آخر 10 مشاركات
منحتني السعادة (2) للكاتبة: Alison Roberts .. [إعادة تنزيل] *كاملة* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          هدية عيد الميلاد (84) للكاتبة : Abby Green .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )           »          رواية نبــض خـافت * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : سما صافية - )           »          4-البديله - فيوليت وينسبير - ق.ع.ق .... ( كتابة / كاملة)** (الكاتـب : mero_959 - )           »          جددي فيني حياتي باللقاء *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : وديمه العطا - )           »          إمرأة لرجل واحد (2) * مميزة و مكتملة * .. سلسلة عندما تعشق القلوب (الكاتـب : lossil - )           »          110 قل..متى ستحبني - اليكس ستيفال ع.ج (كتابة /كاملة )** (الكاتـب : Just Faith - )           »          الفرصة الاخيرة للكاتبة blue me *كاملة* المتسابقة الثانية** (الكاتـب : ميرا جابر - )           »          [ تحميل ] عابرات فـوق السنة النيران ( جميع الصيغ ) (الكاتـب : اسطورة ! - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > قسم ارشيف الروايات المنقولة

Like Tree31Likes
موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-06-16, 08:48 PM   #21

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




تتمه




لم تمر دقيقتين على وصوله للشركة حتى تعالت طرقات باب على مكتبه .. ترك القلم الذي بيده و هو يعيد ظهره للوراء في مقعده الكبير ..
- تفضل ..
انفتح باب مكتبه على وسعه و دلف بطي و هو يحمل ملفا بين يديه ..
- السلام عليكم ..
عقد كفيه باسترخاء و هو يرد ..
- و عليكم السلام ..
تقدم بطي من مكتبه .. و استدار حوله و هو يقول بنبرة حذرة ..
- طال عمرك الريال طرش أسماء الشركات لي داخله المناقصة ..
ابتسامة واثقة احتلت شفتيه .. لا يهم ان كانت هناك تجاوزات .. اذا كان الأمر في مصلحته ..
رغم هذا ضيق عينيه على وجه بطي .. و هو يسأل ..
- وينها ..؟!
توترت يدا الرجل على الملف بين يديه ..
هاي .. بس طال عمرك فيه .. آآ
عقد جبينه بسرعة ..
- فيه شوه ..
مد بطي الملف بسرعة لغيث و هو يقول بحذر ..
- لو تشيك ع الاسماء الشركات الداخلة .. أول ..
رفع غيث حاجبه و هو ينتزع الملف من يده .. فردهى على المكتب .. لم يكن يحتوي إلا على صفحتين .. جدول و قائمة أسماء .. راح يتفحص الأسماء واحدا تلو الآخر ..
عيناه الثاقبتين تلتهم القائمة .. أسماء توقعها .. و أسماء تنافسه .. و أسماء أدهشه وجودها ..
ثم توقف ..
تجمدت نظرته على ذاك الاسم ..
انكمشت الورقة البيضاء بين يديه .. و هو يشد عليها ..
غالبت صدمته بركان الغضب الذي راح يتصاعد داخله بجنون ..
كانوا على اتفاق أنه هو من سيدخل المناقصة دونهم ..
لن يستطيع احدا نقض الأمر ..
لن يستطيع ..
سوى .......
اعتصر الورقة بين يديه قبل أن يلقيها أرضا و هو يهب من مكانه واقفا ..
بدا مخيفا للغاية و الحقد يلمع في عينيه ..
سيسحق تلك الحشرة التافهة ..
المغفل .. كيف تجرأ على ارتكاب شيء كهذا ..!
و دون أن ينتظر للحظة واحدة ..
التقط هاتفه المتحرك و هو يتوجه للباب خارجا .. كل ما يفكر فيه حاليا هو قتل ذاك الأحمق الذي سيتسبب في خسارته لهذه الصفقة الثمينة ..!

* * * * *

زفرت بضيق شديد و هي تسند ذقنها لركبتيها اللتان الضمتهما لصدرها و تقول ببؤس ..
- يعني أكيد .. أكيد بتظهر نشب الثانوية العامة هالاسبوع .. و شهايدنا بيسلمونهن .. و أسبوع و بتقول عفاري تبا تسوي فحوصات الجامعة .. و بتنشغل بالامتحانات .. يااااااااااااااا اللــــــــــــــــه .. حرام .. و الله حرام ..!!!
كن يجلسن تحت أشعة شمس الضحى الدافئة متوازيات .. السبع جميعهن و قد أسندن ظهورهن للجدار .. تلتفت لها حور و تنحني للأمام لتتجاوز رأس عفرا و تقول بحزم ..
- نوري .. حمدي ربج .. و الله اننا في نعمة غيرج هب لاقي البيت لي ييلس فيه ..
أيدت دانة نورة باحباط ..
- ما نبا البيت نحن بنعطيهم .. يختي نبا نظهر .. نبا نغير جو .. من سنة تقريبا ما ظهرنا الا شايرين قدا قوم خالوه .. الحين بيخطفن فوق الست شهور ما سرنا حتى بيتهم .. اففففف .. و الله أحسنيه مخنوقة .. الحين بتخطف الاجازة و بتبدا المدارس .. بتتعذرون بنورة و الثنوية و مادري شوه ..
نظرت حور لقدميها الممدودتين بشرود .. لا يعلمن حقا أن هناك مفاجأة قريبة قادمة في الطريق .. ماذا سيقلن اذا تركن البيت ..؟!
- انزين شوه أسويبكن ..؟ في ايديه شي و قلت لا ..؟!بعدين لا تنسن ان أمايا في العدة وين نسير ..؟!
اقترحت هند بهدوء ..
- رمسي غيث خليه يظهرنا ..
اتسعت عينا حور ..
- حلفي والله .. خلاص فالكن طيب ..- ثم أردفت بسخرية - تبن تسيرن القرية العالمية .. و الا وايلد وادي ..
ضحكت نورة ..
- أووه تطورت العزبة .. تعرفين وايلد وادي حور ..؟ لا .. فيج أمل ..
- أعرفها قبل لا تييبج أمج .. بعدين لو صدق طفرانات و ما عندكن شغلة زهبن عماركن باكر بنغسل زولية حجرة أمايا و زولية الصالة ..
صاحن جميعهن معا ..
- لاااااااااااااااااااااااا اااااااا
عقدت حور جبينها ..
- الله يغربلكن طريت أذنيه .. هب ع كيفكن ..عنبوه قدهن مغبرات يبالهن غسيل ..
قالت عفرا بخيبة ..
- الحين نقولج طفرانات و تقولين غسلن زولية .. حرام حور .. نبا نستمتع في الاجازة ..
ردت حور بصرامة ..
- و عقب الاجازة مدارس و امايا بتربي و انتن مداومات نبا ننظف قبل لا تربي .. باكر يعني باكر ..
ساد صمت محبط عليهن قبل أن تتذمر مزنة بصوت عالي ..
- حوووووور .. متى بينشف ......؟؟؟؟
و أشارت لشعرها الذي وضع عليه طبقة كثيفة من الحناء .. قالت حور بهدوء ..
- اصبري شوي .. بينشف الحين ..
التفتت نورة لمزنة تغيظها ..
- لا ما بينشف إلا باكر .. نحن كلنا حطيناه قبلج انتي آخر وحدة يعني ما بينشف إلا بعدييييييين .. يوم يسيح على ويهج .. و يغدي لونج أحمر من الحنا .. و تظهرين عند عنوده و حنون و شيفتج مرقعة .. و تبين تلعبين وياهن و هن يقولن وععع .. هاي ويها أحمر .. هاي هب بشرية .. مزنة كائن فضائي متحول ..
بدا الذعر على وجه مزنة و نظرت لحور الشاردة باستنجاد و لكن تلك لم تنتبه للأمر و دانة تتابع بخبث ..
- هيه .. و انتي تصيحين .. و تبين تلعبين وياهن و تربعين وراهن و هن يشردن منج .. يصارخن .. - و راحت تصرخ بتمثيل - واااااااااااااااا .. ساااااااعدوووونييييييييه .. مزنووووووووه المريخية ..
هزت نورة رأسها بعدم رضى ..
- شوه مزنوه المريخية ..؟! هب حلوو .. بيقولن .. - و راحت تصرخ بتمثيل هي الأخرى - واااااااااااااااااااااااا .. إي تي .. إييي تييي .. يلحق بنا .. النجدة .. النجدة ..
ضحكت دانة و هي تتخيل الأمر ..
- ماظنتيه عنودة المقلوعه تقول النجدة .. هاي ما تعرف الالف من الياء تبينها ترمس بالفصحى ..
مزنة تهز حور و هي تكاد تبكي ..
- حووووووور أباااا أغسل شعريي ..
التفتت لها حور ..
- ليش
مدت شفتاها للأمام بتذمر..
- بسرعة بيسيح على ويهي و بيقولون مزنة تاريخية ..
ضحكت نورة و دانة ..
- مريخية يا غبية ..
نظرت لها مزنة بضيق ..
- انتي غبية ..
رفعت نورة حاجبها ..
- بنش و بفعصج الحين يا الفص ..
- انتي فص ..
مدت نورة يدها بنية قرصها فاختبئت مزنة فورا خلف هند التي نبهت حور ..
- حووووووور ..
حور تضرب يد نورة الممدودة ..
- حوووووه .. رب ما شر ..؟ تخبلتي تظربين البنية .. ؟؟
مسحت نورة على ذراعها بضيق ..
- تستاهل الملسونة .. تعلمت ترادنا الحين .. و انتي تدافعين ..
- لا و الله تسبينها و تروعينها و تبينها تحبج ع راسـ .....
بترت عبارتها حين ارتفع رنين هاتفها عاليا ..قالت بحزم و هي تخرج هاتفها من جيبها ..
- لي تظرب مزوون يا وليها منيه .. - ثم نظرت لشاشة الهاتف - هاي روضة ..
اجتمعن كلهن حول حور التي حولت المكالمة للسماعة الخارجية حتى المها التي كانت تكفيها اشارات مختصرة من الحديث ..
- مرحبــــــــا مليـــــــــار ،،
تدفق صوت روضة الناعم بحبور .. و ارتسمت الابتسامات المتفرقة على الأوجه ..
- لمرحب بااقي ،، شحالها بنت حمد ..
- بخير يعلج الخير .. ترانيه حاطيتنج سبيكر ..
- منوه عندج ..؟!
ابتسمت حور ..
- المخبل كلهن لو اتشوفينهن كيف ملتمات ع التيلفون بياكلنه ..
ضحكت روضة بخفّة ..
- بنات شحالكن ..
ردن معا ..
- بخير شحالج رويض ..
- ترتوب .. شوه تسون ..؟؟؟
ردت دانة بصوتٍ عالٍ ..
- محنيات كشيشنا و يالسات في الحوش نتشرق ..
صاحت روضة بحماس ..
- لاااااا .. ليتنيه عندكن ..
صاحت عفرا ..
- تعالي انزين ..
تساءلت روضة .
- منوه عفرا ..؟
- هيه ..
ضحكت روضة مرة أخرى ..
- أنا متصلة عشانج ..
- الله يرفع شانج .. ليش ..؟
- آمممم .. حارب ظهر النتايج ..
شهقن جميعا معا .. و اتسعت عينا عفرا ..
- ظهرهاااااااااا ..!!!!! كيف ...؟!؟!؟!
- واسطة .. المهم نسبتج عنديه الحين .. تبين تعرفينها و الا لا ..؟!
قالت حور بلهفة ..
- هيه هيه .. نبا نعرفها ..
شرحت روضة بهدوء ..
- أنا بغيت أأجل السالفة الين ما أييكم باكر .. لكن حارب لين باكر بينشر السالفة .. و قلت يمكن حد من الشباب و الا الشياب يتصل يبارك و انتن ما تدرن شوه السالفة ..
عقدت حور جبينها ..
- أي شباب و أي شياب ..؟!
- أبوية و عمامي .. و عيالهم ..
جف حلق حور و أطرافها تتشنج ..
- لااااااا .. بيتصلوووون ؟؟؟؟!!!
بدت الدهشة في صوت روضة جليّة .. و تعبير من الحماس على وجوه أخواتها ..
- هيه أكيد .. شوه ما تبينهم يتصلون .. عادي ما بعطيهم رقمج ..
رفعت عينها لعفرا .. و شعرت بشيء من الخجل .. أنانية ..؟! ربما ..!
- لا رويض .. آآآ .. عادي .. عـ .. عطـيهم ..
صفقت روضة و هي تصيح بحماس ..
- انزين كم تتوقعون عفرا يابت ..؟؟!!
قالت نورة ضاحكة ..
- هاي ناقة من بنات ظبيان .. كان ماخذت المركز لول على الهين .. ما كون بنت أبوي ..
قالت دانة بسرعة ..
- روضة .. دخيل أمج لو ما كانت يايبة المركز لول اكذبي و قولي انها يابته .. قدها مسألة شرف و انكار نسب ..
ضحكت روضة بدلال و هي تجيب ..
- فاضيات و الله .. المهم .. تعرفن كم يابت ..
صاحت عفرا بخوف ..
- روووووضوووووه .. ياااااا الله عاااااااااااد ..
- ههههههههه .. انزين .. كم .. كم .. كم .. أقول و الا ما اقول ..
صاحت عفرا باحباط ..
- رووضاااااااااه ..
ضحكت دانة ..
- تعيبينيه بنت عميه .. شوي و تنجلط .. سوي خير و خبريها يقولون فصيلتها في طريقها للانقراض ..
ضحكت روضة و عفرا تتميز غيضا .. قبل أن تقول بمرح ..
- لااا .. كله و لا تنقرض .. نسبتج يختيه .. 98.6% ..
صرخن جميعا بصوت واحد .. تفجرت الفرحة بينهن حتى المها التي لم تسمع بالأمر .. راحت تهز حور بلهفة و حور تحاول وسط فرحتها شرح الأمر ..
انتزعت عفرا الهاتف من يد حور ..
- حلفييييييييي .. قوووووووولي و الله ..
ضحكت حور و ضجيجهن و الصراخ يصلها بقوة ..
- و الله .. لا اتروعين ماشي غلط .. حارب توه اليوم امظهرنها واحد من رباعته مرمس خوه في الوزارة و عاطنه النتايج ..
صاحت عفرا ليصل صوتها لروضة وسط التعليقات و الضحكات المبتهجة ..
- هووو كم ياب ..؟!
- حارب ..؟! ياب 86.3% .. طريتييييه ...
ضحكت عفرا بسعادة حقيقة ..
- أعيبج أنا ..
تساءلت روضة ضاحكة ..
- خيييييبة شعندهن ..
ضحكت عفرا مجددا و هي ترى حور و المها و هند و مزنة انشغلن بالتصفيق و نورة و دانة وقفن يرقصن بفرح .. و هن يترنمن بصوت واحد تشاركهن حور ..
- يحتفلن ما تسمعين التغريد .. ههههه
- هههههههه .. يا الله عفاري .. ألف .. ألف مبروك ان شا الله عقبال ما تتخرجين من الجامعة ..
صمتت عفرا للحظات قبل أن تهمس بصدق..
- الله يبارك فيج .. و يوفقج في امتحاناتج و تتخرجين و نفرح بج .. مشكورة رواضي ..
- العفو حبيبتي ما سوينا شي ..
قبلأن تتفوه بشيء .. تألقت الشاشة مرة أخرى .. لتعقد عفرا جبينها ..
- أوكيه روضة غناتيه عدنا خط ..
ضحكت روضة و هي تقول ..
- هذا حارب .. تونيه مطرشتله الرقم مسج .. ما عنده وقت الريال شكله مقهور .. يا الله أخليج الحين .. سلمي ع البنات و باكر بييكم ان شا الله ..
- يبلغ .. حياج الله الغالية .. و ثانكس أقين ..
- يو ويلكم .. فداعة الله ..
- الله يحفظج .. مرحب ..
ارتفع رنين الهاتف فور انهاء عفرا للمكالمة .. و علمت أنه على وشك قطع الخط .. لذلك صاحت بصوتٍ عالٍ ..
- بنااااااااااااات بااااااااس برد ع الريال ..
قفزت حور نحوها ..
- أي ريال .. غيث ..؟!
تحلقن جميعهن حول عفرا التي قالت باختصار قبل أن ترد ..
- لا حارب ولد عمنا .. ألوووه ..
أشارت لها دانة بحماس و هي تهمس ..
- سبيكر .. سبيكر ..
حولت عفرا المكالمة على السماعة الخارجية و صوت رجولي يتدفق ..
- ألوو السلام عليكم و الرحمه ،،
- و عليكم السلام و رحمة الله ..
- جيف الحال ..
- بخير الله يسلمك .. وشحالك شوه صحتك .. ربك بخير ..
- بخير يعلج الخير .. عفرا ..؟!
- هيه .. حارب ..؟!
ضحك الرجل بخفة قبل أن يقول ..
- لا هزاع أخوه .. علومج يا بنت العم ..
صرت عفرا على أسنانها باحراج ..
- علوم الخير .. و من صوبك ..
- طيبة و الله .. مبروك .. يا بنت حمد .. رفعتي الراس و الله ..
رفعت حور حاجبها و هي تلوي شفتها مستهزئة .. و عفرا ترد بهدوء ..
- الله يبارك فيك ..
- هذا أحمد بن علي بيباركلج ..
عقدت عفرا جبينها و نورة و دانة يصفقن بحماس .. صوت مختلف هذه المرة .. غلظة لا تفارق آدم تسللت عبر خطوط الهاتف و الرجل يقول بسرعة ..
- مرحبا ..
- السلام عليكم ..
- و عليكم السلام و رحمة الله .. شحالج يا بنت العم ..
- بخير الله يسلمك .. شحالك ..
- يسرج الحال .. مبروك .. مبروك .. هاي النسب و بس .. و الا حارب مسود الويه فشلنا .. آآآآآه .. ههههههههه .. هذا حارب بيبارك لج ..
صوت اكثر رصانة قال فجأة ..
- السلام عليكم ..
رفعت عفرا عينيها للسماء .. و ضحكت نورة بخفة ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
- مبروك يا بنت العم .. غلبيتينا ما شا الله ..!
.
.
.
كانت الفرحة تنبثق من مآقيهن المشعة .. صافية ،، صادقة ..
مختلفة للغاية .. ضحكات حرّة .. و سعادة مريحة ..
و خفقات قلوبهن الدافئة .. الحيّة .. المفعمة بالحب .. تخالط صفقات أيديهن ..
بهجتهن الكبيرة بهذه النتيجة ..
لها مذاق خاص بين هذه الجدران الحبيبة .. يصفقن معا .. و نورة و دانة يعدن للرقص ..
و الجدران ..
تترنم بتلك الأغنية معهن .. فرحة ..
رغم طلائها الحائل ..
- نجحنا و الله وفقنا .. و آخر صبرنا نلنا .. فرحنا من قبل لكن أكيد الفرحة هذي غير .. زرعنا خير و بالآخر حصدنا خير ..
كانت نورة تتمايل بسعادة و كأنما هي من تلقت النتيجة هذه .. و حور تصفق بحماس مع اقتراب نورة منها بحركات مضحكة .. أضحكت مزنة التي نهضت هي الأخرى تشاركها نفس الحركات ..
- تواعدنا مع الأحلام .. نسابق لجلها الأيام و عاندنا التعب فينا .. و نلنا الحب و التقدير .. زرعنا خير و بالآخر .. حصدنا خير ..
.
.
حقــا
حصدنا خير ،،

* * * * *

صوت توقف الإطارات المجنون أمام الدرج العملاق النصف دائري المؤدي إلى المدخل الزجاجي الضخم لمقر الشركة الرئيسي .. لم يتفوه رجلي الأمن بكلمة واحدة و هو يترك سيارته في منتصف الشارع .. مكان غير قانوني و لا مصرح به البتة .. فتح بابه و خرج بهامته الطويلة ليصفق الباب بقوة ..
التفت من هم قريبون منه بعض العاملين المنشرين عند واجهة المبنى ..
خطواته الواسعة تقطع المسافة بقوة .. ينفث أنفاسه غضبا .. يشعر بالغيظ الشديد يضطرم بصدره .. حالما اقتحم المبنى المألوف التفتت له الرؤوس في الردهة الواسعة تجاهل عبارات الترحيب و نظرات التوجس من ذاك الجنون الذي راح يلوح في عينيه و هو يتجاوز الكثيرين متجها نحو السلم و متجاهلا مجموعة المصاعد الكهربائية ..
راح يرقى السلم درجات .. درجات .. دفعة واحدة .. حتى وصل إلى الطابق الرابع .. ليدفع باب السلم و يتوجه نحو المكان الذي يعرفه جيدا .. ألم يقضي سنوات من عمره يدير هذا القسم ..؟!
سار في الممر الطويل لا يرى أمامه سوى المنحنى الذي في نهايته ..
لا يشعر بتلك الرؤوس التي استدارت له .. و لا أولئك الذين وقفوا له احتراما .. و لا الموظفين الذي وقفوا في أماكنهم و دنوا يلقون عليه التحية فلم يرد عليهم ،،
بمجرد أن بلغ نهاية الممر .. و عبر المنحنى وقف السكرتير الخاص بمكتب ذاك المغفل تجاهله و هو يندفع نحو الباب للمكتب الرئيسي و يقتحمه بقوة .. بمجرد أن فتح الباب على اتساعه وقعت عيناه عليه و هو يسترخي في مقعده ممسكة بسماعة الهاتف .. التفت له .. قبل أن تتسع عيناه بنظرة صدمة ..
- غيـــث ..!!!
لم يتفوه بكلمة بعد هذه .. في لحظة كان غيث أمامه مباشرة يمسك به من تلابيبه .. و يفعه بقسوة عن الكرسي .. و قد سقطت - الغترة و العقال - من قوة جذب غيث له .. قبل أن يدفعه بقوة نحو الجدار .. ألصقه بقوة و هو يكاد يرفعه عن الأرض و يصر بأسنانه و يهمس بحقد ..
- شووووه سويت يا حيووواااان ،،
علم فهد أنه لا سبيل للإنكار.. بدا غيث ثائرا .. مجنونا و على وشك أن يرتكب جريمة .. أصاب في اختيار هذا الهدف .. فغيث كان ينتظر مطولا كي يثبت نفسه بقوة .. و لم يكن أمامه أفضل من هذه الفرصة .. يعلم كيف عمل جاهدا كي يصل للشروط التي طرحها في المناقصة .. كل ما في الأمر أنه لم يتوقع أن يكتشف غيث الأمر قبل أن تفوز المجموعة بالمناقصة .. لكن يبدو أن خبث غيث يصل لأماكن عدة ..
حاول دفعه صدره الصلب الذي لم يتزحزح .. و غيث يضغط بيده الممسكة بثوبه عند رقبته حتى كاد يحنقه .. همس باحتقان..
- شوه سويت .. دخلت الشركة في المناقصة لو خسرت نحن ناخذها ..
جذبه غيث بقوة قبل أن يعود فيدفعه نحو الجدار بجنون .. تأوه فهد متألما .. و هو يشعر بأن عموده الفقري قد تحطم .. و صاح غيث و عبناه المحمرتين غضبا تكادان تخرجان من محجريه ..
- يا كلب تدخل شركتين من مجموعة وحدة في منافسة .. تبا تطيح اسمنا في السوق ..
كان فهد يحاول مستميتا أن يبعده .. و لكن غيث لم يبالي به و هو يهمس بحقد ..
- و الله لربيك يا النذل .. بعلمك كيف ما تتدخل في شغليه مرة ثانية ..
و مع نهاية كلماته كور قبضته الضخمة و وجه لوجهه لكمة كادت تطيح به لو لم يزل يمسك بتلاليبه .. ارتد جسد فهد و هو يصرخ بألم .. و دلف المكتب ثلاثة أو أربع موظفين وقفوا يتفرجون عاجزين عن التدخل و قد بدا لهم غيث كالوحش الكاسر في ثورة غضبه ،،
كان يرى الدم يتفجر من فم فهد و أنفه .. و لكن هذا لم يشفِ غليله .. لا زال البركان في داخله يلتهب .. و هو يرى هذا المغفل يفسد فرصة عليه كهذه ،، شيء بذل لأجله الكثير ..
كيف تجرأ ..؟! كيف استطاع التخيل أن بإمكانه أن يتحداه .. سيسعى لسحقه .. سينفيه من منصبه هذا ..
لكمة أخرى على وجهه و هو يفلت لتطرحه صريعا تحت قدميه عند المكتب ..
مع بعض الشهقات المتعجبة .. قبل أن يعدل من وضع - غترته - ثم ينحني و هو يقول بهمس حقود ..
- هاي بس عسب تعرف مرة ثانية تلعب على قدك .. الشركة بتسحب أوراقها من المناقصة .. و السمعة بتتعوض ..لكن انت يا الحثالة بترد العلاقات و الا المخازن ..
ثم وجّه ركله أخيرة لخاصرة فهد الذي صاح متألما قبل أن يتوجه نحو الباب .. و الموظفين يتنحون جانبا بذعر .. سامحين له بالخروج ..
كان يلهث من فرط الضيق الذي يشعر به .. و هو يتوجه للطابق الأعلى حيث تقع مكاتب والده و أعمامه الثلاثة .. من هناك يمكنهم إدارة المجموعة بشكل تام ..
كيف وقعوا في خطأ مثل هذا و سلّموا منصبه القديم لهذا الطفل ..؟!
لقد ارتكب خطأ لا يغتفر .. ليس في صالحهم أن تدخهل شركتين من شركاتهم في منافسة على مناقصة واحدة .. حتما سيشك أن هناك تلاعب ما و سيتم استبعادهم ..
عليه تدارك الأمر بسرعة ..
.
.
.
.
كان وجهه ملتصقا بالأرض و هو يشعر بالدوار .. تلك اللزوجة الدافئة التي ملأت فمه و وجهه و ذاك الألم في جانبه ..
عينه تفتح ببطء على اللون الأحمر الذي صبغ الأرض تحت أنفه .. و سكرتيره يسارع لرفعه قبل أن يصرخ به بصوت مكتوم ..
- لا تلمسنييييييييييييييييه .. اظهروووووووووووو يا الحيواااااااااااناااااااا اااااااات .. براااااااااااااااااااااا ..
انتفض السكرتير و من معه قبل أن يتركوه على حاله ملقيا .. و هو يتساند براحتيه ليرفع نفسه عن الأرض ..
قام بضربه .. و أمام موظفيه .. أطاح به أرضا و مسح بأنفه الأرض ..
كان يرى الدنيا أمامه في تلك اللحظة بلون الدم الذي راح يتأمله و غطى صدره .. مسح بظاهر كفّه أنفه محاولا ايقاف النزيف الذي تدفق بقوة .. بلا فائدة ..
شعر بأنه على وشك ارتكاب جريمة .. أراد أن يمزق ذاك السافل إلى قطع ،،
شعر بطعم الدموع في حلقه .. رجل .. هو رجل .. و يبكي قهرا ..
خيط رفيع من الرحمة انقطع في داخله .. و هو يتوعد غيث بقوة ..
سيعرف كيف يسقيه هذه الدموع ..
كيف يجبره على تجرع الإهانة .. كيف يريه حجمه ..
و أنه لا يزيد عن البشرية شيئا لمجرد أن جده يفضله على الجميع ..
.
.
.
هناك بذرة أحقاد دفنت في طيات روحه لوقت طويل ،،
نجح غيث في سقيها بالدم .. و الكره ..
سيمعن في تمزيق روحه .. سيقتلع قلبه بقوة ..
سيرى كيف بإمكانه أن يقتله حيا دون أن يموت ..

* * * * *

في اليوم التالي ،،
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
التقطت حبة حمراء من طبق الكرز الطازج الذي كان أمامها و هدى تلف شوكتها بالمعكرونة في تلذذ واضح و تقول ..
- آآه .. أقولج .. عذاااااااااب من الخاطر .. عيونها تقولين فنيال .. هالكبر .. و عدها متكحلة .. قططططعة يا شويخ .. جسم .. و صوت .. شوه تقولين .. عيبتنيه و الله بخاويها ..
مضغت شيخة الكرزة بهدوء و هي تقول ..
- سيري خاويها حد قابضنج ..؟!
نظرت لها هدى بعتب ..
- ما بغيت أنشغل عنج ..
تجاهلت شيخة عبارتها حين ارتفع صوت الهاتف معلنا وصول رسالة ،، فتحتها بهدوء ،، متأكدة من المرسل .. هي ،، أو بالأحرى هو دون شك ..
فتحتها و هدى تواصل ثرثرتها دون توقف ،،
( و الله انا اعشقك ياشيخه الزين
....................................ومهما ابكتب فيك ادري شويه
دنياي لاشفتك تزهـــر بساتين
.................................وان غاب طيفك ذقت طعم المنيه
اذوب انا يابنت من نظره العين
...................................وتذبح قليبي شفاهك النرجسيه
و الله انا وافــــــي وابيك توفين
.................................ابيك انا ويــــــــاي صبح ومسيه )
ارتفعت شفتها العليا بسخرية .. دون أن تجيب .. الكثير من هذه الرسائل تصلها في اليومين الفائتين و تتجاهل الرد عليها .. مثلما تتجاهل المكالمات المتكرر .. وضعت هاتفها جانبا و هي تسأل هدى التي كانت تتحدث في شيء لم تتبين كنهه ..
- انزين ما قلتيليه .. شسمها ..
قالت هدى بحالمية ..
- العنود .. آآآآآآآه .. أنا أشهد من سماها ما خاب .. اسم على مسمى .. لو شفتي الصدر و الا الخصر .. باربي هب بنية .. فديت الوردي عليها .. شيخاني أباج تضبطين لي اياها ..
تراجعت شيخة في مقعدها ..
- أخاف تحبنيه و تودرج .. و الا يمكن هب راعية بنات ..
ضحكت هدى بفم ممتلئ ..
- لا .. لا تخافين .. هاي أم الحركات و خبرة بعد .. كانت خوية حمدان من قبل ..
اتسعت عينا شيخة باهتمام ..
- ليدي ..؟!!
هزت هدى رأسها بسرعة ..
- هيه و الين الحين يقولون تبا حمدان بس حمدان هب معبرنها ..
ضحكت شيخة بسخرية .. و هناك من لا - يعبر - حمدة .. أو حمدان ..!
- و ليش أضبط لج اياها .. ما شا الله شغلتج هاي ..
رفعت هدى حاجبها ..
- أفاا نسيتي راية .. و أنا لي مضبطنج وياها .. منوه ياب راسها لج غيري ..
لوحت شيخة بيدها كارهه .. و هي تلتقط حبة كرز أخرى ..
- الله يلعنج و يلعنها .. أنا شوه خلانيه أطيح على هالخايسة الخاينة ..
صفقت هدى بيدها ..
- عيّدي حبيبتي .. مادريتي شوه استوا بها ..؟!
عقدت شيفة جبينها في تساؤل و هي تمضغ حبة الكرز و تلتقط كوب الماء لترتشف منه و هدى تتابع ..
- انضربت في الحمامات لي قدا المسرح ضرب الكلاب .. و وسموها بحديد حامي في ريلها اليمين ..! لو تشوفين شيفتاا كيف مرقعة و وارمة .. يقولون انها ما شافت لي ضربنها .. و لا عرفوهن ..!
غصت شيخة بجرعة الماء .. و كتمت كحتها بعينين محمرتين ..
.
.
اللعنة ..
فعلتها تلك المجنونة ..!

* * * * *

ركضت نورة تلتقط خرطوم المياه بحماس شديد و وجهها المحمر يلمع و هي تقول بصوتٍ عالٍ ..
- أنا برش الماي ..
وضعت حور يديها على خاصرتها و هي تتأمل المنظر أمامها .. السجادة القديمة فرشت في الحوش بنية غسلها .. أخواتها الست حتى مزنة وقفن حولها متفرقات و لم يبدو النشاط على أحد سوى المها و نورة .. كن قد رفعن ثيابهن للأعلى و ربطنها عن الخصر بأغطية الشعر ..و قد تبينت سراويلهن و التنانير الحريرية الداخلية ..
قال دانة بضيق و هي تهف على وجهها من الحر ..
- أففففففف.. انزين كان وعيتينا الصبح و غسلناها .. الحين في القايلة بنتفحم عدنا ما خلصنا ..
لكن حور أصرت بعناد ..
- لا نبا نخلص قبل العصر .. و الحر ما عليج منه الماي بيرطب الجو .. نايف وين ..؟!
أجابتها مزنة بحماس ..
- عند حمود أنا شفته يوم راح .. حتى قلتله غيث قال ما يظهر من البيت الا العصر .. بس ما طاع ..
تذكرت حور وجه نايف الباكي حين دخل مساء الأمس لغرفته دون أن يعيرهم اهتماما .. و حين استدرجته في الحديث .. عرفت أنه قد ذهب لغيث كعادته للمجلس ليجده هناك ينقب في أوراقه .. و زجره حين أراد أن يخبره بنتيجة عفرا ،،
ما جعلها تشعر بالإشمئزاز من نفسها هو تفكيرها بما قد ضايقه ليحتد على نايف بدلا من أن تشعر بالانزعاج لتوبيخه لأخيها دون سبب ..
تنهدت و هي تبعد هذه الأفكار المتخبطة عن ذهنها .. لن تزيدها إلا تشتتا و حيرة ..!
أشارت لنورة تقول ..
- نورة عطي هند ترش الماي ع الزولية و انتي شلي المخمة البرش .. ما بتروم هنوده عليها ..
اعترضت نورة ..
- لاااااا حور .. أبا أرش ،،
- عطيها يختي و خلصينا .. سلختنا الشمس .. يا الله .. الهمة يا بنات ..
راحت هند ترش السجادة بالماء جيدا .. حتى ابتلت كلها .. أمرت حور عفرا ..
- عفاري رشي الصابون ..
تذمرت عفرا بسخرية ..
- و الله ما عندكن سالفة .. أنا علمي .. 98 .. أرش الصابون .. ما قول الا الحاية بنت حرام ..
قالت دانة ساخرة ..
- شوه تتحرينا بنخليج شيخة في البيت و نحن نخدمج .. تحركي يا الله شوفي شغلج ..
نظرت لها عفرا بحقد ..
- دانووه صخي عنيه .. ترانيه ما نسيت سالفة عميه علي ..
ضحكت دانة و نورة من قلبيهما و دانة تقول ..
- انتي حمدي ربج يوم انيه رديت عليه و قلتله أنا عفرا .. ع الاقل بيقول صوتاا غاوي .. بيوزها واحد من عياليه .. لو سامع صوتج شوه بيقول .. بنت و الا خشبة اييرونها في الشارع .. وااااااككك .. وااااااااككك .. حلوة نورة صح .. ؟! أعيدها .. بنت و الا خشبـ ...
صاحت حور ..
- داانوووه بس انتي و هالضحكة .. شوه بطة واك واك .. حركي الصابون بالمخمة بسرعة ..
تسندت دانة على عصا المكنسة الطويلة ذات الشعر البلاستيكي القاسي ..
- ماروم أنا عنديه ديسك ..
قالت نورة بسرعة ..
- ديسك و الا فلوبي .. بوووووووووه ..
أغمضت حور عينها بغيض .. تعرف هذه الحالة التي تصيبهن جيدا .. و هذه الصيحة الغريبة .. لا تريد حقا أن يبدأن ..
- و الله لو ما تصطلبين انتي وياها و تغسلن بضمير .. انيه أسنعكن ..
قالت دانة و هي تضك ..
- أسنعكن و الا أعفسكن .. بووووووووه ..
- دااااااااااااااااااانة ..
ردت نورة تضحك ..
- دانة و الا نورة .. بووووووووووووه ..
- تبينيه أييج انتي وياها ..
- تيين و الا تروحين بوووووووووووه ..
صرت حور أسنانها بغيظ ..
- سخيفات ..
- سخيفات و الا عسولات .. بووووووووه ..
- عفاري يوديها هالحمارة ..
قالت نورة ..
- حمارة و الا بقرة بوووووووووه ..
حور تصيح لعفرا التي انطلقت لتمسك دانة ..
- يوديها يوديها ..
و راحت تركض خلف نورة لتمسكها .. و المها و مزنة و هند يقفن متفرجات .. قبل أن تنطلق نورة نحو هند و تنتزع منها خرطوم المياه الذي كان يضخ الماء بقوة .. لتوجهه نحو حور .. فيبللها و هي ترفع يدها لحماية وجهها و عينيها ..
- نووووووورووووووووووووووه .. و الله لذبحج اليوووووووم .. يااااااااااا السبااااااااااااااااااالة .. هند يوديهاااااااااااااااا ..
لكن هند ما ان اقتربت حتى حولت نورة الماء عليها .. لتبللها هي الأخرى .. ثم وجهته مرة أخرى نحو حور التي تراجعت خطوة للخلف قبل أن تعدو نحوها بقوة رغم المياه التي راحت تنهال عليها لتغرقها .. و نورة تضحك بهستيرية .. قبل أن تقبض حور على ذراعها لتصارعن على انتزاع الخرطوم .. الذي راحت مياهه تتطاير في كل صوب و الفتيات الأخريات يهربن من البلل قدر الإمكان قبل أن تنتزعه حور بقوة و توجهه نحو نورة بجنون .. تلك التي راحت تولول هاربة من سطوة الماء الساخن بفعل حرارة الشمس ..
سمعن صوت انغلاق باب بقوة فهمدت الأصوات .. لتركض دانة و تنظر من شق الباب للممر المؤدي للمجلس ،، و هي تهمس ..
- حووووووور غيث .. غيث .. يالس عند باب الميلس ..
ضكت حور الخرطوم لصدرها دون وعي و لم تشعر الا بالمياه التي تدفقت رأسا لأنفها فراحت تسعل بقوة .. قبل أن تقول بعينين حمراوين ..
- الله يغربلج ..
ضحكت دانة و هي تقول بشر ..
- حوووووور رشيه بالماي .. النذل أمس مزعل نايف .. يا الله ..
اتسعت عينا حور بجنون ..
- صاحية انتي .. و الله ما سويها .. تخيلي بس .. بيدفنيه عند الباب ..
هزت نورة رأسها بأسى ..
- خلاص دندن .. انسيها هاي هب اختنا .. سوالها غسيل مخ ولد علي .. البارحة هزب نايف الين بكّاه لو غير غيث كان لعنتي خيره .. انتي ما تعرفين ان الهزبات لي تيي المراهقين تأثر على شخصياتهم و يطلعون منحرفين يوم يكبرون .. مسكين نايف ..!!
نظرت لها حور شزرا ..
- حلفي و الله .. انتي بالذات لا ترمسين ..
تساءلت مزنة بجبين معقود ..
- حور بترشين غيث ..؟!
أجابت عنها دانة بسرعة ..
- لا حور تحبه ما بترشه ..
وجه حور الماء نحو دانة بقوة و كأنما تريد اعادة هذه الكلمة ..قبل أن تتجنب دانة الماء بسرعة ..
- أونج ما تحبينه .. ليش ما ترشينه عيل .. رشيه .. سب نايف و انتي ساكته .. أفاا ضعفت شخصيتج قدام ريلج يا بنت حمد ..
تنهدت حور و هي ترى هذا الاستفزاز .. تعلم أنهن لا يعنين ما يقلن فقط يردن بعض المتعة برشه بالماء ..
لما لا تفعلها حقا ..؟!
قالت بتفكير ..
- من وين برشه دون ما يشوفنيه ..؟
صفقت دانة و نورة باهتمام و عفرا تهز رأسها ترفض التدخل أو حتى منعها ..
- حور اندسي ورا الباب .. ما بيشوفج .. تعالي ..
اقتربت حور من الباب بشيء من الخوف .. كان الماء لا زال ينطلق بقوة من الخرطوم و يزيدها بللا ..
نظرت عبر شق الباب و هي تبعد الخرطوم قليلا ..
كان يجلس على عتبات مدخل المجلس و قد وضع سماعة الهاتف في أذنه و بدا مستغرقا في الحديث مع أحد ما .. كان يرتدي إزارا أبيض و فانلة قطنية بيضاء اللون .. عادت تنظر لوجه نورة و دانة المشجعين ..
نظرت له مرة أخيرة قبل أن تغمض عينيها بخوف و توجه فوهة الخرطوم القوية نحو مكان جلوسه القريب .. لم تره حين ابتل .. أو سقط الماء و لكن صرخة رجولي مزلزلة انطلقت في المكان .. في تلك اللحظة دفعتها لترك الخرطوم بذعر ..
- ايييييييييييييييييييييه ..
وضعت نورة كفيها على فمها و هربت دانة بسرعة ..
- يميييييه ..
رحن يجرين كلهن للداخل و أولهن حور .. ما ان دخلن و هن يلهثن .. قالت دانة بابتسامة ..
- خسارة ما شفنا شكله يوم انمزر ماي .. ههههههههههههههههه .. ههههههههههههههههه .. خطيرة حور .. أنا أشهد انج ختيه ..
انتفضت حور و قفزت من مكانها برعب حين بدت صرخة قريبة من باب الصالة لنفس الصوت الغليظ يصيح في غضب ..
- حووووووووووووووووووووور ،،
راحت حور تلطم خديها برعب شديد ..
- يا ويليه .. يا ويليه .. شوه أسوي ..
اجتمعن كلهن عند النافذة ينظرن لظل غيث الذي كان يقف عند باب الحوش مباشرة .. و عفرا تقول ..
- محد قال لج تسمعين شويرات شنقل و منقل .. يا الله اظهري قبل لا يحدر الريال و يسحبج من كشتج ..
عاد يصيح مجددا و هي ترتعش باسمها .. قالت نورة بشفق و الاحساس بالذنب يعلو وجهها ..
- اظهري حور و قوليله بالغلط .. لا اتخلينه يعصب ..
نظرت لهن حور مستنجدة .. قبل أن تتجاوز الباب بخطى مرتجفة .. ما إن خرجت من الصالة حتى وقع ناظرها عليه و هو يكتف ذراعيه على صدره و يسند كتفه على حفاة الباب الموصل لممر المجلس ..
كانت ترى حاجبيه المعقودين و شعره الثائر المبتل .. و نظرة الغيظ المرسومة على وجهه ..
.
.
رباه ..!
يبدو غاضبا ..
ابتلعت ريقها و هي تخفض رأسها حين دنت منه .. انتظرت أن يقول شيئا و لكنه لم يفعل .. لم ترد أن ترفع عينها فتواجه غضبه مجددا لذلك قالت بسرعة رهيبة دون أن تتوقف ..
- السلام عليكم .. آآ شحالك .. نحن آسفين .. بالغلط .. بس .. يعني .. نحن يبنا الزولية و فرشناها هنيه نبا نغسلها .. لن .. تعرف الحين عفاري طلعت نتيجتهاا .. و يتنشغل بخرابيط الجامعة .. المدارس قريب ما بقى شي .. و بغينا نغسل قبل .. لاااا ... أمايا يمكن تربي في المدارس .. و قلنا بنغسلها رباعة .. هذا .. شسمه .. أنا عادي كنت بغسلها اروحيه .. بس أميه و المها ما بيطيعن .. أميه دوم ترحمنيه ما تحبنيه أضك على عمريه .. بس .. يعني .. مادري .. لو .. تدري الواحد يوم يروم يدبر أموره ما يحب العرب يراعونه .. أما الين الحين تتحراان يهال .. ما تحب تعبل علينا .. هاي نورة .. كنا نتظارب على فوز الماي و رشيناك بالغلط .. يعني لو ما ياك الماي .. ما ..
.
.
فضفضت لي عن سواليف امها اللي كدرتها ..
والحزن مثل الحسن لا مر لازم ينوقف له ..
جت تفلسف طفله مكياجها من فلسفتها ..
كملت عشرين عام ولا تزال اليوم طفله ..
.
.
توقفت عن الكلام فجأة ..
يا للهول .. ما هذا الغباء .. ما كل هذه الثرثرة ..!!!!!!!
ما هذه الحماقات التي راحت تتفوه بها لمجرد خوفها منه ..
أين حور .. العاقلة .. المتزنة .. المسيطرة .. ملا تجد نفسها طفلة بلا عقل أمامه ..؟!
ما هذه النسخة المزعزعة .. المتوترة .. العصبية منها ..!!!
أرادت أن تغطي وجهها بيدها في إحراج و هي تشعر بأنه لم يفهم كلمه واحدة مما قالت للتو .. لم تجرؤ حتى على رفع بصرها إليه ما الذي يضنها الآن ..
خرقاء ..!!
همست بضعف ..
- آسفــــــــــة ..
.
.
.
.
ذاك الخافق المجنون الذي راح يضرب بعنف و هو يتأملها من قمة رأسها لأخمص القدمين ،،
ثوبها الذي ربطته عند الخصر بغطاء رأسها .. و تنورتها الداخلية الحريرية ،، كانا يقطران ماءا ..
وجهها الصافي تورد من الحر .. من الخجل .. لا يعلم ..
و شعرها الطويل تشعث أو خمد بسكون تحت سطوة الماء ..
كانت مبتلة حتى العظم .. رقبتها العارية تلمع تحت أشعة الشمس ..
و هي تتفوه بسيل الكلمات الذي لم يفهم منه شيئا .. شعور غريب بالمتعة و هو يراها رسم على شفته ايتسامه كافح جاهدا ليخنقها على حدود الشفاه ..
أراد أن يمد راحته الكبيرة ليحتضن وجهها العذب ..
و رغبة مجنونة تدفعه لاستنشاق رائحة البلل فيها .. بدت مرعوبة بشكل ما .. و هي ترتجف أمامه ..
لماذا كان على القدر أن يرمي بهذه الفتاة في طريقه ..!
لا زال خافقه يتراقص لمرآها بعجب .. شعور مجهول يكتسحه .. و هو يتمنى لو أنها استمرت بتلك الثرثرة اللذيذة للأبد ..مد يده ليجتذبها من ذراعها فتتجاوز الباب لداخل الممر .. أدناها منيه فراحت ترتعش بقوة .. بدت مضطربة للغاية .. و لم يفلح هذه المرة في منع بسمته الحنون و هو يمد أصابعه الطويلة لذقنها و يرفع رأسها ..
أجبر عيناها اللامعتين على النظر إليه .. بدت نظرتها خجلة ..و هي تكسرها للأرض .. يده الأخرى تفلت ذراعها و هو يلتقط خصلة سوداء إلتصقت بوجهها .. و يسألها بعمق ..
- ليش خايفة ..
صوتها المرتجف أثر فيه و هي تنكر بعناد و توجاه نظرته المتحدية ..
- أنا هب خايفة .. ما كنت متعمدة ..
رفع حاجبه و هو ينظر لها ..
- يعني انتي لي رشيتينيه ..؟!
أخفضت بصرها مجددا بخجل و هي تقول ..
- هيه ..
.
.
ضمنتها الغاليه دمعه وداع وعطر حفله
قل اراضيها وجيت وجات والدنيا ملتها
والغزل دار ولقا المشتاق مشتاق يعزفله
كل ما زودت وردي السواليف خجلتها
وكل ما زاد الحيا قلت الحلو وش ينكسفله
.
.
قرص خدها المتورد برضا و هو يقول مفكرا ..
- أهاا .. و بشوه أعاقبج .. ؟!
عقدت جبينها ..
- و ليش تعاقبنيه .. أنا ما كنت متعمدة ..
نظر لها بشك ..
- متأكدة ..؟!
أشاحت ببصرها و هي تكذب ..
- هيه ..
و سحبت نفسها ببساطة .. و هي تتجه للباب بسرعة ..
- آسفة ..
و اختفت خلفه فورا ..!!
لم يأذن لها بالذهاب بعد .. لما كان عليها أن تترك المكان .. كان ليجد شيئا من المتعة بعد ..
نظر ليده التي كانت تلامس خصلتها منذ برهة ..
الكاذبة .. يعلم أنها فعلت ذلك عمدا ..
و ابتسم بسخرية من نشوة سكنت جوفه في قربها ..
تضرب و تهرب .. تجيد الانفلات ..
.
.

قالت امي تفتكرني طفله وتظلم بختها
صح ماني بطفله صح ماني بطفله ؟! **

* * * * *

*
خطــــأ / للبدر ،،

** صح ماني بطفلة / للشاعر ناصر القحطاني ،،






لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 22-06-16, 08:51 PM   #22

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

\\



الخطـــــــــــــــوة الحاديـــــــــــــــــــ ة عشـــــــــــــــــــر .. }





[ خطوات تختنق ..! ]






بعد مرور أربعة أشهر ،،
.
.
.
.
.
.
.
لم يثر عجبها شيء أكثر من ردة فعل أمها على الأمر ،، بدا و كأنما توقعت هذه الخطوة منذ أمد و تؤيدها أيضا ..!
نظرة متسامحة اعتادتها منها .. و إيماءة رضا مستسلمة .. ولّدت شيئا من قهر اندثر في زاوية من الروح ،،
المها عقدت ذراعيها و نظرة عناد غريبة لاحت في عينيها الواسعتين و هي تزم شفتيها ..
و كأنها تقبل الأمر على مضض ..!
أخواتها و أخوها ..؟! هذا ما يقلقها حقا .. لا تعلم لما ..!
شعور بالتوجس يربكها كلما أوشكت على مصارحتهم بالموضوع .. حتى طال بها الكتمان .. و دنا الوقت الذي سيضطرون فيه للعزم على الرحيل عن هنا ..
لهذا هي تمسك الهاتف الآن .. أصابعها تلامس أزراره الملساء برتابة ..
و تضعه على أذنها منصتة لذاك الصفير المتقطع .. قبل أن يتدفق صوتها الدافئ و هي تقول بعتب ..
- ساعة و أنا أطالع الإسم و هب مصدقة .. معقولة حور تتصل فينيه و تذكرنيه ..؟؟!
سحبت حور نفسا عميقا و حبسته بين أضلعها .. تريد أن تزفره محملا بكل حيرة تسكنها ..
و دون أن تسلّم .. دون أن تتلفظ بتلك المقدمات الطويلة ..
دون كل شيء قد يفسد صرخة تكابد للخروج .. همست و هي تعتصر الهاتف ..
- وديمة .. محتايتنج ..
كان عليها أن تلجأ لعقل حكيم متزن ليفكر عنها ..
تريد أن تسأل أحدا بصراحة ..
ما الذي حقا يجري هنا ..؟!!!

* * * * *


التوسل يسكن ملامح وجهها الجميل بعناية تأكدت من أن نظرة الإنكسار في عينيها ستخضع والدها حتما لرغبتها .. لذلك قالت مجددا بصوتها الناعم الحزين ..
- أبويه فديتك .. و الله ضايق صدريه .. من سنتين تخرجت .. و يالسة في البيت .. لا شغله و لا مشغله .. انته تظهر الشركة من الصبح .. و أنا أيلس بروحيه هنيه ..
كان أباها مشغول بالأوراق التي تناثرت أمامه .. رد بهدوء ..
- ليش تيلسين بروحج .. سيري بيت أمج نورة .. و الا عند بنات علي .. و الا حتى سيّري على خالتج ..
زفرت بضيق شديد ..
- بنات عمي علي يدرسن .. و روضة الحين مشغولة بتزهب لملكتاا .. - ثم أردفت بحقد - ما بقى شي على حرمة عمي حمد .. برتبي و بتظهر من العدة .. و بيسوون الملكة .. انا مادري ليش يدوه حالفة عليهم ما يسوون الملكة الا عقب ما تظهر الحرمة من العدة .. أساسا .. الحزن بالقلب .. و اذا كانت في العدة و الا لا .. ما بيغير من الموضوع ان حضورها و العدم واحد ..
صمتت لبرهة و هي تلمس نبرة القسوة التي رفع والدها حاجبه باستنكار .. قبل أن تقول بوهن مصطنع ..
- باابااتي .. و الله هب قصديه .. بس لا تلومنيه .. شهر على هالحال و بتخبل .. مليت .. من الهياته بين هالبيوت .. ابا أسوي شي مفيد .. أبا أشتغل ..
قال أباها بلا مبالاة ..
- اشتغلي ..
كبحت ابتسامة انتصار و هي ترى أنها تدنو من هدفها ..
- انزين شغلونيه في الشركة عندكم ..
رفع مطر رأسه برفض صارم ..
- الشركة لا .. وين تبينا نشغلج و انتي خريجة اعلام ..؟!
أرخت كتفيها ببؤس كاذب ..
- في العلاقات العامة ..
هز رأسه نفيا و هو يقول بإصرار ..
- لا .. الشركة لا .. هاي هب الا شركة .. مجموعة شركات .. الموظفين فيها مؤهلاتهم عالية و خبراتهم عدنا من سنوات ..
رفعت أنفها بغرور ..
- و أنا مؤهلاتيه بعد توب .. خريجة جامعية .. تخصص إعلام ..
- الشركة لا ..
- لييييييييييييييش ..؟!!!!!!!!!!!
- دون ليش .. لا .. و سدي السالفة ..
تنهدت بيأس كاذب قبل ان تقول بحذر ..
- انزين حطونيه في الشركة اليديدة عند غيث ..
رفع مطر يده عن الأوراق و هو يتنهد ..
- نقول تيس و تقول حلبوه .. نحن ما نبا بناتنا في الشركة ..
بدا الأمر عسيرا ..! لذلك قالت باعتراض ..
- و عادي أشتغل في مكان ثاني ..؟! أهم شي المراجعين و الموظفين ما يشوفونيه ..!!!!
أومأ بهدوء .. لتصيح به يائسة ..
- باااااابي .. و الله مليييييييت من هالعيشة حرام عليكم .. ابا أظهر .. أبا أتحرك شوفلييييييييه حل ..
قال بحزم رقيق ..
- عووووشة ..
أخفضت أهدابها بحرج .. و هي تقول باعتذار ناعم ..
- سوري بابي .. و الله من لي فينيه ..
نظرة الحزم لم تفارقه و هو يقول ..
- حتى و لو صوتج ما ترفعينه ..
مطت شفتيها بدلال و هي تقول ..
- إن شا الله ..
تنهد و هو يعيد بصره للأوراق و يركز فيها قائلا ..
- تبين تتوظفين من باكر بنييب لج وظيفة في أحسن جريدة في البلاد ..؟! هب انتي تخصص إعلام ..؟ خلاص .. بنشوف شي يناسبج ..
استرخت في مقعدها و هي تكتم صرخة قهر .. جل ما كانت تسعى اليه هو أن تكون معه في مكان ما .. تعلم أن والدها سيرفض أن تعمل معهم في الشركة .. و لكن عند غيث ..؟!
أوفف .. لا بأس بالعمل أيا يكن .. و لكن ألم يكن من الأفضل لها أن تكون بقربه ..؟!
.
.
ستجد طريقة أخرى لتراه .. لا يهم ..

