آخر 10 مشاركات
301- موعد مع القدر-شارلوت بيكر - عبير مركز دولي (الكاتـب : Just Faith - )           »          300 - ثمرة الحب - جودي هوبر - م.د** (الكاتـب : angel08 - )           »          16 - زواج في المزاد - ديانا هاميلتون - م.د - حصرياااا** (الكاتـب : شوشولاف82 - )           »          15. العذراء والوحش - روايات عبير ( اعادة تحميل وتصوير بعض الصفحات) (الكاتـب : سنو وايت - )           »          13-ليلة عابرة-مركز دولي قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          8 - حسناء الجزيرة - م.د** (الكاتـب : سنو وايت - )           »          7 - المليونيرة المدللة - م.د *كاملة بتصوير جديد* (الكاتـب : monaaa - )           »          2- الحب والقدر - مركز دولي قديمة - روايات عبير جديدة (الكاتـب : samahss - )           »          1 - لا.. لن أبيع أحلامي - م.د** (الكاتـب : سنو وايت - )           »          130 - لن اطلب الرحمه - ان هامبسون ع ق ( كتابة /كاملة)** (الكاتـب : فرح - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: من هو اكثر ثنائي نجح في جذب انتباهكم بقصتهم
قاصي و تيماء 2,117 58.56%
مسك و امجد 737 20.39%
ليث و سوار 761 21.05%
المصوتون: 3615. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree999Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-02-16, 10:54 PM   #2221

الجميلةالنائمه

? العضوٌ??? » 330652
?  التسِجيلٌ » Nov 2014
? مشَارَ?اتْي » 350
?  نُقآطِيْ » الجميلةالنائمه is on a distinguished road
افتراضي


تسجيل حضووور في الانتظاار

الجميلةالنائمه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-02-16, 10:56 PM   #2222

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

مسا الورد يا سكاكر ... أنا بصراحة تعبت و عايزة أنزل الفصل
حنزله الآن أبكر من موعده بساعة .... أرجو التوقف عن النعليق لدقائق

mareen likes this.

tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 20-02-16, 10:56 PM   #2223

dalia22

? العضوٌ??? » 330969
?  التسِجيلٌ » Nov 2014
? مشَارَ?اتْي » 1,183
?  نُقآطِيْ » dalia22 has a reputation beyond reputedalia22 has a reputation beyond reputedalia22 has a reputation beyond reputedalia22 has a reputation beyond reputedalia22 has a reputation beyond reputedalia22 has a reputation beyond reputedalia22 has a reputation beyond reputedalia22 has a reputation beyond reputedalia22 has a reputation beyond reputedalia22 has a reputation beyond reputedalia22 has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تسجيل حضوررررررررررر

dalia22 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-02-16, 10:58 PM   #2224

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

الفصل الرابع :
لم تعلم تماما متى نامت .. و متى أغلقت عينيها ...
لم تعلم متى تحولت الذكريات الى أحلام .... وهو يطاردها في كلاهما دون رحمة .......
ساعتان مضنيتان ... قضتهما و هي منكبة على جانبها ... ملتفة حول نفسها كوضع الجنين .....
ساعتان و هي على جانب واحد .. ترفض الالتفات كي لا ترى مسك انهيار الدموع السخي على وجنتيها ...
آلمتها عضلات جسدها كلها و هي تحاول جاهدة التسمر كي لا يظهر ارتعاش بكائها الحاد ...
بينما اذنها تلتقط تحركات مسك في الغرفة هنا و هناك بعصبية الى ان ارتمت في سريرها أخيرا و هي لا تزال تهمس بجنون غاضب
" الوغد أغلق الخط بوجههي ....... الوغد .... الوغد ..... كيف سأنام الآن .... "
كانت مسك تبدو اكثر عصبية لأن شخص اغلق الهاتف بوجهها ... منها و هي مصدومة بخبر خطبتها ل....
قاصي .....
اهتزت حدقتي تيماء و هي تحدق في الجدار المظلم أمامها دون صوت ... بينما قلبها ينبض ببطىء ... بطىء شنيع يجعلها أقرب للموت .... يجعلها غير قادرة على التنفس دون ألم ....
انها لم تعرف الغيرة في حياتها كلها ....
على الرغم من انها كانت مجرد فتاة عادية شكلا .... لكنها كانت تعوض الجمال المبهر بقوة شخصيتها ....
على الرغم من انها كانت منبوذة من رعاية والدها ... الا انها كانت تعوض ذلك بالتسلح بالقوة و التظاهر بمظهر السخرية ....
كانت تسخر من تفاهة بعض الفتيات في اهتمامهن المرضي بجمالهن ....
و كانت تسخر كاذبة من رغبتها التافهة القديمة في الهروب الى والدها .... حيث الرجولة و قوة الشخصية ...
الى أن اكتشفت أن الرجولة تطلب مواصفات ... لا يمتلكها والدها كما كانت تعتقد ....
الخلاصة أنها ترفض الشعور بالغيرة من مخلوق .....
الا مسك .....
حين رأتها أول مرة .... رأتها مثال الجمال و العنفوان ... كفرسٍ جامحة ....
لا وصف ينطبق عليها أفضل من فرسٍ سوداء حريرية أبية .....
و على الفور وقعت في حبها ... خاصة مع نظرات الحب المتألقة في عينيها العنبريتين دون تمييز ...
و كأنها تمنح الحب لكل من تقابله ....
لكن خلال ثلاث سنوات ... بدأت تيماء تتوتر ....
كلما سمعت قاصي يهاتف مسك برقة ....
كلما سمعته يمزح معها غاضبا ... ثم يتنازل و يخبرها أنه سيكون عندها في الموعد المحدد لينهي لها ما تريد ...
كانت عيناها تبرقان الما غير مبرر و هي تقف خلف جدار لتسمعه يهتف غضبا في هاتفه ...
بأنه على وشك ضرب خطيب مسك لو تجرأ و أبكاها مجددا ....
لم تعرف لماذا بدأت مشاعرها تتحول تدريجيا خلال هذه الثلاث سنوات من بداية أنوثتها .. تجاه مسك ...
لم تستطع الحدس الا في النهاية ....
حين اعترفت لنفسها بأنها ..... تغار من مسك .... تغار من علاقتها القوية بقاصي ....
لأنها هي تيماء ... تحب قاصي قبل حتى أن تعرف معنى الحب ....
تحبه قبل حتى أن تعرف بأنها تحبه .......
تتذكر أنها كانت تلح على قاصي أن يسمح لها بمقابلة مسك ... ولو لخمس دقائق فقط ....
وهو يرفض رفضا قاطعا .... الى أن وافق في النهاية دون أن تلح عليه أكثر ... و كأنها ضعف أمام رجائها ...
فسافر بها خصيصا ... كي تقابل مسك في مقهى .... على أن يكون هذا اللقاء سريا فيما بينهم و الا فقد أقسم الا يحقق لها مطلبا مجددا لو نبذت عن هذا اللقاء بكلمة لمخلوق ....

و كانت مسك تنتظرهما في المقهى بالفعل بعد أن أبلغها قاصي برغبة تيماء العنيفة في رؤيتها مجددا ....
لن تنسى ابدا كم بدت مسك يومها كلوحة من الجمال و الجاذبية ......
حيث كانت تجلس وحيدة عند احدى الطاولات ... تراقب الطرق من النافذة بشرود مبتسم ...
لا تحمل للدنيا أي هم ...
و في يديها قدح من القهوة يتصاعد البخار منه ...
و شعرها الأسود الطويل منهمر على احد كتفيها .....
كانت جميلة و مبتسمة دائما .... و كأنها قد ولدت بابتسامة فطرية ......
حين رأتهما ازدادت ابتسامتها فزاد جمالها .... و نهضت من مكانها لتصافح تيماء المرتبكة بيد ثابتة ناعمة و هي تقول بود
" مرحبا تيماء .... سرتني رغبتك في رؤيتي مجددا .... "
حينها ابتسمت تيماء و هي تقول بعفوية منبهرة
" انت حتى اجمل من المرة السابقة !! .... "
اتسعت عينا مسك بدهشة ... قبل ان ترفعهما الى قاصي الواقف بالقرب من تيماء يراقبها بصمت و يداه في جيبي بنطاله باهمال ... ثم قالت مسك ضاحكة
" حسنا ... انها تجيد الكلام و لديها نظرة ثاقبة ... "
استدارت مسك و هي تلتقط هدية مغلفة ثم التفتت الى تيماء تقول برفق
" احضرت لكِ هدية يا تيماء ....... "
لم تكن سعادتها في هذا الوقت تماثلها اي سعادة اخرى .....
كانت سعادة خالصة ... قبل ان تلوثها نيران الغيرة فيما بعد ........
.................................................. .................................................. ....................
" لا أقبل بأقل من الملكية الحصرية ......... "
تلك كانت عبارته الفجة حين تنازل و منحها شرف حبه .......
تلك العبارة أثارت بها رجفة من السعادة و الخوف في آنٍ واحد .....
لكن الا يحق لها أن تنسخ نفس العبارة لنفسها ....
و تصرخ به أنها لن تقبل بأقل من الملكية الحصرية له كذلك ؟!! .... و إن كانت تشك في ان يخضع قاصي لأي امتلاك ....
فهل تُمتلك العواصف ؟!! ......
"تعرفين أن كل شيء سيتغير من اليوم .... أليس كذلك ؟؟...... "
كانت تلك هي عبارته أيضا .... و قد منحته التأكيد و صك الملكية ...
و بالفعل تغير كل شيء .....
لم تتخيل كيف يتحول رجل كانت تتمنى منه نظرة اهتمام بينما هو يتجنبها باصرار الى كل هذا الشغف في مشاعره العنيفة ....
كان حبيبا متملكا بصورة لا تقبل الجدال حتى .....
عيناه العاصفتان باتت تحاصرانها دون رحمة .... دون الشفقة على سنوات عمرها السبعة عشر ....
تخاف قليلا من بريق الإمتلاك بهما ... الا أن الجذل القوي بداخل قلبها كان يجعلها ترمي نفسها في دوامة حبه مرحبة بالغرق .... طالما سينتهي بها الغرق ملقاة على شواطيء صدره الرحب ....
في الاشهر الأخيرة من عام الثانوية العامة ... كانت تخرج من مدرستها دائما و تسرع الخطى بوجل الى شارع جانبي من شارع آخر ... لتجده ينتظرها مستندا الى دراجة بخارية ,
تلك الدراجة التي صرف عليها كل مدخراته و اشتراها مستعملة و لا يزال يتحمل ديون المتبقي من ثمنها ... ليسافر بها لمدة ثلاث ساعات ...
فقط ليراها !! ....
لم يقبل أن يقابلها بسيارة والدها ..... وهي تفهمت احساسه بالذنب ....

كان يسافر اليها مرتين في الاسبوع ... و احيانا ثلاث مرات .... لكنها لم تظنه كافيا ابدا .....
في كل مرة كانت تخرج من مدرستها ,تتوقف على بعد منه ... تراقبه بقلبٍ منتفض ...
تلك الإنتفاضة الخاصة بقاصي وحده دون غيره .....
و كأنها كل مرة تقابله لأول مرة !! ......
لم يشعرها أحد من قبل أنها مرغوبة الى هذا الحد !! .... لا ليست مرغوبة هي الكلمة الصحيحة ...
بل ممتلكة .... تنتمي اليه .... أو ربما كان هو من ينتمي اليها ....
كل ما تعرفه أنها كانت مذهولة من عنف المشاعر التي سلمها لها قاصي .....
و كأنها بمبادرتها الصغيرة ... فتحت أبوابا من العواصف الجبلية العاشقة .....
لحظتان كل مرة تقف مع نفسها ترتجف قليلا و هي تراقبه عن بعد ... لتهمس لنفسها بذهول
" هذا الرجل الضخم يحبني !!! ..... يسافر من مدينة لأخرى فقط كي يراني لبضعة دقائق !! "
" ذلك القاصي الداني .... أصبح كل عوالمها ... و بحارها بشواطئها ... "
و كان حين يطول شرودها به ... يرفع رأسه اليها و كأنما أحس بوجودها ....
فيبتسم بتكاسل من تحت نظارته السوداء .... قبل أن يشير اليها بإصبعه كي تقترب بكل صلف ...
تقتلها تلك الحركة .... تثير غيظها لكن تزيد من رجفة قلبها ...
تقاوم الإبتسام جذلا و هي ترفض الصلف بحركته .... لكنها تعدل من وضع حقيبتها على كتفها لتسارع اليه ...
تلك الخطوات الاخيرة وصولا اليه ... لا يرفع عينيه عنها ... و كأنه يتلقفها بهما ....
على الرغم من ثبات ملامحه .... لكن تثبيت نظراته عليها كان قويا سلطويا ....
و حين تصل اليه كان يبادرها بالقول بصوتٍ متزن رغم عنف المشاعر بداخل كل منهما ....
" هل كنتِ عاقلة اليوم في المدرسة ؟!! ....... "
تعقد حاجبيها و تقول محذرة
" لا تعاملني كطفلة قاصي الحكيم ...... ثم أنني عاقلة دائما , باستثناء تلك المرات القليلة التي يحاول بها أحدهم فرض أي قوانين علي ...فأتمرد . "
و كان في هذا الوقت يلبسها خوذتها بقوة و يشد على الحزام اسفل ذقنها ...
قبل أن يمسك الخوذة المحتوية على رأسها بين كفيه ليقول بحزم ....
" تتمردين على قوانين الجميع .... الا قانوني الخاص ... مفهوم ؟!! .... "
تعقد حاجبيها مجددا و هي تقول عابسة
" لا ليس مفهوم ..... الخضوع ليس قانوني ...... "
فيقول بهدوء واثق لا يقبل الجدال
" لكنه في قانوني أنا ..... قانون يضم شخص واحد .... هو أنتِ .... "
يتناول منها حقيبته ليثبتها فوق الدراجة البخارية .... قبل ان يعتليها بقوة ليقول متابعا بنفس الهدوء
" هيا ... تعالي ...... "
تريد أن تتمرد عليه في تلك اللحظة ... تريد أن تبدد قوانين غروره ...
الا انها تضعف كل مرة ... فتعتلي الدراجة خلفه لتتشبث بخصره قبل ان ينطلق بها .....
الابتسامة كانت تزين وجهها العاشق للهواء القوي الذي يضربها بقوة ....
بينما صدرها ينتفض و هي تشعر بقربه الى تلك الدرجة ....
فلحظات انطلاقهما بدراجته ... كانت اللحظات الوحيدة التي يلامسها فيها ....
على الرغم من كل تطلباته الامتلاكية التي تثير جنونها ... الا أنه كان شديد الحرص الا يترك نفسه لهواها ...
نظراته تحترق ... و عيناه تشتعلان حين ينظر اليها دون وضع الحواجز بينهما ...
فتظنه على وشك أن يتجاوز كل الحدود ....
الا أنه يعود و يحرص كل الحرص على السيطرة على ذاته ....
لا تلامس بينهما الا في رحلتهما الطائرة على دراجته ..... و هي تتشبث بخصره ...
ذراعاها ملتفتان حوله ...
تنتهز الفرصة و تقترب قليلا كي تشم رائحة عطره .... أو ربما كانت رائحته الرجولية الخاصة ...
لم تستطع التمييز يوما ... كانت عديمة الخبرة ... لكن عنيفة المشاعر ...
و حين تلقي بنفسها على ظهره هكذا ... تثور بداخلها عواصف لم تعلم بوجودها قبلا ....
و كانت تتسائل هل يشعر مثلها ؟؟ .....
أحيانا تتحرك كفها .... على صدره ... متأملة أن تشعر بخفقات قلبه مجنونة كقلبها ....
الا انه كان يقبض على كفها بيد حازمة وهو يعيدها الى حيث تتلاقي مع كفها الأخرى فوق خصره ....
كان هذا يحرجها و يغضبها منه .... انه يضعها دائما حيث يريدها ان تكون ...
و هي لم تعتد هذا النوع من السيطرة على جموح ما تريده ....
وقت مستقطع من الزمن و العالم ....
كانت هذا هو الوصف المناسب لعلاقتهما ....
وهو يبتعد بها الى مكان في نهاية العالم ....
حيث البحر يطير من شعرها الهمجي و هي تجلس على دراجته البخارية تحكي له عن كل ما حدث بيومها ...
بينما هو يقف مكانه امامها .... يشرد بملامحها طويلا .. و كأنه يتعمق في كلامها لدرجة ان يفقد صوتها و يدخل معها في عالمٍ اخر ... اعمق من حدود الكلام المتلاشي ....
علاقتهما الحصرية كانت تتسم بالجنون ..
و كأن كلا منهما وجد ضالته و يرفض ان يقبل بأقل من التملك الحصري ....
كل منهما كان عنيف السيطرة على الاخر ... و كأنهما مصارعين بحلبة سباق .....
الا انهما كانا يختلفان ...
تيماء كانت اكثر اتزانا .... و كان هذا هو ما يثير تعجبها
فعلى الرغم من سنوات عمرها التي لا تتعدى المراهقة الا انها كانت اكثر اتزانا من قاصي .....
مع الوقت بدات ترى به ما يخيفها .....
تصرفاته قد تتسم بالعنف أحيانا .... و بالجنون أحيانا أخرى ....
و اللامبالاة و الإستهانة معظم الوقت ....
فقط تظهر شخصيته القاتمة الخفية حين يتعب من ارتداء قناع السخرية اللامبالية ....
تلك اللحظات النادرة ... الغالية ....
.................................................. .................................................. .................

