عازف الألوان

[نسيم الغروب]

الفراق مضني يهدم ماتعبنا في بنائه
وأصعب فراق هو مابين الفكر والقلم يصل لدرجة العودة الى نقطة الصفر
وهذا حالي .. عذرا لأي ركاكة في العبارات ( عازف الألوان لقاء مكمل لبين أحضان الثلوج )

عازف الألوان

أفكارنا خائنة تهرب الى لحظات عشنا بها قليلاً من الراحة .. تداعب ارواحنا بنقائها وصدقها وتتغلغل الى بئر أسرارنا وتعبث بها بطريقة مجببة الى النفس .
مرات كثيرة وجدتُ نفسي أعود الى ذلك المكان المغطى بالبياض .. الى ذلك اللقاء المضرج بألوان الفصول بين أحضان الثلوج .. جلست الى تلك المقاعد المتألمة وأنا بدوري قد أضفت لها وجع وحدتي واجترار احزاني .. لا أنكر تلك الرغبة الدفينة ان أرى عازف الألوان نعم هكذا اطلقت عليه بداخلي ..بالرغم إن لقائي به أمتدَ لوقت قصير الا أنني وجدته يفهمني دون كلام .
أجلس في نفس المكان أحتضن مفكرتي الصامتة مسجى بداخلها قلم فارق حبره الكلمات بعد ان عجزت أناملي ان تغتاله حتى وانا أرى أمامي الكثير من القصص القابلة للسرقة بين جنبات هذا المكان .
يبدو أنه لن يأتي اليوم أيضا .. لم تغادر هذه الجملة افكاري حتى وجدته يجلس بمكان قريب يتأمل من حوله بأبتسامة هادئة وخطوط الشيب ازدادت في شعره لتظهر عمره الوقور كما هي خطوط الزمن على وجهه .بقيت في مكاني صامتة مترددة فيما يجب ان أفعله .. حانت منه التفاته قصيرة بأتجاهي لكنه عاد ينظر امامه .. تبخرت آمالي ان يعرفني ..كيف يعرفني وهو رآني مرة واحدة منذ ثلاث سنين ..شددت من إحتضاني لمفكرتي اواسي بها نفسي انظر الى الارض التي تناثر بها بقايا الثلج وقررت أن اغادر هذا المكان دون عودة لكن رأيت ظل متجسد أمامي رفعت رأسي فوجدته ينظر لي بنفس الأبتسامة الهادئة
- مرحبا يا صغيرة .. قالها وهو ينظر الى عيني .. مازال يذكرني وهو يلقبني بالصغيرة
- مرحبا .. خرجت تلك الكلمة مترددة من بين شفتي
جلس على نفس المقعد وكأن المشهد يتكرر لكن شتان بين المشهدين
- أذاً اللصة الصغيرة مازالت تأتي للسرقة وهي تحمل مفكرتها ..قالها بثقة ولكن اختفت أبتسامته
- هل مازلت تعزف القصص بألوانك ؟
- عدنا الى نفس النقطة تجيبين السؤال بسؤال
- ربما أفعل هذا هرباً من الاجابة .. نطقتها دون تفكير
- والى متى الهروب من قدر الاجابة
حاولت أن أتهرب أكثر من هجوم معرفته المبكر جداً
- ظننت أنك لن تعرفني بعد تلك السنين
- في الوهلة الأولى كل شي دل انها أنتِ تلك اللصة ملامحكِ مفكرتكِ لكن عندما رأيت عينيكِ تراجعت .. استشعرت شي من الغضب في كلامه
- لماذا ؟
- تلك اللصة كان لها عينين ثاقبتيين قويتين جميلتين حالمتيين يشع بريق الحياة منهما لكن الان من تجلس بجانبي عينيها منكسرتيين حزينتين تراقب الناس بشرود وعجز
هجومه المباغت أشعرني بعجز النطق وصعوبة الكلام وغشي نظري بدموع مؤلمة
- هل أكلت القطة لسانك .. أين تلك الصغيرة الشرسة في لغتها التى لا تترك للمقابل أن يُسير الحوار كما يريد حتى يجد نفسه منساقاً بكل طواعية لأي موضوع تريده هي ..
- لكننا لم نتكلم كثيراً المرة السابقة ربما كنت أخدعك بتلك الشخصية المبهرة والآن أبدو على حقيقتي .. ضعف أستولى مشاعري وندمت لأنتظاري لهذا اللقاء وقررت أن لا مفر من الهرب لأنني لست بقادرة على المواجهة .. صوته الواثق أخرجني من خطة هروبي
- هل ما زلتِ تكتبين ؟
- لا
- إن كنتِ هجرتي شغفكِ وسعادتكِ لماذا لم تحرقي تلك المفكرة ؟