* * * * *

يضحك هزّاع بفظاظة و أحمد يتابع بلا مبالاة بنظراتها الحاقدة ..
- و الريّال ينشدنيه .. أخوك لي واقف عند الباب ..؟ الحق عليه طاح من على الدري المتحرك ..
مسح هزّاع وجهه و هو يواصل الضحك المتقطع و عينه على شيخة التي راحت تطالعهما بكراهيه ..
- هههههههههههههه .. عنبوه ما شاف أذنيها مخرمة ..؟
رفع أحمد حاجبيه مفكرا ..
- أي مخرمة .. ما ظنتيه تصدق !.. أقول شيخووه ظهري أذنج نشوف لو مخرمة و إلا لا ..
ضحك هزاع و شيخة تقول بقسوة ..
- تافه ..
واصل هزّاع الضحك .. و أحمد يقول بصوت أنثوي مصطنع و يتمايل ..
- و الله .. لا تخبرين حد .. - ثم قال بصوته الآمر - يا الله نشي شوفي القهوة .. و حطي الفوالة .. بدال اليلسة هنيه ..
أشاحت بوجهها متجاهلة ..
- هب بشكارة أبوك .. صالتنا و أنا حرة ..
- كأنها قالت صالتنا .. ؟ و أنا من ..؟ راعي دكانكم .. شيخووووووه .. ذلفي شوفي البشكارة ..
هبت واقفة لتتوجه نحو المطبخ .. مديرة ظهرها له .. و لضحكات هزّاع .. لم تقف خوفا منه ..
و لا طاعة لأوامره ..
للحظة شعرت بأنها متوجعة من تلك الحكاية السخيفة التي راح يلقيها نكتة ليضحك بها هزّاع .. و ضيق غريب يكتنف صدرها .. شعرت بأنها تريد الانزواء بعيدا كي لا تسمع تلك الضحكات ..
أسندت ظهرها على جدار الممر المؤدي إلى مطبخ البيت و غرف الخادمات .. و أسدلت جفنيها الثقيلين بألم .. و هي تطرد صورة أعادتها لتلك الحقبة الكريهة ..
تلك الفترة المقرفة .. لطالما أثارت اشمئزازها كلما عادت إليها .. ضغطت بيدها الثقيلة على صدرها توقف شعورا بالغثيان و هي تنفض الصور القبيحة من ذهنها ..
ابتعدت عن الجدار و هي تفتح عينيها على وسعها و تقطع الممر لنهايته بخطواتٍ سريعة ..
دلفت المطبخ و هي تبتلع كل إحساس غبي .. و غصة حمقاء لا تعرف لها سببا ..
كانت الخادمة تقف قرب المغسلة .. توقفت لبرهة هي عند الباب و عينها تقع على جسدها الذي راح يهتز مع كل حركة تقوم بها و هي تفرك الأوعية لتنظفها ..
تتأمل خطوط جسدها الناحل .. و حركاتها المرنة .. فبل ان تدلف الخادمة الأخرى من الباب خلفها لتقول بشرود دون أن تنتزع عينيها عن الأولى ..
- سميحه .. شلّي فوالة و قهوة و ودي الصالة .. هناك أحمد يا الله ..
التفتت الخادمة الاولى نحو شيخة لترى نظرتها تتركز عليها بغرابة .. غسلت يدها بسرعة و تحركت لتساعد سميحة في ترتيب القهوة و توابعها .. و هي تتجاهل نظرة شيخة المتمعنة ..!
.
.
.
.
.
دفعت باب الصالة بتعب و هي تدلف الردهة .. ليستدير رأسيهما نحوها .. محملة بأكياس كبيرة .. و تقطع الصالة دون أن تنتبه لهما .. لتنادي بصوتها الرفيع ..
- كااااامي .. كااااامي ..
- شوي شوي على أحبالج الصوتيه يا العروس ..!
التفتت بذهول لهما .. لتواجه هزّاع مباشرة و هو يسترخي أمامها بابتسامة عريضة فيحمر وجهها فورا و هي تعتذر ..
- هزّاع ..! سمحليه و الله ما انتبهت لك ..
وقف هزاع احتراما حين اقتربت .. و هو يقول مازحا ..
- منوه كامي ..؟! هاتوها بناكلها ..
ابتسمت روضة و هي ترى الخادمة القصيرة و قد أقبلت مهرولة ..
- هاي كامي .. تبا تاكلها ..؟!
عقد هزاع جبينه قبل ان يهز رأسه بسرعة ..
- غيرت رايي ..!!
ضحكت روضة و هي تناول الخادمة جميع الأكياس الثقيلة لتتقدم و تجلس بجانب أحمد و تقول ..
- حيا الله هزاع .. من زمان عنك .. وينك يا القاطع ..
حك هزاع لحيته الحليقة و هو يقول ..
- مشاغل يا أم سعيد .. و الا نحن ما نستغني .. يا غير قلت أخطف على عربيه كلهم يوم رمضان عقب اسبوع..
احمر وجه روضة حين ناداها بإسم أبيه .. و قالت تلهيه عن الموضوع ...
- ما شا الله تتفقد أحوال الرعية يعني ..؟!
- شيء من هذا القبيل .. الا شوه الاستعدادات للملكة ..
أخفضت وجهها و أحمد لا زال مشغولا بهاتفه ..
- آحم .. ما شي و الله .. يعني تو .. الناس .. شوي نرتب ..
رفع هزّاع حاجبه بمكر ..
- خيييييبه .. كل هالاكياس .. و شوي ..!! عنبوووه يا روضة أنا قلت ما خلت شي في السوق ..!! انتي و ريلج عليكم حركات .. هذاك يرتب القسم في البيت .. يتحرا السالفة عرس هب الا ملكة .. لو تدري حرمة عميه حمد مسكينة ان مصيركم بايدها كان ربت من زمان .. تخيّلوا ما اتربي الا عقب شهرين ..؟!
رفع أحمد رأسه عن الهاتف و هو يقول باستنكار ..
- شوه ناقة ..؟! الحرمة قدها موصل .. و غيث يقول انها فشهرها .. يعني أكيد .. أكيد ملكة روضة و سيف عقب العيد ..
هزت روضة رأسها توافق أخيها بشيء من الخجل ..
- هيه حتى البنات يقولن يمكن تربي فرمضان ..
التفت احمد لها ..
- من البنات ..؟ بناتاا ..؟
- هيه ..
تبادل هو و هزاع نظر اهتمام قبل أن يقول الأخير بابتسامة ..
- كم عددهن ..؟
- آممم .. سبع ..
اتسعت عينا الاثنان معا و أحمد يقول مذهولا ..
- أووووففف .. سبع ...!!!!! كم عمارهن ..
- قول ما شا الله أول ..
- ما شا الله ..
- حور هاي حرمة غيث .. عمرها 23 أو 24 .. تقريبا .. مادري بالضبط ..!
عقد هزاع جبينه معترضا ..
- صغيرة و الله .. أخوج شيبه ..!!
نظرت له روضة ..
- ما عليك عايبنها ..
ضحك أحمد يرد عنه ..
- و أنا أقول مسنتر هناك عشان منوه .. المهم غيرها ..
- آممم .. غيرها المها .. عشرين سنة يمكن .. عفرا كبر حارب .. و نورة أصغر منها بسنة .. و أصغر من نورة بسنة دانة .. خلاف هند 14 سنة يمكن .. و آآآ .. نايف طبعا .. و بعدين مزنوووه .. هاي 11 الحين .. بس ...
ابتسم أحمد بفضول ..
- حلوات ..؟!
رفعت روضة حاجبها باستنكار ..
- أحمد ..!!!!
نظر لهزاع و هو يهز كتفيه ..
- أعوذ بالله شعندج .. أتخبر بس ..
رد عنها هزّاع بحنق ..
- بنات عمّك يا الهرم هب من الشارع ..
لوح أحمد بسخط لهما ..
- الله و الجمال لي بتوصفونه .. آخرتاا بيّن هنيه و بنشوفهن .. صعبة يعني ..
ابتسمت روضة بثقة ..
- لا استريح حتى لو ين ما بتشوفهن ..
- شوه شفّافات ..؟؟
- هه هه هه .. بايخة .. لا يتغشن ..
فتح هزاع عينيه بقوة ..
- يتغشن من منوه ..؟!
استرخت روضة في مقعدها تجيبه ..
- من العرب كلهم .. من عيال خالتهن لي أقرب منكم و رابين وياهم .. من غيث لي هو ريل ختهن و يالس وياهن في البيت .. حتى من الدريول ..!!
صمتا لبرهة قبل أن يقول أحمد بشيء من الضيق ...
- و انتن ليش ما تتغشن مسودات الويوه .. مشرعات الشيفة للياي و الغادي .. امفف عليكن .. ما تعرفن الغشوة الا في السوق .. يا حيّهن كانهن بيّن بنات حمد و بيغيرنكن ..
أقبلت الخادمتين يحملن القهوة و توابعها و يصفنها على الطاولة العريضة في منتصف الجلسة و هبت روضة نحوها تصب القهوة و تناول كل منهما فنجانا و هي ترد ..
- و ليش نتغيّر .. ليش هن لي ما بيتغيّرن ..؟؟ و بعدين نحن نتحجب عندكم .. و الشعر ما يظهر ..
ارتشف هزّاع القهوة قبل أن يقول بسخرية غاضبة ..
- و كشّة عوشة ..؟
نظرت له بعتب ..
- عوشة ما تظهر شعرها الا عندكم .. لنكم أصغر منها .. و بعدين تعد كل عيال عمومتاا خوانها ..
فتح أحمد أحد أوعية الطعام و هو يجيب ببساطة ..
- بس نحن هب خوانها .. و ما ايوز تظهر كشتاا ..- و التقط قطعة من الكروسان ليقضمها و يقول - نتروع نحن من هالمناظر .. ماااامييي ..!
نهرته روضة بضيق ..
- أحمد .. بس خلاص .. ما يخصك في البنية .. ابوها و راضي ..
دحرج هزاع فنجانه الفارغ على الطاولة أمامه و عينه تتأمل دورانه بإمعان قبل أن يقول بنبرة غريبة ..
- ما بيضيعها إلا دلع أبوها ..

* * * * *

تلك الطفلة بملابسها الثقيلة ومعطفها ذو ياقة من الفرو احتضنت رقبتها .. تخطو بصعوبة خلف الكرة التي تدحرجت على الأرض و أعينهن تتبعها .. و كأنما يجدن في مراقبتها نوع من الهرب .. هرب مما ..؟!
لا يعلمن .. لكلٍّ منهن سبب تؤجل فيه السرد أو الاستماع .. قبل أن تدير أكبرهن عينيها لملامح الثانية الجميلة و تبتسم لوجهها الشارد بحب ..
- و المها ليش يايبتنها ..؟ تبينها تسمع لي عندج ..؟
التفتت الأخرى للمها .. قبل أن تقول بهدوء ..
- المها الحين أحسن عن قبل .. تعرفين انها من زمان تحاول تقرا الشفايف .. الحين ترد زين عليها .. وتطلع صوت ..
لم تختف ابتسامتها و هي تقول ..
- و الله ..
هزت حور رأسها و هي تعاود النظر للطفلة ..
- جربي ..
مدت وديمة أناملها تلامس كتف المها برقة التي التفتت لها بسرعة .. قبل أن تتحدث وديمة و هي تقابلها بلا صوت ..
لتمد المها يدها بسرعة لعنقها و عيناها تتركزان على شفتي وديمة باهتمام .. ثم تتحسس رقبتها بعناية و هي تقول بلكنتها المتقطعه ..
- أخباا .. طيبااه .. اهمد .. لله ..
ضحكت حور من نظرة وديمة المستحسنة و هي تقول ..
- انزين ليش رمستي بدون صوت ..؟ هي كذيه و الا كذيه ما بتسمع .. أهم شي حركة الشفايف ..
وضعت وديمة يدها على خدها و هي تجيبها ..
- المها ذكيّة .. و مثقفة .. أحسها نابغة و أحسن عنّا لو غيرها خذ الاعاقة عذر و ما تحرك خطوة .. بس هاي هي .. تتعلم اروحها و تقرا .. ما شا الله عليها .. لازم تدخل مدرسة ..دخليها مدرسة العين لتأهيل ذوي الاحتياجات .. أحسهم بيطورون قدراتاا في الفهم ..و الله ليتخبلون لو يدرون انها تقرا الشفايف ..
نظرت حور للمها بابتسامة و هي تقول ..
- تعرفين أصلا قراءة الشفايف بلا كلمات منتشرة عند بعض الصم .. بس هالحالة تكون نادرة باللي ولدو بهالاعاقة .. لي صابهم الصمم بعد سنوات من حياتهم يساعدهم تذكر الكلمات على هالشي ..هي قرت الفكرة في كتاب و كانت معتمدة على الحركات و الصريخ .. و من يومها و أنا أحاول و دانة و نورة بعد ما قصرن ..عفاري ما طاعت تقول أونه أحس انيه ألعب عليها ..
ضحكت وديمة بخفة ..
- حليلها عفاري ..
- المشكلة هالثتنين المخبل لعوزنا بهالحركة .. ما اتشوفينهن يوم يتعلمن أونه عسب انشفر امبيناا ..! مرات و اللـ .....
قطعت عبارتها حين أمسكت وديمة بيدها .. التفتت لها بتساؤل .. لتصطدم عيناها بتلك النظر الغريبة و أختها بالرضاعة تسألها بهدوء زعزعها ..
- حور بلاج ..؟! شوه السالفة .. هب معقولة نيلس الصبح كله نرمس عن هالخرابيط ..؟ أنا من ييت قلت بخليها اروحها ترمس .. بس الظاهر انج تبين لي ينشدج ..!
عادت حور تنظر لمريم و هي تركض مجددا بتعثر خلف الكرة .. بدا صوتها ضائعا .. وفراغ تضخم في رئتها و هي تقول بضعف ..
- مادري يا وديمة .. أحسنيه ضايعة .. أبا أرمس حد .. ابا حد يفهمنيه .. و يعلمنيه .. أبا مشورة شخص أكبر منيه ..
تنهدت ببؤس ..
- و الله انيه معاد أعرف عمريه .. كيف أشرح لج ..؟ أستنكر حركاتيه و تصرفاتيه .., حتى احساسيه .. أخالف عمريه و لي أحس به .. و الحين أنا مضغوطة .. ورايه لي أهم منيه عسب أفكر فيه .. خوانيه .. أنا مسؤولة عنهم .. لازم أفكر فيهم ..
لم تفهم وديمة شيئا مما قالت حور .. رغم ذلك أنصتت لتلك الكلمات الحائرة التي تتفوه بها بشيء من الاستسلام .. نظرة لوجهها الصافي و عينيها الضائعتين أعلمتها بأن تلك الشابة اتّبعت خطواتٍ ليست لها .. لتجد نفسها فجأة في منأى عن ذاتها .. لا تعرف للعودة سبيلا ..!
- مادري لو أميه عذيجة خبرتج ..؟ عميه سلطان و مايد و عبيد كلهم يدرون .. عقب ما تربي أمايا نحن بننتقل للبيت العود .. بنسير لبيت – صمتت لحظة قبل أن تقول بثقل – لبيت يدي ..
هزت وديمة رأسها بتفهم ..
- هيه قالت ليه أمي ..
ابتسمت حور بشيء من السخرية و هي تقول ..
- شفتي كيف ..؟ كلهم يدرون الا خوانيه ..! ما حد منهم يدري غير المها .. ما يدرون انه عقب أقل من شهر بنودر هالبيت .. و الفريق .. و ييرانا و بنسير لهذاك البيت .. بنيلس ويا عرب ما نعرفهم ..! مادري كيف بنعيش وياهم ..بيتحكمون فينا و الا كيف ..ما أعرف طبع هاليد .. ما قد شفته فحياتي كلها ..
استنكرت وديمة الأمر و هي تقول ..
- ليش ما خبرتيهم ..؟
نظرت لها حور بضعف ..
- مادري ..؟! أبا أأجل الموضوع قدر الامكان .. أحسهم بيتحمسون للروحة .. مابا آخر أيامنا هنيه نقظيها في الحشرة شوه بنسوي ومنوه بنشوف .. و كيف بتكون حياتنا .. المشكلة ان الوقت ضاق .. و لازم يعرفون ..
نظرت وديمة لحور للحظات صامتة .. قبل أنتقول بشك ..
- بس هالشي لي تبين ترمسين عنه ..؟
نظرت لها حور .. قبل أن تخفض رأسها .. تشعر بعيني المها و وديمة معلقة بها .. و هي تقول بخفوت ..
- لا ..
سحبت نفسا عميقا ترتب أفكارها للحظة قبل أن تزفر بقوة ..
- غيث ..
- ريلج ..؟!
- هيه ..هالشي لي مقعد عليه الأمور .. تعرفين انيه ما وافقت عليه الا غصب .. و انيه ما كنت أباه .. كنت أكرهه و أكره طاريه .. ما أرمس عنه مول .. ما أبا أفكر فيه .. أتخيل انيه حره و باكر بيي نصيبي و بوافق .. و أتزوج .. و أعيش شرا بنات هالعالم.. بعدين ..
أمسكت جبينها بعدم فهم ..
- بعدين توفى أبوية .. وعرفته و عرفت شينه .. و كرهته أكثر وكرهت أهله .. بغيت أنفصل عنه .. بس عقب ما خوانه ظربوا سلوم .. و يا هو ييلس ويالنا في البيت .. شوه أقولج .. ما أعرف شوه يانيه .. حسيت انيه أباه ييلس .. مع انيه أكرهه .. أباه يتم ويانا .. أبا عدنا ريال في البيت .. بس يا وديمة هالريال كان غير .. يعني .. مادري ..
- بعدج تكرهينه ..؟
- مادري ..! يعني .. شوفي .. هي مشاعري تغيرت .. بس لي يضايقنيه .. يوم أشوفه و الا ارمسه .. يوم يتصل بي و الا يلمسنيه .. وديمة ..انتي عودة .. و تزوجتي .. مادري اذا تحسين باللي أقوله .. أحس انيه أرد ياهل قدّامه .. أستخف .. و أضعف .. غصبن عنيه .. قوتيه .. و شخصيتيه كلها تروح .. بس ايينيه احساس انيه لازم أكون خايفة و ضعيفة .. محتايه أحس انه هو هنيه عسب يحمينيه .. و يكون موجود عشانيه .. تدرين حتى حركاتيه .. مادري كيف تظهر ..؟!!!!
شعرت وديمة بكلمات حور مفككة .. و أنها تتكلم بلا ترتيب .. و هي تتابع ..
- يربكنيه .. ماعرف أرمس عداله و لا أتحرك .. أحس بعمريه غبية .. مادري وديمة ..
نظرت لها باستغاثة و هي تقول أخيرا ..
- أحس انيه حبيته ..!
حالما تفوهت حور بتلك الكلمة .. ابتسمت وديمة بتسامح و هي تعتصر يدها .. و تقول بهدوء ..
- و ليش خايفة ..؟! ما تبين تحبينه ..
احمر وجه حور فورا .. و هي تبرر ..
- لا هو ريلي .. يعني .. بس قولي ليه وديمة .. أنا حبيته ..؟!
نظرت لها وديمة بامعان مطولا قبل أن تقول ..
- انتي أدرى ..!
أراحت حور رأسها بضياع و هي تقول بنبرة كسيرة ..
- أنا ما أدري .. ابا حد يفهم الموضوع و يشرح ليه ..
- انزين بتسمعينيه..؟
استنجدت حور بها ..
- هيه ..
كانت كرة مريم قد تدحرجت حتى قدم أمها التي قذفت الكرة نحو ابنتها بابتسامة و هي تقول بنبرة عميقة ..
- كم عمرج ..؟ 23 .. 24 .. ؟؟ من عرفتي من الرياييل غير أبوج و خوانيه لي هم خوانج .. و أبوية و نايف ..؟ و لا حد .. طول عمرج المسؤولة ..على خوانج و أمج .. تتحملينهم .. حتى لو المها موجودة .. احيانا الأعباء النفسية تغدي أخس عن الجسدية .. فجأة السند لي وياج و لي كان يساعدج في معابلتهم .. يغيب .. تفقدين أبوج .. أهم ركيزة فحياتج .. و الريال الوحيد لي يعني لج مفهوم الأمان .. حور .. أبوج يوم توفى كبر الفراغ لي انتي تحسين به .. انحرمتي حتى من انج تحلمين بشريك حياتج .. لنج غصبن عنج انحطيتي في قالب أبوج لي صنعه .. أبوج كان يباج تتزوجينه .. و انتي انقدتي ببساطة .. عندج فراغ كان موجود في حياتج .. يالسة في البيت .. لا شغله و لامشغله .. غير انج تعابلين خوانج كل يوم .. نفس الروتين .. نفس الحركة الرتيبة.. أكيد حسيتي بالملل ..
أنكرت حور بصدق ..
- لا و الله ..
ابتسمت وديمة وهي تومئ برأسها ..
- حتى لو ما حسيتي .. عقلج الباطن يرفض هالشي لي انتي عايشة فيه .. يمكن لج رغبات و حاجات تتجاهلينها .. فراغ .. فراغ .. فراغ .. أستغرب انج ما انفجرتي .. و مثل ما قلت .. أبوج توفى الله يرحمه .. و لقيتي عمرج مسؤولة من البيت .. و أخوانج .. و يكبر الفراغ .. و تدوسين على نفسج .. و تدفنين روحج .. و فجأة ..
نظرت لها و هي تردف بواقعية ..
- يظهر غيث فحياتج ..! خبرينيه شوه تحسينه وياج ..
أخفضت رأسها بخجل .. عند ذكره فقط ..
حين تقفز صورته لذهنها .. تلك الابتسامة الملتوية .. و عينيها اللامعتين .. ثقل المشاعر في صوته يهزها ..
حين تناوش شفتيها ابتسامة حالمة .. و تصارع الأنفاس بعضها .. و تختلج نبضاتها ..
حين يدغدغها ذاك الشعور الغريب .. و فكرة واحدة على بالها .. أن هناك من يهتم لأمرها ..
الشوق .. و دفء الحنين .. رعشة تعتريها .. حين يتدفق صوته .. أو تراه ..
احتباس أنفاسها كلما اقترب منها ..
كانت تلك هي مشاعرها لوحداه .. ماذا عن مشاعره ..؟! أتكفي اللهفة ..؟ الولــه ..؟ أيغنيها زخم المشاعر في عينيه الدافئتين عن أي اعتراف قد يرسم خطوطا عريضة لصدق إحساسه ..؟!
تلمست في جيبها تبحث عن هاتفها لتخرجه و تناوله وديمة التي راحت تقلب ما يحوي بصمت للحظات .. قبل أن ترفع عينها لحور التي همست أخيرا ،،
- غير .. وايد غير .. ماا .. ما قد حد عاملنيه انيه ..
تنهدت ..
- وديمة .. يتصلبيه .. و يسولف ليه .. و مسجات .. حنون .. و طيب .. و ....
غطت وجهها بكفيها في حرج ..
- يعني .. و آآآ .. يمدحنيه .. و رمسة ..
- يغازلج ..؟
صاحت حور بحرج ..
- وديمااااااااااااااااااااا ه ..
ضحكت وديمة بخفة ..
- هذا لي أطريه .. فهمتينيه .. غيث سد كل فراغ كان فروحج .. انتي تبين .. و تبين .. و هو كان مستعد يعطي .. !
سحبت نفسا عميقا .. قبل أن تقول برفق و هي ترى الضياع يتعاظم على وجهها ..
- حور .. حور .. حور .. حبيبتي انتي .. اسمعينيه .. و افهمينيه .. احيانا نحن نربع ورا رغبات الناس لي نحبهم .. نعابلهن و ننشغل ابهم حتى عن عمارنا .. لكن كل ما يخلى الواحد ويا عمره يلقى انه نسي شي مهم .. هو ذاته ..! انزين .. الله خلقنا نحن الحريم عاطفيّات .. نحن الخوات و البنات .. و الأمهات .. معطاءات و كل وحدة عندها الحنان و المشاعر .. يوم ما تلقى المجال اللي بيشبع عطاءها .. و يبادلها بالمثل .. تحس بنقص في ذاتها .. فراغ عاطفي .. فجوة في نفس أي وحدة تبا تبذل إحساسها و ما تلقى حد يستاهل ..! بعضهن تربع للحرام .. للغلط .. يدورن أي وسيلة يشبعن فيها هالحاجة .. بس ليش الله عطانا الحلال و الحرام .. ليش رزقنا عقول تميّز الصح و الغلط .. اذا كل واحد قام يربع ورا أهواءه و رغباته .. بنغدي شرا البهايم .. حواري .. فراغ عاطفي .. كان ياكلج من داخل .. و غيث ظهر في حياتج و انتي صدق محتايه لحد .. لريال .. لشخص يكسر الروتين .. و يحسسج انج مرغوبة .. يعني حتى لو راعي الدكان هاييك الايام عطف عليج شوي .. كان قلتي حبيته ..!
اتسعت عينا حور بصدمة .. شيء من الفراغ اتسعت به حدقة عينها السوداء و هي تقول مازحة بوهن ..
- هب لهالدرجة ..!!
هزت وديمة رأسها ..
- لهالدرجة و أكثر .. الحين بالله عليج .. فكري شوي في الرمسة لي قلتها .. لا تستعيلين .. ظنتج صدق تحبينه .. و الا عندج شك واحد ان هذا حب ..؟ خبرينيه ..؟
ضغطت حور على جانبي رأسها .. و هي تقول بتعب أوجع قلب أختها .. و أثر بالمها الصامتة ..
- ما أدري .. و الله ما أدري .. وديمة أنا ضايعة .. دلّينيه ..
كان صوت وديمة الآن قويا و هي تضع عينها في عين حور ..
- هذا ريلج الحين .. هب عيب انج تهتمين فيه أو تحبينه .. أو تتعلقين به .. بس ..حواري .. لا تخلطين الأمور و فجأة تكتشفين انج غلطتي .. ميّزي إحساسج .. فرّقي بين الاندفاع عسب تسدين الفراغ و بين الحب .. انتي ما تعرفين الحب .. محد أصلا يعرف الحب .. بقولج شي ..
- كيف محد يعرف الحب ..؟
قطعت حديثها و ضحكت بحلاوة من نظرة حور المتعلقة بها و هي تحاول استدراك ما تقول ..
- بسم الله .. بيظهرن عيونج ..!! شوفي أنا أقول محد يعرف الحب .. لنه كل انسان أصلا عنده مفهوم خاص به .. يعني الحب .. فيه عرب تعتمد على الأشكال و الحركات و ع الرغبات و تسمي غرايزها الحب .. هالشي غلط ..! غلط .. فنظرنا و مفهومنا .. بس هو ايتم الحب عندهم .. رغم انه عقب كذا سنة .. يوم يملون الشكل .. أو رغباتهم .. بيروح الحب .. و فيه عرب تشوف الحب حاجاتها الروحيّة الناقصة .. لي يمكن أي حد يسدّها .. يندفعون ورا أي شخص أيّا كان بس عسب يعوضون هالشي .. وأنا قلت لج قبل شوي .. هالشي لي انتي تتحرينه حب .. أنا أقول إن الحب شي سامي يا حور .. يوم بتحبين شخص .. بتبدينه على عمرج .. لازم تكون فيه موازنه .. احترام .. تفاهم .. لازم يكون فيه عقلانيه .. و سلام .. في نفس الوقت يكون هو نفسه مشاعرنا المينونة .. و لهفتنا .. و اندفاعنا .. آمممم .. يقولون الحب أعمى ..! أنا أقول العرب عميان .. و كل واحد ما يعرف وين الحب ..
زفرت حور بضياع ..
- وديمة و الله .. أقولج و الله .. ما فهمت كلمة وحدة من لي تقولين ..!!!!!!
- ههههههههه أعرف ان رمستيه خبصة بس ركزي ويايه شوي .. لي أنا متأكدة منه انج تستغلين غيث الحين ..!
اتسعت عينا حور بصدمة و هي تصيح مشيرة لنفسها ..
- أنااااااااا .....!!!!!!
أومأت وديمة مجيبة ..
- هيه انتي .. تستغلين وجوده في حياتج و قربه منج عسب تشبعين حايتج للاهتمام .. و للحب .. و للعاطفة ..
رفضت حور ذلك ..
- لا وديمة .. و الله لا .. انا أحس ..
قاطعتها تلك ..
- لحظة حور .. أنا ما اتهمج .. هالشي من داخلج و انتي ما تحسين به .. حلو انج تتقربين من ريلج .. و تتعرفين عليه و تحبينه .. بس لا تخلطين الأمور .. الانجذاب .. الاعجاب .. الحاية .. شي .. و الحب شي ثاني ..
ثم ابتسمتها ..
- انتي خايفة .. و مستعيلة .. و مرتبكة .. و ضايعة .. تبين تحبينه .. و فنفس الوقت ما تبين .. لا تدفعين مشاعرج .. لا تغصبين .. و لا تضغطين على عمرج .. بالهداوة حور .. كل شي بيي تدريجيا .. خلي الايام تبين لج بالهون كل شي ..
نظرت لها حور بضعف ..
- انزين شوه أسوي .. ينقلب شعوري .. و ردات فعلي عنده ..!! أضيع و الله ما أعرف حتى بشوه أرمس .. أحسنيه في دوامة كل شي ايينيه بسرعة ..
- عامليه مثل نايف ..
قالتها وديمة ببساطة ..
- نايف ..؟
- هيه .. تخيليه نايف .. كل كلمة يقولها .. حاولي تاخذينها كأنها من نايف من مايد .. من أي حد .. و ردي عليه ببساطة .. افصلي عقلج عن فوادج .. حبي بفكرج قبل عقلج .. بس عسب تفهمين انتي وين واقفة .. و لوين سايره .. حور ما أباج تندمين .. فكري في كل شي .. و رتبي أولوياتج .. و أي شي فخاطرج بس سويليه تيلفون .. تلقينيه عندج ..
هزت حور رأسها بامتنان ..
الحقيقة أن كلمات وديمة لم تزدها إلا حيرة ..
تشعر بأنها غارقة في بحر .. لا تعرف الاتجاهات .. و لا السباحة ..
تتخبط .. تتخبط .. تتخبط ..
يجرفها التيار إلى المجهول ..
تبا ..
كل ما تريده هو أن تفهم نفسا ..
هل تطلب الكثير ..؟!

* * * * *

شيء قاسٍ لامس ركبتها بشيء من القوة من أسفل الطاولة لتنظر إليه بضيق .. قبل أن تنفرج شفتيها عن ابتسامه ماكرة و هي تلتقط الشيكولاته المغلفة التي مدّتها نوف من تحت الطاولة و هي تنظر للمعلمة بتركيز بريء .. همست نوف بعقلانية ..
- عسب يرتفع الجلوكوز و ترومين تركزين ..
ضحكت دانة بخفة و هي تدس قطعة منها في فمها بسرعة و تمضغها ببطء ..لا تزال أعينهن مشدوهة للمعلمة التي راحت تعرض شرح القصيدة مطولا بلا توقف ..التفتت نحو إحدى زميلاتها في الفصل و هي تمضغ قطعة أخرى و تلتقط ممحاتها فترميها نحوها بقوة حين استدارت المعلمة للسبورة .. و هي تهمس منادية لتلك التي راحت تتلفت بضيق ..
- بست .. big ben .. هنيه ..
نظرت لها الفتاة متساءلة .. فراحت دانة تشير للمعصمها بحركة سؤال .. فتنظر تلك لساعتها ثم ترفع رأسها مفكرة قبل أن تقول بهمس ..
- 17 دقيقة ..
تنهدت دانة باحباط و هي تلتفت لنوف بهمس ..
- أففف .. عدها 17 .. الله يصبرنا ..
- ياااااااا بت يا داااااانيااااااا ..
انتفضت دانة و هي تنظر للمعلمة التي نهرتا ..
- دانة معلمة ..
- انتي مش حتبطلي كلام و الا ايه ..؟ كونّا نئول ايه ؟؟
هبت دانة واقفة و نوف تضع رأسها على الطاولة و تهمس لها ..
- عن أبو تمااام .. أبو تماام .. القصيدة من البائية ..
قالت دانة بثقة ..
- كنا نتكلم عن ابو تمام و البائية ..
- و حياة أمك ..؟ طب أومي ألقي الست الأبيات الأولى .. بإلقاااااء .. سمعاااني ..؟ عاوزة القاااء ..
نظرت دانة لوجوه الفتيات بابتسامة خبيثة ..
- ان شا الله معلمة ..
ثم رفعت الكتاب و هي تعدل من وقفتها .. قبل أن تستهل بصوت عالٍ فيه نبرة درامية مصطنعة تثير الغيظ ..
- السيف أصدق أنباءً من الكتب .. في حدّه الحد بين الجد واللعب ،،
ما إن أنهت البيت حتى تعالت أصوات الفتيات في كلمة موحدة ..
- لعب ،،
تابعت دانة و هي تلوح بيدها في حركات تمثيلية .. و المعلمة تعقد ذراعيها متأملة هذه المهزلة ..
- بيض الصفائح لا سود الصحائف في .. متونهن جلاء الشك والريب
- ريب ..
- والعلم في شهب الأرماح لامعةً .. بين الخميسين لا في السبعة الشهب
- شهب ..
- بااااااااااااس .. خلص .. ايه الهزار البايخ ده .. ايه الفوضى ..
توقفت دانة و ابتدأن الفتيات في الإثناء عليها ..
- صح لسانج .. صح لسانج ..
حكت دانة أنفها و هي تقول ..
- صح البدن .. معلمة .. لازم يردون ورايه يوم ألقي .. عدنا عيب لو محد يرد ورا الشاعر و هو متعني يقصد .. عاداتنا و تقاليدنا ..
- بت يا دانيا ..
- دانة معلمة ..
- أي زفت كولو واحد ..
- معلمة لا تغلطين ..
- لا و الله .. ما تيجي يا حببتي توأفي مكاني و تعلميني الصح و الغلط .. انا الهزار دا مش عقبني خااالص فاهمين يعني ايه .. دي أول مرة فحياتي أخش فصل لعلمي زي كدا .. ايه الأرف و الهباب داا .. عاوزين تهزروو ..؟ نبآ حلوين و نديكم خمس دآيء بداية كول حصة .. هزّروا و هيصو زي منتو عاوزين .. بس الدرس .. درس .. و بعدين ايه المنازر دي .. آنا مش عجباني حكاية أكل البيت .. لازم نتفاهم مع الادارة .. انتو طالبات علم .. جيّات كل يوم المدرسة تعملوا ايه ..؟؟
- نوقف طابور ..
- لا و اللهِ ..؟؟ ما قتشي فبالي تسدئي .. ايه الدماغ دي ..!!!! أنا بتكلم جد .. عاوزين شويّة همّة .. سامعين .. أولوا وراية .. شوية همّة
رددن البنات معا ..
- شوية همّة ..
تنهدت المعلمة ..
- برافوو .. نرجع للدرس ..
رددن وراءها ..
- برافوو .. نرجع للدرس ..
- بس خلاص ..
عدن يقلن معا ..
- بس خلاص ..
جالت المعلمة بنظرها في الفصل ..
- محنا أولنا نبطل الهزار ..
- محنا أولنا نبطل الهزار ..
صاحت المعلمة بشيء من الغضب ..
- تانيا تانوي يا زززززفت ..
صحن وراءها بحماس مضاعف فضج الفصل بأصواتهن ..
- تانيا تانوي يا زززززفت ..
وجهها المحمر ينذر بالشر و هي تلتقط كتبها .. و أوراقها و تقول بصوت غاضب ..
- يومكم إسود يا تنيا تانوي .. و الله حربيكم ..
- يومكم إسود يا تنيا تانوي .. و الله حربيكم ..
تترك الفصل و تصفق الباب بقوة .. و دانة تضع يدها على رأسها .. حين ضحكت نوف و هي تقول ممازحة ..
- نهارك منيل يا بت يا دانيا .. دي مش حتعديها على خير ..
- جب لااا .. يميييه .. شكلها بتسرح الادارة و بتشرشحنيه .. و اللييييييل .. خوفيه يطلبون ولي أمري ...!!!
نهضن من أماكنهن نحو الباب ليخرجن من الفصل و نوف تقول ببساطة ..
- يا بنت الحلال .. هاتي حور ما بتقول شي ..
- انتي صاحية .. و الله تسلخ جلدي .. بتكفخنيه و تسوينيه كباب .. ما ترحم حور في الدراسة .. كل شي عندها و لا الالتزام .. شكليه بييب طرزان لو نادوا ولي أمري ..
- طرزان من ..؟
- ولي أمري اليديد .. ريل حور أختي .. آور كازن ..
- أوووونه ..؟ حور معرسة ..
- من سنة و نص مالك عليها .. وين عايشة انتي ..
- فبيتنا ما خبرتينيه يا السبالة ..كنت أفكر أخطبها ..
نظرت لها دانة بشك ..
- مادريت ان عندج ميول منحرفة ..
- سبالة وحدة .. قصديه لخوية ..
- انزين ما استوا شي .. ياها نصيبها .. و عدنيه عندج ..
ثم ابتسمت ابتسامة كبيرة مازحة ..
- ما أنفع ..
ضحكت نوف بقوة ..
- انقلعي زين .. شوه تبين به .. كبر أبوج ..
صفقت دانة بيدها بحسرة ..
- هاتييييييه .. لو كبر يدي .. - ثم رفرفت بأهدابها بخجل مصطنع - أبا أعيش الحنان ..
- هههههههههههههههه .. حنان قالت .. كان ما بيصبحج بشوته و يمسيج بطراق ..!! هاييلا ما يعرفون الحنان .. و لا الرومنسية ..
- و انتي صادقة .. بييلس يصفعج و يلعن خيرج .. اونه كنت أمزح وياج .. الله يستر .. نوووووووووووفاااااه .. هاااااي الوكيلة ايمان .. يا ويليه .. اباا أشرد ..
و استدارت بنية الهرب قبل ان يوقفها الصوت الصارم الحاد ..
- دانة حمد ..
ارتد الصوت عبر جدران الممر .. و وصل لدانة التي قالت ببؤس كم يساق لمصقلة ..
- I'm dead duck ..!!!

* * * * *

- عنبوه .. ربيعات نحن من امتى ..؟ دوم متوالفات .. بلاج غادية فار دوم شاردة ..
ردت على ثرثرتها التي لا تنقطع و راحت تصلها عبر الهاتف .. ببرود محتقر ..
- محد غيرج الفار .. انا هب فاضية لسخافتج .. اتصلي خلاف ..
ثم أغلقت الهاتف باشمئزاز ترفع عينها لمن تجلس أمامها ..
- أفففف .. لوعتبيه .. غثثثثثة ..
مالت تلك للامام و هي تقول بصوتها الغليظ .. و الشر يلمع في عينيها ..
- أداويها حبي ..؟
أفزعت شيخة لمعة الدناءة في عيني حمدة و هي تتخيل هدى تلقى نفس مصير راية ..
هه .. راية ؟؟!! ما الذي جرى لها يا ترى .. لم ترى بعد تلك الحادثة في الجامعة قط ..!
- لا ما يحتاي .. هالاشكال أباها للحاية .. تخلص أموريه ..
- و ليش تخلينها للحاية و أنا موجود .. لي تبينه أنا حاضر له ..
زفرت شيخة بهدوء .. تشعر بهذه الطريقة تستعجلها ..
- حمدان بليز .. ما حب هالاسلوب ..
- ع راحتج يا القلب .. و لا تزعلين .. ما قلتي ليه .. بتيين ويانا باكر ..؟
حكت شيخة الأرض بحذائها الرياضي الثقيل ..
- مبزرة ..؟
- هيه مستأجرين شاليه هناك .. بنسوي بارتي ع قدنا .. بتيين حبووو ..؟
تنهدت شيخة و هي تحك طرف فكها .. وجه حمدة أو حمدان كما أصبحت تناديها و تعاملها من شهرين ينبئها بأنها ستجتاز حدودا حمراء قد وضعتها لتفصل علاقتها مع هذا .. و تعلمها أن كل ما في الامر هو الصداقة .. لا مكان للحب هنا . ليست مستعدة لتكرار تجربة راية ..
كأنما قرأت حمدة أفكارها .. أرخت صوتها الخشن تستعطفها ..
- شيخاني .. من شوه خايفة ..؟ كل لي بنسويه .. بنتعشى هناك .. سوالف .. و ضحك .. نستانس شويه .. و نرقص .. خلاف كل وحدة ترد بيتها .. هب مطلوب منج شي .. شيخااااني .. لا تعقدينهاا .. دوم تردينيه .. يا الله عاد ..
نظرت شيخة لها بتردد .. تحارب رغباتها بعضها البعض .. نعم .. لا .. نعم .. لا ..
ما الذي قد يحدث هناك..؟ لما هذا الخوف .. كم هي سخيفة ..!
- آآآممم .. أوكيه .. تم .. بس ما نطول ..
أشار حمدان أو حمد .. أيا منهما .. إلى أنفه و الصوت يعود لحشرجته الرجوليه ..
- على خشمي ..
.
.
على المحك هي الآن ..
متيقنة ..
ستؤول عاجلا إلى السقوط ،،

* * * * *





>>


لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 22-06-16, 08:59 PM   #23

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




تتمة






تلك الأغنية التي يترنم بها النسيم ،،
تتراقص على أنغامها وريقات .. باهتة .. جافة ..
بإيقاع متوجع ..على مسرح الغروب ..
حيث نحرت الشمس ضحية غزو الليل ..
لتنزف متوجعة ..
ذاويـــــــــة ..
على حدود السماء ..
و رغم صخب الأغنية التي ترنم بها النسيم ..
و تراقصت عليها وريقات يابسة ..
إلا أن ملحمة الغروب تكتسحنا صمتا ..
لذلك تفجر الشجن فينا .. تشدنا ..
نتلذذ بذاك النزف و نحن نشهد رحيل النور ..
لتبدأ الظلمات التي سندس فيها تفاصيل أوجاعنا الخفيّة ..
.
.
.
.
.
- نهيان .. باكر ميعاد عندها موعد الساعة 2 الظهر ..
قالتها خولة تذكره و هم الثلاثة مجتمعين على طاولة العشاء .. قبل ان تقتطع ميعاد خبزة و تغمسها في الاناء أمامها و هي تقول بهدوء ..
- لا غيث يقول بيمرنيه باكر .. لا تتعبل نهيان ..
عيناه تعلقت بوجه الكبيرة منهن حين ذُكِرَ اسمه .. رعشة يدها .. و لمعة اللهفة في عينيها اوجعه .. لا يريد لشقيقته مثل هذا الألم الذي تعايشه الآن .. ابتسامة رقيقة ارتسمت على شفته و هو يناظر أخته الصغرى .. رغم أنها تجاوزت السادسة و العشرين من عمرها . إلا أنها لا تزال تلك الطفلة الصغيرة التي ألقيت في عهدته و هو مراهق .. قال بهدوء ..
- أنا ما أتعبل .. مابا أسمع هالرمسة مرة ثانية ..
ابتسمت له ميعاد بحلاوة قبل ان تلتفت لخولة و ابتسامتها تختفي ..
- خولة ما فيه داعي تسيرين وياي باكر .. غيث بيسد ..
لعنت نفسها مائة مرة و هي ترى عيني أختها المتسعة بذهول .. و قد تحجرت دمعة فيها فور تفوهها بتلك الكلمات .. عضت ميعاد شفتها السفلى بقوة .. لم تكن تريد أن تأمرها .. او أن يخرج صوتها بهذه النبرة الصارمة .. استدركت تقول ..
- خولة .. يـ ..
قاطعتها خولة .. و هي تضع الخبزة التي بيدها جانبا بصوتٍ مبحوح ..
- على راحتج حبيبي .. الحمد الله .. شبعت ..
تم تركت الطاولة متوجهه لليمين حيث تقع غرفتها ..
أخفضت ميعاد رأسها باحراج .. شعرت بانها قامت بجرح أختها بشكل ما .. لم تتعمد قولها بهذه النبرة .. و لكنها تشعر بان عليها أن تحميها من نفسها .. لا تريد أن تتعذب أختها بالانغماس في حب غيث أكثر .. سيحطم قلبها .. تعلم ذلك جيدا .. فرغم كل ذاك الحنان المتدفق الذي يغدق به عليها .. الا أنها متأكدة بأنه لا يحمل في روحه ما قد يمنحه لها ..
قالت بصوتٍ معتذر لنهيان الذي لم يشأ أن يشعرها بالذنب فلم يتكلم ..
- ما كان قصديه انيه ارمسها كذيه .. بس من خـ ...
قاطعها نهيان مهدئا ..
- لا تستهمين حبيبتي .. تعرفينها هي حساسه شوي .. و بعدين كل ما مر الوقت تخاف من طلاقها .. هي لي وافقت و اختارت هالشي مقتنعة محد جبرها ..
قالت ميعاد بصوت حزين ..
- حتى و لو .. ما حب خولة تزعل منيه .. هاي أمي هب ختيه ..
حرّكت كرسيّها ذو العجلات مبتعدة عن الطاولة ..
- بسير أشوفها ..
دفعت كرسيها نحو حجرة خولة دون أن تنتظر اجابة منه.. طرقت الباب بخفة تنتظر اجابة فلم يصلها الرد .. ثم دفعت الباب بهدوء للداخل ..
وجدت خولة تسجد على سجّادتها مصلّية و هي توليها ظهرها .. تقدمت بالكرسي إلى الداخل .. ثم حركت الباب ليرتد قليلا ..
ظلت ساكنة في مكانها حتى أنهت خولة صلاتها فطوت سجادتها و استدارت لميعاد بابتسامة عذبة ..
- شوه هالزيارة الشيوخية ..
شعرت ميعاد بغصّة تخنقها .. و هي ترد ابتسامة أختها بأخرى متألمة .. ثم مدت يدها للأمام تدعوها للإمساك بها ..
- زيارة للي يستاهلون بس ..
اقتربت خولة و جرّت كرسي طاولة الزينة خاصتها لتجلس قرب ميعاد و هي تحتضن كفّها الممدودة بحب ..
- فديتج و الله ..
شعرت ميعاد بدمعة تتمرد على مقلتها لتلمع بوضوح في أفق عينها و هي تقول بصوت مرتجف ..
- خولة .. أنا آسفة .. ما كان قصدي أرمس كذيه ..
عقدت خولة جبينها منكرة جرحا الجلّي ..
- على شوه حبيبتي ..
قالت ميعاد بصوت كسير ..
- أكرهج يوم تمثلين انج قوية ..
ارتجفت شفتي خولة بسرعة .. ثم سحبت نفسا عميقا تمنع آهه من الانفلات حين اعتصر الألم قلبها بقوة .. شعرت بدمعتها الخائنة تفضحها و هي تنحدر على وجنتها بحرارة ..
لتخفض رأسها بانكسار .. و ميعاد تقول بحرقة ..
- ليتني ما انولدت عسب لا تعرفين غيث و لا تحبينه و لا تاخذينه .. ليتني مت يوم يابتني أمي عسب لا تتعذبين بسبتيه ..
أشارت لها خولة و صوتها المبحوح يتحشرج في وجع مستنكر ..
- ميعاااااااااد ..!
أغرقت عيناها الواسعتين بالدموع ..
وجهها المستدير بملامحه الجميلة .. و أنوثته المفعمة غلّف بالحزن المفجع .. و هي تضع كفها على قلبها ..
- هذا نصيبيه .. انتي ما يخصج .. الله كاتب ليه كل هذا .. و أنا ما اعترضت .. الحمد الله انيه عرفته .. و انيه خذته .. ع الأقل يكون ليه لحظات مسروقة أيلس وياه بلا حاجز .. و أحس انه حلالي .. و أنا حلاله .. و الله .. و الله اللي خلقنيه انيه ما ندمت يوم واحد على انيه حبيته .. حياتي كلها فاضية .. مالها طعم .. الا من عرفته .. عرفت أحب .. و أشتاق .. عرفت أزعل .. و عرفت أبكي .. و عرفت كيف اموت مليون مرّة لنيه أدري ان كل يوم يخطف .. يقربنيه من فراقه .. لا تتلومين .. و لا تحطين السبة على عمرج .. انا لي بغيت .. و أنا لي خذيت ..
ثم تهدج صوتها بكبرياء مهشّمة و هي ترفع رأسها بابتسامة مريرة ..
- أحبه .. و هب نادمة .. ليته يحس فينيه بس ..
.
.
أسند ظهره على جدار الممر بألم ..
تمنى لو أن ذاك لم يخبر غيث عن ميعاد قط ..
تمنى لو أنه لم يتجاوز عتبات هذا البيت ..
و تمنى لو أنه لم يلتقيهم .. و لم يخترق قلب خولة الكبير ..
لم يرد يوما أن ينصت لهذا الألم في صوتها ..
كان الأمر أشبه بنصل يمزّق نياط قلبه بوحشيّة ..
كيف له أن يكابر آلام أقرب الناس إليه ..
أختيه ..؟!

* * * * *

- يااا الثوووووووور .. فررر كشرتك خااااري .. عدنيه غسلت موتريه أمس ..
لم يبالي هزّاع بصرخة أحمد المنفعله .. و ألقى بكوب القهوة الورقي الفارغ عن قدميه و أحمد يوقف السيارة في الموقف الأرض للمركز التجاري اللذان يقصدانه ..
- فكناا يا ريال .. يوم تيي البيت خل شيخة تشلها الكشرة ..
رفع أحمد رأسه ..
- شمعنى شيخة ..؟
ضحك هزّاع و هو يرد بسخرية ..
- لن أذنيها هب مخرمة ..
اتسعت عينا أحمد ..
- حوووه يا سبال .. ما يخصك في ختيه .. انا أسبها عادي .. بس انته بييك بكس يخشع ظروسك ..
ثم قال بنبرة متفاخرة ..
- بعدين البنية أذنيها نخرمة .. بس أنا كنت أمزح ،،
راح هزّاع يعدل من وضع الغترة في المرآة العلوية التي أمامه ..
- صدق و الله ..؟ اسمع الحين انته انزل .. و أنا أول ما اشوفه ياك .. برقبه شوي .. خلاف بتدخل ..
ابتسم أحمد ..
- تصدق يوم قال أباك في موضوع و لا تخبر هزاع بغيت أموت من الضحك .. حسيته ياهل ..
قال هزاع بحقد ..
- لا هب ياهل .. هذا حيّة .. من تحت لتحت .. أكيد يبا منك شي ..
- عسب كذيه أنا أقول خل التيلفون مفتوح امبينا يوم يرمس و يقول شوه عنده .. تعال تدخل و الا بتصرف وياه بروحي ..
- شورك ..؟
- هيه ..
- خلاص غايته .. حوِّل ..
ترجلا من السيارة ليتوجّها نحو مقهى معيّن في الطابق الأول من مركز التسوق الكبير .. اتخذ أحمد طاولة واضحة ليجلس عليها .. فيما قبع هزاع في زاوية المقهى مديرا ظهره للمدخل .. لحظات مطولة قبل أن يهمس أحمد في السماعة المثبتة في أذنه ..
- هاذوه توه حادر الكوفي ..
ثم لوح للرجل الذي دلف المقهى للتو ..
- شوماااخر ،،
التفت مصبح نحو أحمد .. ليتقدم منه بابتسامة صفراء .. لم يكلف أحمد نفسه عناء الوقوف ليسلّم عليه .. فقط أشار للمقعد المقابل ..
- حييه بو شهاب ..
رد أحمد ببرود و هو يسترخي في مقعده ..
- يحييه ..
- شحالك ..
فرك أحمد لحيته الحليقة .. و هو يرد ..
- بخير .. علومك ..
- طيبة .. حي شوفك ..
- يحييك .. - ثم تثاءب بطريقة فظة - اقول مصبح اختصر .. انا ريال ورايه دوام باكر ..
ابتسم مصبح بطريقة لم ترحه ..
- كانها نغزة ..
- لا نغزة و لا شياته .. و الا ساحبنيه أنصاف الليالي تسولف ليه ..
نظر مصبح لساعته التي لم تتجوز الثامنة بعد ..
- أنصاف الليالي و العرب ما قد صلوا العشا ..؟
- لي هو .. انا أشرب حليب و أرقد بدري .. عندك خلاف ..؟
- لا ..
- خلصنا ..
تنهد مصبح .. قبل ان يقول بصراحة ..
- انا ما بلف و أدور عليك .. بس أنا شفت استعراضك في الصيف في تل الساد .. و الصراحة ريّال مثلك ذهب .. و يوم انك في تيم كنجز و لا تسابق .. حاطينك احتياطي .. و ولد عمك هو لي عليكم .. انا قلت أرمسك .. نباك تحول ما تهاب .. بنخليك أساسي في التيم تتبادل ويا بو غديّر .. شوه قلت ..؟
ابتسم أحمد بهدوء حين سُحب الكرسي المجاور لمصبح و جلس عليه هزّاع و هو يسأل أحمد ..
- ها بو شهاب شرايك ..
كاد أحمد يحك لحيته و هو يقول بصوت ثقيل مثير للغيض ..
- رايي انه حمار .. دار عليك و ما رام لك .. و يدور عليّه ..
ضحك هزّاع و وجه مصبح يحتقن من صدمة وجود هزّاع و تلك الاهانة التي ألقاها أحمد للتو ..
- خيبة .. حمار ..! شوه بيفهمه الحين ..؟!
- احترم نفسك ..
قالها مصبح بوجهٍ منفعل .. توقف هزّاع عن الضحك ..
- ان شا الله أميه ..

ثم عاد ليضحك مرة أخرى هو و أحمد معا .. قبل أن يلتفت لمصبح بقسوة ..
- اعرف انيه لا أنا و لا أحمد ندانيك .. و لا نداني تيمك الخايس .. لو مرّة ثانية تقرب صوب حد منّا .. بنخليك تحرم طاري السباق .. تسمع ..
لم يجبه مصبح .. فقط أمعن النظر لوجهه بحقد جلي ثم دفع الطاولة و تركهم دون كلمة .. ضحك أحمد ..
- حرام و الله شكله زعل ..
لوح هزّاع بيده ..
- ياكل تبن .. شوه تشرب ..
- موكا .. يبالنا نتحوط عقبها .. نكحل العين بشوفة هالغراشيب ..
و أشار بابتسامة للفتاة الجالسة على الطاولة القريبة منهما ..
ليضحك هزّاع ..
- وين سيف عنك يعطيك محاضرة معتبرة .. رمضان عقب يومين يا الهرم .. غض النظر ..