تذكرت يوما كانت تقف مع قاصي امام احد المتاجر .... و في يدها المثلجات الحمراء التي اشتراها لها ....
تنظر الى واجهة المتجر مبتسمة ... ثم تسأله بدلال تعرف جيدا أنه يفلح دائما في اثارة جنونه
( أتظن هذا الثوب يناسبني يا قاصي ؟!! ........ )
استمر في النظر الى وجهها عدة لحظات .... عيناه تحومان فوق غمازتيها .... و فمه يكاد أن يبتسم لحلاوتهما ....
دائما تقف تيماء تتحدث بسرعة و تألق .... و يقف قاصي ليراقبها بصمت و كأنها أصبحت متعته الوحيدة .....
أضطر أن يبعد عينيه عنها بالقوة مرغما ... وهو ينظر الى حيث تشير .... قبل أن يعقد حاجبيه برفضٍ توقعته دون ذرة شك ....
ثم استدار اليها ليقول بمنتهى الهدوء ... المنذر بالشر
( و من سيسمح لك بارتداءه ؟!! .......... )
كان ثوبا قصيرا جدا .... و بشريطين على الأكتاف , ملون بألوانٍ الصيف ... برتقالي و أحمر و أخضر و أزرق ... دون أي احساس بخلل في ألوانه ....
تمطت تيماء و هي تقول بلهجة مدللة
( طلبت رأيك .... لا الاذن منك ........ )
لم يفقد هدوؤه ... و لم تتغير ملامح وجهه الصلبة وهو ينظر اليها باتزان .....نظرته كانت كفيلة بأن تجعلها تبتلع المتبقي من كلامها المستفز .....
فنظراته الهادئة تنذر باندلاع العاصفة بعدها .....
قبل ان يقول بنفس هدوءه لكن بصوتٍ أشد خفوتا ....
( رأيي و الاذن مني واحد .... فلا تحاولي تحدى أوامري , .... ..... )
ظلت تيماء تنظر اليه من تحت ستار رموشها البنية الكثيفة ... بينما طافت عيناه على وجهها من جديد ....
فهمست بخفوت ....
( كلامك يخيفني .......... )
التوت ابتسامة قاصي في شبه ابتسامة جانبية و عيناه تصعدان الى شعرها المتشابك و المعقد في الهوا ...
و خصلة سلكية منه تتطاير في الهواء ... فالتصقت و احتجزت بن شفتيها الفاغرتين قليلا ... و كانت اقل نعومة من ان تطاير مبتعدة ...
مد قاصي يده ليبعد تلك الخصلة عن شفتيها متمهلا ... عيناه تضيقان بعدم تركيز وهو قريبا منها كل هذا الحد . بينما عيناها هي متسعين ..... وجلتين .... و مشاعرها الفتية تصرخ بعنف ....
استمر الصمت بينهما عدة لحظات قبل أن يضحك قاصي بصوتٍ خافت وهو يقول بخشونة لطيفة
( تخافين مني ؟!! ........ لا أصدق هذا , فأنتِ قادرة على اخراج الشيطان الكامن بداخلي و انت مبتسمة .. لا تفعلين اكثر من لعق المثلجات الحمرا في يدك بلون وجنتيكِ .... )
كلماته تسحرها ... و اصابعه التي لا تزال سارحة بالقرب من زاوية شفتيها ... ضلت طريقها فلامستهما بشغف جعل حاجبيه ينعقدان ... و عيناه تضيقان اكثر .....
قالت تيماء بصوتٍ مرتجف قليلا
( أنت الوحيد الذي يشعرني بأنني ..... جميلة ...... لا أحد يلتفت الي مرتين .... )
سمعت أنفاسه تتردد ببطىء وهو يخرج زفيرا حار ... مكبوتا بعنف ... قبل أن يقول بصوتٍ متوتر ... متحشرج
( و هذا من حسن حظك ...... فوالله لو رأيت من ينظر اليكِ مرتين ل .......... )
رمشت بعينيها من تهديده المباشر ... لكن قلبها كان يخفق كأرنب مذعور .... و يداها تتعرقان بشدة .....
وشفتاها تحاربان للابتسام تحت وطأة أصابعه ..... لكن الابتسامة تتكسر عند حدود القلق من تهديده ....
( قاصي !!! ......... قاصي الحكيم ..... )
انتفضت تيماء و هي تسمع صوتا انثويا جذلا .... يهتف بدلالٍ صاخب ....
فالتفتت مندفعة تنظر خلفها الى فتاة صارخة المظهر و الصوت ...
فتاة عيناها تبرقان بنهم على الرغم من انها تضع نظارة عسلية اللون فوقهما ... بينما شعرها يتطاير من حول وجهها بجنون لشدة نعومته ......
و جسدها يكاد ان يتفجر من خلف ملابسها التي لا تترك الكثير للمخيلة من فرط ضيقها ....
تقترب بقوة و رشاقة و هي تهز شعرها .......
بينما الشفتين الحمراوين المكتنزتين تبتسمان ابتسامة ..... تخدش الحياء ...
نعم ابتسامتها تخدش الحياء العام ....
لم تتغير ملامح قاصي وهو يرفع عينيه عن وجه تيماء ... لينظر الي الفتاة الشقراء ذات الشعر القصير المتطاير ...
ثم ابتسم بلا حماس حقيقي وهو يقول بهدوء
( سوسن ...... ياللها من مفاجأة , مر وقت طويل ..... )
اندفعت اليه متجاوزة تيماء لتضع يديها على كتفي قاصي ... قبل أن ترتفع على أطراف اصابعها لتقبل وجنته أمام عيني تيماء الذاهلتين !!! ....
انخفضت سوسن على قدميها و هي تنظر اليه بتألق مبتسمة ... لتقول بصوتٍ خافت أثار غثيان تيماء
( نعم صحيح .... مر وقت طويل .... أين كنت ؟؟ .... هل تطلب الأمر عامين كاملين كي تعاود الإتصال بي ؟!! ...... )
نظرت تيماء بجنون الى قاصي الذي بدا هادئا وهو يقول برقة ... أو هكذا بدا لها ....
( العمل .... شغلني كثيرا..و حاصرني تماما ..... )
قال هذه العبارة و عيناه على تيماء بنظراته الصريحة ..... فاحمر وجهها و ارتبكت ....
اسبلت جفنيها للحظتين ... قبل ان تسمع صوت المدعوة سوسن يقول بلهجةٍ مندفعة أنثوية و هي تمسك بكفي قاصي ....
( أشعر بالغضب منك جدا ..... لكن رؤيتك كفيلة بأن تبدده بسرعة يا وسيم .... اسمع لن يما رأيك لو تناولنا العشاء معا الليلة .... لدي الكثير لأحكيه لك .... ما هو رقم هاتفك الجديد ؟؟.. )
قال قاصي بهدوء
( لا أظن أن الليلة ستكون مناسبة سوسن ........ )
" لا يظن !!!!! ... "
هل هذا يعني أن هناك ليالٍ أخرى أكثر مناسبة ؟!! .....
شعرت تيماء بالجنون و هي تسمع تلك العبارة الوقحة منه ..... بينما ردت سوسن بذهول مبتسمة و هي لا تزال ممسكة بكفي قاصي ... بينما رفعت يدا لتزيح نظارتها عن عينيها الى فوق رأسها ...
( ياللهي !! .... لا أصدق أنني رأيتك .... لا تزال وسيما ... بل أكثر وسامة ... و شعرك ... )
تركت كفه لتلامس خصلات شعره التي لامست طرف قميصه .... و همست
( آه من شعرك ....... )
ابتسم لها !!! .....
لم تتوهم تيماء و هي تصعق برؤيته يبتسم لتلك الحيزبونة الشقراء ....
بينما قال متسليا و كأن بينهما ذكريات أكثر وقاحة من أن ينطقان بها .....
( آه ..... أتذكر بأنكِ توعدتِ ان حاولت و قصصته ...... )
ضحكت و هي تخفض وجهها فاندفع شعرها ليغطي ملامحها .... و كأن من هي مثلها تعرف معنى الخجل !!!
شعرت تيماء فجأة بأنها غير قادرة على التحمل أكثر ....
النار بأحشائها كانت تحرقها ببطىء ... الى ان انفجرت فسعلت بقوة لتنبههما الى وجودها واقفة هنا مكانها كأحد اعمدة الإنارة ... لا ينقصهما سوى أن يستندا عليها ربما لمزيد من الراحة ....
تنبهت سوسن الى وجود تيماء خلفها ... فارتفع حاجبيها دهشة ترمقها من أعلى شعرها و حتى قدميها بتمعن ...
فلعنت تيماء الغباء الذي جعلها ترتدي هذا الجينز المهترىء ... و الحذاء الرياضي الأبيض ....
أما شعرها فكان مجموعا في عقدة متشعثة أعلى رأسها ....
و دون أي ذرة من الزينة ....
تبا لغبائها .... لماذا لم تتزين ولو قليلا ؟!! .... أليست في موعد مع حبيبها ؟!! ....
منذ اليوم الذي ضمنت به حبه لها ... عادت الى طبيعتها و بساطة شكلها ... بكل عفويتها ....
و نظراته الصريحة ... لم تشعرها أبدا أن الأنوثة تنقصها ....
فارتاحت و التزمت بمظهرها الطفولي ....
لكن الآن ... و هي تقف بجوار تلك الحيزبونة الشقراء ... ناعمة الشعر ... متفجرة الأنوثة ....
بدت أشبه بجرذ رمادي كئيب ....
تكلمت سوسن و عيناها لا تزال على تيماء
( من تلك الصغيرة يا قاصي ؟!! ...... هل هي قريبتك ؟!! ..... )
فتح قاصي فمه ليرد ... الا أن تيماء اندفعت هاتفة بجنون و هي تدس المثلجات الحمراء في مقدمة قميص سوسن الحريري
( بل حبيبته يا نور عيني ......... )
ساد الصمت للحظة واحدة قبل أن تشهق سوسن بصوتٍ عالٍ و هي ترفع كفيها عاليا ... غير مستوعبة البرودة المفاجئة و البقعة الحمراء المنتشرة على قميصها الكريمي اللون ....
قبل ان تصرخ عاليا بصوتٍ بائس مرتعب
( ما الذي ...!!!!! ....... )
كان قاصي ينظر اليها بذهول هو الآخر ... غير مستوعب للحركة التي حدثت للتو !! ....
بينما تنظر اليهما تيماء بتشفي و انتصار .....
لم تلبث سوسن أن انفجرت باكية فجأة بصوتٍ كالعويل !! ...
جعل الابتسامة تختفي من شفتي تيماء و هي تنظر اليها بدهشة رافعة حاجبها بتوجس ...
و هي ترى تلك الشابة الصاروخية ... تشهق باكية في الطريق بصوتٍ عالٍ كالصراخ ...
التفتت تيماء حولها بحرج و هي تنظر الى الأناس اللذين بدأو في الالتفات اليهم ....
بينما سارع قاصي الى اخراج منديل من جيب بنطاله وهو يحاول أن يمسح لها البقعة من صدرها بتوتر قائلا
( اهدئي يا سوسن .... هذه البقعة تزول بالغسل ... لن تترك أثر ..... )
مدت تيماء يدها لتخطف منه المنديل بقوة و عنف و هي تقول بلهجة تهديد مباشرة ...
( عذرا ..... هذا المنديل أحتاجه أنا ..... )
نظر اليها قاصي بذهول بينما كانت رفعت له حاجبها متحدية أن ينطق بكلمة أخرى في تلك اللحظة ...
و أخذت تسمح كفيها بمنديله بكل هدوء ....
اندفع قاصي في تلك اللحظة ليقبض على ذراعها وهو يستدير الى سوسن التي كانت لا تزال واقفة مكانها تبكي بصوتٍ عالي فاضح ... و قال بتوتر
( أنا آسف جدا يا سوسن .... علينا الذهاب , لكن اطمئني ... فهذه البقعة تزول بالغسيل .. ثقي بي , وداعا ... )

ثم لم يلبث ان ابتعد وهو يجر تيماء خلفه بقوة... الى أن وصلا لدراجته فدفعها قائلا بصرامة غاضبة ..
( اصعدي ......... )
انتزعت تيماء ذراعها من يده بقوة و هي تهتف غاضبة مثله و أكثر
( لا تعاملني بهذه الطريقة ....... )
رأت قبضتيه تنقبضان الى جانبيه ... و فكه يتلوي غضبا قبل أن يقول من بين أسنانه
( لا تستفزيني الآن يا تيماء ...... اصعدي )
الا أنها ضربت الأرض بقدمها و هي تهتف بعنف
( تبا لك لن أصعد .... سأرحل وحدي ..... و يمكنك أن تستقل دراجتك الغبية و تعود للحيزبونة الشقراء خاصتك و تجلسها خلفك .... ستكون ممتنة لك أكثر مني .... )
ابتعدت عنه و هي تضرب الأرض مسرعة و الغضب الحارق يستعر بداخلها .. و دموع خبيثة غادرة توشك على أن تندفع من عينيها الهادرتين ... الصارختين ...
لكن ما هي عدة خطواتٍ قد خطتها .... قبل أن تشعر بدٍ كالحديد تطبق على ذراعها بقوةٍ جذبتها لتستدير اليه حول نفسها ... فترنحت للحظة قبل أن تثبت قدميها و ترفع ذقنها اليه لتتحدى عينيه ....
عيناه الجمرتان .... تتوهجان ....
قبل أن تشعر بيديه و قد قبضتا فجأة على خصرها لترفعاها عن الأرض بكل سهولة ....
ذهلت تيماء للوهلة الألى و هي تشعر بالأرض قد اختفت من تحت قدميها اللتين تتأرجحان في الهواء ...
بينما عيناها اصبحتا في مستوى عيني قاصي !! ....
و ما أن استعادت وعيها حتى أخذت تتلوى و تلوح بساقيها محاولة ضربه بقدميها و قبضتيها قبل أن يتحرك بها و كأنها دمية ... الى ن وضعها بالقوة فوق الدراجة و هي تشتم و تهتف حنقا ...
( اتركني أيها الهمجي الفظ ..... )
لكنه لم يأبه بها .... بل أمسك بالخوذة و دس رأسها بها بالقوة ... و هي تقاومه بخشونة , الى أن تمكن من احكان غلقها ...
ثم أمسك بجانبي الخوذة بين كفيه بالقوة ورفع وجهها اليه ... ينظر الى عينيها بحدة أرعبتها للحظة
كان غاضبا و على وشك أن يقتلها الى أن هدر أخيرا بصوتٍ قاطع
( كفى ........ اصمتي ..... )
و كأنما كان أمره سيفا مسلطا .... فقد صمتت بالفعل على الرغم من أنها كانت تغلي بنارٍ تكاد على ان تندلع بوجهه في اية لحظة .....
حين سكنت تماما وهو لا يزال يمسك بالخوذة المحتوية على رأسها ....تكلم اخيرا بصرامة
( ما هذا الذي فعلتهِ للتو ؟؟!........... هل جننتِ ؟؟ .... )
ظلت تواجه عينيه بعينيها في حربٍ شعواء ... قبل أن تقول اخيرا بسخريةٍ لاذعة
( لماذا ؟!! ..... هل كنت تتوقع مني البقاء هادئة , أنتظر الى أن تحددا موعدا جديدا مع تمنياتي لكما بالسعادة ؟!! ..... )
ازداد انعقاد حاجبيه .... قبل ان يقول بصوتٍ حازم قوي
( لقد رفضت دعوتها .... هذا إن كانت اذنك قد اصيبت بصممٍ مفاجىء ..... )
ضحكت ضحكة ساخرة وقحة ثم قالت مقلدة صوته ...
( لا أظن الليلة مناسبة يا سوسن .... لما لا يكون موعدنا غدا كي يتاح لنا فرصة الاختلاء ببعضنا لفترة اطول ... )
هدر قاصي بقوة
( لم أقل هذا ............. )
فهدرت تيماء بحدة اكبر
( بلى قلت .... لقد كانت تلامس شعرك !! ...... كيف تسمح لها ؟!! ..... )
فغر شفتيه ينوى الصراخ بها كذلك ... الا انه عاد و أغلقهما فجأة .... ناظرا الى عينيها طويلا , قبل أن يقول بصوتٍ أجش خافت
( و ماذا إن لامست شعري ؟!! ......... )
برقت عينا تيماء بجنونٍ متهور ... و هي توشك على قتله كي لا يكون لغيرها أبدا ....
لكنها قالت بصوت خافت ... لكنه كان باترا كشفرةٍ حادة ...
( اتمنحني نفس الحق ؟؟ ...... أتقبل أن اتناول العشاء مع احد غيرك .... و يلامس شعري ضاحكا ؟!! .... )
للحظة ارتجفت من اشتعال النيران بعينيه .... قبل ان تسمع جوابه الخافت المهدد و الذي زادها رجفة
( كنت قتلتك ...... )
لن تستطيع ابدا فهم مشاعرها في تلك اللحظة ....
سعادة بدائية اندفعت بداخلها من بين نيران الغضب .... اهتزت حدقتي عينيها للحظات و هي تحارب موجة العشق بداخلها ... لتتمكن من القول بكل جدية و بنفس النبرة الباترة ... الصارمة ...
من بين أسنانها و عيناها لا تحيدان عن عينيه
( اسمعني جيدا , أنت ملكي يا قاصي ..... لن أقبل بأي تهاون في هذا الحق .... أنت ملكي و أنا لك ..أنا امرأتك .. )
ساد صمت طويل بينهما ... و عيناه على عينيها لم تتغير نظرتهما ... فقط البريق الذي ازداد توهجا بدرجةٍ غير معقولة .... قبل ان ترى شفتيته في ابتسامة غريبة ...
ابتسامة كان لها تأثير العدوى من شدة جمالها و هي تزين ملامح وجهه الصارم الصخري ....
فابتسمت و قلبها يرتجف بشدة .... حتى عضت على شفتها السفلى بحماقة ....
لكن ابتسامة قاصي كان تزداد تدريجيا و بسرعة حتى شملت وجهه كله ... قبل أن يرجع رأسه للخلف و ينفجر ضاحكا بكل قوة !! ....
بهتت ابتسامتها و اختفت و هي ترى ضحكته القوية .... و كأن لكمها بصدرها بتصرفه الهازيء ...
فصرخت تيماء و هي تقاومه كي يترك رأسها
( لا تضحك .... ابتعد عني , ابتعد .... اتركني قاصي .... )
الا انه كان يكبل رأسها بكل قوة لا تسمح لها بالتحرر ....
دمعت عيناها بغزارة و هي تراقب ضحكاته الساخرة .. الى ان خفتت اخيرا وهو ينظر الى عينيها بنظرة مختلفة
اشد عمقا .... اكبر دفئا .....
الى أن تكلم أخيرا بصوتٍ لم تسمعه منه قبلا
( اذن ...... انتِ امرأتي !! ...... )
احمر وجهها بشدة فأدارت عينيها عنه هامسة بأسى و هي تشعر بالرغبة في البكاء ...
( لم أكن أدرك أن هذه المعلومة مضحكة بالنسبة لك الى هذه الدرجة ...... )
كفاه مفرودتان على جانبي خوذتها .... و عيناه تتالقان بسعادة غريبة , لم تراها عليه من قبل ...
الى ان قال اخيرا بهدوء
( تذكرت طفلة حمقاء ... هبطت على باب بيتي ذات يوم .... تخبرني بكل صلف انني لا أجيد التعامل مع امرأة مثلها ..... لم اكن ادرك وقتها ان تلك الطفلة ستصبح امرأتي بهذه السرعة !! ..... )
فغرت تيماء شفتيها ببطىء ... و هي لا تصدق أن هذا هو قاصي الفظ ....
بل تحول الى كائن رقيق , لم تراه من قبل ... يتذكر كل كلمة نطقت بها من قبل ...
ينظر اليها تلك النظرة التي تشعرها بأنها الوحيدة في هذا العالم ....
حاولت تيماء جاهدة أن تسجل تلك اللحظة قبل أن يعود الى فظاظته .... تسجل سعادته التي نادرا ما تراها ...
تسجل منظره الغريب و كأنه قد فقد الهالة القاتمة المجهولة المحيطة به دائما ...
و هي كانت السبب في أن يفقدها ..... و كم أشعرها ذلك بأنها مميزة .... أثيرة لديه ...
و اختفت سوسن .... اختفت كل النساء من حياته ....
و بقت هي دون غيرها ......
سمعته يتنهد أخيرا بقوة قبل أن يقول بخفوت سعيد
( تيمائي .... من أين جئت الي فجأة ؟؟ ........ )
ابتسمت تيماء و هي ترفع كفيها لتضعهما فوق يديه على خوذتها ... ثم همست برقة
( الا تعلم ؟!! .... سقطت على باب بيتك ....... )
.................................................. .................................................. .....................
اخذت تيماء تتململ في فراشها بقوة ... مما جعل مسك تلتفت اليها بصمت رافعة عينيها عن الكتاب الذي كانت تقرأه ...
إنها تحلم .... تهذي و تتحرك منذ ساعات دون توقف .....
و اسم قاصي لا يبارح شفتيها باختناق ....
تنهدت مسك و هي تعود الى قراءة كتابها بصمت ....
بينما عادت تيماء الى أحلامها !!.....
.................................................. .................................................. .....................
" هدية نجاحها !! .... "
آخر يوم ينتظرها أمام مدرستها ...
كان هذا اليوم الذي اصطحبها بنفسه كي ترى نتائجها النهائية .....
كانت ترتجف الى حد البكاء خوفا ....
فقال قاصي متأوها بلطف
( ماذا الآن ؟!! ..... طلبت منكِ أن أذهب أنا و أحضرها لكِ ........ )
الا انها اصرت أن تذهب بنفسها فاصطحبها الى مدرستها .....
لكنها ظلت تبكي طوال الطريق ....
حين خرجت أخيرا من المدرسة .... وجدته واقفا ينتظرها متلفتا حوله بشرود ...متحفز الجسد و كأنه مهتم أكثر منها ...
لم تتخيل أن يهتم بمستقبلها الى تلك الدرجة ....
أن يسافر اليها خصيصا كي يصطحبها الى مدرستها و يقف خارجا في انتظارها و قد بدا التوتر على عضلات جسده المتشنجة ....
رفع رأسه اليها أخيرا .... فاستقام واقفا بقلق و هو يسألها النتيجة بعينيه من على بعد مسافة بينهما ...
اطرقت تيماء بوجهها و هي ترسم علامات الخيبة على وجهها ...
فسقطت كفي قاصي جانبيه وهو ينظر اليها ....
الا أن قلبها لم يطاوعها ان تفعل به هذا اكثر .... فرفعت وجهها اليه و ابتسمت
ابتسمت اكبر ابتساماتها .. لدرجة ان غمازتيها تعمقتا كحفرتين منحوتتين .... و صرخت عاليا
( نجحت ..... نجحت ..... نجحت بأعلى مجموع ........ نجحت يا قاصي .... )
و اخذت تقفز عاليا و هي تدور بجنون حول نفسها و قد اوشكت الفرحة على ان تصيبها بالجنون و الهذيان ....
تسمر قاصي مكانه وهو يرى جنون فرحتها ... صراخها العالي و قفزها كحبات الذرة على النار ....
عيناه مبهورتان بها .... و شفتيه تبتسمان تلك الابتسامة النادرة .... النادرة جدا ....
ابتسامتها ....
حين أوصلها الى بيتها أخيرا بعد أن طاف بها لساعاتٍ طويلة و كأنهما يطيران احتفالا بنجاحها ....
قفزت من على الدراجة و خلعت خوذتها ... الا أنها فوجئت به لا يزال ماكثا مكانه , فقالت بدهشة
( الن تصعد معي ؟!! ....... تصر أمي أن تتناول معنا طعام الغذاء ..... )
قال قاصي مبتسما وهو ينظر اليها تلك النظرات التي تقلب كيانها كله و عيناه تنحدران الى سلساله الفضي الذي لا يفارق عنقها ابدا ...
( سأذهب لأجلب لكِ هديتك التي وعدتك بها ........ )
ارتبكت تيماء و اخفضت وجهها مبتسمة ..... و قالت بخجل
( لا تكلف نفسك .... حقا ....... )
ارتفع حاجبيه وهو ينظر الي احمرار وجهها الشهي قبل ان يقول متعجبا
( هل هذا احمرار خجل ؟!! ....... منذ متى تُحرجين ؟!! .....و ماذا عن الثلاث شطائر التي أكلتها احتفالا ؟!!.... .)
اختفت ابتسامتها وزمت شفتيها و ضربته على كتفه لتقول بفظاظة
( اذهب يا قاصي ..... اذهب , طريقك أخضر ..... )
ضحك عاليا وهو يمد يده ليجذب خصلة من شعرها قائلا
( كوني عاقلة حتى أعود أليك ...... آآآآآه )
تأوه متألما وهو يعيد اصبعه الى فمه فجأة .... فقالت تيماء بقلق حقيقي
( ماذا بك يا قاصي ؟!! ...... )
نظر اليها قائلا مبتسما باستفزاز
( احدى شعراتك السلكية وخزت اصبعي و أدمته ..... )
عضت تيماء على شفتها و هي تهتف بغضب حقيقي
( اذهب من هنا يا قاصي ...... اذهب قبل أن ارتكب جريمة , اتمنى ان تشتعل النيران في شعرك الذي تتفاخر به ..... )
عاد ليضحك عاليا قبل يلوح لها بتفاخر ... ثم انطلق بدراجته .... و هي تقف مكانها تنظر اليه مبتعدا
اليوم كتبت لها السعادة ....
نجاحها تحقق ... و امتلكت قلب قاصي ..... ماذا ينقصها أكثر اذن ؟!! .....
لقد حل محل والدها و ملأ هذا الفراغ و احتل قلبها و كيانها كله ....
ربما لو لم تعرفه و تقع في حبه .... لكانت الآن واقفة مكانها تبكي و هي تتمنى لو كان والدها هنا معها ليحتفل فخورا بنجاحها ......


