آخر 10 مشاركات
بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          هائمون في مضمار العشق (2) .. سلسلة النهاية * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : أسماء رجائي - )           »          1025 -البطل الطليق - ريبيكا وينترز - عبير دار النحاس ** (الكاتـب : Just Faith - )           »          234 - طفل اسمه ماتيو - سارة جرانت - ع.ق ( مكتبة مدبولى ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          دموع تبتسم (38) للكاتبة: شارلوت ... كاملة ... (الكاتـب : najima - )           »          عيون الغزلان (60) ~Deers eyes ~ للكاتبة لامارا ~ *متميزة* ((كاملة)). (الكاتـب : لامارا - )           »          93- رجل من ورق - كارول مورتمر - روايات عبير الجديدة (الكاتـب : samahss - )           »          خلاص اليوناني (154) للكاتبة: Kate Hewitt *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          شريكها المثالي (50) للكاتبة: Day Leclaire *كاملة* (الكاتـب : Andalus - )           »          حقد امرأة عاشقة *مميزه ومكتملة* (الكاتـب : قيثارة عشتار - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

مشاهدة نتائج الإستطلاع: هل نهاية الرواية أعجبتك وكانت متوقعة أم لا
أعجبتني وتوقعتها 0 0%
أعجبتني ولم أتوقعها 0 0%
لم تعجبني وتوقعتها 0 0%
لم تعجبني وكانت غير متوقعة ومفاجأة 0 0%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 0. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم اليوم, 02:07 AM   #1

الفارس الأحمر

? العضوٌ??? » 517615
?  التسِجيلٌ » Mar 2024
? مشَارَ?اتْي » 2
?  نُقآطِيْ » الفارس الأحمر is on a distinguished road
Rewitysmile19 رواية أحببت فارسة أكاريا


الفصل الأول (يأس وصراع مع النفس)

يأتي الانسان إلى الحياة بقلب أبيض خالي من الضغينة والأحقاد لكن هذا العالم هو من يزرع بداخلك الحقد والكراهية ويُغزيهما حتى يصنع منك مجرماً بلا مشاعر

مقدمة

عزيزي القارئ/عزيزتي القارئة سواء أكنت من مؤيدي نظرية الأرض المسطحة أو الكروية فنحن هنا لم نأتِ لإثبات نظريات علمية وهذه الرواية تصنف من الفنتازيا رغم أن بعض أحداثها مقتبسة من أحداث حقيقية فالكثير من الأشخاص روى أنه هبط إلى عالم جوف الأرض الغامض منهم من ذكر أن هناك بشر غيرنا يعيشون في جوف الأرض ومنهم من ذكر أن هناك مخلوقات غير بشرية ومنهم من ذكر يأجوج ومأجوج وغيرها من القصص ووفقاً لقوله سبحانه وتعالى عن السماوات السبع والأرضين السبع ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ ّ﴾ أما روايتنا التي سنبحر فيها فهي أقرب إلى الواقع منها إلى الخيال فهي مزيج من الواقع والخيال معاً وقد اخترت كتابة روايتي باللغة العربية الفصحى لأنها لغة القرآن أولا وثانيا هي لغة راقية أكثر من اللهجات العامية المصرية أو الخليجية التي تشعرك بأنه مسلسل درامي تافه وممل كما أنه لا يفهم مصطلحاتها البعض من الدول العربية الأخرى فليس كل العرب يفهمون اللهجة العامية لدولة ما وحاولت قدر المستطاع ان تكون الكلمات سهلة وليست معقدة.



أحببت فارسة أكاريا ذلك عنوان روايتنا اليوم

الفصل الأول

(يأس وصراع مع النفس)

ضجيج وصياح في كل مكان، زحام وتكدس في شوارع المدينة المكتظة بالناس، يسيرون في الشوارع كأنهم زومبي قد خرجوا من قبورهم أشكالهم تبدو مخيفة بعض الشيء بالنسبة لك إن كنت غريباً عن هذه البلاد ولكنك سرعان ما تتعاطف مع سكان تلك المدينة عندما ترى البؤس والطيبة التي في وجههم، أجل عزيزي إنها القاهرة احدى أكثر مدن العالم ازدحاماً وتكدساً بالسكان ووسط كل هذا الزحام يسير فريد في الشارع ليلحق بالميكروباص عائداً إلى منزله من مدرسته بعد يوم طويل من الملل، حياة مملة ورتيبة، روتين يومي، كل شيء مكرر، لا يوجد جديد في حياته ولكنه لم يكن يعلم ما يخبئه القدر له وأن حياته سوف تنقلب رأساً على عقب، كان فريد شاب في العقد الثالث من عمره ، وكان وسيما بني الشعر يجمع بين البياض والسمار فلم يكن بالآدم أو الأبيض شديد البياض وإنما وسط بينهما وكان يعمل معلما في احدى المدارس الحكومية وكان يتقاضى أجرا قليلا مما جعله حانقا على كل ما حوله وكان يقضي أكثر اهتمامه في القراءة ويهوى مبارزة السيوف وركوب الخيل مما جعله مبارزاً محترفاً ، كانت تنظم رحلة الى احدى الواحات المصرية وكان فريد مشاركا في تلك الرحلة ، فاستيقظ في الصباح الباكر في اليوم التالي فوجد والداه على سفرة الافطار وكان ابوه الحاج مصطفى يلح عليه في الزواج إلا ان فريد لم يكن يهتم بالأمر او يفكر فيه اصلا فوجه مصطفى حديثه إلى فريد محاولاً فتح الموضوع من جديد.

مصطفى: "ألم يحن الوقت لكي تتزوج يا بني انا لن اعيش طويلا واريد ان أرى أحفادً لي قبل الممات".

فريد: " لا تقل مثل هذا الكلام أمد الله في عمرك، ولكني لست أفكر في الزواج حاليا يا أبي ولن اتزوج زواج تقليدي".

تناول فريد الإفطار ثم خرج مسرعا الى مدرسته حتى لا يتأخر وعندما وصل دخل الفصل وجلس بين تلاميذه الذين كانوا ينصتون لشرحه بملل كالعادة وأثناء خروجه استوقفه أحد المعلمين ليخبره أن الرحلة ستكون الأسبوع المقبل وأثناء عودته التقى صديقه وليد ثم خرج معه وجلسا على احدى المقاهي فوجده وليد شارد الذهن مستغرقاً في تأملاته.

وليد: "أراك مهموما ومشغولا بأمر مهم يا صديقي".

فريد: "أمس راودني حلم غريب لم أفهم معناه حلمت بأني في أرض غربية مع أناس غرباء لم أعرفهم من أي بلد هم ويتكلمون لغة غريبة والغريب أنني أفهم لغتهم وهناك فتاة جميلة جدا أخذتني من يدي وحضنتني طويلا ثم رأيتها تختفي من أمامي ثم استيقظت بعدها".

وليد: "لا عليك يا صديقي مجرد حلم لا أكثر".

فريد: "لكن ما معناه ما معنى هذا الحلم أخشى أن يكون فألا سيئا ".

وليد: "لا عليك أنت تهول من أمر الموضوع انها مجرد أضغاث أحلام فقط يا صديقي".

ونهض عائدا متوجها للبيت وأثناء سيره في الطريق مر بالسوبر ماركت ليشتري بعض الأشياء وهنا كاد قلبه ينخلع من بين ضلوعه أيعقل أن تكون هي مر زمن طويل لم أراها أجل إنها هي "راندا" فتاة جميلة في العقد الثالث من العمر خمرية وشعرها أصفر جمعت بين الجمال الشرقي والغربي والانوثة الطاغية والبراءة وعندما وقعت عيناهما ارتبكت وقالت بخجل "اهلا وسهلا حضرتك الأستاذ "فريد"".

فريد: "أجل كيف حالك يا رندا".

راندا: "بخير والحمد لله معذرة فقد تأخرت وعلى المغادرة الآن".

فريد: "مهلا انتظري اليس هذا ابنك الصغير ما اسمك يا بني؟".

الصبي: "اسمي فريد" فانصدم وقال في قرارة نفسه: أيعقل أنها لازالت تحبني كما أحبها فسمت ابنها على اسمي بعدما فرقتنا الأيام وتزوجت بعدها ولكنها لم تنساني ولم انساها ما حييت ثم عاد بذاكرته الى الماضي حيث كان طالباً في الجامعة والتقى بها أول مرة وكانت "راندا" تدرس في كلية الهندسة ،وأثناء تجوله في الجامعة سألها فريد عن احدى المكتبات لكي يجد بعض المحاضرات التي تغيب عنها كانت خجولة منه في البداية فهي لم تعتد على محادثة الشباب كسائر صديقاتها ولكنه كان مهذبا معها فشعرت بالارتياح له وأنه ليس كسائر الشباب الراغبين في مجرد علاقات عابرة او التسلي بالفتيات تحت ستار الحب فقد نشأ فريد في اسرة متدينة الى حد ما، تلاقت أعينهما وسرت كهرباء الحب من أول نظرة بين الطرفين كان كل منهما يحاول إخفاء مشاعره عن الآخر ولكن نظراتهما كانت فاضحة لهما، شكرها على المساعدة وذهب وفي خاطرة ألف فكرة .

"يجب ان أحدثها أخبرها بحبي لها فمنذ أن رأيتها أول مرة شعرت بالارتياح والسعادة وكأنني اعرفها منذ دهر ولكنها قد ترفض يجب أن أتأكد من مشاعرها نحوي أولا قبل أن أخبرها فقد تكون متعلقة بشخص آخر غيري".

كانت "راندا" تفكر فيما يفكر فيه ولكنها كانت تخشى ذلك كانت تخاف أن تتعلق بأحد فأبيها قد أعطى كلمة لابن عمها عماد منذ سبع سنوات ووعده بتزويج ابنته له ولا يمكن أن ينقض وعده أو ينكث بعهده.

ارعبتها تلك الأفكار ولكن ما بيدها فهي تحبه ومتأكدة من أنه يحبها.

سهر "فريد" طوال الليل يذاكر المحاضرات وبعد الانتهاء ذهب في نوم عميق ليستيقظ بعدها في الصباح ويقابل راندا في الجامعة.

فريد: "راندا أريد أن أصارحك بشيء في داخلي حاولت كتمانه فلم أستطع "رندا" انا احبك منذ اللحظة الاولى التي تقابلنا فيها انا لا أستطيع العيش بدونك اريد ان اتقدم واطلب يدك من والدك".

راندا: "بتوتر وقلق وقد احمر وجهها "ولكني أعني لا شيء ". ثم تركته وعادت لتحضر أحد السكاشن.

تعجب فريد من ردة فعلها وقال في نفسه "يبدو أني كنت متسرعاً وأحمقاً عندما صارحتها بحبي كان عليَ أن أتمهل في الأمر".

عاد فريد ليحضر محاضرة له في احدى القاعات، دخل وجلس بين زملائه وقد لاحظ الجميع شروده وعدم تركيزه،

ليدخل بعدها الدكتور إلى القاعة ليلقي المحاضرة وأثناء الشرح وقعت عيناه علي فريد وهو غير منتبه وسرحان أثناء محاضرة الدكتور فوجه الحديث اليه: "أخبرني يا فريد فيما كنت اتكلم سابقا أم أنك لم تكن معنا". فارتبك فريد وقال: "اه أعني...". فقام الدكتور بطرده من القاعة فأحرج وسط زملائه.

كثرت مقابلات "فريد" و"راندا" في الجامعة مما أثار اهتمام الجميع وأخذ الجميع يهمسون ويتحدثون عن علاقة حب تربطهما حتى وصل الأمر لابن عمها فأخبر ابيها و الذي اتفق على إعلان خطوبة ابنته راندا من ابن عمها "عماد" واجبرها على الموافقة وذلك ليخرس ألسنة الناس وما ان علم "فريد" بهذا حتى وقع عليه الأمر كالصاعقة فقرر ان يذهب الى ابيها ويفاتحه في أمر الزواج من ابنته ولكن فاجأته ردت فعل والد راندا الذي رفض بشدة وقال ابنتي لن تتزوج إلا من ابن عمها "عماد" واياك ان تحاول الحديث معها فابنتي لن تخرج عن أمري.

خرج محبطاً وتناوبت عليه الأفكار والوساوس حتى فكر في محاولة اقناع راندا للهروب معه والزواج سرا وفرض الأمر الواقع لكنه عندما عرض عليها الأمر رفضت وألحت عليه ألا ييأس وأنها ستحاول اقناع والدها.

دخلت "راندا "على ابيها في المنزل فوجدته يتابع إحدى مباريات كرة القدم.

والد راندا: "أراكي قد أتيت مبكرا اعملي حسابك عماد ابن عمك سيزورنا اليوم".

راندا: "انا لا أحبه يا أبي ولن أتزوجه وفريد زميلي في الدراسة ومتفوق وله مستقبل فلماذا ترفضه".

الوالد بغضب: " اسمعي يا راندا أنا أبيك وأدرى بمن يصلح زوجا لكي لأني أكثر خبرة منك في هذه الحياة دعك من الأحلام عماد هو الشخص المناسب لك".

راندا: "ولكن يا أبي لا أشعر بأي مشاعر نحوه لا أحبه".

قاطعها الوالد بغضب: "ستتعودين عليه وتحبينه عندما تعرفينه ولا أريد حديثا في هذا الأمر مرة أخرى عماد يعمل بالتجارة ومستعد لتحمل تكاليف الزواج وهو من دمنا وأولى من الغريب".

دخلت راندا إلى غرفتها وهي تحاول ألا تظهر دموعها ولكنها انفجرت من البكاء ليتصل بها فريد ليطمئن عليها لكنها أغلقت الهاتف ولم ترد فعلم أن هناك أمرا طارئاً وعليه ان يجد حلا فهو لن يتزوج ولن يحب سوى راندا وهذا ما يعتقده الإنسان عندما يقع في الحب لأول مرة يعتقد أن كل شيء قد انتهى بعد ضياع الحب الأول ولا يعلم أن بعد الموت حياة جديدة وقد يولد حب جديد يعوضنا عن الحب القديم.

أشرقت الشمس بأشعتها الذهبية في اليوم التالي ودخل الوالد مصطفى على فريد في غرفة نومه.

مصطفى: "ألن تذهب الى الكلية اليوم يا بني".

فريد: "عذرا فأنا متعب اليوم".

مصطفى: "أنا مقدر ما أنت فيه ولكن يجب أن نرضى بالقدر والنصيب فما كتبه الله لنا لن يأخذه أحد".

خرج فريد من المنزل بعد الحاح والده

وهنا تقابل مع راندا وجها لوجه.

راندا: "حدد أبي موعد إعلان الخطوبة بعد شهر ورفض ارتباطنا، اسفة على ذلك ولكن يجب أن نرضى بما قدره الله لنا".

فريد: وكاد ينفجر من الغضب "لماذا يرفض أبيك ارتباطنا غدا سأتخرج وأدبر أمور نفسي وسأفعل أي شيء لأجل أن يظل حبنا".

راندا: وقد اغرورقت عيناها بالدموع " قد انتهى الأمر ولن نتقابل ثانية فأنا لست كباقي الفتيات كثيرات العلاقات أنت أول شخص يقتحم قلبي وقد أحببتك وأعلم أنك تحبني ولكني لا أستطيع جلب العار لأهلي سامحني".

وخرجت مسرعة وغادرت وكان هذا آخر لقاء بينهما.

أفاق فريد من تلك الذكريات واشترى بعض الحلوى لطفلها الصغير.

فريد: "خذ هذه الحلوى يا بني".

الطفل: "شكرا يا عمو فأمي طلبت مني ألا أخذ شيء من الغرباء".

وهنا تدخلت الأم راندا: "خذها يا فريد".

راندا: "تأخر الوقت وعلينا المغادرة".

فاستوقفها فريد.

فريد: "انتظري يا راندا ألن أراك ثانية".

راندا: "أنا متزوجة ولدي طفل وزوج انس الماضي يا فريد فأنا واثقة من أنك ستقابل من هي أفضل مني وداعاً".

غادرت وقد تركت فريد ينزف ألما وحسرة فمنذ سمع خبر زواجها وارتباطها حتى أهمل في دروسه ومحاضراته وكره الحياة لدرجة أنه فكر في ترك كلية العلوم ولكنه تراجع مع احاح والده وقد أخذ وقت طويل حتى التأمت جراحه فكأنما عادت وطعنته بسكين جديد تفتح جرحا قديما في داخله جاهد حتى ينساه.

في اليوم التالي وفي فترة الفسحة دخل عليه زميله هاني يخبره بأمر تلك الرحلة وألح على صديقه فريد محاولا إخراجه مما هو فيه من الهم والحزن فوافق فريد على مضض وفي قرارة نفسه لم يكن يشعر بالارتياح لأمر تلك الرحلة فكأنما القدر يخبأ له أمراً عظيم وشيء سيقلب حياته رأسا على عقب.

في أثناء ذلك كان فريد يرى أحلام غريبة لم يفهم دلالتها ويرى اشخاص لا يعرفهم وكلما قص على صديقه وليد أمر تلك الأحلام برر ذلك بأنه مرهق ويعاني من الإجهاد الشديد.

في الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل وقد أصبحت الشوارع شبه مهجورة وكأنها مدن أشباح إلا من قليل من الناس ممن عادوا من أعمالهم التي تتطلب وردية في الليل وبعض الكائنات الليلية من البشر الذين يفضلون الخروج في الليل عن النهار جلس فريد على إحدى المقاهي بالقاهرة التي اعتاد الجلوس عليها مع رفيق دربه وليد وقد خيم الصمت والهدوء على كليهما هذا الصمت الذي يشبه صمت الموت وهدوء المقابر حتى قطع وليد هذا السكون.

وليد: "أراك شارد الذهن وكثير التفكير أهو أمر ذلك الحلم الذي يراودك منذ فترة أنك سقطت في أرض غريبة وأصبحت شخص آخر".

فريد: "ليس هذا فحسب فقد التقيت البارحة ب راندا حب عمري".

وليد: "وماذا دار بينكما؟ ".

فريد: "لقد تزوجت وسمت ابنها على اسمي".

وليد: "إنه الحب يا عزيزي طلعت أصيلة بنت ال.....".

فريد: "ششت أغلق فمك وبقبق خلفي كما تشاء أما أمامي فلا تشتمها فلا زال قلبي معلق بحبها".

وليد: "هيهها ألن تتعلم أبدا يا صديقي لا وجود للحب في هذه الحياة إذا أردت أن تعيش سعيدا فعليك أن تكون مثلي لا تكفيك ألف امرأة فالبنات خلقن لمتعة الرجال وليس للنكد".

*وفجأة مرت فتاة جميلة وبدينة بعض الشيء بجانبهم من الشارع ويبدو أنها كانت تعمل في وردية ليلية فحاول وليد معاكستها.

وليد: "تريلا تسير على عجلات متروسة باللحم تحتاج إلى سائق محنك يجيد ركوبها".

الفتاة بغضب: "سمعتك يا وجه البومة تصفني بالتريلا وانت كالحمار المخصي".

فتدخل فريد لحل الخلاف والفتاة تصيح وتشتم وليد

وليد: "كفي عن الصياح والولولة يا ولية".

الفتاة: "أنا ولية يا وجه البومة يا حقير".

وليد: "عفوا فأنت لست ولية يا مزة بل أنت الولايات المتحدة بحالها ".

على صوت الضجيج والصياح وتدخل الناس ممن كانوا جالسين بالمقهى وحاول بعضهم ضرب وليد لمعاكسته للفتاة إلا أن صديقه فريد اعتذر للفتاة وانتهى الأمر بدون محاضر وأقسام شرطة.

استعد فريد للرحلة التي تقيمها المدرسة إلى الواحات وقد انتابه شعور بأنه سفر بلا عودة ففي داخل قرارة نفسه كان شيء يخبره أنه لن يرى والداه مرة أُخرى حاول محو تلك الأفكار والهواجس إلا أنها ظلت مسيطرة عليه.

وجاء يوم الرحلة ودخل فريد على والده يودعه وكأنه لن يراه مرة أُخرى وتعانقا طويلا وطلب منه الدعاء له ثم صعد الأتوبيس الذي يقلهم إلى الرحلة.

تناوبت الأفكار عليه ووساوس الشيطان تحرضه على انهاء حياته والموت.

فقال في نفسه: "ما معنى حياتك تزوجت راندا حب عمرك وتمر بضائقة مالية فأنت لا تستطيع حتى الإنفاق على بيت أو إعالة أسرتك فكيف تفكر بالزواج أو بناء مستقبل وقد ثقلت عليك الديون وكثرت لا حل سوى الانتحار نعم هو من سيخلصني من كل تلك المشاكل ولكن كيف؟ بلى قد وجدتها عندما يقف الأتوبيس سأخرج وانحرف بعيدا عنهم وأسير في الصحراء وأبلغ أحد أصدقائي بالهاتف أني تُهت في الصحراء وعندها الموت والراحة من هذه الحياة الكئيبة"

فكر ودبر تلك الخطة للتخلص من حياته وانهائها ولكنه لم يكن يعلم ما يدبره له القدر.

توقف الأوتوبيس ونزل فريد ومعه صديقه هاني المشرف على الرحلة وبصحبتهم التلاميذ حيث قاموا بزيارة واحة سيوة والداخلة وشاهدوا الينابيع الساخنة عندها خطط فريد لتنفيذ خطته أخبر فريد مشرف الرحلة هاني برغبته في التجول في المكان بمفرده، وأنه سيعود سريعا ولن يتأخر حزم فريد أمتعته وسار في تلك الصحراء ،أخذ يتعمق في تلك الصحراء حتى أضاع طريق العودة ،شعر بالعطش والجوع في تلك الصحراء وسقط مغشيا عليه، وجده بعض البدو فقام أحدهم بصب الماء على وجهه وأدخلوه إلى إحدى خيامهم وبعد ما أفاق وجد نفسه في الخيمة وقص على الرجل مأساته ورغبته في الانتحار وندمه على ذلك وطلب من الرجل أن يساعده في العودة مجددا، حيث أنه قد فقد هاتفه وأضاعه وليس معه في حقيبته سوى كشاف للإضاءة ولا يعرف طريق العودة.

وصف له الرجل طريق العودة وزوده ببعض الماء والطعام الذي يحتاجه.

سار فريد في تلك الصحراء وندم على تفكيره في الانتحار، وقد بدأ يلعن شيطانه الذي زين له تلك الأفكار السلبية للهروب من قدره والاعتراض على قضاء الله.

سار في تلك الطريق ضالاً وشك في أمر الرجل البدوي الذي دله على طريق العودة فسقط على الأرض من شدة الجوع والعطش وهو يبكي ويسأل الله أن ينجيه من الموت جوعا وعطشا بعد نفاذ ما لديه من ماء وطعام ، أخذ يتأمل المكان من بعيد فلمح شلال ماء في البداية ظن بأنه سراب يظهر للظمآن ولكنه سمع من بعيد صوت المياه تسقط واستطاع رؤية الشلال فقال في نفسه " لن أخسر شيء لعلي أجد ماء هناك" فسار باتجاه ذلك المكان وعندما اقترب وجد شلال للمياه وبعض النخيل وثمار التين الشوكي فأكل وشرب وأخذ معه كميات من الثمار والماء وأكمل طريقه، سار لثلاثة أيام أخرى في الصحراء حتى عم الظلام والسكون و فلا يسمع شيء إلا وقع خطوات أقدامه على الرمال وصوت الذئاب تعوي وصرير الرياح التي أعلنت عن غضبها في تلك الليلة المشؤمة وقد لاحظ في بداية اليوم الثالث له في تلك الليلة أن القمر كان مكتملاً بدراً والسماء صافية وقد رأى ضوء غريب يصدر من كهف يبعد عنه حوالي المائة متر فظن أن هذا الضوء لبعض البدو الذين اشعلوا النار للإضاءة فقرر الذهاب إلى هناك عله يجد من يساعده بعدما ضل طريقه وتاه في الصحراء.

*سار فريد حتى اقترب من الكهف وقد لاحظ اختفاء الضوء الذي رآه قبل الاقتراب من ذلك الكهف فلم يهتم لذلك، لكنه قال في نفسه "لماذا لا أدخل هذا الكهف فأبيت فيه حتى الصباح وغداً أكمل طريقي فأنا متعب وأشعر بالنعاس".

دخل إلى ذلك الكهف ولكنه لم يكن يعرف ما كان ينتظره،

فسار إلى داخل الكهف ووضع حقيبته ومتعلقاته على الأرض وقرر جلب بعض الحطب للإنارة فقد كان الظلام دامس ولكنه لاحظ ضوء برتقالي اللون يخرج من إحدى ممرات الكهف ساورته الشكوك " أيعقل أن يكون هذا الكهف مسكون بالجن " لكنه طرد تلك الأفكار من رأسه فهو لا يصدق مثل تلك التفاهات وذهب لإحضار بعض الحطب للإنارة، والآن بعدما أضاء المكان نظر إلى مصدر ذلك الضوء الذي يخرج من إحدى ممرات الكهف وقال في نفسه: " سأدخل لأتأكد من أمر هذا الضوء فأنا شخص واعي ومتعلم ولا أُؤمن بالخرافات".

* دخل فريد إلى الممر وأخذ يسير ومصدر الضوء يقترب منه.

* أخذ يسير وكأن هذا الكهف ليس له نهاية، لكنه توقف فجأة مذهولاً مما يراه " ما هذا؟ إنها ثلاث أجسام كروية مضيئة يشع منها ضوء أزرق اللون تتحرك ببطء.

أخذ يسير خلف كرات الضوء حتى وجد مخرجاً لذلك الكهف يصدر منه ضوء أبيض قوي جداً لدرجة أنه جعل الرؤية صعبة بل شبه مستحيلة.

* كان مترددا في دخول تلك الفتحة التي يخرج منها هذا النور القوي ولكنه فجأة لاحظ اختفاء الأجسام المضيئة الثلاثة كأنها شموع أطفأتها رياح عاتية في ليلة عاصفة.