* * * * *

دلف البيت بتعب و هو يخلع غترته .. ليجد أمه تجلس وحيدة في الصالة .. اقترب منها بحب .. ليسلم بصوته المرهق ..
- السلاااام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
لمعت عينا أمه و هو ينحني ليقبل رأسها بحنان ..
- و عليكم السلام و الرحمه .. مرحبا فديتك .. مرحبا .. ايلس يا الحبيب ..
ألقى بجسده المنهك على الأريكة .. و وجهه السموح بلحيته الوقورة ينبض بالرحمة ..
- الله يرحبج على فضله .. شعنه يالسة اروحج يا الغالية ..
مدت يديها بحسرة ..
- و منوه تباه ييلس ويايه .. ابوك هب فاضي .. و حارب حاجزينه في الكليّة .. أنا مادري شوه يبا خوك بالطيران .. لو درس ويا خوانه في الجامعة هب أبرك .. و هزّاع الهرم ما يعرف الا الهياته .. و انت الله يخليك من الصبح لليل في دوامك ..
التقط كفها ليطبع قبله عميقة و هو يقول باعتذار ..
- مقصرين فديتج .. مقصرين .. سامحينا ..
- بالحل .. يا الحبيب .. الله يحفظك و يوفقك .. الله يخليك .. يعل ربيه يعوضك بالولد الصالح .. الله لا يهينك ..
ثم ابتسمت له بحب ..
- باكر بتيي روضة و بتملى عليّه البيت و بتيلس وياي ..
أخفض رأسه بخجل ..
بدا هذا الحلم قريبا .. يتخلل أصابعه ..
أ يتحقق يا ترى ..؟!
إلهي تمم فرحتي بخير بركتك يا كريم ،،

* * * * *

- آآآآآه متى بتخرج من الثنوية .. و اييبوليه بوكس فيه بدلااااااات .. و عباياااااات .. و جواااااتي .. و شنااااااط .. و موباااايل .. و أفتك من الذل لعفاري ..
قالتها نورة بصوت عالٍ و صوتها يصدح في الصالة ليصل لعفرا التي أطلت برأسها من غرفتهن ..
-أنا أذلج ..؟ متى ذليتج ..؟ كل ما قلتي أبا البس شي .. عطيتج ..
التفتت نورة لدانة ..
- كأنها سوت عمرها طيبة ..! - ثم التفتت لعفرا - انزين خلينيه ألبس عباتج لي فيها تطريز ذهبي ..
لوت عفرا شفتيها باشمئزاز ..
- مع ان التطاريز في العبي هب عايبتنيه .. بس لا .. صدق ما عندج ذوق ..! حد يلبس ذهبي مع كحلي في المدرسة ..!
قالتها و هي تقلب أزرار الهاتف .. و دانة تقول بتحدي ..
- انزين نورة كذيه طبعها عنقاشي .. عطيها العباة ..
رفعت عفرا عينها ببرود ..
- ماابااا ..
- مالت ..
- ع ويهج ..
نظرت نورة لدانة ..
- كنها خقت بنت الجامعة ..؟!
رفعت دانة حاجبها ..
- شكلها و الله .. أقول رفيق .. هزا تلفون في كيمراا ..؟
خرجت حور من غرفة امها هي و المها للصالة .. و عفرا ترد ..
- كيمرتين هب وحدة ..
جلست حور و المها و الأولى تقول ..
- عفرا عندج خدمة المرئي ..
- هيه ربيعتيه ظبطتليه اياها ..
- عنديه كيمرتين انا بعد .. بس ما استوت ليه ..
مدت عفرا الهاتف لهن ..
- بنات شوفن .. هذا مبنى العين مول لي في الجامعة ..
التففن حول الهاتف ينظرن .. و نورة تقول باعجاب ..
- حلووو تصويره ..
- 5 ميجا بكسل .. أقولكن .. تيمعن .. تيمعن ..
و هبت واقفة تلتقط مخدة ثقيلة عالية ..
- يلسن قريب من بعض .. صورة للذكرى ..
سألت دانة بحماس و حور تشرح للمها ماذا سيفعلن ..
- بتصورينا ..
- لا بضبطها وضع مؤقت اتوماتيكي .. يالله ..
عقدت نورة جبينها ..
- حوووه شوه يضمن لنا انج ما بتفضحيناا في البلوتوث ..؟
تجاهلتها عفرا ..
- قالو لج نورة ..
- لا أخت نورة عسب كذيه ينخاف منج .. عرق النذالة دساس فيكن يا بنات حمد..
ثبتت عفرا الهاتف و هي تقول ..
- يا الله مستعدات ..
لقت دانة شفتاها في حركة سريعة و نورة تمسح على غرتها .. قبل أن تضغط عفرا على زر التصوير ثم تقفز إلى جوارهن بابتسامة .. ثانيتين فقط قبل أن يسطع الفلاش بقوة ..
صفقت المها بحماس و عفرا تقفز مجددا لتلتقط الهاتف و تنظر للصورة و قد تحلقن حولها .. تذمرت نورة ..
- يوم قدنيه ببتسم .. طالعي عيوني كيف ..
ضحكت دانة ..
- فديتنيه .. طالعة حلوة .. و مهاوي .. عسل يا ناس ..
عقدت حور جبينها ..
- ليش ثميه مبطل شكليه أهبل ..؟؟!!
ضحكت نورة بأريحية ..
- من يومج هبلة .. شكلج يوعانه ..
نظرت لها حور بحقد و عفرا تدس هاتفها في جيبها ..
- جب محد أهبل غيرج .. انتي و عيونج الوارمة .. تقولين حد نافخنها بكس ..
صفقت دانة ضاحكة ..
- عاشت حور تعرف تسب ..
ردت المعنية و هي تنظر شزرا
- غصبن عنج .. يا الله .. يا الله .. آنسة دندن .. و آنسة نورة .. لي عليها الكوي تخلص الكوي قبل العشا .. و لي عندها الخم .. تبدا فيه الحين .. نص ساعة و العشا زاهب ..
رفعت دانة أنفها في الهواء ..
- لو سمحتي الشيخة .. لا تقولين دندن .. من اليوم ورايح تعلمي تقولين .. دانة علمي ..
ضحكت نورة بسخرية ..
- دانة علمي ..؟!
- قوم أدبي ما يرمسون .. - ثم لمعت أسنانها من خلف ابتسامتها الكبيرة و هي تقول بفخر - طلاب العلمي نوابغ .. يساهمون في الرفع من شأن العلم و الدولة .. و بعدين للعلم أنا حالة خاصة .. لو ما تدرن .. ترانيه السبب في زيادة عدد طلاب علمي في هالسنة ..
عقدت حور ذراعيها باستهزاء ..
- ليش ان شا الله ..؟؟؟؟؟؟!!!!!
هزت دانة كتفيها ..
- الشلة يوم درت انيه بدخل علمي كلهم دخلوا علمي ..
قالت حور بعدم تصديق ..
- على هندي حبيبتي ..
قالت دانة بصدق ..
- و الله سجلن علمي عسب نتم رباعة ترى نوف داخلة ويايه ..
اتسعت عينا حور بدهشة ..
- سجلن علمي بس عسب ايتمن وياكن ..؟؟!! صدق ما عندهن سالفة .. العرب تفكر بالمستقبل و التخصصات .. و انتن في ربيعاتكن و سوالفهن .. نفرض انكن تضاربتن .. ؟
ضحكت نورة ببساطة ..
- ثالث تحول أدبي .. الحياة ايزي حور ..
- لا ليزي و لا بابي سناك .. اسمعي انتي وياها .. ليكون حد منكن حادرة القسم لي ما تباه بس عسب ربيعااتاا ..
نفخت دانة صدرها ..
- أنا بنتك يا حمد .. أخت حور .. هب نحن لي نحول عشان حد .. العرب تحول عشاننا .. بعدين لا تغيرين السالفة .. قلتي نورة - و عادت تبتسم بفرح - و دانة علمي .. عفاري شوه تسوي ..؟
أجابتها عفرا و هي تقف على قدميها بهدوء ..
- انا خلصت الغسيل العصر يا كسلانه .. و الحين بسير لفطوم .. بوديلها البدلة الصفرا و الشيلة لي تباها قبل العشا و برد بسرعة .. اوكيه ..؟
و نظرت لحور مستفهمة .. فقالت الأخيرة ..
- خبري أمايا أول ..
دون سابق انذار قفزت دانة لعفرا ..
- بسير ويااااج ..
نهرتها حور ..
- ما يحتاي .. تدله الدرب .. سيري شوفي شغلج .. يوم بتتعشين بتقولين عسر هضم و ما أدري شوه .. خلصينا .. المخمة قدها في الحوش ترقبج ..
مطت دانة شفتها في ضيق ..
- عنلاتهاا .. صدق انها لصقة هالمخمة .. دوم أروغها ..
ضحكت نورة ..
- وفيّة حليلها .. تحبج ..
- حبتج القرادة انتي وياها .. ما لقيتي الا المخمة تحبنيه ..
مسكت حور جانبي رأسها بوهن ..
- أفففف .. دااااااانااااااااه .. دخيل أهلج .. ارحميناا .. تايم أوت .. وقفي هذرة .. خمي الحوش .. و تعالي سولفي الين باكر ..
عقدت دانة جبينها ..
- كأنها تروغ دانة علمي ..
أيدتها نورة ..
- هيه و الله .. عفدي عليها دانة علمي ..
هزت دانة رأسها رفضا ..
- لا .. لا .. دانة علمي تحترم لي أكبر عنها .. و تعلن الانسحاب حين يصبحون الكبار غير قادرين سوى على تحطيم قلوب الآخرين ..
ثم رفعت أنفها بطريقة تمثيلية مبالغ بها ..
- أواااه يا قليبي .. كم ستتحمل من هذه العيشة البغضاء ..
بحثت حور عن شيء حولها لتقذفه على دانة ..
- تحمدي ربج يا السبالة .. شوه عيشة بغضاء .. الحمد الله نحن في نعمة ..
- نعمة و الا زاخر هه هه هه .. يستاهل الحمد .. يا الله .. عطيتكن ويه .. وضيعتن وقتي .. انا أشوف ان خم الحوش فيه فائدة تأملية روحانية كبيرة ..
حكت نورة شعرها ساخرة ..
- فائدة روحانية تأملية .. من وين يبتيها ..؟!
ابتسمت دانة ..
- مدري يختي طلعت وياي كذيه .. بس لا تستغربين بتشوفين أكثر من دانة علمي ..
- خيبة .. شوه بيسكتها هالخقاقة ..؟!
هتفت دانة بعفرا التي خرجت تلف شال الصلاة الكبير عليها و هي تمسك بيدها الأخرى كيسا كبيرا ..
- عفاري أوصلج ..؟؟
رفضت عفرا بحزم ..
- لا شكرا ..
أمرأت حور عفرا ..
- لا تتأخرين ..
- إن شا الله ..
خرجت عفرا متجهة لبيت جيرانهم .. تحسست دانة جيبها تتأكد من وجود الورقة .. قبل أن تنهض من مكانها ..
- حلفت .. حلفت .. و لا وحدة تنش .. بظهر أروحيه ..
لوّحت نورة بيدها ..
- فارقي .. - ثم نهضت هي الأخرى - أنا بخلص الكوي .. ما فيّه عليه عقب العشا ..
توجهت دانة لأقصى الحوش و هي تلتقط المكنسة .. و تكنس ابتداءا من الطرف الأقصى .. عيناها لا تفارقان باب الصالة .. و هي ترى المها و حور ينهضن متوجهات للمطبخ .. تنتظر لدقيقتين حتى تتأكد من خلو الطريق .. شعرت بنبضات قلبها تتسارع بجنون .. قبل أن تترك المكنسة مسندة على جدار البيت .. و تركض نحو الباب الفاصل بين الحوش و الممر المؤدي للمجلس .. أ هو هنا يا ترى ..؟ تمنت من قلبها أن يكون كذلك .. لن تجد فرصة أفضل من هذه .. بعد دقائق سيؤذن لصلاة العشاء .. عندها سيخرج هو للمسجد و سيبحثن إخوتها عنها لصلاة الجماعة .. وضعت يدها على صدرها تخنق خافقها المرتاع .. تجاوزت الباب و هي تضع الغطاء جيدا على وجهها .. اقتربت من باب المجلس .. فردتي الحذاء الكبير موجودتين .. من حسن حظّها .. في العادة لا يكون متواجدا هنا في هذا الوقت .. لكنها تأكدت من وجوده بعد صلاة المغرب من نايف ..
يدها المرتجفة تقرع الباب بتوتر .. صمت .. قبل أن يداهمها صوته الرجولي العميق من الداخل ..
- اقــرب ،،
انتفضت .. و هي تهمس ..
- يمااااه .. شوه أسوي ..؟!
قرعت الباب مرة أخرى ..
لا إجابة ..!
مدت يدها لتقرعه بقوة أكبر .. قبل أن يفتح باب المجلس بقوة لتجده واقفا بطوله الفارع أمامها .. علامات التعجب ترتسم في عينيه .. و هو يقول بهدوء ..
- مرحبا ..
ارتجفت و هي تفرك يديها .. و تقول باضطراب ..
- السلام عليكم .. شحالك غيث ..؟؟
- و عليكم السلام .. بخير و سهالة .. شحالج .. من ..؟ نورة ..؟
أربعة أشهر و لم يميّزهن بعد .. لا بأس كثيرون يخلطون بينها و بين شقيقتها الأقرب ..
- الحمد الله ..لا أنا دانة ..
استند بكتفه على حافة الباب .. كان يشرف عليها بشكل مخيف ..
- هلا دانة ..
مسحت كفيّها المتعرقتين رغم الجو اللطيف و هي تسحب نفسا عميقا ..
- آآآ .. آحم .. اسمع غيث .. أنت الحين وليّنا صح ..؟
رفع حاجبه ..
- وليّكم ..؟!
حركت يديها بسرعة ..
- وليّ أمرنا يعني ..
التوت شفتيه بابتسامة غريبة ..
- هيه ..
دست يدها الصغيرة في جيبها تتناول الورقة ..
- انزين دامك ولينا .. استلم ..
و مدت الورقة له بجرأة أكبر .. نظر للورقة المطوية بعناية لبرهة قبل أن ينقل عينيه لوجهها المخفي خلف الغطاء ..
- شوه هاي ..؟
- ورقة ..
- أشوفها ورقة .. شوه فيها ..
- قنبلة هيروشيما .. شوه فيها بعد .. رمسة مكتوبة ..
ابتسم ببرود .. تبدو هذه الفتاة شجاعة .. أكثر جرأة من شقيقتها الكبرى .. تناول الورقة من الطرف الممدود .. و فردها ببساطة .. ثم راح يمرر عينيه عليها و هو يقرأها .. لحظات و حاجبه يرتفع بسخرية و هو يومئ برأسه قائلا بإدراك ..
- استدعاء ولي أمر .. !
رفعت دانة رأسها ..
- هيه .. يبونك تيي ..
- قالو لج يبونيه ..
- قالو ولي أمري .. الحين انته ولي أمري .. لا اطولها و هي قصيرة .. انا علمي ورايه دراسة .. اسمع .. باكر ع الساعة تسع تكون في الادارة و الا ما بيخلونيه أدخل الصف .. و ياليت تتكتم ع الموضوع .. يعني حور ما فيه داعي انها تعرف .. انت ما تعرفها .. بتدفنيه عند باب الادارة ..
يستمع لها و هي تلقي الأوامر دون أن تذوي ابتسامته الساخرة .. قطعا .. لم يلتقي مثل هذه الفتاة ..!
- لا و الله أخت دانة .. حلفي بس .. مسودة الويه و طالبين ولي أمرج و تتأمرين ..
فجأة انقلبت سحنته و هو يقول بصوت أفزعها ..
- اسمعي يا بنت .. أقسم بالله لو مرة ثانية تييبين ورقة شرات هاي البيت ما تلومين الا عمرج .. مدخلينكن المدارس تتعلمن هب تسودن ويوهنا ..
وضعت يدها على صدرها برعب ..
- بسم الله شياك ..!!
توعدها ببرود أثقل عليها .. فتمنت لو أنها تحملت صراخ حور على صرامة هذا الرجل ..
- سمعتينيه يا دانة .. لو حور بتدفنج عند الادارة .. انا بلعن خيرج في البيت .. و مدرسة انسي .. يوم انكن متبطرات و المدارس ما تبنها .. شوه حادنكن ع العبالة .. قرن في بيوتكن و انفعن أهلكن أخيرلكن ..
اتسعت عينا دانة و هي تهمس ..
- خيبه .. انا شوه حادنيه ع الشدة .. لو عاطيتنها حور هب أخيرليه .. ناوي يكفخنيه طرزان ..!!
رفع حاجبه و هو يلقي الورقة عليها ..
- شعندج تتحرطمين ..
زمت شفتيها بضيق ..
- سلامتك ولي أمري ..
- أي مدرسة انتي ..؟
- مدرسة ****** ،،
لوح بيدها باحتقار ..
- عرفتها ..
و لماذا هذه النبرة .. ؟؟! وقفت لثانية دون أن ترد عليه قبل أن تدس الورقة في جيبها أخيرا و تحذّره ..
- انزين لا تبطي .. 9 بالضبط تكون هناك ..
ثم ألقت نظرة أخيرة قبل أن تقول بأمر و هي تستدير و تتوجه نحو الحوش ..
- و لو سمحت .. تعال كاشخ لا تفشلنيه .. أنا معروفة في المدرسة ..
ما إن أنهت كلماتها حتى اختفت خلف الباب ..
ظلت عينيه معلقتين بالباب الذي اختفت منه للتو مطولا .. قبل أن ينفجر بالضحك بقوة ..
لم يستطع منع نفسه من نوبة الضحك التي اجتاحته .. كان يخنق رغبة غريبة في الضحك مذ ناولته الورقة .. و ارتدادها الخائف حين صرخ عليها ..
مسح وجهه بكفّه و هو يسيطر على ضحكاته .. قبل أن يعود فيهتز بهدوء و الابتسامة لا تفارق شفتيه ..
- دوم الضحكة ..
تجمد لبرهة مكانه قبل أن يرفع يده عن وجهه .. عرف صاحبة الصوت قبل أن يطالعه وجهها الصافي .. كانت تنظر له بهدوء شديد .. ابتسامته تلك انقلبت فورا بعناية لابتسامة حب يتقنها .. و هو يترك عتبت الباب نحوها هامسا ..
- وياج ..
اقترب من حور التي لم تبارح مكانها في منتصف الممر .. وجهها الجامد لا يفصح عن شيء .. هل علمت بان أختها قد تلقت إستدعاءً ..؟!
دنا منها بهدوء .. فلم يعد يفصل بينهما شيء و هو يحني رأسها و يسلم عليه .. بدت ثابتة .. و هي تسلم عليه بنفس الهدوء .. عينيه الدافئتين تنطق شوقا عرف كيف يرسمه لها .. و هو يلتقط كفّها الصغيرة في راحته الواسعة ..
- شحالج ..
.
.
( تخيليه نايف )
( تخيليه نايف )
( تخيليه نايف )
( تخيليه نايف )
كان صوتها يخترق ذهنها و هي تحاول تنفيذ هذه المهمة العسيرة .. مظهره و هو يضحك كاد يقتلها و قلبها يتوقف للحظات ..
بدا مختلفا .. أصغر سنا .. بلا تلك العقد في جبينه .. منطلقا ..!
كيف للمسة كهذه أن تحرق جلدها ..؟ كيف لكلمة لها أن تلقى ملايين المرات على مسامعها أن تزلزل كيانها فلا تغدو لها إجابة سوى اختلاج أنفاسها الخجلى ..؟
مئات المرات تبتلع ريقها .. لتجلي صوتها الذي يبدو أنها أضاعته ..
تخنق أنفاسها الملهوفة .. لا تريد أن يدرك شيئا من غباءها ..
قرعات قلبها المجنونة تكاد تهشم أضلعها .. حسنا حور .. ابقي هادئة .. ليس سوى ( نايف ) يمسك بيدك الآن .. يسألكِ عن حالك ،،
استعيدي رباطة جأشكِ .. ليس الأمر بالمستحيل ..
أطلقت نفسا قصيرا و هي تسدد نظرها لجبينه كي لا يبدو انها تخشى النظر إليه .. تحاول أن تشتت ذهنها بتخيّل صورة أحد إخوتها و صوتها الهادئ يجيبه ..
- بخير ربي يسلمك .. شحالك ..
نظرة خاطفة مختلفة برقت في عينيه آزرت شيئا من البرود داخلها و صوته يضطرب لبرهة قبل أن تغلفه الحرارة مجددا ليدير اصبعه في كفّها بنعومة عينه لا تفارق نظرتها الجامدة .. و كتفيها المتصلبين ..
- فنعمة يوم شفتج .. وين انتي .. من اسبوع عنج ..
أحنى رأسه لأذنها شعرت بأنفاسه الساخنة تلفح وجنتها حرارة .. و راح قلبها يضج بقوة .. و قدميها ترتجفان .. حين همس بصوت أجش ..
- اشتقتلج ..
سحبت نفسا عميقا .. مقاومة رغبة عارمة في إغماض عينيها و التراجع بعيدا عن متناول التشتت الذي يتركها في دوامته .. وجهه ظل موجها للأمام .. و أهدابها ترفض الخضوع للانطباق .. و هي تطبق فكّها بقوة قائلة بشيء من البرود لم تكن تريده أن يبدو جليّا هكذا ..كي لا يثير فضوله ..
- اشتاقت لك العافية ..
ثم رفعت بصرها إليه .. عينيها اللتان تتركزان على وجهه لم تكن تمعن النظر فيه .. و هي تقول بعمليّة ..
- بتتعشى هنيه ؟؟
.
.
شيء ما لم يرق له هنا .. ألا تبدو زوجته باردة هذا المساء ..
لماذا هذا الجمود .. ؟ رغم كل هذا نحر ابتسامة ساخرة على شفير الشفاه .. موقن بأنه سيذيب هذه الجليد في ثوانٍ ..
مد أصابعه الطويلة يلامس خدها الناعم .. و صوته المثقل بالشوق يداعب أذنها ..
- حوري .. بلاج ..؟
كانت دهشته حقيقية و هي تعقد جبينها بضيق .. و كأنما لا تطيق لمسته و هي تجيب باختصار ..
- سلامتك .. ما رديت .. بتتعشى هنيه ..؟
عقد جبينه هو الآخر و هو يقول بجديّة ..
- حور .. شفيج ..؟
رفعت عينها ببرود و هي تواجه .. و تعيد ما قالت ..
- قلت لك سلامتك .. بتتعشى هنيه و الا لا .. رد بسرعة .. بسير أعابل العشا ..
ما الخطب ..؟ ما الذي دهاها ..؟
رفع حاجبه ببرود ..
- لهالدرجة يهمج العشا ..؟
واجهته بنفس النبرة ..
- هيه .. هب انتو لي بتاكلونه ..
كاد يمد يده ليشد شعرها .. هل يخيّل اليه .. ام أنها تتعمد نبرو التحدي المبطنة .. استفزّه وجهها الهادئ .. كم رغب في إشعالها لهبا .. ليعلمها فقط كيف لها أن تواجه حرارة ما يغدق عليها من احساس ..
مد كفّه الكبيرة يمسك بجانب وجهها و هو يقول باختصار ..
- عليكم بالعافية .. انا بتعشى عند ابويه سيف ..هزت كتفها و هي تقول ببساطو ..
- برايك ..
ثم استدارت لتترك المكان وسط ذهوله .. قبل أن يتفوه بكلمة أخرى ..!
أ هذه حور ..؟ لا بالطبع .. ليست هي ..
هذه نسخة آلية .. لم يواجهها حتى في لحظات عدائها السابقة ..!
ضيّق عينيه بتفكير .. ما الذي تهدف اليه بهذا الاسلوب الجاف ..؟!
أ يعقل أن تكـ ...
لا .. بالطبع كلاّ .. أنّا لها أن تعلم ..
تلك الطفلة السخيفة .. لا بد أنها تعمد للعبة جديدة .. سيضطر لكبح جماحها مجددا ..!
.
.
كانت تقف بجانب الباب و هي تغمض عينيها بشدّة تحاول السيطرة على أنفاسها التي أطلقتها .. ما الذي دهاها لتعامله بهذا الجمود المريب ..؟ ليست هذه طريقتها مع أخوانها .. و لكن ..
كيف .. كيف لها أن تعامل هذا الرجل .. كأخوانها ..
يستحيل ذلك ..
انه .. مختلف ..
كل ما أدركته ان قلبها لم يهدأ حتى بعد ايضاحات وديمة .. لا زالت حفقاتها المجنونة تتردد في صدرها بصوت عالٍ حتى تكاد تصمّ اذنيها ..
- لملت ذكرى لقاء الأمس بالهدب و رحت أحضرها في الخافق التعب
أيدي تلوح من غيب و تغمرني بالدفء و الضوء بالأقمار بالشهب
ما للعصافبر تدنو ثم تسألني أهملت شعرك راحت عقدة القصب
رفوفها بريق في تلفتها تثير بي نحوها بعضا من العتب
حيرى أنا يا أنا و العين شاردة أبكي و أضحك في سري بلا سبب
كان هذا صوت دانة التي أسندت كوعها لرأس المكنسة في الزاوية و عيناها تتأملان حور .. صوتها النشاز يردد الأغنية باستمتاع و ابتسامة خبيثة لا تفارق شفتيها .. قبل أن تقول حور بغل .. و هي تزيح يدها عن صدرها ..
- لي يسمعج تغنين لفيروز .. بيقول عانس .. طافت الاربعين ..
لم تبالي بها دانة و هي تكمل دندنتها .. و تبدأ في الكنس برتابة .. صوتها يصل لحور التي تحرك تهرب من عينيها الثاقبتين ..
- أهواه من قال إني ما ابتسمت له دنا فعانقني شوق إلى الهرب
نسيت من يده أن أسترد يدي طال السلام و طالت رفت الهدب
حيرى أنا يا أنا أنهد متعبة خلف الستائر في إعياء مرتقب
أهوى الهوى يا هلا إن كان زائرنا يا عطر خيم على الشباك و انسكب
.
.
زفرت حور بضيق و هي تشعر بخفة في صدرها و طنين يتردد في أنها ..
سيلزمها الكثير لتفصل وهمها عن إحساس حقيقي قد يخالجها ..
الكثير من الوقت ..
الكثير من التفكير ..
و الكثير من الأنفاس التي قد تخنقها ..!
.
.
.
.
.
.
.
.
شكرتها فاطمة بحرارة ..
- ما قصرتي عفاري عبلت عليج .. لو قلتي ليه كان تلاقينا في السكـة ..
ابتسمت عفرا لها كن يقفن عن باب الصالة الداخلي .. بعد أن رفضت الدخول لعجلتها و هي ترد ..
- لا عبلتي و لا شي .. يا الله أنا أبطيت .. تبين شي ..
- سلامتج حبيبتي .. ردي السلام على البنات ..
استدارت عفرا حين رأتها تتحرك معها ..
- و الله ما تظهرين ... بسير اروحيه ..
- ع راحتج .. تصبحين ع خير ..
- و انتي من هله ..
استدارت عفرا و وضعت الغطاء على وجهها و هي تعبر الممر المؤدي إلى المجلس و الباب الخارجي .. كان تصميم بيتهم يقارب بيت أم سالم .. و لكن مساحة بيت بو نايف أكبر .. فهؤلاء لا يملكون حوشا .. مجرد فسحة ضيقة عند الجدار الذي يصل بينهما .. ما ان وصلت الممر حتى اصطدمت بذاك الجسد الطويل الذي كان يسده .. أرادت التراجع قبل أن ينتبه لها الرجل .. لكن سرعان ما التفت لها و هو يقول بصوته الثقيل ..
- هلا و الله ..
تعرفته عفرا فورا .. سالم الحقير ..!! ذاك الذي كان ينتهك حرمة جيرتهم لوقت طويل قبل أن يضع أبناء عمّها حدا لفجوره ..
توقفت في مكانها حين رأت أن لا فائدة من التراجع .. سيعود خلفها .. أوليس بيتهم ..؟
قالت بصوت بارد ..
- لو سمحت شوي أبا أخطف ..
رفع رأسه و هو يقول بنبرة مستهزئة ..
- انزين خطفي .. حد قابظنج ..
قالت بارتباك .. و هي تشعر بخطواته تتقدم نحوها ..
- خوز شوي .. ما تشوف انك ساد المكان ..
استند على الجدار مفسحا فرجة صغيرة للعبور .. عرفت عفرا أنه يمكن أن تتجاوزه دون الاصطدام به .. تحركت فورا لتعبر .. ما ان اقتربت منه حتى مد يده ليلمس ذراعها بوقاحه .. كان يعلم أنها احدى بنات حمد الذي اعتاد على مطاردتهن .. لا يمكن أن ينسى أجسادهن الذي اعتاد مراقبتها ..
و لا يمكن أن ينسى فعلة أقرباءهن الأوغاد .. شعر بالتشفي و هو يسمعها تشهق بقوة و تلتصق بالجدار قبل أن تقول بصوت مختنق ..
- شل ايدك يا حيوان ..
ابتسم دون أن يبالي بكلمتها .. و اقترب منها مانعا اياها من العبور مجددا ..
- ليش تسبين ..؟ قبل شوي كان خليتج تروحين بيتكم .. الحين .. لازم تعتذرين ..
رفعت رأسها و هي تقول باحتقار عميق ..
- تخسي أعتذر لك يا الكلب .. ها لي قاصر بعد .. خوز أخير لك .. و الا و الله أخبر أمك ..
شخر بسخرية أثارت اشمئزازها .. و هو يقول ..
- خوفتيني حبيبتي ..
دنا منها و هو يقول بخفوت ..
- ها لي رمتي عليه ..؟ ما شوفج مستقوية يوم عيال عمج هب هنيه يا الــ....
و تفوه بكلمة بذيئة جعلتها تشهق بصدمة قبل أن تقول بقسوة ..
- محد غيرك يا الحثالة .. و عيال عميه يسوونك و بيربونك .. و بيعلمونك مستواك ..
كان يشعر بالغيظ من ذكرها للأمر فقط .. شيء من الحقد عاد يتفجر داخله ..
قالت باحتقار ..
- خوز من طريقي يا الوصخ .. لو ما لحَّسوك عيال عميه القاع باكر ما كون بنت أبـ ..
قبل أن تتم عبارتها أطبقت يده الكبيرة على فمها تكتم أنفاسها و يده الأخرى تمسك بخصرها و هو يقترب من باب المجلس الذي لم يكن يبعد سوى خطوات ..راحت تنفلت منه و تجذب نفسها بقوة و هو يدفعها .. قدماها تتشبث بالأرض تأبى التقدم و هو يجذبها بوحشيّة .. كان كالمجنون و أنفاسها تتحشرج مكتومة .. حين فتح باب المجلس ذو النور المطفأ .. و ألقاها في الداخل قبل أن يوصده .. يقف بينها و بين الباب .. و قد سقط غطاء وجهها و هي تستعيد أنفاسها بجنون قبل أن تجري نحو الباب بقوة لتدفعه عن طريقها تنشد الخروج .. لم يكن الظلام يساعدها و هو يمسكها بقوة ليطرحها أرضا مجددا فلا تتوقف صرخاتها .. ثم تهب واقفة لتندفع نحو الباب مجددا فيمسكها من طرف ثوبها و يضمها بذراعيه بقوة محاولا كتم صوتها ..
تركل .. و تخدش .. و تلكم باستماتة .. و هي تصيح به ..
- ظهرنيييييييييييييييه يا الكللللللللللب .. وخرررررررر .. ظهرنييييييييييييييييييه ..
كانت تريد أن يصل صراخها لأحد ما .. لابد أن يساعد ضيق هذه البيوت على سماع الصوت .. و لكن الحقير ألجمها بلكمة على فكها طرحتها أرضا مجددا شعرت بلزوجة دافئة تتدفق من شفتاها و أنفها .. لم تبالي نهضت بجنون و الدموع تغشى بصرها ترا خياله في الظلام يدنو منها ..
عليها الهرب ..
عليها أن تجد سبيلا لذلك .. دفعته مجددا .. و كاد يسقط قبل ان يجذبها من شعرها .. و يلقيها أرضا ثم يلقي بثقل جسده عليها .. راحت تدفعه بيدها تحرك جسدها .. تحاول التزحزح .. عقلها يعمل بجنون .. و هي تخدش وجهه و تعظّه تحاول توجيه الضربات لظهره الثقيل .. و لوجهه ..
أنفاسه تلفح وجهها لتثير الغثيان في نفسها .. و هو يشتم بقسوة ..
- بس يا حيوااااانه ..
كل محاولاتها باءت بالفشل .. و هي تحاول منعه مما ينوي .. علمت أن لا طاقة لها أمامه قوته الرجولية و جسده الضخم الذي راح يضغط عليها .. لذلك بكت بقوة و هي تتوسله ..
- أرجوووووك .. لاااااااا .. الله يخلييييييييييك .. و الله آسفة .. و الله آسفة .. دخيييييييييييييييييلك .. أحب ريووووووولك لاااااااااااااااا ..
كانت تنشج و هي تتحرك فيما يحاول هو تثبيتها بقوة .. شهقاتها .. المتقطعة لم تؤثر فيه ..
- الله يخليييييك .. حرااااااااام عليييييييك .. لااااااااا .. ودرنيه .. يا ويييييييييلك من الله .. أحب ايدك .. لااااااااااااااا ..
بكت بشدة و راحت تصيح الآن تستنجد بصراخ .. حين أدركت أن توسلاتها لن توقفه ..
- ماااااااااااااااااااااااا رييييييييييييييييييييد .. ودرنيييييييييييييييييه يا الكلللللللللللللللللللللل للللب .. لاااااااااااااااا .. الله يلعنك لااااااااااا ..
وضع يده الثقيلة على فمها يخنق كلماتها .. شهقاتها .. صيحاتها ..
راح يخنق كل شيء جميل ..
يمزق كل ما في حياتها بفعلته الشنعاء و عينيها الواسعتين لا تتوقف عن البكاء ..
يهتك كل حلم .. كل أمل ..
يحرق كل ذرّة براءة في روحها ..
تلك التفاصيل الصغيرة التي تسكننا في مراهقتنا .. خيالاتنا التافهة .. اللذيذة .. التي تراودنا ..
داس عليها بقدمه القذرة بلا مبالاة ..
كل شيء .. كل شيء .. أحرقه .. و لم تطفئه دموعها .. و لم توقفه ضرباتها اليائسة ..
أنى لإنسان أن يفقد تفاصيل عمرٍ في برهة ..؟!
ماضٍ .. و حاضر ..
و كل ما هو آتٍ .. لم يعد سوى سواد لطّخ حياتها .. و هي تُنتَهك هنا بلا حيلة .. تحت وطأة هذا الدنيء ..
صرخاتها تخنق .. و أحلامها توأد ..
علمت في تلك اللحظات و هي تكابد ذاك اليأس الذي راح ينخر عظامها .. و الوهن الذي دب فيها ..
أن حياتها توقفت هنا ..
و أنه لا طرقات قد تخطوها بعد هذه ..
لا طرقات ..
سوى ما نشر فيها شوكٌ سيدمي أثرها .. و قلبها ..
و روح لم يتبقى منها سوى حطام .. !

* * * * *




لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 22-06-16, 09:01 PM   #24

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الخطـــــــــــــــوة الثانيـــــــــــــــــــ ة عشـــــــــــــــــــر .. }



[ خطوات أسمع صوت شيء تهشم تحتها ..! ]









- القهوة ما بتخليك ترقد ..
قالها مايد لأبوه بهدوء .. لكن سلطان لم يعبأ به ارتشف فنجانه باستمتاع قبل أن يمده لأم مايد مرة أخرى لتملأه الأخيرة ببساطة .. و هي تتابع حديثها لسلطان الذي استرخى على المتكأ و جلس بجانبه عبيد الذي تعلقت عيناه بجهاز الحاسوب المتنقل .. و ذهنه مشغول بما تقول أمه ،،
- يوم الخميس إن شا الله .. هو ولد غاية بنت محمد ..
ابتسم عبيد بهدوء و هو يقول لأمه بلطف ..
- اماااه فديتج الريال ينسبونه لأبوه هب لأمه ..
عقدت الأم جبينها و هي تنظر له من خلف البرقع بعينٍ ناقدة ..
- بلاها الأم ..؟ ما تبون تنسبون لها ..؟ لو هب بنت عرب ما خذها الريال و ياب عيال .. و ربتهم .. عدها هي لي تربي الرياييل و الا الابو شدراه .. لاهي يراكض يمين و يسار .. و الحريم يتعبل به و بعياله .. يحملن و يربن .. و يربن و يكبرن .. و أحين ما تبون تنسبون الا لبوكم .. شوه سوا ابوكم ..
اعتدل سلطان في جلسته و هو يقول مستنكرا ..
- أنا راعي معدِّية .. شوه سويت ؟؟! ما سويت شي ..! انتي لي اشتغلتي و يبتي .. انتي لي عيشتي عيال و كسيتيهم .. انتي لي دخلتيهم المدارس!!!!!.. اسميه صادق لي قال الحريم ما فيهن يماله .. امررررة انتن لو الواحد يركض ركيض لرضاكن و يراعيكن ليل و نهار .. ما بين في عينكن ..
لوحت أم مايد بيدها منكرة ذلك ..
- يبت ربيتين و حاسبتنا فيهن .. أول الواحد ما يسوي شي الا و حرمته تعاونه .. تحيد يا سلطان يوم عدنا في الغريبة و انت كل شهر مشرّق و مغرّب .. عيالك امنوه لي أكلهم و شرّبهم .. محد لهم الا أنا .. عيل يوم بيقولون مايد و الا عبيد .. شعنه بن سلطان .. لو ع الفلوس و العيشة أخير يغيرون .. المفروض يقال لهم عيال عذيجة ..
ضحك مايد و هو يلتفت لعبيد الذي يتابع النقاش بابتسامة ..
- يا خوك فتحت لهم باب ما بيصخّون ..
ضحك عبيد و هو يعيد عينه للجهاز ..
- تخيّل يزقرونيه في الجامعة عند الشباب .. عبيد عذيجة .. هههههههه .. قسم بالله فضيحة ..
- عبوووود يااا مسود الويه ..
كانت تلك كلمة أمه التي ألجمته و هو يلتفت لها و يشد نفسه ..
- يااااااااااا لبيييييييييييييييييه يا أم عبيد بن عذيجة .. يا شيختهم و تاج روسهم .. امررة باكر بحول الجنسية يغيرون اسميه في لايواز و يخلونه عبيد بن عذيجه ..
لوحت بيدها غاضبة ..
- لا تيلس تقردنيه .. هب عايبنك اسميه .. و فضيحة ..
أشر عبيد لنفسه منكرا ..
- أفاا .. منوه قال ..؟ أنا ..؟ منوه لي ما يعرف و لا عنده ذوق ما يبا يسمي عذيجة .. أسميييه ما يعرف من الزين شي .. عذيجة .. عذيجة يعني لي متفردة بالزين و الوصوف عن العرب يميع ،،
حرّك سلطان فنجان القهوة و هو يترنم قائلا ..
- عذيجة لو تدريـن مابـي مـن العـوق .. ولــو تعلمـيـن ابـحـالـة المستـهـامـي
يوم الخلـي نايـم وخالـي مـن الشـوق .. جـفـنـي عـلـيـه الـنــوم آزم حــرامــي
الدّمـع كالمـرزاب يدفـق مـن الـمـوق .. جـنّـي رضـيــعٍ فـــي بـدايــة فـطـامـي
أو كـالأسـيـر الـلّــي مـقـيّـد مــوثــوق .. او كالغريـج اللـي وسـط مـوج طامـي *
ضحك مايد بقوة ..
- ابويه فديت خشمك .. القصيدة ما تقول عذيجة لو تدرين مابي من العوق .. تقول فيها يا شوق لو تدرين ما بي من العوق ..
عقد أبوه جبينه ..
- شدرّاك ..
- أحيدك لول تقول يا شوق .. كيف غدت عذيجة الحين ..؟ هاي هب قصيدة الحصباة ..؟ هي .. انا متأكد .. حافظنها .. الحين قدام أمايا بتغير القصيدة .. أمااه شفيه يطرب لطاري شوق .. نحن ما نسمي شوق .. طاعي من وين لافي عليها هالشوق .. كاد ربج تكون من هاللبنانيات و الا ........
نهره سلطان و عينه على زوجته التي بدا أنها تنفث لهبا من الغضب ..
- مايد يا الهرم .. لا تخرب بيني و بين أمك يا صبي ..
رفعت عذيجة حاجبها و هي تنتزع فنجان القهوة بقوة من يد زوجها .. و تقول بنقمة ..
- شعنه تسكت الصبي .. خله يقول .. و الا متروع ..
- متروع من شوه يا حرمة .. أنا ما أتروع الا من ربي لي خلقنيه ..
- الله يعلم ..
- هيه الله يعلم .. بعد شوه .. بدسها شوق لو يبتاا .. بروغ المستأجرين و بحطها في الكراج .. و الا شعنه الكراج .. بحطها في حجرة وديمة بنتج .. عمتاا و أولى بها ..
ضربت عذيجة صدرها بحسرة ..
- وااا لعقتيه يا سلطاااان كانك صااادق .. - ثم نظرت له بشراسة - انته شيبة مخرف .. محد منهن تباك لا شوق و لا عوق ..
- عوذ بالله من العوق .. منوه لي قال شيبه .. عدنيه سباب .. و بييبها شوق و بتشوفين ..
ضحك مايد و عبيد و الأخير يقول ..
- أمييييه لا تصدقينه يباج تعصبين ..
لوحت أمه بيدها غاضبة و هي تتذمر بكلمات و أبوهم لا يلقي بالا لها .. يرتشف قهوته باستمتاع ..
هذه الجلسة الهادئة .. التي لا تخلو من مناوشاتٍ عدّة .. لها لذّة مختلفة .. لا يضاهيها شيء مطلقا ..

* * * * *

نظرة أخيرة على المرآة المعلقة لجدار مغسلة الحمام الخاص بالمجلس الذي يسكنه .. رنت على باله صورة مرآة غرفته الضخمة .. ابتسم بسخرية .. حجم جناحه هناك قد يفوق مساحة هذا البيت كلّه .. عدّل - غترته - الحمراء على رأسه و تأكد من استواء - العقال - ثم ألقى نظرة على ساعته ..
الثامنة و النصف ..
عليه الذهاب الآن .. تحرك متجها نحو الباب الخارجي .. بخطواته الواسعة .. و ذهنه يستعيد وجهها المتصلب ..
و صوتها الجاف .. ما الأمر .. أ تتدلل كما تفعل النساء ..؟ هه .. فلتفعل ما تريد .. لا يهمه .. كل ما يبغيه أن تكون اكثر من راضيّة حتى يحصل عليها .. الغريب هو ذاك الضيق الذي يكتنف صدره مذ لمس جفاءها في تلك اللحظات .. شعور بالاستياء جعله راغبا في الدخول و جرّها للخارج كي يسألها سبب هذا البرود الكريه ..
خرج من الباب و هو يضغط على زر فتح الأبواب الأوتاماتيكي من بعيد لتومض أنوار السيارة معلنة الاستجابة .. خطوتين و هو يدنو من سيارته قبل أن يتجمد في مكانه ..
الضجّة المعتادة لهذه الحارة الضيقة ببيوتها المتقاربة .. أبواق السيارات و أصوات حركتها القادمة من الشارع العام القريب .. صرخات الاطفال من شتى الأماكن .. و أنفاس الليل الخريفي الذي راح يدحرج أمامه وريقاتٍ يابسة تساقطت من شجرة عجوز .. انحنت بتعب أمام البيت المجاور ..
كل هذا .. لم يمنع ذاك الصوت من التسلل لأذنه .. أرهف السمع أكثر .. و عيناه تتحركان بسرعة في الشارع أمامه .. شعور بارد سرى على طول ظهره الذي تصلّب في وقفته .. وقشعريره تدفقت في جسده ..
صوت ونين خافت امتزج ببكاء ضعيف كان يصله بوضوح .. استدار حول نفسه ليلقي نظرة إلى الخلف ..
فورا سقطت نظرته على الزقاق الداكن .. و ظلال جسد تكوم فيه .. ضيّق عينيه ..
ماذا ..؟ حيوان ..؟ يستحيل ذلك .. سمكنه أن يميز خطوط ذاك الجسد البشري .. لبرهة أبت قدماه التقدم .. لا يدري لما منعه شعور ما من اكتشاف من يختفي في الزقاق .. نحى تلك الرغبة التافهة جانبا .. و هو يتقدم ببطء نحو مصدر الونين ..
كان الزقاق أمامه ضيّقا للغاية .. يفصل بيتين متجاورين و يصل بين هذه الحارة و الحارة الأخرى .. أضواء البيوت الخافتة تلقي ظلالا من الضوء عليه ..
هاهو يدنو الآن يقترب من فوهة الزقاق .. و عيناه تضيقان في محاولة تبيّن هذا المخلوق المكون .. ما ان أصبحت تفصله بينهم خطوات .. حتى اتسعت عيناه بصدمة .. كانت شابة تجلس بطريقة ملتوية غريبة و هي تضم نفسها بقوة .. تشعث شعرها الطويل حول جسدها الذي راح يرتجف بشدّة .. و صوت أنينها أصبح مسموعا حين اقترب .. اقشعر بدنه لنواحها الغريب .. بدت متوجعة .. أو ممزقة لا يدري ..
شعر بقدماه تتصلب على بعد ألم منها .. كأنها تئن و هي تصرّ على أسنانها ..
فخرج بكائها مفجعا .. الغريب أن الثوب بدا له مألوفا .. و هذا الطول الذي تبين رغم وضعية القعود المخيفة التي اتخذتها في التواء .. يعقد جبينه محاولا تعرفها ..
لكن وجهها كان يختفي تحت ستار شعرها المبعثر الثقيل ..
هناك شكٌّ أخافه .. ماذا لو كانت هذه إحداهن ..! قد أمضى أشهرا هنا .. خالطهن بما يكفي لتعرفهن في أي مكان ..
هل يعقل ..؟ لا .. لا يمكـ ...
حاجبيه معقودين و صوته بدا متشككا و هو يسأل من مكانه الذي وقف فيه ..
- نــــــــورة ..؟
انتفض جسد الشابة بقوة .. و كأنما لم تشعر بدنوه الا للتو .. لترفع رأسها نحوه و تطلق عويلا قبض قلبه بقوة ..
اتسعت عيناه و هو يرى تلك الظلال الداكنة التي انسكبت على وجهها ..
هذا الوجه حتما لإحداهن .. لا يمكن أن تكون أكثر شبها من زوجته ..
وجد يده تنتزع - الغترة - بقوة من على رأسه دون أن يبالي بالعقال الذي سقط أرضا .. يفردها في حركة واحدة ليلقيها على رأسها و وجهها .. لا زال عوزيلها العالي يشق الهواء ..
لحظات فقط و سيجتمع أهالي هذه الحارة ليروا هذا المنظر.. لن ينتظر حتى يحدث هذا .. تأكد من تغطيتها و هو يجثو نحوها ..
- نورة ..؟ نورة .. نشي .. خلينا نحدر البيت ..
لكنها لم تفعل .. كل ما فعلته هو أن تعوي بأعلى صوتها و تتلوي بقوة تحت ناظريه حتى كادت الغترة أن تسقط عنها ..تصيح بكلماتٍ مبعثرة غير مفهومة و هي تهوي بيدها في كل اتجاه و كأنما تريد النيل منه .. تلتقط حفنة من التراب لترميها في وجهه القريب ..
- يااااااا الكلللللللللب .. حيواااااااااااااااااااااا ن .. لاااااااااااااااااااا ياااااااااا كلللللللللللللللب .. لاااااااااااااااا تلمسنييييييي .. لاااااااا دخيييييييلك .. حرااااااااااااااااام ..
أعمت عيناه التربة .. كما أعمت ذهنه الصرخات .. لم يستطع التفكير بأي سبب قد يدفع ابنة عمه للجلوس بلا غطاء و البكاء بهذا الشكل المفزع في الزقاق .. سمع أصواتا تأتي من - حوش - البيت المجاور .. و علم أنها لحظات فقط قبل أن يتجمهر الناس حولهما .. لم يعد أمامه سوى جرها بقوة .. و لكنها كانت عنيفة .. تلتصق بالأرض رافضة الحراك .. قبل أن يلتقطها و يرفعها بين ذراعيه في حركة سريعة .. ليقطع الزقاق و يدلف باب البيت القريب .. و يغلقه خلفه بركله من قدمه .. سارع يقطع الممر الفاصل بين المجلس و الحوش ..
تتلوى بين ذراعيه بعنف .. قبضتها ترتطم بصدره و وجهه قبل أن يتجاوز الباب ينزلها أرضا ..
هذه الفتاة ليست في وعيها ..!!
أشاح بوجهه عنها .. صرخاتها و عويلها المتتالي تلك الكلمات المبعثرة التي بلا معنى .. لم يفهم شيء ..تقدم نحو باب الصالة ليقف على بعد خطوات قبل أن ليهتف مناديا بقلق ..
- حووووووووور ..
الحقيقة أن قلبه كان يخفق بعنف .. و شعور بالاستياء يجتاحه .. و هو ينتظر ظهورها .. صرخات أختها تأتي من خلفه و هي تجثو على الأرض .. لحظيتن مرت دون ظهورها .. لحظتين أفقدته صبره ليصرخ بغضب ..
- حوووووووووور ..
و على آخر صرخته خرجت مندفعة من الباب .. و هي ترفع غطاءها على شعرها بخوف .. لم تتفوه بكلمة و عيناها تصطدمان بجسده العريض الواقف أمام باب الصالة مباشرة .. قبل أن تسأله عن الخطب كشف صمته عن ذاك الصوت المريع ...
.
.
للبرهة فقط ظنت أنها تتوهم الصوت و عينيها تتسعان بغباء محاولة ربط الصوت مع أي شيء قد يصدر عنه .. هذا قبل أن يتنحى بجسده العريض جانبا .. كاشفا عن تلك الملقاة أرضا على وجهها .. و نحيبها المكتوم لا ينقطع .. تيبست في مكانها لبرهة و هي تتأمل الثوب المعروف لعفرا .. و قد غطت شعرها و وجهها بغترة حمراء .. و بدت أطراف شعرها الطويل تتناثر حولها .. وضعت يدها على فمها .. قبل أن تجري نحوها دون أن تبالي بضخامة غيث الذي دفعته جانبا بفزع .. قبل أن تبلغها .. و هي تصيح ..
- عفرااا .. عفرااا .. بسم الله عليج .. عفرااا .. بلاااااج
قلبها الجزع راح يخفق بجنون .. عفرا تتشبث بها و وتيرة بكاءها تزداد بجنون .. راحت الدموع تملأمقلتها .. و هي تلتفت لغيث صارخة ..
- شفيهاااا ..؟؟؟!!! شوه سويييت بها ..؟؟!
اتسعت عيناه بصدمة .. قبل أن يصر على أسنانه بقوة و هو يكبح غيضه ..
- ما سويت بها شي .. لقيتهاا بلا شيلة تصيح في السكة ..
تدلى فك حور المذهولة .. و غيث يتجاوزها خارجا من الحوش متوجها للمجلس .. ليترك لها مجالا كي تتصرف مع أختها و بكاءها المجنون ..!
في اللحظة التي خرج غيث فيها من الحوش .. انتزعت حور الغترة و أبعدتها عن وجه عفرا .. قبل أن تطلق صرخة قصيرة مذعورة ..
- نوووووووراااااااااااااااا ه .. داااااااااااااااااااااااا نة ..
كان الدم يغطي وجه عفرا .. فمها .. أنفها .. لونه الأحمر القاني اختلط بدموعها الغزيرة و صوت بكاءها المخيف تردد في أذن حور التي كانت تضمها بقوة حين تشبثت بها عفرا و هي تبكي بصوت عالي ..
- الكلللللللب .. الكلللللللللب .. ليييييييييييييييييش .. يا حيوااااااااااااااااااااان ..
خرجت نورة و دانة معا و الخوف جلي على وجوههن .. نورة تضع يدها على صدرها ..
- بسم الله بلاج انتي و ريلج تصارخون ..؟
صاحت بها حور و دموعها تبلل خدها على منظر أختها المفجع ..
- ذلفي هاتي ماي بسرعااااااااااااااااه ..
تقدمت نورة للأمام مأخوذة بما ترى و وجهها يسود بصدمة ..
- عــ .. عفاار..ي ..
صاحت حور بقوة ..
- هااااااااااتي مااااااااااااااااي ..
أخرجتها حور من صدمتها لتستدير راكضة للمطبخ .. دانة المتجمدة و يدها تشد على صدرها بفزع .. قبل أن تتعثر بخطواتها للأمام .. و تمسك بيد عفرا ..
- عفرا .. حبيبي .. عفاري .. شوه بلاهاا حور .. شوه استوى عليها ..
انهمرت دموع حور و صوت بكاء عفرا يخف وتيرته بيأس مرير و الأولى تهمس بخوف ..
- ماا دري .. ماا دري ..! يا ربييي .. عفاري .. بس حبيبتي ..
وضعت دانة يدها على فمها و هي تقول بألم محاولة منع نفسها عن البكاء ..
- حوووور .. في ويهها دم .. يمكن طاحت ..؟
ضمتها حور أكثر و هي تسمعها تئن بشيء ما ..
- مادري .. - ثم صاحت بقوة - نوووووراااااااااه ..
مع صرختها خرجت نورة تحمل كوبا كبيرا به ماء لتدنو به من حور التي تحاول جاهدة تهدئة عفرا .. عفرا التي تدفن وجهها الملطخ بالدماء في صدر حور التي كانت تهزّها بصبرو عبراتها لا تتوقف ..
- بس فديتج .. بس .. عفاري .. تعوذي من ابليس .. بسم الله .. شوه استوا عليج ..؟!
و أبعدتها قليلا تلتقط كوب الماء لتدنيه من شفتها .. لكن عفرالم تشرب الماء .. كانت تنشج بصوت يائس غريب مع ظهور مزنة و هند اللتان وقفن بباب الصالة و نايف الذي اندفع من الداخل نحوهن .. عفرا تخفي وجهها في صدر حور ..و صوت متقطع مفزع يصدر عنها و هي تقول بنوح ..
- أ .. أأنااا .. أصااارخ .. و انتوو ما تسمعووووني .. ليييييييش .. ما سمعتووووني .. آآآآآآآآآآه ..
.
.
كانت تشعر بيدي حور تضمها بشدة الآن .. و ألم رهيب راح يعتصر رأسها .. و روحها .. تريد أن تبكي حتى تموت ..
حتى تفنى .. لقد كُسِرَ كل شيء .. كل شيء ..
اليأس ينتشر في دمها و هي تشعر بأن صوتها يخمد .. و أطرافها ترتخي .. رأسها يسند بثقل على صدر أختها .. و كلماتها الذي يفترض بان تهدئها .. تذبحها ..
كيف لهم أن يتحلّقوا حولها هكذا و قد نحر شرفها للتو .. بعثرت أنوثتها .. كل ما قد يحمله المستقبل من لونٍ وردّي استحال لظلمة أفزعتها .. وبرد ارتعشت له أوصالها .. الآن .. و هي تبكي هنا بلا حيله ..
تسقط أوجاعها دمعا بمرارة و يأس .. بدت أيامها القادمة خاوية .. و بلا معنى ..
كل شيء ذهب أدراج الرياح ..
لا حيلة بيدها سوى أن تبكي نفسها .. و كل أسود قادم في أيامها ..
شعرت بحرقة في جوفها .. أطلقتها بنواح ممزق .. و هي ترتخي ..
إذا ما لم يكن هذا هو الموت ..؟! فكيف بالأمر إذا ..؟!
.
.
.
ليه تضميني لصدرك ..؟
ليه بس لوثتي طهرك ..؟
شلّي ايدك عن كياني ..
ودي لوحدي أعاني ..
بعد هالليلة خلاص ..
ماني من يرفع الراس ..
ماني من به شد ظهرك ..
أنا طفلة ..
انسرق لون البراءة من دمي ..
و عافت الضحكات رسمة مبسمي ..
دمعي ينحدر ألماس ..
أصيح بعالي الأنفاس ..
دنسني حقير الساس ..
.
.
منهو انتي ..؟
روح تسكِّت ونتي بصوت هادي ..
خارج المأساة تسكن ..
شايفة هالوضع عادي ..!


وين كنتي ..؟!
حين داسو على حلمي بالقدم ..
هدموه .. و بعثروه .. و احرقوا كل اللي باقي ..
بلا ندم ..
على حالي ..
يوم أنا بحرقة أنادي ..


ما عرفتي ..؟
انكسر فيني أمل ..
وطّوا راسي في الرمل ..
معاد ينشي الروح مني ..
غير حسرة استبدت في فوادي ..
و عين يسكنها سهادي ..
بعثرت أحلامي غلطة ..
و شتتني .. ضيعتني ..
كل ذرة من شموخي ..
أصبحت تسكن في وادي ..!