يتبع


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 20-02-16, 10:59 PM   #2225

sese69
 
الصورة الرمزية sese69

? العضوٌ??? » 7944
?  التسِجيلٌ » May 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,022
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » sese69 is on a distinguished road
¬» مشروبك   pepsi
¬» قناتك mbc4
¬» اشجع ahli
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

منتظريييييين الفصل الجديد

sese69 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-02-16, 11:00 PM   #2226

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

" بعد ساعات طويلة من الانتظار "
وصل اخيرا .....و كان صوت رنين جرس الباب هو اللحن الذي تتوق له اذناها ....
فألقت على صورتها في المرآة نظرة أخيرة راضية ... قبل ان تطير جريا الى الباب كي تفتحه ...
وقفت امامه و يدها في خصرها ... عابسة رافعة احدى حاجبيها وهي تقول بفظاظة
( تأخرت ......... )
عبس قاصي المستند الى بكتفه الى الجدار الخارجي ... مكتفا ذراعيه ... ثم نظر في ساعة معصمه ليقول بخشونة
( أنا في مدينتك منذ الصباح الباكر ... ثلاث ساعات من السفر .... ثلاث ساعات أخرى من التجول معك .... ثلاث ساعات اضافية من الإعداد لهديتك ... و لا يزال ينتظرني ثلاث ساعات أخيرة من السفر ليلا ..... السؤال هنا : هل تظنين أنكِ تمتلكين أي قطرة دم بعد كلمتك الاستفزازية تلك ؟!!! ..... )
مطت شفتيها و هي تقول متأملة أن تسمع بعضا من مديحه .... أو ربما غزله .....
فقالت بلهجة أنثوية تدخرها دائما للمناسبات ...
( اشتقت اليك ..... لا حيلة لي ........... )
تسمرت ملامحه ... و اتسعت عيناه قليلا عن ضيقهما الساخر المعتاد ....
حسنا لقد أربكته ....
ابتسمت بسعادة و هي تلاحظ ذلك التأثير القوي لها عليه .....
بادلها النظر طويلا ... و انتظرت أن يقول المثل ....
تكاد أن تتوسل له كي ينطق بنفس عبارات حبها له .....
دائما ما يمطرها بعباراته التملكية ..... الا أنه لم ينطق يوما ما يروى ظمأ قلبها الى سماع قصائد حبه حرفيا
لم يخبرها يوما أنه يحبها .... لم يذكر أبدا أنه قد اشتاق اليها .....
لم يصف لها عن السهر و الشوق في تلك الأيام التي يغيب فيها عنها ......
لا تملك سوى عبارته الوحيدة المعلقة حول عنقها
" تيمائي المهلكة ...أرض أينعت جمالا .... فأهلكت الأعين بسحرها "
لكن باستثنائها ..... لم يحاول مطلقا التقرب منها كأكثر من التقرب لطفلة .....
حسنا ... عليها الإعتراف أن نظراته الصريحة لا تناسب طفلة أبدا ......
لكنه لا يعملها كحبيبة ..... لا ينتهز الفرص كي يداعبها أو أن يضمها الى صدره .....
لم يحاول تقبيلها أبدا ....
سمعت قصصا مطولة من زميلاتها المرتبطات أن أحبائهم ينتهزون الفرص كي يحاولون تقبيلهن .....
و كانت قد قررت أن ترفض لو حاول قاصي ذلك .... بل ستصفعه .....
لكنه لم يحاول أبدا !! ....
تكلم قاصي أخيرا بصوتٍ هادىء ساخر .... يقاطع أفكارها المجنونة ...
( هلا سمحت لي السيدة بنقل الأغراض للداخل ؟؟ ...... ...... )
مدت رأسها بفضول طفولي لترى ما هي تلك الأغراض ... و فوجئت بثلاث صناديق ضخمة من الكارتون مرصوصة فوق بعضها ارضا ......
رفعت تيماء عينيها المتسعتين اليه و هتفت
( ما هذا يا قاصي ؟!! ؟............. هل تلك هي هديتي ؟!! ..... )
رفع حاجبا خبيثا وهو يقول
( و هل لنا بركة الا السيدة و نجاح السيدة ؟!! ......... )
برقت عيناها و هي تعيد النظر الى الصناديق المغلفة .... ثم قالت
( هل أحضرت لي طقم الصيني و الخزف الخاص بجهاز العروس ؟!! ........ )
كان ينحني ليحمل أحد الصناديق قبل أن يستقيم و ينظر اليها بجدية ..... ثم قال بصوت جدي صلب
( لا تمزحي في هذا الأمر ......... )
رمشت بعينيها و هي ترتبك من ردة فعله .... كانت هذه هي المرة الأولى التي تطرق في مزاحها الى مسألة زواجها ..... و ردة فعله أجفلتها ....
تريد أن تخبره بأنه الزوج المحتمل الوحيد .... و أنها لن تكون لرجلٍ سواه .....
لكنها كانت أضعف من أن تنطق بهذا الإعتراف في هذه اللحظة ....
تحرك قاصي الى الداخل وهو يقول ببساطة
( أين غرفتك ؟؟ .............. )
تسمرت تيماء مكانها و شبكت اصابعها كتلميذة مرتبكة .... و تسارعت انفاسها قليلا قبل ان تقول بخفوت
( غرفة ....... نومي ؟!! ....... )
استدار قاصي اليها حاملا الصندوق ... رافعا حاجبيه ليقول بهدوء
( و هل لدى السيدة غرفا أخرى ؟!! ....... )
ابتلعت تيماء ريقها بتوتر و خجل .... منذ ثلاث سنوات و نصف .... سنوات معرفتها به .....
دخل بيتهم كثيرا , الا أنه لم يدخل مسبقا الى غرفة نومها .... و لا يعرف طريقها في الرواق الطويل ...
همست تيماء بخفوت
( سأسبقك .......... )
سارت أمامه بتمهل .... و هي تعرف جيدا أنه يراقبها , .... لم ينطق حتى الآن بكلمة عن فستانها الأنثوي الرقيق البسيط ... و شعرها الذي تركته كما هو هالة مجعدة نحاسية حول وجهها ....
فتحت الباب و دخلت ببطىء ... لكن عيناها اتسعت فجأة بذعر و هي تهتف
( لحظة واحدة ............ )
ثم جرت تلتقط بعض ملابسها البيتية و الداخلية من هنا و هناك .... و ضمتها خلف ظهرها بينما قاصي ينظر اليها مبتسما بتسلية وهو يقف عند الباب حاملا الصندوق ....
ابتعدت عنه بظهرها و كومة الملابس خلفها لتقول بخفوت
( تفضل ............... )
دخل قاصي حاملا الصندوق .... الا أن خطواته كانت بطيئة ... متمهلة ....
عيناه تتأملان كل أرجاء الغرفة ..... تسجلان كل تفاصيلها ... ما بين ألوانٍ أنثوية متداخلة ... بعض الدمى و الكثير من الكتب ..... و سرير فوضوي ....
كانت غرفة مراهقة .....
تكلم قاصي أخيرا بصوتٍ خافت
( اذن هذه هي غرفتك ؟؟ ............... )
كانت نبرته تكاد أن تكون مبتسمة ... خافتة و بها لمحة غريبة من الشوق
هل كان يمنى رؤيتها من قبل ؟!! ...
همست تيماء قائلة
( نعم .... هي نفسها منذ طفولتي ...... )
التفت قاصي لينظر اليها بتمعن ... و ابتسامة حنونة تظلل شفتيه قبل ان يقول بهمسٍ أجش
( أي ليست منذ فترةٍ ببعيدة ....... )
زفرت تيماء بقنوط .... قبل ان تقول بيأس
( توقف عن هذا يا قاصي ..... بت تضايقني ... )
لم يبتسم وهو يمعن النظر بها ... قبل ان يقول بجدية خافتة
( ما ذنبي إن كانت الحقيقة ............... )
عادت لتتنهد و هي تشبك اصابعها تنظر الى البعيد بشرود ....
هناك شيء ناقص بعلاقتهما ... و كأنهما في زمنين مختلفين .... أو عالمين أكثر اختلافا .....
لم يناقشا يوما مستقبل علاقتهما ... و كأنهما لا يجرؤان على ذلك ....
و هذا يقتلها .....
زمجر قاصي قائلا بقسوة مفاجئة
( سأذهب لأحضر الصندوقين المتبقيين .......... )
وضع الصندوق من يده ... قبل أن يخرج مسرعا .... بينما ارتمت تيماء جالسة على حافة السرير , مخفضة الوجه ... و قد زالت عنها الفرحة فجأة و شعرت بغصة غريبة في حلقها , دون أن تدرك لها سببا ....
حين عاد بالصندوقين ...
كانت لا تزال على وضعها جالسة ... مخفضة الوجه ...
فبقى مكانه عدة لحظات ينظر اليها قبل أن يقول بصوتٍ أجش خافت ....
( خططت طويلا كي أسعدك يوم نجاحك ..... لكنني أرى العكس الآن .... )
رفعت وجهها الشاحب اليه ....
تحب النظر لوجهه .... تحب وسامته الرجولية المبكرة .... تحبه شكله المختلف عن والدها و عن كل من عرفتهم من رجال ...
بالنسبة لها المفهوم الوحيد لكلمة رجل .. تم حصره في قاصي .... قاصي فقط ...
ابتسمت ابتسامة شاحبة و همست
( وجودك وحده يسعدني ......... )
دائما كانت هي المتكلمة عن حبها بوضوح و صراحة .... أما هو ... فهو المسيطر فقط .....
ارتجفت عضلة بجانب شفتيه ... كانت تعرفها جيدا , فهي العضلة الوحيدة من جسده التي لا يستطيع السيطرة عليها ... تلك أيضا من ممتلكاتها هي وحدها ... لا تظهر الا لها ....
هز رأسه قليلا قبل أن يقول بخشونةٍ زائفة
( حسنا يا مخادعة .... نجحتِ في استمالة عطفي .... اذن افتحي هديتك ... )
نهضت تيماء من مكانها و هي تفتعل ابتسامة و تنوي التهام كل لحظةٍ يقضيها معها قبل أن يسافر و يفصل بينهما مئات الكيلومترات ...
جثت بجوار أحد الصناديق و بدأت في فتحها ... بينما استقام قاصي و ابتعد لينتهز الفرصة و ينظر اليها طويلا ...
و هي جاثية تتراقص على كاحليها ... بينما فستانها المنقوش بالورود ملتف حولها ... و شعرها الذي يثير جنونه يمنح وجهها اطارا أثريا مذهبا .... و كأنه مزخرفا بالطبيعة ....
فضت تيماء الغلاف و عبست قليلا قبل ان تتسع عيناها بقوة و هي تصرخ
( مسجل صوت ؟!! ........ )
لم يرد على الفور وهو ينظر اليها ... قبل ان يقول اخيرا
( نظام صوتي مجسم كامل .... مشغل الاسطوانات بسماعتين ضخمتين .... يكفيك كي تسمعي المدينة المجاورة .... لكن احرصي الا يستدعي الجيران الشرطة لكِ .... لا أريد البحث عنكِ في اقسام الشرطة .... )
كانت تيماء تمزق باقي الورق عن الصناديق و هي تهتف بسعادة حقيقة
( قاصي ... قاصي .... قاصي .... كم تمنيته و على الرغم من ذلك لم أفكر يوما في شراؤه .... )
رد قاصي بخفوت هادىء
( أعرف .......... )
رفعت عينيها البراقتين و قد تحولتا الى نجمين ساطعين فيروزيتي اللون .... و قالت بصوتٍ متأوه مجنون
( كيف اشكرك ؟........ )
هذه المرة لم يرد ..... طال به النظر فنسى السؤال , على ان الجواب لم يكن لنطق به .....
جوابا حرمه على نفسه و لا يزال .....
اخذ نفسا عميقا قبل ان يقول بهدوء
( هيا ابتعدي و دعيني اتم عملي .... سأجهزه لكِ في الغرفة .... و يمكنك توصيل تلفازك به كي يصبح صوته مجسما كذلك .... )
قفزت تيماء واقفة كالعفريت برشاقة ..... و هي تترك له حرية التحرك ... فأخذت مكانه و أخذ مكانها ...
و كان دورها كي تتأمله ..... بينما يدها مرتفعة و مستكينة فوق صدرها ... تهدىء من عنف نبضاته ...
قال قاصي بهدوء وهو يمزق لاصق الصندوق بمفتاحه
( ماذا تفعل ثريا حتى الآن ؟!! .... لم أرها منذ أن أتيت .... )
ردت تيماء بخفوت شارد و هي تتأمله بقلبها و روحها ....
( لقد خرجت أمي لتتسوق منذ فترة ...... )
تسمر قاصي مكانه و رفع وجهه اليها ليقول بصوت غريب
( هل أنتِ وحدك هنا ؟!! ......... )
عقدت حاجبيها قليلا من تغير لهجته .. لكنها قالت ببساطة
( نعم ........... )
كانت ملامح قاصي غريبة ... و عيناه تنظران اليها بقلق ثم قال أخيرا
( كان عليكِ اخباري ........ )
قالت تيماء بحيرة
( و ما الفارق ؟!! ............ )
ازداد انعقاد حاجبيه ... و ظهر التوتر بعينيه ليقول بصوت غامض
( ما كنت لأدخل ........ )
تنهدت تيماء لتقول بيأس
( بالله عليك يا قاصي ..... هل أرسلك بعيدا و أمي على وشك أن تصل بأي لحظة ؟!! .... أنت تدخل هذا البيت منذ سنوات و أصبحت واحدا منا .... )
صمتت قليلا قبل أن تنطق بما في قلبها منذ زمن
( لقد أصبحت أقرب لي من والدي يا قاصي .... فلا تزيد من الحواجز بيننا ... )
تصلب فكه وهو ينظر اليها بتعب ... فتابعت تقول بصدق
( أنا أثق بك ... أكثر مما أثق بنفسي ..... )
ظل صامتا مكانه .... بينما الجو من حولهما امتلأ فجأة بشحناتٍ من التوتر .... و شيء آخر !! ....
لكن قاصي فصل تيارات التواصل بينهما لينكب على الجهاز الصوتي كي يعد توصيله و تشغيله ... بينما بقت تيماء تراقبه عن بعد و هي تتلاعب بأصابعها بتوتر ...
كيمياء المشاعر بينهما قوية جدا و منذ زمن .... و قد بدأت تهدد بالانفجار .....
خلال دقائق .. انهى قاصي عمله ثم اخرج من جيب قميصه اسطوانة قام بتشغيلها ....
انبعث فجأة لحن جيتار بصوتٍ قوي رغم ان قاصي قام باخفاضه ... الا انه كان مجسما ... يبعث شحنات عاطفية في الجسد ...
فغرت تيماء شفتيها ذهولا من جمال الصوت و اللحن .... فهمست بانبهار
( هل احلم يا قاصي ؟!! ...... )
لم يرد عليها .... بل كانت ملامحه قد تلونت بلونٍ قاتم ... بينما انفاسه تسارعت قليلا ...
فاقترب منها ببطىء الى ان امسك بكفها .... و دون ان تدرك ما يحدث ...
كان قد رفع ذراعها ليدفعها في دورة كاملة .... فدارت حول نفسها تحت ذراعه و فستانها يدور من حولها قبل ان يجذبها اليه و يضع يده على خصرها كي يراقصها ....
كانت تلك هي المرة الثانية التي يراقصها فيها بهذا القرب ... بعد حفل مولدها السابع عشر ...
كانا يتحركان بسرعة و لم يتلامسا رغم قربهما ....
أحيانا تخونه أصابعه فيعاود العزف على انحناء خصرها المتمايل ....
الى أن أدارها مجددا .... فأصبح ظهرها له ... ووجهها للمرآة وهما يتمايلان معا على اللحن الغربي المزلزل رغم خفوته ....
ابتعدا عن الأرض و العالم بأسره .... نسيا والدها و أمها ....
كانا فقط ... قاصي و تيماء ...
تبتسم له .... بينما يرسم لملامحها لوحة في ذاكرته ....
وجهه خلف وجهها كان عابسا ... و عيناه تشتعلان بجمر متوهج ....
بدا كرجل ... يقاوم نفسه .... و كأنه وصل الى نهاية حافة السيطرة على ذاته ....
فترك لنفسه القليل من هواها ...
التقت أعينهما فابتسمت هي بعشق صريح ....... أما هو فقال هامسا بصوت أجش
( من أين أتيتِ الي ؟!! ......و متى أصبحتٍ لي الأرض التي أعود اليها دائما .... رحبة .... رحبة أنتِ لا تضيقين بي أبدا ..... )
همست تيماء بقوة و صدق
( لن يحدث .... لن يحدث .... تلك الأرض لو ضاقت بالبشر جميعا ... لن تضيق بك .... )
انعقد حاجبيه ... بدا و كأنه يتألم ....
و كم تمنت في تلك اللحظة لو تمكنت من ازالة هذا الألم القاتم بداخله ..... لو ملأت تلك الهوة السوداء السحيقة ....
تابع قاصي بصوتٍ مجهد ... متألم .....
( أنت صغيرة جدا ..... جدا ........ )
زفرت بقوة و غضب و هي تهتف متأوهة
( قاصي ليس مجددا ........ )
الا أنه تابع و كأنه لم يسمع احتجاجها المتأوه
( ليس من العدل أن تتحملي ما يفوق قدرة كتفيك الصغيرتين على التحمل ..لقد دخلت أرضا ملغمة ... )
توقفت عن الرقص .... ثم استدارت اليه بقوة رافعة ذقنها لتقول بقوة
( هذه الأرض هي أرضي كذلك .... و هي ليست ملغمة .... فقط أرشدني اليها ... امسك بكفي كي أسعادك .... أدخلني الى حياتك مهما تخيلت خوفي من ظلامها .... فأنا لا أخاف الظلام ..... )
كان يستمع الي صوتها الصادق المترجي ... بعينين ضيقتين .... و صدر متسارع الأنفاس .....
الى ان تحرك فجأة و أحاط خصرها بذراعين كالحديد وهو يجذبها الى صدره بقوةٍ كادت أن تحطم أضلعها ...
ذهلت تيماء من تلك القوة الهائلة في أول عناق بينهما ....
اتسعت عيناها و فغرت شفتيها و هي تشعر بجسدها الغض ينصهر فوق صدره القوي بينما كفيه على ظهرها تمنعان هربها .... أو ربما تدمغانها على قلبه ....
كانت ترتجف فعليا بين ذراعيه .... خاصة و أن تردد أنفاسه الهادرة كان يطوف في اذنها كحلقاتٍ من دخانٍ ساخن ....
لم تكن هي الوحيدة التي ترتجف ..... بل هو أيضا .....
جسده القوي كان يرتجف بالقرب منها ... ذبذباته تنتقل منه اليها فتزيد من رجفتها ....
كانت مرتعبة .... لم تشعر يوما بمثل هذه المشاعر العاصفة ....
و لم تخضع أبدا لتجربة مماثلة ....
ارتجفت شفتيها بشدة و هي على وشك الانفجار في البكاء ... فأخفضت وجهها و هي تحاول بكل قوتها السيطرة على الشعور بالدوار الذي انتابها ...
قاصي بدا كفرسٍ جامح في تلك اللحظة ... لا توقفه الحواجز .... ...
يزيد من ضمها اليه حتى لم يعد هناك المزيد .... بينما شفتاه تهمسان باسمها بصوتٍ يائس فوق جبهتها ...
و اعلى وجنتها .... وصولا الى فكها ....
و حينها فقط ادركت انها هي الأخرى كانت تهمس باسمه .... تستنجد به .... منه ....
تدور بها دوامة جنونه المفاجىء .... فتشعر و كأنها قدر ارتفعت عن الأرض رافعة ذراعيها ...
تدور و تدور في دوامته السريعة المتداخلة الألوان .....
شعرت فجأة باحدى يديه تبتعد عن ظهرها .... فظنته قرر ان يحررها .....
لكنها لم تنتظر طويلا ... فقد أمسكت يده بذقنها برفق يتناقض مع قوة ضمه اليها ....
لتجد وجهها يرتفع اليه ....
و حينها انهارت كل قواها و هي تنظر الى وجهه الذي فقد كل اثرٍ لسخريته المعتادة .... او سيطرته المستفزة
و تحول الى كتلة من الحمم الحمراء ... بينما الجمرتين بعينيه تشتعلان كما لم تراهما من قبل ...
لا تعلم من منهما نطق باسم الآخر أولا ....
كل ما تعرفه ... هي أنها رأت وجهه ينحنى اليها .... و عيناه تطفئان جمرتيهما بعد أن أغمضهما ....
حينها ... أغمضت عينيها هي الأخرى تلقائيا ....
و لا تعلم كم لحظة مرت قبل ... ان تشعر بشفتيه تسحقان شفتيها ....
شهقت محاولة التقاط انفاسها , الا أنه كان مغيبا .... و كأنه يبحث عن مجهولٍ بها ... شيء لا يستطيع تفسيره ...
و كأنه يبحث عن نفسها بها ..... بقبلتها التي يرتوي منها اكسير الحياة في تلك اللحظة تحديدا ....
حين تحرك جسدها الضعيف بين ذراعيه ... وجدت ذراعيها ترتفعان بوهن الى عنقه ...
و أصابعها تتلمس خصلات شعره ..... بينما عيناها لا تجرؤان على مواجهته ....
فبقت مستسلمة الى تلك الدوامة .... تدور و تدور ....
الى أن سقطت فجأة !! .....
فتحت عينيها لتجد انها قد سقطت على سريرها وهو معها ... ففغرت شفتيها بذعر و هي ترى وجهه ذي اللون الاحمر القاتم و العينين المشتعلتان ... يبعدان عن وجهها بمقدار نفس ... نفس واحد فقط ....
و صوته يهمس ذاهلا
" تيمائي ......... "
و كان هذا آخر ما سمعته قبل أن تغيبها شفتاه مجددا في عالمه القاتم بالأحمر و الأسود .....
يده على خصرها كانت ثابته ... قوية ... و كأنها تأمرها أمرا سلطانيا بعدم التحرك من مكانها ....
و ذراعه الأخرى تحت ظهرها ترفعانها اليه .... الى شوقه الجامح .....
و شفتاه لا ترحمان ... قويتين .... و مكتسحتين بلا هوادة ......
كلما حرر شفتيها كانت تهمس باسمه ... لتخبره بأنها تحبه ......
بينما كان يهمس بصك الملكية من بين ثورة عاطفته المجنونة ......
" تيمائي ......... حبيبتي .... "
مرت لحظات طويلة ... أو ربما أعوام .... لا تستطيع التحديد .....
لكن كل ما تعرفه انها فجأة انتفضت بردا ....
بل احساسا بالصقيع و هو ينتفض ليدفع ذراعيها عن عنقه
و يقفز واقفا ..... مبتعدا بظهره الى ان وصل لنهاية الغرفة .....
استقامت تيماء ... لتجلس شبه مستلقية و هي تنظر اليه بذهول ... بينما كانت تلهث بعنف و العالم يدور من حولها و عينيها غير ثابتتين ....
اما قاصي فقد كان يبادلها النظر بذهول اكبر و انفاسه متسارعة ... و عالية الصوت الى درجة الحشرجة ....
لم تعلم ان الدموع قد انسابت على وجنتيها ... قبل حتى ام تستوعب ما حدث ....
أما هو فقد رفع اصابعه ليتخلل بها خصلات شعره المتناثرة .... يكاد أن يقتتلعها .... وهو يهمس بذهول و بصوتٍ متحشرج
( ياللهي !! .............. )
بكاؤها اخذ يتزايد دون صوت .... فقط شهقات صامتة و هي تتمنى لو يطمئنها ....
تمنت لو يأخذها بين ذراعيه .... لا لشيء الا ليمحو خوفها و يخبرها ان كل شيء سيكون على ما يرام .....
لكن قاصي كان في تلك اللحظة يبدو كمن ارتكب جريمة و ينظر الى ضحيته ...
الألحان لا تزال تصدح بينهما ... الا أنها كانت تتجمد و تتساقط نغماتها .....
فهمست تيماء باكية و هي تشهق بضعف
( قاصي ............. )
رأت حلقه يتحرك بصعوبة و اختناق بينما عيناه لا تبصرانها تقريبا ..... الى أن تمكن من النطق أخيرا بصوتٍ غير صوته .... صوت مرتعش , بائس ...
( أنا ...... يجب أن أرحل ........ )
أفلتت منها شهقة باكية بصوتٍ مرتعش و هي تهمس متوسلة
( لا تتركني ...... أرجوك ......... )
الا أن قاصي كان يتراجع بالفعل و عيناه غير قادرتين على تحريرها .... قبل ان يهمس بنفس الصوت المتحشرج
( أنا ..... آسف ....... )
لا ليس الأسف ما تريده ..... تريده أن يطمئنها ... يضمها الى صدره , لكن دون عاطفة هوجاء ....
تريد فقط ان تريح رأسها على كتفه .....
لكن قاصي هتف منهيا كل أمل لها
( سأرحل .................. )
و قبل أن تترجاه مجددا كان قد نهب الطريق الى الباب مندفعا .... و خلال لحظات سمعت صوت الباب الخارجي يصفق ... بقوة رجلٍ يريد الفرار ... من نفسه ...
.................................................. .................................................. ...............
أخذت تيماء تبكي و ترتعش بعنف ...
مما جعل مسك تنهض من سريرها بحذر ... لتقترب من سريرها و هي تراها تتلوى باختناق ....
و الدموع تغرق وجهها ... بينما اسم قاصي لا يبارح شفتيها ....
انحنت مسك لتربت على كتف تيماء و همست
( تيماء ...... تيماء ........ هل تحلمين ؟!! .....تيماء اهدئي .... انه مجرد كابوس .... . )
لكن تيماء لم تسمعها .... لأنها لم تستيقظ .... بل كانت بكل كيانها مع ذكريات ليست بعيدة جدا ...
الا ان عقلها اوهما انها كانت ابعد مما تظن .... كان قد أوهمها أنها دفنتها بعيدا .... و انتهت
عادت مسك لتهمس
( تيماء استيقظي ..... إنه مجرد كابوس ...... )
.................................................. .................................................. .....................
" قاصي استيقظ ..... استيقظ .... انه مجرد كابوس "
صوتها يتردد بتلك الذكرى البعيدة ....
بعد قبلتهما العاصفة ....
امتنع قاصي عن السفر اليها .... رؤيتها .... بل و حتى سماع صوتها ......
مرت أشهر وهو لا يرد على اتصالاتها له .....
حتى اوشكت على الإنهيار .... كانت بشرتها تزداد ذبولا .... و جسدها نحافة ....
و عيناها أصبحا غائرتين ... عميقتين كبئرين من الأحزان .....
الى ان اضطرت لإرسال الرسائل اليومية له دون أن تفقد الأمل أبدا
" قاصي ..... رد على اتصالاتي .... أنت تقتلني بصمتك .... "

" قاصي ..... لا أريدك أن تأتي إن كنت لا تريد أن تراني لكن على الأقل أسمعني صوتك , لا تشعرني بأنني وحيدة ...... "

" قاصي .... شهرين كاملين , لم أراك بهما .... و لم أسمع صوتك .... ليس من العدل أن تعاقبني "

" قاصي .... أنا أثق بك ..... حتى هذه اللحظة أثق بك أكثر مما أثق بنفسي ... فقط كلمني ... "

" قاصي .... اليوم هو اليوم الأول لي في الكلية .... كم تمنيت لو خرجت ووجدتك تنتظرني كما كنت تنتظرني أمام المدرسة ... فقط .... اتصل بي .... "

" قاصي .... لا استطيع الدراسة .... لا أفقه كلمة .... لا أسمع سوى صوتك ..... "

" قاصي .... للمرة الأولى أشعر بالخوف من السفر ..... سافرت وحدي مرارا و أنا طفلة .... لكن الآن أشعر بالخوف من السفر و المجيء اليك .... لكن لو هذا هو السبيل الوحيد لرؤيتك .... فسآتي أنا اليك ... "