*كان في قرارة نفسه يريد مغادرة ذلك الكهف والخروج فهو لا يعرف ما ينتظره ولكنه أدرك انه في صحراء وفقد هاتفه واضاعه ولا أمل لديه في العودة لأهله فلماذا لا يغامر ويستكشف أمر تلك الفتحة المضيئة.

*حينما يتصارع الخوف والفضول وحب المغامرة داخل الإنسان ففي أغلب الأحيان الفضول يكسب المعركة لصالحه.

*أخذ يسير ببطء نحو فتحة الضوء مغمضتا عينيه من شدة الوهج والإضاءة التي تخرج من الفتحة في آخر الممر حتى كان بينه وبين الفتحة خطوات قليلة فشعر بقوة تشبه المغناطيس تجذبه إليها ودخان كثيف يحجب الرؤية، ركض في الاتجاه المعاكس لكنه اصطدم بجدار من البلور يمنعه من العودة فظلت تلك القوة الخفية تجذبه إلى داخل باب خفي ظهر من بين الدخان باب صغير يتسع لشخص واحد فقط ويشع ضوء أبيض قوي فسقط عميقا فيه حتى ارتطم رأسه بإحدى الصخور وفقد الوعي.

*ف الناحية الأخرى ظل هاني صديقه مشرف الرحلة يحاول الاتصال على فريد ولكن كان هاتفه مغلق فأصابه القلق فأخذ يبحث عنه في كل مكان ويسأل المارة عنه ولكن دون جدوى فقرر أن يبلغ الشرطة عن اختفاء فريد وبالفعل أخذت الشرطة تتبع كل مكان يمكن أن يكون قد ذهب إليه وتسأل كل من كانوا بالرحلة ولكن دون جدوى فلم يعثروا إلا على هاتفه المحمول الذي كان قد سقط منه في الصحراء بالقرب من إحدى الينابيع فاعتبروا ذلك حالة اختفاء واعتبروه في تعداد المفقودين.

اتصل هاني بمدير المدرسة وأبلغه باختفاء فريد وأنهم سيضطرون للعودة بدونه وأن الشرطة قد فعلت ما عليها

وطلب منه ابلاغ والد فريد.

في المنزل جلس الحاج مصطفى يتابع احدى متشات الدوري الإنجليزي وقد كانت الساعة 9 مساء بينما أعدت زوجته له الفشار وإذا بجرس الباب يرن.

الحاج مصطفى: " ترى من سيأتينا في هذا الوقت عله يكون فريد قد عاد من تلك الرحلة سأنهض الآن لفتح الباب".

نهض الحاج مصطفى وفتح الباب فوجد رجلا غريبا بالباب.

الحاج مصطفى: " من حضرتك يا سيدي مؤكد أنك أخطأت في رقم الشقة ". فرد عليه الرجل: " أنت الحاج مصطفى والد فريد أليس كذلك؟ ".

الحاج مصطفى: " بلى يا سيدي إنه أنا ولكن لم أعرف من تكون تفضل وأعتذر لك على وقوفك بالباب ".

" لا عليك يا حج نسيت أن اخبرك أنني مدير فريد في المدرسة واسمي الاستاذ طارق ".

الحاج مصطفى بقلق " هل فعل ابني شيء او افتعل مشكلة ".

طارق: " لا الأمر ليس كذلك ولكن أممم " وتمتم بكلمات غير مفهومة.

الحاج مصطفى وقد بدى عليه القلق والخوف: " ماذا هناك يا سيدي أرجوك لا تخفي عني شيء ".

طارق: "لقد اتصل بي هاني زميل فريد وأخبرني أن فريد مفقود ولم يعثروا إلا على هاتفه ولا نعلم هل تاه في الصحراء أم ماذا ".

وقع الخبر كالصاعقة على الحاج مصطفى وأخذت زوجته بالبكاء والصراخ فزجرها وحاول تهدئتها.

" مازال مفقود بعد لم يعثروا على جثته أي أنه لازال حياً فادع الله أن يعيده إلينا سالما".

الأم وهي تمسح دموعها: "يجب أن نسير إليه وأن نبحث عنه في كل مكان حتى نجده فلن أستطيع النوم أو الراحة ولست أعرف ما إذا كان ابني حياً أم ميتاً ".

الحاج مصطفى وهو يحاول طمأنتها: " لا تخافي فلن يهدأ لي بال ولن يغمض لي جفن حتى أعثر عليه أعرف لواء في وزارة الداخلية يمكن أن يساعدنا سأتصل به وأبلغه ".

***

الفصل الثاني (غريب في أرض أكاريا)

أفاق فريد وأشعة الشمس تلفحه وقد كان عطشاً فأخرج قارورة المياه التي بحقيبته وأخذ بعض الثمار التي حصل عليها من بعض النخيل والأشجار بالقرب من الينبوع في الصحراء وأكل وشرب حتى ارتوى.

ثم نظر خلفه ليجد الكهف مصمت وقد اختفت منه تلك الفتحة المضيئة التي دخل إليها فقال في نفسه " يا إلهي أكان هذا حلماً ذلك الضوء وتلك الفتحة ولكن أين أنا الآن ".

نظر إلى السماء فلاحظ أن الجو معتدل فليس بالحار رغم أنه كان في الصحراء يكاد يموت من شدة الحرارة أمس وقد كان شهر أغسطس المعروف بشدة حرارته ولكنه لاحظ أن الطقس كان يميل إلى البرودة والشمس بيضاء وأشعتها تشبه أشعة القمر وكأنها قمر كبير الحجم فتعجب من ذلك " أيعقل أن أكون أصبت بعمى الألوان أم أنا لست على كوكب الأرض ".

أخذ يسير هبوطا من الجبل وقد لاحظ من بعيد سور ضخم وكأنه لمدينة وأي مدينة إنها جنة الله على الأرض فهي مدينة منظمة ومتناسقة وبها مبانٍ ضخمة وشاهقة تشبه ناطحات السحاب ولكنها زجاجية من البلور ويبدو في آخرها قصر من الذهب لم يرى فريد مثله من قبل.

" لا بد وأن ذلك القصر الذهبي هو قصر الملك أو الحاكم ولكن أيعقل أن تلك الفتحة بالكهف قد نقلتني لبلد آخر وكأنه من القرون الوسطى كلا لابد أنني أحلم أجل هذا مجرد حلم ليس إلا ولكن لماذا لا أدخل تلك المدينة لأعرف ماهي وأتأكد من ذلك بنفسي ".

*نزل فريد من فوق الجبل واتجه نحو أبواب المدينة ورأى بعض التجار من المدن المجاورة يدخلون من الباب الرئيسي وقد لاحظ فريد أن المدينة محصنة حيث يحيط بها سور ضخم من الخارج يبلغ ارتفاعه المائة متر ووجد ابراج مراقبة ضخمه عليها جنود مدججين بالسلاح وشاهد قوافل التجار وملابسهم الغريبة بحيث كانوا يرتدون قمصان طويلة تصل إلى حد الركبتين وسراويل كانت ملتصقة بأجسادهم بطريقة غريبة فهم يشبهون عصور القرون الوسطى ولا يختلفون عنهم إلا في ملابسهم الغريبة وقد بدى على أهل تلك المدينة الثراء الفاحش وسعة العيش.

حاول الدخول من الباب الرئيسي للمدينة إلا أن أحد الحراس منعه وتكلم معه بلغة غريبة وغير مفهومة أخذ فريد يصيح بالجندي والجندي لا يفهم بأي لغة يتحدث وقد لاحظ ذلك أحد التجار، فاقترب من الجندي وتحدث معه بتلك اللغة غير المفهومة فأشار له الجندي بالدخول إلى المدينة وهنا عرف فريد بأن ذلك التاجر ذو شأن في تلك المدينة فذهب إليه ليشكره وفوجئ بأن الرجل يفهم كلامه.

فريد: " أود أن أشكرك يا سيدي على مساعدتي ولكني لا أفهم لغتكم ".

فوجئ بالرجل يجيبه: " لا عليك فأنا أفهمك واسمي شريف وأعمل تاجر للأواني الزجاجية ".

فريد: " أنا غريب في هذه المدينة وقد خرجت من ذلك الكهف بالجبل ولا أعرف كيفية العودة لوطني هل يمكنك أن تساعدني".

شريف: " سأساعدك ولكن عليك أن تحكي لي قصتك من البداية ومن أين جئت أما الآن فستذهب معي في بيتي فأنت ضيفي الليلة ".

شكر فريد الرجل على كرمه واستضافته له في منزله وذهب معه وفي أثناء ذلك شاهد فريد المدينة وقد لاحظ غنى وثراء أهل تلك المدينة حيث رأى المباني الشاهقة ومبان أخرى صغيرة والأزهار والورود الجميلة التي تحيط بجانبي الطريق في الشوارع

فكل شيء فيها يسير بنظام والناس يجدون في أعمالهم بإخلاص فلا مجال للمتسكعين والمتلكئين وقد لاحظ فريد أن سكان تلك المدينة يشبهون سكان شمال أوربا في ملامحهم ويختلفون عنهم في زيهم وملابسهم. فسأله فريد: " هلا أخبرتني يا شريف ما أسم تلك المدينة وأين نحن واللغة التي يتكلمون بها ".

شريف سأخبرك بكل شيء لاحقاً ونحن في مدينة "أكاريا" وأهلها يتحدثون اللغة الأكارية ".

فريد: " ولكن إلى أين نسير الآن بتلك العربات ".

شريف: " الى متجري يا فريد لنضع البضاعة فيه وبعدها سأسمع قصتك وأخبرك بكل شيء عن تلك المدينة ".

شريف:" نسيت أن أخبرك بشيء يا فريد يجب عليك أن تتعلم لغة هذه المدينة فأهلها لا يحبون الغرباء ويحتقرونهم كما لاحظت عندما تشاجر معك الجندي عند البوابة وأنا سأساعدك في ذلك ".

وصل شريف وفريد بتلك العربات المحملة وهنا خرجت ابنته "دليلا" من المتجر لتساعد ابيها في نقل البضاعة ووضعها،

فهي الابنة الوحيدة لشريف فتاة رقيقة وخجولة بشعر يميل الى الاصفر وبه بعض الخصلات السوداء وكأنها جمعت بين الشقار والسمار وكل من ينظر إليها يجد بداخلها طفلة بريئة لم تلوثها الحياة بخبثها، فقد رباها والدها شريف بعد موت أمها وعوضها فقدان أمها فكان بمنزلة الأب والأم لها.

شريف: "انزلوا تلك البضاعة وادخلوها في المخازن وانت يا فريد تعالى وساعدني".

دليلا: "لماذا تأخرت كل هذا الوقت يا أبي؟ ومن يكون هذا الشاب الوسيم الذي أحضرته معك؟ هل هو أحد العمال الجدد؟".

شعر فريد بالخجل فهو لم يتعود على مثل هذا المدح والاطراء.

شريف: " إنه شخص غريب ليس من أرضنا بل جاء من أرض أخرى ولكنه لم يخبرني بقصته بعد وهو ضيفي الليلة سأجد له غرفة منفصلة في منزلنا يقيم فيها فقد وعدته بأن أساعده في العودة لأرضة".

دليلا: " لما لا يبقى ويعمل معك في المتجر؟".

فريد: "ولكن يا سيدي لا أريد أن أثقل عليكم".

شريف: "لا تقل مثل هذا الكلام فأنت بمنزلة ابني الذي لم أنجبه وقد نسيت أن أعرفك بابنتي ومساعدتي في المتجر دليلا".

تقدم فريد لمصافحة دليلا وهي تبتسم له ابتسامة بريئة وجميلة.

دليلا بابتسامة بريئة: "مرحبا بصديق والدي وضيفنا الليلة".

فريد: " مرحباً بكِ يا آنسة".

ثم صافحته وبعدها جهزت دليلا الطعام لهما وقد ساعدها الخادم فاي ثم نادت عليهما لتناول الطعام فجلس كل من شريف وفريد وبدآ في تناول الطعام.

شريف: " طعام شهي يا ابنتي فلا أحد يجد طهي الطعام مثلك".

نظرت دليلا إلى فريد فوجدته شارد الفكر وغير مقبل على الطعام.

دليلا: " ألا يعجبك طعامي يا فريد ".

فريد: " لا يا سيدتي إنه لذيذ ولكني أفكر في أهلي لابد وأنهم يبحثون عني في كل مكان وقد يظنوني ميت الآن.

شريف: "قلت لي من أي مكان جئت قبل قدومك إلى "أكاريا"؟".

فريد: " انا يا سيدي من سكان القاهرة وقد دخلت إلى ذلك الكهف حيث كرات الضوء الغريبة وشيء ما سحبني إلى داخل تلك الفتحة وارتطمت رأسي بعدها فقدت الوعي وأفقت فوجدت نفسي هنا ".

دليلا: " "القاهرة" لم أسمع عن مدينة بهذا الاسم من قبل ".

شريف: " أعتقد أني سمعت هذا الاسم من أبي وأنه جاء من تلك المدينة وعاش هنا وتزوج وأنجبني ولكني لم أصدقه وظننت أنه قد أصابه الخرف ولكن غد سنذهب إليه في مكتبته فنخبره بقصتك منذ البداية عله يساعدنا في أعادتك لأهلك ووطنك ".

قضوا الليل يتسامرون وحكى لهم قصة حياته ونشأته وقصة حبه الفاشلة ب "راندا" وقد بدى الحزن على وجهه وهنا تدخلت دليلا لتخفف عنه ألمه: " يا فريد هي لا تستحقك فالشخص الذي لا يحارب من أجل أن يبقى مع من يحب لا يستحق أن تفكر فيه بالتأكيد سيعوضك الله بخير منها ".

فريد: أنا فقط أريد أنا أرى أبي وأمي فقد اشتقت إليهما يا ترى كيف هما الآن؟

*كان منزل شريف مكون من ثلاث طوابق فقد وجد غرفة لفريد في الطابق الثالث ليبيت فيها ويذهب من الغد مع شريف ودليلا للقاء الجد ممدوح والد شريف.

*استيقظ فريد وشريف وذهبا للقاء ممدوح بينما ذهبت دليلا ابنته مكان ابيها في المتجر.

*طرقات على الباب ينهض ممدوح وهو رجل تجاوز عمره السبعون عاما يرتدي نظارة ومنكب على قراءة احدى المخطوطات القديمة في مكتبته ويتجه ليفتح الباب.

ممدوح: "من الطارق انتظر قليلاً سآتي لفتح الباب".

شريف: "مرحباً يا أبي معي ضيف قصته تشبه قصة ذلك الكهف الذي أخبرتني أنك أتيت منه إلى أكاريا ".

ممدوح ماذا قلت أتسخر مني يا ولد لقد أخبرتك بتلك القصة مراراً، أنى لست من "أكاريا" ولكني أتيت من الأرض الأولى إلى هذه الأرض الثالثة ولكنكم لم تصدقوني".

شريف: "دعك من هذا الآن واسمع قصة فريد فقصته تشبه قصتك تماما".

ممدوح: " هيا أدخلا بسرعة وأخبراني ما الأمر فأنا لا أفهم منكما شيئاً".

دخلا إلى داخل مكتبة ممدوح وقد كانت مليئة بالكتب والمخطوطات النادرة وبدأ فريد يقص قصته على ممدوح منذ البداية حتى وصوله إلى "أكاريا" وممدوح يستمع إليه باهتمام وتركيز زاد من حيرة شريف.

ممدوح: " اسمع يا فريد قد أتيت أنا أيضا من القاهرة منذ زمن ودخلت ذلك الكهف وقررت العيش هنا في "أكاريا" وتزوجت وأنجبت هذا البغل الذي اصطحبك إلى هنا أقصد ابني شريف".

نحن هنا في الأرض الثالثة في جوف الأرض ويطلق على سكانها النوردكس أو الشماليون وهم أرقى من البشر ويعتبرون أبناء عم البشر من سكان السطح وقد كنا متطورين جدا إلا أن الحروب النووية قد دمرت كل ما وصلنا إليه من تقدم حتى عدنا إلى البدائية والخيل والسيوف كما ترى وقد حدث هذا منذ مئات السنين وهناك أراضٍ أخرى هذا ما علمته من المخطوطات التي اطلعت عليها فهناك نظريات تتحدث عن العوالم والأكوان الموازية والأبعاد وأن هناك روابط وبوابات بين تلك الأبعاد وذلك الكهف الذي أتيتنا منه أحد البوابات للأرض الثالثة".

فريد: " ولكن هل يمكنني العودة إلى ذلك المكان والعودة إلى وطني هل هناك أمل يا سيدي".

اعتدل ممدوح في جلسته وصمت طويلا ثم قال: "الأمر صعب ويتوقف على الحظ فهذه البوابة لا تفتح إلا مرة كل سبع سنوات إي عليك أن تنتظر لمدة سبع سنوات حتى تعود إلى ذلك الكهف وهناك علامة لتعرف بها اليوم الذي تعود فيه وذلك عند اكتمال القمر بحيث يكون بدراً وتكون السماء صافية وخالية من الغيوم عندها يمكنك العودة إلى ذلك الكهف وسوف يسحبك ذلك الضوء ويعيدك إلى عالمك مرة أخرى كما أن هناك رياح سامة تخرج بعد انغلاق البوابة وقد حاول الكثيرون العودة ولكن لم ينجو منهم أحد فالدخول إلى جوف الأرض ليس كالخروج منه لذلك فالخروج والعودة إلى السطح أشبه بالمستحيل".

*وقع هذ الخبر كالصاعقة على أذن فريد فقد تذكر اليوم الثالث الذي دخل فيه الكهف كان القمر بدراً ومكتملاً وكانت السماء صافية ولكن أيعقل أن يبقى هنا طوال تلك المدة بدون أن يرى أهله لا لابد ان هناك طريقة أخرى ثم سأل ممدوح: " يا سيدي لا بد أن هناك طريقة أخرى عليك أن تبحث عن حل كيف لا أستطيع رؤية أهلي كل تلك المدة؟ جد لي حلاً أرجوك ساعدني".

ممدوح بحزن: "قد قضيت طوال عمري في البحث في هذا الأمر وسألت أهل العلم والمعرفة واشتريت المخطوطات النادرة التي تتحدث عن البوابات والعوالم الموازية ولا يوجد حل آخر لفتح البوابة إلا بعد مرور سبع سنوات من انفتاحها في أواخر السنة السابعة من الشهر الاخير وعند اكتمال القمر عندها تفتح البوابة في ذلك الكهف الذي أتيت منه وتستطيع العودة إلى وطنك وأهلك".

شريف وقد أشفق على فريد: "لماذا تريد تركنا يا فريد ثم أنك لن تجد مكان أفضل من "أكاريا" ابق معنا ستعمل معي في متجري وستقيم معنا صحيح أني لم أنجب أولاد ولكني أعتبرك منذ اليوم ابني الذي لم أنجبه".

انصرف شريف وفريد وغادرا عائدين إلى المنزل ورفض فريد تناول الطعام الذي أعدته دليلا بيديها وصعد إلى غرفة نومه حزيناً وقد بدا لو كبر مائة سنة من أثر الحزن على وجهه ورغم محاولات شريف إجباره على تناول الطعم إلا أنه رفض وحاول الانتحار وإنهاء حياته بعدما تناول جرعة من السم إلا أنهم قد استطاعوا إنقاذه وأحضروا له الطبيب.

*اتجه شريف إلى الطبيب وسأله عن حالة فريد فأجابه: " إنه بخير الآن وقد تحسنت حالته ولكنه لن يفيق إلا بعد أسبوع بعدها يمكنه الكلام والنهوض وعليه أن يستمر على هذا الدواء حتى يشفى تماما " ثم أعطاه الطبيب ترياق أزرق اللون:" هذا يأخذ منه مرتين في اليوم صباحاً ومساء ".

بعدها أعطى شريف الطبيب 50 قطعة نقود ذهبية وشكر الطيب وتركه يغادر.

*ترك شريف الطبيب وعاد إلى غرفة فريد ليجد ابنته دليلا تضع له الكمادات وقد أصابته الحمى فأخذ يُهلوس ويتكلم بصوت عالي دون أن يشعر: " راندا حبيبتي لا تتركيني سأتزوجك رغما عن أهلك لقد حاولت الانتحار مراراً ولكني في كل مرة أفشل بسب التردد ولكن هذ المرة لن أنتحر بل سأقتل من أخذوك مني سأنتقم منهم راندا أجيبيني أرجوكِ لا تتركيني".

شريف:" يبدو أنه لازال متعلقاً بتلك الفتاة يا ابنتي".

دليلا: "هي لا تستحق كل هذا الحب يا أبي فقد تخلت عنه من أجل إرضاء أبيها وابن عمها ".

سأذهب للراحة الآن وعندما يفيق أخبريني حتى يتناول الدواء وأعطاها الترياق وانصرف.

*أخذت دليلا تحدق في وجه فريد وجبينه المتعرق وتقول: " هي لا تستحقك لو كنت مكانها لما تخليت عنك ولحاربت الدنيا كلها لأجلك نعم أنا أحبك يا فريد منذ اليوم الذي رأيتك فيه عندما أتيت إلى المتجر بصحبة أبي رأيت بداخلك ذلك الطفل البريء الذي يذكرني بأيام الصبي والبراءة الجميلة فأنت تملك قلب طفل وجسد شاب وعقل عجوز حكيم لست مندفع وتافه كبقية الشباب فيا ليتك تحبني كما أحبك والله لو تعلم مقدار ذلك الحب لتركت راندا وأحببتني انا".

*ثم اقتربت وهي تذرف الدموع وطبعت قبلة دافئة على رأسه وكأنها قبلة الحياة التي كان ينتظرها لتعيده إلى الحياة ليفيق بعدها فريد ويفتح عينيه ليجد دليلا بالقرب منه وعيناها تتلألآن بالدموع فاحمر وجهها حياءً وخجلاً وابتسمت في وجهه قائلة: "حمد لله على سلامتك يا فريد لابد أن تتناول هذا الدواء وهو يبتسم لها مما زاد من خجلها وحياءها.

*بدأ فريد في التعافي من أثر السم و"دليلا" إلى جانبه تحاول إقناعه بقبول الأمر الواقع والعيش معهم في "أكاريا" "لماذا تريد الرحيل عنا يا فريد صدقني لن تجد مكان أفضل من هنا فلا يوجد ظلم هنا والجميع سواء أمام القانون".

فريد مقاطعاً حديثها: "ولكني اشتقت لأصدقائي وأهلي وراندا تُرى كيف وقع عليها خبر اختفائي لابد وأنهم جميعا يظنوني ميت الآن".

دليلا موجهة العتاب لفريد: "أتريد العودة لها بعدما تركتك وتخلت عنك وتزوجت غيرك لو كانت تحبك لما تزوجت برجل آخر هي لا تستحق".

فريد: "لا تظلميها يا دليلا فهذا قدر ونصيب وانا أعلم أنها لاتزال تحبني نسيت أن أخبرك لقد سمت ابنها على اسمي".

دليلا محاولة تغيير الموضوع: " لم تخبرني ما رأيك في بلدنا "أكاريا".

فريد: " إنها جميلة جدا ولكني لم أستكشفها بعد ولكن هل لها رئيس وحكومة مثل بلدي".

دليلا باستغراب: " لا أفهم ما تعني برئيس وحكومة ولكن لدينا الحاكم العام للمدينة وهو يدعى "كاين" والوزير "يورد" وعلى كل مقاطعة من المدينة حاكم يعين بواسطة الحاكم العام للمدينة ولكن ما رأيك أن أخذك في جولة في أنحاء "أكاريا"؟".

فريد بسرور: "وأنا موافق".

في الناحية الأخرى ظل الحزن مخيم على أسرة فريد وقد جاء الأصدقاء لمواسات الحاج "مصطفى" في فقدان ولده فقد بقي على غياب "فريد" ثلاثة أشهر وكان من بين الزوار صديق "فريد" المقرب "وليد"

وليد: " لقد كان "فريد" أكثر من أخ وصديق لي ولكن.."

قاطعه الحاج مصطفى: " هل تخفي عني شيء يا وليد فقد كنت الأقرب مني له والأعلم بأسراره مني فأخبرني ما تخفي عني".

أخبره وليد بقصة الحلم الذي رواه له "فريد" قبل اختفاءه وعن إكتآبه وحزنه على زواج "راندا" من ابن عمها واحتمالية أن يكون قد انتحر بسببها إلا أن الحاج مصطفى لم يصدق أن ابنه قد ينتحر ويخسر آخرته فقد رباه جيدا وهو أعلم به.

الحاج مصطفى: "فريد حاليا مفقود وتائه في الصحراء حتى نجد جثته وعندها نتيقن من موته أما الآن فهو مفقود إلى أن يشاء الله وسأخبر أحد مفسرين الأحلام بشأن ذلك الحلم الذي أخبرتني إياه ".

*استأذن "وليد" وانصرف عائداً لمنزله وقد ترك الحاج مصطفى في حيرة من أمر هذا الحلم الغريب الذي قصه "فريد" على "وليد".

ذهب الرجل إلى أحد مفسري الأحلام وأخبره بالحلم الذي سمعه من وليد فأخبره الرجل:" يا سيدي هذا الحلم عجيب ولم أسمع به من قبل ومن خلال علومي بأمور الرؤى والأحلام فإن ابنك لايزال على قيد الحياة ولكنه محبوس في أرض أخرى غير تلك الأرض التي نعيش فيها".

الحاج مصطفى باستغراب: " هل هو في بلد أخرى غير بلدنا وكيف أستطيع السفر إليه".

الرجل: "هناك أراض أخرى غير أرضنا ويفصلها عن بعضها جبل يسمى جبل قاف وهناك بوابات وفتحات سرية في الأرض لا يعلمها إلا الله وقد سمعت قصص قديمة لبعض الرحالة العرب عن أشخاص ذهبوا إلى تلك الأراضي وعادوا منها".

الحاج مصطفى: " فكيف نستطيع الوصول لتلك الفتحات السرية لمساعدة ابني في العودة أخشى أن يكون قد أصابه مكروه ولا يستطيع العودة مجدداً ".

