريضة , على جانبيها وجنتان بيضاوتان وفوقها أنف رفيع رقيق , توحي ابتسامتها بمقدار ما يحمله قلبها من سعادة , تشرب كأس الشاي الأخضر فتسقط قطرة منه على وجهها , تخرج منديلها الوردي القماشي وتمسحها فتتسع بسمتها , تتلفت يمينا ويسارا كأنما تنتظر شخصا ما , ولا حاجة للتشبيه فهي تبحث عن شخص ما حقا , ولأكون صادقا أظن أنها تبحث عني , لم تعلم قط بما حدث لي فأخرني , بل ظلت تنظر يمنة ويسرة وتنظر في ساعتها لتعرف الوقت , لكن لم يحدث شيء إلى حدود العاشرة صباحا.
عند التاسعة وخمس وخمسين دقيقة تحديدا سمعت صوت اهتزاز لشجيرات خضراء كانت قريبة منها , تركت الدانغو الذي بيدها وتركت كأس الشاي الأخضر , نهضت وأسرعت نحو الشجيرات لتعرف مصدر الصوت , وأعظم بهذه صدفة!
رأت أمامها شخصين أحدهما ملاحق من طرف الآخر , الأول شاب في السادسة عشرة رفيع ضعيف البنية , ليست به عضلات واضحة إلا براعم صغيرة في الذراعين , يتدلى شعره البني يمينا ويسارا , تثبته قبعة صغيرة من تلك التي يرتديها الشباب في فصل الصيف , بشرة بيضاء ووجه مستدير وعينان خضراوتان وأنف به شيء من الغلظة وفم واسع قليلا , صوته رخيم رفيع تطرب الآذان لسماعه.
ذلك الشاب هو أنا , وهذا هو الأمر الطارئ الذي أخرني عن المهرجان , يطاردني أحد أصدقائي , شاب له ما لي من العمر , ضخم الجثة إلى حد ما تبرز عضلاته كتلال في واد منخفض , شعره أسود يملأ رأسه , وجهه مسطح وأنفه غليظ وقسمات وجهه كبيرة وغير متناسقة إلى حد ما , وصوته رقيق لا يتناسب مع وجهه قليلا , يرتدي قميصا أبيض وسروالا أزرق مثلي لكنه يختلف عني في ارتدائه لسترة زرقاء , ولا عجب في تشابه ثيابنا فهي زي المدرسة التي ندرس فيها.
ظل يلحقني بأقصى ما أوتي من سرعة , لا يستطيع تقليص المسافة بيننا فأنا أتمتع بسرعة النينجا , حاول إيقافي فصاح بأعلى صوته قائلا:
ـ يوجي.. انتظر أيها الجبان الرعديد!
لم أعر كلماته أي اهتمام , ومع ذلك وقفت في مكاني والتفت إليه ثم ضحكت وقلت:
ـ نعم.. الأسطوانة نفسها التي تعمل منذ سبع سنوات.. لن تهزمني ولو أمطرت السماء ذهبا يا سيد يوساكو شينوسكي!
ارتسمت ملامح الغضب والاستسلام في آن واحد على وجهه وقال يائسا:
ـ أعترف أني أحاول هزيمتك دون جدوى منذ سبع سنوات..
وفجأة انفجرت الثقة على وجهه وصاح بأعلى صوته قائلا:
ـ لكن اليوم شيء آخر أيها المتحذلق يوجي إيتو!
وفوجئت به يقذفني بشيء ما , لا أعلم ما هو تحديدا , يبدو لي كأنه غطاء بئر أو شيء من هذا القبيل , على أية حال لم أجد وقتا لأدقق النظر به فقد قفزت عاليا لتجنبه , ارتطم بشجرة قريبة فقصمها نصفين بينما صعدت فوق شجرة مجاورة ولزمت مكاني.
رآني يوساكو لم أحرك ساكنا , ارتسمت على شفتيه ابتسامة عريضة , شعر باقتراب النصر فأخذ نفسا طويلا ثم نفخ صدره للأمام وصاح قائلا:
ـ أخيرا.. تعلمت الدرس.. حان الوقت لأنقض عليك!
اقترب رويدا رويدا نحو الشجرة , عرقه ينسل من جبينه , يحاول بلع ريقه من هول الموقف , قلبه يخفق بشدة , وقف تحت الشجرة تماما , أخذ نفسا عميقا ثم صعد إلى أعلى الشجرة , لشد ما بلغت منه الحيرة والتعجب إذ لم يجدني على الشجرة , وجد عوضا عني دمية كنت قد وضعتها للتمويه.
لم يستطع أن يخفي دهشته وإعجابه بما رأى مني , تمتم في نفسه قائلا:
ـ يجب أن أعترف بمهارتك.. ولم لا تكون كذلك وأنت نينجا؟
فجأة سمع صوتي وأنا أقول له:
ـ إذن تعترف بمهارتي يا يوساكو!
بدأ يلتفت يمينا ويسارا وهو يصيح قائلا:
ـ أين أنت يا يوجي؟!
ضحكت وقلت له:
ـ ستجدني في الأسفل!
نزل يوساكو من الشجرة , بدأ يخطو خطوات متباطئة حذرة , يلتفت يمينا ويسارا , يرجع عينه إلى الخلف مخافة أن أهاجمه من الخلف , فجأة أطلق قنبلة دخانية من تلك التي يستخدمها النينجا , يغرق المنتزه بالدخان المتصاعد , تزداد ضربات قلب يوساكو ويتمتم قائلا:
ـ من أين سيهاجمني؟ من الأمام أم الخلف؟
يريد التحرك فلا يقدر , علقت قدماه والتزمتا بمكانهما , يحاول تحريكهما فلا ينجح , يتسرب القلق إلى جوفه فيتحرك لسانه قائلا:
ـ ما هذا؟ لم لا أستطيع تحريك ساقي؟
فجأة يلمح شيئا في ساقيه , يدقق النظر فيهما فيجد يدي ممسكتين بهما , مشهد سلب لب يوساكو , يصيح بلا تصديق:
ـ أيها المحتال.. أتختبئ في الأسفل!
لكن الأوان قد فات , أقوم بسحبه من قدميه ورميه في الحفرة التي حفرتها , نتبادل الأماكن فأخرج أنا إلى الهواء الطلق ويهوي هو داخل الحفرة , لا أرى مسوغا لقلقه , الحفرة ليست عميقة , حفرتها بحيث يتكور داخلها كالكرة , سار الأمر كما خططت تماما ,
أضحك بأعلى صوتي وأنظر إلى يوساكو بازدراء وأقول له:
ـ لقد وقعت في الفخ أيها الموسوعة المتنقلة!
يعلو تعبير ساخط على وجه يوساكو , يشعر الآن وكأن كرامته جرحت , احمر وجهه خجلا من الخسارة , صاح بحنق قائلا:
ـ هذا ليس عدلا!
ضحكت ثانية وقلت:
ـ ولم لا؟ أوليس النينجا أمثالي يستخدمون الفخاخ لإمساك الأعداء؟
ازداد غليان دمه وصاح في وجهي قائلا:
ـ النينجا مرة أخرى.. أكل هذا لأنك سليل أحدهم؟
قاطعته وقلت له بصوت زاجر:
ـ لست سليل أحدهم.. بل سليل قائد عشيرة إيتو نفسه!
تظاهر بأنه لا يعيرني اهتماما وقال في تهكم:
ـ حسنا أيها النينجا المتحذلق.. أنصحك ألا تشطح بذلك كثيرا وتنفش ريشك أمام من ترى.
عدت للضحك من جديد وقلت:
ـ أمرك أيها الموسوعة المتنقلة!
أمد إليه يدي وأساعده على الخروج من الحفرة , ينفض ما علق بسترته وسروايله الأزرقين ويسألني:
ـ ما قصة الموسوعة المتنقلة التي تناديني بها؟
أعود للضحك مجددا وأقول:
ـ ألا يعجبك هذا اللقب؟ إنه أنسب لقب لوصفك!
يهز رأسه قائلا:
ـ لا أقصد أنه لا يعجبني.. لكني أعجب له.. أكل هذا لأن لدي كما وافرا من المعلومات وأقرأ الكثير من الكتب.
ترتسم ابتسامة عريضة على شفتي وأومئ قائلا:
ـ هذا ما توقعته من أذكى أصدقائي.. دائما يحتاج النينجا لأذكياء مثلك بارعين في وضع الخطط!
يحمر وجهه خجلا ويطأطئ رأسه ثم يرفعها ويقول:
ـ أرجوك.. أنت تخجلني بكلامك هذا!
أضحك وأقول:
ـ لكن على الرغم من ذكائك الشديد لا تملك الحنكة القتالية مثلي.
يومئ برأسه ويقول:
ـ أظن أنك محق.. ربما من الأفضل ألا أقاتلك ثانية!
أساله متعجبا:
ـ أتنوي عقد معاهدة سلام معي؟!
يعلو وجهه تعبير متعجب ويسألني:
ـ معاهدة سلام؟! أكنا نخوض حربا أم شيئا من هذا القبيل؟!
أضحك ثانية وأقول:
ـ هذه مزحة! وكيف أخوض حربا ضد واحد من أعز أصدقائي؟!
يبتسم يوساكو ويضحك قائلا:
ـ وكيف أخوض حربا ضد صديقي اللدود يوجي؟!
يزداد ضحكي وأقول:
ـ صديقك اللدود؟!
يرد يوساكو بضحكة أعلى صوتا:
ـ وهذه مزحة ثانية!
ونغرق في القهقهة دقائق , نهدأ ونلتقط أنفاسنا ثم أقول:
ـ ما رأيك الآن أن نعود إلى المهرجان؟
يرد يوساكو بابتسامة عريضة:
ـ هيا بنا!
نولى وجهينا شطر المنتزه , قبل أن نبدأ الحراك ينطلق صوت غريب , أظن أنه صوت فتاة , أعير الصوت أذني فأتحقق أنه صوت فتاة تناديني , يلتفت إلي يوساكو ويقول:
ـ لا شك أنها أكاني!
أدقق أكثر في الصوت ثم أقول:
ـ أجل.. إنه صوت أكاني!
يربت يوساكو على كتفي ويقول:
ـ لا شك أنها تنتظرك.. أنا أعرف أكاني يوشيكاوا جيدا!
أبتسم وأقول:
ـ لن تعرفها أكثر مني!
قبل أن نهم بالتحرك تظهر أكاني تجر ثوبها جرا , إنه كما قلت , أشبه بالكيمونو الامبراطوري الذي يجره مرتديه جرا , تلهث بشدة وتمسح العرق عن جبينها وتقول بين شهقاتها:
ـ يوجي.. أين كنت؟ لقد كنت أنتظرك!
أبتسم وأقول:
ـ اسألي يوساكو فهو أكثر من يعرف سبب تأخري!
يغمزني يوساكو قائلا بلهجة بها قليل من الشدة:
ـ أستحملني تبعة تأخرك؟! لو كنت تريد الهرب لفعلت ذلك بسهولة!
أبتسم وأقول:
ـ ذكي كما أعرفك يا صاح! لقد تعمدت الإطالة في المطاردة لأنها ممتعة!
تنظر إلي أكاني بتهكم وتقول:
ـ ألن تخرج هذه الأفكار الصبيانية من رأسك؟!
أهز رأسي ضاحكا وأقول:
ـ لقد أخطأت التعبير يا عزيزتي! هذه لم تكن ولا ينبغي أن تكون ألعابا صبيانية!
تضحك أكاني ضحكتها البريئة وتقول:
ـ هذه نظرتك أنت أيها النينجا! أما أنا فتاة مسالمة ترى أنها ألعاب صبيانية!
أقول متظاهرا بالتجهم:
ـ لا بأس! أنت حرة في وجهة نظرك!
تتابع ضحكتها وتقول لي بين طياتها:
ـ يكفينا مضيعة للوقت.. لقد نسينا ما أتينا من أجله أصلا!
أضع يدي على رأسي وأقول بلهفة:
ـ صحيح.. الهانامي!
ألتفت إلى يوساكو وأقول:
ـ هيا بنا يا يوساكو!
يهز رأسه قائلا:
ـ آسف.. نسيت إحضار شيء ما من المنزل.. اسبقاني إلى هناك.
أنظر إليه بتجهم وأتنهد قائلا:
ـ لك ما تريد!
في طريقه يتمتم قائلا:
ـ عليك أن تشكرني.. لقد هيأت لكما لقاء مميزا في الهانامي.
أنطلق أنا وأكاني نحو المنتزه , إنه كما تركناه , حفيف أشجار ساكورا يغازل الآذان , يمتلأ المنتزه بالشوايات لشواء الدانغو , بجانب الشوايات توجد ألوان طعام وردية وخضراء لتلوين الدانغو, لا أعلم مم يصنعون ألوان الطعام تلك , لكني أرجح أن اللون الوردي يصنعونه من كريمة الفراولة واللون الأخضر يصنعونه من كريمة النعناع.
على أية حال , نجلس أنا وأكاني تحت شجرة صغيرة , تخرج أكاني من حقيبتها كأسا للشاي الأخضر , تعده وتسكبه في الكأس ثم تقدمه لي باسمة , تذهب إلى كشك صغير يعد الدانغو وتطلب عشرين قطعة , تحضرهم وتعطيني عشرة منهم وتقول باسمة:
ـ أعلم أنك تحب الدانغو.. تفضل يا يوجي.
في الحقيقة هي لم تكذب , الدانغو زلابية من دقيق الأرز , وأنا أحب معظم ما يدخل الأرز في إعداده , وفي مناسبة كالهانامي إن طلب إلي أحدهم أن أسميه لأسميته عيد الأرز , وإن سألني أحدهم عن أكثر يوم آكل فيه على مدار العام لأجبته بأنه يوم الهانامي.
النسيم عليل كما يليق بالهانامي , تسقط ورقة من الشجرة التي نجلس تحتها على أنف أكاني , تأخذها وتنظر إليها باسمة ثم ترميها على وجهي , تضحك قائلة:
ـ تبدو كمن نبت له شارب أبيض!
أسرع بإبعاد الورقة عن وجهي وأقول بتذمر:
ـ أجعلت مني عجوزا وأنا لا أزال أمرد في الثانوية؟!
تتعالى ضحكتها وتقول:
ـ لا تغضب.. لقد كنت أمزح!
أرد بتذمر:
ـ مزحة سمجة!
ترد بين ضحكاتها:
ـ آسفة يا يوجي.
أتظاهر بأني لا أعيرها اهتماما وأقول بلامبالاة:
ـ قبلت اعتذارك.
تتابع ضحكها ذا النغمة الموسيقية المميزة.