أحتضنتُ مفكرتي أكثر حتى أبعد صورتها وهي تحترق ..لا مستحيل هي جزء مني ولستُ مستعدة للتخلي عنها أبداً ..لم أشعر والغضب يستبد بي وينتزع آخر ذرة تعقل وأنا أجيبه بلهجة غاضبة
- كيف تريدني أن أحرق روحي .. أن أهدم ملاذي .. أن أقتل رفيقتي لسنين طويلة ..لماذا أصبحت بتلك القسوة مثلهم أن استطعت أن تحرق لوحاتك وتتخلى عنها وتتركها رماداً تذروه الرياح فأنا لا أستطيع
- إذا لماذا لا تكتبين ؟ ما الذي جعلك بهذا الانكسار ؟ .. صمت من عازف الألوان أخافني أكثر من كلامه ويا ليته بقي صامتا ..هل هو الحب من أنتزع روحكِ وترككِ بتلك الهشاشة ؟
شهقة صدرت مني أستجدي بها أنفاسي المستقرة في صدري ودموع قاسية تحفر وجنتيَ بلا رحمة .. مددتُ له مفكرة روحي وهي تتراقص على رعشة يدي وعدت انظر الى الارض وأنا أسمع حفيف الأوراق تلاه صوته الهاديء يقرأ ما كتبته
(تغيظني تلك الصفحة البيضاء .. تتحداني ان أشوه نقائها بحبر قلمي
لها كل الحق بعد أن هجرتها لفترة طويلة نسيت بها أناملي ملمس الحروف وغادرت أفكاري نسيج القصص .. وها أنا أحاول العودة
استيطان .. هذا هو الحب
ليس بريئا او رقيقا او مظلوم بل هو اكبر ظالم
فما ان يستعمرنا هذا الغازي المستبد حتى نهدم كل أسوارنا ونقتل جنودنا بأيدينا
نفرش له الارض ورودا و يحتل قلاعنا من دون قتال .. نحلم ونرفرف باوهامنا و نعيش فوق الغيوم متناسين عاجلاً او اجلا إن تلك الغيوم لن تتحمل ثقل ما ألقينا عليها .. و نسقط مع اول قطرة مطر على صحراء خيبتنا القاحلة لنجد كل ماتعبنا من اجل بنائه قد اصبح أنقاض متناثرة
لكن هل يفيد الندم؟؟؟ ) 3\2\2015
- قلتِ لي المرة السابقة أن الحب اخترق حصونكِ وأنتهى بفراق فكيف كنتِ متماسكة ولكن الان اراكِ منهارة ما الذي أختلف ؟
- الذي أختلف أن الحب عندما يعود للحياة يعود بقوة يحطم ما في طريقه دون رحمة .. يمحي استنجادات الذاكرة مما كان ومن فراق يتكرر مرة أخرى .. يترك الأنسان ضعيف كأنه لا يستطيع أن يتنفس الا بأنفاس من يحب .. غير بقادر أن يتحرك خطوة الا أن يمسك بيد من ملك قلبه كأنه طفل صغير يتعلم المشي أول مرة .. خائف مما حوله لا يشعر بأمان الا بوجود من أستوطن حياته .. يعود له بأبسط الأشياء .. مثل طالب مبتديء ينتظر كلمة تشجيع من معلمه .. لكن كل شيء ينساق الى الأنهيار عندما يبدأ ذلك الأمان بالابتعاد حتى يختفي ..كم كرهت نفسي وضعفها وطيبة قلبي الساذجة وأنا أرى الناس مثل صفحة بيضاء نقية ..لم أستطع المواصلة وأنا أشعر بسكين غائر يغرز في قلبي
- لم أشعر ولو للحظة أن الحب هو سبب دمار .. لماذا هذا الظلم للحب ؟ أنظرِ لي
لم أستطع أن ارفع رأسي احسست بالخجل من نفسي وأنا أفضي له بسبب عذابي .. عاد يكرر طلبه لكن هذه المرة بلهجة حانية كأنه والد يخاطب طفلته الصغيرة وكم تمنيت أن يكون والدي
- أسمعيني جيداً لا تقولي عن نفسكِ هكذا مرة أخرى ولا تلومي طيبة قلبك صدقيني الكثيرون يحسدونكِ على هذا النعمة وأخرين يشعرون بصفعة غيظ لانكِ بهذا النقاء بينما هم الحقد والكذب والخداع يتملكهم .. أنتِ استجبتِ لنداء قلبكِ لكن طمستِ صراخ عقلكِ كل هذا لانكِ صغيرة ونقية ولم تزرع الحياة بذورها المشوهه في روحكِ ..ربما تقولين في نفسكِ انكِ لستِ صغيرة لكنكِ صغيرة لان مشاعركِ وقلبكِ لم يصلا الى بلوغ منشود .. لم يجدا من يزرع فيهما حب الحياة دون تملك وأستحواذ أناني . صدقيني نلقي اللوم على الحب ولكن الخطأ فيمن نحب ..ليس كل من تحركت مشاعرنا تجاهه يستحق أن يُسمى حبيب ..أن لم يكن البسمة في وقت سعادتنا والدمعة في انتكاسة حزننا .. الحظن الذي يحتوينا واليد التي تنتشلنا عند سقوطنا ..والحظن الذي يحتوينا .. من يستطيع أن يمنحنا الأمان ويزيل غمامة الخوف من أسمى العلاقات ويلبي نداء ضعفنا في كل وقت نحتاجه دون كلام .. غير هذا فهو لايقترب من منزلة الحبيب..