الرجل: " من تفسير الحلم فإن ابنك بخير وسيعود بإذن الله فاطمأن وتوكل على الله".

*خرج الحاج مصطفى مسروراً وقد عاد الأمل له من جديد وأخبر زوجته وطمأنها وقد أخبر وليد بذلك إلا أنه لم يصدق واعتبر هذا الأمر مجرد خرافه ولكنه لم يبح بما في نفسه حتى لا يثير القلق في نفس الرجل على ابنه وكتم الأمر في نفسه.

*اتجه وليد إلى القهوة التي اعتاد الجلوس عليها مع صديقه فريد وذكريات كثيرة قد لاحت أمامه ولكن فجأة ذهل وأصابته الحيرة أيعقل أن تكون هي بلى إنها هي "راندا" تتقدم نحوه وتسأله عن حال صديقه فيجيبها وليد ببرود: " وهل يهمك الأمر؟ فلماذا تركته إذن وتزوجت من ابن عمك؟".

راندا:" لقد تطلقت يا وليد طلبت الطلاق من زوجي فلازلت أحبه وأنا نادمة على تركي له ولولا خشيتي على سمعة أبي لتزوجته ف السر من وراء أهلي ولكن لست بالتي تفعل ذلك وتفضح أهلها".

وليد: "لا فائدة فلست أظن أن فريد على قيد الحياة لقد ابتلعته الصحراء ومات وأبوه يصدق خرافات الأحلام والدجالين إنه رجل مسكين حقاً".

*وفجأة شعر بصفعة قوية على وجهه و "راندا" تصرخ فيه: "لم يمت وإياك أن تذكر هذا أمامي أعلم أنه لايزال على قيد الحياة وسيعود يوماً وسيجدني في انتظاره لقد تخرجت من كلية الهندسة على أمل أن نتزوج وبعدما خذلته مرة فلن أخذله مرة أخرى سأنتظره حتى ولو بقيت بدون زواج مدى الحياة".

أفاق "وليد" من ألم الصفعة ليجدها تجري سريعاً من أمامه باكية وهو يتمتم في سره: "مسكينة تعيش في عالم الأحلام غداً ستفيق وتنسى وتتأكد بأنه قد مات وصار تراباً فهذا مصيرنا جميعاً".

***

الفصل الثالث (حياة جديدة في أرض أكاريا)

بدأ فريد حياة جديدة في أرض "أكاريا" بعدما خرج من حالة الإكتاب التي أصابته وبدأ في تعلم اللغة في كل يوم حتى أتقنها مرت عليه سنتين حيث أصبح يعمل في المتجر مع "شريف" وابنته "دليلا" وبعد انتهاء العمل كانت تأخذه "دليلا" لجولة في أنحاء المدينة لتعرفه على أهلها وعاداتهم.

دليلا: " ما رأيك أن نذهب لنحضر الاحتفال الذي سيقام اليوم يا فريد".

فريد باستغراب: " عن أي حفل تتحدثين".

دليلا: " إنه حفل العيد السنوي لتوحيد "أكاريا" حيث يقام في كل عام ويحضره الحاكم العام ل "أكاريا" "كاين" ومعه وزيره "يورد" وسيحضر الحفل العديد من كبار رجال الدولة والأثرياء وكذلك العامة ".

فريد: "واو يبدوا أنه سيكون حفلا صاخباً ولكن متى سيقام ".

دليلا: " اليوم في المساء حيث تزين الشوارع بالورود والأزهار".

عاد فريد ومعه دليلا إلى المنزل فرحين باستمتاعهما بالتجول في أنحاء "أكاريا" حيث كان الخادم فاي قد أعد لهم الطعام فجلسا لتناول الطعام مع شريف.

شريف: " أخبروني كيف كانت جولتكما اليوم في أنحاء "أكاريا"؟".

فريد: " المدينة جميلة جدا فقد شاهدت العديد من المباني المزخرفة منها الزرقاء والأرجوانية والنا فورات التي في وسط الميادين حقاً إنها الجنة ولكن ألا يوجد فقراء هنا في "أكاريا" ".

شريف: "لا يوجد ماذا؟ أنت تمزح أليس كذلك؟".

فريد: "لكني لم ألاحظ أحد يتسول أو يرتدي ملابس ممزقة وكأن المدينة كلها أغنياء ولا يوجد فقير واحد بها".

هنا تدخلت دليلا في الحوار: " لا تتعجب فالفقراء قليلون هنا لأن الجميع يعمل بجد ولا مكان للمتسولين واللصوص سوى أرض الظلام "شاران"؟".

فريد بدهشة: " وماذا تكون "أرض الظلام" هذه؟ هل هي قرية أو مدينة؟ ".

غضب شريف من ابنته ونهرها بشدة: " أما وجدت غير هذه الأرض الملعونة لتذكريها أمامنا إنها أرض الظلام والشر، هي أرض غامضة توجد فيها مخلوقات مرعبة وخطيرة إضافة للمجرمين فكل من يرتكب جريمة أو يقتل أو يسرق يقومون بنفيه إلى هناك حتى قلت الجرائم لدينا كما ترى يا فريد".

فريد: " ومن يحكم تلك الأرض؟ وهل هنالك قوانين كالتي هنا؟

شريف: " لا نعلم عنهم الكثير فلا أحد يجرأ على الذهاب إلى هناك ،فالقوانين في أكاريا تجرم الذهاب إلى هناك فلم يسافر أحد إلى أرض الظلام وعاد فغالبيتهم يقتلون ولكن يقال إنه يحكمها شخص يدعى "زارا" السفاح وهو انسان له رأس ذئب وجسد انسان فنصفه ذئب ونصفه الآخر بشري فكأنما جمع بين وحشية الذئاب وخبث ومكر البشر ويوجد ثعبان أسود كبير يحمي أرضهم يطلق عليه وحش الزنما في مقابل أن يقدم زارا واتباعه أضحيات بشريه لهذا الثعبان وهذا ما جعل أرضهم محصنة ولا يستطيع اي جيش احتلالهم وتخليص الناس من شرورهم، اضف الى ذلك فلا يعيش هناك في تلك المدينة سوى القتلة والمجرمون واللصوص وقطاع الطرق والمغتصبون فكل من يرتكب جريمة هنا تتم محاكمته وإذا ثبتت الجريمة عليه يتم نفيه إلى هناك وإنزاله بالحبال من فوق السور حيث يفصلنا عنهم سور ضخم من الجليد يقع هذا السور تحت إشراف ملكة الجليد سيليا وهي تحكم أرض " هارينا " شمالنا والتي تسمى أرض الجليد ووزيرها نيار سيحضر الاحتفالية التي ستقام مساء اليوم".

فريد بفضول: " ولكن ألا يستطيع هؤلاء السفاحين عبور ذلك السور ودخول مدينة الجليد؟".

دليلا: يحدث أحيانا أن يتسلل البعض ولكننا دخلنا في حروب معهم وساعدنا ملكة الجليد "سيليا" في صد هجماتهم وإعادتهم إلا ما بعد السور بأميال واليوم صار الوضع أكثر أماناً والسور أصبح عليه حراسة شديدة ولا يستطيع أحد عبوره إلا قتل".

انهوا عشاءهم وذهب شريف إلى غرفته ليستريح ويأخذ له قسط من الراحة.

فوجئ فريد بـدليلا تدخل عليه غرفته بعد ساعتين:" عليك ارتداء هذه الثياب التي أحضرتها لك معي لنحضر الاحتفال اليوم".

ثم وضعت زي أزرق اللون يشبه الجلباب ولكنه مشقوق من الأسفل من الأمام مسافة شبرين وفوق الرقبة قماش يغطي حتى نصف الوجه وحينما سألها فريد عن هذا الزي أخبرته بأنه لن يسمح له بحضور الاحتفال إلا بهذا الزي فهي تقاليد ورثوها من أجدادهم الأكاريين القدماء، ولكن يستثنى من ذلك كبار القادة والمسؤولين في أكاريا.

*بدأت المدينة في الاستعداد للاحتفال بعيد توحيد "أكاريا" حيث تقيم "أكاريا" تحالف عسكري واتفاقية دفاع مشترك مع مدينة "هارينا" لصد هجمات الأشرار والسفاحين وزعيمهم "زارا" الذي يحكم "أرض الظلام" والتي يفصلها عن "أرض الجليد" ذلك السور الضخم من الجليد.

يدخل الوزير نيار على الملكة سيليا ملكة ارض الجليد "هارينا" ويلقي التحية عليها.

نيار: "مرحباً جلالة الملكة أبلغوني أنكِ استدعيتني لأمر طارئ.

سيليا: " اسمع يا نيار سأرسلك برسائل محملة بالهدايا إلى "أكاريا" وأبلغ حاكمهم سلامي وتحياتي له ولشعب "أكاريا" واعتذر له بالنيابة عني عن عدم حضوري الاحتفال السنوي ل "أكاريا" فأنا أخشى أن يستغل السفاح زارا غيابي عن المدينة ويهاجمها فقد أخبرنا جواسيسنا لديهم أنهم يخططون لمهاجمتنا ولكني سأحضر العام القادم عندما تستقر الأوضاع".

نيار: " أمرك جلالة الملكة سأنفذ كل ما أمرتني به، فاسمحِ لي بالانصراف الآن حتى أجهز نفسي للرحيل إلى "أكاريا".

أذنت له الملكة بالانصراف فانصرف ليعد نفسه للاحتفال وينوب عن ملكته سيليا لدى حاكم "أكاريا" كاين.

*هناك في أرض غامضة ومرعبة لا يحكمها سوى قانون الغابة ليل دائم وظلام فلا تسطع الشمس ولا يُرى ضوء النهار بل مدينة غارقة في الظلام حيث يقبع ثعبان الزنما المخيف الذي يعيش في الظلام فلا يستطيع الخروج من تلك المدينة لأنه إذا تعرض للضوء يتحلل جلده ويموت، عصابات وقطاع طرق ولصوص ومغتصبون ومخلوقات مرعبة ومخيفة ونباتات سامة حيث أخطر مكان يمكن ان تفكر في الذهاب إليه في أرض الظلام والتي تسمى "شاران" يجب أن تقتل لتحمي نفسك، يجب أن تسرق لتجد قوت يومك، يجب أن تبيع الفتاة جسدها لكي تعيش، هناك في عالم الذئاب لابد أن تكون ذئب مثلهم أو ثعلب مكار لكي تنجو من شر أهل تلك المدينة.

جلس "زارا" حاكم أرض الظلام وزعيم الشر والسفاحين في قصره حيث يأتيه رجاله من العصابات واللصوص بكل ما يقومون بسرقته من أموال وذهب وأطفال وفتيات يتم خطفهن للعمل كجواري وعبيد في قصره أو بيعهن في سوق الجواري أو تقديم بعضهم كقرابين لثعبان الزنما الكبير الذي يحمي أرض شاران من أعدائها ثم يقوم بمكافأة اللص الذي يجمع أكبر قدر من المال أو السفاح الذي يقتل أكبر عدد من الضحايا فهنا كل شيء مباح.

في قصر زارا الكئيب يدخل سقرب أحد أشجع الفرسان والقادة لدى زارا وذراعه اليمنى وقد بدى القلق على وجهه.

زارا: "أهذا كل ما جمعتموه اليوم من البلدان المجاورة؟ ألم آمركم بفرض الإتاوات عليهم ومن يرفض تقتل عائلته ويهدم بيته أو نبيعهم كعبيد وجواري".

هنا تدخل سقرب لتهدئة غضب زارا: " لكن يا سيدي الناس أصبحوا فقراء وقد بارت الأراضِ ومعظمهم يموتون جوعاً لقد هلك الكثير من الناس".

زارا وقد استشاط غضباً: "وما شأني أنا أريد المال هذا المال لا يكفي لسد نفقاتنا أم تريد أن ينقلب علينا قادة العصابات المتحالفين معنا لو لم ندفع لجنودهم رواتبهم فأنا أخشى أن يتمردوا علينا لو لم ندفع لهم المال وتضعف شوكتنا ولا ينصاعون لأوامرنا فلا شيء يسكتهم سوى المال".

سقرب:" لدي اقتراح فلنعد رجالنا ونقتحم السور ونسرق "هارينا" إنهم أثرياء ولديهم المال الكافي لدفع نفقات الجند ودعنا من أمر تلك البلاد الفقيرة التي تحت سيطرتنا".

زارا: " لكن سيكون ذلك مخاطرة كبيرة إذا حاولنا اقتحام السور سنواجه جيشان جيش "هارينا" الذي تحكمه سيليا ملكة بلاد الجليد وجيش كاين حاكم "أكاريا" وقد ينتهي المطاف بقتلنا جميعاً".

قاطعه سقرب: " إذا أضعفناهم وأحدثنا الفتن والفوضى بينهم قد نتمكن من هزيمتهم".

زارا: "ولكن كيف ذلك؟ أخبرني".

سقرب: "سنقيم اتفاق سري مع نيار وزير الملكة سيليا على أن ندبر نحن مكيدة ونرسل بعض رجالنا لقتل الملكة سيليا حيث لا يوجد وريث لعرشها فيتولى الوزير نيار الملك طبقا لقوانين "هارينا" وفي مقابل ذلك يدفع لنا الأموال لنسد بها نفقات الجند".

زارا بقلق: وكيف نستطيع قتل الملكة سيليا؟ وهل سيقبل نيار ذلك العرض؟ وإذا انكشف أمرنا فأنت تعلم ما سيحل بنا جميعاً".

قاطعه سقرب: " لا داعي للقلق يا سيدي فقد خططت لكل شيء سوف نرسل بعض رجالنا لقتل الملكة سيليا أثناء زيارتها لحاكم "أكاريا" كاين في الاحتفالية التي تقام كل عام حيث من عادتهم أن ينشغل الناس بالحفل والغناء والمبارزات بالسيوف وعروض رقص الخيل وسيكون الأمر سهلاً علينا الدخول وسط هذا الحشد والزحام وقتل الملكة بسهم مسموم أما أمر الوزير نيار فأرسل له من يحاول إقناعه ولو تطلب الأمر أن أذهب بنفسي للقائه".

زارا: " لكن الاحتفالية ستقام اليوم في المساء لن يسعفنا الوقت لتنفيذ ما خططنا له".

سقرب: "يا سيدي الاحتفالية تقام كل عام وسنؤجل الأمر إلى العام المقبل لنعد أنفسنا جيداً لتنفيذ ذلك"

زارا: "أتمنى أن ينجح مخططنا، وإلا سيكون مصيرنا حرباً مع جيشين ومدينتين لا قبل لنا بهما".

سقرب: "سأحاول التسلل من إحدى السراديب السرية أسفل السور الذي يفصلنا عن هارينا" لأقابل الوزير نيار وأعرض عليه خطتنا".

زارا: " ليتكم تضعون لنا خطة لقتل روجينا قائدة جيش أكاريا فهي كالشوكة في الحلق إنها تعتدي على سفننا المحملة بالغنائم وأصبحنا لا نستطيع تهريب الذهب والعبيد بسبب هجماتهم علينا وتصاعد نفوذها ونفوذ الحاكم كاين في بحر الشمال".

سقرب: " لكن هذا الأمر سيكون صعباً فمن سيجرأ على قتل روجينا وتخليصنا منها جميع الجنود يصابون بالهلع والخوف عند سماع اسمها ولكنني أعدك بأنني سأعرض على نيار مساعدتنا في وضع خطة محكمة لقتلها وقتل الملكة سيليا معاً".

استأذن سقرب للانصراف والذهاب للقاء نيار سراً والترتيب لتنفيذ المخطط الذي اتفق عليه مع زارا،

وعلى الناحية الأخرى فقد أستعد الحاكم العام "لأكاريا" كاين للاحتفالية وارتدى الدرع الذهبي المرصع بالأحجار الكريمة، يدخل الوزير يورد وقائدة الجيش روجينا وولي عهده سارين وهو شقيق كاين الأصغر وقائد الشرطة سادير لتحية الحاكم ومرافقته في موكبه

الوزير يورد: مرحباً يا سيدي المركبات والحراسة جاهزة".

روجينا وأنا قد طلبت من الجيش الانتشار في الشوارع".

الحاكم كاين: "عظيم يا روجينا ولكن ألن تصحبينا في الموكب أم ستفعلين مثل كل مرة وتأخذين قليل من الجنود برفقتك وتسيرين على ظهر حصان دون حراسة كالعادة".

روجينا: "تعلم يا مولاي أنني لست بحاجة إلى حراسة فلا أحد يجرأ على الاقتراب مني أو التعرض لي بأذى والمهم عندي سلامتكم".

الحاكم كاين: "بالطبع فأنتِ فارسة لا تهزمين وقائدة عسكرية بارعة ومحنكة ولم تهزمي في حرب قط ولهذا أسندت إليك قيادة الجيش".

روجينا: " أشكركم على ثقتكم الغالية يا مولاي ولن أخيب ظنكم بإذن الله".

هنا يتدخل سارين ولي العهد وشقيق الحاكم: "لقد تأخر الوقت وعلينا أن نصل لاستقبال الملكة سيليا ووزيرها نيار".

الحاكم كاين: "لا تتعجل يا سارين فالوقت مناسب الآن وليس هناك تأخير ولكني أريد أن أطمأن من انتشار الشرطة في نواحي المدينة فهناك مجرمون يهربون كل عام من "شاران" ويدخلون مدينتنا ليفسدوا علينا الاحتفال السنوي".

سادير قائدة الشرطة: " لا عليك يا مولاي فقد أمرت بنشر فرق من الكتائب الحديدية وهؤلاء رجال أقوياء ومدربين وباستطاعتهم تأمين الحفل، ولكن اعذرني يا مولاي هؤلاء المجرمون يتسللون ل "هارينا" ثم يدخلون "أكاريا" عن طريق سراديب سرية تحت السور الجليدي ومنه يعبرون لمدينتنا".

الحاكم كاين: " وماذا ترون؟ لوقف هذا الأمر".

الوزير يورد: " أنا أرى يا مولاي أن تخبر ملكة " هارينا" بهذا الأمر لتأمر بالبحث عن تلك السراديب السرية وهدمها".

الحاكم كاين: " فكرة رائعة وأعتقد أنها ستضع حداً لردع هؤلاء اللصوص والمجرمين".

تجهز الجميع للاحتفالية السنوية لتوحيد "أكاريا" كانت الشوارع مزخرفة بالورود الجميلة وفي وسط الميدان الضخم الذي ستقام فيه الاحتفالية هناك نافورة مياه ضخمة حيث يسير الناس ممسكين بالورود ويضعونها فوق خشبة المسرح الذي تقام فيه عروض السحر ومبارزات السيوف وكانت هناك مسابقة أخرى للخيول ولكنها تقام بين الجنود فقط والقائد الذي يفوز يتم تكريمه من الحاكم كاين ،كان فريد ودليلا يسيران وسط تلك الحشود وفريد يبدو مبهورا أما دليلا فقد اعتادت على تلك الاحتفالات فهي تقام كل عام في "أكاريا"، وبينما يسير فريد مبهورا بما أمامه وإذ فجأة بحصان يصدمه دون أن يراه ويطرحه أرضاً ،هرعت دليلا إليه لتطمأن عليه فقال لها: " أنا بخير ولكني أريد أن أعرف من الغبي الذي يسير في الطريق بحصانه مسرعاً ويريد قتل الناس".

هنا سمعت روجينا قائدة الجيش فريد فنزلت إليه من على ظهر الحصان وكانت ترتدي خوذة تخفي نصف وجهها فوجهت حديثها إلى فريد: "يبدو لي أنك فتى سليط اللسان ومع ذلك سأتغاضى عم قلته من كلام وتقبل اعتذاري".

فريد بغضب: " أنتِ فتاة حمقاء ومتهورة ماذا لو كسرت ساقي أو قتلني حصانك الجامح".

هنا أسرعت دليلا إلى فريد تضع يدها على فمه لتمنعه عن الكلام حتى لا يتكلم بكلام قد يودي بحياته فهو لا يدري مع من يتكلم، وهنا اجتمع الحاضرون وأخذو يصيحون في فريد وصاح فيه أحد الجنود: "تعلم الأدب يا هذا كيف تجرؤ على أن تخاطب القائدة روجينا بهذا الشكل إنها قائدتنا وأعظم امرأة في أكاريا ونحن جميعاً نهابها ونحترمها".

فريد بسخرية:" لأنكم عبيد تسيركم امرأة، لو كنت مكانكم لخجلت من نفسي، هيا ارحلوا عني، وأنت أيتها الفتاة ما اسمك؟ أه أجل تذكرت روجينا لم لا تذهبين إلى المطبخ لغسل الصحون فهذا أفضل شيء تجيدينه ودعك من ركوب الخيل فإنه للرجال وليس لفتاة لم تتعلم بعد ركوب الخيل".

*هنا فوجئ فريد بصفعة قوية على وجهه من روجينا ولكمة أخرى في بطنه حاول الدفاع عن نفسه لكنه لم يستطع فتلك الفتاة تجيد الكاراتيه وفنون القتال وهي قوية جداً، أخذت دليلا تبكي وتتوسل إلى القائدة روجينا حتى لا تأمر بقتله.

روجينا: " لابد أنك شقيقته أليس كذلك".

دليلا وعيونها تدمع: "أجل يا سيدتي هو أخي ولكنه كان مسافراً في احدى المدن الأخرى ولم يأتِ إلا منذ فترة قليلة هو لا يعرفك أرجوك وأتوسل إليكِ ألّا تأمري بقتله".

هنا نزعت روجينا الخوذة من على رأسها واقتربت من فريد، فأخذ فريد يتأمل وجهها وقد أبهره جمالها فشعرها أحمر كالوردة الحمراء الجميلة وعينيها تلمعان كأنهما قمران مضيئان فرغم صرامتها وقوة شخصيتها وهيبتها إلا أن ذلك لا يقلل من أنوثتها وبراءتها فقد زادها ذلك جمالاً وقوة وهيبة أحبها فريد من أول نظرة، فدق قلبه للمرة الثانية منذ أن تركته حبيبته السابقة راندا وتزوجت فطأطأ فريد رأسه وتوجه إليها وقد بدا عليه الندم: "أعتذر إليك سيدتي فقد كنت أحمق ظننتك فتاة لاهية تسيرين بحصانك للعب وإيذاء الآخرين لم أعرف من تكونين"

هنا صاح فيه أحد الجنود المرافقين لروجينا: " وهل هناك أحد في "أكاريا" لا يعرف القائدة روجينا فارسة "أكاريا" الأولى وقائدة جيشنا التي لم تهزم في حرب قط، أرجوكِ دعيني أقتله يا سيدتي فقد تمادى في وقاحته وتطاوله عليكِ، لم يجرأ أحد على فعل ذلك في "أكاريا" كلها سوى هذا الأحمق".

روجينا للجندي:" لا فقد عفوت عنه فقد أثار اندهاشي لشجاعته ولكني أيضا لا أحب المتمردين وسليطي اللسان".

ثم ركبت حصانها وذهبت مع جنودها إلى حيث سيأتي الحاكم كاين ويكرم الفائزين في سباق الخيل ومبارزة السيوف وكذلك سيكرم من يقدمون أفضل عرض على المسرح يجذب الجمهور ويعجب الحاكم.

اصطفت الجماهير حول المسرح الكبير الذي تقام فيه العروض وكان الحاكم كاين ووزيره يورد ووزير الملكة سيليا نيار قد حضر بالنيابة عنها واعتذر عن عدم حضورها وأنها ستحضر في العام القادم ،وبينما كان الاحتفال قائماً أصطف الجمهور حول المسرح وكان فريد ودليلا من بين الحضور وكان فريد مبهوراً بتلك العروض وخاصة عرض مبارزة السيوف حيث يتقدم من يرغب في المبارزة من الحضور والذي يستطيع هزيمة جميع منافسيه يتم منحه الجائزة وتكريمه من الحاكم كاين وأخبر فريد دليلا عن رغبته في التقدم في تلك المسابقة وأخبرها أنه كان يهوى مبارزة السيوف منذ صغره وأنه متفوق فيها ولكنه أهملها لاهتمامه بالدراسة أما الآن وقد أتيحت له الفرصة لإثبات مواهبه فعليه أن يستغلها، وهنا تقدم فريد بطلب للانضمام للمتسابقين وبدأت المبارزات واستطاع فريد هزيمة جميع نافسيه وقد كانت روجينا من بين الحضور وهي تراقبه مذهولة من قوته وذكائه ومهارته في مبارزة السيوف فوقف فريد على المسرح وصاح : "هل من مبارز؟ هل من أحد يتحداني؟".

هنا أشارت روجينا إلى جيزان نائبها ومساعدها الذي لم يهزم قط في مبارزة من قبل فتقدم من فريد وطلب مبارزته، وافق فريد ولكن بشرط انه يتنازل عن الجائزة لخزينة الدولة إذا فاز بها وأن تقبل روجينا اعتذاره وتسامحه على ما بدر منه أبلغ جيزان روجينا بطلب فريد فتعجبت منه وزادت دهشتها فتقدمت منه لتسأله: "تتنازل عن جائزة مالية ضخمة لكي أسامحك لابد أنك تمزح يا ما أسمك؟ فأنت لم تخبرني باسمك".

فريد: " اسمي فريد سيدتي وأرجو أن تقبلي اعتذاري على وقاحتي للمرة الثانية".

روجينا: "يبدو لي من اسمك أنك لست من سكان "أكاريا" فمن أين أتيت؟".

فريد: "إنها قصة طويلة يا سيدتي ولكني مستعد لفعل أي شيء لتسامحيني".

روجينا: "تبدو واثقاً من فوزك في المبارزة هل أنت مغرور؟ حسناً لكن إذا هُزمت أمام جيزان فسأمر بسجنك عقاب لك أما إذا غلبته فسأقبل اعتذارك ولك مني مكافئة".

فريد بثقة: " سأفوز لأجل ان تسامحيني أعدك بذلك سيدتي".