أكاني حقا فتاة لطيفة , أقسم أني لم أر في حياتي من هو ألطف منها , ولا إخال أني سأرى من هو ألطف منها , أكثر ما تحبه هو أن تمازحني بغض النظر عن تقبلي له , وفي الغالب أتقبله دون أن أنطق بكلمة كي لا أجرح مشاعرها , هي فتاة حساسة تبكي بسرعة , لكنها رغم ذلك فتاة عنيفة لا تتردد في استخدام قوتها إن تطلب الأمر , بسمتها فقط كفيلة بأن توقع المرء في حبها , وتعبيرات وجهها الغاضبة فقط كفيلة بأن توقع المرء في هلع منها, أنا أخاف من غضبها أحيانا , عندما تغضب تتحول إلى فتاة مرعبة لا تنظر أمامها , ولذا أتحاشى أن أغضبها.
تمد إلي يديها وتقول:
ـ يوجي.. أريد أن أعرف منك شيئا.
تنتابني دهشة صغيرة وأرد باهتمام:
ـ سلي ما شئت.
يحمر وجهها خجلا وتحرك سبابتيها معا وتقول لي بصوت خافت:
ـ لو أن شخصا تقدم لخطبتي فمن تفضل أن يكون؟
ينعقد لساني فلا أستطيع أن أرد , سؤالها مفاجئ وغريب , لا أرى له أي مناسبة , الحقيقة أن لا جواب لدي له , بل الحقيقة أني أحاول كتمان إجابته.
أنظر إليها وأقول بثقة مفاجئة:
ـ لا أعلم.
تتراجع أكاني وتقول بصوت خافت:
ـ هكذا إذن.. شكرا لك.
لا أعلم ما الذي كان يدور في دماغها , لم تذكرت ذاك الموضوع فجأة , أترى لأنها صارت في الثانوية فهي في حاجة إلى خطيب؟ أم أنها تحب شخصا معينا ولذلك تحاول أخذ رأيي في الأمر؟ أفضل ألا أسألها عن السبب لئلا أجرح شعورها , لكن الفضول يقتلني ومع ذلك أفضل الصبر , فالصبر مفتاح الفرج كما يقولون.
فجأة تمد أكاني إلي يديها ثانية , ما الأمر هذه المرة؟ أتود سؤالي عن شيء آخر؟ قلبي يدق قلقا , هذه المرة تهديني زهرة سقطت من الشجرة وتقول:
ـ خذ.. إنها زهرة ساكورا.
أحدق بالزهرة ثم بوجه أكاني , ترتسم ابتسامة عريضة على شفتيها , تسألني ببسمة:
ـ أنت تحب الساكورا.. صحيح؟
أرد عليها بتردد:
ـ أجل.
آخذ نفسا عميقا وأخرج من جيبي صورة كنت أحتفظ بها , أمد يدي إلى أكاني وأقول لها:
ـ ألا تذكرك هذه الصورة بشيء ما؟
تنظر إلى الصورة وتحدق بها باهتمام ثم تقول:
ـ نعم.. هذه الصورة التقطت عندما خرجنا نحن الاثنان في رحلة مدرسية.
تظهرنا الصورة واقفين تحت شجرة من أشجار الساكورا في كيوتو, لا يمكن أن أنسى تلك الصورة , التقطت في أيامي الأولى مع أكاني , تحدق أكاني بالصورة وتسألني:
ـ كم مضى على التقاطها؟
أضع يدي على رأسي وأحاول التذكر ثم أقول:
ـ إن لم تخني الذاكرة.. فقد القطت هذه الصورة منذ سبع سنوات.
تلتقط أكاني الصورة وتبتسم قائلة:
ـ نعم.. كنا في المرحلة الابتدائية.. في الصف الثالث.. كنت حينها طالبا جديدا في مدرستنا وهذه رحلتك الأولى.
أحدق بالسماء وأقول:
ـ معك حق.. أعيش في منزل والدك منذ سبع سنوات.. ولا أستطيع إلا أن أقول أنها أجمل سني عمري.
تومئ أكاني وتقول:
ـ أجل.. أتيت بعد أن قتل والدك في حادثة اختطاف.
أومئ موافقا وأقول:
ـ وهذا بعد أن توفيت أمي بنحو ثماني سنوات.
تسألني أكاني بصوت خافت به شيء من الحزن:
ـ أليس صعبا أن تفقد أمك قبل أن تكمل السنة الأولى من عمرك؟
أهز رأسي قائلا:
ـ كان صعبا في البداية.. لكني اعتدت الأمر.
آخذ نفسا عميقا وأتابع كلامي قائلا:
ـ كلنا هكذا.. يصعب علينا فراق الأحبة.. وما نلبث أن نعتاد غيابهم وننسى.
تردد أكاني كلمة ننسى بحزن.
أقاطع ترديداتها قائلا:
ـ لكني محظوظ.. محظوظ لأني التقيت عائلة مثل عائلتك.. لقد خففت عني ما كتب علي أن أعانيه طوال عمري.
تسألني باهتمام:
ـ أتقصد دم النينجا الذي يسري في عروقك؟
أرد بحنق:
ـ وماذا يكون غيره؟! بسبب هذا الدم البغيض كتب علي أن أعيش محروما من أمي وأبي!
آخذ نفسا عميقا وأتابع كلامي قائلا:
ـ لكني مع ذلك أحب النينجا.. ولن يتغير حبي لهم أبدا.
تبدو أكاني مرتاحة مما سمعت مني , تحدق بي بابتسامة وتقول:
ـ وماذا يكون يوجي إيتو إن كره النينجا؟!
أضحك وأقول:
ـ معك حق.. لا يستطيع يوجي إيتو أن يعيش دون النينجا.. والفضل يعود لأبي.. النينجا العظيم تسوجي إيتو!
تضحك أكاني وتقول:
ـ نينجا عظيم؟! أنت تردد الكلام نفسه الذي يردده أبي!
أتابع ضحكي قائلا:
ـ لا بأس بذلك.. ومن سيمدح أبي إن لم يمدحه رفيق الدرب وصديق الطفولة.. والدك السيد هيروشي يوشيكاوا؟!
تضحك أكاني ثانية وتقول:
ـ أنت محق تماما!
أحدق بالسماء , عصافير بطني تزقزق , أتساءل بشدة , ماذا ستعد الخالة يوكو اليوم؟ هل ستعد السوكياكي؟ أم ستعد الأودون؟ تروح هذه الأسئلة وتجيء في رأسي , ألتفت إلى أكاني وأقول لها:
ـ ما رأيك أن نعود إلى المنزل الآن.. فأنا أشعر بجوع شديد.
تضحك وتقول بسخرية:
ـ بعد كل الدانغو الذي أكلته؟! إن معدتك حقا لمعدة ضخمة جدا!
أضحك وأقول:
ـ الذنب ليس ذنبي.. إنه ذنب معدتي.
تنظر أكاني إلى ساعتها وتقول:
ـ الساعة الآن هي الثانية عشرة.. لا مشكلة في العودة.
أنهض وأمد يدي إليها قائلا:
ـ يفضل أن نسرع.
تمسك أكاني بيدي وتنهض , نجمع بقايا جلسة التأمل تلك ونعود أدراجنا إلى المنزل , ليس المنزل ببعيد عن المنتزه , مسيرة ربع ساعة لا أكثر , الطريق ممهدة , منزلنا يقع في منطقة شبه هادئة بعيدا عن ضجيج وسط المدينة , توجد منازل متجاورة في الشارع الرابع والعشرين الذي يبدأ بمنتزه إيتشيغايا وينتهي بمحل لتصفيف الشعر.
نسير أنا وأكاني في خطوات متهادية , أشعة الشمس غير شديدة , الجو لطيف كما ينبغي أن يكون , ترتسم الابتسامة على شفتينا , كل منا يحدث نفسه عما قد نتناول على الغداء , نسير ونسير حتى نصل إلى باب المنزل.

