آخر 10 مشاركات
جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          294 - لماذا تهربين؟ - كارول مورتيمر (الكاتـب : بلا عنوان - )           »          ثمن الكبرياء (107) للكاتبة: Michelle Reid...... كاملة (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          1041 - ميراث خطر - ستيفاني هوارد - د.ن (الكاتـب : سنو وايت - )           »          البجعة الورقية (129) للكاتبة: Leylah Attar *كاملة & تم إضافة الرابط* (الكاتـب : Andalus - )           »          زهرة النار -قلوب أحلام زائرة- لدرة القلم: زهرة سوداء (سوسن رضوان) *كاملة* (الكاتـب : زهرة سوداء - )           »          ✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          317 – صدى الذكريات - فانيسا جرانت - روايات أحلامي (الكاتـب : Just Faith - )           »          مذكرات مقاتلة شرسة -[فصحى ] الكاتبة //إيمان حسن-مكتملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          أنين الهوَى - الجزء 1 من سلسلة تايري -شرقية زائرة -للكاتبة:ملك على* مكتملة & الروابط* (الكاتـب : ملاك علي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree264Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-03-20, 02:34 AM   #621

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثاني والعشرون

شركة الذهبية
بعد نصف ساعة


وقف مدحت متخصرا يراقب الطبيب الذي أنهى ربط رأس هاشم الذي لم يكف عن الأنين وهو لا يزال غير واعي تماما.. وحين أغلق الطبيب حقيبته اقترب من مدحت ليقول له بهمس :
"حالته جيدة ...الجرح في رأسه سطحي ولا أظنه أصيب بارتجاج...لكن من الأفضل أن يقوم بتصوير إشعاعي للرأس حتى نطمئن أن السقطة لم تؤثر عليه خاصة مع فقدانه للوعي لفترة طويلة ...عموما تابعوه للساعات القادمة وتأكدوا انه لا يعاني من قيئ أو دوار …"

هز مدحت رأسه وشكر الطبيب وهو يمنحه مبلغا من المال رفضه الطبيب قائلا :
"نحن جيران أستاذ مدحت أنسيت أن باب عيادتي بجوار باب شركتك ...ويكفي الحملة الدعائية الرائعة التي قمت بها لي .....والله لولا مقدارك عندي وثقتي بتأكيدك أن المسألة عائلية حساسة ...لم أكن لأقبل الصمت وعدم إبلاغ الشرطة ... "
ربت مدحت بامتنان على كتف الطبيب وأشار لنسرين الواقفة بشحوب بجانب الغرفة لتصحبه خارجا …

بمجرد أن تحركت مع الطبيب وأغلقت الباب حتى أطرق مدحت مفكرا بما حدث …
حتى الآن لا يكاد يصدق ما حدث...لقد كاد محمود أن يزهق أنفاس هذا المستلقى على أريكة مكتبه ولولا رحمة الله التي جعلته هو وحارس الأمن يستطيعان فصله عنه لحدث ما لا يحمد عقباه …

لقد استطاع بصعوبة تفريق الناس وأخبارهم ان الرجل بخير رغم أنه لحظتها لم يكن واثقا ...واجبر حارس الأمن على إغلاق فمه وعلى أن يحضر له شرائط المراقبة مهددا بأنه سيتم مسائلته لو قام بالإبلاغ لأنه كان تاركا للحراسة وقت المشاجرة ومطمئنا له بأنه سينهي الأمر بهدوء دون المزيد من المشاكل ..

ورغم أنه لم يعرف التفاصيل الدقيقة ...لكنه فهم القصة باختصار من نسرين في الدقائق التي كان الطبيب فيها يعالج زوجها السابق ..
نظر لشقيق نسرين الجالس بشحوب وصمت مرتبك على احدى المقاعد يتطلع في هذا الذي بدأ يتململ ويزداد أنينه وهو يستعيد وعيه وتركيزه محاولا التحرك والنظر لما حوله.
هتف هاشم بضعف مع دخول نسرين قائلا بتوعد :
"أيتها الحقيرة ... أين هذا الكلب الذي كان يضربني لأجلك ...أنا سأخرب بيته ...سأبلغ عنه واسجنه ...سأ.."
هدر مدحت قائلا بحدة :
"صه يا هذا ...لا اسمع لك صوتا "
أزدرد هاشم لعابه ونظر بتشوش لمدحت الواقف بهيبة استشعرها بوضوح فسأله بتوجس :
" ومن تكون أنت ؟!"
رد مدحت ببرود وعنجهية متعمدا اخافته :
"أنا صاحب الشركة التي تجرأت أنت وهذا ( مشيرا باستهانة لشاكر) على الحضور لبابها لتتهجما على موظفة عندي وتحاولا اختطافها "
انتفض كلاهما وسارع هاشم بالنفي والتبرير:
"اى اختطاف ...لا طبعا ...إنها زوجتي ( ليعدل كلمته مع صوت زمجرتها ) أقصد طليقتي ...وهذا شقيقها ...لقد كنا بانتظارها لنوصلها ونتحدث معها "
نظر له مدحت بوجه صلب وقال بجمود :
"ليس هذا ما سمعته من الشهود ، بل وحارس الأمن ...وما أكدته شرائط المراقبة ...فالجميع شهد أنكما تهجمتما عليها ...وكنتما تحاولان جذبها وضربها ...ولولا تدخل زميلها بالمكتب الذي رآكما صدفة وهو خارج من البناية ودافع عنها وأنقذها من بين يديكم ...لم يكن أحد ليعلم ما كان ليحدث "
كانت عيني هاشم تتسع ذعرا فحاول الاعتدال بصعوبة وهو يمسك برأسه قائلا:
"كذب ...هذا كذب ...لم يحدث ...انتم تريدون الادعاء علي وتضييع حقي ...أنا لن اسمح لكم ...سأبلغ الشرطة ...أنا لدي الإثبات ...لقد كاد الرجل يقتلني وإصابة رأسي تؤكد "
تحرك مدحت ناحية مكتبه واحضر هاتفه قائلا بسخرية باردة وهو يمده لهاشم :
"حسنا تفضل اتصل بالشرطة ...وسنرى من سيتم القبض عليه عندما تحضر ..أنتما ( مشيرا لهما بإصبعه ) أم الموظف المسكين الذي كان يحاول الدفاع عن زميلته لكن قبل أن تفعل أريدك أن تعرف ..أنني لن أكتفي وقتها بمحضر التهجم الذي ستقوم به السيدة نسرين ...بل سأتهمكما ايضا بمحاولة التهجم على مكتبي ...أو بمحاولة إجبارها على سرقة ملفات سرية لعملائي ..وأنكما قمتما بضربها عندما رفضت "
نظر هاشم لمدحت بذهول ونقل عينيه لوجه نسرين التي تنظر له بكراهية وتشفي ليصرخ بها:
"ماذا ...انطقي أيتها المرأة واخبريه أن هذا لم يحدث"
رفعت رأسها وعدلت نظارتها وهي تنظر له بحقد وتقول:
"بل حدث وسأخبر الشرطة بأنها لم تكن المرة الأولى التي تحاولان بها إرغامي على سرقة أسرار عملاء الشركة ...بل انت وهو سبق وحاولتما من قبل وعندما رفضت تهجمتما علي ولدي شهود من جيراننا يا شاكر سيثبتون شجاري معكما من عدة أيام ..( لتضيف بتهديد رغم نبرة نشيج صوتها الباكي ) ولن أكتفي بذلك ...بل سأفضحكما بكل مكان وأجعلكما سخرية العالم اجمع ...(لتنظر لأخيها بتهديد متوعد) أتذكر هذا المدعو ( أبو تورتة) الذي كنت تضحك وزوجتك على قصته وفضيحته على الانترنت ...سأجعل فضيحتكما اكبر منه ...ستكونا رقم واحد على المنصات الالكترونية ..( لتشير بيدها كما لو كانت تريهم المانشيت ) الأخ الذي يريد طرد أخته من بيت أبيها إرضاء لزوجته الشمطاء ..ويتآمر مع طليقها عليها …(لتستدير للآخر الناظر لها بذهول مكملة بحقد ) والطليق الوضيع الذي حاول إعادتها جبرا طمعا بمرتبها بعد أن أهانها وطردها عند زواجه عليها ...وعندما فشل بإقناعها بالعودة .. حاول مع أخيها إجبارها على سرقة مستندات هامة من شركتها ...وليرني كل رجل منكما كيف سيكمل حياته بعدها ...كيف سيعيش ويواجه الناس ..كيف ستنظر الناس في وجهيكما .. "
كانت أنفاس شاكر تتعالي وهو يستمع لكماتها ولم يشعر بنفسه إلا وهو ينتفض واقفا ويتحرك لينقض عليها بغضب محاولا ضربها هو يصرخ
" أجننت ...أتردين فضحي يا بنت **** "
وقفت يده في الهواء حينما جذبه مدحت للخلف بعنف وهو يقول له من بين أسنانه المطبقة :
" أنت مصر إذن على تصعيد الوضع "
صرخت نسرين بغيظ:
"دعه سيد مدحت ليفعلها ..حتى أضيفها للبلاغ ولفضائحه وأخبر الناس عن أخي ..من كان يجب أن يكون حمايتي في هذه الدنيا التي ظلمتني ( واختنق صوتها بالبكاء وهي تكمل بحشرجة ) من ظننته سيكون أبا لي بعد أبي ...سندي في وجه من يحاول جرحي ..ليكون هو أول الجارحين أول ما باعني بثمن بخس لأجل مصلحته "

صرخ شاكر ينكر ما قالته شاعرا بالحرج واخذ يتحدث عن خوفه عليها وعلى مصلحتها لكن مدحت لم يكن يسمع ما يقول ...بل تاهت ذاكراته في ماضي ليس ببعيد ...في وقت كاد فيه أن يكون كشاكر ...يبيع شقيقته الوحيدة لأجل مصلحته ...كاد أن يرضخ لأوامر أمه على حسابها ...فأغمض عينيه للحظة مخفيا شعورا بالوجع وجلد الذات قبل أن يفتحها بتصميم ..لينهي هذا الشجار المقيت بحدة وهو يقول بصرامة :
"كفى ...لا أريد أن اسمع صوتا …( ونظر للرجلين) اسمعا كلاكما ...لقد تجاوزتما في حق موظفين عندي ..وتسببتما بفضيحة أمام شركتي ...تريدان الإبلاغ ...جيد جدا ..هيا تفضلا...لنرى وقتها من الخاسر ...محامي شركتي قادر على جعلكما تقضيان الباقي من عمركما بين الأقسام وأروقة المحاكم .. ( وصمت قليلا يتطلع في وجهيهما الممتقعين ثم أضاف بلهجة ذات مغزى ) أو ننسى جميعا ما حدث بعد تعهدكما أمامي وخطيا بعدم الاقتراب أو التعرض للسيدة نسرين أو لأي شخص يعمل هنا …"

تطلع شاكر وهاشم في بعضهما بارتباك فأضاف مدحت ببرود ليطرق على الحديد وهو ساخن :
"أمامكما خمس دقائق فقط لتحسما الأمر وبعدها لا تلومان سوى أنفسكما ..."

******
بعد قليل كان محمود جالسا بانهيار في مكتبه دافنا رأسه بين كفيه ...يكاد عقله ينفجر ما بين خوف وقلق وغضب
خوف من ما سيحدث
خوف أن يعود لجدران سجن امتهنت فيه كرامته قبل سنوات ظلما
وقلق من نتائج ما سيكون بعدها
قلق حول كيف ستحيا شقيقتاه وأبنائه ...لقد نجو بصعوبة سابقا ولم يكن هناك أطفال معهم ... لكن هذه المرة قد تكون القاضية لهم.

وغضب يشتعل بجوفه كلما استعاد ما حدث.

غضب يجعله راغبا باقتحام مكتب مدحت وإكمال ضربه لهذا الحقير وليكن ما يكون …

تشكلت خلف جفنيه المطبقين صورة طفليه فارتعدت دواخله خوفا على مصيرهما من بعده …

انتفض واقفا حين انفتح باب الغرفة وتعالت ضربات قلبه وهو يرى مدحت يدخل مغلقا الباب خلفه بينما أسرعت نسرين تسترق السمع من خلف الباب بقلق شاعرة بالذنب…

نظر محمود لمدحت بقلق ويسأله بصوت مهتز يفضح توتره :
"ماذا جرى له ...هل أفاق ...هل إصابته خطرة ...هل الشرطة بالطريق لأخذي ؟"
ربع مدحت ذراعيه ونظر لمحمود بجمود وصمت للحظات قبل أن يشفق عليه وهو يرى جسده قد بدأ يتعرق وعينيه تهتز فطمأنه بصوت صارم لائم :
" هو بخير ...إصابته سطحية ...واستطعت بصعوبة الضغط على كلاهما ومنعهما من الإبلاغ وتم احتواء الأمر ...لكن هذا لا ينفي أنك أخطأت وكدت تضيع نفسك وسببت لغط لسمعتك وسمعة نسرين وسمعة الشركة "

أطرق محمود برأسه لا يدرى أيهم الأكثر غلبة بداخله ...شعوره بالراحة ..أم الحرج ...لا يدري كيف يرد على مدحت أو التصرف الأمثل ...هل يترك العمل لديه ...لكن كيف وهو مدين له بالكثير ...بل وزاد دينه أكثر بعد موقفه الآن …
زادت وطأة الصمت الحرج حتى قال محمود باستسلام :
"اعترف أني فقدت أعصابي وكدت أتسبب بمشكلة كبيرة ...أنا متقبل لأي جزاء ترغب توقيعه و "

لم يكمل جملته ألا والباب يفتح بحدة وتدخل نسرين لتقول بانفعال :
"سيد مدحت الأستاذ محمود لا ذنب له لقد كان يحاول الدفاع عني بشهامة ...الذنب ذنبي ...أرجوك لا تعاقبه على مصائب عائلتي ...أنا المسئولة..أنا سأترك العمل فورا ولن تروا وجهي بالشركة مرة أخرى و ..."

قاطعها محمود بحدة :
" أنت لا شأن لكِ ...ولا داعي لدفاعك عني ..الخطأ خطئي وأنا سأتحمله وأترك الشركة "
استدارت له متخصرة تقول بعناد :
"لا بل خطئي أنا وأنا من سأتحمله واترك الشركة "
صاح بغيظ وهو يقف أمامها متخصرا هو الأخر :
"أنا من فقدت أعصابي وكدت اقتله وتسببت بكل تلك المشكلة وأنا لا أتقبل أن يتحمل احد أخطائي لذا سأترك الشركة "

ردت كعاصفة عاتية :
"بل أنا من أخطأت لأنني تشاجرت معهم أمام الباب وأنت كنت تدافع عني لذا سأترك الشركة و .."

صرخ مدحت فيهما :
"كفى ...لن يترك الشركة احد ... ...نحن هنا عائلة نساند بعضها …"
صمت كلاهما ناظران له بامتنان أنقلب لقلق حينما أضاف بمكر :
"لكن الأمر لا يمنع أن العائلة أيضا تعاقب من يخطئ من أبنائها ..."

صمت قليلا تاركا كلاهما يناظراه بترقب وجل قبل أن يضيف بابتسامة خبيثة :
"من هذه اللحظة ولمدة شهر كامل كلاكما ستقومان بالعمل لساعتين إضافيتين مساءا ...ولن يقتصر عمل كلا منكما على مهام وظيفته بل سيشارك الآخر في عمله ...بمعني أن محمود سيساعدك في عمليات إدخال البيانات وجدولة المواعيد والتواصل مع العملاء ...وأنت ستساعدينه بجداول الحسابات وحساب النفقات وإدخال كشوف الدائن والمدين وكل مهام عمله ...وإياكما ..أتسمعا إياكما أن أراكما تتشاجران أو يقول أحدكما للآخر هذا ليس عملي "

وتركهما بعيون متسعة وأفواه متدلية وغادر
******
الحارة شقة شحاته العسال

مرر سيد يده على وجهه متجاهلا تنبيه بورود مكالمة أخرى ولم يهتم حتى بالنظر لمعرفة من المتصل بينما يجيب أخيه على الهاتف بغيظ مكتوم :
" ماذا تقصد بقولك أننا أخبرناك عن هذا فقط لاحتياجنا لتوقيعك ...ما معنا هذا التحقيق حول ما تركه أبيك ... ( ليضيف ساخرا بغيظ ) أكان أباك مليونيرا مثلا وأنت لا تعلم ..أم تظن أن جدك الباشا أو عمك الملياردير المهاجر مات وورثه أباك ونحن نخفى عنك ثروته!! ...يا محمود المسألة كلها حساب بريدي بقيمة مائة وخمسون ألفا اكتشفناه صدفة بعد وفاته ...( وصمت للحظات مستمعا قبل أن يهدر بأخيه غاضبا ) لا أفهم ما تعنيه ...بما تتهمنا بالضبط ...أتظن أباك كان يخفى أموالا مكدسة تحت بلاط المنزل ونحن نخفيها عنك !! ... لقد صارحتك بأن أباك قد وقع دين بمبلغ خمسون ألفا لصاحب المعرض قيمة جهاز سما ورغم ذلك لن اخصمه من نصيبك لأني كنت متعهدا لأبي أنني من سيسدده وهو فقط سيوقع عليه لأنه موظف والرجل اشترط أن يقوم بالتوقيع موظف له راتب ثابت ضمانا لحقه ...لو أنني أريد إخفاء شيء أو أكل حقك لم أكن لأخبرك بعهدي لأب..."
تفاجأ سيد بأمه تشد الهاتف من فوق أذنه وتضعه على أذنها هي صارخة في ابنها البكري بغضب :
"اسمع يا ابن بطني ...غدا صباحا تكون هنا لتوقع مع إخوتك بالبريد على استلام المال ...وسيكون معكم الرجل صاحب الدين ليأخذ نقوده ...وكل منكم سيصرف نصيبه ..أما شقيقيك الصغيرين سيبقى نصيبهما كما هو لأنهما تحت الوصاية ...سيد ليس ملزما بدفع مبلغ الدين لكنه أصر التزاما بكلمته مع أبيك... رغم أن أبيك وأنت قبله أولى بها أيها الكبير ...لذا اخرس واسمعني صوت سكاتك وإن لم يعجبك الأمر فلا مشكلة ...سأجعله يدفع لك كامل مبلغك كأن الدين غير موجود ... سيد اخبرني أن نصيبك لو حسبنا الدين من التركة ووزعنا الأنصبة الشرعية من المائة ألف ...سيكون تسعة عشر الفا وأربع مائة جنيه تقريبا( لتصمت لحظة قبل أن يميل فمها بسخرية مريرة وهي تقول )..لا بأس يا ابن أبيك لا تنفعل حتى لا ينفجر لك عِرق وأربعمائة وأربع وأربعون نسيت الأربع وأربعون جنيها ... ولو حسبنا المبلغ دون الدين سيتبقى لك ...رغم أنه المفروض لا يتبقى شيء لكن ماذا أقول لضمير أخيك الذي ألزم نفسه بوعده لأبيك ( لتنظر لسيد بلوم ممزوج بفخر وحب وهي تكمل ) تسعة ألاف"
نبهها سيد ساخرا:
" وسبعمائة واثنان وعشرون جنيها يا أمي لا تنسي حتى لا يظن أننا نسرقه "
قالت أمه ساخرة وهي تبعد الهاتف للحظة :.
"هو متذكر يا ضنايا وقال الرقم كاملا …(وأعادت الهاتف على إذنها تقول بعد لحظات استماع ) تريدهم فورا ؟...لا بأس سأجعل سيد يعطيهم لك ...لكن وقتها استعد لأنني وأخويك سنجهز حقائبنا ونأتي لنقيم معك ...أظن آن الأوان لتحمل همنا قليلا ...معاش أبيك لن يكفينا أنا وأخويك دورسهم وحدها تتعدى قيمته وهما مراهقين واحتياجاتهما كثيرة ..وأنت البكري يا بكري أبنائي ..ولا يصح أن تأخذ كل مالك وتُلزم سيد بدفع الدين وفوقها يتحمل همي وهم إخوتك ....(صمتت للحظات تستمع قبل أن تسيل دمعة بجانب عينها أخفتها عن سيد وهي تميل بوجهها تبتسم بمرارة قائلة ) حسنا لا بأس ما دمت ترى ذلك احضر مبكرا ولا تتأخر ...طالما تفضل بقائنا هنا وأن يظل سيد مسئولا عنا ليكن ما تريده ....لكن تتنازل عن نصيبك بالدين لأخيك ....اتفقنا "

أغلقت الهاتف بعدها وناولته لسيد الذي اقترب منها يضمها بين ذراعيه و يقبل رأسها وهو يقول لها معاتبا :
"لم يكن هناك داعي لما فعلت يا أمي ...إن أراد أخذ المبلغ كاملا فسأ"
لتقاطعه غاضبة وهي وتدفعه قائلة :
"الأمر انتهى يا سيد ...أردت أن تخلص ضميرك بعد كلام شيخ المسجد معك وإخبارك أن كل ما تركه شحاته تركة مستحقة بغض النظر عن خطاياه السابقة بحقنا ...لا بأس ...ها قد أبلغناه ...وهو بنفسه تنازل وسيحضر غدا مبكرا لتنهوا الإجراءات ...بعدها تأخذ المال وتبدأ مشروعك...المبلغ ليس كبير ...لكنها نواة تساعد وتسند الزير "
وتحركت بنزق ناحية المطبخ وهي تدمدم بغيظ تاركة سيد مطرقا بضيق قبل أن يتنهد بعمق وهو ينظر للهاتف حتى يرى من كان يلح بالرنين أثناء محادثته مع أخيه فوجد اسم هادر الذي حاول مهاتفته عدة مرات ...

