آخر 10 مشاركات
[تحميل]ليالي.. الوجه الآخر للعاشق / للكاتبة رحاب ابراهيم ، مصرية ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          تحميل مكتبتي للروايات البوليسية العالمية (الكاتـب : ahmad2006771 - )           »          وعانقت الشمس الجليد -ج2 سلسلة زهور الجبل- للرائعة: نرمين نحمدالله [زائرة] *كاملة* (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )           »          رواية ناسينها ... خلينا نساعدكم [ أستفساراتكم وطلباتكم ] (الكاتـب : × غرور × - )           »          نبضات حرف واحاسيس قلم ( .. سجال أدبي ) *مميزة* (الكاتـب : المســــافررر - )           »          على ضِفَّة لوحة انتظار ! وَ في لحظاتٌ تُحَيّكَ بهما الأَشْواقُ.(مكتملة) (الكاتـب : عمر الغياب - )           »          61 - الشبيــه - نان اسكويث- (مكتوبة/كاملة) (الكاتـب : SHELL - )           »          68 - ذهبي الشعر - فلورا كيد - ع.ق (الكاتـب : pink moon - )           »          128- فرس الريح - مارغريت بارغيتر - ع.ق(كتابة /كاملة)** (الكاتـب : أمل بيضون - )           »          0- عاشت له - فيوليت وينسبر -ع.ق- تم إضافة صورة واضحة (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: من هو اكثر ثنائي نجح في جذب انتباهكم بقصتهم
قاصي و تيماء 2,117 58.56%
مسك و امجد 737 20.39%
ليث و سوار 761 21.05%
المصوتون: 3615. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree999Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-04-16, 10:51 PM   #3941

هبه رمضان

? العضوٌ??? » 365707
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 95
?  نُقآطِيْ » هبه رمضان is on a distinguished road
افتراضي مشاركة


تجيييييييييييل الحضووووووور

هبه رمضان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-04-16, 10:55 PM   #3942

نور محمد

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 280078
?  التسِجيلٌ » Dec 2012
? مشَارَ?اتْي » 2,304
?  نُقآطِيْ » نور محمد has a reputation beyond reputeنور محمد has a reputation beyond reputeنور محمد has a reputation beyond reputeنور محمد has a reputation beyond reputeنور محمد has a reputation beyond reputeنور محمد has a reputation beyond reputeنور محمد has a reputation beyond reputeنور محمد has a reputation beyond reputeنور محمد has a reputation beyond reputeنور محمد has a reputation beyond reputeنور محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

تسجيل حضووووور

معاكم بقلبى بس فعليا غدا مضطرين للنوم بكرة أول الأسبوع والرجوع للعمل والصحيان بدرى من تانى شئ صعب


نور محمد غير متواجد حالياً  
التوقيع
[IMG]6Mv06764[/IMG]
رد مع اقتباس
قديم 09-04-16, 10:55 PM   #3943

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

تسجيل حضور يا احلى تيمو في الدنياااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااااا

Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 09-04-16, 11:02 PM   #3944

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

مسا الورد يا سكاكر .... أنا حنزل الفصل أبكر من موعده بساعة عشان تعبت و عايزة أنام
أرجو الإمتناع عن التعليق للحظات

mareen likes this.

tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 09-04-16, 11:03 PM   #3945

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

الفصل العاشر :

أوشكت على دخول غرفة نومهما و هي تجفف شعرها القصير المبلل ... الا أنها توقفت قرب الباب و هي تراقبه جالسا على الكرسي الوثير .... واضعا ساقا فوق الاخرى ...
يحك ذقنه باصبعه و يبدو شاردا .... عينيه بعيدتين في عالم آخر .....
أخذت وقتها في تأمله وهي تخفض المنشفة الندية ....
لطالما كانت تراه شديد الوسامة بجاذبيته الشرقية العنيفة ... منذ اليوم الاول الذي عرفتها مسك عليه ....
يومها انبهرت بتلك الجاذبية ..... و بنظراته الواثقة و كأنه يملك الحيز الذي يحيط به أينما حل ....
الأبهة و الفخامة تحاوطانه و تزيدان من وسامته ......
تذكر المرة الأولى التي اطبقت فيها كفه على يدها بسلام ودود و مسك تقف بينهما مبتسمة بزهو و ترفع ....
يومها شعرت شعورا مرا كالعلقم في حلقها و هي تشعر بالدونية بينهما ...
كم كانا يبدوان شديدا الجمال و الجاذبية معا ....
يملكان أناقة و كبرياء فطري ... ورثاه مع جينات القرابة بينهما ....
كانا يملكان كل شيء .... و هذا كان غريبا ... فلقد تعلمت أن الحياة يجب أن تكون قاسية على الأقل بأمر أو بأمرين ..... أما هي فقد كانت الحياة قاسية معها في كل الأمور حتى سحقتها و دهست روحها ....
لكن مسك و اشرف كانا على العكس منها ...
يملكان الحب و الثراء ..... و العائلة الراقية ......
اما هي فكانت تملك ما تتفضل به مسك عليها فقط ...... دائما كانت تأخذ ما تتنازل عنه مسك !!!
الا أشرف !!!
لم تتنازل عنه مسك .... بل هو من تركها ......
خطت غدير بقدمين حافيتين الى الغرفة و هي ترمقه بنظرات حادة كعيني الصقور الجارحة ....
تعلم هذا الشرود جيدا .....
قدماها تقتربان منه على أرض الغرفة بينما لم ينتبه اليها بعد ....
و مع كل خطوة تخطوها وهو لا يشعر بها كانت ملامحها تزداد تجمدا و الشرر الصامت ينطلق من عينيها البريئتين في هيئتهما الخارجية .....
وقفت أمامه تماما بقميص نومها الحريري بالغ القصر .....
لكنه لم ينظر الى ساقيها الناعمتين كما اعتاد دائما ... بل أنه حتى الآن لم يطرف بعينه ....
حنها كانت عيناها الطفوليتين قد فقدتا كل ذرة من البراءة و تحولتا الى بركتين من الحمم الشريرة .... مخيفة لمن ينظر اليها و لا يعرفها .....
انعقد حاجبي اشرف فجأة و رمش بعينيه و كأنه ينتزع نفسه من شروده انتزاعا ....
فصعد بنظراته على ساقيها ببطىء الى أن توقفت عيناه أخيرا على عينيها و اللتين عادتا فجأة و في لمح البصر الى برائتهما و لونهما البني الصافي فابتسمت و همست بدلال
( عدت من البعيد أخيرا ..... أين كنت ؟!! ...... )
مرت عدة لحظات من الصمت الذي زادها جنونا داخليا الا أنها نجحت بمهارة في الا تظهر منه شيئا على ملامحها ....
و أخيرا قال أشرف بهدوء
( كنت مستغرقا في التفكير فحسب ....... )
لم تقتنع بكلامه و أخذت نفسا متشنجا لكنها زادت من ابتسامتها جمالا و هي تقترب منه لتجلس على ركبتيه بأريحية تعرف جيدا أنه احبها بها ....
ثم مالت الى صدره و هي تضع منشفتها على ظهر مقعده و تلف ذراعها حول عنقه ....
هامسة أمام عينيه بخفوت مثير
( و ماذا لو اخبرتك أنني أغار من كل ما يشعل بالك و لا أكون أنا بطلته ...... )
نظر أشرف الى عينيها طويلا ... بينما أمتدت أصابعه لتلامس أطراف شعرها القصير المقصوص بطريقة عصرية .... و لا يزال بعض الشرود بعينيه لم يتبخر بعد ....
لكنه قال بصوته الرجولي المغتر بطبيعته ....
( عليكِ التكيف ..... فلدي الكثير مما يشغل بالي ... )
امتقع لونها الا انها حاولت اجبار نفسها على اخذ كلماته على محمل المزاح ... لذا افتعلت ابتسامة و هي تقول بفتور
( لا بأس اذن ..... لكن بشرط , أن تشاركني فيما تفكر به ..... )
نظر اليها أشرف نظراته اللامبالية .... ثم قال اخيرا بنبرةٍ هادئة مغيرا الموضوع
( لقد اتصلت أمك على هاتفك ثلاث مرات أثناء استحمامك .... )
تشنج جسدها على الفور في نفور تلقائي و غابت البراءة و الإبتسامة عن وجهها و هي تقول بصوتٍ قاسي
( و هل أجبتها ؟!! .......... )
قال أشرف بصوتٍ ملول
( لم أجبها .... لقد تعبت من محاولة رأب الصدع بينكما , بصراحة أعتقد أن انقطاعكما عن بعضكما أفضل للجميع .... )
ابتلعت غدير ريقها بتوتر .... لكنها قالت بتوتر
( أعرف أنك لا تتشرف بها كأم لزوجتك ..... لكن أنا أحاول جاهدة ابعادها قدر الإمكان .... )
رد عليها أشرف بلامبالاة
( طالما أنها ليست ظاهرة للعلن فهي لا تؤذيني .... لقد حدث الضرر بزواجنا و انتهى الأمر .... )
شعرت غدير بروحها تهبط فجأة ... فقالت بعصبية
( ماذا تقصد ؟!! ...... هل ندمت على زواجك مني يا أشرف ؟!! .... )
زفر أشرف بضيق ليقول بتوتر
( كفي عن هذا السؤال يا غدير .... لقد مللته حقا .... )
كانت عبارة عن كتلة من التشنج الا أنها ابتسمت و اقتربت منه أكثر لتهمس أمام شفتيه و هي تلامسهما بإبهامها
( ماذا أفعل إن كنت أخشى من فراقك و كأنه فراق حياتي ....... سامحني أرجوك ... )
نظر أشرف الى عينيها ثم قال بغضب
( ألم أثبت لكِ بما يكفي أنني متمسك بك ؟!! ..... لقد حاربت الجميع لأجلك و ارتكبت فعلة أدت الى مقاطعتهم لي ....... )
زمت شفتيها و أسنانها تعض على باطن خدها بتوتر أكبر و هي تقول بصوتٍ غريب
( أن تركت مسك وردة العائلة و فخرها لأجلي .......اليس كذلك ؟ ... )
عقد أشرف حاجبيه بشدة وهو يراقب ملامحها المتلونة بين لحظةٍ و اخرى ... و شعرت بجسده كله يتوتر تحت أصابعها .....
لكنه قال بصوتٍ فظ
( أنا لا أحب تلك العبارة يا غدير و سبق أن أخبرتك أنها تضايقني ..... )
لم تتحرك ملامحها ... بينما أخذ اصبعها يتحرك على صدره المتصلب و عينيها على عينيه بتحدي .... ثم قالت ببساطة جليدية
( عدم حبك لها لا يعني أنها ليست حقيقية .... لماذا ترفض الإعتراف بالأمر ؟!! هل هذا يجعل من الأمر أهون بالنسبة اليك ؟!! .... لقد تركت مسك لأجلي يا أشرف ... آن الأوان كي تعترف بها لنفسك و أن تتوقف عن الشعور بتأنيب الضمير ..... نحن لم نرتكب أي خطأ ... على الأقل لقد كبدنا ثلاثتنا ألما أكبر لو تزوجت بها و أنت تريدني أنا ..... صدقني هذا أفضل للجميع .... )
أفلت نفس غاضب من بين شفتيه وهو يبعد عينيه عن عينيها الصريحتين بالقوة ....
الا أنها تابعت تقول بصوت أكثر وضوحا ....
( و فيما يخص عائلتك فستسامحك مع مرور الوقت ... خاصة الآن , انهم فقط فقط يكابرون و يدعون أنك ظلمت ابنة عمك كاملة الصفات و التي لا توجد من هي مثلها ..... لكن أتدرك ماذا ؟!! ..... )
نظر اليها أشرف بصمت .. فتابعت بصوت أكثر خفوتا و هي تهمس أمام شفتيه
( مسك لم تعد كاملة الصفات ..... و هذا واقع قاسي لكنه واقع ...... لقد كرهوك لأنك لم تضحي لكن من منهم كان ليضحي ؟!! ...... أنت الوحيد الذي رأيتها في مرضها لقد اختلفت .... لم تعد مسك التي تأسر الأعين بجمالها و ذقنها المرفوع ...... )
ضيق أشرف عينيه و قال بصوت خافت قاسي
( لم اتركها بسبب مرضها .......... )
رفعت غدير حاجبيها ببراءة و هي تلامس ذقنه بأصابعه هامسة
( بالطبع ..... بالطبع لم تتركها بسبب مرضها , لقد تركتها لأجلي .... لأنك أحببتني أنا , أنا فقط أنقل لك الصورة الحقيقية التي يرفض الجميع الإعتراف بها و يفضلون الظهور بمظهر ملائكي رافض لما فعلناه ....)
قال أشرف بهدوء
( لكنها عادت ..... عادت أجمل و أرقى ..... )
بقت غدير مكانها صامتة ... مبتسمة ابتسامة باهتة لم تطال عينيها .... و هي تنظر الى اشرف و هو يطالعها النظر الى أن قالت اخيرا بعفوية
( الشكل ليس كل شيء أبدا ..... و أنت تعرف أن مسك لن تعود " مطلقا " الى سابق عهدها ....... )
أبعد أشرف وجهه عنها بقوة .... يرفض حتى الإستماع اليها , الا ان غدير امسكت بذقنه بين أصابعها و أعادت وجهه اليها تجبره على النظر الى عينيها قائلة بثقة رافعة احدى حاجبيها ....
( لا تدر عينيك عني ..... أعرف أن مسك جميلة و من الطبيعي أن تجذب نظرك اليها من جديد .... لست حمقاء لأدعي العكس ...... )
قال اشرف مستاءا
(الى ماذا ترمين يا غدير ؟!!! ........ )
ردت عليه بنفس الحدة
( أرى تغييرك بمنتهى الوضوح منذ أن رأيتها ...... لا يمكنك خداعي و ادعاء غير ذلك ... )
قال اشرف بقسوة
( من الطبيعي ان أتأثر لرؤيتها .... انها ابنة عمي و يوما ما كانت بيننا مشاعر أقوى مما أستطيع شرحه و لقد آذيتها ..... آذيتها و تخليت عنها في أكثر وقت احتاجتني به ...... أنت تطلبين مني أن أكون حجر أن طلبتِ مني الا أتأثر !! ..... )
ارتفع حاجبي غدير بنفس البراءة و هي تهتف
( أنا طلبت ذلك ؟!! ........... )
خففت من لهجتها قليلا و همست تلامس أذنه بشفتيها بإغواء
( أخبرتك أنني مقدرة لذلك ....... لكن راعي أنني أغار و بشدة , لذا من فضلك .... ابتعد عنها .... )
رفع وجهه اليها مواجها عينيها و قال غاضبا
( كيف أبتعد عنها ؟!! ..... انها تعمل بنفس المكان الذي تعملين به و قد اراها يوميا ..... )
برقت عينا غدير بشر ... الا أنها تمالكت نفسها و همست و هي تلامس وجهه بأصابعها
( لهذا أريد سيارة لي ......... كي لا تضطر الى المجيء يوميا .... )
أظلمت عينا أشرف قليلا وهو ينظر الى ملامحها الناعمة البريئة .... و قال من بين أسنانه
( غدير ........ أكثر ما أكره هو استغلال أي حدث للحصول على فائدة خاصة لكِ .... )
استقامت قليلا و هي تهتف فجأة بغضب حقيقي
( هل تظن أنني فعلت كل ذلك للحصول على سيارة جديدة لعينة ؟!!! ...... تبا لك يا أشرف أنت مثلهم لن تغير نظرتك لي أبدا ...... )
كان صراخها حقيقيا و غضبها صادقا ...... و قد لامس الجرح الداخلي بها
لطالما كانت غدير بالنسبة له لغز لم يستطع تفسيره ... و ربما كان هذا سبب انجذابه اليها .....
كانت كتلة من التناقضات ... تمتلك الأنانية الا أنها تثور و تجن إن لمح أحد الى رغبتها في أخذ ما ليس لها ....
يصدق أنها لم تفتعل هذا الحوار لتحصل على سيارة جديدة .... لكنها لا تخفي بهجتها بالحياة المرفهة التي منحها اياها .... حتى انها تغيرت تغييرا كبيرا و اصبحت تشبه سيدات المجتمع في عصرية مظهرها و ممتلكاتها ....
زفر أشرف بقوة و هو يحك جبهته ... ثم قال متوترا
( لا بأس يا غدير ..... لم أقصد ما قلته , لو أردتِ السيارة فستكون لديك واحدة جديدة .... )
لم تهدأ ملامحها على الرغم من هذا الربح المفاجىء على غير توقع ...
كان قلقها الداخلي يفترسها أكثر من أن يمحوه الفرح بسيارة جديدة ....
باتت تفهم نظرات و ملامح أشرف جيدا ..... لقد افتتن بجمال مسك من جديد و من مرة واحدة ...
تبا .... تبا ....
إنها تبذل معه مجهود أكثر من أي مجهود قامت به في حياتها كلها .....
و على الرغم من صراعها الداخلي القاتل و الصارخ بدوي مزعج ...
الا أنها نجحت في الا تظهر منه شيء على ملامحها الرقيقة التي استعادت صفائها في لحظة و عادت ابتسامتها الى شفتيها مجددا و هي تهمس بصوتٍ مغوي خافت و أصابعها تعاود التلاعب على صدره
( حبيبي أنا أفعل ذلك لأجلك .... لا أريدك أن تراها و تعود للمزيد من الشعور بتأنيب الضمير مجددا .... أنا و أنت لم نخطىء بشيء .... )
ظل أشرف ماكثا مكانه ينظر اليها بصمت مرهق .... فزادت من ابتسامتها و همست فوق شفتيه بنعومة
( أنا أعلم جيدا ما قد يخفي عبوسك هذا و يعيدك الي ....... )
نهضت من مكانها برقة و تمايل متعمد ..... و اتجهت ببطىء الى مسجل الصوت بغرفتهما و هي تعلم أنه يراقبها بحدة و ما أن انبعثت الموسيقى الشرقية منه حتى استدارت اليه و على وجهها علامات السحر الأنثوي الرقيق و بدأت في الرقص أمامه و له وحده ....
ضاقت عينا اشرف عليها وهما تبرقان رغما عنه .....
يداها ترتفعان أثناء رقصها الى كتفي قميص نومها لتزيحانه .....
هكذا هي غدير ...
كانت متفانية في امتهان نفسها له .... ليس كل الوقت , انما في بعض الاوقات فقط ....
كانت على النقيض من مسك في كل شيء ...
على الرغم من عشقه القديم لمسك ذات يوم .... الا أنها كانت تناطحه في القوة و الكبرياء فكانت تتضارب قواهما ...
لم تسمح مسك لنفسها أبدا بأن تنزل من قدرها في سبيل حبهما و لو للحظة ...
كانت مثال للكبرياء الرائع ... و المثير لضيق الرجل في الكثير من الأحيان ....
لكن غدير .......
غدير دخلت له في أكثر وقت كانت علاقته بمسك تعاني ضعفا ..... و استجاب ..... فهو بشر رغم كل شيء ...
لكن لماذا لا يشعر بالراحة الآن ؟!! .....
.................................................. .................................................. ....................
في اليوم التالي :

