آخر 10 مشاركات
في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          402 - خذ الماضي وأرحل - مارغريت مايو (الكاتـب : عنووود - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          عروس للقبطان - كاى دايفز - ع.ق (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          الإغراء المعذب (172) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 2 سلسلة إغراء فالكونيرى ..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          داويني ببلسم روحك (1) .. سلسلة بيت الحكايا *متميزه و مكتملة* (الكاتـب : shymaa abou bakr - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          حالات .... رواية بقلم الكاتبة ضي الشمس (فعاليات رمضان 1434)"مكتملة" (الكاتـب : قصص من وحي الاعضاء - )           »          مواسم العشق والشوق (الكاتـب : samar hemdan - )           »          دجى الهوى (61) -ج1 من سلسلة دجى الهوى- للرائعة: Marah samį [مميزة] *كاملة* (الكاتـب : Märäĥ sämį - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: من هو اكثر ثنائي نجح في جذب انتباهكم بقصتهم
قاصي و تيماء 2,118 58.56%
مسك و امجد 738 20.40%
ليث و سوار 761 21.04%
المصوتون: 3617. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree999Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-01-16, 11:49 PM   #941

dina adel

? العضوٌ??? » 301534
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 460
?  نُقآطِيْ » dina adel has a reputation beyond reputedina adel has a reputation beyond reputedina adel has a reputation beyond reputedina adel has a reputation beyond reputedina adel has a reputation beyond reputedina adel has a reputation beyond reputedina adel has a reputation beyond reputedina adel has a reputation beyond reputedina adel has a reputation beyond reputedina adel has a reputation beyond reputedina adel has a reputation beyond repute
افتراضي


فى فصل اليوم ولا مافى

dina adel غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-01-16, 11:50 PM   #942

samahss

مشرفة منتدى عبير وأحلام وعضو فريق الكتابة للروايات الرومانسية وماسة الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية samahss

? العضوٌ??? » 111513
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 39,598
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » samahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond repute
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 217 ( الأعضاء 176 والزوار 41) ‏samahss, ‏yarawaheed+, ‏سوما, ‏dina adel, ‏ن و ا ر ى, ‏صمت الصحراء, ‏ميهاف, ‏asmasma, ‏lolo75, ‏Bassmet Amal, ‏escape, ‏mimi0000, ‏كاردينيا73, ‏أزعجهم هدوئي, ‏نسيم الغروب, ‏احلام عادل, ‏بسمة حبيب, ‏روح هاربة, ‏elizabithbenet, ‏نعمة الرحمن, ‏الشوق والحب, ‏eiman hashem, ‏hayaty alquran, ‏salmaabdllu, ‏سمااااا, ‏Aya youo, ‏قلب السكر, ‏عبيركك, ‏Malookh, ‏salsa, ‏sara sarita, ‏LAMIA68, ‏*جوود*, ‏celinenodahend, ‏"lara", ‏صمـــ الجروح ـت, ‏أنا لك علي طول, ‏modyblue, ‏الحب الموجع, ‏صمت الزوايا, ‏khadibima 52, ‏hidaya 2, ‏ورد الخال, ‏sweet123, ‏زالاتان, ‏maimickey, ‏أُمْنِيـَّــآتـٌ أُنــْثَوِيــَّـﮧْ, ‏rainfall, ‏maysleem, ‏dahlia, ‏بناتي حياتي, ‏سوسة العراقية, ‏amatoallah, ‏fattima2020, ‏البيضاء, ‏دادا, ‏ولاء محمد قاسم, ‏hassnaa, ‏smile as you can, ‏شكرإن, ‏مذكرات, ‏yasser20, ‏amoud, ‏Electron, ‏اميرة بيتنا, ‏safy mostafa, ‏mouna ABD, ‏marwaadel, ‏soe, ‏سهرا, ‏Indiana, ‏sosoangle, ‏Miraal, ‏يمنى اياد, ‏فله45, ‏الفراشه النائمه, ‏najla1982, ‏khma44, ‏دوسة 93, ‏ghader, ‏MaNiiLa, ‏امانى منجى, ‏سارة امينة, ‏noof11, ‏Nora28, ‏كلي اناقه, ‏سبنا 33, ‏صباح الهلالي, ‏angle2008, ‏Shining Moon, ‏doaa eladawy, ‏نويفة, ‏متعثرهـ, ‏sosobarra, ‏عشق العين, ‏إشتياق, ‏منى سعد, ‏lelly, ‏لين محمد, ‏هّـمًسِـآتٌـ, ‏hnoo .s, ‏شاهندا 14, ‏احلام حزينة, ‏احاسيس ضائعه, ‏hager_samir, ‏za.zaza, ‏احلام البكاتوشى, ‏*جولي روز*, ‏tamima nabil+, ‏shahd shosho, ‏soma samsoma, ‏روح طرياك, ‏فسيلة6, ‏خفوق انفاس, ‏مزوووووون, ‏Fatima hfz, ‏Totooولا أحلا, ‏JAA, ‏خضره, ‏11_roro, ‏summer cloud, ‏ام ياسر., ‏omom, ‏شاكرةلله, ‏أسماء44, ‏camela, ‏كترين, ‏ام معتوق, ‏زهرة الاوركيدة, ‏ابابيل, ‏asmaa ayman, ‏MS_1993, ‏حور الجنان, ‏malokty, ‏نجدي 21, ‏ارض اللبان, ‏تعبت كتيير, ‏انين قلب مجروح, ‏salwa shazly, ‏noda youssef, ‏ننوؤشة الابراهيمي, ‏AyOyaT, ‏Semara, ‏سنا هيت, ‏hope 21, ‏حنين مريم, ‏اينــــــــــاس, ‏الفراشة جين, ‏هبة سارة, ‏هيا علي, ‏mima love, ‏أراك حلما, ‏RAHPH, ‏haidy naser, ‏قمر الزمان@, ‏KoToK, ‏رقاوي, ‏bnsh, ‏ابيار, ‏سارقة الظلام, ‏ريناد السيد, ‏طوطه, ‏maha kamal, ‏sasad, ‏Whispers, ‏نـوار+, ‏ثمرو, ‏عاشقة وهمية, ‏Alzeer78, ‏سكر نبات, ‏amar_nirmen
تسجيل حضور يا تيمو


samahss غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 16-01-16, 11:51 PM   #943

البيضاء
 
الصورة الرمزية البيضاء

? العضوٌ??? » 310845
?  التسِجيلٌ » Jan 2014
? مشَارَ?اتْي » 696
?  نُقآطِيْ » البيضاء has a reputation beyond reputeالبيضاء has a reputation beyond reputeالبيضاء has a reputation beyond reputeالبيضاء has a reputation beyond reputeالبيضاء has a reputation beyond reputeالبيضاء has a reputation beyond reputeالبيضاء has a reputation beyond reputeالبيضاء has a reputation beyond reputeالبيضاء has a reputation beyond reputeالبيضاء has a reputation beyond reputeالبيضاء has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dina adel مشاهدة المشاركة
فى فصل اليوم ولا مافى
فيه ياعزيزتي بس اصبري كمان شوية


البيضاء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-01-16, 11:51 PM   #944

modyblue

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية modyblue

? العضوٌ??? » 321414
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 19,073
?  نُقآطِيْ » modyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond repute
افتراضي

صامدون نائمون ولكن صامدون شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

modyblue غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-01-16, 11:52 PM   #945

قمر الليالى44

مشرفة اسرة حواءوذات الذوق الانيق وفراشة متألقة،ازياء الحب الذهبي ..طالبة مميزة في دورة الخياطة جزء1وأميرة فستان الأحلام ولؤلؤة بحر الورق وحارسة وكنزسراديب الحكايات و راوي القلوب

alkap ~
 
الصورة الرمزية قمر الليالى44

? العضوٌ??? » 159818
?  التسِجيلٌ » Feb 2011
? مشَارَ?اتْي » 18,208
?  مُ?إني » فى القلب
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » قمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   fanta
?? ??? ~
ياقارئا خطي لاتبكي على موتي فاليوم أنا معك وغداً في التراب فإن عشت فإني معك وإن مت فللذكرى وياماراً على قبري بالأمس كنت معك واليوم في قبري أموت ويبقى كل ماكتبته ذكرى فيا ليت كل من قرأ خطي دعا لي
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 222 ( الأعضاء 179 والزوار 43) ‏قمر الليالى44, ‏Hams3, ‏dahlia, ‏عفراء الطاهر, ‏الشوق والحب, ‏Aya youo, ‏Electron, ‏mima love, ‏sosoangle, ‏فله45, ‏مذكرات, ‏البيضاء, ‏بناتي حياتي, ‏eng miroo, ‏صباح الهلالي, ‏Bassmet Amal, ‏fattima2020, ‏hidaya 2+, ‏أزعجهم هدوئي, ‏امانى منجى, ‏ghader, ‏صمـــ الجروح ـت, ‏MaNiiLa, ‏نعمة الرحمن, ‏salsa, ‏نسيم الغروب, ‏ورد الخال, ‏escape, ‏*جوود*, ‏maimickey, ‏زالاتان, ‏سوما+, ‏دادا, ‏ana sara, ‏Indiana, ‏rainfall, ‏asmasma, ‏Amoolh_1411, ‏samahss, ‏hnoo .s, ‏soe, ‏منى سعد, ‏هّـمًسِـآتٌـ, ‏بسمة حبيب, ‏ام معتوق, ‏ن و ا ر ى, ‏لين محمد, ‏dina adel, ‏noha 3, ‏yarawaheed+, ‏sosobarra, ‏shahd shosho, ‏sara sarita+, ‏lelly, ‏روح هاربة+, ‏starmoon, ‏maysleem, ‏lolo75, ‏شكرإن+, ‏amoud, ‏صمت الزوايا, ‏سوسة العراقية, ‏hayaty alquran, ‏ام رناد, ‏الآنسة تاء, ‏رقاوي, ‏LAMIA68, ‏almaas muhamed, ‏fatima zahraa, ‏ولاء محمد قاسم, ‏eiman hashem, ‏safy mostafa, ‏ريمين, ‏elizabithbenet+, ‏الحب الموجع, ‏Malookh, ‏modyblue, ‏صمت الصحراء, ‏mimi0000, ‏احلام عادل, ‏سمااااا, ‏قلب السكر, ‏عبيركك, ‏celinenodahend, ‏"lara", ‏أنا لك علي طول, ‏khadibima 52, ‏amatoallah, ‏smile as you can, ‏yasser20, ‏اميرة بيتنا, ‏mouna ABD, ‏marwaadel, ‏Miraal, ‏يمنى اياد, ‏الفراشه النائمه, ‏najla1982, ‏دوسة 93, ‏سارة امينة, ‏noof11, ‏كلي اناقه, ‏سبنا 33, ‏angle2008, ‏Shining Moon, ‏doaa eladawy, ‏نويفة, ‏متعثرهـ, ‏عشق العين, ‏إشتياق, ‏شاهندا 14, ‏احلام حزينة, ‏احاسيس ضائعه, ‏hager_samir, ‏za.zaza, ‏احلام البكاتوشى, ‏*جولي روز*, ‏tamima nabil+, ‏soma samsoma, ‏روح طرياك, ‏فسيلة6, ‏خفوق انفاس, ‏مزوووووون, ‏Fatima hfz+, ‏Totooولا أحلا, ‏JAA, ‏خضره, ‏11_roro, ‏summer cloud, ‏ام ياسر., ‏omom, ‏شاكرةلله, ‏أسماء44, ‏camela, ‏كترين, ‏زهرة الاوركيدة, ‏ابابيل, ‏asmaa ayman, ‏MS_1993, ‏حور الجنان, ‏malokty, ‏نجدي 21, ‏ارض اللبان, ‏تعبت كتيير, ‏انين قلب مجروح+, ‏salwa shazly, ‏noda youssef, ‏ننوؤشة الابراهيمي, ‏AyOyaT, ‏Semara, ‏سنا هيت, ‏hope 21, ‏حنين مريم, ‏اينــــــــــاس, ‏الفراشة جين, ‏هبة سارة, ‏هيا علي+, ‏أراك حلما, ‏RAHPH, ‏haidy naser, ‏قمر الزمان@, ‏KoToK, ‏bnsh, ‏ابيار, ‏سارقة الظلام, ‏ريناد السيد, ‏طوطه, ‏maha kamal, ‏sasad, ‏Whispers, ‏نـوار+, ‏ثمرو, ‏عاشقة وهمية, ‏Alzeer78

قمر الليالى44 غير متواجد حالياً  
التوقيع





رد مع اقتباس
قديم 16-01-16, 11:54 PM   #946

fattima2020

? العضوٌ??? » 121270
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 751
?  نُقآطِيْ » fattima2020 has a reputation beyond reputefattima2020 has a reputation beyond reputefattima2020 has a reputation beyond reputefattima2020 has a reputation beyond reputefattima2020 has a reputation beyond reputefattima2020 has a reputation beyond reputefattima2020 has a reputation beyond reputefattima2020 has a reputation beyond reputefattima2020 has a reputation beyond reputefattima2020 has a reputation beyond reputefattima2020 has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 224 ( الأعضاء 180 والزوار 44)
‏fattima2020, ‏bella lola, ‏sweet123, ‏maimickey, ‏نعمة الرحمن, ‏yarawaheed, ‏دوسة 93, ‏sara sarita, ‏بناتي حياتي, ‏فله45, ‏Indiana, ‏دادا, ‏ana sara, ‏soma samsoma, ‏sosobarra, ‏rontii, ‏khoukha, ‏najla1982, ‏Aya youo, ‏طفول, ‏الشوق والحب, ‏Hams3, ‏احلام حزينة, ‏البيضاء, ‏fatifleur12, ‏just dreem, ‏Bassmet Amal, ‏صمت الزوايا, ‏أزعجهم هدوئي, ‏ghader, ‏شكرإن, ‏salsa, ‏hidaya 2, ‏hayaty alquran, ‏امانى منجى, ‏*جوود*, ‏escape, ‏modyblue, ‏سوسة العراقية, ‏سوما, ‏صباح الهلالي, ‏عفراء الطاهر, ‏Electron, ‏mima love, ‏sosoangle, ‏مذكرات, ‏eng miroo, ‏صمـــ الجروح ـت, ‏MaNiiLa, ‏نسيم الغروب, ‏ورد الخال, ‏زالاتان, ‏rainfall, ‏asmasma, ‏Amoolh_1411, ‏samahss, ‏hnoo .s, ‏soe, ‏بسمة حبيب, ‏ام معتوق, ‏ن و ا ر ى, ‏لين محمد, ‏dina adel, ‏noha 3, ‏shahd shosho, ‏lelly, ‏روح هاربة, ‏starmoon, ‏maysleem, ‏lolo75, ‏ام رناد, ‏الآنسة تاء, ‏رقاوي, ‏LAMIA68, ‏almaas muhamed, ‏fatima zahraa, ‏ولاء محمد قاسم, ‏eiman hashem, ‏safy mostafa, ‏ريمين, ‏elizabithbenet, ‏الحب الموجع, ‏Malookh, ‏صمت الصحراء, ‏mimi0000, ‏احلام عادل, ‏سمااااا, ‏قلب السكر, ‏عبيركك, ‏celinenodahend, ‏"lara", ‏أنا لك علي طول, ‏khadibima 52, ‏amatoallah, ‏smile as you can, ‏yasser20, ‏اميرة بيتنا, ‏mouna ABD, ‏marwaadel, ‏Miraal, ‏يمنى اياد, ‏الفراشه النائمه, ‏سارة امينة, ‏noof11, ‏كلي اناقه, ‏سبنا 33, ‏angle2008, ‏Shining Moon, ‏doaa eladawy, ‏نويفة, ‏متعثرهـ, ‏عشق العين, ‏إشتياق, ‏شاهندا 14, ‏احاسيس ضائعه, ‏hager_samir, ‏za.zaza, ‏احلام البكاتوشى, ‏*جولي روز*, ‏tamima nabil, ‏روح طرياك, ‏فسيلة6, ‏خفوق انفاس, ‏مزوووووون, ‏Fatima hfz, ‏Totooولا أحلا, ‏JAA, ‏خضره, ‏11_roro, ‏summer cloud, ‏ام ياسر., ‏omom, ‏شاكرةلله, ‏أسماء44, ‏camela, ‏كترين, ‏زهرة الاوركيدة, ‏ابابيل, ‏asmaa ayman, ‏MS_1993, ‏حور الجنان, ‏malokty, ‏نجدي 21, ‏ارض اللبان, ‏تعبت كتيير, ‏انين قلب مجروح, ‏salwa shazly, ‏noda youssef, ‏ننوؤشة الابراهيمي, ‏AyOyaT, ‏Semara, ‏سنا هيت, ‏hope 21, ‏حنين مريم, ‏اينــــــــــاس, ‏الفراشة جين, ‏هبة سارة, ‏هيا علي, ‏أراك حلما, ‏RAHPH, ‏haidy naser, ‏قمر الزمان@, ‏KoToK, ‏bnsh, ‏ابيار, ‏سارقة الظلام, ‏ريناد السيد, ‏طوطه, ‏maha kamal, ‏sasad, ‏Whispers, ‏نـوار, ‏ثمرو, ‏عاشقة وهمية


fattima2020 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-01-16, 11:54 PM   #947