ضغط الهاتف في كفه للحظات وهو يغمض عينه ويجلس ساهما على مقعد خشبي بجانب منضدة الطعام ...لا يدري كيف سيستطيع تحمل الإبقاء على علاقته بهادر والمخاطرة برؤية رؤى معه ...يخشى أن يفقد أعصابه في لحظة تحت وطأة مشاعره فيجن ويخطفها بعيدا عن الجميع…
شد شعره بيده وهو يستغفر الله مغمضا عينيه ينهر نفسه بحدة ...فهو لم ولن يكون أبدا خائنا لصديق .. أو خاطفا لحبيبة رجل آخر …
بعد صراع مع نفسه قرر الضغط عليها وتنحية مشاعره ...قرر أن ينساها ويجبر نفسه على محوها من عقله وقلبه ... ويركز فقط على مستقبله وكيف سيحقق حلمه وحلم صديقيه …
لابد أن يكون مستقبله هو هدفه الأوحد وينسى كل ما عداه ...ولو حدث وصادفها يوما سينظر لها بعدم اهتمام وتباعد كأي غريبة التقاها صدفة ..وسيعاملها ببرود …
سحب نفسا عميقا وضغط على الهاتف معيدا الاتصال بهادر دون أن يتخيل أن وعده لنفسه سينتهي بعد لحظات وبأبشع الطرق ...

*********

قبلها بأقل من ساعة
النادي

تتأبط ذراع ياسمين وهي تستنشق الهواء بعمق وتقول بمرح :
"وأخيرا بعض الحرية ...لا أكاد اصدق أن أبي وافق أخيرا على السماح لي بالخروج والذهاب معك للنادي "
لتغمزها ياسمين ضاحكة وهي تعدل ياقتها بغرور:
" لأجل خاطري كما قال عمي ...تذكري هذه الجمائل ...لولا اتصالي به ومحايلتي وأنا أكاد ابكي وأتمسكن لما وافق "
وكزتها رؤى بجانبها وهي تقول بمشاكسة :
"هل ستذلينني! .. منذ خروجنا من الجامعة وأنت صدعتني بمآثرك لإقناع أبي ..على الأقل اجعلي الإذلال يستحق وادعيني على الغذاء فأنا أتضور جوعا وأريد وجبة كبيرة منوعة ...ويا حبذا لو كانت من فواكه البحر "
رفعت ياسمين حاجبا ساخرا وهي تسحبها لتجلسا على منضدة قريبة من ملعب التنس ثم قالت:
"هل أخبرك احد أنني ابنة مليونير ... أقصى ما يحق لك طلبه هامبورغر أو لأكن أكثر كرما لنجعلها شاورما ...(لتستدرك قائلة بتحذير ) لكن ساندويش واحد فقط لا تفتري على جيبي ...وأمري لله سأتنازل أكثر واسمح لكِ معه بمشروب كولا وطلب بطاطس لتعرفي مدي كرمي وأفضالي عليك "
ردت رؤى متهكمة وهي تضم قبضتها وترفعها قرب وجه ياسمين كما لو كانت ستضربها :
"كرمك يكاد يغرقني ويفيض والله ...أتريدين أن تطعميني ساندوتش واحد فقط ...ماذا اصنع به إن شاء الله ! امسح به حلقي! ...اسمعي اقل من خمس ساندوتشات لن أقبل "

هتفت ياسمين بعناد رافض ممزوج بالمرح:
"ماااذا ؟!! خمس لماذا إن شاء الله... منعا للحسد ؟"
هزت رؤى كتفيها وقالت :
"أنت يجب أن تراضيني "

ردت ياسمين ساخرة :
"أراضيك ؟! لماذا ...هل تظنين أني أنجبتك ونسيتك ...ثم أنا سأموت وافهم أين تذهبين بكل هذا الطعام ..."
رفعت رؤى كف يدها مفرودا بأصابعها الخمس بوجه ياسمين وهي تقول لها هاتفة :
"قل أعوذ برب الفلق ...ستحسدينني يا فتاة ...ولا شأن لكِ بأين يذهب ...أنت وعدتني بدعوة غداء هيا اطلبي طعامي "

أشاحت ياسمين بيدها بعناد :
"لن أفعل ولا غداء لكِ .. ابقي هكذا بلا طعام يا مفجوعة "
قامت رؤى بسرعة واختطفت حقيبة ياسمين لاستخراج المال رغما عنها وياسمين تحاول منعها قبل أن يوقف مشاكساتهما المرحة ظل هادر الذي وقف بجوارهما وهو يقول ضاحكا :
"أجلا الشجار وأيضا الطعام لبعد انتهاء التدريب وأنا من سيدعوكما على حسابه "

ومال برأسه محييا رؤى :
"مساء الخير آنسة؟ رؤى كيف حالك "
ردت الأخيرة بابتسامة شقية :
" أنا بخير حال شكرا لك رائد هادر ...سعيدة برؤيتك مرة أخرى "
واختلست النظر بجانب عينيها لصديقتها المندهشة والتي يبدو أن المفاجأة صدمتها وتسببت بتدلي فكها فكتمت ضحكتها بصعوبة وهي تسأله مشيرة لملابس التدريب البيضاء التي يرتديها ..شورت ابيض وقميص مشابه جعل وسامته لافته :
"هل تلعب رياضة ما هنا ؟! "

أجاب هادر وهو يدير رأسه ناظرا لياسمين التي تحولت ملامحها من الاندهاش للجمود:
" نعم أنا هنا لألعب التنس ........وسأكون زميل الآنسة ياسمين اليوم "

ساد الصمت قليلا قبل أن تحاول ياسمين تجاهل ذلك التوتر الغامض الذي باتت تشعر به كلما رأت هادر هذا وقالت بجدية وعبوس :
" آسفة .. أنا … لازلت أتعلم وليس لدي وقت إلا وقت التمرين و بعدها سأغادر ..عموما أنا لا العب إلا مع المدرب "
هز كتفيه وهو يستند بكفه على ظهر كرسي رؤى قائلا:
"المدرب لديه ظروف طارئة واعتذر عن التدريب .. لذا سأكون مدربك اليوم "

وقف يتطلع في ارتباكها وهو يتذكر أن المدرب قد اعتذر بالفعل بعد أن هدده بعدم الاقتراب منها .

بينما قطبت ياسمين مفكرة للحظة شاعرة بأن هذا التوتر الغامض قد ازداد بتلك النظرة الشقية في عينيه فقالت بضيق :
"إذا لن العب اليوم ...لا مشكلة"

وعاودت الجلوس ثانية وهي تشيح بيدها باتجاهه قائلة :
"بإمكانك الذهاب والبحث عن غيري ليلعب معك ..هيا هش من هنا"
رفع هادر حاجبه الأيسر وهو يعتدل واقفا قائلا بسخرية :
"هش ...هل أنا دجاجة لتهشينها !!"

دمدمت رؤى ضاحكة :
"بل أظنها تعتبرك ذبابة "

خطفت ياسمين نظرة سريعة نحوه وهو يناظرها بنظرة غامضة فأسرعت بالقول لتبعد عنها ذلك التوتر الذي يزداد وهي ترى وقفته المهيبة وحضوره الطاغي :
"هيا يا أستاذ ...هل ستظل واقفا هكذا ...لا يصح هذا والله ...ابتعد وإلا ناديت الأمن وأخبرتهم انك تتحرش بنا"

لحق حاجب هادر الأيمن بالأيسر قرب شعره وهو يقول ذاهلا:
" يا أستاذ !!!.. و ستنادي الأمن لي أنا !! ...(وصمت لحظة قبل أن يضيف بمكر) كل هذا لأنك خائفة أن أهزمك رغم انك لاعبة تنس قديمة لكِ أكثر من أسبوع تتدربين وأنا لاعب حديث هذا هو يومي الأول؟ ...لا تقلقي ...سأترفق بك"

شرد للحظة مفكرا في أنه لم يكذب ...فهذا هو يومه الأول فعلا لكن بعد فترة توقف دامت عدة سنوات ..ليخرجه من شروده اللحظي صوتها المغتاظ وهي تهتف به :
" أنا لست خائفة منك ...لكن أنا لا أعرفك ولن العب مع شاب غريب لا أعرفه"
رد هازئا:
"على أساس أن المدرب كان من باقي عائلتك! ...ثم أنا من معارف العائلة ...واسألي أبيك ..وللعلم لقد هاتفته واستأذنته "
نظرت له باندهاش وهي تسأله بذهول :
"استأذنته بماذا ؟"
غمز لها بشقاوة قائلا:
"بلعب التنس معك طبعا ..ماذا تظنين؟! ...وللعلم لقد رحب جدا جدا وأعطاني مباركته "
رددت ببلاهة :
"مباركة على ماذا.؟!"
قال ضاحكا :
"على هزيمتي لك في لعبتنا وفوزي بك ...أقصد عليك"

ظلت ياسمين تنظر له باندهاش لا تعرف الرد الأمثل ...وتشعر بأن هناك أمرا ما لا تفهمه ...لتجد رؤى تقف وتقول بتصميم :
" بل ياسمين هي من ستهزمك شر هزيمة كابتن هادر ...أتظن لأن لديك عضلات منتفخة وهي نحيلة كالعصا أنها ضعيفة ولن تقدر عليك ...لا صديقتي قوية وبارعة ...إنها بطلة البلد المستقبلية في التنس …(ودفعت ياسمين المندهشة وهي تضع المضرب بيدها )هيا يا فتاة ...أريه كيف يكون اللعب ...هيا ...والمهزوم منكما عليه دعوتنا على الغداء …(لتستدرك للحظة قائلة) ...اقصد ..أقصد المنتصر هو من سيدفع "

وغمزت لهادر بخفة دون انتباه ياسمين الذاهلة .. والتي تحركت بآلية أمام هادر الذي وضع هاتفه ومفاتيح سيارته على الطاولة ورد لها الغمزة وهو يقول ضاحكا :
"انتبهي عليهم حتى نعود …"

أومأت رؤى برأسها ورفعت له إصبعها علامة النصر من خلف ظهر صديقتها وهي تتخذ مقعدا وتشاهد ابتعادهما مبتسمة .. ثم أخذت تتطلع حولها باحثة عن نادل تطلب منه كوب عصير يصبرها على الجوع قبل عودة صديقتها لكن مرت بضع دقائق لم يمر نادل.. فقررت أن تذهب هي للمقصف وتطلب واحدا فعصافير بطنها تصرخ ..

قبل ان تغادر الطاولة نظرت لحقيبة ياسمين وهاتف هادر ومفاتيحه ثم أخذتهم معها حتى لا تتركهم عرضة للسرقة وتحركت ناحية المقصف..

في طريقها لفت انتباهها لوحة كبيرة معلقة بحوار المقصف للإعلان عن حفل سيقام بالنادي وسيحييه مطرب شهير تحبه فتنهدت بتمني وهي تدمدم بغيظ
" كم أتمنى الحضور ...لكن بالتأكيد أبي مع أحكامه العرفية التي يطبقها علي لن يوافق "

قبل أن تهم بالتحرك اهتز هاتف هادر بيدها فرفعته تلقائيا أمام عينيها وانتفض قلبها فجأة وتعالت نبضاته مع تسارع أنفاسها وهي ترى اسم سيد العسال يضيء الشاشة …
أخذت تنظر للهاتف للحظات عدة وهي تضغط عليه بيدها ...تقاوم بصعوبة رغبتها بالرد ...تجادل نفسها بأن هذا هاتف هادر ولا يصح ... لكنها عادت وقالت وما المشكلة لو أجابته ...فقط لتعزيه بوفاة والده ...فلم تتمكن من الذهاب مع والدها وقت العزاء .

سكت الرنين فأطرقت برأسها وتهدل كتفاها بحزن قبل أن تنتفض كل خلية فيها ويضرب قلبها في جدران صدرها حين عاد الرنين من جديد بنفس الاسم لتجد نفسها تضغط رز الإجابة الأخضر دون قدرة على التحكم بنفسها أو منعها .
تعالت نبضاتها أكثر وغامت عيناها بشوق لم تعد قادرة على إنكاره وصوته المرهق النبرات يأتيها قائلا :
"السلام عليكم هادر ...آسف لعدم ردي سابقا ...كنت منشغلا ...سألقاك اليوم ف..."

قالت باندفاع مقاطعة كلماته :
"كيف حالك سيد ...البقاء لله في وفاة والدك "
ساد الصمت للحظات لم تسمع إلا أنفاسه العالية قبل أن يقول بلهجة مستنكرة :
"رؤى ؟!..أهذه أنت "
أجابت باندفاع :
"نعم ...أنا ...جيد أن عرفت صوتي ...لقد كنت ارغب بعزا..."
قاطعها صارخا بجنون:
"ماذا يفعل هاتف هادر معك ...وأين أنت بالضبط ؟!"
ردت بارتباك:
"أنا بالنادي ...وهادر ترك هاتفه معي حتى "
عاود مقاطعتها قائلا بغضب ثائر:
"لا أريد أن اعرف ...ولا يهمني.. هل سمعت لا يهمني ..فأنت حرة أيتها الآنسة المحترمة التي تذهب مع شاب لا تربطها به حتى الآن صفة رسمية للنوادي …"
اتسعت عيني رؤى بصدمة وحاولت الشرح لكنه لم يمنحها فرصة لمقاطعته بل أضاف باندفاع:
" لا يهمني هل سمعت؟ .. فلتذهبي معه للجحيم حتى ...لا يعنيني هذا...لكن إياك أن تتحدثي معي من الآن فصاعدا ...أتفهمين "

أغلق الهاتف بينما ظلت هي ساهمة للحظات والهاتف ما زال على أذنها كما لو كانت قد تجمدت غير قادرة على الحركة ..
كان جسدها ينتفض من الداخل والخارج ووجها قد شحب ودمعت عيناها ... لتفيق على صوت باسم الواقف خلفها يقول :
"رؤى ما هذه المفاجأة الحلوة ...أممم أتشاهدين إعلان الحفل ...سيكون رائعا ...أنا أيضا أحب هذا المطرب ...وسأحضر هذا الحفل ...لعلمك تذاكر حفلاته تنفذ سريعا …"
استدارت إليه تحاول استجماع شتات نفسها وابتلاع دموعها وهي تسمع لثرثرته بينما أكمل باسم" ما رأيك في أن أحضر لكِ تذكرة وتحضري معي …"

قطبت جبينها فسارع بالقول:
" أقصد معنا أنا والشلة...صدقيني ستمرحين جدا و.."
لم تكن منتبهة لأي مما يقوله ...كل تفكيرها كان شاردا بتلك المكالمة ...تكاد تجن وتلوم نفسها بسبب فعلتها ...سيد فهم الأمر خطأ ...ولابد انه يظن الآن بها السوء لغبائها بالرد على هاتف هادر..لابد أن تجد طريقة توضيح الأمر له ...لابد أن تبرئ نفسها أمامه ...ليس لأجل أي مشاعر حمقاء ...بل لأجل سمعتها وكرامتها هي …

هزت رأسها بإيجاب لأفكارها قبل أن تفيق من شرودها على صيحة باسم الفرحة وهو يقول :
"رائع عزيزتي ..كنت واثق من قبولك ...سأحضرهم وأخبرك بالموعد "
وتحرك مبتعدا بسرعة وكأنه يخشى تراجعها فتركها خلفه مقطبة باندهاش وتساؤل عن معنى ما قاله هذا الأحمق ..

أما على بعد خطوات اخذ من دعته بالأحمق يسارع باسم بالاتصال بصديق له من أعضاء هذا النادي يطلب منه توفير التذاكر له بأقصى سرعة شاكرا في سره الحظ الذي خدمه أخيرا أن قابلها هنا صدفة وهو على موعد لمقابلة عضو من أعضاء النادي .. فلم يكن يعلم بأنها عضوة هنا كما خمن عندما لمحها من بعيد .. وبالطبع لم يضيع الفرصة ابدا..فابنة عمه السخيفة تزيد من سخريتها منه كل يوم ...والمهلة قاربت على النفاذ ...وهو لن يسمح لها بكسب الرهان فالمسألة بالنسبة له صارت تحديا وهو يعشق كسب التحديات ...

