انِي حميتُكِ مني فلا ترحلِي

[**هُجرآنْ **]

السلامُ عليكم ،
لا اعرف كيف ابتدأ وأعرف عن نفسي ...لكنني بالحقيقة منطوية على تلك الحقيقة ...
ان اكتُب رغم كل العيوب التي يحملها قلمِي .... وثقت بالله ... وهو من سيهدينِ !
روايتي تتحدث عن وضع مأساوي لأهل فلسطين ... جندي فلسطيني يحاول حماية فتاة يعتقد الجميع بأنها اسرائيلية ...يبقيها في الحدود كي لا تُقتل بسبب سوء الاوضاع...
ثم تبدأ ملحمة العشق بينهما ... وتنفلت هنا قصة اكليل وعز الدين ...

بقية الابطال سأبقي قصصهم مفاجأة :$

سيكون موعد الرواية خلال هذهِ الاسابيع القادمة بإذن الله ....،،،،

أتَمنى ان تحضى الفِكرة على اعجابكم ،،
سأعود لكم بالرواية بعد عدة ايام فكونوا بالانتظار احبتي :*)

روابط الفصول

المقدمة
تكملة المقدمة
الفصل الاول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر والحادي عشر

نفس الصفحة
الفصل الثاني عشر والثالث عشر

الفصل الرابع عشر والخامس عشر نفس الصفحة
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر

[um soso]

اهلا وسهلا بك بيننا
وجدت روايتك بالقسم الغلط
الروايات تعرض بالقسم العام ليتابعها القراء

اتمنى لك الموفقيه وان تجدي مايسرك بيننا


ارجو منك المرور هنا للاطلاع

دليل الكتاب والكاتبات الجدد وقوانين قسم قصص من وحي الأعضاء

[حياتى هى خواتى]

مبرررررررررررررررررروك الروايه فى أنتظار حروفك الاولى
تمنياتى لكى بالنجاح وأنطلاق حرفك فى سماء روايتى

[فوزززز]

مبارك لك الرواية فكرتها رائعة وعنوانها ملفت .....................................اتمنى لك كل التوفيق

[شيري العالم]

مبروك الرواية... واضح من الملخص انها ستكون رواية مميزة ..موفقة باذن الله

[kaj]

اهلاوسهلا بك مبروك الروايه في الانتظار

[**هُجرآنْ **]

أهلاً بكُم عزيزاتِي ......شكرًا كثيرا لتواجدكم ،،، اتمنى ان لا تخذلني توقعاتي....لأني سأضع المقدمة اليوم....فان اطال الله بأعمارنا وكان لدي الوقت الكافي سأضعه .... ،،،


تحياتي ....




**هُجرآنْ **

[**هُجرآنْ **]

لا أعلم مالمشكلة كلما أردت أن أضع الفصل الاول تظهر لي صفحة فارغة ...!!
لا اعلم لماذا ومالعيب ...هل هناك مشكلة في ذلك ؟

[**هُجرآنْ **]

المُقدمة : -

اياكِ أن تُنظري لعينٍ أُخرى .... أو تُديري عيناكِ عن عيني .. لا توليني دُبركِ .... ولا تشقي قميصَ العشق الذي فدّ من دُبر ... ذكريني بأنكِ الليل الدافئ ... حينما ينامُ الجميع .... ونصحَى انا وأنتِ كالمجانين ... لنمارس طقوس العشق تحت حفلةِ القمر .... أهديك وردة بنفسجية تكرهين لونها.... الا انها تتوهجُ بدلال حينما ارى انعكاسها في عينيكِ .... انا جننت ... وهذا اعتراف بسيط.... لا سيما شفتيكِ حينما ترتعدان ... وتجوب عيناي كل الاماكن ....تحذر من ان تقع على تلك الجمرة الوردية الملتهبة .... كي لا اتمرد.... واتقدم بخطى واسعة كي اقبلك بقسوة .... احيانا حينما يحُوم علينا الليلِ ... وأسمعكِ تأنين من الكوابيس رعبًا .... أجنٌ تمردًا ... كيف لكومة الرجُولة التي بداخلي .. أن تتحمل الكم الانثوي الهائل ؟
سنينِ من العشق التي وهبتها لكِ .... لقد اذنبنا في الحب عزيزتي....لكني لازلت اطالبكِ بأن تعودي....عودي الى ذنُوبكِ القديمة ...عودي الى الايام التي تغربلنا الليالي فيها من ذاك الشوق المضني.... حينما اراكِ تستريحين على اريكتِي .... عودي والا ذكرتكِ بها ...عودِي لأيام الحرب التِي حميتُكِ فيها....عودِي لأيام الخوف التِي زرعتُكِ في صدرِي كي لا تخافِي منها ... عودِي يازهرَة الإكليلْ ... انِي حميتُكِ مني فلا ترحلِي ...


على الحُدود الفلسطينية الاسرائيلية....يقفُ مجموع مقاومِين عربْ يرفعُون رؤسهَم المطالبة بالحرية....وفي أيديهم الأسلحة المدافعة عن هذه الأرض المقدسة..... عن ارضِ الاسراء والمِعراج.... عن فلسطين الحرة .... يجلس امام الحدُود في مخيمات تضعها المقاومة لحراسة الحدود من الهجمات الاسرائيلية المرتدة....جنود فلسطينين منتشرين في ايديهم اجهزة اتصال عن بعد للتواصل مع بعضهم البعض....اجهزة تردد تنقل لهم موجات الاحداث....بصوتِ شهيد ...بصوتِ اسير...بصوتِ قصفِ ...أو بصرخَة ....بهمهمات تشق السكون في هذا الوقت .... عيون الاطفال الضائعة هي من تبعثر في روح الجنود المقاومين رغبة في ان يقتلوا ..... شهدَاء يضرجون بدمائهم ....ينزفون دماء الحرية على شوارع هذه البلدة الاسيرة ....وتنتشر رائحة الدماء...وينتشر منها جنُودٌ صدقوا ماعاهدُوا الله عليهِ .... ليأيدهم الله بنصره ... ويرددون دائمًا ( اذا جاء نصر الله ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجًا ) ....
يقف عز ببدلته الجيشية المرتبة على جسدِه العسكري الضخم والمتناسق....يراقب بعينيه المنطقة ...وفي يده جهاز التحكم ...يقربه من شفتيه ويهمس للجيش الذي يقوده :
( هل من جديد ...)
يأتيه صوت عبد الإله صاحبه من سماعة التحكم قائلاً :
( سيدي هناك اشتباكات في الضاحية الجنوبية في الحدود... هناك محاولات لتمرير فلسطينين بالجنسية الاسرائيلية ! )
عز يعقد حاجبيه وبقلق :
( هل هم فلسطينين حقًا ام اسرائيلين ؟ )
عبد الإله :
( الله اعلم...ماذا نفعل..)
عز يعقد حاجبيه وبسياسة وحنكة يقول :
( نحن لا نستطيع منعهم ...سنتسبب بجلب الاضرار لنا من القيادة الاسرائيلية...اعطهم حق الدخول ولكن بشرط ان لا يكونوا مسلحين....ونحن نعطيهم عهد الامان...وينال كلانا السلام....)
عبد الإله :
( أعتقد من الحنكة ان لا ندخلهم الآن ..)
عز يبتسم قائلاً :
( بالتأكيد...يجب ان يخضعوا الى التفتيش العام ...جميعهم ...سأصل لكم بعد عشر دقائق...ممنوع دخول أي احد من المواطنين الى الحدود بعد عملية التفتيش...هل سمعتني ... أكرر ممنوع ذلك يا عبد الاله !! )
عبد الاله يأتي صوته بشكل متقطع ..
( حسنًا سيدي... علُم ...)