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

مسا الورد يا سكاكر .... أنا حنزل الفصل حالاااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااا

tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 16-01-16, 11:56 PM   #948

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

الفصل الأول :
( مرحبا تيماء ............لقد مر وقت طويل ... .. )
تسمرت تيماء مكانها و أغمضت عينيها .....
بينما اشتعلت العينان الرجوليتان خلفها بجمرتين من اللهب .....
هل هذا حقيقي ؟؟ .... أم أنها تتوهم ؟!! ....
نعم ربما كانت تتوهم ... فلقد غرقت في بحرٍ من الذكريات خلال ساعات السفر الطويلة ...
ربما جعلها ذلك تحيا الماضي من جديد بخيالها ....
و حين بدأت تقنع نفسها بتلك النظرية ...و هي تهمس
" اللهم اجعله وهما ....... "
لكن انتفاضتها القلبية ... تلك الإنتفاضة التي لن تخطئها أبدا ؟!!! ......
حينها انبعث الصوت الخافت المزلزل من خلفها .... صوت لا يقبل النسيان ... يرفضه ....
( ستضطرين للإلتفات في النهاية .......تعلمين أنكِ ستفعلين .. )
و لم تكن في حاجة لسماع صوته للمرة الثالثة حتى انتهى الشك .... فتركت لقلبها حرية الإستسلام أخيرا , فتحت عينيها ببطىء دون أن تستدير .... بينما نظراته النارية تلفح ظهرها ....
فهمست بصوتٍ لا يسمع
" قاصي ....... "
لم تعرف كيف سمع همستها ذات الحنين المتأوه .... فرد عليها التحية بمثلها و همس بصوته الحارق و الريح تصفر من حوله و تختلط بنبرته الخافتة
" تيماء ....... "
أغمضت عينيها و هي تبتلع الغصة المؤلمة بحلقها .... الإنتفاضة تزيد و تتدافع ....
الا أنها تمكنت من قمعها و هي تستدير ببطىء بدا و كأنه استغرق أعواما ... بل دهور ....
قبل أن تستقر أمامه مخفضة الوجه .... و صدرها ينتفض بعنف ....
رفعت وجهها اخيرا , ثم عينيها ..... فالتقتا بعينيه !! .... حينها تزلزل كيانها كله دفعة واحدة
نعم ... هو قاصي ....
لن تتوه عينيها عن الجمرتين المشتعلتين بعينيه ..... و اللتين اشتعلتا الآن كحمم بركانية ما ان التقتا عينيها
طال بهما الصمت و كأنهما يتذوقان تلك النظرة بعد سنوات طويلة .... و كأنها لم تمر .....
تحركت عيناها دون ارادة منها تتأمله بصدمة ....
لن تخطىء عيناها عينيه و لن تخطىء اذناها صوته .... لكن هذا اللذي يقف أمامها كادت أن تخطئه للمرة الأولى !!...
اتسعت عيناها و هي تميل بوجهها دون ان تشعر ... لتبحث عن قاصي الذي تعرفه في هذا الرجل
كان طويلا ..... ضخما ..... بعض الجروح تعلو وجهه ... و احداها يشق شفته العليا ...
مفتول العضلات بدرجة أكبر مما كانت تتذكر!! ....
فغرت تيماء شفتيها و دون تفكير همست بصدمة
( لقد قصصت شعرك !! ......... )
لم يرد قاصي على الفور .... لكن شفتيه ابتسمتا وهو ينظر اليها نظرات اخافتها من هول اشتعال الذكريات بهما ....
" آه ياقاصي .... مرت الأعوام و لم تتغير ابتسامتك الخفية و لم تختفي لمحة الحنان منها و التي تتناقض مع جمرتي عينيك "
قال قاصي أخيرا بصوت خافت مداعب و عيناه تشملانها بنظرة بدت .... مدمرة
( دائما تغارين من شعري ..... وهو أول ما تلاحظينه , حتى بعد مرور الأعوام ..... )
تأوهت دون صوت .... فصوته وحده يدغدغها ....
و بينما كان الجو من حولهما شديد البرودة ... الا أن كيانها كان يشتعل ... و النار تستعر بها ....
لقد اختفى الزحام فجأة ... و تاه أفراد العائلة المتناثرين من أمام عينيها و هي تنظر اليه بعدم تصديق ....
فقد كانت تقف أمام قاصي الحكيم ....
خرج صبيان صغيران من باب القصر المفتوح فجأة وهما يركضان ... فارتطم أحدهما بظهرها , قبل أن يتابعا طريقهما طلبا للهو ....
لكن هذه الارتطامة كانت كفيلة بدفعها اليه .... حتى كادت تسقط على صدره , ...
الا أن كفيه امتدتا لتمسان مرفقيها في اللحظة الأخيرة لتوقفان سقوطها ....
فارتعشت شفتيها و هي ترفع أصابعها تمس بهما الوشاح حول وجهها المخفض المحمر ....
بينما استقرت عيناها على حلقُه الذي تحرك بصعوبة و بحركة نافرة قبل أن يبعد كفيه عنها فجأة ... كما مسها فجأة ....
ثم قال أخيرا مازحا بصوته الخافت المُدمِر
( كبرتِ يا تيماء .... لكن لا تكبرين على السقوط فوق صدري .... )
انتفضت للمرة الثالثة و هي ترفع وجهها الأحمر اليه بصدمة ...
لكن عيناه كانتا تلاحقان طرف الوشاح الوردي وهو يتطاير مع الريح الباردة التي تزيد من احمرار وجهها ....
الكنزة الوردية تحت السترة بلون الزيتون الأخضر ... بينما دست كفيها الصغيرين في جيبيها حتى تخفي ارتجاف أصابعها عن عينيه المشتعلتين ....
الى أن رآها تتراجع فجأة للخلف خطوتين و هي تهمس بارتجاف
( يجب أن أدخل ......... )
عقد حاجبيه ... و توهجت الجمرتين بعينيه أكثر وهو يقول بخفوت قاسٍ محذرا
( تيماااااء .... )
الا أنها تراجعت خطوتين أخرتين مكررة و هي ترتجف بشكلٍ ظاهر .... تحول الى انتفاضات أشبه بالذعر ..
( يجب أن أدخل ....... )
و دون أن تنتظر منه الرد كانت قد استدارت واندفعت هاربة الى داخل القصر و كأن شياطين الأرض تلاحقها .....
.................................................. .................................................. ...................
صوت حذائيها يضربان الأرض الخشبية القديمة و التي قد يصل عمرها الى مئة عام .....
و يتردد صداهما بين الجدران العتيقة المحملة بصورةٍ غير ملونة .... لأفراد آخرين من العائلة على الأرجح لم يعودوا من سكان هذه الحياة معهم ...
لكنها لم ترى الصور ... و لم تسمع الصدى ....
فقد كان كيانها كله يصرخ بذعر
" قاصي هنا !! ..... قاصي فعلا هنا !!! ...... "
ازدادت سرعة خطواتها و علو صوتها و هي تهرول ناظرة الى الألواح الخشبية التي تغطي الأرض دون أن تبصر حقيقة .... الى أن ارتطمت فجاة بجسدٍ أنثوي ... قبل أن تسندها يد قوية و صوت ناعم يقول
( على مهلك ......... )
رفعت تيماء وجهها لترى نفسها أمام شابة جميلة .... شديدة الجاذبية ....
ترتدي عباءة سوداء شرقية فضفاضة تغطيها من قمة رأسها و حتى أخمص قدميها .... دون أن تخفي كمال قسماتها .... و جمال عينيها العسليتين صريحتي النظر .....
رمشت تيماء بعينيها و هي تقول بتردد خافت
( آنا آسفة ..... هل آذيتك ؟؟ ...... )
ابتسمت الشابة و قالت بهدوء
( الحمد لله مرت الصدمة على خير .... لكن على ما يبدو أنكِ أنتِ من تحتاجين السؤال ... هل أنتِ بخير ؟!! ... )
رفعت تيماء عينين متسعتين و همست بتشوش
( هل أنا بخير ؟!! ....... )
كانت و كأنها تحدث نفسها ..... فقالت الشابة بهدوء
( أنتِ تبدين شاحبة للغاية ....... ياللهي هل ستصابين بالإغماء ؟!! .... )
كان العالم بالفعل يدور من حول تيماء فرفعت يدها المرتجفة الى جبهتها و هي تغمض عينيها ....
فأمسكت الشابة بذراعها بيدٍ قوية لا تتناسب مع جمال ملامحها الرقيق و قالت بدعم
( من المؤكد أنكِ آتية من سفرٍ بعيد ........ تعالي معي لترتاحي .... )
رفعت تيماء وجهها الشاحب الى الشابة الممسكة بها بقوة .... و من قوة يديها عرفت تيماء أنها لن تقع أرضا ... و هذا أراحها الى حدٍ ما ... فسلمت لها أمر قيادتها و هي تعلن الهدنة مع روحها المذعورة لبضعة لحظات
أدخلتها الشابة الى قاعة مصغرة من القاعة الخارجية ...
ذات أرضية خشبية مصقولة و لامعة .... سقفها عالٍ جدا .... تتدلى من الثريات الشرقية بديعة الشكل ....
بينما يزين الأرابيسك الخشبي كل شيء في المكان ... بدئا من الأثاث العربي و حتى أطر النوافذ الطويلة المتتالية ....
كانت الفخامة تحيط بالمكان من خارجه و حتى داخله و بنفس الوقت تشعرها أنها نقلتها الى زمنٍ آخر داخل فيلم قديم .... في بلادٍ بعيدة ...
أجلستها الشابة على احدى المقاعد الضخمة الوثيرة ... ثم انحنت اليها تقول باهتمام
( كيف تشعرين الآن ؟؟...... )
رفعت تيماء وجهها الشاحب اليها ... لكنها تدبرت الإيماء ببطىء و هي تقول بخفوت
( أنا بخير ..... لقد كانت رحلة طويلة فعلا .... )
ابتسمت الشابة مما زادها جمالا ... و قالت بلطف
( لا أضمن لكِ الراحة قريبا ... فستقابلين جموعا من البشر قبل أن تصعدي لإحدى الغرف .... )
استقامت لتنادي فجأة بصوتٍ قوي
( يا أم سعيد ........ )
جائتها احدى الخدم مسرعة و هي تقول
( تحت أمرك يا سيدة سوار ........ )
التفتت سوار الى تيماء لتقول مبتسمة
( أكرمي ضيفتنا يا أم سعيد ..... فلقد أتت من مسافة بعيدة و هي متعبة .... أريني أفضل ما عندك هيا ... )
اسرعت الخادمة تبتعد بينما عادت سوار الى تيماء التي كانت غائمة العينين ... شاردة بعيدا ...
فجلست في المقعد المجاور لها و سألتها و هي تراقبها بإهتمام
( ابنة من أنتِ ؟؟ ............ )
انتفضت تيماء و هي تنظر اليها .... بلحظةٍ واحدة مزق السؤال المفاجىء شباك العناكب الذي احاط عقلها لدقائق ....
كان هذا السؤال كفيلا بأن يعيد اليها شيئا من صلابتها ... و يذكرها بشخصها و قوتها ...
فرفعت ذقنها لتقول بإباء
( أنا تيماء ......... )
ضيقت سوار عينيها و هي تقول باهتمام مجددا
( تيماء ....اسم جميل , من اسمائنا .... لكن ابنة من ؟؟ .....للحظة خدعتني عينيك فظننتك زوجة غريبة أو خطيبة أحد الأحفاد .... لكن شيئ ما أخبرني بأنكِ لستِ ضيفة .... بل من أهل البيت .... )
زمت تيماء شفتيها و هي تنظر الى عيني سوار العسليتين ... قبل أن تقول باختصار
( أنا من العائلة نعم ...... أنا ابنة ثريا ..... )
عقدت سوار حاجبيها و هي تتسائل
( من ثريا ؟؟ ..... ابنة من ؟؟ ...... )
أغمضت تيماء عينيها و هي تهز رأسها بنفور... هذا السؤال يثير أعصابها و يجعلها متحفزة لضرب أحدهم ... رغم أنها مدركة كونه مجرد سؤال للتعارف ....
اخذت نفسا قويا في النهاية قبل أن ترفع رأسها و تقول بصوتٍ مشتد
( زوجة سالم الرافعي .......... )
كانت أسنانها تصطك دون أن يظهر ذلك على شفتيها المضموتين .... قبضتها مغلقة حتى ابيضت مفاصل أصابعها ...
الغضب أبعد اللون الغائم عن عينيها .... و حولهما الى شعلتين من اللون الفيروزي ... و هي ترى اتساع عيني سوار التي قالت بدهشة
( أنت ابنة عمي سالم اذن ؟؟ ......... ماشاء الله .... لم أعلم أن ابنته الأخرى باتت شابة الى هذا الحد ... لقد مرت سنوات طويلة على زواجه دون أن نشعر بها اذن .... )
حاولت تيماء السيطرة على كل ذرة نفور بداخلها ... حتى تصلبت ملامحها بدرجة مؤلمة و باتت كتمثال رخامي بارد
الا أن سوار وضعت القشة الأخيرة ... فقالت مبتسمة و هي تتأملها
( لقد احسن تربيتك ........ و إن كنتِ بعيدة عنا ... )
حينها فقدت تيماء ذرة السيطرة المتبقية لديها فانتفضت قائلة بقوة
( أنا لم يربيني أحد ....... )
تراجعت سوار للخلف قليلا مرتفعة الحاجب ... بينما وقفت أم سعيد التي كانت قد وصلت بصينية تحمل أطباق الحلوى و أكواب الشراب الملون .... و هي تنظر اليها بنفس الحاجب المرفوع ...
نقلت تيماء عينيها بينهما قبل أن تتمالك نفسها قائلة بهدوء
( لقد ربيت نفسي بنفسي ..... الحياة مدرسة .... )
مطت ام سعيد شفتيها لسوار و هي تظن أنها تفعل ذلك في الخفاء ... فقالت تيماء بهدوء
( أم سعيد ....... هل تقربين للعم الطيب الذي أوصلني من المحطة الى هنا ؟؟ .... )
عقدت ام سعيد حاجبيها و قالت دون تفكير
( عبد الكريم ؟؟ ....... نعم انه ابن عمي ...... )
ابتسمت تيماء و هي تقول ببشاشة
( سبحن الله .... لا تعلمين كيف استنتجت الأمر ..... )
ثم مدت ذقنها و هي تتفحص محتويات الصينية .. قبل أن تقول
( هل تنوين تقديم النذر اليسير منها لي .... أم ستقومين بالتقاط صورة لكِ مع الصينية و نشرها على موقع التواصل ؟؟ ..... )
فغرت أم سعيد شفتيها و هي تقول عاقدة حاجبيها
( ها ؟!! ..... ما هذا الذي تقولين عنه ؟؟ ....... )
قالت تيماء ببساطة و هي تلتقط قطعة حلوى من إحدى الأطباق لتدسها في فمها
( انه مكان للفضائح العلنية ..... لكن يمكنك نشر صورتك به ليراها العالم ...... )
رفعت أم سعيد طرف وشاحها بيدها الحرة ... لتغطي وجهها أسفل عينيها المذعورتين و هي تولول
( للللللليييييييييي ...... )
رفعت تيماء حاجبها و هي تقول
( هل هذه زغرودة ؟؟؟ .......... )
مطت سوار شفتيها و هي تلتقط الصينية من يد أم سعيد قائلة بحزم
( اذهبي الى المطبخ يا أم سعيد و أشرفي على اعداد الطعام ..... الكميات ضخمة و أخبريني ان احتجتِ الى مزيد من الفتيات كي نتصرف مبكرا ..... )
غادرت أم سعيد مهرولة ... بينما التفتت سوار الى تيماء التي كان فمها ممتلىء بالطعام .. و تبادلها النظر ببراءة ....
فقالت سوار بعتب
( كدت أن تصيبين المرأة المسكينة بنوبة قلبية ....... هلا ترأفتِ بالناس هنا رجاءا ..... لا يزال هذا اليوم الأول لكِ و لا نريد ضحايا .... )
قالت تيماء من بين أكلها
( أنا لن أطيل البقاء ...... )
ضيقت سوار عينيها و هي تتأملها بدقة ... قبل أن تقول باهتمام
( هل جدي هو الذي طلب رؤيتك ؟؟ ........ )
قالت تيماء ببساطة
( الحقيقة الرغبة مشتركة بيننا .... و تصادف ان كان هذا هو الوقت المناسب .... )
قالت سوار و هي تومىء برأسها مفكرة
( ربما اذن لن تطيلي البقاء بالفعل .... من يعلم .... و ربما تذهبين و ترجعك قدميك الى هنا مجددا ... )
ابتسمت تيماء و هي تقول بتأكيد
( ما أن تطىء قدمي القطار في طريق العودة .... سيكون من المستحيل الرجوع الى هنا .... أنا أريد جدي بشيء هام ثم سأنصرف لحياتي الخاصة .... )
ظلت سوار تتأملها قليلا قبل أن تقول ببطىء خافت
( ربما ........... )
رفعت تيماء وجهها و هي تقول بقوة محتدة قليلا
( ليس هناك من " ربما " ..... هذا ما سيحدث ..... )
قالت سوار بقوةٍ تفوق قوة تيماء
( ماذا قلت يا فتاة ؟!! ....... قدمي مشيئة الله و اسكتي ...... )
نظرت تيماء اليها بقنوط بينما وجنتها منتفخة و ممتلئة بالحلوى .... و عينيها مظلمتين تطلبان الشجار في تلك اللحظة ... الا ان سوار تأففت و هي تقول بخفوت
( أنت حقا تبدين كالشوكة في الخاصرة ......... لقد خرجت عن أعصابي بسببك خلال الدقائق الأولى .... و هذا ليس طبعي ...... )
نظرت الى تيماء بطرف عينيها ... قبل ان تتابع بحدة
( ابتلعي ما بفمك ........ )
قالت تيماء تلقائيا بحدة مماثلة
( حاضر ........ على مهلك ...... )
استندت سوار بظهرها الى المقعد بفخامة و هي تتأمل تيماء باستياء ... ثم قالت أخيرا بصرامة
( و شيء آخر .... حين يسألك أحد آخر" ابنة من أنت " ... تجيبي باسم ابيكِ ... و ليس اسم أمك .. لأن هذا عيب كبير .... فهمتِ ؟؟ ..... )
برقت عينا تيماء بنفورٍ أكبر ... لدرجة أن القشعريرة أصابت بشرتها الحساسة ....
و هذا ما أغضبها حقا .... كانت تظن أنها قد تصالحت مع نفسها منذ سنوات .... لكن ذكر ابيها و دوره في حياتها لا يزال يعيدها الى حالة التمرد القديم ... و هي تكره تلك الحالة ...
لقد تعبت جدا الى ان استطاعت بناء كيانها و شخصيتها المستقلة ... و على تلك الشخصية أن تكون باردة و غير متأثرة بأي عوامل عاطفية تافهة .... و أولها مسألة غير ذات قيمة مثل مسألة ال .... الأبوة ....
أسبلت تيماء جفنيها و هي تقبض أصابعها و تشبكهما ....