سارت رؤى ساهمة تفكر كيف يمكن أن تصل لسيد ... فهو منذ ترك العمل بمنصة المترو ولم تعد تراه ...ولا تعرف أين يعمل لابد أن تجد طريقة للمعرفة … وتطلعت في هاتف هادر بيدها مفكرة .. فحتى لو حصلت على رقم هاتفه لن يفيد فهي تريد أن تقابل هذا الأحمق المستفز وجها لوجه .. لتلتمع عيناها وهي تنظر لمن يبعد عنها بضعة أمتار وتفكر في أنه هو وسيلتها للمعرفة ...فقط يجب أن تكون حريصة وتستدرجه في الحديث …

اقتربت أكثر من المتباريين أمامها ومال فمها بابتسامة راضية وهي ترى صديقتها تقفز متوردة عند إحرازها هدفا تكاد توقن أنه من تعمد الخسارة فيه ليمنحها سعادة وفرحة القفز أمامه بتلك السعادة ...فشعرت لحظتها بالرضا لقبولها مساعدة هادر ...فياسمين لأول مرة تراها تشع وتبتسم بل وتضحك وتنطلق بتلك التلقائية والتألق.
..غمزت رؤى بعينيها ما أن تقابلت نظراتها بنظرات هادر الذي قرر الاكتفاء من اللعب واقترب من ياسمين مسلما على طريقة ثنائيات التنس وهو يقول :
"تهنئتي آنسة ياسمين أنت لاعبة جيدة ومنافس قوي يسعدني اللعب معه ثانية "
نظرت له بأنفة ثم شمخت بأنفها الأفطس وهي تقول:
"بالطبع أنا جيدة ...لكن لا داعي للمزيد من اللعب معي ...العب مع مبتدئ من مستواك "
كاد ان يشدها من أنفها ذاك ليخبرها أنها فاشلة وأنه تعب كثيرا ليمنحها نصرا زائفا يفرحها به ..لكنه تماسك وهو يحدث نفسه بضرورة الصبر ...فحبيبته حمقاء غبية معقدة ...وهو مضطر لاحتمالها فتجاهل كلماتها وهو يخرج من جيبه منديلا يجفف به عرقه ويقول :
" فلندع رؤى تطلب الطعام حتى نعود من الحمامات "
كانت ياسمين على وشك التحرك عندما سمعت ما قال فالتفت له باستنكار وهتفت :
"أي طعام ...هل صدقت حقا أننا سنأكل معا وأنني سأدعوك للغداء"
رفع حاجبه ونفى بقوله :
"بالتأكيد لا ...بل أنا من سيدعوكما ...فأنا الرجل "
صاحت بعصبية:
"إسمع يا سيد "
قاطعها ببرود قائلا :
"هادر"
ارتبكت للحظة وقالت :
"ماذا ؟"
فاقترب مبتسما وهو يكرر :
"هادر وليس سيد اسمي هادر فقط دون أي ألقاب "
تطلعت فيه بتشوش قبل أن تهز رأسها وتقول ضاغطة على حروفها:
" سيد هادر ..كما كنت أقول لك سابقا ...نحن لن نتناول طعامنا معك فالأمر غير لائق ولا يجب ..وأنت لا يصح أن تطلبه"

نظر لها بوله أخفاه خلف قناع هادئ وهو يراها ترفع يديها مزيحة شعرها خلف إذنيها وادعى اللامبالاة وهز كتفيه بعد أن وضع يديه بجيبيه قائلا:
"أنا لم اطلب شيئا غير لائق فوالدك يعلم ..وإن لم تصدقيني هاتفيه "
وتحرك متجها ناحية الحمامات وهو يهتف من فوق كتفه :
"أطلبي الطعام لنا آنسة رؤى ...ولي مثلكما ايا كان "
وأسرع بخطاه ليلتفت ناحيتهم قبل أن يختفي خلف المنحنى ضاحكا وهو يراها تتجادل مع صديقتها واثقا من قدرة رؤى على إقناعها .


عندما عاد بعد دقائق وجد رؤى وحدها فجلس يسألها:
" ألم تعد بعد ؟"
هزت رأسها تجيب:
"ذهبت منذ دقائق بعد أن كادت أن تضربني لتصميمي على قبول الدعوة ...ولم تكن لتوافق لولا أن هاتفت والدها ...لا أدري ما قاله لها ...لكنها رضخت وإن على مضض .."
ومدت يدها له بالهاتف وهي تجلي حلقها محاولة استجماع شجاعتها لأخباره باتصال سيد ...وسؤاله عنه لكن رنين هاتفه قاطعها وهو يتسلمه منها ..ليجيب عليه هادر بمرح :
"ياسر أين أنت يا رجل ..لا أنت ولا سيد تجيبا على هاتفكما …(واستمع للحظات قبل أن يرد عليه) حسنا جيد أن سيد حدثك واتفقتما ...لكن لا داعي للقاء بهذا الميدان ...(وأكمل ضاحكا بسخرية ) أنت يبدو انك نسيت شوارع البلد بعد غيابك ولن أعيد دوراني بحثا عنك كالمرة السابقة.. اسمع ...لدي أوراق وبعض الأمور العالقة بمكتبي السابق بمحطة المترو ...لنتقابل أنا وأنت وسيد هناك غدا في الثالثة ...وبعدها نذهب بسيارتي لنرى المخزن ونحدد ما سيحتاجه ليتحول لمعمل إنتاج ناجح ... (وأضاف ساخرا بمرح بعد لحظات استماع) ..المهم أن تكون متذكرا موقعه كي لا تتوهنا …"

وأنهى المكالمة بسرعة حينما لمح عودة ياسمين.. فالتهمتها عيناه وهو يدعو بقلبه أن يجعلها الله من نصيبه..
أما رؤى فزفرت براحة حينما ساعدتها الظروف أن تعرف كيف تصل إليه دون أن تحرج نفسها

*** ***
يتبع


noor elhuda likes this.

رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 02:38 AM   #622

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

الحارة شقة يوسف منصور

أنهت تنظيف المطبخ بعد أن رتبت الشقة وطهت الطعام ووضعته بحافظات على المنضدة ...وأخذت تنظر حولها برضي لتتأكد من أنها لم تنسى شيئا ..

ثم ذهبت لغرفة حماتها تفتحها بهدوء تنظر لها وهي نائمة وتبتسم بمحبة قبل ان تقترب منها تغطيها جيدا و تدعو الله بداخلها أن يحفظ تلك المرأة الطيبة .
تراجعت رباب بهدوء ناحية باب الغرفة لكن عيناها التقطتا صورتها في مرآة طاولة الزينة فتسمرت بارتعاب وهي تطلع لتلك الهيئة المنعكسة بالمرآة وحدثت نفسها بقرف:
" ما هذا الشكل ؟....أنا أبدو كالخادمات …(و قطبت حاجبيها وهزت رأسها وهي تدمدم (...أي خادمات ...والله حتى لم أصل لهن ... بل أبدو كالعفاريت الأشرار اللائي كن يخفننا بحكاياتهم ونحن صغار …"
دققت في شكلها بانتقاد ...ثوب قديم حائل اللون متسع رفعته من الذيل بعقدة حتى الركبة وربطته من المنتصف برباط حذاء ...وأسفله يظهر بنطال كلسون قديم بل مهلهل كان ليوسف رفعت احد ساقيه بينما تدلى الآخر ...وشعرها مربوط بإشارب برتقالي فاقع بعقدة بمنتصف رأسها وتتدلى من أسفله بعض خصل مشعثة من شعرها بكل اتجاه ...ووجهها بل كلها مليء بالأتربة وتفوح منها روائح الطهي والتنظيف ......

انتبهت لحظتها لاقتراب موعد عودة يوسف فأسرعت خارج الغرفة تغلق بابها بهدوء مفكرة بهلع بوجوب خروجها قبل أن يأتي ويراها بتلك الهيئة المخزية …

لم تكد تقترب من باب الشقة الداخلي حتى شهقت وهي تسمع صوت المفاتيح في الباب فشهقت و نظرت حولها مفكرة أين تختفى ...لكنها لم تتحرك لأكثر من نصف خطوة إلا وتسمرت بعدها مع فتح الباب لعدة سنتيمرات لم تكتمل ليأتيها صوت أنثى مغناج تنادي بنعومة باسم يوسف …

قبل دقيقة

كان يوسف يفكر وهو يقترب ويفتح الباب..

ترى أما زالت رباب هنا أم عادت لشقة أخيها ...لقد بدأت أماله تتزايد خلال اليومين السابقين وهي تأتي كل يوم ترعى أمه وتصنع الطعام تاركة له نصيبه …
آه كم كان مشتاقا لطعامها ..
لأنفاسها التي يستشعرها مع كل قضمة ...
أمس كاد يرقص فرحا عندما وجد ملابسه نظيفة ...وقمصانه مكوية ومرتبة بدولابه ..
آه كم أفتقد لمساتها ...وكم أن الإنسان أعمى عما لديه من نعم …

لقد أعتاد دوما على وجود طعامه معدا...ملابسه مرتبة ...بيته يشع نظافة ..حتى أصبح أمرا معتادا لا يشعر بأهميته ..ولم يفكر يوما بمن تقوم بكل ذلك ...سواء أمه سابقا ..أو رباب بعدها ...حتى افتقد كل ذلك خلال الأشهر الماضية …

لقد عاني الأمرين وفشل تماما بالعناية بنفسه وأمه وبيته ...دون ذكر ابنيه اللذين فضلا البقاء مع رباب ولا يلومهما أبدا …

بمجرد أن فتح الباب توقف فجأة على نداء باسمه فاستدار ليجد حسنات تصعد درجات السلم بسرعة وتقف أمامه تنهت وهي تحمل بين كفيها إناء زجاجي مغطى وتقول بميوعة :
" تعبت من النداء عليك يا سي يوسف ...وأنت شارد"

نظر لها باندهاش للحظة ملاحظا بنفور بلوزتها الحمراء بفتحة صدرها المتسعة والتي تظهر بكرم بشرتها البيضاء حتى بداية نحرها والملتصقة بجذعها فغض بصره لأسفل فتلتقط عيناه تنورتها الضيقة التي تقف على حدود ركبتيها مظهرة رسمة ما تلتف حول ساقها لم يهتم بالتحقق منها وهو يدير عينيه بعيدا و يسأل بضيق ممسكا بضرفة الباب بيده :
"خيرا يا ست حسنات ..هل كنت تريدين شيئا مني "

تراجع بجذعه للخلف مع اقترابها الغير لائق منه حتى كادت رائحة عطرها النفاذ أن تسبب له رغبة في العطس وهي تقول بصوت خافت :
"وهل نستغني عنك أبدا ...أنت نعم الرجل .. (واقتربت أكثر فتراجع بجذعه أكثر وهو يقطب بينما تكمل) أردت إعطائك هذا ..طبق أم على ..صنعة يدي وحياة عيني "
نظر للطبق الذي ألصقته بصدره بتوجس دون أن يمد يده وقال بارتباك :
" شكرا لك يا ست حسنات ..لكن لا داعي ...أنا لا أحب الحلوى "

شهقت وهي تضرب على صدرها نصف العاري بكفها فأصدرت ضربتها صوتا عاليا وهي تدفع الطبق بصدره أكثر باليد الأخرى حتى اضطر للامساك به قبل أن يقع ثم قالت بنبرة حزن لائمة :
"هكذا يا سي يوسف ...تريد رد يدي ...وكسر خاطري ..ولا ترغب بتذوق طعامي …(لتخفض صوتها أكثر وترمش بعينيها وهي تقول بميوعة) لعلمك ...لو ذقت لقمة واحدة من طعامي ...لن تتركه أبدا .."
تنحنح يوسف بضيق وحرج وقال لينهي الموقف :
" شكرا لك ست حسنات ...لكن لا داعي لتتعبي نفسك مرة ثانية "

شهقت ثانية ومالت برأسها بابتسامة وهي تدعي تعديل الوشاح القصير فوق رأسها و الذي لا يعرف ما الداعي له أصلا و شعرها المصبوغ بالأصفر ظاهر أكثر من نصفه ..ثم قالت بدلع:
" أين التعب ...تعبك أنت وخالتي أم يوسف راحة فلتؤشر أنت فقط بيدك ..وأنا أخدمكم برموش عيني (وتنهدت بعمق وهي ترمقه من تحت رموشها وتضيف مدعية التعاطف) والله لا تعرف كيف حزنت لأجلك ولأجلها منذ علمت من سهام أختك أن زوجتك غاضبة وتركت لك البيت …(مصمصت شفتيها تضيف )وهل هناك من هو مثلك بالحارة كلها ...لكن ماذا أقول ...نساء تتبطر على النعمة ( وأسبلت عينيها وهي تكمل بغنج ) الغبية لا تعرف قيمتك "

انفتح الباب فجأة بعنف أجفل الواقفان اللذان لم تتح لأي منهما فرصة النطق أو التحرك بينما اندفع إعصار يطلق الحمم ليدفع حسنات بقوة بعيدا عن يوسف ..

اتسعت عيني يوسف وأحتضن الطبق حتى لا يقع من يده وانكمش بزاوية الباب وهو يرى رباب تصفق بيدها وتشيح بهما في الهواء وهي تصرخ في حسنات:

"وأنت من تعرفين قيمته يا زكيبة السيئات ..يا عرة الستات ...يا شبيهة العرسات يا من العشرة منك لا يسوين عشر مليمات "

شهقت حسنات وأطلقت من حنجرتها صوتا مستنكرا وهي ترفع أصابعها لتمررها فوق جبينها بشكل أفقي تقول :
"من التي لا تسوى يا امرأة نصف لبة أنت ! ... أنا من يرتمي الرجال تحت قدمي طوابير وتزوجت وأنا لم أكمل العشرين.. أم أنت من دللوا عليك بعد أن وصلت الثلاثين ...أنظري لنفسك يا صدئة قبل أن تتحدثي معي ...ولو أن المفروض أن احضر لكِ دلو ماء لتتحممي أولا قبل أن نكلمك بدلا من رائحة العفن التي هبت علينا ( ومصمصت شفتيها وهي تميل برأسها ناحية يوسف المتسع العينين باستنكار تقول بتعاطف ) قلبي معك والله على هذه الخِلقة الذي تتحملها ...وأنا من كنت أظنها تملك بعض الجمال وهي تخرج كل يوم بحجة المدرسة وترمي المسكينة أمك عند أختك ..صدق المثل ( من بره هله هله ومن جوه يعلم الله ) اشتري لها صابونة يا سي يوسف قبل أن تتعفن وتصيبكم بالجرب.. أمك المسكينة لديها حساسية لن تتحمل رائحتها...لا أظنها استحمت أو غسلت شعرها من شهر"
انقضت عليها رباب تجذبها من شعرها وهي تصرخ بها :
"أنا لا استحم يا عرة النسوان يا من لا نعرف لكِ ملامح من كثرة ما تضربين به وجهك من الألوان ...يا من تشترى زينتك من بائعي البويات وتصبغين شعرك بأكسجين لحام السيارات"

اشتبكت كلتاهما مع الأخرى بشجار ضارٍ وتبادلتا السباب فتحرك يوسف عندما شعر أن الأمر قد خرج عن السيطرة وستصير فضيحة مدوية لو انتبه الجيران .. فاقترب محاولا جذب رباب بيد بينما الأخرى ما زالت تحتضن الإناء وهو يهتف محذرا :
"كفى رباب ...الجيران ستسمع وتصير فضيحة ...ما بك ...لم يحدث شيء ...الست حسنات أكثر الله خيرها كانت تريد فقط أن نتذوق (أم على) من صنع يديها"

اتسعت عيناه وتراجع للخلف برعب مع التفات رباب ناحيته بعد أن تركت شعر حسنات .. لتقترب منه وتقول بصوت ذكره بشرشبيل عند غضبه:
"تريد أن نتذوق ماذا يا حبيبي! "

ومدت يدها تجذب منه الطبق بعنف أراق بعضا مما فيه فوق ملابسه قبل أن تلتفت بسرعة وترفعه تنزل به مقلوبا فوق رأس حسنات لينسكب كل ما فيه عليها وهي تقول بتشفى متجاهلة سبابها :
" خدي على وأمه معك وارينا عرض قفاك يا حلوة "
وأضافت ساخرة وهي ترى حسنات تحاول مسح رأسها ووجها بلا فائدة :
"أظن أنك من ستحتاجين الآن لدلو الماء والصابون . ..( واقتربت منها هادرة بعيون جعلت الأخيرة ترتعب )اختفي من أمامي"


استدارت حسنات هابطة الدرج بسرعة كمن تطاردها الشياطين ليلحقها صوت رباب متوعدة:
" لو رأيتك هنا ثانية قسما سأنزلك السلم دحرجة على وجهك ...ولو أقتربت من زوجي سأمسح مساحيق وجهك بتراب الحارة "

واستدارت ليوسف لتجده ينظر لها بابتسامة بلهاء وهو يعود بظهره للخلف يدخل شقته مرتعبا مما ستفعله به جعلت غيظها يزداد ويرتفع لعنان السماء فقالت وهي تدخل خلفه وتغلق الباب :
" إلى أين تحسب نفسك هاربا !!"

اتسعت ابتسامته أكثر وهو يعود بظهره فعضت على شفتها بغيظ وتحركت نحوه والشرر يتطاير من عينيها تقول :
" لماذا تضحك.. هل ترى الأمر مسليا يا يوسف"
اصطدم يوسف بجدار الطرقة فلمعت عيناه بنظرة ماكرة وتحرك ليكمل سيره هذه المرة متعمدا استدراجها وقال بهدوء ونفس الابتسامة البلهاء :
" ماذا فعلت أنا!"
بالقرب من غرفته تفاجأ بأنه قد اصطدم بجدار آخر قبل أن تشده من ياقته الملوثة ببقايا أم على وهي تقول بفحيح خطر :
"أسمِعني ثانية ماذا كنت تقول عن صنع يدي سيئات !! "

في الثانية التالية كان يوسف قد سحبها من ذراعها ودخل بها غرفته مغلقا الباب خلفه بسرعة فتطلعت فيه وقد أدركت بأنها قد وقعت بفخه وقالت بوجنتين مشتعلتين وهي تحاول فتح الباب:
"ماذا تفعل"
حبسها بين جسده والحائط قائلا بأنفاس ساخنة :
"هل تغارين ؟"
بارتباك ردت وهي تعيد خصلة مشعثة خلف أذنها:
"اغار مِن مَن ؟.. من هذه الساقطة ؟!"
مال برأسه يقول بأنفاس ساخنة:
"السؤال الصحيح هو تغارين على من .. أتغارين يا رباب؟"

ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تقول بتشوش وارتباك سببه قربه الشديد منها:
"ابتعد يا يوسف ودعني أخرج الأولاد على وشك العودة من المدرسة"
مال على عنقها مستنشقا رائحتها...
قد تكون مغلفة بروائح الطعام والمنظفات …
وقد تكون مغطاة بالأتربة لكنه كان يشمها منها .. يستنشق بعمق كغريق خرج لسطع الماء بعد أن ظن أن لا نجاة …
إن رائحتها تأسره منذ ليلتهما الأولى وأدمن رائحة جسدها وحفظ أريجها ..
أنزل كفيه من الحائط ليمسك بكتفيها وهو يعيد سؤاله برجاء :
"قوليها بالله عليك قولي بأنك تغارين عليّ من حسنات يا رباب"

اشتعلت غضبا وهو يذكرها بتلك الحقيرة لتضربه على صدره قائلة :
"لا تذكر اسمها ثانية على لسانك يا يوسف.. قال أم علي قال ! "

مال فجأة وقبلها بقوة فحاولت مقاومته لأول وهلة قبل أن تستسلم قواها وهدير قلبها يعلو بضجيج مشتاق..

بعد قليل رفع يوسف رأسه ينظر لها بعمق وهو يقول لاهثا بصوت مثقل بمشاعره يقول :
"لا طعام يشبعني أو يعجبني سوى صنع يديك يا روح يوسف ...يا نبضة قلبه التي أخفاها بغباء خلف قناع واهي سقط سريعا ...فتمردت مهددة قلبه بالتوقف فلن تحيى بعيدا عمن تمدها بالحياة .."

