شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   القصص القصيرة (وحي الاعضاء) (https://www.rewity.com/forum/f119/)
-   -   إبن الحانوتى *أول تجلى* (https://www.rewity.com/forum/t316680.html)

نذير الظلام 10-02-15 04:53 PM

إبن الحانوتى *أول تجلى*
 
السلام عليكم,
تحياتى لكم أعضاء المنتدى الكرام, اليوم أضع بين أيديكم بتواضع أولى بنات أفكارى, ولآنه لابد دوماً من بداية فإنى قد قررت أن أبدأ هاهنا والآن تاركاً لكم حرية القرار والحكم على ما قدمت يداى, كثيرون منكم سيجدها مقبضة ومنفرة ومثيرة للآشمئزاز أو ساذجة أو مخلة بل وربما يراها بعضكم جيدة... أنا شخصياً لا يمكننى الحكم عليها.. لذا سأنتظر منكم إبداء أرائكم بل وتوجيهاتكم لانها تهمنى وذلك لآن مشوارى لا زال طويلاً...
والان أترككم مع القصة....
************

بكاء، عويل، ولولة، قرءان يرتل، همهمات كثيرة لا يمكنك أن تميز منها حرفاً واحداً..
يتقلب فى فراشه يميناً ويساراً كالمحموم، ببطئٍ يفتح عينيه وينظر حوله ويتنهد فى ملل، إنه يوم اخر فى المقابر، يوم اخر فى حياة (طلبة) ابن (سيد) الحانوتى.
عشرون عاماً مرت من عمره قضاها واسرته فى المقابر، كل يوم هو نسخة كربونية من سابقه، يبدأ صباحه بسماع الصراخ والعويل، رؤية الملابس السوداء والوجوه المكفهرة الدامعة، نزول القبر ودفن الميت، وأشياء لن يفعلها غيره، وفى المساء لابد من قعدة المزاج واذا أسعده الحظ "بجثة" فلا مانع من قضاء ليلة حمراء على سبيل التغيير
فمنذ صغره وهو يعلم ان هذه الحياة هى ما إختارتها له الاقدار، لماذا؟، لأنه ما من سبيل أخر، ما من أحد يريد ان يصادق ابن الحانوتى القبيح الذى يعيش فى المقابر، الهزيل، شاحب الوجه اسوده، مشعث الشعر، كان كلما حاول التقرب من احد زملائه فى الفصل وجده يتجنبه أو يستهزئ به، الفتيات تخافه وتبتعد عنه، فى الصف الاخير يجلس بمفرده، لا يحادثه أحد،
ذنبه أنه مصاب بعيب خلقى يجعله دميماً، ابن حانوتى يعيش فى المقابر... إن الناس لا ترحم ولا تعذر، لهذا رفض إستكمال تعليمه وربما لم يبدأه من الاساس، هو نفسه لم يعد يذكر...
********************

يعتدل فى جلسته ويشعل لفافة تبغ، ينظر للسقف ويتذكر...
يتذكر (فاتن) بنت (سلامة) الفران، يتذكر مشاهدته لها وباقى الأطفال وهم يلعبون ويجرون هنا وهناك، يتذكر كم أراد بشدة ان يلعب معهم، ويتذكر ذلك اليوم الذى هاجمها فيه الكلب المسعور، والذى لولاه (طلبه أقصد) لفتك بها الكلب، يذكر نظرتها له والدموع تملأ مقلتيها، عندما حاول أن يمد يده ليساعدها على الوقوف، هل كانت خائفة منه أم من الكلب؟، هو لم يعرف أبدا،
يذكر مشاهدته لها وهى تكبر يوما بعد يوم، تزداد جمالا وانوثة، "إن البنات يكبرن بسرعة"، هكذا قالت أمه يوما، يتغير زيها المدرسى، تتوقف عن اللعب فى الشارع، ترتدى الطرحة، يستدير جسدها، يكتسب منحنيات صغيرة تظهر خلسة من أسفل ملابسها، يتغير زيها المدرسى من جديد، يفور جسدها ويكتسب المزيد من المنحنيات والتضاريس، تمشى بإستحياء ووجهها للأرض، ملاك يرتدى بول أوفر كحلى أسفله قميص ابيض وجيب كحلى، تضم حقيبتها الى صدرها كأنما تبحث فيها عن الأمان، متى بدأ الشباب فى معاكستها؟، ربما فى نفس الوقت الذى بدأ فيه ذلك الأحساس الغريب يغزوا جسده كلما رأها، احساس يدفعه دفعا ليكون معها، احساس جعله يتعارك مع بعض الشباب، يُضرب حتى يُدمى، لا يهم حجم الألم الذى يشعر به، المهم أنها تفر بعيداً عنهم، كان هذا حينما ظهر(شحته)، واستطاع ان يخلصه من قبضتهم، ومن يومها صارا صديقان.
********************