تلك السفرة لم تكن القرار الأمثل .... لم يمر على وجودها ساعة و ها هي تنهار لمرتين متتاليتين ....
أقصاهما ..... قاصي .....
رفعت عينيها الى البعيد و هي لا تزال تتسائل
" هل قابلت قاصي الحكيم فعلا ؟!! .... هل هو خارج هذه الغرفة مباشرة ؟!!! ... هل حقا يفصلهما باب فقط ؟!!! ..... "
أرادت السؤال عنه بجنون ....
لقد أوشكت أن ترمي بالحرص جانبا و تسأل تلك الشابة سوار عن قاصي .... من المؤكد أنها موسوعة هنا و تعرف الجميع ...
شردت عينا تيماء و هي تتسائل بجنون صامت
" هل عاد ليعمل لدى سالم الرافعي ؟!! ..... هل هذا معقول ؟!! .... "
لكم شعرت بالخيبة حين وصلت الى تلك النقطة الصادمة .....
لم تتخيل أبدا أن يتنازل و يعود للعمل لدى سالم بعد كل الذي كان .....
هل لا يزال يقل مسك من مكان لآخر ؟!! .... أيزال يحمل لها حقائبها ؟!! ......
رفعت تيماء عينيها المظلمتين الى البعيد و هي تهمس لنفسها
( كم عمره الآن ؟!! ..... الرابعة و الثلاثين ؟!! .... حقا ... هل مر كل هذا الوقت ؟!! .... )
قالت سوار بهدوء
( من هو الذي تتسائلين عن عمره ؟!!........ أنا والله الحمد أعرف تسعين بالمئة من أفراد العائلة ... على الرغم من أن عددهم يزيد عن المئة ..... )
نظرت اليها تيماء بصمت متبلد ... و الروح هائجة تريد رمي الإسم بجنون .... قاصي ...
الا انها غالبت نفسها بصلابة تحسد عليها و قالت بفتور
( أنا أتناقش مع نفسي ..... بعض الخصوصية النفسية ..... )
لم ترد سوار على الفور ... ثم قالت أخيرا
( كان يجب أن أحزر بأنكِ أخت مسك ...... فهي ماشاء الله , تحمل نفس جينات الفظاظة الأقرب للتراجع الذهني .... )
ارتفع حاجبي تيماء و هي تقول بخفوت
( مسك ؟؟ ....... هل هي هنا ؟؟ ....... )
قالت سوار ببرود
( لم تأتي بعد ....... ربما ستصل آخر النهار ....... )
شردت تيماء قليلا و هي تفكر بمسك .... لقد اشتاقت اليها بالفعل .... لقد تواصلت معها دون مقابلة من بعد المرة الأولى ... عن طريق الهاتف و البريد فقط ....
كانت محادثات قصيرة و غير شخصية تماما ... الا أنها كانت لطيفة و تبهج الروح ....
لكن منذ فترة توقفت مسك تماما عن التواصل معها .... و هذا ما عزز رغبة الإبتعاد لدى تيماء
الإبتعاد عن كل ما يخص اسم " سالم الرافعي " .....
ربما كان انقطاع مسك عنها خير لها ... و مع ذلك لا تنكر أنها اشتاقت للطفها ...
انتفضت تيماء على صوت سوار و هي تقول مستاءة
( لا تختلف عنكِ .... صحيح كلاكما تحملان جينات و موروثات عمي سالم بجدارة .. )
برقت عينا تيماء رفضا و زاد نفور جسدها ... الا أنها آثرت السلم و قالت رافضة
( لا أظنك منصفة بحق مسك .... فهي غاية في اللطف )
نظرت اليها سوار بصمت ... ثم قالت بلهجةٍ ذات مغزى
( مسك صديقتي و أنا أحبها ..... لكن متى كانت آخر مرة تواصلت معها ؟!! ....... )
تنهدت تيماء بحرج قبل أن تقول باختصار
( منذ فترة ..... أنا سافرت و هي انشغلت ....... الحياة مشاغل .... )
اومأت سوار بوجهها متفهمة ... ثم قالت بحذر بطىء
( اذن ربما عليكِ تهيئة نفسك بأن البشر يتغيرون قليلا في البعد ...... )
عقدت تيماء حاجبيها بحيرة ....و هي تسمع كلمات سوار الغريبة
هل من الممكن أن تتغير شخصية لطيفة مثل مسك ؟؟ .....
تلك الشخصية النادرة التي تجمع بين الكبرياء و الرقي و اللطف ....... مما يؤلها لتحصل على هيئة ملوكية بجدارة ..... فكيف تتغير و كل المقومات تؤهلها كي تكون سعيدة و معطاءة ؟!! ....
نهضت سوار من مكانها و هي تقول بود
( قد يأخذني الكلام معك طويلا ..... بينما هناك عمل لا ينتهي قبل وصول المزيد من الأفواج ... لذا سأتركك الآن قليلا ثم أعود اليكِ .... هل ستجدين صعوبة في التآلف مع الباقين ؟؟ .... )
نظرت اليها تيماء بصمت ...
هي لم تأتي هنا كي تتآلف مع الباقين .... لقد أتت في مهمة محددة و ستتجنب الدخول في وهم العائلة المترابطة هذا بكل جهدها ..... لذا قالت بهدوء رافعة ذقنها بكرامة
( سأجد طريقة ما .... لا تقلقي ..... لكن هل كل هذا العدد من سلالة أعمامي ؟!! .... كيف تمكنوا من فعل هذا ؟!! ..... )
ارتفع حاجبي سوار و هي تقول بشك
( سلالة !! ...... أنتِ تتكلمين مثل عم عبد الكريم حين يكون في الاسطبل !! .... عامة .... هناك أعمامك و أبناء أعمامهم ... جدك الرافعي أنجب الكثير من الذكور من عدة زيجات ... و كذلك فعل أشقائه , على أنه الوحيد المتبقي على قيد الحياة منهم فليمنحه الله الصحة .... لكن ستتعرفين على أبنائهم و بناتهم و أطفالهم أيضا ... لكن أشك في أن تتذكريهم من مرة واحدة ..... الآن سأتركك ثم أعود اليك بعد حين ... حاولي الا تستفزي العاملين هنا ..... )
استدارت لتغادر الا أن تيماء نادتها قائلة
( لم تعرفيني بنفسك ......... )
التفتت اليها سوار و هي تقول بزهو
( أنا سوار ... لم أظن أن هناك من لم يعرفني بعد في هذه العائلة .... )
قالت تيماء تستفز وهم العائلة بداخل تلك المزهوة بها
( ابنة من ؟؟ .......... )
ارتفع حاجبي سوار بصدمة .... قبل أن ترفع اصابعها قائلة بفخر
( ابنة وهدة الهلالي ..... )
كان دور تيماء كي يرتفع حاجبيها بتبلد و هي تفكر
" ألم تعرف نفسها بأمها للتو ؟؟!! ...... "
الا أن سوار كانت قد اختفت فجأة كما ظهرت فجأة ... فنظرت تيماء الى أرجاء القاعة الواسعة و هي تهمس
( ما تلك الحياة الغريبة ....... أناس عصريون بينما آخرين يرتدون الزي القديم , لكن لهجتهم تدل على تعليم عالي و معرفتهم بعدة لغات على الأقل !! ...... الدراسة هنا ستكون غنية و البحث رائع ... لكن للأسف النهاية قد اقتربت ..... )
تراجعت للخلف و هي ترتاح قليلا مغمضة عينيها تسرح بعيدا ..... بعيدا جدا .....
و الذكريات تلاحقها من كل صوب و اتجاه .......
ذكرى اليوم الأول الذي عرفت به قاصي ..... ذلك اليوم الذي كاد ان ينتهي بكارثة في شقتها ....
حين أوصلها الى أمها ....
ابتسمت و هي تتذكر صورة أمها حين فتحت الباب ... ناعسة العينين ... مشعثة الشعر .... ترتدي منامة ذات بنطال قصير يصل الى الركبتين ...
بدت غير مستوعبة و هي تنظر الى تيماء في الخارج ... و شاب يفوقها طولا يقف خلفها ....
شاب غريب و مريب .... شعره طويل , معقود في ذيلٍ ناعم يصل الى كتفيه .... بينما يده في جيب بنطاله الجينز و الأخرى تحمل حقيبة تيماء و كأنه يحمل فأر ميت ....
حين تكلمت ثريا قالت بصوتٍ خشن من النوم ...
( تيماء !! ...... ألستِ نائمة بالداخل ؟!! ....... )
مطت تيماء شفتيها و هي تقول
( هلا تأكدت من وجودي في الداخل رجاءا يا أمي ..... و إن وجدتيني في سريري فستكون غلطة و سنغادر من هنا آسفين ..... )
بدت ثريا غير مستوعبة و كأنها ستذهب لتأكد من وجودها في سريرها بالفعل ....
لكن قاصي تكلم أخيرا قائلا بصلابة
( لا تذهبي رجاءا ........ لقد هربت من البيت و أعدناها قبل أن تحدث كارثة .... )
اتسعت عينا ثريا بفزع و هي تقول غير مصدقة .. و قد بدأت تفيق أخيرا
( هربت ؟!!! ...... كنتِ تنوين تركي يا تيماء ؟!! ...... )
التفتت تيماء ترفع وجهها الى قاصي .. ثم همست بغضب من بين أسنانها
" أيها الواشي ... البغيض .... النذل .... "
أخفض قاصي وجهه اليها وهو يهمس بغيظ
" لفي لسانك و أغلقى فمك عليه كي لا أقصه لكِ ....... فأنا سأقود السيارة لمدة ست ساعات اليوم بسببك ذهابا و عودة .... "
رمقته تيماء بعينين تشتعلان قبل أن تندفع دافعة أمها و هي تتجاوزها للداخل ...
بينما تبعتها عينا ثريا بقلق و عدم فهم .. قبل أن تستدير الى قاصي لتقول
( عفوا ... لكن من انت .... شكلك ليس غريبا عندي .... لكن ..... )
قال قاصي بهدوء
( أنا قاصي الحكيم ....... أعمل لدى السيد سالم و منذ فترة ليست ببعيدة كلفني بإنهاء أي اجرائات خاصة بكما نيابة عنه ..... )
رفعت ثريا ذقنها و هي تقول متذكرة
( آآه نعم ...... الشعر ليس غريبا علي ....... )
قال قاصي عاقدا حاجبيه
( ما قصتكما مع الشعر ؟؟ .......... )
زفر بنفاذ صبر قبل أن يقول بجدية
( سيدة ثريا .... احتاج لأن أتكلم معكِ قليلا ... )
ردت ثريا بتوتر مترددة
( آآه .... تفضل ..... ادخل ...... )
كانت تيماء حينها تقف في الممر مستندة بكفيها للجدار و هي تنوي سماع ما سيقوله لأمها ....
نظرت اليه بعين واحدة من خلف الجدار و هو يجلس بهيمنة أمام امها .... كان فعلا مريب الشكل ووجوده يجعل كل ما حوله يتضائل مقارنة بشكله اللذي يحفر في الذاكرة ....
رأته يستند بمرفقيه الى ركبتيه وهو يميل الى الأمام ... مخفضا رأسه عدة لحظات مفكرا ... قبل أن يرفعها قائلا بجدية
( سيدة ثريا .... تعليمات السيد سالم كانت واضحة في الا تحاول كلاكما التواصل معه على أن تكون كافة طلباتكما مجابة ..... )
انقبضت أصابع تيماء فوق الجدار الأبيض ... حتى كادت أظافرها أن تحفر به .....
بينما عيناها تراقبان ملامح والدتها التي تحولت الى الشحوب و هي تبتلع ريقها و حلقها يتحرك بطريقة مثيرة للشفقة ... أثارت النفور بنفسها ....
ثم قالت بتوتر
( و هذا ما نفذناه ..... فماذا يريد بعد ؟؟ ....... )
تنهد قاصي ثم قال
( هذا ما لم تنفذه تيماء .... لقد هربت من حاملة معها بعض أغراضها ... تنتوي الإنتقال للبقاء معه .... )
اتسعت عينا ثريا بذعر و هي تستمع اليه ... بينما تهدلت شفتيها بشكل أكثر نفورا و يدها ترتفع الى صدرها .... قبل أن تقول أخيرا بهلع
( و هل نجحت في الوصول اليه ؟!! ...... ماهذا السؤال .. طبعا نجحت في الوصول اليه بدليل أنك هنا ... ياللكارثة !!! ... )
شهقت بصوتٍ وصل الى أذن تيماء قبل أن تهتف مذعورة
( هل هدد بقطع دعمه لنا ؟!! ...... هل قطعه بالفعل ؟!! ...... )
ارتجفت شفتي تيماء و هي ترى أمها في هذا الموقف المخزي .... و التقطت عيناها نظرة قاصي المستنكرة المذهولة قبل أن يقول بشدة غاضبة
( سيدة ثريا ... ابنتك هربت اليوم في الصباح الباكر .... و استقلت الحافلة وحدها و سافرت من مدينة لأخرى ... و معها عنوان رجل غريب ..... أتدركين مدى خطورة ذلك ؟!! .... )
احتدت عينا ثريا و هي تقول بشك
( عفوا .... لكن هل لديك شكوى من طريقة رعايتي لطفلتي ؟!! ... هل هذا ما فهمته للتو أم انني مخطئة ؟!! ... )
صمتت قليلا ثم قالت بقلق مرتعد
( هل هذا رأي سالم بعد أن رأى تيماء ؟!! .... أنني لا أجيد العناية بها لذلك سيقطع الدعم المادي عنا ؟!! ... )
ضاقت عينا قاصي أكثر و قد بدا و كأنه فقد مهارة الكلام فجأة .... فتراجع للخلف يستند بظهره ...
ناظرا الى ثريا نظرة شاردة ... لم تخطئها عيني تيماء المتفرستين به من خلف الجدار ...
لكن فجأة وجدت العينين الناريتين تنظران اليها مباشرة ...
و كأنه رفع عينيه الى عينيها بقصد ... حينها تراجعت للخلف حتى اصطدمت بالجدار المقابل ... قبل أن تهرع مبتعد عن مرمى نظراته ....
لكن صوت ثريا لا يزال يصلها واضحا و هي تتابع أسئلتها المذعورة
( أخبرني بالله عليك ..... ماذا كان قرار سالم ؟!! .... لماذا أنت صامت بهذا الشكل ؟! .... )
فقال قاصي بعد فترة طويلة دمرت أعصابها
( قرار السيد سالم هو أن يمنحك فرصة أخيرة .... على أن يتأكد تمام التأكيد أن ابنته لن تكرر ما فعلته و تعرض نفسها للخطر مجددا ..... )
هتفت ثريا بصوتٍ وصل الى تيماء واضحا ....
( لن يحدث ...... لن يحدث مجددا , يمكنك أن تأكد له ذلك ..... )
ساد صمت طويل .... لم تستطع تيماء أن تعرف معه بماذا يفكر هذا القاصي ....
لكنها سمعت صوته يتكلم مجددا ....
( لكن لماذا هربت ؟!! ....... هل هناك ما ضايقها ؟؟ ...... )
قالت ثريا بصوت قلق
( لقد تشاجرنا بالأمس مجرد شجارا عاديا ......نسيت شيئا تريده ... أنت تعرف الأطفال ...... )
حينها قال قاصي بصوتٍ صلب
( ربما لم تعد طفلة ......... و هذا ما عليكِ الإنتباه اليه ..... )
سمعت تيماء صوت ثريا يهتف فجأة باستياء
( من أنت لتعلمني طريقة التعامل مع طفلتي ؟ .... كم عمرك أصلا يا فتى ؟!! .... )
حينها قصف صوت قاصي يقول بنبرة بدت لأذنيها مخيفة
( و كم عمرك أنتِ ؟ .......... )
ساد الصمت مجددا .... و قد طال هذه المرة قبل أن تقفز تيماء لصوت أمها يهتف بقوة بتوتر شنيع
( هل كلفك سالم بمراقبة طريقة تعاملي مع تيماء ؟؟ ...... )
أرهفت تيماء السمع بعينين متسعتين ... قبل أن يصلها الجواب الصارم
( نعم ..... بطريق غير مباشر , لكن ربما لن تقابليني مجددا .... )
ازداد اتساع عيني تيماء ... لقد كان يكذب ؟!!! ....
ليس هذا هو ما أراده سالم !! .... لقد أمره حرفيا برميها لأقرب حافلة !! ...... لماذا يفعل ذلك ؟!! ...
حينها هتفت ثريا بصوتٍ أعلى كي يصل الى تيماء
( تيمااااء .... أعدي الشاي ..... )
تأففت تيماء و هي تذهب الى المطبخ مرغمة ... و بدأت بملىء الغلاية الكهربائية بالماء .. ثم وقفت تنتظر و هي تضع كفيها على السطح الرخامي بينما عينيها شاردتين تفكران .... هل ينوى مراقبتهما فعلا ؟!!
من قرار عقله الخاص ؟!! .... أو ربما تكون له مصلحة في أن يوقف والدها المال الذي يرسله الى أمها ...
فقد يعمل كواشي حقير .. جبان .... و تكون حينها هي السبب في أذية والدتها ...
صحيح أنها لم تعد ترغب في الحياة معها ... الا أنها لا تريد أذيتها ....
صمعت صوت صفير الماء الساخن ... فحضرت الأكواب قبل أن ترفع الغلاية الثقيلة ... لكن بركة من الماء في الأرض ... على ما يبدو ان ثريا قد خلفتها دون أن تهتم و تمسحها جعلت قدميها تنزلق قليلا ليسقط الماء الساخن على ذراعها كله ....
صرخت تيماء بصوتٍ عالٍ من شدة الألم ..... لكنها أسرعت الى صنبور الماء لتضع ساعدها تحته ...
بينما اندفع صوت أقدام قوية خلفها بسرعة ... لتسمع صوته من خلفها يقول بقلق
( ماذا حدث ؟؟ ......... )
لا تزال تيماء تتذكر تلك اللحظة حتى الآن ... تلك اللحظة التي لم ترغب في الإستدارة اليه و بقت متسمرة مكانها و معصمها تحت الماء ....
صوت ثريا كان يعلو من خلفه و هي تسألها كذلك عما أصابها بقلق ....
لكنها لم تسمع سوى قاصي ... ذلك الذي شهد اهانتها و نبذها من والدها .... لذا كانت كرامتها الفتية كانت مدمرة في تلك اللحظة ....
و لا تزال تتذكر اقترابه منها أكثر وهو يقول بخفوت
( أرني معصمك ......... )
لكنها لم ترد عليه .... فوجدت اليد الخشنة السمراء تمتد من خلفها لتلتف حول معصمها الأبيض الرقيق ...
لتقلبه الى باطنه .....
لا تزال حتى تلك اللحظة تتذكر أول مشاعر أنثوية انتابتها في حياتها كلها ...
هل يمكن لأي شابة ان تتذكر اللحظة الأولى التي تحولت بها الى أنثى !! .... تشك في ذلك ....
لكنها تتذكر تلك اللحظة حية حتى اليوم .... وهو يديرها اليه , فرفعت اليه عينيها الفيروزيتين المغروقتين بالبكاء ....
لتتسمر عيناه عليهما ... و معصمها بيده .......
تكاد عيناها ترسمان الذكرى لفمه الفاغر و الذي بدا و كأنه يتنفس بقوة ....
و لا تزال تتذكر توسلها الباكي الهامس للمرة الأولى بحياتها لمخلوق
( أرجوك لا تؤذي أمي ....... و لا تعمل جاسوس لدى أبي ...... )
الآن و بعد عشر سنوات ......
ها هي تجلس في المقعد الوثير العتيق ... و يداها مستريحتان على ذراعيه ....
رأسها المتراجعة للخلف سارحة في بحر الذكريات و عينيها المغمضتين ترسمان الصور .....

