نعمة لا يقدرها الكثير

[سجن المؤمن]

"اليوم يوم جمعة الإكثار من الصلاة على رسول الله و كيف نصلي عليه : اللهم صل و سلم على نبينا محمد"
هذه الجملة إن سمعتها أو قرأتها فلن تمثل بالنسبة إليك سوى تذكيرا أو حثا على أمر ديني أما بالنسبة لي فيختلف الأمر اختلافا جذريا فهذه الكلمات تهيج أشجاني و تشعل حنيني لتلك الأيام الجميلة و تعيدني لأوقاتنا البسيطة لما كان وجداني خاليا من المشاغل.
أسترجع شروق الشمس قي تلك الأيام المباركات أيام الجمعة لما تنير أرجاء حجرتنا فتكون وردة ذهبية محمرة في محيط أزرق صاف و هاهو تغريد أمنا العذب لما تهمس في آذاننا بهذا القول فتسري في دمائنا حرارة النشاط و تضخها قلوبنا فنتسربل أبهى ملابسنا ثم نقبع على شرفتنا نتأمل الجمال المحيط بنا تلك الحديقة الميثاء المقابلة لمنزلنا بدوحاتها الفينانة المتعلقة في أوراقها قطرات من الندى أو تلك الأزهار المزروعة تحت ظلال الخمائل التي تعطر منزلنا بأريجها الأطيب من المسك. و بكل شقاوة الطفولة و حب الحياة الذي يغمر جوانحنا نشتهي الإقبال على تلك المراجيح التي تجعل روضة حينا أبدع روضة في هذا الكون و لكننا نستذكر وصايا والدتي أن هذا يوم العبادة .
و بينما نحن على هذا الحال إذ تجمعنا غاليتنا على طاولة الطعام فنأكل أشهى الأطايب التي ترسم الإبتسامة على شفاهنا و تزدان وجناتنا بورود حمراء بهية ثم نتشارك تلاوة سورة الكهف نتنافس فيها على من صوتها أحسن و أجود و كعادة وطننا الرؤوم ترضي الجميع بين مدح و تشجيع و نصح .
فإذا حان وقت صلاة الجمعة نرافق والدي للمسجد و لله در أولئك المصليات اللاتي كم شاكسنهن و لكنهن يبقين مبتسمات.
إن رحلتي مع ذكرياتي تسعدني و تزيد من خفقات قلبي لأني أتذكر حرص أمي على تربيتنا و تنشئتنا في كنف ديننا.. و دفاع أبي الضاحك عنا إذا تشاقينا وهو الذي يشاركنا مرحنا كطفل بريء فيكون شقيقنا الذي لم نحصل عليه فالحمد لله على نعمة الوالدين و ما يؤلمني أن الكثير لا يقدرها.