ما سمعتي ..؟
بعضهم قالوا علي إني نكرة ..!!
إني وصخة ..
إني ما أسوى حتى نظرة ..!
و سدت الحلق عبرة ..
الكل لي أصبح معادي ..
و أنا تذبحني حسرة ..
وينهم يومي أنادي ..؟
ليه ما فزعوا لي مرّة ..؟
يوم لطخ طيب ذكري بالسوادي ..؟


ما فهمتي ..؟
شلّي ايدك عن كياني ..
ودي لوحدي أعاني ..
ودي أنسى هاللي صار ..
أبا أتخذ هذا القرار ..
و أحققه بكل بعنادي ..
ودي أرحل عن زماني ..
بحمل على ظهري عار ..
و في دمعتي حرقة و نار ..
و إذا فعلي هو أناني ..
ما يهم ..
أبا أنتفض من هالدمار ..
أجمع حطام حلمي
و الأماني ..
و أبني بيت ..
أسكن بوسطه لحالي ..
حتى لو لونه رمادي ..
خلوا حزني يغدي دار ..
موجعي شبك النوافذ .. و الألم أصبح جدار ..
مدمعي شربة شفاهي .. و الجرح لي باب جار ..
خلو مأساتي الوسادة ..
و حلمي الميت مهادي ..
.
.
ليه تضميني لصدرك ..؟
ليه بس لوثتي طهرك ..؟
شلّي ايدك عن كياني ..
ودي لوحدي أعاني ..
بعد هالليلة خلاص ..
ماني من يرفع الراس ..
ماني من به شد ظهرك ..
أنا طفلة ..
انسرق لون البراءة من دمي ..
و عافت الضحكات رسمة مبسمي ..
دمعي ينحدر ألماس ..
أصيح بعالي الأنفاس ..
دنسني حقير الساس ..**

* * * * *

- هالصريخ من بيت بو نايف ..؟
قالتها أمها و هي تتكئ بتعب على مخدتها الثقيلة .. حين رأت جبين ابنتها بنعقد في قلق قبل أن تجيب بتوتر ..
- هيه و الله .. هذا صوت حور .. بلاهن ..؟
همست أمها بتعب ..
- تزاقر على خواتاا .. يمكن بعيدة عنهن ..
لم تجبها فاطمة و جبينها لا يزال معقودا .. قبل أن تنهض من مكانها بسرعة و هي تستأذن أمها ..
- أنا بفر حصا ع دريشة مطبخهم أشوف شوه السالفة ..
لوحت أمها بيدها ..
- سيري وايقي في الميلس اول شوفي خوج راقد هناك.. الهرم من ظهر أمس ما شفناه .. مادري متى بينصلح حاله ..
لوحت فاطمة بيدها يائسة ..
- ما بينصلح حاله هالتعبان .. الله يكفينا شرّه بس و بلاويه ..
ثم تركت غرفة امها متوجهة للمجلس الذي يقع عند الباب الخارجي مباشرة ..
فكرت بانه لا داعي لهذا القلق الذي راح يكتنف صدرها على حور .. بدايةً كانت صيحة رجل مفزعة تنادي باسمها .. ثم صوتها تصيح بأخواتها و كانها تستغيث ..!
رأت نافذة المجلس المظلمة .. لا بد أنه هنا عديم النفع ..!
دفعت الباب بقوة لا مبالية .. و أضاءت الأنوار .. أول شيء ادركته أن جهاز التكييف لا يعمل .. أدارت عينها في المجلس الصغير .. بسرعة .. خالٍ ..
لكن ..
عادت تنظر لذاك الشيء الملقى أرضا .. لتتسع عيناها بشدّة .. دنت منه ببطء .. لتمد يدها و تلتقطه من الأرض ..
كان غطاء الصلاة الخاص بعفرا مرميا هنا .. نظر حولها مجددا .. قبل أن تصطدم عيناها مجددا بقطع مشبك كبير انكسر الى نصفين ..
تقف مكانها و هي تنقل النظر بين الغطاء و المشبك ..
لا شيء .. لا شيء أبدا قد يخطر لها و يفسر وجودها هنا ..! ما الذي قـ ....
التفتت بقوة حين شعرت بحركة عند الباب .. تقبضت يداها على الغطاء بقوة حين رأته يقف أمامها .. و قد بدا الاضطراب على وجهه لبرهة .. لم تستوعب ما الذي يفعله أخاها هنا ..
- سالم ..؟
لم يرد عليها .. ضيّق عيناه على ما تمسك بيدها قبل ان يرفعها لوجهها الحذر و هي تقول ..
- متى ييت ..؟
توترت شفتيه قبل أن يقول بقسوة ..
- تونيه .. شوه تسوين في الميلس ..؟
رفعت حاجبها بهدوء و ترد ..
- أدور عليك ..
أشاح بوجهه عنها و هو يقول ..
- ذلفي سوي قهوة بييني ريال الحين ..
لم تتحرك من مكانها .. هناك وميض في ذهنها راح يدور ببطء .. لا تعرف لما تريد الوقوف هنا حتى توضح أمر ما ..
ما هو ..؟!
لا علم لها ..! فقط .. ماذا يفعل غطاء عفرا و مشبكها المكسور في مجلسهم يا ترى ..؟!
لما هذا التعبير الذي كسا وجه أخيها للمرة الأولى تراه .. شيء يشبه الارتباك ..؟!
- انتي بتتحركين و الا شوه ..؟؟؟؟
ضرخ بها فجأة لتنتفض في مكانها بذعر .. قبل أن تندفع بسرعة .. تتجاوزه لتتوجه خلف البيت مباشرة ..
.
.
وضعت الغطاء و المشبك جانبا .. و التقطت بعض الحجارة لترميها على نافذة مطبخهم ..
مرة ..
مرتين ..
راحت ترمي الحجارة واحدة تلو الأخرى دون فائدة ..
لا أحد يجيب ..
حين يأست تركت الحصى الأخيرة تسقط من يدها التي ارتفعت لتضغط على قلبها بقوة ..
ضيق مقيت اعتصر قلبها و عيناها تتأملان الغطاء مجددا ..
ما الذي حدث يا ترى ..؟!

* * * * *

في اللحظة التي أوقف سيارته في الباحة الأمامية العملاقة للمنزل الكبير بجانب جمع السيارات الغفير .. علم أنهم في انتظاره .. الجميع هنا .. و تأخر هو عن تأخيره المعتاد .. هاتفيه المتحركين لا يكفّان عن الرنين .. و هو جالس بتصلب في مقعده .. قبضته تعتصر المقود المكسود بالجلد الدافئ .. و هو يسحب أنفاسا عميقة متعاقبة ..
منظرها .. بكاءها .. و تلك الكلمات المبعثرة .. تعاد مرارا في ذهنه ..
انكسارها ذاك و بكاءها .. أعاده لما يعيشه حين تغفو الشمس .. و يسدل الليل أجفانه .. حين ينأى كل واحد ممن حوله بعيدا .. ليجد نفسه وحيدا ..
يغالب كل ما يغزو ظلمات ذاته .. و مرقده .. أغمض عينيه بهدوء و هو يعيد رأسه للخلف ..
صور متقطعه .. بلا ألوان .. تغشى ناظريه ..
صيحات مفزعة .. و ضجّة ... و إحساس يألفه .. ذاك الهواء الذي لا يصل لرئتيه ..
راح يعب الهواء بقوة .. و ضيق غريب يكتسح صدره .. لطالما انتشله من سواد تلك الرؤى إختناق ..!
عاد هاتفه يهتز بجنون مرّة أخرى .. ألقى نظرة غير عابئة به .. قبل أن يستوقه الرقم الذي تألق على شاشته ..
هذا هو الشخص الوحيد الذي لن يتجاهله ..
أبدا ..
التقط الهاتف يرد عليه بحركة سريعة ..
- مرحبا ..
صوته القوي الهادئ يتدفق من سماعة لأذنيه .. يسري في عروقه ممتزجا باحساس مريح بالأمان و الطمأنينة رغم كلماته المختصرة ..
- وين انته ..؟
أغمض عينيه و هو يزفر مطولا قبل أن يرد بهدوء ..
- عند الباب ..
صمت ساد لبرهة قبل أن يأتي الصوت أكثر خشونة بقلق ..
- رب ما شر ..
ابتسامة غريبة اعتلت شفتيه .. للحظة شعر بأنه عاد طفلا في كنف ذاك الكبير .. يفزعه .. و يقلق عليه ..
- و لا شر .. الحين حادر ..
أنهى المكالمة دون أي كلمة أخرى .. و دون أي مجال للعودة إلى تخبط الأفكار .. فتح باب سيارته يترجل منها .. ما ان أغلقها .. حتى رفع حاجبه ببرود عندما وقعت عيناه على السيارة التي دلفت البوابة الكبيرة للتو ..
يبدو أنه ليس الوحيد المتاخر هنا ..!
انتظر أن يركنها في مكان قريب قبل أن يترجل راكبها .. و يتوقف أمام الباب لبرهة .. يصفق باب السيارة و يغلقها .. ثم يتوجه نحو غيث يخطوات واسعة ..
- السلام عليكم ..
رد غيث بصوتٍ ثلجي ..
- و عليكم السلام و الرحمه .. تو الناس ..
سلّم عليه بحرارة قبل أن يقول ..
- من المغرب و أنا هنيه رديت البيت أييب أوراق و أيي .. شحالك ..
تنهد غيث و هو يرخي عضلاته المشدودة .. لا يدري لما تمنى أن يكون حامد متخلفا كعادته .. ليستمتع بتأديبه فيفرغ شيئا من هذه الطاقة السلبية التي راحت تتوزع في أطرافه ..
- الحمد الله .. انته شحالك .. علوم الدوام ..
تقدما يمشيان سويا باتجاه المجالس التي تقع منفصله عن المنزل الرئيسي .. و حامد يلعب بمفاتيح سيارته مجيبا بهدوء ..
- يسرك الحال ،، كل شي طيب .. شهرين و بيردون فهد للادارة التنفيذية ..
عقد غيث جبينه و هو يقول باحتقار عميق ..
- ما يستاهل يرد .. لو منهم خليته مفرور في المخازن الين ما يموت ..
هز حامد كتفيه بلا مبالاة ..
- عميه أحمد ما بيطيع يخليه اهناك .. و لو انه وقف وياك يوم بغا يضيّع الهرم المناقصة ربك ستر .. المهم يوم بيرد .. أرد الدائرة القانونية .. و الا أتم في التنفيذ ..؟؟!
تنهد غيث ..و الضيق ذاك لا يتزحزح ثقله عن صدره ..
- أباك تيي عنديه .. بس فنفس الوقت أبا العين على فهد لا يتدخل شرا المرة لي طافت و يخرب عليّه .. ما عليه .. عقب شهرين .. يصير خير ..
كانا قد بلغا المجالس .. راح حامد يمرر يده على غترته متأكدا من وضعها .. تنهد غيث و هو يتذكر غترته التي تركها على عفرا و ارتدى غيرها ..
قطع ممر قصير يتفرق لمجموعة من الحمامات و يقود طريق آخر منه لأربعة مجالس ضخمة .. اقتربا من أدناها بصمت .. دلفا من باب المجلس الذي فتح على اتساعه لتجتاحهم موجة من الأصوات الرجولية الغليظة و الاحاديث المتفرّقة .. ليسلم غيث بصوتٍ جهوري استدارت له رؤوس الحاضري ن..
- السلام عليكم و الرحمه ..
كان المجلس مكتظا بالرجال .. فالعشاء الذي يعدّه جدّه بمناسبة انتهائهم من مشروع ما لم يتذكره ذهنه المزدحم ما هيته ..
الأصوات الغفيرة التي ردّت السلام و راحت ترحب به زادت من صداعه و عينه تتعلق لثانية بعين جدّه الذي نظر له مباشرة من صدر المجلس بعين ثاقبة و كأنما يريد اختراق غياهب روحه ليستشف الشيء الذي زعزع ثباته و لو قليلا ..
تحرك غيث بهدوء يسلّم على الحضور واحدا تلو الآخر .. فيما تجاوز حامد من رآهم و توجه للذين لم يلتقيهم بعد ..
معضم هؤلاء لا يعرفهم رغم التقاءه بهم في عدّة مناسبات .. يسلم عليهم واحدا تلو الآخر .. وجوه متتالية عدة لم يستوقفه أيٌّ منها .. سوى .......
الصوت الأثير الذي تسلل لأذنه و هو يسلم بعمى على ذاك الرجل ..
- حييّه بو سيف ..
انتصبت عينا غيث عليه و هو يبتسم بدهشة ..
- و به حي .. مرحب ..
و سلّم عليه بحرارة ..
- قلت ما بتيي ..؟؟!!
ردّ نهيان ابتسامته بهدوء ..
- تعشيت ويا الأهل و ترخصت منهم .. يسلمون عليك ..
شد غيث على يده ..
- الله يسلمك و يسلمهم .. سلّمت على بويه سيف ..؟!
هز نهيان رأسه ..
- هو لي قرب بيه .. يتخبر عنهم ..
كلمات مختصرة قبل أن يفلته غيث و يواصل الدوران على الموجودين .. ما أن بلغ فهد الذي توسط بو غيث و سيف .. حتى شد على كفّه و هو يسلم .. شعر بأنه على وشك أن يسحقها .. و نظرة فهد الباردة تخفي حقدا دفينا ..
لا يرتاح له .. و لا يحبه ..
أفلته .. ليسلم على البقية .. و لم تخفى عليه نظرة سيف المستاءة و هو يتأملهما .. لطالما سعى سيف جاهدا للاصلاح بينهما .. لكن يستحيل ذلك .. كيف له أن يدفعهما لتقبل أحدهما الآخر .. أو ايثار السلام ...؟!
احتضنت يد جده كفّه القوية يده و هو يشد عليها .. شعر بوخزة في صدره .. شعر بامتنان عميق و نظرة جده المتفحصة تمسح تعابيره ببطء ،،
قلق عليه ،،
دوما سيعود ذاك الطفل الذي كبر في كفنه .. و الذي زرع في داخله كل مبادئه .. قيمه .. سيعه الحثيث لرزقه ..
الرجل الوحيد الذي ارتشف من راحتيه معاني القوة ..و القسوة و الجفاء ..
هذا الكبير هو الذي ربّاه .. و ضمّه تحت جانحه .. أعاد له الأمان حين ضيّعه في غفلة عن الآخرين ..
بعدها تعلم أن يدرج كل طيف لمشاعرٍ واهية في طيّات نفسه .. خفيّة عن أي يدٍ قد تمد لتقتلعها من جذورها ..
أي لين قد يؤدي لدهسه تحت الأقدام ،، أدرك أن لا أمان له .. عليه أن لا يري الآخرين أنه قابل للكسر ..
.
.
هذه المشاعر المتضاربة ..
دفق من الأحاسيس المضطربة .. الغابرة ..
التي يستيقظ كل صباح فيدثرها في نفسه .. يجد فرجا كي ينفس عنها ..
هذا الضيق الذي يكتنف صدره ..
ما الذي دفع بزخم كل هذا للمقدمة ..؟!
بكاء تلك الشابة ..؟! انكسارها أمام عينيه ..
لوعتها التي لمسها في عويلها .. نبش فزع عايشه ذات عمر ..؟!
هز رأسه لجدّه بابتسامة واثقة .. و هو يغلّف أحاسيس عينيه ببرود ..
ليس عليه أن ينثر كل غباءه هنا .. حين يختلي بنفسه سيجد تفسيرا لكل هذا ..
كل ما في الأمر أنه شعر بحاجة ماسة تحثّه على رؤية جدته ..
يريد أن يرفل لثانية في عطاء تلك الأم ..
يعلم أنه سيجد الاستقرار بعدها في تلك الليلة ..

* * * * *

كان يقف أمامه مباشرة .. يعلم أن أبناء هذا الرجل يهابونه .. يطيعونه .. و لا يمكن لأحدهم أن يخرج عن أمره ..
فعلها أحدهم ذات يوم .. و نفي لمرابع الهجران .. حتى رحل ..
وجهه القوي .. نظراته الثاقبة .. تلك الحيوية التي تتدفق من عينيه لا يتمتع بها من هم يصغرونه جيلا .. رغم ذلك لم يرهبه ذلك .. كلن يهاب جده و يحترمه .. و لكن حين تكون ممسكا بحقٍّ بين يديك .. تريد ايضاحه .. لا شيء أبدا قد يجبرك على التراجع .. لذلك لم يكن ينتظر سوى سؤال جده الصارم و هو يقول ..
- رب ما شر يا بو هناد .. شوه الموضوع لي تبانيه فيه ؟؟
ثم رفع عينه للساعة المعلقة على الجدار .. xxxxبها تجاوزت الثانية عشر بعد منتصف الليل .. كان العشاء قد انتهى .. و ذهب المدعوون منذ ما يقارب الساعتين فلم يتبقى سوى أفراد العائلة منهم من مضى لبيته و منهم من دخل لرؤية أم علي و وجد هو فرصة للحديث مع جده جانبا ..
أزاح سيف غترته عن رأسه و هو هو يحك لحيته بيده الأخرى قبل أن يقول بهدوءه المريح ..
- و لا شر يا بويه .. أبا أرمسك في شي .. و أنبهك عليه ..
استرخى الجد و عيناه تتأملان هيئة سيف المسالمة ..
- لي هو ..؟
سحب نفسا عميقا قبل أن ينظر لجده و يقول بصوت وقور ..
- ما تلاحظ يا بويه انك تبد غيث على عيالك و على باقي عيال عيالك ..؟
صمت ساد المكان لأنفاس .. و سيف ينظر لجدّه الذي راح يرد نظرته بقوة لم تزعزع ثبات ذاك .. قبل ان يرفع الجد حاجبه ببرود ..
- غيثر أنا لي مربنه .. عادنه ولديه هب ولد ولديه .. و غيث أكبركم .. و عونيه ..
هز سيف رأسه بثبات دون أن يتراجع ..
- كل هذا على العين و الراس .. لكن اتم مفرق امبينا .. تبد غيث علينا .. و تميزه .. و هالشي ما ايوز بارك الله فيك ..
لم يرف للجد جفن و هو يعقد ذراعيه ..و يقول ببرود ..
- شوه لي ما ايوز ..؟
قال سيف بقوة ..
- ما يوز تفرق بين عيالك ..الرسول عليه الصلاة و السلام نهى عن هالشي .. واحد من صحابة الرسول هو النعمان بن بشير رضي الله عنهما يقول : تصدق علي أبي ببعض ماله . فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أفعلت بولدك هذا كلهم ؟ ) قال : لا . قال ( اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ) . فرجع أبي . فرد تلك الصدقة ***..!!
عقد جبينه و هو ينحني للأمام و يمد راحتيه و كأنما يفرد الفكرة أمامه و صوته لا زال هادئا ..
- و انته يا بويه الله يهديك .. تفرق امبينا و معطي غيث الخيط و المخيط ،، التمييز لي انته تسويه و محاباة غيث من بدنا ما تسوي الا البغظ .. الشيطان بيدخل بيننا و نحن نشوفك تخصه عنا ..! الشيطان لي دخل بين يوسف و أخوانه .. و فرق امبينهم .. يوم ربي يقص قصتهم في كتابه العزيز .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ،، بسم الله الرحمن الرحيم : ( إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عُصبةٌ إن أبانا لفي ضلال مبين )****
تنهد بسماحة ..
- يا بويه بارك الله فيك .. لي تسويه هب زين .. اعدل .. اعدل .. لا تعطي حد و تقصر عن حد .. الشيطان و الحقد بينفرنا من بعض .. الغيرة و الحسد بتدخل بينناا ..
ثم صمت ..
لحظات مرّت ثقيلة .. و تعابير الجد المتجمدة لا تفصح عن شيء .. لا يدري لما راود سيف شعور بانه نطح جدار ..
شرعان ما تأكد من ذلك حين تلفظ جدّه برده البارد ..
- بس هذا لي عندك ..؟!
راحت الخيبة تجرفه بعيدا قبل أن يسمع رأي جده .. على يقين بأن كلماته لم تجد صدى ..
- الدين نصيحة .. بغيت أنصحك .. لا تكون سبب بيناا ..
- لا تعلمني الدين يا ولد ..
زمجر جده بتلك الكلمات و عيناه تلمعان بقسوة .. قبل أن يردف بقوة ..
- تبانيه أعطيك لي اعطيه غيث ..؟ ودّر الشرطة و اشتغل ويا هلك ..
لماذا فسّر نصيحته على أنها مطالبة .. قال سيف بعتب هادئ ..
- يزاك الله خير يا بوي .. لو بغيت شي أدريبك ما تقصر .. و أنا ما أرمس عن عمريه .. انت تدري شوه قصدي ..
رفع الجد حاجبه .. و أذن صمّاء يلقيها لسيف ..
- لااا ما أعرف قصدك .. عندك شي قوله .. لا تيلس تلف و تدور .. غيث لي فيكم كلكم .. ريّال و راص ع عمره .. يستاهل لي ييه يوم انه يسعى لخيرنا .. محد منكم سوى لي يسويه .. انته شارد الشرطة .. و المعثرين حامد و فهد ما منهم خير .. يهّال ما منهم خير .. يوم انكم بتسوون لي يسويه غيث و بتشقون للحلال شراته .. بنبدكم عليه .. لا تيي تعلمنيه و تأمرنيه شوه أسوي و منوه أعطي .. الحلال .. حلالي .. و أعطيه لي ابا .. كان حد منكم عنده غير هالرمسة يقولها ..
- ياا بويـ ...
- سيف ..! عندك غير هالسالفة ..؟
- اسمـ ..
- عندك غيرها ارمس .. ما عندك غيرها توكل على الله .. الساعة طافت الوحدة .. و أنا برقد .. أنا سارح من غبشة باكر ..
هب سيف من مكانه .. و هز رأسه بأسى .. توقع ان يلقى كلامه صدى على الأقل .. لكن .....
لكنه لن ييأس .. سيظلّ خلف جدّه حتى يترك هذه التفرقة التي لم تسبب سوى أحقاد بين أبناءه ..
لذلك دنى منه باحترام لينحني على رأسه و يقبله ..
ثم يقول بهدوء ..
- الله يهديك ..!

* * * * *

لحظات مرّت و هي تناظر شاشة الهاتف أمامها .. اسمه يتألق عليها بغطرسة ..
كحضوره .. رغم تلك الوداعة التي تألفها ..
كالقوة التي تنبثق منه لترغمها على أن تكون دوما ضعيفة أمامه ..
شعرت برغبة قوية في تجاهله .. لكنه واصل الرنين باصرار .. حتى خشيت أن تستيقظ أختها على صوته .. رفعته بسرعة .. و هي ترد .. تلصق السماعة بأذنها .. ليتدفق صوته العميق إليها ..
- شوه راقدة ..؟!
أغمضت عيناها .. رغم كل ذاك الخوف الذي يسكنها في هذه اللحظة .. القلق ..
و الألم على حال هذه الحبيبة التي تستلقي هنا بهدوء ملائكي بعد تلك العاصفة التي أفجعتهم ..!
استطاع بكلمتين فقط أن يلقي بها في دوامة من الاضطراب ..
لا يبدأ بالسلام .. و لا السؤال عن الحال ..
لا تسمع الـ ألو المعتادة من كل الناس ..
هكذا هو .. يقتحم سكونها .. ليضيّعها في مداره ..
حيث يكون محورا .. هو فقط .. و لا أحد آخر ..
لماذا يخترق الناس أحاسيسنا رغما عنا ..؟ لما لا تكون ملكا لنا فقط ما نريد أن نشعر به ..
ما يخصّنا ..
و ننفي من لا نريد إلى تلك الأراضي الباردة التي لا يسكنها سوى المهملون من مشاعرنا المتمردة ..
لكنهم يفعلونها .. ينبشون كل ما هو غير مفهوم .. كل ما نطمسه في أنفسنا خوفا منه ..
عندما لا ندرك معنى له ..
تبا لهم .. كم هم متطفلون ..
- حور ..؟
سحبت نفسا عميقا تحتجزه في صدرها .. قبل أن تجيبه بصوت مختنق ..
- هممم ..؟
صوته أتى خافتا الآن ..
- راقدة ..؟
أنَّى لها ذلك ..؟
أصبحت الأمور تتخبط داخلها الآن .. كل شيء يزدحم في ذهنها .. كل شيء و لا شيء ..
لا تعرف ما الذي عليه أن تفكر فيه أولا .. لا تعرف ما الذي يحدث لها ..
أين هي .. و من هي ..
ما هي هذه الطرقات التي تسلكها ..؟!
إلى أين تقودها ..؟!
البداية .. النهاية .. أصبح كل شيء مختلط عليها ..
تريد لحظة واحدة من السكون فقط ..
لترى أي مطاف قد بلغت قدماها دون وعي ..!
راقدة ..؟!
أين هو النوم .. لم تعرفه الليلة أجفانها ..!
زفرت ذاك النفس الحبيس و قد حمّلته أوزار همّها الذي لا تعرف له سببا محددا ..
- لا ..
- تعالي ..
كان هذا أمرا .. لم يطلب منها .. بل يقودها بكلماته .. بحثت عن برودها .. تتسلح به مجددا ..
تذكري .. نايف .. مايد .. عبيد .. غيث .. كلهم سواسية ..
تخيّلت مايد يقول هذه الكلمة .. هه .. لا .. مايد لا يفعلها بهذا التسلّط ..
كلمة واحدة وجدتها تنفلت من شفتيها بهدوء ..
- انزين ..
و أنهت المكالمة ..!
أسندت رأسها بيدها .. عيناها تتأملان وجه اختها الغارقة في النوم .. جانب وجهها الأيسر تلوّن بلونٍ أزرق خفيف زحف على جانب أنفها أيضا ..
ستصبح هذه الكدمة داكنة بشكل سيء في الصباح ،، هذا غير طرف شفتها المشقوق الذي تورم ..
استعادت سردها الباكية لتلك الحكاية المتخبطة .. لم تفهم من التفاصيل شيئا غير هذيانٍ غريب عن كلبٍ لحق بها في طريق عودتها من بيت أم سالم ..
أجبرها على تغيير طريقها لتعلق في شجرة قد نبتت في الزقاق .. و تقع على وجهها ..
لا تعلم أين ذهب الكلب .. أين غطاء رأسها .. كل ما شعرت به هو قدوم غيث الذي أخافها ..
ثم وصول حور ..
هل لكلب أن يثير كل هذا الفزع في نفسها ..؟ ذاك البكاء المجنون و تلك الصرخات ..
رغم تأكيد نايف على الكلب الذي لابد أن يكون ملكا لخالد الساكن في أقصى الشارع .. و أنه دائم الهرب ..
لا .. لا تعلم .. كلما استعادت منظر أختها و نشيجها الممزق ذاك ..
لقد ظنت لحظتها أنها تلفظ إحساسها الأخير ..!
ربما كانت عفرا أضعف نفسا مما اعتقدت .. بامكان كلب يلاحقها طريدة أن يثير الفزع في نفشها هي ..
هل عضّها ..؟ لا ..
كل ما في الأمر أنه لاحقها بقوة .. و أفزعها ..
شعرت بشفقة هائلة نحو اختها .. لم ترها قط بهذه الصورة الضعيفة ..
بلى ..
حدث ذلك .. حين فقدن والدهن ..
كان تسكب دموعها مرارة على رحيله ..
الحق أن وجعها الليلة بدا مخيفا و كأنما تودعه مرة أخرى ..!
التقطت خصلة من شعرها الناعم .. هذا الشعر الذي أورثته إياهن أمهن جميعا ..
لم يكنّ بالجمال الذي قد يدير رؤوس احد .. لا أحد منهن قد تتميز بملامح أنثوية جميلة كالمها ..
و لكن يعلمن أن الشعر المميز لأمهن أصبح تاجا لكل واحدة ..
مررت راحتها مرتين على شعر عفرا ..
بدت ضعيفة .. و منهكة .. بكت حتى نامت .. رفضت تناول العشاء ..
.
.
قبلة رقيقة لامست بها جبينها بحب ..
لا أريد أن يمسك سوء أختي ..







>>


لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 22-06-16, 09:04 PM   #25

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

\\




تتمة





.
.
.
.
.
.
في اللحظة التي أطلت برأسها من الباب الذي يفصل الحوش بممر المجلس وقعت عيناها عليه .. يجلس بإزاره و الفانلة القطنية البيضاء .. على عتبة المجلس .. هناك .. حيث ابتدت للمواجع حكاية ..
شعر بوجودها .. دون أن يرفع رأسه الذي يتأمل الأرض بهدوء .. فرد يديه التي كان يعقدها أمامه .. و هو يربت إلى جانبه آمرا بهدوء ..
- تعالي ..
تقدمت منه بخطوات بطيئة .. لم يرفع رأسه نحوها .. بدا شاردا رغم وجودها .. جلست حيث أشار لها .. لا يفصل بينهما سوى انشين ..
و عالم ..
الكثير من السكون تخبّط هنا .. و هي تحني رأسها بوقار .. تخنق كل خقة بلا معنى .. و كل احساس يشتتها .. تفصل خفّة فؤادها عن عقلها الذي راح يركّز بقوة ..
يجلس بجانبها .. تشعر بدفء جسده الكبير يصلها في برودة هذا الليل ..
كل منهما منشغل بشيء ما ..
الاعتياد الذي لمسته في جلوسها قربه ..
وجهها المكشوف .. و شعرها المنزلق من تحت غطاءها المتراجع .. حلال لمسة قد يمد أنامله تلك ليحصل عليها ..
كل هذا .. لا شيء ..
هذا الرجل رغم إحسااسها القوي به .. رغم انجاذبها نحوه .. رغم لهفتها لكل ما قد يروي احساسها منه ..
مجرد غريب ..!
لا تعرف عنه شيئا ..
غير ألوان صورة باهتة هزيلة .. رسمتها بأحاديث أخته عنه ..
ماضيه .. حاضره .. من هو .. و بما يفكر ..
ما الذي يشعر به ..
و ما الذي يخالجه حين يلتقيها ..
إستفهامات مجنونة تدور .. و تدور .. و تدور ..
ستصيبها حتما بالجنون ..
أراحت وجهها بين كفيها غير مبالية به .. نست وجوده لبرهة و هي تزفر بحيرة ..
ليتها تعرف عنه أكثر من مجرد اسم .. و عقد يربطهما ..
.
.
كان صوته دافئا .. قريبا للغاية .. و هي تشعر بظل رأسه يقع على وجهها ..
- بلاج ..؟
رفعت عينها نحوه .. كان وجهه دانيا .. ترى حدّة ملامحه خشنة الوسامة .. خطوط فكه القاسية .. و عينه اللامعتين تتأملها عن قرب ..
لحيته المهذبة .. و حاجبيه المعقودين ..
أشاحت بوجهها بعيدا عن مرآه .. همست بصدق فاتر ..
- ما أدري ..!
صمت لبرهة قبل أن يسألها باهتمام ..
- عفرا وين ..؟
- راقدة ..
عقد جبينه باستياء بالغ ..
- شوه استوا بها ..؟ شوه لي وداها السكة بلا وقاه ..؟ ليش كانت تصيح ..؟
موضوع آمن .. رغم حساسيته .. تذكرت غترته التي احتفظت بها لتعيدها لاحقا .. رأى أختها بدون غطاء .. جلبها إلى داخل البيت .. كيف انقادت له عفرا يا ترى ..؟!
- سارت تودي سامان لبنت ييرانا .. و هي رادة لحقها كلب ولد عنتر .. ما تعرفه .. راعي البيت الازرق لي في أول الفريق .. عفدت في غافة في السكة لي ورا سكتنا .. و طاحت و هي تربع .. بس ..
- بس ..؟!
قالها بطريقة غريبة و هو يرفع حاجبه متأملا جانب وجهها الذي راحت تصرفه للأمام .. متجاهلة النظر اليه
.. ما خطبها ..؟! لما بدت له بعيدة ..!
الحكاية التي سردها للتو لم تكن مقنعة حتى و هي تؤكد ذلك بتصلب ..
- هيه ها لي صار ..
كان متشككا ..
- متاكدة ..؟!
أومأت برأسها مجيبة .. صمت لبرهة .. و عيناه لا تفارقانها .. كانت تعقد جبينها بشيء من الضيق .. و عيناها تصيقان بهدوء .. تزم شفتيها .. و هي تحك نقشا في ثوبها بأناملها .. كانت متوترة ..
تخفي اضطرابها بقوة .. و كأنما لا تريد له أن يمس أي فوضى يعيثها في إحساسها .. لا يدري لما يجد متعة كبيرة في تشتيتها ..؟! في استفزاز مشاعرها و بعثرتها .. ؟! يريد أن يرى لمعانها الغائم .. و رعشة أهدابها .. حين يضيّعها في ما لا تعرف ..
شعرها المضموم تحت الغطاء لم يسيطر على غرتها الطويلة التي احتضنت وجهها بنعومة .. مد أصابعه بصمت يلتقطها .. قبل أن يدنيها من وجهها .. ليشمّها ببطء ..
لا يغفل عن اختلاج انفاسها ..!
.
.
خفق قلبها بقوة غريبة .. و هي تشعر بالهواء يتسرب من حولها ..يدها المرتجفة تنتزع غرتها من بين أصابعه لتدسها بسرعة وراء أذنها .. جذبت طرف - الشيلة - من مؤخرة قمة رأسها .. لتدسلها على شعرها كلّه .. لم تكد تفعل حتى التفت أصابعه المحكمة على رسغها تمنعها من ذلك .. تصلب أوصالها .. و هي تشعر بلمسته تحرق جلدها الرقيق .. و يدها تتوقف في الهواء فوق رأسها .. لم تحاول جذب يدها حتى .. انتظرته أن يتركها لكنه لم يفعل .. أنزل كفها الصغيرة ليحتضنها بين يديه الكبيرتين ..
مرت لحظات طويلة تكافح انتزاع يدها من يديه .. و قد هبط عليهن الصمت ثقيلا ..
تشعر بنظراته الثاقبة تخترق عظام وجهها الذي انتكس ببطء .. هذا الهدوء الذي راحت تعدّ فيه أنفاسها و أنفاسه يستفزّها .. هل شعر بشيء غريب ..؟!
حتما ..
سحبت نفسا عميقا لتتنهد بصوتٍ مسموع حين شعرت بانها محتاجة الصدار أي ضجة قد تقطع هذا السكون الكريه .. لما لا ينطق بشيء ما ..؟!
تذكرت بأنه طلب منها المجيء .. لذلك قالت بتوتر .. و يدها تنكمش بين قبضتيه .. فيما يمنعها من جرّها ..
- آحم .. شوه كنت تبا ..؟
لم يبدو أن أفكاره قد توّهته .. فقد أجابها بهدوء دون تردد ..
- أبا أشوف شعندج ..
- ما فهمت ..؟!
قالتها و هي تنظر اليه .. وجه الخالي من أي تعبير حيّرها .. لم ترى حتى انعكاس الدفء الذي اعتادته ..
- الليلة حسيتج هب طبيعية .. و كانج متضايقة و الا زعلانه .. هب حور لي أعرفها .. حتى الحين ..
رفع حاجبه متسائلا ..
- شفيج ..؟
ألجمها سؤاله المباشر .. لتشيح بوجهها بعيدا ..
- ما فينيه شي ..
- حور ..
كان غير مصدقا لما قالت .. جذبت يدها بهدوء .. و أفلتها دون كلمة .. قبل أن تقول بخفوت ..
- اسمع .. أحس انيه مندفعة شوي .. و أبا أخف الدوس .. الين أفهم كل شي ..
عقد جبينه .. كلامها مبهم .. لا تدري لمنا تفوهت بذلك .. لكن عليها حقّا أن تضعه في الصورة .. ألا تستغله ..؟!
ألم تشر وديمة أنها تستخدمه وسيلة لسد الثغرة العاطفية في روحها ..؟!
ضمّت ركبتيها تسند ذقنها عليها .. شعرت بان حجمها ضئيلا مقارنة بجسده الطويل .. ترددت لبرهة قبل أن تبلع ريقها ..
- يعني .. نحن ما تلاقينا الا من ست شهور .. و أحس انه .. انه .. يعني مادري .. بس انا ابا أفهم مشاعريه أبا أعرف بشوه أحس صوبك .. أول مرة .... أحس انـ ...
احمر وجهها و هي تنظر إلى كل شي إلا عينيه ..
- أحس انيه .. مرغوبة .. و انه حد يهتم فينيه .. انته ريّال .. و أكبر منيه .. عارف الدنيا و خابرها زين .. بس أنا .. أنا ..
تنهدت بضعف ..
- أحس انيه ضايعة .. و خايفة ..!
هبطت راحته الكبيرة على رأسها ..
- خايفة منيه ..؟
لم تنكر ..
- خايفة من كل شي ..
رفعت رأسها بغصّة ..
- من انته ..؟! انا ما أعرفك ..!! ما أعرف شي عنك غير اسمك .. لا شخصيتك .. و لا اسلوبك .. احساسك .. شوه لي يضحكك .. و متى تزعل .. ليش خطبتني ..؟! - و توقفت بحيرة هنا - و لا شي .. كيف تبانيه أعيش وياك و أنا أحسك غريب عني .. انت تشتتنيه .. و ما أفهم عمريه .. و لا بشوه أحس صوبك ..
أردفت بتعاسة و هي تنظر له بلوم ..
- غير هذا .. لا تنسى انه اليوم و الا باكر أمايا بتربي .. و بنودر بيت أبوية .. و بننتقل عندكم ..
لم يرد .. فقالت معترفة ..
- ما أنكر انيه يوم فكرت في الموضوع شفته في مصلحتنا .. نكون قريب من هلنا و عينهم و قلوبهم علينا .. بس انته ما تعرف .. أنا ما رمت أخبر غير أمايا و المها عن الموضوع .. مادري شوه أقول لخوانيه ..
تهكمت بوجع ..
- اسمعوا .. يوم بتربي أمايا بنشل قشارنا و بنسير قدا هل أبوية .. عرب ما نعرف منهم حد .. و ما يعرفوناا .. ما نعرف طباعهم .. و لا حياتهم .. ما نعرف غير انهم طردوا ابوناا ..
رفعت عيناها نحوه تسحب نفسا عميقا ..
- ليش طردوا أبوية ..؟!
تصلّب فكّه في صمت .. و هي تعيد السؤال بنبرة متوسلة ..
- أعرف انك تدري ليش .. خبرنيه ..
رد بجمود .. علّها ..
- ما أعرف ..
هزت كتفيها بسخرية ..
- هه .. لو انته ما تعرف .. منوه لي يعرف ..؟! أعماميه ما شفنا حد منهم شبّر بيتنا .. لا قبل موت أبوية .. و لا عقبه ..
برر بهدوء ..
- أمج في العدة .. و ما بغوا يحرجونها و الا يضايقونها الين ما تظهر منها لبيت أبوية سيف ..
عقدت يديها بحزن ..
- أستغرب منهم .. ما يحسون بشي صوب أبويه ..؟! ما زعلوا عليه يوم مات ..؟
عضت شفتها السفلى بقوة .. قبل ان تقول بهمس مخنوق و هي تشير لعتبة الباب التي يجلسان عليها ..
- تعرف انه مات هنيه ..؟! عند هالباب .. ! رقد و لا نش عقبها ..
.
.
نظر أسفله بصدمة .. تأمل الأرض و شعور غريب بالذنب يجتاحه .. و كأنما لهذا المكان قدسية مختلفة ..
دنس حرمة رحيل ذاك الرجل .. حين راح يمارس خداعه على ابنته فوق المكان الذي شهد آخر لحظاته ..!
كلماتها المتقطعة .. المبعثرة ..
للمرة الأولى تكشف عن جانب من روحها .. للمرة الأولى يراها بهذه الجرأة .. تطيح بالكلمات بمرارة ..
تنفث أوجاعها الصامتة ..
علم أنها تريد أن تنبش كل ما في داخله ليرضيها ما ستعرفه ..
تجهله الآن .. و تجهل ما جعله بهذه الصورة ..
فيما يكاد يقلبها هي بين يديه كتابا مفتوحا .. تعابيرها تفضح كل ما يخالجها ..
كان صوته عميقا و هو يسألها بهدوء ..
- يعني البرود و التطنيش بيخليج تفهمينيه ..؟
رفع عينه حين شعر بها تنهض من مكانها .. وقفت أمامه و هي تلملم أطراف روحها التي نشرتها للتو أمامه .. و هي ترفع رأسها في مواجهته ..
ذاك البرود الذي أثاره .. و رغبته في استرضاءها .. منحتها ثقة غريبة ..
أعادتها لجلد كانت تعرفه .. لتقول بقوة ..
- المشكلة انك انته ما فهمتنيه .. تصبح على خير ..
قالتها و راحت تحث الخطى بسرعة نحو باب الحوش و كأنما تخشى أن يوقفها ..
و لكنه لم ينوي ذلك أبدا ..
ثقل غريب هبط على نفسه ..
و هو يراقبها تمضي ..
لم يرد أن يتبعها و لا أن يوقفها ..
.
.
أبت كلماته المرهقة أن تجادل إحساسها ..
لقد ضيّع شيئا من ثباته في زخم إحساس هذه الليلة ..!
.
.
.
.
.
.
- عفرا ..؟!!
انتفضت في مكانها بقوة .. قبل أن ترفع عينيها الحمراوين في اتجاه شقيقتها .. كانت تقف بباب الصالة .. لا زالت ترتدي ملابسها و غطاء الرأس .. و عينيها المستفهمتين تنشدها إجابة على سؤالها الذي سرعان ما ترجم بكلمات .. و هي تدنو منها بحنان ..
- وين سايرة حبيبتي ..؟!
شعرت بعزائمها تنفلت .. و شتات القوى الخائرة التي جاهدت للملمتها تتبعثر مجددا .. و الدموع تندفع في عينيها .. تقاتل كي تبدو قوية بما فيه الكفاية و صوتها المختنق يجيب بخفوت ..
- أبا أسير أتسبح ..
مدت حور يدها تمسح على شعر اختها .. بدت محطمة .. بشكل مفجع .. أوجعتها نظرتها المتألمة ..
كل هذا لمواجهتها كلب ..؟! شيء في تلك الحكاية بدا لها غير منطقي لا تعلم لما ..!!
- حبيبتي تسبحي باكر .. ارقدي الحين انتي تعبانة ..
شدت شفتيها بقوة و هي تشعر بأنها ستنفجر بالبكاء حالا .. أرادت دفع حور بعيدا عنها .. شعرت بعينيها المتخاذلتين تغرقان بالدمع المر .. و هي تهمس بصوت متقطع ..
- ماا .. أنا .. ماا صليـ .. صليت العشاا .. أبا أتسبح .. و أصلي ..
وضعت حور أناملها على شفتيها ..
- انزين أسوي لج حليب و الا عيشة .. انتي ما تعشيتي ..
هزت رأسها رفضا .. و دمعة حارة تتجاوز حدود الهدب لتسقط على وجهها المحمر المحتقن ألما .. و هي تهمس بصوت أبح بفعل البكاء ..
- ماباا عشا .. بصلي بس ..
هزت حور رأسها موافقة و هي تقترب منها .. لفت ذراعيها حول جسد عفرا الطويلة تحتضنها بحنان .. لتبث شعور بالأمان في نفس أختها المهشمة .. راحت العبرات تتدفق تباعا و حور تدنو منها لتطبع قبلة عميقة في صدغها و هي تهمس بقوة ..
- خلاص فديتج .. انا برقبج هنيه ..
.
.
ليت حدود الكون تنتهي هنا ..
في هذا السلام .. و هذا الأمان .. هنا البداية .. النهاية ..
المستقبل .. و الحاضر .. كل شي .. و لا شيء غير ذلك ..
لا ألم .. و روح تحترق ..
لم يبقى سوى رماد سكن جوفها البائس ..
حق في الحياة سلب منها في هذه الليلة
و قد حكم على الأمل .. الحلم .. بإعدام بطيء تحت وطأة كل ما سيقبل عليها ..
.
.
أشاحت عفرا بوجهها .. و هي تقاوم رغبة في دفعها عنها .. لم ترد لأنفاس أختها المحبة .. الطاهرة .. أن تختلط ببقايا لهاث ذاك القذر ..
شعرت بقدميها الثقيلتين تكادا تتهاويان .. و النواح أصبح دانيا .. مجرد لمسة أخرى من أناملها العطوف .. و ستنهار من علوّها ..
لترتطم بالأرض حيث هي كرامتها الآن .. و ستتبعثر شظايا لا تُجمع ،،
جرّت جسدها جرّا دون أن ترد على حور التي وقفت تطالعها بأسى .. لتدلف حمامهم الضيّق و توصد الباب خلفها ..
أمنية وحيدة سكنتها في تلك الثانية التي تلت صوت تكة الباب المغلق ..
أرادت أن تختفي هنا إلى الأبد ..
أن يوصد هذا الباب بينها و بين العالم لا يفتح ..
أن يفقدوها .. يضيّعوها ..
أن لا يجدوها .. و أن ينسوها ..
ستمضي ما تبقى من لوعة تنتظرها هنا ..
أسندت رأسها على باب الحمام الخشبي .. دمع حار راح يغرق وجنتيها ..
يحرقها .. و أنفاسها تلفح الباب حين راح صدرها يعلو و يهبط بتشنج ..
.
.
كيف لثقل الدموع أن يحني رؤوسنا ..
حين نبكي لوعةً على ما مضى .. ما لن يعود ..
حين نعجز عن التظاهر بأننا أقوياء .. و أننا سننسى و نعوَّض ..
حين لا نرى الألم سوى قدرا سيكتب لنا ما تبقى من عمر ..!
.
.
بكامل ثيابها تحت الماء الساخن الذي تدفق من الدش على رأسها ،،
ينفث الماء أنفاسه بخارا .. و كأنما يزفر .. من حرِّ ما تحمل تلك الشابة في قلبها .. تجلس على ركبتيها ..
يديها تعتصران صدر قميص البيجاما .. الماء يسكب على جسدها .. تشعر بسخونتهتخترق ملابسها ..
ترتطم بخدها لتخالط ملوحة الدمع الذي لا يتوقف ..
و شهقاتها المكتومة التي أخذت تنفلت من شفتيها المضمومتين بمرارة .. تهزها ..
رأسها ينحني ..
لم تبالي لما يقال عن البكاء في الحمام .. تريد لدموعها أن تطهّر روحها من فعلة ذاك النجس ..
تشعر بونينها يخرج من غياهب روحها المحترقة .. من بين أشلائها الممزقة ..
صوت عويل منخفض طويل خرج من بين أنفاسها ..
لقد قتلت الليلة ..
لما عليهم أن يراعوها .. فليخرجوا و يشيّعوا روحها ..
ليعلنوا الحداد على كل طهارة زهقت بين يديه ..
صاحت بهم .. و استنجدت .. لم يسمعها أحد ..
أين فاطمة .. أين الجيران .. أين إخوتها ..
أين كانوا حين انتكست أيامها .. أحلامها .. وكل شيء جميل ،،
حين أدار الفرح ظهره معلنا الرحيل ..
عندما قبّلت الطهارة جبينها معتذرة ..و هي تنتهك ..
و مضت للأبد ..
.
.
الماء يغسلها .. يسري ببطء ليبللها .. و يغرقها ..
ليته يصل للروح .. ليغسل اليأس .. و الوجع .. ليغسل شقاءها ..
رفعت رأسها للسناء .. عيناها قد أسدلت أهدابها .. حين راحت دموعها تتدفق من أجفانها المطبقة ..
قطرات تهوي من الأعلى .. ترتطم بوجهها ..و هي تنشج باكية ..
تبكي ..
تجهش بالموت هنا لوحدها ..
لا يعلم بذاك الفراغ الرهيب الذي خلّفه رماد إحساسها ..
لا يعلم أحد بموتها البطيء هنا ..
لا أحد .. لا أحد سواه ..
لذلك راح صوتها ينشج متوسلا و هي تصرخ بقوة ..
كلمتين ارتدت في جوفها لتترنم الأضلع متوسلة بها ..
حين غدت مرارة العبرات تتسلل بهدوء لفمها المفتوح بونين متصل ،،
.
.
- ياااا رب ... يااا رب ..

* * * * *

- آحم .. آآآ .. اسمع غيث .. أبا أقولك ياخي .. تراهن طلبن ولي أمري أمس عسب سالفة ما تستاهل .. يعني الصف كله كان يتطنز على المعلمة .. بس مادري بلاها هاي ما تطيقني ..؟! عسب كذيه اختارتني و حطت السالفة عليه ..
قالتها دانة و هي تفرك يديها بشيء من التوتر لغيث الذي استرخى على أريكة و بجانبه - دلة - قهوة ،، و يده تمسك بفنجان منها ،، كان مرتاحا للغاية .. لباسه الأنيق الفخم .. ثوبه ذو القماش القاسي الذي أظهر عرض منكبيه .. و غترته المناشة .. نظرة متهكمة لا تخفى عليها و هو يجيل بصره في المكان .. للحظة بدا أنه في غير مكانه .. أو أنه مالك المكان و لا يرضيه ما يرى ..!!
رفع حاجبه بسخرية ..
- صدق و الله ..؟
ردت دانة بسرعة و هي تلوح بيدها ..
- هيه و الله .. بس أبا انبهك لشي .. الحين البنية يوم اييبن ولي أمرها .. ايخر لولي و التالي .. يظهر كل سجلّها المدرسي .. من ربيعتاا في الروضة لي نشعت شعرها .. الين كرتون العصير لي فرته امس .. يعني لو ثقّلن في الشكاوي و ظرب الامثال .. لا تصدق .. مرات يبالغن .. و مرات ......
قطعت كلامها حين قال بقسوة ..
- أقسم بالله انكن هب ويه حشمة و لا ويه دراسة .. المفروض يحطولكن تربية خاصة هنيه .. الحمارة لي ما تبا تدرس اشعنه كل يوم داقة بالويه و ياية المدرسة .. قرّن في بيوتكن ..
- انزين ليش تسب ..؟
رفع حاجبه مستنكرا .. تأخذ الأمور ببساطة شديدة ..! أردفت بهدوء و هي تتحرك بحرية في مكتب المدرسة ..
- أنا أحب المدرسة .. و نسبتيه ما تقل عن خمس و ثمانين .. كل سنة يكرمونيه .. و هذا أول استدعاء أييبه .. يعني لا تتحرا انيه راعية سوابق .. لا حشاا ..
ثم قالت بصوت هادئ لم يخلو من نبرة حزن ..
- ابويه الله يرحمه لو اييب استدعاء كان قصبنيه قصاب .. و سواني كباب .. عيل .. شوه تتحرا ... نحن بنات حمد كلنا متفوقات .. ولد عمك يايب في الثمانين .. و عفاري يايبة تسعة و تسعين .. لا تستهين بنا ..
ثم هزت كتفيها بصراحة ..
- و بعدين نحن نحب المندرسة .. لنها المكان الوحيد لي نسير له غير البيت .. أول كنا نسير بيت خالوه .. نظهر وياهم .. عميه سلطان و أبوية يرتبون طلعة و نظهر رباعة .. بس .. الحين .. آممم .. حتى بيت خلوه ما نسير له ..
ثرثرتها تلك بدت مشاكاة بالنسبة إليه ..
شعر بالأسف على حالهم .. لا يمر يوم واحد دون أن تخرجن أخواته من البيت ..
تخيّل أنت يظل مقيّدا في البيت لمدة أسبوع فقط ..!!
رفع عينه لها و هو يقول بجفاء ..
- هيه و تيين المدرسة و تخورينها سوالف و لعب .. و تنسين الدراسة ..
- لاااا .. سلاااامتك .. استريح مستر غيث .. انا كل شي و لا دراستي .. أنا دانة علمي ما تعرفني .. خبرتك ..؟ أنا فعلمي ..
نظر لها بشك فقالت بثقة ..
- و الله فعلمي .. يوم أقولك لا تستهين بنا .. بعدين شوه فيها السوالف و اللعب .. المدرسة مجتمع كااامل .. نفس الجنس و نفس العمر .. أفكار متشابهة و اهتماماتنا نفسها .. يعني بنسوي حزب و بننقلب ع نظام الحكم .. شرايك ..
أعاد ظهره للخلف ببرود ..
- خلي عنج الخرابيط .. ما بتنفعج هذرة البنات .. ما بتنفعج الا الشهادة .. أقسم بالله لو تييبين استدعاء ثاني يا دانة .. و الله ما اييج طيب ..
ارتخت كتوفها بيأس ..
- عنبوه .. انتوه امررررة ما تبون الواحد الا ياكل الكتب أكااال .. لا يمين و لا يسار .. يابوك هلاي عفرا .. أنا ماروم .. بعدين حس فيناا شوية .. أنا قلت غيث سكن عدنا بيعبرنا .. بيظهرناا..و بنشوف العالم ..و انته ما علييييييك الا من عمرك .. حادر .. و ظاهر .. ياخي نحن نعيش حالة كبت .. لااا تلومنيه لو فرغتها في المدرسة .. فديتنيه ع الأقل أظهر .. أشوف الكائنات البشرية .. شوه تقول عن حور و المها و أمايا .. هاي أكثر عن سبع شهور خطفن و هن ما شبّرن البيت .. أقول ولد عمّي .. تيك كير .. يمكن تتخبل حور ختيه قبل لا تاخذها .. أمس تقول انه فزاع خطف عليها و تقهوت هي وياه ..!! تخيّل فزاع ايي بيتنا .. أخخخ خسارة .. راحت عليّه ..
نهرها بصرامة رغم يقينه بكذبها ..
- دانة ..
ضحكت بخفة ..
- لا تخاف .. و لا تغار .. شكلها كانت تتخيل .. تصير مرات الشخص المكبوت يهلوس .. أن درسته في الأحياء .. لا تنسى انيه علمي .. شوف عاد .. وحدة كاتينها .. ما تشوف حد .. ما تعرف حد .. اذا ما تخبّلت أنا بنت مايكل جاكسون .. بس تدري ..!! ما تلاحظ انها تخيّلت فزاع و ما تخيّلتك ..؟
ضحكت و هي تردف بخبث ..
- انا أقول تلاحق على عمرك و اقظي على أوهامها ..
زفر غيث بقوة .. و شعر برأسه يضج .. كانت كلمات دانة تصيبه بالصداع .. تحشره في زاوية لتجبره على النظرإلى الأمور من خلالها .. و هذا ما جعله يشعر بالضيق الشديد ..
استعاد وجه حور المستاء .. برودها .. و جفاءها الذي لم يلمسه سوى البارحة ..
ما سببه يا ترى ..؟!
هل ما تقوله دانة صحيح ..؟ الوقت الذي مر عليها و هي محتجزة داخل البيت .. المسؤوليات التي وقعت على عاتقها منذ وفاة أبيها ..
اقتحامه حياتها .. و تلاعبه بها ..
أغمض عينيه لبرهة .. يستعيد صورة وجهها الصافي ..
و كلمات الأمس تتردد داخله بايقاع كريه ،،
كيف لها أن تقوى حمل كل هذا ..؟؟!
.
.
تعقد ذراعيها و إحساس بالسكينة يهبط في صدرها ..
عيناها تمعنان النظر في جبينه المعقود من خلف الغطاء .. لا يهمها حقا ان ظنّها ثرثارة أو طويلة اللسان ..
تعمدت أن تنغزه بهذه الكلمات ..
جسده الطويل ينضح سلطة ترهب من حوله .. تحكمه في نفسه ..
قوته التي لا تخفى على أحد ..
كل ذلك بدا لها شيئا يفوق قدرات أختها الكبيرة ..
تلك الأم الثانية لهم ..
كلما وقع ناظرها على هذا الرجل خشيت على أختها منه .. لا تدري لما ..؟!
بدا واضحا أن حور بطبيعتها العادية .. و شكلها البسيط .. و رتابة هدوءها لن يلائماه ..
شعرت بالشفقة عليها .. ستحتاج للكثير لترقى إلى مستواهم .. كيف لحور أن تعيش بينهم ..
لما لا تتزوج و تظل معهم كما هم الآن ..
ماذا لو تعرضت للأذية من قبله أو من قبل أحد من أهله ..
ربما لن تستطيع حور صد الألم بقوتها السابقة ..
ما يحيّرها هو تمنعها السابق .. كراهيتها لهم ..
تذكرت ابن عمّها الذي قامت حور بطرده مرارا .. شتمها لهذا الزوج الذي يبدو أنها خضعت لوجوده في حياتها بسرعة قياسية ..
أذهلتها ..!
أيكون راغبا بحور كما هي ..؟ يحبها .. كما هي .. يريدها كما هي ..؟!
تكره أن تتمرد على ذاتها و تنسلخ عنها لمجرد ارضاءه ..!
واثقة بأنه يفوق حور من كل النواحي .. في خبرته .. في مستواه ..
خرجت الكلمات منها دون أن تدرك ..
- كم عمرك ..؟
وضع فنجان القهوة جانبا .. و هو يجيب دون تردد ..
- ثنين و ثلاثين ..
عقدت جبينها باستياء ..
يكبرها بسنوات ..!
- أنا بسير أشوف الشيخة شعنه ما يت الين الحين .. انا علمي .. و تضيع عليه الحصص ..