ركب سيارة ثم طلب من السائق المخصص له بقيادتها الى الضاحية ... من السماعة كان يسمع صوت عبد الإله مع امرأة واشتبكات أخرى ...زفر بقلة صبر وقال :
( ماذا يجري عبد الإله ؟ )
عبد الإله يستغفر الله مراراً :
( انها فتاة.... )
عقد عز حاجبيه ثم قال بعدَ وهلة صمت :
( فتاة ؟ ...ومابها ! )
عبد الإله :
( انها مصرة على الدخول...لقد اثارت الشك في جميع المقاومين....تقول بأنها ممرضة وهناك مصاب من اهلها ستحاول اجراء عملية له مع الطبيب العام ..)
عز يصمت طويلاً ثم يقول :
( لا تعطها حق الذهاب...القانون يمشي على الجميع....سوف اصل في غضون دقائق ..)
استغفر الله مرارًا وجهاز التردد ينقل له شارات الصدى المتادَوى من بعض المعارضِين....تنفس الصعداء وهو يصل الى باحة الحُدود ويرى مخيمات المقاومة المعسكرة للحماية....كي لا يتخطى ايا من بينهم بالحدود....توجه ناحية عبد الإله بعد سؤالهِ عنه .....وفور وصوله....رأى عبد الإله وامامه فتاة ...ترتدِي معطف أسود طويل مع حذاء بوت وجراب اسود طويل ....وتلف شعرها باهمال بوشاح هادئ ليبين منه تفاصيل شعرها البندقي الناعم....وتتلألأ عينيها بلمعان الشمس وهي تقول بغضب :
( لقد وصل رئيسك ياحضرة الضابط.... ابتعد عني هيا يجب ان ادخل)
عز يرفع حاجبه مستنكرًا :
( وهل فُتشّتِ ؟ )
صمتت وهي تحاول ان تبعثر غضبها إلى أبعد حد وتقول :
( يجب ان تفهم انت وهو كونِي فلسطينية احمل الجنسية الاسرائيلية لا يعني اني مناصرة للحزب الاسرائيلي...لقد تم اجبارنا على توقيع معاملات الجنسية لكي يكون لهم الحق بنيل الارض بوجود الاكثرية الاسرائيلية....انا فلسطينية ابًا عن جد ...فابتعد رجاء لدي مريض)
عز ينظر لعبد الإله ويقول له :
( عبد الاله تولى انت الباقي...سوف ارى نهاية من يخالف القانون ! )
ورمقها بنظرة غاضبة جدًا وهي ارتعدت منها ثم قال :
( وهل يحتاج كل ذلك الى العناد والصراخ يا إمرأة ؟ ....القانون يمشي عليك...مريض ...مصاب...متوفى...لا يهمني بقدر مايهمني حماية البلد من المتطرفين.... انا مسؤول عن تفتيشك ...فهيا آمركِ بأن تخضعي للتفتيش ...وللتفتيش الاقصى ايضًا )
ضحكت بسخرية غاضبة وهي تضرب فخذيها بقوة وتقول :
( جيد...هاقد حصلنا على مبتغانا !! .... سوف ارفع شكوى ضدكم ايها الحمقى...هناك حياة بين ايدينا...سوف اقوم بتطبيبه ثم بعد ذلك طبقوا قوانينكم...)
عز بغضب شديد يزمجر مقتربًا منها وعينَاهُ تطلق أنواع الشرار المُرعب :
( إياك ان ترفعي صوتك...والا خسرتي مبتغاك ! ...اذهبي بسرعة الى التفتيش ...)
احتضنت حقيبتها ....وهي تمشي خطوات للخلف امامه...ثم تلف وتركض للتفتيش....ابتسم بعفوية حينما رأى هشام يضربه بخفة مازحَة على كتفه :
( ايها العابث...ها قد أرعبت فتاة تحمل الجنسية الاسرائيلية)
عز يلتفت له بهدوء وابتسامة عابثة محلقة في شفتيه :
( لقد رفعت صوتها على رجل...تستحق ان تعامل بهذهِ الطريقة...اعتقد انها فلسطينية بالفعل...حتى لهجتها متقنة والعروق العربية متصلبه فيها...لكننا لا نضمن أي احد على اية حال...ستخضع للمراقبة...)
هشام يبتسم :
( يالكَ من قاسي... اما انا فضعت امام عينيها الجميلتين...قبل قليل كنت سوف اجعلها تدخل الحدود لولا ان اتى لي عبد الاله وأنقذني من هذه الورطة)
عز يرفع حاجبه الايسر باستنكار :
( اتمنى ان لاتكون مغفلا نحن نحمل مسؤولية شعب كامل )
تجاوزه وهشام يقف مستوعبًا كلامه....ثم مشى يتبعه ....توقف من بعيد يراقبها تخضع للتفتيش من قبل نساء تابع للحرس الحدودي ....يبتسم بهدوء لأنها كانت تشمئز من ملامستهم لجسدها اثناء التفتيش وتصرخ باعتراض في الاونة والاخرى.... بين هذه الاوضاع المستتبة ... أتاه صوت صراخ من جهاز التردد الذي يتقطع بين الفينة والاخرى وتغزوه التشوشات....في البداية كان صامتًا لكن الوضع بات اشبه بالمأساة لانهم جميعهم صوت تفجيرات.... فتح سماعته وهو يتكلم :
( ماذا جرى.... مالذي حدث يا كمال ؟ )
يأتِيه صوتُ كمال الذي كان يلهث من التعب الشديد وهو يقول :
( لقد دخلت علينا جماعة اسرائيلية مسلحة...وتعرضت رام الله للقصف توًا ...اطلب من جميع المواطنين على الحدود عدم الدخول الى المنطقة......ولقد جائنا خبر عن رفض الاسرائيلين لدخول الخارجين عن الحدود الى الحدود الاسرائيلية )
فتح عيناه بصدمة....كيف يستطيع ان يتحمل مسؤولية امة كاملة خاضعة للتفتيش امامه....لا يمكن لهؤلاء ان يبقوا الا في حال وضعوا لهم مخيمات تصييف على الحدود حتى يتاح لهم الذهاب.... لن يسمح اساسا ان يخاطر بحياتهم....وهو مسؤول عن كل نفس هنا وقد تحمل مسؤوليتهم ....هدأت أنفاسه حتى لا ينقل التوتر الى الوجوه التي تنظر اليه....اما تلك الفتاة فقد احست بما جرى وهي تسمع من الجنود ماحدث ....جُنّت بالكاد وهي تمشي ناحية عز وتقول بغضب :
( مالذي حصل....لماذا يرفضون اخلائنا الى الدخول للحدود الفلسطينية ...مالذي جرى ؟ )
عز ينظر اليها طويلاً ثم يقول :
( تعرضت بعض المناطق للقصف ...ومنها غزة ورام الله..والضاحية ...وغيرها...)
عقدت حاجبها وهي تكتف يديها بقلة صبر :
( حسنًا ...ولماذا لا ندخل ؟ )
عز يعقد حاجبيه ...ويزم شفتيه وهو يحاول ان يستمد حدود الصبر كي لا ينفجر فيها :
( هل انتِ مجنُونة ....سنضع مخيمات لكم ونوفر لكم المأكل والمشرب....يجب ان تبقوا هنا حتى لا تتضرروا من القصف وغيرها )
هزت رأسها بغضب شديد وصراخ غير مبالي وهي تقول :
( صديقي بين الحياة والموت....انه مريض...مصاب....علي ان اقوم بعلاجه....)
عز يجيبها بقسوة وهو يصرخ ايضًا عليها :
( لا ترفعي صوتك...أنا أحذرك للمرة المليون....ثم من يدري ربما مات صديقك وسط هذه الاوضاع ...)
فتحت عينيها بصدمة وهي ترمش بغير تصديق....تهز رأسها كناية عن عدم رغبتها في تصديق كلامه ....دفعته بقوة على صدره لكنه لم يتحرك....فهل بنية هذهِ الفتاة كبنية هذا الجندي .... عز ؟ ....أفقدها وعيها ...حينما وضعه يده خلف رقبتها وامالها وهو يضغط على عرق حساس جدًا.... انهارت قواها ...طلب من جماعة من النساء الموجودة حملها الى داخل احد المخيمات الجاهزة.... بدأ يتجول في المنطقة وهو يرى المقاومين ينصبون المخيمات ويضعون فيها النساء والاطفال والشيوخ الكبار...ثم بعد ذلك يوفرون ماتبقى للشباب...وبعضهم انضموا لحزب المقاومة يقوموا بالخدمة والحراسة.... انتصَف عليهم الليل.... لايسمع الا صوتُ صرصار الليل...وصوت قصف من بعيد يأتي بطفيف خفيف....ثم صوت بكاء طفل صغير ....وصمت قوي جدًا جدًا .... يجلس على صخرة بجوار مخيمه الخاص ....مسندًا ذقنه الى سلاحه وهُو يراقب السماء المُظلمة تغفُو على جبينها النُجوم اللامعة..... ويمر شهاب ملتهب يرفع رأسه ليراقبه....وهو لا يعلم ان هناك احد يراقبه معه....في مخيم آخر..... احيانًا الطبيعة تربطُ الارواح ....تعطيهم علاقة تكَوينية وكأنها خلقت لتكون بينهم .... وهناك شارات تدلهم على انهُ هذا هو الحب الصحيح .... بين غفوة هذا الليل...وجدها تمشي بين المخيمات وهي ترتدي على رأسها وشاح ابيض تطل منه خصلها الناعمة بعبث.... كانت تظن انها تحاول الهرب....ولكن حينما عبرت من امامه....مشى خلفها وهي لم تنتبه... سمعت صوته يناديها :
( هيي...أنتِ ...ماذا تفعلين ؟ )
التفت برعب شديد مردفة شهقة خلفها واضعةً يدها على صدرها تهدأ من لهيب قلبها ورعبه وهي تقول :
( بسم الله ..أعوذ بالله من كل شيطان رجيم... يا إلهي ...يا أمي ... مالذي يجري هنا....هل انا في الجحيم ؟ )
تقدم ناحيتها ويديه خلف ظهره وهو يقول :
( لماذا العناد ؟ ...نحن في سبيل حمايتكِ وانتِ ضد ذلك ! )
أغمضت عينيها لثوانٍ وهي تقُول :
( أرجُوك ... سيدي انا لدي صديق مريض لا يمكنني تركه ...)
لوح بيديه في الهواء وهو يقول :
( أنتِ لا تدري حتى ان كانَ حيًا او ميتًا ... يجب ان تجلسي هنا..ربما نحتاجك...لدينا جرحى واطفال مرضى....انهم بالحاجة الماسة لك...ربما لو كان صديقك صديقًا حقيقيًا لكِ لجعلك تجلسين هنا في مكَان آمن ... هذا جل ما يريده كل صديق حقيقي ...)
هزت رأسها بغضب :
( أنتَ تلون الصداقة بفرشاتك الغليظة.... ابتعد عني ...)
كانت ستمشي لكنه كان مضطرا لان يمنعها ...فلم تستجب له ....حملها بغضب والشرار ينطلق من عيناه وهو يحبسها في مخيمه وهي تصرخ بغضب :
( دائما ماتستخدم سبل رخيصة لتتعامل مع فتاة ...)
قاطعها وكان سيصفعها.....لولا انه اختار ان لا يغضب ربه بسبب لسانها السليط ....هي ارتعدت وانفاسها اللاهثة تكشف عن رحلة رعبها منه....صمت بغضب وجلس على الصخرة ذاتها وسلاحه في يده ....اما هي فتجلس على كرسي موجود في مخيمه ودموع رهينة تلمع من عينيها اللوزيتين وهي تراقبه يقرب جهاز التردد من شفتيه ويسأل عن الاحوال .... شعرت بالبرد الشديد ....توجهت للخارج وحينما أرادت ان تخرج سألها :
( أين تذهبين ؟ )
حينما لمح عينيها الباكيتين وقف وهو ينظر لها...ارتبكت ثم قالت :
( سأعود الى المخيم ... انا لا احتمل البرد هنا...)
هز رأسه ثم ابعد عيناه عنها....توجهت الى مخيمها بالفعل....كان يراقبها بالحقيقه ...لكنه يوهم نفسه بخلاف ذلك...!

.................................................. .................................................. .................................................. ................