بهذا ينتهي الفصل الأول من الرواية
أرجو أن ينال إعجابكم




الكاتب محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-07-17, 12:44 PM   #2

ebti

مشرفة منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية ebti

? العضوٌ??? » 262524
?  التسِجيلٌ » Sep 2012
? مشَارَ?اتْي » 14,201
?  نُقآطِيْ » ebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء المسك والعنبر... اخي الفاضل روايتك ليس مكانها منتدى قصص من وحي الأعضاء وسيتم نقل روايتك الى منتدى عالمي.. خيالي...

ebti غير متواجد حالياً  
التوقيع
إن كرماء الأصل كالغصن المثمر كلما حمل ثماراً تواضع وانحنى"
هكذا عرفتك عزيزتي um soso و هكذا تبقين في قلبي شكراً جزيلاً لك على الصورة الرمزية...

رد مع اقتباس
قديم 28-07-17, 07:27 AM   #3

الكاتب محمد
 
الصورة الرمزية الكاتب محمد

? العضوٌ??? » 405269
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 2
?  نُقآطِيْ » الكاتب محمد is on a distinguished road
Post

البارت الثاني
أرجو أن ينال إعجابكم
المنزل كما اعتدت أن أراه منذ سبع سنوات , واحد من نحو عشرة منازل متتالية , ترتيبه الثاني في الشارع إن توجهت إليه من ناحية المنتزه , يبدو في مرحلة متوسطة بين المنازل الشعبية القديمة والمنازل الفخمة الحديثة , ارتفاعه متوسط وسطحه مثلث كالمنازل التي تجاوره مبلط بقراميد كبيرة الحجم , لونه من الخارج أصفر به بعض الخطوط الحمراء عند الباب والشرفة والنوافذ , بابه متوسط الحجم بجواره حديقة صغيرة لتزيينه.
كباقي منازل الشارع يتكون من طابقين , أدخل إليه برفقة أكاني , درج الطابق الثاني أمام الباب مباشرة , الطابق السفلي يحوي غرفة معيشة كبيرة الحجم بها أريكة كبرى موضوع أمامها مكتب فيه التلفاز , بها شجيرات اشتراها العم هيروشي لتزيينها أيضا , بها أيضا ستائر حمراء اللون وسجادة خضراء صغيرة في نهايتها توجد شرفة كبيرة , بها غرفة صغيرة أخرى نجتمع فيها لتناول الطعام , بها طاولة منخفضة وكبيرة تسعنا جميعا , بعد غرفة المعيشة يوجد هناك المطبخ , مطبخ صغير لكنه مزود بكل ما يلزم , بعد المطبخ يوجد الحمام , مبلط بالرخام الفاخر الأزرق اللون ويسع شخصا واحدا فقط.
بجوار الحمام يوجد درج الطابق الثاني , الطابق الثاني بسيط إذا ما قورن بالطابق السفلي , ممر ضيق نوعا ما , به أربع غرف متجاورات لهن التصميم نفسه , الأرضية من البلاط الأصفر هذه المرة , على باب غرفتين من الأربعة وضعت قطعة فلين صغيرة محفور عليها اسم صاحبتها اتخذت شكل الإوز الصغير ذي المنقار الكبير , في كل غرفة سرير يسع ربع الغرفة تقريبا , كل الأسرة مفروشة بملاءة بيضاء عليها بطانية زرقاء , كلنا نحب اللون الأزرق , بجوار كل سرير مكتب صغير أمامه نافذة كبيرة قليلا يضع كل منا فيه ما أحب من الكتب , أكاني تضع به كتبها الدراسية, أضع به كتب التاريخ والمخطوطات المتعلقة بالنينجا , علاوة على أني أضع ملصقات نينجا في غرفتي , في نهاية الممر درج صغير يؤدي إلى سطح المنزل , أحيانا أضطر للنوم في السطح حين لا أشعر بالارتياح في غرفتي بسبب ضجيج أو ما شابه ذلك.
الآن أنا وأكاني في غرفة الجلوس جالسين على الأريكة , تتناول أكاني الريموت كونترول وتفتح التلفاز بحثا عن أي برنامج , تظل تتجول بين القنوات حتى تصل إلى برنامج مسابقات ذكاء , تبتسم وتضع الريموت كونترول على الطاولة بجانب الأريكة ثم تسند ظهرها إلى الأريكة مبتسمة وتقول:
ـ أخيرا عثرت على برنامج يروي العطش!
أستلقي أنا على الأرض المفروشة بالسجادة الخضراء , أتثاءب وأغمض عيني محاولا النوم , ينطلق صوت أقدام متوجهة نحو غرفة المعيشة , سرعان ما يتبين أنه العم هيروشي , يطل علينا بطوله الفارع وجسده الضخم وبشرته الطينية وشاربه الأسود الطويل الموجود بين أنف غليظ وشفتين غليظتين غير بارزتين وعينيه الكبيرتين التي بهما شيء من الاحمرار وشعره الأسود الكثيف شديد السواد , يرتدي قميصا أبيض وربطة عنق حمراء وسروالا أسود , يلقي نظرة على غرفة الجلوس فيجد أكاني مندمجة تمام الاندماج مع برنامج المسابقات على التلفاز , تعلو وجهه ابتسامة عريضة , يتنحنح ثم يحيي أكاني بصوته الأجش:
ـ مساء الخير يا أكاني.
تلتفت أكاني فتجده وافقا أمامها فترد عليه التحية باسمة:
ـ مساء الخير يا أبي.
يقلب نظره في الغرفة كلها ويسأل قائلا:
ـ أين يوجي؟
تشير أكاني وراءها وتقول:
ـ نائم في الشرفة.
ينطلق نحو الشرفة باحثا عني , أغط أنا في نوم عميق ولا أدرك أنه يقترب مني , يخطو الخطوة على إثر الأخرى نحو الشرفة , يقترب أكثر فأكثر , فجأة يدوسني بقدمه على بطني , أنتفض وأصيح بأعلى صوتي قائلا:
ـ يا أمي! ماذا حدث؟!
ينظر العم هيروشي أسفل منه فيجد نفسه قد داسني بقدمه , يضحك قائلا:
ـ مساء الخير يا يوجي.
أنظر إليه متكلفا الابتسامة من شدة ما لحق بي من ألم , وزن عمي نحو مائة كيلوغرام اكتسبها خلال أعوامه الخمس والأربعين وخطوته عميقة يضع ثقله كله بها , أحاول التكلم وأقول بصوت متهدج:
ـ مساء الخير يا عم.
يمد يده نحوي ويقيم صلبي قائلا في ابتسامة:
ـ أما وجدت مكانا أفضل للنوم غير الأرض يا يوجي؟
أرد ضاحكا:
ـ أنا آسف.
يضحك ويضع يده على رأسي قائلا:
ـ لا تأسف.. الخطأ خطئي لأني لم أنتبه.. ثم إن البيت بيتك ولست غريبا عنه.
يحمر وجهي خجلا وأرد بصوت خجول:
ـ أكرر اعتذاري.
في تلك الأثناء تدخل علينا غرفة الجلوس شقيقة أكاني الكبرى , تكبرها بعام واحد غذ أنها في السابعة عشرة , نحيفة مثل أكاني , قوامها هين لين , وجهها صغير وقسماته دقيقة, عينان صغيرتان بنيتان وأنف رفيع جدا وشفتان صغيرتان , يكسو رأسها شعر بني قصير لامع أطول قليلا من شعر أكاني , ترتدي يوكاتا أخضر اللون وأوبي سماوي اللون , تدخل وتحيينا بابتسامة:
ـ مساء الخير.
يرد عليها العم هيروشي بابتسامة:
ـ مساء الخير يا شيزو.
يلتقط أنفها رائحة الطعام القادمة من المطبخ فتقول:
ـ هذه الرائحة.. أتعدون الأودون؟
تدخل الخالة يوكو من خلف شيزو فجأة وتقول باسمة:
ـ أجل.. ألديك مانع يا شيزو؟
ترد شيزو بابتسامة عريضة:
ـ لا أبدا يا أمي.. فأنا أحب الأودون.
يزداد اتساع بسمة الخالة يوكو وتقول:
ـ لا بأس.. سيكون الغداء جاهزا في غضون خمس دقائق.
لا أعرف حقا كيف أصف الخالة يوكو , لا أبالغ إن قلت أنها أمي التي لم تلدني , الوجه وجه أمي والحنان حنان أمي والعطف عطف أمي , وجه مستدير وبشرة بيضاء مع قليل من النمش البني عليه, عينان خضراوتان وشعر بني طويل مربوط إلى الخلف , ترتدي يوكاتا أبيض اللون وأوبي أحمر اللون , قسمات وجهها تكاد تضيء من شدة لمعانها والابتسامة لا تفارق شفتيها الرفيعتين , صوتها رخيم رقيق لا يرتفع وقد لا يسمع أيضا.