ثم انحنى احتراماً لها وعاد للمسرح لمبارزة جيزان.

بدأ كل من فريد وجيزان المبارزة وسط تركيز وتشجيع من الحاضرين، كانت دليلا تشجع فريد، بدأت السيوف تلتقي، حاول جيزان ضرب فريد وجرحه بالسيف إلا أنه تفادا الضربة بطريقة أدهشت الحاضرين وخاصة روجينا التي اندهشت من مهارته في مبارزة السيوف، استطاع فريد أن ينهي الأمر بضربة واحدة أسقطت السيف من يد جيزان فصاح الجميع يهتفون "فريد البطل"، صعدت دليلا على المسرح لتعانق فريد ولكنه دفعها وابعدها عنه بقوة مما جعلها تشعر بالحرج فنزلت من على المسرح محاولة إخفاء دموعها والتظاهر بالابتسام.

أدرك فريد خطأه وشعر بأنه قد جرح دليلا فنزل ليصالحها ويقبل رأسها فعادت دليلا لمعانقته مرة أخرى وسط ذهول من الحاضرين، هنا نادى الحاكم كاين على فريد لتسليمه الجائزة فصعد مرة أخرى إلى المسرح ودليلا إلى جانبه تمسك بيده كأنها طفلة تمسك بيد أبيها خوفاً أن تتوه منه في الزحام.

تقدمت روجينا نحوهما وقد بدت عليها بعض علامات الغيرة: " لم أرى فتاة تحب شقيقها من قبل كل هذا الحب وتحضنان بعضكما أمام العامة وكأنكما عاشقين ولستما أخوين".

فريد محاولاً تغير الموضوع: "معذرة يا سيدتي فقد وعدتني أن تقبلي اعتذاري إذا غلبت جيزان وأنا الآن أتنازل عن الجائزة المالية لخزينة الدولة ولتقبلي اعتذاري يا روجينا ثم انحنى احتراماً لها".

روجينا: "قم وارفع رأسك وإياك أن تنحني أمامي أو أمام أحد غيري فما منعني عن قتلك سوى جرأتك وشجاعتك".

*هنا تقدم الحاكم كاين مندهشاً من تصرف فريد: " لماذا تتنازل عن جائزة مالية كبيرة تقدر بألف قطعة ذهبية".

فريد: " لست بحاجة إلى المال يا سيدي فخزينة الدولة أولى أن ينفق بها على إعانة المرضى أو بناء الجسور التي تيسر على الناس حياتهم أما أنا فكل ما أتمناه أن تقبل القائدة روجينا اعتذاري عما بدر مني من سوء خلق".

* وسط كل هذا وقعت عينا سارين شقيق الحاكم على دليلا وأعجب بها ويبدو أنه قد أحبها من أول نظرة فتوجه إليها وسألها: "ما اسمك أيتها الجميلة؟

فجابته الفتاة وقد احمر وجهها من الخجل:" اسمي دليلا يا سيدي ولكن أنت سارين شقيق الحاكم كاين أليس كذلك؟

سارين بثقة:" نعم انا شقيقه يا سيدتي"؟ ثم قبل يدها برفق

سحبت دليلا يدها برفق ثم انصرفت عنه وقد احمر وجهها من شدة الخجل ولاحظ فريد ذلك فسارين لم يرفع نظره عن دليلا فللمرة الأولى في حياته يدق قلب سارين وقال في نفسه: "إنها فتاة خجولة ورقيقة وستكون زوجة مناسبة لي سأطلب يدها من أخيها فريد بالتأكيد سيوافق على زواج شقيقته منّي فأنا ولي العهد وشقيق الحاكم وسأرث ملكه".

*توجه الحاكم كاين إلى فريد موجهاً الحديث إليه: " لا عليك يا فريد فما دمت قد قبلت أنا اعتذارك فستقبل هي كذلك وسأمر بتعيينك قائداً للفرسان في الجيش على أن تتولى روجينا بنفسها تدريبك فنحن بحاجة لمهارتك في القتال".

تردد فريد في البداية فحاولت روجينا إقناعه: "إنه أمر الحاكم كاين يا فريد وأمري أنا أيضاً هل تريد أن تعصي أوامرنا".

فكر فريد لبعض الوقت فهي فرصة ليلتقي بروجينا ويراها فقال: " لا يا سيدتي فهذا شرف لي وأنا موافق بالطبع".

*جلس وليد ع المقهى شارد الذهن وقد بدا الحزن عليه واليأس من عودة صديقه وقد أيقن فعلاً أنه مات فقد مر على اختفاء فريد العامين وها هو العام الثالث يبدأ حتى ظن الجميع في المدرسة بأن فريد قد مات وأما والد فريد الحاج مصطفى فلم يتحمل الصدمة وتوفي بسكتة قلبية فكان وليد يقف بجانب أهل فريد ويعينهم بالمال وقد صرفت الحكومة لهم معاش بعد استخراج شهادة وفاة فريد فكل من في المدرسة والشارع الجميع سلم بأن فريد قد مات ما عدا راندا التي لم تصدق ذلك وأصيبت بالاكتئاب عندما علمت أن زوجها الذي انفصلت عنه عماد وابنها فريد قد ماتا في حادث سيارة فقد فقدت راندا ابنها وحبيبها وابن عمها وكل شيء جميل واسودت بعدها الحياة في وجهها فحاولت الانتحار وألقٌت بنفسها من الطابق الثالث في محاولة لإنهاء حياتها ولحسن الحظ تم انقاذها من الجيران ووالدها أصيب بالصدمة ولم يعد قادر على الكلام وأصبح يلوم نفسه على ما جرى لابنته لأنه منعها عن الزواج بمن تحب ولاتزال رندا في غيبوبة حتى الآن في المستشفى.

*فجأة يدخل القهوجي على وليد ليسأله:" هل تريد شيشة تفاح مثل كل يوم يا أستاذ وليد؟".

أعاد السؤال مرة أخرى ولكن وليد كان شارد الذهن فصاح القهوجي:" يا أستاذ وليد".

فانتبه وليد من غفلته:" ماذا هناك لماذا تصيح هكذا وترفع صوتك".

القهوجي: "أنا هنا سألتك ثلاث مرات عن الشيشة وأنت لا تجيب".

وليد: "لا أريد الشيشة فانا متعب سأذهب لآخذ قسطاً من الراحة قليلاً فأنا أشعر بالتعب والإرهاق".

ثم أعطاه الحساب وانصرف عائداً إلى منزله ولكنه فكر في الذهاب إلى المستشفى للاطمئنان على حالة راندا وهل أفاقت بعد من الغيبوبة أم لا؟

*توجه وليد إلى المستشفى الذي توجد فيه راندا فوجد الطبيب وبعض الممرضات يقومون بفحصها فسأل " ألم تفق بعد من البنج يا دكتور".

الطبيب للأسف حالتها صعبة فقد ألقت بنفسها من فوق الطابق الثالث وتعرضت لكسور في الجمجمة مما أثر على الدماغ وتسبب في فقدانها للوعي وكسر آخر في العمود الفقري وهو ما يعني إنها قد لا تستطيع المشي مرة أخرى".

نزلة دمعة من عين وليد حاول كتمانها ولكنه لم يستطع وأخذ يتمتم سراً في نفسه " مسكينة أنتِ يا راندا للأسف لا نعرف قيمة من نحب إلا عندما نفقده أسأل الله أن يصبركِ ويصبرني على فقدان صديق عمري".

*ثم خرج من المستشفى محبطاً وقرر العودة إلى منزله لينام نوم عميقاً بعد هذا اليوم المتعب.

***

الفصل الرابع (البطل)
بدأ فريد في تولي منصبه الجديد الذي كلفته به روجينا وبدأ في الترقي حتى أصبح قائداً للفرسان في الجيش نظراً لكفاءته في القتال والتدريب وكان قد بدأ في التدريب مع بقية القادة والجنود على المبارزات بالسيوف وكانت روجينا وجيزان يراقبان أدائه في القتال فقد استطاع فريد هزيمة خمسة مبارزين بسيف واحد واستطاع تفادي سيوفهم بذكاء بطريقة أدهشت روجينا وجيزان معاً.

روجينا " أتظن أنه سينجح في الامتحان الذي أعددته له يا جيزان".

جيزان "ربما فهو ذكي ومبارز جيد لكن المعارك والحروب شيء آخر سنرى أدائه ومهارته الحقيقية في حربنا القادمة مع زارا ذلك هو الامتحان الحقيقي له ففي الامتحان يكرم المرء أو يهان".

أنهى فريد تدريبه مع الجند وجاءه جيزان يخبره بأن روجينا تطلب لقائه في حجرة القيادة على انفراد، فاتجه مسرعاً وقلبه ينبض شوقاً لرؤية من ملكت عليه قلبه وأسرته.

*جلست روجينا في حجرة القيادة بالجيش منتظرة فريد وفجأة يطرق الباب.

روجينا "أدخل يا فريد".

دخل فريد وهو يتأمل روجينا وقد أبهره جمالها وأخذ قلبه يدق بشدة فعجز عن الكلام وأخذ يتلعثم ومن له أن يتكلم في حضرة هذا الجمال فبرغم جمالها إلا أن لها هيبة فلا يستطيع إطالة النظر إليها وكأنها شمس كلما نظر إليها أوجعه بصره من شدة شعاعها وبريقها وجمالها.

لاحظت روجينا ذلك فلم تبدي له أي اهتمام فهي كانت تحبه كما يحبها ولكنها صارمة وقوية فإذا كان قلبها سيضعفها أمام رجل دهست قلبها بحذائها، فهي لا تريد أن تبدو ضعيفة أمام أحد فقد رأت في فريد شاب قوياً وشجاعاً ومختلفاً عن سائر الرجال ولكنها أرادت أن تختبر حبه لها وأن تتأكد من أنه رجل قوي وذكي وسيكون له شأن في أكاريا فروجينا لا يمكن أن تتزوج من أي رجل فهذا الرجل له شروط يجب أن تتوافر فيه.

اقترب فريد منها وهو ينظر في عينيها وهي الأخرى فعلت نفس الشيء وأخذت تنظر إلى عينيه وقد لاحظت بريقاً في عينيه قوياً بإمكانه أن يخترق قلب أي امرأة فدق قلبها للمرة الأولى وأخذت تقول في نفسها " من أنت يا من اقتحم قلبي ؟ فلم يجرأ أحد في أكاريا كلها على فعل ذلك ولم أشعر بهذا الضعف أمام رجل من قبل".

لكنها روجينا لا يمكن أن تضعف أو تقبل بالضعف أمام أي رجل فـقامت بلكمه في صدره لكمة أفاقته من سباته وأيقظته من أحلامه فشعر فريد بالإحراج والخجل وارتبك وأراد الخروج عن الموضوع.

فريد " أخبروني بأنك تريدينني في أمر طارئ يا سيدتي".

روجينا " لا تتهرب من الموضوع، ماذا تفعل أيها الأحمق هل تعاكس قائدتك في الجيش؟".

فريد " آسف يا سيدتي القائدة لم أقصد مضايقتك أو المعاكسة ولكنني مبهور بجمالك فأنت أجمل امرأة رأتها عيني".

صرخت فيه روجينا ونهرته عن أن يتجاوز حدود الأدب معها فهو مجرد جندي وهي قائدته وعلاقتهم قائمة على اطاعة الأوامر فقط.

فريد " أرجوكِ يا روجينا سامحيني لم أقصد أي شيء ولكن".

وقبل أن ينهى جملته فوجئ بها تصفعه على وجهه وتضربه بشدة وتسقطه على الأرض وتقول له "دافع عن نفسك أيها الجبان المتحرش".

شعر فريد بالإهانة فهو عاجز عن قتالها أو مواجهتها فهي امرأة قوية في فنون القتال بحيث تمكنت بضربه واحده من إسقاطه أرضاً ولم يستطع حتى الدفاع عن نفسه.

شعر فريد بالإهانة الشديدة وكادت الدموع تنهمر من عينيه وأخذ يردد في نفسه "أكل هذا الضرب والإهانة لأني تجرأت وأردت أن أظهر لها حبي يبدو أنني أخطأت فهي امرأة قاسية القلب ووجودها وسط المعارك والحروب قد جعلها أنثى متحجرة القلب فلا مكان للحب في قلبها".

نهض فريد ململماً جراحه واتجه صوب الباب وقد انهمرت الدموع من عينيه وروجينا قد انفجرت بالضحك عليه فهي لم ترى رجل من قبل يبكي كطفل صغير وقبل أن يصل إلى الباب قفزت إليه وسحبته من ذراعه وهو يحاول ابعادها عنه بقوة ويقول لها " ابتعدي عني واتركيني وشأني أنتِ فتاة مغرورة وبلا مشاعر وأنا سأرحل عن هنا ولا أريد رؤيتك مرة أخرى".

وضعت روجينا يدها على فمه لتوقف سيل الشتائم التي انفجر بها فريد وهي تضحك عليه بشدة " كنت أمزح معك أيها الغبي أنا أيضاً أحبك يا فريد ولكنني أريدك أن تكون رجلاً قوياً لا ضعيف عدني بأن تكون أقوى من ذلك وأنا اعدك بأني لن أحب غيرك".

شعر فريد بأن روحه قد ردت إليه فأخذ يقول في نفسه "روجينا تقول بأنها تحبني أيعقل هذا "

تنهد فريد برهة ثم استعاد صوابه واعتذر لروجينا عن سيل الشتائم التي وصفها بها وروجينا مستمرة بالضحك عليه فهو يبدو كطفل صغير بالنسبة لها في ردود أفعاله فهي حاولت استفزازه لتختبر ردة فعله وبدأت توضح له سبب طلبها له.

روجينا " اسمع يا فريد هنالك اختبار صعب في انتظارك زارا عدونا اللدود لديه أسطول حربي في بحر الشمال يقوم بمهاجمة القرى والمدن المجاورة وسرقة أموالهم وسبي الأطفال والفتيات وتحويلهم لعبيد وجواري وقد كنت أفكر في قيادة الأسطول بنفسي ولكني منذ أن رأيت مهارتك في القتال وذكائك فقد قررت أن أجعلك قائدً على الأسطول واريدك أن تحرز لي النصر".

فريد "بالتأكيد أنا متحمس للقتال ولكن ليس لدي الخبرة الكافية لقيادة أسطول حربي بنفسي ولكني سأفعل أي شيء تطلبيه مني يا روجينا".

ابتسمت روجينا وذهبت إلى داخل الغرفة وأحضرت بعض الكتب التي تتحدث عن المعارك والخطط الحربية ووضعتها أمام فريد وقالت له "هذه سوف تساعدك وقد أمرت جيزان أن يساعدك وينقل خبرته إليك وأنا أعلم أنه اختبار صعب لك يا فريد ولكني واثقة بأنك سوف تجتازه لتثبت لي أنك جدير بثقتي واختياري لك".

خرج فريد وهو لا يكاد يصدق ما تفعله معه روجينا فهي تتصرف معه تارة كالحبيبة العاشقة وتارة أخرى كالأم التي تعاقب طفلها حينما يخطأ مما أصابه بالحيرة والدهشة وظل يتساءل " هل تحبني فعلاً كما أحبها، ولماذا تفعل هذا بي تتعمد اهانتي بحجة أنها تريدني أن أكون قوياً ".

نفس السؤال كان يدور في عقل روجينا أيضا وأخذت تردد في نفسها " ترى هل ستكرهني يا فريد لأني كنت قاسية معك، إذا كنت تحبني حقاً فسوف تتحمل أي شيء يصدر مني مهما بالغت في إساءتك لإن العاشق قلبه لا يعرف الكراهية بل الحب، كل ما أريده منك يا فريد هو ألّا تغضب مني لأني أريد أن أصنع منك رجل صلباً، شجاعاً وقوياً حتى تحميني وتكون سندي في هذه الحياة، فالحياة لا تقبل الضعفاء أتمنى لو تفهم ذلك عندها ستبكي من شدة حبي وعشقي لك".

وفجأة يطرق الباب ويدخل جيزان على روجينا وهي شاردة الذهن ومستغرقة في تفكيرها حتى أنها لم تلاحظ دخوله للغرفة.

جيزان " هل هناك أمر يشغلكِ سيدتي القائدة فأنا أراك شاردة ومستغرقة في التفكير".

روجينا " لا شيء يا جيزان ولكني أريدك أن تساعد فريد وتزوده بالمعلومات التي يحتاجها عن أسطول زارا لأنه من سيقود الأسطول في الحرب نيابة عني".

جيزان " لكن الأمر خطير فهو لا خبرة له بالحروب وإذا خسرنا هذه الحرب فسوف تعرضين نفسك وأنا وبقية قادة الجيش للمحاكمة، إنها مغامرة خطيرة يا سيدتي وقد نخسر كل شيء".

روجينا " اسمع يا جيزان قد أصدرت أوامري بتعيين فريد قائد على الأسطول والجيش وأنا واثقة من أنه لن يتوانى عن التضحية بنفسه لأجلي أقصد لأجل أكاريا فهو يحبها بشدة ".

جيزان "ما دمتِ ترين ذلك فأنت أدرى منى بالأمر وأنا سأبذل قصارى جهدي لنقل خبراتي له في الحروب السابقة والإجابة على جميع أسئلته والآن اسمحي لي بالانصراف"

روجينا "تفضل".

اتجه فريد عائداً إلى المنزل بعد الانتهاء من عمله في منصبه الجديد بالجيش بأمر من الحاكم كاين ولكنه قرر المرور أولاً بالمتجر لرؤية شريف ودليلا والاطمئنان عليهما ،دخل فريد الى المتجر ليجد دليلا تقوم بعملها وتبيع لأحد الزبائن بعض الآنية الزجاجية الحرارية فالناس في أكاريا لديهم معتقدات غريبة تجعلهم يفضلون تناول طعامهم في الآنية الزجاجية بدلاً عن المعدنية لاعتقادهم أنها نذير شؤم عليهم ،انتظر حتى أنهت ما تقوم به وخرج الزبون ثم تقدم نحوها محاولاً لفت انتباهها الى انه دخل المتجر دون ان تلاحظه "احم احم".

دليلا " أنت هنا يا فريد آسفة لأني لم ألحظ وجودك دعني أعانقك فقد اشتقت كثيراً إليك".

كان باب المتجر مفتوحاً فدخل سارين شقيق الحاكم وكان يرغب في طلب الزواج من دليلا وطلبها من أبيها شريف فقرر ان يحدد موعد لزيارتهم في البيت ويقابل أبيها في المتجر كي يناقش معه الأمر ولكنه انصدم مما رآه فقد رأى دليلا تعانق وتحضن فريد وتقبله كعاشقة قد اشتاقت لحبيبها وفريد يحاول ابعادها عنه ويقول لها " ابتعدي عني يا دليلا لماذا تفعلين هذا".

دليلا "لأني أحبك يا فريد وأريدك أن تقبى معي للأبد".

فريد وقد صدمته جرأتها " ولكني لا أحبك"

دليلا "لا يهم المهم أني أنا احبك"

فريد بغضب " دليلا أنا لا أحبك وأحب امرأة أخرى غيرك".

دليلا وقد بدأت الغيرة تشتعل داخلها " أجل أعرف إنها روجينا التي تعاملك مثل الخادم الحقير لديها ".

لم يستطع فريد أن يتمالك أعصابه فقام بصفع دليلا على وجهها حتى سالت الدموع من عينيها وأخذت تصرخ فيه "لماذا تفعل بي هذا ألست فتاة جميلة مثلها ما الذي ينقصني حتى تحبني يا فريد أخبرني أم أنك تعشق جلادك روجينا امرأة لديها كبرياء ولن تقبل الزواج منك وإن كنت لا تصدقني فاعرض الزواج عليها وسترى".

وقعت كلماتها كالصدمة عليه فكأن قلبها أخبرها بما دار بينه وبين روجينا وكيف أهانته وعاملته بكل قسوة، ووسط هذا النقاش الحاد انصدما كل منهما عندما سمعا تصفيق سارين وهتافه وكان واقفاً بركن جانبي في المتجر" واو إنها مسرحية رائعة إذن ففريد ليس أخيك كما أخبرتني يا دليلا، على أحدكما أن يشرح لي الأمر الآن".

خيم الصمت على الجميع للحظات وخاصة دليلا وفريد اللذان لم يجدا ما يقولانه فحاول فريد تغيير الموضوع "ماذا تفعل هنا ومنذ متى وأنت هنا؟"

سارين " منذ عناقكما وأحضانكما لبعضكما وتلك القبل الدافئة التي وضعتها زوجتي المستقبلية على جبينك يا فريد".

دليلا باستغراب " أي زوجة مستقبلية وماذا تعني بكلامك هذا يا سارين".

سارين " أعني أن سبب مجيئي هنا هو لطلب الزواج منكِ من أبيك وأخيك الذي كذبت علي وأخبرتني أنه أخيك وعليكما أن تشرحا لي الأمر الآن".

فريد " حسناً سأخبرك بالأمر أنا لست من سكان أكاريا ودليلا ليست شقيقتي".

سارين موجهاً حديثه لدليلا "فلماذا كذبت عليا إذن وأخبرتني بأن فريد شقيقك؟".

دليلا وقد احمر وجهها من الخجل " لأنه ليس لدي ما أقوله".

سارين " حسناً سأتغاضى عن الأمر وأنا لم أرى أو أسمع شيء لأني أحبك يا دليلا منذ أن رأيتك للمرة الأولى أسرتي قلبي والآن عليكِ أن تجيبي عن سؤالي هل تحبينني كما أحبك؟ وهل تقبلين الزواج مني أم لازلت تحبين فريد".

هنا شعرت دليلا أنها بحبها لفريد تهين كرامتها فهو لا يحبها ولن يتزوجها بينما سارين يحبها وقد لاحظت ذلك من نظراته لها في الاحتفالية التي أقيمت في أكاريا فقالت في نفسها" إذا قبلت الزواج منه سأصبح زوجة ولي العهد والرجل الذي سيصبح الحاكم العام لأكاريا بعد شقيقه وعندها أستطيع الانتقام من روجينا نعم سأنتقم منك يا روجينا لأنك أخذت مني الرجل الذي أحبه".

وفجأة يدخل شريف أبيها ومعه بعض البضاعة المحملة ليضعها في المتجر" من؟ سارين شقيق الحاكم هنا أهلا بك يا سيدي ولكن هل بضاعتنا جيدة لتأتي بنفسك لتشتري؟ لما لم ترسل بعض الحرس والجند يا سيدي عوضاً عن المجيء بنفسك".

سارين " لم آتِ إلى هنا لأجل الأواني ومنتجاتكم بل لأطلب الزواج من ابنتك دليلا"

شريف " ماذا؟ ابنتي دليلا تصبح زوجتك".

سارين" أجل فأنا مستعد لأن أفعل كل ما يرضيها هي فقط عليها أن تطلب وانا انفذ".

فريد موجه كلامه لشريف " لما لا تمهلها بعض الوقت للتفكير يا سيدي؟".

سارين "حسناً هل أمهلك بعض الوقت لتفكري يا دليلا".

دليلا وهي تنظر بغضب وحقد لفريد وتتذكر صفعه لها " لا أنا موافقة يا سارين فلن أجد رجلاً أفضل منك يحبني ويكون زوجاً لي".

ثم خرجت مسرعة من الباب وهي تبكي وسط ذهول ودهشة فريد فقلبها لايزال متعلق بي فريد وكرامتها تقول لها اختاري سارين فكأنما هي بين نارين.

تهلل وجه سارين وفرح " أخيرا ستصبحين زوجتي يا دليلا لو تعلمين كم أحبك لدرجة أني مستعد لأتغاضى عن أي أخطاء ترتكبينها في حقي".

*كان نيار وزير الملكة سيليا ملكة الشمال يقف في حديقة قصره في الظلام يتأمل ضوء القمر والثلوج التي تبدو للناظر وكأنها لوحة فنية جميلة رسمها فنان مبدع ولكن أي ابداع إنه ابداع الله الخالق، ووسط هذا الصقيع والمشهد الخلاب لاحظ شيء ما يتحرك في الظلام: " ما هذا الذي يتحرك خلف الأشجار في الحديقة لعله حيوان ما ".

ولكن فجأة يخرج شخص ملثم من بين أشجار الحديقة ويقفز على نيار ويكتم صوته وهو يقول له بصوت منخفض: " أهدأ أنا سقرب وجئتك بعرض سيجعلك ملكاً على بلاد الجليد".

ثم عرض عليه سقرب ما دار بينه وبين زارا من مخطط لقتل الملكة سيليا وقتل روجينا حتى لا تقود الجيش لقتالهم.

فكر نيار في عرض سقرب ثم قال: "ولكن ماذا إن كشف أمرنا هل تـعلم ما سيحل بي وبكم".

سقرب: "لا تقلق إذا فشل مخططنا سندبر انقلاب في هارينا لتنصيبك ملكا عليها حتى ولو لم نتمكن من قتل الملكة سيليا وإذا فشل الانقلاب سندبر لك هروب آمن إلى شاران ولن يستطيع أحد الوصول إليك، لكن عليك دفع المال لنا لنجمع رجال العصابات وقطاع الطرق ليساعدونا في تنفيذ مخططنا".

نيار: " حسناً اتفقنا سأعطيكم المال الذي تريدونه وننفذ خطتنا العام القادم في احتفالية أكاريا نقتل الملكة سيليا وروجينا بسهمين مسمومين".

سقرب: "والآن يجب أن أخرج من هذا القصر قبل أن يران أحد وداعاً".

جلس فريد مع جيزان بعدما قرأ جميع الكتب واطلع على كل التكتيكات العسكرية فعرض عليه جيزان خطته:

"نصطدم بسفن العدو ونقاتلهم وجهاً لوجه نعم سنتكبد بعض الخسائر ولكن لدينا مبارزين متمرسين على هذا النوع من القتال وقد جربت تلك الخطة معهم في معركة سابقة ونجحت".