في حارة النواب...
تقف لتنشر الغسيل على الحبل الخارجي ...بكلٍ هُدوء ظاهري ...تزم شفتيها المخملتين ....وتكدس طاقتها في عصر هذه الكتلة القماشية المملوءة بالمياه الثقيلة ....ثم تنفضها في الهواء وترميها على هذه الحبال ...تمسحها بهدوء ....ثم تحمل السلة لتعود بها الى غرفةِ الغسيل...تخرج الى بلكونة منزلهم في المكان ذاته الذي نشرت بهِ الغسيل.... هناك طاولة جانبية تستقر عليها وردة اقحوان مغرورَة ...ترش عليها بعض الماء من المرش...ثم تجلس بهدُوء تقرأ رواية لحبيبتها الاولى والاخيرة...احلام مستغانمي... وبين تلكَ الروايات كانت تغوص في ملامح الحب ...وتخفي الالم الفظيع الذي كابد عناء الشرف والعار....واختار ان يكون شرفًا بدل ان يكُون عارًا ...الحب ذروة مستحيلة .... لا يصلها الا من وهب سنين عمره لكي يقطف بذرة من ثماره ....تغوص بين الحرف والاخر عله يبحر بها الى مرفأ بعيد .... بعيد عن هذا المجتمع المريض الذي يجعل الذنب شهيًا بكل مقاييسه ...تقف بكل هدوء وهي ترى امها تأتي اليها وقد وهن العمر منها واشتعل الرأس شيبًا !! .... وهي تحمل جهاز الراديو لينطلق منه صوت فيروز في بديع الحانها وهي ترنو بأغنية ((نسم علينا الهوى )) ... يا إلهي ... كم كانت تلك الايام القديمة التي تجلس فيها معه لتسهر وتستمع لها .... كان يضحك على ذوقها الشعبي القديم .... اما هو فكان يميل الى ام كلثوم يظن ان لونها يميل للفخامة اكثر ....بصراحة احتارت بينهما ....فكيف تصنف الماضي القديم بين الرقة او الفخامة ؟ ... وقفت احتراما لوالدتها وهي تقول بغضب وتزمت :
( كم مرة قلت لك ايتها الفتاة لا تنشري الغسيل بهذه الطريق ؟ لقد اخزيتنا امام الجيران ... والعرب ...)
بقت واقفة تحتضن كتابها في صدرها وتدفنه وهي تنظر للغسيل المرتب بكامل ترتيبه وتصمت بحزن من والدتها التي تغيرت من تلك الاحداث التي كانت بالسابق .... من منا لا يخطأ لأجل الحب يا أمي ؟ حتى انتِ اخطأتي في الحب يا أمي ... حتى أنتِ ... لم يسلم منا احد .....
عيناها لازالت تريد ان تكتشف الاخطاء السبعة التي في الغسيل ...ولم تجد ثم قالت الحاجة ام أروى :
(اذهبي واجلبي دوائي ... ستجلبون لي الامراض الواحد تلو الاخر )
هزت رأسها بهدوء وهي تخنق زمام الحزن من عينيها ....تتوجه الى الداخل وهي تفتح الباب الزجاجي الذي يفصل بين البلكونة وصالة المنزل ....تتوجه الى الجدار اليمين وهي تفتح صندوق خشبي معلق في الجدار بداخله جميع ادوية والدتها....وتخرج الاقراص الخاصة بمرض السكري والضغط ...تصب الماء من الثلاجة الموجودة بالممر ثم تتجاوز الصالة لتعود للبلكونة وهي تضع الدواء وتفتحه لتقدمه لوالدتها التي ابتلعته وهي تلهث بتعب شديد ... أروى تنحني لتجمع الدواء مرة اخرى وتقوم بأخذه للمطبخ وتقوم بتجهيز الفطور والقهوة العربية لوالدتها....وبينما انتظرت القهوة تغلي على النار كانت تفكر بالحال الذي وصلت اليه.... الناس...المجتمع المريض...النظرة الملتهبة....الذنب....العار... خصوصا انها الفتاة الوحيدة لوالدتها....وبلا اب....وقد اذنبت في الماضي...حينما كانت فتاة عاشقة....نمت فيها بذرة حب صافية جدًا....ثم اغلقوا امامها الابواب لتعشق....فتمردت ....وتمرد هُو.....وساقها الى طريقٍ كرهت ان تكون فيه....لكن عشقهُ الاسمر وما يفعل ! ....كان الذنب انذاك كالجوهرة التي تريد سرقتها لتتباهى بها امام السيدات ...وساقتها جماليات الحب الى مأزقِ الاعين...فكانت ردة فعل والدتها بأنها حبستها في هذا المكان....في هذا المنزل الذي لطالما تمنت الخروج منه...لكنها بالكاد تخرج ....في حالات نادرة جدًا تخرج....تذكرت الرواية الشهيرة من ديزني...ربانزيل...حبيسة القصر....تشبهها الى حدٍ كبير....لكن ربانزيل...خرجت لاجل الحب....وهي حُبست لاجل الحب....انتبهت لصوت والدتها يناديها ثم توجهت برعب للقهوة التي نستها....قامت بوضعها في فنجالين....بدأت بوضع الفطور على البلكونة مع القهوة...وجلست بهدوء تكمل ما تقرأ ....الحمدلله....والدتها امية لا تقرأ ولا تكتب....لو انها تقرأ لقدمتها قربان ذبيح لمجتمعها المريض ...لكن لازالت تدس احلام مستغانمي وسط هذه الظروف المناسبة....لازالت تقرأ الاحرف بهدوء وتكمل شغفها في القراءة....حتى انتهت والدتها من الاكل ....احتست قهوتها ثم قالت بمرح ...محاولة استلطاف والدتها ومزاجها الصعب....
( امي ....دعيني اقرأ لكِ فنجانكِ )
عقدت امها حاجبيها
( وماذا ستقرأين ؟ ...اقرئي فنجانك الاسود...وانظري الى الخفافيش التي التهمتك وقامت بسرقة خطاطيبك..... وأظن اننا سنجمع بينكما لنرتاح من همكما)
رفعت رأسها بصدمة وهي ترمش....وأول ما سمعت حديث امها وقفت تنظر للبلكونة المقابلة....فوجدته....ينظر لها بسرحان راسمًا ابتسامة ملتهبة....ونظرات حادة توزعها على المكان....وقفت بشهقة وانكسر الفنجان ثم قالت امها
( لقد كان ينظر لكِ منذ مدة....ياللعار...ليتني استطيع ان الوي اذنه...)
أروى تلف ناحية والدتها وهي تقول بغضب
( كفاكِ امي....لقد وعدتك بأني سأنسى الحب ولن اعود الى الذنوب السابقة....فكيف تسلميني للشيطان بنفسك ؟ )
قالت امها وهي تتنهد
( احيانا يجب ان نعقد صفقة مع الشيطان....لنحرس انفسنا من كلام الناس يابنتي....لقد كبرتي ولم يأتي لك خطيب واحد بعد ماضيك الاسود )
أروى بألم
( تتكلمين معي وكأني أتيت من دعارة ...! )
امها بغضب وصوت محتدم
( بل انتِ دعارة بنفسك...الفتاة التي تخرج مع رجل غريب وتنام في بيته....ماذا تريدين مني ان اطلق عليها ! )
بكت أروى بألم
( كانت هذه ذنوب الصبا يا أمي...وقد تبت لله...ومن منا لا يذنب ؟ ...في النهاية هناك الف فتاة في هذه الحارة اذنبت مثلي وربما اعظم...لكنكم لا تأكلون الا في شرف ابنة عز الدين الياسين)
تقف بغضب وتدخل الى الداخل....لقد عاد...وعادت كل الذنوب...وعادت كل الآثام والمعاصي....لا تنكر انها كانت تحبه...ولاتزال تحبه....ولكن خمس سنين من الحرمان كافية لبث النسيان...فلماذا لم ينساها ؟...لماذا لم يتزوج هذا المطلق اللعين....لماذا لا زالت عينهِ الزائعة ترنو عليها.... بسببه لم تحصل على نصيب...جميع من في عمرها لديهم على الاقل طفل...لقد بلغت الخامسة والعشرين....وفي حارتها تزوج الفتاة من العشرين...فما بال هذه الفتاة لم تتزوج بعد ؟ جميع ابناء حارتها يغلقون ابوابهم في وجهها ويخبأون رجالهم من الوقوع في مصيدتها.... والامهات يحرسن بناتهن من داء العنوسة ويحذرونهم من اخطاء ابنة الياسين....وابنة الياسين التي اصلحت ذاتها...وعاهدت الله بأنها لن تعود لذنبِ الماضي....هي الآن تأكل ضريبة الماضي اللعين....لكنها تستغفر الله يوميًا ...على حبه وشوقها له الذي يتزايد بشكل غريب في قلبها..... فاما ان يكون الحب اثنان....قدرًا لها ...او وقوعا اخر في الحرام.... احتضنت نفسها حينما رمقها قبل قليل امام عيني امها....لقد تعمد قبل سنتين ان يشتري الشقة المقابلة لشقتهم....لكي لا يحرم عيناه من النظر اليها ...لم يتقول احد عليه...لديه سمعة جيدة...رجل يمتلك اموالا من والده....يتيتم ومطلق ولديه اختان ...متزوجتان....يعمل في منصب مرموق....لكن حب هذه الفتاة اعثاه ...بالرغم من ذلك....فلم ينبس احد عليه ببنت شفة...مجتمع ذكروي...رمى الثقل كله على كاهل أروى المسكينة.....هذا غير الاشاعات التي اخرجوها عليها كونها قد حملت منه...وهي لم تحمل !! ...
اختنقت وهي ترمي نفسها على سريرها الخشبي....وتبكي بألم كبير من والدتها التي تنفث السموم في حديثها بلا رحمة....ومن ذاك الذي اتعبها حبه...وارادته في نسيانه....لكنه يعود كل مرّة ! ليذكرها بالذنب الذي ساقها اليه....المشكلة لا تكمن هنا....بل تكمن في كل مرة تتذكر ما يجري بينها وبينه....تشعر بالشغف الكبير والشوق.... كثيرا ما تريد نسيان تلك الليالي الوردية....التي تنام فيها كالاسيرة على ذراعه ..تنام في الدفء الجهنمي والنظرات التي تنساب على جسدها لتلتهمه بشغف كبير.... تنام في ظل تلك الهمسات الدافئة التي تنهار على تل اذنيها ....لتصحو صباحها بقبلة شيقة تعطيها جواز التمرد..... تعود لتسألها والدتها اين كانت....فتقول لها انها كانت مع صديقتها فرح....وكل هذا ماهو الا وهم ! ....الى ان قررت فرح بأن تفضح صديقتها....وتقع المصيبة على رأسها لتواجه غضب امها...وتتذكر غضب الله....ثم ترى ثورة المجتمع المكابدة...تحت الالسن المهمينة واصابع الاتهام المتراشقة ....وتلك النظرات التي تشن حربًا ضد بنت الياسين.... يا الهي.... انها مجزرة القدر....وبالطبع هي لا تريد ان تحضى بهذا الهم الكبير....