" ذكرى أخرى لها و هي تنظر في المرآة ... تغني و تتمايل مبتسمة ... بينما هو خلفها ....
يتمايل معها ... و عيناه على عينيها في المرآة .... جمرتين لم تهدآ يوما و لم يخبو وهجهما .... "

انتفضت تيماء تستقيم في جلستها و أصابعها تشتد على ذراعي المقعد ....
تنظر حولها عائدة الى الزمن الحالي .... بينما صدرها يعلو و ينخفض بقوة .... فابتلعت ريقها و هي تهمس
" تمالكي نفسك يا تيماء ....... ساعات من الزمن و ترحلين للأبد , .... فقط اصمدي في مواجهة تلك الساعات .... مهما بلغت صعوبتها .... اصمدي ..... "
انقبض كفها في قبضة مضمومة فوق ذراع المقعد .... تضرب عليه بخفوت و هي تتابع الهمس
" ما الذي تفعله هنا يا قاصي ؟!! ..... و اين حياتك ؟!! ..... مرت السنوات و انتهى بك الحال و أنت لا تزال عبدا لهذه العائلة .... كيف عدت و تنازلت ... "
اظلمت عيناها و هي تواجه نفسها بشراسة
" هل تشفقين عليه ؟!! ..... أم تشعرين بالخيبة لخنوعه بعد ما أصابك ؟؟ ... كنت تودين أسره دائما في صورة ذلك المدافع الشرس عنك و الذي قد يفديكِ بحياته لو تطلب الأمر .... أم أنكِ تلعنين ذلك الخنوع الذي كان السبب في رؤيتك له مجددا بعد كل تلك السنوات ليزلزل كيانك من جديد ... و كأن شيئا لم تفعليه ... و كأن ما بنيته خلال السنوات الماضية لم يكن سوى وهم ..... "
عادت لتغمض عينيها و هي تسمع صوته صارخا بقوة من الماضي
" سأقتلك يا سالم ....... أقسم أن أقتلك.... الا هي ....الا هي .... . "
فتحت عينيها متأوهة و هي تنهض من المقعد ... تدور حول نفسها و كأنها تبحث عن مهرب وهمي .... هامسة بجنون يائس
" لا يعقل أن يكون هنا بالفعل ..... الا هو .... الا هو ..... "
.................................................. .................................................. ..................
جلس بمكتبه الأنيق براحةٍ بعد يوم طويلٍ متعب .....
ممسكا أخيرا بالكوب الذي أعده من القهوة الجاهزة وهو يغمض عينيه مرتاحا .... مشمرا كمي قميصه الأبيض الناصع ... و الذي قام بتغييره للتو كي يحظى بالإنتعاش .....
حيث أن له طقوس خاصة في الراحة بعد التعب حتى و إن لم ينتهي يوم عمله بعد ....
قرب الكوب من شفتيه هامسا مبتسما برضا
( وحيدا .... مرتاحا ..... و مع كوب القهوة الأول منذ الصباح ..... )
فتح باب مكتبه فجأة مع صوت جماهير محتشدة غاضبة ... مما جعل ذراعه ينتفض و انسكبت نصف القهوة على سطح المكتب و ... و قميصه الناصع !! ...
( ما يحدث نحن نرفضه رفضا باتا يا سيد أمجد .......... )
أغمض أمجد عينيه بيأسٍ وهو يقول بصوتٍ خافت ...
( كنت أعرف أن الهدوء ليس من أقداري .......و الراحة ليست من نصيبي .... حسبي الله و نعم الوكيل .. )
ألتقط عدة محارم ورقية ليمسح بها سطح المكتب ببطىء ...
قبل أن يرفع عينيه الى مجموعة الموظفين اللذين اقتحموا مكتبه دون اذن .....
أخذ يتفحصهم واحدا تلو الآخر ....
نعم ... إنهم مجموعة الشباب الرافضين دائما و المطالبين بحقوق الباقين .... و اللذين يحبهم بصراحة و يحب فورة الحماس لديهم .... الا أنهم باتو يمثلون الصداع الأقوى بيومه المضني .....
حسنا ... أمجد الحسيني معروف في الشركة بأنه حبيب الجميع .... و المتواضع كليا مع كل الموظفين من أصغرهم منصبا و حتى الرأس الأكبر في الشركة ....
لقد كان الدخول اليه سهلا و مباشرا .... على عكس الجميع ....
لكن هذا ليس معناه الدخول دون حتى طرق الباب .... لكنه أجل ملاحظته وهو يرى على ملامحهم احساسا هاجعا بالظلم ... اذن فالموضوع خطير ....
أخفض عينيه وهو يتابع مسح السطح تماما حتى زالت القطرة الأخيرة قبل أن يقول بهدوء
( حسنا ..... من اخترتم ليتكلم نيابة عنكم ؟؟ ...... )
تقدمت أقصرهم و أنحفهم و أعلاهم صوتا .... تلك الجنية الصغيرة " أسماء " ....
على الرغم من أن حجمها يكاد أن يكون ربع أقلهم حجما ... الا انها دائما المتحدثة الرسمية بالنيابة عنهم ...
تنهد أمجد وهو يقول
( طبعا ....... و من كنت أنتظر غيرك ..... تفضلي يا أسماء , أسمعك ...... )
اندفعت أسماء تقول بصوتٍ عالٍ
( هل بلغك من سيكون المدير الجديد لقسم التوريد يا سيد أمجد ؟؟!!!! ....... )
قال أمجد وهو يضع نظارته فوق عينيه ثم ينظر اليها
( لا ..... لم أعرف بعد نظرا لأن العمل خارج الشركة شغلني أكثر في الفترة الأخيرة خاصة و أن الشؤون الإدارية ليست المحبذة لدي .... لكن من الواضح من ملامحكم أن الخيار لم يعجبكم ..... )
تقدمت أسماء حتى وصلت الى سطح المكتب ووضعت كفيها عليه و هي تنحني الى أمجد بعينين تستعران غضبا ...
( ابنة السيد سالم ......ابنة السيد سالم الرافعي .... هل تصدق ذلك يا سيد أمجد ؟!! ...... بأي حق ؟!! ... لمجرد أنها ابنة صاحب الشركة ؟!! ....... إنها لم تعمل هنا يوما ؟!! .... فكيف تكون مديرة لأحد الأقسام ؟!! ... و تنتزع ترقية الأستاذ كامل ؟!! .... إنه الأكبر سنا ... و خبرته و كفائته و سنوات عمله في الشركة تؤهله لهذا المنصب و الجميع كان يتوقع له هذه الترقية كأمر مفروغ منه ...... فكيف يحدث ذلك ؟!!! .... )
كان أمجد يستمع اليها باهتمام ... مدققا بكل كلمة ..... و يده تمس لحيته الشقراء الداكنة ... قبل أن يقول بجدية ...
( لحظة واحدة كي أفهم ....... من هي ابنة السيد سالم الرافعي ؟!! ....... لم أراها أو أسمع أنه له ابنة من الأساس ؟!! ..... )
هتفت أسماء وهي تضرب على سطح المكتب بقبضتها حتى اضطر أمجد أن يرفع الكوب كي لا تتناثر باقي محتوايته مجددا ....
( هذا لأنها لم تعمل هنا من الأساس ..... هل تسمعني يا سيد أمجد ؟؟ ..... )
قال أمجد بهدوء
( اسمعك يا أسماء .... أقسم بالله أسمعك , هلا أخفضت صوتك رجاءا ... على الأقل من باب الإحترام لفارق العمر ..... )
احمر وجهها بشدة ... و ارتبكت قائلة
( أنا آسفة سيد أمجد ..... لم أقصد أن أحتد عليك , فأنت لست المقصود ..... )
قال أمجد متظاهرا بالراحة
( الحمد لله أنني براءة ............. )
ابتسمت أسماء رغما عنها ...... فابتسم أمجد هوالآخر ليقول
( حسنا لنبدأ من جديد ...... ابنة السيد سالم المجهولة .... ستأتي من اللا مكان حيث ستتسلم ادارة أحد الفروع هنا ...... لكن هذا ليس منطقيا ؟!! .... أن تكون بلا خبرة و تحط علينا فجأة .... هل يعرفها أحد أو سمع عنها أي معلومات ؟!! ...... )
قال راشد وهو أحد الواقفين المستائين
( لقد أتمت دراستها في الخارج ...... و علمت هناك مباشرة ... و قد عادت للتو ....... )
أرجع أمجد ظهره للخلف وهو ينقر على سطح المكتب قائلا
( آه .... اذا فبعض الخبرة موجودة ....... هل يعرف أحدكم المزيد عنها ؟!! ..... كم عمرها ؟!! ..... )
قال راشد مجددا
( ربما في السادسة و العشرين ....... )
ارتفع حاجبي أمجد وهو يقول
( صغيرة السن بالنسبة للمنصب !! ............. )
اندفعت اسماء تقول بغضب و استياء
( ليت السن كان المشكلة الوحيدة ..... لقد أتت الى هنا منذ يومين ..... و لم نكن نعلم بنوايا مجلس الإدارة في تعيينها ..... إنها شديدة الغرور بدرجة تدفع أي شخص كان محبا لعمله يوما .أن يحرق المكان و هي به ..... إنها فاشلة و لا تحمل ذرة من روح الفريق ..... )
أسبل أمجد عينيه قليلا ....
إن كان هناك ما يكرهه في هذه الدنيا فهو الغرور .....
الا أنه قال بحيادية أخيرة
( حسنا لندع صفة الغرور تلك جانبا .... من الظلم الحكم على طبع شخصي لأنسان قابلتموه لمرة واحدة .. )
اندفع عثمان و هو أحد المعترضين حامين الوطيس كذلك
( بل هي شديدة الصلف بالفعل يا سيد أمجد ..... لم يستطع احد البقاء معها لأكثر من ربع ساعة فقط ... فكيف سنعمل معها ؟!! ...... )
" حسنا .... تلك الشابة وٌضِعت في القائمة السوداء تلقائيا دون حتى أن يراها ... و مع ذلك تبقى القائمة السوداء لديه مجرد شعور شخصي يفصله تماما عن العمل .... "
تكلم راشد مجددا و هو أكثرهم حكمة ...
( أنتم تضيعون المهم في الموضوع .... الغرور ليست المشكلة الأساسية يا سيد أمجد .... بل الظلم .... ليس من العدل أن تنال المنصب الذي كنا نتوقعه للسيد كامل .... فهو الأكبر و الأكثر خبرة و الجميع يشهدون له بالكفاءة .... )
رفع أمجد وجهه وهو يقول بهدوء
( أحسنت يا راشد .... هذا هو الأهم في الأمر , ..... حسنا لقد استمعت اليكم حتى النهاية , الآن دعوا الأمر لي و عودوا الى أعمالكم ..... و أعدكم أن أنظر في الأمر ... )
قالت أسماء باستياء
( لو كنت تحضر احدى اجتماعات مجلس الإدارة يا سيد أمجد ....... )
قال أمجد يقاطعها
( أسماء ... توقفي عن الطنين فوق أذني ..... أنا لم أشرب قهوتي من الصباح .... هيا الحقي برفاقك ...... )
غادرت أسماء خلف المجموعة الثائرة ..... مغلقين الباب خلفهم ....
فرفع أمجد الكوب الى شفتيه قائلا بتفكير
( ابنة سالم الرافعي ...... اذن حرب جديدة مع المزيد من الطفيليات المتبجحة .... )
لم تصل أي قهوة الى فمه فأخفض وجهه الى الكوب الفارغ ... ثم قميصه المتسخ ... قبل أن يقول بصوتٍ قاتم
( رائع .......... )
وضع الكوب جانبا ... ثم التقط أحد أوراقه المتكومة ليبدأ العمل من جديد قائلا بامتعاض
( حسنا ...... لم يعلمني أحد باسمك بعد يا ابنة سالم الرافعي ....... ترى من تكونين .... شاكينار ... ماهينار ... ماهيتاب ..... )
بدأ يركز بأوراقه .... لكنه قال مبتسما أثناء العمل
( ألمظ يليق بكِ ........ كنت أظن أن مثيلاتك انقرضن منذ زمن )
.................................................. .................................................. .................
دخل الى مقهى العمل متعبا ..... متجها الى طاولته الخاصة التي اعتاد الجلوس عليها دائما ...
الا أنه توقف مكانه و زالت ابتسامته وهو يجدها تجلس الى طاولته ....
ممسكة بكوب به شراب ساخن ..... تنظر شاردة من النافذة بجوارها دون أن تلمحه ... و البخار الدافىء يلامس وجهها ....
زم شفتيه قليلا ... قبل أن يأخذ نفسا هادئا و يتجه اليها ببطىء .... و ما ان وصل الى الطاولة حتى قال بهدوء دون أن يجلس
( الطاولات كثيرة العدد .... فلماذا العناد ؟!! ..... )
انتفضت قليلا من شرودها و هي تنظر اليه رافعة وجهها الجذاب اليه ..... و طالت نظرتها لحظتين قبل أن تبتسم قائلة بهدوء
( لم أجدها مسجلة باسمك رسميا ..... الطاولات متاحة للجميع ..... )
قال أمجد وهو ينظر اليها من علو ... واضعا يديه في جيبي بنطاله
( لماذا يصعب عليكِ ترك طاولتي لي يا غدير ...... )
ارتجفت شفتيها قليلا قبل أن تقول بخفوت
( أردت الحديث قليلا ..... هل تبخل علي به ؟؟ ...... )
ظل أمجد واقفا مكانه ينظر اليها بصمت ... و بملامح هادئة لم تظهر شيئا , قبل أن يتقدم خطوة و يسحب الكرسي أمام عينيها المنتظرتين ... ثم جلس بثقة وهو يرفع يده الى النادل ليحضر له قهوته التركية الخاصة ....
نظر اليها مجددا ثم قال بهدوء
( تبدين كمن تلقى صدمة ........... )
عضت على شفتيها المطليتين بلونٍ أرجواني يناسبها .... مخفضة وجهها و هي تراقب سطح شرابها الساخن ... بينما انسابت خصلة من شعرها البني الداكن على وجنتها تخفي بعضا من ملامحها عنه ....
قالت اخيرا بصوتٍ شديد الخفوت و الهدوء الخالي من الحياة
( يمكنك قول ذلك ........ )
ظل أمجد ينظر اليها عدة لحظات قبل أن يقول
( كنت تريدين الكلام .... فلماذا أنتِ صامتة الآن ؟....... )
رفعت وجهها اليه .... و عيناها تحومان من حوله الى ان نظر للنافذة و قال بصوتٍ جامد
( الجو بارد اليوم ........ )
لاحقت غدير نظرته الى النافذة ... ثم قالت بفتور
( نعم ...... جدا ........ )
ساد صمت قصير قبل أن تنظر اليه لتقول بخفوت
( لماذا لا ترتدي كنزة ؟؟ ...... الا تشعر ترتعد مثل باقي البشر ؟؟ ..... )
نظر اليها ثم قال بهدوء
( لا أظنك كنت تريدين الكلام عن كوني بلا كنزة !! ....... )
عقدت حاجبيها و هي تبتسم ابتسامة زائفة .. خالية من المرح قائلة بلطف
( لا ..... لكن بقعة القهوة تفسد أناقتك المعروفة ..... )
أخفض أمجد عينيه تلقائيا ينظر الى بقعة القهوة ... قبل أن يعاود النظر اليها قائلا بابتسامة
( التغيير مطلوب ...... لقد كانت هذه البقعة نتيجة لصدمة كتلك الصدمة على وجهك الآن ...... )
ارتفع حاجبيها بحيرة و هي تقول بخفوت
( حقا ؟!! ...... أشك أن تكون نفس صدمتي ....... )
أمال أمجد رأسه قليلا وهو ينظر اليها ... مستريحا في مقعده ... و يديه في جيبي بنطاله .... ثم قال بهدوء
( اذن لما لا تختصرين الطريق و تقصين علي الأمر و تدعين الحكم لي ..... )
أرتجفت أصابعها قليلا حول الكوب و هي تنظر لحافته مجددا .... بينما كان خاتم زواجها يلمع باصبعها بكل بهاء ... لكنها كانت شاردة عنه للمرة الأولى ....
لطالما أحبت النظر الى خاتم زواجها بفخرٍ خفي ... لم تكن تظن ان أحد من الممكن أن يلمحه , لكن عينيها كانتا تبرقان به كلما رمقت الخاتم ....
لكنها الآن متابعدة و شاردة تماما .... الى أن قالت أخيرا بصوتٍ شاحب
( صديقتي ...... أقصد .... تلك التي كانت صديقتي يوما ..... سنتواجه أنا و هي قريبا .... )
ساد صمت طويل .... قبل أن يقول أمجد بصوت خافت بارد مستنتجا الجواب
( تلك التي تركها خطيبها لأجلك ؟؟ ........ )
ارتفعت عينيها الى عينيه لتقول بجمود و عيناها تتصلبان
( لم يتركها من أجلي ....... لم يحدث هذا ...... )
ضيق أمجد عينيه وهو يتظاهر بالتفكير ... ثم قال أخيرا بصوتٍ متسائل
( عذرا ..... لكن ألم ترتبطي بشخصٍ خاطب قبل أن يخلع خاتمه ؟!! ....... )
هتفت غدير بقوة
( الحياة بينهما كان محكوما عليها بالفشل قبل أن تبدأ ..... أنت لا تعلم الكثير من التفاصيل , بل في الواقع أنت لا تعرف أي تفاصيل .... )
صمتت فجأة و هي ترى النادل يقترب ليضع القهوة أمام أمجد الصامت قبل أن يقول بهدوء
( شكرا لك ........... )
انصرف النادل بينما بقى كلاهما صامتا و كأن الأجواء قد اشتعلت من حولهما فجأة دون الحاجة للكلام ...
ثم قال أمجد أخيرا بهدوء
( غدير ..... ألست مقتنعة بحياتك التي اخترتها بنفسك ؟؟ .... فماذا يهمك من المواجهة اذن ... الا لو كنتِ تشعرين بال..... الخزي .... )
ارتفع وجهها منتفضا شاحبا اليه .... و قالت بصوتٍ واه
( خزي يا أمجد ؟!! ...... هل هذه نظرتك لي ؟؟!! ..... )
قال أمجد وهو ينظر الى عينيها
( أنا لا أملك أي نظرة لكِ يا غدير .... ظننت يوما أنني أفعل , لكنني أيقنت فيما بعد أنني لست كذلك ..... الأهم هو نظرتك أنت لنفسك .... و لو كان ضميرك مرتاحا فلا تأبهي للمواجهة , فلقد سبق و مررتٍ بالأصعب ..... و طعنتها .... )
فغرت غدير شفتيها بصدمة .... ثم قالت بصوتٍ يرتعش قليلا
( لم أعهدك قاسيا هكذا من قبل يا أمجد ....... )
ابتسم بسخرية قبل أن يقول
( أشياء كثيرة تتغير مع الوقت ...... لكن أنتِ على ما يبدو لا تتغيرين , ترفضين حتى الإعتراف ,,, و اقصى ما تستطيعين فعله هو الجلوس في الركن مرتجفة خوفا من مواجهةٍ .... سبق و حدثت .... )
مدت غدير كفيها على الطاولة بينهما و هي تهمس بحدة شرسة
( الإعتراف بماذا ؟؟ ....... بماذا علي الإعتراف ؟!! ...... )
قال أمجد بقسوة
( أنكِ اخترت القبول برجلٍ يحمل خاتم خطبة صديقتك ..... )
قالت بحدة يائسة
( لقد أحبني ........ هذا ما حدث , فهل كنت تريده أن يكمل زواجه بها وهو يحب أخرى من باب الواجب فقط ؟!!! ..... )
رفع عينيه اليها مباشرة قبل أن يقول
( و ماذا عنكِ ؟!! ...... هل أحببته ؟!! ....... )
بهتت ملامح غدير فجأة و كأنه غافلها بسرعةٍ لم تتداركها .... و ابتلعت ريقها بتوتر قبل أن يقول أمجد بهدوء
( لم أسمعك مرة تنطقين بحبه ..... )
قالت غدير بخفوت مرتعش
( طبعا احبه ...... فلماذا تزوجته اذن إن لم أكن أحبه ؟!! ...... )
قال أمجد ببساطة
( ليس هذا الإنطباع الذي منحتني اياه ......... )
اهتزت حدقتي عينيها بقوة .... و ارتجفت شفتيها .... كلامه المختصر يحتمل عدة معاني , ليست مؤهلة كي تواجهها حاليا ....
بينما المعنى الصريح كان ظاهرا بعينيه .... دون أن يحيدا عن عينيها .....
أما هي فمن حادت بعينيها عن عينيه و هي تنظر الى حافة كوبها التي بردت و مات البخار بها .....
أسنانها تعض على شفتها بتوتر ... جعل أمجد يشفق عليها رغم عنه ...
لطالما كانت غدير تثير به غريزة الرعاية .... أو ربما الشفقة .... فقد قصت عليه حياتها الصعبة بكل تفاصيلها .....
حياتها تجبر من يحياها على أن يكون مهتزا و غير مستقر ....
و قد بدت متعلقة به في البداية لدرجة قد تثير الإختناق .... لكنه كان يستمع اليها بصبر ... الى أن تحول الصبر الى اهتمام بالتدريج ....و أحب هذا الشعور ...... .....
أحب البريق في عينيها كلما تكلمت معه طويلا .....
لكنه اكتشف أن هذا البريق كان مؤقتا و ضعيفا كقشة طيرتها أول نسمة هواء .....
لم يكن بحاجة الى استنتاج سبب تباعدها عنه فجأة ..... رجل جديد ظهر بحياتها ......
لكن الصدمة حين رآهما ذات يوم ... و علم أنه يضع باصبعه خاتم خطبة ....
و فيما بعد علم أن خطيبته التي كانت يوما ......
كانت أغلى صديقة لها أو ربما الوحيدة .... و على الرغم من ذلك فقد استثنتها تماما من كل الحكايات التي قصتها عليه ....
تجاهلت ذكرها من بين كل تفاصيل حياتها التي اسمعته اياها ... و كأنها كانت تتمنى استئصالها من حياتها بأكملها .....
حينها قرر الخروج فورا من تلك الدائرة السوداوية ..... و الفرار بأقل درجة خسائر ممكنة ...
لقد تزوجت الفتاة التي أوهمته يوما أنه الرجل الوحيد ........ نقطة آخر السطر .
قصة قصيرة ساخرة ....
رفع أمجد عينيه اليها أخيرا ثم قال بهدوء
( ألم تشفقي عليها ولو للحظة قبل الموافقة على الزواج منه ؟!! ........ )
رفعت غدير عينيها الزائغتين اليه .... قبل أن تهمس مرتجفة
( أنت لا تعرفها ..... كلمة الشفقة لا تقترن بها ..... لقد كانت تمتلك كل شيء ... كل شيء .... و تشعر من حولها بأنها تتمنن عليهم .....هذا ليس ذم بها .... لكن هذا هو طبعها , نتيجة نشأتها ... )
ضيق أمجد عينيه وهو يقول بخفوت
( كيف كانت صديقتك و أنت تتكلمين عنها بهذا الشكل ؟!! ....... )
لعقت شفتيها المرتجفتين قبل أن تهمس بخفوت بعد فترة طويلة
( كنا أعز الصديقات ..... منذ سنوات طويلة جدا .....و لسنوات أطول . )
قال أمجد باهتمام
( و لماذا لم تذكرين اسمها بأي حديث تم بيننا يوما ؟!! ..... لقد استئصلتها تماما .... و كأنك كنتِ تريدين اخفائها عن حياتك .... )
أخذ اصبعها المرتجف يلاعب حافة الكوب قبل أن تقول بخفوت مشتد ... حاد
( لأنني كنت قد تعبت ...... تعبت من ...... كونها هي .... بشخصها .... بزهوها بنفسها .... تعبت من كبريائها و احساسي بأنني نكرة بجوارها ..... لقد منحتها الكثير , أكثر مما منحته هي لي .... و لم أكن بحاجة للكلام عنها أكثر ..... )
عقد أمجد حاجبيه وهو يقول بجمود حائر
( تبدين كمن يكرهها ............ )
رفعت غدير عينيها اليه لتقول بقوة
( أنا لم أكرهها أبدا ....... لقد كانت صديقتي الوحيدة ..... لكن القدر كان له قرار آخر ..... و تقاطعت طرقنا .... )
ساد صمت مشحون .... بينما كلاهما يتأملان القطرات الصغيرة من الأمطار و التي بدأت في تبليل زجاج نافذة المقهى ....
ثم التفت اليها أمجد ليقول بهدوء
( كيف كانت ردة فعلها حين تركها خطيبها لأجلك ؟؟ ......... )
استدارت اليه تقول بحدة من بين أسنانها
( لم يتر........... )
قاطعها أمجد بمنتهى الهدوء
( كيف كانت ردة فعلها تجاهك ؟؟ .......... )
لاحظ بريق من القسوة بعينيها ..... و شفتيها تحولتا الى خطٍ مستقيم صلب ....
و كأنه يرى تحولها الى شخص آخر ......
فعقد حاجبيه ... قبل أن يذهل بمرآها و هي تبتسم فجأة ببرود لتقول
( تصرفت كما هي ..... كطبعها ....... )
قال أمجد بحذر
( صفعتك مثلا ؟!! ....... استأجرت من أصابك بعاهة ..... تسببت لكِ بفضيحة ؟!! .... )
كانت عيناها بعيدتين عنه ... ناظرتين لكوبها البارد .... و ساد صمت طويل قبل أن تقول بفتور ميت
( لا أزال أتذكر هذا اليوم و كأنه كان بالأمس ...... كنا معا أنا و أشرف في انتظارها .... و كنت أصرخ به أنه إن لم يعترف لها بحبه لي فليعتبر أنها النهاية ..... حينها وصلت و لاحظت توتر الجو من حولنا .....
تقترب منا بخيلاء ..... و ابتسامتها الواثقة تجذب نظر كل من ينظر اليها ..... ابتسامة ثقة و كأن لا أحد في هذا العالم قادر على ايذائها ..... أنفها مرفوع دائما .... و لم تقلق يوما من تقاربنا أنا و اشرف .... و كأنني أبخس من أن تعتبرني أمرأة تخشى على خطيبها مني ولو للحظة .....
لا أزال أتذكر نبرة سؤالها الهادىء و هي تنقل عينيها الباسمتين بيننا ... " ماذا بكما ؟!! هل كنتما تتشاجران ؟!! ...... " ....)
صمتت ترتجف بقوة .... أمام ناظريه و شفتيها ترتعشان .... قبل أن تقول بهدوء ميت متابعة
( حينها اندفع أشرف للمرة الأولى بحياته .... و قال دون مقدمات " مسك.... أنا أحب غديرو قد حدث هذا رغم عنا .... دون قرار منا أو نية " )
ضيق أمجد عينيه وهو يقول بخفوت
( مسك ! ........... )
أغمضت عينيها و هي تطبق على شفتيها المرتجفتين في صمت طويل ..... ثم همست بصوت مختنق
( لا أتذكر كم مر من الوقت ....... كان صمت طويل ... أخذ يخنقني ببطىء شديد منتظرة انفجارها ... انهيارها ... أي تصرف آدمي يجعلني أشفق عليها ..... الا أنها رفعت ذقنها أكثر و قالت بصوتٍ لن أنساه
" مبارك لكما ...... " ثم خلعت خاتم الخطبة ووضعته أمامنا بكل ترفع ..... )
رفعت غدير عينيها المغروقتين بالدموع الى أمجد الذي كان ينظر اليها نظرة غريبة .... بها ... بها ...
بها شيء كالإعجاب !!! ... لم تفهمها .....
لكنها همست متابعة
( لم تصرخ .... لم تبكي .... لم تذرف دمعة واحدة ..... بل حتى أنها لم تسأل كيف حدث ذلك .... ثم نهضت من مكانها بهدوء و أناقة لتغادر .... لكنها توقفت بعد خطوتين لتستدير و تعود الينا قائلة بابتسامة لن أنساها أبدا
" كدت أن أنسى ..... لقد نلتِ الوظيفة بالشركة بعد توصية أبي ..... و كنت أعدها كمفاجأة لكِ ..... " )
صمتت غدير تماما و هي تنظر الى أمجد بعينين متشوشتي الرؤية من الدموع التي تغرقهما .....
مدخرة لنفسها التفاصيل الأهم !!!! ... و التي لا داعي لذكرها ....
حين طال بهما الصمت .... قالت أخيرا بصوتٍ مرتجف
( هل عرفت الآن أن الشفقة كلمة ليست موجودة بقاموسها ....... )
ظل أمجد صامتا قليلا ... قبل أن ينهض ببطىء أمام عينيها الضائعتين ..... ثم قال بصوتٍ غريب وهو ينظر لها من علو
( عرفت أنكِ كنت مرتبطة به .... قبل حتى عملك هنا .... هذه معلومة جديدة تماما , و هذا كافٍ بالنسبة لي ..... )
نظر الى قهوته قبل أن يرفع عينين ساخرتين الي عينيها المصدومتين قائلا
( لقد بردت القهوة ...... لا نصيب لي بها ....... )
ابتعد بخطواتٍ واثقة أمام نظراتها المفجوعة ...... و قلبها الصارخ بخيانة ...
" عد أرجوك ..... "