كان يلملم أوراقه وهو يستعد للخروج من الشركة و ربما للأبد إن لم يتم الرضوخ لطلباته .....
فتح باب مكتبه فجأة دون طرق و دخلت غدير مندفعة و هي تهتف بصوت مرتعب
( هل صحيح ما سمعته للتو ؟!!! ....... )
رفع أمجد وجهه ينظر اليها بصمت ... ثم اعاد عينيه الى أوراقه وهو يقول بهدوء
( وما هو الذي سمعتيه ؟ .... )
اقتربت غدير الى مكتبه بسرعة و قالت بصوت متشنج
( أنك قدمت استقالتك اليوم صباحا ؟؟ ........ )
لم يرفع أمجد عينيه اليها .... لكنه قال ببساطة
( نعم صحيح .......... )
شعرت غدير بصدمة غير متوقعة ضربت قلبها .... و بمنتهى العنف ....
ظلت مكانها واقفة تنظر اليه بشفتين فاغرتين ... ترتجفان قليلا ... ثم لم تلبث أن همست بألم و تعثر
( لكن ....... لماذا ؟!! ....... )
لم يرد أمجد على الفور .... بل ظل يلملم أغراضه الخاصة بهدوء .... ثم قال اخيرا بصوتٍ لا تعبير به ...
( خلافات في ادارة الشركة ....... )
اهتزت حدقتاها و هي تراقبه .... عيناها تجريان عليه بلهفة , ثم قالت بصوت متوتر خافت
( لا أصدق هذا ........ )
رفع أمجد عينيه اليها .... ثم قال بهدوء
( ماذا ؟!! ........ )
اقتربت منه غدير أكثر و قالت بتوتر أكبر
( لا أصدقك ...... أنت لن تغادر لهذا السبب , بل ستغادر بسبب ...... )
صمتت فجأة و قد انعقد لسانها ..... بينما أخفضت وجهها , فقال امجد بشك
( بسبب ماذا ؟!! ..... تابعي , .... ما هو اعتقادك عن سبب تقديمي للاستقالة ؟؟ ..... )
نظرت اليه غدير نظرة حزينة .... تحمل الكثير و الكثير .....
تحملان دموع رقيقة رفضت أن أن تنساب على وجنتيها .... لكنها عضت على شفتيها ثم همست أخيرا بصوت يرتجف
( أنت ستغادر بسببي ...... اليس كذلك ؟!! ...... )
انعقد حاجبي أمجد بينما برقت عيناه غضبا وهو يترك أوراقه من يده ببطىء .... مراقبا ملامحها الرقيقة الهشة .... ثم قال بصوتٍ قاسٍ
( ما تلمحين له يا غدير شديد الخطورة........... )
الا أنها لم تستسلم .... كانت ضعيفة امامه و لا تجيد اللوع أبدا ... لطالما كانت كذلك أمامه ....
فاقتربت منه خطوة أخرى حتى لم يعد يفصل بينهما سوى مكتبه ....
نظرت الى عينيه طويلا ثم همست باختناق
( أعرف ...... لكنها الحقيقة , أليس كذلك ؟؟ ...... )
ازداد انعقاد حاجبيه و قساوة ملامحه و قال بعنف
( لا ليست الحقيقة ...... لم اكن لأترك العمل بسببك , لست ضعيفا الى هذا الحد ...... )
ارتفع حاجبيها و كأنه قد صفعها للتو ففاض الألم من عينيها .... لكنها عادت و زمت شفتيها تنظر اليه بنظراتٍ قاسية الالم ... ثم همست بجفاء
( اليست ؟!! ...... اذن لماذا تتهرب مني .... لماذا لا تجيب اتصالتي و تتجنب تواجدك معي بأي مكان بمفردنا ..... حتى أن عينيك تتهربان من عيناي ....... أيمكنك خداع نفسك و انكار ذلك ؟؟؟ .... )
رفع اليها عينين جامدتين ... سمرتاها في مكانها وهما تنظران اليها طويلا , نظراتٍ قتلت الكلمات على شفتيها .....
ثم قال اخيرا بنبرةٍ مخيفة
( هذا ليس كلام سيدة متزوجة ..... سبق و اخبرتني أنها تحب زوجها ...... )
كانت عبارته الاخيرة تشوبها سخرية واضحة ... فعقدت غدير حاجبيها بالم و همست
( أتسخر مني ؟!! ......... )
قال أمجد بمنتهى القسوة
( دعكِ من سخريتي يا غدير و عودي الى حياتك التي اخترتها ... و لا تتوهمي أن هناك شيئا كان بيننا .... )
أجفلتها نبرته المخيفة الواضحة .... لدرجة ان احمر وجهها من صراحته المباشرة , صراحة لم تكن بينهما من قبل فيما يخص علاقتهما ....
على الرغم أنها لم تكن صريحة مع مخلوق مثلما كانت معه ......
ابتلعت غدير ريقها و هي تقاوم الدموع الحارقة بعينيها ثم قالت بصوت مختنق
( أردت فقط أن أشرح لك ........ )
قاطعها بغضب هادر وهو يضرب سطح مكتبه بقبضته مما جعلها تنتفض بمكانها
( ماذا تشرحين ؟!! ..... أنكِ كنتِ تلاحقيني كظلي في كل ساعةٍ و دقيقة .... بينما أنتِ مرتبطة برجلٍ آخر ؟!! ..... )
فغرت غدير شفتيها المرتجفتين و طاح الألم بصوابها و هي تسمع القصة بمنتهى الوضوح من بين شفتيه للمرة الأولى ....
ابتلعت غصة مؤلمة في حلقها و هي تهمس باختناق
( لم ...... لم أكن مرتبطة ...... كان يضع خاتم مسك باصبعه , لا يكف عن وعدي مرة بعد مرة .... و لا يتقدم خطوة في سبيل الارتباط بي ..... كنت ضعيفة جدا في تلك الفترة , ضعيفة و متألمة و لم يكن هناك اي ارتباط واضح و صريح بيني و بينه ..... ثم عرفتك أنت ...... )
التوت زاوية شفتيه فجأة .... قبل أن يصدر عنه صوت ضحكة ساخرة ... مستهزئة ....
أجفلتها و جعلت الألم بداخلها يتشعب أكثر و أكثر ..... ثم قال بصوتٍ مشمئز
( ثم عرفتيني ..... كنت مجرد مرحلة للمداواة ليس الا ......... لماذا تضخمين الأمر ؟؟ .... )
عضت على شفتيها و أغمضت عينيها فانسابت دمعتين على وجنتيها ببطىء .... ثم همست باختناق
( كم أنت قاسي ........ قاسي جدا ..... )
هتف أمجد بغضب
( أنا قاسي ؟!! .... و ماذا عنكِ ؟؟ الا تعدين وقوفك هنا في هذا الموقف كخيانة ؟!! ..... )
فتحت عينيها بصدمة و هتفت بقوة من بين دموعها
( خيانة !! ....... أنا يا أمجد ؟!!! ....... هل هذه هي الصورة التي تراني بها ؟!! ..... )
ظل أمجد ينظر اليها طويلا .... ثم قال أخيرا بهدوء متصلب
( بل هذه هي الصورة التي أجنبك كي لا أراكِ عليها .......... )
فغرت شفتيها مجددا بألم و ارتجفتا بشدة ...... و تعالى تنفسها المتوتر ... بينما انسابت على وجنتيها دمعتين أخرتين .... مما جعل أمجد يتنهد بغضب مكتوم وهو يشعر بذلك التعاطف اللعين معها مجددا ...
فهي تجيد ذلك و بمنتهى المهارة !! ....
قال أخيرا بصوتٍ جامد رغم هدوءه وهو ينظر الى عينيها نظرة عميقة
( أنت لستِ فتاة سيئة يا غدير ...... و ربما لو كنتِ في ظروف أخرى من الحياة لكنتِ أفضل من هذا بكثير , الا أنك لا تعرفين بالضبط ما تريدينه .... )
صمت قليلا .... ثم اضاف بصوت متصلب
( أو تريدين كل شيء .... و هذه هي مشكلتك ...... )
كانت ترتجف و الدموع تغرق وجهها ..... ثم همست أخيرا بصوتٍ فاتر ميت و هي تراقبه
( لا تكلمني بمثل هذه الحيادية ...... لم تعر بمثلها تجاهي من قبل ..... فلا تخدع نفسك .... )
ساد صمت طويل و كل منهما ينظر الى الآخر .... ثم قال أخيرا بصوتٍ شديد الصلابة ... و القسوة
( هل تريدين سماع الإعتراف بأنني كنت منجذب اليكِ كامرأة و لا زلت ؟!! .... على الرغم من كونك متزوجة و تحبين زوجك ؟!! ...... )
شحب وجهها ... و اهتزت حدقتاها .... فرمشت بجفنيها تبتعد عن عينيه النافذتين و صوت عنيف في احدى زوايا قلبها الخفية يصرخ
" نعم ..... هذا ما أريد سماعه , فقط سماعه ..... لا أكثر من بضعة أحرف قليلة ... "
و كأنه سمع ندائها الداخلي المعذب .... فقال يرد عليها بقوة
( آسف .... الخيانة ليست من طبعي ..... )
تراجعت غدير خطوتين الى الوراء و كأنه ضربها ....
هل سمع ندائها الصامت فعلا ؟!!!
وقفت أمامه و هي تشعر و كأنه قد عراها أمام نفسها قبل أن يكون أمامه ......
ساد صمت مريع بينهما و هي تنظر اليه .... تتأمل ملامحه الصرامة و التي حتى مع صرامتها تحمل حنان غريب لم تراه في غيره من الرجال ابدا من قبل ...
هذا الرجل الواقف أمامها ....
هو الرجل الوحيد الذي شعرت معه أنها أنثى حقيقية ... بكل رقتها و عفويتها ....
حين كانت تسترق اللحظات لتلحق به و تنجح في اجباره على الاستماع اليها ... كانت تشعر و كأنها لامست السعادة بيدها ....
ليتها فقط كانت قابلته قبلا ...... ليتها .....
تكلم أمجد أخيرا بصوتٍ عميق ليقول
( اذهبي من هنا يا غدير .... و لا تعودي .... و رجاءا امحي رقمي من هاتفك ... )
كانت تبكي بغزراة ....
لم تصدق أن يأتي اليوم الذي تفضح به نفسها بتلك الدرجة الغبية و تنهار بكاءا أمام الرجل الذي .....
تحبه !! .....
نعم هي تحبه .... لقد أحبته منذ فترة طويلة و لم يعد بإمكانها أن تخدع نفسها أكثر ....
كل يوم تبحث عيناها عنه في طرقات الشركة ....
ينتفض قلبها حين تراه مقبلا من بعيد ....
تحترق نارا موجعة حين تراه يتضاحك مع أي امرأة غيرها ... حتى و لو كانت مجرد عاملة بسيطة .....
صوته يثير جنون نبضاتها ما أن تسمعه من على بعد .....
و ابتسامته تمزق صدرها .....