تتنهد الحاجة ام أروى وهي تشرب قهوتها وترى ذاك الشاب رضا الجاسم يراقب ابنتها كل يوم .... لا تستطيع حبسها في غرفتها....لا احد يقوم بهذا البيت سوى اروى...وليس لها سوى اروى....لكنها تخشى ان يأخذ الله امانتها وهي لم تأمن على مصير الفتاة ....رفعت عيناها وهي ترمق رضا الذي لازالت عيناه تبحثان عن أروى ....وقفت تستند بعصاها ورمقته بقوة...ثم دخلت الى الداخل....وتوجهت الى حجرتها وترفع سماعة الهاتف وهي تكلم *عبود* الشاب الذي يعمل لصالح السيدة ام اروى...كونها لا تسمح بخروج اروى...استعانت بهذا الشاب لكي يساعدها....حينما رفعت سماعتها جائها صوت عبود
( اهلاً اهلاً ...الحاجة ام أروى..كيف حالك يا حاجة....)
تبتسم في السماعة بهدوء وهي تقول
( كيف حالك ياعبود؟....)
عبود يجيب بهدوء
( الحمدلله بخير...كيف حال اروى...ألا زالت تتدلل كثيرا ؟ )
تتغير ملامحها وهي تقول
( لا تذكر لي سيرة هذه الفتاة الضائعة....اريد منك خدمة يا عبود)
عبود يهز رأسه بقلة حيلة
( تفضلي انا في الخدمة..)
الحاجة تهدأ بصمت من قرارها المفاجئ...ثم تقول
( اريدك ان تذهب الى منزل السيد رضا الجاسم.... اخبره بأنه مدعو للعشاء لدينا اليوم ....)
احمر وجه عبود ...صمت ثم قال من باب المشورة وهو يتكلم بحذر
( حسنًا...لكن الا ترينَ ان هذا الموضوع يسبب زيادة الكلام على أروى ؟)
الحاجة تقول باصرار
( أنا أدرى بمصلحة ابنتي...وصه بما قلته واحضر فاكهة وسأجعل أروى تسجل قائمة بالاشياء التي نريدها ...واحضرها قبل الساعة صلاة المغرب...)
عبود يجيب بهدوء
( حسنًا...هل تريدين شيئًا آخر ؟)
الحاجة بهدوء
( لا ...شكرًا لك ياعبود....في امان الله)
يجيبها ( في امان الله )

[**هُجرآنْ **]

في الشقة المقابلة ....عيناهُ الحادتان تجُوب كل زاوية بحثًا عن أملهِ في هذهِ الحياة ... تلك الفتاة التي أغوتهُ الى ان يجنُ وينسفُ كل حدود الحب ويجن...احيانا لا يرى ان التمرد مع هذه الفتاة تمردًا .... فكل رجل يواجه انثى بهذه المميزات التي تتحلى بها هذه الانثى ...يدرك تماما بأنّهُ لا يمتلك الحدُود لكي يبدأ أو ينتهي....فهو لا يعلم من اين نقطة البداية او نقطة الانتهاء....كل الطرق تؤدي الى رومَا....مقولة قديمة كان يسمعها ويصححها في دماغه....بل كل الطرق تؤدي إلى عينيك ...يعلم تماما كيف تعاني وهي ترى التطلعات الصغيرة من المجتمع....يراها تذبل امامه وهي تتحرى فارس الاحلام المنتظر رغم معرفتها بعدم اتيانه.... كان يريد خطبتها من اول مرة....لكن حينما سمع عن قرارها بنسيانه...ونسيان كل ما يؤدي اليه....عاقبها بخذلانه لها حينما قرر الانسحاب وعدم الانضمام لقائمة الخطاب الجدد ....حيث انه لا خطاب جدد بعد اليوم...لم يرحمها بخطوة المبادرة ... بل اختار معاقبتها بدلا من ذلك ....ان يراقبها كل يوم على بلكونتها تعاود الروتين ذاته....وترسم ثورة الابتسامة الكسيرة على شفتيها ....لتغير مبادئ الحياة عنده....احيانا لا يحتمل ان يراها هكذا امامه دون ان يهديها لمسة ترتعش منها....او قبلة ترتجف منها ....لكنه يصبر لأجلها...لأجل ان يرحمها من مجتمعها المريض.... يحلم ان يراقصها تحت ليلة القمر السوداء.... واذا جاء الشتاء يشتاق إلى دفء جسديهما تحت سرير العشق....يشتاق الى الذنب الذي قاده الى الانفلات....يشتاق الى المعصية التي اهوته الى حافة النسيان ....وباح صدره بتنهيدة عميقه وهو ينظر لها ويراقبها قبل قليل حيث كانت تضع القهوة وتتحدث مع والدتها....تفحص الفنجان كأنها تريد قرائته....مجنونة أنتٍ يا أروى....من علمكِ قراءة الفنجان ؟ ...أتذكرين حينما كنا نجلس على الشرفة وتحاولين ان تقرئي فنجاني وتقولي بمرح ( هناك طير فاتحًا عن جناحيه....طير جميل جدًا....يخبرنا بأنك ستتزوج فتاة جميلة تدعى اروى ....ابنة عز الدين الياسين....)
يراقبها بصمت وهو ينظر لعينيها....وآهٌ من عينيها....انها رحلة البداية والنهاية....رحلة الافتتاح والاختتام....يقبلها بعد كلماتها ....يحملها الى سريره ليذنب....ناسفًا بكل اختيارات الحب المشروطة.... يتمنى ان يحمل له العصفور كلماتها....يخبره على الاقل ان كانت نسته فعلا او لا....هذا ان كانت نسته....بالفعل...هو يعلم تماما بأنه من المستحيل ان تنساه....ثم اذا رآها واقفة على البلكونة...وتنظر بحيرة وهي تحرك عدسة عينيها بارتباك....يعلم تماما بأنها تفكر فيه....ويبتسم....راها تغادر بعدما رمقته ....ثم تقف والدتها لترمقه ايضًا بقوة....ابتسم ثم اغلق بلكونته وجلس على جهازه المحمول يراقب سوق اسهم شركة والده الاستثمارية التي يديرها.... سمع طرق كبير في الباب...اغلق جهازه ...توجه ناحية الباب....وفتحه ليرى عبود الرجل الكبير الذي يخدم الحاجة ام أروى... رجل اربعيني قزم واسمر...يرتدي نظارة حول عينيه وقميص مع بنطال جينزي...وفوق رأسه طاقية شعبية يضعها بالعادة.... يبان من اسفلها شعر اشعث قد تمرد الشيب عليه....ليبتسم لرضا وهو يقول
( السلام عليكم ...كيف حالك سيدي ؟ )
عقد حاجبيه بعدم فهم...ثم قال
( عبود ؟! ...ماذا تفعل هنا ؟؟؟ )
ابتسم عبود بحرج وهو يحك رأسه ويقول
( الحاجة ام أروى بعثتني الى هنا...أرادت ان اخبرك بأنك مدعو الى العشاء الليلة... )
يهز رأسه مستغربًا ثم قال
( ماذا جرى على الحاجة؟ هل من الله عليها بعد تلك السنين لتسمح لنا بزيارة صغيرة... سبحان الله قد بادرت هي بذلك حتى قبل الاتيان مني بالفكرة....)
ابتسم عبود ثم قال
( اتمنى ان يطمئن الله قلبك وقلب اروى...ويغفر لكما ما قد اذنبتماه في الحب....جميعنا نذنب! ومن منا لايذنب...لكن طريقة التصغير والتنكير التي تلاقيها ابنة الحاجة من المجتمع لا يرضى بها الله في النهاية...)
ابتسم على ملامح أسم أروى يتهجاه قلبه حرفًا حرفًا ويستنير بهِ عشقه الضال منه لتنفلت منه الاحرف الباغية قائلاً :
( كيف حالها ؟ )
عبود فهم من يقصد ثم قال
( تحتاج الى الرحمة...فقط ! )
ابتسم ثم قال :
( الرحمة ان لا تحبسها امها بهذه الطريقة...على الاقل تصطحبها معها في السوبر ماركت تأخذ احيتاجاتها الشخصية بنفسها...لا ان يأخذها لها رجل مسن...وتضعها في موقف محرج ! )
حكّ عبود رأسه بحرج ثم قال
( حاولت اقناع الحاجة بذلك...ولكن الله لم يمن عليها بالقبول...)
ابتسم وهز رأسه....غادر عبود ليحضر احتياجات العشاء....وهو عاد الى عمله...والى التفكير الذي قاده بالنهاية الى أروَى ! ....