يتذكر كيف توطدت العلاقة بينهم وتعرف (طلبه) على عالم لم يكن يعلم بوجوده، علمه (شحته) كل شيئ، عادات الشباب العلنية والسرية، صار استاذه وقدوته، صار يفكر مثله، يمشى مثله، اراد ان يكون هو الاخر (شحته)،
يتذكر ذلك اليوم الذى طلب منه (شحته) أن يفتح له أحد المدافن لأن معه "جُثه" ولا يجد أى "مُكنة" سوى القرافة، وبعد إلحاح وافق على مضض، مدفوعاً بفضول لم يروى ومغامرات سمعها من (شحته)، قرر (طلبه) ان يتلصص ليشاهد ما يفعله صاحبه مع تلك "الجُثه".
وعلى الضوء الخافت المنسل من باب المدفن رأهما، كان (شحته) كالوحش الذى امسك بفريسة وشرع ينهش جسدها بلا هوادة، جيش محتل يدك أسوار مدينتها وحصونها دكاً قبل أن يغزو قلعه جسدها، كان (طلبه) يسمع أنينها المكتوم من تحت الانقاض، يرى معالم قلعتها المنهارة أسفل صديقه وهى تتهدم وتتضائل ويكتسحها جيشه المحتل، ملحمة لابد وأن يسجلها المؤرخون، كان الحر شديدا فى هذه الليلة، وزادته حدة المعركة إشتعالاً، وقف والعرق يغمره والنيران تستعر بداخله، صدره مشتعل فكره مشتت، تذكر (فاتن)، تذكر قوامها وتضاريسه ومنحنياته، كم رغب بها واشتهاها، كم تمنى ان يأخذها بين ذراعيه، ويلمسها ويتحسس جسدها، أفاق من شروده، يجب أن يطفئ نيرانه، إنصرف حاملاً خيلاته كحل مؤقت...
يتذكر بعدها انه التقى (بفاتن) صدفة، وحاول ان يتحدث اليها وذكرها بنفسه وبحادث الكلب اياه، لكنها لم تتذكره، حاول أن يتحدث معها ولكن بدون جدوى، بل وانها زجرته، حتى فتيات (شحته) رفضنه، كان هذا فوق طاقته...
********************