* * * * *

أطفأت نار الموقد وقد بدأ الشاي بالغليان ممتزجا بالورق و الحليب .. حين تناهى لها صوت الحصي التي تصطدم بنافذة المطبخ ..!
غريب ..!!
خرجت للباحة الخلفية الضيقة .. لتصيح بصوت مرتفع ..
- منوووه ..؟
أتاها صوت فاطمة ترد عليها ..
- حوووور أناااا فااااطمة .. تعالي للفتحة ..
تحركت حور بسرعة نحو الفتحة التي تقع في الجدار المشترك بينهم .. لتجد فاطمة في انتظارها ..
- شوه ما داومتي ..؟؟؟
زمت فاطمة شفتيها ..
- لااا راح عليه الباص .. و ما لقيت سلّوم عسب يودينيه ..
لوحت حور لها ..
- لو دريت كان طرشت الدريول عليج عقب ما ودّا البنات ..
- يا بنت الحلال .. خلينا ناخذ اجازة و لو يوم .. تعالي يا السبالات ..
- محد غيرج .. عدها سبالات هب الا وحدة ..
- انتي و خواتج البارحة كسرت دريشة مطبخكم و محد رد عليّه ..!!!!
- عقب العشا .. مادري شعندكن تصارخن .. صوتج واصل بيتنا ..
استعادت حور تلك الأحداث بضبابية .. صراخ غيث و صراخها .. رعب أخواتها ..
- آآآممم .. ماشي .. البارحة لقينا عفاري ختيه في السكة تصيح ارّوحها ..
اتسعت عينا فاطمة بذعر ..
- متى ..؟
- يوم ودت لج البدلة .. و هي رادة تقول لحقها كلب خلّود بن عنتر .. و عفدت في الغافة لي في السكة ..
بدت تعابير فاطمة غير مفهومة و وجهها يسود ببطء .. تقطع صوته باختناق ..
- و .. شوه .. اسـ .. استوى .. عليها ..؟
هزت حور كتفيها تقول بأسى ..
- ماشي .. ياغير طاحت ع ويها و هي تربع .. و تورم خدّها .. و ثمها انتفخ شوي .. ما سارت الجامعة اليوم ..
كانت فاطمة متيبسة بشكل غريب و عيناها تجحظان بقوة ..
- فاطمة ..؟!
انتفضت فاطمة ..
- هاا ..؟
- حووه .. مساعة أرمسج ..؟ ما سمعتينيه ..
هزت فاطمة رأسها بطريقة حائرة و هي تتلعثم ..
- لااا .. سمعت .. أنا بييكن .. حد عندكم ..
- محد غريب .. تعالي ..
ابتعدت فاطمة عن الفتحة دون كلمة أخرى .. راحت تهرول بتعثّر نحو المجلس ..
فتحت الباب على اتساعه .. ليتدفق نور النهار فيملأالمجلس المظلم راسمها ظلا طويلا لها ..
عيناها تقع على المكان الذي وجدت فيه غطاء رأسها ..
راحت قدماها ترتجفان بقوة .. و هي تغمض عينيها .. لتبعد صورة أخيها المضطربة عن ذهنها ..
ركضت للداخل مجددا تلتقط عطاء رأسها .. تردد .. هل تأخذ غطاء عفرا ..؟!
تركته خلفها .. و هي تحث الخطى للخارج .. قلبها يخفق بعنف ..
و شيء من الغثيان راح يتسرب لحلقها ..
أ يكون ..؟
لا ..!
تسحب أنفاسا عميقة و هي تقف أمام باب بيت بو نايف المفتوح .. قبل أن تدلف بسرعة ..
التقت حور و المها و أمها يجلسن في الحوش و قد وضعت أمامهن القهوة .. و توابعها ..خلعت حذائها ببطء قبل أن تطأ الفراش الذي يجلسن عليه بقدمها .. سلّمت و هي تغتصب ابتسامة مرتبكة ..
- السلام عليكم ..
لا تدري لما شعرت بأن حور و المها .. قد يكتشفن ما يدور في ذهنها ..
لذلك اختصرت الحديث معهن قبل أن تقف لتصيح حور و المها معا باعتراض و الاولى تقول ..
- حووووه .. وين بها ..؟
أشاحت بوجهها تمازحهن .. و الضيق يتعاظم في صدرها ..
- بسير أشوف عفاري عقب ماراثون البارحة .. - ثم صاحت تعترض - و الله ما اتنشين .. بسير لها اروحيه .. بسولف وياها شوي .. و ارد ..
أومأت حور برأسها موافقة .. و فاطمة تتحرك بعجل للداخل ..
.
.
حركت حور فنجان الشاي الذي تصاعد منه البخار ..
شعرت براحة حين طلبت فاطمة رؤية عفرا أولا ..
تعرف فاطمة كيف تجرّدها .. و ليست مستعدة كي تنثر ما في داخلها الآن ..!
شعرت بضربة على ركبتها ..
رفعت عينها لترى المها تمد لها بأحد كتبها .. نظرت لها مستفهمة فأشارت المها للصفحة الأولى منه ..
التقطت حور الكتاب الذي علّق على الصفحة قلم رصاص .. و راحت تقرأ ما كتب .. قبل أن تتنهد ..
كانت الكلمات واضحة للغاية بخط المها الذي يشبه خط طفل لا يزال يتعلّم الكتابة ببطء ..
(( ما الأمر حور ..؟ أراك مهمومة أختي ..))
لم تكتب و لن تكتب الا بالفصحى .. اللغة التي تتمكن منها .. لقراءتها .. أما العامية فلن تستطيع سوى تكسيرها ..
أمسكت حور القلم لتكتب تحت كلمات أختها ..
(( الحياة معقدة عزيزتي ،، أصبحت أدور في حلقة مغلقة و لم أعد أعرف نفسي ..))
مدت الكتاب للمها .. التي مررت عيناها على الكتاب قبل أن تمسك القلم مجددا ..
(( ربما ليست الحياة بذاك التعقيد الذي نراه .. ؟؟ قد تضيق نظرتنا للحياة فقط ..؟! ))
سحبت حور نفسا عميقا قبل ان ترد عليها ..
(( ربما .. اشعر بضيق شديد لا أعرف سببه ..!))
(( قد يكون سببه ما حدث لعفرا .. لا تقلقي .. اختك قوية بما يكفي ))
(( لا أعتقد هذا .. لكن يخالجني شعور بالقلق هذه الأيام .. أشعر بأننا على شفير حفرة ما ..))
ابتسمت المها بادراك .. و هي تكتب بخطها المتعرج ..
(( فهمتكِ حور .. الأمر هو دنو موعد ولادة أمي .. و رحيلنا .. أيوترك الأمر.. أعني أنك لم تخبري إخوتي بالأمر بعد ..؟! ))
راحت حور تخط أشكالا على الكتاب و المها تنتظر الاجابة بصبر .. قبل أن تكتب حور أخيرا ،،
(( تقريبا .. ))
كتبت المها شيئا قبل أن تلقي الكتاب لها ،، فتحت حور الكتاب لتجدها كتبت جملة قاطعة صغيرة ،،
.
.
(( ستفرج حور .. ثقي بذلك ))
.
.
.
.
بلغت باب حجرة البنات و توقفت عندها ..
لم يتملكها التردد حتى هذه اللحظة .. حين رفعت يدها لتدير مقبض الباب .. شعرت بتشنج يسري في أصابعها .. و أفكارها ..
راح الشال الملقي .. و المشبك المكسور يلوحان أمام ناظريها ..
وجه أخيها المضطرب على باب المجلس ..
.
.
رباه .. رباه ..
أرجوك يا الهي .. فلتكن مجرد شكوك فارغة .. شدت بأصابعها تدير المقبض و هي تدخل بهدوء شديد ..
نظرت فورا لفراش عفرا الذي تبين وجدها تحت اللحاف .. جسدها المستلقي مدثّر بثقل البطانية ..
استدارت لتغلق الباب خلفها في اللحظة التي أبعدت عفرا اللحاف عن رأسها لترى القادم .. ما إن وقعت عيناها على فاطمة حتى انقلبت سحنتها و انكمشت تعابيرها ..
راحت تشد على شفتها المتورمة و عيناها تمتلآن بالدموع .. ارتجف قلب فاطمة بفزع لرؤيتها بهذا الشكل ..
كدمة زرقاء جليّة على خدّها و هي تضم طرف البطانية بقوة لصدرها ..
تجمدت قدماها .. لم تستطع الحراك ..
راحت تربط الخيوط بتشويش .. نسيت أن تسلّم .. ان تدنو منها لتداعبها ببعض النكات ..
لتمازحها .. و تضحك معها ..
لم تجد في روحها ذرة من القوة للادعاء بأنها لا تشك بشيء ..
راح السؤال الذي يدور في ذهنها كالدوامة .. و دموع عفرا الصامتة تغرق وجهها ..
ينبلج من بين شفتيها .. بلا استفهام ..
ارتجف صوتها و هي تقول بخفوت .. يفصل بينها و بين عفرا .. خطوات ..
- شيلتج .. أناا لقيتاا .. في ميلسنا .. حتى شباصتج .. كانت مكسورة ..!
ليست الشباصة فقط ..
روح تلك الشابة المنزوية أمامها .. لم يعد منها سوى شظايا ..
أغمضت عيناها بشدّة ..
بتوسل .. برجاء ..
قولي بأنك أنت من ألقاها هناك .. قولي أنك اختبئتِ و نسيتها .. إكذبي عليّ ..
و لكن شهقة وحيدة مزّقت سمعها .. و هي تخترق السكون ..لتفتح فاطمة عيناها بصدمة ..
شعرت بشيء كالنصل يشق أوصالها .. يستعر في جوفها ..
و هي تدنو من عفرا بخطوات ميّتة .. ما إن قابلها وجهها .. تلك الكدمة .. و ذاك الشق في شفتها ..
سقط عليها اليقين .. يذبحها ببطء .. و هي تقول بهمس مختنق ..
- أخوي .. الكلب ..؟!
كان سؤالا .. و إيماءة عفرا المعذبة .. الباكية بصمت ..
هي طعنة .. لا إجابة .. و فاطمة ترفع كفيّها بصدمة لتغطي فمها ..
حين راحت الدموع تراق على وجنتيها بلا توقف ..
و صوتها المكتوم يردد بجنون ..
- ياااا ربييييه .. ياااا ربيييييه .. لييييش .. لييييش ..
راحت عفرا ترتجف كالورقة و هي تبكي .. و تضم رأسها لصدرها .. أصوات بكاءهن يختلط .. عفرا تنشج بصوت ممزق و فاطمة تشعر بالموت يسري في أطرافها حين امتزجت شهقات عفرا بكلماتها الباكية ..
- مسكنيه و أنا ظاهرة .. ظربنيه ع ويهي .. فاااااااااااطمة أخوووج اعتدى علييييه .. وين كنتي .. زاقرت عليج .. صارخت .. محد سمعنيه .. محد رد عليّه و لا فزعليه ..
راحت فاطمة تنشج بقوة ..
- الله يلعنه .. الله يلعنه ..
عفرا تنتفض بين يديها .. هناك من يعلم بما فعل ذاك الحقير غيرها ..
- شوووه أسوي .. شووووه أسوي .. مارمت أخبر حد .. فاااطمة .. أناا خايفة .. خاااااايفة يا فاطمة ..
أبعدتها فاطم عن صدرها .. و هي تواجه وجهها المنكمش .. دون أن يتوقف بكاءها ..
- خلاص .. لا تصيحين ..لا تصيحين ..
و راحت تمسح وجهها بجنون لتوقف دموعها .. دون فائدة ..
- يمكن حور تطب فجأة و تشك في السالفة .. لا تخافين حبيبتي .. لا تخافين .. ان شا الله بنحل السالفة قبل لا حد يدري بها .. عفرا لا تخبرين حد .. مهمن كان .. و لا حد .. خلينيه أشوف الموضوع أول و أفكر بشي ..
و عضت على شفتها بلوعة تمنع نفسها من الانفجار مجددا بالبكاء .. حين راحت عفرا تنشج و هي تهمس ..
- يا ربي ارحمنيه .. ليتني أموووت .. يااا الله .. مادري شوه أسوي ..
ثم أمسكت بيد فاطمة ..
- دخيلج .. دخيلج .. لا تخبرين حور .. و لاحد .. دخيلج فاطمة .. و لا تبطين عليه .. لو حد يدري باللي صار .. مادري شوه بيسوون ..
غطت فاطمة وجهها بكفيّها .. تشعر بأن الأنفاس لا تسع رئتها ..
تخبرهم ..؟ بما ..؟
بفعلة أخيها الشنعاء ..!
سيقتلونه دون شك .. حين عاكسهن في الطريق صدموا سيارته .. و ظربوه حت أدخل المستشفى ..
و الآن ..
حين انتهك حرمة الجيرة ..
حين مزّق أسمى حميمية قد تولد بينهم ..
شعرت بالغثيان يتصاعد لفمها ..
ما فعله أخوها كان أكبر من أي صدمة قد تتلقاها في حياتها ..
شيء أعجزها عن التفكير .. غلطة أحرقت أحاسيسها نحوه ..
.
.
لماذا أخي ..؟
لم يعد هناك فرق بينك و بين البغال ..!
عليك اللعنة ..
لماذا هشّمت ما تبقى من إحترام لك في داخلي ..؟!

* * * * *

كان الليل قد هبط ،،
بثقل أنفاس أولئك الموجوعين ..
.
.
.
.
.
.
التفتت للجالسة إلى جوارها و هي تؤكد ما نبهت إليه قبلا ..
- حمدان تردنيه الساعة عشر لازم أرد البيت ..
ردّت حمدة المشغولة بقيادة السيارة بصوت خشن و هي تلوي شفتها ..
- خلاص قلتيها عشر مرات ... لا تخافين .. تسع و نص بردج بيتنا .. مع انيه ما أظهر من اللمات الا عقب ثنعش .. بس عشان خاطرج بردج بيتنا .. عسب يشلج دريولج من هناك .. غيره قلبوو ..؟
انحنت شيخة لتثني بنطالها ..
- سلامتك .. السيارة كانها يديدة ..؟
هزت حمدة كتفيها ..
- ابوي شارنها ليه السنة لي طافت يوم نجحت الكورس الثاني ..
ضحكت شيخة بخشونة ..
- خيييييبة .. شكله يائس من نجاحك .. مالومه معمر انته هناك ..
ضحكت حمدة بفظاظة ..
- خلينا الشطارة لج ..
ثم راحت تستدير بالسيارة حول البحيرة التي توقفت حولها بعض السيارات ..
- شيخاني .. تبينا نطلع فوق قبل لا نسير الشاليه ..؟
هزّت شيخو رأسها بلا قاطعة ..
- لا .. نسير الشاليه سيدة .. أبا أيلس شوي ويا البنات قبل لا أرد البيت ..
زفرت حمدة بضيق ..
- ع راحتج ..
- بسالك كيف حجزتوا الشاليه .. لي اعرفه انه هب كل من هب و دب يحجز .. و هويات و حشرة ..
هزّت حمدة كتفيها ..
- محمد ولد خاليه هو حاجزنه ..
- و عادي ..
- هيه عيل ..؟ قلتله لمة بنات و ابوية يدري .. بس نباه يحجز الشاليه ..
نظرت شيخة لها بطرف عينها حين بدأن يتجاوزن بعض الأكواخ البيضاء .. إلى الشوارع الضيقة الفاصلة بالداخل ..
كانت تظن أنها في حريّة و بلا رقابة .. ماذا تقول عن هذه الفتاة ..؟!
انها تتخبط بلا هدى .. لا قيود تردعها البتة .. و لا يسأل عنها أحد ..؟!
توقفت السيارة فجأة لتنظر شيخة عبر زجاج النافذة .. كانت حمدة أو حمدان قد أوقفت سيارتها أمام أحد الأكواخ المضاءة ..
ثم أطفأت محرك السيارة قبل أن تقول بصوتها الاجش ..
- وصلنا قلبي .. حولي ..
و فتحت سيارتها لتترجل بقفزة واحدة دون أن تعدل من وضع شيلتها التي انطرحت بسكون على كتفيها العريضين ..
حتى هيئتها لم تبدو لها كهيئة فتاة أبدا ..
تنضح أنفاسها حرارة تخيفها ..!
فتحت شيخة الباب أيضا .. لتنزل .. و نسائم الهواء الباردة تحرك أطراف عباءتها المفتوحة .. فتكشف عن بنطالها الخشن .. تقدمت بهدوء تتبع حمدة التي راحت تترنم بأغنية أجنبية وصوتها الغليظ يتردد في المكان الخالي .. قبل أن تستدير و هي تمشي للوراء و تغلق سيارتها عن بعد .. توقفت أمام الباب تنتظر وصول شيخة التي ما ان بلغتها حتى راحت الاولى تطبّل بقوة و ايقاع غريب على الباب .. و تقول بصوتها الرجولي المفخّم ..
- هوووووووووود ..
لحظات قبل ان يتردد في الممر المؤدي للباب قرعات كعب واضحة .. ثم يفتح الباب على اتساعه لتطلّ منه شابة اتضحت ملامح وجهها الناعم على الضوء القادم من الخارج .. جسدها النحيل يكتسي بكنزة ملوّنة بلا أكمام و تنورة تصل لركبيتيها و كعبٍ عالٍ و قد تناثر شعرها المجعد حول وجهها و هي تصيح بحبور ..
- حموووووووودي ،،
أحنت حمدة رأسها تقبل خد الفتاة التي رفعته لها .. و هي تلف ذراعها حول خصرها بحميمية ..
- أسووووومه يا حبي ..
عقدت شيخة جبينها دون أن تتكلم .. و هي ترى حمدة تلامس خد الفتاة و تقول ..
- ريحتج حلوة ..
ظربت الفتاة كتف حمدة و هي تقول بعتب ..
- ريحتيه دوم حلوة ..
ثم التفتت لشيخة بفضول ..
- أووبس .. منوه ..؟؟
ابتسمت حمدة بفخر غريب ..
- هاي شيخة .. خويتيه ..
عقدت أسماء جبينها بحيرة ..
- كيف يعني خويتك ..؟
- يعني فرند .. خلي الهذرة .. و حدري .. لو حد يخطف بركن عند الباب انتي و هالعصاقيل ..
دلفن معا .. و شيخة تلتزم الصمت .. هذه المرة الأولى التي تحضر فيها اجتماعا مشابها .. تتبع حمدان بهدوء .. ما ان بلغن الصالة .. حتى صرخن جميع الفتيات الحاضرات بحماس شديد ..
و حمدة تصفق بيدها في استرجال ..
- وووووووووووو .. ووووووووووووووووووووو ..
ثم توقفت فجأة عن الصفق و هي تشيح بوجهها و تشتم بلفظة بذيئة بهمس ..
- هاي شوه يابها ..؟!
نظرت بتوعد لأسماء التي دست رأسها بين شيخة و حمدة ..
- مريامي عازمتنها .. شوه أسوي .. ؟ اروغها ..؟
نظرت شيخة للفتاة المعنية بهدوء .. شابة بعمرها تقريبا .. ترتدي فستانا حريريا أحمر منسدلا على جسدها الممتلئ بنعومة .. عينان واسعتان .. و أنف دقيق .. و فم تشدّق بابتسامة غريبة .. و عيناها لا تفارق حمدة .. التفتت شيخة لحمدة التي يبدو على وجهها الاستياء الشديد ..
- حوووه حمدان .. وتس أب ..؟
همست حمدة بحقد ..
- الكلبة أم الأحمر كانت حبيبتي .. و ودرتها ..
- اهاا .. انزين و ليش زعلان ..؟
- ماباا أشوفها .. بس ما علينا منها .. هاي اول مرة تيين شيوختي .. تعالي بعرفج ع البنات ..
ثم ابتسمت بمرح خشن .. للحظات وجدت شيخة نفسها تتنقل من واحدة لأخرى .. جميعهن يرتدين ملابس لا تناسب اجتماعا عادية .. بل حفلا لتوزيع جوائز ..!
شعرت بان أنظارا مسلطة عليها .. حين التفتت لم تكن مخطئة .. صاحبة الاحمر .. تنظر لها بحقد غير طبيعي .. رفعت شيخة حاجبها بتحدٍ بارد .. و هي تلتقي نظرتها الكريهة .. قبل أن تلتقط كوبا من العصير ..
الجميع يتبادل الاحاديث الصاخبة و الضحكات العالية .. راق لها الجو نوعا ما .. و ضحكت كثيرا بدا أن الجميع يعرفون بعضهم جيدا .. و بعد ساعة من وصولهن وصل العشاء .. تناولوه بشهيّة .. و شيخة لا تتوقف عن الضحك .. كانت الأجواء ممتعة .. و الوقت يمر بسرعة .. بدأن يختلطن ببعض .. و ينقسمن لمجموعات قبل ان يدرن جهاز التسجيل و يرقصن للحظات .. وجودت شيخة نفسها تجلس بجوار أسماء .. نفس الفتاة التي استقبلتها الليلة ..
ابتسمت لها الفتاة بلطف و هي تسألها ..
- شوووه عيبتج اللمة ..؟
أومأت شيخة بابتسامة و هي تسترخي في مقعدها ..
- هيه .. وايد .. حبيتكم ..
ضحكت أسماء ..
- حتى نحن حبيناج .. حمودي ما اييب الا ناس كوووول وياه ..
رفعت شيخة حاجبها بشك و هي تتذكر نظرات صاحبة الاحمر التي اختفت من المكان ..
- ما ظنتيه ..
ربتت أسماء على كتفها مطمئنة ..
- قصدج عنودي ..؟ ما عليج منها .. هاي موتها و حمدان .. ما تبا الا هو ..
رفعت شيخة حاجبها ..
- قلعتاا .. و انا شوه يخصنيه ..؟!
- تغاري لنج خويته ..
- قلتيها خويته هب حبيبته .. و بعدين عنودج هاي مـ ..
قطعتعبارتها و الاسم يلمع في ذهنها فجأة .. العنود .. تلك الفتاة التي تكلّمت عنها هدى ذات يوم ..!
أ يعقل ..؟
عقدت جبينها و هي تضع كوب العصير الذي بيدها جانبا .. نظرت لساعتها .. كانت قد تجاوزت التاسعة مساءً دون أن تشعر ..
هبت من مكانها و توجهت للبحث عن حمدة التي لا ترى لها أثرا الآن .. لم تكن في المطبخ .. و لا في حديقة الكوخ ..
فكّرت بالبحث في الغرف التي توقعتها مغلقة ..
لم يكن هذا المكان يحتوي سوى على ثلاثة غرف .. كانت الأولى مظلمة و خالية .. و توجهت للثانية .. و صخب أغانٍ اجنبية و صفقات البنات العالية تصلها من الصالة القريبة .. و هي تدير مقبض باب الغرفة الثانية و تدفعه ..
نعومة لون الحرير الأحمر برقت في عينيها التان اتسعتا بصدمة حين سقطت على المنظر المثال أمامها .. و قدماها تتجمدان على الأرض ..
قبل ان يداهمها شعور قوي بالدوار .. لتتراجع إلى الخلف صافقة الباب خلفها ..
سرعان ما شعرت بالغثيان يتصاعد لفمها لتندفع نحو المطبخ القريب فتفرغ ما في جوفها دفعة واحدة ..
عودة المشهد لذهنها مرات متكررة .. دفعها للتقيء مرارا ..
شعرت بشعر جسدها قد وقف من هول ما رأت .. كانت ترتجف بقوة .. و هي ترش الماء على وجهها ..
الدموع تحرق عينيها .. لم تعد ترى شيئا ..
عليها أن تخرج من هذا المكان ..
حالا .. و فورا ..
- شيخاني .. حبوو ..
تصلب ظهرها حين أتاها الصوت من الخلف .. قبل أن ترش وجهها بالماء البارد للمرة الأخيرة .. و تلتفت لحمدة التي وقفت باضطراب و قد تشعث شعرها ..
نظرت لها شخة باشمئزاز و احتقار شديد .. رؤيتها دفعت الغثيان للتصاعد مجددا في داخلها .. و هي تهمس بتقزز ..
- ردينيه بيتي .. يا قذرة ..

* * * * *

- و شوربة .. كريم كراميل ..كستر .. شوه بعد .. ذكرنيه لو ناسية شي ..!
قالتها حور لنورة التي راحت تدون الطلبات في ورقة .. و قد جلسن هند و مزنة إلى جانبها بفضول .. يتابعن الأسماء التي تتالت في القائمة ..
رفعت دانة رأسها عن كتابها التي كانت مستغرفة في حلّه ..
- حوووور ماشي قشطة ..
- نورة كتبي قشطة ..
ثم التفتت لعفرا التي جلست بجوار أمها التي راحت ترغمها قصرا على التهام العشاء .. و قد بدا عليها نفس ذاك التعبير الكسير .. و الدموع المتجمعة في مقلتها ..
- عفاري فديتج .. ما تبين تسيرين ويانا ..؟
رفضت بصمت و الغصة تمنعها من ابتلاع اللقمة التي تجبرها على التهامها .. و همست بصوت منخفض ..
- نورة و دانة يسدن .. أنا بيلس ويا أمايا .. غيري جو شوي ..
تنهدت حور بيأس ..
- انزين ما تبين شي معيّن ..؟
مسحت عفرا دمعة انزلقت على خدّها و هي تحاول أن تبدو طبيعية أمامهم ..
- كثروا مكسّرات .. نبا نسوي ساقو .. و بقلاوة ..
ابتسمت لها حور بحنان ..
- من عيوني حبيبتي ..
حولّت عفرا نظرها لمزنة التي كانت تنظر لها بحذر و خوف .. شيء من الريبة كانت ترتسم على وجه أختها كل ما وجّهت النظر إليها ..
التفتت حور هي الأخرى لمزنة .. لترى ذاك التعبير الغريب على وجهها ..
- مزووون خيييييييبة .. بلااااج ..
نظرت لها مزنة بذعر قبل ان تقترب منها ..
- حور .. عفرا كلبونية ..؟؟
عقدت حور حاجبيها و هي تغضن أنفها ..
- شووه ..؟ كلبية ..؟
نظرت مزنة لعفربخوف .. قبل أن تهمس ..
- لاااا .. كلبونية ..؟
- كلوبنية ..؟ كيف يعني ..
كانت نورة تقوم بحركات غريبة و العيون ترتكز على مزنة التي تجاهلت نورة و هي تقول بخفوت ..
- عظها الكلب .. و تتحول في الليل كلب وحشي و بتاكلنا ..؟
ضحكت دانة بصوتِ عالٍ .. و عفرا تعقد جبينها و هي تنظر لأختها باهتمام ..
دلف نايف للغرفة ليستلقي على الأرض و يضع رأسه في حجر أمه التي انشغلت هي الأخرى بدس لقمة في فم عفرا المطبق تقريبا ..!
لم يشعر بالعيون المعلقة على مزنة و حور تقول باستنكار ..
- كلب وحشي ..؟!!!!!!!!!
هزت مزنة رأسها و عيناها لا تفارقان وجه عفرا المحتقن .. قالت حور بغضب ..
- منوه لي قال هالرمسة ..؟
نظرت مزنة مباشرة لنورة التي صفقت جبينها لتقول ببراءة ..
- نورة قالت ليه ..
شهقت نورة تنكر بشدة .. و هي تشير لنفسها ..
- أناااااااا ..؟؟!!!! يا الكذوووووب ..!!
قالت مزنة بدفاع ..
- أنا ما أكذب .. انتي أمس قبل لا نرقد قلتيلنا لي ترمس و ما ترقد بتييها عفرا يوم تتحول كلب وحشي لنها كلبونية ..!!
واصلت نورة الانكار بحماس ..
- يا الكذااابة .. انا ما شفتج أمس أصلا ..
- قلتيها .. حووور انشدي هنوده ..
نظرت حور لهند التي هزت رأسها بهدوء و هي تواجه نورة بصراحة ..
- قلتيها ..
قالت نورة بقسوة ..
- اشدراج انتي .. كنتي راقدة ..
ردت هند ببرود ..
- كنت مغمضة و أدعي ..
تنهدت نورة قبل أن تقول لمزنة بغل .. و دانة لا تكف عن الضحك ..
- ما عليه بمسكج ارواحنا .. و أنا لي بستوي كلب وحشي .. ان ما نتفت ريشج .. ماكون نوري بنت حمد ..
ثم التفتت لعفرا بلهجة اعتذار ..
- آحم عفاري .. و الله ما كان قصدي شي .. بس كنت أخوفهن .. صدعنا أمس .. كله يرمسن عن السالفة ..
هزت عفرا رأسها بصمت قبل أن تنتكس أنظارها ..
شعرت نورة بالذنب يجتاحها و نايف يقول ..
- متى بنسير الجمعية نييب سامان رمضان ..؟؟
لم تسمع اجابة حور الجافة و هي تهب من مكانها لتدنو من عفرا .. جثت على ركبتها قربها .. و هي تقول بحب ..
- عفاري .. و الله ما كان قصدي .. كنت أمزح .. لا تزعلين .. فديت خشمج الأحمر ..
هزت عفرا رأسها تغتصب ابتسامة ميتة .. قبل أن تقول نورة بتفكير و هي تمزح ..
- تصدقين لو تنفخين براطمج بوتكس بيطلع شكلج طرررر ..
تدخل نايف مشاكسا ..
- تقص عليج لا تصدقين .. لو تشوفين برطومج ما تقولين غير تاير موتر مبنشر ..
نظرت له نورة بحدة ..
- اشدراك انته في الجمال .. سير يا بوية العب ويا حمود ..
قالت دانة من أقصى المجلس تساند نورة ..
- عفاري ما يبالها شي فديتاا .. حلو من ربيه خلقة .. ما تشوفينها تشابهنيه ..؟! الشعر سيل ليل منحدر ،، و الخشم سلّة سيف .. و البشرة .. آآآمم .. شوه يقولون .. إشطة ..؟؟
ضحكت نورة و هي تغمز لها ..
- إشطااا يااابااا ..
غنت دانة بصوتها الحاد ..
- إيشطاااااا ..
راحت دانة تطبل على حقيبتها المدرسية مصدرة صوتا مكتوما .. و نورة تغني مازحة ..
- أنا ممكن أبيع جتتي .. كوولوو الا نااقاات حتتي .. و اللي يعلي صوووتوووو .. يبآآ ناوي على موووتووو .. إشطااا يا باا ..
- ههههههههههههه .. حلوة ناقات حتتي ..
ابتسمت نورة حين رأت ابتسامة خفيفة تناوش وجه عفرا التعيس ..
- لعيون ناقتنا بس ..

* * * * *


* للشاعرة الإماراتية القديرة الحصباه ..
** لا تضميني / من بوح قلمي ،،
*** الراوي: النعمان بن بشير - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 1623
**** سورة يوسف / الآية 8


لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 22-06-16, 09:06 PM   #26

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

\\




الخطـــــــــــــــوة الثالثـــــــــــــــــــ ة عشـــــــــــــــــــر .. }



[ خطوات تتراقص ألما ..! ]






مدت فنجان القهوة بابتسامة و هي تقول بفخر ..
- طبخ ايديّه ..
نظر لها أخوها بشك ممازح و هو يلتقط الفنجان ..
- ما ظنتيه وين بتلحقين تسوين هالخرابيط كلها ..!!
رفعت حور حاجبها ..
- انزين انته مدحت المشخول يا الدب ..! و الباقي البنات سونه ويايه ..
نظر مايد لها بابتسامة ..
- انزين سويه كل يوم و طرشيه بيتنا ..
استرخى عبيد و هو يلوح رافضا فنجان القهوة الذي مدته حور له ..
- ما ينعطى ويه ..!
وافقته حور و هي تبتسم بارتياح لهذه الجلسة المريحة .. كانوا قد استحلوا الحوش طوال فترة المغرب .. صلّى الإثنان المغرب في المسجد القريب مع نايف قبل أن يعودوا ليتناولوا الفطور و تعقبها القهوة .. انشغلن البنات في التنظيف و لكن حور لم تمد يد العون بل استغلّت هذه الدعوة البسيطة و تواجد إخوتها هنا بلا دخيل بينهم ..
شيء داخلها سخر من تلك الفكرة ..
من تقصد بالدخيل ..؟
زوجها ربما ..؟!
هه .. تستمتع هذه الأيام كثيرا بلعبة التجاهل و البرود .. شيء يرضي نزعة أنثوية عطشة في داخلها ..
تريد أن يسعى خلفها لاهثا ..
لكن سرعان ما تسرب الاحباط لنفسها .. ليس غيث الذي يجري لاهثا خلف أحد .. تلك الغطرسة التي لا تتنحى عن أنفه المتعالي .. يستحيل أن تنحني أمام تجاهلها هي ..!
عادت لها ذكرى أول يومٍ في الأسبوع حين صادفها عند الباب الخارجي و هي تهم بالتوجه للجمعية لاستيفاء أغراض البيت و ما ينقصه ..
كان قادما من الخارج مستعجلا .. ليصادف نورة و نايف و دانة في الخارج ..
تجاهل توجههم للسيارة الواقفة في الخارج .. حين رآها قادمة من الحوش تحمل غطاء وجهها و حقيبة يدها الصغيرة ..
وقف بهدوء يسند كتفه العريض على جدار البيت و هو يضع يديه بلا مبالاة في جيبي معطفه الشتوي .. رنت فكرة سخيفة في بالها تريد أن تلهيها عن مشاعرها الغامضة التي راحت تتلوى بين أضلعها .. تأملت معطفه مفكرة بان عليها أن تشتري معاطف شتوية لإخوتها بما أن برودة الجو اشتدت الآن ..!
لازال يقف أمامها دون كلمة .. عيناه الثاقبتين تراقبان تقدمها بصمت .. أعليها أن تمر دون النظر إليه ..؟!
فكرت بالمرور بجانبه و تجاهله .. و لكنها وجدت الأمر سخيفا .. سيبدو جليا بانها تتعمد تجنبه .. لذلك توقفت أمامه باضطراب و صوتها يرتعش ..
- السلام عليكم ..
راحت تمرر يدها على الغطاء القطني بشيء من الوتر .. و عيناه تتمهلان عليها صعودا و نزولا .. و هو يرد بصوت بطيء ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
ذاك الضيق من نظرته المتمعنة تضخم في صدرها حين أخرج يده الكبيرة يمدها لها ..
لم تفهم ..! أتصافحه ..؟!
مدت يدها الباردة لتضيع في دفء يده و هو يعتصر كفّها الصغيرة و يشد عليها بقوة .. رفعت عينها نحوه حين سأل بصوت بدا لا مباليا ..
- وين بها ..؟!
- بنسير الجمعية نتقظى للبيت ..
- أي جمعية ..؟
تنهدت بصبر ..
- كارفور ..
- منوه لي بيوديكم ..؟؟
صرت على أسنانها بضيق .. ما هذا ؟ استجواب ..!
- دريولكم ..
رفع حاجبه بتسلط ..
- آآهاا .. و من منوه ترخصتي ..؟
عقدت جبينها دون أن تدرك مغزى سؤاله ..
- من أمايا ..
اشتدت يده على كفّها يعتصرها و هو يسأل بفتور ..
- ليش إن شا الله .. متزوجة أمج انتي ..؟
- شوه ..؟
قال بصوت بارد منخفض و هو يميل برأسه نحوها ..
- مرة ثانية يوم بتسيرين مكان تترخصين منيه .. و أنا أوقلج تسيرين و الا لا .. و الا شايفتنيه يدار قدامج ..
فتحت فمها لتعترض حين ترك يدها بهدوء .. و استدار ليتركها .. تقدمت خلفه بخطوة ..
- لا هب يدار .. بس انته ما كنت موجود .. و أنا .. ما .. أنا .. ..
صرت على أسنانها .. لما عليها أن تبرر له ..؟ و لما هذه اللهجة الجليدية التي يوجهها إليه ..
لكنه توقف أمامها ليلتفت نحوها بهدوء ..
- انتي شوه ..؟!
انفلتت الكلمات منها بصراحة و هي تهز كتفها ..
- ما تعودت اترخص من حد غير أمي و أبوي ..
اشتد فكه و عيناه تلمعان بشيء لم تفهمه قبل أن يقول بصوت قوي ..
- لا .. تعودي عيل .. لنه عقب اليوم ما بتشبرين برا البيت دون ما قولج ..
نظرت له .. لما تشعر بأنه عدوانيٌ بشكل ما ..؟! هل معاملتها هي من أثرت به بهذا الشكل ..؟ أم أن تلك الليلة قد فجّرت موقفا قديما بينهما ..؟!
تكاد تلمح طيفا لقسوة ذاك الرجل الذي كان حين تعرفت عليه للمرة الأولى ..
نظرت له بطرف عينها و هي تقول بصراحة ..
- انزين ليش معصب ..؟
اتسعت عيناه لبرهة .. و قد بدا أنها فاجئته بسؤالها .. قبل ان يحني رأسه ببرود ..
- يمكن أبا أفهم احساسي أنا بعد ..
و دلف المجلس تاركا ايها تتميز غيظا .. تعلم انه يسخر منها ..
كان هذا ردا غير مباشر يفيدها بأن ما يفعله ردا على ما تمارسه نحوه من تجاهل ..
زمت شفتيها بغيظ .. الحقيقة أنها لا تفهم هذا الرجل بتاتا ..
يمكنه أن يرقى بها قمّة الجنون لتجد نفسها فجأة في الحضيض ..
ينثر أحاسيسها .. يبعثرها أرضا بإهمال .. ليعود و يجمعها بتمهل بين راحتيه ..
أحيانا تجد جزءا من ذاتها ينفصل عنها .. ليراقبها و هي تقف قربه .. كيف تتصرف بغباء .. و تنقاد بسهولة ..
تنهدت بهدوء .. ما ينتظرها هي المهمة العسيرة التي ستقوم بها الليلة ..
قررت استغلال اقامة خالتها في هذه الأيام عندهم لتكون بقرب أختها في حالة داهمها المخاض ..
لتصارح إخوتها بقرار انتقالهم ..
هذه الأيام حين أصبحت في منأى عن تلك المشاعر المدمرة .. ذاك البرود الذي تتخذه قناعا و درعا لها ..
راح يبث فيها شيئا من شجاعتها القديمة ..
أخت ترى الأمور أكثر وضوحا ..
هناك الكثير مما هو بحاجة لكفاح .. و مقاتلة ..
تتجاهله في غمرة ضياعها الأخرق ذاك ..
ما الذي دهاها .. أصبحت متقلبة .. متقلبة ..
تدور حول نفسها .. بلا توقف ..!
.
.
- لاااا حالتج مستعصية و الله ..!!
انتفضت حين انتشلها صوت مايد الذي صاح قرب أذنها بقوة ..
- بسم الله روعتنيه ..!!
عقد جبينه و هو يبادل عبيد المبتسم نظرة ساخرة ..
- روعتج ؟؟ مساعة يالس أزاقر عليج و انتي عمج أصمخ .. خيبة .. فشوه تفكرين ..؟!
ابتلعت ريقها باحراج و هي تقول ..
- ماشي معين و الله ..
ضحك عبيد ..
- ماشي معيّن ..؟ أنا قلت هاي تخطط لجريمة .. تبطلين عيونج .. و تصغرينها .. و تمطين بوزج ايمين و يسار ..
التقطت فنجان مايد الخالي ..
- جريمة في منوه ..! محد قابل للقتل هنيه للأسف ..
لوح لها مايد بسرعة ..
- حور لا تصبين ..
- تقهوا يا ريال ..
- بنسري يا بنت الحلال ورانا أشغال و ترتيب .. الحين انتوا صارقين أمنا .. و وديمة ما منها خير .. مادري لشوه يالسة عدنا أونها تعاون .. يا تعابل بنتاا .. و الا ميوده التيلفون و سوالف ويا المعزب ..
ابتسمت حور له ..
- تحملوا .. أنا أقول أميه ناوية عليها هاليومين .. الله يصبركم ..
راح عبيد يرتب غترته و هو يعتدل في جلسته ..
- ع كيفها هو تنوي و الا لا .. الله ينسم كربها .. و يقومها لكم بالسلامة .. عاد أقولكم لو بنية من الحين محيرنها ..
هزت حور رأسها ..
- لا .. لا .. ما تباك بنتنا .. ما يتكبر الا و انته شيبة .. بلا ظروس ترابع وراها و هي عذرا .. هيييييييييه يا عبيد ..
ثم التفتت لعبيد و هي تتذكر شيئا ما ..
- تعالوا ليش ما تيلسون .. باكر السبت .. عطلة ..
أشار عبيد لمايد ..
- لا و الله أخوج مداوم ..
اتسعت عيناها و هي تنظر لمايد ..
- افااا ..!! صدق و الله ..؟!
أومأ مايد برأسه موافقا ..
- ليش زين ..؟!
- كذيه هل الصيانة و التشغيل ما عندهم الا اجازة في الاسبوع .. الا لو انتي بتسويلنا واسطة دامج حرم راعي الشركة ..
عقدت حور جبينها في ضيق و هي تنظر لمايد بنظرة معاتبة .. لا تدري لما شعرت بأنه يقلل من نفسه أو يفصل مستواه عن مستواها ..
- كان سويت واسطة و اشتغلت وياك .. تعال شوه تسوي في الصيانة و انته هب مهندس ..
- أمشي أموري يا بنت الحلال .. عاطينيه وظيفة مدنية .. مراجعات و مادري شوه من خرابيطه .. المهم .. نشي ازقري أماية بنسلم عليها قبل لا نسري ..
ابتسمت حور لهما بحب و هي تقول بنبرة حزينة ..
- هاي أول مرة تطولون عدنا من توفى أبوية الله يرحمه ..
ابتسم عبيد ممازحا ..
- كسرتي خاطريه بيي كل يوم ..
ضحكت و هي تنهض لاستدعاء أمها ..
- حياك الله ..
خرجت بعد لحظات مع عذيجة التي راحت تودع أبناءها بحرارة و توصيهم كأنما ستسافر على مكان ما .. و يستمعون هم بطاعة قبل أن يتبادلون رأسها بالتقبيل و يتركوها وسط دعواتها الخالصة .. تقدمت حور معهم لتوصلهم إلى الباب الخارجي ..و عبيد يقول بكسل ،،
- فديت أمايا .. الله الله فيها حور .. و الله لو نلقى فيها شمخ واحد .. بنردها و بنشل أمكم بدالها ..
ضحكت حور ..
- حلف و الله ..
- عيل .. نعطيكم أميه يديدة بقراطيسها .. و تخربونها ..
هزت حور رأسها و هم يجتازون الباب الفاصل بين الحوش و ممر المجلس ..
- بقراطيسها أونه .. عيوز منتهية برقعها مصدي من العهد الأغبر .. و بقراطيسها ..!!
رفع عبيد حاجبه حين ضربها مايد بخفة ..
- لا تسبين ..
ليقول عبيد بمكر ..
- و الله أخبرها ..
ربتت حور مكان الضربة و هي تضيق عينيها ..
- يا الفتان ..
هز عبيد كتفيه ..
- فتان .. فتان .. المهم أخرب بينكن ..
فتحت فمها لترد قبل أن تتجمد مكانها و عيناها تتعلقان بالذي دخل للتو بخطوات واسعة متوجها مباشرة للمجلس قبل ان يتوقف فجأة حين شعر بوجودهم ليلتفت بهدوء نحوهم ..
زمت حور شفتيها و مايد و عبيد ينظران إليه قبل أن يتقدم نحوهم بصوته العميق ..
- السلام عليكم ..
سلّم على مايد و عبيد بهدوء .. قبل أن يسلّط نظرة ضيقة على حور .. وجهه المشدود و هو يبادلهما السؤال عن الحال اوحى لحور أنه متضايق بشكل ما ..!
- يا الله نترخص ..
قالها مايد بابتسامة صغيرة .. تكاد حور ترى لمعان التوتر في عينيه .. و غيث يرد ببرود ..
- وين ..؟ رامسين ..
- مرة ثانية يا بو علي ،، نحن من المغرب هنيه ..
متأكدة بأنه غاضب الآن .. رغم نعومة لهجته و هو يقول ..
- عيل طافتنيه اليمعة .. ما عليه .. اليايات أكثر ..
أيلمسان التهكم في صوته كما تفعل .. ؟!
كلمات توديعية قصيرة قبل أن تسلّم عليهما حور بحرارة تحت أنفه .. قسوة نظرته تخترق بشرتها .. دون أن تلتفت إليه .. و هي تقول برقة ...
- تحملوا بعماركم .. و سلموا ع عميه سلطان ..
و ضربت مايد بخفة .. و هي تنظر له شزرا ..
- و اتصلوبيه ..
ضحك عبيد و هو يتقدم نحو الباب الخارجي ..
- بنتصل بج دام أميه رهينة عندكم ..
ضمت كتفيها لصدرها و هي تقول ..
- الله يحفظكم ..ما ان اختفى خلف الباب .. حتى تجمدت كفيّها .. لثانيتين شعر برغبة تدفعها للاستدارة فورا و التوجه للداخل .. و لكنه هنا ..!
يقف على بعد خطوتين فقط .. و نظراته الجامدة تلتصق بجانب وجهها المتيبس ..
أنزلت يديها بهدوء و هي تبتلع جرعة هواء ..و تحبسها .. قبل أن تلتفت له بهدوء ..
- مرحبا ..!
اصطدمت عيناها بعيناه لتعلق نظراتها برهة في ضيق حدود ذاك الغموض .. تخبط قلبها الأخرق كعادته .. و صوته البارد يرد تحيتها ..
- من متى و هم هنيه ..؟
تدلى فكها ببلاهة دون أن تفهم ..
- هاا ..؟
صر على أسنانه بنفاذ صبر ..
- من متى و عيال خالتج هنيه ..؟
- عبيد و مايد ..؟ من قبل المغرب بنص ساعة .. ليش ..؟
.
.

سحب نفسا عميقا محاولا بصبر ان يهدئ نفسه و هو يكتم غيظه بقوة .. ماذا .. هل هي غبية .. ام أنها تتعمد التظاهر بعدم الفهم ..؟!
عيناها المتسعتين بدتا صادقتين و هي تسأل ليجيبها بقوة .. و صوته يحتد دون أن يستطيع السيطرة عليه ..
- مرة ثانية ما يشبر البيت ريّال و أنا هب موجود ..
الحقيقة أنه يريد أن يشدها من غرتها التي تدلت على جبينها .. و هي تنظر إليه بذهول ..
- اشوه ..؟ هاييلا هب غرب ..؟! مايد و عبيد خوانيه قبل لا يكونون عيال خالتيه .. و متعودين عليهم اييون البيت متى ما يبون ..
شد قبضته .. كلمة واحدة من هذا النوع فقط .. و سيقتلع عينيها .. تتبجح بهم أمامه كما كانت تفعل منذ لحظات و هي تكلمهم و تضحك معهم ببساطة ..
و تخرج شعرها الغبية ..!
أكثر ما يثير غيظه هو ذاك الشعور المحرق الذي راح يتأجج في صدره ..
أراد خنق إحساس ملتهب غريب .. و رغبة حمقاء .. راودته حين رؤيتها تقف وسطهم .. تحثه على التقدم لدفنهم في مكانهم ..
سحب نفسا عميقا .. متلبسا بروده المعتاد و هو يقول بصوته الآمر ..
- هذا يوم أبوج في البيت و سامح لكن بهالشي .. الحين لا .. يوم حد منهم بيي يتصلبيه و يترخص .. ما يحدرون داخل البيت .. أشوفج ماخذه الامور حيا الله .. فهمتي و الا لا .. اذا حد ناوي ايي .. يتصلبيه قبل ..
ثم انخفض صوته بلهجة خطيرة حين رآها تزم شفتيها و عيناها ترتفعان بعناد ..
- سمعتينيه يا حور .. لا تخلينيه أسوي شي ما يرضينيه و لا يرضيج ..
أخفضت عيناها لعينيه .. و هي تقول بلهجة غريبة ..
- الظاهر انه وايد أشياء ما ترضيك هالايام .. أنا هب مستعدة أروح لخوانيه و أقولهم استأذنوا من ريليه قبل لا تحدرون بيت خالتكم ..!
انشراح غريب انبسط بين في جوفه و هو يسمعها تقول بصوتها المبحوح - ريليه - .. نزعة تملكيه أرضتها بلفظها ذاك .. و هو يقول بصوتٍ قوي ..
- لا تقوليلهم .. انا بتصرف ..
جحظت عيناها ..
- بتروغ خوانيه ..؟؟!!
التوت شفتيه و هو يميل رأسه نحوها ..
- بسوي لي بسويه .. شعندج ..؟
فتحت فاهها بانفعال .. و أطبقته مجددا و أنفاسها تتهدج .. على يقين هو بانها تتأثر من قربه ..
لكن عينيها الحائرتين سرعان ما استقرت على وجهه و كلمتين تنفلت من شفتيه لتهزّ أعماقه ..
- غيث شفيك ..؟
خفق قلبه بشدّة .. و ذاك الشعور المجهول يداهمه مجددا ..!
ما خطبه ..؟!
ما الذي يدفعه لمناكشتها .. أ لأنه لا ستهوي هذه الواجهة الباردة التي تخفي خلفها احساسها به ..؟!
أم أنه مغتاظ لأنها تغلّبت على تأثيره ..
ما الذي يثير حنقه و يجعله لا يريد سوى تصيّد الأخطاء منها ..؟!
يريد أن يغضب منها .. أن يدفعها للانفعال .. لتجاوز تلك الحدود السخيفة التي راحت ترسمها بتجنبه ..؟!
جل ما يريده الىن هو أن يدنو منها أكثر ..
ليصيخ السمع متأملا ..
لأنفاسها التي لن تكذب ..
لصدق ستتهدج به لتبوح همسا ما يخالج قلبها الصغير ..
يريد أن ينصت لتراتيل قلبها العنيد .. ما الذي تحويه حقا في داخلها ..
لما أقلقه أن تكتشف أن مشاعرها مجرد اندفاع احمق خلف الرجل الوحيد الذي عرفته ..؟!
راحت عيناه تجرّدانها و هي تستقر على نافذة روحها ..
تلك العينين الغائمتين اللتان استحلتهما علامة استفهام بحجم احساسه المتخبط الذي لم يعد يكترث لتفسيره ..
قد لا يعجبه ما يجد ..
كل ما يجزم به أنه يريد أن يثق بأنه لن ياتي يوم تصارحه مجددا برغبته في الانفصال ..
ما الذي سيفعله حينها ..؟
سيجبرها ..؟!
حتما سيفعل إن لم يكن له الخيار ..
كان صوته أكثر هدوءا .. لا يفضح تلك العاصفة الهوجاء التي راحت تهدم ركائز ثباته في داخله ..
- و انتي تشوفينها حلوة فحقي هالحركات .. تظهرين و لاكنه ريال وراج تترخصين منه .. و تييبين خوانج فبيت أنا راعيه الحين .. و أنا الريال فيه .. لا عبرتينيه ولا عطيتينيه خبر .. شوه هب ريال قدامج .. و الا هب مازر عينج ..؟
تلذذ بتلك النظرة المتراجعة في عينيها .. هذه الكلمات انتقاها بعناية .. ليس عليه سوى الاستدارة و تركها الآن .. لتحترق ذنبا حتى تعود للاعتذار .. للدنو من روحه ..
سيستدرجها ..
كلمة أخيرة ألقاها قبل أن يرحل ..
- كم رقم عفرا ..؟؟
كان فاهها لا زال مفتوحا بضياع .. ثقته راحت تتماسك مجددا .. و هي تنظر له بعدم فهم .. الحقيقة بانه بارع في بعثرة هذه الطفلة ..!
- رقم عفرا ..؟!
قال ذلك مكررا طلبه .. لتنظر له بذهول ..
- عفرا ختيه ..؟
- هيه .. عندكم عفرا غيرها ..؟!
- لا .. بس .. آآ .. شوه تبابها عفرا ..؟
رفع حاجبه و كأنما يقلل من قيمة سؤالها ..
- أباها بسالفة .. كم رقمها ..؟
قالت بعناد و قد بدت كراهيتها إعطاءه الرقم جليّة ..
- عفرا تعبانة هالايام ..؟
هذا هو المقصد ..
لا تزال - تعبانة - ..
و لا زال الشك متأصلا داخله .. نفس الشك الذي كان متأكدا بأنه يسكن قلب الواقفة أمامه و تتجاهله بقوة ..
- انزين ..؟ شوه بلعب كورة وياها ..؟ ابا أرمسها أنا .. عطينيه الرقم يا الله ..
زمت شفتيها بتلك الطريقة مجددا .. خنق ابتسامة متهكمة و هي تردد الرقم على مسامعه بضيق ..
سجّل الرقم في هاتفه بسرعة .. قبل أن يستدير بصمت و توجه للمجلس تاركا اياها خلفه .. ليدلف إلى ملجأه منذ أشهر و يصفق الباب بخلفه ..
.
.
لم تشعر باللحظات الطويلة التي قضتها و هي تقف مكانها تنظر للباب المغلق .. و هي تعتصر طرف غطائها بقسوة .. حتى أصبح رذاذ السماء يتهافت برقة على وجهها ..
ببرد منعش ..
ماذا يريد من عفرا ..؟!
ثم ماذا يقصد بكلماته الأخيرة ..؟ أيعني أنها تقلل من قيمته .. ؟
شعرت بشيء من الاحباط .. و الذنب .. نفخت بضيق و هي تنظر لباب المجلس ،،
((و انتي تشوفينها حلوة فحقي هالحركات .. تظهرين و لاكنه ريال وراج تترخصين منه .. و تييبين خوانج فبيت أنا راعيه الحين .. و أنا الريال فيه .. لا عبرتينيه ولا عطيتينيه خبر .. شوه هب ريال قدامج .. و الا هب مازر عينج ..؟ ))
ماذا يريد منها ..؟ أن تغير حياتها لمجرد اقتحامه اياها ..؟
قالها بنبرة غريبة جعلتها تشعر بأنها مخطئة ..!
قدماها تثقلان .. و الرذاذ يروي وجهها الصافي بشح .. قبل أن تدير ظهرها لباب المجلس ..
و تخنق رغبة في الذهاب لقرعه ..
تريد أن تواجه عينيه مرة أخرى .. لتعلم إن كان غاضبا ..؟!
.
.
.
.
.
.
- مطر .. مطر ..
قالتها مزنة و هي تصفق بيدها بحماس .. بعد ان اشتد المطر .. و خالتها عذيجة التي انهمكت في تدليك قدمي أختها المتعبة تقول ..
- يا الله يا رب .. زيده ..
قالت دانة بتذمر ..
- الحين ما بنسير المسيد نصلي التراويح و الا شوه ..؟
نظرت نورة لساعتها و هي تقول ..
- عدها نص ساعة قبل صلاة العشا .. يمكن يوقف المطر ..
- و لو ما وقف ..؟!
نظرت نورة لحور التي بدت شاردة تماما و هي تضيق عينيها متأملة أرضيّة الصالة بسجادها المهترئ ..
- بنصلي في البيت .. حووووووووووووور ..!!
التفت لها حور بضيق ..
- نعم .. ما تعرفين تزاقرين بصوت واطي .. صميتي اذنيه ..
رفعت نورة حاجبها تنظر لحور ..
- شدرانيه بج مساعة نرمسج و انتي هب ويانا .. رمستي وديمة عن كنادير العيد ..؟
هزت حور رأسها بضجر ..
- كم مرة تخبرتينيه .. قالت تشرت الرقع و ودت المقاسات الخيّاط .. غيرها ..؟
- سلامتج ..
و ارتفعت عيونهن لباب الغرفة الذي فتح لتطل منه عفرا بوجه شاحب .. و عينان تحتضنهما دوائر داكنة .. لتقول بصوتٍ ضعيف مهزوز حين رأت العيون تتوجه اليها ..
- وين نايف ..؟
نظرت لها حور بألم و هي تجيب بابتسامة حانية ..
- عند حمود يذاكر وياه ..
يؤلمها منظر أختها المتوجع هذا .. لا تعرف سببا للتعاسة التي تكسحوجهها ..
تبكي بسرعة .. و طوال الوقت .. تهمل دراستها بعض الشيء .. كل ما تفعله هو الاستلقاء في فراشها و الاختباء تحت اللحاف ..
سحبت حور نفسا و هي تسألها ،،
- تبين شي حبيبتي ..
تراجعت قليلا خلف باب الغرفة و هي تجيب بهمس ..
- أباه يقول لغيث يشغّل الوايرليس .. عنديه بروجيكت أبا اخلصه قبل الصلاة ..
أخرجت حور هاتفها مشجعة و هي تقول ..
- انا بتصلبه الحين .. سيري خلصي ..
هزت رأسها بانكسار قبل أن تدلف و تغلق الباب دون كلمة ..
تنهدت حور بقوة .. لتسمع تنهيدتها بوضوح .. قبل أن تنقل بصرها بين الموجودين ..
كان الوجوم هو ملامح هذه الوجوه ..
مزنة هي الوحيدة التي لا تزال تراقب قطرات المطر التي ترتطم بزجاج النافذة .. هند و نورة و دانة تعلّقت أعينهن بباب الحجرة .. أمها تعقد جبينها بصمت .. و عذيجة تهز رأسها بأسى و هي تكرر تلك الجملة التي تقولها مذ رأت حالة عفرا الغريبة ..
- البنية هب طبيعية .. حرما ينها فيها عين و الا طار فيها شي ..! بعضهم لي يطيحون يتلبسونهم .. و عفرا ربع وراها كلب اسود .. لازم نودي البنيه لمطوع ..
أدارت دانة عينها فيهم بحذر ..
- أمس الساعة ثنتين الفير سمعتاا تصيح ..!
هزت نورة رأسها موافقة و صوتها يقول بحزن خافت ..
- دوم تصيح .. أمس تخبرتاا كان تبا شي و خرّت دمعتاا .. حتى العيشة ما تاكلها شرا الأوادم .. خالوه يمكن صدق فيها عين ..!! عفاري شاطرة .. و عاقلة .. يمكن حد حسدها ..!!!
لم يرد احد بعد كلماتها .. صمت قبيح ساد في المكان ..
و كلٌّ يغرق في فكرة ..!
قبل ان تسمع حور صوتا مألوفا من بعيد .. شيء يشبه الانذار بجرس .. لتلفت لنورة بسرعة ..
- نورة .. راعي الغاز ..! اربعي وقفيه .. بسرررررعة ..
تمطت نورة و هي تقول بكسل ..
- خلي مزنة تزقره ..
- مزنة صغيرة و تخاف .. بسرعة يا الهبلا .. بيسري ..!
وقفت نورة بملل ..
- افففففف منكن كم اسطوانة ..؟
هبت حور لتخرج المال لصاحب لموزع الغاز ..
-ثنتين ..
خرجت نورة مسرعة و هي ترفع غطاءها تتقي المطر .. و حور تخرج هاتفها .. لتختار اسم غيث .. ثم تتصل به ..
صوت الخط المتقطع يعلن اشتباك الخط .. لحظات مطولة دون رد ..!
عاودت الاتصال مرتين و ثلاث ..
و في الرابعة كانت تصر أسنانها بغيظ ..
يتعمد تجاهل مكالمتها اذا ..!
همست بحقد و هي تفتح صفحة كتابة رسالة نصية قصيرة ..
- الهرم ،،
راحت تصف الكلمات تباعا .. و هي تضغط على أزرار الهاتف بقوة كادت أن تحطمه ..