اخفضت غدير وجهها الشاحب المبلل و هي تستدير ببطىء عنه ... و كأنها تحاول جاهدة أن تسلخ نفسها عنه بالقوة ...
و ما أن ابعدت عينيها عنه حتى اطلقت قدميها لتخرج مندفعة من مكتبه و هي تبكي بقوة و صمت واضعة يدها المرتجفة على فمها .....
كانت تريد أن تختفي من العالم كله كي تستعيد قوتها و صلابتها .....
لن تخسر حياتها و زوجها مطلقا ..... خاصة الآن .......
كانت معمية العينين و هي تخرج من المكتب ... لذا لم تلحظ الجسد الناعم الذي ارتطمت به الا بعد أن شهقت فاتحة عينيها و هي تتراجع خطوة هامسة بصوت ميت
( آسفة ......... )
الا أن كلمة الإعتذار ماتت على شفتيها و شعرت بقبضة من الجليد تغلف صدرها
و هي ترى نفسها واقفة أمام مسك وجها لوجه !!
ساد صمت مجنون بينهما و مسك تطالعها بملامح هادئة الى حد البرود ....
عيناها العنبريتين المتكبرتين تنظران الى دموع غدير المتدفقة على وجهها من عينيها المذعورتين
بينما طالت عينا مسك لتنظر الي باب مكتب أمجد من خلفها و الذي خرجت منه غدير مندفعة للتو و هي تبكي .....
ثم اعادت عينيها الباردتين الي غدير و هي ترفع حاجبها بتساؤل بارد ... يكاد أن يكون ساخر ...
تلك النظرة كانت كفيلة بأن تجعل غدير تنهار فجأة و تشتعل نقمتها و هي تقول من بين أسنانها بهمسٍ قاسي
( توقفي ...... فقط توقفي ...... )
الآن ارتفع حاجبي مسك معا و هي تقول ببرود
( عفوا !! ..... لم أفهم قصدك ...... )
اغمضت غدير عينيها و هي تهز رأسها بعنف , ثم لم تلبث أن همست بشراسة اكبر و هي تفتح عينيها لتواجه مسك الواقفة أمامها ببهاء و هدوء ,,.....
( ما الذي أتى بكِ الى هنا تحديدا ؟!! .... )
لم ترد مسك على الفور .... بل ظلت تراقب غدير بنظراتٍ متعالية و هي تعلم جيدا أنها على وشكِ الإنهيار لسببٍ قوي ....
فقالت ببساطة و هي ترفع ذقنها
( لم أفهم قصدك تماما .... إن كنتِ تقصدين وجودي هنا في الرواق لحظة ...... خروجك .... فأنتِ تعلمين أن مكتبي في هذا الطابق كذلك كمكتب السيد أمجد ...... )
أجفلت غدير قليلا و توترت .... بينما تصلبت ملامحها و هي تمسح وجنتيها بأصابع مرتعشة ...
التفت رأسها قليلا و كأنها تنظر الى المكتب حيث نطقت مسك اسمه ....
لكنها تماسكت باعجوبة ..... و عادت لتنظر الى مسك قائلة بلهجة خافتة باردة
( أنت تعلمين قصدي تماما .......... ما الذي عجلك تتركين عملك المميز في الخارج و تعودين الى هنا تحديدا ؟!! ..... )
علت ابتسامة أنيقة شفتي مسك الجميلتين و راقبت ملامح غدير المضعضعة باهتمام ... ثم قالت ببرود خافت
( اعذريني لكن أظن أن هذا أمر شخصي .... و اختياراتي الخاصة بخط حياتي لا علاقة لكِ بها .... )
عند هذه النقطة انهارت غدير و ادركت مسك أنها ستتهور كما تفعل كلما زاد عليها الضغط ....
لذا فقد كشرت عن أنيابها و همست بشدة و دون تفكير
( كنت أظنك ستتحلين بكبريائك المعتاد و تبتعدين عن الماضي .. لا العودة الى هنا للبكاء على الأطلال ... )
ساد صمت غريب ......
و أدركت غدير فجأة مدى فظاعة ما نطقت به للتو ......
لقد اطلقت صفير الحرب بوجه مسك دون مقدمات و من ثاني مقابلة ......
تبا لم تتخيل أن تفقد أعصابها الى هذا الحد .....
فتحت فمها لا تدري ماذا ستقول الا أن صوت رجولي صارم من خلفها قاطعها بحدة
( غدير !!!! ......... )
انتفضت غدير و اهي تستدير الى أمجد الذي كان واقفا باب مكتبه ينوي الرحيل و حقيبة أوراقه في يده ....
كانت ملامحه غاضبة و مستاءة ..... و أدركت غدير أنه قد سمع للتو ما دفعها غبائها للنطق به ....
أغمضت غدير عينيها و هي تحاول التقاط أنفاسها بصعوبة .....
الا ان أمجد قال متابعا بصوت غريب
( لقد تجاوزتِ حدودك ............ حقا ...رجاءا تمالكي نفسك و عودي الى عملك ..... )
شعرت أن الأرض تميد بها ... و ظلت مختبئة خلف ستار جفنيها المطبقين و هي تقف بينهما ....
أما مسك فقد كانت تنقل عينيها بينهما بملامح جامدة لا تنم عن شيء .....
ثم قالت اخيرا بهدوء و بابتسامة رزينة
( بالنسبة للبكاء ..... لم أكن أنا من كانت تبكي للتو كالأطفال .... )
فتحت غدير عينيها تنظر الى مسك ..... بعينين كسيرتين .....
لكن مسك ابتسمت و قالت بلطف
( عودي الى عملك يا غدير كما سمعت من السيد أمجد ..... لن أغضب منكِ بسبب بضعة كلمات افلتت منكِ و أنت على ما يبدو تمرين بيومٍ عصيب .... لكن نصيحة مني حاولي الفصل بين حياتك الخاصة و حياتك العملية ...... )
نظرت غدير الى عيني أمجد الغاضبتين بعينين ضائعتين ثم ابتعدت بساقين تترنحان الى الخلف ... ناظرة الى مسك هذه المرة و همست بصوت غريب
( هكذا هي أنتِ ...... لا أحد يعرفك مثلما أعرفك أنا ..... لا أحد .... )
قصف صوت أمجد قائلا
( غدير ...... أنتِ تضرين بنفسك , غادري حالا ....... )
عضت غدير على شفتيها ناظرة اليهما قبل ان تستدير و تغادر و هي لا تكاد أن ترى أمامها ....
ظلت مسك تنظر اليها في ابتعادها بصمت ...
بينما فقدت شفتاها ابتسامتهما الدبلوماسية .... و كانها لم تعد قادرة على تحملها ....
و اسبلت جفنيها قليلا و شردت بنظراتها .....
كانت تبدو كمن انفصلت للحظة عن العالم المحيط بها .....
سحب أمجد نفسا خشنا و هو يراقب تلك المعجزة ....
ياللهي لقد ضربتها غدير في مقتل و بمنتهى القسوة .... و لم تدري الى حد قد نجحت في النيل منها ....
هو وحده الشاهد على هذا الألم الجميل المرتسم على محياها ....
لحظات نادرة مرت وهو يراقب ارتفاع وجنتيها الكلاسيكيتين ... و ظلال أهدابها الطويلة فوقهما ....
أما فمها فقد كان منحنيا بجمال يمس القلب ....
لم يظن أن مجرد عبارة تافهة التي رمتها بها غدير قد تؤلمها الى هذا الحد !! ....
ألهذه الدرجة أحبت مسك خطبيها القديم ؟!! ....
انعقد حاجبيه و قال بهدوء أجش
( مسك ......... هل أنتِ بخير ؟؟ ..... )
ارتفع وجهها اليه ببطىء ... و كأنما كان يتوهم كل ما رآه منذ لحظة !! ....
فقد كانت مبتسمة ابتسامة هادئة و عيناها واثقتين و هي تقول بصلابة .....
( نحن في العمل الآن ......... )
عقد حاجبيه قليلا و قال متفاجئا
( ماذا ؟!! ............. )
رفعت مسك ذقنها و قالت ببرود و صلف
( أخبرتك من قبل عن رغبتي في التقيد بالالقاب الرسمية ..... و يومها كنت أتصل في خارج أوقات العمل الرسمية لذا نطقت اسمي مجردا .... أما الآن فنحن في العمل فما هو عذرك ؟؟ ..... )
ضاقت عينا أمجد و شعر أن صدره على وشك اخراج نفسا يغلي من شدة غضبه .... الا أنه قال بصلابة و دون ذوق
( لا أحتاج الى عذر فلقد قدمت استقالتي هذا الصباح .... لذا أنا حاليا لا أتبع هذا العمل و من حقي مناداة أيا كان باسمه مجردا ...... فهمتِ يا .... " مسك " .... )
ضاقت عيناها هي الاخرى حتى بدت قريبة الشبه من عينيه و كأنهما يقفان في حلبة للنزال متواجهين .....
زمت شفتيها قليلا ... الا انها تمالكت أعصابها سريعا و قالت ببرود
( آها .... وصلني خبر استقالتك !! ...... لم أصدق على الفور أن شخص بمثل خبرتك قد يقدم استقالته و يتنازل سريعا عن النجاح الذي حققه في هذا المكان لمجرد أن قرارا لم يعجبه قد صدر ...... )
ابتسم أمجد ابتسامة متهكمة قاسية .... ثم قال بنفور
( لا زلت تحسبين كل الامور على هيئة قرارات وأرباح ..... لا وجود للجانب الإنساني في حياتك .... )
مالت مسك بوجهها قليلا و هي تتأمله ..... ملاحظة أن كل مرة تلمح بوجهه شيء لم تراه من قبل ....
لقد كان ذو لحية .... لحية شقراء خفيفة , تزيده جاذبية على الرغم من نفورها منه ....
ثم قالت أخيرا بخفوت
( خطأ ...... هناك جانب انساني في حياتي , لكنني أحتفظ به خارج أسوار هذا المكان , حيث ينتمي ... )
ابتسم أمجد مجددا باستياء اكبر ....ثم قال وهو يبتعد عنها
( جيد .... احتفظي به مجمدا خارج اسوار المكان , حظا سعيدا لكليكما ...... )
استدار عنها و سار بخيلاء دون حتى ان يهتم بالقاء تحية ....
شعرت ان وقاحته تزيدها غيظا اكثر مما فعل اي رجل غيره من قبل ....
فقالت من خلفه بصوتٍ عالٍ بارد
( سأفعل .... شكرا للنصيحة ....... )
الا أنه لم يستدر اليها .... بل تابع طريقه وهو يقول ببرود مماثل
( اليوم سيتم عقد اجتماع سريع لمناقشة الأمر مجددا .... و عليه سيعتمد رجوعي أو عدمه .... حينها قد تسمعين بعض الألقاب التي ترضيكِ ..... )
زمت مسك شفتيها و هي تراه يبتعد متجها الى المصعد .... متجاهلا اياها , فنادت بصوتٍ اعلى قليلا كي يصله
( هل تملي شروط بقائك على ادارة المكان ؟!! ....هذا يعد ابتزاز ..... )
لم يرد عليها وهو يتجه يمينا و يختفي عن عينيها الغاضبتين المغرورتين ..... فزفرت بحنق و اتجهت خلفه تريد استخدام المصعد ....
و ما ان وصلت اليه ... وجدت أمجد واقفا , يوليها ظهره منتظرا وصول المصعد دون ان يشعر بوجودها بينما ...
وكانت تصدر عنه بعض الهمهمات الغاضبة ....
ضاقت عينا مسك و هي تقترب منه دون صوت مرهفة السمع .... و التقطت أذناها بضع كلمات ساخرة كريهة صادرة عنه
( تريد ألقاب !! ...... بالله عليها من تظن نفسها , والله حتى أن اسم ألمظ أكثر رقيا منها ...... )
تسمرت مسك مكانها و فغرت شفتيها و هتفت فجأة دون أن تستطيع أن تمنع نفسها
( هل تلقبني ألمظ !!! .............. )
استدار امجد ناظرا اليها , عاقدا حاجبيه .... ثم نزل بنظراته الى قدميها المنتعلتين حذاءا أرضيا خفيفا لا يصدر صوت ....
ثم نظر اليها و قال بلامبالاة
( لا ترتدين كعبا عاليا اليوم !! ........ )
هتفت مسك بغضب
( و ما دخلك بحذائي ؟!!! ....... كيف تجرؤ على أن تسخر مني و تلقبني باسم آخر دون علمي ؟!! .... )
أعاد أمجد عينيه الى لوحة المصعد ليتجاهلها مجددا وهو يقول ببرود
( و من قال أنه لكِ ؟!! ........ )
ضاقت عينا مسك و قالت بشراسة ...
( و لمن هو اذن إن لم يكن لي ؟!! ............. )
قال أمجد باستهانة شديدة
( لا شأن لك .......... )
فتح المصعد أبوابه في تلك اللحظة و دخل أمجد اليه ... و ما أن استدار ناظرا اليها , كانت هي الأخرى تقترب لتدخل الا انه رفع كفه و قال ببرود جليدي
( عفوا ........ أنا لا استقل المصعد مع أحد ...... )
ثم ضرب زر المصعد ليغلق أبوابه في وجهها المصدوم ......
نظرت مسك حولها قليلا و هي غير مصدقة لما حدث !!!
تحركت خطوة يمينا .... ثم خطوة أخرى يسارا بعدم تركيز و هي تحك جبهتها من شدة الغضب ....
ثم وقفت مكانها و هي تغمض عينيها لتنظم أنفاسها كي تهدأ ...
و اخذت تهمس بجنون
" تبا له !! ...... من يظن نفسه !! ..... من يظن نفسه ذلك الكريه الفظ الوقح !! ..... "
أما أمجد فقد كان واقفا في المصعد ... و قد تخاذلت شفتاه و اظهرتا ابتسامة غادرة رغما عنه وهو يفكر
" أنها تبدو أكثر جمالا و هي مصدومة ..... على الأقل زال عنها ذلك الإنكسار الحزين , فالإنكسار لا يليق بال ....ألماس !!! .... "
.................................................. .................................................. .................
كانت غدير قد دخلت الى غرفة السيدات في الشركة .... و لحسن حظها وجدتها خالية ....
و ما أن صلت الى احد الأحواض حتى أمسكت به بقوة .... ثم فتحت صنبور الماء و اخذت تنهل من بكفيها و تضرب وجهها بالماء البارد كي تهدأ ....
و ما أن سكنت قليلا حتى وقفت مكانها تلهث بتعب , قبل أن ترفع وجهها و شعرها المبللين تماما لتنظر الى صورتها في المرآة ........
همست بصوت شرس متألم
( كيف فعلت هذا ؟!! ..... كيف كشفتِ نفسك الى هذا الحد ؟!! ..... هل تريدين خسارة كل شيء ؟!!! ...... )
ارتجفت شفتيها فجأة قبل أن تعض عليهما بقوة و هي تهمس بعذاب مضني
" لقد أحببته ...... أحببته ....... "
انتفضت فجأة على صوت رنين هاتفها .... فأخرجته من جيب بنطالها بأصابع ترتجف لكن ما أن رأت الأسم حتى رفعت عينيها لاعلى و هي تهمس باعياء و غضب
" لا .... لا ... هذا ليس وقتك أبدا ..... "
لكن رنين الهاتف استمر و استمر حتى أوشكت أن تفقد أعصابها حتى بعد أن أخفت الصوت ...
استمر اسم أمها يضيء و يطفىء بين أصابعها الى أن زفرت أخيرا بجنون ثم أجابتها بعصبية
( ماذا ؟؟ ..... ماذا .... ماذا تريدين مني ؟!! ... لماذا لا تكفين عن ملاحقتك لي ؟!! .... )
ردت عليها أمها بصوت خافت
( غدير .... اسمعيني فقط , أنا احتاج اليكِ ..... لا تكوني بمثل هذه القسوة .... )
فتحت غدير شفتيها تنوي الصراخ بجنون ... الا انها عادت و أغلقت فمها .... و هي تضرب الحائط الرخامي بقبضتها بكل قوتها ثم همست من بين أسنانها بغضب
( ألم يصلك مصروفك لهذا الشهر ؟؟ ......... )
ردت أمها بصوت متخاذل
( نعم ...... وصل ....... )
هتفت غدير بجنون
( اذن ماذا تريدين مني ؟!! ..... هل تريدين المزيد من المال ؟!! ...لأنكِ لن تحصلين مني على قرش واحد ..... )
صدر صوت أمها ضعيفا و هي تقول
( أريد فقط أن أراكِ ......... )
هتفت غدير و هي تدور حول نفسها
( الا تملين ؟!! .... الا تتعبين ؟!! .... هل تتخيلين أنني قد اصدقك ؟!! أنت تحتاجين الى شيء ما و الا ما كنتِ أتيت و حاصرتني باتصالاتك أبدا ..... اعترفي أتريدين شيئا ؟!! ...... )
ساد صمت متوتر قصير ....
فرفعت غدير رأسها لتضحك بصوتٍ أجشٍ عالٍ على الرغم من دموعها التي تغرق وجهها ... ثم هتفت بقوة
( كنت أعلم ...... كنت متأكدة من ذلك , اسمعيني جيدا ..... أنا لست قابعة على تل من ذهب أغترف منه وأعطيكِ ... يكفيني أنني أعيلك حتى الآن على الرغم من كل تصرفاتك المخزية ..... )
صمتت قليلا تلتقط أنفاسها ثم قالت بقسوة و هي تلهث من بين أسنانها بينما عيناها تقدحان شررا و قد فقدتا آخر ذرة رقة و براءة فيهما و تحولتا الى عينين شديدتي الشر
( لولا ذرة الضمير المتبقية لدي لكنت رميتك بعيدا عن حياتي بأكملها .... لا أريد أن أعرفك ... لا أريد .... )
هتفت أمها بصوت متوسل
( ارجوكِ يا غدير اسمعيني ... أرجوكِ اخرجي و لاقيني و لن آخذ من وقتك أكثر من عشر دقائق فقط ..... )
اتسعت عينا غدير بذعر و هي تهتف
( أخرج الى أين ؟!! .......... )
قالت أمها بصوتٍ خائف
( أنا .... أنا أقف خارج ....مبنى عملك الآن ..... )
فغرت غدير شفتيها بذعرٍ أكبر .....
( خارج ال ..... ياللهي ..... ماذا تفعلين هنا , أبتعدي عن هذا المكان حالا .... أسمعتِ حالا , أقسم انني لو خرجت ووجدك فسوف أمنع عنكِ كل قرش تحصلين عليه مني ..... )
و دون أن تنتظر الرد اغلقت الخط على صوت أمها و هي تنادي اسمها .....
فتح باب الحمام و دخلت احدى الموظفات .... الا ان غدير استدارت اليها و هي تصرخ بقوة باكية
( اريد البقاء وحدي ..... ارجوكِ اخرجي ..... )
ذعرت الموظفة من شكل غدير المنهار .... لكنها استدارت و خرجت مغلقة الباب خلفها ....
بينما استندت غدير بظهرها الى أحد الجدران و انزلقت و هي تبكي و تشهق بقوةٍ الى ان جلست أرضا و رفعت ساقيها الى صدرها .... لتدفن وجهها بين ركبتيها و كأنها عادت مراهقة من جديد ....
الى متى ستظل تتحمل رؤية هذه المرأة و سماع صوتها .... الى متى .....
رفعت غدير وجهها المتورم الباكي و هي تحدق أمامها باكية و جسدها كله يرتجف .....
متذكرة البيت الذي كان يضمها كلما هربت من الجحر الذي تسكنه باكية ....
كانت مسك دائما تنتظرها و تستبقيها معها لتنام في فراشها .....
كانت دائما ما تصر على قلب الامر الى مزاح و جنون ... لا تستسلم للكآبة أبدا ....
لكنها لم تكن تعرف ...
لم تكن تعرف و هي نائمة في آخر الليل أن غدير لا تزال مستيقظة .... تنظر اليها في الظلام بغضب ...
تكره عدم احساسها .... و تكره تفضلها الدائم و ظهورها بمظهر المحسنة و البطلة التي تقهر الأحزان ...
بينما هي لم تعرف الأحزان مطلقا في حياتها ,,,,
كانت تكره ان تعظها مسك .... و هي لم تعش مثل حياتها و لم تذق ما ذاقته هي من ذل و قلة حيلة ....
أغمضت غدير عينيها على الدموع الحارقة بعينيها و همست بقهر و هي ترجع رأسها للخلف
( أريد أن أرتاح ....... لماذا لا أرتاح حتى الآن ..... أنا تعبت ..... تعبت جدا .... )