تطل على ابنتها النائمة...وفي قلبها المتألم على حزنها السرمدي يغلف الحنان ويبدي مظاهر القسوة التي قررت استخدامها لتعود أروى كما كانت.....جلست على سريرها ورفعت الصورة التي على طاولة صغيرة بجوار السرير....صور لعز الدين مع ابنته أروى ....تحتضنه بقوة ....وتقبل خده بمرح ..... كان والدها رغم انه حداد بسيط ....لا يقصر عن هذا المنزل في شيء....مات بعد حادثة اغتيال حدثت بين الحدود الفلسطينية والاسرائيلية .....حينما كان سيعبر للاقصى ...ثم حدثت هذه الواقعة الاليمة ومات فيها مئة مواطن فلسطيني اخر ... التفتت الى أروى ثم هزتها قائلة :
( أروى....أروى استيقظي ...)
اروى تدعك عيناها بهُدوء وهي تنظر لوالدتها ...تنظر لوهلة وهي صامتة تدقق في ملامح امها الشائبة ....تنظر لها نظرة مفرغة هادئة توحي بالهدوء الظاهري.....ليس لها سوى هذا الوجه الذي تقابله كل يوم....فكيف يكون عليها دائمًا مفرغًا من ملامح الابتسامة والامل ؟ ....انها ضالة....تبحث عن بصيص الامل....فان فقدته....فستظل في الضياع.....تنفست بقوة وتعب وهي تقول :
( ماذا امي ؟ ...ماذا تريدين ؟ )
تنفست الحاجة بهدُوء وهي تقول :
( يا أمي...قومي وتجهزي والبسي احسن ثيابك....رضا الجاسم سيكون ضيفنا على العشاء الليلة ! )
أروى تهز رأسها بصدمة وهي تقول :
( وهل اشركتني في الخيار...هل استشرتني حتى ...بل اعتبرتي بوجودي....يا أمي...انا لا اريده ...لقد كنا ضائعين معا....لماذا تعيدوننا للضياع...والله ان اكون عانسًا طوال عمري...خير لي واشرف من ان اتزوجه...او افرض عليه زواجي....لو كان يريدني لتقدم منذ ان حدث ما حدث...)
الحاجة بغضب وهي تقاطعها :
( اسمعيني يافتاة....انا لست هنا لاناقش...ان كان السيد رضا يريدك بالفعل...سيأتي اليوم وسيتقبل عرضنا له بالزواج...)
أروى بغضب باكِ وهي تقول :
( لماذا تستصغريني هكذا...وتعاملني كطفلة غبية ....امي انا كبرت ...خمس سنوات كافية لتعليمي اصول حياتي التي اضعتها في صباي....ارجوك امنحيني الخيار...دعيني اختار ولو لمرة شيء يخصني....)
الحاجة بقسوة شديدة :
( ماذا حل لكِ ؟ اليس هذا رضا الذي كنت متيمة به....اصدقيني القول...انتِ لازلتِ تكنين لهُ شيئًا ..)
صمتت بارتباك وهي تحرك عينيها وتدير رأسها ثم تستمر والدتها :
( تظنين ان امك بلهاء....انا اعلم كل شيء...اعلم بمشاعرك.... )
أروى تعض على شفتيها بقهر وهي تمسح دموعها :
( والله اشرف لي ان اسكت مشاعري وتخمدها السنين...ولا اقدم كالسلعة الرخيصة اليه بهذه الطريقة ...)
هزت امها رأسها وهي تقول بأسف :
( ياللأسف...لقد جعلتي من نفسكِ ارخص السلع منذ القدم...لست الان هنا لاعيد اليك شريط ذنوبك القديم...بل انا هنا امحو اثار خطاياك التي دنست ابناء الياسين....نحن مجتمع محافظ...وقد انفلتما...والطيبون للطيبات...والخبيثون للخبيثات...)
غادرت عنها امها....التي ذهبت للمطبخ وبدأت بحفر الخضروات التي ستحشيها...وستقوم بتقديم اطيب الطعام بنفسها....توجهت اروى بعد ان غسلت وجهها الى المطبخ تساعد والدتها ....وهي تعيد شعرها الناعم الى الخلف وتجلس بهدوء تضع الارز بداخل الخضار ....بصمتٍ سقيم والم عظيم....ياللحظ يافرح...انتِ الان تنعمين في حضن زوجك...وانا هنا اقدم لعشيقي في بر الامان...ليعود المجتمع بمضغي ولعقي ....ثم يرميني وكأنه لم يفعل لي شيئًا يومَا ! ...هدأت أروى ...وامها تراقبها بين الفينة والاخرى...كانت تستمع للراديو وتسمعهم يحذرون من الخروج ستكون هناك اغتيالات متعددة في بعض المناطق وتم ذكر بعض المناطق...ومنها رام الله...
قالت بغيظ وهي تقف :
( متى يذهبوا عنا ويتركوا لنا ديارنا بسلام...لقد شتتوا الاولاد ويتموهم....يارب احمينا...)
امها تنظر لها :
( احمدي الله انك تعيشين في اكثر المناطق امانا...رام الله وغزة يعانون من تفجيرات وقصف متكرر....في اليوم الواحد يسقط اكثر من 500 شهيد... )
أروى تضم جسدها :
( وأين المقاومة وحركة حماس ؟ ... )
تتنهد امها قائلة :
( حماس يحتاجون الى التسليح...ثم ان الجواسيس والخونة هم من جلبوا كل هذه البلبلة لهذا البلد الكريم...)
صمتت لوهلة ثم ادركت ان فلسطين تعاني خطرًا اشد من المتوقع في هذه الاونة الاخيرة....تحتاج الى المخلص والمنقذ....تحتاج الى منفى خاص بها يعيد لها استقلاليتها وحرية شعبها....واهم من ذلك...تحرير الاقصى...تنفست بغيظ حينما رأت الساعة تجاوزت الخامسة والنصف ثم قالت :
( سأذهب لازيل الملابس من الحبل...تحتاج الى الكي ...)
هزت رأسها وتوجهت الى البلكونة....وقفت عليها تنظر للطريق...وحينما لاح عليها طيف وجهه...ابتعدت وهي مرتبكة تحمل السلة وتضع فيها الملابس...حنيما التفتت كان مبتسما لها....احمرت وجنتيها ودخلت وهي تركض للداخل....وضعت الملابس بجوار طاولة الكي وبدأت بكيهم جميعا....الى ان حان وقت الاذان وهي مرتبكة جدًا .....تشعر بأن المسافات التي وضعتها مسبقًا تقصر الآن .....كيف ستواجه الماضي....وبماذا تواجهه ؟ ....هل من السهل ان تتذكر معه الاشياء القديمة التي تتجمل كل مرة في عينيها....وقد قبحتها هذه الاشياء امام المُجتمع .....تنفست الصعداء ....الهواء اصبح حارًا وخانقًا....بالله عليكِ يا أمي ... أأرتدِي أحسنُ الثياب له ....أأعود للذنب مرةً أُخرَى ...ومعاصِي الماضي....دثريني أيتها الايام...أنقذيني وبعثريني....رضا لم يعدُ كشهوة الصبا....لقد ماتت فيّ كل سرابيل الامل التي علقتها في رجوعه...لماذا يُعيدنا القدر لبعضنا مرةً اخرى ....هل انكر حبه ؟ ....هل انتهِي هُنا ؟ أو أبتدي هنا ؟ يا الهي....اشعر بأني لا شيء ...هه ..هذا اذا كُنت شيئًا من الاساس ...
توقفت متوجهة بتعبٍ شديد الى دُولابها....تخاف من المواجهة....تخاف من تلاقي الاعيُن ...تخافُ من تقارب الانفس....تخاف من نظراته الشغوفة لها.....تخاف ان يتفحصها انشًا انشًا فلا يجد شيئًا يختلف عما سبق.....ماذا تلبس....احتارت وهي تستند على باب الخزانة ....وتعض شفتيها بألم ....الا ان امها سحبت فستَانًا باللون الاسود من خلفها وهي تقول :
(( ...ارتديه أروى....انه يوم الجائزة ...))
اطلقت شهقة حزينة وهي تنظر لوالدتها بتعب :
(( كفاكِ امي....كفاكِ عن معاملتي هكذا...أي جائزة تتحدثين عنها ؟ عن رضا الذي حرمته من حق الخيار في اختياري كشريكة زواجه او لا....لتسلميني له ببساطة الآن ؟؟ ماهذا الوحي المفاجئ الذي نزل عليك يا امي.....انا اعاني من ارهاق شديد...من حبسكِ خمس سنين لي في هذا المنزل....من عبوسك وقمطريرك...من احراجي مع عبود ...حتى في خصوصياتي كفتاة حرمتني حق الاختيار....ارجوك امي لا تزيديني ...))
هزت والدتها رأسها ثم مسحت على شعرها قائلة :
(( انا لستُ امًا قاسية يا أروى....لكن لا تسلم الجرة كل مرة...لقد أخطأتي في الصبا....ويجب ان تتحملي عواقب اخطائك.... انا مندهشة منكِ...رضا حبيبك...فلماذا ترفضيه الآن ؟ ))
احتضنت ذاتها وهي تعض شفتيها لكي لا تنهار في البكاء :
(( لانه يذكرني بذنوب الماضي...يذكرني بنظرة المُجتمع الحقيرة...يذكرني بصدك وهجرانك امي...بحبسي ومنعي...انه يذكرني بالشيطان...رغم الحب الملائكي الصافي الذي منحني اياه...))
امها تنظر لها بتفحص :
(( مالذي جعل فتاة صبية تعشق رجل مطلق...ماذا حل بالماضي اللعين يابنتي....الان دعينا نرفع رؤسنا المرغمة بالتراب...ونطهر خطايانا....منعك عن منفى الخطأ ليس حلاً ...بل رحيلك الى منفى الخطايا هو الحل الوحيد....))
هزت رأسها ساخرة ودموع كريستالية تتلألأ من جفنيها الناعسين...وهي تحتضن الفستان الاسود ..
(( بالطبع.....لاحل لديكم سوى ان تساق الفتاة اسيرة لهوى المجتمع....مهما اخطأنا ياامي هناك اله يغفر ....هناك خطايا تمحى ....وهناك الاف الحلول المعقولة....)))
التفتت لوالدتها بهدوء ودموعها تسقط لوهلة على خدها الناعم قائلة :
( لكن شكرًا امي....انه يوم الجنازةُ لا يوم الجائزة ....)

دخلت الى دورة المياه تستحم....وهي تفرك جسدها بقوة ....تمحي اثار الماضي منها ....تغتسل غسل الذنوب القديمة ....تغتسل رعبًا من رضا ....من امها ....من الجميع .... اضطربت وهي تعض شفتيها تسمع الباب يطرق .... شعرت بدخوله ....لان قلبها ينبض....رغم انها لازالت بدورة المياه...الا ان سخونة عميقة تغلق انفاسها ونبض متسارع يكاد يسمع صوته ....شعرت بأن قلبها سيخرج من حلقومها لفجأة ....غسلت جسدها بسرعة ثم خرجت الى غرفتها تسرح شعرها ...تشعر بأن كل الاشياء الواسعة باتت ضيقة ...انفاسها مختنقة ...ملامحها شائبة بالرعب ...والحُزن....والتوتر....ترفع كفيها امام وجهها وترى اصابعها الرشيقة ترتجف....تمسك بمجفف الشعر وتبدأت بتجفيف شعرها الناعم الذي ينسدل بدلال على ظهرها...تشد الفستان عليها....ثم تضع كحلاً عربيًا اصيلا فوق تل عينيها....واحمر شفاه زهري ناعم ....يتلألأ في غُموض شفتيها الورديتين....ترش عطرها المفضل الذي لم تغيره منذ خمس سنوات....ثم تستند على الباب تخشى التقدم...
هل سأقابُلك يارضا بالفعل؟ ...هل ستلتقي عيني بعينكِ بعد هذهِ السنين؟ ...هل سأتذكر ماضينا وأيامنا القديمة؟ ....يادوحَة القمر خبأيني ....الظلال المُظلمة تلتهمني.....الحب المعتم يغويني.....السراديب القديمة تتفتح....المعشوق المذنب يعُود.....لأكون لألفِ مرةً ومرة ...أسِـــيرةً للهوى.... أحبسيني أمِـي ...إمحيني من هذه الحياة....إجعلنِــي حبرًا منسكبًا على حافة الورق .....اخنقيني ببساط الأبجدية الأحمَـر.....غازليني بوجهَكِ المعبوس.....إقرأي فناجنِيَ الأســـَود .... حرريني .....حرريني من الذنب ..... لما انا أرتجف ..... اسمع تمتمته مع والدتِي....تسألهُ عن حاله ويقول .....كنت قبل خمسِ سنين....بأفضل حال.....يعاتبها وأسمع عتابه لأمي.... يا إلهي..... هل حان فعلا وقتَ العتب.....

