شبكة روايتي الثقافية - حدوتة احـترس من أسود الرأس ..

يُحكى أنه كان يوجد ذئباً ترتعد منه جميع المخلوقات التي تعيش في الغابة ..
كان الذئبُ سعيداً بذلك ، وتملكه الغرور الشديد ..

فجاء إليه ذئب عجوز لينصحه وقال له :" أوصيك والزمان يوصيك من أسود الرأس ."

فتعجب الذئب من تلك الوصية وقال له :" ومن هو أسود الرأس الذي تحذرني منه ؟! "

فأجابه الذئب العجوز :" إنه الانسان ..... "

فضحك الذئب عالياً وقال له :" كيف أخاف منه وأنا قادرٌ على افتراسه والتهامه بأنيابي الحادة "

.. ثم تحدى الذئب العجوز وقال له :" سوف أريك كيف يمكنني أن أقتله بكل سهولة ويسر "

وبالفعل سار الذئب قليلاً حتى وجد نجارا يركب دراجته على مقربة منه فوقف أمامه بشجاعة ، وهمّ على التهامه ...

فارتعد النجار من ذلك الذئب وتوسل إليه ألا يقتله ، ولكن رفض الذئب طلبه وأصــر على إتهامه ..

صمت النجــار قليلاً ثم قال :" أنا أعمل نجارا ، وأرى أنك مرهق من السير طوال النهار وتحت أشعة الشمس الحارقة ، لذا سوف أصنع لك صندوقاً يحميك من أشعة الشمس ، وأيضاً لكي ترتاح فيه .. فيكن لك مأوى في الليل و في البرد الشديد"

فرح الذئب بذلك ، وأوميء برأسه موافقاً ، ثم أخذ يراقب النجار وهو يقطع أخشاب الغابة ويصنع منها ألواحا ويلصقها معاً ويتعجب من مهارة ذلك النجار ...

ولما أوشك النجار على الإنتهاء قال للذئب :" أحتاج منك فقط أن تدخل إلى ذلك الصندوق كي أتأكد أنه ملائم لحجمك وليس بالواسع أو الضيق .."

فنفذ الذئب كلام النجار ودخل الصندوق ..

وهنا أسرع النجار في وضع الغطاء وأغلق الصندوق عليه وأحكم إغلاقه جيدا وجعل في ذلك الغطاء ثقوبا :" ثم نادى بأعلى صوته :" يا عزيزة ! أحضري لي البياض "

( والبياض هو مادة تشبه الوقار وهي مادة سوداء حارقة تلهب الجلد وتترك أثارا وجروحا عليه ) ...

وبدأ النجار يسكب من خلال تلك الثقوب البياض على الذئب فيصرخ هو متآلماً ويعوي بحدة من داخل الصندوق مستغيثا بأحد ينقذه ..

حاول الذئب الخروج من الصندوق مرارا وتكرار ولكنه فشل لأن النجار أحكم غلقه جيدا ... ثم تركه النجار ورحل بعيدا ...
أخذ الذئب يتذكر حديث الذئب العجوز وتحذيراته له من أسود الرأس وكيف وثق به .

ولما سمع أقران الذئب بالعويل النابع من داخل الصندوق أسرعوا ناحيته ، وبادروا بانقاذ زميلهم

أقسم الذئب أنه إن رأى ذلك النجار مرة أخرى سيقتله ويقطعه بأنيابه ، ويمزقه إربا إربا ....

وبعد عدة أيام رأى الذئب النجار مرة أخرى فركض ناحيته ليفتك به ولكن النجار فر هاربا منه ، وأسرع ناحية أحد الأشجار العالية ، ثم تسلقها بمهارة فائقة ..

نادى الذئب على أقرانه ليعاونوه على الامساك بالنجار وإلتهامه ... وبالفعل تجمع الذئاب ، وبدأوا في وضع خطة اصطياد النجار ، حيث قام الذئب بالوقوف جانباً ، وأمر كل ذئب من القطيع أن يصعد على ظهر ذئب أخر ليشكلوا جميعاً سلماً فيستطيع هو تسلق ظهورهم ، ومن ثم يتمكن من الإمساك بالنجار وإلقاءه من فوق الشجرة لينتقم منه ...

وبالفعل أخذت الذئاب تشكل سلما ولما أوشك الذئب على الصعود والامساك بالنجار صاح النجار عالياً :" يا عزيزة .... أحضري البياض !!! "

وهنا صرخ الذئب الغاضب مرتعداً ، وأطلق عويلاً رهيبا وفر هارباً ، واهتزت بقية الذئاب من أسفله وتساقطوا وفروا خلف قرينهم

ملحوظة : لم يكن هناك عزيزة أو غيره ولكن النجار كانت لديه سرعة بديهة وعلم أن الذئب قد ذاق آلم مادة البياض ، فادعى وجود ابنته عزيزة فيتذكر الذئب ذلك فيخاف ويهرب على الفور لمعاناته السابقة من آلام البياض الشديدة ، فينجو النجار بنفسه من انتقام الذئب الغاضب ... أي أن الانسان يمتاز بالمكر ، والدهاء ، والذكــاء والقدرة على التصرف وقت الأزمـــات.
.
.
.
تمت