خرجت من أبواب كليتها ...
تسير بتعب و هي تجر حقيبتها بلا حماس .... شعرها متطاير ووجهها شاحب ....
بينما عيناها غير ثابتتين ... و كأنها لا تبصر من أمامها ....
كان أحدهم ينادي باسمها من خلفها .... الا أنها لم تسمعه , بل كانت في عالم غير العالم و هي تخرج من البوابة بذبول ....
الى ان شعرت فجأة بمن يمسك بذراعها و يديرها اليه ....
شهقت تيماء و هي تنظر الى ذلك الشاب الذي كان يلهث جريا ورائها ....
فقال مبتسما
( هل من عادتك أن تطلقين ساقيك للريح هكذا كل يوم ؟!! ..... )
لم ترد تيماء ... بل كانت تنظر اليه عاقدة حاجبيها .... ثم سألت أخيرا بصوتٍ جامد
( من أنت ؟!!! .............. )
عقد الشاب حاجبيه بشدة .... قبل ان يضحك باستياء واضح .... ثم قال بخشونة
( أنا زميلك في الدفعة إن كنتِ لم تلاحظي ذلك بعد ......... )
ازداد انعقاد حاجبيها .....ثم قالت بنفس الجمود
( اذن !! ....... و ماذا ؟!! ......... )
نظر اليها الشاب بنفاذ صبر و استياء أخذ في التزايد .... من الواضح أنه قد اعتاد الا يكون مجهولا من الجنس الآخر .... لذا قال بصلف
( اذن أعرفك بنفسي .... أنا عمرو الحداد ..... زميلك في الدفعة .... )
ظلت تيماء صامتة تنتظر المزيد ... ثم قالت أخيرا بصوتٍ لا حياة به
( هذا ما سبق و أخبرتني أياه .... فهل من جديد يمكنني أن أقدمه لك ؟!! ...... )
عاد عمرو ليضحك ... لكن بتسلية هذه المرة .... ثم قال و عيناه تمران عليها ببطىء
( أنتِ انطوائية جدا ..... هذا ما لاحظته خلال شهرين من الدراسة ..... )
تنهدت تيماء بنفاذ صبر قبل أن تقول بملل
( نعم أنا انطوائية ..... كشفتني .... اذن هل يمكنني الذهاب الآن ؟!! .... )
زم شفتيه بغضب ... لكنه أخذ نفسا عميقا , ليقول بعدها بهدوء
( ما رأيك لو اصطحبتك لتناول الغذاء ؟؟ ....... )
ارتفع حاجبي تيماء و هي تقول ببرود
( لماذا ؟!! ................ )
تنهد الشاب بنفاذ صبر ... قبل أن يقول بتملق
( أريد التعرف اليكِ أكثر .... أنتِ تجذبينني ..... هل هذا هو النوع من الصراحة التي تطلبين ؟!! .... )
أخذت تيماء نفسا عميقا قبل أن تقول ببرود
( آسفة ..... لست مهتمة ...... عن اذنك ...... )
الا أنه عاد و أسرع بإمساك ذراعها ليقول
( انتظري قليلا ...... تعالي لأقلك على الأقل ......سيارتي هناك .. )
أشار بذقنه الى سيارة مصطفة .... حمراء مكشوفة .... أوضحت بما لا يقبل الشك أنه شاب مدلل و لا يتقبل الرفض بسهولة ....
نظرت تيماء الى السيارة .... ثم أخفضت عينيها الى الكف الممسكة بذراعها ....
و قبل أن تفتح فمها لتسمعه ما يليق به ....
كان الشاب قد اندفع للخلف فجأة وهو ينتزع يده من ذراعها ....
و أمام ذهولها وجدت قاصي و كأنه قد انبثق من تحت الأرض .... ليمسك بمقدمة قميص الشاب و يلقيه على مقدمة أحد السيارات .....
هادرا بوحشية
( لا تضع يدك على ما لا يخصك ........... )
و قبل أن يستقيم الشاب من ذهوله كان قاصي قد لكمه بقوةٍ أزالت الدم من أنفه أمام ذهول الجميع .....
تركه قاصي ليتراجع للخلف ... بينما بدا منظره وحشي .... مخيف ...... و عيناه تشتعلان بنيران مجنونة ....
فنهض الشاب بصعوبة وهو يبصق الدم من شفتيه و أنفه .... ليصرخ بجنون
( يا ابن الزانية !!! ........... ما الذي ...... )
لم يجد الوقت للمتابعة بالمزيد .....
كان قاصي قد استدار ليواجه تيماء .... لتلتقي أعينهما بعد فراقِ أشهرٍ طويلة .....
عيناه تشتعلان بنارٍ سوداء ... بينما عينيها مذهولتين .... مشتاقتين ....
لكن ما أن نطق الشاب من خلفه بما نطق .....
حتى ارتفع كف تيماء الى شفتيها و اتسعت عيناها بذعر ..... و هي ترى عيني قاصي و كيف تحولتا الى شيء داكن أكثر رعبا .....
قبل أن يستدير الى الشاب مجددا .... ثم خلال لحظات , رأت قاصي كما لم تراه من قبل ....
منعدم الإنسانية .... وهو يكيل اللكمات الى زميلها بجنون ووحشية ... بينما الأناس المتجمهرين يحاولون فصلهم بأقصى استطاعتهم .... لكن لم يستطع أحد أن يتغلب على قوة قاصي في تلك اللحظة
و كأنه قد تحول الى آلة من الضرب و الهمجية .....
استعادت تيماء وعيها خلال لحظات من الذعر قبل أن تهجم عليه و تتشبث بذراعه و هي تصرخ
( توقف ..... توقف يا قاصي أرجوك ..... أرجوك ...... )
كان كمن لم يسمعها للحظات .... فتركت ذراعه لتتشبث بوجهه بكلتا كفيها و هي تصرخ أمام عينيه بكل قوة و صلابة
( كفى يا قاصي ..... لقد نلت حقك ..... كفى الآن ..... )
نظر اليها وهو يلهث بصعوبة ..... فعاودت القول لعينيه وهي تمسك وجهه بين كفيها بقوة و بصوتِ أقل صراخا ... و أكبر وضوحا ... كي يقرأ شفتيها بعينيه و يستوعب ...
( لقد نلت حقك .......... لقد نلت حقك ..... اهدأ حبيبي ..... )
أخذ يتنفس بصعوبة .... وهو يستعيد وعيه ببطىء ... فقالت برجاء
( هيا لنذهب أرجوك ..... قبل أن يأتي حرس الجامعة ...... أرجوك ... )
نظر اليها للحظات و كأنه لا يراها .... قبل أن تلتقط عيناه أخيرا اشارت التواصل مع لونهما الفيروزي ...
حينها عرفت تيماء أنه قد عاد الى أرض الواقع ....
مد قاصي يده ليمسك بذراعها و يسحبها معه الى دراجته التي اشتاقت اليها كما اشتاقت اليه .....
حين شعرت بيديه على خصرها ,,... ترفعانها و تضعانها على الدراجة قبل أن يلبسها الخوذة ...
علمت وقتها بأنها عادت الى موطنها من جديد ...
كان شوقها اليه يكاد أن يكون نارا مستعرة تحرق احشائها .... كان أكبر من أن تتذكر لقائهما الاخير ....
مهما حدث بينهما .... يظل رجوعهما اكثر منطقية و طبيعية ......
لكنها لم تستطع حتى أن تهمس باسمه في تلك اللحظة ....
من منظر وجهه علمت أن هذا هو وقت الصمت .... فتشبثت بخصره وهو يجلس أمامها لينطلق بها أمام جميع زملائها ....
و كان هذا اقرارا رسميا منها أنها تخص هذا الرجل وحده ....
لذا ... ممنوع الإقتراب منها !! .....
.................................................. .................................................. ................
منذ أن طار بها على دراجته .... و الصمت يغلفهما .... و شعورا قاتما بالأسى يملأ روحيهما ...
لكن الإنتماء لم يكن ليهتز و لو لشعرة ....
ينتميان الى بعضهما و هي تتشبث بخصره و تريح وجهها على ظهره .... مغمضة عينيها , غير مصدقة أنه هنا أخيرا ....
لم يأخذها الى بيتها كما توقعت ... بل اخذها الى الشاطىء ...
و لم تكن المرة الأولى .... كثيرا ما اصطحبها من مدرستها الى شاطىء البحر ....
حتى اقترن عطره في ذهنها برائحة اليود ... و التي لن تقبل التغيير ابدا ....
ارتمى قاصي مستلقيا على الرمال البيضاء .... مكتفا ذراعيه تحت رأسه و مغمضا عينيه ....
بينما بدت ملامحه معقدة ... متعبة .... قاتمة ....
فوقفت تيماء مكانها تنظر اليه و يدها على قلبها الخافق
انفاسها غير ثابتة و الدموع تحرق مقلتيها .... تتمنى لو تتمكن من محو الألم و التعب عن ملامحه ....
لكنها حاليا فضلت أن تتركه لنفسه قليلا .... فجلست بجواره تتأمله و تشبع عينيها منه ...
الى أن تأكدت من أنه قد راح في سبات عميق و انتظمت أنفاسه تماما ...
مرت ساعتين و هي تستمع الى صوت أنفاسه المختلط بصوت أمواج البحر ....
الى أن بدأت تسمع صوته أنفاسه تتحشرج ... بدا و كأنه يعاني صعوبة من التنفس ....
فانحنت اليه تيماء لتلمس ذراعه و هي تهمس بخفوت
( قاصي .... هل أنت بخير ؟!! ...... )
الا أنه لم يرد عليها .... بل ظل نفسه يتحشرج بصوتٍ مختنق , فانتابها القلق و هي تنظر اليه ...
ضخم الجثة ... ممددا على الرمال دون سيطرة على نفسه ,
في اضعف حالاته و قد وضع كل أسلحته جانبا .....
كان صوته يتحشرج هامسا ببضع الكلمات الغير مفهومة .... فاقتربت منه تيماء أكثر و هي تضع يدها على صدره برفق ... مقربة أذنها من شفتيه .... و همست
( ماذا تقول يا قاصي ؟؟ ........ )
لكنه كان في نومٍ عميق جدا ...... لم يسمعها و لم يشعر بوجودها و جسده ينتفض قليلا وهو يتمتم بكلمات مجهولة ....
فضغت تيماء على صدره بقوةٍ اكبر و هي تقول بصوتٍ واضح
( قاصي استيقظ ...... انه مجرد كابوس ...... )
لكن ملامحه كانت تتعقد اكثر و صدره يختلج بعنف ... و لسانه يهتف بلغة غير مفهومة سوى في عالم احلامه وحده ....
فهتفت تيماء و هي تضغط بكلتا كفيها على صدره
( قاصي استيقظ ..... انه كابوس .... استيقظ ارجوك ...... )
لم يستجب لها لعدة لحظات ... فهتفت بقوة
( قاصي ..... اسيقظ ..... )
حينها فتح عينيه مرة واحدة على اقصى اتساعهما !!! ...
كانتا حمراوين بلون الدم و حبات العرق تغرق جبهته .... و نفسه لا يزال متحشرجا , بينما قبضت كفه على ذراعها بقوةٍ جعلتها تصرخ متألمة ....
فقد كانت أصابعه تنشب كالمخالب في لحمها .... فهتفت بخوف
( قاصي ...... هذه أنا ..... تيماء ..... )
نظر اليها و كأنه لم يسمعها .... و أصابعه لا تزال تحفر في جسدها بعنف لكنها قاومت الألم الصارخ
و رفعت يدها لتمسك بكفه المفترسة ذراعها .... و قالت برجاء و توسل
( أنا هنا .... كان مجرد كابوس يا قاصي .... تشبث بي كما تريد و تحتاج .... )
ظل يلهث بعنف وهو مستلقيا على الرمال بجوارها ... قبل أن يقول بصوتٍ متحشرج أجش
( لا تتركيني تيماء ...... لا تبتعدي عني أبدا ..... )
فغرت شفتيها بذهول ... و سرعان ما امتلأت عيناها بدموعٍ حارقة موجعة ....
لم تعلم ان كان قد استيقظ تماما .... أم لا يزال في عالمه الأسود السري .....
لكنها قالت بحرارة و هي تزيد من قوة تمسكها بكفه الناشبة في لحم ذراعها ...
( لن أتركك أبدا ...... أبدا ...... تأكد من هذا ..... أنا لك يا قاصي و سأكون دائما ..... )
ظل ينظر اليها لاهثا ... فهمست مجددا بصدق العالم
( أنا لك يا قاصي ........... )
مرت عدة لحظات قبل أن يبعد عينيه عنها .... ليستلقي ناظرا الى السماء الواسعة من فوقه وهو ينظم أنفاسه بصعوبة .....
و يده لا تزال على ذراعها كأنه يستمد منها الطاقة كي ينهض ....
و بالفعل ... استقام قاصي ليجلس بجوارها بصعوبة .... ثم التفت ناظرا اليها ....
كم اشتاقت اليه !! .... و كم كان ظالما في فراقه عنها !! .....
همس قاصي أخيرا بصوتٍ خافت و عيناه تطوفان على ملامحها المتألمة و عينيها الدامعتين بغزارة ...
( أريد أن أضمك الى صدري ..... مرة أخيرة .... مرة واحدة أخيرة يا تيماء ..... )
رمشت بعينيها و نظرت اليه طويلا بقلبٍ ينتفض .... بعد ما حدث بينهما في لقائهما الأخير حاسبت نفسها كثيرا ... و بكت أكثر .... لم تكن تلك طباعها و لم يسبق لها أن فعلت ذلك ....
لكنها الآن .... تتمزق داخلها و هي ترى الصراع البادي على ملامح وجهه الذي فقد قناعه المسيطر الساخر .... و في داخلها نفس الصراع ....
أغمضت تيماء عينيها و بما أملته عليها سنوات عمرها الثمانية عشر .... أغمضت عينيها و مالت اليه لتحيط عنقه بذراعيها ....
حينها حاوطتها ذراعاه بقوة جعلتها تشعر بأنها عادت الى بيتها .... بيتها الحقيقي ....
قلبه بعصف فوق قلبها المنتفض ... بينما كفاه يتحسسان صدى ضربات قلبها على ظهرها النحيل الهش ....
أغمضت عينيها بقوة ... فهمس قاصي بصوتٍ مختنق
( أنا آسف يا تيماء ..... آسف , لم أتخيل أن أستغلك يوما .... أنتِ من بين البشر جميعا .... لم اتخيل أن أتصرف معكِ بتلك الدناءة ..... )
تنهدت تيماء بقوة و أخفت وجهها في كتفه .... لتهمس بصوتٍ متحشرج