* * * * *

- خلها على ربك يا ريّال .. أبو لحية شكله ناويها علينا هالمرة .. ما يبانا نسير مكان ..
قالها هزّاع بهمس يائس و عيناه على شقيقه الأكبر الذي يمسك بالمصحف الشريف و بدا غارقا بين آيات الذكر الحكيم ..
كانوا يجلسون بعد إفطار ثالث يوم من الشهر الكريم في بيت بو سيف الذي دلف للداخل .. فيما استلقى حارب على الجلسة الأرضية و عيناه على التلفاز الذي كتم صوته بطلب من سيف .. ربت أحمد على بطنه بشبع و هو يقول ..
- المطوع شالنه هوا .. مستعيل ع رزقه .. يتحرا عمره بيملك أول ما تربي حرمة عميه .. عدهم بيضيفون العرب و بييبونهم بيت يدي .. خلاف بيرتبون أمور الملكة .. ما عليك منه .. انته شاور عميه .. قردنه شوي .. و بيطيع ..
و ابتسم بتفاؤل ..
- إذا غيث ما قال شي .. و وافق .. شوه بيقول سيف ..؟؟
- ياخي سيف يأثر على أبوية وايد .. لو يقول يمين .. قال يمين .. و لو قال يسار قال يسار ..! الحين أنا قلتله أبا أروح ويا الشباب ثاني يوم في العيد لقطر احتشر عليّه .. و خشعنيه .. يقول نحن فاضين و نضيع وقتنا في يمعات الشباب .. كنه الا يبانا نخاوي الحريم ..؟!!
- ما عليك منه .. حاول مع عمي .. و لو ما طاع .. بنشوف غيث ..
عقد هزّاع حاجبه باستياء ..
- الله يعين لو صدق ما بيخلونا نسير ..! السلعاوي بيسابق بداليه ..!
نفخ أحمد صدره ..
- جب لااا .. السلعاوي أحول ما يعرف السكان من القير .. لو ما بتسير أنا بسير و بسابق ..
نظر له هزاع بغل ..
- يا النذل لو ما بسير بتيلس ويايه في البلاد .. و الله ما تشبر .. هيه هاللي قاصر بعد .. أتم اروحيه و انته ترتغد هناك .. اقصرها الرمسة .. بلايه ما شي سباق تسمع ..
- يا خوك .. لو رديت الشور لك ارمس .. انته ما بتدريبيه الا قدنيه هناك اتصلبك .. ألوو .. هزاع .. هنا قطر .. هههههههههه .. و انته ايلس هنيه .. عابل الخيمة .. و زهاب العروس .. و رتب العشا .. و لو تبا تحظر رويض يوم بتتحنى خبرنيه بسويلك واسطة .. هههههههههههههههه ..
لكمة هزاع بقوة ..
- انطب يا الهرم .. و الله لسير .. بتشوف .. و بو لحية مقدور عليه ..
غمز له أحمد ..
- بنشووووف ،، - ثم التفت لحارب - أقول يا الحبيب .. شوه تطالع انته بلا صوت ..؟؟ نش نش .. بنسير نتحوط شوي ..
رفع حارب يده يسأل من بعيد ..
- نتحوط وين ..؟
- بنسير المول ..
- في هالمطر ..؟!
رفع احمد حاجبه ..
- أي مطر ..؟! القطرتين لي صبن الظهر !! .. نش يا الله .. بتخاوينا و الا لا ..
رفض حارب ..
- يا خوك طول الاسبوع حاجزينيه في الكلية .. أبا أشوف الوالدة و أيلس وياها .. بيروح بو سلطان وياك ..
مط أحمد شفتيه .. و هو ينظر لهزاع الذي يقلب ما في هاتفه ..
- مليت منه خوك .. حشى هب ريال لصقة .. أربع و عشرين ساعة على ظهريه .. حتى و أنا راقد يظهرليه في الحلم .. مع انيه أقرا المعوذات .. !!
لكزه هزاع بقوة بكوعه ..
- شوه شيطان شايفنيه يا الثور .. تحمد ربك .. غيرك يموت و هب محصل نظرة منيه ..
- عداااال عاد .. يا الله .. سريناا ..
قالها و هو ينهض .. قبل أن يرفع سيف رأسه لهما منبها و هو يغلق القرآن بلطف ..
- صلاة التراويح يا شباب .. لا تلهيكم الهياته ..
هز أحمد رأسه باحترام ..
- ان شا الله يا فضيلة الشيخ .. دعواتك بس ..
هز سيف رأسه بهدوء ..
- الله يهديك ..
تنهد أحمد من قلبه ..
- آمين ..
تحرك الاثنان يتركان المكان ..
رفع سيف عينه للتلفاز الذي تعلقت به عينا حارب .. و هو يسأل بهدوء ..
- شوه تطالع ..؟
التفت له حارب بسرعة ..
- خلصت ..؟ بظهر الصوت ..
عقد سيف جبينه و صوت التلفاز يصدح في المجلس بصوتٍ عالٍ .. كانت الشاشة تعرض نقاشا حادا لرجل ملتحٍ بثوبٍ قصير مع آخر صورته و هو يشحن سلاخا اوتوماتيكيا .. قبل أن يتقدم من حارب و يكتم صوت التلفاز .. اعترض حارب ..
- بلاك ياخي ..
- شوه عايبنك المسلسل ..؟!
- ظهر الصوت ياخي ..
المسلسلات من هالنوع ثوب مقلوب ..
عقد حارب جبينه ..
- ثوب مقلوب ..؟!!
جلس سيف قربه و هو يفتح نقاشا متعمدا ..
- هيه .. خبرنيه أول .. شرايك في هالمسلسلات ..
رفع حارب عينه بملل ..
- آممم .. مادري و الله .. ما تابعهن وايد .. بس أحسها مسلسلات طيبة .. تعرض قضية و تناقشها .. و الا شرايك ..؟ يعني يا بو هناد الحين العالم ماله شغل و لا شاغل الا الارهاب .. تعرف انه أول شي يعلمونا اياه في الطيران اجراءات الامن في الطايرة اذا انخطفت ..؟! العالم كله متروع من الارهاب ..!
مسح سيف على لحيته بابتسامة ..
- و المسلسلات تعالج هالقضية ..؟!
- يعني تعرضها .. و تشرح أسباب حدوثها .. يمكن تساعد الغير في تجنب التورط في هالخربطان .. هب كل العرب عندهم خلفية دينية تخليهم ايميزون الصح عن الغلط ..!
- و الخلفية الدينية بتكونها لهم المسلسلات هاي ..؟
ضحك حارب بهدوء ..
- بو هناد بلاك ..؟ هاي مسلسلات العرب كلها تشوفها .. هوب شرط انه كل من ايشوفها يتأثر ابها .. و الا شرايك ..؟
- راييه ان هالمسلسلات خبيثة ..
الآن يضج حارب بالضحك ..
- مرة ثوب مقلوب .. و الحين خبيثة .. حاااقد يا ريال ..!
هز سيف رأسه .. بهدوء ..
- و ليش ما أحقد ..؟ عايبتنك مسلسلات من هالنوع .. انته لك راي و أنا لي راي .. و غيري له راي .. كلن يشوف الموضوع من زاوية .. أصحاب هالنوع من المسلسلات خلّوا الارهاب تجارة ..!!!! كل واحد يستلم موضوع الارهاب و يبهرجه و يحوله قصة درامية .. عسب يستوي مسلسل فنان يعرضونه على الناس ..
تنهد و هو يقول ..
- تعال بس بنشدك .. شوه الارهاب ..؟
رفع حارب يديه في وجه أخيه مستسلما ..
- لا اتخبرنيه ..
- ليش ..؟ قول ..؟
قال حارب بحذر ..
- الارهاب أفعال المتطرفين دينيا .. هاييلا المتشددين في الدين يذبحون خلق الله أونهم كفّار ..
رفع سيف يده ..
- بس خلاص .. هاللي ظهرته من المسلسلات .. انا ما يهمنيه لو يبون يعرضون الارهاب و الا لا .. أصلا موضوعه متفرع و الواحد يضيع فيه من أحكام و فتاوى و غيره .. هالمسلسلات لي من هالنوع بس تشويه للاسلام .. انطباع واحد تعطيه كل متابع لها .. كل لحية طويلة و عمامة .. كل ناصح بامر الله .. مجرد متطرف خبيث يسعى لاستدراج العالم عسب يستخدمهم في مهماته الانتحاريه .. يصور اهل الدين مجرد جماعات و عصابات مالها شغل و لا شاغل غير المذابح لحاية في نفس يعقوب و العذر يعقونه على الدين .. هاييلا تديّنوا و من زود حبهم للدين تطرفوا و غدوا ارهابيين ..
فرد يديه بهدوء ..
- وين الغلط ..؟؟ الدين .. الوسيلة لي استعمل بها ..؟ و الا الأشخاص لي ما فهموا مغزاه ..؟!!!!! يمكن فيه ناس كذيه .. و متأكد من هالشي .. بس لحظة .. شوه الغاية من هالنوعية ..؟؟ مهاجمة هالجماعات .. و الا نصحها ..؟!! أنا ماشوفها الا استفزاز .. دفع للعنف ..
قال بقهر ..
- أنا ما يحرنيه و يعل فواديه غير شي واحد .. يوم انك تستخدم دينك تجارة .. تشويهه في لي شرا هالمسلسلات .. ما شفت شي منهن عرض ببساطة ان الدين الحنيف تسامح .. و مودة و احترام للديانات الأخرى .. كل لي اشوفه عرب مطولين اللحى و سفّاحين .. هاييلا ينشرون الفكر الغربي .. ليش صارت سنّة الرسول عليه أفضل الصلاة و السلام علامة و دأكبر دليل على الارهاب .. تقصير الثوب .. صار ترهيب ..
لوح بيده بغضب و حارب يستمع بهدوء دون مقاطعة ..
- هاييلا بهالمسلسلات الغبية .. يبعدون الناس عن الاسلام .. يخوفونهم من التقرب الى الله .. لن التدين و التشدد تطرف و اجرام .. لو شخص غير مسلم آمن باللي تحويه هالمسلسلات .. شوه الشي لي يمكن يأثر فيه غير ابعاده عن الدين و كرهه أكثر و أكثر ..! أنا ملتزم و لله الحمد .. ما فكرت أنحر بشكارتنا لنها مسيحية .. بس هم ما يحبون يعكسون الا السواد عقب ما يضخمونه ..!
رد حارب بهدوء .. و هو يتثاءب ..
- يا بو هناد .. لا تنكر انهم يعرضون قضية .. و يبون يحلونها ..
- يحلونها كيف ..؟ و هم يصورون للعالم ان الاسلام سبب ..! ان المتطرفين ما انحرفوا الا بسبب معتقدات دينية اسلامية ..؟! و اذا كانوا المتطرفين ياخذون الدين حجة ..؟ ليش نحن ما عدنا سالفة .. ما نروم نعكس صورة اسلامنا الحقيقية ..
لوح حارب بهدوء ..
- سيف يا خوية .. كانك تحمست شوي ..؟
صر سيف عل أسنانه و هو يهب من مكانه لغلق التلفاز ..
- الغيرة على الدين هب عيب .. و هالخرابيط لي ما وراها فايدة خلها عنك .. سير اقرا لك سورة تنفعك ..

* * * * *

* * * * *

قبلتها بحرارة و هي تقربها نحو الأريكة و تقول بشوق ..
- تولهت عليج يا السبالة .. عنبوه صدق ربيعة جامعة .. ما تذكرين حد عقب الكورس ..!!
رفعت راوية حاجبها و هي ضع حقيبة يدها جانبا ..
- انا لي ما أذكر حد ..! و الا عرب من يوم قربت ملكتهم حتى سماعة التيلفون ما يرفعونها ..!
ضحكت روضة بخجل و هي تردف ..
- و الله انشغلت بالخرابيط .. ما عليه .. خبرينيه .. شحالج .. شخبارج .. و شوه مسوية في الجامعة .. هههههههههه ناوية تعمرين و الا خريجة هالكورس ..؟
- بخير فديتج .. كل شي يسرج .. هههههههههههههههه .. لا خلاص مليت .. الجامعة بلاج هب شي .. بتخرج ان شا الله .. انتي شحالج .. ما قدمتي أوراقج في مكان ..؟
- بخير يعلج الخير .. شوه أشتغل ..؟؟!! لا يختي .. مشغولة بسوالف الملكة الحين .. يوم تترب أموريه بشوف شوه أبا بالضبط ..بنت عميه عوشة توظفت ..!
ابتسمت راوية باهتمام ..
- الطويلة الغاوية ..
- ههههههههههههههه هيه هي ..
- وين ؟؟
- في إماراتي للإعلام .. فرعهم لي في العين ..
عقدت راوية جبينها ..
- و عادي عندكم ..؟ أحيده مختلط ..
هزت روضة كتفيها بخفة ..
- و الله ما قد جربنا شي عسب يكون عادي و الا لا .. هاي أول وحدة من بناتنا تتوظف .. بنات خاليه متوظفات في وزارة .. يعني عادي ظنتيه .. و بعدين الشباب أكيد ما دروا بالسالفة و الا شفتي كلن يدلوا بدلوه ..
اومأت راوية برأسها ..
- انا أقول أكيد بعارضون .. لنه شي شباب هناك ..
- و لو ..؟! لو هي بتحشم عمرها ما بييها شي ..
لم تجبها راوية و هي ترتد إلى الوراء بحركة سريعة و تدير رأسها لترد الغطاء الثقيل على وجهها .. و هي تهمس بإحراج ..
- رووووضووووه .. ياا السبااااالة .. قلتي محد في البيت ..!!
التفتت روضة بدهشة للخلف .. قبل أن تذهل بحق.. لم تعرف هل تضحك على الموقف بصوتٍ عالٍ .. ام تنبه صديقتها .. أم ماذا .. كل ما شعرت به هو الضيق الشديد الذي اغتصبت ابتسامة متوترة رغم اكتنافه صدرها و هي تقول بهدوء ..
- راوية .. هاي شيخة ختيه ..
قالتها و هي تلتفت لشيخة التي وصلت نهاية الدرج الكبير .. ترتدي بنطالا خشنا .. و فانلة وسيعة .. شعرها المقصوص الذي يصل لآخر رقبتها احتضن وجهها بفوضوية ..
نظرة غريبة علت ملامحها و هي تقف بجمود و راوية تزيح الغطاء عن وجهها بإحراج ..
هبت راوية واقفة و هي تنتظر شيخة التي تقدمت ببرود لتسلم ..
- السلام عليكم .. حيّا الله راوية ،،
- و عليكم السلام و الرحمه ،، الله يحييج و يبقيج ..
سلّمت عليها بجفاء .. و صوتها الخشن يرد ،،
- شحالج ..
بدت راوية مرتبكة مما فعلت منذ قليل .. شعرت بأنها أحرجت شيخة أو جرحتها بشكل ما ..! رغم أن وجه تلك كان باردا .. جامدا .. لا يفصح عما قد يخالجها ..!
- بخير و سهالة .. شحالج شيخة .. ربج بخير ..
قالت باختصار ..
- الحمد الله .. انا بسير الميلس الداخلي ..
و تركتهن ببساطة .. جلست راوية مرة أخرى و عيناها تتعلقان بروضة في اعتذار ..
- و الله ما كان قصديه .. كانها زعلت ..؟!
لوحت روضة رغم شعورها بالضيق لما حدث للتو و لكنها كرهت أن تضايق ضيفتها لتقول بهدوء ..
- ما عليج منها .. دوم زامة بخشمها .. علومج بعد ..
.
.
.
.
لم يفلح ابهاميها اللذان راحت تضغط بهما على عينيها بقوة في ايقاف تلك الدموع التي راحت تخز جفنيها ..
و هي تطبق شفتيها بقوة .. تحتبس نفسا تريده أن يهدئ تلك الحرقة التي راحت تذيب فؤادها ..
لا زال ذاك الحدث القريب يثير تقززها .. و قرفها .. تلك الصورة لا تزاح عن عينيها .. و أخرى قديمة تقاربها ..
راحت تنبثق من العدم لتعيّرها ..
لا أحد يعلم كم هي فزعة ..
و كم هي خائفة ..
لا يدرون كم هي مرعوبة من تلك الصورة ..
أ سيقبل يوما لتصبح مسخا كما تلك الفتاة ..!!!
.
.
أما من يدٍ تنتشلها من هذه الحيرة ..
لا تريد سوى ذرة من امانٍ ..
لا تكترث إن كان كاذب ..!
انها خائفة ،، و لا تدري مما ..!

* * * * *

تقفان في زاوية الحوش ذو السور العالي الخاص بقسم النساء في المسجد ..
و تضم طرف الشيلة لشفتيها و عينيها المغروقتان بالدموع تفضح الكثير .. أنفاسها ترتجف بلوعة .. و هي تهمس بإحساس قاتل ..
- متى ..؟ متى يا فاطمة .. أنا ما أرقد في الليل .. و الله ما تغفى عينيه ..! بمووووت .. تعرفين شوه يعني بموت .. مادري شوه أسوي ..!
عضت فاطمة شفتيها تخنق عبرتين كادتا تنزلقان على وجنتها ..
عليك اللعنة يا أخي .. لماذا أزهقت روحها ..!
- يوم بيرد .. هو من يوم .. صار اللي صار .. سار الشارقة عند واحد من ربعه .. و ما شفته .. يتصل .. بس الموضوع ما يتحمل حد يقوله في التيلفون .. صبري شوي .. و لا تخافين ..
كانت تكذب ..! تخدع عفرا بألم ..
ماذا تقول لها ..!!
تحدثت إلى ذاك الحثالة المسمى بأخي و أنكر الموضوع رغم ثقته بأنني على يقين بكذبه ..
ترددت صرخات أخيها الثائرة و هو يهاجمها ..
- قوليلها الخايسة الـ ..... تروح تشوف مع منوه فالتة و لا تفر بلاها علينا ..
فيما ترد هي باحتقار ..
- لا تتبلى ع البنية .. هاي أشرف من ويهك .. ليش ..؟؟؟؟ ليش يا سالم .. انا لقيت شيلتاا و شباصتاا في ميلسنا .. حرام عليك ..
ليدفعها هو بقوته ..
- ان شا لله تلقينها هي بكبرها مفرورة عدنا .. هاي وصخة مادري لافة ع منوه و مسودة ويها و ياية تعق خياسها ع العرب .. فالتة ما وراها ريّال شوه بيظهر منها .. قوليلها تسير تحاول ويا ربيعها كان بيستر عليها ..
-بس .. بسس يا كذااااااااااب .. يا حثااااااااااااالة .. الله يلعنك .. تسود ويوهنا و تنكر بعد .. لااازم تصلح غلطتك .. سالم .. لي سويته فيه خراب بيوت .. لو حد يدري بيذبحونها و يذبحونك ..
- قلتيها .. بيذبحونها .. يعني هي الخايسة لي مسودة الويه .. لا تسوينها مظلومة .. و ليش يذبحونيه ..؟ أتحدى واحد منهم بس ايي و يرمسنيه .. و الله لفضحها .. خلي العرب كلها تعرف سواد بنات حمد بن سيف ..
- يا كذااااب .. يا حيواان .. الين متى بتنكر ..!!! خاف ربك .. حتى فرمضان .. انته تقص على نموه ..؟ عليه و الا ع عمرك .. أنا و انته نعرف انك حقير و انته لي غلط ع المسكينة .. لا .. لا .. سالم .. يكفي لي سويته .. لا تزيدها .. استر عليها .. و صلح لي خربته ..
لم تكن الإجابة على كلماتها سوى يده الغليظة تهوي على شعرها لتقتلعه بقوة و هو يصيح بها .. و يده تهزها بلا رحمة ..
- تكذبينيه يا كلبة .. خربنج اللوث .. و الله لو يخبرنيه الطير في السما انج شبرتي بيتهم يا فطوم .. لدفنج عند بابهم .. تسمعين ..
لم تكن صرخاتها و محاولاتها اليائسة للانفلات رادعا حقيقي له ..!
كان كالوحش الهائج .. لم تعلم اذا كان يهاجمها أو يهاجم ما تعلم ..
يهاجم خوفه مما هو قادم .. او تبعات فعلته الشنيعة ..
و هي تراه يتركها و قد أسقطت يدها .. علمت أنه لا يمكنها مساعدة عفرا دونه ..
و نزعة كريهة راحت تستبد بها حينها .. تريد أن يحلَّ الموضوع بهدوء .. دون أن يتعرض أيٌّ منهما للأذى ..
فرغم كل شيء .. هو اخوها .. و تعلم أن في افشاء مثل هذا الخبر دق لناقوس النهاية بالنسبة اليه ..
لن يكفيهم أن يشبروا من دمه ..
.
.
- أنا بخبر حور ..!!
قالتها بصوت مرتعش و هي تضم جسدها بردا .. و دمعة أصبحت لا تفارق وجهها ..لتتصلب أوصال فاطمة بذعر و عيناها تتسعان .. فيما يتهدج صوت عفرا ..
- لازم أخبرها .. هي بتفهم السالفة و بتساعدنا ..
هزت فاطمة رأسها رفضا و هي تقول بشحوب ..
- لا .. لا تخبرينها ..
أصبحت عفرا تبكي بضعفٍ الآن و هي تجيب ..
- أبا حد يعرف من هليه .. ع الأقل يدرون بالمشكلة .. انتي تتحرينهم صدّقوا سالفة الكلب ..؟!! ما شفتي حور و لا خواتيه كيف يطالعنيه .. يدرووون .. يدرون انيه أكذب ..
بدت على شفير الانهيار ..
- أكيد يدرون باللي استواا .. أبا أخبر حور .. انا ما يخصنيه .. كل شي صار غصبن عنيه..
شعرت فاطمة بانها على وشك الانفجار بالبكاء .. ما الذي ستفعله حور في حالة علمها بالأمر ..؟!
تقطع علاقتها بهم .. تتهجم على اخاها ..؟!
تخبر زوجها و أهلها بالأمر ..
إلى أي حد يمكن للأمور أن تسوء يا ترى .. !
أوليس بالإمكان حل هذه المعضلة بهدوء ..؟!
شعرت بأنها دنيئة .. و قذرة ..
بأنها تشارك أخاها فعلته و هي تقول بصوت مهتز ..
- لا .. لا تخبرينها .. دخيلج عفاري .. عطينيه وقت بحل الموضوع .. بقنع سالم يصلح غلطته ..
ضمّت عفرا حاجب الصلاة و السجادة لصدرها ..
- كيف ..!!! كيف بيصلحهاا .. آآآآه يا رب ارحمنيه ..
أمسكت فاطمة يدها ترجوها ..
- صدقينيه بتتعقد السالفة لو حد درابها غيرنا .. هب لازم الكل يعرف انج ... انه .. يعني صار لي صار .. عفرا .. بس وقت دخيلج ..
دفنت عفرا وجهها في السجادة ببؤس .. ما لا تعلمه فاطمة انها لن تجرؤ على البوح بما حدث لحور ..
لا تدري لما ..!
لكنها لا تستطيع .. تشعر بأن شيئا ما انكسر بداخلها .. لا تريد لأختها أن تنكسر أيضا ..
على يقينٍ بانها ترتكب خطأً بالكتمان .. و لكن أنى لها أن تجد في نفسها قوة لتسر لأحد بما حدث ..
الأمر يفوقها كثيرا .. يقتلها ببطء ..
تشعر باللهيب يسري في داخلها مجددا ..
قبل أن ينخمد كل ما في داخلها ..
أحيانا نجد اليأس ينخر أرواحنا ،،
يتآكل الامل فيها .. و يصدأ التفاؤل ..
كل لونٍ يفقد بريقه ..
ليحيل القنوط أيامنا إلى لوحة كريهة مجردة ..
خاوية ..
لا خطوط فيها .. و لا ألوان ..
لا وجوه تحتويها ..
حتى نقاء الخلفية لا انعكاس له ..
سواد يكسوها .. يغشى أبصارنا ..
لنقاد بعمى .. عبيدا لذاك الاحساس المنهزم ..
نقدم على كل ما قد يخالف ذواتنا ..
فنقتلع جذور الحياة بقبضاتنا المقهورة من ذواتنا ..
لنترك هياكلنا مهجورة ..
خاوية ..
عرضة لتهشم بائس ..
تنتظره بفروغ أمل ..
لا شيء قد يزهق الإحساس.. يقتل ببطء كاليأس ..
شيء يجثم على أنفاس الأيام ..
لينشب أظافر الاستسلام فيها ..
فيمتص كل ما تحويه ..
أحلامنا .. آمالنا .. حتى قوانا القديمة ..
كل شيء يصبح أدراج النسيان ..
اليأس ليس سوى مدية تمعن في تقطيع أوصال الأمل ..
أمل .. أمل .. أمل ..
أين هو منها الآن .. تعلم أنها تساق على وجهها الآن خلف ما تحمله الأقدار لها ..
الكثير .. الكثير من الوجع يعتصر قلبها الآن ..
و هي تعلم بأنه لا يدري عن فظاعة ما تشعر به سوى ربّها ..
لذلك رفعت رأسها للسماء الملبدة بالغيوم الرمادية ..
و قطرة تريقها المقلة .. حمّلتها كل ما تقوى على ذرفه و هي تهمس بتوسل بدا كناقوس النهاية ..
- ارحمنيه يا رب .. ارحمنيه ..
و كأنما يُرَدُّ على مشاكاتها .. ارتدت أصداء الإقامة تملأ السمّاء ..
تحثها على التلبية ..
على أن تجثو .. تتوسل ..
أن ترجو ..
ربا ستكون له في السجود أقرب ،،
إلها أدفأ قلبها الأذان بذكره ..
( الله اكبر الله اكبر، اشهد ان لا اله الا الله، اشهد ان محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح. قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، الله اكبر الله اكبر لا اله الا الله )
.
.
لا زال هناك قبس يضيء فتات ما تبقى من روحها ..
هناك ربٌّ ينظر إليها .. و لما بين يديها ..
ليس عليها سوى التوجه إليه بالدعاء ..
إنه لا يخيب رجاء عبدٍ أبدا ..

* * * * *



<<




لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 22-06-16, 09:11 PM   #27

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



تتمــــــــــة ،،







يجلسن على عتبة الباب .. يشاركهن نايف الجلوس بعد أن استدعته بنفسها .. عيناها لا تنظر إليهم .. و الفضول حفر على وجوههم جميعا فيما عدا المها التي راحت تراقب شرود أختها الكبرى بهدوء .. و هي تتأمل الحوش المبتل بعد توقف المطر ..
راحت نسائم رطبة تدخل الصالة عبر الباب المفتوح .. لتتغلغل بينهم .. انتفضت حور و هي تضم نفسها أكثر ..
مزنة تتثاءب بملل ..
- حور .. بسرعاااه .. نوداااانة ..
نظرت حور لها و هي تبتلع ريقها بعصبية ..
- لحظة .. ليش مستعيلة ..؟ الساعة عدها تسع و نص ..
رفعت دانة حاجبها و هي تقول بحذر ..
- حور .. البنات يرقدن تسع ..
نظرت لها حور بعدم فهم .. قبل أن تقول بصوت خافت ..
- هيه صح .. أمايا عذيجة وينها ..؟
ردت نورة بسرعة ..
- فحجرة أمايا يالسات اهناك .. حور يا الله عاد .. شوه مستوي .. ليش يمعتينا .. ليكون حصلتي الكنز ..؟ و الا ظهر لبوية ورث مادري من وين ..
رفعت حور حاجبها ..
- لا تستهبلين .. الموضوع جدي ..
سحبت نفسا عميقا حين قال نايف بضجر ..
- انزين ارمسي .. حتى انا نودان ..
نفخت بقوة .. قبل أن تنظر لهم واحدا تلو الىخر و هي تقول ببطء ..
- اسمعونيه زين .. الرمسة لي بقولها لازم اتعرفونها .. و تفهمونها .. مابا حد منكم يقاطعنيه .. لي عنده شي يبا يقوله يرقبنيه الين أخلص رمستيه .. خلاف يخبرنا باللي عنده .. واللـ ..
قال نايف باهتمام ..
- و لي يبا يقول شي مهم و ما يروم يصبر ..؟
نظرت له حور بغل ..
- شوه عايلنك .. بييك الدور و بتهذر لين اتطيح ظروسك ..
- انزين كلتيناا ..
- المهم .. نحن هنيه في البيت اروحنا .. محد عدنا ..
قالت مزنة بسرعة ..
- عدنا غيث ..
تأففت حور ..
- انا شوه قلت ..
مطت مزنة شفتها ..
- آسفة ..
- لا حول و لا قوة الا بالله .. أقول يالسين بروحنا .. عقب عين ابوية .. البيت فاضي .. مابه ريّال .. و لا تقولون غيث .. غيث عنده أهل و يبا يعيش وياهم ..
- شفت بيتج حور ..
تدلى فكها و قد نست تحذيره كي لا يقاطعها .. نظرت له ببلاهة ..
- هاا ..؟ قال نايف بصوت من يعرف شيئا لا تعرفه ..
- شفت بيتج يبنونه الحين فبيت أبويه سيف .. في الحوش .. صغير بس حلوو .. عدهم ما خلصوووه ..
اتسعت عينا دانة و هي تستفهم ..
- حور بتعيشين اهناك ..؟ امنوه بيتم ويانا ..؟!
هزت حور رأسها بصبر حين شعرت بذهنها يتشتت ..
- آحم .. اسمعوا .. هب أنا اروحيه بعيش اهناك .. نحن كلنا يوم تربي امايا بنشل قشارنا و بننتقل البيت العود ..
.
.
.
بعد تلك الكلمتين ..
جثم الصمت على أنفاسهم .. أعينٌ تتسع .. و أخرى يكسوها الجهل ..راح طنين السكون يصمّ أذني حور ..
فعلتها ..
قالتها ببساطة .. و ها هي قد ألجمت كلماتهم ..
لم يعد في جعبة أحدهم ما قد يرد به ..
راحت عيناها تمسح وجوههم .. واحدا تلو الآخر ..
المها أكثر من هادئة .. هل قرأت ما تلفظت به حور للتو ..؟ أم أنها تلتزم الصمت الذي تعايشه دوما ..
نورة و دانة بدتا مشدوهتين و هن ينتظر من حور أن تنفجر ضاحكة لتخبرهن أن الأمر مجرد مزحة ..
نايف مسترخي بشكلٍ غريب .. أ كان يعلم بالأمر ..؟!
هند هادئة كعادتها .. و عفرا ترتعش شفتيها بقوة .. بدت على شفير البكاء .. حين سألت مزنة بعينين متسعتين ..
- البيت العود ..؟! أي بيت ..؟
بلعت حور ريقها بحذر و هي تفكر بأنها اختارت اللفظة التي يستخدمها هو .. - البيت العود - ..!
- بيت يدنا .. أبو أبوية ..
اتسعت دانة و هي تهمس بانبهار ..
- لي سرناه يوم بغت يدتيه تشوفج ..؟
أومأت حور برأسها موافقة .. عادوا للصمت ..
كان هذا غريبا للغاية .. توقعت أي ردة فعل أخرى إلا سكونهم المريب هذا .. فرحة بالمقر الجديد .. اعتراض .. أسئلة ..
لكن هذا الهدوء بدا غير طبيعيا .. حت و نايف يقول بثقة ..
- أنا كنت أدري .. يوم راوانيه غيث البيت قلتله نبا حور اتم عدنا .. قال انه بييبنا كلنا هنيه يوم تربي أميه ..!
ابتلعت حور احساسها بالضيق .. و هي تشعر الىن بخطر علاقة نايف بغيث .. قد يبوح له أحيانا بما تود هي اخفاءه ..
و كانما أرضاها هذا السكون و خشيت انفعالا آخر لا يمكنها مجابهته .. امرت الصغار بحزم ..
- خلاص .. هذا لي بغيت أقوله .. احين الساعة تسع و نص .. مزنة و هنوده سيرن ارقدن فحجرة أمايا .. و لا تأذن أمي عذيجة .. نايف ماشي دوام باكر ..؟ يا الله حبيبي .. عسب تنش ع السحور .. هب تسوي شرات البارحة ... انا وديت سحور غيث الميلس ..!
قالت هند بهدوء ..
- بيتنا هذا شوه بيستويبه ..؟
نظرت لها حور بهدوء ..
- ماشي .. بيتم على حاله .. بس بنبنده ..
- متى بنسير ..؟
- قلت يوم تربي أميه .. بيستوي خير .. الحين سيرن ارقدن ..
نهضن هند و مزنة .. و الأخيرة بدأت تثرثر بحماس عن البيت الكبير الذي لم تره بعد و الذي سيسكنونه ..
نظرت حور مجددا لإخوتها .. قبل ان تسقط عينها على عفرا .. التي راحت يدها تعتصر الشيلة بهدوء .. و دمع صافي يبلل اهدابها المطرقة ..
شيء كالشوك انغرس في روح حور حين رأت احداها تنزلق على جانب وجهها بصمت .. لتمد يدها و تلتقط كف أختها .. و تعتصرها ..
- بلاج عفاري ..؟ زعلانه لنّا بنودر البيت ..
هزت رأسها رفضا و هي تعض شفتيها .. و وجهها يحتقن بألم .. لتسألها نورة برفق اعتادوا استخدامه معها هذه الأيام ..
- شي يعورج ..؟
همس مرتجف تقاطرت معه أوجاعها رذاذا يبلل خديّها ..
- لااا ..
وضعت حور يدها على وجنتها تمسحها مهدئة ..
- بلاج حبيبتي .. خبرينيه .. تبينا انتم هنيه ..
لا تريد ..
تريد الابتعاد .. الهرب عن هذا المكان .. ما يقتلها هو أنها مؤمنة بأن فاطمة عاجزة كما هي .. فقط تماطل اليأس ..
و تستدرج فنة من الرماد تتوهم أنها تفاؤل بان الأمور حتما ستكون بخير ..!
تهدجت أحرف و هي تتلفظ بها .. تشعر بالكلمات مؤلمة حين تتفوه بها .. مثقلة .. تخنقها قبل الخروج ..
- لااا .. ماحب هالمكان ..
تدلى فك دانة بذهول و نورة تضع أصابعها على شفتها .. فيما تضم حور أختها بعمق .. المها تهب من مكانها واقفة على هذا المشهد .. لا تفهم ما يدور كل ما تعرفه هو أن عفرا في نوبة من تلك الأحزان المبهمة .. التي تحيلها حطاما أجوف .. لا بريق للحياة في مقلتيها ..
شيء يثير ذعرها ..!
ما الذي دهاها ..؟ أ حور تلفق عذرا لاخفاء مصاب عنهم ..
شيء استغفلهم ليخطف روح عفرا القوية .. المنطلقة .. فيخلف وراءه كومة من احساسٍ هش ..
و الآن ماذا ..؟! ألا تبدو الأمور متخبطة للجميع كما تراها هي ..؟
أم أن الصمت الذي يتقمصها يجعلها تجلس في الخلف يهدوء .. عينيها تلتقطان ذاك الفتات الذي يتبعثر يمنة و يسرة ..
صغائر الأمور التي لا يراها أحد في غمرة اندفاعهم ..
اقتربت من الجدار البعيد للحوش لتلامسه براحتها .. باردا ..
كان المطر قد غسله ليبدو لونه مختلفا ..
تكاد أن تسمعها .. صوت أنينها يناشدها أن تبقى ..
يسألها أن لا تُهجر .. لأنهم إن تركوها هنا .. ستهمل و ستنسى ..
تلصق جبينها بجدار الطين الرطب ،،
بللته دموع السماء ..
يهجة ، أو وجعا .. لا يهم ..
تستنشقها بلهفة ،،
رائحة الحنين تعبق في أنفها ..
تتغلغل في روحها ..
.
.
رباه ..!
لا أريد أن تبكيني هذه الجدران يوما إن رحلت ..!

* * * * *

في اليوم التالي ،،،
.
.
.
يمشيان معا متوجهين لمقهى الجامعة ،، و أحمد يربت على المعطف البني الذي يرتديه هزّاع ..
- فنان هالكوت و الله ،، حتى لونه عجيب .. أحب البني ..
تظاهر هزّاع بانه مستعد لخلعه ..
- ياك و الله ..
تظاهر أحمد هو الآخر بالرفض المؤدب ..
- لا .. لا .. حلفت .. حلفت ...
- هههههههههههههههه .. لي يسمعك بيقول صدق مسكين .. ما يعرف انك نذل ما ترد شي ..
- ما يرد الكريم الا اللئيم .. و يوم انك هب قد العطية لا تعطي .. يا خي تركي وينه ..؟ ما داوم يوم الخميس و لا شفته أمس في ميلس فلاح ..؟!
- يوم الاربعاء في الليل سافر الرياض يقول عرس ولد عمه و بيحضر .. و امس السبت رد .. مداوم اليوم يرقبنا في الكوفي ..
- و العثرة .. راد من السعودية عيل .. الله يعيناا عليه اليوم ..! تعالي الكوفي ليش ..؟ يعذبنا بالخيالات و نحن صايمين ..!!
قالها و هم يدنون من المقهى قبل ان يستوقفهما مجموعة من الشباب ليسلموا عليهم بسرعة و يتبادلوا بعض الأحاديث الخفيفة الممزوجة بشيء من المزح المحبب ..
- بو سلطان قالوا السلعاوي بيسابق بدالك فقطر ..؟
ضحك هزّاع لمن قال هذه العبارة و هو يجيب بغرور ..
- و منوه لي قال ..؟ عيوز فريقكم .. ؟ أنا بسابق فقطر خذها منيه و غير هذا رمسة حريم ..
و لوح بيده و هو يبتعد مع أحمد الذي قال بابتسامة ..
- يا خوفيه تغدي رمستك رمسة حريم لو ما طاع سيف ..
ضحك هزاع و هو يدفع باب المقهى ليدلف ..
- لا الحين فيها قبايل .. لو ما طاع سيف بشرد ..
فتحا الباب على اتساعه .. بعض الانظار الفضولية تتوجه للداخلين و هزاع و احمد يجيلان بصرهما في المكان .. قبل ان يشير هزاع للشاب الطويل .. حنطي البشرة .. الذي راح يفتل شاربه المرتب بشرود و هو يقول بانتصار ..
- قلتلك مداوم اليوم ..
توجها نحوه .. قبل أن يبلغا الطاولة و يصفقها أحمد بيده في قوة لتصدر صوتا مزعجا فيقفز الشاب بارتياع و هو يضع يده على عقاله و يصيح بعد أن أعاد يده للوراء بطريقة توحي بانه على استعداد لضرب أحدهم ..!
- أخووو صااالح ..!!
ثم وقع نظره على هزاع و أحمد الذان انفجرا بالضحك .. قبل أن يعدل من عقاله بغل و هو يقول لأحمد ..
- داري انه ماحد راعي ذالحركات الا انت يا الدلخ ..
تقدم احمد يسترضيه و قد رأى ان تركي في فزعته قد جذب انظار من في المكان دون أن يتوقف عن موجة الضحك ..
- ههههههههههههههههههههههه .. و انته دومك سرحان ..
و اقترب منه أحمد يبغي السلام و تركي يشيح بوجهه بحقد ..
- ضف وجهك .. منت بوجه سلام ..
أمسك احمد رأسه بقوة ليقبله على رأسه ..
- لا و الله ما يستوي .. لازم سلام يا بو مسفر .. ياي من السفر ..
- زين انك داري اني جاي من السفر .. و عقلي وراي .. جاي تفجعني .. جعلك الماحي .. و انت يا هزيع .. وش عندك فاتح فمك و تضحك كذا .. كنك عنزة شايفة تيس مجبي ..
ضحك أحمد و هزاع يلكم تركي بقوة قبل أن يسلم عليه ..
- عنزة حرمتك ..
اجاب تركي بنبرة متحسرة ..
- عنزة و الا نعجة .. وينهي ..؟
- شوه عايلنك .. لاحق ع الهم ..
- و الله ما الهم الا في ذالوجيه القشرا لي أشوفها كل يوم في الجامعة .. لوني متزوج ذيك المزيونة اللي اتصبح بوجهها السمح .. ماهيب ذالوجيه عافانا الله كن حد معقد عليها ..
ضحك أحمد و هو يقول ..
- لااا .. هاي حالتك يوم ترد من السعودية .. كاره حياتك .. و تسب خلق الله ..
ثم أضاف و عينه تقع على أحدهم ..
- أقول بو سلطان .. عليك بالريال .. سنّعه .. و عدل المود .. انا بسير أشوف واحد وراد ..
و هب واقفا و صوت تركي الخشن يلحقه بضيق ..
- زين المود .. جعل بطنك الدود ..
ثم التفت لهزّاع و هي يزفر ..
- ياخي ينعن أبوها حاله ..
قال هزاع بصرامة ..
- استغفر ربك يا صبي .. ما ايوز اللعن ..و بعدين انته صايم !!
مسح تركي على وجهه بصبر و هو يقول بصوتٍ بائس ..
- أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم .. شسوي .. انا كلما رحت هناك .. أحس بالموت اذاني مفارق ..
ابتسم له هزاع بقوة مواسيا ..
- اصبر ياخوك .. ما بقى الا سنة و نص .. و بتشل الشهادة و ترد لهلك ..
هز تركي رأسه ..
- و أنا وش اللي يصبرني سنة و نص .. أقول يا هزاع .. خذها درس حياة مني و أنا خوك .. اللقافة شينة .. لعاد تزيغ عينك شمال و يمين و ديارك تسدك ..
ضحك هزاع ..
- الله لا يحدنيه ع الشين ..! ان ربك راد ان شا الله انيه هب مفارق لبلاد الا لحاية شديدة .. و الا الدار مالنا غنى عنها ..
- هيييييييه .. هذا الكلام اللي يجيب العلّة .. كنك تحرني يا هزيع .. اقول انا شفت لك السلعاوي و قال انه بيسابق بدالك .. هو صادق ..؟
- لااا خراط ما عليك منه .. ما قلتليه .. بتسير ويانا قطر ثاني يوم في العيد ..
- اسمعوا ذا وش يقول .. أقول انقلع انا شبعان من ذالوجيه الشينة .. ابا أروح .. و اكحل عيني بشوفة هلي .. و الا تريدني أروح معاك و أوقف مع الجمهور .. و انت تهجول .. ما غير أرفع اصبعين و أصيحلك .. حبتين ..
- عيل شوه ..؟ بلاك متنح اليوم ؟؟!
فجأة أرجع تركي رأسه للخلف و هو يضج بالضحك من الكلمة تلك ..
- متنح ..؟!!! أجل جاي هنا غصب .. و مخلي أهلي و ديرتي وراي .. و ما تبيني أتنح .. انا زين مني ماسك عقلي .. ما تدري اني كل ما روحت من هناك .. خليت شي مني وراي .. تكفا و أنا خوك .. الغريب ميت ..
- مالك الا الصبر يا خوي .. الرياييل ما يعيزها صبر .. و بعدين حتيت شنبك و انته تبرمه .. خل الشعرتين الباقيات مكانهن ..
ابتسم تركي بسماحة ..
- هزاع يا خوي .. اسمحلنا .. تعرفني اذا جيت من هناك .. كيف الدود يكون ..
- هههههههه المود .. بالحل .. و لا ترضى على أحمد .. خشعه اشوي قبل ..
- ابشر بسعدك .. استغفر الله .. بطل صيامنا و نحن نسب ..
- بطل صيامك و انته تسب .. أنا و لله الحمد ما سبيت ..
- استمعت للاثم و بتشاركني الذنب ..
- استغفر الله .. اني صائم ..
- أقول من هذا اللي جاي مع احمد ..؟!
التفت هزاع للخلف ليدقق النظر في الشاب الذي قدم مع احمد ..
ذاك الوجه المألوف لم يستغرق منه الكثير ليبحث عنه في الذاكرة .. لذلك قال بسرعة ..
- هذا يطولي بعمرك واحد من عربنا .. تروم تقول نسيبنا .. عمي حمد الله يرحمه مناسبهم ..
- وش اسمه ..؟
همس هزاع مع اقترابهم ..
- عبيد بن سلطان ..
اجتاحهم صوت الاثنين يسلمان ..
- السلام عليكم و الرحمه ..
هب تركي و هزاع معا يردان السلام و الأخير يقول بحبور ..
- ارررحب ..
سلّم عليه بشيء من الاحترام و أحمد يغمز لهزّاع بشيء لم يفهمه ..!
ما الذي دفعه لاحضار عبيد اليهم ..؟!

* * * * *

- خير ..؟
قالتها ببرود شديد .. و ملامحها تلتوي باشمئزاز .. فيما تحركت الاخرى بتوتر في مكانها ..
- الخير بويهج .. بعدج زعلانه ..؟!
لم تتغير النبرة الجليدية ..
- من شوه ..؟!
حركت حمدة يدها في الهواء ..
- من لي استوا في الشاليه ..!
تغضن أنف شيخة قرفا و هن يقفن في ذاك المنعزل بعد أن طلبت منها حمد الحديث على انفراد لتقول بقوة..
- و لج عين ترمسين يا الوصخة .. اسمعي .. انا يوم خاويتج .. مادريت انج راعية هالحركات .. لكن خياسج بين .. و ظهر ..
ثم عدّلت من وضع حقيبتها و هي تقول بصرامة ..
- اسمعي .. انتي فطريق .. و أنا فطريق .. ما يشرفنيه أعرف وحدة شراتج ..
انتصبت قامة حمدة العريضة في تلك الوقفة الرجولية المتعمدة و هي تقول بغلظة ..
- ايييييييييييييييه انتيي .. ع شوه رافعة خشمج .. تراج الا شراتيه .. لا تيلسين توسين ليه فيها شريف مكة ..
صرت شيخة أسنانها بتقزز ..
- تخسين .. يا اللوث ..
رفعت حمدة حاجباه بخشونه ..
- اشوف ظهر لج لسان ..
- هيه .. شوه بتسوين ..
- ما بسوي شي حبي .. بس بقرصج قرصة صغيرة توعيج .. شرات ما وعت راية ..
رفعت شيخة حاجبها و هي تحرك رأسها جانبا باتسامة مستهزئة ..
- لا و الله ..!! تهددينيه .. خوفتينيه تصدقين عاد ..
ثم استقامت ملامحها في نظرة شرسة ..
- اييييييييييه .. ياماما .. انا شيخة بنت علي بن سيف .. لو تلمسين شعره من شعريه .. أيرج من كشتج هاي في مراكز الشرطة .. و لو هلج هب شوية انا هليه فوق لولي و التالي .. لو شي واحد ايي قداي قسم بالله ما تشوفين خير يا حمدوه .. لا انتي و لا لي يابوج يا الخايسة .. خوزي ..
و دفعتها بخشونة جانبا لتتركها خلفها تنفخ قهرا ..
كانت شيخة تسرع بالابتعاد مديرة لحمدة ظهرها ..
.
.
لم ترى لمعان الحقد العميق في عينيها و هي تهس بجنون ..
- بنشوف يا بنت علي بن سيف .. ان ما ربيتج .. ماكون حمدان ..!

* * * * *

تقطع الردهة الأمامية باستعجال و هي تحاول جاهدة لف الغطاء حول رأسها ،،
تأخرت عليهن .. كان قد اتفقت معهن أن تكون هناك في الثانية ظهرا .. و لكن الوقت المبكر كان مشكلة بالنسبة لأمها التي وجدت احراجا في ذهاب ابنتها الى هناك بسرعة ..
لكنها لم تبالي .. علاقتها بهن أصبحت أكثر متانة من ان تجد مانعا في القدوم في أي وقت ..
مدت يدها لتفتح الباب الأمامي بسرعة متقدمة خطوة للأمام .. قبل أن تشهق بقوة حين تراجع ذاك الرجل بسرعة للخلف تفاديا للاصطدام .. قبل أن يخفض عينيه أرضا ..
خفق قلبها بقوة لمرآه هنا .. و راح الدم يهدر في أذنيها بجنون ..
ها هو أمامها .. لا يفصلها عنه سوى خطوات ..
لم تره منذ مدة طويلة بدت لها كالدهر .. أخفضت بصرها بخجل .. و راح قلبها يتراقص بجنون ..
حين قال بصوته العميق ..
- السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،
حرارة لفحت وجنتيها .. و هي تعض شفتها .. و تستعيد اندفاعها قبل قليل ..!
- و عليكم السلام و الرحمه ،، مرحبا الساع ..
زحفت ابتسامة صغير على شفتيه .. و شيء بقوة الاحساس يتلوى بين أضلعه ..!
- المرحب لاهان شحالج روضه ...
- بخير وسهاله يسرك الحال ...شحالك ربك بخير..
-بخير ربي يعافيج ...
ظلت واقفة عند الباب .. فيما ينتظر هو منها أن تتحرك .. حين رأى أنها لا تنوي ذلك سأل بابتسامة بسيطة ..
- شوه ظاهره ؟؟؟
بدت غارقة و هي تقول ..
- هااا ..؟
- آحم سايرة مكان ..؟!
احمر وجهها فورا و هي تدرك موقفها الغبي قبل أنتتنحى حانبا بارتباك ..
- هيه والله بسير بيت عمي حمد ،،
رفع حاجبيه بدهشه و عينه لا تفارق الأرض ..
- بيت عميه حمد ..؟!
- هيه .. عازمينيه ع الفطور .. آآ .. اقرب سيف .. حياك ..
شعور دافء راح يتدفق عبر الوريد .. و هو يسألها ..
- عمتيه داخل ..؟
- هيه ..
هز رأسه بهدوء ..
- خلاص عيل ما باخرج ..
تحركت بهدوء تاركة اياه واقفة في مكانه ..
قبل أن يرفع عينه متأملا المكان الذي بارحته منذ لحظات ..
.
.
لم يدري لما شعر بفرحة صافية تخالجه ..
و هو يستشف من حديثها علاقة ما تربطها ببيت عمه ..