لم ترق تلك الخطة لفريد فهو لا يريد أي خسائر ولو قليلة صمت قليلاً ثم قال:

"ذكرت لي أنك نفذت تلك الخطة في معركة سابقة أي إنهم سيعرفونها ويتوقعنها لا فأنا أريد وضع خطة غير تقليدية لا يتوقعها العدو".

جيزان: "فما البديل إذن قد أطلعتك على جميع الخطط الحربية التي درستها ولم تعجبك أي منها".

بدأ فريد يفكر في إيجاد خطة وأثناء ذلك تذكر أمر العدسات والمرايا التي تقوم بتجميع ضوء الشمس وتركيزه على جسم ما فتحرقه وتذكر عدسة في جيبه كان يستخدمها في المدرسة في حصص العلوم ليشرح بها لتلاميذه في المعمل كان قد اشتراها وتذكر أيضاً قصة أرشميدس معها يقال ان ارشميدس العالم اليوناني المشهور فكر في التسبب في احداث ضرر كبير باستخدام نفس الفكرة على مقياس أكبر. لقد قال ان بإمكانه ان يصنع اشعة الموت بتركيز اشعة الشمس باستخدام عدد كبير من المرايا او باستخدام مرآة واحدة كبيرة وتسليطها على سفن الرومان الذين كانوا يحاولون غزو اليونان ، عندها أعجبته الفكرة ولكنه رفض إطلاع جيزان أو روجينا عليها خشية وجود جواسيس لزارا ينقلون له تلك الخطة غير المألوفة له كما أراد أن تكون مفاجئة للأعداء ولروجينا أيضاً ليثبت لها أنه كان جدير بثقتها وأنه الرجل القوي الذي تتمناه وأنه قادر على إحراز النصر مهما كانت الظروف: " اسمع يا جيزان أريدك أن تأمر بأن يصنعوا لنا عدد كبير من المرايا والعدسات مثل هذه وأخرج من جيبه تلك العدسة التي كان يستعملها في حصص العلوم ويستخدمها في التجارب ثم وضعها أمام جيزان على المنضدة وقاله له " أريدكم أن تصنعوا لي مرآة مثل هذه بأحجام كبيرة بحيث يكون عدد

المرايا التي تصنعونها بعدد سفننا التي سنبحر بها بعد اسبوع وأن توضع مرآة وتثبت بزاوية مقابلة للشمس وأن تثبت ببراغي او مسامير بحيث يسهل تحريكها إلى الأعلى والأسفل".

تعجب واندهش جيزان من كلام فريد واعتقد بأنه يمزح فهو لا يفهم ما فائدة تلك المرايا ولماذا يريد فريد أن يضع واحده فوق كل سفينة، ولكن قطع حيرته ودهشته فريد بقوله: " أعلم أنك تتعجب ولا تفهم شيء مما أريده ولكني سأشرح لك لاحقاً والآن عليك أن تنفذ ما اتفقنا عليه وثق بي النصر سيكون لنا".

جيزان: "ما دمت واثقاً فيما تفعل فأنا لن أعارضك فكل ما يهمني هو أن يكون النصر في هذه الحرب حليفاً لأكاريا والآن اسمح لي بالانصراف".

فريد: "تفضل ولا تبلغ أحداً عم دار بيننا ولا حتى روجينا نفسها".

جيزان: " لا تقلق.... وداعاً".

خرج جيزان وبدأ فريد يفكر في كيفية مفاجئة سفن زارا التي تعبر البحر وتقوم بتهريب الذهب والأطفال والفتيات لبيعهم والمتاجرة بهم: " إذا قمت باستخدام المرايا لحرق السفن فسيموت هؤلاء الأطفال والفتيات المساكين عليا أن أقود فرقة من الجنود وأضع خطة لتهريبهم من السفن قبل أن نحرق سفنهم المهاجمة ونترك السفن المحملة بالذهب كما هي لنستولي عليها فيما بعد ، سأفعل كل ذلك لأجلك يا روجينا أنتِ حبيبتي التي لم ولن أعشق أحد بعدها لقد كانت راندا مجرد مرحلة في حياتي ولكن أنت هي الحب الحقيقي سأفوز بهذه المعركة لأثبت لكِ أن الرجل القوي الذي سيكون سنداً لكِ رجل تفتخرين به أمام أكاريا كلها ولأجل إنقاذ هؤلاء المساكين ،فقد عشت فاشلاً ويئست من الحياة وها هي الفرصة تأتي لكي أنجح وأحقق حلمي".

*بدأت سفن زارا يقودها سقرب ونيور قائد الأسطول تعبر بحر الشمال في الظلام الدامس وكانت سفن أكاريا وأسطولها تنتظرهم مختبئة خلف بعض الصخور في البحر، فجمع فريد القادة وأبلغهم بخطته وشرح لهم كيفية استخدام تلك المرايا في إحراق السفن المهاجمة وترك السفن المحملة بالذهب للاستيلاء عليها فيما بعد لكن عليهم أولاً أن يتسللوا إلى تلك السفن لإنقاذ الأطفال والرجال والسبايا والأسرى وإخراجهم وتأمينهم قبل استخدام المرايا في إحراق السفن مع شروق الشمس.

*اقتنع القادة بخطة فريد رغم شكهم من فائدة تلك المرايا إلا أن فريد أقنعهم بذلك ، أخذ فرقة من خيرة المبارزين المحترفين في أكاريا وقفزوا في الماء وسبحوا ببطء شديد نحو السفن المحملة بالأسرى والسبايا والاطفال صعد فريد قبلهم ببطء شديد وبحذر ومعه فرقة مكونة من ثلاثون فارس مدرب على القتال ، هبط فريد إلى السفينة فوجد غرفة داخل السفينة بها أقفاص حديدية وكل قفص فيه من خمسة إلى سبعة أشخاص ، وببطء وجد مفاتيح تلك الأقفال مع جنديين وكانا غارقين في النوم فأشار لاثنين ممن كانا معه فقاما بطعن الجنديين وأخذو منهم مفاتيح الأقفال وقاموا بفتحها وتهريب جميع الأسرى خارج السفينة وساعدوهم على السباحة باستخدام قوارب صغيرة للنجاة وعادوا بهم إلى سفنهم المختبئة خلف الصخور الضخمة ، شكره جميع الأسرى الذين تم تحريرهم وتقدمت طفلة صغيرة معها أمها ممن أنقذهم فريد ورجالة له لتشكره: "مهما فعلت لأقدم شكري لك يا سيدى فلن أوافيك حقك لقد أنقذتمونا من العبودية فهؤلاء المجرمين كانوا سيبيعوننا في سوق الجواري كجاريات وعبيد".

فريد للمرأة وابنتها: " لا شكر على واجب وسآمر بسفينة تنقلكم وتنقل جميع الأسرى إلى أكاريا ثم إعادتكم لبلادكم مرة أخرى".

* أستيقظ سقرب وعندما أبلغوه بم حدث وكيفية هروب الأسرى جن جنونه وتوعد بتدمير أسطول روجينا ثم وجه حديثه لنيور: " هل روجينا تقود الأسطول بنفسها".

نيور: "لا يا سيدي فهذه المرة لن تشارك روجينا بنفسها في الحرب جواسيسنا أخبرونا انها أرسلت قائدها".

سقرب: " تقصد جيزان".

نيور: "لا يا سيدي بل شخص يدعى فريد هو من يقود الأسطول".

سقرب بغضب: " يبدو أن روجينا وجيزان خشيا مواجهتنا بعدما علما بقوة أسطولنا فأرسلوا إلينا صبياً أرعن ليعلب معنا ولكني سأجعله يندم على تفكيره في قيادة الأسطول لحربنا".

بدأت الشمس تشرق وفريد قد جهز بعض السفن لنقل الأسرى وإعادتهم إلى أهلهم وأجَّل أمر استخدام المرايا إلى حين وقت الظهيرة بحيث تكون الشمس في المنتصف وأشعتها أكثر قوة ثم جمع القادة وقال لهم: " اسمعوني جيداً سنستخدم تلك المرايا في إحراق السفن المعادية ،ستقومون بتوجيهها على أشرعة سفن الأعداء كما أمرتكم حتى تشتعل النيران في أشرعة السفن فتحرقها ولا توجهوا تلك المرايا على أشرعة السفن المحملة بالذهب والأموال التي أخذها زارا من القرى والبلاد الفقيرة لأننا سنعيد تلك الأموال إلى أصحابها فنحن أصحاب حق ونحمل راية الحق ولسنا معتدين".

صاح القادة والجنود: "النصر لنا" ثم أمرهم فريد بتنفيذ الخطة التي اتفقوا عليها من دون أي أخطاء.

جلست روجينا وهي قلقة على فريد وأسطولها فهذه أول مرة يقود فيها فريد حرباً حقيقية فحاولت كسر حالة الصمت والقلق التي أصابتها فنظرت روجينا إلى جيزان وعيونها يملأها الترقب والخوف ثم قالت: "أتعلم يا جيزان لا أخفي عليك قلقي على فريد ولكني واثقة من أنه سينتصر فهو ليس كسائر الرجال فهو لديه إرادة ليفعل المستحيل وأنا واثقة من أنه سينجح في هذا الاختبار".

جيزان: "لكنه ليس من أكاريا وليس لديه نفس الانتماء والحب الذي نحبه نحن لوطننا وأخشى ان تقوده حماسته وتهوره إلى حتفه".

روجينا بغضب: " إياك أن تقول هذا الكلام أمامي مرة أخرى يبدو يا جيزان أنك تغار منه لأنه أفضل منك وقد غلبك في المبارزة من قبل".

جيزان: "لا يا روجينا الأمر أكبر من الغيرة والأحقاد أنت تعلمين ما سيحل بي وبك لو هزم فريد أو تسبب في تدمير أسطولنا سيتم محاكمتي انا وانت بتهمة التقصير وربما تم نفينا من أكاريا كلها".

روجينا: "لا تقلق فمثل فريد لا يجب أن تخاف عليه"

جيزان وقد هم بالمغادرة: "هل تأذنين لي بالمغادرة أيتها القائدة لكي أستعلم عن أخبار المعركة".

روجينا: "أجل تفضل وأبلغني إذا وصلك شيء من أنباء المعركة".

انتهى الحوار بينهما بخروج جيزان، بينما ظلت روجينا تنتظر في قلق وخوف تفكر في نتائج المعركة وأخذت تردد في نفسها: "لست أخشى من أن يُدَمَر الأسطول ولست أخشى الهزيمة أو محاكمتي ولكني أخشى عليك يا فريد أخاف أن يصيبك مكروه عندها لن أسامح نفسي أبداً لأني أنا التي وضعتك في هذا الاختبار لو تعلم كم أحبك يا فريد، هيا عد سالماً لأجلي أرجوك، لأجل روجينا التي تحبك".

أخذت روجينا تدعو له من كل قلبها أن يعود سالماً ورفضت الخروج من غرفتها أو الحديث مع أحد وامتنعت عن الطعام لمدة يومين حتى شحب وجهها، وحاول جيزان وبعض قادتها في الجيش إقناعها بتناول الفطور معهم فرفضت بشدة وصرخت فيهم: " لن أضع الطاعم في فمي حتى يأتي فريد ويعود لأكاريا سالماً، أخرجوا الآن فأنا لا أريد الحديث مع أحد، أتركوني وحيده".

استجاب القادة لطلبها وخرجوا وتركوها بمفردها ، أما فريد فقرر مفاجأة أسطول زارا الذي يقوده سقرب ونيور والاقتراب من سفنهم لمسافات قريبة جدا ثم أمر قواده باستخدام العدسات والمرايا المكبرة حسب الخطة التي وضعها لهم، وعلى الفور بدأت النيرات تشتعل في أشرعة السفن ثم انتقلت لباقي اجزاء السفن وعلى الفور بدأ الجنود يقفزون ويهربون من النار بالقفز في الماء أما باقي السفن فقد استسلموا وفر سقرب هارباً مع بعض قادته أثناء الحرب لكن استطاع فريد وجنوده أسر نيور قائد الأسطول وبعض أتباعه واٍستولوا على جميع السفن الباقية المحملة بالذهب وأسروا عدد كبير من جنود العصابات العاملين مع زارا وتم تقييدهم بالسلاسل وأبحر فريد عائداً إلى أكاريا وسط فرحة الجنود الذين وصفوه بأنه أذكى وأفضل قائد عرفوه.

عاد فريد منتصراً محملاً بالأعداء مكبلين بالسلاسل والغنائم التي حازها وكان في استقباله جيزان الذي ما إن علم بالأمر حتى عاد مسرعاً إلى روجينا ليخبرها بالأمر فقفزت روجينا من شدة الفرحة وأسرعت لاستقبال فريد فقد مر شهرين منذ إبحاره بالسفن للقاء الأعداء ،فكأنما يقودها قلبها والشوق إلى لقاء الحبيب، هل كان يصدق أحد ان روجينا التي لا يجرأ أعتى الرجال على مجرد النظر إليها أن تقع في الحب وتسير مسلوبة الارادة لدرجة ان بعض الجنود والقادة قالوا : هذه ليست روجينا التي نعرفها فنحن لم نعهدها بهذا الضعف من قبل" ، لكنه الحب يا عزيزي يصنع المستحيل ويغير المرء بين يوم وليلة.

رست السفن ونزل فريد عائداً إلى أكاريا وأول ما وضع قدمه على أرض أكاريا سجد حمد وشكراً لله وقبل تراب أكاريا صحيح أنها ليست وطنه الأم ولكنه الآن أدرك وعرف قيمة أن تقاتل لأجل وطنك وأن تحمي من تحبهم ولو وصل الأمر إلى حد التضحية بالنفس، فصاح الجميع فريد البطل وتقدم منه جيزان ليعانقه ويصافحه قائلاً: " كانت لدي بعض الشكوك لعدم خبرتك في الحروب ولكنك تفوقت علينا جميعاً فأسطولنا لم تدمر منه سفينة واحدة ولم نعتد أن يستسلم هذا العدد الضخم من الأعداء هنيئاً لك يا فريد ولأكاريا كلها".

وقفت روجينا تنظر إلى فريد في صمت وهي تبتسم له ابتسامة زادتها بهاء وجمال إلى جمالها ثم قفزت تعانقه وتحضنه وبالمثل بادلها فريد نفس الفعل وحضنها وضمها إليه بقوة حتى شعر بنبضها ودقات قلبها تخبره في صمت بحبها له ثم همست في أذنه أحبك لم يكد فريد يصدق ما قالته روجينا فهمس في أذنها وأنا أيضاً أحبك منذ أول مرة رأيتك فيها هل تذكرين حصانك الجامح الذي كاد أن يقتلني فضحكت روجينا وقالت: " نعم وأذكر طول لسانك وشتائمك لي" ،ثم ضحكا الاثنان معاً لكن فاجئها فريد عندما انحنى وجلس ركبته وقدم في يده وردة ثم قال لها أمام جميع الجنود والقادة روجينا: " أنا أحبك وأقولها صراحة وبأعلى صوتي أمام جميع الجنود ولتعلم أكاريا كلها أن فريد يعشق روجينا وأنا أطلب الزواج بكي ،فهل تقبلين الزواج بي".

اندهش الجميع من جرأة فريد فلم يكن يجرأ أحد في أكاريا كلها على مجرد النظر في عينيها حتى أن جميع القادة في الجيش كانوا يلقبونها بالمرأة الحديدية من شدة صرامتها وقوتها.

صمتت روجينا لبعض الوقت لكنها أجابت فريد: " موافقة ولكن بشرط وهو أن تهزمني في مبارزة عندها فقط سأقبل الزواج بك يا فريد".

شعر فريد بالتوتر فهو يعرف أنه لا يستطيع أحد في أكاريا كلها هزيمة روجينا في المبارزات فكيف سيستطيع هو وقد تذكر ضربها له وعجزه عن صد ضرباتها فصمت ثم نظر إلى الأرض في حزن وقال: " لماذا تصعبين الأمر على؟ لن أفوز في هذه المبارزة، أنا لست نداً لكي".

طأطأ فريد في إحباط ويأس منكساً وواضعاً رأسه في الأرض ثم بكى ونزلت دموعه ثم قال: "إذن فلن تتزوجيني أبداً وأنا أعفيك من الحرج يا روجينا فإن كان هناك رجل آخر تحبينه فصارحيني ولا تعبثي بمشاعري فأنا لست لعبة في يدكِ".

ابتسمت روجينا واقتربت منه تمسح دموعه بكل حنان ورقة لم تظهرها امام أي رجل آخر من قبل ثم قالت وهي تنظر في عينيه : "روجينا تحبك أنت يا فريد وليس هناك رجل آخر ولكنك يجب ان تتحدى المستحيل وتتغلب على هذا الضعف الذي في داخلك ،صحيح أنني أقوى مبارزة في أكاريا كلها لكنك شاب ذكي وموهوب ولديك إرادة لتفعل المستحيل كما هزمت أسطول نيور اليوم تستطيع أن تهزمني في مبارزة وهذا هو الاختبار الثاني والأخير الذي عليك أن تجتازه لنصبح معاً فليس تحقيق الأحلام والأهداف بالأمر السهل ستتألم وتتوجع وتحبط لكن لا تيأس فلو تزوجتني بسهولة دون تعب وعناء لم يكن لي قيمة عندك ولم يكن لهذ الحب أي معنى ،عليك أن تنحت في الصخر ،أن تتحدى المستحيل لتحقق هدفك وأحلامك ، فأنا احبك يا فريد ولكني أريد ان أجعل منك أقوى رجل في أكاريا كلها بل اقوى منى أنا روجينا التي ستكون تابعة لك ولست أنت تابعاً لي بعد اليوم، والآن هيا انهض وارفع رأسك وتجهز للمبارزة أيها البطل".

نهض فريد وكأن هرمون الأمل والحياة والتفاؤل قد جرى في دمائه من جديد ثم نظر إلى روجينا بثقة وقال: " وأنا مستعد دائماً للمبارزة، حددي الموعد والمكان، وأنا أعدك بأني سأبذل قصارى جهدي لأفوز بك فأنت ماسة غالية الثمن وعلى فعل المستحيل لأفوز بها".

وضعت روجينا قبلة دافئة على جبهته ثم نظرت في عينيه: وصاحت أمام الجميع: "ستكون مبارزتي مع حبيبي بعد ثلاثة أشهر من اليوم في موعد الاحتفال السنوي لأكاريا".

صاح الجميع: "عاش البطل فريد وعاشت القائدة روجينا ".

في قصر الحاكم العام لأكاريا جلس الحاكم كاين مع وزيره يورد يتحدثان وقد كان فرحاً بانتصار أسطول أكاريا على أسطول شاران فقال: "هل تعلم يا يورد؟ لم أكن أشك في اختياري لفريد وأنه سيكون خليفة لروجينا ".

يورد: " لكني سمعت يا مولاي أنه عرض على روجينا الزواج، لكنها اشترطت عليه أن يهزمها في مبارزة بالسيوف".

ضحك الحاكم كاين ثم قال: "تعجبني في هذا الشاب جرأته، وبالطبع فروجينا لا يمكن أن تتزوج من أي رجل لابد وأن تعذبه وتذيقه من أنواع العذاب ألوان قبل أن تقبل الزواج منه".

وبينما يتحدث الحاكم كاين مع وزيره، يدخل فجأة شقيق الحاكم سارين.

كاين: "مرحباً يا سارين تفضل، لابد وأن هناك أمر طارئ لتستيقظ في هذا الوقت المبكر".

سارين: "في الحقيقة يا مولاي أنا أريد أن أتزوج وأرجو أن توافق على طلبي".

فضحك الحاكم كاين ثم قال: "هل هذا الأسبوع هو أسبوع الحب؟ فريد يريد الزواج من روجينا وأنت أيضا تريد الزواج، لكن أخبرني من هي تلك التي خطفت قلبك"

سارين: "إنها دليلا"

يورد: " تقصد شقيقة فريد".

سارين: " كلا هي ليست شقيقته"

يورد: "لكنها قالت بأنه أخيها"

سارين: إنه أمر طويل وقصة يطول شرحها الآن ولكني أثق في أنها فتاة محترمة ولن أجد مثلها".

كاين: "وأنا لن أمنعك عن فتاة تحبها يا أخي ما دمت واثقاً في حبها لك فتزوجها وسأقيم حفل زفافكم العام المقبل في الحفل السنوي لأكاريا".

فرح سارين وتهلل وجه ثم استأذن في الانصراف وخرج

ليبلغ دليلا بأنه قد حدد موعد الزواج في الحفل السنوي الذي يقام كل عام في أكاريا كما أبلغها عن طلب فريد الزواج من روجينا وأن المبارزة بينها وبين فريد ستقام مع حفل زفافهم في نفس اليوم، إلا أن دليلا لم تفرح بالخبر بل كان رد فعلها فاتراً فهي لا تزال تحب فريد الذي لا يحبها ولا يبادلها نفس الشعور، فوجه سارين كلامه إلى دليلا ليستفسر عن سبب حزنها:" أراكِ حزينة يا دليلا ألست فرحة بالزواج مني؟ أم أنك حزينة بخبر رغبة فريد في الزواج من روجينا".

دليلا بغضب: " لا تذكر اسمه أمامي مرة أخرى ففريد عندي بمنزلة الأخ وقد انتهى كل شيء بيننا".

سارين: " إذن فلماذا تبدين حزينة اليوم ولم تفرحي مثل كل الفتيات بخبر زفافك".

دليلا: " أنا متعبة اليوم هذا كل ما في الأمر".

سارين: " هل أحضر لك طبيب القصر ليفحصك عزيزتي".

دليلا وقد حاولت التظاهر بالابتسام رغم أن قلبها كان يعتصر ألماً من الداخل: " كلا أنا بخير فهل تأذن لي المغادرة إلى البيت وتبقى هنا حتى يعود أبي إلى المتجر".

سارين: "بالطبع يا عزيزتي فإذا كنت متعبة وتحتاجين إلى الراحة بإمكانك المغادرة الآن".

غادرت دليلا المتجر وعادت إلى البيت وأغلقت غرفتها عليها وأخذت في البكاء وهي تقول: " لماذا تفعل بي هكذا يا فريد؟ أهذا جزائي أنى أحببتك تحب امرأة أخرى وتصفعني من أجلها".

ظلت دليلا مكتئبة في غرفتها حتى جاء فاي الخادم ليقدم لها الطعام إلا أنها رفضت أن تتناول الطعام فقام بأخبار أبيها شريف فطرق الباب: " افتحي يا ابنتي فهذا أنا شريف أبيكِ".

قامت وفتحت الباب وجلس بجانبها على السرير وقد شاهد عيونها غارقة بالدموع فمسح دموعها بحنان ورقة ثم قال: "لماذا يا ابنتي تهلكين نفسكِ من أجل شخص لا يحبك هو قد اختار امرأة أخرى، وسارين شقيق الحاكم يحبك وأنا أعلم أنك لا تحبينه وأنك قد وافقتي على زواجه منكِ لتغيظي فريد وروجينا".

دليلا بحرقه وحزن: "لماذا يا أبي ألست جميلة مثلها؟ أم أنني قبيحة ماذا ينقصني حتى يختار امرأة أخرى؟ وأنا التي أحبته من كل قلبها".

شريف وقد أشفق عليها: "لا ابنتي فأنت أجمل فتاة في أكاريا كلها ولكنه القلب وما يريد فالقلب يعشق معذبه والعاشق يميل إلى جلاده الذي يكويه بسياط الهوى والحب فارضي بنصيبك وما هو مكتوب لكِ فليس كل ما نحب خيراً لنا عاه يكون شراً وقد صرفه الله عنكِ".

ثم تناول شريف بعض الطعام وحاول إطعامها بيده إلا أنها رفضت قائلة: " لست جائعة الآن يا أبي وعندما أجوع سوف أتناول الطعام".

شريف: " حسناً كما تريدين يا ابنتي، سأخرج الآن وإذا احتجت لشيء ما فنادِ على فاي ليحضره لك".

*مرت عدة شهور على خروج راندا من المستشفى وقد أخبر الطبيب والد راندا بحالتها قائلاً: "يا سيدي إنها تحتاج لإجراء عملية جراحية في الخارج حتى تعود للسير على قدميها مرة أخرى".

كان وليد واقفاً بجوار والد راندا فسأل الطبيب: " وكم تكلفة هذه العملية الجراحية وهل هي مضمونة النتائج وستشفى بعدها راندا وتعود للمشي؟".

الطبيب: "العملية تكلفتها الإجمالية200ألف يورو أي أنها تعادل تقريباً ثلاثة ملايين ونصف بالعملة المحلية".

انصدم كل من والد راندا ووليد من المبلغ فهو مبلغ ضخم وهو لا يملك هذا المبلغ فسأل والد راندا الطبيب: "أليس هناك بديل يا سيدي غير تلك العملية الجراحية".

الطبيب: "لا وإلا فهي لن تستطيع المشي وستبقى عاجزة وستضطر لاستخدام كرسي متحرك".

جلس والد راندا حزيناً وهو يلوم نفسه على كل ما حدث فنظر إلى وليد ثم قال:" لم تكن ترغب راندا في الزواج من عماد ولم تكن تحبه وهذا خطئي لأني أنا من أجبرتها على الزواج منه أنا المسؤول الأول عن كل ما حدث لها ولو عاد بي الزمن لأصلحت خطأي ولكن للأسف قد انتهى كل شيء".

اقترب وليد من والد راندا ووضع يده على كتفه يطمئنه: "لا تقلق يا عمي فأنا لازلت موجود ولن أترك راندا أبداً وسأظل معها دائماً حتى تعود كما كانت".

كانت راندا تجلس في غرفتها على كرسيها المتحرك ولم تكن تكلم أحداً كانت صامتة وحزينة فقد كانت صدمة موت ابنها فريد وطليقها واختفاء فريد الذي احبته من كل قلبها قد أصابها بصدمة جعلتها عاجزة عن الكلام، طرق والدها الباب في محاولة للاطمئنان عليها وكان معه وليد: "راندا يا ابنتي هذا وليد صديق فريد يريد الاطمئنان عليكِ".