( و أنا آسفة ...... آسفة لأنني لم املك القوة كي أمنعك ...... )
رفعت وجهها حتى اصبح مواجها لوجهه ..... و نظرت اليه طويلا بينما كان هو يحفظ ملامحها بنهمٍ و لهفة .... فقالت بثقة و بطىء تشدد على كل كلمة
( أنا أثق بك يا قاصي ...... أنا أثق بك أكثر من ثقتي بنفسي أتفهم ذلك ؟!! .... أكثر مما أثق بنفسي ... )
ظل ينظر اليها طويلا و أنفاسه اللاهبة تلامس صفحة وجهها المحموم .... ثم قال أخيرا بصوتٍ قاسي متحشرج
( علي أن أتركك الآن ....... )
قال هذه العبارة و على الرغم من ذلك لم تتحرك من جسده عضلة واحدة ليتركها .... و كأنها اصبحت جهاز التنفس الطبيعي له ....
فابتسمت تيماء و الدموع تنساب على وجنتيها بصمت .... لتلطف من سخونة وجنتيها المشتعلتين ....
ثم أومأت و قالت ضاحكة و هي تبكي في آنٍ واحد
( نعم .... عليك هذا ....... )
رد قاصي بخشونة جدية ... و صوتٍ يتصارع
( لا أستطيع .......... )
عضت تيماء على شفتيها بخجل و هي تخفض وجهها ... لا تزال ذكرى ما حدث بينهما قائمة حتى الآن ...
تفرض نفسها عليهما ....
حينها اخذت نفسا مرتجفا و هي تبعد ذراعيها عن عنقه لتخفض يديها خلف ظهرها و تبعد ذراعيه المتشبثتين بها ... في البداية قاومتها عضلات ساعديه القويتين و كان عضلات جسده في تلك اللحظة قد انفصلت عن أوامر عقله ......
لكنها ظلت تحاول الى أن أبعد ذراعيه عنها أخيرا متنهدا بقوةٍ لفحت وجهها ... و عرفت حينها أنها بالفعل ستكون المرة الأخيرة التي يضمها بها الى صدره .... و شعرت وقتها و كأنه انتزع قطعة من قلبها أثناء انفصاله عنها ....
.................................................. .................................................. ..................
" لكنها لم تكن المرة الأخيرة !!....... "
المرة الأخيرة كان قاصي يضمها الى صدره وهو يصرخ بجنون بينما هي مغطاة بكدمات الضرب المبرح .....
جسدها يعاني من آلامٍ لم تعرفها سابقا ...
روحها كسرت بالتعرض لأكثر ما قد يهزم الأثى ....... الانتهاك الصريح و بنتهى القسوة ....
آلام لم تظن أنها متواجدة سوى في الأفلام العربية فقط .... و ها هي تتعرض لها ....
منظر الدم و الألم الصارخ جعلها تصرخ و تصرخ و تصرخ .... قبل أن تسقط في هوة سوداء .....
شبيهة بهوة قاصي .... لتطفو بداخلها دون وزنٍ أو احساس ......
تحاول الصراخ علها تخرج من تلك الهوة السوداء ... لكن هناك ما يخنقها و يمنع عنها القدرة على الصراخ أو حتى النطق ......
حاولت جاهدة و هي تتلوى بعنف و هناك ما يكبل ذراعيها و ساقيها .....
تريد الصراخ ..... سترتاح بالصراخ .....
بينما كانت مسك واقفة مكانها و يداها في خصرها تنظر الى تيماء التي تتلوى بين الأغطية و هي تلهث و تبكي .....
فتنهدت بكبت .... لم تكن في حاجة لتحمل غيرها الليلة , فلديها ما يكفيها من أوجاعها الخاصة .....
لكنها رغم عنها لم تستطع أن تشيح بوجهها عن تيماء التي تصارع النوم المضني الذي استهلكها كليا طوال الساعات الماضية .....
استدارت مسك حين سمعت صوت رنين هاتفها .... فأمسكته لتقول
( حسنا في ظروف اخرى كنت لأخبرك بفظاظة أن تحاول النوم لساعة ....و تكف عن ازعاجي بسؤالك عن تيمائك الصغيرة و انت تعاني ما تعانيه ..... لكن بما أنك اتصلت و انتهى الأمر , ..... أريد اخبارك أنها تعاني و تصارع منذ ساعات .... فهي تبدو كالمحمومة ... تتعرق و تصرخ كل فترة .... حاولت ايقاظها لكن دون جدوى ...... )
سمعت صوت زفرته القوية قبل أن يقول بصوتٍ أجش عميق
( كنت أتوقع ذلك ........ لهذا اتصلت بكِ .... )
جلست مسك على حافة سريرها و هي تراقب تيماء التي تئن بألم ..... ثم قالت بخفوت
( قاصي ...... ما ذلك الحب الذي تكنه لها ؟!! ... كيف تستطيع الخوف عليها من مجرد الأحلام بينما أنت تنازع ذكرى الموت ؟!! ..... )
وصلها صوت قاصي يقول بعمقٍ شبيه بعمق البحر في الليل الأسود ... دون ضوء فنارٍ أو قمرٍ شاحب ....
( تلك حياتي .... اعتدتها و اعتدت الألم حتى بات مجرد روتين عادي ليومي ..... الذكرى لم تفارق ذهني لأي يوم كي أتفاجأ اليوم .... الذكرى اندمجت مع ذهني حتى باتت كالوشم ... زال حريقه و بقى أثره الأسود .... أما هي , فقد كانت لها ذكرى مريرة مرتبطة بهذا المكان .... ستظل تعاني منها كلما اتت اليه ....
كانت أصغر من أن تستوعب .... و أكبر من أن تنسى .....
و أنا لن أسامح نفسي أبدا أنني كنت السبب فيما تعرضت له ...... )
صمت صوت قاصي المتحشرج ... فمنحته مسك الوقت كي يهدأ و هي تعلم جيدا كيف يكون آلم قاصي ...
أخيرا سمعته يقول بصوت خافت
( هلا ضممتها الى أن تهدأ يا مسك ......رجاءا ..... )
كان من الصعب أن يرجو قاصي مخلوقا .... الا أنه كان مستعدا لذلك من أجل تيماء ....
ضحكت مسك بعصبية و هي تقول
( قاصي ..... هذا , غريب ..... لا أعلم ..... لو استيقظت و رأتني لقالت عني مجنونة .... ثم أنني لست في مزاج عاطفي يسمح لي بمعانقة أحد ..... )
قال قاصي بصوتٍ أكثر عمقا
( رجاءا .......... مسك أنا هنا بعيدا عنها و أعرف أنني كنت السبب في كل ما تعانيه و لا أملك حتى ضمها الى صدري .... كما فعلت معي يوما .... )
تنهدت مسك بقوة .... قبل ان تقول اخيرا مستسلمة
( حسنا .... لكن لو استيقظت و ظنتني غريبة الأطوار فسوف احاسبك انت شخصيا ... )
اغلقت مسك الهاتف ... ثم تقدمت من سرير تيماء التي كانت تهدأ قليلا ... ثم تعود و تشهق و كأنها ستسقط من فوق السرير ...
ازاحت مسك الغطاء ... ثم اندست بجوارها ... ولفت ذراعها حول خصر تيماء ... بينما اخذت تهمس في أذنها
( حسنا اهدئي ....... لا بأس ..... )
كانت تيماء لا تزال تهذي بخفوت مجهد .... فقالت مسك و هي تتلاعب بشعرها
( أتظنين أنكِ الوحيدة التي مررتِ باختبارٍ صعب ؟!! .... اذن ستكونين حمقاء , .... )
اخذت تيماء تتحرك الى ان التفت حول نفسها كالجنين في وضعية مريحة .... و مسك تشدد من ضمها اليها لتقول مكررة بهدوء
( نامي الآن .......... )
استيقظت تيماء و هي ترمش بعينيها عدة مرات ....
غير مستوعبة السقف المزخرف المنقوش بنقوشٍ مذهبة فوق رأسها .... و السرير ذو الظهر الخشبي من الأرابيسك ....
فغرت شفتيها ناسية تماما أين هي ؟!!
الى أن استغرق الأمر منها عدة لحظات لتعود اليها دفعة من الذكريات الكارثية لما حدث ليلة أمس ...
أغمضت تيماء عينيها و هي ترفع يدها الى جبهتها المتألمة و هي تتأوه بصمت
" هل فعلا مرت بما تتذكره عن ليلة أمس ؟!! ..... "
تحركت عيناها تلقائيا الى حيث سرير مسك و عيناها تبرقان بالقهر المكتوم ...
لكنها فوجئت بالفراش خالي ... رغم انه وقت الفجر ...
لقد اعتادت ساعة جسدها على ايقاظها الفجر يوميا كي تصلي ....
و تعجبت من اختفاء مسك في مثل هذا الوقت ....
لكن تعجبها لم يطول أكثر و هي تراها راكعة تصلي بأحد أركان الغرفة ....
استقامت تيماء لتجلس ببطىء و هي تراقب مسك بحيرة ...
و اسدال الصلاة يحيط بوجهها الرائع فبدت أكثر جمالا ....
انهت مسك صلاتها ... و التقت عيناها بعيني تيماء المحدقة بها فاغرة شفتيها قليلا ...
فقالت مسك بهدوء
( ماذا ؟!! ........لماذا تراقبيني بهذا الشكل ؟!!... )
أجفلت تيماء من سؤال مسك المباشر ... فهوت رأسها قليلا ... و أبعدت موجات الشعر المجعد الكثيف عن وجهها و هي تقول بنفس صراحة مسك لكن بصوت خافت متردد ...
دون الحاجة للبدء بمجاملات صباحية لا طائل منها ...
( هل تصلين ؟!! ......... )
نظرت مسك الى اسدال الصلاة ... و وضعية ركوعها نظرة ذات مغزى ... ثم قالت بهدوء
( بل أمثل دورا في فيلم ديني !!! ...... )
هزت تيماء رأسها بحنق ... لكنها كانت أكثر ارهاقا من أن تدخل معها في حرب كلامية ...
فقالت بخفوت و هي تنهض من فراشها
( اتقي الله ... انتِ لا تزالين راكعة .... الا يمكنك الرد بلطف قليلا ؟!! .... )
نهضت مسك من مكانها و هي تنحنى لتسحب سجادة الصلاة من تحتها ... و قالت بوضوح
( الأسئلة ذات المستوى المتدني من الذكاء ... تتبعها إجوبة من نفس النوع , هذا شيء منطقي ... و ليست اهانة خاصة .... )
قالت تيماء و هي تتنهد
( دعي السجادة مكانها .... سأذهب لأتوضأ للصلاة ....... )
تركت مسك السجادة .... قبل أن تخلع اسدالها و تقوم بترتيبه بهدوء و بحركاتٍ عملية ...
بعد ان انتهت تيماء من صلاتها ... عادت لتنظر الى مسك التي كانت ترتدي ملابسها , فسألتها بدهشة
( هل ستخرجين ؟!!! ........ )
قالت مسك دون أن تنظر اليها ....
( مجددا أسئلة متدنية الذكاء ...... لذا سيكون جوابي هو : لا ... أنا أرتدي ملابسي للتجول بها هنا في الغرفة .. خاصة و أنها من الممكن أن تمطر .... )
لقد شاهدت قريبا اعلانا تليفيزونيا بهذا الشكل تماما .... أسئلة غبية و أجوبة أغبى ....
هي متأكدة أن مسك لم تراه .... إنها فقط تتصرف على هذا النحو الفظ من تلقاء حالها ....
أنهت مسك ارتداء بنطالها و تمشيط شعرها الحريري حتى بدت براقة ... جميلة .... جميلة الى حدٍ موجع ....
التفتت اليها مسك فجأة و هي تقول دون مقدمات
( لماذا كنت متعجبة من صلاتي ؟!! ......... )
ارتبكت تيماء ... و أحرجها السؤال , الا أن من أطلق على نار الغيرة سوداء لا ترحم ... فقد كان محقا تماما ...
لذا رفعت ذقنها و قالت بخفوت
( مجرد أن بعض تصرفاتك متناقضة قليلا ...... )
توقفت مسك أمامها تراقبها بمنتهى الجدية قبل أن تسألها بوضوح
( هلا وضحتِ قصدك ؟!! ..... فأنا لا أطيق اسلوب التلميح و القاء الكلام ذو المعاني الخفية ...... )
رفضت تيماء أن تكون أقل شجاعة منها .... لطالما كانت الأشجع و الأكثر تهورا ...
فقالت ترد عليها دون أن ترتجف
( ليلة أمس مثلا ..... و جدت قاصي يمسك بيديك دون أن تبدين أي اعتراض .... و هو حتى و إن كان ابن عمك لكنه ليس زوجك أو أخيك ..... )
ضاقت عينا مسك و هي تراقب تيماء ثم لم تلبث أن كتفت ذراعيها و قالت ببرود
( لذا سرعان ما أصدرتِ حكمك علي .... و قررتِ أنني لست جديرة بالحفاظ على الصلاة ..... )
أخفضت تيماء وجهها الجامد و هي تقول بفتور خافت
( أنا لم أصدر أي أحكام ......... )
قالت مسك بصوتٍ أكثر برودا ...
( بلى فعلتِ ..... هل تعتقدين أنكِ مثال النقاء الكامل و أنكِ منزهة عن الخطأ ؟!! ..... )
رفعت تيماء وجهها الشاحب لتصطدم عيناها بعيني مسك قبل أن تقول مرتجفة
( أنا لست منزهة عن الخطأ ..... انا لم أقل ذلك .... أنا فقط ..... )
لكن مسك لم تسمح لها بالمتابعة ..... بل فكت ذراعيها و قالت بصرامة و حزم
( لا أريد المزيد ..... تصرفاتي مع قاصي أو غيره أمر يخصني وحدي ... إن كان لديكِ مشكلة معه .. اذن قومي بحلها معه هو و ليس معي ... )
تركتها لتخرج من الغرفة بعنفوان ... و اغلقت الباب خلفها , بينما جلست تيماء على حافة السرير و هي تنظر الى أنحاء الغرفة بعينين فارغتين ....
ما الذي فعلته للتو ؟!! ..... كيف جعلت من نفسها حمقاء بتلك الصورة و تركت غيرتها تتحكم بها ... فاستحقت الكلام الذي سمعته للتو !! ....
فغرت شفتيها تتنفس بصعوبة و هي تنظر حولها دون ان تبصر ....
ليلة امس انتابتها الكثير من الكوابيس المفزعة ... لكن الأفظع أنها لم تكن مجرد كوابيس .....
بل كانت ذكرياتٍ مرة ... شديدة المرارة , لواقعٍ حدث بالفعل ...
أسقطت تيماء وجهها بين كفيها و هي تتأوه بتعب و أسى ....
و دون أن تدري وجدت نفسها تهمس للمرة الأولى في حياتها كلها
( أريد أمي .......... )