يتبع


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 16-01-16, 11:58 PM   #949

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

وقف أمجد ينتظر المصعد وهو يتلهف لمغادرة المكان ....
هل هو متأثر ؟!! .... غاضب ؟!! ...
الحقيقة ليس تماما .... فمشاعره تجاه غدير لم تجد الوقت كي تكتمل ...... مجرد بضعة أشهر
ربما كانت أشهر طويلة .... لكنها تظل أشهر , لم تكمل العام ...
و الحب الذي لا يكمل العام لا يعد حبا ....
ابتسم بسخرية من نفسه وهو مخفض الرأس ... يديه في جيب بنطاله ....
متذكرا ملاحقتها له باستمرار كالعلقة ..... ربما فعلا كانت تحتاج الى بث شكواها لأحد ...
هذا ما لم تكذب به ...... يعرف أن حياتها كانت شديدة القسوة ....
لكن أين كان هذا الخطيب المسروق من كل هذا ؟!! .... كان لا يزال يرتدي خاتم صديقتها على الرغم من انفصالهما !! ....
رفع وجهه يراقب الأرقام المضيئة أعلى المصعد ..... وهو يهمس لنفسه
" التجربة لن تنتهي يوما .... حتى لرجلٍ في مثل عمرك , ...... "
لقد أوشك أن يطلبها للزواج قبل حتى أن تتحدد مشاعره تجاهها .... رآها فتاة عفوية بسيطة و طيبة .... تحتاج الى الحنان ... وهو كان يحتاج الى الزواج .....
لم يصدق أن يكون هناك رجل آخر بحياتها .....
اغمض عينيه ليضحك من نفسه مجددا وهو يهز رأسه باستياء .....
غاضب ..... حقا غاضب ......