* * * * *

انطلق أزيز جهاز الاتصال الداخلي يخترق المكان .. ليتدفق بعده صوت بطي يقول له باحترام ..
- مايد سلطان موجود طال عمرك .. أخليه يتفضل ..
توقف غيث عن الكتابة السريعة .. ليضغط على الزر و يجيبه بتجهم ..
- هيه ..
ثم يعود للكتابة التي بين يديه ..
ثانيتين قبل ان يسمع صوت انفتاح الباب .. ثم تقدم الخطوات الى مكتبه .. لم يرفع عينه و لم يقف لاستقبال القادم .. انتظره حتى دنا من مكتبه ليأتيه صوت مايد يسلّم باحترام ..
- السلام عليكم و الرحمه ..
واصل غيث الكتابة دون اكتراث و هو يرد ..
- و عليكم السلام ..
ثم صمت ليغرق قليلا في أوراقه .. متعمدا جعل مايد ينتظر قبل أن يرفع رأسه و يرمي القلم على سطح المكتب .. لتراجع في كرسيه الوثير و عيناه تتأملان مايد .. ببطء ..
صعودا و نزولا .. بدا التوتر على وجه مايد من هذا الاستقبال الجاف و هو يسأل باضطراب ..
- طلبتنيه ..؟
حك غيث لحيته و هو يومئ ببطء قبل أن ينحن للأمام مستندا على المكتب و هو يقول ..
- هيه ..
- خير ان شا الله ..
تصلبت ملامح غيث بجمود .. و هو يقول بصوتٍ جليدي ..
- الخير بويهك.. أبا أنبهك المرة الياية يوم بتحدر البيوت تنبه أهلها ..
بدا على مايد أنه لم يفهم شيئا و غيث يقول بجفاء ..
- بيت حمد بن سيف أنا راعيه الحين .. و أنا ريال البيت .. المرة الياية يوم بتحدر بيتيه تترخص منيه .. انته و الا خوك .. و الا تشوف انها حلوة تحدرون بيتيه و أنا ما أدري ..
اسودت ملامح مايد بشكل مبهم و هو يقول بصدمة ..
- تبانيه أترخصك منك يوم بحدر بيت خالتيه ..
أومأ غيث بهدوء ..
- و يوم بتيلس مع حرمتيه ..
اتسعت عيناه بصدمة أكبر ..
- حور ..؟!
شفته العليا ترتفع بابتسامة ساخرة ..
- كم عنديه حرمة ..؟
- أترخص منك يوم بسلم على ختيه ..؟!
- اختك ع قولتك .. بنت عميه و حرمتيه .. انا أقربلها منك .. و انت أخو رضاعة بس .. الرمسة لي أبا أقولها قظيتها .. توكل على الله شوف شغلك ..
بدا وجه مايد محتقنا ..
على وشك الانفجار .. و غيث يلتقط قلمه مجددا متجاهلا وقوفه عند رأسه ..
شعر بانه على وشك القفز عليه ليحطم وجه المتعجرف هذا ..
.
.
لكن كلماته ألجمت ..
و يديه مقيدتين بحاجة ..!

* * * * *

رفعت روضة يدها في الهواء بشيء من اليأس و العجينة اللزجة تتساقط من بين أصابعها و هي تتذمر بصوتها الرقيق ..
- ما طاعت تستوي ليه .. طاعي كيف تتقطع ..!
نظرت لها نورة الأقرب و هي تكتم ضحكة ..
- انزين انتي ما حركتيها بالقوو ..
أجابت روضة ببؤس ..
- و الله أحس أصابعي اتكسرن .. حراااام .. علمونيه غير الدونات ..
ثم تلفتت حولها في المطبخ الضيق .. حين قسمن الفتيات المهام عليهن و رحن يغرقن في العمل وسط الأحاديث الصاخبة .. نظرت لهند و دانة اللتان وقفن عند الطاولة القريبة لتقول بحماس ..
- خلن دانة تسوي الدوانات .. حتى اسمها قريب منها .. و أنا بلف الفطاير ويا هند ..
نظرت لحور بتوسل .. قبل أن تقول الاخيرة بحزم ..
- لااا .. انتي لي قلت انج تبين تتعلمين الطبخ .. اللف هب طبخ .. تعلمي تعينين قبل .. خلاف لفي و اقلي و الا سوي لي تبينه ..
ارتخت كتفي روضة .. لم تكن تعلم أن المهمة بهذه الصعوبة ..
- انزين صعب .. و الله صعب ..
ثم نظرت لعفرا التي راحت تقلب الشوربة بهدوء ..
- انا بطالع القدور .. و عفرا تسويها ..
رفضت حور ..
- لأ .. الدونات عليج .. انتي تكفلتي بها ..
قالت بانهزامية ..
- خلاص بسير بييب من ستار بكس الحين ..
قالت دانة بانتصار ..
- نحن ما نتعامل ويا اليهود ..
- و العثرة .. يوم انهم دروبج تتعاملين وياهم و الا لا .. شوه بتسوي هالخمس ربيه ..!
قالت نورة بسرعة ..
- بيحطونها على خمس غيرها .. و خمس .. و خمس .. الين تغدي مليون .. و بييبون كلاشنات يذبحون بها المسلمين .. و خمستج وحدة من طلقاتاا ..
- انزين شوه اسويبكن .. انتن هب طايعات . أنا فحياتيه ما قد سلقت بيضة .. تبنيه فجأة أسوي دونات ..!!
قالت حور بهدوء ..
- و الله قلت بساعدج .. و كبرتي راسج و ما طعتي .. دبري عمرج أشوف ..
- خلاص توبة .. تعالي علمينيه .. هنبوه ثركن مذلة يا بنات حمد .. ما ترحمن ..
ضحكت دانة ..
- الحين الدونات مذلة .. عيل مزنوه بشكارتنا تعرف تعين و تسوي خبز رقاق اروحها و ما تخلي التاوه تحرق ايدها .. أفااا .. افااا يا بنت علي ..!! مزنوه .. المقلوعة الفتانة .. قليلة الخير أخير عنج ..
نظرت لها حور بغضب ..
- يعلج تفدينها .. لا تسبين و انتي صايمة ..
- استغفر الله ..
نظرت حور لروضة بصرامة ..
- رويض لا تحاولين .. بتسوينها الدونات .. بتسوينها .. انتي و ويهج عاد .. تراهن أميه عذيجة و أميه وديمة بيفطرن ويانا ..
عادت تنظر روضة للعجينة التي بدت تنتظرها ببؤس ..
- أنا منوه لي نقد عليّه و قاليه أتعلم الطبخ ..؟!!
سألت نورة حور ..
- حور ريلج بيفطر هنيه ..
عقدت حور جبينها تركز في ما بين يديها و احمرار طفيف يزحف على خديها ..
- لا .. شوه هالسؤال الغبي .. دومه يفطر فبيت هله ..
- قلت بعد لو كان بيفطر هنيه .. بنسوي له كروسان محشو بفلفل أخضر .. يفحمه ..
رفعت حور حاجبها و هي تقول بغل ..
- ليش ان شا الله ..؟
- مادريتي شوه سوى البارحة ..
عقدت حور جبينها باستفهام و بدأ الجميع ينصت .. و نورة تقول بحقد ..
- يوم سرت بوقف راعي الغاز .. لقيته بعيد و شوي و بيظهر من الفريق .. و صفرت له ..
شهقت حور و عفرا معا و دانة تقول بذهول ..
- عنلاتج يا السبالة ..!
قالت نورة باحراج ..
- كنت مندسة ورا الباب محد شافنيه ..!
صرت حور أسنانها بضيق ..
- حتى و لو .. ليش تصفرين ..؟!
- آحم .. زين خلاص .. لا تسوين لنا فيها .. تراه ريلج ما قصر .. مادريت انه في الميلس .. و أنا متغشية أرقب الهندي .. الا هو ظاهر يبا يشوف منوه لي يصفر .. روعنيه حور ..!!!! كذيه ظهر فجأة و أنا أتحرى الميلس فاضي ...
عقدت عفرا جبينها و هي تسأل بهدوء ..
- و شوه سويتي ..
احمر وجه نورة و هي تتشاغل بالسلطة بين يديها ..
- ربعت أونيه بشرد .. يوم قربت من الباب اتخرطفت ..! و طحت في المطر .. و ضحك عليه الهرم ..
انفجرن بالضحك .. و ضج المكان بأصواتهن .. و روضة تقول ..
- هههههههههههههههه .. خيييييبة .. كل هاي روعة .. مسويلكن رعب في البيت .. ههههههههههه .. خسارة طافنيه ..
نظرت لها نورة لحقد ..
- طافج ..! أسميج ما تبعدين من خوج .. تم مبطل ثمه و يضحك .. كانه اول مرة يشوف وحدة تتخرطف و تطيح قدامة ..
و قالت تواسي نفسها ..
- كل العرب تطيح ..! بس أخوج نذل .. تم يضحك .. حتى سلمتي ما قال ..!!
.
.
.
كن قد انتهين من صلاة المغرب و وضعن الفطور بعد اللانتهاء من الشوربة .. ليجتمع الجميع حولها و عذيجة تقول بابتسامة ..
- وديمة توها متصلتنبيه .. محترة ليش نحن نفطر ارباعة و هي تفطر اروحها ..
سألتها حوربفضول ..
- عمي سلطان و الشباب وين ..؟
- معزومين ..
ضحكت نورة و هي تفتح وعاء الطعام الذي أمامها ..
- عوينها .. ان وحدو ماروم آكل اروحيه .. لو أموت من اليوع .. تنسد نفسيه ..
نظرت لها دانة شزرا ..
- انتي ..!! حرام عليج .. و الله ينج ما تخلين أخضر و لا يابس اذا انتي يوعانة و ما عليج من حد ..
- شدراج انتي ..
- دوم لاصقة فيج ..
- عسب كذيه ما تنسد نفسيه .. ما عطيتينيه فرصة أعبر عن شعوريه .. و آكل اروحيه ..
- من الخوف عليج .. أخاف تخمين الصحن .. يقولون الحديد الزجاج ضار بالمعدة ..
نهرتهن حور ..
- بس يا بنات ..!!
قبل أن تقول مزنة ..
- حور صبيليه عصير ..
صبت لها حور قبل أن تناولها الكأس و نورة تنظر لها بخبث ..
- يقولون لي يشرب العصير و الا الماي ويا العيشة تنتفخ كرشته الين تنفجر ..
اتعست عينا مزنة بشك .. و حور تنظر لنورة موبخة ..
- تكذب عليج حبيبتي .. اشربي العصير ..
لكن مزنة راحت تنظر للعصير بريبة .. و عذيجة تقول لروضة بحنان ..
- بلاج ما تاكلين يعلنيه هب بلاج ..؟؟!
ابتسمت روضة بخجل ..
- آكل خالوه ..
لكنها لا تريد الأكل ..
تريد التنعم بهذا الاحساس الدافء الذي يغزو قلبها و هي تجلس بينهم على الأرض ..
يحتوونها بينهم و كأنها فردٌ منهم .. هذه المناوشات .. و هذه الأحاديث و الابتسامات ..
جعلتها تشعر بمتعة حقيقية ..
شعرت بانها لا تستطيع ازاحة تلك الابتسامة الغبية التي ارتسمت على وجهها بقوة .. و الجميع مستغرق في تبادل الاحاديث ..
رفعت نورة احدى قطع - الدونات - الهزيلة المحترقة و هي تقول بمزاح تكتم به ضحكة ..
- هاي دونات مسويه ريجيم و مكسوّه بشكولاته الهشّة اللذيذة ..
التقطتها دناة من بين يديها و هي تضحك بخفة ..
- ليش حاسه كذيه ..؟!! رويض مفاهيمج الرياضية غلط ..
احمر وجه روضة و هي تصر على اسنانها ..
- سبالااات .. احين لازم تستعرضن مهاراتي ..؟!
ضحكت حور .. و هي تأخذ قطعة محترقة منها .. لتقتطع منها جزءا و تمضغه بصبر ..
- لا روضة فيه أمل .. ع الأقل ما نسيتي الشكر و الملح ..
أخذت المها واحدة أخرى بابتسامة مشجعة لروضة قبل أن تغمسها قي طبق من لبعسل و تقضمها بصبر .. ثم ترفع ابهامها مستحسنة .. بتقول روضة ببؤس ..
- قصن على هندي .. ادري انها متفحمة و محترقة .. بس يزاتكن .. حد قال لكن تخلنيه أتعلم الدونات .. لو مسويه عيش أبيض كان بدّعت فيه ..
ضحكت عفرا هذه المرة بهدوء ..
- الله يعلم ..
- هيه .. لا تستهينن بيه .. انا عنديه مهارات أخفيها خوفا من العين ..
دققت نورة النظر للقطعة السوداء في بيدها ..
- لا تخافين هاي ظاربة عاكس مضادة للعين ..!!

* * * * *

عيناها تتعلقان بالرجل الذي احتضن كف ابنته باحساس لم تفسره .. إذا كان للحنان أن يمتزج بغطرسة ..فها هو يتألق في عينيه ..
تلك العينين الثاقبتين .. تسكنها نظرته الحادة .. أهدابه الثقيلة راحت تضفي ظلا ناعما يعاكس القسوة التي يسلطها عبر عينيه ..
أنفه المستقيم بدا كمنقار صقر .. و فمه الذي أحاطت به خطوط التجاعيد العميقة لا زال مشدودا بتكبر ..
لو أنها لا تدرك الحقيقة لأقسمت بانه من أنجبه .. من أورثه تلك الملامح المنحوته الاكثر شبابا ..
من خلّف فيه نفس القوة الطاغية .. نفس تلك العجرفة ..
رغم ان هذا العجوز بدا أكثر لينا بعد أن مر به دهر ،، أفتر شيئا من همّته ..
تساءلت في داخلها عن سبب هذا الهدوء الذي تلمسه مؤخرا فيه ..
هذا الرجل كان يزأر كالأسد .. يلقي الأوامر كما لو كان الجميع عبيده .. لا يحني أنفه المتعالي ..
يبث هيبة .. و رهبة في قلب كل من يعرفه ..!
ما الذي يجعله ملتزما هدوءه المتكبر ؟! أ لرحيل ابنه علاقة بالأمر ..؟!
صوت طرقات على الباب الأمامي تنتشلها من أفكارها .. ليقطع الرجل الجالس أمامها حديثه مع ابنته و حاجبه ينعقد بتساؤل صارم ..
قالت بهدوء .. و عينيها من خلف - البرقع - تتجنبان النظر اليه .. نفس النظرة .. شيء يخترق فؤادها لينتفض ولها ..
متى ستراه ..؟!
تحركت بهدوء نحو الباب الأمامي تقطع المسافة بنعومة خطواتها .. قبل أن تنحني لتنظر عبر ثقب العين السحرية .. برهة فقط .. قبل أن ينتصب جسدها بسرعة و هي تضع كفّها على صدرها لتهدئ من نبضات قلبها المجنونة ..
راحت انفاسها تتسارع لتطل عبر الثقب من جديد .. تتأمل وجهه البعيد و قد بدا متململا ..
عضت شفتها السفلية بلهفة و هي تكتم ضحكة فرحة .. للتو كانت تتمنى حضوره ..
و كأنما استجاب الرب لتلك الأمنية الصغيرة ليمنحها شيئا من البهجة ،،
تأكدت من وضع برقعها و الغطاء على رأسها .. و هي تفتح الباب .. شوقها يسبق الأنفاس ..
عيناها تتعلقان على وجهه المطرق .. قبل أن يميل به ليرفعه ببطء ..
- السلام عليكم ،،
صوتها بدا متهدجا .. متعرجا .. لا يقوى ثقل تلك المشاعر التي راحت تنفلت ..
- و عليكم السلام و الرحمه .. مرحبا الساع ..
- الله يرحب بج ع فضله ..
تنحت جانبا بابتسامة لم تتضح من خلف برقعها و هي تقول بنعومة ..
- اقرب ،،
تقدم للأمام بجسده العريض ..
- قريب .. ابوية سيف هنيه ..؟؟
علمت أنها اما خمن ذلك من البرقع أو من السيارة المتوقفة في الخارج .. راح قلبها يرتعش بقوة آلمتها و هو يعبر أمامها .. لا يفصلها عنه شيء ..
- آآ .. هيه ..
مر من أمامها لتغلق الباب و تتحرك خلفه عيناها تتعلقان بظهره العريض .. قبل أن يتوقف فجأة في الممر الضيق و يلتفت نحوها لتجد نفسها ترتطم بصدره .. فتتراجع بسرعة مرتبكة حتى كادت تتعثر .. لكن قبضته تلتف على ذراعها باحكام كي تثبتها ..
شعرت بإحراج رهيب حين لم يعد يفصل بينهما سوى القليل .. يده المحكمة تمنعها من الحراك .. و صوته الرجولي العميق يصلها بهدوء ..
- شحالج خولة ..
راحت تجمع أفكارها بجنون و هي تشعر بقلبها على وشك أن يثب من صدرها ..
توقف من أجل هذا فقط ..؟!
ارتعش صوتها .. و نظراتها تضيع في عينيه قبل أن تخفض اهدابها الطويلة بخجل جلي ..
- بخير ربيه يسلمك ،، انته شحالك ..؟
أفلت ذراعها من يده و هو يقول باختصار ..
- الحمدالله ،،
و استدار مجددا ليتوجه نحو المجلس الداخلي الذي تدفق منه ذاك الصوت العميق .. بلغ الباب المفتوح ليطرقه منبها ..
ليلتفت الاثنان له بهدوء .. ابتسامة كبيرة تشق وجه ميعاد و هي تراه مستبشرة .. و نظرة قوية من جده ترتكز عليه و هو يسلّم بهدوء ..
- السلام عليكم ..
رد الاثنان معا و خولة تظهر خلف غيث الذي ترحك ليسلّم على جده باحترام .. التفت لميعاد بابتسامة حانية أخرى قبل أن ينحني ليطبع قبلة على رأسها كما اعتاد .. و هي تمد كفها لتحتضن يده .. قبل أن يجلس في الأريكة المجاورة بهدوء .. و جسده الكبير يسترخي عليها بثقل .. التقطت خولة دلة القهوة و فنجانا لتصب له بعضا منها .. ليتناوله و هو يسألها ..
- نهيان وينه ..؟
أجابته بخفوت و عيناها تنخفضان متجنبة النظر اليه .. لا زال قلبها يتراقص من قربه قبل قليل ..
- مواعد ريّال ..
التفت غيث لجده و هو يقول بهدوء ..
- أمس وين كنت ..؟ ما شفتك فبيت عمي سعيد ..؟ و انته لي قايل ليه انكم بتفطرون اهناك ..
رفض الجد الفنجان الذي مدته خولة و هو يجيب بوقار ..
- فطرنا في العزبة ..
- حد ياكم ..؟!
- لااا .. يا غير سرنالها العصر .. زادتنا بكرة ..
ابتسم غيث لجده بحماس ..
- صدق و الله .. على من ..؟
- ع الغزيّل ،،
حك غيث لحيته متذكرا ،،
- هي من لي ضربتوهن بالمتعب ..؟
أومأ الجد موافقا ليبتسم غيث مجددا ..
- لا بد انها مزيونة .. ابوها الموت ..
بادله الجد ابتسامة فخر و هو يقول بثقة ..
- لا تخبر .. و الغزيّل هب هينه ..
- هيييييييه .. الفحول الباكسانية اتييب فحول طيبة .. يا غير ما تييب مجاهيم .. زين انك ظربتهن بالمتعب ..
أعاد الجد راسه للوراء .. و هو يقول ..
- بن عوفان يقول انه اييب فحول باكستانيه كبار .. و يظرب ابهن المجاهيم .. ثم اتييب مجاهيم كبااار .. مزايين .. و مكحلة .. ما قد شفته .. يا غير سعيد يقول انه صادق ..
انبثق من جانبه صوتٌ ناعم مقاطعا ..
- شحالك غيث ..
ابتسم غيث لها ..
- بخير يعلنيه فداج ..
ضحكت ميعاد بشيء من الخجل ..
- أشوفك ما شا الله .. نسيتنا .. مجاهيم و مادري شوه ..
مد يده يقرص خدها كالطفلة رغم سنواتها الست و عشرون .. و هو يضحك بخفة و يشير لجده الذي راح يراقبها تكلم غيث بابتسامة هادئة ..
- ما عاش من ينساج .. ما تعرفين أبوج يوم حد يرمس عن عزبته ..
ابتسمت بشيء من الخجل لوالدها ..
- بتخبرنيه ..!
التفت لخولة .. ليجدها جالسة في الطرف البعيد من الغرفة .. عينيها الواسعتين ذات اللون البني الفاتح .. سلّطت بنظرة مؤلمة على ميعاد من خلف البرقع الذي بدت جميلة به بشكل مميز ..
لا يدري لما خالجه شعور بأنها وحيدة .. أو منبوذة في جلستهم هذه ..
رفع صوته يقول آمرا ..
- خوله ..
التفتت له بسرعة قبل أن يتدفق صوتها الناعم ..
- لبيه ..
ربت على الاريكة جانبه ..
- لبيتي حايه .. تعالي ..
بدا الارتباك واضحا عليها .. و ميعاد تلتفت لها بنظرة دهشة تحاول جاهدة اخفاءها ..
يعلم أن جده يكبح تجهمه .. و وجهه يتصلب .. فيما هبت خولة من مكانها بنعومة .. لتتقدم نحوه ..
شعرت بان قدميها ستتحولان لهلام قبل أن تبلغه ..
التفت إليها .. و ناداها باسمها .. ينشدها أن تجلس بقربه ..
جلست بهدوء إلى جانبه .. و هو يضع ذراعه على ظهر الأريكة خلفها .. تشعر بدفء جسده يلفحها ..
و رائحة عطره المميزة تخترق انفها ..
.
.
لن يعلم قط كم يعني لها أن تجلس قربه فقط ..!
.
.
.
.
يكتنف الضيق صدره و هو يرى تلك المرأة تجلس بجانب غيث .. رغم يقينه بطبيعة العلاقة بينهما ..
إلا أنه يكره أن يخالجه القلق من أن يجد ذاك تحديا مثيرا له ..!
لا يريد من هذه المرأة أن تقترب منه .. تلك الانوثة الطاغية .. هل ستخترق إرادته ..؟!
أم أن غيث منيع امامها ..
لا يريد أن يتورط حفيده معها .. حين يئين الأوان .. سينفصلان بهدوء ..
و لن يعلم أحد قط بأمر هذا الزواج ..!

* * * * *




لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 22-06-16, 09:12 PM   #28

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الخطـــــــــــــــوة الرابعـــــــــــــــــــ ة عشـــــــــــــــــــر .. }



[ خطوات مرصودة ..! ]



أظافرها المطلية بعناية تربت على سطح المكتب الأملس و عيناها لا تفارقان شاشة جهاز الحاسوب اللامعة ..
تنتظر بفروغ صبر أن تدار الاسطوانة التي وضعتها للتو ..
ربما تكون مدللة .. فارغة الرأس كما يدعون
.. و لكنها بارعة في عملها .. تتقنه بشهادة التدريب التي أخذتها دون أن تحتاج لتدخّل واسطة من والدها ..
رغم هذا لازال أمامها الكثير لتقطعه .. تنهدت بملل .. تعلم أنها ستترك هذا العمل لا محالة بعد شهرين من العبث .. ليست هي من تلتزم بشيء ما ..
تتلهى بهذا العمل عن تجاهل ذاك البعيد .. تأوهت و هي تخبط الطاولة براحة يدها حين تبادرت صورة وجهه في ذهنها .. لا يمكنها أن تنكر ذاك الشوق الذي ينخر روحها ..
لرؤيته .. متلهفة .. تريد نظرة واحدة فقط .. و لكن أين ستجده ..؟ و هو لا يبارح مكانه ذاك مطلقا ..
تبا له .. ألا يعرف التمييز ..؟ يمكنها المراهنة بأيام حياتها القادمة على أنها أفضل بمائة مرة من تلك الزوجة الغبية ..
و سيدرك حتما مدى الفرق بينهما قريبا ..! عليها فقط ان تروي لهفتها له ..
و لكن أين ستجده ..؟ أيــن ..؟!
نفضت كل ذلك عن رأسها الجميل حال رؤيتها المجلد أمامها ينتظر الفتح ،،
المربع الأصفر الصغير يحمل إسما باهتا تحته .. فراحت تلوي شفتيها و هي تقرأه بشيء من السخرية ..
- ( قلم حر ) ..؟! مغبر هذا ..!
استعادت صوت مدير التحرير العجوز و هو يقول بنبرته المتضايقة أن أمامها الكثير لتتعلمه .. و ليس عليها أن تتوقع أن يتم الأخذ بما تكتب حتى تصبح متمرسة .. لذلك عليها أن تتبع نهج كبار المحررين في الجريدة ..
هه و كأنها تحتاج حقا لذلك .. الحقيقة أنها لا تبالي بعملهم العفن .. كل ما تفعله هو اللهو قليلا بدل الجلوس تحت وطأة الملل ..
و حتى يحين الرحيل .. عليها أن تلتزم بقراءة مقالات ذاك الإسم السخيف ..
ماذا كان يا ترى ..؟!
نعم ..
( قلم حر ) ،،

* * * * *
تندس تلك النسائم الباردة بين ثيابه .. تحتك بجسده الدافئ متحديّة ..
تشاغب ذاك الاسترخاء الذي اتخذه و هو يتّكئ على عتبة رحيل ..
تريده أن ينكمش .. أن ينطوي ..
تستميت لهزّه ،، فتعجز ..
فيما لا يزال هو جالسا قي مكانه ..
يحتضن بين أنملتين عقب سيجار ذاوي ..
و قلب ..
قلب تلك الفتاة المتوترة .. التي راحت تقطع الممر الفاصل بين المجلس و - حوش - بيتهم بخطوات متخبّطة ..
كشعورها المرتبك في تلك اللحظات ..
يحتضن قلبها بين أنملتين .. واثق بأنه سيشعله لهفة .. يستنشق دخانه إحساسا ..
فينفثه ببطء .. لينتشر في الهواء ..
فيختفي ..
مخلّفا وراءه .. رماد ما احترق من قلب ..!
لم تكلّمه .. منذ عاد من المستشفى .. و أجبرها على البقاء معه .. حتى أنها أوكلت مهمة السحور لأختها ..
راحت ترتعش و هي تحتضن نفسها .. لا يدري مما ..
برد .. أم خوف ..!
كانت قد رفضت معطفه .. لذلك لم يجد في نفسه رغبة لإرغامها على ارتداءه ..
اكتفى بالجلوس على العتبة .. و نظرته المتكاسلة معلّقة بحركتها تلك ..
تأبى الجلوس .. تأبى الكلام .. تأبى النظر لوجهه ..
يدرك أنها تخفي خوفا بين أضلعها لا تريده أن يشهده ..!
يستمتع بتلك الحركة العصبية .. منتظرا بصبر ..
لن يطول الوقت ..
هناك كلمات تتصاعد في حلقها .. لن تكون سوى خطوات أخرى لتنفجر ..
لذلك قال بصوته الرجولي الآمر ..
- حور ،، تعالي يلسي ..
انتفضت و هي تلتفت إليه .. و كأنما لم تتوقع أن يحدثها .. ربّت إلى جانبه .. فوقفت تنظر للمكان بشيء من الصمت ..
آخر مرة جلست على هذه العتبة .. راحت تهذي باندفاع .. فلم تعد تذكر ما قيل يومها حقّا ..!
أ تقترب ..؟!
قد تُكوى بما يلهب أحاسيسها التي راحت تردمها في هوّةٍ من الروح ..
تعاند أمره صمتا لبرهة قبل أن تنحني قواها .. ليست في مزاج لمناكشته .. و لا لتجاهله .. و لا حتى للنفور منه ..
هناك ما يشغلها الآن ..
شيء يفوقه أهمية بكثير ..!
تقدمت تسوق خطاها نحوه لتجلس بجانبه ،، فيما راح جسده ينفث حرارة بجانبها ..
راح التبغ المحترق تمتزج بأنفاسها الباردة لتخنقها .. فتعقد جبينها بضيق ..
عيناها مسمرتين للأمام .. لا تبارح ما لا ترى مطلقا ..
و روحها تتلوى في الجوف بقلق ..
ماذا حدث يا ترى ..؟ تأخروا كثيرا ..؟! كم مر من الوقت ..؟!
هل رقدن أخواتها حين أمرت بذلك .. أم أنهم غافلوها و النوم .. و لازلن ينتظرن ..؟!
شكرت ربّها بصمت أنهم لم يذهبوا إلا بعد خلود نايف و مزنة و هند للنوم .. لم تكن لتحتمل ضغط الأعصاب و أسئلتهم أيضا ..!
تنهدت بصوت مسموع حين راحت تعب دخان سيجارته بدل الهواء .. لتقول بضيق واضح لم تكترث بإظهاره ..
- ماداني ريحتاا ..!
لم تلتفت إليه .. حتى و هو يلقي السيجارة ببطء و يدهسها بقدمه دون رحمه .. تراجع في جلسته المسترخية يقول بهدوء مستفز ..
- خايفة عليها ..؟
نظرت له شزرا .. و كأنما تعاتبه على هذا السؤال السخيف .. فقابلها بابتسامة متهكمة ..
- ما عليها شر .. يابت ثمان يهّال قبله ..
اتسعت عيناها و هي تشهق بحدّة .. لا تردي لما بدت كلماته منافية للإحساس .. فقط اجتاحها إحساس بالبرود و هي تنهض من مكانها مجددا .. قبل أن تواجهه بحدة .. و هو يقول بهدوء ..
- ليش وقفتي ..؟!
انتظر إجابة من ملامحها المتجمدة .. علم انه ضايقها بكلماته تلك .. و لكن حدة توترها راحت تثيره بشكل غريب ..
انتقل إحساسها المبعثر له .. و هي تشيح بوجهها لتعود إلى قطع الطريق جيئة و ذهابا ..
و كأنما تفرغ اضطرابها في تلك الخطوات المهزوزة .. و هي تقضم إصبعها بشيء من الخوف ..
هل أخطأ حين أرغمها على البقاء معه ..؟! لا يهم .. كانت تلك نزعة عارضة أراد إرضائها بإرغام زوجته هذه التي تدعي الغضب على الجلوس معه في ذروة ضياعها و خوفها ..
يعلم أنها مسألة وقت فقط .. سرعان ما ستأتي لحظة تلتمس فيها الأمان قربه ..
قدميها اللتان راحتا تذرعان المكان و تلك الاهتزازات المضطربة ..جسدها الذي راحت تضمه بشيء من القلق ..
أعادته حالتها هذه إلى الخلف سنوات ..
كم مر على تلك الذكرى يا ترى ..؟! أربع ..؟ خمس سنوات ..؟!
بدت و كأنها حدثت البارحة ..!
.
.
.
يستطيع الآن رؤية وجه جده الشاحب و هو مستلقٍ على الفراش الأبيض بوهن .. لا يفصله عن عمليّته الخطيرة سوى لحظات التخدير الذي رفضها قبل التحدث إليه ..
طلبه شخصيا و رفض تماما أن يرافقه أحد ..
راحت عينا غيث تتعلقان بوجهه الحبيب .. هذا الرجل هو البرزخ الفاصل بين ضعفه و القوّة ..!
لن يتحمل أبدا فقده ..!
بدا مشغول الفكر رغم أنه على فراش المرض .. و لم تبدو بوادر أي ضعف أمام صحته و هو يبوح له بما يخفي ..
كلمة فقط من كل ما قال ،، كل لدويّها وقع الموت على مسمع غيث ..
رغم أنها ليست سوى ولادة روح جديدة بينهم .. قد تكون هنا منذ سنوات .. لكنّ الستار كشف عنها الآن ..
ليلجمه الذهول .. و هو يبحث عن أثر مزحة ما في وجه ذاك العجوز ..
- بنتك ..!
لم يهتز شيء من جمود ذاك الكبير و هو يتابع في قوة تعمدها كي تستر شيئا من مشاعره التي قد تبدو ضعيفة أمام صدمة حفيده ..
- هيه بنتي ..
تذكر ذاك التشوش البالغ الذي احتضن فكره .. و الأسئلة تتدفق تباعا من فم غيث المنفعل ..
- بنتك من وين ..؟ كم عمرها .. و شسمها ؟؟ وين حاطنها ..؟ أميه نورة تدري ..؟ ليش ما خبرتونا ..؟!
لكن تلويحه صارمة من يد الجد كان تخنق كل هذا و هو يقول بانفعال ..
- أنا ما عنديه وقت .. بس لازم تعرف وايد أشياء مهمة .. عقب ربع ساعة بيحدر دكتور التخدير .. و بيدخلونيه العمليات .. ما أظمن لو عمليّة الصمام بتنجح او لا ..
شحب وجه غيث بشدّة من إحتمال أن تكون النتيجة - لا - .. رغم ذلك تابع الجد يسرد سره باختصار و هو يقول بشيء من الضيق و كأنما يفضّل لو أنه لم يضطر إلى إخباره بشأنها ..
- قبل خمس و عشرين سنة .. أنا عرست بحرمة على أمك نورة .. و محد درا ابها ..
صر غيث أسنانه بغيظ رغما عنه ..
- ما وراها أهل .. و الا شوه ..؟
ضيّق الجد حاجبيه و هو يقول بقسوة ..
- لا وراها .. بس ريلها كان متوفي .. الحرمة لو ما تعرفها كان ماخذنها بن ظافي .. و عندها ولد و بنت .. يوم خذتاا كانوا عيالها صغار .. و عقب ثلاث سنين يابت بنت و توفت عقبها بشهرين .. !
لم يكن هناك حزن قديم و الجد يسرد هذه القصة بإختصار لا مبالي نوعا ما ..!
لو كان لغيث أن يسترخي و يظهر إنفعالا صادقا لضحك ملئ شدقيه على هذا السيناريو الدرامي المتكرر ..
شعر بأنه يشاهد فلما سخيفا مملا .. و أن حواره قد أعيد مرات و مرات في قصص أخرى ..
لماذا إذا لا يشعر الآن برغبة في الضحك ..
إبنة الجد ..! عمته ..؟!
من هي .. كيف شكلها .. أين تعيش ..؟
و ردا على أسئلته الصامتة قال الجد ..
- عقبها يت ختها من مصر .. و ربتهم .. و تميت أصرف عليهم .. و عيال بن ظافي يصرفون على خوانهم .. إلين كبر ولدها العود نهيّان و تخرج من الجامعة .. و خلّصت بنت بن ظافي الثنوية العامة .. سافرت خالتهم و ردت بلادها ..
تدلى فك غيث قبل أن يقول بصوت أبح من صدمة ..
- بلادها ..؟!
تجنب الجد النظر لحفيده و هو يقول بصوت متضايق ..
- هيه تراها كانت مصرية الله يرحمها ..
وقف غيث على قدميه و هو يصيح بذهول ..
- مصريـــة ..!!!!!! تاخذ وحدة على أمايا نورة .. من عرب يمكن نعرفهم و يعرفن حريمهن إنك معرس عليها .. و عندك بنت .. و أمها مصرية ..؟؟!
إسودّ وجه الجد من الغضب و هو يقول بصوت متزن و لكنه مخيف كي لا يؤذي صحته ..
- لا ترفع صوتك يا صبي ..
شد غيث قبضته و وجه أمّه نورة يعاود الظهور أمام عينيه .. بتلك الملامح المحفورة .. العتيقة .. الحبيبة ..
بدفق من الحنان لا يفارق عينيها الدافئتين .. و الجد يقول بنبرة صارمة ..
- بلاها المصرية ..؟ كافرة ..؟ أنا ما غلطت .. خذت وحدة على سنة الله و رسولها .. و ما خفت من أمك يوم خشيتاا .. لكنيه ما بغيت آذيها .. و أزعلها .. و أنا أدري إنها ما بترمس .. بس بتم تتويع ع السالفة .. المصرية لي هب عايبتنك .. أم عمّتك ..
بدا غيث على وشك الإنفجار .. و لكنه يهدئ من غيظه الذي راح يتدفق في عروقه .. و هو يلهث بحرارة ..
- وشوه تبانيه أسويبها بنت المصرية ؟؟!
انفجر الجد يقول بصوته الغليظ ناهرا ..
- غيث ..!
ثم لهث بقوة قبل أن ينحني ليضع راحته على جهة صدره اليسرى بألم فاضح .. فيقفز غيث نحوه بفزع ..
- عيّن خير و لا تعصب الله يهديك .. انته تعبان ..
رفع الجد رأسه مكابرا و هو ينفض يد غيث عنه و يقول بصوت أبح ..
- أنا ما زقرتك أخبرك السالفة عسب تعيّر عمّتك .. أنا يمكن ما أظهر من العمليات اليوم ..
- الله يطول بعمرك .. إن شا الله تنـ ..
قاطعه الجد بلا مبالاة ..
- أنا أبا أخبرك مكان عمتك و كل شي عنها .. لو استوابيه شي .. تكون انته لي تعرف انها بنتيه .. و ترتب أمورها و تييبها عند خوانها الكبار .. هيه تعرفهم واحد واحد .. و تعرفك .. بس محد يعرفها غيري ..!
- شسمها ..؟!
كانت صيغة المجهول التي يشار بها إليها غير مرضية لغيث الذي سرعان ما أتته الإجابة على سؤاله ..
- ميعاد ..
التوى فم غيث بسخرية مريرة من الإسم ..
- و ما لقيت أخير عن هالإسم ..؟؟
بدت نظرة الجد قاسية ..
- أمها الله يرحمها لي سمتها ..
تشدق غيث بنفور و هو يرفع حاجبا متكبرا ..
- أهااا .. عيل ما سمت عيالها الباقين ..!
لم يرد الجد فقط كان ينظر له بغيظ حقيقي .. قبل أن يمسح غيث وجهه بصبر و هو يقول بشيء من الضياع و اليأس الذي إجتاحه ..
- و الحين وينها البنية ..؟ هنيه في العين ..؟
أومأ الجد برأسه موافقا .. قبل أن يضيّق غيث عينيه محاولا تذكر ما قال جده ..
- كم عمرها ..؟
كان الجد أكثر هدوءا الآن ..
- اثنين و عشرين سنة ..
اتسعت عينا غيث بشيء من الإنفعال .. و فكرة تطرأ على باله .. في عمر قريب من عمر عوشة .. و في نفس المدينة تسكن ..؟ هل هناك إحتمال للمصادفة ..
- وين تدرس ..؟!!
قالها بشيء من القلق المفاجئ و هو يتخيّل وجود تلك الإبنة مع أخواته أو ابنة عمّه و إكتشافهن لإسمها بشكل ما..!
لكن إجابة الجد كانت أشبه بقالب ثلج مثقل على قلبه ..
- ما تدرس .. بـ .......
و قاطعته طرقات خفيفة على الباب قبل أن تطلّ ممرضة برأسها مبتسمة ..
- Time's over ..
نظر لها غيث بحيرة .. لا زالت المفاجأة ترتد في داخله بقوّة .. قبل أن يلتفت لجدّه الذي قال بسرعة و عينه على الممرضة التي إنشغلت بتفحص الأجهزة الموصلة بأسلاك معلقة في جسده ..
- أعمامك و أبوك بيوون الحين .. اسمع يا غيث .. فيه شي ما خبرتك اياه .. لازم تعرفه ..
لم يعد قادر على تخيّل مفاجأة لم يفصح عنها جده الآن .. ألا يكفيه إبنة في الخفاء .. لذلك قال بصوت عصبي ..
- أعرف شوه ..؟
قال الجد بهدوء .. و هو يسدد نظرة لما خلف كتف حفيده ..
- ميعاد عندها شلل أطفال ،،
و بدا رنين الإنكسار في صوته جليّا حينها ..!
.
.
.
الآن و عينه تستقر على جسدها المستند بالجدار في ضيق واضح و هي لا تكف عن ضم نفسها إتقاءا للبرد ..
تقطيبة شرود بين حاجبيها توحي بالبعد الذي وصلت إليه أفكارها ..
دفق من الأحاسيس الغريبة عاد ليسري في وريده و عيناه تتمهلان عليها صعودا و نزولا ..
شيء من الهواء البارد إحتقنت به رئتيه الواسعتين ..
ما الذي تفكر فيه يا ترى ..؟ ما الذي يشغلها ..؟ وضع أمها فقط ..؟!
لا يدري لما انتابه فضول عميق ليخترق أحاسيسها اللحظية ..
يريد أن يبلغ شيئا من أعماقها .. تمنى لو كانت حقا دانية منه .. أراد أن يلتمس قربها .. بلا سبب معيّن ..
لذلك عاد يقول بهدوء ..
- تعالي يلسي ..
رفعت عينين مشوشتين إليه و كأنما انتزعها من عمق ما تفكر .. قبل أن تعود للتقطيب و هو تقول بصوت خافت ..
- أنا مرتاحة هنيه ..
ربت بجانبه يحثّها ..
- انا هب مرتاح .. أباج عنديه .. تعالي ..
رمشت بعينيها الواسعتين للحظات .. قبل أن يصرّ بنعومة عكست الشك في عينيها ..
- تعالي ..
عضت شفتها السفلى بشيء من الإضطراب قبل أن تدفع قدميها بتردد و تجلس ببطء إلى جانبه .. كبح إبتسامة ملتوية حين رآها تنظر إليه شزرا .. قبل أن يقول بنبرة منخفضة ..
- عدج زعلانة ..؟
اتسعت عيناها بعدم فهم .. و هي تنظر إليه .. يعلم أنه يحيّرها بهذا السؤال و هو الذي يتجاهلها منذ مدة .. قبل أن تقول بارتباك ..
- آآ .. لا .. هب زعـ .. زعلانة .. أنا .. تحريتك .. انته زعلان ..
و نظرت إليه بحيرة تنتظر منه أن يقول شيئا .. فيما استمر هو بالتحديق في عينيها الواسعتين .. لم تكن جميلة .. يكاد يجزم بأن أخواته يفوقنها أناقة و جمالا .. قد تبدو بالية أمامهن ..
لكن لا أحد منهن لعينيها هذا البريق المختلف ..!
.
.
أربكتها نظرته الغريبة ..
لتبتلع ريقها بصعوبة .. يحاول ذهنها المشتت البحث عمّا كان تنتظر رضاءه لتقوله ..
ثقل وجوده هنا يربكها .. ما الذي كانت تسعى لقوله جاهدة ..؟!
نعم ..!
بشأن ...
شبكت أصابعها بقوة .. و هي تنر لأصابع قدميها .. لو كانت تواصل التحرك على طول الممر ..!
- يعني هب زعلان ..؟
رفع غيث حاجبا مفكرا .. قبل أن يقول بصوت هادئ ..
- لا ..
احتبست الهواء في رئتيها قبل ان تقول بصوت مخنوق ..
- انزين أبا أرمسك .. فـ .. فشي مهم ..
أراح أصابعه الطويلة على فمه و هو يتمتم دون أن يتزحزح ناظره عنها ..
- و شوه هالشي المهم ..؟
صمتت لبرهة .. قبل ان تقول ..
- الحين أول ما تربي أميه بننتقل ..؟
رفع حاجبه ببطء .. و شفتاه تلتويان و كأنما توقع ما تهدف إليه حقا ..
- هيه .. ليش ..؟
- أول ما تربي .. ؟! و الا بنتم فترة خلاف بنسير ..؟
- و شوه الفرق ..؟
ضيقت عينيها .. و هي تقول بخفوت ..
- خبرنيه أول ..
قال بحزم ..
- يوم بتربي أمج يلستكم هنه مالها معنى .. خلاص .. بتنتقلون البيت العود ..
رفعت عيناها نحوه بنظرة غريبة و هي تقول بصوت أبح ..
- انزين نحن نبا نتم هنيه الين ما توفي أميه الأربعين ..!
عقد جبينه و هو على وشك الرفض قبل أن تتوسله ..
- نبا نرتب أمورنا ع راحتنا .. بعدين .. وين ننتقل و أميه توها مربية .. هذا اذا انتو مستعدين انا نطب عليكم فجأة ..!
ابتسم ببرود ..
- لا تخافين .. ماخذين احتياطاتنا .. ما بيضيق البيت ..
أخفضت ناظرها و هي تشعر بأنه سيرفض بشكل ما .. تخيّلت الأمر لو أن لحظة الرحيل تدنو .. لا بد أنه متعجل .. و لا يطيق صبرا للعودة إلى رفاهية بيته التي اعتادها خلاف هذا الجُحر ..!
- غيث ..
انتفض شعور أحمق في صدره .. حين نادت إسمه بتلك النبرة المتوسلة .. قبل أن ترفع عينين مثقلتين بالرجاء نحوه ..
- نبا نتم هنيه الين ما توفي أميه الأربعين .. ما نبا نستعيل .. صبرتوا شهور ما ترومون تصبرون شهر ..؟! و الا انته متضايق من يلستك ويانا ..؟!
بدت كلماتها الأخيرة تخرج من بين شفتيها مكسّرة ،، محملة بشيء من الخيبة ..
أمال برأسه نحو وجهه المنخفض .. فلم يعد يفصل بينهما سوى أنفاس ..
و شيء من الإحساس ..
- أي شي يمكن انيه حسيت به و أنا عندكم إلا الضيقة ..
و التقط كفّها الصغيرة يضغط عليها بشعور مجهول يكتنف صدره من فكرة أن تظن أنه يكره قربهم ..
- يلستكم توسع الصدر ..
نظرت إليه لبرهة فاغرة فاهها .. متخبّطة .. لا تفهم كنه ما يخالجها ..
لا يفتأ هذا الرجل أن يتقلّب ..
كل لحظة بحال .. حتى أصبحت عاجزة عن فهمه .. !
عيناه التي راحت تستقر على وجهها بنظرة متمعنة .. تثقل على جوارحها .. حتى أضحى الفهم عسيرا ..
انتفضت بقوة حين ارتفع رنين الهاتف قاطعا ارتباط عينيهما العميق .. قبل أن تلملم بعثرتها باضطراب و هي تشيح بناظرها عن وجهه ..
تجيب على الهاتف .. ذهنها لا زال غارقا ..!
- آآلووه .. مرحب .. - ثم صاحت - اماااااااااااااااااه عذيييييييجه ..!!
و هبت واقفة من مكانها بفزع .. ليقف هو الآخر و هو يصيخ السمع لها .. و هي تقول بلهفة ..
- ربت ..؟!! شحالهااا .. الحمد الله .. الحمد لك يا رب .. يا الله نحمدك و نشكرك .. بخير ..؟؟ متأكدة .. ربها ما تعبت ..؟! فديتااا .. هيه .. شوه يابت .. لاااا ..؟ صدق و الله ..؟ بيتخبلن البنات .. الله يبارك في حياتج .. فديتج و الله تعبناااج .. ما بتردين البيت و تخلين ودوم تيلس عندها .. يا الله يعلنيه هب بلاج .. إن شا الله .. إن شا الله .. لا عقب ما يسرحون المدارس بييكم .. هاا ..؟
كانت تدور في المكان .. تخطو خطوتين و تعود للخلف ...تتحرك بانفعال .. و هي تلوح بيديها ..
و قد اصطفت أسنانها خلف ابتسامة عريضة .. تضم شفتيها لإخفائها لكن سرعان ما تزحزحها الفرحة بقوة ..
- لا تقوليلها .. بتحشرنا .. يشبهنيه .. و يشبهنيه .. ما ياكم دكتور اليهّال ..؟ باكر العصر .. آهاا .. انزين ..؟ و شوه قالوا .. ماشي فحوصات عليه عقب الولادة ..؟ ما بيّن ..؟ ان شا الله ما فيه الا العافية .. آمين يا رب .. هيه ..! شوه ..؟
ثم ضحكت بصوتٍ عالٍ ..
أعادت رأسها للوراء و هي تصفق رجلها .. و عيناها تضيقان ،،
تردد صوت ضحكتها كرقرقة مياه باردة ..
تمنى لو علم ما الذي قالته لها خالتها او أمها بالرضاعه .. أراد أن تعيد ما قالت مرارا .. و تكرارا ..
شيء كالراحة راح ينفرد على قسمات وجهها البسيطة ،، بريق خالص من الفرحة يلمع في عينيها الصافيتين ..
عضت شفتيها .. و هي لا تزال تبتسم ..
- لا إن شا الله .. هيه رتبتهن .. فديت روحج .. سلمي عليها .. الله لا يخلينا منج يا الغالية .. دعواتج .. الله يحفظج ..
و أغلقت الهاتف ..لتضمه لصدرها .. ابتسامتها لا تفارق شفتيها ..
شيء أحمق دفعه هو الآخر ليبادلها إبتسامتها دون معنى ..
فقط لأنها تبتسم ..!
- بشري ..؟!
قالها و هو يلتقط كفها يحتضنها بين راحتيه .. و عيناه لا تفارقان وجهها الذي كان يشع سعادة و هي تقول بصوت متهدج من ثقل السعادة ..
- يابت ولد ..
و شدت على يده بقوة دون إحساس .. و هي تضحك بخفّة ..
- هههههه ,, عدنا أخو يديد الحين .. ياااااي .. تخيل الياهل الصغيرون ..
شيء يتلوى في معدته .. و هو يخفض ناظره لبرهة .. مشيحا بإحساسه عن مشاعره الغريبة ..
دون أن تهجر إبتسامته الشفاه ..!

* * * * *

عيناها لا تفارقان وجهه المشدوه أمام الأخبار بعد تناوله السحور ،، فيما ينتظر أذان الفجر ..
- من زمان ما شفنا غيث ..؟!
قالتها بحذر و هي تناول زوجها فنجانا من القهوة .. ليلتقطه بهدوء و عينه لا تفارق شاشة التلفاز ..
- مشغول ..
أومأت برأسها و هي تقول بهدوء ..
- لول حتى لو كان مشغول يخطف علينا .. و يذكرنا .. الحين بيخطف شهر من شفناه آخر مرة ..!
بدا زوجها غير مكترث للموضوع و هو يجيب ببساطة ..
- انزين .. قلنا الريّال مشغول .. بلاج عليه ..؟ شي فخاطرج ..؟
شعرت بالضيق و هي تراقب جانب وجهه لتقول ببساطة ..
- لا .. ماشي فخاطريه .. بس غيث اخو عيالي .. و شرا ولديه ..
هز بو غيث رأسه ببرود ..
- هيه ..صح ..
رفعت حاجبها و هي تقول بنبرة غريبة ..
- بلاك اتقولها كانك هب مصدق ..؟ غيث شرا ولديه و لو يبتوه كان ربيته أنا .. مادري امنوه لي عزر يوديه ليدته ..!!!
التفت لزوجته بنبرة صارمة .. لا يدري لما تتعمد نبش شيء ما هنا ..؟!
- محد قال شي يا حرمة ..
همست ام حامد بشيء من الضيق ..
- حسبي الله عليج يا مديّة .. ما سويتي خير في الصبي ..!
وضع بو غيث الفنجان على الطاولة بشيء من العنف و هو يلتفت لزوجته بغضب ..
- انتي بلاج .. أذيتينا بهالطاري .. شوه مستوي بج ..
ارتجفت من نبرة الغضب التي في صوته قبل أن تقول بشيء من الاضطراب ..
- ماشي مستوي بيه .. يا غير أفكر .. يوم بتربي حرمة حمد .. و اتي هي و عيالها بيت عميه .. غيث وين بيسير ..؟
عقد جبينه بعدم فهم ..
- وين بيسير بعد .. بنى له بيت في حوش أبويه ..
قالت بحذر ..
- و البيت عده ما خلّص .. يباله أربعة شهور عسب يخلصونه .. و شهرين تأثثونه .. وين بييلس ولدك الين هاك اليوم ..؟!
ضيّق عينيه و هو يسلّط نظرة متشككة على وجهها ..
- سلامة .. شوه قصدج ..؟
فركت يديها بتوتر و هي تجيب بهدوء ..
- غيث ما بييلس في البيت يوم بييون عيال حمد .. وين بيسير في الست شهور ..؟ ما فكرت فيها .. خله ايي هنيه عدنا .. بنرتب حجرته لولية يوم سوى حامد الحادث ييلس فيها الين ما يخلص بيته ..
رفع بو غيث حاجبه متسائلا ..
- وايد مستهمة ع غيث و وين بييلس ..!
قالت بصوت واثق ..
- قلت لك .. غيث خو عياليه و ولدك .. يعني شرا ولديه .. و من زمان وديه انه ايي و ييلس ويانا هنيه .. يا غير انته و امك ما طعتونيه .. انا أقول لو تييبه البيت الين بيته يخلص .. تسوي خير .. وديه يشوفنيه شرا امه .. و الا يقرب من خوانه أكثر ..
بدت كلماته الأخيرة تتوسله قرب ذاك البعيد .. فأشاح عنها دون إجابة ..
ماذا عليه أن يقول لها ..؟ أو بما يجيبها ..؟!
لن يقطع وعدا لا يثق أنه قد يفي به .. فمنذ دهر لم يسكن بكره هذا البيت إلا حين اضطر لذلك بعد حادثة أخوه منذ سنوات خلت ..
اسبوعين فقط مكث هنا .. كان الأمر كالخدعة فلم يكونوا يرونه خلالها إلا قليلا ..
الآن يقتصر تجاوزه حدود هذا البيت زيارة لرؤية اخواته كلما شدّه الشوق ..
ما الذي عليه أن يشرح إذا كان هو لا يفهم كيف لتلك السنوات ان لا تمحو عن ذاكرته ما قد حدث ..؟!
لا زال ابنه بعيدا .. بعيدا .. ربما انشغل عنه .. أو السكن في البيت الكبير قد غرّبه ..
لكنه الآن روح أخرى .. شخص آخر ..
رجل ..
يرتدي ذاك الغموض .. و يرفع ياقته قسوة .. مخفيا الكثير في طيّاته .. و أسفله ..
أصبح رجلا .. بعيدا عنه ..