يتبع


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 20-02-16, 11:03 PM   #2227

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

وقفت مسك في اسطبل الأحصنة .... و أمام فرسٍ محددة مبهرة الجمال ....
وقفت تتأملها مبتسمة لتملي عينيها من سحر جمالها الناعم الأسود المخملي ......
كم هي بديعة الخلقة .... لطالما كانت الخيول هي عشقها الأول ....
مدت يدها تحاول ملامسة أعلى أنفها برفق و هي تهمس لها بنعومة كي تتعرف على صوتها ....
الا أن الفرس الضخمة نفرت بقوة للخلف و صهلت رافضة ....
فقال صوت رجولي عميق من خلفها
( احترسي .... فهي مروضة بالأمس فقط .... و لا تزال تحمل بقايا كبرياء جريح , و ما أخطر الكبرياء الجريح ..... )
ابتسمت مسك و هي تستدير اليه ....
حيث كان قاصي واقفا عند باب الاسطبل ... مكتفا ذراعيه و مستندا بكتفه لاطار البوابة الخشبي ....
قالت مسك مازحة
( و كأنك تتكلم عن حبيبتك .... و ليست الفرس ..... )
قال قاصي بإيجاز وهو ينظر الى الفرس السوداء المتوترة ....
( متشابهتين ........ )
ثم استقام و اقترب منها بهدوء الى أن وقف أمامها يتأملها مبتسما قبل أن يقول بصدق و رضا
( تبدين جميلة يا مسك .... تبدين جميلة جدا ..... )
على الرغم من عنفوانها و صلفها المستحدث الا أنها ارتبكت رغما عنها و هي تخفض رأسها و تلامس خصلات شعرها الناعم بشرود و تردد ....
فقال قاصي بصرامة و هو يبعد أصابعها عن شعرها
( توقفي عن تلك الحركة ........ )
ابتسمت مسك و هي تقول بخفوت
( لم أعتده فقد بقيت لأشهرٍ طويلة دون أن تتلاعب به أصابعي ....... )
ظل قاصي ينظر اليها قبل أن يقول دون تردد
( كانت فترة مؤقتة ..... و الآن تبدين غاية في الجمال , حتى أكثر من قبل ...... )
ضحكت مسك رغما عنها و قالت تتأمل وجهه القريب الحبيب
( لم أعتدك منافقا ...... ربما لأنك تريد سؤالي عن تيمائك الصغيرة لكنك تخشى أن أصرخ بك جنونا .... )
ابتسم قاصي بسخرية و قال
( لا حاجة لي بنفاقك .... لقد رأيتها ........ )
عقدت مسك حاجبيها و هي تقول بحيرة
( رأيتها ؟!! ....... أين ؟!! ...... لقد تركتها للتو في الغرفة ..... )
اقترب قاصي من الفرس السوداء ليداعب أعلى أنفها فتعرفت اليه و أجفلت قليلا .... ثم عادت و استكانت صاغرة .... تتقبل مداعباته ....
قال أخيرا بصوتٍ قاتم
( كانت واقفة للتو بشرفة الغرفة ....... و رأيتها , بل و تقابلت أعيننا .... )
ابتسمت مسك و هي تقترب منه لتقول بسخرية
( آها .... روميو و جوليت ..... اذن على الأرجح سنجدها هنا في أي لحظة .... فلقد انتابها جنون مفاجىء من امساكك ليدي ليلة أمس ..... )
ابتسم قاصي رغم عنه وهو يداعب الفرس ليقول
( هل صبت غضبها عليكِ أيضا بسبب هذا ؟!! ........ )
عقدت مسك حاجبيها و قالت ضاحكة
( هل أمسكت يدي حقا ؟!! ...... والله لا أتذكر , كنت في حالة غضب ميؤوس منها ..... )
ابتسم مرة اخرى وهو يقول
( و لا أنا أتذكر كذلك ....... كنت خائفا عليك فحسب ...... )
ارتفع حاجبي مسك و هي تقول بخبث
( تبدو سعيدا بغيرتها .......... )
ظل قاصي يداعب الفرس للحظة قبل أن يقول
( تيماء تخصني ...... و أنا أخصها ...... كلمة الغيرة ليست منصفة تماما في وصف العلاقة بيننا .... )
قالت مسك بجدية
( لكن ما فهمته .... انها رافضة للعودة للماضي , و ماذا لو أصر جدي على خطبتها لأحد أبناء ..... )
استدار قاصي اليها ليقول مقاطعا بلهجةٍ صادمة
( لا تتابعي ........... )
عقدت مسك حاجبيها و قالت بقوة
( لا ترهبني ..... أنا أخبرك بالواقع ... أمامك مشكلتين .... تيماء و جدك ... و المشكلة الجديدة هي أنا لكن لا تخشى ما يخصني تماما ... فلن يملي علي أحد ما لا أريده ... )
ظل قاصي يداعب الفرس بصمت .. دون ان يظهر شيء مما يفكر به على ملامحه المتحجرة بفعل السنوات ...
زفرت مسك و هي تنظر اليه قبل أن تقول بهدوء
( قاصي ..... ماذا لو لم تخلقا لبعضكما ؟!! ...... )
اندفع رأسه لينظر اليها نظرة قوية ... مهددة بالخطر , الا أنها لم تكن لتخاف .. بل تابعت بخفوت لكن أكثر اصرارا
( فكر في الأمر .... أنتما مختلفان من كل المستويات , و على ما يبدو أن تيماء أدركت ذلك في وقتٍ مبكر أكثر منك ..... لقد كانت مجرد .... )
ترك قاصي الفرس ليستدير الى مسك بكليته وهو يقول مندفعا دون أن يرفع صوته ... لم يحتاج أصلا أن يرفع صوته ليسكت من أمامه ..
( اياكِ و القول أنها كانت مجرد طفلة ..... إنها أكبر كذبة في التاريخ ....)
عقدت مسك حاجبيها قليلا و قالت ببطىءٍ كي يستوعب
( من عمر الرابعة عشر و حتى الثامنة عشر .... أخطر مرحلة و أكثرها تأرجحا بين الطفولة و المراهقة .... أما النضج فلم يكن خيارا أصلا ..... كيف تريد منها الآن أن تلتزم باختيار اعتمدته في تلك المرحلة .؟!! ... )
رفع قاصي يده وهو يقول بصوتٍ حار .... و عيناه لا تعرفان معنى التنازل
( ما بيني و بين تيماء أكبر من المنطق يا مسك ..... حاولي فهم ذلك , أنا أعرفها ....إنها لا تستطيع أن تكون لرجلٍ آخر ..... أنا لن أسمح بذلك مادام بصدري نفس يتردد .... لقد قطعت عهدا و عليها الإلتزام به .... )
تنهدت مسك و هي تعرف أن لا سبيل لإقناع قاصي بما لا يريد .....
نظرت اليه وهو يمسك بحبلٍ أخذ يلف حول مرفقه بعنف ... بينما كانت أنفاسه غير ثابتة .. مضطربة ...
و سرعان ما ركل الصناديق المتراصة بقدمه و بكل قوة فتساقطت محدثة صوتا مزعجا اثار توتر الخيول و صهيل بعضها ....
قالت مسك بخفوت
( اهدأ يا قاصي من فضلك ...... لم يكن عليك ان تربط أكبر حدثين في حياتك ببعضهما ..... مواجهتك لوالدك كانت أفظع من أن تجعلك تفكر في تيماء بنفس الوقت .... )
استدار اليها قاصي ليقول هادرا
( اياك وهذا اللفظ مجددا يا مسك ..... اياك .... )
كان شرسا .... عنيفا ..... و ظهر أساس هذا العنف .... " عمران الرافعي .... "
و تيماء كانت الدواء .....
هكذا ترى مسك الأمر من وجهة نظرها ......
قالت مسك اخيرا برفق
( لا بأس يا قاصي ....... أعتذر ........ )
أغمض قاصي عينيه و حاول التنفس ببطىء ليسيطر على القتامة المنتشرة حول روحه كالرماد المتخلف على الأفران القديمة المهترئة ....
و بعد لحظات قال أخيرا مغيرا الموضوع
( لم يحضر ابن عمك النذل الى الاجتماع العائلي ....... )
مطت مسك شفتيها في ابتسامة قصيرة .... باردة في الظاهر , لكن تحمل بداخلها ميلٍ حزين ....
ثم قالت ببساطة و هي تداعب احد الخيول المروضة
( تقصد أشرف ؟!! ...... له عذره ...... منذ طلاقنا وهو يشعر بالحرج من جدي و أبي و خاصة بعد زواجه من ...... غدير و أنت تعرف كل شيء عنها ..... )
نفث قاصي نفسا بدا كاللهب الأزرق وهو يتمتم من بين أسنانه
( هذا من حسن حظه ..... فوالله لو رأيته أمامي مجددا لكنت .....)
صمت وهو يعاود لف الحبل المسكين المستسلم تحت رحمته ... بينما تابعت مسك مبتسمة
( لكنت ضربته كالمرة السابقة ؟!! ..... انسى يا قاصي .... لقد مرت فترة طويلة .....)
رفع قاصي وجهه اليها ليقول بصلابة
( الخيانة لا تموت بالتقادم يا مسك ..... و هو لم يكن رجلا ....)
نظرت مسك بعيدا ... قبل أن تقول بترفع
( لا ألومه كثيرا ... العديد في محله كانوا سيفعلون مثله ...... مرضي لم يكن هينا , و ليس الجميع قادرين على التضحية ...... )
التفت اليها قاصي ليقول بغضب
( كيف تقولين ذلك ؟!! ....... لو كان أحبك حقا ...... )
قاطعته مسك لتقول بصوتٍ أكثر ترفعا و قوة
( لو كان يحبني ...... ها أنت ذا قد أجبت السؤال ...... )
أخذت نفسا عميقا قبل أن تقول مبتسمو بأناقة و هي تبعد شعرها عن وجهها
( الآن دعك من هذا الموضوع الباهت ..... فلديك مواجهة حاليا .... تيمائك تقترب من بعيد و على وجهها تبدو علامات التحفز .... )
لم يكلف قاصي نفسه عناء الاستدارة و النظر اليى حيث تنظر مسك خارج الاسطبل .....
بل تحولت ملامحه الى أحد تلك الأقنعة الساخرة اللامبالية التي يجيدها ..... .
قالت مسك بهدوء مستفز
( سأنسحب الآن ...... اراك لاحقا ..... )
قال قاصي بهدوء
( سأخرج معكِ ..... لا عمل لي هنا ......... )
هزت مسك كتفيها مبتسمة ثم خرجت من الاسطبل ... لتواجه تيماء التي وقفت امامها و هي تنقل عينيها بصمت بينهما ...
قالت مسك بسخرية
( غريبة ..... خرجتِ قبل شروق الشمس ؟!! .....هل تبحثين عن أحد ؟!! .... )
كانت تيماء تشعر بطعنة في صدرها تفوق حد احتمال الألم ... و هي تنقل نظرها من مسك اللامبالية ...
الى قاصي الذي كانت ملامحه الحجرية في تلك اللحظة قد أخفت عنها كل ما تريد البحث عنه ....
بداخله ...عميقا بداخله ...
تجاهلت تيماء الرد على سؤال مسك ... و أبعدت وجهها تنظر الى الفضاء الواسع ... بينما لم تنتظر مسك الجواب من الأساس ... بل ابتعدت لتغادر بكل خيلائها ...
لم تستطع تيماء منع نفسها من الالتفات قليلا كي تراقب مسك و هي ترحل ....
تسير بكبرياء فرسٍ جامح .... تماما , كما رأتها مقبلة عليها للمرة الاولى .....
شعرها الجميل خلق ليتطاير من فرط نعومته .... ملامسا كتفيها و يحاول التسلل الى ظهرها في طولٍ محبب ....
انتفضت تيماء من شرودها البائس على صوت قاصي يقول
( ماذا تفعلين هنا في هذا البرد .... و بمثل هذا الوقت المبكر ؟!! ..... )
استدارت تيماء اليه .... تنظر الى هيئته التي ازدادت ضخامة ... بينما لم يزيد جسدها هي جراما وزنا ... أو سانتيمترا طولا ....
مما جعلها تشعر بأنه أضخم مما تتذكر جدا ....
رفعت تيماء وجهها اليه لتقول ببرود
( علي أنا أن أسألك نفس السؤال قبلا ..... ماذا تفعل هنا .... في مثل هذا الوقت المبكر , خاصة و أنك لست من سكان هذا البيت .... )
نظرة عيناه الى عينيها كالصفعتين .... تجفلانها و تجعلانها تصمت ....
تنبهت الى ما قالته للتو فعضت لسانها و شتمت نفسها على الغباء الذي يتمكن منها منذ الأمس ...
الغباء القديم ... كلما تواجدت قربه و كلما هزمتها الغيرة ....
قال قاصي بصوتٍ جامد
( لا دخل لكِ ..... ما دمتِ قد قررتِ اقصائي ...... و الحنث بعهدك معي ..... )
ارتجفت بشدة .... خاصة و أن ريحا باردة هبت من بعيد في هذا المكان المفتوح فجعلتها ترتعش بقوة ....
لكنها ابتلعت ريقها لتقول فجأة بصوتٍ لا حياة به
( أنا آسفة ...... )
التوت شفتي قاصي في ضحكة ساخرة .... قاسية ..... قاسية جدا ..... جعلتها ترتجف أكثر . ثم لم يلبث أن قال بلهجة مهينة
( آسفة ؟!!! ..... ياللبساطة !! ........ )
أخفضت تيماء وجهها ... ووجدت أنه يستحق تبريرا ...... على الرغم من كل ما يفعله حاليا , الا انه يستحق تبريرا
فقالت بنفس الصوت الميت
( ارتعبت ....... ارتعبت مما حدث لي هنا , ما حدث كان اكبر من أن ........ )
اقترب منها خطوة مندفعا وهو يقول بصوتٍ عنيف ... يحمل مشاعرا أشد عنفا
( أكبر من صك الملكية الذي اخبرتني به يوما ؟!! .......أتعرفين ماذا ... يومها لم تكوني طفلة , بل العكس ... يومها كنت امرأة ... أكثر نضجا من كل من عرفت من النساء ..... كنت تدركين ما تريدين و تحاربين لأجله ..... أما الآن فأنتِ مجرد طفلة جبانة , لا تمتلك حتى شجاعة الإعتراف ...... )
أطرقت تيماء بوجهها ... وودت لو ارتدت سترتها فوق تلك الكنزة التي جعلتها تتجمد بردا أمام عينيه عديمتي الرحمة ....
الا أنها قالت أخيرا بخفوت
( نعم ...... معك حق , كنت أدرك ما أريد و أحارب لاجله ....... لم يكن هذا نضجا , بل كانت براءة .... لم أعرف الكثير مما قد يترتب على علاقتنا .... و قد عرفت بأصعب الطرق ..... أنت لا تعرف .... )
صرخ قاصي فجأة بصوتٍ جهوري متوجع
( أعرف ....... اعرف يا تيماء .... و من غيري ليعرف .... )
رفعت كفها الى فمها و هي تهتف همسا بهلع متلفتة حولها
( اصمت يا قاصي ..... اصمت أرجوك ....... )
الا أنه اقترب منها خطوة أخرى ليقول بخشونة متحشرجة
( من غيري ليعرف ؟!! ........... )
رمشت تيماء بعينيها و هي تبعد وجهها عنه .... تبتلع غصة مؤلمة بحلقها ....
تتذكر هذا اليوم و كأنه كان الأمس .... تتذكر الألم و بشاعة المنظر ....
كانت أكثر خجلا من ان تعترف لقاصي بما حدث تماما ....
ربما كان ما حدث ... تمر به كل الفتيات هنا , الا أن الفارق أنه يتم في عمرٍ صغير ....
صغير جدا يجعل منه أكثر سهولة ... و يسر
أما هي .... فقد كانت في الثامنة عشر .... تكاد أن تكون امرأة .... و يتم ختانها في مثل هذا العمر ...
كانت صدمة جسدية و نفسية لم تستطع تحملها ....

