أفعال ماضـــــــــية

[طارق خلف]

ابتسمت مرفت لنفسها أمام المرآة مستعرضة حمرة خدها معجبة بالصورة التى ستظهر بها فى أعين الآخرين.. تحسست بمشطها الصغير شعرها المنسدل على جبهتها ردته للخلف ، سألتنى بدلال ما رأيك الآن؟ لم أجبها فطالما تمنيت عليها أن تغطيه بحجاب شفاف يزيد الجمال جلال .

أسررت لمرفت ونحن فى الممر بين المدرج وباب الكلية : إننى أكره هذا النظام . وضعت سبابتها فى أذنيها .لوحت بشمالها لقائد الحرس الجامعى , أوقفنى الشويش بعد إيمائه من الذى تتلألأ على كتفيه النجوم.. طلب منى إبراز البطاقة الشخصية و كارنيه الانتساب .

صليت خلف إمام الظهر ، بعد ختم الصلاة وضع كفه على كتفى ، ألتفت إليه .. جبهته مبللة بالعرق ، لحيته يفوح منها العطر سألنى بصوت ينبض بالسكينة والوقار : ما نهاية الطريق مع مرفت ؟

دفعت بعنف يدى التى أمسكت بيمناها .. انتفضت بوجه عابس علقت حقيبتها على كتفها أمسكت بالأجندة رن صوت كعب حذائها على درجات القاعة الخالية إلا من ثنائيات متباعدة يتناجون وبالقرب منى ولد يكاد يأكل أذن فتاة .

رمتنى بواقعيتها فهيمه وهى تسند بكفها ظهرها وبطنها منتفخ أمامها مثل أنفها : أمامك مشوار طويل والحب وحده لا يفتح بيت .

صليت العصر مع الجماعة وقف من لا أعرف خطيبا يحدثنا عن فضل نصرة المظلوم ، ضرب بيده مسند المقعد الجالس عليه .. دعانا للخروج لمسيرات فى كل مكان للإفراج عن سليمان خاطر .

دربت نفسى عشرات المرات على إلقاء قصيدة أشيد فيها بمأثر البطل بن خاطر اتفقت مع أطول زميل فى الكلية أن أصعد على كتفه عندما نقف تحت شرفة مكتب العميد انحنى وقفت فوق سور نجلس عليه ، رفعت ساقى اليمنى باسم الله مجريها ومراسها .. أشارت لى مرفت و فى عينها الناعسة دموع رميت القصيدة .. طرت إليها .

تسلل المخبرون من الأبواب الخلفية للكلية اندسوا وسط المتظاهرين وميرفت تلتقط أنفاسها مستندة إلى جذع شجرة الكافور التى تشبه استقامة قدها ، أذاعت مكبرات الصوت بيانا للعميد يطالب بسرعة اخلاء الكلية و الخروج فردا فردا قبل أن ينقض الأمن المركزى لفض التجمع .. قبضت على يد إمام تأبطت ذراعه خوفا عليه من المتربصين وميرفت أمامنا تفتح بضحكاتها الأبواب الموصدة .

لبست مرفت السواد وأعلنت معها الحداد ، اضربنا عن الدراسة واعتصمنا بالكافتيريا .. طاف بنا مراسل هاوى لجريدة معارضة ولم يكشف أمره سوى الفقير لله، دعوته للجلوس فلم يتمنع مررت إليه مع الشاى خبر استقالة رئيس قسم الاقتصاد و عضو أمانة الحزب الحاكم احتجاجا على نحر خاطر . نشر كلام ، نسبته الجريدة لمصدر مطلع .

حامت العصافير حولى و دعانى العقيد لمكتب الآمن ، أمسك منشة يهش بها الذباب على خدى، رفع سماعة الهاتف يخاطب أمن النظام .. خيرنى بين أن أكون فتانا أو كلبا أجرب.

أرسل أمن النظام عبر قناة عميد الكلية تحذيرا من مواصلتى المشوار مع ميرفت لم أبال أقنعتها بلبس كاب تجمع تحته شعرها و نظاره تدارى خضار عيونها .. أهديتها دستة جوارب تحرم المتلصصين من لذة النظر لما يظهر من دوران ساقيها .

حل المساء ولم تأت سيارتها ترسلها لها أمها .. موعد حضور درس الثلاثاء حان. صارحتها أن المغرب غريب وأن عليها أن تستجيب لنداء المؤذن هزت رأسها : لدينا مصلى للسيدات. قلت لها .. افترقنا عند المداخل .

تمرد الأمن المركزى .. صدر قرار بغلق المدن الجامعية ، طرد سكانها لم أعد لقريتى لانى أدمنت رؤية مرفت كل صباح ، أفسح لى الشيخ مكانا فى غرفة عامل المسجد أوى إليها بعد درس العشاء وتوصيل ميرفت ذات الخمار والعباءة و لتكتمل صورتنا أمام المباحث أطلقت سراح شعيرات ذقنى.

جلست على الشوك بمكتب العقيد وقرار فصلى ، حرمانى من دخول الكلية لشهر يلاعب به عيناى رماه بوجهى .. قبض على مفرق شعرى .. أوقفنى .. وضع رجله خلف ساقى .. أوقعنى .. داس ببيادته على خدى .. ألقى بثقله .. صرخت بصق مع كلامه على : يا مفترى ملكة جمال الكلية بنت الفنانة تسلمها للجماعة تهدد بها أمن النظام .

وضع الشيخ كفه على صدرى قال : تحت الضلوع تسكن مرفت قادنى الخيال لما يظهر فى الأفلام الأمير سيجمع بكلمة بينى وبينها ، يزوجنا بصفته ولى أمرنا .. ردنى بقوة للواقع : أتصل بوالدك يأتى .. نطرق باب أمها لعل وعسى .

أدخل النظام رأسه فى خطبتى بورقة خرجت من فم ذئب جائع وقعت عليها لمرشد أمرنى بالتوجه لمكتب أمنهم.. ذهبت – بلا عقل - أقدم ساقا و جسدى يرجع للخلف وفجأة صرت فى أيديهم تشهدت .. أسلمت نفسى لمن أفعالهم بجسدى ماضية .

بكت الأخت مرفت بعد تحقيق وعد النظام بجعلى معيدا فى السنة النهائية بثلاث مواد و ترحيلى - بإقرار وقعته تحت صعق الكهرباء -إلى جامعة جنوب البلاد أوصيتها وسيارة السلطة تمضى بى لمحطة القطار: إذا أتاك من ترضين دينه وخلقه فأبلغيه منى التحية السلام .

طارق الصاوى خلف
من مجموعة قصص من زمن الكظم

[أنشودة الندى]

أحتاج إلى قراءة متروية ثانية قبل أن أحكم
يعطيك العافية.......................

[طارق خلف]

حالص الشكر على المرور الكريم وفى انتظار رأيكم