اخذ صدرها يعلو ويهبط بسرعة وهي تتطلع فيه وتشعر بيديه تعبثان بملابسها وهو يهمس بلهيب مشاعره:
" أنت الشريان الذي يضخ الدم لقلبي فلا تبتعدي ثانية .. وإلا سأموت ...فلم يعد لدي مزيد من القدرة على التحمل يا قلب يوسف"

ومال مجددا يرتشف أنفاسها على مهل بالبداية قبل أن يفقد قدرته على الصبر ويزمجر ملتهما شفتيها بعنف وشوق الشهور الماضية ...بل السنوات الماضية ..فلأول مرة بعد أشهر زواجهما الأولى يشعر بكل هذا الدفء معها … بكل هذا التجاوب منها وهي تلف يديها حول عنقه وتشب على أطراف أصابعها تبادله القبلة بنفس الشوق الجامح ...بنفس اللهفة التي جعلت كلاهما يشد جسد الآخر له كما لو كان لا يكتفي منه ..كما لو أرادا أن يدخلا تحت جلد كلا منهما …

كان يلصقها بجسده في الحائط بعنف لكنها لم تشعر بألم ... بل بشوق شوق مجنون كشوقه ...دافئ كشفتيه ..حار كجسده ..مندفع كمشاعرة الثائرة .. فنسيا الزمان والمكان ولم يدركا كيف ومتى اختفت الملابس عن الأجساد فالعقول غُيبت تحت وطأة الشوق وطول الحرمان ... شهوة روح للقاء وليفها أطاحت بهما ....فما احلي الاكتمال مع شريك الحياة ...وما أنقى الرغبة الحلال حين تشتعل شوقا …
شوق أنَ من طول البعاد كأنين الفراش الذي كان يهتز بعنف حتى كاد يتحطم ..
شوق جعلهما لا يشبعان وكلما ابتعدا لحظات يعودا للاقتراب بعنف أكبر …
نهمان كلا منهما للآخر ...يتباريان بمعركة العشق ..حتى خرا منتصران بأنفاس متقطعة …

دقائق عدة مرت قبل أن تهدأ رجفة الجسد ويستكين كلاهما بحضن الحبيب فضمها يوسف بفرحة مذنب نال صك الغفران ..
واحتضنته رباب برضا مسافر عاد لوطنه بعد طول غربة ...يستكين رأسها على مرفأ صدره ...وتتوه يديه بشلالات شعرها الذي انفك من عقاله ...
وقت لا يعرفا مداه مر بصمت لا يريد كلاهما قطعه حتى بدأت تتململ ليقيدها يوسف بجسده وهو يقول بخفوت وصوت مثقل بالعاطفة وشفتاه تتمرغان فوق جبينها :
" سامحيني رباب ...أنسى كل ما فات ..ولنبدأ من جديد ...لنجعل اليوم أول أيامنا معا كما لو كان ما قبلها لم يكن "

مرغت رأسها بصدره أكثر وهي تزيد من ضمه و تقول بتقرير :
"تعرف كما أعرف أن الماضي لا يُمحى ولا يموت …(ورفعت رأسها قليلا وارتكنت بذقنها على صدره وهي تنظر لعينيه قائلة( لكن يمكن أن نتعلم منه ...نتخطاه نعم ...لكن لن ننساه ...عدني يا يوسف ..عدني أن لا تجرحني ثانية ..أنا لا تشك بي يوما ..أن تكون معي على الدنيا لا علي ..عدني أن تكون أماني ...حائط يحميني من طعنات الغدر "
جذبها رافعا إياها فوق صدره وهو يعدها بصدق :
"أعدك يا حبيبتي ...أن أكون لك مع الدنيا لا عليك ..سأدللك كأصغر أبنائنا ...وأحميك كشقيقاتي .. واحترمك كأمي ...وأعشقك كأنتي ...كحبيبتي التي لم ولن تشابهها أخرى ."
وجذب رأسها معيدا ارتشاف المزيد من شهدها لتعود النيران للاشتعال فيقلبها بعنف مشاعره التي هاجت ثانية معيدة الفراش للأنين بعنف اكبر مما سبق



صباح اليوم التالي
الحارة سطح عوض


خرج آسر بجسد متألم ثم وقف يرفع حاجبه وهو يرى سيد يجلس متربعا على فرشة مهترئة موضوع فوقها أنواع طعام بعضه غريب لا يعرفه .. يجاوره عوض الذي يمسك بيده حزمة مبتلة من نبات أخضر اللون لا يذكر اسمه بالضبط .. ويفعل شيئا عجيبا حيث يمسك بالحزمة يحركها في الهواء كمن ينفضها فيتطاير رزاز الماء منها بكل اتجاه..لكنه لم يفهم سبب ذلك وخمن أنه ربما يهش بها الذباب رغم أنه لا يرى ذبابا..
حدج سيد آسر بنظرة غير مريحة وهو يقول بمكر:
"صح النوم .. تعال حماتك تحبك هيا لتفطر"
. بوجه عابس من ليلة لم ينم فيها جيدا ومزاج عكر نظر له آسر بتشوش وغمغم بحشرجة:
" أي حماة تلك؟!.. أنا لست متزوجا "
أشاح سيد بيده ضاحكا وهو يقول:
" لا تهتم إنه مثل شعبي نقوله لمن يحضر وقت الطعام .. هيا لتفطر " ناظره آسر بشك وعدم استيعاب لما يقوله ولا للأطعمة الموجودة في الأطباق أمامهما ثم قال بتجهم وهو يهرش في كتفه:
"شكرا أنا لا أفطر فقط يكفي كوبا من القهوة"
هب عوض واقفا يقول باعتراض وحمية:
"ما هذا يا أستاذ هل تستقل بنا والله لن يكون "
أجفل آسر وابتعد برأسه للخلف قليلا يناظر عوض بامتعاض لكن الأخير مد يده وقبض على ساعد آسر يسحبه للأسفل ليجلسه بإصرار كاد يوقع الأخير فوق الطعام وهو يقول بفخر"
: الأستاذ سيد أخبرني أنك تريد أن تذوق طعامي الخاص.. لذا أعدت لك طبقا من (المِشّ )..وصاية
"
قالها وهو يدفع له يطبق به شيء مريب باللون بني فاتح .. فاعتدل آسر في جلسته الغير مريحة على الأرض ومال برأسه للأمام قليلا دون أن يرفع يديه .. ودقق في هذا الطعام الغريب المسمى بالمش قبل أن تتسع عيناه تدريجيا حينما خيل إليه أن به شيئا ابيض اللون يتحرك .. فعقد حاجبيه ورفع أنظاره المندهشة لسيد بتوجس .. ابتسامة ساخرة زينت شفتي الأخير وقال بلهجة مستمتعة بحالته:
" لا تشغل بالك هذا دود.. "
هتف آسر بعدم فهم:
" نعم !!"
تكلم سيد بنفس الابتسامة الساخرة :
" دووود .. ودود المش منه فيه.. " صاح آسر بذهول "ماذا دوووود .. دود حي"
رد عوض بفم ممتلئ : طبعا حي .. هل ترانا أنذال لنطعمك دود ميت !!"
لاح الهلع على وجه آسر وصاح باستنكار :
" وهل المشكلة إن كان حيا أو ميتا .. أم في أنه دوووود!!! "
لاح القرف على وجه عوض و توقف عن المضغ يقول وهو يمسك بضع أعواد من الجرجير:
"كف عن سيرة الدود الميت يا أستاذ نحن على الطعام "

اتسعت عيني آسر وقال باستنكار:
" هذا فقط ما يثير قرفك وليس الدود نفسه !!!"
ضحك سيد قائلا بابتسامة شريرة :
"لا تقلق صغير جدا.... ولا يؤذي صدقني .".
ناظره آسر مصدوما يحاول الاستيعاب فأشاح سيد بأنظار متجاهلا وهو يرفع كوب الشاي إلى فمه ببرود يحتسي منه رشفة طويلة بصوت عال متعمدا .. وتذكر ما اتفق عليه مع عوض.
قبل قليل

دخل سيد السطح يحمل بين يديه حزمتين من الجرجير والبصل الأخضر وكيسا به قرطاس من الطعمية الساخنة وكيس فول بالزيت الحار وكيس باذنجان مخلل وخبز ساخن واتسعت ابتسامته وهو يرى عوض يملئ قلل المياه على حافة السور وهو يدندن بخفوت ..فاقترب منه ببطء ثم منادى باسمه فجأة بصوت عالي جعل عوض ينتفض وكادت القلة أن تقع أمامه لينظر لسيد بغضب وهو يهتف:
"يا الله عليك يا أستاذ سيد ..لن تكف عن حركتك هذه ...ماذا لو وقعت القلة مني على رأس أحد "

مال سيد برأسه ناحية القلة وعاد بنظره لعوض قائلا باعتذار:
"معك حق ...المرة القادمة سأتأكد أن لا تكون قريبا من مصادر الخطر "
ضرب عوض كفا بكف وهو ينظر له مستغفرا قبل أن يسأله بضيق عندما لمح ما يحمله :
"ما هذا يا أستاذ سيد ...هل أحضرت إفطار لصديقك !...هل أنا غير قادر على إطعامه أم تستقل بي ؟"
دفع سيد ما بيده لعوض الذي اُجبر على الإمساك بهم حتى لا يقع شيء وهو يسمع قول سيد اللائم:
" عوض يا حبيبي ارحمني من حمية الصعيدي لديك ...لقد كنت احضر الإفطار لبيتنا وأحضرت لكما معي حتى نفطر معا ...الأمر لا شيء به ...نحن أخوة ...أنا احضر أنت تحضر واحد وببيتها ...ثم لا تنسى أنه ضيفي أنا ( وأضاف مقاطعا اعتراضاته بتحذير) حتى لو كان أمام الناس قريبك ...لا تنسى ما اتفقنا عليه ...كل من سيسأل.. ستخبره أنه ابن عمك الذي تزوج من تركية... وكان يعيش هناك وقرر القدوم بزيارة يتعرف بها على البلد ...وانك أقسمت عليه أن يبقى معك لفترة...انتبه جيدا يا عوض ..كما أفهمتك أمس ...آسر لديه مشكلة مع بعض الناس الخطرة ويجب أن لا يعلم أحد مكانه أو شيء عنه..أمام الجميع هو ابن عمك المغترب وفقط "
استعاد عوض برأسه وجه عمه رحمه الله شديد السمرة حاد الزوايا والذي تزوج بالفعل في شبابه من أجنبية لفترة ليغمغم بخفوت ممتعض :
"إبن عمي كيف بهيئته الملونة تلك.؟! ..والله لو رآه عمي رحمه الله أو أحد من العائلة لضاعت فيها الرقاب "

"عوض هل ستظل ساهما ...هيا يا رجل أعد الإفطار ورائنا مصالح "

قالها سيد وهو يلتفت ناظر لباب الحجرة الموارب وسأل بابتسامة خبيثة :
"ألم يستيقظ آسر بعد ...يبدو أن كنبتك ( اريكتك) أراحته كثيرا "

مستعيدا بذهنه تلك الكنبة الخشبية الضيقة والمفروش فوقها مرتبة أصلب من الصخر من القطن الأحمر المليء بالنتؤات المؤلمة لجسد أي نائم عليها ...فكتم ضحكته وهو يتذكر انه كثيرا ما كان يفضل افتراش الأرض على النوم عليها عندما أقام مع عوض...فصلابة الأرض ارحم منها ..

أتاه صوت عوض ممتعضا وهو يرتب الطعام فوق الفرشة الأرضية قائلا:
"لا أظنه استطاع النوم جيدا ...صديقك هذا مرفه كثيرا ...ولا يعرف شيئا عن الحياة ...لقد كان ينظر ويتلمس كل شيء بالحجرة والسطح بتعجب وتوجس كما لو كان قادما من كوكب آخر ..وكاد يغص وتزهق روحه عندما حاول الشرب من القلة وأصر بعدها على أن يصب الماء منها بالكوب حتى يشرب ( وهز رأسه بنفور مضيفا)
هذه نهاية الزواج من أجنبيات والتربية بدول الخواجات .."

وقام من فوق الفرشة متجها لخزانة خشبية صغيرة بجانب باب الحجرة يضع بها بعض الأواني احضرها ليفرغ ما أحضره سيد الذي اقترب منه وهو ينظر للباب يتأكد من نوم آسر قبل أن يقول لعوض بخفوت ماكر:
"تعرف يا عوض ..أنت على حق ... هو بالفعل مرفه وطري ..لذا يجب علينا أن نساعده لتقوى عظامه ويشتد عوده ...نريد بنهاية فترة إقامته أن يكون مصريا أصيلا مليئا بالرجولة ...لا ناعما كالغربيين "
مال عليه عوض سائلا بنفس الخفوت المتآمر:
"ماذا تعني ..وكيف سنفعلها "
ابتسم سيد بخبث وهو يسأله :
" هل ما زلت تعاني من ظهور الدود بزلعة المش التي أحضرتها معك من البلد ؟"
امتعضت ملامح عوض وهو يقول بضيق :
"لقد زاد به ولم اعد قادرا على تناوله ..(وأضاف بحزن) ..أمي كان من المفترض أن تحضر معي قبل فترة وكانت تخبرني أنها ستعالج المشكلة فتصفيه تماما وتضع بالزلعة أشياء تمنع تكَون الدود ...لكن ...(ليتنهد بعمق حزين وهو يضيف) قدر الله وما شاء فعل ...وفاة زوج أختي أضاعت كل شيء .."
نظر له سيد بتعاطف وهو يسأله :
"ألن تخبرني عن ما حدث وسبب قرارك الابتعاد عن صباح؟ "

انغلقت ملامح عوض وخشن صوته وهو يقول لسيد بحزم:
"أستاذ سيد الأمر انتهى ..لو سمحت لا تتحدث فيه أو عنها ثانية ...لا يصح أن نذكر اسم بنات الناس بيننا...سهل الله لها وأسعدها"

ناظره سيد بمكر وهز كتفه مدعيا الانصياع وهو يقول:
"حسنا لن أتحدث عن من لا يجب ذكر اسمها ...وبالطبع لن أخبرك أنها من أرسلت لك معي حزمتي الجرجير هدية عندما أخبرتها أني سأفطر معك ورفضت بإصرار اخذ ثمنهم ...ولن أخبرك ما قالته لي لأخبرك به "

ومال على الفرشة مفرغا الطعمية بطبق والباذنجان بآخر متجاهلا عوض الذي مد يده يمسك حزمتي الجرجير ينظر لهما بشوق ليتنحنح بعض لحظة قائلا بخفوت متردد:
" حسنا ..لا يجب أن نتحدث عنها ..أو نقول شيئا ...لكن تعرف أن الرسالة أمانة وطالما أرسلت لي معك رسالة ..يجب أن تخبرني بها "
رفع له سيد رأسه بميل ناظرا له وهو يقول بسخرية :
"أي رسالة ..هي فقط بضع كلمات …( وأضاف بسخرية يقلدها ) أعطي سي عوض الجرجير فهو يحبه كثيرا ولم يأتي لأخذه من فترة ...وأخبره أنني أحفظ له كل يوم حزمة لا أعطيها لغيره حتى لو ذبلت ...فسأظل أحفظها له وحده "

كاد سيد ان ينفجر ضاحكا وامسك بنفسه بصعوبة وهو يرى عوض بجلبابه وملامحه الرجولية الحادة يميل برأسه هائما ويحتضن حزمتي الجرجير بين كفيه فوق صدره ..فقرر إخراجه من تلك الحالة قبل استيقاظ آسر فناداه مخرجا إياه من شروده :

"عوض هيا يا رجل اغسل الجرجير لن تظل محتضنا إياه ..واحضر لنا طبق مش من زلعتك "
نظر له عوض بتعجب فغمزه سيد قائلا :
"أول دروس الرجولة لضيفنا العزيز احضر المش واذهب لتوقظه "

عاد سيد من شروده عندما انتفض آسر فجأة مفزوعا حين ضرب عوض ببضع أعواد من الجرجير في الهواء فاغرق رذاذها خد آسر قبل أن يكورها عوض ويدخلها في فمه كاد يغص بها ..ولم يمنع آسر من سب كلاهما إلا تلك النظرة المستهزئة في عيني سيد فرفع حاجبيه وأبعد طبق المش قائلا بحزم :
"عفوا لا أكل أشياء حية …"
وقطع أيا ما كان سيد سيقوله وهو يمد يده آخذا رغيف خبز بلدي واضعا به قرص طعمية وبعض الفول وفوقهم قطع باذنجان مخلل ولف السندوتش حول نفسه وهو ينظر لسيد بسخرية قائلا:
"أحب سندوتشات الديناميت أكثر "
اتسعت عيني سيد وتدلى فكه السفلي قبل أن يسأله بدون تصديق :
"وهل تعرف أنت سندوتشات الديناميت !!!!!"

أشار آسر بساندوتشه الذي قضم منه قضمتين كبيرتين ناحية سيد وهو يقول متشفيا :
" أعرفه وآكله وأحبه .. كما أحب الفتة ولحم الرأس وأشياء أخرى كثيرة من الأطعمة التقليدية ..بغض النظر أن كل الدول يوجد بها مطاعم محلية للجاليات وأصدقائي يدعونني وادعوهم فيها وهي تقدم الأكل المحلي بكل أصنافه ...فيما عدا ربما هذا المش (مشيرا بقرف ناحيته) لكن أيضا عندما ازور بلدا يكون أول اهتماماتي التعرف عليها ...عليها حقا كما هي دون رتوش تقدم للسائحين ...مطاعمهم وأسواقهم الشعبية وكل ما يمت لثقافتهم بصلة ..هذا جزء من مهنتي كمسئول بأكبر السلاسل الفندقية "

ولمعت عيناه ظفرا وهو ينظر لسيد مغيظا فتمالك الأخير نفسه سريعا وقال :
"جيد ...فاليوم سترى جزءا من ثقافتنا الشعبية ...فبما أنك قريب عوض فسترافقه اليوم في عمله بالسوق..(وأضاف بمكر )..ولن تكون مجرد متفرج ...بل بالتأكيد ستساعده بالبيع على العربة ..هو يعمل بمنطقة الموسكي ...اي روح وقلب تراثنا الشعبي الذي يجب أن تتعرف عليه "

لمعت عيني كلاهما بالتحدي بينما ينقل عوض نظراته بينهما وهو يدعو بداخله أن يمرر هذا اليوم بخير فهو لا يشعر بالراحة …
وكم كان شعوره بمحله …
فلم يكن ليتوقع هو أو سيد ما سيحدث لاحقا
*****
شقة سمير

تنظر سما بوجوم للخطين الأحمرين على عصا اختبار الحمل…
كم كانت تحلم دوما بلحظة معرفتها بأنها ستصير أما ..كانت تظن أنها ستطير فرحا ..
كم حلمت بتلك اللحظة ..كم تخيلت نفسها وهي تخرج لزوجها بقميص مغري تتحرك بدلال وهي تضع يديها على بطنها وتخبره بغنج أن هناك ضيفا جديدا سينضم إليهما فيصرخ فرحا ويحملها ليدور بها حول الغرفة …
انحنى فمها بابتسامة مريرة وهي تلعن الروايات الرومانسية التي أفسدت عقلها ومنتها بالأحلام التي وأدها الواقع...فلا هي ستتدلل وتتغندر بقميصها العاري ...ولا الزوج سيدور بها حول نفسه ...بل غالبا لن ينتبه أو يهتم وسط دوامة حصصه..أو ربما سيسعد فقط لإرضاء أمه التي لا تكف عن إلقاء النغزات عن تأخر مجيء ولي العهد ..كما لو كانت قد تزوجت من سنوات لا من بضعة أشهر ..

تنهدت بضيق وهي تفكر هل تخبره أم تؤجل الأمر قليلا حتى تتقبله هي ... خاصة والعلاقة بينهما عادت للتوتر مع استمرار تدخلات أمه ، وعدم إيفائه بعهده معها على تحجيمها ...بالإضافة لشجاره معها أمس حين علم بتنازلها عن نصيبها في المبلغ الذي ورثته من أبيها

مال فمها ببسمة مرة وهي تهمس:
"كما لو كنت تنازلت عن ثروة بالملايين و ليس بضع ألوف سيذهبون أصلا لسداد ديون زواجي منك"
أطرقت سما للحظات تنظر لأرضية الحمام ساهمة قبل أن ترفع نظرها للعصا بخطيها الورديين وتتحرك جالبة بضع مناديل ورقية تلفها بها وتلقيها بسهلة المهملات بلا اهتمام وتخرج بجمود مقررة أن الانتظار لبضعة أيام لن يضير أحدا فهي بحاجة لوقت تتقبل فيه الأمر …

انتهى الفصل

noor elhuda likes this.

رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 02:44 AM   #623

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

الفصل 20
برضو عندى نسخه بس دا كان نازل على جزئين فا التعليق طويل استحملى بقى ياريدا
والله الواد مدحت دا كله شوية يدخل قلبى اكتر واكتر وبيمحى اللى كان بيعمله فى الجزء اللى فات
مدحت اتغير تماما والاجمل وقوفه جمب ابوه ومحاولته اصلاح ما افسدته امه فى حياة سامية واخواتها وفى حياة ابوه وجعله منبوذ ومكروه من جهة ولاده
عز اتصدم باللى عمله مدحت بس زى ما يكون دى القشة اللى اتعلق فيها عشان يحيى الماضى ويحاول يوصل اللى اتقطع مع الانساسنة الوحيدة اللى حبها صحيح سامية رفضته ودا متوقع طبعا بعد كل اللى حصلهم بس عز كمان عرف غلطة ببعده ومش هيكرر اللى حصل
مشروع ياسر حلو جدا والاجمل اصراره على تنفيذ فكرته كنت عارفه ان عودة ياسر هيكون فيها نقطة البداية لتغير حياة سيد
سيد رفض المشروع ايوه بس دا بسبب انه كان مفلس ومديون غير غيرته من هادر لاعتقاده ان رؤى بتتواصل معاه ليها هى مش لياسمين اتمنى ان هادر ينتبه للنقطة دى بالذات خصوصا انه جرب الغيرة قبل كدا من سيد لاعتقاده انه معجب بياسمين
المنيل باسم اللى بيغنى ويرسم على رؤى يا رب تفضل فاهماه كدا وتصده يخربيته احنا مش ناقصين غبائه
ياسمين شايفه ان ابوه بيفرض عليها حاجات بالعافية بس دى محاولة منها لتعويضها تجاهله ليها وانغماسة فى الندم على خداع امها اللى ما تستاهلش
ياترى حصل ايه لأسر هو رجع ولا ايه ربنا يستر
الزفته دنيا دى شكلها بترسم على المتعوس سمير يلا خليها تشبع بيه هو وامه
انسان مادى حقير حتى الطفل المسكين مش راحمه ولا بيحاول يساعد حد الطماع دا اديله ياسما ما ترحميهوش هو وامه
يااااه واخيرا شحاته مات اللهم لا شماته فى الموت ياشحته وزعلانه انك مقدرتش تنطق الشهادة ولا تشيل البلاطة وتطلع قرشيين تعالج بيهم نفسك بس بخلك وعدم رحمتك لولادك وانت عايش يخلينا ما صدقنا خلصنا منك والفلوس اللى حرمت منها ولادك وانت عايش هتكون زادهم عشان سيد يسد ديونه ويبدأ مشروعه اللى حلم بيه
سمير اكبر نموذج لمثل فاقد الشئ لا يعطية
صحيح سمير وعيلته عاشوا مأساة بعد موت ابوهم وتنكر اهلهم والمحيطين ليهم بيهم بس للأسف مقدروش النعمه اللى جتلهم بعد عذاب ومرار وقسوة الايام عليهم
ابسط حاجة كان سمير اما يجيله طفل زى زيد اللى ابوهم سايبهم للفقر والحاجة كان يساعده فلوسه مش هتقل بمساعدته لطفل او اتنين طالما هو بيعوض فى غيره بالعكس دا كان ربنا هيباركله فى اللى حصل عليه بعد عذاب
وامه اللى مشافتش حاجه وحشه من سما ولا اهلها الافضل كانت تعتبرها بنت تانية ليها بدل التنمر عليها واستغلالها بالطريقة البشعه دى
صحيح سمير صعب عليا بسبب حبه لسما اللى هى مش قادرة تبادله بيه بس برضو مش متقبله تصرفاته المتخاذلة ولا تجبرها على الاطفال الفقيرة ولا تصرفات امه واخواته اللى كلها تعالى
ياعسنى على عمو عز اللى قرر يعيش مراهقة متأخرة بمطاردته لسامية بس حرام عليكى ياشيخه ترشيه بمايه فى البرد دا ... المشكلة فى عقل ماهى الطفولى اللى رافض جواز ابوها يا رب سامح يعدله ليها شويه
بصراحة انا متفقه جدا مع ام سيد فى تصرفها الدين دا كان مسئول من شحاته اللى كان المفروض هو اللى يجهز بنته ومحمود الغبى دا المفروض ما ياخدش منه مليم خسارة فيه والله واجمل حاجة ان خلاص سيد هيبدأ يحقق حلمه ويغير حياته عشان يكون جدير بالمجنونة رؤى
هادر وخلاص دخل البيت من بابه واضح انه قال لعبد العزيز برغبته فى الجوزا منياسمين ودا بسبب ابتسامة عبدالعزيز الكبيرة بس هل هيصارح ياسمين ولا هيسيبه يدخلها براحته قبل ما يقتل مدرب التنس
الله يخربيتك يامارجريت بس يلا اهو بسبب مطاردتك دى واضح ان الدنيا هتتغير خالص مع اسر وهيروح الحارة وهنشوف ايام فله
اما خالد قال لسامح توقعت انه يقوله انه ياخد اسر عند ابوه وامه بس افتكرت ان هند هناك ياترى بقى سيد هياخده عندهم ولا هيروح فين
الفصل روعه تسلم ايدك
...........................


ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 02:46 AM   #624

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثالث والعشرون
المكتبة ظهرا

تسكب الماء الساخن فوق كيس الشاي بشرود جعلها لا تنتبه أن الكوب فاض حتى شعرت بتساقط قطرات الماء الساخن من المنضدة على قدميها ..لتقفز بسرعة مزيحة البراد الكهربائي وتسارع بإحضار قطعة قماش جففت بها المياه ...وما أن انتهت حتى زفرت بضيق وهي تتلفت حولها و عيناها تطرف بين اللحظة والأخرى مخترقة الحاجز الزجاجي للمكتبة ناحية المكان الذي اعتاد الوقوف فيه بسيارته خلال الأيام السابقة وهي تتساءل بقلق عن سبب عدم حضوره أمس أو اليوم .
ألم يتبجح بأنه لن يبتعد مهما قست هي أو ابتعدت ؟!!.
عند هذه الخاطرة مال فمها ببسمة ساخرة وهي تفكر :
(وهل صدقته حقا يا حمقاء !...منذ متى وعز يفي بوعوده ...ألم يعدك سابقا ثم اختفى لسبعة عشر عاما تاركا إياك لتواجهي نيران الجحيم التي أشعلتها المجنونة زوجته السابقة ...انسيه ...اخلعيه من رأسك)
تحركت بنزق تحاول شغل نفسها بترتيب بعض الرفوف ..سعيدة هي بوحدتها فزميلتها أمها مريضة ولن تحضر... واليوم هادئ ولا يتواجد زبائن إلا كل فترة ..
أنهت ترتيب الجانب الأيمن وكانت تتحرك ناحية الجانب الأيسر والذي يفصله عنه مرآة طولية ما أن تخطتها بخطوة حتى وقفت فجأة مطرقة لتعود بظهرها خطوة للخلف وترفع رأسها متطلعة لانعكاسها بالمرآة بتمعن ..اقتربت أكثر تدقق في شكلها وهيئتها ..فامتلأت عيناها بدمع يأبي النزول وهي تمرر أصابعها على ملامحها بانتقاد وتسأل نفسها همسا :
"ولمَ قد يتمسك بك رجل مثله؟! ...لابد أنه انتبه لتغيرك ...لقد كبرت يا سامية ..أصبحت عجوزا شمطاء ...بينما هو ...هو لا يزال كما هو ...بل ازداد وسامة ...تلك الخصلات الفضية زادته ألقا جعلته يبدو أبهى وأكثر وقارا ...لكن أنت ...أنظري لنفسك ...حتى مع ثوبك المفضل ..والذي تعمدت ارتدائه وأنت تخادعين نفسك أنك لا تفعليها لتنالي إعجابه ...(ومال فمها بألم وتدحرجت دمعة من عينها اليسرى ) ...ما الذي سيعجبه فيك؟! ...جسدك الممتلئ! ...ملامحك الأقل من عادية !...ملابسك الرخيصة قديمة الطراز !.. عمرك الذي يقترب من الخمسين!! ...من مثله لو أشار لأجمل امرأة بل فتاة في الثلاثين.. جميلة راقية لألقت بنفسها فرحة بين يديه"
جادلها ذاك الجزء المتمرد في قلبها هاتفا بأنها لم تكن يوما فاتنة الجمال عندما عشقها بالماضي وظل يبثها الرسائل بعينيه لما يزيد على العامين قبل أن يطلب الزواج منها ...لم تكن أنيقة أو ذات جسد منحوت وعيناه كانتا تبثانها شوقا رغم رفضها المتكرر لطلبه ...كما أنه رآها عندما عاد ...رأي طلتها التي زادها العمر والأحزان وهناً وأظهرت التجاعيد حول فمها وعينيها ...وبهتت سمرتها التي كان يتغزل بها سابقا والتي وصفها ذات مرة بالسمرة الصافية الرائعة التي تشعره بدفء الشمس في يوم شديد البرودة .. ورغم كل هذا طلبها للزواج مجددا .
أخرجها من جدالها بين عقلها الرافض وقلبها المتمرد صوت رنين أجراس الباب تنبئ بدخول زبون ..فأخذت نفسا عميقا ومسحت خدها وشدت ثوبها محاولة استجماع شتاتها والتفتت لتجد ساعي البريد فناظرته بتعجب وهو يقول :
"ست سامية ...خطاب لكِ "
أخذته مندهشة وهي تقول :
"لي أنا ؟!!"
هز الرجل رأسه قبل أن يتجه للخارج تاركا إياها تقلب الخطاب المدون اسمها عليه بين يديها بحيرة ...إن الخطابات التي اعتادت استلامها سابقا كان اغلبها خطابات فواتير تخص البضائع بالمكتبة... أو إشعارات مكتب الضرائب وكلها تكون إما باسم المكتبة أو صاحبها ...لم تستلم يوما خطابا باسمها هي .
تحركت ناحية كرسي جانبي خلف الحاجز تنظر للظرف بين أصابعها بوجل وقلب ازدادت دقاته ...فحدسها يخبرها أنه منه ...رغم أن لا اسم مدون للمرسل على غلافه الخارجي .
بيد مرتعدة قلقا وترقبا وفضولا فتحته لتغمض عينيها للحظات قبل أن تفتح طياته وتتطلع بذهول لتلك الورقة المطبوع حول إطاراها زهورا وردية وزرقاء والتي تحمل في نهايتها توقيعه الذي تحفظه عن ظهر قلب منذ كانت تعمل معه بالجامعة .
تعالت أنفاسها وهي تنظر للأسطر أمامها فتجدها غائمة ...كما لو كانت عيناها التي امتلأت دمعا تخشي أن ترى في المكتوب ما ينحر الباقي منها .
أتراه خطاب وداع؟...أم ..تبرير للابتعاد؟ ..أم ..
رفعت كفها تدعك عينها مزيلة ما علق بها من دموع وهي تستنشق نفسا عميقا مجبرة نفسها على الصمود حتى تقرأ أيا كان ما كتبه عز .
صمود سرعان ما تهاوى مع انهمار دموعها وهي تقرأ كلماته.

((احترت كثيرا كيف أبدأ خطابي لكِ ...أي كلمة تلك التي ابدأ بها حديثي معك
هل ابدأها بحبيبتي ......فأنت بالفعل حبيبتي... لكنك لم تمنحيني بعد العفو لأنطقها ...
هل ابدأها بعزيزتي ...كلا فالمعزة رغم وجودها لكنها كلمة باهتة لا تعبر عن قدرك ومقدارك بقلبي ...
فكيف ابدأ؟ ...
أتعرفين يا حُلم سنين العمر التي مرت عجافا بين غربة روح وجسد ...عندما عدت لمصر بعد كل تلك السنوات واعدت بصعوبة أواصر العلاقة مع أبنائي ...عندما فتحت لهم بكل صراحة دفاتري القديمة بما فيها من أخطائي وذنوبي بل وضعفي وجبني ...كان الشيء الوحيد الصحيح بها هي أنت ...ليس تصرفي ناحيتك وابتعادي ...بل حبي لكِ .
ذات يوم سألني ابني مدحت قبل أن يراك أن أصفك له ...أصف تلك المرأة التي ملكت قلبي ولم تستطع السنوات أن تنزعها مني ...تلك التي لم يمر يوم واحدا دون أن أتذكرها ...فملامحها محفورة بعقلي وقلبي رغم كل محاولاتي لأخفيها خلف أقنعة كانت تسقط هازئة مني.. فلا قناع بالعالم قادر على إخفائك من داخلي ...ورغم ذلك فَشلت أن أصفكِ ...
آه يا سامية ... آه يا حبيبتي رغم رفضك أن أنطقها لكن قلبي ينطقها
أتعرفين بعد أن ذهب مدحت عاودني إلهام شعري الذي هجرني منذ هجرت عيناك تاركا البلاد قبل سنوات ...فوجدت قلمي يخط خاطرة عنك بعد أن ظننت أن شعري هجرني كما هجرتك ..أتريدين سماعها ...حتى لو لا تريدين سأخُطها لكِ
يطلبون حبيبتي أن أصفكِ
فقولي بماذا أُجيب
أأصف عيونا كاللهيب
أم أصف قلبا كالحليب
أأقول بأنك الطهر في زمن المعاصي
وفي نار عينيك قد اغتسلت من الذنوب
أم أقول بأنكِ السلمُ في زمن الحروب
وأن ذراعاكِ لي الملاذ بعدما أضاعتني الدروب
كلا حبيبتي إنك فوق الوصف ..وإن سألوني عنكِ
فلن أُجيب

حبيبتي سامية ...اُنهي بها خطابي فأنت رغم أنفك حبيبتي وسأجهر بها دوما ..ويوما سأهمس كلمات خواطري في أذنيك وأنت بين أحضاني تسكنين ...
اغفري لي غاليتي ...اغفري لي ليس فقط ما فات ...بل أيضا غيابي و عدم قدرتي على القدوم لرؤيتك كل يوم كما وعدتك ...فأنا طريح الفراش ...فهناك قطة شقية أغرقتني بوابل من الماء أصابني بنزلة شعبية ألزمتني الفراش مرغما...لكن مهما فعلت تلك القطة سأظل أعود إليها مهما حاولت إبعادي...فقط قليلا من التعافي وسأعود لأسكن أمام بابها ..وحتى أعود انتظري مني خطابا كل يوم أعوض به الغياب ...سلاما يا سامية الفعل والاسم))
.........

طوت الخطاب شهقاتها تتعالى كما وجيب قلبها ...تحاول الكتمان ...تحاول التحكم بنشيجها دون فائدة حتى استسلمت وألقت برأسها على ذراعها المطوي فوق الحاجز الزجاجي في الوقت الذي كانت يدها الأخرى تضم خطابه لصدرها ...تبكي بحرقة لا تدري إن كانت حزنا لأجل ما مضي أو ما سيأتي.
لا تدري إن كانت دموعها شكوى منه أم عليه ...لتنطلق آآآه موجوعة من بين شفتيها تلحقها حروف اسمه كأنها تناجيه أن يصدُق فلا يعاود خذلانها مهما قست ...فقد أكتفت من الخذلان ..
******

noor elhuda likes this.

رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 02:48 AM   #625

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

شقة عز
تناول كوب الينسون الساخن من يد مصيلحي وهو يشكره بصوت متحشرج من أثر السعال ...ثم وضعه على الطاولة الصغيرة بجانب فراشه وعاود سؤال خادمه العجوز قبل أن يخرج :
"هل أرسلت خطاب اليوم؟"
استدار له الرجل نزقا وهو يجيبه :
"نعم للمرة الثالثة أخبرتك أني أرسلت الخطاب ...كما أرسلت خطاب أمس "
ثم استدار وهو يضرب كفيه معا قائلا بهمس مسموع :
"والله لا أفهم أي خطابات تلك التي تجعلني أرسلها ...هل الهواتف جعلت أحدا يرسل خطابات الآن ...لمَ لم يحدث أيا كان من يراسله بالهاتف "
تباعد صوته حتى أختفي بينما ابتسم عز على كلماته وهو يريح رأسه المرهق على ظهر السرير مفكرا .
أتراها استلمت اليوم الخطاب الذي أرسله أمس؟ ...وهل ستتسلم غدا خطاب اليوم ؟...
تُرى كيف ستكون مشاعرها عندما تقرأه؟ ...هل ستفرح... أم تغضب ...هل ستخفيه بين حاجياتها وتحتفظ به؟ ..أم تمزقه وترميه ..
آه كم اشتاقها رغم أنه لم يمر سوى يومين لم يراها بهما...لا يدري كيف أحتمل بعادها كل تلك السنوات ....لكن يبدو أن معين صبره قد نفذ ...ولم يعد في العمر الكثير يجعله يصبر أكثر ...لذا سيظل يحارب حتى ينال عفوها ورضاها ..
مال برأسه لتلك الوسادة بجواره متسائلا ببسمة شقية ( ترى متى استبدل برودتك بدفئها ..رخوتك بلينها) ...
أغمض عينيه وتراءى خلف جفنيه صورتها فتلاعب به شوقه ومشاعر رجولة كبتها لسنوات بدأت تثور مطالبة بها...
أخرجه من خيالاته الجامحة صوت رنين جرس الباب ..ففتح عينيه مندهشا ناظرا بتعجب للساعة بجواره والتي تشير للواحدة ظهرا...
لقد هاتفه مدحت منذ قليل وأخبره أنه سيحضر إليه مع ماهي بعد ساعة ...أتراهما قد بكرا بالحضور ؟..
حاول التحامل على نفسه حتى لا يثير قلق ماهي ...فهي شديدة التعلق به والقلق عليه ...لقد تعب أمس ليقنعها أنه بخير ولا داعي لمبيتها معه بينما أغرقته بدموعها التي كانت تتزايد كلما سمعت حشرجات أنفاسه أو صوت سعاله ... وحمد الله أن سامح ومدحت استطاعا إقناعها بتركه رغم أنها لم تكف عن مهاتفته كل ساعة حتى توسلها أن تتوقف لأنها تمنعه من النوم ...
ضحك عز بخفوت متذكرا أنها توقفت عن مهاتفته هو لتزعج طباخه العجوز حتى جعلت الرجل يشد شعره وهي تصر عليه كل ساعة أن يدخل ليطمئن عليه...
كان يبحث بقدمه عن خفه المنزلي عندما تصلب جسده و نبرات صوت يحفظ صلفه وكِبره جيدا يصل إلى مسامعه جعلت غضبه يتعالى وهو يستحلف ولديه لإحضارها معهما ...تحرك غاضبا وهو يخرج من حجرته متجها لغرفة المعيشة بخطوات حازمة رغم وهن جسده.
قالت رقية لمصيلحي بتسلط آمر :
"أخبرتك أيها العجوز الغبي أني والدة أبنائه وسيستقبلني بكل تأكيد حتى لو كان نائما ...اخبرني أين حجرته وأنا سأدخل له بنفسي "
استدارت في الثانية التالية على صوته الحازم يقول :
"لا داعي لتتعبي نفسك ...ولا أظن أنه من اللائق أن تحضري لبيتي ..ناهيك عن محاولتك اقتحام غرفتي "
نظرت لعز الواقف بجسد مشدود رغم شحوبه .. ثم اقتربت منه بهدوء وهي ترسم ابتسامة متسعة وتقول برقة وهي تمد يدها له :
"كيف حالك عز ...لقد بت قلقة طوال الليل وكنت أهاتف ماهي كل ساعتين لأطمئن عليك منها ...وما أن انتصف اليوم لم استطع الصبر و جئت لأطمئن عليك"
نظر لها ببرود وقال دون أن يمد يده أو يدعوها للجلوس :
"كيف عرفت عنوان بيتي؟!"
أجفلت للحظة وانقبضت ملامحها كانقباض كفها الذي ضمته لجنبها وهي تقول لائمة بعتاب بعد أن تجاهلت إجابة سؤاله :
"أترفض مد يدك للسلام عليّ يا عز ؟!...هل نسيت كل ما كان بيننا وكل ماضينا لدرجة تجعلك تعاملني بتلك الطريقة !...لم يشفع لي عندك حبك لي بالماضي ولا حتى كوني أم أبنائك"
نظر لها بازدراء شع بمقلتيه وهو يقول من بين أسنانه:
"المشكلة أني لم ولن أنسى رقية هانم ...ولولا أبنائك هؤلاء لكنت تصرفت معك بما يليق بإنسانة حقودة حقيرة مثلك "
شهقت رقية وتراجعت خطوة مجفلة من حدة كلماته التي لم تتخيل أن تخرج منه يوما ..فقد كان دوما شخصا طيبا مهذبا ...كان من يطلق عليه بأوساطهم الرجل المهذب... لم تتخيل أن يتصرف أو يتحدث معها بتلك الطريقة مهما كان مدى غضبه منها ...لكن يبدو أن السنوات غيرته ...وعليها أن تغير تكتيكها معه ...فدفنت وجهها في كفيها وقالت مدعية البكاء :
"أنا يا عز؟! ..أنا حقودة ...كل هذا لأني كنت احبك وأدافع عنك وعن بيتنا ... تتهمني بالحقارة لأن الغيرة عليك أعمتني وجعلتني أتصرف بطيش وغضب من شدة حبي لك "
نظر لتمثيلها المفضوح ساخرا وهو يقول بملل :
"رقية ...توقفي عن ما تفعليه وادخلي مباشرة فيما تريدين ...فأنا لن أتحملك لوقت أطول "
رفعت رأسها تنظر له بعينين لا أثر للدمع بهما ...فالتوى فمه ببسمة قاسية ...فهي حتى لم تستطع أن تجيد الادعاء وتزرف بضع دمعات خادعة.. ثم انقبضت معدته وهو يسمعها تقول :
"أريد أن نعود معا يا عز ...الماضي فات.. وما فات مات وانتهى ...لقد علمت من ماهي انك تنوي الزواج ...لم أعرف من هي العروس فماهي لم تخبرني ...ولم اهتم ...أيا كانت لا أظنها تشكل لديك أهمية ..فلا أعتقد أنك عرفتها لوقت طويل ...أظن أنك فقط تريد رفقة بعد كل هذا الوقت من الوحدة ...وأنا ( واقتربت منه أكثر تمرر يدها على كتفه بإغواء وهي تدور حوله قائلة بتدلل ) أنا الأحق ..فأنا والدة أبنائك ...ويوما سيجمعنا الأحفاد .... تخيل يا عز أن نجتمع معا بحديقة فيلا عائلتك حيث أقيم ...وأحفادنا حولنا يلعبون ويتقافزون ...وأبنائنا يتجمعون معنا بدل هذا التشتت بيننا ..."
رفع سبابته وإبهامه وأمسك بكفها التي تدلك كتفه بقرف كما لو كان يمسك شيئا قذرا وأبعدها بحدة ثم تراجع خطوة للخلف ناظرا لها باشمئزاز وهو يقول بكل ما يختزنه من غضب تراكم على مر السنوات :
"يا الهي ...ما أنت ...حقا كيف تطيقين نفسك ...كيف تجرئين ...بل كيف تتخيلين أنني قد أوافق يوما على أن اجتمع معك تحت سقف بيت واحد ...أن تحملي اسمي للحظة أخرى ...هل جننت؟!! .."
تطلعت فيه بعينين متسعتين ذهولا بينما ارتفع صوت عز أكثر وهو يكررها بحدة جعلت أنفاسه تتحشرج حتى كاد أن يختنق بالسعال وهو يضيف ما أن استرد أنفاسه المختنقة :
"لو كنت آخر امرأة على وجه الأرض لن أعود لك يوما ...أتعرفين لماذا يا رقية (ومرر نظراته عليها من أعلى لأسفل باحتقار واستهانة وهو يقول) لأنك قبيحة ووضيعة "
أجفلت وناظرته باستنكار لكنه هز رأسه وقال مؤكدا:
" نعم يا رقية أنت قبيحة ...رغم ملامحك الجميلة المنمقة التي أبدع فيها جراح التجميل فجعلك تبدين كامرأة لم تتجاوز الثلاثين وملابسك ذات الماركة العالمية ...لكن ضميرك الميت...سواد روحك تجعلك بعيني أقبح امرأة رأيتها بحياتي ...لا يهم ما ترتدينه ...أو كيف تبدين من الخارج فعندك هنا ( ليضرب بكفه على قلبه ) اسود وأنا مستحيل أن أعود للغرق داخل هذا السواد ...."
نظرت له بغضب وتعالي وأنفاسها تتسارع غيظا وحقدا بعد أن أدركت بأنه قد تغير كثيرا وبأن خطتها في الضغط عليه قد فشلت فآثرت سحب قواتها بشكل مؤقت وتحركت مغادرة بعصبية وكعب حذائها يضرب الأرض بقوة .
شعر عز بأنه لم يشف غليله بعد منها وفي نفس الوقت أراد أن يتجنب أي رد فعل قد يصدر منها فيما بعد إن علمت بهوية من يريد أن يتزوجها فقرر وضع النقاط على الحروف لحظتها فأوقفها قبل وصولها للباب هاتفا :
"رقية ...قبل أن تخرجي من هنا ...أريدك أن تعرفي شيئا ...السيدة التي سأتزوجها ليست مجرد امرأة ارغب أن اقضي معها باقي أيامي هربا من الوحدة ....بل هي المرأة الوحيدة التي أحببتها يوما "
استدارت تنظر له بحدة وعدم تصديق صارخة بغضب مجنون وهي تعود إليه :
"ماذا ...ماذا تقول ؟!...تلك الحقيرة من ماضيك ...أجننت يا عز ...ترفضني أنا رقية الراوي لأجل تلك الوضيعة ...ألم تتعظ تلك المرأة بما حدث؟ ...أما زالت تحوم حولك كالعلقة؟! ...كان يجب أن أعرف أن أفعى مثلها ستظل قابعة منتظرة في جحرها حتى تعاود الظهور "
جن جنون عز وجذبها من معصمها بمجرد أن اقتربت ليهزها بغضب متعاظم قائلا:
"إياك … أتفهمين؟… إياك أن تتطاولي عليها ...ليست هي الأفعى ...بل أنت ...أنت من تقبع منتظرة لتبثي سُمك الزعاف فيمن حولك ( وازداد غضبه وجنونه وهو يهزها دون وعي ) لكني لن اسمح لكِ يا رقية أتفهمين ...قسما بربي لو حاولت ...مجرد محاولة أن تمسيها بسوء لأقضي عليك...منزل عائلتي التي أتركك تعيشين فيه بتباهي سأطردك منه شر طرده ...مالي الذي ينفق مدحت عليك منه سأمنعه عنك ...كنت أتجاهل الأمر كرامة لأولادي ...لكن حاولي فقط حاولي أن تقتربي منها ولو بنظرة أو كلمة وسأقضي عليك "
خلصت نفسها من يديه وهى تصرخ فيه بهوس جعلها لا تشعر بباب الشقة الذي فُتح ودخل مدحت وماهي ليتسمرا بذهول أمام المشهد :
"لا تستطيع يا عز ...الفيلا باسمي ...هناك عقد بيع بها لن تستطيع أن تخرجني منها ...وتلك الحقيرة سأقضي عليها ...ما زالت صور شقيقتها بحوزتي ...وهي ..هي لن أتركها بل سأدمرها ...لن اسمح لك أن ترفضني أنا لتتزوج حقيرة مثلها ....لن يقول الناس انك تركتني لأجل وضيعة لا تسوى "
رد عز صارخا:
"اقتربي منها أو من أي شخص يخصها وسأقتلك ...أتفهمين ...سأقتلك "
كانت أنفاسه تتعالي بصعوبة وشعوره بالألم داخل صدره يتعاظم وبدأت عيناه تغيمان ...فحاول التماسك بصعوبة حتى لا ينهار أمامها ...ليجد مدحت يقف بجواره يمسك بذراعه ليستند إليه وهو يقول لأمه بينما يحاول التحكم بغضبه :
"أظن الزيارة انتهت يا أمي ...وقبل أن تخرجي من هنا ...أحب أن أوضح لكِ نقطة يبدو أنها غائبة عنك ...عقد الفيلا الذي بحوزتك مزور ...يبدو أنك قد نسيت أننا اضطررنا لتزوير توقيع أبي عليه حتى لا يبتزك الحقير الذي تلاعب بك وأراد أن يستغلك للزواج من شقيقتي ...(لينظر لماهي المنكمشة بجوار الباب لائما ومتوعدا وقد فهم سبب ارتباكها ومحاولتها تأخيرهم عن الذهاب لأبيه بينما يكمل) أي أن أبي بإمكانه أن يسجنك به لو أراد ...أما تلك الصور التي تهدديه بها ...فأنا قد تخلصت منها وأنت تعلمين ذلك جيدا ...لذا أرجوك ...لا داعي لإثارة أي مشكلات ...عودي لحياتك ...وعيشي براحتك بالفيلا كما كنت وانسي أبي لينساك ...ولا يؤذي أحد منكم الآخر ...لأنه صدقيني ..أنت ستكونين الخاسرة الأكبر"
ساد الصمت للحظات بعد كلمات مدحت لم يقطعه سوى صوت الأنفاس المتعالية ونهنهات ماهي المكتومة حتى تحركت رقية خارجة تضرب الباب خلفها بعنف جعل ماهي تنتفض مجفلة بينما أغمض مدحت عينيه للحظات بألم وهو يشهد للمرة التي لم يعد يعرف عددها الوجه البشع لأمه...وهو الذي جاء طائرا على جناح السعادة ليبشر أبيه بخبر حمل زوجته سارة الذي طال انتظارهم له .. لكن يبدو أن أمه ستكون دوما سببا في كسر فرحته ...
انتبه مدحت على كف أبيه تزيد تشبثا بمعصمه وهو يقول بأنفاس لاهثة :
"مد...ح ...ت ...أد ر ك ن ي ... ب نــــــــ....ي"
ليلتفت ممسكا بأبيه الذي بدأ يسقط وتراخت يده الممسكة به بينما الأخرى تمسك بصدره بأنفاس متقطعة ليحتضن جسده الذي بدأ يتهاوى بينما عيناه تغمضان وينطفئ بريقهما مع هتاف ماهي الصارخ .....

****

noor elhuda likes this.

رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 02:51 AM   #626

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

منزل هادر
أخذ يصفر بسعادة وهو يصفف شعره أمام المرآة ويضبط ملابسه ناظرا لهيئته الأنيقة برضا ...قبل أن يرفع زجاجة عطره مكملا أناقته برشات منها ... ليأخذ بعدها هاتفه وعلاقة مفاتيحه ...ودس محفظته بجيب بنطاله الخلفي قبل أن يتجه لخارج الحجرة.
مر على والديه الجالسين بالشرفة يرتشفان معا أكواب الشاي وقطع الكيك وأمامهما رقعة الشطرنج لعبة والده المفضلة والتي يجبر أمه على أن تلعبها معه رغم فشلها فيها ...فضحك بخفة وقال وهو يميل على كتف والده مقبلا :
"الم تيأسبعد يا أبي من محاولة تعليم أمي أساسيات اللعبة ...لك سنوات تحاول بلا فائدة ...أمي فاشلة بها ولا أمل بأن تتعلمها يوما "
تعالت ضحكات والده مربتا على كفه وهو يسمع صوت زوجته تقول شاهقة بغضب مفتعل :
"هكذا يا هادر ...تقول عن أمك فاشلة ...هذه آخر تربيتي لك ...حسنا ...لن ادعي لك أن ترضى عنك ياسمين ...بل سأدعو أن تظل تعذبك أكثر وأكثر "
وضع هادر يده على قلبه وقال مفتعلا الفزع :
"لا ..لا ...لا ...كله إلا دعواتك هذه يا ست الحبايب ...أنها تعذبني بدون دعواتك فما بالك بها يا غالية ."
والتف بسرعة ناحية كرسيها وانحنى مقبلا رأسها وهو يقول بمحايلة :
" آسف ...آسف ...فأنت ملكة العالم في اللعبة طبعا وأبي هو الفاشل فيها...أرجوك إياك أن تدعي علي بتلك الدعوة ( ومد يده مدغدغا جانبها وهو يقول بمشاكسة ) ألا تشتاقين لأحفاد يا أم هادر ...كثفي الدعاء لابنك حتى تحصلي عليهم بسرعة "
لمعت عيناها بأمل وهي تشيعه وهو متجه ناحية الباب بينما ترفع يدها تدعوا له بصدق ولهفة ...ثم نادته تسأله :
"هادر متى ستأخذني معك لأراها ...صدقني بني ...أنا قادرة على تليين رأسها الحجري هذا "
تعالت ضحكاته وهو يغمزها قائلا :
" قريبا يا ست الحبايب ...أما رأسها فابنك بعون الله قادر على تلينه وكسره أيضا "
والتفت لوالده غامزا بقوله :
" إياكما والشقاوة بغيابي ...أو ارتكاب أفعال فاضحة بالشرفة "
قالها وسارع بإغلاق الباب قبل أن تصيبه القذيفة الطائرة التي أطلقتها أمه بعد أن خلعتها من قدمها كما كانت تفعل معه وهو صغير.