بينما هو واقف مكانه ... مغمض العينين .. يديه بجيبي بنطاله و منظره ينم عن اللامبالاة بعكس النفور بداخله ....
غمرت أنفه رائحة قوية ... أزكمته سحرا ...
رائحة تبدو كال ..... مسك .....
المسك القوي و كم يعشقه ......
نسي عينيه مغمضتين لعدة لحظات دون أن يفتحهما و يسمع نغم أنيق لكعبي حذاء عاليين ... يطرقان الأرض المصقولة من خلفة بتمهل راقي ....
وجد أمجد حاجبه يرتفع ببطىء ... و شفتيه تميلان بابتسامة تقدير خاصة دون أن يفتح عينيه ...
اللحن مع العطر .... مسكريين ....
أخذ صوت الخطوات يقترب منه ... يعلو و يعلو .... الى أن توقفت خلفه مباشرة ....
مالت ابتسامته أكثر وهو يفكر انها ليست أحد العاملات ....
لم يرى كعبا عاليا واحدا منذ أن بدأ العمل الإداري هنا ........
هل ستلقي التحية ؟!! .....
لكن الصمت استمر ... مما أثار استفزازه , فخسر الرهان مع نفسه وهو يستدير بتمهل ...
ناويا القاء نظرة عابرة على من تقف خلفه .....
تسمر للحظة وهو يراقب الشابة واقفة خلفه .... ترمقه بترفع غريب ....
ذقنها مرفوع ..... أنفها مرفوع ..... حاجب واحد أنثوي رقيق مرفوع ....
لديها كبرياء غريب يظهر للناظر اليها من الوهلة الأولى ....
أنثى جذابة بكل معنى الكلمة ....
عيناها بلون العقيق الخام .... حين يكون بني محمر .... في أكثر درجاته دفئا .....
شعرها أسود كجناح الغراب اللامع .... يتطاير من حول وجهها ... و يكاد طوله أن يلامس كتفيها بحرية ....
ضاقت عينا أمجد وهو يراقب تلك الشابة التي تمثل رقيا غاب منذ فترة ....
لم تكن ملابسها تظهر منها انشا واحدا ... الا أنها كانت مثالا للأناقة ....
نظرت اليه مسك بترفع .... و كأنها تستنكر مراقبته الصامتة لها , و كأنه يتعدى على من هم أعلى منه شأنا ....
قبل أن تستقر عيناها على البقعة المنتشرة على قميصه الأبيض ....
حينها ارتفع حاجبها أكثر .... و مالت شفتيها استنكارا ... مما جعل ملامحه تتصلب و تشتد ...
لكن وصول المصعد قطع عليهما حرب النظرات بينهما ....
أشار أمجد بيده الى المصعد المفتوح وهو يقول بهدوء و رزانة في أول كلمة منه لها ....
( تفضلي ............ )
تفضلت مسك بالفعل و هي تنفض وجهها ليتطاير شعرها الناعم عنه .... و هي تتجاوزه بأناقة و ما أن دخلت المصعد حتى استدارت لتواجهه قبل دخوله ... لكن ما أن تقدم خطوة حتى رفعت كفها لتقول بترفع
( عفوا ..... لا أستقل المصعد مع أحد ..... )
تسمر أمجد مكانه و عيناه تتسعان قليلا .... قبل أن تنغلق أبواب المصعد بينهما ...
مخفية عينيها الباردتين ..... الدافئتين !!! ..... كيف يجتمع النقيضين في عينٍ واحدة ؟!! .......
.................................................. .................................................. ......................
تجرأت قدميها على السير في أنحاء القاعة الضخمة و هي تتأمل ما حولها بحذر ...
تريد انهاء مهمتها و الهروب من هنا سريعا ...
كانت تنوي قضاء ثلاثة أيام هنا ... لكن مع وجود قاصي فهي تريد الهرب اليوم مساءا على الأكثر ...
لكن كيف تجد تذكرة في القطار دون حجز مسبق ....
أخذت نفسا مرتجفا و هي تهمس لنفسها
( يا رب .... اجعل هذا اليوم يمر , بخيره واكفني شره ...... )
ساقتها قدميها الى حيث مصنع ضخم ... هذا أقل ما يقال عنه .... و في بعض الحضارات الأخرى يطلق عليه اسم مطبخ !!!
كان ضخما في حجم شقة كاملة ..... يحتوى على عدد عشر نساء على الأقل يعملن على قدمٍ و ساق .....
جميعهن ترتدين السواد ... الا أنه لم يكن مقبضا للصدر ....
بل كانت عبائات جميلة ... تحسبا لدخول أي رجل عليهن .....
دخلت تيماء و هي تتأمل الجو المختلف حولها .... الى أن وصلت للوحيدة التي تعرفها هنا ....
الغالية أم سعيد ....
لذا اقتربت منها و هي تقول بمودة
( أم سعيد ...... اشتقت اليكِ ......... )
نظرت اليها المرأة بطرف عينيها و هي تقول بعدم راحة
( اشتاقت لك العافية .......... )
دست تيماء يديها في جيبيها و هي تنظر يمينها و يسارها ....بينما القوة تنصهر بداخلها بشكل لا تريده .....
التفتت الى أم سعيد و قالت مجددا
( ماذا سنأكل اليوم بالمناسبة ؟؟ ....... )
نظرت اليها أم سعيد بطرف عينيها فقالت تيماء
( لماذا تكرهينني يا أم سعيد و تنظرين الى بهذا القرف ؟؟ ..... أنا شخصية لطيفة جدا )
ثم ابتسمت ابتسامة عريضة أظهرت غمازتيها الطوليتين .... مما جعل أم سعيد تقول بايجاز
( العفو ....... و لماذا أكرهك ؟؟ ...... الستر يا رب )
ارتفع حاجبي تيماء و هي تخفض نظرها الى نفسها ... تحاول اكتشاف ما الغريب بها و قد يجلب الفضائح , على الرغم من أنها ظاهريا ... فتاة محجبة و تبدو محترمة ...
أيكون اللون الوردي ؟!! .....
رفعت حاجبا متفكرا و هي تقول لأم سعيد
( جيد أنكِ لا تكرهينني يا أم سعيد ...... الحقيقة أنتِ و عم عبد الكريم ستعلقان بذاكرتي لفترة طويلة ..... هل هو زوجك ؟؟؟ ..... )
استدارت اليها ام سعيد و هي تقول بغضب ممسكة بالسكين في يدها
( انت تنطقين بكلمات تطير بها الرقاب ...... انا متزوجة من ابن عمي الأكبر )
تراجعت تيماء خطوة و هي تقول
( اهدئي يا أم سعيد و ضعي سلاحك ..... كنت فقط اتعرف على العائلة .... )
تأففت ام سعيد و هي تعود لعملها ... بينما قالت تيماء مجددا دون يأس
( اذن .... ماذا سنأكل اليوم , فالرائحة شهية ..... )
قالت أم سعيد بلهجةٍ طبيعية دون أن تنظر اليها
( عصيدة و السلاة و اللصيمة ... و مرقوق و خبز الجوبرت ... مع المشويات ... )
كانت عينا تيماء متسعتين و هي تحاول ترجمة تلك اللغة ... منتظرة أن تضحك أم سعيد و تخبرها بأنها تمزح ... الا أن ملامح المرأة الجدية جعلت حاجبيها يرتفعان و هي تقول
( لقد تكلمتِ بلغة مختلفة للتو .... لم أفهم منها سوى كلمة مشويات و خبز ..... ماذا كنتِ تقولين ؟؟ ... )
مطت أم سعيد شفتيها و هي تهز رأسها قائلة
( هذا طعام .... أنواع من الأكلات ....... )
همست تيماء بدهشة
( مذهل !! ......... أنا أنبهر هنا كل ساعة أكثر من سابقتها .... )
حانت منها التفاتة ... فرأت طبقا عريضا يحتوى على شيء أحمر مبهر اللون ... لونه يشبه التوت و الكرز ..
فقالت بفضول
( و ما هذا الطبق ؟!!! ........... )
نظرت أم سعيد الى ما تشير اليه تيماء , ثم قالت بهدوء غير مبالي
( هريس ال ......... )
قاطعتها تيماء و هي تأخذ الملعقة و تملأها منه قائلة
( هريسة !!! ..... الهريسة لدينا هي صنف من الحلو و تكون رائعة بالقشدة ..... )
ابتلعت ما في الملعقة دفعة واحدة أمام عيني أم سعيد المذوهلين .....
و لم تكن تمر لحظتين قبل أن تهمس تيماء بإختناق
( ما ...... كان .... هذا ؟!!! ...... )
ثم لم يلبث وجهها أن احمر بشدة و تورمت شفتيها و اندفعت الدموع من عينيها و هي تسعل بقوةٍ كادت أن تهلكها .... بينما أجابت أم سعيد بقلق
( هاريس الشطة ........ )
اتسعت عينا تيماء أكثر و هي تسمع الكلمة القاتلة ... فهتفت بصوت مختنق لم يسمع
( شطة !! ... أنا لا أتحمل الكاتشب الحار !! .... الشطة!! )
ثم انحنت ممسكة ببطنها و هي تسعل و تسعل بقوة و الدموع لا تتوقف من عينيها .... حتى سقطت على ركبتيها ... فاجتمعت النساء من حولها , غير مستوعبات ماذا جرى لها من الفلفل الحارق الذي يتناولنه كل يوم ....
كانت تنظر اليهن باستنجاد .... دون ان ترى اي امل ... حتى سمعت صوتا منقذا يهتف
( ماذا يجري هنا ؟!! ...... أفسحن حالا ..... )
اقتحمت سوار المكان و هي تنظر الى شكل تيماء المرعب بهلع و قد بدت غير قادرة على التنفس
تختنق و عينيها تستغيثان ....
التفتت حولها و هي تهتف ...
( ماء ..... أحضرن ماء .... إنها تختنق ..... )
صدح صوت متشدقا
( من يختنق ؟!! ........ أفسحن لطبيب العائلة ..... )
ابتعدت النساء يغطين وجوههن .... بينما رفعت سوار وجهها الى الشاب الذي دخل الى المطبخ و يديه في جيبي بنطاله .. ينظر باهتمام الى تيماء ... الجاثية على ركبتيها أرضا تسعل و تختنق ....
فهتفت سوار بقوة ممسكة بذراعها
( فريد ..... الحمد لله , تصرف ..... أرجوك ؟؟ .... )
كان لا يزال ينظر الى تيماء بفضول دون أن يخرج كفيه ... ثم قال
( حالة اختناق مع الساعة الأولى من الزيارة ...... رائع ...... مما تعاني ؟!! .... )
مدت تيماء يدها لتلتقط أقرب ثمرة بطاطس على الطاولة ثم قذفته بها بقوة و هي تهتف من بين اختناقها البائس
( أعاني من تخلف مبكر ..... أفعل شيئااااااااااااااا )
عقد حاجبيه وهو يقول باهتمام
( ليست ودودة أبدا ........ ابنة من هي ؟!!! ....... )
سقطت رأس تيماء أرضا ... حتى لامست جبهتها الأرض و هي تسعل هاتفة بقوة
( منك لله ..... منكم لله جميعا ....... )
رفع فريد حاجبه وهو يقول
( أنا لن أرد ...... بما أني فرد صالح في العائلة ...... )
هتفت سوار بقوة
( افعل شيئا يا فريد ..... لقد ابتلعت كمية كبيرة من الشطة و هي غير معتادة عليها .... )
ضحك باستهزاء و هو يقول
( شطة !! ...... الفتيات ميؤوس منهن حقا ..... )
هتفت تيماء بعذاب
( اخرجوووووه من هنا ....... )
أخذت سوار تضرب على ظهرها بقوة بينما تيماء تسعل بطريقة تثير الشفقة ... فقال فريد أخيرا
( لن أرد مجددا ......... )
ثم التفت الى النساء الواقفات و قال بهدوء
( أريد كوب من الماء ......... )
كان ابريق الماء مع احداهن بالفعل فناولته له .... حينها أخرج شريط أقراص من جيبه و اقترب ليجثو بجوار تيماء على الأرض و هو يخرج قرصا منه ... قائلا
( ابتلعي هذا مع الماء ...... )
رفعت تيماء وجها متورم ...و شفتين متضخمتين و هي تنظر لاهثة الى القرص في يده لكنها همست بشك
( ما هذا ؟!! ....... )
قال فريد باستعلاء
( استمري في الكلام الى أن تزهق روحك ان شاء الله ....... )
تناولت تيماء القرص و ابتلعته بصعوبة من بين سعالها .... بينما قال فريد
( الا يوجد كوب هنا ؟!! ......... )
لكن تيماء كانت قد التقطتت الإبريق منه لتنهل منه بصوتٍ عالٍ حتى تساقط الماء على وشاحها ... مما جعل فريد ينظر اليها بتوجس قائلا
( آممم لا داعي للكوب .... ستبتلعه على الأرجح ..... )
كانت تيماء في حالٍ مريعة و هي تتنفس بصوتٍ متحشرج ... بينما حلقها يؤلمها بصورة غير محتملة أما شفتيها فقد تمزقت زاويتهما بخدوشٍ رقيقة حمراء ... و تورمتا بشدة ...
ربتت سوار على كتفها برقة و هي تقول متعاطفة
( هل أنتِ بخير ؟!! ........ )
لهثت تيماء و هي تشهق بصعوبة قبل أن تهمس بخفوت
( أريد الرحيل من هنا ....... لم تكن هذه فكرة ..... جيدة ..... )
نهض فريد قائلا بمرح
( ترحلين قبل مقابلة سليمان الرافعي الكبير !! ...... فلتتناولي الباقي من الشطة أيسر ... )
أغمضت تيماء عينيها و الإسم محفور في ذاكرتها بقوة ....
مقترن بهيئة مهيبة ... ضخمة و سلطانية الملامح ...
ملابس لم تراها قبلا ... و عمامة متوجة ...
عصاة خشبية و رأسها مطعم بالعاج و الفضة .... تضرب الأرض بقوةٍ صارمة
لحية بيضاء زادته هيبة ووقارا .....
وصوت ليس جهوريا .... لا يحتاج ... فنبرته وحدها كافية بأن تجعل من يسمعها يرتجف ...
تلك الصورة حين أبصرتها للمرة الأولى ... كانت تئن ألما و تظن أن الموت يقترب منها ....
بل مصير أسوأ من الموت ....
ذراعيها مكبلتين و قدماها لا تلامسان الأرض ..... كانت تتأرجح و الألم يسري في جسدها مثل النار ...
بينما صوت سليمان الرافعي يهدر بقوة و عصاه تضرب الارض
" يكفي ..... فكوا وثاقها حالا ....... "
شهقت تيماء بصوتٍ عالٍ و هي تعود لواقعها الحالي ... وصوت سوار يقول بقلق
( ماذا بكِ ؟!! ..... إنها مجرد شطة حارقة ...... لا شيء يجعلك بهذا الأسى !! ... )
قال فريد و يديه في جيبي بنطاله
( هذا هو المتوقع منكن .... فتيات طريات كالإسفنجات ... )
تأففت سوار و هي تقول
( اذهب من هنا يا فريد .... الفتاة ليست في حالة تجعلها تتحمل استفزازك حاليا ..... )
مط شفتيه وهو يعدل من نظارته فوق أنفه ليقول بغلظة
( هذا هو آخر اسداء خدمة لأي منكن .... ناكرات الجميل .... )
خرج فريد من المطبخ بينما بقت تيماء مكانها ... جاثية على أرض المطبخ على ركبتيها بملابسها الأنيقة .... ووجهها المحني ...
ثم لم تلبث أن رفعت وجهها الى سوار ... و قالت بخفوت
( أريد مقابلة جدي الآن و الرحيل ....... أنا أضعف ... )
أطبقت سوار شفتيها بصمت ... ثم قالت بخفوت
( جدك ليس متفرغا الآن ..... ربما بعد بضعة ساعات قد تتمكنين من مقابلته ... و بعد أن تفعلين قد تغيرين رأيك بالرحيل ..... )
رفعت تيماء وجهها اليها و قالت بخفوت واهٍ
( أنتِ لا تفهمين .... أنا يجب أن أغادر هذا المكان ....اليوم .... )
قالت سوار باهتمام
( لماذا ؟!! ...... ظننتك آتية لتمضين بضعة أيام , فلماذا غيرتِ رأيك ؟!! ..... )
أسبلت تيماء جفنيها و هي تتنهد بتعب ... كيف تخبرها ؟!! ..... كيف ؟!!
كيف تخبرها أن المرة الوحيدة التي أتت بها الى هذا المكان ... كانت المرة التي كسرتها
المرة الوحيدة التي عرفت بها معن الذل و كيف يمكن أن يدهس روح الإنسان و يسحقها ....
و آخر مرة رأت بها قاصي ... بآخر مشهد تخيلت أن يراها به .....
هذا المكان الساحر .... يحمل لها الذكرى الأشد سوادا بحياتها .....
.................................................. .................................................. ....................
حين وجدت أنها في حاجة ماسة للهواء ...
خرجت بحذر من احدى الأبواب ... كان بابا جانبيا ... حرصت على الا يكون ذلك الذي دخلت اليه ...
و مع ذلك مدت رأسها أولا و هي تبحث عن أي أثر له ... و حين تأكت من خلو المكان , خرجت كاللصوص حتى جلست على إحدى الدرجات الرخامية ...
تنهدت تيماء و هي تميل برأسها و تستند بها الى الجدار بصمت
المكان كان هادئا تماما ... الا من صوت الطيور و حفيف الأشجار ...
يمكن وصفه للسلام النفسي ... لكن أين هي من السلام النفسي ؟!! ....
سمعت صوت أقدام من خلفها فتشنجت و انتفض قلبها تلقائيا ... الا أنها ارتاحت قليلا حين سمعت صوتا مألوفا يقول
( أنتِ أيتها الفتاة المتورمة .... ماذا تفعلين هنا ؟!! .... و كيف حالك ؟ .... )
التفتت تيماء رافعة وجهها الأحمر اليه .. ثم لم تلبث أن قالت بهدوء
( كنت أطلب بعض الخصوصية ..... انها مساحة يحتاجها الشخص لنفسه أحيانا ... فيتسلل الى مكان لا يراه به أحد .... )
ارتفع حاجبي فريد وهو يقول
( أنتِ حقا حكاية ....... )
و دون أي اعتبار للخصوصية التي تحدثت عنها .. اقترب منها ليجلس بجوارها على السلم .... ثم قال ناظرا أمامه
( المكان هنا جميل ........ )
نظرت اليه تيماء بتبلد ثم لم تلبث أن ضحكت قليلا , فبادلها فريد الإبتسام وهو يقول
( بما أنك ضحكتِ و هذه تعتبر طفرة .... اسمحي لنا بأن نتعارف بشكل لائق اذن ..... أنا فريد ابن غانم الرافعي .... )
ابتسمت تيماء و قالت باستسلام
( و انا تيماء ....... )
قال فريد كأمر مفروغ منه
( ابنة من ؟!! ........ )
سقط رأس تيماء على ركبتيها و هي تقول بقنوط
( الرحمة يا رب .......... )
ارتفع حاجبه وهو يقول بشك
( ابنة من ؟!! ......... لا تقولي أنك ابنة عمران !! ...... فهو العم الذي لا اطيقه بصراحة ؟!! .... أم أنكِ من فرع أبناء الأعمام الأبعد ؟!! ..... )
رفعت تيماء وجهها اليه و قالت بخفوت
( اسمع يا استاذ فريد ...... هلا طلبت منك طلب صغير ؟!! ... لا تسألني هذا السؤال مجددا , فهو يضايقني ... ربما بدوت لك متطرفة و غريبة الأطوار .... لكن هذا السؤال حقا ..... )
شعرت فجأة بالإختناق والكلمات تموت على شفتيها ... فنظرت أمامها بصمت , لتجد أن الرؤية قد تشوشت لديها بدمعتين حبيستين .... انسابتا على وجنتيها دون ارادة منها ...
كانتا من النعومة بحيث لم تتغير ملامحها ... و لم تهتز عضلة بوجهها .... لم يبدو أبدا أنها كانت تبكي ..
بل كانت ملامحها طبيعية أقرب للإبتسام و هي تنظر الى المنظر الساحر البعيد أمامها ....
ساد صمت طويل قبل أن يقول فريد بهدوء
( سألبي طلبك إن أسديتِ لي خدمة في المقابل ........ )
نظرت اليه و همست بهدوء مبتسم ... ماسحة وجنتيها بظاهر يدها
( و ما هي الخدمة ؟!! ......... )
ضيق فريد حاجبيه وهو يقول بجدية
( سبع سنوات .... سبع سنوات من الدراسة المضنية الكفيلة باخراج العاقل عن وقاره ... و قد ينتهى به الحال يكلم نفسه في الطرقات .... سبع سنوات من الحرب مع النفسية و العصبية و الباطنية .... الحرب مع أجزاء من الجسم تحمل أشياء لا داعي لذكرها ..... حرب مع كتب ذات أوزان قد تكون أثقل منكِ .... و في النهاية تأتي أنثى ممن لا يستطع ابتلاع ملعقة شطة و تلقبني بالأستاذ !!!! ...... هل جئتك أطلب رقم عداد منظم الغاز ؟!! .... ها ؟!! ..... )
كانت تيماء تنظر اليه بارتياب رافعة حاجبيها أمام هجومه المفاجىء .... ثم قالت بتوجس
( حسنا..... هل أنت من اهل الصيت و ليس الثراء ؟!! ..... لكن دائما الأطباء متعصبون للقب , أتفهم ذلك ؟!! ..... )
ضيق عينيه أكثر وهو يقول
( ما دمتِ تقولين هذا فأنت من أصحاب العقد تجاه كليات القمة ... أنتِ خريجة كلية أدبية اليس كذلك ؟! ... )
قالت تيماء بعدم تصديق
( طبيب مثقف ... و ينظر نظرة دونية الى الكليات الأدبية !! ... كم هذا مثالي !! ...... )
قال فريد رافعا يديه باستسلام
( هل نظرت أي نظرات دونية !!! ..... لم يحدث , أنتِ فقط من شعرتِ بذلك لأنك معقدة ...... )
قالت تيماء بثقة
( بل أنت من لديه هوس باللقب ....... )
نظر اليها بطرف عينيه ثم قال متأففا
( معقدة ......... )
فردت عليه بنفس ثقتها دون أن تبادله النظر
( مهووس باللقب ....... )
قال فريد
( انتِ حقا شديدة الإستفزاز ...... )
ضحكت تيماء بخفة ثم استدارت اليه لتقول بمودة
( و ما هو تخصصك عامة ؟!! ........ )
نظر أمامه منتفخ الصدر بفخر و هو يقول بثقة
( علم الوراثة ............ )
قالت تيماء مهتمة
( آه حقا !! .. هذا رائع ........ لكن مجرد سؤال , بما أن تخصصك هو علم الوراثة ... هلا تكرمت و اخبرتني ما هو الدواء الذي أعطيته لي منذ فترة ؟!! .... هل أنت مؤهل لذلك ؟!! ... )
نظر فريد اليها بصمت قبل أن يقول
( انت تصرين على نظر الي كبائع الحليب ... صحيح ؟!! ...اطمئني أيتها المواطنة الأدبية النظرية .... لقد أعطيتك مسكنا .... أحمله في جيبي دائما للصداع و أحببت أن أتشارك واحدة منه معكِ..... )
مطت تيماء شفتيها و هي تقول
( رائع أيها العلمي العملي ...... أنا حاصلة على درجة الماجستير في علم الأجناس البشرية ..... )
نظر اليها لفترة .... مضيقا عينيه ثم لم يلبث أن قال
( لست بعيدة عن الوراثة اذن ......... )
ابتسمت تيماء و هي تقول
( أتظن ذلك ؟؟! ...... وراثة أم سلوك ؟!! ......بقيت سنوات أقارن بين الإثنين .. )
قال فريد أخيرا بهدوء
( طالما اجتمعا اذن فهما ليسا بعيدين كل البعد ........ )
ابتسمت تيماء له .. لكن قبل أن تجيب , سمعت طفلا يدخل من الباب المفتوح خلفهما ....
نظر اليهما ثم لم يلبث أن اعتذر بالألمانية و استدار ليغادر .... الا أن تيماء نادته بذهول
فاقترب منهما بأدب .... الى أن جذبته من يده ليجلس بينها و بين فريد ... ثم قالت بذهول أكبر
( طفل أشقر !!! ..... ما اجمله !! ... ابن من هذا ؟!! .... هل جاء هنا بالخطأ ؟!! .... )
أمسكت خصلتين ناعمتين كالحرير من شعر الطفل و هي ترفعهما مدهوشة
فضحك فريد ليقول
( لا ليس هنا بالخطأ ..... انه ابن ابن عمي ... و امه ألمانية ..... )
قالت تيماء و هي لا تزال مذهولة
( شعره ناعم كالحرير ..... هل تتحدث العربية ؟؟ .... )
أجابها الطفل بأدب ووداعة
( نعم ......... )
قالت تيماء بسعادة
( ما أجمله ...... و يتحدث العربية أيضا ....... )
ضحك فريد وهو يقول
( ترفقي بالصبي ..... سيتساقط شعره من رأسه بسبب عينك الصافية التي لا تترك عافية .... )
نظرت اليه تيماء لتقول بغلظة
( أنا لن أحسده .... ثم هل هذا كلام طبيب محترم ؟!! .... )
قال فريد بصدق
( بل هو كلام الخالة أم سعيد بصراحة حين كنت أنظر الى مزرعة الأرانب التي اكتشفت أنها تربيها تحت أحد السلالم في فناء الدار الجانبي ..... انها بكثرة بالمناسبة ... و لهذا نطلق عليكن أرانب , لأنكن لا تفكرن الا في الإنجاب .... )
قالت تيماء بغيظ ...
( الله أكبر ..... أنت فعلا من له عين حاسدة على ما يبدو ..... ثم أن الأرانب المؤنثة لا تنجب من نفسها , لابد أن يكون هذا قرارا مشتركا .....أي أن هناك أرانب ذكور يتحملون نفس المسؤولية ... ألست طبيبا ؟!!. )
عض فريد على شفته السفلى وهو يقول بتحذير مشيرا للطفل بينهما
( هشششش .... هناك طفل جالس و لا يصح أن يستمع الى مثل هذا الحوار الخارج .... )
ضحكت تيماء و هي تعبث في شعر الطفل الجميل الأشقر .... مستمتعة بنعومته على أصابعها ....
هتف الطفل فجأة بصوت عالٍ و بكلمة ألمانية ....
( فأر ........ )
فنظرت تيماء الى زاوية الشرفة الصغيرة التي تضم السلالم الجالسين عليها .... لتجد أكبر فأر رأته في حياتها ....
فقالت بسعادة
( فأر !! ....... نعم انه فأر عملاق ..... )
نظر فريد الى الفأر بحيرة .... فسارع للإختفاء بين عدة أدوات و صناديق مرمية في الزاوية ....
ثم قال لتيماء
( أتحبين الفئران ؟!! ........ )
نهضت تيماء من مكانها و هي تقول بنبرة متحمسة و عيناها تبرقان
( بل أحب اصطيادها ........... )
اندفعت في اتجاه الصناديق و أخذت بعدهم واحدا تلو الآخر ..... و قد أمسكت عصاة في يدها ... و فريد يقف خلفها مذهولا ....
فرمت اليه عصاة أخرى و هتفت
( امسك هذه و استعد ........... )
تابعت ابعاد الصناديق بحذر .... الى أن ظهر الفأر جاريا بسرعة فصرخت تيماء
( حاصره يا فريد ..... لا تدعه يهرب ....... )
كان فريد قد رفع العصاة عاليا و انقض على الأرض بعدة ضربات لم تصيب أيا منها الفأر وهو يجري من بين قدميه ..... بينما تيماء تتبعه جارية و هي تضحك بقوة هاتفة
( لن أتركه ...... اقفز من على السور ........ )
قفز فريد من فوق السور القصير بمهارة وهو يضح محاصرا الفأر الذي يجري في ممر ضيق أسفل السور .... الى ان وصل لقدمي تيماء فتجاوزها بسرعة و هي تجري خلفه ضاحكة بينما فريد يصرخ
( ابتعدي عنه ...... هذه وظيفة أطباء محترمين , لن يناله غيري ..... )
الا أن تيماء كانت قد رفعت العصاة لتضربه ..... لكن حجرا أبيض اللون كبير الحجم ... سقط فجأة فوق الفأر بكل قوة ليسحقه تماما ....
صرخت تيماء بهلع و هي تتراجع خطوة أمام هذا المشهد ... لترفع وجهها بذعر ....
حينها شعرت بالأرض تميد من حولها و هي ترى قاصي واقفا أمامها .... ينظر اليه بعينين بهما حمم بركانية غاضبة ....
عاري الصدر و يرتدي بنطاله الجينز المهترىء ....
توقفت أنفاسها في رأتيها و هي غير مصدقة لتجسده أمامها فجأة بهذا الشكل ....
و كأن السنوات لم تمر .....
كأول مرة رأته بها ...... لكن الندوب زادت على صدره ...... و عيناه ازداد اشتعال الجمر بهما ....
تراجعت خطوة اخرى و هي تلهث بصعوبة .... بينما كان صدره يعلو و يهبط بسرعة ... لا تتناسب مع جمود ملامحه وهو ينقل عينيه بينها و بين فريد الواقف خلفها .....
ثم تكلم أخيرا بصوتٍ رجولي جامد ....
( هذه الفئران البرية شديدة الخطورة .... قد تأكل طرف طفل رضيع ..... )
ابتلعت تيماء ريقها و هي تنظر الى عينيه بصمت ..... وهو يبادلها النظر بسطوة دون أن تهتز حدقتاه ... الى أن نادى أحد العمال عليه من خلفه قائلا
( لقد وصلت الفرس يا قاصي ......... )
لم يتحرك على الفور .... بل استمرت عيناه على اسرهما الناري لعينيها , قبل أن يستدير و يغادر بهيمنة ....
وقفت تيماء مكانها لتجد أن تجري من رئتيها الى شفتيها لاهثة ..... حتى تحولت الى شهقات غير مسموعة الا لأذنها فقط .... كهدير صاخب أوشك على أن يفجر طبلتهما المرهفة .....
قال فريد من خلفها بهدوء
( هذا الرجل يروض فرسا في كل اجتماع عائلي ...... هل تحبين المشاهدة ؟؟؟ ...... )
التفتت اليه تيماء بصمت مصدوم .... ثم لم تلبث أن هزت رأسها قليلا لتقول بخفوت
( من هو ؟؟!! ........... )
هز فريد كتفه ليقول
( لا أعرف سوى أن اسمه قاصي الحكيم ..... و هو يأتي الى هنا كل اجتماع عائلي و يحظى بترحيب جدي ... )
ارتجفت شفتيها قليلا و هي تبتلع غصة بحلقها ... بينما تابع فريد
( أتودين المشاهدة ؟؟؟ ........ )
همست بسرعة
( لا ......... لا أريد ............ )
.................................................. .................................................. ...................
لكن متى طاوع القلب قرار العقل و المسافة بينهما بضعة خطوات ....
بضعة خطوات كانت تمشيها ببطىء و عيناها مسمرتان على السياج الخشبي المحيط بساحة مربعة واسعة ....
كانت تتهادى كشخصٍ متألم ... متكاسل عن الوصول الى منبع ألمه ....
وصلت الى حيث يتجمع الكثيرون .... بعضا منهم رأتهم في البيت و هم من أفراد العائلة الضخمة ...
و البعض الآخر من بسطاء الزي و الأعمال ... يقفون مستندين الى السياج منتظرين ظهور الفرس ....
و بالفعل .... جائت مقطورة ضخمة ... و تراجعت بظهرها .... حتى وقفت عند بوابة السياج الخشبي ...
و أمام عيني تيماء ... نزل عاملين ليفتحا بابها الخلفي ....
ليندفع منه فرس أسود اللون يلمع بوضوح ... لم ترى أجمل منه بحياتها ....
كانت قد وصلت الي السياج و أمسكته بأصابع ترتجف و هي تراقب بريق هذا الفرس الحالك السواد تحت أشعة الشمس التي تميل للمغيب ....
فرس عربي أصيل ....
سلالته نقيه و شكله يسبي النظر ......
راقبت تيماء كبرياء هذا المخلوق الرائع وهو يندفع منطلقا بقوة و كأنه يرفض القيد ....
كان يدور حول السياج بسرعة قصوى .... يصهل و يقفز بعنفوان جعل شراسته ترجف القلوب ....
و بالفعل انتفض قلبها و بهت وجهها بشدة
على الرغم من مدى جمال هذا الحيوان الراع الا أنها لم تصدق أن يكون هذا هو الفرس الذي سيروضه قاصي ....
و كأنه سمع اسمه يتردد في ذهنها .....
فرأته من بين الحشود .... يسير بطوله الفارع الى أن وصل للسياج الخشبي فأمسك به ليقفز من فوقه بمهارة
و أصبحت الساحة تضم قاص و الفرس وحدهما ....
حينها فغرت تيماء شفتيها و أصابعها تشتد أكثر على السياج و همست دون وعي
" ماذا تفعل بنفسك يا مجنون ؟!! ......... "
راقبته تيماء وهو يتحرك ببطىء ... الى أن واجهته الفرس فانتفخت فتحتي أنفها و صهلت بصوتٍ خافت مهدد ....
بينما لم ينزل قاصي عينيه عن عيني الفرس ... بل اشتدت نظرتهما النارية و انعقد حاجبيه في تحدي تفهمه تلك الكائنات جيدا ...
ثم عاد ليتحرك ببطىء و هي تلتفت معه .....
أشار بيده دون أن يبعد عينيه عن الفرس ... فسارع أحد العمال راميا اليه لجاما جلديا .... و سرج .....
حينها صهلت الفرس عاليا و هي ترفع ساقيها الأماميتين و تستقر واقفة منتصبة على الخلفيتين بكبرياء مذهل ,,,,
ارتجف قلب تيماء بعنف .... و هي تراقب قاصي يفتح ذراعيه و كأنه يحاصرها ثم لم يلبث أن اقترب منها ببطىء ليلقى السرج على ظهرها .... و محيطا عنقها بحبلٍ طويل ......
أخذت الفرس تصهل بقوة و ترفع ساقيها عاليا .... الا ان الحبل كان قد انعقد في السرج و ربطه الى ظهرها بينما شد قاصي طرفه الطويل كي يقيد عنقدها .....
صوتها كان عاليا يشق الصمت المهيب من حولها بينما صوت قاصي يهدر بقوة وهو يجذب طرف الحبل كلما فقزت و انتصبت واقفة
( اهدئي ...... اهدئي ..... )
كان صوته ذو سطوة قوية جعلتها ترتجف أكثر .... بينما صدره يلمع بعضلاته الضخمة تحت الشمس مشابها للفرس أمامه .... عروق جسده و ذراعيه نافرة بقوة وهو يحارب الفرس ...
و ساقيه مثبتتين في الأرض كجذورٍ قديمة منذ الأزل ....
لم يكن هو الشاب الذي رأته آخر مرة .... بل كان رجلا قويا ... صلب القامة و هائج الروح .....
تلك الروح الهائجة لم تتغير أبدا على مدى السنوات كما لم ينطفىء الجمر بعينيه ....
استمر النزال العنيف بينه و بين الفرس الى أن جذب عنقها بالحبل في حركةٍ أعنف و هي تدور بجنون ...
فغافلها و اعتلى السرج فوق ظهرها ...
شهق المتواجدين و أولهم تيماء و هي ترى الفرس على الفور ترفع قائمتيها الأماميتين و ظنت أن قاصي يقع أرضا لا محالة .....
لكن جسده بدا الصخر وهو يشدد ساقيه القويتين من حولها صارخا بها بصوت مفزع ....
لكن الفرس لم تهدأ بل ظلت تجري بسرعة و تدور حول السياج ..... و تقفز على قائمتيها الخلفيتين و قاصي يمسك بلجامها و يهدر بها ....
كانت عنيفة بدرجةٍ لم تظنها في الخيول ابدا .... و لم تدري أن عينيها كانتا تدمعان في تلك اللحظة و قلبها يصرخ مستميتا ....
و في لحظة خاطفة ... استقامت الفرس مجددا ثم قفزت منتفضة .... حينها سقط قاصي عن ظهرها أرضا ....
مما جعل الجمهور المتجمع يصيح عاليا ... فضاعت صرخة تيماء المذعورة بين الصخب
( قاااااااااصي .... احذر ..... )
لكن حافر الفرس كان قد نزل بكل قوة ضاربا جانب قاصي الذي دار بسرعة متداركا نفسه ... لكن الحافر خدشه خدشا بدا عميقا من شدة الدم الذي نزف منه خلال لحظات ....
رفعت تيماء يدها المرتجفة الى فمها و هي تصرخ بذعر
( يالهي ...... فلينقذه احد .... فلينقذه أحد ..... )
لكن أحدا لم يرد عليها وهم يرون قاصي يقفز واقفا مجددا وهو يضع يده على جانبه النازف ....
بينما دموع تيماء تشاركه النزيف ....
في تلك اللحظة ... شاهدت تيماء رجلا آخر يندفع خالعا كنزته و يقفز من فوق السور بطريقة تتناقض مع بعض الشعرات الفضية المنتشرة على جانبي رأسه ....
و بسرعة الطيف كان يندفع ممسكا الحبل مع قاصي وهو يصرخ بصوتٍ جهوري ....
( اعتلي الفرس يا قاصي .......... )
و بالفعل رغم ألمه نجح في اعتلائها ... بينما الرجل الآخر يجذب الحبل بكل قوته ....
و الفرس تحاول بكل عنفوان القفز واقفة ... لكن هذا الرجل كان يجذبها بقوة من حديد ... و قاصي يميل عليها ممسكا باللجام بكلتا قبضتيه ....
كان الرجل الآخر شديد القوة و البأس ..... ذراعيه كالحديد وهو يجذب الفرس
مما جعلها تحاول عشرات المرات في التحرر دون جدوى ... فقد بدت في مواجة زوجين من الثيران الهائجة ...
أحدهما يقيدها و الآخر يعتليها .....
و طال بها الوقت و الوهن الى أن أبطأت حركتها ..... تدريجيا و هي تلهث بعرقٍ أبيض ... الى أن توقفت و أخفضت رأسها ....