تذكر ذلك الصباح الذى عرف ان (فاتن) قد ماتت، بنت التسعة عشر ربيعا، ذهبت بلا عودة، شمس اضائت سنين حياته المظلمة ثم اختفت، تاركة ورائها ثقب اسود فى نفسه، والان قد ماتت...
تذكر كيف بكى كثيراً، كيف بكى كما لم يبك فى حياته، كان يكتفى بأن يراها من بعيد، الأن ذهبت من دون حتى أن يودعها، هنا برقت فى ذهنه الفكرة، قال لنفسه "كلا هى لم تذهب بعد"، لا زال بإمكانه ان يراها مرة اخرى وان يودعها الوداع الاخير،
جلس ينتظر إنصراف الاهل والمعارف، أشعل لفافة تبغ محشوة واخذ يستحلب تبغها المخلوط بنهم، لم يطل الامر بعد انصراف الأهل،
داخل المدفن استخرج الجسد الذى لم يستقر بعد فى دفنته، كشف الغطاء عن الوجه وجلس بجوارها "واشعل لفافة تبغ محشوة" يتأمل ملامحها الملائكية، شاحبة، باهتة، ساكنة، مغمضة الاعين، والزرقة تزحف ببطئ على شفاه كانت يوما شديدة الحمرة، على جسد كان يشعل النار فى صدره، تذكر صدها وزجرها وخوفها، إبتسم وقال :
- كأنك ما كنتى فى يوم، عشت اتمناكى سنين كتير، كنت بحلم بيكى كل يوم، بحلم انى اشوفك وبس، ولما كبرت كبر جوايا الحلم، وبقى صعب اسكت او استنى اكتر، حاولت اقولك اعرفك، بس ما اديتنيش اى فرصة، كسرتينى وقتلتى الامل الوحيد اللى كان جوايا، والنهاردة اديكى جيتى لى لحد عندى لابسة الابيض كأنك عروسة زفوها لحد بيت عريسها، وسابوها تقضى باقى ايامها معاه، لوحدهم...
القى لفافة التبغ وهرسها تحت قدمه، ومد يدٍ مرتعشة يحاول لمس وجهها، ارتجف لما شعر بالبرودة، اخذ يتحسسه ويتحسس شعرها، ثم إنه طبع قبلة على جبينها البارد، اعقبها باخرى على الخد،
المخدرات تلعب برأسه، رغبات وشهوات مكبوته تجاهد للسيطرة، احاسيس شاذة، الان هى مستسلمة لا يمكنها ان تقاوم يده، التى اخذت تزحف ببطئ اسفل الغطاء، تتحسس جسداً مخملياً بارداً، ببطئ يكشف الغطاء عن حرمتها، يمتع نظره بجسدها الذى طالما حلم به، النيران تستعر داخل صدره، لن يقاوم هذه المرة، سيترك رغباته تسيطر وتحكم، شاذة او محرمة لا يهم، ان حياته كلها شاذة، انه يهيم بها، باستسلامها، بعجزها عن صده، عن كرهه، عن احتقاره، نشوة مجنونة امتلكته، رغبة محمومة فى اطفاء نيران جسده الهائج فى ثنايا جسدها المتصلب البارد، تمتلك جسده رجفة عارمة وينتهى الصراع، يتمدد بجانبها شاعراً بنشوة غير عادية، نشوة يملأها الرضا...
كان هذا هو اليوم الذى ادرك فيه كيف سيقضى بقية حياته، سيظل محاطاً بالموت والموتى حتى فى إشباع رغباته...
القى لفافة التبغ فى إهمال ونهض ليرتدى ملابسه، إن امامه عدة جُثث ليدفنها وربما يكون اليوم محظوظا...
********************

نهاد على 10-02-15 06:50 PM

موضوع روايتك قاتم فعلا بس مش حاقدر انكر اسلوبك المميز فى الكتابة و التعبير و مجردسؤال هى قصة قصيرة أم الفصل الأول من رواية ابن الحانوتى ؟
اتمنى لك التوفيق و موضوع مبهج أخر و سؤال تانى هل قرأت القصص القصيرة للكاتب الراحل يوسف إدريس ؟
امنياتى لك بالتوفيق

نذير الظلام 10-02-15 08:43 PM

بالنسبة للسؤال الأول فهى قصة قصيرة, وللأسف أنا عملت البوست فى مكان غلط :sm12:

بالنسبة للسؤال الثانى فأنا بدأت بالفعل أبحث عنها على الآنترنت ^^

وميرسى جداً على مرورك وعلى تقييمك الذى ملآ صدرى حبوراً...

um soso 11-02-15 02:51 AM

بناءا على ماجاء بردك اعلاه انها قصه قصيره

تم نقل قصتها الى قسم القصص القصيره في وحي الاعضاء

نذير الظلام 12-02-15 01:51 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . um soso

نورريم 14-02-15 10:16 AM

أحسنت وأبدع قلمك فى إنتظار جديدك

نذير الظلام 17-02-15 02:23 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .


الساعة الآن 06:20 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.