- أنا أيضاً كنتُ أنانية وأحببت المستحيل وأنا أعرف النهاية مسبقاً لكن أردتُ أن أكون مثل غيري .. أن أعيش للحب ومن أجل الحب
- الحياة ليست فقط حب الحبيب لكن هناك حب من نوع آخر وأبسطها حبكِ للكتابة لانها تستطيع أنتزاع اعترافات كثيرة وربما تخلصكِ من السحر الاسود المسمى السلبية والخوف
- هل تظن أنني أستطيع أن أعود للكتابة ؟؟ .. رفع بيده مفكرتي وهو يقول
- يبدو أنكِ عدتِ من هذه الأسطر القليلة ومن هنا البداية
وضع مفكرتي بين يديَ بهدوء وحرص كأنها طفل وليد وساد الهدوء من جديد وأنا أشعر بجزء من ثقل ينزاح عن قلبي
- كيف هي عائلتكِ ؟ شعرت بخجل وأنا أتذكر أني لم اسأله عن حاله
- بخير حال وبالذات تلك الشقية أشعر انها تمتص الحياة وتنهل من كل جوانبها بدون توقف كأن الطمع يتسبد بها .. أتعرفين أشعر انكما ستتفقان بالرغم من تناقضكما
- عازف الألوان أنا أسفة لاني أقحمت نفسي في وقتك
- أولاً أنا الذي أقحمت نفسي في وقتكِ ولكني لم أستطع أن أرى ذلك الحزن في عينيك ولا أساعدك رغم أني لم أساعدك كثيرا وربما قسوت عليكِ قليلاً لكن كان لابد أن أفعل هذا حتى تستفيقي وتنتشلي نفسكِ من ضعفكِ .. ثانياً لماذا قلتِ عازف الألوان ولم تسأليني عن أسمي .. ضيق عيينه وهو يمثل الغضب
- الاسماء لا تعبر عن أصحابها لانها أُطلقت عليهم وهم يجهلون أنفسهم لكن اللقب هو مكتسب لأجل صفة عبرت عما نحن عليه وأنت تعزف بالألوان لتؤلف مقطوعة موسيقية ناعمة تدغدغ المشاعر لكن الى الأن لم أرى شيئاً من عزفك .
- وعدتكِ سابقاً أن يكون ماتكتبين أول ما سأرسمه لكِ لكن لن أفعل ذلك بل ستكونين أنتِ موضوع اللوحة بعد أن تنفضي عنكِ عباءة الشتاء المشبعة بألم الحزن والفراق وتتشحين بألوان الربيع وهو على الأبواب .. أطمح أن أرى اللصة الصغيرة بعينيها المشعتين ببريق الحياة
- هل تظن أني أستطيع العودة ؟؟؟
- نعم أنتِ قادرة على ذلك حالما تتوقفين عن رثاء الماضي وتستخدمي قلمكِ لأقتلاع مخالبه من قلبكِ ..لاتجعلي الكتابة وسيلة هروب بل معركة مواجهة .
- شكراً .. ممتنة لك من اعماقي
- أكبر شكر تقدمينه لي هو أن تعودي أقوى مما كنتِ .. وأن تتغيري لأجل نفسكِ وليس لأجل احد
- هل ستعود مرة اخرى ؟؟؟
- بالتأكيد ولن أغيب هذه المرة ثلاث سنين لأن لوحتي لن تنتظر طويلاً .. الى لقاء قريب يا صغيرة
- الى اللقاء
مضى في طريقه بين تلك الاشجار كأنه يماثلها في ثباتها أمام السنين وفصولها المتغيرة شيعته بنظري وبداخلي كنت متأكدة بأنه سيعود مرة أخرى وبصيص من الأمل يتقد من جذوته بأني سأستعيد مافقدته روحي وكلماته تتردد في عقلي (أن تتغيري لأجل نفسكِ وليس لأجل أحد) .

[صادق العربي]

1
بعد ان انتهيت من القراءه
وجدت نفسي اقارن بين ما ينشر من قصص ع صفحات الصحف والمجلات والذي لا يرقى الى ان يسمى ادبا اصلا
وبين ما يكتب هنا !! لا مجال للمقارنه

2
الحوار يقول الكثير من الصواب
والكثير من الحكمه
واقعي ومكثف جداا

3
نتمنى ان نقرأ الكثير من هذا الابداع
وان تعانق تلك الحروف بياض الاوراق ^_^

[نسيم الغروب]

شكرا لك اخ صادق على تواجدك وعلى ردك الراقي
الكتابة هي المفر من انفاق الحياة المزعجة