يتبع


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 09-04-16, 11:05 PM   #3946

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

بعد عدة ساعات ....
خرجت مسك من بناية الشركة زامة شفتيها باجهاد و غضب ....
لقد خسرت معركة ....
لقد تم عقد الإجتماع الموسع على وجه السرعة .... و تم الإتفاق على التراجع عن قرار صرف العمال الزائدين عن الحاجة الفعلية للعمل .... و كل هذا بسبب التهديد المباشر من أمجد الحسيني ....
لقد حضرت الإجتماع و رأت بنفسها مدى أهميته و تقديره في هذا المكان ... و أن المؤسسين للشركة رافضين للتخلي عنه ....
و يبدو أنه كان يعلم قيمة نفسه جيدا لهذا قدم استقالته وهو مطمئن البال ... واثقا أنهم لن يتنازلون عنه ابدا ....
زفرت مسك بغضب ....
كيف تتعامل في مكانٍ بهذه الضخامة و مع ذلك قائم على العواطف و المحسوبيات ؟!! ....
لكن في زوايا روحها ... كانت تشعر بنوع من الراحة .....
لا يمكنها إنكار ذلك ....
منذ أن علمت باستقالته و هي تشعر بضيق و غضب .....
لا تريد أن تكون السبب في رحيله , على الرغم من فظاظته ووقاحته ...... و قلة أدبه ...
الا ان هذا لا يمنع أنه هنا قبلها و هي لا تريد أن تحل محل أحد .....
نزلت السلالم القليلة خارج البناية و هي تتنهد بتعب .... لكن ما أن رفعت وجهها حتى توفقت مكانها للحظة ...
لقد ظهر أمامها ما ان فكرت به .... المتغطرس القميء .....
ماذا يفعل هنا ؟!!! ..... ألم يغادر منذ عدة ساعات ؟!! .... و ماذا يفعل هذا ؟!!! ....
كان أمجد منحنيا يكلم سيدة جالسة على الرصيف خارج بناية الشركة و بجواره حارس الامن .....
تابعت مسك طريقها برشاقة و هي ترمقه شزرا الا أن عيناها توقفتا على السيدة التي يكلمها عدة لحظات !! ....
اخذت مسك تقترب منهم ببطىء و هي متأكدة من انها تعرفها جيدا !! ..... أليست هذه هي ؟!! ....
اقتربت مسك أكثر الى أن وصلت اليهم فرآها أمجد و رفع وجهه اليها متسائلا عن سر مجيئها اليهم ...
لكن اهتمام مسك كان منصبا على تلك المرأة الجالسة على الرصيف .....
عقدت حاجبيها و انحنت اليها لتمس كتفها قائلة بهدوء و شك
( سيدة أنوار !! ..... هل هذه أنتِ ؟!! ...... )
رفعت المرأة وجهها ببطىء تنظر الى مسك و هي تحاول التعرف اليها .....
بينما قال أمجد بحيرة
( هل تعرفينها ؟!! ...........)
نظرت اليه مسك و استقامت لتقول
( ما مشكلتها ؟!! .......... )
أشار أمجد الى حارس الامن وهو يقول بهدوء
( فرد الامن يقول أنها جالسة على هذا الوضع منذ الصباح و ترفض الرحيل .... وهو مضطر الى ابعادها بالقوة ...... و كلما سألها احد تقول أنها تنتظر ابنتها لتخرج لكنها ترفض الإفصاح عن اسم ابنتها .... )
أومأت مسك بتفكير و هي تنظر الى بناية الشركة بشرود .... فقال أمجد مجددا
( من هي ؟!! ......... ألديكِ فكرة عمن تنتظرها ؟!! ...... )
نظرت مسك اليه و قالت
( نعم أعرفها .......... أنا سأصطحبها معي ..... )
عقد أمجد حاجبيه بحيرة و قال متشككا
( هل أنتِ متأكدة ؟!! ...... يمكننا الحصول على مساعدة لها .... )
قالت مسك ترد عليه بإيجاز
( لا داعي أنا فعلا أعرفها ....... )
انحنت مسك الى المرأة و قالت بهدوء
( سيدة أنوار .... هل تتذكريني ؟!! أنا مسك .... )
نظرت اليها المرأة و لم تلبث أن ارتفع حاجبيها و قالت
( مسك .....نعم اذكرك ...... شعرك أصبح قصيرا ..... )
رفعت مسك يدها تلقائيا لتزيح شعرها الناعم خلف أذنها .... ثم قالت بهدوء
( ماذا تفعلين هنا و لماذا تجلسين بهذا الشكل ؟!! .... )
ردت عليها المرأة بخفوت و هي تطرق بوجهها
( أنا انتظر ابنتي ........ و لا أريد أن أذكر اسمها .... )
عبس أمجد و قال بحزم
( لماذا ؟!! ..... هل هي تعمل لدينا ؟!! ...... )
لم ترد المرأة عليه .... لكن مسك قالت بهدوء خافت
( لو كانت تريد الخروج لكانت فعلت منذ الصباح . ..... لا أظنها ستراكِ اليوم .... )
قالت المرأة بإصرار
( لن أغادر قبل رؤيتها .... حتى لو بقيت للغد .... )
ظلت مسك مكانها تنظر اليها بصمت .... ثم لم تلبث أن انحنت اليها و امسكت بذراعها تقول
( تعالي معي سيدة أنوار و انا سأساعدك ..... جلوسك هنا ليس سليما و قد يبعدك الامن بالقوة .... )
تخاذلت أنوار الا أن مسك تابعت بصوتٍ أكثر حزما
( لا خيار آخر أمامك .... و الا سأذهب و لن أكرر عرضي ..... )
ظلت المرأة مكانها قليلا ... قبل أن تتحرك و تنهض ببطء فقال أمجد بارتياب
( لا أظنها فكرة سديدة ...... أخبريني من ابنتها .... )
رفعت مسك اليه عينين حازمتين و قالت بلهجة مهينة
( لو كانت تريد اخبارك لفعلت ..... الآن بعد اذنك , نريد المغادرة ..... )
ابتعدت مع المرأة خطوتين .... الا أن صوت أمجد قال من خلفها
( الا تحتاجين الى من يقوم بايصالك هذه المرة أيضا ؟؟ .......... )
قالت ببرود دون أن تستدير اليه
( معي سيارتي أخيرا و لن أحتاج الى خدماتك ....... )
قال أمجد ببرود مماثل
( كم انتِ مهذبة !! ........ )
اجابته ببساطة
( لا فكرة لديك عن مدى تهذيبي .... مع من يستحق .... )
راقبها امجد و هي تبتعد , الا أنها لم تلبث أن توقفت لتستدير اليه ... نظرت اليه لحظتين ثم قالت بصيغة متعالية
( لماذا عدت ؟!! ........ )
ارتفع حاجبه باستهانة .... ثم لم يلبث أن قال بلهجةٍ منتظرة مستفزة
( لقد انتشر خبر التراجع في قرار الإدارة كالنار في الهشيم بين العمال .... و لقد طلبوني للإحتفال ... )
ارتفع حاجبي مسك و هي تراقبه ببرود بينما تشعر بالرغبة في ضربه .... الا انها قالت بلهجة سمجة
( آها ..... كان هذا سبب الزغاريد اذن و كأننا في حفل زفاف شعبي !! .... ياللمأساة , فلتهنأ بالإحتفال اذن يا بطل المساكين ..... )
ثم ابتعدت عنه دون أن تنتظر ردا .... بينما وضع كفيه في جيبي بنطاله وهو يراقبها بصمت و تعالي يليق بالتعامل مع من هم مثلها ....
و في باله يدور سؤالين لا ثالث لهما ....
من هي تلك السيدة التى تبدو رثة الهيئة و مع ذلك تعرف مسك سالم الرافعي ؟؟ ....
و السؤال الثاني هو
هل كان هذا الشعر الحريري الجميل طويلا ذات يوم ؟؟؟ !!!!! .....
و في السيارة نظرت مسك الى أنوار التي كانت تجلس بجوارها مخفضة الرأس متلاعبة بأصابعها في حجرها دون أن تجرؤ على مواجهة عيني مسك الصارمتين ...
الا ان مسك قالت خيرا ببرود
( اذن ما هي المشكلة الجديدة التي أوقعتِ نفسك بها يا سيدة أنوار ؟!! ...... )
.................................................. .................................................. ...................
( أبدو فلكلورية المظهر !! ........ )
قالت تيماء بتذمر خافت و هي تجلس في المقعد الخلفي لسيارة جدها التي يقودها عبد الكريم .....
و بجوارها سوار التي كانت تجلش شاردة الذهن ..... لكنها انتبهت ما أن نطقت تيماء بعبارتها الخافتة المتذمرة ....
التفتت تنظر اليها و تقيم مظهرها الخارجي .... ثم قالت مبتسمة بخفوت
( تبدين رائعة .... العباءة السوداء تليق بكِ جدا ..... )
لكنها صمتت و هي تعقد حاجبيها قليلا ... ثم قالت باستياء
( أين ذهبك ؟!! ............ )
قالت تيماء بحيرة
( أي ذهب ؟!! ......... أنا لا أمتلك ذهبا , لا أحبه ..... )
هتفت سوار بصدمة
( لا تمتلكين ذهبا ؟!! ...... كيف لم ألاحظ قبل خروجنا ؟!! ..... منظرك سيكون منتقدا أمام النساء .... )
ارتفع حاجب تيماء ... و مدت ساعدها و هي تقول
( أنا أرتدي ساعة غالية الثمن ...... يمكنهن رؤيتها .... )
نظرت سوار الى الساعة الغالية ذات الاسم الشهير ... لكنها كانت جلدية شبابية ....
فأغمضت عينيها و هي تهز رأسها يأسا هامسة
( ياللمأساة ........... )
فتحت عينيها ثم رفعت يديها الى خلف عنقها قائلة
( الحمد لله أنني أرتدي سلسالي الضخم تحت عقد أمي الذهبي رحمها الله ..... عادة أنا لا ارتدي سوى شيئا واحدا بسبب ضخامته .... لكن و كأن قلبي شعر بحاجتي لهذا السلسال ...... )
ابعدت السلسال عن عنقها و ناولته الى تيماء و هي تقول
( خذي .... ضعي هذه حول عنقك ..... )
وضعت تيماء السلسال الذهبي الضخم حول عنقها ..... و كم كان احساسها به يختلف عن احساسها بسلسال قاصي الذي وضعته العمر كله ..... حياة كاملة .....
زفرت تيماء و هي تعدل من وضع العباءة الحريرية التي تغطيها تماما و المطرزة بتطريز غاية في الروعة و الجمال ... ذهبي اللون لكن قليل و دون افراط .....
ثم رفعت وجهها الى سوار و قالت بصوتٍ باهت
( أشعر أنها ليست أنا .... و كأنني أرتدي شخصية أخرى غير شخصيتي .لا مجرد أن استعرت عبائتك ... )
قالت سوار مبتسمة
( لا يمكنك الخروج بملابسك دون عباءة فوقها .... خاصة و أنت متجهة الى زفاف كبير هنا في بلدنا .. )
قالت تيماء بتوتر ...
( لكن .......... )
الا أن سوار قاطعتها تقول بهدوء حازم
( لكن أنتِ لا تريدين الخروج ..... منذ الفطور الذي تناولناه مع جدي و انتِ لستِ كعادتك ابدا ...... صحيح انكِ متمردة منذ أن وصلتِ الى هنا , لكن هذا الفطور او الحوار الذي دار خلاله كان له وقعا مؤلما عليكِ .... أتظنين أنني لا أستطيع رؤية انتفاخ عينيكِ و الذي يدل على بكائك طويلا ....
عيب عينيك الفيروزيتين أنهما لا تجيدان اخفاء اثر البكاء مطلقا ...... )
رفعت تيماء وجهها الباهت تنظر الى عيني سوار الصريحتين ..... ثم لم تلبث أن قالت و هي تدير وجهها ...
( لقد انتهى زمن البكاء ....... )
ردت عليها سوار لتقول
( ليس هذا ما رأيته قبل أن أكحل عينيكِ بيدي ......لقد بكيتِ كثيرا و بحرقةٍ آلمت قلبك .... )
لم ترد عليها تيماء و هي تنظر من نافذة السيارة الى الأراضي المترامية .... فقالت سوار تسألها بلطف
( لقد صدمك خبر مرض مسك ......... )
كان تقريرا واقعا .... و ليس سؤال , لذا أعفت تيماء نفسها من الرد ...
بداخلها طوفان من المشاعر المتناقضة لا يمكنها تفسيره
ما أصاب مسك صدمها فعلا ...
لم تتخيل أبدا أن مسك ... تلك الشابة المفعمة بالحيوية و الصحة و الجمال ... من الممكن ان تمر بتلك المأساة و توابعها .....
لقد كانت دائما تشع حياة و تشرق بالحب ....
تبدو متعة لكل من ينظر اليها ....
لكن هذا المرض لا يفرق بين شاب أو طفل أو حتى طاعن في السن ......
و كان نصيب مسك أن تصاب به .....
و من الطبيعي أن تنتاب تيماء الصدمة لمعرفتها بذلك ....
لكن صدمتها الكبرى كانت في نفسها ....
من ذلك الشعور الآخر المتخفي في أعمق أعماقها .......
شعور دنىء جدا من الأنانية .... يشعرها بالحقارة ... و لا تملك الحيلة كي تبعده .....
شعور عنيف بالغيرة .... الغيرة بسبب المرض الذي كان سببا في قرب مسك من قاصي أكثر و أكثر ....
هل يبدو من المنطقي أن تغار من أختها الوحيدة بسبب مرضها ؟؟ .....
لكن هذا ما تشعر به و يشعرها بالتالي بالإحتقار لنفسها .....
ربما لأن الرابط كان أكبر مما يمكن انكاره ....
لقد جمع مسك و قاصي شعرة فاصلة بين الحياة و الموت .... و قاصي كان هناك ... متواجدا بجوارها ....
لذا فهي الآن فهمت سبب تمسك كل منهما بالأخر ....
أفاقت تيماء على صوت سوار تقول بهدوء محاولة التخفيف عنها
( مسك الآن في أحسن حال ..... لقد تم اعلان تخلصها من آخر آثار المرض قبل عودتها الى البلاد بما لا يقبل الشك ...... )
صمتت للحظة ثم قالت بخفوت متابعة
( لقد كانت مسك محظوظة جدا .... اتعلمين ذلك ..... والدتها رحمها الله أصيبت بنفس المرض و توفت بسببه في النهاية .... مما جعل عمي سالم كالمجنون .... على الرغم من حزنه العنيف على والدة مسك ... الا ان جنونه الأكبر كان خوفه من أن تصاب مسك بنفس المرض .... لذا كان شديد الصرامة معها في الإصرار و الإلتزام بالكشف الدوري .... و كأن قلبه كأب شعر قبلا بأنها ستصاب به ....
و بالفعل بسبب الكشف المستمر تم اكتشاف المرض في اولى مراحله ...... و بدأت مسك العلاج سريعا ....
و الآن هي في أحسن حال .... لكن للأسف المرض أثر على قدرتها على الحمل و الإنجاب .....)
صدرت شهقة مرتجفة من بين شفتي تيماء و هي تخفض وجهها .....
فصمتت سوار و هي تنظر اليها ثم مست كتفها و همست برقة
( أتبكين مجددا يا تيماء ؟؟ ...... توقفي و الا سال الكحل الاسود على وجهك و هذا فأل سيء و نحن متجهين الى حفل زفاف .... )
رفعت تيماء يدها و هي تمسح طارف عينيها محاولة التقاط نفسها كي لا تنفجر في البكاء .....
ثم قالت بصوتٍ لا حياة به فجأة
( هل كان أبي يحب زوجته لهذه الدرجة ؟!! ..... والدة مسك ....)
أجابتها سوار مبتسمة بحزن
( كان يعشقها بجنون ..... كانت امرأة رائعة , و مسك تشبهها في كل شيء ..... الشكل و الطباع .....
من كان يراهما يظن أنهما نسختين متطابقتين ..... )
أظلمت عينا تيماء .... و أثقل الحزن شفتيها .....
فصمتت سوار فجأة .... قبل أن تقول بندم
( أنا آسفة ........ أسفة جدا يا تيماء , نسيت أن هذا الموضوع يؤلمك .....)
رفعت تيماء وجهها تنظر الى سوار و ابتسمت ..... ابتسامة قاسية باهتة ..... ثم قالت بخفوت
( لم يعد يؤلمني ...... لا أظن أن شيئا سيؤلمني أبدا بعد الآن .......)
صمتت سوار و هي تشعر بالتعاطف معها .... بينما نظرت تيماء من نافذتها مجددا ......
ربما لن يؤلمها شيء أكثر فيما يخص سالم الرافعي .....
لكن هذا لا يمنع تذكرها للألم القديم .....
و كأن ذكراه قد ماتت أصلا !!! ..... لم تمت و لن تموت ......
لا تزال حتى الآن و هي ترتدي عباءة شبيهة بالتي ترتديها الآن .....
لكنها كانت أصغر بخمس سنوات .....
كانت قد نالت على يد والدها من الضرب و الإهانة ما جعلها تبدو متعبة .... منكسرة الروح .....
لم تكن تعلم أن انكسار الروح سيأتي لاحقا .......
تتذكر حين كانت قد انتهت من لف وجهها بالوشاح الأسود .... استعدادا للسفر عودة الى أمها ....
لا تصدق أن جدها قد عفا عنها و أصدر أوامره الى والدها كي يعفو عنها هو الآخر .....
و ما عرفته حينها أن أوامر سليمان الرافعي تسري على سالم الذي قبل صاغرا بعد صراخه المدوي و الذي كان يصلها حيث كانت محتجزة ...
جدها لم يكن لينا في التعامل معها .... كان قاسيا , الا أنها كانت تلمح بعض الحنان بعينيه ....
كلما قسا عليها في القول .... كان يتبعها بلمسة .... أو ربما كلمة حانية .....
مرت عدة أيام لم تعد خائفة منه .... و اطمئنت نوعا ما ....
حتى أصبح خوفها الوحيد منصبا على قاصي ...
لم تسمع عنه شيئا و لم تره منذ أن سلمها الى جدها و .....و أوشك على قتل والدها !!.....
فقد جن جنون والدها ما أن عرف بتحرير قاصي لها ......
وأوشك أن يبطش بها مجددا .... الا أن قاصي هجم عليه فجأة و كاد أن يقتله لولا أن صرخت بجنون
" لا تفعل يا قاصي ...... لا تفعل انه أبي ..... "
و امتزج صراخا بصوت جدها المزلزل
" ابتعد عنه يا قاصي ...... "
لكن قاصي كان في حالٍ غير طبيعية .... و تطلبت السيطرة عليه ثلاث رجال من رجال سليمان الرافعي كي يحكمون تقيده و ابعاده عن سالم ....
و منذ تلك اللحظة المرعبة ..... لم تره .... .
تسائلت بجنون إن كان جدها يخدعها حين اوهمها أنه لن يؤذي قاصي .......
لكنها عادت و استبعدت هذا الإحتمال .... فجدها كان ذو سطوة و هيبة و لم يكن في حاجة للخداع و الكذب
لو اراد أذية قاصي لكان قال هذا بمنتهى الوضوح ودون خوف .....
وقفت تيماء أمام المرآة تعدل من وشاحها الذي اجبرها جدها على ارتداءه .....
كانت اوامره صارمة في ارتدائها للحجاب و التستر و كأنها مجرمة فرطت بنفسها ....
يومها كرهت الحجاب .... و صممت على أن تخلعه ما أن تصبح حرة نفسها
كان الحجاب مرتبطا لديها في ذلك الوقت بالخزي و نظرات التقزز لها و لما ارتكبته ......
استدارت حين فتح باب الغرفة التي كانت محتجزة بها ..... فقالت بصوت خافت
( أنا جاهزة للسفر ....... )
الا أنها لم تجد احدى الخادمات ممن كن يدخلن اليها الطعام ... و لا حتى جدها .....
بل كان والدها .....
تسمرت تيماء مكانها و هي ترى نظرات الكره واضحة في عينيه ..... وهو يرمقها من قمة رأسها و حتى أخمص قدميها .....
ابتلعت تيماء ريقها و تراجعت الى ان ارتطم ظهرها بالمرآة ..... بينما منظر والدها كان مرعبا ....
كان اقل هيبة من جدها .... لكن نظرات الكره في عينيه كانت تجعل نواياه مخيفة ... شريرة ....
استطاعت تيماء الهمس بصوت مرتجف و هي تنظر اليه بعينين متسعتين
( لقد أمرك جدي الا تضربني مجددا ....... )
توقف سالم مكانه ... برقت عيناه بحقدٍ أعمى .....
كانت كفتاة في التاسعة عشر من عمرها قد أذلت والدها أكثر من مرة و حطت من قدره ......
و آخرها ما نطقت به للتو .....
الا أن الكره كان بينهما متبادل في تلك اللحظة .... لذا أدركت أنه لن يتورع عن فعل أي شيء متهور .....
فكان عليها أن تحمي نفسها و تحتمي خلف أمر جدها ....
عاد سالم للإقتراب منها ببطىء .... ثم قال بصوتٍ غريب
( لا تقلقي ..... لن أضربك ....... )
لم يرحها هذا .... و لم يبدد خوفها .....
بل على العكس ..... زادها رعبا فوق رعب .......
ففغرت شفتيها المرتجفتين و همست
( ماذا تنوي اذا ؟ ............ )
لم يرد سالم على الفور ..... بل توقف مكانه , ينظر اليها نظرات أشعرها أنها أدنى من دود الأرض في عينيه ....
أكثر دنسا من الوحل الملوث .....
حاولت التراجع اكثر لكنها لم تجد مكانا لتهرب اليه ... فوقفت تنظر اليها و قلبها يخفق بين أضلعها بعنف
الى أن تكلم سالم أخيرا و قال بهدوء غامض
( أنوي ضمان الا تستسلمين لشهواتك مجددا ......... )
شعرت تيماء بقلبها يهوى بين قدميها ..... ففغرت شفتيها و امتقع وجهها و همست باختناق
( ماذا تقصد ؟!! ........ )
ضيق سالم عينيه و قال بخفوت
( أقصد ما كان علي فعله منذ سنوات ...... )
شعرت أنها على وشكِ البكاء خوفا من شيء مجهول ..... قاتم .... شديد القتامة ....
فهمست بصوتٍ اكثر ارتجافا
( لم أفهم ............ يجب أن أسافر الآن , جدي أمر بذلك .... )
قال سالم بصوتٍ قاسي ... وقع على صدرها مثل السوط اللاسع
( و لوالدك أوامر أخرى .......... )
قبل أن تسأله عما يقصده كان قد استدار و خرج .... لكنه ترك الباب مفتوحا , .... لم يغلقه خلفه ....
جرت تيماء سريعا الى الباب تنوي الهرب ....
الا أنها تسمرت مكانها حين وجدت امرأة تدخل الى الغرفة .....
امرأة تعرفها جيدا ..... انها نفس المرأة التي كانت تحرسها و هي مقيدة ... مهانة و معذبة .....
أخذت نفسا مرتجفا .... قبل أن تهتف برعب
( ابتعدي عن طريقي ......... )
لكن المرأة لم ترد عليها .... بل أشارت الى اثنتين آخرتين .... دخلتا الى الغرفة و أغلقتا الباب خلفهما .....
شعرت تيماء بأنها قد وقعت في فخٍ قذر ..... خاصة و أن أعين الثلاث نساء لا تعرف اللين أو الرأفة ....
و أنهن على وشك ذبحها .... لا تعلم كيف .....
لكن لاحقا عرفت ..... فقد فعلن ذلك فعلا ..........
و حتى الآن لا تزال تتذكر لون الدم الذي أغرق عينيها .... و صراخها الذي أصم أذنيها من شدة الألم وهي مقيدة للمرة الثانية .....
صراخها باسمه قبل أن تفقد الوعي .....
" قااااااااااااصي ......... "