>>


لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 22-06-16, 09:15 PM   #29

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

تتمة





- أمج ربت ؟؟!
قالتها صديقتها و هي تنظر لها بذهول قبل أن تصر نورة على أسنانها بغيظ و هن يمشين خارجات نحو الساحة مع ابتداء الفرصة المدرسية ..
- ايييييه .. منووه .. قولي ما شا الله ..
رفعت نورة حاجبها ..
- عيني باردة ما صك حد أنا ..
- العين ما تصيب بالعاني .. قولي ما شا الله الحين .. يا الله ..
- افففف .. ما شا الله ..
- تبارك الله ..
ضيّقت منى عينيها ..
- تبارك الله ..
تابعت نورة بتسلية ..
- و لا حول و لا قوة إلا بالله ..
بدا الغل جليا على وجه صديقتها و هي تردد ..
- و لا حول و لا قوة إلا بالله ..
- الله يعطيكم من خيره و يكفيكم شرّه ..
قهقهت منى و هي تضربها ..
- شوه ثوب يديد بتلبسينه .. خبرينيه .. شفتيه ..؟
استمرت نورة في المشي متريّضة .. و هذا ما كانت تفعله أغلب الفتيات في الفرصة الرمضانية القصيرة ..
- لا بنسير كلنا عقب المغرب ..
- كم قلتيليه عمر أختج العودة ..؟
- حور ..؟ 24 تقريبا .. ليش ..؟
رفعت منى حاجبها مجددا ..
- ما شا الله .. و بعدها أمج اتييب عيال ..
ضيّقت نورة عينيها بغيظ ..
- مننننننى .. و الله لو استوا باميه شي .. يا ويلج ..
ضحكت منى ..
- هب صعبة .. ازقرينيه بتفّل ..
ظربتها نورة بقوة ..
- تخسين .. ها لي قاصر بعد ..
تأوهت منى و هي تفرك مكان الظربة ..
- آآآخخ .. اللهم انيه صايمة ..
.
.
- نوووووري ..
التفتت نورة و منى نحو الفتاة التي نادت نورة بصوتٍ عالٍ فتعرفتها بسرعة .. إحدى صديقات دانة المتعددات .. لتصافحها نورة بابتسامة ..
- هلااا و الله .. شحالج لطوف ..
ردت لطيفة بسرعة ..
- بخير الله يعافيج .. نورة .. دانة أختج بتظارب في كلدور المختبرات ..
اتعست عينا نورة بصدمة .
- اشووووه ..؟ بتظارب ..!! بتظارب امنوه ..؟ و ليش ..؟
قالت لطيفة بايجاز و هن يركضن نحو الممر المقصود و يلهثن على عتبات السلم الحجري الملتوي ..
- رناا أم الموبايل لي فتنت عليها دانة .. ميمعة خوياتها .. و ياية تبا تظارب دانة ..
زادت نورة من سرعة ركضها و هي تتخيّل دانة وحيدة أمامهن .. ستظرب بلا رحمة دون شك ..!
صاحت في لطيفة بذعر ..
- محد وياها ..؟؟
قالت لطيفة بلهاث متقطع ..
- الشلة كلها اهناك .. بس .. مادري .. قالت تبا ترمس دانة .. بس شكل نيتها شينة .. نوف قالت ليه أخبرج .. ما فينا ع المشاكل ..
ما أن بلغت نورة الممر المقصود و اقتحمته حتى أفزعها التجمهر في وسطه ..
بدا أن هناك مشادة في منتصف تحلّق الإزدحام و قبل أن تتحرك .. انفجر الوضع فجأة و بدا الجمع يهيج ..
فركضت بأقصى سرعتها لتقتحم الفتيات بقوة ..
راحت تبعدهن عن طريقها بقسوة .. تريد أن تبلغ المنتصف .. حيث اشتبكت الفتاتين بعنف .. و صراخهن و السباب المنطلق .. و تشبثهن الشرس ببعضهن كالقطط .. راحت أيادٍ كثيرة تحاول منعه .. فيما يجذب الجميع كلٌّ من الفتاتين جانبا ..
و لكنهن رحن يتفلتن باستماتة .. و ينقضضن على بعض .. رأت نورة كيف راحت الفتاة الأكبر سنّا و الأضخم جسدا .. تخدش وجه أختها .. و تشد شعرها .. فيما تحاول دانة بلوغها بركلات و هي تلوح بقبضتها محاولة الوصول شعرها ..
و قد انفلت شعر دانة الطويل .. يعد أن سقطت ربطته أرضا ..
هذا قبل أن تقفز نورة بينهن و هي تنشب مخالبها في أي جزء قد يصل لتلك المتنمرة التي راحت تشد شعر دانة للأسفل فتجبرها على الركوع ألما .. فيما دانة تحاول دفعها بعمى ..
انقضت نورة على الفتاة لتجر شعرها بقوة للخلف .. فتفلت الفتاة شعر دانة و تلتفت لنورة .. قبل أن تصفعها بقوة ..
شعرت نورة في غمرة غضبها بسخونة في خدّها ..و عقلها الثائر يتميّز غيظا مع سيل الكلمات و السباب الذي راحت تتلفظ به الفتاة بوقاحة ..
دانة تترنح جانبها قبل أن تجثو أرضا و قد بدا واضحا أنها ليست بخير .. مما فجّر غيظها و هي تحاول الإنقضاض مجددا على الفتاة ..
و في غمرة .. اللطمات .. و الخدش .. و ركل مقيّد بضيق الرداء المدرسي ..
إقتحمت أيادٍ أخرى الإشتباك لتفظه ،،
شعرت بيدٍ لمعلمتين تجذبها و هي لا زالت تحاول جاهدة بلوغ أذى ما من الفتاة التي قيّدت بيد معلمتين أيضا ..
و نورة تصيح بصوتٍ منفعل .. حين تحلّقن صديقات دانة على الأخيرة التي سقطت أرضا ..
- و الله لألعن خيرج لو تيين صوب ختيه مرة ثانية .. المسيها بعد مرة و شوفي شوه بيستويبج .. و الله أعيّفج حليب أمج ..
و راحت تنفض تلك الأيدي التي أمسكت بها متجاهلة كلمات المعلمة المهدّئة ،، و هي تندفع لدانة الجالسة على الأرض تسند رأسها بيدها ..
أمسكت يدها بقوة و هي تقول بخوف .. لا مبالية برعشة يديها .. أو الدم الذي رطّب خدّها .. أو شعرها المتناثر ..
متجاهلة يد ممدودة بغطاء رأسها الذي سقط أرضا أثناء الشجار ..
تنحني نحو دانة و هي تسألها بصوت مذعور ..
- دانة .. ؟؟ دانة ..؟!
رفعت دانة رأسها و قد تشعث شعرها حول وجهها المحمر لتلتقي بنظرة نورة الفزعة ..
كانت تنتفض إثر انسحاب الأدريالين من جسده .. و هي تجلس بوهن .. لكنها تمكنت من رسم إبتسامة ضئيلة على شفتها و بصوتٍ مرتعش ..
- لا تخافين .. انا دانة علمي .. ما شي يظرنيه ..!

* * * * *
تستلقي على ظهرها بهدوء .. و قد تناثرت بعض الأوراق حولها ..
عيناها تتأملان سقف الغرفة بعمق .. فيما ذهنها غارق في كآبة مختلفة ..
وجوه عدّة راحت ملامحها تتراقص أمام عينيها ..
بعضها غابر .. و البعض لم تعاصره إلى في الأيام الماضية .. ابتداءً بإستغلالية حقيرة لن تنساها ما عاشت ..
و انتهاء بأوجه مجنونة .. راحت ملامحها تتمزق أمامها ..
راية .. هدى .. حمدة أو حمدان .. أمها .. روضة ..
لماذا تشعر بهذا الضيق و التململ .. لماذا انبثق خوف من المجهول في روحها ..؟!
مرارة من العدم راحت تنتشر في جوفها .. فيما تتقمص ملابسها الخشنة .. و تستمر غلظة صوتها ..
و تتراقص بقوة على إيقاع الموسيقى الغربية الصاخبة ..
لتدوس بقدميها على كل ما هو جميل في هويّتها ..
جميل ..؟ أما زال للجمال شكل هنا ..؟
أصبحت الكثير من ركائز حياتها مشوّهة .. بالية ..
ماذا تنتظر .. و ما تحويه بين الأضلع ليس سوى خرابة ..!
صورة قذرة .. مقرفة قفزت في ذهنها .. لتغمض عينيها بقوة طاردةً إياها .. و هي تبلع إحساسها بالغثيان ..
أيعقل أن تصل لذلك ..؟! أيعقل أن تصبح مجرد نسخة من حمدان ..؟!
حمدان ..؟
ما زالت لا تعلم ما الذي كانت تصبو للوصول إليه تلك الفتاة المتصابية ..؟!
.
.
(( .. أنا ما أطلب منج شي الحين .. بس أبا اخاويج .. ابا أتعرف عليج و نغدي ربع .. صعبة ..؟ ))
.
.
أتاراها أرادت جرّها لتلك الأوحال التي تنغمس فيها .. أم أنها كانت تبحث عن شيء آخر ..؟
ربما كانت تفتقد الرفقة .. و وجدت أنها خير من يمكن إفساده ..!
لكنها لم تُمنح الفرصة لتنال ذاك الشرف ..! الآن و بعد إبتعادها عنها .. لم تكن تقلقها تلك التهديدات ..
فليس لديها شك بأن حمدان قادرة على إيذائها .. لكنها تعرف كيف ستصد الأذى ..
ما يثير ذعرها بعيد كل البعد عن وعيد تلك ..
شيء من التوجس دفعها لتجيل بنظرها حولها بقلق ..
و سؤال ينهض داخلها ببطء نافضا عنه ركاما من الملل المستمر .. و اللامبالاة ..
تعض شفتها السفلى قلبها بخفق بتوتر بالغ ..
ماذا لو كانت حقيقة في داخلها كحمدة ..؟ ماذا لو كانت منحرفة ..؟
ألم تحب راية ..؟ و تنجذب للكثيرات قبلها و بعدها ..؟
راحت تحك راحة يدها ببنطالها الخشن و هي تقفز من فراشها بذعر ..
نافضة عن ذهنها صور مخيفة لما قد يفعله تدهورها .. راحت تدور في الغرفة بجنون .. قبل أن تندفع للباب و تفتحه ..
خرجت للمر .. لتقف وسطه فجأة بضياع .. عيناها تلتفتان يمنة و يسره ..
قبل أن تشعر بأنها تقف هنا بغباء ..
لذلك توجهت مباشرة نحو السلّم الذي يتوسط المنزل الكبير .. لتهبط للردهة ..
كانت خالية تماما .. صوت من المطبخ أنبأها بأن أمها بدأت بالإشراف على الخدم ليحضّروا الفطور ..
التوت شفتها بسخرية و هي تلقي بجسدها على الأريكة و ترفع قدميها على الطاولة الصغيرة ..
تكاد تجزم بأنه لا أحد يبدأ بتحضير الفطور في الحادية عشر صباحا إلا أمها ..!
التقطت جهاز التحكم عن بعد تقلّب بعض قنوات التلفاز لتتوقف عند محطّة فضائيّة راحت تعرض أغنية تحبّها .. لما تعرض من أجساد تتراقص .. و تتمايل ..
شيء لا يهدف إلا ليرينا أي مدى قد نصل في السعي نحو لتجرّد ..
ليس التجرد عن الملابس فقط ..
بل التجرد عن ديننا .. معتقداتنا .. هويّتنا التي لا تشبه إطلاقا ذاك العري المثير للاشمئزاز ..
يعلمنا لأي مدى قد نتجرد عن إدراكنا في متابعة رخيصة لمثل هذه المشاهدات ..!
رغم أن هذا كله لم يخطر ببالها بل راحت قدمها تهتز بإيقاع رتيب مع الأغنية الصاخبة .. و رأسها يومئ دون توقف ..
سرعان ما التفتت للصوت الذي صاح من خلفها ..
- شيييييخة .. قصري حس هالخياس .. عنبوه حتى و انتي صايمة ..؟
لم تبالي بكلمات أختها التي وقفت خلفها تماما تغلق عبائتها و تلف غطاء شعرها .. بل تشدقت ببرود سائلة ..
- ع وين العزم إن شا الله ..؟
رفعت روضة حاجبها بهدوء ..
- سايرة بتشرى هديّة عنّا كلنا لحرمة عميه حمد .. بتين ويايه ..؟
شخرت شيخة ساخرة و هي تعود للنظر إلى الأغنية .. و قدماها لا تتوقفان .. فيما ضيّقت روضة عيناها و هي تسأل ..
- تعالي بنخطف ع المشغل انشوف فستانج لو يا عالقياس .. شوفيه لو يعيبج و الا بتغيرينه ..؟
لوحت شيخة بيدها لا مبالية و هي تقول دون اهتمام ..
- لو ألبس يونيه ما يهمنيه .. اختاري لي تختارينه ..
مطت روضة شفتيها فيما استرخت شيخة في جلستها قبل أن ترفع الأولى صوتها ليصل لأختها عبر صوت الأغنية ..
- ما بتيين ..؟
أشاحت شيخة بوجهها في ضجر .. لتترك روضة المكان و تخرج ..
ما إن أغلق الباب العملاق خلفها ..
حتى عضّت شيخة شفتها بمرارة .. متجاهله رغبة سخيفة باللحاق بروضة ..
أخفضت رأسها ..لحجرها ..
لماذا هما بعيدتان كل هذا البعد ..؟ لما تسعى لود أولئك الغرباء دون أن تكسبها هي ..؟
روضة ذات القلب الكبير .. ألن تكون أذنا متسامحة لسماع أخطائها ..؟
لكنها بعيدة .. بعيدة للغاية ..
كلهم بعيدون .. و لا يصل لها أحد أبدا ..
و على دمعة حمقاء كادت تنزلق .. خنقتها بغضب و هي ترفع صوت التلفاز على نفس الأغنية .. حتى أصبحت الجدران تهتز لها ..
لم تكترث بصراخ أمها القادم من المطبخ تطلب منها أن تخفض الصوت ..
تبا لهم ..
لا تبالي بهم البتة ..!

* * * * *

حين كانت تستلقي على الفراش الوثير في الجناح الخاص الذي قام زوج ابنتها بحجزه لها .. لم تفارق عيناها وجوههن السعيد .. ملامحهن المستبشرة ..
و جو أسرة أصبحت فجأة غارقة بالابتسامات الصافية .. الصادقة ..
كلّهن شعّت أوجههن حماسا .. حتى عفرا الذي كانت تذبل ببطء في أيامها الأخيرة دون سبب ..
ابنها الذي خرج للتو مع صهرها .. بدا باذخ الفرح ..!
تنقل بصرها بينهن .. و بين اللفافة البيضاء في يد إبنتها الكبرى ،، و وجه أختها الوحيدة ..
ابتسامة غريبة ناوشت شفتيها .. رسمت خطوطا متألمة على وجهها النحيل ،،
إحساس بوحدةٍ غريبة راح يزحف داخلها ،، حين راحت دموع تخز جفنها تنشد الإنزلاق ..
لكنها كبحتها بابتسامة .. و هي تبتلع غصّتها تلك ..
المرة الأولى هذه التي تنجب فيها طفلا و لا يكون قربها ..رحل دون أن يعلم ما الذي أنجبته ..
و من هو ،،
هذا الطفل سيكبر دون أباه ..!
غريب ..!
مرَّةٌ هي فرحة لم تأتِ إلا متأخرة ،،
أبطأت السير للحظة فلم تدركهم ،،
أولئك الذي حين انتصف الطريق بها ..علمت أنهم مضوا إلى البعيد ..
بلا عودة ..
فلن يعيشوها .. و لن تصلهم ..
لن تحفر خطوط البسمة على ملامح تلك الأوجه البعيدة ..
مرّة فرحة أثقلتها الوحــدة ..أقبلت تحمل على عاتقها شيئا من الوجع ..
و اليتم ..!
.
.
وضعت نورة يدها على خدها بابتسامة حلوة لم تخفِ خدوش عراك الصباح الذي تلقّت إثره محاضرة مجنونة صاخبة من حور .. رغم أن الخطأ لم يكن خطأهن و لم تعاقبهن الإدارة بشيء خلاف تلك الفتاة التي أجبرت على توقيع تعهّد .. قالت بحالمية و هي تتنهد ..
- فديته و الله .. يشابهنيه ..!!
ضحكت دانة بسعادة .. و هي تنظر للطفل بين ذراعي حور ..
- اتخسين .. يشابهج أونه .. لا طالعي خشمه .. سبحااااااان الله .. تقولين خشمي .. امرررة هالولد نسخة منيه ..!
عقدت عفرا جبينها تدقق في ملامح الطفل ذو الوجه الاحمر .. تفاصيل وجهه الصغيرة لم تتضح بعد .. لذلك ابتسمت بهدوء ..
- يا ويليه ع خرطكن .. لا يشابهج و لا يشابهها .. أصلا كيف اتميزن ..؟! أنا أقول شكله كوري .. يمكن يايبينه بالغلط ..
ضحكت حور بخفوت و المها تداعب طرف أنفه الصغير بأناملها الرقيقة و نظرة حنونة تسكن مقلتيها ..
- كوري فعينج .. طالعي ثمه .. يرد ع نايف شوي ..!
ضربت مزنة الأرض و هي تتذمر ..
- حور ابا اشله ..!
لكن نورة ظربتها على مؤخرة رأسها بيدها ..
- شوه حلاوة تشلينه .. لا ..
مطت مزنة شفتيها و هند تقول بهدوء و عيناها لا تفارقان الطفل ..
- نبا نشوفه زين .. حور نزليه شوي ..
الكثير من الابتسامات .. دفق من الفرح بهذه الحياة الجديدة ..
هنا من نسيت وجعها العميق .. ستتذكره فيما بعد .. حين تبتعد عن امتداد الأمل الوليد هنا ..
و منهن من نسيت مخاوف تغالبها في روحها .. حتما ستجد الوقت لتعالجها لاحقا ..
همست دانة لنورة بخفوت ..
- ما تبينا نظهر انحاوط في القسم شوي ..؟
ردت نورة بهمس و عيناها على حور المشغولة ..
- خلي مزنووه تلتهي .. بتفتن ..
عقدت دانة جبينها ..
- بيرد غيث .. خلاف ما بنلقى وقت ..
- خلاص أنا برقبج عند الباب أونيه سايرة الحمام .. و انتي لحقيني ..
قالتها و هي تنسل ببطء .. قطعت الممر الضيّق الذي يفصل غرفة المريض عن مجلس الضيوف الصغير في الجناح الخاص .. قبل أن تقف قرب الباب بانتظار دانة التي سرعان ما لحقت بها و هي تحمل حقيبتها .. لتضيّق نورة عينيها ..
- وين تبين بالشنطة ..
ابتسمت دانة قبل ان ترد الغطاء الثقيل على وجهها ..
- لزوم الكشخة ..
حذت نورة حذوها قبل أن يفتحن الباب ببطء شديد و يخرجن بهدوء .. ما إن ارتد الباب خلفهن و وجدن أنفسهن وحيدات في الممر حتى تنهدن براحة ..
لكن مهلا ..
لم يكنّ وحيدات .. في رأس الممر وقفت مجموعة كبيرة من الرجال يسدون الطريق لخارج القسم .. فقالت نورة بقلق ..
- رياييل ..يا الفشلللة ..!!
قالت دانة و هي تحاول تبين الأوجه البعيدة عبر غطاءها ..
- يا ويلنا تخيلي غيث و نايف حد منهم ..
أمعنت نورة النظر دون أن تتبين جسد أخيها الصغير ..
- لا ما ظنتيه .. - ثم شهقت و هي تدير رأسها بعيدا - يطالعونااا .. دانوووه بنحدر .. يا الله ..
قالت دانة بقوة ..
- لااا خليج .. ما عليج منهم نحن فحالنا ..بيسيرون الحين ..
ثم إنفصل أحد الرّجال من المجموعة ليقطع الممر نحوهن .. كان يسير بخطوات واثقة للمكان الذي توقفن فيه .. همست نورة بخوف ..
- الله يغربلج .. ياي قدانا ..!!!
عقدت دانة جبينها و هي تراقب الرجل الذي بدا في العقد الخامس من العمر ،، يدنو منهن بسرعة .. و هي تهمس ..
- لا .. لا ..
بدا وجهه مألوفا للغاية و هو يصل بسهولة و يلقي التحيّة .. مع تراجعهن للخلف ..
- السلام عليكم و الرحمه ..
قالها و هو يصل إليهن بابتسامة .. لم ينتظر إجابة أخرى مع جمودهن و انكماشهن .. قبل أن ينحني نحو نورة ،،
حين بدأ وجهه يقترب من وجهها المختفي خلف الغطاء .. انتابها الذعر المجنون قبل أن تصيح بوجهه و هي تميل جانبا ..
- حووووه وين تبااا ..
و بردّة فعل تلقائيا .. لطمت دانة وجه الرجل الذي انحنى نحو نورة في وقاحة بحقيبة يدها .. و هي تلهث بخوف ممزوج بالغيظ ..
- صاااحي انته ..صدق قلة أدب .. شيبة كبر أبوية .. استح ع ويهك ..
بدا الذهول على وجه الرجل من ردّة الفعل الغير متوقعة إطلاقا .. عندها فقط لاحظن تقدّم غيث من المجموعة التي تقف على رأس الممر .. لتهمس نورة بخوف ..
- يا ويلناا .. غيث ..!!
ظل الرجل ساكنا في مكانه .. دانة تقول بتحدٍ أجوف .. فيما صوتها يرتجف ..
- هذا أخوناا ياي ..
التفت الرجل للخلف نحو غيث الذي بلغهم و الغيظ يلوح على وجهه .. فاندفعت نورة تقول له ..
- مادري بلاه هالريّال .. كان بيوايهنيه من شوي ..! شكله مغلّط ..
كانت خائفة مما قد يعتقد غيث أو يقول .. لكن الأخير صرّ على أسنانه بغضب صريح ..
- هذا عمكن مطر يا المخبّل ..!
التفتن معا نحو الرجل الذي أخذ يضحك بخفّة الآن .. و التسامح جليّ على وجهه و نورة تهمس بخجل ..
- عمنا ..!
.
.
- ههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههه .. ههههههههههههههههههههه .. ماروم الصراحة .. هههههه .. شفت البنت كيف ظربت عميه مطر ..
كان هزّاع هو الآخر يقهقه بصوتٍ عالٍ ..
- حليله عميه .. حشا هب بنية هوقهوقن ..!هههههههههههههههههههه ،، أسمينيه بتم أضحك على السالفة ..
قال سيف بحزم و عيناه تضيقان على الواقفين في آخر الممر ..
- بس خلاص .. - ثم التفت لأبيه بشيء من الوقار - ما بنسير قداهم الحين ..؟
التفت أبوه إليه متسائلا ..
- ما تبونا نرقب علي و أحمد و ولده ..؟
قال سيف بحزم ..
- لا برايهم بيلحقون عليهم خلاف .. خلونا نسلم و نظهر قبل صلاة العشا ..
تقدموا جميعا مع دخول مطر و غيث و الفتاتين للجناح المقصود ،، فيما يقطع بو سيف و سيف و أحمد و هزّاع الممر نحو الباب ..
ما ان دلفوا حتى وصلتهم الأصوات الآتية من الغرفة في آخر الممر .. فصاح بو سيف منبها ..
- هووود ،،
ليرد غيث عليه بصوته الرجولي العميق ..
- هداا .. اقرب ..
تقدم بو سيف يلحق به البقيه نحو الغرفة المخصصة للمريض متجاهلين المجلس الجانبي ..
- قريب .. السلام عليكم ..
و تتابعت تحيّة الإسلام من مَن دخل خلفه و الرد عليها من الموجودين .. اصطفّن خمس شابات بأغطيتهن في الجدار القريب من السرير الذي جلست عليه أم نايف باحتشام تقف قربها أختها الوحيدة .. و إلى جانبهن فتاتين أصغر سنا .. انزوين بعيدا عن الأنظار ..
فيما جلس على صف الأرائك القصير مطر و أخوه .. و ظل الشبّان واقفين بهدوء ..
عجّت الغرفة للحظات طويلة بالسلام و تبادل الأخبار و المجملات المتحفظة ..
قبل أن ينادي غيث حور ..
- هاتي الياهل ..
تقدّمت حور من بين أخواتها لتلتقط الطفل و تعطيه إياه .. لا تدري لما بثها وجوده هنا شعورا دافئا بالأمان ..
تعرفه على الأقل من بين كل هؤلاء الغرباء ..
حتى الرجلين اللذان سلّمت عليهما للتو .. بيد أنهما عمّها ..!
حمل الطفل بعناية .. متجها نحو الرجلين الجالسين على الأريكة اللذان تبادلاه بالإبتسامة .. و ذكر الله .. قبل أن يأخذه سيف بهدوء و هو يسأل بصوته الهادئ ..
- حد أذن في أذنه ..؟!
قالت أم مايد بهدوء ..
- لا ..
فأداره بحنان يزيح طرف الغطاء عن أذنه اليمنى ليأذن فيها بصوت مسموع ،، فيما صمت الجميع مراقبا قبل أن يدير الطفل فيقيم الصلاة في الأذن الأخرى ..
أعاد الغطاء حول رأسه جيدا و هو يقبّله بحنان ..
- ما شا الله .. الله يحفظه .. شوه بتسمونه ..؟؟
أجاب بو سيف و هو يعود لحمل الطفل مجددا ..
- بنسميه سيف على أبوية ..

حين كانت تنشج بقوة ،، و - الشيلة- ترتشف دموعها المنزلقة على وجهها المسن ..
استعاد في ذهنه وجعها يوم فقدها لإبنها ذاك ..
الآن و بعد أن وُلدَت فرحة واعدة .. لم تستطع سوى البكاء ..
لم يعلم حقا .. أكانت متألمة .. أم فرحة ..
ما الذي حقا يسعدها .. ولادة حفيدها الجديد .. أم دنو اليوم الذي سيجمعها بأبناء فقيدها تحت سقف واحد ..
عجز عن فعل شيء سوى إحترام عبراتها .. و الوقوف صمتا أمامها ..
هذه العجوز ..
كبيرة ..
كبيرة للغاية .. في إحساسها .. في حنانها ..
في إنكسارها الموجع الذي لم يجبر حتى الآن ..
و كأن موت ولدها أفقدها معنى الحياة ..!
إنسل بهدوء من بين تبعثرها . يغلق الباب بصوتٍ مكتوم خلفه .. قبل أن يشخص بصره للواقف أمامه مباشرة ..
دنا منه بسرعة يسلم عليه و يقبّل لحيته الحبيبة بإحترام ..قبل أن يستديرا معا و الجد يباغته بغموض ..
- بتتعشى هنيه ..؟
قال غيث بهدوء .. و صورة جدته الباكية لا تفارق مخيّلته .. كم يؤلمه بكاؤها ..
- لا .. بتعشى فبيت ابوية علي .. شحالك يا بويه ..
أومأ العجوز برأسه ..
- بخير الله يعافيك ..
ظل ينظر له مطولا قبل أن يسأل ..
- شحالها حرمة عمك ..؟
أمعن غيث النظر فيه ..
- أم نايف ..؟
بدا التردد لوهلة في عين الرجل قبل ان تقسوا و هو يقول بشيء من الحزم ..
- هيه
- بخير ..
- سميتوا الياهل ..؟
ارتكزت عينا غيث الآن .. تسعى لإلتقاط أي حركة قد تفضح ما يخالج جدّه ..
- سميناه سيف ..
انفرجت شفتي الجد المحاطة بالتجاعيد .. و نظرة ثقيلة مبهمة تلمع في عينيه .. و هو يومئ برأسه ..
- و متى العزيمة ..
أجاب غيث بعملية ..
- يوم الخميس .. عشا الرياييل هنيه .. و الحريم فبيت عميه ..
هز الجد رأسه يستدير تاركا غيث خلفه و هو يقول بغموض ..
- خير إن شا الله ،،

* * * * *

حين أطفئت الأضواء .. و استحالت كلمات أخواتها المعتادة قبل النوم لهسيس أنفاسهن البطيئة ..
ظلّت هي تحدق بعينين يائستين في الفراغ الأسود ..!
كل الأجفان قد أثقلت .. أسدلت أهدابها معلنة لحظة توقف ..
حيث ينتهي كل شي عند الظلام الذي يقبع خلفها ..
عالم داكن .. بلا أوان .. بلا أبعاد .. بلا أوجاع .. و لا أحزان ..
لا صدى لبشاعة الواقع فيه .. لا و لمرارة الأيام ،،
سواد لا يسكنه شيء سوى الأحلام ،،
لم ترى النوم رحمة قط كما أصبحت تراه في آخر أيامها .. لكم تمنت لو تغفو عينها قليلا .. لتترك حمولة تروح تحتها روحها عن حدود الرحيل عن الواقع للحظات ..
لحظات فقط تريد أن تنعم فيها بشيء من السلام ..
الغريب أن روحها أصبحت تزحف ببطء نحو الإستسلام الآن ..!
شيء من التسليم راح يستقر داخلها .. و هي تفتح راحتيها حاملة بينها كل أمنية .. كل حلم .. كل أمل ..
أحالتها المرارة إلى حطام ..
لتقف عند حدود الواقع ناثرة إياها في مهب الأيام ..
لتحملا بعيدا عنها ..
جل ما قد يقتلها هو أن تحتفظ في نفسها شيئا من تلك البقايا التي لم تعد سوى رمادا مستحيلا ..
برود راح يجمد أوصال إحساسها ..
و ألم صامت يكتنف روحها ..
ستدفع قدميها في ما قد لا يؤذيها ..ستمضي لأي مدى ستحملها إليها الأيام ..
و ستبرع فيما لا يتجاوز مأساتها ..
ابتسمت بمرارة ..
و ملوحة الدمع تتدفق في الظلام لفمها .. تكبح شهقتين في صدرها ..
لا زال أمامها دراستها .. ستنجح في الكثير .. ستجد طرقات قد تمجّد خطواتها دون عار تسببه لها ..
قطعا ..
ستدوس في طريقها الكثير ..طموح .. و كينونة ..
و هويّة أنثى ..
الكثير عليها أن تلقيه خلف ظهرها ..
لقد مزّق قذر ما .. مستقبلا بلون الزهر قد ينتظرها ..
فلم تعد الأمومة .. و الزواج .. و الحب .. و انطلاقة حياة امرأة ..
سوى أحلام محرّمة ..
.
.
هي ساعة للنسيان آنت ..
ستهجر تفاهاتٍ لم تعد تليق بها بعد الآن ..
تعرف أين حجمها .. و أين موضعها ..
لن تتطاول إذا ..
ربما يناوشها الأمل أحيانا .. لنكها ستحجم عن وجع السقوط إذا ارتقت ..
هي عفرا ..
تلك الطفلة التي غدت تتوسد الكتمان كل ليلة ..!

* * * * *




لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 22-06-16, 09:28 PM   #30

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


كان فجرا سعيدا ..
أ و لا يسمى بالعيد ..؟!
بهجة راحت تعبق في أركان البيت الصغير ،، تحتضنها جدرانه العتيقة ،، و حور تدور بالمبخرة في البيت و ابتسامة واسعة لا تفارق شفتيها ..
رغم الألم و الضيق الذي أمسى عليه الجميع أمس .. بحلول أول عيد بعد موت أبيهم ..
حيث أجهشت مزنة بالبكاء و شاركها البقية الدموع الصامتة .. لن يكون ذاك الوقور الصارم موجودا .. ليتهافتون على تقبيل أنفه الحبيب بعد عودته من صلاة العيد ..
و هو ينقدهم ( العيدية ) بابتسامته الخفيفة ..
لن يحملهم دفعتين بسيّارته الصغيرة نحو بيت خالتهم ليقضوا مساء العيد هناك ..
رغم هذا .. لازال عيدا ..
رحت حور تدير المبخرة في الصالة .. xxxxب الساعة تشير للعاشرة .. غيث و نايف لم يعودا بعد من صلاة العيد .. فأدركت أنهما توجها لبيت الجد بالتأكيد ..
نشوة و حماس تثور داخل روحها ..
و رائحة الحنا التي لا تزال عالقة بالبيت من الأمس امتزجت برائحة البخور .. و القهوة ..
ثيابهن الجديدة الملوّنة .. و الكحل الأسود الذي صبغ مآقيهن ..
السجادة النظيفة التي فرشت في الحوش و وضعن عليها الحلوى و القهوة ،، و المأكولات التي تشاركن في اعدادها ..
أخواتها احتشدن في غرفة أمهن لتناول الفطور معها و مع خالتهن التي أصرّت على البقاء مع أختها حتى تتم الأربعين يوما ..
خرجت عفرا من باب المطبخ و هي تحمل وعاء طعامٍ مغطّى جيدا .. ابتسمت بهدوء لحور ..
و لمعانٌ باهت يتحدى ذبولها تألق في عينيها .. و هي تتحرك نحو الحوش ..
راقبتها حور و هي تضع المبخرة على طاولة جهاز التلفاز ..
أصبحت أكثر نحولا الآن .. حتى ثوب العيد بدا واسعا عليها .. لانت نظرتها و عفرا تتساند بإرهاق لتقف على قدميها .. و حور تقول ..
- عفاري فديتج .. سيري تريقي ..
مدت عفرا يدها لتقرص خد أختها الكبرى .. و نبرة الحنان لم تخفى عليها ..
- تريّقت فديتج .. انا و مهاوي ..
- يعل فوقه العافية ..
- الله يعافيج ..
نظرت حور حولها و هي تتنهد ..
- أحس العيد غير هالمرة .. مادري كيف ..؟! هادي شوي صح ..؟
أومأت عفرا برأسها .. و هي تنظر - للفوالة - بشرود ..
- صح ،، غير ..!
- الله يرحمك يا بوية ..
عضت عفرا شفتها السفلى بشيء من الألم ..
- الله يرحمه ..
ارتفع رنين هاتف حور لتخرجه من جيبها ،، و هي ترد بحبور ..
- هلاااا و غلاااا .. مباركن عيدج .. بخير الله يعافيج .. شحالج انتي .. هههههههههههههههه .. شفتي عاد ..
إحمر وجهها فجأة و هي تشيح بناظرها عن عفرا التي ابتسمت و حور تتابع بشيء من الإحراج ..
- سبالة وحدة .. أصلا ما شفته الين الحين ..
ثم شهقت و وجهها يحمر أكثر ..
- لااااااااا يا النذلة .. و الله ما أرمسج .. حرام رويض .. و الله أزعل ,,
ثم تنهدت براحة ..
- هااا ..؟ وين ..؟ منوه ..؟ انزين قربي بهم .. هيه .. في الحوش .. انا بظهر الحين ..
أغلقت الهاتف على عجل و هي تنظر لعفرا ..
- هاي روضة تقول إنها هنيه .. هي و أحمد خوها و هزّاع ولد عمها ..
عقدت عفرا جبينها ..
- امنوه هاييلا ..؟ لي شفناهم في المستشفى ..؟
هزت حور كتفيها ..
- اشدرانيه بعد .. بس عيال عمنا .. أنا ما حيدهم .. المهم ..حدري انتي خبري أميه عذيجة و أميه وديمة .. و قولي للبنات عسب محد منهن تظهر ..
دلفت عفرا و هي تقول ..
- ان شا الله ..
.
.
أجال هزاع و أحمد ناظريهما في جدران البيت قبل ان تقع عينا الأخير على باب المجلس .. ليضحك بمكر ..
- و الله ما اتخيل غيث خوية يعيش هنيه .. اتخيل هزاع موظفينه لي فالشركة شوه بيقولون ..
ابتسم هزاع هو الآخر ..
- صدق و الله .. امرررة هب لايق على غيث يعيش هنيه .. حالته صعبه هالبيت .. يطلب الرحمه ..!
هزت روضة قدمها بفروغ صبر ..
- شباب لو سمحتم .. ليكون يايين ويايه عسب تتأملون البيت .. خلصونا العرب يرقبوناا ..
رفع هزاع عينه للسماء ..
- و الليييييل .. ذليتيناا عاد .. يايين وياية .. يايين وياية .. كانا نحن يالسين نشحت زيارة و الا ما بيدخلونا لو ما كنتي ويانا آنسة رويض ..
رفع أحمد حاجبا و هو يتقدم من الباب نحو الحوش ..
- انتي تحمدين ربج انه نحن يايبينج ويانا ..
ثم دق الباب الحديدي بمفتاح سيّارته مصدرا صوتا عالي و هو يصيح منبها ..
- هوووووووود .. هوووووووووود ،،
صوت إمرأة كبيرة أجابه على الفور ..
- هدااا .. اقرب ..
دلف أحمد بسرعة و خجل غريب ..]راوده يتبعه هزّاع بنفس الاحساس .. لتدلف روضة خلفهم .. بابتسامة .. و هي تميز حور الواقفة في الطرف الأقصى .. و أمها التي تحمل طفلا بين يديها .. و خالتها التي كانت هي من أذن لهم بالدخول ..
تقدّمت روضة خلفهم و هما يسلّمان بصوتٍ عالٍ و يجلسان في نفس المكان يفصل بينهما متكأ واحد يستندان عليه .. و هما يتبادلان الأخبار و التهنئة بالعيد .. رغم الصعوبة التي واجهاها في التواصل مع أم نايف ..
فيما تصب الشابة المختفية خلف الغطاء القهوة لهما و هي تدني منهم أوعية الطعام بأدب ..
لم يستطع هزاع منع نفسه من تأمل جدران البيت المتقشف بشيء من الفضول ..
مرّت الزيارة بهدوء ظاهر .. لم يمكثا طويلا قبل أن يعتذرا و روضة توضح بأنها ستبقى هنا و تعود مع السائق ..
ودّعا الجميع قبل أن يمضيا .. و أم حور و خالتها يتوجهن للداخل لوقاية الطفل من البرد ..
فيما روضة تسأل بمرح ..
- وين البنات ..؟
وقفت حور تشير بيدها مبتسمة ..
- داخل .. يتريّقن ..
ظهرت المها أمامهن و هي تسلّم على روضة برقّة .. قبل أن تسأل حور بعينها .. فتلوح الأخيرة بيدها أنهم .. قد رحلوا ..
لتشير الأولى بأنها ستنظف المكان خلفهم .. و روضة تتبعها بعينها ..
- ما شا الله عليها .. الله يحفظها .. لو ميوزينها غيث أخوية ..
قرصتها حور بقوة و هي تنظر لها شزرا حين ضحكت ..
- آآآه .. عورتينيه .. أقول لووو ..
.
.
.
- لحظة ..!!
التفت هزّاع له بفضول ..
- بلاك ..؟
فتح أحمد الباب و هو يترجل من السيارة ..
- تلفونيه نسيته داخل ..
هز هزّاع رأسه بتذمر ..
- معثور ..
فيما يتحرك أحمد متوجها للداخل بسرعة .. و يده تثبّت - العقال - على رأسه ..
ما أن بلغ الباب حتى طرقه مجددا بصوتٍ عالٍ .. و هو يصيح ..
- هوووووود .. ..
لم يتلقى إجابة على صيحته ..
ليعود إلى الطرق و الصياح مرة أخرى .. حين لم يلقى الرد أيضا أيقن أنه ما من أحد في الطريق ..
لذلك آثر الدخول و استعادة الهاتف و الخروج بسرعة .. لكن ما ان تجاوز عتبة الباب حتى تجمد مكانه و عينه تتسلط على الفتاة التي انحنت على - الفوالة - و هي تعيد ترتيبها .. ليشيح بوجهه متوترا .. و هو ينبهها لوجوده ..
- آحمممم .. ياهل البيت ..!
لم يسمع صوتا خلفه فالتفت ليجدها واقفة أمامه تتجاهله ببرود .. و كأنها لا تراه ..
تعلم أنه هنا .. و لم تتحرك لرفع غطاء شعرها و ستره ..!
لاتزال في مكانها و لا يرى سوى جانب وجهها .. بدت غير مبالية بوجوده هنا ..
شعر بشيء من الخجل و الذنب و هو يقف ناظرا إليها متمعنا في جانب وجهها الجميل ..
حتى و لو كانت تتعمد الظهور هكذا .. ليس عليه أن يقف بغباء ناظرا إليها ..!
لذلك تحرك بتوتر نحو مكان جلوسه .. و هو يقول باعتذار ..
- السموحة منج .. نسيت تيلفونيه ..
لم ترفع رأسها حتى لتجيبه .. و هو يلتقط الهاتف .. بدا واضحا أنها غير راغبة في الرد ..
لكن ما إن تحرك بغيّة الخروج حتى هبّت هي واقفة لتلتفت ورائها .. فتجده أمامها مباشرة ..
كانت ردة فعلها هي الأغرب على الإطلاق .. اذ اتسعت عيناها برعب و هي تشهق بصوتٍ مرتفع و تسحب غطائها على وجهها بسرعة كبيرة كأنما لم تلاحظ وجوده إلا الآن .. و تركض لباب الصالة القريب ..
ظل ينظر خلفها مذهولا للحظات طويلة .. فكه يتدلى بعدم فهم ..!
لقد صاح مطولا .. و اعتذر منها .. تكلّم قربها و لم تبالي بوجوده ..!!!
ما خطب هذه الفتاة ..
ابتلع ريقه بشيء من التشوش .. و هو يحمل هاتفه و يتوجه للخارج بإضطراب ..!
بدا الأمر غريبا .. أو غير مفهوم .. و هو يبلغ السيارة لدلفها و هزّاع يقول بغيظ ..
- رحت اتييب تيلفونك و الا تدقها سوالف .. خيستنا يا ريال ..!
لكن أحمد لم يجبه و هو يشد على مقود السيارة بشرود ..
يديرها .. و ينطلق بها ..!
.
.
.
.
كانت لا تزال تنتفض بقوة و هي تضع يدها على قلبها .. دمعة تقف على أطراف الهدب .. تشير لحور بأن هناك رجل في الخارج .. قد رآها ..
- آهنااك .. آآياال .. شوفنيه ..
راح قلبها يخفق بجنون .. فيما الفزع يلجم روحها .. كيف لم تنتبه لوجوده في الحوش .. ألم تشعر بحركة ما ..؟ أدنى شيء قد يجذب ناظريها ..؟!
كان قريبا للغاية منها ..! رآها .. و أمعن النظر لوجهها ..
لم يبعد عنها سوى خطوتين ..
شعرت بعبرة تسد حلقها .. تخنقها ..
أ كان يختلس النظر إليها أولا دون أن تدري ..؟!
ماذا لو فعل ..؟
عادت حور من الحوش مع خروج روضة و نورة للصالة .. و الأولى تنظر لوجه المها الشاحب و هي تضع يدها بذعر على صدرها .. فيما حور تشير لها بيدها .. صائحة بصوتٍ عالٍ ..
- محد .. محد .. هنييييييييه ..!!
هزت رأسها رفضا و هي تشير لعينيها الكبيرتين .. و بدا أن الكحل سيسيل بعد لحظة دمعا أسود و شفتيها الرقيقتين ترتجف ..
- أنا شووفه .. آيااال .. داخيي هوووش ..
عقدت روضة جبينها فيما نورة تسأل ..
- بلاها المها ..؟
قالت حور بضيق ..
- اتقول ريال دخل الحوش .. و هي هناك ..؟!
شهقت نورة بقوة ..
- يميييييييه ..! منوه ..؟
التفتت روضة نحو حور ..
- يمكن أحمد و الا هزاع ردّوا .. انشديها شوه لابس ..؟!

راحت حور تشير بيدها للمها متسائلة .. قبل أن تلوح المها نحو لون الباب البني الحائل ..
فيحمر وجه روضة ..
- أحمدوووه الهرم .. دقيقة بس ..
و أخرجت هاتفها تتصل به .. لحظات فقط قبل أن يجيبها بصوت متوتر ..
- هلا رواضي ..
ابتسمت روضة لبنات عمها و هي تخرج للحوش بعيدا لتكلمه ..
- يا الهرم .. انته رديت مرة ثانية ..؟
بدا صوته غير واثقا ..
- آحم .. رديت وين ..؟
- رديت الحوش ..؟
- هيه نسيت تيلفونيه ..
- آهااا .. و ما لقيت حد في الدرب ..؟
أصبح متوترا ..
- شوه ..؟ آآ هيه .. ليش ..
صرّت روضة بأسنانها و هي تهمس ..
- عنلاتك يا السبال ..و تتنشد بعد .. كان اتصلتبيه و ظهرت لك التيلفون .. هب تعفد فبيت الخلق .. و بناتهم قدّامك ..
رد أحمد بصوتٍ غاضب ..
- انزين ترانيه هوّدت الين بح صوتيه .. و يوم شفتاا تحمحمت بعد .. و رمستاا .. و هي ولا عليها .. تبينيه أنا أسترها ..
شهقت روضة بخفة و هي تعاتبه ..
- حرام عليك .. ما سمعتك ..
- لا و الله .. اصارخ عند أذنها مساعة و ما سمعتنيه ..
همست روضة بقلق ..
- أحمد يا الهرم .. هاي الصمخاا من البنات .. ما سمعتك يوم تهود .. و الحين تتنافض من الروعة .. ما شافتك إلا و انته عندها ..!
.
.
كاد ينحرف بالسيارة حين سمع كلماتها .. لم يبالي بنظرات هزاع الفضولية و المتعجبة ..
قبل أن يوقف السيارة جانبا .. و هو ينظر للأمام بصدمة ..
الهواء يتعسر عليه بلوغ رئته .. و هو يلهث بذهول ..
- الصمخااا ..؟!
لامته روضة ..
- هيه ..
لم يستطع الرد عليها .. أسند جبينه بيده .. و هو يستعيد وجهها المذهول برؤيته .. عيناها الواسعتين ..
راح قلبه يخفق بثقل ..
ببطء مدوٍّ قبل أن يهمس بنبرة غريبة ..
- ماا كنت أدري ..!
ردت روضة بضيق ..
- الحين تدري .. حاذر المرة الياية .. قبل لا تحدر مكان .. هي ما طنشتك .. بس ما سمعتك ..
نظر لهزاع بشيء يشبه الإستغاثة و قد بدا الضياع على وجه الأخير .. قبل أن يهمس أحمد ..
- روضة ..
- همم ..
- قوليلها انيه آسف ..!
و أغلق الهاتف دون انتظار الرد منها .. قبل أن يدير المحرك و ينطلق من جديد .. و هزاع يسأل ..
- شوه السالفة ..
لوّح أحمد بيده عاجزا عن قول شي و هو يركّز في الطريق ..
- و لا شي ..

* * * * *

- ميعاد ..؟
كان ذاك الهمس قريبا منها ،، شعرت بصوت أختها الدافئ يخترق روحها .. تفتح عينيها ببطء .. لتجدها تقف على مقربة منها ،،
بثوب العيد الأنيق ..
كان غيث و أبوها قد غادراهما للتو ،، بعد أن أوغل الليل ظلامه ،،
جاهدت بقوة أن تخفي شيئا من حزن يخالجها .. لكنها تعلم أن لا مهرب من أختها ..
خولة تعرف كل تفاصيل روحها ..
ستدرك حتما أن شيئا ما .. يستنزف روحها ..
- بلاج حبيبتي ..؟
قالتها بصوتها الناعم و هي تمسك بيد أختها ..
- شي يعورج ..؟
ردت ميعاد بتعب ..
- لا ..
- ويهج أصفر ..!
أغمضت ميعاد عينيها تعيد رأسها للوراء مجددا ..
- ماشي .. بس متضايقة ..
استمرت خولة تمسح على رأس أختها بهدوء ..
- من شوه فديتج ..؟
قالت ميعاد بصوتٍ ضعيف ..
- خاطري أشوف سيف بن حمد الصغير ..
ثم التفتت لأختها دون أن تحاول إخفاء دمعتها ..
- أبا أشوف عيال حمد خويه كلهم ..

* * * * *

راح الهواء ينفلت من بين رئتيه .. لا يخترق صدره سوى الفراغ ..
الفراغ الأسود القاتم ..
يديه تخبط الجدران بلا توقف ..
و ظل الليل الثقيل يهبط ببطء عليه ..
.
.
فيما يفتح فمه ليصيح ..
و لا صوت يتجاوز الشفاه ..
أطرافه الثقيله لا حيلة لها لترتفع و تطرق الباب الذي لا يعرف مكانه ..
.
.
أصبحت أضلعه تضيق الآن ..
فيما يسود السواد نفسه ..
هل يختنق ..؟
.
.
سيموت لا محاله ..
راحت يده الثقيلة تتحرك ببطء مستميت ..
يريد أن يطبق على شيء من الهواء بأنامله .. ليدفعه إلى رئته ..؟
فمه يفتح على اتساعه بلا صوت ..
و ثقل غريب يطبق على صدره ..
لا يبعد الموت عنه سوى أنفاس ..
أنفاس لم تعد تصل لرئتيه ..
.
.
لكنه الآن يسمع صوت لهاثه ..
يشعر بالعرق يغرق رأسه .. جبينه ،،
و صدره العريض الذي راح يرتفع و ينخفض بجنون ،،
استوى جالسا بجهد بالغ .. و هو يعب الهواء باستماتة ..
فكرة واحدة راحت تدور في ذهنه ..
كان مجرد كابوس ..
كابوس فقط ..!
ها هو الهواء ينتشر حوله .. و تضيق به رئتيه ..
راح يمسح وجهه بيده الكبير ..
و صوته يهمس بقوة ..
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ..

* * * * *
عيناها تتعلقان بعقرب الساعة الذي توقف أمام الثانية عشر إلا ربعا ..
تعلم أن جميع من حولها رقود .. و هذا ما كانت تنتظره من بداية المساء ..
لن تستطيع فاطمة الهرب بأي حجة الليلة .. عليها أن تضع حدا بنفسها لما يحدث ،،
تذكّرت تلك العبارات المختصرة التي أرسلتها في رسالة صغيرة لفاطمة حين لم تعد تستجب لضرباتهن على زجاج نافذة مطبخهم ..!
أصبحت تتهرب .. و خشيت عفرا أنها تعرف السبب ..!
رغم كل هذا لم تجد في نفسها رغبة سوى الاندفاع لتتيقن .. لذلك بعثت لها بالرسالة تلك تطلب رؤيتها في تمام الثانية عشر ليلا ..
لن تخاطر بالتحدث معها عبر فجوة الجدار .. خشية أن يسمعها أحد ,,
ليس على أي كان أن يعرف بالأمر .. ستنهي الموضوع بهدوء ..
تستشف من فاطمة عذرا لتملصها في آخر الأيام ..
و تعرف إن كانت قد وجدت طريقة لحل المشكلة رغم أن هذا ما تشك فيه حدوثه ..التقطت غطاء رأسها الأبيض الكبير تلفه حولها .. و هي تفكر في لو أن فاطمة تخلّفت عن المجيء ..
أم أنها عند وعدها و ستكون الآن في انتظارها في الزقاق الفاصل بين البيتين ..
تمنت من قلبها أن تكون كذلك .. أن تقطع الشك باليقين خيرٌ من أن تقتات على أملٍ بائس ..!
تسللت على أطراف أصابعها .. تغلق باب غرفتهن خلفها ..
صوت بكاء سيف الصغير يصلها من غرفة أمها .. لتنسل بسرعة للحوش ..
فركت يدها بخوف .. لا تدري مما هو ..
لكن الأمان لم يعد سوى وهمٍ في قاموس أيامها الآن ..
تشعر بأن أحدا يتربص بها في كل منعطف ما ..
هناك سرٌّ قد يفضح في أي لحظة .. يقتلها كتمانا .. و ذعرا من لحظة ستأتي يوما لتجد نفسها مجرّدة أمام أحدهم و قد كشف ما تخفي ..
ما إن تجاوزت الباب الفاصل لممر المجلس .. حتى توقفت بشيء من القلق .. ضوء ضئيل يتسرب عبر ستائر النافذة البالية ..
ألا يزال زوج أختها مستيقظا ..؟!
تذكرت تلك اللحظات المشؤومة بضبابية .. لم تعد لديها الكثير من الصور عن تلك الحادثة أو ما أعقبها ..
لكنها تعلم أنه كان شاهدا على تحطمها تلك الليلة ..
نفضت فزعها و هي تتقدم ..
اذا كانت فاطمة موجودة فستتأخر عليها .. و قد تظن تلك أنها لن تأتي ..
و اذا لم تكن موجودة ليس عليها سوى أن تعود أدراجها دون أن يعلم أحد بتسللها ،،
توسلت إلى الله أن تكون فاطمة في انتظارها .. تحتاج لواقع تقف عليه الآن .. و بشدة ..
تريد أن تعلم أين تقف قدماها بالضبط .. كي تتمكن من متابعة المسير ..
فتحت الباب الحديدي الذي أصدر تكّة مسموعة .. لتعض على شفتيها بذعر ..
لحظات دون أدنى حركة قبل أن تطمئن بأن أحدا لم يسمع الباب يفتح ..
تحركت ببطء خارجة من الباب .. و هي تعيده خلفها بهدوء تحسبا لملاحظة احدهم أنه مفتوح ..
خطوتين فقط قبل أن تطل على الزقاق المظلم .. لتتبين شبح أحدهم فتقول بصوتٍ خافت ..
- فاطمة ..؟!
تحرك الشبح بسرعة نحوها .. لتتراجع هي بذعر قبل أن يسقط ضوء الشارع على وجه فاطمة القلق .. و هي تقول بصوتٍ مهموم ..
- عفاري ..؟
تنهدت عفرا براحة قبل أن تشد على يدها و تسلّم عليها بتوتر ..
- و الله لو حد يدري انيه هنيه ليذبحونيه ..
أومأت فاطمة برأسها متوترة ..
- حتى أنا بس سلـ .. آآآ .. خوية هب في البيت .. و .. شحالج عفاري ..
ردّت عفرا بصوتٍ بائس ..
- الحمد الله .. انتي شحالج .. ليش ما تيينا شرات قبل ..
أطرقت فاطمة برأسها ..
- بخير .. انشغلت ويا الدراسة شوي .. و أماياا ..
- آهاا ..
ثم صمتت لدقيقة كاملة قبل أن تعود عفرا لتسأل بصوتٍ مرتجف ..
- فاطمة شوه سويتي في السالفة ..؟
عضت فاطمة على شفتها و هي تقول بصوتٍ خافت ..
- و الله مادري شوه أقولج يا عفرا .. مستحية منج .. بس عدها السالفة على حطت ايدج .. ما أشووفه .. يظهر من صباح الله و ما يرد الا في الليل .. و مرات يبات خاري البيت ..
وضعت عفرا يدا مرتجفة على فمها ..
- ما رمتي ترمسينه .. ما لقيتي فرصة وحدة ..؟!!!!!
بدت فاطمة خجلى من نفسها .. و عفرا تقول بانكسار ..
- معقولة ..؟
قبل أن تجيب فاطمة بأسى ..
- رمسته مرة وحدة ..
اتسعت عينا عفرا .. و هي تلهث ..
- رمستيه ....؟ متى ..؟
- عقب السالفة بيومين ..
ارتاعت عفرا ..
- و ليش ما خبرتينيه ..؟
سكتت فاطمة مطولا .. قبل أن تقول بصوتٍ خافت ..
- لن السالفة ما تستاهل ..يعني ما لقيت فايدة ..
- كيف ما تستاهل ..؟ انتي رمستيه ..؟ شوه قالج ..
- قال .. رمسة .. فاضية .. صدق عفاري .. الموضوع ما كان يستاهل .. بس أخبرج انيه رمستـ ...
قاطعتها عفرا و هي تلمس تهربا هنا ..
- فاطمة .. قولي .. شوه قال أخوج ..
اضطربت فاطمة ..
- ما عليج منه عفرا .. بيصطلب .. و ان شا الله نحـل الموضـ ....
- فاطمة شوه قال أخوج ..؟؟
- عفـ ..
- خبرينيه .. الصدق كله ..
شدت فاطمة بيدها على غطاءها بقوة ..
- قال .. انج .. كـ .. كذّابة .. و تتبلين عليه .. و ...... و .. عفرا دخيلج ما يحـ ..
قاطعتها عفرا بألم ..
- كملي ..
- قال انج ظاهرة ويا واحد و تبين تعقين بلاج عليه ..
أغمضت عفرا عينيها بقوة لتنهمر دموعها وجعا .. شيء كالنصل راح يمعن الطعن في قلبها و هي تقول بصوتٍ مرتجف ..
- انتي صدقتيه ..؟
- لااا .. و اللــ ..
تابعت عفرا بصوتٍ متهدج ..
- فاطمة شفتي شيلتيه في ميلسكم .. أخوج اعتدى عليّه .. ضيعنيه .. و ضيّع شرفي .. تعرفين شوه يعني اعتدى عليه ..؟ امنوه بيصدقنيه انه السالفة كانت غصب ..؟ بيتحرونيه خايسة .. و الله حرااام .. ما سويتله شي .. ما تدرين .. دمرني .. ذبحني .. كل يوم أموت مليون مرة .. و الحين ياي يتبلى عليّه ..!
بكت فاطمة و هي تقول بحسرة ..
- أدري عفرا .. و الله بحل الموضوع .. بس السالفة يبالها وقت شوي ..
- وقت الين متى ..؟ نحن شهر بس و بننتقل .. خبرينيه .. كم تبين وقت .. سنة .. عشر .. أنا خلاص .. يئست .. يئست ..
بلعت فاطمة ألمها و هي تعدها بصدق ..
- و الله بحل الموضوع .. بأسرع وقت .. بس الحين هو شارد .. ما نشوفه .. مادري هو خايف انج خبرتي حد ..
- ما بخبر حد .. فطووم قوليله .. و الله ما بخبر حد .. بس يصلح غلطته ..
مسحت فاطمة وجهها ..
- خلاص .. بس انتي لا تخافين ..
هزت عفرا رأسها و دموعها لا تتوقف ..
- سيري برايج .. بس لا تقطعينيه فاطمة . و الله اموت و أنا أحاتي ..
- لا تحاتين .. ان شا الله ما يستوي الا كل خير .. بيحلها ربج .. تبين شي ..؟
-لا ..
استدارت فاطمة و انطلقت نحو بيتهم بخطى مستعجلة متعثرة ..
فيما توقفت عفرا لوهلة فقط قبل أن تعود هي الأخرى خطوتين للوراء .. ما إن تركت الزقاق خلفها ..
حتى أطلقت صرخة صغيرة من حنجرتها .. و هي ترى الجسد المستند على جدار الزقاق بهدوء ..
دون أن تعلم بوجوده ..
كان هناك من هو في إنتظارها ..
يصيخ السمع لتلك الحكاية القذرة ..!




لامارا غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:28 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.