وليد بنظرة كلها إشفاق: " راندا انظري إلى أنا وليد هل تذكرين آخر مرة صفعتني فيها على المقهى لا يزال فكي السفلى يؤلمني، هيا اضحكي وابتسمي، عليكِ أن تخرجي من حالة الكآبة هذه".

راندا صامته ولا تجيب عندها يئس وليد من جعلها تتكلم أو تبتسم وهم بالخروج وقبل أن يلمس أوكرة الباب وجدها تناديه: "وليد".

فالتفت غير مصدق أنها أخيراً تكلمت ثم اقترب منها وقال: "راندا هيا تكلمي عبري عما في قلبك فأنا بجانبك".

راندا وقد شحب وجهها من الحزن وكثرة الدموع: " لا تتركني وحيدة يا وليد كما تركني فريد، فلم يبقى لي أحد وأن وحيدة الآن وقد مات ابني ".

وليد: " لن أترككي أبداً سأظل معكي حبيبتي".

ثم وضع قبلة دافئة على رأسها وقال: " كنت شاب تافهاً لا يؤمن أو يصدق بوجود الحب ولكن منذ أن رأيتكِ أنت وفريد رحمه الله وحبكما أدركت أن الحب شيء عظيم لا يفهمه سوى أصحاب القلوب النظيفة وأنا الآن تغيرت أصبحت وليد آخر غير وليد الفتى الطائش الذي يحب معاكسة الفتيات ".

ورغم محاولات وليد إخراجها من حالة الاكتئاب التي أصابتها إلا أنها ظلت حزينة فهمس في أذنها قائلاً: "ما رأيك أن نخرج في نزهة إلى الملاهي أو السينما".

رفضت راندا في البداية إلا انه ألح عليها وخرجا معاً وبدأت حالة الحزن والإكتاب تذهب من عليها تدريجياً ولكنها لن تعود ابداً كما كانت فقد جرح قلبها جرحاً لا تداويه الأيام، وقد لاحظ والدها اختفاء الحزن والاكتئاب عنها فتوجه إلى وليد وقال: "كنت أفكر في إحضار طبيب نفسي لإخراجها من تلك الحالة ولكن كنت أنت أفضل من أي طبيب يا وليد".

وليد: "راندا ليست مريضة نفسية ولا تحتاج إلى الطبيب النفسي، كل ما تحتاجه هو شخص حنون يداوي جراجها".

والد راندا: "اسمعني يا وليد لم يعد هناك شخص أعتمد عليه وراندا ليس لها أحد سواي الآن وأخشى ان أموت وأتركها فقد مات زوجها وابنها، تزوج راندا يا وليد وحافظ عليها فلا أريد أن اكرر أخطاء الماضِ".

وليد: "ما هذا الكلام أطال الله عمرك يا عمي ولو كنت اعلم انها ستقبل لعرضت عليها الزواج ولكنها لاتزال تحب فريد وحالتها لم تتحسن بعد، لهذا عندما يأتي الوقت المناسب فأعدك بأن أعرض عليها الأمر".

***

الفصل الخامس(الخيانة)


جلست روجينا وهي تستمع باهتمام وانصات لفريد وهو يحكي قصته وكيف دخل إلى أكاريا من الكهف وهي لا تكاد تصدق ما تسمعه ثم ابتسمت وقالت له: "تريد أن تتزوجني يا فريد فعليك أن تبقى معي في أكاريا فهي وطني ولا يمكنني ترك أكاريا والرحيل معك إلى عالمك".

فريد: "ولكن يا روجينا أنا لا أستطيع ترك أهلي والبقاء هنا مرت سنوات طويلة لم أرى أسرتي فيها أرجوكِ لا تزيدي الحمل فوق ظهري بحمل آخر ثقيل تعلمين أنني أحبكِ ولكن لا أستطيع ترك أهلي وعائلتي والبقاء معكِ هنا".

روجينا وقد بدى الحزن عليها: "الأمر عائد إليك يا فريد فكما لك أسرة لي أسرة أنا ايضا ولا أستطيع ترك عائلتي والرحيل معك الأمر صعب علي مثلما هو صعب عليك".

فريد وقد غرقت عيونه بالدموع: "إذن فلن تتزوجيني ولا داعي للمبارزة، لا أستطيع، لا أستطيع البقاء هنا ونسيان عائلتي للأبد افهمي أرجوكِ".

نهض فريد وقبل أن يخرج قال لروجينا: " المبارزة ملغاة بيننا يا روجينا سأخبر الجميع أنك رفضت الزواج مني وداعاً".

خرج فريد وتركها حزينة تفكر في قرارها: "يا ترى هل ما فعلته كان صواب أم خطأ لا تحزن ولا تغضب مني أرجوك يا فريد فالأمر ليس بيدي سامحني فالفراق قدرنا.. ذات يوم ستعلم صدق مشاعري وحبي لك يا فريد".

*في أرض الظلام حيث يقبع المجرمون والسحرة، في أرض غامضة بلا نظام ولا قوانين حيث الوحوش والمخلوقات المرعبة الهجينة بين البشر والحيوانات والخارجون عن القانون ليل دائم لا نهار ولا يمكنك أن ترى ضوء الشمس في أرض الظلام جلس زارا يفكر في أمر ذلك الفتى الذي هزم أسطوله بطريقة عجيبة لم يسمع بها من قبل ثم نظر إلى توهاش قائد جيش أرض الظلام وقال: "هذا الفتى ذكي وقوي لو استطعنا أن نضمه إلينا".

توهاش: "لقد استخدم نوع لا نعرفه من المرايا في إحراق سفننا حتى أننا ظننا أنه ساحر ولكنه ليس بساحر بل هو مقاتل بارع وذكي وأمر انضمامه إلينا شبه مستحيل فهو لن يقبل ".

لكن قاطعه سقرب قائلاً:" لدي خطة تجعله ينضم إلينا رغماً عنه ".

زارا: "ما هي خطتك يا سقرب أخبرني بسرعة".

سقرب: "تعلمون خطتنا واتفاقنا يا سادة مع نيار نائب ووزير ملكة أرض الجليد لقتل الحاكم كاين والملكة سيليا ومعهم روجينا فلو قمنا بخطف فريد وأشعنا أنه خائن في أكاريا وأنه مشترك معنا في تنفيذ المؤامرة فإنه بعد خطفه واختفائه سيشك فيه الجميع وسيصدرون حكماً بإعدامه لخيانته عندها سنخيره بين أن نقوم بتسليمه لأكاريا ليقتلوه أو يكون واحد منا وسنغريه بالمال والفتيات وسنجرب معه كل الطرق وانا واثق باننا سننجح".

صفق زارا بيديه تحية لسقرب على فكرته: " أنت داهية يا سقرب لم أخطئ حينما جعلتك مستشاري الخاص والرجل الثاني من بعدي أما أنت يا توهاش فسوف تنفذ الخطة بحذافيرها وسيساعدنا نيار لتحضير انقلاب على الملكة سيليا في أرض الجليد، قد اقتربت لحظة خروج ثعبان الزنما الكبير ولكن علينا أن نجد طريقة لحجب ضوء الشمس عن أرض الجليد وأكاريا لنتكمن من مهاجمتهم بالوحش حتى لا يتحلل جلده ويموت وإلا فإننا لن نستطيع مهاجمتهم إلا بالليل فقط".

سقرب:" سنصنع صندوق خشبي كبير تجره العجلات ونضع الوحش بداخله عند النهار حتى لا يتعرض لضوء الشمس ويتحلل جلده وعند الليل نطلق الوحش ليدمر أكاريا ويُبيد سكانها وبذلك تخضع جميع المدن لسيطرتنا".

زارا وقد أعجبته الفكرة: "حسنا لنعجل بتنفيذ خطتنا فلم يبقى سوى أسبوع على حفل أكاريا السنوي وهي فرصتنا وأملنا الأخير".

*انصدم الجميع عندما علموا بإلغاء المبارزة المحددة بين فريد وروجينا ورفض روجينا الزواج من فريد، فخيمة سحابة من الحزن والسكون على الجميع، أما فريد فقد بدى حزين لا يكلم أحداً من القادة في الجيش فعاد إلى المنزل ودخل غرفته وظل فيها لا يكلم أحداً، وبينما هو جالس في غرفته فوجئ بطرق على الباب فنادى: "من بالباب؟ هيا ادخل الآن".

ظن فريد في البداية أنه الخادم فاي ولكنه فوجئ بدليلا تدخل وتقترب منه وتجلس بجانبه على السرير، رفعت وجهه بيديها ثم قالت وهي تنظر في عينيه: "هل تحبها يا فريد".

فصمت فريد لبعض الوقت قبل أن يجيب: " لقد رفضت أن تترك أكاريا وتعود معي إلى عالمي، لم يبقى سوى عامين على السنة السابعة لتفتح البوابة وأنا لا أستطيع ترك عائلتي وأسرتي والبقاء هنا معها".

دليلا: "لا أعرف ماذا أقول لك فالأمر صعب ولو كنت مكانها فسأقول نفس الأمر فأكاريا وطنها مثلما هو وطني ولا يمكن التفكير في مغادرته للأبد والرحيل عنه اعذرها يا فريد فالأمر صعب عليها هي الأخرى".

اقترب فريد منها وأمسك يديها وهو يشعر بدفء يديها في يديه ثم قال: "أنت فتاة حنونة ورقيقة يا دليلا وتستحقين رجل أفضل مني وسارين يحبك وسيكون الحاكم من بعد أخيه".

وقبل أن ينهي جملته وضعت دليلا يدها على فمه ثم نظرت في عينيه وقالت: "نعم سارين يحبني ولكنني أحببتك أنت يا فريد ولن أحب غيرك فسارين سيأخذ جسدي ولكن قلبي سيظل معك أنت".

فريد وقد شعر ببعض الراحة من كلامها: "أنتِ فقط تحاولين التخفيف عني لا أكثر فأنا شخص تعيس وانسان النحس والحزن يطاردانه أينما ارتحل في عالمه وعندما يرحل إلى عالم آخر يظل الحزن يطارده في كل مكان، أحببت راندا من قبل وتزوجت بشخص غيري وعندما احببت للمرة الثانية ونسيت حبي الأول كان قدري أن أفارق من أحب لماذا؟، لماذا؟ سؤال يحيرني، فكلما أحببت إنسان أفقده وأفارقه، كل أحبابي فارقوني إلا الحزن فهو الوحيد الذي يقول لي لا تقلق فكلهم سيتركونك إلا أنا سأبقى معك حتى موتك".

ظلت روجينا حزينة وصامته لا تتكلم مع أحد وقد لاحظ جيزان ذلك فقد انقلبت فرحتها إلى حزن وهو ما جعله يسألها قائلاً: "لم نعتد على رؤية القائدة روجينا بهذا الضعف والانكسار لا يهمني أن أعلم ما حدث بينكِ وبين فريد ولكن إذا علمت أنه قد جرحكِ فلن أسامحه أبداً يا روجينا".

روجينا وقد شحب وجهها من الحزن: "لا تظلمه يا جيزان ففريد أطيب إنسان قابلته يكفي ما هو فيه من الألم فأنا التي جرحته وليس هو من جرحني كنت أود الرحيل معه ولكني لا أستطيع ترك أكاريا فهي وطني".

جيزان: " عليكِ أن تكوني أقوى من ذلك يا روجينا لا تدعي الضعف والحزن يتغلبان عليكِ، عليك أن تحاولي إقناعه بالبقاء معكِ هنا في أكاريا، فلو كان يحبكِ حقاً كما يقول سيفعل أي شيء ليبقى معكِ".

روجينا وقد تملكها اليأس: "لا فائدة يا جيزان فهو لم يرى أهله وأسرته منذ سنين والبوابة التي تقود إلى عالمه لا تفتح إلا مرة واحدة كل سبع سنين فهل سيترك والديه وأصدقائه ويختار البقاء معي هنا في أكاريا؟ لا أظن ذلك".

جيزان: "لست أعرف ماذا أقول فيبدو لي من كلامك أنه بين نارين حبيبته في كفه وعائلته وأصدقائه في الكفة الأخرى وعليه ان يختار، الأمر صعب عليه وعليك، ولكن لا يجب أن تيأسي فمن المؤكد انه سيجد حلاً فقد مر بأزمات وشدائد وأثبت انه قادر على التغلب عليها".

أعادت جملة جيزان الأخيرة الأمل إلى روجينا بعدما فقدته

فقررت ألا تستسلم لليأس وأن تحاول مساعدة فريد فهي لم تحب ولن تحب أحد غيره.

*وأخيراً جاء اليوم الذي تقام فيه الاحتفالية السنوية لعيد أكاريا القومي التي تقام كل عام حيث ازدحمت الشوارع بالناس وتقدم جنود الجيش وقادته تقودهم روجينا ورجال الشرطة يقودهم سادير وبدأ الناس في الشوارع ينثرون الورود الجميلة في الطرقات وبدأ رجال الحاكم بالإعداد لعرس شقيقه سارين الذي سيتزوج من دليلا بحضور كل من جدها ممدوح وأبيها شريف الذي كاد ان يطير من الفرح فابنته ستتزوج من شقيق الحاكم ووريث العرش من بعده ،كان الفرح يعم الجميع ،بعدها بلحظات يصل موكب الملكة سيليا وفي استقبالها الحاكم كاين ، أقيم عرض المبارزة الذي يقام كل عام بالسيوف ،وكان فريد يقف ويتابع ما يجري، ثم بعدها بلحظات يصل العروسان سارين شقيق الحاكم ودليلا زوجته ويجلسان بجانب الحاكم كاين على المسرح الكبير الذي أعد خصيصا للاحتفالات من هذا النوع وكان على يسار الحاكم مقاعد لحاشيته ومقعد ملكي للملكة سيليا وحاشيتها أيضاً، كانت روجينا بين الحضور تقف مطرقة حزينة وليست متحمسة كعادتها وكانت تنظر إلى فريد من طرف خفي وكأنها تخشى ان يلاحظ أحد ذلك ،وكان فريد أيضا يبادلها نفس تلك النظرات الخاطفة ،ولكن فجأة بينما فريد يبادلها تلك النظرات تقدم شاب وسيم ذو شعر بني فاتح وطويل على شكل ضفيرة من فريد وقال له: "مرحباً اسمي ران زارك وهذه اول مرة ازور فيها أكاريا ،أنت فريد أليس كذلك".

تعجب فريد منه وقال له: "مهلاً أنا لا أعرفك وكيف لك أن تعرف اسمي".

ران: "لقد سمعت عن بطولاتك من أهل أكاريا وكيف استطعت هزيمة أسطول نيور وأسره أنا حقا معجب بك وأريد ان أكون صديقك".

فريد: "على الرحب والسعة شرف لي ان تكون صديقي يا ران".

ران: "توقف عن هذا فأنت تحرجني بذلك أنا لا أستحق كل هذا المدح".

فريد: "أنا أقول الحقيقة يا ران أنت انسان راقٍ ورائع".

ران وقد احمر وجهه من الخجل من هذا الاطراء: "ما رأيك ان تبارزني على المسرح فقد سمعت أنك مبارز بارع وإذا هزمتك تأتي معي لأعرفك على قبيلتي".

فريد: "معذرة يا صديقي ولكنني متعب ولا أستطيع".

ران بابتسامة ماكرة: "يبدو أنك تخاف أن أهزمك يا فريد".

فريد وقد بدى عليه الغضب فرد بسخرية: "ماذا؟ انت تهزمني ههههه، لن تستطيع سأهزمك بضربة واحدة من سيفي وسترى".

أشهر فريد سيفه بسرعة وصعد على المسرح وقال أمام الجميع اعرفكم اليوم بصديقي ران والذي سيبارزني والمنتصر في هذه المبارزة سوف يجبر المهزوم على تنفيذ طلب له صاح الجميع يهتفون فريد البطل وبدأوا بتشجيعه، بعدها صعد ران إلى المسرح ورجينا تنظر إليه بتعجب وتقول في نفسها: "ترى أين رأيت هذا الفتى من قبل أنا واثقة من أنني رأيته في مكان ما ولكن أين لا أتذكر ربما في حرب خضتها لست أدري ولكنني لا أرتاح لوجوده هنا".

بدأ الخصمان يتبارزان حاول فريد توجيه ضرباته بمهارة فائقة إلى ران ولكنه كان يتفادها بسرعة رهيبة ثم وجه ضربته في محاولة ليسقط سيف ران ولكنه فوجئ بران يختفي من أمامه ليظهر خلفه بسرعة البرق ويضربه ضربة خاطفة ويسقطه أرضا نهض ليجد ران قد اختفى مرة أخرى وبسرعة ينقض عليه ران ليسقط سيفه أرضاً ويعلن يورد وزير الملك أن ران هو الفائز ،بدى بعدها فريد مذهولاً مما رأى فهو لم يقابل خصما بهذه السرعة والمهارة ولكنه فوجئ بران ينحني ويضع يده لفريد ليساعده على النهوض قائلاً: "لا تحزن يا صديقي فهي مجرد مبارزة لا أكثر".

لكن فريد صاح فيه: "أنت تغش يا صديقي لقد استخدمت السحر لتفوز علي".

ران ضاحكاً: "ماذا سحر انا لست ساحر إنها مهارات قتالية في استخدام الطاقة الروحية في القتال".

فريد: "ولكني لم اسمع بهذا من قبل".

ران وقد رأى اللهفة في عيون فريد: "هل تريدني أن أعلمك تلك المهارات في القتال يا فريد؟".

فريد بحماسة: "هل أنت جاد في هذا يا صديقي؟".

ران بثقة: "بالطبع ألسنا أصدقاء منذ اليوم ولكن لي شرط".

فريد: " ما هو الشرط؟".

ران: " أن تنضم إلينا وتصبح واحد منا".

ثم أشار إلى أحد الرجال الملثمين بين الحشد قائلاً: "أترى هذا الرجل يا فريد".

فريد: "أتقصد الرجل الملثم الذي يقف في الصفوف الخلفية".

ران: "أجل يا صديقي أريدك أن تذهب معه".

فريد: "ولكن هل تأذن لي بأن أخبر القائدة روجينا قبل انضمامي إليكم".

فوجئ فريد بران وقد احمر وجهه من الغضب عند سماع اسم روجينا وكأنه بركان يثور وعلى وشك الانفجار ثم قال له بنظرة قاسية وصوت حاد: "إياك أن تخبرها فهي لن توافق وقد تقوم بقتلك إن علمت بما بيننا من اتفاق".

فريد باستغراب: "ماذا روجينا تقتلني لكن معذرة يا صديقي فأنت لا تعرفها جيدا.

ران: "بل أنت الذي لا تعرفها جيداً والان نفذ ما اتفقنا عليه".

وقبل أن ينزل فريد من على خشبة المسرح ويتجه إلى الرجل الملثم صاح فيه ران: "انتظر يا صديقي، هل ستسامحني يا فريد؟ ".

فريد بدهشة: "أسامحك على ماذا؟".

ران: "عدني بأن تسامحني إن أسأت لك في يوم من الأيام".

فريد وقبل أن يغادر خشبة المسرح الكبير: "بالطبع أعدك يا صديقي".

بقي ران على المسرح لتلقي الجائزة من الحاكم كاين بعد فوزه في المبارزات التالية على جميع خصومه، بينما ذهب فريد مع الرجل الملثم.

وبينما هما يسيران بدأ فريد في سؤال الرجل الملثم: "ما اسمك وهل انت صديق ران؟".

الرجل الملثم: "نعم أنا صديقه ولكنك ثرثار وكثير الأسئلة عليك التوقف عن هذا".

توقف فريد وصاح بالرجل: "لن أتحرك خطوة حتى تخبرني إلى أين نحن نسير وأي جماعة أنتم".

الرجل الملثم: "حسناً سأخبرك من أكون أنا من أتباع زارا وكذلك ران وأتينا لقتل روجينا والحاكم كاين وانت سوف تنضم إلينا".

وقعت كلامته كالصاعقة على فريد وقبل أن يهجم على الرجل فوجئ بضربة على رأسه أفقدته الوعي فسقط فريد مُغمىً عليه لتظلم الدنيا بعدها من حوله.

تقدم الحاكم كاين من ران ليمنحه الجائزة وهي قلادة من الذهب الخالص تمنح لمن يفوز في المبارزات مع جائزة مالية كبيرة، أمسك الحاكم كاين القلادة ليضعها حول عنق ران، لكن ران نظر إليه نظرة حقد وكراهية ثم قال له بصوت حاد: "هل تذكر هذا الوجه يا سيدي؟".

كاين وهو يتفحص وجهه: "لا أذكر بالضبط أين رأيتك".

ران: " حسناً سأخبرك ،أنا يا سيدي من قبيلة كورينا وهي كانت تعيش في بلدة صغيرة ،لقد أمرت جنودك بقتل كل أفراد قبيلتي وقائدتك المجرمة روجينا قتلت كل أفراد عائلتي ،وانا الآن هنا للانتقام منكم جميعاً ،ثم أخرج سيفه وطعن الحاكم كاين بكل قوة طعنة اخترقت قلبه وسقط على الارض في دمائه ،حدث هرج ومرج وانقض الحراس على ران في محاولة للقبض عليه إلا أنه تفاداهم واختفى بسرعة البرق ،حاولت روجينا إمساكه ولكنها فوجئت بسهم مسموم اصابها في قدمها من بعض الرجال الملثمين المختبئين داخل الحشود لم يقتلها ولكنه شل حركة جسمها فلم تعد قادرة على الحركة ،لحسن الحظ تمكن حراس الملكة سيليا من انقاذها من الرجال الملثمين وقتلوا الكثير منهم وأسرعوا عائدين بها إلى أرض الجليد ، وما إن علم نيار وزيرها الخائن بذلك حتى نفذ الانقلاب بمساعدة زارا ووضع خطة للقبض على الملكة سيليا وسجنها عند وصولها.

أصيب سارين وزوجته وجميع الحاضرين بالصدمة من الأخبار التي كانوا يسمعونها من الناس حيث أشاع رجال زارا والمتخفين وسط الناس أن ران نفذ مخطط زارا بمساعدة فريد صديقه، انتشرت تلك الاخبار كالنار في الهشيم، نقل الحاكم كاين للقصر لمحاولة اسعافه وجلبوا له أمهر الأطباء إلا أنهم عندما وصلوا به إلى القصر كان الحاكم كاين قد مات أما روجينا فقام الجند بحملها واحضروا الطبيب الخاص لها، كانت روجينا في حال يرثى لها حيث أصابتها حمى شديدة وهذيان من أثر السم.

كان جيزان وقادة الجيش قلقون على روجينا بعد تلقيها للسهم المسموم، انتظر جيزان حتى خرج الطبيب، فاقترب جيزان من الطبيب وقلبه يدق خوفاً وهلعاً من أن يكون قد أصابها مكروه، مرت لحظات من القلق والتوتر قبل أن يقطع الطبيب الأمر قائلاً: "لو كان أحد غيرها لما تحمل جرعة السم، فلتطمئنوا إنها بخير وقد أعطيتها ترياق مضاد للسم، بإمكانكم الدخول للاطمئنان عليها ولكن لا تزعجوها فهي تحتاج إلى الراحة".

دخل جيزان وجلس بجانبها ثم قال بصوت يملأه الحزن: "هل أنت بخير سيدتي القائدة".

روجينا في صوت مبحوح بالألم وقد تعرقت جبهتها من أثر الحمى: "أين فريد هل أصابه مكروه؟ أخبرني يا جيزان".

جيزان: "لست أعلم يا سيدتي ولكن قاض القضاة أصدر حكماً عليه بالموت لأنه ساعد في قتل الحاكم فهو من جلب صديقة ران الذي قتل الحاكم، إنه خائن لقد هرب معهم".

روجينا بحزن وقد أنهكها الاعياء والتعب: "أريد أن أعرف لماذا فعل فريد ذلك؟ لماذا خانني وخان أكاريا؟ أهذا جزائي وأنا التي أحبته من كل قلبها يحاول قتلي وقتل الحاكم ويتعاون مع المجرم زارا".

جيزان: "أنا أشعر بكي يا روجينا لقد خدعك هذا المخادع باسم الحب كما خدعنا نحن قادة الجيش ليتقرب منكِ ومن الحاكم لينفذ مخططه الخبيث، إنه ليس من ابناء أكاريا فهو غريب عن أرضنا ولا تجري أكاريا في دمائه هو من أرض الظلام من أتباع زارا، وها هو القناع المزيف الذي كان يرتديه قد سقط وظهر على حقيقته".

روجينا: "يجب أن أنهض وأقود الجيش لحماية أكاريا من أي هجوم".

جيزان وهو يمسك يدها ويمنعها بينما تحاول النهوض لتمسك بسيفها: " ماذا تفعلين؟ أنت بحاجة للراحة الآن لم تتعافي من أثر السم بعد يا روجينا أعرف حبكِ لوطنك أكاريا ولكن الطبيب أخبرني أن أمامك 40 يوم على الأقل لتشفي تماماً ويمكنك النهوض".

روجينا بإصرار: "دعني يا جيزان أنهض وسأكون بخير أكاريا تحتاجني والاعداء على الأبواب".

ثم نهضت لتمسك بسيفها مرة أخرى إلا أنها سقطت ولم تستطع قدميها حملها فوقعت على الأرض وهي شبه عاجزة عن تحريك قدميها، فحملها جيزان برفق ووضعه على السرير قائلاً: "عليك أن ترتاحي الآن يا روجينا ونحن سنصد أي هجوم من الأعداء لا تقلقي".

عم الحزن والهلع في أرجاء أكاريا بعدما سمع الناس خبر مقتل الحاكم كاين على يد ران وخيانة فريد لأكاريا، أما سارين فقد كان غاضباً وحزيناً فقد قتل شقيقه الحاكم وتحول فرحه إلى حزن ورثاء.

في القصر الذهبي للحاكم يدخل الوزير يورد على سارين ثم ينحني تحية له قائلاً: "عليك أن تتجهز سيدي لمراسم تولي العرش، قد جهزنا كل شيء ستقام جنازة تليق بالحاكم كاين".