( تيماء ......... )
انتفضت تيماء مكانها مذعورة على صوت سوار رغم هدوءه ....
عقدت سوار حاجبيها و قالت بقلق
( اسم الله عليكِ يا تيماء .... لماذا ارتعبتِ هكذا ؟؟ ...... لقد اردت اخبارك اننا وصلنا لا غير .... )
نظرت تيماء حولها و هي تنتفض من صوت اطلاق الاعيرة النارية في كل مكان ..... ثم همست بصوتٍ واهي مرتجف
( نعم ...... نعم ...... يبدو أننا وصلنا ........ )
.................................................. .................................................. ..................
كان صوت الطبل و المزمار و لعب العصي يملأ المكان ....
صهيل الخيول و غناء المواويل .....
العالم كله بدا ككتلة ملونة متوهجة و صاخبة ........ و تيماء ترفع عينيها تراقب الزينة المبهرجة , الى أن دخلت مع سوار الى مجلس النساء ..... و أغلقت الأبواب خلفهما .....
نظرت تيماء الى سوار التي بدأت تفك عبائتها الحريرية .... فقالت على أمل
( هل يمكننا أن نخلع العباءة الآن ؟!! ........ )
قالت سوار مبتسمة بدلال
( بل أفضل ...... يمكنك خلع الحجاب , هذا المجلس محرم على الرجال لا تطاله عين متلصصة أبدا ...... و الآن سيبدأ الإحتفال الحقيقي ...... )
استدارت عنها تيماء و خلعت العباءة المطرزة ... و فكت الحجاب عن شعرها .....
سمعت تيماء الشهقات الخافتة و الهمهمات الصادرة من كل مكان ....
فرفعت وجهها و هي ترى النساء ينظرن اليهما بانبهار .....
ظنت تيماء في لحظة غباء أنهن منبهرات بها ..... بشعرها الزغبي الطويل الشبيه بشعر المطربات و النجمات .... الا انها لاحظت تركيز المعظم منهن مركز خلفها ....
التفتت تنظر خلفها .... وما كان منها الا أن فغرت شفتيها هي الأخرى هامسة بذهول
" بسم الله ماشاء الله ...... "
إنها المرة الأولى التي ترى بها سوار بدون حجاب .....
كانت ترتدي فستانا من المخمل الأخضر الداكن جدا .... شديد التفصيل على جسدها المفلت للنظر باكتنازه المثير .... و قوة بنيتها الأنثوية .....
لا يزين صدره سوى العقد الذهبي المكون من عدة طبقات و حلقات .....
و زينة وجهها اقتصرت على التكحل فقط مثل تيماء .....
لكن شعرها المفكوك !! ....
كان كليل أسود طويل .... لا نهاية له .....
امتد كثيفا و سميكا .... على ظهرها حتى تعدى وركيها !! ......
لم ترى تيماء في مثل جماله من قبل ....... حتى شعر مسك في أكثر أيامه طولا لم يصل الى مثل جمال شعر سوار .....
و الكحل المحيط بعينيها العسليتين جعل من وجهها قبلة للنظر .....
نظرت سوار اليها و ابتسمت قائلة
( هيا بنا ..... اتبعيني ....... )
لاحقتها تيماء بعينيها و قالت بذهول
(حاضر .... أنت تأمرين أمر بشعرك هذا !! ....... )
تبعتها تيماء و هي ترى جميع النساء ينظرن اليها ... الى أن بدأت كل منهن تنهض للسلام على سوار بعد طول غياب ....
اقتربت فتاة جذابة ذات شعر بني جميل أصغر من سوار و تيماء ... تهتف بسعادة
( سوار !!! ...... ياللهي انكِ تزدادين جمالا كلما كبرت ... )
استدارت سوار اليها ثم لم تلبث أن ضحكت بسعادة مماثلة و هي تهتف
( هريرة !!! ....... أهذه أنتِ حقا ؟!! .... )
جرت اليها هريرة فعانقتها سوار بقوةٍ و هي تهتف من قلبها
( مضى وقت طويل جدا منذ رأيتك آخر مرة .....دعيني أنظر اليكِ )
أبعدتها عنها لتنظر اليها ثم لم تلبث أن هتفت
( لا أصدق عيني !!! ...... كم كبرتِ و اصبحتِ عروس !! ..... )
نظرت اليها هريرة بعتاب ... و قالت
( سبق و كنت عروس بالفعل و لم تحضري زفافي يا سوار ...... )
طال الحزن عيني سوار و قالت متوترة قليلا
( غصب عني يا هريرة ..... ظروف منعتني ..... لكن لا تتخيلي سعادتي بمعرفتي بزواجك .... كنت أظنك ستبقين طفلة للأبد ..... )
قالت هريرة و هي تضحك
( و لى زمن الطفولة و كبرنا .... و انتهى الأمر )
قالت سوار بابتسامة حزينة
( نعم ..... ولى زمن الطفولة و كبرنا ....... )
أخذت نفسا عميقا و قالت بحماس
( تعالي اجلسي بجواري و اخبريني بكل تفاصيل زواجك ....... )
فتح باب مجلس النساء .... و دخلت ميسرة ....
وقفت سوار مكانها تنظر اليها الى أن اصطدمت عيناهما ...... حينها تسمرت ميسرة مكانها و تحولت عيناها الى شيطانين .....
لم تستطع حتى الإبتسام .....
شعرت سوار بشيء ما يقبض صدرها من تلك النظرات التي لا تعرف الخجل او المداراة ....
كانت تتفحصها بحقدٍ و حاجباها يرتفعان مع نظرات عينيها شديدتي البريق ... الا أنه بريق مخيف .... حاسد .....
اخذت سوار نفسا عميقا و هي تقرأ المعوذتين في سرها ....
لم تخاف الحسد مطلقا .... لكن نظرات ميسرة كانت لا تقبل الشك و هي تجري على شعرها و جسدها دون ترك اي تفصيلة .....
و الكره البادي في نظراتها لا يمكن اغفاله ابدا ....
ميسرة كانت ابنة خالها ..... الا أن العلاقة بينهما تقريبا منقطعة منذ الطفولة .....
كانت تتبع الجانب الذي يعامل وهدة و ابنتها و كأنهما الفرع الأقل في العائلة لأنها تزوجت من أحد ابناء الرافعية ....
على الرغم من أن لا دخل لها بموضوع الثأر القديم .... الا أنها قررت أن تنحاز للجانب المعادي ....
الجانب الذي يرمق سوار بنظراتٍ شبيهة كلما اتت الى زيارة عائلة الهلالي ....
خلعت ميسرة عبائتها و رمتها الى الخادمة .... و تبعتها بوشاح رأسها .....
كانت ترتدي فستانا من الحرير الأحمر ... ذو تطريز ذهبي من قمته و حتى حوافه .....
و عليه استقرت عدة عقود ذهبية و سلاسل ....
أما زينة وجهها فكانت لوحة متقنة من الألوان الداكنة .....
و شعرها قد التف في أمواجٍ لامست مرفقيها بالكاد ......
كانت ميسرة تقترب ببطىء و عيناها لا تبارحان سوار .... الى أن وصلت اليها , ثم قالت بصوت هادىء
الا أنه يبعث قشعريرة في النفس ....
( سوار غانم الرافعي .......... ياللهذه المفاجأة , و بعد كل تلك السنوات تأتين للزيارة أخيرا .... )
رمقتها سوار بعينيها الواثقتين و قالت بصوتٍ رخيم قوي
( أنا هنا في بيت أهلي يا ميسرة .... و لست ضيفة .... )
ضحكت ميسرة ضحكة باردة ... نشرت الصقيع من حولها ... ثم قالت
( لقد كدنا أن ننسى ملامحك ..... ثم أن المرأة تتبع عائلة والدها .... اسمك سوار غانم الرافعي .... و زوجك هو راجح عمران الرافعي .... )
علت الكثير من الهمهمات ...و هتفت هريرة بذعر
( ميسرة !!!!! ........ )
بينما اتسعت عينا سوار بقسوة و هي تهدر مسكتة الجميع
( أنا زوجة سليم الرافعي ....... و هذا خطأ لا يغتفر يا ميسرة .... )
رفعت ميسرة حاجبيها و قالت متظاهرة بالذهول
( اعذريني ..... لقد تداخلت أسماء ابناء عائلتكم في ذهني ..... لكن ما أعرفه أن راجح كان يتشدق دائما بخطبته لك ..... )
اقتربت من سوار فجأة و تابعت هامسة في اذنها
( و لا زال ..... لقد جاء الى بيتنا و أخذ يصرخ باسمك كالمجنون أمام ليث زوجي .... و كانت فضيحة تحاكى عنها الجميع .... لكن عائلتنا تجيد الكتمان , بعكس عائلتكم .... )
ثم ابتعدت و هي تلامس شعر سوار بقوة .... و اصابعها تتخلله كالمشط نزولا الى أطرافه ...
الا أن سوار جذبت رأسها بقوة فعلقت خصلاته بين أصابع ميسرة التي بدت و كأنها قد اكتفت و هي تقول بابتسامة قاسية
( الآن اعذريني .... لدي واجب أقدمه لنساء عائلتي ...... )
ابتعدت عن سوار بخيلاء و تمايل ... بينما ظلت سوار واقفة مكانها و هي محط أنظار الجميع ....
و الهمهات تتزايد من حولها ....
فأمسكت تيماء بذراعها و قالت هامسة بغضب
( تعالي لنغادر هذا المكان .... )
الا أن سوار رفعت وجهها و تدبرت ابتسامة واثقة و هي تقول
( أنا هنا في بيت أمي يا تيماء .... لا يمكن لأحد أن يتسبب في اخراجي دون ارادتي .... )
قالت هريرة مبتسمة بارتجاف
( أحسنت يا سوار ... دعكِ منها , فزوجة أخي عادة ما يتعبها عقلها و يختل مسببا لنا المشاكل .... )
ابتسمت سوار لها ابتسامة واثقة على الرغم من الغضب الحارق الذي يشتعل بداخلها ...
الا أنها لن تسمح لأحد بأن ينال منها مطلقا ... اكراما لذكرى أمها في هذا المكان ....
أمسكت سوار بكف تيماء و جذبتها خلفها حتى كادت أن توقعها .... فسوار تتميز بقوة بدنية تحسدها عليها النساء ....
و جلست رافعة ذقنها ... متحدية أن يمس مخلوق كرامتها أو كرامة زوجها ....
بينما في داخلها كانت هناك نار غاضبة لا تهدا و هي تهمس بقوة
" لعنة الله عليك يا راجح ..... لن تتغير أبدا .... "
شعرت تيماء بالتوتر و هي تشعر بالأعين كلها عليهما .... فدلكت ذراعها و مالت الى سوار تهمس في أذنها
( لماذا يعاملك الجميع هنا و كأنك من البرمائيات ؟!! .... تملكين رئتين لكن مع وجود بعض الخياشيم ؟!! ... )
ابتسمت سوار بثقة ... ثم همست
( ربما لأن هذه هي الحقيقة فعلا .... ما بين عائلة الهلالي و عائلة الرافعي ... امتلك رئتين و خياشيم .... )
تنهدت تيماء و هي تقول
( كنت أظن أن حالتي هي الأصعب .... لكن منذ أن اتيت الى هنا و انا أتعرض الى صدمة حضارية تلو الأخرى .... أشعر أن الاسبوع الذي قضيته هنا كان تجربة قاسية فاقت كل دراساتي ... )
نظرت اليها سوار مبتسمة ثم قالت
( على الأقل أعادت ميسرة بعض اللون الى وجهك الباهت ... و الحياة الى عينيكِ الزرقاوين .... أنتِ فعلا جميلة يا تيماء ... )
ابتسمت تيماء بتوتر .... و قالت بفتور
( شكرا .... بعض ما عندكم ..... في الواقع ذرة مما عندكم ..... الحقيقة بشعرك هذا لا مجال للمقارنة فلا داعي للمجاملة ..... )
ضحكت سوار بصوتٍ قوي عالي .... و التفتت اليها الرؤوس و من بينها رأس ميسرة التي نظرت الي سوار كطلقة من نار .... و عينين كالجحيم ...
ثم استدارت جانبا و هي تنظر الى كفها الذي يحتوي على شعراتٍ من شعر سوار محتجزة .....
فأغلقت قبضتها عليها و رفعتها الى فمها قبل ان تغمض عينيها و تهمس ... من اعماق روحها القاتمة ....
أما سوار فقد نجحت خلال ساعة واحدة في استمالة جميع النساء اليها ... بضحكها و مزاحها و ذكرياتها عن أمها وهدة الهلالي ....
ربما كانت هذه هي المرة الأخيرة التي تعيش بها حياة أمها ..... قبل استقرارها في المدينة ....
لذا ستعيش كل لحظة منها مرفوعة الرأس .... قاهرة كل من يمس اسمها بسوء ...
الا أن هذا لم يمنعها من أن تنظر الى ميسرة كل فترة ... تتحداها بنظرةٍ صاعقة ....
لكن في داخلها كان الفضول المذهول يهمس
" أهذه هي زوجتك يا ليث ؟!! ....... يا ويلي .... ماذا ينفصها كي تكون سعيدة واثقة النفس ؟!! ... "
أما ميسرة فكانت تبادلها النظرات بأخرى تحترق غلا ....
و كيانها كله يهمس بشراسة
" لن ترتاحي يوما يا ابنة وهدة .... أقسم أن أجعل جسدك يتقلب ليلا على جمرٍ من الألم و تحترق روحك بفقدك لسحرك للرجال .... "
نظرت تيماء الى العروس نظراتٍ شاردة .... باهتة ....
جميع النساء كانت ترقص و تغني .... أما هي فلم تملك سوى النظر .....
فهل من كان مذبوح القلب بإمكانه الرقص !! .....
أخفضت عينيها تنظرالى هاتفها الصامت ....
بداخلها نقمة عنيفة عليه .....
و نقمة أكبر على نفسها ..... نفسها الخائنة .....
ألم يكن من المفترض الآن أن تشعر بالراحة بسبب ابتعاده عنها أخيرا ؟!! .....
لكن الحقيقة مخالفة تماما لما هو مفترض .....
فتحت تيماء رقمه على الهاتف .... و تحرك اصبعها ليكتب رسالة .....
" أين أنت ؟!! ...... "
الا أنها سارعت بمسحها ورفعت وجهها الباهت تنظر بشرود الى العروس السعيدة التي كانت تجلس مكانها بوقار بينما تتراقص النساء أمامها ....
و بعد فترة طويلة اخفضت وجهها لتكتب مجددا بأصبع مرتجف ....
" أردت فقط .... الإطمئنان عليك .... "
لكنها عادت و مسحت الرسالة سريعا ..... و هي تزفر بألم ....
رفعت تيماء وجهها تنظر الى رقص النساء مجددا ......
بالنسبة لها كان الرقص كلمة مترافقة دائما مع اسم قاصي .....
ابتسمت بحزن و هي تتذكر الفترة الرائعة من حياتها و التي أصبح فيها قاصي فردا من أسرتها الصغيرة ....
لم تكن ثريا تأنف من دعوته للطعام بين الحين و الآخر .... خاصة بعد أن أصبح محور حياتهما ....
و القائم الوحيد بشؤونهما ......
تلك السهرات كانت حافلة بالضحك و الموسيقى .... و احيانا كان يحضر معه جيتاره و يتحفهما بعزفه المنفرد .....
تذكرت مرة مجنونة .....
كان يجلس أرضا وهو ينظر اليها تضع اسطوانة أغاني غربية اشترتها حديثا .....
ثم استدارت اليه و أمسكت بكفيه . تجذبه هاتفة بسعادة و تألق
( تعال لترقص معي ....... )
نظر قاصي اليها بعينين وهاجتين .... بينما ثقله كصخرة جبل وهو يقول بجدية مشيرا الى وجود أمها
( تعقلي يا تيماء ...... )
لكنها جذبته مجددا بكل قوتها صارخة بمرح
( انهض و راقصني و الا رقصت وحدي أمامك ..... )
و بالفعل بدأت تتمايل أمامه بسعادة .... تدور و يدور معها فستانها .....
الى أن شعرت بنفسها تنجذب بقوةٍ هائلة ... الى رجلٍ يراقصها بمرحٍ ظاهر ....
و الكثير من الشوق الجائع الخفي .... هامسا في أذنها بصوت ثقيل جعل ساقيها ترتجفان
( هل أنتِ مجنونة ؟!! ..... أنتِ تثيرين شك والدتك بتلك الطريقة ..... )
الا أنها ضحكت و تابعت الرقص تدور معه بسعادة و قلبها ينبض بحبه ثم ارتفعت على أصابع قدميها لتهمس في أذنه بشوق
( دعها تشك .... فأنا أريدها تعرف عن علاقتنا , أريد للعالم كله أن يعرف ..... )
توقف قاصي عن الرقص و نظر اليها بعينين قاتمتين و همس بصوتٍ أجش
( لا تمزحي في هذا الأمر يا تيماء ...... )
الا أنها أحاطت عنقه بذراعيها و هي تتأفف هامسة
( كنت أمزح يا قاصي ...... لا تكون جافا بهذا الشكل و راقصني .... )
الا أنه أبعد ذراعيها عن عنقه وهو يقول بصوتٍ أجش خافت بينما صدره يتضخم و نفسه يتسارع
( هذا يكفي ........ كفى )
قالها بجدية و خشونة كي تكف عن التلوي بين ذراعيه .... و بالفعل زمت شفتيها و هي تتركه لتبتعد عنه متذمرة .... لكن ما ان استدارت اليه حتى وجدت عينيه تنظران اليها بنظرةٍ مشتعلة جعلتها تدرك جيدا خطورة ما كانت تفعله .....
في تلك اللحظة كانت أمها قد وصلت اليهما و قالت بلهجتها الساحلية الملفتة
( ألن تكفا عن سماع تلك الأغاني الغربية السخيفة .... لما لا تضعين أغانٍ شرقية و ترقصين عليها يا تيماء .... )
نظرت تيماء الى قاصي الذي كان يراقبها بطرف عينيه و قالت بخفوت
( لم أنجح يوما في الرقص الشرقي ....... فشلت به تماما .... )
قال قاصي مرتاحا
( هذا أفضل .... فأنتِ حين تتقين شيئا لا يكون هناك سبيل لإيقافك ...... )
احمرت وجنتيها قليلا .... الا ان أمها قالت ضاحكة
( أنا راقصة ماهرة ...... أتريد أن تحكم بنفسك ؟؟ ..... )
بهتت ابتسامة تيماء ... و شعرت بالحرج من أمها , فقالت بخشونة
( لن ترقصي يا أمي ........ )
نظرت اليها ثريا مقطبة و هي تقول
( لماذا يا أنانية .... أنتِ ترقصين منذ الصباح و لم يمنعك أحد .... )
عضت تيماء على شفتيها بينما كانت تشعر بالإستياء ....و على ما يبدو أن قاصي قد لمح شحوب وجهها فقال بهدوء
( أتسمحين لي بهذه الرقصة سيدتي ؟؟ ...... )
ظنت تيماء أنه يخاطبها .... الا انها ما أن رفعت وجهها حتى رأته يمسك بكفي ثريا و يراقصها بحركاتٍ واسعة على لحنٍ أبطأ .....
أخذ ثريا تضحك و هي تقول
( أنا لا أفهم في هذا الرقص السخيف ...... )
الا أن قاصي قال ضاحكا
( سأعلمك .... فقط اتبعي خطواتي .... )
تراجعت تيماء الى الخلف حتى استندت الى الحائط و هي تنظر اليهما ... يتراقصان و يضحكان ...
فحكت جبهتها و هي تشعر بالحرج من تصرفات أمها .... و بالغيرة من جمالها .....
كانت ثريا مثال للجمال الأنثوي الرقيق ... و لا تزال و كانت تحتفظ بشبابها حتى ذلك الوقت ....
و كان اعجاب قاصي بها واضحا ......
أخفضت يومها وجهها و قد بدت كطفلة يتيمة منبوذة .... و لا تعلم كم بقيت بهذا الشكل , الى أن شعرت فجأة بكفه تمسك بذقنها و ترفع وجهها اليه ....
كانت نظراته شديدة العمق ... لدرجة أنها كانت تغرق بهما و بالجمر المتوهج فيهما .....
و لا تزال تتذكر صوته الدافىء حتى الآن وهو يهمس لها
( ماذا بك ؟!! ........... )
نظرت بطرف عينيها الى حيث كانت أمها و قالت بجفاء
( أين أمي ؟!! ......... )
ابتسم قاصي و قال
( انتهت الأغنية و ذهبت أمك جريا الى المطبخ هاتفة أن اللحم قد احترق كالعادة ..... بينما أنتِ في عالم آخر غير عالمنا .... )
زمت شفتيها و تهربت من عينيه المتفحصتين لها .... و حاولت تجاوزه ...
الا أنه أحاط وجهها بكفيه اللتين اسندهما على الحائط بجوارها ... فباتت محتجزة تماما بين ذراعيه ....
و قال بثقة مستفزة
( لن تتحركي من هنا الا بعد أن تخبريني عما أصابك للتو ...... )
بقت واقفة مكانها بعناد ... فمال اليها قاصي ليهمس في أذنها
( قد تأتي أمك في أي لحظة و ترانا في هذا الوضع ..... حينها ستطردني و لن ترينني أبدا مجددا ... )
رفعت تيماء عينيها الجريئتين اليه و قالت بتحدي
( سأتبعك العمر كله ...... اعتمد على ذلك .... )
ضحك قاصي ضحكة لا تزال تتذكرها حتى الآن .... ضحكة أحرقت كيانها كله ....
ثم قال بهدوء خافت
( اذن أخبريني يا قدري ..... ماذا أصابك فجأة ..... )
ترددت قليلا .... و أخفضت وجهها ثم قالت بخفوت شاعرة بتأنيب ضمير و هي تنطق
( تصرفات أمي تخجلني ......... )
ساد صمت قصير ..... ثم لم يلبث أن رفع وجهها اليه و قال بخفوت
( تخجلين مني أنا ؟!! ........ )
زفرت تيماء بارتجاف و همست
( إنها تتصرف بطريقة لا تناسب سنها .... لا تتصرف كالأمهات مطلقا ... )
صمتت قليلا ثم رفعت وجهها اليه و همست بلهجةٍ أقرب الى التوسل
( قاصي ...... هل ترى أمي جميلة ؟!! ... يقتلني نظرك اليها ..... )
حينها انتفضت بقوة على ضحكته العالية لدرجة أن امها جاءت جريا من المطبخ على صوت ضحكه العالي و منظر تيماء و هي تضربه بوسائد الأريكة بكل الغضب المستعر بداخلها

عادت تيماء من ذكرياتها البعيدة الى الزفاف الذي تراقبه بعينين زجاجيتين ... بينما اصابعها على شفتيها المبتسمتين رغما عنها و كأن الذكرى كانت أمس .....
أخفضت تيماء وجهها لتجد نفسها قد كتبت في الرسالة
" أحتاجك ....... "
تندهت و هي تنظر حولها بيأس ... ثم مدت اصبعها كي تمسحها الا أن اصبعها ضغط على زر الارسال !!!
قفزت تيماء من مكانها و هي تهتف
( لا لا ... لااااااااا .... لم أقصد ذلك ...... )
لكن صوتها ضاع وسط الزغاريد و صوت اطلاق الأعيرة النارية .......