تطلق الخالة يوكو إشارة الاستعداد لتناول الغداء , تصعد أكاني إلى غرفتها وتبدل ملابسها وترتدي تنورة بيضاء فوقها سترة حمراء اللون , بينما تغير شيزو ملابسها وترتدي سترة خضراء وسروالا أصفر اللون , بينما تبقى الخالة مرتدية اليوكاتا , لا تخلعه إلا للذهاب إلى عملها حيث ترتدي بدلا منه سترة زرقاء وقميصا أبيض وربطة عنق حمراء وتنورة زرقاء طويلة , والعم هيروشي يكتفي بخلع قميصه الأبيض وارتداء قميص أحمر اللون.
تمضي الدقائق الخمس وينادي الأودون علينا لنتناوله , رائحة تيمبورا القريدس تملأ المنزل كله , نتوجه جميعا إلى الغرفة الصغيرة الخاصة بالطعام , نتجمع حول الطاولة ويجلس كل منا متربعا , تحضر الخالة يوكو الأودون وتعطي كلا منا طبقا , نكسر عيدان الطعام ونبدأ بالأكل.
إن الأودون من أجمل الوجبات اليابانية , كثيرا ما تقدم في طوكيو وفي حي شينجوكو , الشعيرية طرية تذوب في الفم بسلاسة ويسر, صلصة الصويا ترسل اللسان في متعة التذوق , تيمبورا القريدس المقلي مقرمشة كأنها رقائق البطاطا , لحم البقر طازج لا مثيل له , متعة لا تعدلها متعة في تناول الأودون , حبه مشترك فيما بيننا , أكثر من تحبه شيزو , كلما خرجت توقفت عند مطعم صغير بجانب المنزل وطلبت طبق أودون.
ننهي طعامنا ونتشارك في تنظيف المائدة , يمضي كل منا إلى غرفته ليمارس عاداته اليومية , أصعد الدرجات وأدخل غرفتي , أخلع قبعتي وأضعها على المكتب , أخرج سلسلة مانغا كنت أقرؤها لأكملها , إنها مانغا جميلة حقا , تتحدث عن النينجا وأساليب حياتهم وقتالهم , أبدأ قراءتها من حيث توقفت عند الصفحة السادسة عشرة , أتأمل الرسوم نفسها في أثناء القراءة , أتحسر لأني لا أملك موهبة الرسم , لو أني أملكها لعملت في رسم المانغا ولا سيما تلك التي تتحدث عن النينجا كالتي أقرؤها , أستمر بالقراءة حتى أصل إلى الصفحة الرابعة والثلاثين , أتوقف عن القراءة وأستلقي على السرير , أنظر إلى التقويم , اليوم الاثنين الأول من نيسان سنة ألفين وستة , أعود للاستلقاء على ظهري من جديد , لا أعرف ما أفعل , أتناول هاتفي المحمول وألعب الشوجي عليه , تدربت كثيرا حتى أتقنت لعب الشوجي وصار من النادر أن أخسر , ألعب وألعب حتى تحين الساعة الخامسة , أسمع صوت الخالة تنادي علي فأترك اللعب وأنزل لألبي نداءها.
أنزل الدرجات وأصل إلى المطبخ , أنظر إلى الخالة يوكو بنوع من اللهفة والانتظار , تقول لي بلطف:
ـ هلا تكرمت بشراء بعض الحاجيات لي؟
أرد بلا تردد:
ـ بالطبع يا خالة!
تبتسم ابتسامتها الحنونة ولي:
ـ شكرا لك يا يوجي.
يحمر وجهي خجلا وأقول بصوت خافت:
ـ لا شكر على واجب.
تعطيني خالتي قائمة بالمشتريات المطلوبة , أعود إلى غرفتي وأمشط شعري وأرتدي قبعتي الصفراء , أخرج من غرفتي فأصادف بخروج أكاني من غرفتها في الوقت نفسه , تسألني قائلة:
ـ أذاهب لمكان ما؟
أعيد قبعتي إلى وضعها الصحيح وأجيب:
ـ نعم.. ذاهب لشراء بعض الحاجيات.
تبتسم وتسألني:
ـ ما رأيك أن أرافقك؟
أفكر قليلا ثم أطرقع أصابعي بحفاوة قائلا:
ـ بالتأكيد.. لدي مفاجأة لك.
تضحك أكاني بصوت خافت وتقول:
ـ وما تلك المفاجأة؟
أرمقها بنظرات بها شيء من الخبث قائلا:
ـ لا.. هذا ليس الوقت ولا المكان المناسب لها.
ترد بابتسامة:
ـ حسنا.. انتظرني هنا خمس دقائق ريثما أغير ملابسي.
أعود إلى غرفتي وأفتح درج المكتب , الدرج مليء بأدوات النينجا كالحراب والنجوم وغيرها , آخذ منه علبة بها عشرون قنبلة دخانية وأضعها في جيب سروالي الأزرق , تخرج أكاني من غرفتها وتنادي علي , أخرج إلى الممر لأذهب معها , منظرها غاية في الروعة والجمال , ترتدي سترة بنفسجية اللون لا أكمام لها وتنورة بيضاء طويلة أيضا , لا أفهم سر حبها للتنورات البيضاء بالذات , ترتدي في معصمها ساعة ذراعاها من جلد الثعبان , اشتريتها لها عندما ذهبنا في رحلة سابقة إلى محافظة سايتاما.
ننزل الدرجات ونقف أمام الباب , أرتدي أنا حذائي الرياضي الأبيض بينما ترتدي أكاني حذائها الأسود , نفتح الباب وننطلق إلى السوق , ليس السوق ببعيد كثيرا عن المنزل , فقط مسيرة نحو ثلاثين دقيقة , أخرج قائمة المشتريات من جيبي وأقرؤها , كيلوغرام من المعكرونة ونصف كيلوغرام من لحم الأخطبوط وزجاجة من الكاتشب , لا شك أنها ستعد لنا السوكياكي , تبدو ملامح الارتياح على وجهي , ألتفت إلى أكاني وأقول بابتسامة:
ـ افرحي.. ستعد لنا الخالة وجبتك المفضلة على العشاء!
تسألني بحفاوة:
ـ هل ستعد السوكياكي؟!
أومئ برأسي مبتسما وكأني أقول لها "نعم" , ترتسم ابتسامة نضرة على وجهها , تنظر إلي وتبتسم في وجهي قائلة:
ـ لك مني جزيل الشكر!
ينتابني ما يشبه التعجب , أسالها مندهشا:
ـ وعلام الشكر؟
تزداد ابتسامتها اتساعا وتقول:
ـ لا يهم السبب.. المهم أني أشكرك وحسب.
أنظر إليها متعجبا ثم أحاول التظاهر بالضحك , تضحك أكاني لضحكي , يبدو أنها لم تنتبه أني أتصنع الضحك , على أية حال لا يهم , أنظر إلى بسمة أكاني فتجول في خاطري ذكريات قديمة لم تمح من ذاكرتي يوما.
أكاني هي أول من التقيته من أفراد أسرة يوشيكاوا , التقيتها لأول مرة بمحض الصدفة في الغابات التي تفصل طوكيو عن ضواحي مدينة يوشيدا الواقعة عند جبل فوجي , عندما كنت في الخامسة من عمري طلبت إلى أبي أن يأخذني لمشاهدة جبل فوجي بعين الواقع , أجابني لطلبي وأسرع وركب قطارا من يوكوهاما إلى طوكيو , كانت تلك الرحلة في شهر كانون الثاني ولذا كان الثلج زيد جبل فوجي بياضا إلى بياضه , لم تكن هناك أوراق , الأشجار مكشوفة وملأى بالجليد , كان الجو هادئا مناسبا لنصب خيمة وإشعال حطب , استأذنت والدي أن أتمشى قليلا , كانت معي بوصلة فلم أضل الطريق , كنت أتأمل الأشجار الخالية من أوراقها والجليد يكسوها بكساء لامع ناصع البياض , فوجئت بسماع صوت بكاء فتاة , أسرعت متتبعا الصوت فوجدت أكاني تبكي بحرقة , اقتربت منها وسألتها بلطف:
ـ ماذا يبكيك؟
أخذت تشهق شهيقا مرا بالبكاء قالت خلاله:
ـ لقد تهت عن أبي ولا أعرف إلى أين أسير!
سألتها قائلا:
ـ وأين كان أبوك يا صغيرة؟
ردت علي بحزن:
ـ كان في الفندق.
سمعت صوت صياح دب قادم نحونا , أمسكتها من يدها وقلت لها:
ـ على أية حال.. علينا أن نبتعد من هنا فالمكان غير آمن.
حملتها على ظهري وتوغلت بها في الغابة , كان صوت الدب يقترب أكثر فأكثر منا , فكرت في العودة إلى خيمة أبي , سلكت الطريق المؤدية إلى هناك بالبوصلة , سمعت صوت صيادين يطلقون النار من ناحية خيمة أبي , عدلت عن الذهاب إلى هناك ووقفت في مكاني لا أعلم من أين أتجه , ظهر أمامنا دب أسود عملاق فجأة واقترب منا , كنت أظن أنه سيهاجمنا , هممت بالفرار ولكن أكاني بدأت تضحك , فهمت من ذلك أنها سعدت برؤية الدب, اقترب الدب وانحنى نحونا , بدا وكأنه اطمأن لنا , خفض قائمته فبدأت أكاني تمسحها ضاحكة , سعدت بما رأيت ومسحت قليلا على قائمة الدب , إنه دب لطيف حقا , فجأة سمعت صوت عيار ناري أطلقه قائد مجموعة صيادين , حاولت الهرب ولكن الصيادين سدوا علي الطريق , صرت أمام ثلاثة نيران الآن , الدب والصيادون وحماية أكاني , صوب أحد الصيادين بندقيته نحوي وصاح بأعلى صوته:
ـ أنت! خذ هذه الفتاة وابتعدا من هنا فهذا المكان رقعة صيد وليست منتزها للأطفال!
أطلق النار على الدب خلفي , لم يصب الدب بأذى , فقط كانت رصاصة لإخافتي , لم أحرك ساكنا بل صحت قائلا:
ـ لماذا تطلق النار على الدب؟
صاح ردا علي:
ـ ابتعد.. هذا الدب متوحش!
صحت قائلا:
ـ هذا لأنك تصوب البندقية نحوه.
بدأ يقهقه بصوت عال وقال:
ـ يا لها من مزحة!
صوب بندقيته نحو الدب مرة ثانية , يده على الزناد والدب خلفي , إن أطلق النار فسيصيب ثلاثتنا , فكرت طويلا فيما علي من أفعل , خطر لي أن أبعد أكاني والدب عن الصياد , وضعت أكاني على ظهر الدب وغمزته , بدا أن الدب فهم الإشارة , ابتعد الدب عن مرمى نيران الصيادين بسرعة , حاول الصيادون اللحاق به , لم أدعهم يفعلون ذلك , بدأت برمي كرات الثلج نحوهم حتى تشتت انتباههم , وجدت الفرصة سانحة للهرب فلم أتردد.
اختفيت من أمام الصيادين , أزالوا الثلج الذي رميتهم به وظلوا يهيمون في الغابة بحثا عني وعن الدب , تتبعت آثار الدب , إنها تشير إلى كهف صغير , دخلت الكهف فوجدت أكاني تلعب مع الدب, صدقت توقعاتي إذ أن الدب كان متوحشا لأنه رأى الصياد مصوبا البندقية نحوه , على أية حال , ظلت أكاني تلعب مع الدب حتى أنهكها التعب فاستلقت على الأرض , اقترب الدب منها وأخذ يلعق وجهها , تضحك بشدة من شدة استمتاعها , أنظر إليها مبتسما , قالت لي بابتسامة:
ـ لم لا تنضم إلي في اللعب مع الدب أيها الفتى؟
هززت رأسي وقلت:
ـ آسف.. فأنا متعب قليلا.
نهضت وقالت:
ـ لم أعرف اسمك حتى الآن أيها الفتى.
ابتسمت وقلت:
ـ يوجي.. اسمي هو يوجي إيتو.
بدأت تردد الاسم وكأنها تحاول تذوقه في لسانها , قالت لي:
ـ اسمك جميل وذو نغمة موسيقية جميلة.
احمر وجهي خجلا وأخذت أردد كلماتها في خجل , ضحكت من ردة فعلي وقالت:
ـ اسمي هو أكاني يوشيكاوا.
أخذت أيضا أردد الاسم مثلها , بدأت أحك رأسي قائلا:
ـ اسمك جميل يا أكاني.
ضحكت وردت:
ـ شكرا لك.. وشكرا لأنك أنقذت الدب وأنقذتني معه.
احمر وجهي ثانية وقلت بصوت خافت:
ـ لا شكر على واجب يا أكاني.
نظرت إلى الدب فإذا به قد غط في النوم , همست إلى أكاني أن نذهب ونتركه نائما , أجابتني لطلبي فخرجنا معا من الكهف , أوينا إلى ربوة بجوار الكهف وجلسنا نتحدث , بدأت الحديث سائلة إياي:
ـ هل أنت من سكان مدينة يوشيدا؟
هززت رأسي بالنفي وقلت:
ـ أنا أسكن في يوكوهاما وأتيت إلى هنا للتنزه.
التفت إليها وسألتها:
ـ وماذا عنك؟
هزت رأسها بالنفي أيضا وقالت:
ـ أنا أسكن في حي شينجوكو.
بدأت أردد كلمة شينجوكو وأقلبها في رأسي , ثم ضحكت بصوت خافت وقلت:
ـ إذن انتبهي فعصابة الياكوزا تتوطن شينجوكو.
ضحكت وقالت:
ـ لا داعي للقلق.. أبي يعمل في وزارة الدفاع ولذا سيلقي القبض عليهم.
أومأت برأسي طويلا وقلت:
ـ إنك حقا فتاة شجاعة ولطيفة.
ردت بابتسامة:
ـ وأنت فتى شجاع أيضا.
بدأنا في الضحك طويلا , أثناء ضحكي مددت يدي إلى جيبي وأعطيتها ميدالية صغيرة يتدلى منها دب صغير, قلت لها بابتسامة:
ـ هذا تذكار مني.. فقد نلتقي ثانية.
أومأت برأسها وقالت:
ـ أتمنى أن ألتقيك ثانية يا يوجي.
قمت من فوق الربوة وهممت بالذهاب , التفت إليها وقلت:
ـ سأعود الآن إلى أبي في الخيمة.. فقد جاء أبوك إلى هنا.
التفتت إلى الخلف فرأت العم هيروشي قادما , لم أكن أعرفه حينذاك , سألتها قائلا:
ـ أليس هذا أباك يا أكاني؟
أومات برأسها ثانية وقالت مبتسمة:
ـ أجل.. إنه هو.
راقني منظر العم هيروشي فظللت أحدق به طويلا , قطعت أكاني تحديقي وقالت:
ـ شكرا لك على إنقاذي يا يوجي.. أتمنى أن نلتقي ثانية.
أومأت برأسي وقلت:
ـ لا شكر على واجب.. وداعا.
ركضت أكاني نحو العم هيروشي , حملها فصاحت بأعلى صوتها:
ـ يوجي.. وداعا.. أحبك!
رددت عليها مبتسما:
ـ وأنا أحبك أيضا.
علت الدهشة ملامح العم هيروشي , سألها قائلا:
ـ من هذا يا أكاني؟
ردت بابتسامة:
ـ إنه يوجي إيتو.. هو من أرشدني وأنقذني ولذا أحببته.. إنه فتى لطيف.
تبددت حيرة العم هيروشي , ظل يردد اسمي طويلا ثم ابتسم وقال:
ـ أقسم أنك محظوظة يا ابنتي!
أومأت برأسها وقالت:
ـ معك حق.. قليلون من هم لطفاء مثل يوجي هكذا.
قبل العم هيروشي أكاني على وجهها وقال:
ـ هيا لنعد يا حبيبتي.
ردت بابتسامة:
ـ هيا بنا يا أبي.
كانت هذه نهاية لقائنا الأول , لم أكن أظن أني سألتقي أكاني ثانية, مضت الأيام حتى بلغت التاسعة , قتل أبي وأخذه مجموعة من المجرمين معه , كنت أبكي بحرقة , طعنوا أبي وأخذوه أمام عيني , لم أتحمل هذا المشهد , اغرورقت عيناي بالدموع , ظننت عندها أن الأبواب قد أوصدت في وجهي , يتيم أم صار يتيم أم وأب , لم أبك كما بكيت في ذلك اليوم قط , كاد صراخي يحطم الزجاج من علوه , سمعني الناس , لم يلتفتوا إلي , يقولون طفل يبكي بلا سبب , زادني هذا حزنا , بقيت أبكي وأبكي حتى بللت ثيابي بل حتى بللت الأرض , جثوت على ركبتي , أخذت أضرب الأرض , أصيح مرارا وتكرارا:
ـ لا! أمي وأنا رضيع! والآن أبي وأنا صبي! لماذا؟!
دخل علي العم هيروشي فجأة , صاح قائلا:
ـ يوجي.. مابك؟!
شهقت شهقات عدة بالبكاء وقلت خلالها:
ـ أبي.. أبي.. قتلوه.. قتلوه!
تجمد في مكانه , استجمع شجاعته وقال:
ـ تعال معي الآن!
أسرعت وارتميت في حضنه حملني وأخذ حقيبتي من الخيمة وأسرع إلى المحطة , ركب القطار نحو شينجوكو , كنت أبكي بحرقة طوال الطريق , أتمتم قائلا:
ـ أبي! لماذا فعلوا بك هذا؟!
بقيت أبكي حتى بللت ثياب العم هيروشي , كان يحاول تهدئتي طوال الطريق لكن دون جدوى , الحقيقة أني لم أكن أعرف العم هيروشي حينها بعد لكني اطمأننت إليه , كان حضنه دافئا , شعرت أن بإمكاني أن أبكي كما أشاء , وصل القطار إلى شينجوكو , حينها كنت قد هدأت قليلا , توقفت عن الصراخ لكني كنت لا أزال أشهق بالبكاء شهيقا مرا , أخذ سيارة أجرة حتى وصل إلى الشارع الرابع والعشرين , نزل من سيارة الأجرة حاملا إياي , دخل المنزل على عجل , لم يتمهل بل صاح قائلا:
ـ يوكو.. أعدي فراشا لضيفنا!
خرجت الخالة يوكو من المطبخ ورأت العم هيروشي حاملا إياي , انتابتها الدهشة , أخذت تحدق بي وبثياب العم هيروشي المبللة , قبل أن تنطق بأي كلمة بادرها العم هيروشي قائلا:
ـ سأشرح لك كل شيء لاحقا.. دعيه ينم في هدوء.
كنت قد توقفت عن البكاء , لم أشعر بنفسي إلا وأنا نائم في حضن العم هيروشي الدافئ , كانت الساعة حينذاك تشير إلى الثانية عشرة ظهرا, بقيت نائما حتى الساعة الثالثة , فتحت عيني فوجدت نفسي نائما على أريكة , انتفضت فجأة ونهضت محدقا بالمكان , شجيرات خضراء تملأ الغرفة , ستائر حمراء , مكتب عليه تلفاز , لم أنتبه إلى نفسي وقلت:
ـ أين أنا؟