نزل السلم متجاهلا المصعد وهو يفكر بمدى راحته بعد مصارحته لوالديه بكل ما يخص ياسمين ومشاعره ناحيتها ووضعها الصحي ... واتسعت ابتسامته وهو يتذكر كيف حدث ذلك ... حينما دخلت أمه عليه قبل عدة أيام لتجلس جواره على الفراش ساحبة رأسه لينام على ساقها كما كانت تفعل وهو طفل صغير فتبرع بجعله يفضي لها بما يخفيه...تذكر أسئلتها القلقة والملحة عن سبب تغيره وشروده والتي لم تفلح معها أي محاولات إنكار أو مراوغة فأمه تتفوق على أفضل محقق نيابة فصارحها بكل شيء منذ أول مرة رأى ياسمين فيها ووقع أسير موج البحر بعينيها البحرية حتى قابل أبيها وصارحه بمشاعره ناحيتها ورغبته الاقتران بها.
واحتقن وجهه حرجا وهو يتذكر ضربات أمه على رأسه وهي تسبه وتتهمه بالغباء لتأخره في الاعتراف للفتاة واتخاذ خطوات جادة معها رغم مرور شهور طويلة حتى كادت أن تضيع من بين يديه وتنهد براحة وهو يستعيد ردها عندما سألها :
"أمي ...هل كونها مريضة سكر يشكل لكِ ضيقا بأي شكل ..أرجوك صارحيني ...فانا لا أريد أن اعرضها لأي موقف جارح مستقبلا يكفيها ما نالها سابقا وعلمته من صديقتها وأبيها ...فإن كان موضوع مرضها يشكل لكِ أي سبب للضيق أو الاعتراض ..."
فوضعت أمه أصابعها على فمه تمنعه من الإكمال ..وهي تسبه وتنعته بالغباء ثم رفعت وجهه بين كفيها لتنظر لعينيه بلوم قائلة:
" وهل مرضها بالسكر ذنب أغضب أو أحاسبها أو أستكثرك عليها لأجله...أهذا ظنك بي يا هادر...لا حول ولا قوة الا بالله ...من منا يضمن صحته أو حتى حياته ليوم قادم...( وغامت عينيها بالدمع واختنق صوتها وهي تُذكره) وهل كان مروان مريضا أو مصاب بشيء حين جلس معنا ذات ليلة يضحك ويشاكسنا ويخبرنا عن أحلامه قبل أن يدخل لينام مبتسما فلا يستيقظ بعدها .... بني أنا امرأة مؤمنة ...وأعلم أن المرض والصحة ...والموت الحياة بيد الله وحده ...لن أحكم على فتاة ...أو أمنعك عمن تحب لأن الله اختبرها بمرض كهذا ...كما أن السكر ليس مرضا مميتا أو مخيفا ... بل يحتاج فقط لمزيد من الاهتمام والحرص بنوع الطعام ومواعيد الدواء ...( ومدت يدها تشد أذنه قائلة بحب) تزوجها أنت فقط واحضرها لي وأنا سأهتم بها كما ينبغي "
خرج هادر من شروده على رنين هاتفه فرفعه ليجد اسم رؤى فأسرع بالرد بلهفة مسلما ليأتيه صوتها المشاكس تقول بشقاوة:
" بما أني اعمل لديك حاليا مخبر ...فأريد أن أبلغك أن من أراقبها لأجلك قررت استغلال اعتذار احد الأساتذة وذهبت منذ قليل متجهة للنادي حتى تستغل ساعات الفراغ لدينا بالتمرن...وطبعا حتى تضمن أن لا تقابل شخصا أصبح على علم بمواعيد تدريباتها فقررت أن تراوغه وتذهب قبل الموعد وتنتهي قبل حضوره ...كما أنها تشاجرت معي لرفضي الذهاب معها "
تعالت ضحكات هادر وقال وهو يدخل سيارته ويديرها موصلا السماعات الخارجية وهو يتحرك:
"حسنا ...حسنا ...أحسنت أيها المخبر الهمام ...ذكرني أن أأمر لك بمكافأة مجزية على مجهوداتك القيمة ...(وأضاف بجدية ) شكرا لكِ رؤى ...لن أنسى ما تفعليه معي ...وأتمنى أن أرد جميلك يوما ...وأي وقت تحتاجي فيه لشيء ..أي شيء ...أعلمي أن لكِ أخ سيكون دوما رهن أمرك "
ردت عليه بامتنان وهي تقول بعفوية صادقة :
"شكرا لك هادر ...لكني لا أفعل ذلك لأجلك ...بل لأجل صديقتي ...ولولا أنني استشعرت حبك الصادق لها لما ساعدتك ...( لتضيف بمشاكسة ) لكن احذرني ...فلو أحزنتها يوما فستجدني لك بالمرصاد ...لا يغرنك طولك وعضلاتك أو منصبك وبذلتك تلك ...أنت لا تعرفني عند الغضب "
ضحك هادر قائلا :
"أظن أصبح لدي فكرة ..."
أغلق الخط بعد تحية قصيرة وابتسم مفكرا في هذه الفتاة القصيرة التي يجزم بأن سيد غارقا بحبها فقال لنفسه هامسا :
"كان الله في عونك يا صديقي ...فتلك القصيرة جبارة ...صدق المثل ( احترس من كل من اقترب من الأرض) "
ليطرف بعينه ناحية الساعة التي تقترب من الواحدة والنصف ويزفر بضيق ...فالوقت يداهمه ...لكن لا بأس ليتأخر على صديقيه قليلا ...المهم أن لا يضيع فرصة رؤيتها ...ولحسن الحظ النادي يقع قريبا من محطة المترو ...لذا لن يستغرق وقتا طويلا ......
*************
دخل النادي بعد نصف ساعة تقريبا وهو يسرع ناحية ملعب التنس و يتوعدها بداخله لو وجدها تلعب مع ذلك المدرب اللزج ..وزفر براحة وهو يلمح مدربتها السابقة تقذف لها الكرة وتهتف بها بنزق أن تركز وتضبط حركة يديها وهي تقذف كرة الإرسال ...فاتسعت ابتسامته وكتم ضحكاته على فشلها المتكرر سواء بقذف الكرة أو حتى صدها وهي تلقى باللوم بتجني على المدربة مدعية بأنها من تتعمد إرباكها ...
أخذ هادر يتابع المباراة لعشر دقائق أخرى حتى أعلنت ياسمين بنزق أنها اكتفت وكتم ضحكاته بصعوبة وهو يسمعها تتجادل مع المدربة التي تكرر لومها لعدم التزامها بالإرشادات فأشاحت ياسمين بيدها تقول بتبرير:
"أنا مرهقة فقط اليوم لذا لم أؤدي جيدا (لتضيف بتباهي جعله يفقد القدرة على كتم ضحكاته أكثر ) لقد هزمت أمس أحد المتدربين هنا بالنادي شر هزيمة لو رأيت كيف كاد أن يتوسلني أن ارحمه ..أو اعلمه تقنياتي الممتازة التي جعلتني أجيد اللعبة بتلك البراعة لتأكدت من مدى براعتي وأن اليوم استثناء فقط لأني متعبة بعض الشيء "
التفتت ياسمين على صوت ضحكاته واتسعت عيناها ذهولا واحتقن وجهها ثم تجاهلت نظرة المدربة المستنكرة ودمدماتها التي لم تتبين ماهيتها وتحركت بسرعة ناحية حقيبتها لتأخذها وتسرع ناحية الحمامات فلحق هادر بها مناديا :
"كابتن ياسمين ...انتظري لحظة ..."
سارع هادر باللحاق بها وأخذ يسير للخلف جوارها بصورة عكسية وقال وهو يمد يده لها بعلبة عصير طبيعي منخفض السعرات كان ممسكا بها :
"تريثي قليلا يا وحش الملاعب وهدئي من خطواتك واشربي هذه أولا "
نظرت له بغيظ ورفعت رأسها بأنفة وتجاهل وهي تحاول تخطيه والابتعاد فشاكسها مراوغا يمينا ويسارا يمنعها من تجاوزه مما أجبرها على الوقوف مزمجرة بغضب وهي تهتف بغيظ :
"ماذا تريد يا أستاذ ...ما تفعله لا يصح ...وأبعد هذا العصير ..أنا لا أعرفك لتشتري لي عصيرا ...ابتعد حتى لا استدعي لك أمن النادي واتهمك بالتحرش بي "
رد عليها بتعنت وهو يقول لها بابتسامة مغيظة :
" أستاذ !!.. أولا أنت تعرفينني جيدا ...وكنت تتباهين بهزيمتك لي منذ قليل ...وثانيا لقد دعوتك بالأمس على الغداء فما المشكلة بعلبة عصير لا أفهم؟ "
تخصرت هاتفة :
"أتعايرني بالسندوتشات التي لم أكن أريدها أصلا .. والتي اصريت على دعوتي عليها أمس ...( وفتحت حقيبتها تخرج محفظتها وهي تقول بنزق) سأعطيك ثمنها الآن حتى لا ..."
تلاشى صوتها فجأة ورفعت له وجها وجلا وهي تحاول نزع يدها التي ضغط عليها بقوة مانعا إياها من فتح محفظتها الصغيرة ..فشعرت بالخوف وهي ترى اختفاء ابتسامته العابثة وانقلاب ملامحه بطريقة جعلتها تنكمش داخليا بينما تسمع نبراته الغاضبة وهو يقول بحدة :
"حذار أن تفعليها ياسمين ...قد أتجاوز عن دلالك لمكانتك عندي ...لكني لن اقبل أن تهنيني بهذا الشكل "
ترك كفها فجأة كما أمسكها وأضاف بحزم وجدية:
"والآن تناولي العصير فأنا لن اذهب قبل أن تشربيه ...وأسرعي فلست متفرغا"
لا تدري ما الذي جعل عنادها يتراجع وتمد يدها مستجيبة لنبرة صوته فتأخذ العلبة منه لتفتحها مرتشفة بضع قطرات ثم انكمشت ملامحها قرفا وهي تعيدها له قائلة :
"يااع طعمه مقرف ...لا أحب هذا النوع "
أعاده لكفها قائلا بحزم:
" إنه عصير طبيعي وسعراته الحرارية مناسبة ...لابد أن تتناولي عصير بعد الرياضة حتى لا ينخفض السكر لديك "
سقطت حقيبتها أرضا و تخشبت مكانها وهي تنظر له بصدمة متجاهلة يده الممدودة بعلبة العصير وسألته :
"ماذا ؟! ( وازدردت لعابها وتعالت أنفاسها وهي تقول بتقطع ) كيف ......ماذا تقصد"
رفع حاجبه وحدق في عينيها قائلا بجدية ودون مواربة:
" ما فهمتيه ياسمين ...تعرفين أن مريض السكر لابد أن يتناول سوائل بعد ممارسة الرياضة حتى لا ينخفض سكره ...لكن في الوقت نفسه لا يبالغ بتناول السعرات الحرارية "
بدء جسدها بالاختضاض وامتلأت عينيها دمعا وهي تسأله مستنكرة :
"كيف عرفت ؟! ...من أخبرك ؟! ...هل هي رؤى ؟! لا يحق لها ..لا يحق لها أبدا"
اعتصر الألم قلبه وقاوم رغبته الضارية بزرعها فوق صدرها معتصرا من داخلها كل أنة وجع ليعدها بأنه لن يسمح لتلك اللآلئ التي تهبط من عينيها وجعا أن تزورها ثانية إلا إن فقدت ملوحة الحزن وتحولت لدمعات سعادة ...لكنه كان يعي أن هذا ليس وقت التعاطف فياسمين لن تقبل بأي لمحة شفقة أو حتى عاطفة و ستسيء تفسيرها فحاول ادعاء البرود وهز كتفيه واضعا يده اليمني بجيبه وقال :
" لا تظلمي صديقتك فهي لم تخبرني بشيء ..."
هتف ياسمين بدون تصديق:
" أبي ؟!! أهو أبي هل خانني وأخبرك؟؟؟!! "
نظر لها بجانب عينيه مدعيا السخرية وهو يقول :
" ما كل هذه الدراما ياسمين ..كفي عن نظرية المؤامرة هذه ..كما لو كان سرا مشينا وهناك من فضحه ...المسألة لا تستحق"
هزت رأسها دون تصديق وهي تردد:
"لا تستحق ؟!!"
هتف بقوة يقول بإصرار:
"طبعا لا تستحق ...ما المشكلة في أن لديك السكر.. لقد علمت من فترة منذ أن سُرقت حقيبتك وفتشتها بحثا عن هوية صاحبتها ووجدت المحقن بداخلها ما مشكلتك لا أفهم...الأمر عادي ...هناك الكثير مثلك ...صديق طفولتي المقرب كان لديه السكر ... واعتدت أن اجعله يتناول العصير الطبيعي بعد لعبنا معا ...وكنت اهتم بمتابعة ما يتناوله حتى لا يتجاوز لأنه كان عاشقا للحلوى مثلك يا آنسة فلا تظني أني لم انتبه لكم الشيكولاته التي تخفينها بحقيبتك "
تجاهل ذهولها واتساع عينيها وأعاد لها علبة العصير بإصرار رغم محاولتها دفعها قائلا بحسم:
"هيا أكملي العصير بسرعة حتى أتركك مطمئنا فانا متعجل ولست متفرغا لدلالك هذا"
أخذت العصير ساهمة بلا وعي ورفعته لفمها بآلية كما لو كانت الصدمة قد شتت تركيزها فقطب هادر قلقا وهو يفكر كيف سيتركها هكذا ...ليجد نفسه يسحب هاتفها من كفها وهو يقول لها بأمر :
"سأسجل رقم هاتفك لأتابعك حتى أطمئن لوصولك لمنزلك ...هي اذهبي للحمام وسأنتظرك هنا "
ناولته ياسمين العلبة الفارغة وتحركت بشكل آلي ناحية الحمام تاركة إياه يطالعها بقلق متسائلا إن كان قد تعجل بكشف أوراقه ومصارحتها ...
أما ياسمين فوقفت أمام مرآة الحمام لدقائق طويلة تطالع وجهها بجمود ...فاقدة الشعور بكل ما حولها ...غير قادرة على فهم وتفسير أي شيء ...ثم مالت على الصنبور تعبئ كفيها بالماء لتضرب به وجهها مرات عدة قبل أن تجففه وتخرج دون اهتمام بتبديل ملابسها فوجدته لا يزال ينتظرها في نفس مكانه فمدت يدها لتسترد هاتفها ليمنحه لها قائلا:
"لقد سجلت هاتفي عندك وهاتفك عندي ...هيا فهناك سيارة أجرة تنتظرك خارجا لتوصلك للمنزل "
لم تجادله بل جاورته بصمت أقلقه عليها وجعله يزفر بحنق متمنيا أن تعود للشجار معه ...فقرر أن يهاتف رؤى طالبا منها أن تذهب إليها وتطمئنه عليها ...فهو يشك بأن ياسمين ستجيبه إن هاتفها ...
.............

noor elhuda likes this.

رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 02:52 AM   #627

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

محطة المترو
أخذت عيناها تجولان في المكان حولها باحثة عنه.. قلقة من ألا تلحق به ...ونظرت في ساعتها فوجدتها الثانية والنصف فشعرت ببعض الاطمئنان ...فالموعد في الثالثة حسبما سمعت ..فقط ترجو أن لا يقوم هادر بإلغائه للبقاء مع ياسمين ..
انفرجت ملامحها عن بسمة راحة عندما لمحته لكن سرعان ما انحصرت تلك البسمة وهي تلمح ابتسامته الموجهة لتلك الواقفة بجواره تتطلع إليه بنظرات لا يمكن الخطأ في تفسيرها حتى من هذا البعد ..فاقتربت ناحيتهما بحنق ثم توقفت على بعد أمتار قليلة منهما وهي ترى أمين الشرطة الذي انضم لهما ...فقررت البقاء مكانها في انتظار أن ينتبه سيد لوجودها .
قبل دقائق
دخل سيد المحطة يتطلع حوله ببعض الحنين فقد قضي وقتا طويلا بهذا المكان حتى أصبح يحفظه ككف يده ...يحفظ ليس فقط العاملين به بل وأيضا وجوه كثير من المترددين يوميا عليه ...فاقترب من منصة البيع التي كان يشغلها ووجد شابا غريبا لا يعرفه يقف مكانه فابتسم بتفكير أن كل إنسان له دور ما يؤديه في وقت ما في مكان ما داخل دائرة الحياة ...ثم هزأ من نفسه ساخرا بلا صوت على أفكاره الفلسفية الوجودية العميقة ...قبل أن يلتفت على نداء متفاجئ باسمه فاستدار ناظرا لعيني ولاء التي لم تستطع أن تخفي فرحتها برؤيته وهي تقول له بسعادة:
"سيد ...كيف حالك ...أين اختفيت ...لم نرك من فترة طويلة "
نظر لها بابتسامة محايدة محاولا التهرب من نظراتها الملهوفة التي تشعره بالذنب ...فمن مثله يعي ألم العاطفة من طرف واحد ...لكنه ويشهد الله عليه لم يحاول أو يتعمد يوما أن يعلقها به فحياها بهدوء قائلا :
"مرحبا ولاء ...لقد تركت العمل هنا واعمل حاليا بمكان آخر كيف حالك؟"
ابتسمت ببعض الحزن وهي تقول :
"بخير الحمد لله ( لتضيف بعض لحظة بخفوت ) لقد خُطِبت "
رفع عينيه لوجهها ذاهلا للحظة قبل أن يستدرك قائلا :
"حقا ألف مبروك ...هل هو شخصا أعرفه "
أومأت مجيبة:
"عارف ..أمين الشرطة هنا بالمحطة "
نظر لها سيد للحظة قبل أن يقول ناصحا:
"عارف رجل جيد يا ولاء ...وهو يحبك بصدق ومنذ وقت طويل ..كانت غيرته عليك تكاد تشعل النيران فينا جميعا ...فإن لم تكوني قادرة على حبه أو حتى تشعرين أن هناك احتمال أن تبادليه عاطفته يوما... فلا توجعيه بمشاعر زائفة ...فالرجل لا يغفر الخداع أبدا ..."
رفعت له عينين لمعتا بالأمل جعلته يسب نفسه على تسرعه بتلك الكلمات ...فولاء لا تحتاج لأي نصائح قد تسيء فهم مغزاها ليسارع موضحا :
" أنا أنصحك كأخت عزيزة و اعتبرك كشقيقتي وأريد لكِ الخير"
انطفأت لمعة عينيها وعادت للإطراق قائلة:
" شكرا على النصيحة ....لقد صارحت عارف من أول لحظة أنني لا أحبه ...ولكنه أصر على الارتباط بي مؤكدا أنه قادر على ملئ قلبي وجعلي أحبه ...وقد اشترطت عليه خطبة فقط لن تتحول لزواج إلا أن نجح بمسعاه ومسح أي شائبة بقلبي "
نظر لها بعطف وهو يقول بتمني صادق :
"أتمنى لكِ كل الخير والسعادة و..."
قاطعه من الخلف صوت عارف الجهوري الذي تتعالي أنفاسه كما لو كان جاء عدوا من مكان آخر هاتفا بجلافة :
"أنت ؟!! ما الذي أعادك لهنا ...ألم تترك العمل بهذه المحطة قبل فترة؟!! "
ليرفع سيد يديه ماسحا وجهه مستغفرا بداخله قبل أن يهمس طالبا من نفسه الصبر مانحا لهذا الجلف خلفه المبرر لحنقه قبل أن يستدير يمنحه ابتسامة واسعة وهو يقول:
"مرحبا أمين عارف ...تهنئتي لك يا رجل ...لقد كانت ولاء تخبرني توا بخطبتكما "
ظلت ملامح عارف على تجهمها وهو يرد بوقاحة :
"وها قد هنأتني أنا والآنسة ولاء خطيبتي ( مشددا على كلمتي آنسة و خطيبتي ) فهل هناك شيء آخر أم سترينا عرض أكتافك ؟"
هم سيد بالرد عليه بغضب مخبرا إياه بأنه يقف في مِلك الحكومة وليس في مِلكه لكن لسانه توقف قبل النطق بحرف حينما التقطت عيناه بصدمة رؤى التي تقف على بعد أمتار بقميصها القطني الأبيض الملتصق بجذعها مبرزا استدارة صدرها و رشاقة خصرها فوق بنطال جينز ازرق فاتح يكاد يكون مصبوبا على ساقيها واشتعل حنقا وغيرة وهو يراها تشير له محاولة لفت نظره من خلف ظهر عارف .
أسرع ناحيتها دون أن يهتم بالرد كما لو كانت ساقاه تمتلكان إرادة خاصة بهما تسيّره إليها دون إذن من عقله... لكنه توقف على بعد خطوة منها حين بدأت خلايا عقله تعود للعمل بعد تخطيه لوقع المفاجأة برؤيتها بعد كل هذا الغياب فنهره عقله رافضا اقترابه أكثر .
نظر لها سيد بحدة قبل أن يجبر نفسه على التحرك متجاوزا إياها لكن صوتها الذي تلاعب بنبض قلبه أوقفه حين قالت له برقة :
"أنتظر يا سيد أرجوك أنا أريد التحدث معك"
رغم توقف ساقيه عن الحركة ورفضهما استكمال السير نجح سيد في التحكم في نفسه فلم يستدر لها وإنما قال بجمود وهو يوليها ظهره :
"لا يوجد حديث بيننا يا آنسة "
تحركت ملتفة حوله حتى تواجهه قائلة بلوم:
"هل يصح أن تتركني هكذا احدث ظهرك ...هذه ليست أخلاق (جنتلمان) أبدا"
رد عليها ساخرا بمرارة :
"ومن أخبرك أنني كذلك يا آنسة ...أظنك تخلطين بيني وبين حبيبك "
قطبت حاجبيها وهي تقول مستنكرة :
"حبيبي؟!!"
أجابها بحدة لم يستطع التحكم فيها :
"نعم حبيبك ...ماذا ؟! أتخجلك الكلمة ؟!!...ماذا تسمي علاقتك به إذا؟...فهو لم يخطبكِ بعد حسبما أعرف ...ولا رباط رسمي يربط بينكما ...( وأضاف مستهزئا )هل تفضلين أن أطلق عليه لفظ صديق مثلا !!"
رفعت رأسها إليه تقول بغضب وقد بدأ طبعها المندفع يغلبها :
"بالفعل هو صديق فقط ..وأنت بعقليتك الرجعية تلك من ظن ...."
انفجر غضبه فصرخ في وجهها بخفوت مشتعل :
"أجل.. أنا رجعي ...ومتخلف ...و غبي...وغيرها من تلك المسميات العصرية التي يبرر بها المنحلات أمثالك علاقاتهم الغير شرعية بالشباب ...وبالتأكيد أنت لا تمثلين أهمية ولا قيمة عندي ...لذا لن أهتم بأن اسمع اية مبررات عن مغامرتك معه التي تسمينها صداقة وأنت تتسكعين معه في النوادي.. ووحده الله يعلم أين تذهبين معه بالخفاء أيضا يا محترمة "
شحب وجه رؤى بشدة ورفعت يدها بسرعة ولطمته على وجهه فأغمض سيد عينيه لثوان متقبضا إلى جانبي جسده بقوة يشعر بالندم عما تفوه به للتو بينما امتلأت عيني رؤى بدموع أبت أن تسمح لها بالهطول ...ورغم صدمتها فلن تمنح هذا الغبي الرضا برؤية دمعها ...بل رفعت رأسها بشموخ قائلة بكبرياء تخفي خلفه ألمها وغضبها :
"أتعرف؟!!... أنت بالفعل غبي ...ولا تستحق أي محاولة مني للتوضيح ...حقا كما قلت ..أنت لا شيء لي...ولا تمثل أهمية أو قيمة ..أتفهم يا سيد ...لا شيء ...( ليعلو صوتها بنشيج وهي تضيف ) وقسما لن أغفر لك أو أسامحك يوما على سوء ظنك بي "
لتلتفت بسرعة بعد أن فقدت القدرة على التحكم بدموعها فترتطم بقوة بهادر الذي أمسكها قبل أن تقع قائلا بحيرة وقلق بعد سماعه جملتها الأخيرة:
"هاي ...على رسلك يا فتاة ..."
حاول إيقافها لكنها نزعت يدها منه متجهة بسرعة ناحية أبواب الخروج فهتف مناديا عليها فتجاهلت ندائه وهرولت بسرعة حتى اختفت عن عيون قلقة منها من أمتزج قلقه بحيرته بينما الأخر امتزج قلقه بالمرارة والغضب ...بل والذنب أيضا ...الذنب ناحية هذا الذي استدار ناظرا له بتساؤل فقال سيد بسخرية مرة :
" ألن تلحق بها؟! "
رفع هادر حاجبا متعجبا وهو يجيبه بلهجة موبخة :
" أظن أنك أنت من يجب أن يلحق بها وليس أنا!! "
ناظره سيد بعينين ممتلئتين حزنا وذنبا وهو يعتصر في كفه حرف r الذي يخصها في جيبه حتى كاد يدمي باطنه وهرب بعينيه ثانية وهو يقول باستنكار:
"كيف أكون أنا من يجب أن يلحق بها وليس أنت؟!!! "
ليرد هادر ساخرا:
"ألست أنت من أغضبها ...وكما سمعت رغم عدم فهمي للسبب فلم انتبه لكما إلا حينما بدأت في تعنيفك لكن يبدو أنك قد أسأت الظن بها في أمر ما...لذا يجب أن تكون أنت من يلحق بها معتذرا ومراضيا يا أستاذ "
قالها وهو يغمز له بلهجة ذات مغزى جنت جنون سيد وأشعلته غضبا فوق غضبه ولم يدر بنفسه إلا وهو يندفع كالبرق ممسكا بتلابيب هادر صائحا بلهجة خطرة:
"أيها السافل الحقير ...هل كنت تتلاعب بها وعندما اكتفيت من التسلي معها تريد رميها لي !!!"
احتقن وجه هادر واشتعلت عيناه غضبا كاسمه قبل أن يضرب يد سيد الممسكة بملابسه بحدة مزيحا إياها وهو يهتف به بصرامة قائلا :
"انزل يدك ...وإياك ..إياك أن تتجاوز حدك معي مرة ثانية...( ثم نظر حوله وعاد يقول له بنظرات غاضبة ) وأخفض صوتك فالناس بدأت تلتفت إلينا ..."
عض سيد على شفته قهرا وحاول بصعوبة تلجيم نفسه حتى لا يحطم وجه هذا الحقير المتباهي و صدره يعلو ويهبط بلهاث حاد ...
بينما زفر هادر مستغفرا وهو يمرر كفيه على وجهه محاولا تهدئة نفسه وإيجاد تفسير لكلام هذا الأرعن قبل أن تتسع عيناه ويهز رأسه مستنكرا لما خمنه عقله ..فألقى بسُبة من بين أسنانه بخفوت وقال وهو يدفعه أمامه بخشونة :
" تحرك أمامي ناحية مكتبي القديم ...فزميلي الذي حل محلي اخبرني أن انتظره هناك لأنه سيتأخر قليلا ...لندعو أن يكون وقتا كافيا حتى أفهم ما تعنيه بكلامك الفارغ هذا يا عبقري زمانك...ولتدعو الله يا سيد ألا يكون ما يخمنه عقلي هو ما تعنيه لأني وقتها لن أرحمك "
بعد بضع دقائق كانت قبضة هادر تنفجر في وجه سيد مطيحة إياه أرضا وهو يصرخ فيه بغضب :
" كيف تسيء الظن بي وبها بهذا الشكل المنحط يا ( *****) ...بل كيف راود عقلك أن أنظر لرؤى وأنا اعرف بمشاعرك ناحيتها منذ أشهر ..أتعرف ..أنت بالفعل تستحق ما فعلته بك ...وتستحق أن تخسر فتاة رائعة مثلها ...فأنت أحمق ارعن متهور ولا تمتلك عقلا يا سيد "
وقف سيد معتدلا ينفض ملابسه ويعيد الكرسي الذي سقط لمكانه وهو يقول بارتباك وتردد من وقع صدمته مما يقوله هادر:
"أتقول بأنه لا شيء يربطك بها؟؟!! ...إذا لمَ تبادلتما أرقام الهواتف في زفاف شقيقتي ...إياك أن تنكر فقد رأيتك ..وأيضا كانت معك أمس بالنادي"
نظر له هادر بغضب ثم زفر بحنق وهو يقول :
"أنا لن أنكر يا غبي لكن لا يوجد ما يشين في الأمر ...أتعرف أنا أريد جديا أن أدعك تحترق بظنونك الحقيرة تلك ...لكن والله لولا خوفي على سمعة هذه المسكينة من استمرار هذه الظنون الحقيرة عنها في عقلك لتركتك تموت بظنونك هذه ...نعم يا سيد ...لقد تبادلنا الهواتف حتى أطمئن منها على حالة صديقتها ياسمين التي كانت مريضة وقتها ...ونعم كانت معي أمس بالنادي لكن ليس وحدها بل بصحبة ياسمين التي للعلم وحتى لا يذهب عقلك المنحرف لأي أفكار سيئة ياسمين بمثابة خطيبتي ...فقد طلبت يدها من أبيها ...لكن هناك بعض التعقيدات التي تؤخر الارتباط الرسمي ...ورؤى التي اعتبرها كأخت لي بالمناسبة كانت تساعدني كصديقة لياسمين لا أكثر "
ناظره سيد ذاهلا ثم قال بتردد وعدم تصديق :
" ياسمين!! ...ياسمين صديقة رؤى!! ...تلك الفتاة الرقيقة الطويلة ذات العيون الزرقاء خطيبتك؟! "
زمجر هادر واقترب منه يرفع قبضتيه أمامه ويقول بلهجة خطرة متوعدة :
"هل تتغزل في عيني خطيبتي يا سيد.. أتريد أن أهشم لك وجهك !!"
اتسعت عيني سيد ذهولا وهو يردد ببلاهة:
"أتغزل بعينيها!! ...أي غزل هذا !!...أنا فقط كنت أصفها ( ثم انكمش متراجعا مع زمجرة هادر واقترابه منه أكثر فرفع يديه أمامه يقول مهادنا) حسنا ...أعتذر ...أهدأ يا رجل ...لا أقصد شيئا ( ورفع يده متلمسا خده الذي شعر ببدء تورمه وهو يقول بغضب) لقد كدت أن تخلع عظم وجهي ...أهذه قبضة يد أم خف ثور! .. ألا يكفي أني أخذت منها لطمة على وجهي"
ناظره هادر بغيظ وهتف بحقد :
"تستحقه بل وأكثر ..."
أطرق سيد برأسه للحظات قبل أن يغمغم باعتذار نادم فنهره هادر قائلا بحدة:
"لست أنا وحدي من يستحق هذا الاعتذار ...ولعلمك لن أقبله حتى تسامحك هي ...فأريني كيف ستراضيها يا أرعن "
زفر سيد بقلة حيلة وهو يميل برأسه متطلعا في هادر باستعطاف رفضه الأخير وهو يهز رأسه رافضا بإصرار:
"أنسى ...أنت من أفسد الأمر وأنت من عليك إصلاحه"
صمت كلاهما مع دخول رجلين يعتذر كلاهما عن تأخره فشرد سيد بلا اهتمام فقد كان قلبه يطرق فرحا تكاد نبضاته تخترق صدره لكونها ليست مرتبطة و قلبها ليس مشغولا بهادر ...وأخذ عقله يلومه ويعنفه لعدم الإنصات إليها عندما قدمت إليه محاولة الشرح والتبرير ..فلو أعطى لنفسه الفرصة لما حدث ما حدث ...
وأخذ يتساءل بحيرة وندم شديدين كيف سيستطيع الآن الوصول إليها حتى يعتذر لها ويحاول مراضتها لتسامحه...
************


رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 02:54 AM   #628

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

الحارة مساءا
يسير ساهما...دون أن ينتبه للعب الصبية حوله والذين نادوه مطالبين أن يقذف لهم بالكرة التي مرت بين ساقيه دون أن ينتبه لها ...أو ينتبه لتحية البقال أو صاحب ورشة تصليح الدرجات له ...
ملامحه كانت واجمة رغم أن اليوم كان البداية الحقيقية لبناء مستقبله كما حلُم به وتمناه...فالمخزن الذي ورثه ياسر مناسب جدا من حيث الموقع والمساحة ليكون بداية جيدة لمعملهم ..والمبلغ الذي معهم على صغره لكنه كافي لبداية جيدة ومشجعة ...وقد جلس ثلاثتهم اليوم وقاموا بدراسة كل ما يحتاجونه ووضع ميزانية تقديرية ...وبداية من الغد سيبدأ العمل بالمخزن وتركيب القطع والأرفف والمواسير وشراء الخامات التي سيحتاجونها ...و لن يستغرق الأمر أكثر من عدة أيام ليكون المعمل مستعدا للبدء بالإنتاج ....
إذا لمَ لا يشعر بالسعادة؟...لم لا يقفز فرحا؟! ...
ابتسم ساخرا من نفسه فهو يعرف الإجابة لكنه يتهرب من مواجهة نفسه بها...فرغم الراحة التي اكتنفت روحه ...وبردت حر جوفه بعدما علم أن علاقتها بهادر بريئة من كل ظنونه ...لكن عقله يعيد عليه كل كلماته الجارحة لها فيجد نفسه يسب نفسه مرات عدة ...
المشكلة الآن أنه لا يعرف كيف سيصل إليها ...هل يلجأ لهادر طالبا توسط ياسمين؟ ...لكنه لا يريد فضح نفسه أكثر ...وقطب مفكرا في أن ياسمين صديقتها المقربة وغالبا ستحكي لها رؤى عن أفعاله وحماقته ..
توقف سيد للحظة متخصرا يطرق برأسه مفكرا في أنه بكل الأحوال سيوضع في موقف حرج ولابد أن يتحمل جزء من فعلته حتى ينال صفحها..
اخرجه من شروده صوت أم محسن جاراتهم وهي تناديه بفضولها الذي يميز سيدات حارتهم:
"مالك تقف ساهما هكذا سيد هل أمك بخير؟ "
يهز لها رأسه محاولا التملص من حوارها الذي يعلم انه إن بدأ لن ينتهي لكنها اكملت قبل أن يتجاوزها بقولها:
" إذا لمَ تبدو كمن يحمل طاجن جدته على رأسه... هل زرعتها تفاحا فطرحت خيارا !!"
نظر لها سيد مبتسما ورد مشاكسا :
"لا وأنت الصادقة يا خالة .. زرعتها ورد ابيض كقلبك فطرحت فجل كرأس ابنك محسن "
انطلقت ضحكتها الرنانة وهي تقول بمودة:
"جاتك ايه يا ولد يا سيد ...ألن تنسى اسم رأس الفجلة الذي أطلقته عليه في صغركما ...لقد تخرج وأصبح مهندسا بقدر الدنيا وسافر وعاد وتزوج وأنجب وأنت ما زلت تغيظه بهذا الاسم "
اشار لها بكفه وهو يقول ضاحكا:
" إنها مشاغبات الطفولة يا خالة"
ليحييها برأسه وهو يتجه ناحية القهوة مقررا الجلوس عليها لبعض الوقت ليتناول كوب شاي من يد دقدق قبل أن يصعد للمنزل...مد يده بجيبه ما أن جلس على طاولة صغيرة منفردة معتذرا من بعض من حاولوا أن ينادوه ليشاركهم الجلوس أو لعب الطاولة وتدخين الأرجيلة ... ثم نادي على دقدق طالبا كوب شاي وأخرج دلايتها ليتطلع فيها بين كفه نصف المطبق ...
كان يخفيها بين أصابعه كما لو كان خائفا أن تلمحها عينين غير عيناه ثم أطبق عليها بحرص وأعادها لمكانها ما أن أقترب دقدق قائلا بصوته الجهوري:
" أحلى كوب شاي في الخمسين سكر بره لأجدع جدعان حارتنا "
قالها ووضع الكوب والسكر والماء وتحرك بسرعة ملبيا نداء آخر بقوله ( أيوه جاااااي)
كان سيد يرتشف كوبه بتلذذ وعيناه تتطلعان فيمن حوله يبتسم على شجارات العجوزين الطيبين العم عبد الصمد والعم جرجس ..اللذان وعى على الدنيا ليجدهما ملتصقان لم يفترقا يوما...كما لم يكفا عن الشجار حول من منهما يقرص ويغش بلعب الطاولة ...ليحول عيناه عن جدالهما المعتاد على مدى خمسون عاما أو يزيد لمجموعة الشباب التي تشرب الشيشة ( الأرجيلة) وتلعب الورق دون مبالاة وهم يتحدثون بصخب حول كل وأي شيء السياسة الاقتصاد أحوال العالم حتى الطاقة الذرية والقنابل النووية والعلاقات الخارجية... ..وكل منهم يدعى العلم ببواطن الأمور ولابد أن ينتهي كل نقاش كالعادة بسب الحكومة والظروف والفقر والحلم باليوم الذي يتركون به تلك البلد ليهاجروا لبلد أخري ..وهز رأسه مع ارتشافه لآخر قطرات كوبه وهو يفكر أنه لا يلومهم كليا فالحياة بالفعل صعبة والبطالة متفشية ...لكنه كذلك لا يقرهم فهم يكتفون بالتشكي والجلوس دون محاولات جادة أو فعلية لتغيير حالهم ...ليقوم مناديا دقدق وهو يترك له الحساب ويرفع هاتفه مقررا بابتسامة ماكرة الاتصال بعوض وهو يفكر بخبث متسائلا كيف كان تعامل ابن الذوات مع الحياة الحقيقية بأكثر أسواق العاصمة زحاما وصخبا .. ليكتم ضحكته وهو ينتظر رد عوض متخيلا حال آسر الذي لابد أنه إما ضُرب من الشباب هناك ...أو هرب بجلده في أول ساعة.. لكن الابتسامة اختفت بسرعة من على وجهه واخفض الهاتف حين رأى عوض يدخل الحارة بملامح متجهمة يحمل على كتفه مرتبة من الإسفنج الفاخر بينما آسر يسير جواره بخيلاء ممسكا بوسادة صغيرة من نفس نوع المرتبة بيد والأخرى يضعها بجيبه ...
اقترب سيد منهما وقبل أن يسأل وجد صوت أم محسن تهتف من شباكها سائلة عوض :
"مبارك يا عوض ...هل ستتزوج قريبا وتجهز حجرتك ؟..."
تجهمت ملامح عوض أكثر ورد عليها بصوت مختنق غيظا وهو يكمل طريقه :
"لا يا خالة ...فقط أحضرت مرتبة جديدة "
أوقفته أم محسن مرة أخرى وهي تسأله :
"لابد أنها لأجل قريبك الأجنبي هذا ...( ومصمصت شفتيها تعوجهما وهي تقول بخفوت مسموع ) وإن كنت لا أصدق كيف يكون هذا قريبك ( ثم عادت لرفع صوتها ) هل يتحدث العربية؟ "
التفت لها آسر بابتسامة أثارت غيظ الشابين وهو يجيبها :
"نعم سيدتي ..أنا أتحدث العربية جيدا لحسن حظي حتى أفهم حديث السيدات الجميلات مثلك "
اعتدلت العجوز بشرفتها ومدت رأسها خارجها حتى كادت أن تسقط وهي تطلع له بابتسامة عريضة وتقول بسعادة :
"يا ما شاء الله إنك تتحدث كأبطال المسلسلات التركية حتى أنك تشبههم ...حقيقي تركي أصيل عن حق "
كز سيد على أسنانه وقال بهمس سمعه عوض المنحني الرقبة يحمل المرتبة على كتفه:
"ما شاء الله على ذكائك ...صحيح أم محسن فجلة عن حق ...تركي حقيقي لأنه يتحدث بصوت الدبلجة العربية !!"
نادي عوض على آسر بفقدان صبر :
"هيا يا ابن عمي لقد انثنت رقبتي من حمل مرتبتك "
وتحرك نزقا يتبعه آسر الذي حيا السيدة بالتركية قائلا :
"إي أكشملار "
صرخت السيدة فرحة وهي ترد عليه قائلة :
"إيشملار ورحمة الله عليك يا ضنايا "
تحرك الشباب الثلاثة بينما يصلهم أصوات السيدات اللاتي طللن من شرفاتهن يسألن السيدة التي أخذت تبالغ وهي تحدثهن عن قريب عوض التركي الذي تحدث معها بالتركية وهي فهمت ما قال ...لكن الشباب لم يسمعوا باقي نميمتها عن عوض الذي حضر لهم من سنوات فقيرا حافيا حسب كلامها والآن أصبح المال يجري بيده ويشترى المراتب الغالية لتبدأ جلسة القيل والقال بينهم والتي وصل بعضها لتلك المراقبة من خلف شباكها الموارب والتي انقبض قلبها خوفا وهي تسمع واحدة منهن تؤكد أنه لابد ينوي الزواج قريبا وإلا ما اشترى تلك المرتبة الغالية.. بينما اعترضت أخرى بأنها فردية ولا تصلح للزواج فظل الجدال والتوقعات بينهم في الوقت الذي سالت فيه الدموع على وجنة صباح حزنا وقهرا.
....
بعد دقائق كان عوض يلقى بالمرتبة بإنهاك فوق الكنبة الخشبية وهو يقول باعتراض:
"لا أفهم سببا لإصرارك على شرائها ... "
رفع آسر حاجبه وهو يعدل المرتبة وينزع الكيس البلاستيكي عنها وعن الوسادة ويجلس فوقها براحة وهو يجيبه ببرود:
"أخبرتك عدة مرات أنني لا أستريح في النوم على المراتب القطنية خاصة التي صنعت من مئات السنين حتى تحجرت ولا أدري هل إصرارك على الاحتفاظ بها للذكرى الخالدة أم لكونها إرثا عائليا مثلا"
زفر عوض حنقا وخرج للسطح جاذبا سيد الذي كان يقف مستندا على باب الحجرة واضعا يديه في جيبيه يناظر آسر بغيظ ..ليقول عوض بحنق ما ابتعدا قليلا عن الباب :
"اسمع يا أستاذ سيد ...جد لك حلا في صديقك هذا ...فلو حضر معي ثانية سيتسبب بخراب بيوتنا أنا وباقي البائعين ...و سيطردنا المعلمين الذين نعمل لديهم بسببه "
قطب سيد وقال بتقرير :
" كنت متوقعا أنه سيتسبب في إفساد عملك وتعطيلك عن البيع وأنت تحاول حمايته ...لكن ليس لتلك الدرجة ظننته سيتركك عائدا بعد ساعة أو ساعتين على الأكثر"
هتف عوض من بين أسنانه بغيظ :
" أي بيع هذا الذي أفسده يا أستاذ! ...إنني لم أبع يوما قدر ما بعته اليوم "
اتسعت عيني سيد وسأله ذاهلا:
"أتخبرني بأنه كان يقوم بالبيع معك!!! ...(وهز رأسه مستنكرا بعدم تصديق ) لا يمكن أن أتخيل آسر يقف فوق النصبة الخشبية هاتفا بأعلى صوته قرررررب قرررب عاين وتفرج "
حرك عوض رأسه نافيا بحقد :
" بل لم يتحرك من مكانه ...بل وقف جواري بعنجهيته وعيونه الملونة واضعا يديه بجيبه وأخذ يتحدث بصوت وضحت فيه لكنته ومضيفا كلمات غير مفهومة فتجمع حوله الناس خاصة الفتيات يسألنه من أين هو ليخبرهم أنه تركي وأنه يبيع بضاعة مميزة ليتجمع الجميع حول العربة ( وأضاف قائلا بقهر) تخيل يا أستاذ سيد ...النساء اللاتي كن يجففن ريقي وهن يفاصلن بسعر القطعة دفعن ضعف ثمنها معه دون جدال ...كان يميل لي سائلا بهمس عن سعر القطعة فاخبره مثلا أنها خمسون فأجده يخبر السيدة أنها مئة لكن لأجل عينيها أو ابتسامتها أو لأنها تذكره بأمه أو أخته أو أي فرد بعائلته سيمنحها لها بسبعون فقط... لأجد النساء تدفع صاغرات مبتسمات ...وأسوئهن تتدلل مخفضة خمس أو عشر أخرى ...وطبعا في نهاية اليوم كانت سعادة المعلم غامرة وأخبرني بأنه يريد هذا الحجم من المبيعات كل يوم ...وليس أنا فقط ...حتى حندق ..تخيل حندق المجنون تعرفه بعصبيته ومطوته التي تسبق لسانه استطاع صاحبك هذا اكتسابه ومصادقته وهو يقف معه على فرشة الأدوات المنزلية ويبيع له أغلب بضاعته بنفس الطريقة "
كان عوض يصرخ أمام سيد غاضبا عندما خرج آسر ناظرا لهما بابتسامة ساخرة وهو يحمل بيده كوبا ليتجه ناحية قلة الماء على سور السطح المطل على الحارة فيرفع غطائها ليستعد لصب الماء عندما تسمرت كفه واختفت ابتسامته حينما التقطت عيناه في الشارع تلك القامة التي تتحرك ببطء ورأس مطرق ...وانتفض قلبه بقوة حينما رفعت رأسها لتنظر لأعلى ..
*********
نهاية الفصل



رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 02:57 AM   #629

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

الفصل 21

هيييييه الحمد لله يوسف عرف انه غلطان فى نسرين وكان هيروح فى داهية

وكابتن ياسمين الدنيا هتلعب معاها

واسر امه دعت عليه


ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 31-03-20, 03:00 AM   #630

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

اخييييييييييرا استكملت تنزيل كل الفصووول وكما رأيتم دمجت الفصول التى كانت مجزئة على جزئين لسهولة التنزيل والقراءة ....خالص شكري وحبي وتقديري للغالية أم زياد محمود على اعادتها تنزيل الريفيوهات والتعليقات الخاصة بها عن الفصول وشكرا لكل الغاليات اللاتي يكتبن كلمة او مشاركة او يضعن لايك لتعويض التعليقات والمشاركات واللايكات التى طارت اثناء عطل المنتدي

رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:10 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.