يتبع


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 09-04-16, 11:07 PM   #3947

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

وقف ليث على باب الدار وهو ينظر الي السماء السوداء و قد التمعت بها النجوم الذهبية ...
و كأنما كانت السماء ترتدي حلة البهاء و الجمال مشاركة في حفل الزفاف .....
أخذ نفسا عميقا من هواء تلك الليلة الصافية ... أملا في أن يهدىء نسيمها من حريق قلبه .....
فسوار هنا ......
سوار على بعد عدة خطوات منه ......
علم ذلك من الهمس الدائر في المكان بأسره ....
و كأنها نجمة من نجوم السماء تجذب الأنظار اليها أينما ذهبت ....
كان عليه الإبتعاد عن هنا الى أن ترحل .....
لولا الواجب لكان رحل دون تردد .....
تنهد تنهيدة مثقلة وهو يستدير ينتوي الدخول طلبا لميسرة كي يغادرا .....
الا أنه تسمر مكانه فجأة وجها لوجه .......
للحظات ظن أنه يحلم .... أو أن خياله صورها له كحورية الليل ... و التي لا تظهر الا في ليلة مقمرة صافية كتلك .....
كانت تقف أمامه بكل جمالها
ترتدي الحرير الأسود الذي يغطيها من قمة رأسها حتى قدميها .....
لكنها كانت تكشف وجهها أمامه ....
وجهها الذي لم يره منذ ..... منذ متى ؟!!! .....
لا يستطيع حتى التذكر ..... فهو يراها في أحلامه باستمرار ....
لكن في الواقع كانت يتهرب منها منذ الأزل ... حتى نسي متى كانت آخر مرة نظر فيها الى وجهها كاملا ....
وجهها كامل البهاء .... و قد زادها العمر جمالا ....
ابتسمت سوار و قالت برقة
( اشتقنا والله يا ابن خالي ......... )
كان صوتها القوي الناعم ... هو ما جعله يستفيق لحاله , فتمالك نفسه و استدار يوليها ظهره وهو يرد بهدوء أبعد ما يكون عما يعانيه في تلك اللحظة
( أنرت الدار بوجودك يا س..... سوار ..... )
ساد صمت قصير .... ثم قالت بهدوء
( أنارت بأصحابها يا ليث ....... ما أنا الا ضيفة بالنسبة لك ... )
عقد حاجبيه قليلا وهو يميل بوجهه ناحيتها دون أن يستدير لها .... و قال بخفوت
( ماذا تقصدين ؟؟ ....... هذا بيت و هنا عائلتك ..... )
عاد الصمت مجددا ... الا أنها قالت من خلفه
( لم يكن العشم يا ابن خالي ...... )
ازداد انعقاد حاجبيه وهو لا يصدق ما يسمعه .... فاضطر صاغرا الى الاستدارة اليها ...
و النظر الى وجهها البهي ... والله أعلم بحاله ...
لكن عتابها له كان أكبر من احتماله .... خاصة بعد هذا الفراق الطويل ...
و تلك المفاجأة برؤيتها أمامه ... الا ترأف بحاله و تتمهل عليه !! ....
قال أخيرا بصوت هادىء .... ظهرت به قوة ارادته في اخفاء كل ما يعتمل بنفسه .....
( أهذا عتاب يا سوار ؟!! ..... لماذا ؟!! ...... )
ظلت تنظر اليه طويلا ثم قالت أخيرا
( و تسأل يا ابن خالي ؟!! ...... العتاب كلمة أقل من كسرة خاطري بسببك ... )
التاع قلبه و اختلج ....
كان غير مصدقا .... سوار أمامه و تعاتبه .....
فقال أخيرا بقلق عاقدا حاجبيه
( ما عاش من كسر خاطرك و أنا حي يا سوار ....... )
كان وجهها هادىء ... مرسوما ... حتى ابتسامتها الرزينة لم تفقدها ..... لكنها قالت بنفس الصوت الجميل
( أنت كسرت خاطري يا ليث ..... بعقابك القاسي و الذي لم أتوقعه منك أنت تحديدا ... )
كان و كأنه يعيش حلما .... بل كابوس .... لا حلم ....
ما بين جمال رؤيتها .. و كابوس عتابها ظل معلقا و قلبه يصرخ باسمها .....
قال أخيرا بخفوت مذهول
( أنا عاقبتك يا سوار ؟!! ...... )
تابع بصمت دون أن تعلو الكلمات الى شفتيه
" و هل يعاقب الرجل روحه ؟!! ..... "
الا أن سوار قالت بتأكيد دون أن يجفل صوتها ولو للحظة
( أتعلم ماذا كنت لي يا ليث ؟!! ....... كنت شيء كبير جدا ... كنت معلمي الأول منذ وعيت الى هذه الدنيا ...... كسرت خاطري بطردي من حياتك بهذا الشكل ...... )
تلجم لسان ليث تماما وهو ينظر اليها ... بينما تابعت سوار بصوتٍ أكثر هدوءا
( الزواج قسمة و نصيب .... لكن العائلة أبقى , أما أنت فعاقبتني و طردتني فجأة ...... )
فغر ليث شفتيه غير مصدقا لصراحتها المريعة .... فقالت سوار متابعة بهدوء
( هل صدمك كلامي ؟!! .... لكن ليست أكبر من صدمتي في تجنبك لي بهذه الصورة القاسية .... كثيرة هي طلبات الزواج التي أخفقت في بلدنا لأسباب كثيرة .... لكن هذا لم يكن معناه الهجر و المقاطعة .... بعد أن أوصتك أمي بمراعاتي .... خالفت الوصية يا ليث .... يا ابن خالي ... )
تنهد ليث وهو يبعد عينيه الجائرتين عنها ... ثم قال بخفوت
( أنت تظلميني يا سوار ...... )
ردت سوار بهدوء
( لا .... أنا لا أظلمك يا ليث , قد أتفهم سفرك و انشغالك و عملك و كل ظروف الحياة العادية .... بل و ادعو لك بالتوفيق من كل قلبي ... لكني حتى هذه اللحظة لا أصدق أنك تعاقبني لأنني رفض عرضك ذات يوم .... أنت تزوجت و تقدمت في حياتك ..... لكنك لا تزال تعاقبني ... )
قال ليث بصوتٍ خافت متعب
( لطالما كانت صراحتك كارثية ......... )
ردت سوار مبتسمة
( ما دامت صراحتي في الحق فأنا لا أخشى لومة لائم ..... عامة أنا لن أغضب منك أبدا , يكفي أنك أنت من علمتني مسك السلاح ... )
رفع ليث عينيه اليها و قال بهدوء حزين
( ليتني ما علمتك يا سوار ........ )
اتسعت ابتسامتها و قالت
( بل ستظل الذكرى الأروع من شبابي ..... عامة أنا سعيدة أنني أجبرتك على رؤيتي الليلة , فقد يمضي وقت طويل قبل أن ألقاك مجددا .... )
هل يمكن للقلب أن يسقط صريعا بينما يظل صاحبه واقفا مكانه بشموخ و ثبات .... يرفض للإنهزام أن يظهر على ملامحه ....
و حين استطاع الكلام ... قال بخفوت
( هل أنت ..... مسافرة ؟؟ ..... )
ردت سوار مبتسمة برقة
( نعم ..... سنستقر أنا و سليم في المدينة أخيرا ...... لكنني سأعود كلما استطعت , تمنى لي التوفيق ... )
أغمض ليث عينيه دون أن يجيب .... فهمست سوار بقلق
( ليث !! ...... هل أنت بخير ؟! ..... )
فتح ليث عينيه و تمكن من الإبتسام قائلا بصوت أجوف
( أتمنى لكِ السعادة ........ )
ابتسمت سوار بارتجاف و هي تشعر بأنها آلمته بشدة .... لم تكن ترغب في هذا , الا أن ابتعادها لفترة طويلة جعلها راغبة في أن تلقي بعتابها اليه ... و تسافر بنفسٍ صافية ....
سمعت صوت تيماء من خلفها
( سوار يجب أن نغادر الآن ..... أرجوكِ ....... )
التفتت اليها سوار و قالت
( حسنا هيا بنا لننتظر عبد الكريم .... أمامه بضعة دقائق فحسب ... )
قال ليث بحزم
( أنا سأوصلكما ........ )
ابتسمت سوار و قالت
( شكرا يا ليث .... عبد الكريم على وصول ...... )
أمسكت سوار بيد تيماء و قالت
(الى اللقاء يا ابن خالي ..... أراك بخير دائما .......... )
قال ليث فجأة دون تفكير
( سوار .... غطي وجهك قبل أن تخرجي ....... )
أجفلت سوار و توقفت مكانها تنظر اليه .... و في تلك اللحظة هالتها المشاعر الدفينة التي رأتها في عينيه الحزينتين ....
ارتجفت شفتيها و قد ألجمتها صدمة مختلفة تماما .... لكنها قالت بخفوت
( أنا لا أغطي وجهي ..... لا أغطي وجهي الا أمام من لا أثق به ....... )
نظر اليها طويلا قبل أن يقول
( لطالما كنتِ عنيدة ........ و ستبقين ....غطي وجهك فهناك عشرات الرجال في الخارج .... )
أطرقت بوجهها ... و هي تدرك فجأة أنه لم يكن مجرد عرض زواج و انتهى !!! ......
ياللهي !!! .... معقول ؟!! .... بعد كل تلك السنوات ؟!!! .....
قالت سوار بهدوء
( سليم لم يجبرني يوما على تغطية وجهي ...... الى اللقاء يا ليث ... )
تحركت خطوة و هي تجر تيماء التي كانت تنظر اليهما بحيرة ... و ما أن مرت به حتى قالت
( لماذا لم تطلب مني تغطية وجههي ؟!!! ...... )
أجفل ليث و تراجع رأسه وهو ينظر الى تيماء للمرة الأولى قائلا بارتباك
( عذرا !! ,,,,,,, )
الا أن تيماء لم ترحمه بل قالت مكررة
( طلبت منها أن تغطي وجهي و تجاهلتني تماما .... ألست أنثى ؟!!! ...... )
فغر ليث شفتيه و هو لا يعلم ما يقول... و زاد ارتباكه على الرغم من سنوات عمره التي تقارب الأربعين ...
الا أن سوار جذبت تيماء بقوة و هي تقول صارمة
( توقفي عن ذلك و هيا بنا ....... )
نزلتا السلالم جريا ..... و ما أن ابتعدتا حتى قالت تيماء
( هل رأيتِ كيف أحرجته ؟!! ...... من هو ليأمرك بتغطية وجهك !! ...... )
لم ترد عليها سوار ... فقد كان ذهنها شاردا و نادما على عتابها الأحمق .......
أما ليث ..... فقد وقف مكانه ينظر الى اختفائهما السريع بين الجموع ....
و ملامحه الهادئة كانت تخفي خلف واجهتها الرصينة .... قلبا ينزف ....
فهمس أخيرا
( لم أكن أعاقبك يا سوار ...... لم أكن أعاقبك أبدا ...... )
.................................................. .................................................. ............... .....
تلك الليلة نامت سوار نوما متقطعا متعبا ....
كان سريرها خاليا من وجود سليم ..... لذا كانت تشعر بالألم في كافة أنحاء جسدها و كأنها سقطت من فوق جبلٍ عالٍ ....
تداخلت لديها الأحلام .... فرأت سليم وهو يودعها ...
و كأن المشهد يعاد من جديد في أحلامها .....
يتقترب منها و يقبل جبهتها برقة ..... ثم أمسك بوجهها بين كفيه و همس لعينيها برقة
( اعتني بنفسك يا سوار ..... و لا تقطعي صلتك بليث مهما حدث , لقد أوصيته عليكِ ...... )
همست سوار له بخوف غريب
( لا أريدك أن تسافر يا سليم ..... لقد غيرت رأيي ... دعنا نبقى هنا ..... )
ظل سليم صامتا طويلا .... وهو ينظر اليها و يربت على وجنتيها .... ثم قال أخيرا بصوته الجميل
( لا مفر من المكتوب ...... لا مفر ...... )
انتفضت سوار جالسة من نومها فجأة و هي تلهث بتعب .....
كان جسدها مبللا من العرق البارد .. فنظرت بجوارها و هي تستعيذ بالله من السيطان ....
و مدت يدها تتلمس وسادة سليم بقلب منقبض ....
لا تعلم ما الذي أيقظها من النوم مختنقة بهذا الشكل ....... لكن لم تكد تمر لحظة حتى عرفت السبب ...
كان هناك صياحا ... و صرخات ... آتية من عند بوابة دار الرافعية ....
فغرت سوار شفتيها بقلق قبل أن تقفز واقفة ثم تجري الى النافذة ففتحتها و هي تطل منها لترهف السمع جيدا ....
و فعلا رأت عدة رجال واقفين عند البوابة ...يتكلمون مع جدها في مثل هذا الوقت المتأخر ... بينما احدى الصرخات وصلتها بعنف مزق أذنها و طاح بروحها المرتعبة ....
( أحد أبناء عائلة الهلالي قتل سليم الرافعي !!! ....... )
هزت سوار رأسها نفيا و هي تهمس لنفسها بذهول
( أنا لازلت نائمة .... لازلت نائمة ..... هذا جزء من الكابوس ..... )
ثم رفعت يديها لتغطي بهما أذنيها صارخة بجنون
( لااااااااااااااااا ........ )
و كانت تلك آخر صرخة تسمعها قبل أن تسقط مغشيا عليها .......
.................................................. .................................................. ...................
اليوم التالي :