رد علي العم هيروشي بابتسامة:
ـ أنت في منزلك الجديد.
أخذت أردد كلمة منزلك الجديد متعجبا , التفت إلى العم هيروشي وسألته:
ـ عفوا.. لكن من أنت يا عم؟
رد العم هيروشي بثقة:
ـ أنا هيروشي يوشيكاوا.. صديق والدك المقرب.
صحت فجأة:
ـ ماذا؟! هل تعرف أبي؟
ضحك ورد علي قائلا:
ـ أجل.. والدك تسوجي إيتو.. هو صديق طفولتي.
لم أصدق ما سمعت حينها , كنت كمن يعيش كابوسا ثم استيقظ وعاد لنومه فرأى حلما جميلا , لم يمض على مقتل أبي أكثر من أربع ساعات وهأنا أجد نفسي في كنف العم هيروشي , يالغرابة الأقدار! من كان يصدق أن أحدا سيلتفت إلي ويعتني بي؟! لقد كان الناس يمرون ويقولون أني مجرد طفل أبكي بلا سبب , لم يفكر أحد منهم أن يذهب ليسألني عما يبكيني , ولو أن أحدا سألني عن سبب بكائي لربما رق قلبه وذرفت عيناه ورق لحالي وأخذني ليعتني بي , مع ذلك لم يسأل أحد عدا العم هيروشي , إني أكن احتراما عظيما للعم هيروشي بسبب موقفه النبيل ذاك.
سألتني الخالة يوكو:
ـ ما القصة؟ تبدو وكأن دموعك جفت لتوها.
رد عليها العم هيروشي متأثرا:
ـ هذا طبيعي.. فهذا الفتى ليس له أم أو أب.
علت الحيرة وجهها وسألت:
ـ ولكن من هو ومن أين تعرفه؟
رد عليها وقد تبدد عنه بعض التأثر:
ـ هذا الفتى يدعى يوجي إيتو.. ابن أحد أعز أصدقائي.. فقد أمه عندما كان رضيعا.. وأبوه قتل منذ ساعات فقط.
بدا الأثر على وجهها وقالت:
ـ المسكين.. ألهذا كانت ثيابك مبللة؟!
رد عليها بما بقي لديه من تأثر:
ـ أجل.. كانت تلك آثار دموعه.
نظرت إلي فوجدتني على وشك البكاء ثانية , هربت دمعة من عيني ولحقت بها أختها , ابتسمت وقبلتني في وجهي وقالت:
ـ سأعد لك وجبة لذيذة.. هيا كفكف دموعك ولا تبك يا صغيري.
كانت تلك الكلمات هي السد الذي أوقف جريان الدموع , كفكفت دموعي وابتسمت , لم أقابل في حياتي أسرة لطيفة كهذه , قامت الخالة يوكو وذهبت إلى المطبخ , قالت لي:
ـ سأعد لك بعض الرامن.. أتحبه؟
أومئ برأسي سعيدا , تبتسم الخالة يوكو وتدخل المطبخ , ينظر إلي العم هيروشي مبتسما , يقول لي:
ـ لا تخجل.. البيت بيتك.. صرت الآن فردا من أسرتنا.. زوجتي يوكو ستعد لك ما تريد.
تنطلق تلك الكلمات إلى مسامعي , تهيجني على الابتسامة , ابتسمت وقلت:
ـ سعيد بلقائك يا عم هيروشي.
في لحظات تعود أكاني وشيزو من المدرسة , دخلت شيزو إلى غرفة الجلوس , نظرت إلي باستغراب وقالت:
ـ من هذا الفتى يا أبي؟
ابتسم العم هيروشي ورد قائلا:
ـ إنه ابن أحد أصدقائي.. مات والداه فأتيت به ليعيش بيننا.
بعد لحظات تدخل أكاني , التقتت عينانا , لا أستطيع أن أصف تلك اللحظات , تلك هي تتمة الحكاية , صاحت أكاني مبتسمة:
ـ يوجي.. أهذا أنت؟!
رددت عليها بابتسامة أكبر:
ـ من؟ أكاني؟!
لم أتمالك نفسي من شدة الفرحة , كما قلت , لم أتوقع أني سألتقي أكاني مرة ثانية , ألقى كل منا على الآخر نظرة اشتياق , سألتني أكاني برقة:
ـ كيف حالك؟
رددت عليها بابتسامة:
ـ أنا بخير.. أحمل لك أخبارا سارة.
سألتني بلهفة:
ـ ما هي؟
رددت بابتسامة:
ـ بدءا من اليوم.. سأعيش معكم في هذا المنزل.
لم تتمالك أكاني نفسها , اتسعت ابتسامتها وجحظت عيناها , عقدت الفرحة لسانها فلم تنطق بكلمة , التفتت إلى العم هيروشي , تمكنت أخيرا من التكلم , سألته بلهفة شديدة:
ـ أهذا صحيح؟!
رد عليها العم هيروشي بابتسامة:
ـ أجل.. هذا صحيح تماما يا ابنتي.
ذرفت عيناها دموع الفرح , لم تتمالك نفسها , انهالت على العم هيروشي عناقا وتقبيلا , كانت تصيح قائلة:
ـ أنت أفضل أب في الدنيا كلها.. أحبك يا أبي!
ثم التفتت إلي , انهالت علي عناقا حتى كادت تعتصرني , قالت لي وسط هذه الفرحة المدوية:
ـ كم أنا سعيدة!
نظرت شيزو إلى العم هيروشي , ابتسامتها تغلب حيرتها , سألته قائلة:
ـ كيف يعرفان بعضيهما؟
رد بابتسامته المعهودة:
ـ لقد التقيا فيما سبق , وتعرفا على بعضهما وصارا صديقين.. لا بل أخوين.
ظلت هذه الذكرى تجول في خاطري , كنت أسير كالثمل تماما , لم أشعر إلا وقد وصلنا إلى السوق , تغمزني أكاني وتقول بابتسامة ماكرة:
ـ أفق الآن من أحلامك الوردية أيها العاشق.. ماذا كنت تفعل؟ هل كنت تتغزل في إحداهن؟
أرد عليها بخجل:
ـ بالطبع لا أيتها الحمقاء.. فأنت تعلمين أني لا أجيد الغزل.
تغمزني في جبهتي وتقول باسمة:
ـ إذن فيم كنت تفكر؟
أحدق إلى السماء وأتمتم:
ـ كنت أفكر في لقائي الأول بالفتاة التي أحببتها.. بك يا أكاني.
تقاطعني وتسأل متفاجئة:
ـ ماذا قلت؟!
يحمر وجهي خجلا وأقول:
ـ لا شيء أبدا.
أحاول التظاهر بالضحك لأخفي خجلي , كدت أخطئ وأعترف لها بالمشاعر التي أكنها لها , تبتسم وتقول:
ـ ماذا ننتظر؟ لندخل.
ندخل إلى السوق , لا يزال صدى تلك الذكريات في رأسي , أحدق بأكاني , قلبي يحترق من الداخل , أود انتظار فرصة مناسبة للاعتراف أني أحبها , لطالما قمت بأشياء تدل على أني أحبها , لكني لا أملك الجرأة لأعترف , أفكر مليا في الأمر بينما تقف أكاني وتشتري المطلوب , تذهب إلى قسم العطارة والتوابل , تبتاع كيلوغراما من المعكرونة , تسرع إلى قسم الأسماك والحيوانات البحرية , تشتري نصف كيلوغرام من لحم الأخطبوط , تذهب إلى قسم التوابل والبهارات , تبتاع زجاجة من الكاتشب , بهذا تكون الجولة قد انتهت , أقف بجوار النافذة أتأمل الطريق المفروش بأزهار ساكورا , تلفت انتباهي سيارة سوداء , طرازها مرسيدس, صنعت منذ نحو عشر سنوات , يركنها صاحبها أمام السوق , فجأة يخرج منها رجل , لا أستطيع تحديد ملامحه جيدا , كل ما يظهر لي أن شعره أسود مجعد , يرتدي قميصا وسروالا أسودين , يضع فوقهما عباءة سوداء غريبة , يرتدي نظارات شمسية , يحدق بالسوق , لأكون دقيقا يحدق بالنافذة التي أقف بجوارها , أتركها بعد انتهاء جولة التسوق , يعود إلى سيارته ويبقى داخلها , يشعل قداحة ويبدأ بتتبع حركاتي , أخرج من السوق برفقة أكاني , تلتقي عينانا معا , لا أرفع عيني عن تلك السيارة , تنتاب الحيرة أكاني فتسألني:
ـ ما المريب في تلك السيارة السوداء؟
أرد عليها بثبات:
ـ لا شيء.. لا تشغلي بالك بهذا.
نمضي نحن الاثنان نحو المنزل , تفكيري لا يزال مشغولا بتلك السيارة , لم كان صاحبها يحدق بي؟ لا أعلم , على أية حال , أظن أن الأمر ليس من الأهمية بمكان , آخذ أكاني بعيدا قليلا عن طريق المنزل , أقول لها مبتسما:
ـ حان الوقت لأريك المفاجأة التي حدثتك عنها!
آخذ أكاني إلى شاطئ نهر سوميدا , إنه نهر طويل جدا , نقف أمامه فأقول:
ـ والآن استعدي للمفاجأة!
ألاحظ وجود تلك السيارة السوداء خلفي , لسبب ما ينسحب صاحبها عن ملاحقتي , يقف بعيدا عن شاطئ النهر بنحو نصف كيلومتر , يخرج من السيارة ويضحك ضحكة خبيثة قائلا:
ـ إنه هو.. لقد عثرت عليك يا يوجي إيتو!
يستمر في تدخين سيجارته , يقف وقفة واثقة , لسبب ما يعود إلى سيارته ويقودها بعيدا , يتعالى صوت ضحكته أكثر فأكثر.