تقدمت بخطى مترددَة حينما سمعت صوت امها .....توجهت للمطبخ قبل ان تعبر الرواق المؤدي الى صالة المنزل حيث يجلس رضا..... تحمل القهوة بتوتر وهي تعض على شفتيها قبل ان تدخل وتعد للمرة المليون ... ترتجف القهوة امام يديها لكنها تسمي وتخطو خطوة جريئة للداخل....بعينين ذابلتين ....وصمت سرمدي ....وخجل عفوي.....تضع القهوة امام طاولته ....وامام والدتها.....لم تنظر له ولم تحاول ان ترفع عينيها له ....ارتعبت وهذا يكفيها لكي يفضح مابقى ...جلست بجوار والدتها بخجل وخوف ...وتوتر ظاهر بشكل واضح ....ولازلت عينيها في اصابعها التي تفركها بشدة ....ثم سمعت همسة والدتها :
( ايتها الذكية ...ارفعي رأسك ....لا اعلم من اين نزل عليك الحياء الآن...)
رفعت حاجبها بغضب لوالدتها وهي تنظر لها ولاحت ملامحه امامها لتراه ينظر لها بصمت....بشوق ....بلهفة ....بابتسامة ....وحيرة ! .....
تلعثمت وهي تنظر له بصمت ....وبشوق ايضًا ....لقد نهض الحنين في روحيهما .....لقد اشتعلت النيران المخمدة ....لقد نضجت بذور الحب القديمة ....لقد نمى طفل الهوى الذي قاموا بتربيته .....ارتجفت حينما سمعته بعدما ارتشف قهوته وقال :
( هل لازالت لديك الخبرة في قراءة الفناجيل ...)
يا إلهي ....انه صوته ....انه صوتك يارضا ....صوتك الرجولي الفخم ....خامة مبحوحة برجولة شامخة .....نبرة مهيبة ومبهرة ....ساحرة بسخاء .....
صمتت طويلا ...تشجعت ....رفعت حاجبها بهدوء وهي تقول :
( انها ترهات الصبا ... )
ابتسم اكثر وهي يرفع حاجبه باستنكار :
( وهل كبرنا عن كل شيء يا أروى ...؟ أم اخترنا للنسيان طريقًا ؟ )
هزت رأسها بأسف وقالت :
( وهل التقينا لنعاتب ؟ )
تهجن صوته للجدية قائلاً :
( ومتى نعاتب ...؟)
صمتت طويلا ...ونظرت لوالدتها التي تسمع للخطاب بصمت ....احمر وجهها وقالت :
( لا داعي لهذا الحديث الآن ..)
رأته يشد قبضته ....ارتجفت وعيناها تتسع ....انها الحركة القديمة ...التي يمسك فيها نفسه كي لا يقوم ويقبلها بقسوة ....قبلة العتب....كان يفعلها سابقا اذا تأخرت ولم تأتيه .....يشد قبضته ...أو ينفلت ....رفعت حاجبها بتحدي ثم نظرت لوالدتها ... لكي تنطق أي شيء ....لكن والدتها كانت صامتة وتراقب تلاقي الاعين وتلاقحها بكثير من العبارات الخرسة التي لا تسمعها الا قلوب العاشقين ...مايربكها هو قبضة رضا المشدودة بعنف وكأنه يعنفها عذاب السنينِ الخمس التي تركته.... الهواء اصبح فحيحًا حارًا ....ورضا يستغل للنظر لكل تفاصيلها..... يا الهي...ماهذا العناد في الحب ؟ ....ماهذه الخطايا التي لا تغتسل ...وقفت بهدوء وهي تشد فستانها....قامت بتجهيز طاولة الطعام.....ومن غرفة الطعام كانت تسمع حديث هادئ من والدتها ورضا....لماذا يتفقون من خلفها....لماذا لا يقال كل شيءٍ امامها....من الافضل ان تكون احد الاطراف الرئيسية في هذا الموضوع....عضت شفتيها حينما كانت ستخرج لتناديهم الا ان رضا ....واقف ببدلته الرسمية...فاردًا صدره بقميص ابيض مثير يطل منها احد العضلات الضخمة المترامية على صدره الجهنمي....يا الهي...شيطان رضا لازال يغويني.... تلعثمت وهي تنظر لعيناه ....انها نظرة قديمة ....نظرة الحب التي لم تتغير....لم يتغير شيء....لازيادة ولانقصان....فقط شوق مهيب يكاد يخترق قوانين العشق امام رضا .....ختم صمتها صوت والدتها :
( هل نسيتم العشاء ...؟؟ )
سعلت سعال الحَرجْ ....وتقَدمت ناحية الكرسي بجوار والدتها...رِضا امامها ...هل هذَا معقُول ؟ تنفست بهدوء وهي تمضغ طعامها بهدوء... تتذكر آخر وجبة اعدتها له....وتناولتها معه...صينية الخضار مع صلصلة الصويا التي يعشقها رضا من يديها....لقد اعدتها اليوم مع والدتها.....وهي اول ما اختار ان يضعه في طبقه....وكأنه يتقصد ذلك....يشير اليها بإشيارات الحب القديمة وينبهها انه سينفجر فيها ....
تتبادل والدتها مع رضا النظرات الجانبية ولكن الخجل اكهل لسانها لتصمت ....بخجل ....بحرج.... لكن همسة رضا اوقفت الجمود الجهنمي الذي فيها وهو يقول :
( لقد اتفقنا ...على كل شيء...)
التفتت بغير فهم لوالدتها وهي ترفع حاجبها الايسر كناية عن عدَم فهمها.... يحتسي شرابه ثم يشبك يديه على الطاولة وينظر لها بهدوء قائلاً :
( سنصحح الصورة التي شوهك بها المجتمع )
ابتَلعت ريقها الجاف ثم قالت برعب :
( مـ.... مـاذا تعني ؟؟ )
رضا بابتسامته الجاذبة يضيق عيناه وهو يسند يده على خدها وينظر لها بعشق ونظرة تأمل :
( وماذا تقترح السيدة أروى ؟ )
اغمضت عيناها بغيظ كناية عن انها لا تمزح بالفعل....يا الهي...انها ردود الفعل القديمة....حينما كان يعاملها بهذه الطريقة وتغضب...وتغمض عينيها كناية عن اقصى حدود الغضب وعدم تقبلها لاحتمال أي كلمة اخرى.... رفعت عيناها تراه يبتسم بهدوء ...لقد حفظها ....وهو يرى كل ما يرغب برؤيته.... قالت بهدوء ظاهري وهي تتحلى بالشجاعة امام والدتها الا انها مجرد تمثيل مزيف وواضح امام رضا :
( اريد ان اعرف كل شيء...مالذي دار نقاشكم عنه .. ؟؟)
امها تضع يدها الكهلةَ على شعرها المموج بخصلات بلون بندقي لامع وجاذب لتنظر لها والدتها :
( ياحبيبتي... انتِ تعلمين بأني أريدكِ أن تكُونِي عروس ...قبل ان يتوفاني الله ولا يبقى لكِ وكيل ولا حافظ )
حركت عينيها بتوتر كناية عن غضبها المتزايد لكن والدتها حاولت تهدئتها :
( لا تغضبي ولا ترفضي...انه قرارك القديم...وسيفرض عليكِ اليوم... انتِ لرضا يا أروى ... )
رفعت حاجبها بسخرية :
( هل تقصدين بأني سأجبر على هذا الزواج ؟ )
ابتسمت والدتها :
( انا لا افهم سبب رفضك...انه مناكِ القديم...فما الذي حدث ؟ )
رفعت رأسها وبابتسامة ساخرة رسمتها :
( هذا مثير للسخرية يا أمي...لقد عاقبتني على امرٍ كل يوم تخبريني بأنه الخطأ الاول والاخير...ثم تزجيني عند من يصنع الاخطاء بنفسه لغيره....سبحانك ياربِ ...مبدلَ الاحوال !! )
رضا يتنحنح ثم يقول :
( هل هذا يعني رفضك لِي ؟ )
صمتت... ثم وقفت بهدوء وهي تزم شفتيها وبعتب :
( أقلها اعطيتموني وقتًا ككل عروس...حتى لو لم يكن لي خيار....فالوقت والتفكير في الموضوع هو افضل حل لهذا ...بالنسبة لي انا غير موافقة رضا...صحيح اني احببتك...لكني هذه السيدة غرست فيّ فكرة انك الخطأ ...والخطأ لا يجوز الرجوع له !! ...اعذرني سيدي...اتمنى لك حياة هانئة)
يتَوشح وجه الحاجَة أم أروَى بالغضَب لتزمَجر بصوتِهَا لإبنتها قائلة :
( تأدبِي ياقليلة الحياء وكثيرة الخطايا ...)
قاطعَها رضا قائلاً :
( لا بأس ياحاجة ... أظنها فعلاً تحتاج الى تفكير ...)
التفت ناحية اروى...نظر اليها طويلاً ....يمزقها بنظراته الخــانَقــة .....يبعثرها بتلك الرجولة الثاقبة .....ترتعد اطرافها .....يكاد ينهار اساسها.....فيطيح البُنيان المشيد....السيدة الحاجة ترى كواكب العشق تتراشق بنيران الهَوى .....يكتوون في ما بينهم ....يصمتون ...ويتفادون اخطاء الماضي ويكملون طريقهم....اما أروى ابنتها فتقف باعتراض معاندٍ وتمشي تاركةً رضا ينظر لطيفها الذي تبعثر كالدخان من امامه..... وقلبه يرهف حروفَ اسمها حرفًا تلو الآخر....يحفظهُ ويرتله انشودَةً للهوى .... ثم يهديه العالم الذي أفنى نفسه من اجل الحب السرمدي..... سمع صوت الحاجة المحرج قائلاً :
( اعذرني يا ابني...أروى فتاة ولها ردة فعل من تصرفنا...مهما حدث فالضغوطات المتوالية على قلبها لا تسر الخاطر...)
رضا يبتسم بهدوء للحاجة ويقول وهو يحتسي حساءه :
( لا بأس ... )
اتسعت ابتسامته وهو ينظر لطبق الحساء ويعيد نظره الى الحاجة قائلاً :
( بالمناسبة...حساء لذيذ ...)
ابتسمت له الحاجة قائلاً :
( هنا وعافية...ولو كان حساء أروى لكان أكثر هناءًا لقلبك...)
ابتسم بهدوء وهو يقول بغموض مبهم :
( هذه نظرية لا يناقش فيها ! )
أكملت حديثه تسأله عن أختيه....وعن حياته....عن انتظام حياته دون طليقته....وعن أروى....وغياب اروى عنه....عن العشق الحقيقي الذي أسردهُ في عروقَـه وكبله أسيرًا للهوى.... !!