يوم العطلة ... و هي ترتدي منامتها الرياضية الواسعة .... ممسكة بكوب من الحليب الساخن و هي تنوي قضاء اليوم بأكمله في السرير ....
تريح ذهنها من حروب و مشاكل و مضايقات العمل خلال الفترة التي مضت ....
لكن ما أن وضعت كوب الحليب على الطاولة الجانبية للسرير حتى وجدت هاتفها يرن بجوار الكوب ....
عقدت مسك حاجبيها و التقطت الهاتف لتضعه على اذنها و هي تجلس على حافة السرير مجيبة بتكاسل
( نعم .......من معي ؟؟... . )
استلقت على السرير و هي تتأوه مبتسمة بصمت و دلال قبل أن تسمع صوت وفاء جارتها تهتف بجذل
( هل أنت جاهزة يا مسك ؟؟؟ ...... )
فتحت مسك عينيها و عقدت حاجبيها و هي تتذكر فجأة ... و مع ذلك انتفضت جالسة تسألها
( جاهزة لماذا ؟!! ....... )
قالت وفاء بقلق
( هل نسيت موعدنا بعد نصف ساعة ؟!! ....... )
أخذت مسك تضرب جبهتها بقبضتها عدة مرات و هي تشتم دون صوت .... لا تصدق انها ستخرج اليوم !!
تريد الإعتذار عن هذا الموعد .... و حاولت بالفعل .... الا أنها. لم تلبث أن تنهدت قائلة
( نعم ...... جاهزة , أين سنذهب ..... نعم أعرفه ..... لا بأس سامر عليكِ بعد نصف ساعة ... )
قالت وفاء بلهفة قبل أن أن تغلق مسك الخط
( مسك .... تزيني جيدا و ارتدي أفضل ما لديكِ .... )
ارتفع حاجب مسك بارتياب و قالت دون مقدمات
( لماذا ؟!! .......... )
ارتبكت وفاء الا إنها قالت بتلعثم
( لماذا نتزين ؟!! .... لأننا سنخرج سويا و نستمتع بأنوثتنا ..... )
أغمضت مسك عينيها و قالت بيأس
( حسنا لا بأس ........... )
و ما أن أغلقت الهاتف حتى سقطت الى الخلف و هي تهمس بغضب
( تبا لذلك ..... لماذا وافقت على هذا الموعد ؟!! ..... لماذا ..... )
.................................................. .................................................. .....................
( لا أصدق أنني وافقت على هذا الموعد يا أمي ..... لا أصدق ... )
قاد أمجد سيارته غير مرتاحا بينما كانت أمه تجلس بجواره سعيدة منتشية و هي تنظر أمامها بجذل و كأنها تبصر الطريق ..... و كأنها متجهة الى رحلة ... الى أجمل رحلاتها ...
ترتدي أجمل عابائتها ....و الإبتسامة تزين وجهها الطيب ...
راقبها أمجد متذمرا .... لكنه لم يلبث أن ابتسم رغم عنه وهو يرى تلك السعادة على وجهها .....
فقال بجفاء مازحا
( و ما تلك السعادة يا أمي بالله عليكِ ؟!! ..... من يراكِ يظن أننا متجهين الى حفل الزفاف ... )
قالت أمه بسعادة
( ليتنا اختصرنا الوقت و كانت هذه خطبة و عقد قران و زفاف أيضا ...... )
ضحك أمجد وهو يهز رأسه يائسا ..... ثم قال بخشونة
( والله يا أمي لولا تلك السعادة البادية على وجهك و التي لم أراها منذ زمن لما استجبت اليك أنتِ و ابنة أختك المجنونة ..... )
عبست أمه و هي تقول
( هل هذا جزائها لأنها تفكر بك و بمصلحتك ؟!!........اسمعني الآن أهم ما عليك اتقانه هو تمثيل المفاجأة و الصدفة ..... فهمت ؟؟.. )
زفر أمجد وهو يقول بضيق
( لا أحب تلك المواقف ..... و لا أجيدها ....... )
قالت أمه بصرامة
( ستحبها و تتقنها يا أمجد ........ لقد واقفت و انتهى الأمر , فلا تحرجنا أمام الفتاة .... )
نظر اليها أمجد بسرعة و قال محذرا بحزم
( على ماذا وافقت ؟!! ....... أمي أنا لم اوافق سوى على رؤيتها رضوخا لطلبك أنت و ابنة أختك ..... لا خطوات رسمية بعد ..... )
قالت أمه و هي تتأفف
( أوووف ... فهمت يا أمجد فهمت .... لقد قلت هذه العبارة خمس مرات حتى الآن .... لا تفسد فرحتني بالله عليك .... )
نظر اليها و قال يائسا
( لست خائفا سوى من فرحتك تلك ..... لا أريد أن أراها تتحول الى خيبة أمل .... )
زمت شفتيها و قالت بغضب
( كم أنت كئيب و ضد الفرح يا أمجد ..... يا ابني تفائل , نحن متجهين لرؤية عروس ... اسمع العبارة .... عبارة تشع فرحا و سرور .... )
قال أمجد بملامح متجمدة كالخبز المقدد
( كم أنا فرحا و مسرور !! ........... )
زفرت أمه و هي تقول بغيظ
( لو كنت ستبدأ في اغضابي فمن فضلك ... اسكت ..... )
زم أمجد شفتيه و فضل السكوت فعلا ... الا ان أمه تذكرت و التفتت اليه سائلة بسرعة
( أي قميصٍ ترتدي ؟!! ......... )
نظر اليها أمجد بطرف عينيه ... ثم قال بقنوط
( حسنا ... لقد سألت هذا السؤال عشر مرات و حصلنا على نفس الجواب و نفس ردة الفعل ..... الأزرق الفاتح يا امي ..... )
ضربت أمه على ساقها و هي تتأوه باحباط ... فرفع أمجد حاجبيه و قال يائسا
( هانحن ذا سنبدأ من جديد ......... )
و بالفعل قالت أمه بغضب
( لماذا يا امجد ؟!! ..... لقد جهزت لك القميص الأبيض ووضعته لك على سريرك مع الحلة الرمادية .... )
ابتسم أمجد وهو يهز رأسه ... الا أن أمه قالت بغضب
( و طبعا لم ترتدي الحلة ..... اليس كذلك ؟!! ..... )
نظر اليها امجد و قال ضاحكا
( و تطلبين مني اتقان دور المفاجأة ؟!! ..... من الفترض أن تكون صدفة و نشهق في صدمة معا ..... فكيف سأتقن الدور و انا أرتدي حلة كاملة في مكانٍ عام .... مع أمي !! ..... )
تأففت أمه و قالت متبرمة
( لن أصل معك الى أي شيء ..... اسكت و انظر أمامك .... )
ضحك أمجد و ركز عينيه على الطريق ... الا أن أمه عادت لتقول بلهفة
( أولم تضع رابطة العنق أيضا ؟!! ......... )
كانت ضحكة أمجد هي الجواب الذي زادها غضبا و هي تضرب ساقها احباطا من جديد ... فقال أمجد يهدئها
( أمي حبيبتي ..... هل تظنين أن العروس ستوافق على الزواج مني بسبب رابطة العنق ؟!! ..... العالم مليء برابطات العنق .... لكن كم رجل رائع ووسيم مثلي ؟!! .... )
قالت أمه بمنتهى التصديق على كلامه
( هو أمجد واحد لا غيره ....... )
ضحك أمجد و التقط كفها ليضعها فوق ساقه و ربت على ظاهرها وهو يقول برقة
( حسنا ابتسمي الآن و استمتعي بالخروج أيا كانت النتيجة ..... )
قالت أمه مبتهجة و هي تربت على ساقه
( فل ...... النتيجة فل أبيض و ياسمين بمشيئة الله .... أكاد أسمع الزغاريد من الآن .... )
تنهد أمجد وهو يخشى أن يبدد سعادة أمه .... لم يراها سعيدة بهذا الشكل منذ وقت طويل .....
في الحقيقة لا يزال غير مصدقا أنه وافق على المجيء بعد أن اعترفت أمه له بسبب هذه المقابلة ....
لقد دبرت أمه و ابنة خالته فخا له .... و لقد كشفه اليوم , لكنه وافق في النهاية ارضاءا لتلك الرغبة اليائسة على ملامح أمه الحبيبة ....
لكن إن اراد الصراحة مع نفسه ....
ربما كان حواره الأخير مع غدير هو السبب ...... لا ينكر أنه تأثر بها قليلا ....
ليس حجرا ليستطيع اخراجها من تفكيره بهذه السرعة , لا تزال نفس الفتاة الهشة و الضعيفة و التي تنظر اليه بعينين تستدعيان كل غرائز الحماية بداخله ....
زفر أمجد بقوة ... ناسيا وجود والدته بجواره و التي عقدت حاجبيها لتقول بقلق و قد سمعت زفرته المثقلة
( لماذا أنت غاضب يا ولدي ؟!! .... ترى هل ضغطت عليك أكثر من اللازم ؟!! أنا لم يكن لي هدف سوى رؤية سعادتك في بيتك ... مع زوجة و أطفال ..... )
انظر اليها أمجد بسرعة ثم ربت على كفها مجددا و قال متظاهرا بالمرح
( و أنا لا هدف لي سوى اسعادك .... لا تقلقي حبيبتي لست غاضبا , إنها مجرد ضغوط في العمل .... )
ربتت أمه على ساقه و قالت تقنعه
( تخيل حين تعود من عملك مضغوطا ... تعبا لتجد زوجة جميلة تنتظرك .... تسمع منك و ترفه عنك و تخفف من تعبك .... تتحمل معك الحياة بمصاعبها و شقائها .... تكن أمامك أنثى و من خلفك رجلا .... )
ابتسم أمجد بحنان وهو يتابع الطريق بعينيه .... ثم قال بهدوء حنون
( و ما حاجتي لها و أنتِ تقومين بهذا الدور على اكمل وجه ....... )
عبست أمه و قالت بغلظة
( لا تتحامق أمامي يا ولد و تمثل دور الطفل البريء ...... )
ضحك أمجد وهو ينظر من نافذته .... ثم قال أخيرا بجفاء و تذمر
( عامة .... ماذا تعمل العروس المصون ؟؟ .... أم أنها ستكون ربة منزل ؟؟ ..... ما هو شكلها ؟؟ ... )
ارتبكت أمه و تململت في مكانها و هي تنظر من نافذتها متهربة هي الأخرى
فعقد أمجد حاجبيه و قال بتوجس
( أمي !! .... هل تعرفين ما لا أعرفه ؟!! ...... هناك سؤال في الثلاث أسئلة لن تعجبني اجابته بناءا على ردة فعلك ..... اليس كذلك ؟!!! ...... ما هو ؟؟ )
ردت أمه ببراءة و هي لا تنجح في الكذب عليه مطلقا
( ماذا بإمكاني أن أخفي عنك ؟؟!! ..... بالنسبة للعمل أممممم هي تعمل .... و أنت فلتجعلها ربة منزل فيما بعد لو أردت ..... فهي ستكون زوجتك و طوع أمرك ..... ستكون وديعة و مطيعة و تنفذ ما تطلبه منها .... )
ازداد توجسه و عدم راحته وهو يشعر بأن أمه تلهيه عن معلومة هامة .... لكنه قال بشك
( و ماذا عن الجمال ؟؟ ......... )
ردت أمه بقوة
( اسمع يا بني ..... الجمال جمال الروح ...... و الزوجة الصالحة هي من تراها أجمل النساء .... )
ضحك أمجد عاليا ثم قال
( بشرك الله بالخير يا أمي ........ )
قالت أمه بسرعة و ندم
( صدقني أنا لم أراها . يووووه طبعا لم أراها .... أقصد لم أعرف شكلها .... لو كنت مبصرة لكنت اخترت لك أجمل عروس رأتها عيني .... )
ضحك أمجد وهو يرفع كفها المرهق الى شفتيه و قبلها ليقول بهدوء مخففا عنها ...
( ليت من سأتزوجها تحمل شيئا من صفاتك يا أمي ..... حينها ستكون قطعة من الجنة ..... )
.................................................. .................................................. ...................
جلست مسك تنظر الى المنظر الجميل أمامها بابتسامة شاردة رزينة ....
و قد احتفظت على وجهها بملامح دبلوماسية كرد على كلام وفاء الذي لا ينتهي أبدا ......
كانت تسألها عن كل شيء و لا شيء .... و كأنها تريد معرفة المتبقي من أدق التفاصيل عنها ....
الا أن مسك كانت تحتفظ بحياتها لها ... و تجيب عن ما تريد اظهاره فقط ......
هتفت وفاء فجأة بسعادة
( ياللهي تبدين جميلة فعلا ........ )
التفتت اليها مسك رافعة حاجبيها ثم ابتسمت بهدوء و قالت
( شكرا على تلك المجاملة يا وفاء ..... في الواقع لم أجد الوقت الكافي كي أتأنق فعلا ...... )
هتفت وفاء بصدق
( بل أنتِ رائعة كما أنتِ ......... تبدين أصغر سنا و أنتِ خارج الهيئة العمل .... )
مالت مسك بوجهها و قالت مبتسمة
( ربما تحمست في النهاية للخروج قليلا .... فأنا لم اخرج للنزهة منذ وقت طويل ...... أعتقد أنها المرة الأولى منذ ..... منذ عودتي من السفر .... )
تأملتها وفاء و قالت برقة
( تبدين كوردة جميلة ......... )
ضحكت مسك رغم عنها ضحكة قصيرة و قالت برزانة
( ليس الى هذا الحد ............ )
كانت قد ارتدت بنطالا بلون أصفر زاهي ... و قميص من الحرير الأبيض فبدت عصرية و رقيقة في نفس الوقت .....
أما ما زاد جمالها فهو شعرها الذي تركته حرا يتطاير ملامسا كتفيها بأناقة .....
و اقتصرت زينتها على الكحل الأسود و احمر شفاه .... دللت نفسها و اختارته أحمر داكن .....
في الواقع على الرغم من عدم رغبتها في الخروج أو مخالطة الناس الا أنها شعرت بأقل القليل من الحماس ما أن بدأت في ارتداء ملابسها مرغمة ....
قالت وفاء و هي تنظر حولها
( هل أعجبك المكان ؟؟ .......... )
نظرت مسك الى المنظر المفتوح أمامها بتأمل مبتسم .... و قالت
( انه جميل ... و أجمل ما فيه أنه قريب من البيت .... كي لا أقود السيارة ..... )
قالت وفاء بسعادة
( نعم سعدت بالمشي ..... على الرغم من أنكِ تمشين بسرعة كالحصان ..... )
نظرت اليها مسك رافعة حاجبيها فسارعت وفاء للقول معدلة كلامها
( لم أقصد .... قصدت أنكِ رياضية .... سريعة ...... )
لم ترد مسك و هي تبتسم بترفع .... و شردت في التأمل من جديد ....
الا انها أجفلت حين صرخت وفاء فجأة بجذل
( لا .... لا .... لا .... غير معقول ؟!! .... ما تلك المصادفة الغريبة و الجميلة ؟!! ..... )
نظرت مسك اليها بتعابير وجه حيادية ثم التفتت الى حيث تنظر وفاء ...
ثم لم تلبث أن تسمرت مكانها و ارتفع حاجبيها و هي ترى الوقح الفظ .... يقترب منهما وهو يساند امرأة متوسطة في العمر و تبدو ضريرة ....
طالت عينا أمجد بعد ان سمع هتاف وفاء العالي الى الفتاة الجالسة بجوارها ...
و حينها توقف مكانه متسمرا وهو الآخر ناظرا الى مسك بصدمة .....
قالت أمه بقلق
( لماذا توقف يا أمجد ؟؟ ...... هل رأيت العروس ؟!! ..... )
قال امجد بذهول و الصدمة لا تزال بادية عليه
( ليتني ما رأيتها !! ........ )
قالت أمه بخيبة أمل
( لماذا ؟!! ...... ما شكلها ؟!! ..... اليست جميلة الى هذا الحد ؟!! .... تكلم يا ولد بسرعة قبل أن نصل اليهما ..... )
زم أمجد شفتيه و أخذ نفسا خشنا غاضبا لدرجة أنه يستطيع قتل وفاء في تلك اللحظة ....
نظر الى مسك التي كانت لا تزال جالسة مكانها ... واضعة ساقا فوق الأخرى بينما الصدمة تعلو وجهها بشكلٍ مرعب ....
قالت أمه بتوتر
( تحرك يا أمجد ..... يجب أن نجلس معهما من باب الذوق على الأقل و لن يجبرك أحد على الزواج ممن لا تعجبك ..... )
عض أمجد على أسنانه وهو يفكر في الالتفات و المغادرة .... لكن وجود أمه معه يعيقه ....
لذا تحرك مرغما نفسه بكل قوة لديه ....
ما أن وصلا الى طاولة وفاء و مسك حتى هتفت وفاء بصوتٍ سعيد ... متفاني في اداء الدور بمهارة
( خالتي !! ...... لا أصدق , ماذا تفعلين هنا ؟؟ ...... ياللها من صدفة .... )
قالت أم أمجد ببراءة و سعادة طفولية ....
( هل تأخرنا عليكما ؟!! ......... )
ارتفع حاجبي مسك أكثر دون أن تنهض من مكانها و هي تراقب هذا الوضع الهزلي ... بينما أغمض أمجد عينيه بيأس ....
أما وفاء فهمست لنفسها و قد تلون وجهها بكل ألوان الطيف
( ياللهي !! ............)
كانت لحظة الغباء النموذجي بكل المقاييس ..... فكل منهم فشل فشلا ذريعا .....
و كانت وفاء أول من استطاعت الكلام كالعادة و هي تقول بصوت مرتبك
( مرحبا يا أمجد ..... كيف حالك , اشتقنا لك ..... )
قال امجد بصوت من يشرب ماء غسيل الصحون وهو يرمقها بنظرةٍ مهددة بالقتل
( أهلا .......... )
ابتلعت وفاء ريقها من شدة التوتر و الخوف من ملامح أمجد الصارمة المخيفة .... و نظرت حولها لا تدري كيف تتصرف ....
بينما مسك لا تزال بنفس الهدوء .... جالسة مكانها بترفع واضعة ساقا فوق الأخرى دون أن تتكفل عناء النهوض ... أما عيناها فقد تحولتا من الصدمة الى التسلية وعيناها تترصدان عينا أمجد المتهربتين منها دون ان ترحمه من هول احراج الموقف ....
قالت وفاء أخيرا بتوتر
( كيف حالك خالتي حبيبتي ....... أعرفك على مسك جارتي و صديقتي )
ظلت مسك مكانها تراقب الموقف بملامح ما بين الذهول و الابتسام ... و الإستياء في آن واحد
و السبب الوحيد في الابتسام هو التشفي في الحرج الذي يمر به الوقح .....
حين ظلت جالسة مكانها بنفس الغرور .... أشار اليها أمجد بصرامة و غضب كي تنهض ....
ارتفع حاجبيها أكثر و هي لا تصدق مدى وقاحته و غروره ....
تنهدت بغضب و نهضت من مكانها لتقترب من والدته قائلة بهدوء فاتر
( أهلا سيدتي ....... )
الا أن والدة أمجد رفعت يديها بحثا عن مسك من صوتها حتى أمسكت بكتفيها فجذبتها اليها حتى كادت مسك ان تنقلب على وجهها .... بينما المرأة تغمرها بالقبلات ...
و هي تقول بسعادة
( أهلا حبيبتي ..... أهلا أهلا ...... كم أنا سعيدة بمقابلتك .... )
لم تنسى والدة أمجد أن ترفع يدها الى شعر مسك الناعم فعبثت به بسعادة و دون تحفظ لتقول و كأنها قد نسيت نفسها
( ليست محجبة ..... لكن شعرها ناعم كالحرير ما شاء الله ... .سيأتي الحجاب فيما بعد ان شاء الله ... .)
رمقته مسك بذهول و هي تتمنى لو أحرقته نظراتها حيا بينما همس أمجد بعذاب وهو يحك جبهته
( يا الله !!! ........ )
بيأس قالت وفاء
( لما لا تشاركانا الطاولة .........اجلسي يا خالتي أرجوكِ ... )
ساعدها امجد حتى جلست ... بينما ظلت مسك واقفة مكانها في اشارة واضحة لنيتها للرحيل فورا و حالا ....
الا أن أمجد نظر اليها بضراوة ... و قال قبل أن يستطيع منع نفسه
( أجلسي ....... )
ارتفع حاجبيها بذهول من مدى صلفه ... الا أنه تابع بصوت أكثر خفوتا و تهذيبا
( رجاءا ......... )
ظلت واقفة مكانها تنظر اليه .... وهو يبادلها النظر بعينين ترسلان اليها الإشارات الا تتحامق الآن ....
و على ما يبدو انه كان شديد الضعف في تلك اللحظة بوجود والدته ....
زفرت مسك بغضب و مدت يدها الى كرسيها تريد الجلوس الا ان والدة امجد تمكنت من الإمساك بساعدها و قالت بلهجة سعيدة غير مدركة للجو المشحون حولها ....
( تعالي و اجلسي بجواري ...... .. )
ظلت مسك مكانها مترددة و هي توشك أن تضربه بحقيبتها في منتصف وجهه ....
الا أنها تحاملت على نفسها و جلست بجوار والدة أمجد بينما جلس هو على الجانب الآخر منها ...
رفعت أم أمجد يدها لتلامس شعر مسك الناعم ... بينما مسك تنظر اليها بتوجس .. و هي تبدو متحفزة لأي حركة منهم ....
فقالت والدة أمجد تقول بسعادة
( رائحتك جميلة جدا ......... )
ضربت وفاء على وجنتها و هي تنظر بعيدا .... تريد الهرب الى أقصى مكان ....
أما مسك فنظرت الى أمجد الذي بدت ملامحه جامدة بائسة .... لكنها نظرت الى والدة أمجد و قالت بهدوء أنيق ....
( شكرا لكِ سيدتي ..... الإستحمام يعود على الفرد بفائدة على ما يبدو .... )
ضحكت والدة أمجد و هي ترفع يدها لتقرصها من وجنتها قائلة
( كم هي لطيفة ....... لقد قصدت عطرك .... رائع .... )
فتحت مسك فمها لتجيب ... الا أن أمجد قال بهدوء قاتم
( إنها رائحة المسك .... كإسمها ..... )
أجفلت مسك من كلماته الهادئة التي بدت عميقة ...... فرفعت عينيها الى عينيه ... و توترت حين رأته ينظر اليها مباشرة .....
ارتبك كيانها للحظة فأدارت وجهها بعيدا عنه ..... أما والدته فقد قالت بعفوية
( هل تعرفها يا أمجد ؟؟ ........ )
قال أمجد من بين أسنانه .....
( نعم يا أمي .... اعرفها , " أستاذة " مسك تعمل معنا في الشركة .....و لا أصدق تلك الصدفة الرائعة .... )
لاحظت أنه شدد على استخدامه للقب قبل أسمها رغم أنهما في غير أوقات العمل الرسمية ....
لذا تراجعت مسك في مقعدها بأريحية و قالت ببرود
( عجبا من تلك المصادفة !! ..... وفاء تعرف جيدا أين أعمل و منذ متى .... حتى أنها تعرف ساعة ذهابي و عودتي و ماذا أرتدي في العمل كذلك ...... )
قالت والدة أمجد بسعادة و هي غير مدركة للجنون الدائر من حولها
( الصدفة الحلوة خير من ألف موعد ......... )
نظر أمجد الى وفاء شزرا ...... فغصت في العصير الذي كانت ترتشفه و سعلت بقوة
قالت والدة أمجد و هي تربت على وجنة مسك
( صوتك أيضا جميل جدا كالكروان .... فهل وجهك جميل مثله ؟؟ ..... )
ابتسمت مسك بغرور و قالت بصوتٍ هادىء
( يقولون هذا ......... )
نظر اليها أمجد طويلا و للمرة الثانية أربكتها نظراته .... على الرغم من كونها نظراتٍ غاضبة ومستهينة ...
الا ان بها شيء يربكها ....
ردت عليها أم أمجد تقول بسعادة
( لديهم بعد نظر اذن ..... ليتني أستطيع أن أراكِ , لكن البركة في ابني أمجد , واثقة أنه سيجيد وصفك لي .... )
لم يتمالك أمجد نفسه من الإبتسام .... ابتسامة جانبية رجولية لمحتها مسك فاحمرت وجنتيها رغم عنها ....
و تسائلت الى أي حد سيصف رجل عروس متوقعة الى أمه ... كي يتدارسا تفاصيلها حين يكونا بمفردهما !! .....
قفزت وفاء من مكانها و هي تقول بذعر واضعة حد للحوار قبل أن يتطور اكثر و الى مناطق أكثر خطورة ....
( خالتي حبيبتي ..... لما لا نسير معا قليلا لقد نصحك الطبيب بذلك .... )
عبست أم أمجد و قالت بغضب
( الآن يا وفاء ؟؟ ...... هل هذا وقته ؟!! ....... )
قالت وفاء من بين أسنانها
( اسمعي مني يا خالتي .... ربما كان لديهما ما يريدان التحدث عنه فيما يخص العمل و هذه ستكون فرصة مناسبة .... ها .... هل أنتِ معي على الخط يا خالتي ؟؟ .... )
ابتسمت مسك و هي تطرق بوجهها .... بينما قالت أم أمجد
( آه صحيح .... معكِ حق يا وفاء ..... لقد تذكرت نصيحة الطبيب , تعالي يا ابنتي و خذي بيدي ... )
نهضت أم أمجد و أمسكت وفاء بذراعها ... ثم ابتسمت لهما و هي تقول بمودة ...
( خذا راحتكما ....... )
قال أمجد بصرامة
( اذهبي يا وفاء ..... اذهبي و ابقي عينيكِ على أمي ...... )
ابعدت عنه بسرعة و هي تدرك أنها قد ضغطت عليه أكثر من اللازم .....
و ما ان ابتعدتا حتى قالت مسك بصوت في منتهى الهدوء
( لااااا أصدق هذااااا ........... )
التفت امجد ينظر اليها و قد تشنج جسده بأكمله ..... كانت تجلس متراجعة في مقعدها بأريحية , واضعة ساقا فوق الأخرى .... مستندة بفكها الى اصبعها , تنظر اليه نظرة نافذة كلها تسلية .. تشاركها الإبتسامة المرتسمة على شفتيها المكتنزتين الحمراوين بلونٍ قانٍ ...
قال أمجد بصرامة و غضب
( لا تبدأي بقول كلمة واحدة ......... )
ارتفع حاجبي مسك ببراءة و قالت بخجل زائف
( هل هكذا تتكلم مع العروس ؟!! ........ )
شتم أمجد من بين أسنانه ... فقالت مسك بلهجة جليدية كالصقيع
( عريس يشتم !! ..... كم هذا رائع ..... لكن أتعرف ماذا ؟!! .... كل تصرفاتك متوقعة و تناسب شخصك تماما .... كان علي ادراك أن رجل فظ مثلك لن يتزوج الا بهذه الطريقة المتخلفة .... )
برقت عينا أمجد و قال بغضب ناري
( احترمي نفسك ......... )
الا ان مسك قالت بهدوء مشدد دون أن تفقد وقارها
( كلمة متجاوزة أخرى و سأخرج من هنا دون اعتبار لاحد ....... )
قال أمجد بهدوء مماثل , الا أنه هدوء مخيف
( حاولي ذلك و ستندمين ........... )
ارتفع حاجبي مسك و قالت بغضب
( هل ستحتجزني هنا ؟!! ..... من تظن نفسك لتتصرف بتلك الهمجية ؟!! ...... )
لم ترتبك ملامح أمجد بل ظلت على قسوتها وهو يقول دون تردد
( لن أسمح لمخلوق أن يهين أمي ........ )
فتحت مسك فمها تنوي أن ترد عليه بقسوة .... الا أنها عادت و زمت شفتيها و قالت من بين أسنانها
( أخلاقي هي الشيء الوحيد الذي سيجعلني أمرر هذا الوقت باي طريقة ...... )
قال أمجد بفظاظة و دون مودة
( شكرا ........... )
مدت مسك يدها تلتقط كوب القهوة الخاص بها و ارتشفت منه ببطىء و هي تعود الى شرودها و تأمل المنظر المفتوح امامها .... مقررة ان تتحمل تلك الكارثة التي تعيشها الآن بأكبر قدر ممكن من الرقي ...
على ان مشاعرها الداخلية لا تحمل أي نوع من أنواع الرقي حاليا .....
منح شرودها الفرصة لأمجد كي يتأملها خلسة .... مجددا ....
كانت مختلفة جدا في شكلها خارج العمل
بدت أصغر سنا .... بدت كشابة صغيرة حلوة .... خاصة مع شعرها الذي يداعب ذقنها و يلامس كتفيها بحرية .....
و شعر بنوع من الغيظ لأنها قصته ذات يوم ..... أخذ وقته في تخيل كم الحرير الأسود الذي قد يجري بين أصابع الرجل الذي يحبها لو طلب منها ان تطيل شعرها .....
شعر بجنون الوجهة التي تتجه اليها أفكاره ..... لذا أعاد تفكيره الى شيء أكثر اتزانا ووقارا
اللون الأحمر الوقح الذي تصبغ به شفتيها مثلا !!! .... فاتن الى درجة مقيتة ... و يراهن أن كل رجل في هذا المكان قد نظر الى شفتيها اللتين ازدادا حجمهما بسبب هذا اللون و وقاحته ....
شتم أمجد في داخله وهو يطرق برأسه .....
تبا لذلك ..... إنها تتبعه الآن , حتى لو رفضت ذلك لكنها امرأة تتبعه و جالسة على طاولته وهو يشعر بالضيق بسبب نظرات الرجال اليها .....
كانت رشيقة الى حد ملفت .... كل ما بها يجذب النظر ....
لو كان جمالا مبهرا ساحرا للفت الأعين فقط ....
لكن جمالها و تفاصيلها تمس شيء داخل أهواء البشر .... و هذا أشد خطورة .....
حين شعر ان افكاره تزداد خطورة مع كل لحظة تمر من الصمت ... قرر الكلام فقال بهدوء عميق
( اذن ...... ما هي هواياتك ؟؟!! ...... )
التفتت اليه غير مصدقة و عيناها متسعتين ..... قبل أن تنفجر ضاحكة رغم عنها ....
سحرته ضحكتها .....
لقد تعمق خطين دقيقين اعلى زاويتي شفتيها مما جعلها اشبه بالوجوه الضاحكة الكارتونية ....
خطين فاتنين بشدة ....
من الظلم وصفهما كتجاعيد .... يبدوان عليها كوشم من نوع خاص ...
ما أن انتهت حتى قال أمجد ضاحكا بخفوت
( هل انتهيت ؟؟ .......... )
سعلت قليلا ... و دمعت عيناها فتناولت منديلا ورقيا لتمسحهما و هي لا تزال تضحك بخفة .....
ثم قالت بخفوت
( ياللهي ....... يا له من موقف ....... )
قال امجد بهدوء شارد
( نعم ..... ياله من موقف ...... )
رفعت مسك عينيها الدامعتين اليه ... و ارتبكت مجددا من نظراته النافذة , ثم قالت بهدوء حاولت جاهدة أن تعود به الى رزانتها
( حسنا .... سننسى هذا الحدث الكارثي غدا ..... اتفقنا ؟؟ .... )
مال برأسه موافقا كرجل مهذب أنيق ... بينما على شفتيه ابتسامة وقورة جعلته أكثر جاذبية ....
مضت فترة قصيرة من الصمت المتوتر و كل منهما يختلس النظر الى الآخر ....
الى ان قالت مسك و هي ترتشف رشفة أخرى من كوبها .... تراقبه من فوق حافة الكوب بتأمل
( ترى .... ما الذي ينقص رجل مثلك كي يتعرف على فتاة بطريقة طبيعية ؟؟ ..... دون الحاجة لإصطحاب أمه كي تختار له !! ..... )
عقد أمجد حاجبيه و قال بفظاظة
( هل عدنا الى قلة الأدب من جديد ؟؟ ....... )
عقدت مسك حاجبيها و قالت ببرود
( قلة الأدب هي أن تخاطب سيدة بمثل هذه الصفاقة ....... )
قال أمجد بغضب مكبوت ظهر في عينيه كألسنة من اللهب
( أنتِ حقا ...... )
ردت مسك بشراسة
( ماذا ؟!! ............ )
ابعد أمجد وجهه بعيدا وهو يزفر بغضب قائلا من بين أسنانه ....
( لا شيء ......... )
قالت مسك ببرود رافعة حاجبيها
( هل تعني بكلمتك أنك تتراجع عن وقاحتك أم أنني مجرد نكرة ؟!! .... أتسائل فقط كي أرد عليك الرد المناسب ..... )
أغمض أمجد عينيه و زفر بقوة .... ثم نظر الى المنظر أمامه يتجنب النظر اليها كي لا يفقد اعصابه ....
و بعد مضي فترة من الصمت .... نظر اليها أمجد ليقول باهتمام
( من كانت تلك المرأة التي اصطحبتها معك يوم أمس ؟؟ ..... التي كانت تجلس على الرصيف .... )
رفعت عيناها الى عينيه مباشرة و سألت دون مقدمات
( لماذا خرجت غدير من مكتبك باكية ؟!! .. ..... )
تسمر مكانه ... و التقطت عينا مسك الدقيقتي النظر كل ملامح تغيره .. و توتر نظراته ....
و ساد صمت مشحون قبل أن يقول أمجد ببرود
( ما رأيك لو مررنا الأمر كغرباء افضل ؟؟ ........ )
رفعت مسك كوبها محيية و هي تبتسم قائلة بأناقة
( اقتراح رائح ...... و اجابة على سؤالك الأول ..... هوايتي الوحيدة هي ركوب الخيل .... )
عقد حاجبيه قليلا من تغيير المواضيع السريع و استغرق الامر منه عدة لحظات ليحافظ على توازنه قبل ان يبتسم بسخرية قائلا
( كم هي اجابة نموذجية تليق بملكات الجمال .... كوني واقعية .... )
رفعت مسك حاجبها و قالت ببرود
( ألا تصدقني ؟!! ........ يؤسفني ذلك , لكنني لا امزح أنا فعلا كنت بطلة في الفروسية و أحتفظ بعدة مادليات تدل على ذلك ..... )
حسنا ... الآن صدقها ....
برقت عيناه وهو ينظر اليها ... يتخيلها فوق ظهر الفرس .... تشبهه في كبريائها و ترفعها .....
قاطعت مسك أفكاره لتقول مبتسمة بخيلاء
( يسعدني يوما ما ان أدعوك لترى أحدى جولاتي على ظهر الخيل ...... )
نظر أمجد أمامه دون أن يجيب ..... و في ذهنه شيء واحد ....
" هذا ما كان ينقصه !! ....... "
مرت المقابلة بهدوء نسبي ... كل منهما متحفظ تجاه على الآخر ....
و على الرغم من ذلك اندلع بينهما فضولا عنيفا .... كل منهما كان يختلس سؤالا للآخر على سبيل المزاح ...
الا انه كان يقصده و يرغب في معرفة المزيد عن الآخر ....
لكن الصمت عاد حليفهما بعد عودة أم أمجد و وفاء ......
نظرت مسك أخيرا الى ساعة معصمها أخيرا و قالت بهدوء
( لقد تأخر الوقت ..... يجب أن أذهب الآن .... )
قالت أم أمجد بحسرة
( بهذه السرعة ؟!! ............ )
نهضت مسك و هي تقول بأناقة
( لا أستطيع التأخر أكثر ..... تشرفت بمعرفتك .... )
كانت شديدة الرسمية .... لهجتها الأنيقة لا تتناسب مع لهجة ام أمجد الودودة المتلهفة عليها ... مما جعل أمجد يشعر بالغضب في قرارة نفسه ....
الا انه لم يملك أن يجبرها أكثر .... من الواضح أنها تتوق لأن تنهي هذه الجلسة الخانقة المجنونة ....
قالت مسك مخاطبة وفاء بجفاء
( هل ستسيرين معي الى البيت ؟؟ ........ )
فتحت وفاء فمها كي ترد و هي تشعر بغضب مسك الهادىء منها لأنها وضعتها في هذا الموقف دون ان تطلب اذنها قبلا .....
لكن أمجد سبقها و نهض من مكانه قائلا بهدوء حازم لا يقبل الجدل
( سأقلكما ........ )
رفعت مسك عينيها الى عينيه .... كانت عينين صارمتين عميقتين ... داكنتين .....
لكنهما لم ترهباها .... فقالت بهدوء
( يمكنك أن تقل وفاء ..... أنا افضل المشي , شكرا لك ..... )
مدت يدها الى حقيبتها و أخرج حافظتها الجميلة ما أن أحضر النادل بطاقة الحساب ....
فأمسكتها تلقائيا و فتحتها ....
لم تكن متوقعة لليد الصارمة التي اختتفطها منها قبل أن حتى أن تنظر اليها .... فرفعت عينيها لترى وجه أمجد و قد تحول الى وجه شديد الغضب وهو يقول
( مع من تظنين نفسك جالسة ؟!! ........ ألم يعلمك أحد أن هذه الحركة تعد إهانة في وجود رجل ؟؟ ... )
ارتفع حاجبيها و قالت بهدوء
( رجل يفكر في الزواج بتلك الطريقة من الطبيعي أن يفكر أن تدفع المرأة ما يخصها يعد اهانة له .... لكن اعذرني أنا ارفض أن تدفع لي شيئا .... لأنني أعتبرها اهانة , خاصة و أنني أتيت الى هنا دون علمي بالسبب الحقيقي ..... )
ساد صمت مطبق بعد انفجارها الهادىء ..... الهادىء جدا و رغم ذلك فظاظة الكلمات كانت اكثر من كافية كي تجعل وفاء تشهق .... و أم امجد تتوتر ملامحها و هي تخفض رأسها شاعرة بالقنوط من الطريقة التي خاطبت بها مسك ابنها ....
من الواضح أن تلك المراة تضع ابنها في منزلة عالية جدا ... و لم تتخيل أن تخاطبه فتاة بتلك الطريقة ....
قالت وفاء بخفوت متوتر
( أنت تضخمين الأمر يا مسك ..... أمجد لم يفعل شيئا و أنا السبب .... )
أخفضت مسك عينيها و هي تشعر بشعور غبي من الندم بسبب تهورها ..... على الرغم من اقتناعها الكامل بما قالت .... الا أن ندمها الوحيد كان منصبا على كونها جرحت أمه .....
زفرت مسك بغضب ثم قالت ببرود
( يمكنك أن تدفع .... و تقلني .... و شكرا لك ..... )
ظهر بعض الأمل على عيني وجه أم أمجد التي كانت مرتبكة و حزينة و أصابعها متوترة ....
أما أمجد فقد نظر الى مسك نظرة طويلة .... قاتمة ... لم يفلح معها محاولتها للإعتذار الغير مباشر ....
حين جلست خلفه في السيارة كان الوضع لا يزال على نفس التوتر و الصمت المطبق من الجميع ....
و أبقت مسك عينيها على الطريق من نافذتها ....
لكن شيئا ما جعلها تنظر الى المساحة الخالية بين المقعدين الأماميين .....
فوجدت أمجد ممسكا بكف أمه .... لا يتخلى عنها أبدا ... حتى أثناء قيادته
و كأنها زوجته أو حبيبته ......
رغم عنها وجدت ابتسامة تشق شفتيها بشرود ......
لكن ما أن رفعت عينيها حتى وجدت عيناه النافذتين تلاحقانها في المرآة الأمامية للسيارة ...
ارتبكت مسك و اعادت نظرها الى النافذة بجوارها بسرعة ....
شيء غريب بداخلها و رغم كل التوتر و الفظاظة المحيطة بتلك المقابلة .....
الا ان بعض الجذل يتوهج قليلا ....
أن تخرج في مقابلة لرؤية خاطب ......
لم يتقدم لها احد من قبل !!! .... لذا لم تخوض تلك التجربة أبدا مسبقا
ابتسمت بسخرية و هي تفكر
هي مسك سالم الرافعي لم يتقدم لها أحد ..... فقيرة الخاطبين
بل معدومة ....
فلقد خطبت الى أشرف منذ سن مبكر .... ثم توالت الأحداث و المرض عليها فابتعد الزواج عنها بالأميال ....
أخفضت وجهها ووجدت نفسها تضحك ضحكة جميلة صغيرة دون صوت ....
و ما ان رفعت وجهها ..... وجدت نفس العينين تلاحقانها في المرآة .... ببريق لا يمكن انكاره !!! .....
...................................