الكاتب محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-08-17, 07:13 PM   #4

200lana

? العضوٌ??? » 405771
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 19
?  نُقآطِيْ » 200lana is on a distinguished road
افتراضي

جميل جدا .

200lana غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-01-18, 10:47 PM   #5

تاليا زكريا

? العضوٌ??? » 415190
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 1
?  نُقآطِيْ » تاليا زكريا is on a distinguished road
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

تاليا زكريا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-04-20, 08:41 PM   #6

رانو قنديل

مشرفة الأدبي،المجلة الشبابيةوعالمي خيالي وشاعرة ،نبضٌ متألّق ومميز وحي الكلمة ومحررة ورئيسة الجريدة، كاتبة،قاصة ،مدققة وساحرة واحة الأسمر بقلوب أحلام ،راوي القلوب،ملهمة كلاكيت

alkap ~
 
الصورة الرمزية رانو قنديل

? العضوٌ??? » 313872
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 16,067
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » رانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond reputeرانو قنديل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
¬» قناتك NGA
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

شكرا لكم امتاعنا بروائعكم

بانتظار جديدكم فلا تتأخروا به علينا




رانو قنديل غير متواجد حالياً  
التوقيع

كرزة هليل
قصة قصيرة لخليل ورنم أبطال روايتي القادمة أسرار الياقوت

روايتي الأخيرة لاڤــا بقلوب أحلام


أعمالي بقلوب أحلام (إضغط على الصورة للدخول)





اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:44 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.