كانت سوار تراقب ما يحدث من احدى شرفات القصر الكبيرة و عيناها تلمعان بالفخر ... و صدرها ممتلىء زهوا و هي تهمس مبتسمة
( بسم الله ماشاء الله ..... حفظك يالله يا ابن خالي ...... و حماك من شر العين يا ليث .... )

قفز قاصي من على ظهر الفرس وهو يشدد الإمساك بلجامها ... لاهثا متعبا ... و جانب صدره ينزف و العرق يلمع على جسده ....
فقال ليث لاهثا هو الآخر ....
( جرحك عميق يا قاصي .... اهتم به ...... )
رفع قاصي كفه ليصافح ليث بقوة وهو يلهث قائلا
( ظهورك جاء بوقته ....... )
ربت ليث على عنق الفرس وهو ينظر اليها باعجاب قائلا .... كنت امر من ارضكم فقط .....
توترت شفتي قاصي وهو يسمع كلمة ارضكم .... و اشتدت صلابة فكه الا أنه لم يرد ... بينما قال ليث بتعب
( اعتن بنفسك ..... )
ثم ابتعد ببطىء ..... بينما وقف قاصي بجوار وجه الفرس ... ينظر اليها بعينين مظلمتين ... عاقدا حاجبيه ... و يده تربت على أنفها بحنان ... ليهمس لها بخشونة
( اهدئي الآن ...... أنا أيضا لم أحب ذلك ..... لكنه يقربني اليكِ ..... ارتاحي ...... )
ظل يربت على أعلى أنفها الحريري الأسود و هي تميل اليه ... فهمس لها
( جميلة أنتِ ....... كبريائك و بهائك يخطفان قلبي .... )
رفع عينيه فجأة في اتجاه محدد .... كان قد حدده قبل أن يبدأ حربه مع الفرس ...
فنظر مباشرة الى العينين الفيروزيتين ...... و كم كانتا باكيتين !!! .... و منذ متى ؟!! ......
أما هي فلم تهرب على الفور ... بل ظلت واقفة مكانها تؤكد لعينيها انه لم يصب بأذى فادح ......
لم تلحظ الدموع التي بللت وجهها و هي تقف عند السياج ممسكة به ... تنظر اليه من بعيد ...
ان الأوان كي تبعدي عينيكِ يا تيماء .... الان
و بالفعل اسبلت جفنها و هي تتراجع ... لكنه لم يكن ليتركها تهرب هذه المرة ....
فمع اول خطوةٍ تراجعتها ... كان قد اتخذ قراره و سلم لجام الفرس الى احد عمال الاسطبلات الأقوياء ....
ثم رأته تيماء يتجه ناحيتها و عيناه عليها لا تتركانها ....
فاستدارت بسرعة و ابتعدت عنه .... تنوي الهرب ... لكن الى متى ؟!! .....
هذه الزيارة القاتمة .... خطت عليها المواجهة التي لا مفر منها ....
وجدت قدميها تسوقانها بعيدا .... على امتداد الأرض المفتوحة .... بعيدا عن حواجز القصر ...
و صوت اقدامٍ قوية خلفها ترعبانها .... لكنها لم تسرع الخطا ... فقط دست كفيها المرتجفين في جيبي سترتها الثقيلة ... و رفعت غطاء الرأس الفرو فوق حاجبها .....
كانت تنتفض كليا و الصوت يزداد وضوحا من خلفها ... الا أنها رفضت الشعور بالضعف , او على الأقل اظهاره .....
شعرت بالتعب من عمق انفعالاتها .... فقررت الوقوف و المواجهة هنا ......
لذا التفتت جانبا تنظر الى الأرض الممتدة الخضراء ... و لونها الذي يتحول الى ذهبي قاتم و ألوان المغيب تزينها ..... و أشجار النخيل من بعيد تتوج جمالها ....
بينما صوت الخطوات الواثقة من خلفها لا يسمح لها بحرية التمتع بكل هذا الجمال الممتد أمامها ....
شعرت به يقف خلفها مباشرة ... حيث توقف صوت خطواته
و صوت أنفاسه يصل أذنيها كلحن صاخب متسارع .....
حينها التفتت اليه بقوة و هي تصرخ به بغضب كل الساعات المضنية السابقة
( هل جننت ؟!!! ....... ما هذا الذي فعلته ؟!! .... كدت أن تقتل نفسك .... )
كانت عيناه تملآن نظره منها ... وهما تطوفان حول ملامح وجهها الفتية ... تلك البيضاء و المشربة بلونٍ وردي لم تفقده على مدى السنوات ....
و فراء غطاء رأس سترتها يحيط بوجهها فيزيدها جاذبية و جمال ....

أما هو فقد كان عاري الصدر ... نازف الجرح .... قوي بدرجةٍ مهلكه و عروق ذراعيه تظهران لعينيها ... تثيران شفقة بقلبها لا تعلم سببها ...
و كأنها قوة جبرية ... ليست من اختياره ....
لم يجبها على الفور ... بل ابتسمت شفتاه وهو يقول بخفوت
( كم كبرتِ !! ..... و كم أصبحتِ بهجة للنظر و دواء لكل روحٍ تنظر اليكِ ..... )
فغرت شفتيها المرتجفتين بشدة ... و بهت غضبها في لحظة ... بينما انتفض قلبها بعنفٍ قاسٍ من مجرد عبارة قصيرة ...
ساد صمت طويل بينهما .... يقطعه صوت الطيور من فوقهما عائدة الى أعشاشها مع المغيب ...
الى أن قالت تيماء أخيرا بصوتٍ تدربت ان تفقده الحياة كذبا ...
( ماذا تفعل هنا يا قاصي ؟!! .......... )
ضاقت عيناه قليلا دون أن تفقد شفتيه ابتسامتهما الصغيرة الشاردة .... قبل أن يقول دون مقدمات و بوضوحٍ أذهلها
( انتظرك ......... )
اتسعت عينا تيماء بصدمة ... قبل أن تقول بخفوت
( هل كنت تعلم بقدومي ؟!! ......... )
قال قاصي بخفوت مبتسم ... بينما عينيه تستعران
( كنت أنتظرك كل عام ...... و آتي اليكِ خصيصا علني أراكِ .... لكن هذا العام علمت بأنني سأراكِ لأول مرة منذ ثلاث سنوات .... )
كانت الصدمات تتوالى عليها بقوة .... لكن صدمة واحدة جعلتها تقول متلعثمة
( ثلاث سنوات !! ...... نحن لم نرى بعضنا منذ ..... منذ ..... منذ ... )
قال قاصي يقاطعها بصوتٍ متهم رغم أنه لم يفقد هدوءه ....
( منذ أن أبعدتني عنكِ ؟!! .......... )
هل يتهمها ؟!! ..... هل يتهمها حقا ؟!! .....
قالت بصوتٍ قوي رغم الألم
( أنت تعرف أنه لم يكن أمامي خيار غيره يا قاصي ..... لقد قطعت عهد ..... و كان علي الإلتزام به .... )
قال قاصي بصوتٍ غير متسامح ... قاسي
( عهد بالفراق عني .... بإقصائي من حياتك ...... )
ابتلعت غصة بحلقها قبل أن تقول بقوة
( و أنت قطعت نفس العهد ........ )
قال قاصي بقوةٍ قاطع
( لم أتعهد يوما بالفراق عنكِ .... فأنا لا أقطع عهدا يستحيل علي تنفيذه ....... )
انتفضت مجددا و هي تتراجع خطوة أمام هول مشاعره و عنفها على ملامح وجهه رغم هدوء ملامحه المتصلبة ...
لماذا الآن ؟!! ..... لماذا الآن بعد كل هذه السنوات ؟!! ....
قال قاصي بصوتٍ أكثر خفوتا و الإبتسامة المريرة على شفتيه
( تعهدت بتركك ..... و أضفت " الى حينٍ " بنفسي ..... )
تأوهت تيماء بصمت و هي تغمض عينيها .... بينما قلبها يعلن ألما وصل الى أقصاه ....
قال قاصي وهو ينظر الى ملامحها الساكنة بألم
( ثلاث سنوات في السفر يا تيماء ........ )
فتحت عيناها لتنظران اليه من خلف بحرٍ فيروزي قاتم ... قبل أن تقول بخفوت
( كيف و متى رأيتني قبلها ؟؟ ....... )
ابتسمت شفتيه المشقوقتين بجرحٍ نافذ ... ليقول بعد فترة
( كيف .... بكل مكان ... و متى ... كلما استبد بي الشوق ..... بكليتك ... خارج بيتك ... تقريبا في كل مكانٍ خطت قدماكِ اليه ..... )
اتسعت عيناها بذهول و هي تسمعه ... قبل ان تهمس بصوتٍ واهٍ
( لماذا ؟!! ..... لماذا لم تبتعد ؟!! ....... )
اختفت ابتسامته .... و باتت شفتيه خطا واحدا من الإتهام ... وهو يقول
( تسأليني كيف لم أبتعد ؟!! ..... و أنا الذي كنت أسأل نفسي كيف امتلكتِ تلك القوة على الإبتعاد دون النظر الى الوراء ولو لمرةٍ واحدة ..... )
اتهامه ضرب صدرها بقوة ... فهتفت متألمة
( لا مجال لسؤالك يا قاصي ..... لو كنت تشعر بي و تعرفني بكل تلك الخصوصية التي تدعيها لما وقفت الآن أمامي و اتهمتني ..... )
صمتت تتنفس بسرعةٍ و عنف قبل أن تعاود الهتاف بقسوةٍ و هي تشير باصبعها في اتجاه القصر
( و لما كنت أتيت الى هنا و أنت تعلم بأنني سآتي ....... أم أنك نسيت ما تعرضت له بآخر مرة رأيتك بها ؟!! ..... )
اشتعلت جمرتا عينيه البركانيتين وهو يهمس بشراسة ... و صدره يعلو و يهبط بذكرى سوداء مريرة
( كفى ..... اصمتي ..... )
الا أنها صرخت بقوة
( لا ..... لن أصمت , طالما أنت تقف هنا بكل غرورك و تتهمني .... فسأذكرك بما نلته هنا في هذا المكان يا قاصي .... لقد ذقت الذل و تجرعت الألم لأيامٍ بدت كسنواتٍ مظلمة بطيئة ..... ارتعبت من الموت في بدايتها و تمنيته قبل نهايتها رحمة بي ..... )
صمتت تلهث أمام عينيه المشتعلتين نارا سوداء و عذابٍ صامت .... بينما تابعت تقول بألم
( كيف تأتي الى هنا تحديدا .... بعد كل هذه السنوات و تتهمني ؟!! ... ماذا كان علي أن أفعل ؟!! ... لقد كتبت لي فرصة للنجاة .... و كان علي أن أتمسك بها .... )
اختنق صوتها فجأة .... و شعرت بالدموع تتجمع أمام عينيها فأبعدت عنها صورة عيناه المشتعلة بجنون و الم ...
يالهي !! .... لقد بكت مرتين اليوم !! .... بعد سنواتٍ أقسمت الا تبكي مجددا أبدا ....
ابتلعت الغصة في حلقها و هي تهمس بمعجزة
( ابتعد أرجوك يا قاصي ...... فقط لبضع ساعات ... و سأختفي من هذه الحياة للأبد .... )
عضت على شفتيها و هي تخفض وجهها ... ثم قالت بصوتٍ أكثر قسوة و تحكما دون ان تنظر اليه
( لقد كبرت يا قاصي .... كبرت و لا اتحمل الإهانة .... لست خائفة , فقد عاهدت نفسي على أن اهزم خوفي من اي مخلوق بعد ما تعرضت له على يد أبي .... لكن لن أتحمل اي مهانة ... فقد كبرت عليها ووجودك هنا قد يعيد الماضي و يتسبب لي ما لن أتغاضى عنه هذه المرة .... )
ساد الصمت بينهما طويلا , قبل أن ترفع رأسها لتنظر اليه بشجاعةٍ ثم قالت بهدوء زائف
( بعض الذكريات عليك قتلها يا قاصي ..... فلماذا تعاود نبشها ؟!! ...... )
لم يرد على الفور وهو ينظر اليها بعينين تخيفان الجميع الا هي ..... لم تكن لتخاف عينيه ابدا ....
لكنه حين تكلم قال كلمة واحدة
( لقد انتظرتك ............ )
ارتجفت شفتيها بشدة ... لكنها رفعت ذقنها لتقول بخفوت
( اذن هذا خطأك ...... فأنا لم أفعل ..... )
ضاقت عيناه و خبت نظرتهما قليلا ... و علمت أنها قد أوجعته بضربةٍ غير متوقعة .... لكنها ستعيدها لو تطلب الأمر ... فقالت بخفوت أكبر و هي تهز كتفيها
( كنت طفلة ..... و كبرت ......أنا آسفة .... .. )
صمتت للحظة قبل ان ترفع يديها لتضيف اللمسة الاخيرة قائلة بتعجب زائف
( ماذا تخيلت غير ذلك ؟!! ..... ماذا توقعت ؟!! ..... )
لم يرد ... و عرفت أنه لن يرد ..... صدمته لن تكون اكبر من صدمتها بوجوده ... و انتظاره لها خلال سنوات سفرها ....
لذا .. استدارت و تجاوزته بخطا عملت جاهدة على ان تكون ثابته .... و حينها تركت العنان لدموعها الغزيرة الصامتة و هي تعض على شفتيها .... بينما بقى هو مكانه ... فلم تسمع خطواته خلفها ....
لكن فجأة هدر صوته بقوةٍ شقت الصمت المؤلم
( تخيلت الكثير يا تيماء ..... عشت على التخيل الذي لم أملك غيره .... أما التوقع فواحد ..... )
تسمرت تيماء مكانها و الدموع تتجمد بردا على وجنتيها اللاهبتين ....
لحظة واحدة ..... قبل أن تطلق ساقيها للريح ......
.................................................. .................................................. ....................
( ليث .... ليث ....... )
وصله الصوت الودود المألوف لديه ... وهو يسير متمهلا ... ممسكا بلجام حصانه .....
فتسمر مكانه للحظة ... هامسا بداخله بروحٍ قاتمة
" ليس الآن ......... "