.................................................. .................................................. .................................................. .................................................. ............


.................................................. .................................................. .................................................



صحَت في الفجَر ....على هُروب الليل واندلاعِ الصبح .... على صوتٍ الحمام الذي يهيم في طرقات فلسطين ليجمع الحبُوب المنثورة على الارض المبلطة .... صوت حافلات الصباح ..... وصوتُ الهدِيل....وانسام الربيع الهادئ.... تحت صفوِ ليلةٍ كانت بالأمسِ موحشَة .... تستندُ على كرسي على بلكُونة الشرفة ....وفي يدها كتابُ الأسود يليقُ بكِ ..... كانت تقرأهُ باندمَاج تام ....وتتفاعُل ملامحها مع اقصى درجات العواطف المصفوعة بهَا أحرفُ أحلام مستغانمِي .... وفي يدها تسري رجفَة خوف....من الحُب الذي تحول الى لعنة قدر بالنسبةَ اليها.....لأنها ستواجهُ الصعوبات بكل حذافيرها لتستعيد العاطفة الحقيقية التي كانت تملكها....لكي تستعيد الجُرأة التي دمرتها ألسنة الناس....ونظراتهم المشمئزة ..... خُنقت وهي ترفع رأسها لتراه كعادتهُ لا يمل ولا يكل من النظر اليها.....وقفت بغضب وهي تصفع الكتاب كناية عن عدم رغبتها في رؤيته....لتدخل الى الداخل وتقابل والدتها الجالسة على كرسيها مستندة على عصاها .... تهز رأسها بأسف ...بينما هي تجلس امامها وهي تقول :
( أمي....أريد أن أخرج اليوم من المنزل ...)
رفعت رأسها لها وهي تقول لها :
( وماذا عن رضا ؟ )
أروى تشيح رأسها بغضب وهي تهز رأسها لعدة ثواني....عضت شفتيها بغيظ شديد وهي تنظر لوالدتها :
( أنا أستأذنك بالخروج...لا أتكلم عن رضا ...)
امها نظرت اليها بحذر ثم قالت :
( إستأذني رضا ...اذا سمح لكِ ...فاخرجي)
ضربت فخذيها بغضب ثم وقفت وهي تقول :
( كفاكِ يا أمي...رضا لم يصبح زوجي بعد.... أريد أن أمشي في الطرقات قليلاً...لقد مللتُ الحبس ....أرجوك أمي أعتقيني ولو لمرة ...)
نظرت اليها بهدُوء وتلكِ الملامح المجعَدة أصبحت مستقطبة لثوانٍ ثم قالت :
( وإلى أين ستذهبين ؟ )
أجابت بقلة صبر :
( إلى جهنم يا أمي...يعني إلى أين ؟ ...سأتمشى في طرق حارتنا...والله مللت...)
هزت رأسها ثم قالت :
( اذهبي...ولكن كونِي حذرة فعبود سيراقبك...)
شعرت براحة كبيرة ...حينما أدركت ان تأثير زيارة رضا على والدتها بدأ يبين أثره.... فلولا زيارته لكانت قد بقت ربانزيل صاحبة القصة الشهيرة لديزني...الاميرة المحبوسة في القصر.... هل هي طير فُتح له القفص لتطير بسرعة بفرح ناحية غرفتها وتسحب فستان باللون الكحلي لترتديه...وحذائها الارضي الناعم....مع حقيبة بالجلد البني وضعتها على كتفها بعدما ارتدت معطفها الاسود.... حررت شعرها ...كل شيء تريده حُرًا حتى شفتيها اصبحت حرة بابتسامتها المُستحيلة .... ابتسامة جهنمية كانت تذيب رضا بدلالها.... كانت تغويه الى شباكها ومصيدتها بهذه الابتسامة العفوية المدللة... خرجت بسرعة وهي تركض من الدرج....الذي تشعر بأنها اول مرة تخطي عليه في حياتها....لانها نادرًا ما تطل حتى على الدرج.... فصارت تتلمس الجدار اثناء نزولها بمرح.... ضحكت بجنون وهي تركض بسرعة لتنزل ويأتيها صوت والدتها التي تطل عليها من الطابق العلوي :
( تريثي يا أروى حتى لا تسقطي... انتبهي ...ولا تتأخري )
أتاها صوت أروى المغلف بالمرح :
( حسنًا امي ...لاتقلقي...)
توجهت للخارج بمرح .... وهي تطل للشمس ...للهواء....وترى الناس يمرون امامها وكأنها شخص مجنون قد حرر من السجن.... تدور حول نفسها وهي تضحك بجنون.... امام دهشة رضا الذي فور ما رآها نزلت نزل هو الآخر ... السيد عبود حينما رأها تركض ابتسم لها وقال :
( انتبهي يا أروى لنفسك ...انتبهي لا تسقطي )
ابتسمت بمرح وهي تشم الورود التي زرعتها وهي صغيرة بجوار هذا الفندق الذي تسكن فيه ... وقالت :
( سيدي ... هل تستوعب ان لهذه الزهور عمر طويل .... يا الهي لا اصدق لم يتغير شيء)
ابتسم وهو ينظر لها ...وقفت بجنون تتفقد الطريق الذي امامها بمرح ... كانت تمشي للخلف لم تنتبه للشخص الذي كان خلفها .... حتى اصطدمت فيه ... ابتسم بذاته وهو يرجع شعره للخلف بواسطة اصابعه.... تلعثمت أروى بقلق وهي تنظر له ...كانت ستمشي لولا يده التي امتدت لتجذبها ناحيته وينظر لعينيه تحتَ ضوء الشمس :
( يا إلهي... كم اشتقت لكِ يا مجنُونة .... لم يكن يُسمح لي أن أتكلم أمام حضرة امك بهذه الكلمات....كُنت سأنفجر فيك...كنتُ سأبعثرك ...سأقتلك بسبب هُجرانك.... )
أروى برعب تبعد يده التي امتدت ناحية خدها وهي تقول :
( أرجوك سيد رضا...ابتعد من هنا ... لا أريد أن تعود سيرتنا مضغة في أفواه العرب.... )
ابتسم بجرأة وهو يتقدم اكثر حتى التصق ظهرها بأحد ابواب المنازل القديمة وقال :
( لقد أعلنت خطوبتنا يوم أمس...فلا داعي للقلق )
أروى بصدَمة وغضب :
( مـاذا ؟؟؟؟ ...ومن سمحَ لك....هل بادرت حقًا بردي بالموافقة ؟ )
رفع رضا حاجبهُ الايسر وهو يضع يده بجوار رأسها ورأسه ناحية رقبتها وهو يقول :
( لا داعي للهرب يا أروى...أنا قدركُ .... تحملي نتائج اغوائك لرجل مطلق ... لقد عذبتني بهذا الغياب....اشتقتُ لشفتيكِ وعينيكِ ....اشتقت لتفاصيل جسدك....ولو شئتي لسمعتُها لكِ إنشًا إنشًا ...فما نسيتها يومًا )
شهقت برعب حينما فتح الباب من خلفها وكانت ستسقط للوراء لولا يده التي امتدت لخلف ظهرها ...جذبها ناحية صدرها وبحركة عفوية كانت مختبأة لديه.... حتى خرجت أحدى السيدات الكبيرات في السن وهي تقول :
( ماذا تفعلون ايها المجانين ...أتتغازلون امام منزلي ...)
ضحك رضا ...لتضحَك أروى بعفوية من خلفه بحرج ...ثم قالت السيدة :
( لا بأس علمنا بأنكما مخطوبان....ولكن لا تشوهوا سمعتي ... ابتعدوا ...ابتعدوا بسرعة ... )
أروى ابتعدت عن رضا بهدوء وبحرج ...ثم تقدمت لتذهب ...لكنه كان خلفها ليقول وهو يسحبها ويلفها امامه :
( لقد اخبرتك قبل سنين...حينمَا أنا أمشي معك ...لا تفكري بأن تتقدمي عليّ في ذلك ! ... )
أروى بمسايرة حذقة :
( اجل أخبرتني...وشكرًا لإعادة المعلومة )
ابتسم رضا مستنكرًا :
( أنا لا أعيد الكلام ... هذا مجرد تذكير بسيط...فلا أعلم حتى ان كنتِ نسيت هذا الامر فعليًا او لا ..)
أروى بغضب تبعده عنها وهي تقول :
( أرجوك دعني ...دعنِـي أعيش هذهِ الايام بسلام ...)
رضا يهز رأسه برفض مبتسمًا :
( لن ابارح مكانِي حتى تعترفي لي بأنكِ مازلتِ تُحبيني ! )
أروى تحتَار في عيناه ...فماذا تُخبره...وماذا تخبأ في صدرها...العالم المخيف يُجبرها على السكُوت...لكن عيناه تذيبان كل الجليد الذي وضعته حاجزًا بينها وبينه... عضت على شفتيها بهدوء وهي تقول بانسحاب :
( إلى اللقاء رضا ...)
رحلت من امامه...وماكانت سوى ابتسامة جاذبة انطلقت من شفتيه... انسحب عنها ارضاءًا لها... وهي التي كانت تتجول في هذهِ المدينة بمرح... لا تُريد أن تخدش لحظات المرح المَوجُودَة هُنا ... حبُ رضا ...هو بذرة صبا نامية...لا تنكر بأنها لازالت مُغرمة فيه...ولكن ليس كل مغرم يستطيع ان يعيش الحب حتى لو كان متاحًا له ذلك...فالظروف المقاسة للعشق منعهُ من مزاولة مراده.... كما أن بعض الفتيات كأروى...يعشقن الدلال كثيرًا ...لذلك فإن صبر رضا معها طويل...وكان يعلم ذلك.... ابتسم وهو يخاطب نفسه :
( اعتقد بأن فنجالك سيسودّ يا أروى... وسترين ...)
غادر من مكانه وهو يتحسس صدرهُ الذي كان عبارة عن جحيم يلتهم كل تفاصيل أروى قبل قليل...رؤيتها فقط تضيف عبء تحملها ... عبء الشوق المجنون الذي يمتلكه رضا.... رغم ذلك فهو يحبها بكل ما يمتلك... شعر بتوتر حينما علم بأن موعد سفره الى لندن قريب جدًا ... بسبب العمل الذي يلاحقه ...