و كان عقاب والدها لها ان يتم الأمر بأكثر الطرق ايلاما دون تخدير او مساعدة طبية .....
كي لا تتجرأ و تفرط بنفسها مجددا ....
على الرغم من أنه لم يترك الأمر للشك .... و تأكد فعليا و بالإثبات و البرهان من أنها لم تفرط في شرفها كما اعتقد ....
الا أنه اختار أن يربيها من جديد ....
كانت تلك هي عبارته ...... وهو يسحب حزامه
" كنت مخطئا حين تركتك لامرأة كي تربيكِ .... و هذه هي النتيجة , ... نتيجة تربية امك الفاسدة ... لكني سأعوض ما فات ... و أربيكِ من جديد ... "
رمشت بعينيها و هي تطرق بوجهها فتساقطت دمعتين على وجنتيها الباردتين كالجليد ...
فقال قاصي بصوتٍ اكثر خفوتا
( أعلم .......... أعلم ما حدث .....)
عضت على شفتيها و اغمضت عينيها بقوة .... تحاول التقاط انفاسها بصعوبة و تحشرج ...
قبل ان تفتحهما .... لتنظر اليه بهدوء ... و بادلها النظر
كانت عيناها مبللتين و حمراوين ... و متسعتين .... تحتهما الهالات الزرقاء التي تخبره بكوابيسها ليلة امس ...
همست تيماء باختناق دون ان تسمح لنفسها بالبكاء علنا ...
( لا ...... لا تعرف ..... )
قال قاصي بصوت قاسي
( أعرف كل دقيقة الم مررتِ بها ...... كل واحدة .... )
انحنت عينيها بخوف و همست ترتعش
( تقصد احتجازي ؟؟ ........ و ربما ما مررت به من ضرب ؟؟ ... .... )
هز قاصي رأسه نفيا .... ثم قال بخفوت اكبر وهو ينظر الى عينيها
( بل أعرف كل شيء آخر .... تخجلين منه و لا تودين ذكره ..... )
شحب وجهها بشدة ... ثم ازداد احمراره فجأة .... بينما شعرت بنفسها تتضائل امامه بقوة و هو يعترف بمعرفته ادق تفاصيل ما تعرضت له ....
اطرقت بوجهها و استدارت عنه تشعر بالغثيان .... الا انه اندفع يتجاوزها ليواجهها من جديد قائلا بصرامة
( لا تخفضي عينيكِ أمامي ..........إنه أنا .... قاصي ..... )
رفعت يديها تمسح بهما وجنتيها بقوة قبل ان تنظر اليه بشجاعة قائلة
( لست خجلة ..... إنها فقط ذكريات افضل نسيانها ..... )
ابتلعت ريقها و هي تعض على شفتيها بقوة ... قبل ان تقول بتركيز عله يستوعب
( حين خرجت حية من هذا البلد ..... عرفت أن للحياة صورا أكثر صعوبة و ألما و مهانة ... حينها قررت الهرب ... بل اقسمت على الهرب من كل ما يربطني بهذا المكان و أناسه ..... لذلك غيرت كليتي و دراستي كلها .... و بعد التخرج عملت اقصى وسعي للسفر للخارج .... و هناك , استطعت بناء تيماء التي تراها الآن .... شخصية على النقيض تماما عن تلك التي تريدها .... انظر الي جيدا و دقق النظر .... و ارهف السمع .... ستجدني انسانة مختلفة , لا تعرفها ...... و هذه هي الشخصية التي تواءمت معها , لذا كل ما اطلبه الآن هو اصطحاب امي و السفر مجددا ... و الابتعاد عن كل ما يربطني بهذه الأرض .... )
كان قاصي يستمع اليها بصمت ... و عيناه تأسران عينيها ليقرأهما بوضوح ....
و ما أن انتهت ... حتى أخذت تلتقط انفاسها بصعوبةٍ مهنئة نفسها .... لكن ان كانت تنتظر منه أي تعاطف فقد خاب أملها .... لأنه لم يقل سوى شيء واحد ...
( و ما الذي عاد بكِ الى هنا .... طالما تتمنين الهرب الى هذه الدرجة ؟!! .... )
رمشت بعينيها مرة أمام سؤاله المباشر .... أما ملامحه فكانت أشد قتامة و قد ظهرت انطباعاتها بوضوح في شعاع الشروق الرمادي الشاحب .....
قالت تيماء بخفوت و هي تعدل من وشاحها المتطاير حول وجهها
( بما أنك سألتني ..... لذا سأنهي هذا الأمر بأقصر الطرق ايلاما ....... أنا هنا .... لأن أستاذي في الجامعة يريد التقدم لأهلي لخطبتي ...... )
ها قد فعلتها ..... و انتهى الأمر .....
لم تظن أن يأتي اليوم الذي تقف خائفة أمامه بهذا الشكل ....... منتظرة براكينه بحممها .....
كانت تتنفس بسرعة و عينيها منخفضتين ... ثابتتين على كفيه المنقبضتين بقوة لدرجة بياض مفاصل اصابعه ....,
و كان هذا خير دليل على ما يشعر به حاليا و يحاول منع نفسه من التهور .... و مر وقت طويل قبل أن يقول اخيرا بصوتٍ خافت .... خافت جدا و مرعب
( رجل آخر يا تيماء !!! ........... و تظنين أنني أتمنى لك السعادة و انصرف بنفس طيبة , أليس كذلك ؟! .... )
أغمضت عينيها بألم .... قبل أن تقول بخفوت
( هذا ما يتوجب عليك إن كنت تحمل لي أي ذكريات طيبة كانت بيننا يوما ...... )
استمرت قبضته في الانقباض أكثر و اكثر .... بينما همست متابعة
( و لا تتلاعب بأمر خطبتك لمسك ..... لا تنسى أنها اختى و أنا لن أسمح لك .... )
ضحك .... ضحك فعلا !! ....
أرجع رأسه للخلف و ضحك ضحكته البشعة ... تلك الضحكة المفتقرة الى المرح و التي يعتمدها حين يهدد أحدهم ...
و كانت هي احدهم ....
انتظرت بصبر و ارتجاف الى أن ينتهي من ضحكاته ... ثم لم يلبث أن أخفض وجهه لينظر اليها و يقول بشراسةٍ مفاجئة
( هل تصدقين نفسك ؟!! ...... بالله عليكِ تيمائي .... تيمائي أنا ...... )
هزت رأسها بغضب و خوف .... ثم استدارت لتقول بصوت مرتعش
( أنا ذاهبة ..... لقد اتيت كي أتفاهم معك بالحسنى ..... )
و ما أن سارت خطوتين حتى قال قاصي بهدوء
(هل أخبرتهِ أنكِ كنتِ لي ؟!! ........... )
تسمرت تيماء مكانها و اتسعت عيناها بصدمة قبل أن تستدير بعنف لتهتف مذهولة
( ماذا ؟!!! ...... )
الا أن ملامحه ذات القناع الساخر لم تتغير .... بل قال معيدا بكل تفهم
( هل أخبرتِ أستاذك المحترم ...... أنكِ كنتِ لي قبله ؟!! ..... )
اتسعت عيناها أكثر و أكثر .... و تراجعت خطوة للخلف
و همست بذهول
( أنت كاذب ...... لم يحدث هذا , كيف تدعي علي اثما كهذا ؟!! ..... )
امال وجهه ينظر اليها نظرة اوقفتها عن سيل ما كانت تود رميه به ... ثم قال بهدوء جليدي
( الم تكوني لي تيمائي ؟!! ........ألم تصرخي بهذا ذات يوم ...... ألم تكوني لي كما لم تكوني لقبلي أو بعدي !! .... )
كان يتقرب منها و هو يتكلم بذلك الهدوء المخيف ... بينما هي تتراجع للخلف ...و همست بفتور
( لم يحدث بيننا شيء يا قاصي ؟!! ...... )
ارتفع حاجبيه وهو يقول متظاهرا بالدهشة
( ألم يحدث ؟! ..... عجبا .... ألم أقبلك مثلا ؟!! ...... )
احمر وجهها بشدة ... و اتسعت عيناها ... لم تصدق أن يستغل ذكرى كهذه بعد أن هتف يوما معتذرا لها ....
لكنه الآن لم يكن نادما و لو للحظة وهو يتابع تقدمه قائلا
( ألم ألامسك من قبل ..... احملك بين ذراعي ... أراقصك و أنتِ تتمايلين كزهرةٍ يلاعبها النسيم ... )
شحب وجهها الآن بشدة .... فابتسم بشراسة و هو يقول بلهجةٍ غريبة
( هل أخبرتهِ بهذه الذكريات الصغيرة ؟!! .... أم تنوين قصها من ذاكرتك و ادعاء أنها لم تكن ؟!! ..... كيف ستحيين حياتك معه و أنت تحملين كل تلك الذكريات ؟!! .... ألن يؤنبك ضميرك و لو قليلا ؟!! ..... )
ابتلعت تيماء ريقها قبل أن تقول بخفوت بائس
( ربك يغفر الذنوب ..... و أنا تعهدت أمام الله الا أكرر الكثير مما فعلته .....)
ارتفع حاجبيه و قال بثقة
( بالتأكيد ...... لكنك تتوقعين السماح من البشر و تقررين بالنيابة عنهم .... الا ترين أن من حقه معرفة أن زوجته قد لامسها رجل غيره قبله ؟!!! ..... كنت لأود أن أعرف لو كنت مكانه و صدقيني كنت لأعذبها ببطىء الى أن تتمنى الموت ..... )
ضاقت عينا تيماء و هي تنظر اليه بروحٍ باردة كالثلج .... ثم قالت أخيرا بخفوت
( لم يكن الأمر بمثل هذه القذراة التي تصفها ...... كان يعني شيئا أكبر .... )
للحظة تبدلت ملامحه ... و ذاب القناع الساخر و طل الدفىء من عينيه ثم قال أخيرا بصوته العميق الخافت
( كيف كان يا تيماء ؟؟ ...... ذكريني اذن ...... اذيبي الجليد عن قلبك و ذكريني ..... )
لم تعلم في تلك اللحظة .... انها بوشاحها الملتف حول وجهها كيفما اتفق .... في ضوء الشروق الرمادي
كانت تبدو ك ... تيماء .... تلك الطفلة التي امتلكت حياته كلها قبل سنوات ......
لكن رأسها العنيد يأبى الإعتراف ......
فغرت تيماء شفتيها لتقول بخفوت
( أنا ...... يجب أن أعود ........... لا أريد أن نتسبب في المزيد من الكوارث بوقوفنا معا ..... )
استدارت لتغادر ... لكن قاصي نادى من خلفها بقوة
( أنتِ تخادعين نفسك يا تيماء ......... لكنك لن تخدعيني ..... )
أخذت نفسا عميقا و تابعت سيرها ... الا أنه عاد ليقول بنفس القوة لكن بصوتٍ أكثر خفوتا
( كنت بحاجة اليك ليلة أمس ........ كنت أحتاج فقط للنظر اليك ... سماع صوتك ..... )
وقفت مكانها ..... و كأن جسدها بكتيبة أعضائه , قد أعلن التمرد على أوامر قيادة عقلها الصارمة ....
فغرت تيماء شفتيها المتحجرتين ثم قالت بخفوت
( هل أنت بخير ؟؟ ........... )
كم هو سؤال باهت .... غبي ...... ميت ......
بينما كيانها يصرخ بها ان تلتفت اليه و تضمه بقوة بين ذراعيها ...... و تخبره أنها ستظل بجوار صدره الى ان يلتئم جرحه .....
فقالت بخفوت
( لم اقصد ان اظهر بمظهر الضحية يا قاصي .... بينما انت من مر بتجربةٍ لا يحتملها اعتى الرجال ..... بل على العكس ... انا اكره ان اكون الضحية , لكنك تصر على اعادتي لصورة لم تعد تناسبني .... )
استدارت اليه تنظر لعينيه المستعرتين مرة اخيرة .... قبل ان تقول بخفوت و ثبات
( لقد اتخذت قراري .... سأتزوج و أسافر .... للأبد ...... أرجو أن تتمكن يوما من أن تسامحني .... )
استدارت و تابعت سيرها .... و هي تقول بصوت ميت
( عليك المغادرة يا قاصي ...... لا أريد المزيد من الأذى لك ...... )
قال قاصي بقسوة من خلفها
( سأصعد لأقابل جدي يا بنت عمي ...... احتفظي بتمنياتك الطيبة لنفسك ..... )
زفرت تيماء نفسا مرتجفا من بين شفتيها المتحجرتين ... قبل ان تتابع سيرها بهدوء .....
.................................................. .................................................. ......................
طرق قاصي باب خلوة جده .... قبل ان يسمع صوته المهيب يدعوه للدخول ...
ففتح الباب و دخل وهو يقول هامسا
( السلام عليكم يا حاج سليمان ........ )
كان الحاج سليمان يجلس بمقعده الضخم الأثري .... بعد أن عاد من صلاة الفجر .... يراقب خط الشروق الذي بدا اكثر وضوحا كسيف يقطع الليل و يبعده ... مانحا للنهار فرصة جديدة ...
تكلم سليمان قائلا دون ان ينظر اليه
( تعال يا ولدي ........ اقترب مني ..... )
اقترب قاصي ببطىء من مجلس سليمان الى ان وقف على بعد مسافة منه .... فقال سليمان وهو ينظر اليه بملامح واهنة
( تعال و اجلس بجواري ...... )
اقترب قاصي اكثر و انحنى ليجلس مستندا الى قدميه ..... نظر اليه سليمان طويلا قبل أن يقول بخفوت
( كيف حالك اليوم يا ولدي ؟؟ ....... )
لم تلين ملامح قاصي المتحجرة ... و هو يبادل جده النظر , قبل أن يقول بهدوء
( لما لا تطمئني على نفسك أولا ؟!! ...... أتعرف مقدارك عندي و قيمتك فوق رأسي .... لم أشا أن يتم بهذه الصورة .... لم أخطط لحدوثه بتلك الطريقة ..... لقد فقدت أعصابي ... )
رد سليمان بصوته المهيب
( أكنت تريد لي المزيد من الغفلة يا قاصي ؟!! ........ )
قال قاصي بقوة
( ما عاش من يقول ذلك يا حاج سليمان ....... )
قال سليمان وهو يتأمله ...
( كيف أغفلت عن التشابه ؟!! ..... في جذورك أنت رافعي حتى النخاع ..... أم تراني تغافلت كما تغافل الجميع .... فلم ألاحظ أن الصدمة كانت أكثر من مجرد صدمة لثورتك على المستور اخيرا .... )
اطرق قاصي بوجهه وهو يمسك بذراع مقعد الحاج سليمان قبل ان يقول بهدوء
( الابن الغير شرعي المتواجد تحت ظل العائلة .... قصة مكررة يا حاج لا تثير صدمة احد ... و لو كانت هي فقط ما يعيبني ما كنت اهتممت ..... لقد نشأت وحيدا و سأعيش وحيدا دون جذور .... )
صمت قاصي قليلا قبل ان يقول بخفوت غامض
( لكن ماذا عن القصاص يا حاج ؟!! .... ماذا عن القصاص لأمي , تلك الروح التي أزهقت على يد الظلم و هي ليست بزانية ..... دمها الطاهر الذي سال دون ذنب ... ماذا عنه يا حاج ؟!! .... )
ظل سليمان ينظر اليه طويلا بعينين مجهدتين قبل ان يقول بخفوت
( كما توقعت ...... لن تترك ثأر أمك يا ولدي ....... )
رفع قاصي عينيه لعيني جده قبل ان يقول بهدوء
( دع الماضي فالمستقبل كفيل بهِ يا حاج سليمان ...... )
قال سليمان بصوته الاجش
( سأعوضك يا ولدي ...... سأعوضك مالا يغنيك .... لكن ليس بيدي أمرين .... النسب و الأرض ... )
كان قاصي يستمع الى جده بمنتهى الهدوء ..... قبل ان يقول أخيرا
( لا أريد شيئا يا حاج ..... لا النسب و لا الأرض و لا حتى المال ..... لا أريد سوى شيئا واحد ... سآخذه معي و أرحل من هنا للأبد .... )
لم يبد الفضول على ملامح سليمان .... بل ظهر التوقع الواضح في عينيه , توقعا لم يكن سعيدا بالنسبة له أبدا ... الا انه قال دون سؤالٍ فعلي
( و ما هو هذا الشيء ؟! ........ )
رفع قاصي ذقنه ليقول بصلابة
( تيماء ...... اريد تيماء في الحلال يا حاج , سآخذها و نرحل من هنا للأبد ...... )
.................................................. .................................................. ...................
صعدت تيماء جريا الى غرفتها .... و دخلتها دون استئذان , فوجدت مسك تقف ممسكة بهاتفها ....
تثير كل كبت المشاعر في داخلها كي تنفجر في أختها غضبا ... و جنونا .....
الا أن كلام مسك في الهاتف جعلها تهدأ قليلا .....
كانت تحجز للسفر غدا .....
و ما أن أغلقت و استدارت لترى تيماء واقفة تنظر اليها بنظراتٍ قاتمة ....
فقالت مسك بصلف
( ماذا ؟!!! ........... أرجوكِ لو لديكِ المزيد من العقد النفسية فاعفني منها ..... )
ردت تيماء بلهجةٍ آمرة
( أريد السفر معك غدا ........... هلا ساعدتني في الخروج من هنا ؟!! ..... )
ارتفع حاجبي مسك للحظة .... قبل أن تستعيد هدوءها لتقول
( هل تنوين الهرب ؟!!! ....... )
قالت تيماء بحدة
( و لماذا اهرب ؟!! ....... لست مدانة بأي شيء كي أهرب , كل ما في الأمر أن لي حياة خاصة و هي أبعد ما تكون عن حياة بلدكم ..... )
قالت مسك بهدوء و هي تجلس على حافة السرير
( هل نسيتِ بأنه ستتم خطبتك لأحد أبناء أعمامك ؟!! .... هل تنوين الهرب و التنصل من الامر ؟!! ستكون فضيحة .... عادة جدك يكون قد جهز لعقد القران و الولائم قبل حتى أن تختاري ..... )
اتسعت عينا تيماء بذهول و هتفت غاضبة
( لا .... تلك القوانين لا تسري علي ... أنا لست من هنا و لست اتبع عاداتكم ..... و أنا بكل تأكيد لن أتزوج من هنا ...... )
قالت مسك بتعجب
( لماذا لا تصرخين في وجه جدك بهذا الكلام بدلا من أن تصرخين بوجهي أنا ؟!! ...... )
وقفت تيماء مكانها و هي تلهث قليلا من فرط الإنفعال .... ثم لم تلبث أن قالت بصوت خافت قاسي
( أنها المرة الأولى التي أطلب منك طلب ..... هل تخرجيني من هنا دون علم احد منعا للحرج ؟!! ..... )
ضحكت مسك عاليا بذهول ... حتى تناثر شعرها حول وجهها ثم لم تلبث ان قالت من بين دموع ضحكها
( هل تطلقين على ما سيحدث " حرج " ؟!! ..... أنتِ حقا ستكونين نكبة لهذه العائلة ..... )
ضربت تيماء الأرض بقدمها و هتفت بقوة
( مسك ..... ساعديني في السفر دون علم احد , لو كنت أستطيع تدبير الامر وحدي من هنا لما طلبت منكِ ......افهمي ذلك جيدا .... أنا لن أتزوج أحدا من أبناء أعمامي و أنتِ لن تتزوجي قاصي ... )
ارتفع حاجبي مسك و قالت ببرود متسلية
( و ما دخل زواجي بقاصي ؟!! ......... )
أجفلت تيماء مكانها .... و هي تسمع السؤال الهادىء المتشفي ... فتنهدت بنفاذ صبر و هي تستدير بعيدا عن مسك .... لتنظر بشرود من النافذة , قبل ان تقول ببرود
( هل أنتِ معتادة على تلقيبه ب " حبيبك " كذلك ؟!!! ........ )
ارتفع حاجبي مسك اكثر ... و التوت شفتيها بتسلية اكبر ... فقالت تؤرجح ساقا فوق أخرى
( معظم الوقت ........... )
.................................................. .................................................. ...................
" عينان لن تخفيها ملابس رجال العالم .... عينان بلون العسل الذائب ...... "
كان ليث في مكانٍ اكثر ارتفاعا منهما ... يستطيع رؤيتهما دون أن يلمحاه ......
عيناها العسليتين لم يكن ليخطئها ابدا ......
بينما مدت كفها الى زوجها فأمسك بها تلقائيا وهما على ظهر جواديهما .....
ذلك التغضن في عينيها أخبره أنها تبتسم .... سعيدة خلف كل تلك الحواجز و الأقنعة .....
سوار ابنة وهدة الهلالي ....
فارسة العائلتين معا .... تلك القوية البهية .....
رآها تمد يدها لتسحب الوشاح عن وجهها الملثم .... فانتفض بفرسه ليستدير بها , وهو ينطلق مسرعا يسابق الريح ... فوالله لن ينظر الى وجهها أبدا ....
تلك الأمانة التي أمنه اياها سليم .... لن يخونها بنظرةٍ يعرف جيدا انها تسري في وريده كالمخدر ....
انتفضت سوار قليلا و هي تسحب الوشاح عن وجهها ...
و الذي رفعته الى اعلى المنحدر بعد ان سمعت صوت صهيل فرس قريب ....
قالت بحيرة
( من أين جاء هذا الصهيل في مثل هذا الوقت ؟!! ..... )
رد عليها سليم بمحبة و هو يضغط كفها في يده
( ربما كانا عروسين على ظهر جواديهما مثلنا ... خرجا ليطلبا بعض الخصوصية فلم يجداها ... لأننا سبقناهما ..... )
ضحكت سوار و هي تنظر اليه قائلة
( اصبحت شاعرا يا سليم و اليوم لا نزال في الصباحية ؟!! ........ )
ضحك سليم ليقول برقة
( و هل هذا شعر يليق بكِ يا ملكة الدار ؟!! ....... اسمعي اذن ....
لا تحـارب بنـاظريك فــــؤادي .... فــضــعـيــفــان يــغـلــبــان قـويــــا