سارين وقد شحب وجهه من الحزن: "ألا يمكن أن نؤجل أمر تنصيبي حاكم لأكاريا إلى حين أن نقتص من قتلة الحاكم".

يورد: "التأجيل ليس من مصلحة أكاريا فالأعداء يتربصون بنا وينتظرون فرصة مثل هذه لينقضوا علينا ويضعفوا بلادنا، يجب أن تظل أكاريا قوية ومتماسكة، أعلم أن الأمر صعب عليك ولكن لا مفر من هذا".

قالل عبارته ثم استأذن وخرج لتدخل دليلا على سارين وقد احمرت عيناها من كثرة الدموع والحزن وبصوت يعتصر من الألم قالت: "لا أصدق ما أسمعه فريد يخون أكاريا ويتحالف مع زارا لقتل الحاكم كاين وروجينا التي يحبها يدبر مؤامرة لقتلها".

سارين: "لقد خدعنا جميعنا فيه ولكني أقسم بالانتقام من ذلك الخائن ومن زارا وأتباعه".

دليلا: "لا تقل مثل هذا يا سارين أنا واثقة من أن فريد مظلوم لقد خدعوه وورطوه هو طيب وساذج لكن لا أظن بأنه مشترك معهم في تلك المؤامرة".

سارين وهو يحاول كتم غضبه: "لست أفهم يا دليلا لم تدافعين عنه هو ليس شقيقك ولا تربطك به أي صلة قرابة أليس ران صديقه الذي قدمه لنا على خشبة المسرح والذي طعن الحاكم وقتله أمام جميع الحشود من سكان أكاريا، أليس أحد الرجال الملثمين والذي سار معه قام واحد منهم بطعن روجينا بسهم مسموم، حتى حبيبته روجينا لم تسلم من خيانته لقد خدعنا جميعا وخدع روجينا باسم الحب لينفذ مخططه القذر مع زارا لقد أصدر قاض قضاة أكاريا حكم عليه بالموت".

دليلا: "أرجوك يا سارين فريد مظلوم حاول أن تطلب من قاض القضاة تخفيف الحكم عليه هو ليس موجود ليدافع عن نفسه".

سارين: "كفي عن هذا يا دليلا هو ليس موجود ولن يعود لأكاريا لقد هرب معهم ذلك الخائن الجبان إنه واحد منهم، أنت عاطفيه وساذجة عليك أن تكون عقلانية أكثر من هذا يا دليلا أنا واثق من أنه حاول خداعكِ باسم الحب كما خدع روجينا".

أفاق فريد من الاغماء ليجد نفسه مسجون داخل حجرة محصنة ومقيد بالسلاسل، أخذ يصرخ ويصيح: "أين أنا؟ ولماذا قيدتموني بالسلاسل؟ هيا أخرجوني من هنا".

ولكن بعدها بلحظات يُفتح باب الحجرة ليدخل منه ران ومعه رجل برأس ذئب وجسد انسان تبدو عليه ملامح القسوة والإجرام، ليتقدم من فريد وينظر إليه في شفقة قائلاً: "مرحباً بك في أرض الظلام شاران يا فريد أنت من الآن صرت واحد منا".

فريد بغضب: "أنت زارا المجرم أليس كذلك أنا لن أنضم إليكم حتى ولو قتلتموني، أما أنت يا ران فلن أسامحك أبداً لأنك خدعتني وأحضرتني إلى هنا".

تقدم ران من فريد وقبل ان يتكلم فوجئ بصفعة قوية من فريد على خده حتى سالت منه الدماء، ولكن ران لم يتراجع وطلب من زارا أن يخرج ويدعه مع صديقه ليشرح له لماذا فعل ذلك؟".

خرج زارا وترك ران يواجه فريد وحده فتقدم منه ران وهو يمسح الدماء من على خده قائلاً: "اسمع مني يا فريد قصتي ثم بعدها احكم على كما تشاء".

فريد وقد احمرت عيناه من شدة الغضب: "لا أريد سماع أي شيء منك لأنك كاذب ومجرم مثل ذلك المسخ الهجين زارا الذي نصفه بشري ونصفه الآخر ذئب".

ران وقد بدأت الدموع تنهمر من عينيه وهو يصرخ في فريد: "أنت لا تعرف أي شيء عن أكاريا وجرائمهم، أنا واحد من قبيلة كورينا وهذه القبيلة معروفة بالخوارق وقدراتهم الغريبة، كنا نعيش بسلام وامان حتى جاء الحاكم كاين وطلب منا المشاركة معهم في حروبهم رفضت القبيلة كلها الانضمام إلى زارا أو إلى أكاريا كنا مسالمين ونرفض سفك الدماء وهذا لم يعجب الحاكم كاين فأمر جنوده وفي مقدمتهم روجينا بقتل كل أفراد القبيلة ولم ينجو منهم سوى طفل واحد وضعوه داخل صندوق خشبي حتى عثر عليه رجال زارا وأصبحت واحد منهم قاتلا مأجور"

بدأ غضب فريد يهدئ شيئاً فشيئاً بعدما علم بقصة ران فنظر إليه في إشفاق وقال: "هيا أكمل ما لديك أنا كلي آذان صاغية".

ران: "هل تعرف من يكون هذا الطفل الوحيد الذي نجى من القتل يا فريد؟ إنه أنا، فأنا لم أولد مجرم ولكنهم من حولوني إلى قاتل سفاك للدماء هنالك الكثير ممن هم مثلي في أرض الظلام، ليس كل ما أخبروك به عنا في أكاريا صحيح فجرائمهم أكبر من جرائم زارا لقد خططت للثأر وقتل كاين وروجينا مع زارا ولم أجد أحد يساعدني في الأخذ بثأري غيرك لقد رماك القدر في طريقي يا فريد".

فريد: "ولكن هذا لا يعطيك الحق في خداعي وأن تأخذ بثأرك على حسابي".

ران: "لقد مات الحاكم كاين وأصدر قاض القضاة حكمه عليك بالموت، أي أنك إذا ذهبت إلى أكاريا فستموت".

فريد: "عندما أخبرهم بالحقيقة فسوف يصدقوني وروجينا تحبني وستقف إلى جانبي".

ران: "روجينا لو تمكنت منك فسوف تقوم بقتلك إنها امرأة قاسية ومتحجرة ولا تعرف الرحمة لقد أصابها سهم مسموم في قدمها".

فريد وقد استشاط غضباً: "لو أصابها مكروه فسوف أقتلك يا ران".

ران: "لا تقلق يا صديقي إنها بخير، ولكنني لا أنصحك بالذهاب إلى أكاريا لأنهم سيقتلونك، بإمكاني أن أساعدك على الهرب من هنا إلى جزيرة نائية لا أحد يعرفك فيها".

فريد باستغراب: "هل ستساعدني على الهرب يا ران".

ران: "أنت صديقي وأنا على عهدي معك سوف أساعدك على الهرب حتى لو كلفني ذلك حياتي".

فريد: "هل لديك خطة لكي أعود إلى أكاريا".

ران: "لقد حذرتك أنك إن ذهبت إلى أكاريا فسيقتلونك هل تريد أن تلقى حتفك؟".

فريد: "أنت عرضت على المساعدة فلا تقلق سأتمكن من إثبات براءتي في أكاريا كل ما عليك هو ان تساعدني على الهرب من سجن زارا".

وامام إصرار فريد وافق ران على مساعدته على الهرب إلى أكاريا مع إلحاحه الشديد.

*في أكاريا أقيمت جنازة شريفة ضخمة للحاكم كاين حضرها كل من روجينا التي أصرت على الحضور بعد تعافيها من السم وتحسن حالتها ودليلا زوجة سارين وأغلب قادة وكبار المسؤولين في أكاريا وتقريباً جميع سكان أكاريا وشقيق الحاكم والذي سيعلن قاض القضاة أحقيته بالحكم بعد موت شقيقه وذلك بعد إجراءات تصويت بالقرعة على من لهم أحقية بوراثة العرش بحسب قربهم من الحاكم وأقرب رابط يربطهم بالحاكم السابق هو رابط الدم يليه رابط الصداقة هؤلاء فقط من يمكنهم ترشيح أنفسهم ولأن شقيقه سارين كان الأقرب منه فلم يجرأ أحد على التفكير في ترشيح نفسه في منافسة الحاكم حيث تتم الإجراءات باختيار قاض قضاة أكاريا لأقرب واحد من رابط الدم كالأخ أو العم....إلخ ثم يختار أقرب صديق للحاكم من خارج الأسرة الحاكمة ولا بد أن يتصف كل من المرشحين المختارين بالذكاء والقوة والحكمة والمهارة والصبر حيث يجرى اختبار لجميع المرشحين في الصفات السابقة فإذا كان ثلاثة من رابط الدم كالأخ والعم والخال لابد أن يجتاز الاختبارات واحد فقط منهم واذا حدث واجتازا اثنان منهم الاختبارات تجري قرعة لاختيار واحد منهم وكذلك الأمر بالنسبة لرابط الصداقة ،فينتهي الأمر بوجود مرشحين اثنين فقط أحدهما تربطه بالحاكم رابطة الدم والآخر يربطه به رابط الصداقة فيجري قاض القضاة قرعة أخيرة لاختيار أي من المرشحين ،وبما أن سارين شقيق الحاكم قد نجح في جميع الاختبارات التي أقرها مجلس القضاء برئاسة قاض القضاة ولم يجرأ أحد على ترشيح نفسه ضده لأن الجميع في أكاريا كانوا يحبونه ويكنون له الاحترام والتقدير ،انتهى قاض القضاة من جميع الاجراءات وصعد على المسرح الضخم الذي تقام عليه عادة جميع مناسبات واحتفالات أكاريا الرسمية ،أمسك بتاج أكاريا والذي هو عبارة عن تاج مصنوع من الذهب الخالص ومرصع بالماس والعقيق والاحجار الكريمة ثم وضعه على رأس سارين قائلاً: "أعلن اليوم سارين حاكم عام لأكاريا وله جميع الصلاحيات التي تخوله من أداء مهامه كحاكم للبلاد صاح الجميع من سكان أكاريا والذين حضروا لمشاهدة تنصيب الحاكم الجديد "يحيا الحاكم سارين".

وقف سارين أمام الجميع وهو يرتدي التاج ثم قال: "يا سكان أكاريا أقسمت امام قاض قضاة أكاريا على أن أكون حاكماً عادلاً ولا أحابي أحداً وأقسم أمامكم بأننا سننتقم من الخونة قتلة الحاكم السابق ومن زارا وأتباعه".

*جلس وليد في شقته يتابع ويبحث عن الوظائف المتاحة على مواقع الشبكة العنكبوتية، لعله يعثر على وظيفة في احدى الشركات الكبرى ليستطيع جمع تكاليف العملية التي تحتاجها راندا، ولكن محاولاته لإيجاد فرصة عمل في احدى الشركات باتت بالفشل، فقرر وليد بيع كل ما يملك من أراضي في الريف وبثمنها يحاول جمع المال اللازم لعملية راندا فقرر الاتصال بعمه الحاج الصالح فأمسك هاتفه واتصل برقم الحاج صالح:

صالح: "ألو من على الهاتف".

وليد: "أنسيتني بهذه السرعة أيها العجوز".

صالح: "من وليد، أهلاً وسهلاً ولكن أخبرني ما هذه الغيبة الطويلة لم تتصل بي منذ ما يقرب الخمس سنوات، يبدوا إن هناك أمراً طارئ لتتصل بي، هل حدث لوالدك شيء".

وليد: "لا إنه بخير ولكني كنت أفكر في تنفيذ مشروع وبحاجة للمال ففكرت في بيع الأفدنة التي نمتلكها فكم من المال ستجلب لو بيعت".

صالح: "هكذا إذن في حال قررتم بيع الأرض فسأحاول رفع السعر مع المشتري ولكني لن أستطيع رف السعر عن نصف مليون جنية وزيادة تتراوح منذ10 آلاف إلى 20الف جنيه".

وليد وقد ظهر عليه الإحباط: "ماذا؟ لكن هذا المبلغ قليل ولكن يكفي تمويل المشروع".

صالح: "للأسف يا وليد تعلم لوكان معي المال ما بخلت عليك".

وليد: "أعلم هذا يا عم صالح ولهذا فأنا اثق بك وأريد إنهاء عملية البيع بسرعة وبأعلى سعر واترك الأمر لك سلام".

أغلق وليد الهاتف وقرر ان يعمل بجد والا ييأس حتى لو اضطر لبيع كليته فلابد من اجراء العملية حتى تستطيع راندا المشي على قدميها مرة أخرى".

الفصل السادس (أعز صديق)


جلست الملكة سيليا محبطة في سجنها مع احدى وصيفاتها بعدما استولى نيار بمساعدة زارا على الحكم وقام بانقلاب على الملكة فقالت الملكة لوصيفتها نفارا: "لقد ضاع ملكي يا نفارا هذا الوزير الخائن تحالف مع أرض الظلام للاستيلاء على العرش ويبدو أن أكاريا لن يتحركوا لنجدتنا، أشعر بأن الجميع قد تخلوا عنا".

نفارا: "لماذا كل هذا اليأس والاحباط يا سيدتي، أنا واثقة بان أكاريا لن يتخلوا عنا، لذلك دعي هذا اليأس جانباً وتفاءلي".

الملكة: "أرجوا ذلك يا سيليا فلن يبقوننا قابعين في هذا السجن طويلاً فاحتمال قتلنا والتخلص منا بات وشيكاً".

*في سجن زارا كان ران يستعد لتنفيذ خطته لإنقاذ فريد من السجن وتهريبه إلى أكاريا فتقدم من أحد الجنود على باب الزنزانة وقال له بصوت حاد "افتح الباب فلدي أوامر من زارا بنقل السجين".

الحارس: "حسناً، ولكن إلى أين ستنقلونه؟".

ران: "هذا ليس من شأنك".

وأمام إصرار ران استجاب الحارس وقام بفتح الباب وفك قيود فريد".

ثم همس ران في أذن فريد: "الآن".

فقام ران بضرب الحارس على رأسه وطعنه حتى الموت".

فاستنكر فريد ذلك قائلاً: "لماذا قتلته؟ سفك الدماء أصبح عندك مثل شرب الماء يا صديقي".

ران: "أنسيت أنني قاتل مأجور، وإذا أفاق هذ الحارس فسيبلغ زارا عنا وقد ينتهي الأمر بقطع رأسي ورأسك".

فريد: "والآن ماذا سنفعل وكيف سنخرج من هنا".

ران: "لا تقلق يا صديقي فقد قمت بحفر نفق سري تحت السجن سنخرج من خلاله وأقوم بتهريبك إلى بر الامان".

وفجأة قام ران برفع بعض الحجارة وخلعها من الأرض ليظهر باب ضيق تحت الأرض ويدخل من فريد أولاً ثم يتبعه ران وقام بعجها بإغلاق فتحة النفق بالطوب كما كانت لإخفاء الفتحة ثم بدأ كل منهما بالسير في النفق المظلم.

نظر فريد إلى ران فوجده قلق ويتعرق فقال له: "لماذا لا تأت معي إلى أكاريا وتخبرهم بقصتك وأنا واثق من أنهم سيعفون عنك".

ما كاد أن ينهي فريد كلماته حتى توقف ران وقد بدى عليه الغضب فقال: "لماذا لا تصدقني عندما أقول لك أنك إن ذهبت إلى أكاريا فسوف يقتلونك".

فريد: "لا لن يفعلوا فروجينا حبيبتي ستقف إلى جانبي أنت لا تعرفها ولست أعرف سبب كراهيتك لها يا ران".

ران: "أخبرتك مراراً أنها قتلت قبيلتي في حمله شنتها أكاريا على بلادنا ولم يبقى من أفراد قبيلة كورينا غيري ولولا أنك صديقي ولا اريد إغضابك لقمت بقتلها".

فريد: "ما رأيك يا صديقي أن تأتي معي إلى أكاريا وأطلب من روجينا أن تعتذر لك وأن تسامحها على ما فعلته في قبيلتك وأصلحكما على بعضكما فأنت أعز صديق عندي وهي حبيبتي ولا أريد أن أخسر أحدكما".

ران: "كلامك هذا ومدحك لي يشعرني بالإحراج يا فريد ولكني سأصدقك القول روجينا إن رأتك في أكاريا فسوف تقتلك فولائها لوطنها أكاريا واجب مقدس فهي مستعدة لسفك دماء أقرب الناس إلى قلبها ولا يمكنها بأن تعصي أوامر الحاكم الجديد سارين".

ظلا يتحدثان بينما يسيران في النفق المظلم حتى وصلا إلى نهاية النفق وقام ران بفتح الباب وخرج خلفه فريد ليجدا نفسهما وسط مكان موحش ثم سارا معاً ناحية الشرق ليجدا أحد أصدقاء ران وقد أحضر لهما ملابس تنكريه ليخرجا من بوابة أرض الجليد على هيئة تجار فلا يتعرف عليهما أحد من رجال زارا كما أن البوابة قد فتحت بين أرض الظلام وأرض الجليد منذ تولي نيار السلطة في أرض الجليد بانقلاب على .

ارتدى ران وفريد ملابس التجار وأخفيا هيأتهما وعبروا البوابة بسلام متجهين صوب أكاريا فقال ران: "أمامنا يومان على الأقل حتى نصل السور الذي يفصلنا عن أكاريا لن يفتحوا لنا البوابة فقد قطعت العلاقات بين نيار الذي نصب نفسه ملكاً على أرض الجليد وسارين حاكم اكاريا الجديد ورفض سارين الاعتراف بنيار ملكاً بل وصفه بالخائن".

فريد وقد بدى عليه التوتر والقلق: "فكيف سندخل المدينة إذن إذا كانت البوابة مغلقة".

ران: "بنفس الطريقة التي هربنا بها من سجن زارا سنستأجر بعض العمال المهرة ليحفروا لنا نفق أسفل السور ثم نعبر إلى مكان خفي بين الجبال بحيث لا يتم اكتشافنا".

فريد: "وهل تعرف أحد في أرض الجليد يمكن أن يساعدنا في ذلك دون أن يشي بنا عند زارا".

ران: " أجل بالطبع فلدي أصدقاء في أرض الجليد ومنهم فينكس سأعرفك عليه عندما نصل ".

بعد قرابة يومين من السير والاستراحة في الاستراحات التي كانت متواجدة على الطريق وصل ران وصديقه فريد إلى مكان قريب من السور الفاصل بين أرض الجليد وأكاريا وكان في استقبالهم فينكس الذي ابتسم واقترب من ران يعانقه قائلاً: " مرت خمس سنوات منذ آخر مرة رأيتك فيها يا صديقي".

ران: "لا عليك يا فينكس ولآن دعني أعرفك بصديقي الجديد فريد"

نزل فريد من على حصانه وتقدم لمصافحة فينكس: "لقد حدثني عنك ران وأنك سوف تساعدنا في دخول مدينة أكاريا".

فينكس: "أجل بالطبع لقد استأجرت العمال وأنهينا حفر النفق وكل شيء جاهز ولكن لن تستطيعوا العبور الآن بل في الليل عندما تقل الحركة ويسكن الناس إلى منازلهم والآن لتأتوا معي فأنتم ضيوفي اليوم لنتناول العشاء فلم أرى ران منذ خمس سنين وقد اشتقت لحديثه".

استضاف فينكس صديقه ران وفريد عنده في منزله على العشاء بعدما جهزت زوجته ريفانا لهم أصنافاً من الطعام التي لم يسبق لفريد أن شاهد أو تذوق مثلها من قبل، كان فريد سعيداً جداً رغم ما به من ألم لأنه قد عثر على أصدقاء حقيقين يقفون إلى جانبه في شدته أرادت ريفانا كسر الصمت عندما شاهدت فريد يأكل بفتور وكأنه غير جائع، فأرادت مداعبته قائلة: "يبدو أن طعامي لا يعجبك يا فريد".

فريد وقد شعر بالإحراج من كلامها: "بل على العكس الطعام لذيذ جداً ولكنني حزين لأنني لم أرى عائلتي وأبي منذ 6 سنوات".

ريفانا: "ستراهم قريباً أليسوا في أكاريا".

فريد: "كلا أسرتي لا تعيش في أكاريا فقد أتيت من سطح الأرض ودخلت بالخطأ إلى ممر في أحد الكهوف بعدم ضللت الطريق وضوء قوي ورياح شديدة سحبتني فانتقلت من عالم سطح الأرض إلى عالم جوف الأرض، فأنا لست من سكان أكاريا".

فينكس: "البوابة بين عالم سطح الأرض وجوفه تفتح مرة كل سبع سنوات وقد تموت إذا حاولت العبور للمرة الثانية فالدخول إلى عالم جوف الارض سهل لكن الخروج صعب فهناك رياح قوية وسامة تهب وتمنع اي شخص من العودة مجدداً".

فريد: "علمت ذلك سابقاً من ممدوح والد شريف وأنه قد جاء أيضا من عالم سطح الأرض إلى جوفه ولكنه فشل في العودة وقد أخبرني بأمر تلك الرياح".

ران: "ألا تعرف أحداً يا فينكس يمكنه مساعدة فريد في العودة إلى سطح الأرض".

فينكس: "أجل إنها العرافة سولا فهي لديها نوع من الترياق يحمي من سموم تلك الرياح ولكنكم حتى تصلوا إليها فيجب عليكم القيام برحلة إلى القارة الملعونة أورينا للوصول إليها".

ران وقد بدا الرعب على وجهه: "ماذا أتريد منا أن نقوم برحلة إلى تلك القارة الملعونة، لم يذهب أحد إلى هناك وعاد حياً إنها خطرة جداً حتى أن من يفكر في زيارتها يعاقب بالسجن أو الإعدام فالقوانين هنا تحظر السفر إلى هناك بسبب خطورة تلك القارة والمصائب والكوارث التي حلت على جميع البلاد منها".

فريد: " سأعرض الأمر على روجينا بعدما أثبت براءتي في اكاريا وأنا واثق بأنها سوف تساعدني، وإن رفضت فليس امامي مفر من الذهاب إلى تلك القارة والعثور على سولا والحصول على الترياق المضاد للرياح السامة".

ريفانا: "يمكنك وضع قماشة على فمك وحبس أنفاسك حتى تعبر النفق".

فريد: "الأمر شبه مستحيل سأحتاج إذن لحبس انفاسي لمدة ساعة حتى أعبر لآخر النفق فالرياح قوية وعاتية وسامة والقماشة لن تحميني ولن أستطيع كتم أنفاسي لأكثر من خمس دقائق".

ران: "أنت بالتأكيد تمزح لا يمكنك الذهاب إلى هناك ستموت لقد ذهب إلى تلك القارة الملعونة 12 رجلاً كان يضرب بهم المثل في الشدة والقوة ولم يعد منهم أحد إنها قارة مرعبة ومخيفة مليئة بمخلوقات مرعبة وأعتى السحرة والمجرمين يقبعون هناك أضف إلى ذلك النباتات السامة والثمار والفواكه غير صالحة للأكل ومياهها كلها مالحة ومن النادر ان تعثر على ماء عذب والمناخ فيها متقلب ومضطرب طوال السنة، الأمر يا صديقي أشبه بالكابوس".

هنا تدخلت ريفانا في محاولة لمنع فريد من السفر إلى تلك القارة الخطرة: "لم لا تبقى هنا معنا في جوف الأرض، الحياة هنا أفضل من سطح الأرض فلا يوجد هنا فقر او أحد بلا عمل باستثناء ارض الظلام وتلك القارة الملعونة".

فريد: ليتني أستطيع البقاء ولكن لا يمكنني نسيان عائلتي واسرتي أفضل المخاطرة والموت في سبيل ذلك على الاستسلام للأمر الواقع".

فينكس: " حان وقت النوم عليكم أن تأخذوا قسطا من الراحة قبل حلول الليل وعبور النفق إلى اكاريا".

انقضى الليل وبدأت الشوارع في الخلو من الناس فاستعد كل من فريد وران صديقه وتجهزا لعبور النفق تحت الأرض الذي يفصل اكاريا عن ارض الجليد دون أن يراهما أحد من الجنود الحراس فوق السور، جاء فينكس وطلب منهما الاستعداد فقد حان موعد الرحيل فاستعد كل منهما بعدها قام فينكس بفتح بوابة حديدية في منزله لينكشف تحتها باب سري يقود إلى نفق طويل تحت السور الفاصل بين أرض الجليد وأكاريا فقام فينكس وزجته بتوديعهما: "كونوا حذرين يا ران أنت وفريد وإذا احتجمتما لمساعدتنا فاستخدما الحمام الزاجل في التواصل".

فريد: "لا داعي للقلق يا فينكس سنكون على ما يرام، ولكن إلى أين سينتهي بنا النفق في اكاريا بالضبط".

فينكس: "كما أخبرت ران من قبل النفق سينتهي بكما فوق أحد الجبال المنعزلة والبعيدة عن المدينة حتى لا يراكم أحد من الحراس وقد أحضرت لكما بعض الملابس التنكرية حتى لا يتعرف عليكما أحد ولا تنسى أن تبلغ تحياتي إلى القائدة روجينا".

تعانقا وودعهما فينكس وزوجته ريفانا ودخل فريد إلى الباب يليه ران ثم أغلق فينكس الباب الحديدي خلفهما ووضع فوقه بعض الطوب كما كان قبل فتحه حتى لا يلاحظ أحد وجود ذلك الباب إذا قام بزيارة منزلهما.

بدأ فريد بالسير في داخل النفق معه مصباح به فتيل للإضاءة وخلفه مباشرة ران يسير محاولاً التقدم للحاق بفريد لكن فريد فاجئه قائلاً: ستعود أدراجك إلى فينكس بعد أن نصل إلى ذلك الجبل فإن رآك أحد في أكاريا فلن يصدقوك وقد يقتلوك".

فاندهش ران من كلامه ورد بغضب: "ماذا أتريد مني أن أتركك تذهب لمقابلة روجينا وحدك وماذا أن أصابك مكروه يا صديقي".