.................................................. .................................................. .................................................. .................................................. ...


تَخرجُ من الخَيمة صباحًا .... وتتقدم ناحية امرأة تقوم بالطبخ لجميع من في المخيم وتساعدها نساء اخريات....ابتسمت بمرح وهي تجلس بجوارهن رغم تذكرها بأن خليل بين الحياة والموت...وهذا الجندي الارعن يقول لها بأنه لا يضمن لها نجاته.... ابتسمت بهدُوء وهي تتقدم جوارهن وتجلس :
( السلام عليكم ...كيف حالكم ؟ )
سمعت همسة من احد الجالسات بتضجر :
( ها قد اتت الاسرائيلية ... لا تردوا عليها...ربما تكون عميلة )
انها تسمعُ المساسرات امام عينيها...تتجرع الالم جُرعَات وهي تُنفى من قبل أهل بلدها الى من هي تكرهم .... انها ليست اسرائيلية يومًا .... جميع من خلف هذه الحدود وهبوا الجنسية الاسرائيلية اثناء انشاء الحدود بين باقي اراضي فلسطين والقدس.... تجاوزت كل ذلك وهي تعزز موقفها بالصمود والثقة وتجلس بجوارهن وهي تقول :
( هل تحتاجون للمساعدة ياخالتي ...؟ )
ترمقها بغضب وهي تقول :
( أنا لستُ خالتك... ونحن لسنا بحاجة لتنجيس الطعام بأيدي المحتلين...)
كان هناك جندي واقف يستمع للكلام ... انهُ هشام....الذي تقدم بغضب وهو يقول :
( ماهذا الكلام ياخالة ام حسين ... أهذهِ تعاليم الاسلام ؟ ...)
ترد بغضب وهي تقول معربدَة :
( هل جئتَ تعلمني يابن ام هشام ....ارجع الى موقعك والا اخبرت عز الدين عنك ...)
هشام يستغفر الله فهو لا يحبذ ملاسنة سيدة بعمر أمه لكنه يقول :
( هذه المعاملة التي تعاملين بها هذه الفتاة لا يجوز التعامل بها حتى مع اليهودي ...)
ام حسين تجيب بقهر شديد :
( انت تقصد اليهودي المسالم... الذي لا يحمل حقدًا للمسلمين... انت لا تتكلم عن المحتل الذي ضرج ابنائنا بالدماء...)
أجابت بقهر شديد :
( مع احترامي لكِ ياسيدة...لكنني فلسطينية الاصل والمنفى...لقد اجبرنا على توقيع الجنسية الاسرائيلية ... نحن لسنا باسرائيليون والعياذ بالله !!! ))
هزت رأسها ساخرة وهي تقول :
( هذا هو اسلوبكم من القدم ... تعطون الناس من حلو اللسان ثم تغشوهم ببساطة ... انتم تلونون انفسكم بفرشاتكم الغليظة ...ونحن لا تنطلي علينا هذه الدعابات ...! )
هزت رأسها بأسف وهي تقول :
( مع الاسف حتى في وسط هذه الظروف يتعامل الناس بالجهل والعنصرية ... لو كنت اسرائيلية بحق لاستعنت بالحكومة الاسرائيلية في العبور... لكنني لا احبذ ان اطعن ابناء بلدي من ظهورهم...فهذهِ ليست نخوتي ... شكرًا ياحاجة ام حسين...جزاك الله عني الف خير...)
توقفت لتمشي لكن قاطعها هشام الذي ناداها :
( يا فتاة ... الى اين تذهبين..هييي...أنا أكلمك ...)
التفتت بعجز شديد وهي تقول :
( نعم سيدي ماذا تريد ...)
ابتسم بحنيّة وهو يقول :
( لا عليكِ يا ..... ) وسرب الحرج لسانه كونهُ لا يعرف اسم الفتاة .
ابتسمت بهدوء :
( إكليل ..)
قام بحك رأسه بطريقة مضحكة وهو يحمل خوذته بيده ويقول :
( لا عليكِ يا إكليل...هؤلاء نساء كبيرات في السن لا يفهمن هذا الكلام...مع الايام اثبتي لهم بأنكِ اهلاً للثقة ... )
إكليل بعدم فهم ! :
( مع الأيام ؟ .... هل هناك ايام اخرى ايضًا ! )
هشام يهز رأسه بعجز :
( هذا ماتنويه اسرائيل في ارعاب العامة...لا نمتلك سوى هذا الحل...نحن نبذل اقصى جهدنا في جلب المدنيين الى هذه المخيمات للحماية ... فهذه اكثر منطقة آمنة...كونها في وادي وبين جبال ... فمن صالحنا بأننا كنا نرابط في هذا المكان ...)
مد يدهُ مصافحًا اياها :
( عمومًا انا هشام... جندي من جنود المقاومة... )
ابتسمت تصافحه بهدوء وهي تقول :
( شكرًا لكِ أخي ...يبدوا انك ستكون مسندَ ظهرٍ لي في هذه الايام العسيرة ..)
ابتسم ايضًا هو بحرج وهو يقول :
( سنكون لكِ نعم السند ... لا تقلقي ...توكلي على الله وسيحبونك تلقائيًا ... )
هزت رأسها لتنسحب ....لكنها قابلت عدوها اللدود ...الشخص الذي يحميها...كما يقول ... حكت رأسها بهدوء لكنها سمعته يزمجر بغضب لهشام :
( ماذا تفعل مع الفتاة ياهشام...!! )
هشام باعتراف :
( لم اكن افعل شيء...كنا نتحدث فقط عما جرى مع السيدات قبل قليل )
عز يتقدم وإكليل تضم نفسها بقلق من تصرفه وشرارٌ غريب يستفيق من عينيهِ :
( ممنوع التحدث الى النساء....الا في حالات الاضطرار....اذهب الى الحدود مع عبد الإله... عملك يقتضي في المراقبة فقط...لا في المغازلة !! )
هشام هز رأسه ...هو يعرف صديقه عز ..ويمتن له طوال عمره لأنه انقذه من الانقاض اثناء قصف غزة...وضمه بنفسه الى حركة المقاومة ضد الاسرائيلين ...علمه اساليب الحرب ... وكل شيء....وكساه والبسه واطعمه واهتم فيه كأخيه...فهو ممتن لعز الدين طوال عمره... ذهب من امامه ولكن إكليل قالت بهدوء :
( لم يكن يغازل على فكرة....كان هناك سوء فهم بيني وبين الاخوات...وهو من انقذني من شر الملاسنة !)
التفت وهو يرفع حاجبه الايسر بغضب :
( ولماذا لم تخبريني أنا بذلك...)
إكليل تعقد حاجبيها تدهشة غير مصدقة :
( حقًا ؟؟؟ ...ولماذا اخبرك !!...هل لك صلاحية في ذلك اكثر من هشام !! )
رفع كلا حاجبيه باستنكار وقال :
( ماشاء الله...تعارفتم بسرعة...حتى حفظتم الاسماء... ) تقدم ناحيتها ولم يكن يفصل بينها وبينه الا عدة سانتيمترات ليقول (( أجل ...لي صلاحية في ذلك...أنا مسؤول عن كل من هم هنا...وبمن فيهم هشام... )) ...
إكليل بغضب :
( شكرًا ...لا احتاج منك معروف... فصديقك هشام اكثر تهذيبًا منك والله !! ... )
كان سينفجر غضبًا لولا رجوعها للخلف ثلاث خطوات بالتدريج وهي تضم نفسها...لتمنح نفسها مسافة آمنة منه...ثم الهروب من امامه....
توجه لجماعة السيدات اللاتي يطبخن ثم قال :
( كيف حالكم ... هل ينقصكم شيء ؟ )
ابتسمت له الحاجة ام حسين بهدوء :
( لا حفظكِ الله ... أمورنا في التمام... هل تأمرنا بشيء )
لازالت ملامح وجهه لا تفسر وهو يقول :
( أريد أن أشير فقط بأن العنصرية في التعامل هنا ممنوعة...والفتاة تعامل كما يعامل بقيتنا...نحن هنا في صدد حمايتنا لبعضنا البعض ياخالة ...لايجوز لنا فعل هذه التصرفات... )
انصرف حتى دون ان يسمع كلمة واحدة منهم ... وعاد ليقرب جهاز التردد لشفتيه وهو يقول :
( عبد الاله...هل تسمعني ؟ ...ماذا يجري في الحدود ... هناك حركة غير معتادة )
جاءه صوت عبد الاله بعد عدة موجات مشوشة :
( كل شيء يجري بخير ... فقط ارسلت مجموعة من الجنود للجهة الجنوبية لتفقد المكان )
اتاه صوت عز بعد عدة دقائق :
( حسنًا ... هل اتاك هشام ! )
رد عليه صوت عبد الإله :
( أجل... )
توجه ناحية مخيمه ولديه جهاز لتحديد نظام القاعدة الجوية بحيث تكتشف موجات الصوت ان كانت طائرة قد مرت فوقهم او لا... ومن الواضح بأن الوضع مستتبُّ إلى الآن .... وبلا شعور أدرك بأن عيناه تجولان في خيمة تلك الفتاة ...اللتي لا يعرف اسمها حتى...فتح السجل ليرى جميع الموجودين بالمخيم.... فكان اسمها هو (( إكليل الهاجر )))