انتهى الفصل العاشر ... قراءة سعيدة
















tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 09-04-16, 11:28 PM   #3948

روح هاربة

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية روح هاربة

? العضوٌ??? » 343253
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 2,479
?  نُقآطِيْ » روح هاربة has a reputation beyond reputeروح هاربة has a reputation beyond reputeروح هاربة has a reputation beyond reputeروح هاربة has a reputation beyond reputeروح هاربة has a reputation beyond reputeروح هاربة has a reputation beyond reputeروح هاربة has a reputation beyond reputeروح هاربة has a reputation beyond reputeروح هاربة has a reputation beyond reputeروح هاربة has a reputation beyond reputeروح هاربة has a reputation beyond repute
افتراضي

شكرا على الفصل لي عودة بعد قراءة الفصل

روح هاربة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-04-16, 11:37 PM   #3949

زينة و نحول
 
الصورة الرمزية زينة و نحول

? العضوٌ??? » 308126
?  التسِجيلٌ » Nov 2013
? مشَارَ?اتْي » 547
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » زينة و نحول has a reputation beyond reputeزينة و نحول has a reputation beyond reputeزينة و نحول has a reputation beyond reputeزينة و نحول has a reputation beyond reputeزينة و نحول has a reputation beyond reputeزينة و نحول has a reputation beyond reputeزينة و نحول has a reputation beyond reputeزينة و نحول has a reputation beyond reputeزينة و نحول has a reputation beyond reputeزينة و نحول has a reputation beyond reputeزينة و نحول has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

روعة ياتميه ،،،، تسلم ايديك وإحاسيسك وأفكارك وكلك على بعض ،،،،، اتفاجات بغدير وكنت متوقعة من الي حيحصل لسليم ،،،،، عزيزتي شكرًا لك ودمتي مبدعة

زينة و نحول غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-04-16, 11:40 PM   #3950

fofa ali
alkap ~
? العضوٌ??? » 80353
?  التسِجيلٌ » Mar 2009
? مشَارَ?اتْي » 1,048
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » fofa ali has a reputation beyond reputefofa ali has a reputation beyond reputefofa ali has a reputation beyond reputefofa ali has a reputation beyond reputefofa ali has a reputation beyond reputefofa ali has a reputation beyond reputefofa ali has a reputation beyond reputefofa ali has a reputation beyond reputefofa ali has a reputation beyond reputefofa ali has a reputation beyond reputefofa ali has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تسجيل حضور
مساءكم سعيد جميعا خصوصا تيمو


fofa ali غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:22 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.