لكنه تمكن من الإلتفات مبتسما ليراه مقبلا ....
سليم الرافعي رغم أنه يصغره بخمسة أعوام ... الا أنه كان من أعز أصدقائه هنا في البلد .... ما أن يعودا اليها و يتقابلان من جديد ....
سليم هو الروح الأكثر نقاءا في كل من عرفهم .....
لطالما كان مختلفا ... مسالما و صالحا ...
يحيا عالما خاص به .... يناجي ربه اينما كان دون حتى ان يدرك من حوله .....
وصل سليم اليه مبتسما و سبحته بيده بينما عبائته البيضاء تزيده بهاءا ... و ابتسامته الحنونة تضيء وجهه لكل من حوله ....
انه يقدر هذا الشخص تقديرا لم يقدره لغيره من قبل .... ربما لأنه لم يعرف أحدا بنفس شخصيته و روحه سابقا ... و يشك في أن يفعل لاحقا ...
تكلم سليم مبتسما ببشاشة تنير القلب
( كيف تغادر دون أن تلقي التحية ؟!! ...... لم نعهدك شديد الجفاء بتلك الصورة !! .... أم غيرك السفر و بلاد الغربة ؟!! ..... )
تعمقت ابتسامة ليث وهو يمد يده ليصافح سليم بقوة و يشده الى عناق من طال سفره ....
بينما الشوق كان من نصيب شخص واحد فقط ....
هتف ليث بقوةٍ صارمة مازحة كي يبعد الاسم عن تفكيره
( كيف حالك يا فتى ؟!! ....... اشتقت اليك يا صاحب العنزة ...... )
ضحك سليم وهو يقول
( الا زلت تتذكر عنزتي المسكينة ؟!! ........ )
قال ليث ضاحكا ... خارج أسوار القلب المظلم
( و من ينسى العنزة التي كانت ترافقك لكل مكان في احدى العطلات الى أن ماتت دون أن تذبح ...... بأمر منك .... )
ضحك سليم وهو يقول
( كانت طيبة ... و محبة للغاية ....... )
بهتت الضحكة من على شفتي ليث ليقول بهدوء خافت
( بل أنت هو الطيب يا سليم ........ )
قال سليم وهو يربت مبتسما على كتف ليث قائلا
( يا طيب و أين أنت ؟؟ ..... طال غيابك أشهرا طويلة منذ آخر مرة أتيت بها لزيارتنا ؟!! ... ألم تشتاق الينا و الى أرضك .... ألم تشتاق الى ابنة عمتك على الأقل ؟؟ ...... )
تصلب جسد ليث على الفور و ابقائه ملامحه هادئة كان معجزة في حد ذاتها ....
و قال بهدوء
( كيف حالها ؟!! ..... أنت تعلم أن قدرها لدي من قدر أمها رحمها الله ..... )
ربت سليم على كتفه مجددا وهو يقول بهدوء
( رحمها الله ...... سوار تسأل عنك باستمرار .... كنت معلمها و الأقرب لها في العائلة يا ليث .... )
التوت شفتا ليث في ابتسامة لم يطالها المرح ... قبل أن يقول
( لولا العمل ...... لما ابتعدت ....... )
أومأ سليم برأسه صامتا وهو يحرك حبات سبحته .... شاردا .....
ثم التفت الى ليث قائلا بهدوء
( لا تقطع صلة رحمك في ابنة عمتك يا ليث ..... انها امانة ...... )
عقد ليث حاجبيه وهو يقول بخفوت
( لن أقطع صلة رحمي أبدا يا سليم ... طالما بصدري نفس يتردد ... لماذا تقول ذلك ؟!! .... )
نظر اليه سليم طويلا قبل أن يقول
( أوصيك بها ......... فلا تتركها ...... )
اتسعت عينا ليث للحظة ... قبل أن يقول بعدم فهم
( سوار ليست وحدها .... سأظل دائما ابن خالها و سأتواجد ما أن تحتاجني .... أما عنك و جدك وأعمامها فجميعكم حولها لماذا توصيني أنا بها ؟!! ...... )
نظر سليم الى عيني ليث بعينين صافيتين ... قبل أن يقول بهدوء
( جميعهم حولها نعم ..... لكن القانون أحيانا يضعف البصيرة حين يكون صارما دون تفكير ..... دون روح ... أخشى أن يجبروها على ما تكره ...... )
ازداد انعقاد حاجبي ليث بقلق و صدره ينقبض بعنف ... قبل أن يقول
( وأين أنت يا سليم ؟؟ ..... لماذا يشعرني كلامك بالقلق ؟؟ ...... )
ابتسم سليم وهو ينظر الى ليث دون أن يتعكر صفاء عينيه ... ليقول بهدوء
( أشعر بدنو الأجل يا ليث ...... )
انتفض جسد ليث الضخم وهو يقول بقوة
( لا اله الا الله ..... اذكر الله يا سليم ... ما هذا الذي تقوله ؟!! ..... )
الا أن سليم لم يفقد ابتسامته وهو يقول
( قد لا تجمعنا الأرض مجددا يا ليث .... و يطول الفراق هذه المرة .... لكن تذكر وصيتي لك .... و لا تضيعها .... )
كان ليث يلهث بالمعنى الحرفي للكلمة ... فأمسك بكتفي سليم وهو يقول بقوة
( وحد الله يا سليم ....... و توقف عن هذا الكلام .... )
الا ان سليم قال مبتسما وهو يربت على كف ليث فوق كتفه
( لا اله الا هو ... و من لنا سواه .... هو الواحد القهار ... خلق الكون , سبحن الله ..... سبحن الله )
انتفض ليث مجددا بطريقة لم يعهدها بنفسه .. فاندفع ليعانق سليم بقوةٍ و قد فقد القدرة على النطق ...
الا من قول
( اعتن بنفسك يا سليم ..... و سأراك قريبا يا صديقي ..... )
و دون كلمة اخرى كان قد اعتلى جواده .... ليضرب لجامه و ينطلق به بكل قوته ....
يجري به على طول امتداد الأرض الواسعة وهو يميل الى عنق الجواد ليزيد من سرعته .. فبدا كالريح العاصفة .... عيناه الصقريتان تضيقان فلا تبصران من الطريق الا وجه سليم ...
و قلبه يدعو الله أن يجعل يومه أولا ..... فالأمانة كبيرة ..... اكبر من احتماله .....
أما سليم فقد وقف ينظر الى الأرض الخضراء الساحرة ... و عيناه تسبحان بخالق هذا الجمال و لسانه يهمس
يآ عالمَ السرّ لا يَدري بهِ أحدٌ .. ومُعطِيَ الحمد من بالحمد لبّاكَ "

إيّاكَ نعبُد لا خوفاً ولا طمَعاً .. لكن حنيناً إلى أنوارِ رؤياكَ

الله الله فى روحٍ تحنّ .. وفى قلبٍ يئنّ .. بنار الشوق ناجاكَ

بحقّ طهَ وآل البيتِ ترحمُني .. وإن تُحاسب على ذنبي فرُحمآكَ "
.................................................. .................................................. ............ .........

دخلت تيماء من باب القصر و هي تلهث بعنف ... و قد نال منها التعب و قسوة المشاعر التي عاشتها للتو ...
أما دموعها فقد تجمدت على وجنتيها الشاحبتين شحوب الأموات ....
اندفعت الى القاعة تبحث عن سوار ... و بالفعل وجدتها تجلس بجوار النافذة المفتوحة ... تراقب آخر شعاعٍ يخبو للنهار ....
قالت تيماء بقوة و هي تلهث
( متى سأقابل جدي ؟!! ...... أرجوكِ أخبريني ..... )
استدارت سوار تنظر اليها بدهشة ... قبل أن تقول
( أبشري اذن .... بعد ساعتين فقط .... سيجتمع بأبناءه أولا ... ثم باقي العائلة فيما بعد .... )
أومأت تيماء بوجهها و هي تهمس بقوة و اصرار
( جيد ..... جيد ...... )
قالت سوار مبتسمة
( و قد سأل عنكِ بالإسم ........... )
اتسعت عينا تيماء و تسمرت مكانها ... ثم همست بشحوب
( حقا ؟!! ....... ... )
قالت سوار بلطف
( نعم ..... يريد أن يراكِ مع ابنائه ...... أنتِ و مسك .... لكن مسك لم تصل بعد حتى الآن , لقد هاتفتها و هي في طريقها للوصول ان شاء الله ..... )
تحركت تيماء بتعب الى ان ارتمت جالسة بجوار سوار ... ثم قالت بخفوت
( أتعلمين لماذا يريد رؤيتنا أنا و مسك دون باقي الاحفاد ؟!! ......... .... )
قالت سوار
( حسنا سأخبرك بسر ...... لدى جدي دائما فتاة مفضلة ..... جميع الأبناء يختارون زوجاتهم من بنات الأعمام .... الا تلك الفتاة المفضلة لديه .... فهو يمسكها من يدها .... و يقول لها بصوته المهيب ... هاؤلاء أبناء أعمامك ... اختاري منهم زوجك ....... )
اتسعت عينا تيماء بذهول .... قبل أن تقول بصدمة
( أنت تمزحين !!! .......... يجعل فتاة تختارزوجها ؟!! ..... )
قالت سوار
( ليست أي فتاة ..... بل المفضلة لديه ........ فعل ذلك مع ابنة واحدة من بناته ....و فعلها مع والدة مسك فاختارت ابنه سالم ... الذي هو والدك .... ثم فعلها مجددا معي.... )
شردت نظراتها قليلا و هي تنظر من النافذة الى الليل الشاحب ... ثم قالت بخفوت
( وقتها لم يكن هناك من الذكور الذين يكبرونني سنا و غير متزوجين سوى سليم و راجح ..... فاخترت سليم ...... )
كان الذهول يلف تيماء بقوة ... فقالت بعدم تصديق
( وقفت أمام الجميع و اخترتِ زوجك ؟!! .......... )
نظرت سوار اليها بصمت قبل أن تقول مصححة
( اخترت سليم ........ و لم أندم يوما على اختياري ....... )
رمشت تيماء بعينيها قبل أن تقول بخفوت
( و ماذا سيحدث اليوم اذن ؟!! ......... )
هزت سوار كتفيها و هي تقول
( على الأرجح سيخير مسك .... فقد لمح لي أن هناك فرحا قريبا ..... )
قالت تيماء بحيرة
( مسك مخطوبة ........... )
قالت سوار بنفاذ صبر
( منذ متى لم تتواصلا ؟!!! ........ لقد عقد قرانها على ابن عم لنا .... لكن لم يحدث نصيب و أصرت على أن يطلقها .... و كانت هذه سابقة في العائلة .... لكن مسك كانت لها مكانة خاصة ... لذا تم عقد صلح بيت العمين و انتهى بفسخ عقد القران ...... )
همست تيماء ضائعة
( كل هذا حدث لمسك و انا لا اعرف !! ....... )
قالت سوار بخفوت حزين
( لقد تغيرت كلتانا ..... بعد موت أمي ..... ثم لحقها أبي بعد شهرين فقط حزنا عليها , فلم يتحمل فراقها .... و موت والدة مسك بعد مرض طويل مضني .... نعم تغيرنا ..... )
ظلت تيماء تنظر اليها طويلا ...
اذن فمسك ستختار زوجها اليوم .... لكن من سيكون من أبناء أعمامها ؟!! ........
و ماذا عنها هي ؟!! ..... كيف ستفتح موضوعها معه ...... كلما أسرعت , كلما أسرع رحيلها ..... و انتهى عذابها ....
.................................................. .................................................. ....................
مرت الساعتان و كأنهما دهرين كامليين .....
و ها هي تقف أمام القاعة القديمة .... الآن فقط ستقلب هذه الصفحة من حياتها للأبد .....
رفعت ذقنها و عدلت من ملابسها الأنيقة ووشاحها ... قبل أن تخطو بأناقة و ثقة للداخل ....
كانت القاعة بها العديد الرجال الأقوياء ... يتشابهون في المجمل ...
رأت فريد الذي لوح لها مبتسما ما أن التقت أعينهما .... فابتسمت له بمودة و تابعت خطواتها الأنيقة ...
بينما ساد الصمت من حولها و الجميع يتأملونها بدهشة .... فقد كانت مختلفة الشبه عنهم ....
الا أن قوانين الوراثة تمنحها الكثير من صفات العائلة ...
أقسمت تيماء الا تتوتر ... بل ستكون تيماء ... فقط تيماء دون لقب او نسب .....
ستكون قوية في انهاء الأمر بسرعة ......
توقفت للحظة حين أبصرت والدها ...... كان يجلس في نهاية القاعة .... كان مكتفا ذراعيه ....
يحدق بها مجبرا ..... عيناه تتهربان منها , الا أنهما لا تبتعدان وهما تسترقان النظر اليها ...
ياللهي ... كم شاخ و بدا اكبر سنا !!! .....
أين ذلك الذي أرعبها يوما ؟!! .......
استجمعت تيماء كل نفورها و احتقارها و ركزتهما في نظرةٍ واحدة رمقته بها ..... نظرة حملت تشفي و انتصار ..... نظرة حملت كل سعادة تلك اللحظة ... لا لشيء سوى لأن تحط من قدره .... و تتواجد هنا رغم عنه وهو يجلس صاغرا لا يملك حيلة ...... ثم ابعدت وجهها عنه بترفع...
و نظرت الى المقعد الضخم المواجه لها ..... فتوقف قلبها ... ثم ابتسمت ....
كان جدها يجلس هناك .... ذلك الرجل الذي رأته مرة واحدة فقط و منحها فرصة أخرى للحياة متدخلا بسطوته ...
نعم هو .... لقد كبر قليلا و ظهر العمر أكثر على ملامحه , الا أنه لم يفقد ذرة من هيبته ....
ابتسم ذلك المهيب ... سلطاني الهيئة ....
و قال بصوتٍ ارسل صداه الى آذان الحاضرين ... صوت عميق ... مرتاح ..... راضِ
( تعالي يا ابنة سالم ....اقتربي مني أخيرا يا حفيدة سليمان الرافعي ....... )
أسرعت تيماء بخطواتها الرشيقة اليه أمام اندهاش الجميع ... و ما أن وصلت اليه ... حتى مد لها كفه لتقبل ظاهرها ...
بقت تيماء مكانها تشعر بالرفض الداخلي ... فهي لم تقبل يد مخلوق من قبل ....
الا أن نظرة تحذيرية من فريد .... جعلتها ترضخ على مضض و تنحني لتقبل ظاهر يده .....
شعرت فجأة بيده الأخرى توضع على قمر رأسها المحنى و هو يقول برضا
( كبرتِ ..... كبرتِ و صرتِ مدعاة للفخر بكِ ...... )
رفعت تيماء وجهها مزهوا اليه فلم يترك يدها ... بل جذبها لتجلس بجواره وربت على كفها في يده وهو يقول متأملا اياها على مهل
( كيف حالك يا صغيرة عرائس عائلة الرافعي ؟؟ ...... )
هل عرف ما ستحدثه عنه ؟!! ..... أم انه استنتج فقط ؟!! ......
فتحت فمها لتجيب ... الا أن الكلمات توقفت في حلقها و ماتت منصهرة و هي ترى القادم و الذي دخل الى المكان بهيمنة و سيطرة ....
ذلك المهندم بعد ترويض فرسٍ جامحة منذ ساعتين فقط .....
ذلك اللذي دخل و عيناه مسلطتان على عينيها بقسوة ....... بينما هالة من الرجولة تحيط به وهو يتقدم و كأنه يملك المكان .........
قاصي الحكيم .....


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 17-01-16, 12:02 AM   #950

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

انتهى الفصل يا سكاكر ... أوصيكم بقى بالتعليقات و التقييمات و اللايكات و كل حاجة منكم حلوة
انتو شايفين الفصول طويلة .... هاتو تعليقات كتير بقى عشان أجور الأسطوات اللي اشتعلوا فيها ...
سلمني نضيف أسلمك نضيف


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:22 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.