إذا مـارأت عـيـني جـمالـك مـقـبلاً ..... وحـقـك يـا روحي سـكرت بـلا شرب

كـتـب الـدمع بخـدي عـهــــــده لـلــهــوى ..... و الـشـوق يمـلي ماكـتـب

أحـبك حُـبـين حـب الـهـــــــــــوى .... وحــبــاً لأنــك أهـل لـذاكـــــا

رأيـت بهـا بدراً على الأرض ماشـيا .... ولـم أر بـدراً قـط يـمشي عـلى الأرض

(. قـالوا الفراق غـداً لا شك ..... قـلت لهـم بـل مـوت نـفـسي مـن قبل الفراق غـداً
.
كانت سوار تستمع اليه مبهورة و قالت ما ان انتهى
( سليم !! ...... لم أكن أعرف انك تجيد قراءة شعر الغزل ؟!! ...... )
ابتسم سليم قائلا
( كنت اهوى الشعر طوال عمري ..... شعر الحب و الحبيب كان يلقى هوى بداخلي ... الى ان وجدت نفسي تتجه الى الحب الأكبر .... )
ابتسمت سوار حتى تألق طابع الحسن في ذقنها فزادها بهاءا و قالت منبهرة
( أحب سماع صوتك يا سليم ........ في كل ما تنطق به , صوتك يدخل الى قلبي فيطيب جراحي .... )
ابتسم لها سليم فتحركت بفرسها و يدها لا تزال بيد سليم .... تنظر الى سفح المنحدر ....
و الشمس تبدا رحلة شروقها من البعيد .... فهمست و هي تأخذ نفسا عميقا من كل هذا الجمال
( ما أجملها !! .......... )
قال سليم مسمتعا برؤية سعادتها الواضحة
( أعرف مدى عشقك للأرض ....... )
ظلت سوار مغمضة عينيها تستنشق عبير مسكها قبل ان تقول بصوتٍ ساحر
( نعم أعشقها ................ )
قال سليم بهدوء
( و لهذا لم أفكر يوما في اقتلاعك منها بعد أن رسخت جذورك بها أخيرا ....... )
ظلت سوار مغمضة عينيها قليلا .... قبل أن تفتحهما و تلتفت الى سليم قائلة
( أتعرف ماذا أتمنى ياسليم ؟!! ...... أتمنى أن نرحل من هنا ...... )
اتسعت عينا سليم و ارتفع حاجبيه بدهشة قبل أن يقول غير مصدقا ....
( ماذا قلتِ ؟!! ............. )
نظرت اليه مؤكدة بهدوء و ثقة
( أريد الرحيل عن البلد و بيت الرافعي ..... ستظل أرضها عشقي الذي أعود اليه دائما كما كنت منذ زمن .... كنت أتابع حياتي لكن أعود اليها .... أما الآن فالأرض و الدار استهلكاني جدا .... حتى أصبحت لا أكاد أتعرف على نفسي ..... اريد العودة للمدينة و بناء أسرة .... أريد أطفالا ياسليم ... أطفال كثيري العدد ....لكن اربيهم بعاداتي انا ... و قوانين بيتي الخاصة ..... انا الأم و أنا القائدة .... لا مؤسسة كاملة تتحكم في صغاري بمنطق مسجل في الأوراق منذ مئات لسنين )
كان سليم ينظر اليها بدهشة قبل ان يقول
( هل هذا ما تريدينه حقا ؟!! ......... )
أومأت سوار و هي تقول صادقة
( أريد الهرب من هنا الى حياة جديدة تضم صغارنا ...على أن نعود الى هنا دائما ومهما تقدم بنا العمر .... )
قال سليم مفكرا
( و ماذا عن جدك ؟!! ..... أتستطيعين تركه ؟!! ....... )
قالت سوار بلهجةٍ حزينة
( هذا أكثر ما يشتت تفكيري في الأمر .... الا أن جدي لم يقف أبدا أمام .... بناء حياة جديدة في المدن و في الخارج ....... لا يبقى في الارض الا من يتمنى الموت بها .... )
قال سليم بهدوء مفكرا
( لو كان هذا هو طلبك فسأعمل على تحقيقه ..... )
التفتت اليه سوار و هي تهتف بقوة و لهفة
( حقا يا سليم ؟!! ........ )
ابتسم لها وهو يقول بحنان صادق
( حقا يا سوار ............. )
بعد أن عادا الى الدار الكبيرة .... لم يكن هناك الكثير ممن خرجوا من غرفهم .....
توقعت سوار ان يتجه سليم فورا الى جده ... الا انه فاجأها حين أمسك بخصرها لينظر الى وجهها ...
و حين نطقت باسمه مبتسمة .... كانت يداه قد بدأت تنزع عنها الملابس الرجالية و تحرر ذلك الجسد الذي لا يزال غضا جميلا ... و يحرر شعرها الطويل الذي وصل لساقيها ....
و قبل ان تتمكن من المبادرة .... كان هو من سارع بجذبها الى فراش الزوجية ... لتتساقط اسفله بعض دعائمه الخشبية
فضحكت عاليا و هي تهتف
( علينا تغيير تلك تلك الدعائم بأخرى أكثر مرونة ........ )
قال سليم ضاحكا
( و ما أدراني أنا .... فنحن لم نحتاج الى المرونة قبلا ........ )
فتحت سوار فمها لتجادله بمرح الا أنه تمكن من اسكاتها برقةٍ و أصابعه تجري في شعرها الطويل كالسفن الشراعية .... و آخر ما تمكنت من النطق به هو اسمه الذي خرج من بين شفتيها حلوا كالعسل ....
.................................................. .................................................. ..................
امسكت بين اصابعها لفة صغيرة عليها كتاباتٍ سرية ... مخاطة بشكلٍ غريب ...
فضمتها بقوةٍ قبل ان ترفعها الى شفتيها هامسة
( ليكن الفراق بينك و بين زوجك يا بنت وهدة .... و يحرم جسدك على كل الرجال الى ان يصبح يابسا كالخشب الميت .... ينخر به الدود و تسكنه الأفاعي .... )
ثم أغمضت عينيها و أخت تتلو عباراتٍ محفوظة و هي تنثر بعض الرماد المتخلف عن القابر في مبخرةٍ قديمة ....
و حين فتحت عينيها ... امسكت بوشاحٍ أخضر يخص سوار .... قامت بتكليف من سرقه لها ....
بع عطر شعرها المسكر واضحا قبل ان يتم غسله ...
و من يومها و هي تقص منه جزءا صغيرا كل مرة ... لتلقي به في المبخرة ....
رفعت وجهها لتبتسم بتلذذ و هي تقول بخفوت
( لنرى كيف ستسير أمورك الآن يا بنت وهدة ......... )
انتفضت ميسرة فجأة على صوت صفق الباب الخرجي بعنف .... قبل ان تسمع صيحة ليث هادرة
( ميسرة ........... )
وقع قلبها بين قدميها و اتسعت عيناها من هول تلك الصيحة الغاضبة ... فهمست بوجل
( ياللمصيبة !! ...... كيف عرف الآن ؟!! ..... )
سارعت باخفاء المبخرة في دولابها بعد أن نثرت عليها العطر المسكي القوي كي تخفي رائحتها .....
و ما أن انتهت من اخفاء الوشاح أو المتبقي منه .... وجدت باب غرفتها يفتح بعنف ....
و ليث يقف في اطاره ... قويا .... مهيبا ....
منظره يأسر النظر .... فهو الرجل الأكثر هيبة في العائلة ....
بلحيته السوداء الخفيفة .... و بعض الشعرات الفضية برأسه ... ....
صوته ... اتزانه ..... قوة شخصيته .....
كانت محسودة من الجميع .... نساء العائلة و حتى رجالها .......
فهي زوجة كبير العائلة المستقبلي .....
وجهه لا يعرف الابتسام و البشاشة كثيرا ... و هذا بسبب بنت الجنية التي سحرت له و جعلته مفتونا بها .....
تعرف جيدا ان هناك جنيا مقترنا بها .... وهو من ينفذ لها طلباتها ... و أولها انها تأسر كل رجلٍ يمر بها و يرى ظلها في ليلة قمرية .... كان هذا هو كلام الرجل تتعامل معه ....
عله ينفعها هذه المرة ....
لكن هذا ليس ظاهرا ...... فملامح وجهه قاتمة و غير مبشرة
ابتلعت ميسرة ريقها و قالت بصوتها المطاطي
( عدت مبكرا من جولتك ..... هل اعد لك الفطور ؟!! .......... )
كان ليث ينظر اليها بطريقة غريبة ... و لم يجبها ... بل دخل و صفق باب غرفتها بقدمه ...
قبل ان يسقط عبائته ارضا و يخلع ازرار قميصه امام عينيها المتسعتين ...
و قبل ان تستطيع النطق ... كان قد اقترب منها ليحملها بين ذراعيه ليلقي بها الى الفراش وهو يدعو الله ان يكفيه بحلاله ....
بينما احاطت عنقه بذراعيها و عينيها تتألقان بنشوة شريرة و هي تهمس بذهول في داخلها
" بركات عملك بدأت في الظهور يا شيخ نعمان ....... انه يعمل بالفعل .... دورك آتِ يا بنت وهدة !! "
بعد فترة طويلة ... انحنى ليث اليها ليقبل عنقها بخفة ... قبل ان يقول بصوتٍ أجش لا يحمل تعبيرا
( عودي الى غرفتنا يا ميسرة ..... على أمل أن تكوني قد انتهيت مما تفعلينه .... )
كانت لا تزال تتنفس بسرعةٍ قبل ان تهمس بخبثٍ و دلال مذهولة من سرعة ما يحدث
( أوامرك مطاعة يا سيد الرجال ....... )



انتهى الفصل الرابع .. قراءة سعيدة



التعديل الأخير تم بواسطة um soso ; 23-02-16 الساعة 01:35 PM
tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 20-02-16, 11:04 PM   #2228

هيا علي

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية هيا علي

? العضوٌ??? » 233206
?  التسِجيلٌ » Mar 2012
? مشَارَ?اتْي » 1,007
?  نُقآطِيْ » هيا علي has a reputation beyond reputeهيا علي has a reputation beyond reputeهيا علي has a reputation beyond reputeهيا علي has a reputation beyond reputeهيا علي has a reputation beyond reputeهيا علي has a reputation beyond reputeهيا علي has a reputation beyond reputeهيا علي has a reputation beyond reputeهيا علي has a reputation beyond reputeهيا علي has a reputation beyond reputeهيا علي has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم
تسجيل حضور
للاسف ماراح احظر التنزيل
كثير نعسانة وبكرا دوام
نلتقي غدا بأذن الله


هيا علي غير متواجد حالياً  
التوقيع





رد مع اقتباس
قديم 20-02-16, 11:08 PM   #2229

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

بصو بقى يا سكاكر .... الفصل ضخم جدا جدا .... و انا عايزة بقى كل انواع التحفيز على الكتابة لانها فعلا مرهقة
تعليقات .. لايكات .. تقييمات ... ساندويشات ... حلويات ....
كله منكم حلو
برعاية حملة ( بدون سؤال و بدون جواب ... هاتو التعليق ينوبكم ثواب )


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 20-02-16, 11:08 PM   #2230

زرقاء اليمامة المغربية
alkap ~
? العضوٌ??? » 326256
?  التسِجيلٌ » Sep 2014
? مشَارَ?اتْي » 559
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » زرقاء اليمامة المغربية is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الله يخليك رءفتي بحالنا لي عودة بالتعليق بعد القراءة سلمت يداك تميمة

زرقاء اليمامة المغربية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:28 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.