فريد: "سأتحمل العواقب وحدي ولن أسمح لك بالمجيء معي يا ران أسمعت".

فرد ران بانفعال وعصبية: "وأنا لن أسامح نفسي إن أصابك مكروه وسآتي معك رغماً عنك".

وأمام إصرار ران لم يجد فريد مفراً لرده عن قرار اتخذه فقال له: "إن أمسكوا بأحدنا فسيكون لدى الآخر فرصه لإنقاذه أما إن قتلنا معاً فمن سينقذنا، ستبقى فوق الجبل تنتظرني ولن تأتِ معي يا ران، ولكن إذا تأخرت عن يومان تصرف كما يحلو لك".

اقتنع ران برأي صديقه فريد، واستمرا بالسير حتى وصلا لنهاية النفق فقام ران بفتح الباب ليخرج ثم يتبعه فريد ويجدا أنفسهما فوق جبل شاهق وأسفل الجبل توجد مبان مدينة اكاريا والتي يعرف فريد كل شبر فيها فأخبره فريد أنه سيدخل من البوابة على هيئة أحد التجار ويحاول الوصول للقائدة روجينا ليخبرها بكل شيء.

نظر فريد إلى صديقه ران كأنما يلقي عليه نظرة الوداع، ثم عانقه بحراره وكأنها ينتظر مصيراً مجهولاً في أكاريا التي صار الناس فيها يعتبرونه من بطل منقذ إلى خائن وقاتل، نظر نظرة الوداع إلى ران الذي ولأول مرة شعر بالقلق وبخطورة الوضع وحاول جاهداً منعه فلم يفلح فقال له: "أنا واثق بأن روجينا ستصدق أني مظلوم وسوف تساعدني، لذا لا داعي للقلق والخوف يا صديقي".

ثم اتجه سيراً إلى أسف الجبل وران يصيح فيه من خلفه: "إن تأخرت عن يومين فسأهبط إليك وأبحث عنك في كل أرجاء أكاريا".

لكن فريد تجاهله واستمر بالسير حتى وصل إلى البوابة التي يدخل منها التجار والتي دخل منها أول مرة مع شريف.

دخل فريد البوابة على أنه تاجر وكان يحمل معه بعض البضائع الصغيرة للتمويه ثم سار داخل المدينة دون أن يتكلم مع أحد حتى لا ينكشف أمره، أخذ يسير باتجاه مبنى القيادة بالجيش وعندما وصل وجد حراسة مشددة على المبنى فتقدم محاولاً دخول المبنى وطلب من الحراس أن يسمحوا له بمقابلة القائدة روجينا إلا أنهم رفضوا وهددوه بالسجن وصاح فيه أحد الحراس: "القائدة روجينا لا تقابل الغرباء هيا ارحل الآن ولا تعرض نفسك للعقاب".

ففكر في التسلل من فوق سور المبنى وبالفعل اختار نقطة لا توجد بها حراسة ثم صعد فوق السور وهبط واقترب من غرفة القيادة التي تجلس بها روجينا ببطء وحذر ثم وضع أُذنه على الباب ليسمع شخص يتكلم مع روجينا فابتعد عن الباب وانتظر حتى يخرج ذلك الشخص، بعدها بلحظات فُتح الباب وخرج منه جيزان، عندها اقترب فريد وهو متنكر في ثياب التاجر ثم طرق الباب فسمع صوت روجينا تقول: ادخل، فدخل ليجد روجينا تجلس في غرفة قيادة الجيش ويبدوا عليها الغضب فنظرت إليه روجينا بغضب ثم قالت:

"من أنت وكيف تجاوزت الحراس لتأتي إلى هنا".

وقبل أن تشهر سيفها بوجهه نزع فريد ثياب التاجر من عليه والذقن المستعارة ليقف أمامها قائلاً: "أنا هو من تبحثين عنه أنا فريد الذي اتهمتموه ظلماً، لكن قبل أن تصدري حكمك علي اسمعي ما سأقوله جيداً وبعدها احكمي".

بدأ فريد يحكي قصة اختطافه من رجال زارا وكيف تم توريطه معهم وأنه هرب من السجن بمساعدة صديقه ران، ليتفاجأ بعدها بروجينا تقترب منه وتصفعه على وجهه صفعة سالت الدماء من خده بعدها ثم ركلته في بطنه لتسقطه أرضاً، سقط فريد على الأرض ممسكاً بطنه من شدة الألم، لينهض من جديد والدموع في عينيه محاولاً النظر في عينيها لعله يجد تلك الأنثى الحنونة التي أحبها، لكنه فوجئ بها تضربه من جديد وتسقطه أرضا وهي تصرخ في وجهه: "ران صديقك لقد اعترفت بخيانتك أليس هو من قتل الحاكم كاين، هل تظن أنني تلك الفتاة البلهاء التي يمكن لشاب أحمق مثلك أن يخدعها باسم الحب ليجعلها تخون وطنها أكاريا أنا روجينا لست امرأة عادية، أعتى الرجال في أكاريا وكبار المسؤولين يرتعدون خوفاً أمامي ،ليأتي شاب أحمق مثلك يجعل مني أضحوكة بين قادتي وجنودي ويستغفلني".

صاحت روجينا بصوت عالٍ داعية جيزان والحراس ليحيط الجنود بفريد من كل جانب ثم صاحت فيهم: "خذوا هذا الخائن وضعوه في السجن حتى أنظر في أمره".

فاقتاد الجنود فريد إلى زنزانة محصنة في مبنى الجيش كانت قد بنيت لمعاقبة الجنود والقادة المتمردين الذين لا يطيعون الأوامر، ثم وضع الجنود السلاسل والقيود في يديه وقدميه وقد كانت الدماء تنزف منه".

لم يمر اسبوع على اختفاء فريد ومقتل الحارس حتى علم زارا بهروب فريد بمساعدة ران فتوعد بالانتقام من ران لخيانته، فتدخل سقرب قائلاً: "لقد علمنا من جواسيسنا أنه هرب إلى أكاريا ولم يصدقوه وقد وضعوه في السجن وأعتقد أنهم سيقومون بإعدامه".

زارا: "يستحق ذلك هذا الغبي لقد رفض التحالف معنا، فليقتلوه إذن".

سقرب: "لكن يا سيدي لو سمحت لي فرأيي مخالف لك في ذلك هو شاب موهوب وذكي وسنحتاجه معنا وإذا قمنا بإنقاذه للمرة الثانية فسوف يكون لديه دافع للانتقام من أكاريا بعدما فعلوه به أي أنه سيرضخ لشروطنا بالتأكيد".

زارا: "ماذا؟ أتريد منا أن نرسل جنود آخرين لإنقاذ هذا الغبي ونعرض رجالنا للقتل وبعدها سيرفض الانضمام إلينا كما فعل في المرة السابقة".

سقرب: "هذه المرة ليس امامه مفر فقد جرب أكاريا ولم يصدقوه واتهموه بالخيانة أي أنه سيكون مجبراً على الانضمام إلينا".

زارا: "حسناً افعل ما تراه يا سقرب لكنك أنت وحدك من ستتحمل العواقب والنتيجة أمامي إن فشلنا في ذلك".

-قلق ران على غياب فريد فقد مر يومان ولم يرجع بعد فقرر أن ينزل إلى أكاريا متنكراً لمعرفة سبب تأخره، فنزل من فوق الجبل ودخل البوابة ولكن اثناء سيره سمع حديثاً جانبياً بين أحد التجار والجنود فقال الجندي: "اليوم سيكون عيداً في أكاريا لقد قبضنا على ذلك الخائن فريد، بقي لنا أن نقبض على صديقه الآخر قاتل الحاكم كاين".

فرد عليه التاجر: "وماذا ستفعلون به؟".

الجندي: "بالطبع سيعدمونه لقد أصدر قاضي القضاة عليه حكماً بالإعدام هو وصديقه وكل من تعاون مع زارا من أكاريا".

وقعت تلك الكلمات كالصاعقة على أذن ران حتى أنه كاد أن يسقط مغشياً عليه من هول المصيبة: "ماذا؟ هل سلمته روجينا لتقتله أم أن الجنود كشفوا أمره وقبضوا عليه قبل أن يصل إليها".

أراد ران أن يسأل الجندي ولكنه خشي من أن يشك فيه ويكشف أمره فقرر أن يبقى في اكاريا ويراقب الأمر من بعيد ليتحقق ويحاول ايجاد فرصه لتهريب فريد من أيديهم.

على الناحية الأخرى ظل فريد قابعاً في السجن يتألم من أثر الجروح والضرب الذي تعرض له، كان مقيداً بسلاسل في يديه وتلك السلاسل التي في يديه تتجه إلى السقف وأخرى في قدميه، كانت الزنزانة التي وضعوه فيها ضيقة، فهي عبارة عن حجرة صغيرة بها سرير حديدي لا يوجد به وسادة ولا فرش للنوم فقط إما ان تنام على الأرض أو على السرير الحديدي، كان يمكنه فقط التحرك من خلال السلاسل مسافة مترين فقط، ليفتح الباب ويدخل جيزان ومعه روجينا التي لأول مرة تألمت وهي تنظر إليه والدماء تقطر من جسده وكأنها كانت تريد البكاء ولكنها تقاوم وتحاول كبت مشاعرها ولكنها مهما حاولت فهي بالنهاية أنثى يتحكم به قلبها وعواطفها، نظرت إليه تتأمله بحسرة وحزن كأنها تلوم نفسها على كل ما يحدث له فهي من سلمته بيديها حتى لا تخون وطنها أكاريا ولكن من داخلها فهي لاتزال تحبه ومهما حاولت أن تجعل نفسها تكرهه أو أن تقنع نفسها بأنه عدو لها ولبلادها وأنه خائن فلن تستطيع، مرت لحظات الصمت وهي تنظر إليه في حزن وإشفاق كأنها تلوم نفسها وتعاتبه على خطأه عتاب الام لابنها وفريد يضع رأسه في الأرض وكأنه لا يريد النظر في عينيها فتلك الأنثى التي اعتقد انه قد احبها ماتت وحلت محلها امرأة أخرى لا تعرف سوى الحروب والقتل فكان يخشى من النظر في عينيها فيُصدم عندما يرى ذلك الوحش الكاسر، وأثناء ذلك الصمت الطويل المطبق تحدث جيزان قائلاً: "لماذا يا فريد؟ ما الذي دفعك لتخون أكاريا وتخون روجينا التي وثقت بك وأحبتك لقد جعلتها وجعلتنا في موقف محرج في اكاريا كلها الناس هنا ينظرون إلينا وكأننا متواطئين معك لقد سببت جرحاً غائراً لن يلتأم ولن تداويه الأيام".

رفع فريد رأسه والسلاسل في يديه والدماء تقطر من جسده ثم نظر إلى روجينا في عينيها كأنما يبحث عن تلك الأنثى التي بداخلها ونهض واقترب منهما قائلاً: "أنا لست خائن وإن كنتم ترونني خائن فلتعدموني فلم تعد لي رغبة في الحياة أنا لست منكم ولا من بلادكم ولا من أرضكم وما دمت لن أعود لوطني فالموت أفضل من ان أنتمي لمكان لست منه".

ما كاد ينهي كلامه حتى فوجئ بروجينا تضربه بقوة وتصفعه وتركله أرضاً: "يا لك من أحمق بدلاً من أن تعتذر وتطلب الرحمة وأن نسامحك تكابر وتعاند، جيزان من فضلك اخرج الآن ودعنا وحدنا"

خرج جيزان بناء على أوامر روجينا وتركهما معاً، وسرعان ما أغلق الباب حتى اقتربت منه روجينا والدموع في عينيها وهي تبكي بشدة وتلومه صارخة فيه: "لماذا تعذب نفسك وتعذبني معك يا غبي، جعلتني أحبك واتعلق بك، ولكنك لن تجعلني أخون اكاريا لن أخون وطني".

استدار فريد واعتدل ثم اقترب منها والجروح ظاهرة في وجهه وجسده وقال لها: " لماذا قتلت قبيلة ران كورينا، ألم يكن الحاكم السابق كاين من أمرك بذلك كل هذا لأنهم رفضوا التحالف معكم في حروبكم، لستم على حق يا روجينا فكما أن زارا قاتل ومجرم فأنتم أيضا قتلتم وسفكتم الدماء أكاريا لا تختلف كثيراً عن أرض الظلام أنتم وجهان لعمله واحدة".

استشاطت روجينا غضباً وصاحت فيه: "اصمت يا هذا خائن مثلك يقول مثل هذا الكلام، لقد قاتلت دفاعاً عن أكاريا لأن دماء أكاريا تجري في عروقي أما أنت فلست منا لهذا كان علينا أن نتوقع منك الخيانة".

فريد بتحدي: "أن تدافعي عن وطنك ليس عيب بل هو حق ولكن الاعتداء على الآخرين واستعباد الناس ليس أخلاقياً، أخبريني يا روجينا كم طفلا أخذا أسيرا وأصبح عبداً في

جيوشكم، كم روحاً أٌزهقت، كم مدينة خربتموها، أنا أرفض الحروب وسفك الدماء".

روجينا: "يبدو أن ذلك الوغد ران قد حرضك علينا لقد غسلوا دماغك وصرت واحد منهم، بقدر ما أحببتك يا فريد صرت أكرهك بشدة، لا أريد رؤيتك مرة ثانية، أنا أكرهك، أكرهك".

نهضت روجينا وقبل أن تستدير ركلت فريد في بطنه ركلة قوية حتى سالت الدماء من فمه، كان فريد في قرارة نفسه يعلم أنها لاتزال تحبه ولكنها تحاول التظاهر بغير ذلك فلا زال الغضب والحقد يعميان بصرها عن الحقيقة.

دخل الوزير يورد على الحاكم الجديد سارين في قصره وزوجته دليلا تجلس بجانبه وقال: " مولاي الحاكم لقد قبضنا على الخائن فريد بقي القبض على الهارب الآخر وبقية من ساعدوه في تنفيذ المؤامرة".

سارين وقد اعتلى السرور وجهه: "أحسنتم ولكن كيف تمكنتم من القبض عليه".

يورد: "لم نقبض عليه بل جاء بنفسه متنكراً على هيئة تاجر لمقابلة روجينا وهي من قبضت عليه وسجنته".

دليلا بخوف وقلق: "وماذا ستفعلون معه؟".

يورد: "لقد أصدر قاض قضاة أكاريا حكماً بإعدامه، وسيتم إعدامه في ساحة عامة أمام الجميع من سكان أكاريا".

دليلا محاولة حبس دموعها: "هل ستعدمونه دون أن تتركوه يدافع عن نفسه، لابد أنه مظلوم وقد تم توريطه في ذلك أنا

واثقة".

سارين: "لازلت تدافعين عنه ألم يقدم لنا ران صديقه الذي طعن الحاكم على المسرح وهرب بعد ذلك معه مهما قال فقد صدر الحكم، تلك قوانيننا يا دليلا لا يمكننا مخالفتها فهي تسري على الجميع على الحاكم والمحكومين، فالقضاء هو أعلى سلطه في أكاريا".

لم تتمالك دليلا نفسها وانفجرت باكية ودخلت إلى غرفتها لا تكلم أحدا ورفضت حتى تناول الطعام، حاول سارين إدخال الطعام إليها وإطعامها بنفسه إلا أنها رفضت حتى شحب وجهها فخاف سارين وفزع من أن يصيبها مكروه.

اجتمع الناس في ارجاء أكاريا ونواحيها لرؤية تنفيذ حكم الاعدام في فريد.. كانت الشوارع مزدحمة، وقام الجنود بوضع المقصلة على خشبة مرتفعة وسط حشد من الناس

واقتاد الجنود فريد مكبلاً بالأغلال والسلاسل والناس في أكاريا يسبونه ويشتمونه وبعضهم كانوا يقذفونه بالحجارة

"أيها الخائن اللعين.. خذ هذه " رفضت روجينا الحضور ولم يحضر كذلك جيزان اما الحاكم سارين فقد انشغل بصحة زوجته دليلا التي تدهورت بعدما أضربت عن الطعام واصابها اكتاب حاد.. وقف فريد أمام ثلاثة قضاة يرأسهم قاض قضاة أكاريا وتلا عليه حكم الاعدام كالآتي: " إنه وبعد ثبوت خيانتك لأكاريا وتواطؤك في مؤامرة لقتل الحاكم العام لأكاريا كاين واشتراكك مع صديقك ران وآخرين بالتعاون مع زارا فقد أصدرنا نحن كبار مجلس قضاة أكاريا حكماً بالإعدام بقطع رأسك على المقصلة، ونفس الحكم على ران والنفي والحرمان من دخول أكاريا المشاركين في هذه المؤامرة".

اقتاد الجنود فريد وهو مكبل بالأغلال والسلاسل ثم أجلسوه على المقصلة وقد أناموه على بطنه وفريد مذهول ويقول في قرارة نفسه: "أهكذا يا روجينا بعد كل هذا الحب الذي أحببته لكِ من كل قلبي تسلمينني ليقتلوني لقد كان ران محقاً عندما حذرني منك وقال بأنني لم أعرفكِ جيداً، ما أقسى قلبكِ يا روجينا لو تعلمين أنني مظلوم لو كنت تحبينني كما أحبك لصدقتني وكذبت العالم بأسره، ولكنني كنت مخطأ وأعيش في وهم كبير اسمه الحب والآن أستيقظ على كابوس، أيعقل أن تكون هذه نهايتي أعدم ظلماً بجريمه لم أرتكبها".

أغمض فريد عينيه وكأنه دخل في سبات عميق وهو يسمع الصياح والجلبة من حوله والناس يصيحون: "هيا أقطع رأس هذا الخائن بسرعة".

ولكن فجأة خرج أشخاص ملثمون وألقوا مادة بيضاء تشبه مسحوق الدقيق ولكنها أشد بياضاً منه وذراتها سريعة الانتشار في الهواء بحيث أنها جعلت المكان يعم بالغبار حتى أصبح الجميع لا يرى أحدهم كف يده من كثرة الغبار وتقدم شخص ملثم من الجندي الذي يقف على المقصلة وطعنه حتى الموت ،حدث هرج ومرج وهرب القضاة الثلاثة وتداخل الجنود مع الناس مع الملثمين كل هذا يحدث وفريد مغمض عينيه ويردد الشهادة بصوت مسموع ولا يدري ما يحدث حوله وفجأة همس في أذنه أحد الملثمين : "أنا ران وقد جئت لإنقاذك هيا انهض ثم فك القيود عنه بعدما أخذ المفتاح من الجندي الصريع ، ليفتح فريد عينيه غير مصدق، ثم يمد ران يده إليه ليساعده على النهوض ثم سحبه من ذراعه وسط الغبار الابيض الذي انتشر عقب رمي الملثمين لمسحوق غريب جعل من الرؤيا صعبة ،وبعد ان انقشع الغبار واتضحت الرؤيا فوجئ بقية الجنود بالجندي الذي كان على المقصلة قتيلاً وقد هرب فريد ،أخذ الجنود يبحثون عنه في كل مكان بين الحاضرين حتى أنهم كان يضربون الناس بالسياط ليوسعوا لهم الطريق في محولة للبحث عنه وإيجاده قبل هروبه واستطاعوا القبض على بعض الجنود الملثمين الذي اعترفوا بأنهم من اتباع زارا من أرض الظلام وقد أرسلهم لتهريب فريد واعادته إلى أرض الظلام.

مختبأ خلف الحشائش في ظلام الليل الحالك أخرج ران ملابس التجار التي كانت معه ووضع أحداها أمام فريد الذي كان مذهولاً ومندهشاً من أنه على قيد الحياة ولم يمت فتسائل متعجباً.

فريد: "أجئت إلى هنا وعرضت حياتك للخطر لتنقذني يا ران، حقاً أنت صديق رائع".

احمر وجه ران خجلاً: "قلت لك أنا لا أحب المديح والثناء فهذا يشعرني بالإحراج، أنت صديقي وهذا واجبي نحوك".

فريد ولك أخبرني من هؤلاء الرجال الملثمون الذين حضروا معك وقاموا برش ذلك المسحوق العجيب الذي جعل الرؤية مستحيلة وساعدونا على الهرب، حقاً أنت عبقري يا صديقي".

فانفجر ران ضاحكاً وهو يقول:" هذه ليست فكرتي بل فكرة رجال زارا فقد جاؤا لخطفك وإعادتك إلى أرض الظلام بأمر من زارا وقد تتبعت تحركاتهم واستغللت انشغالهم بإحداث الهرج وسكب مسحوق التيراتين الذي جعل الرؤيا صعبة ومكننا من الهرب عليك أن تشكر رجال زارا فبغبائهم ساعدونا على الهرب وقد قبض جنود أكاريا على أغلبهم، وأظن أن زارا سيجن حينما يعلم بما حدث هيهها".

فضحك فريد وقال بأمل: "لقد كنت محقاً يا صديقي فروجينا التي أعرفها قد ماتت أما هذه فامرأة قاسية أخرى لا أعرفها، أنا آسف لأنني كذَّبت حديثك ولم أصدقك كنت على حق، أنت حقاً أعز صديق لي يا ران".

ران: "لا تعتذر يا فريد ولكن عليك أن تكون عقلانياً في أمورك لا تتبع عواطفك دائماً حتى لا تقع في المتاعب، والآن ارتدي ملابس التجار حتى نعبر ونخرج من أسفل السور الحدودي عائدين إلى أرض الجليد قبل أن يجدنا جنود اكاريا ويقتلوننا".

*كانت راندا منذ الحادثة تسير على كرسي متحرك بعجلات فهي لم تعتد تستطيع المشي ووالدها خسر معظم تجارته وبينما يجلس الأب مع ابنته... إذ بالباب يطرق فقام الاب لفتح الباب: من بالباب ؟

وليد: نعم إنه أنا وليد هل تسمح لي بالدخول يا عم.

الأب: بالـتأكيد بيتك ومطرحك.

وليد: راندا ستمشي من جديد على قدميها وستسافر للخارج لعمل العملية.

الوالد: كيف ذلك من أين حصلت على تكلفة العملية.

وليد: سأبيع كليتي وأسدد بثمنها تكلفة العملية.

ليفاجئ بعدها براندا تدخل وهي على كرسي متحرك، وهي تبكي فيتلعثم وليد ويحاول الأب تغيير الموضوع إلا أن راندا تعيد طرح السؤال من جديد

راندا: ها تريد أن تبيع كليتك يا وليد لأجل أن أسير على قدمي مرة أخرى.

وليد: هل عندك حل آخر يمكنني أن أعيش بكلية واحدة.

وقبل أن ينهي كلامه فإذا به يفاجئ براندا تصفعه وتضربه قلم على وجهه وهي تصرخ: لن أسمح لك بأن تبيع عضو من جسدك وتصبح راقدا على السرير مكاني أنا راضية بقدري يا وليد أرجوك لا تفعل ذلك إن كنت تحبني حقا

وليد بانفعال: وهل أتركك هكذا مشلولة على كرسي متحرك لا تستطيعين الحراك.. الحب تضحية يا راندا وأنا مستعد للتضحية بأي شيء لأجلك.

الأب: اسمع يا وليد أنا أيضا لست موافق على هذا أن تبيع جزء من جسدك لعلاج ابنتي.. إذا كنت تحبها تزوجها واعتني بها لا ان تدمر نفسك.

وليد: هل هذا آخر كلام لديكم.

الأب: أجل نحن نرفض عرضك.

وليد: اسمحوا لي بالانصراف الآن.

***
الفصل السابع رحلة إلى القارة السوداء الملعونة(أورينا)

بينما جلس فينكس وزوجته ريفانا وقد اعتلى الرعب والفزع وجوههم بعدما سمعا بخبر القبض على فريد، فإذا بهما يفاجآن بطرق يأتي من أسفل الباب الحديدي السري الذي دخل منه فريد وران فخشيا من أن يكون جنود أكاريا قد اكتشفوا أمر الباب السري ولكنهما سمعا صوت ران يصيح: "هذا أنا ران صديقك ومعي فريد هيا افتح الباب يا فينكس"

ذهل فينكس بعد سماعه لصوت ران وأخذ ينظر إلى ريفانا بتعجب قبل أن يسرع لفتح الباب ليصعد ران وخلفه فريد مباشرة وقد اعياهما التعب والإرهاق، بعدها ارتمى فريد على الأرض وقد تصبب وجهه عرقاً رغم ان الجو كان بارداً.

فتح فينكس فمه في ذهول وتعجب ثم قال: "لكن ألم يقضبوا عليك في أكاريا واليوم يفترض انه يوم إعدامك يا فريد".

فريد ببرود ولا مبالاة: "أجل اليوم هو يوم اعدامي ولكن زارا الاحمق أرسل ملثمين لخطفي وإعادتي إلى أرض الظلام ولكني نجوت بفضل أفضل صديق في هذا العالم ران".

ران وقد احمر وجهه من شدة الخجل: "كف عن ذلك فأنت تحرجني".

حاولت ريفانا زوجة فينكس تلطيف الجو قائلة: "لا عليك يا ران فأنتم أفضل صديقين على الكوكب وحمداً لله على سلامتكم.

جلس زارا وهو يكاد يجن بعدما علم بهروب فريد واسر جواسيسه ثم صاح في قادته: "لقد فشلت خطتنا ومن المؤكد أنهم سيعذبون جنودنا ليكشفوا لهم أسرارنا".

سقرب: "بإمكاننا استبدال أسرانا بأسيرة مهمة لدينا قبل أن ينهار الجنود ويعترفوا بكل شيء".

زارا بغضب: "لقد أصبحت متشائماً من أفكارك يا سقرب ولكن ما من مفر امامنا، لكن أخبرني من هي الأسيرة المهمة التي لدينا؟".

سقرب: "إنها الملكة سيليا سنستبدلها بجنودنا ونوقع هدنه مع أكاريا وحين نجهز الجيش والوحش الكبير نغدر بهم ونغزوهم على حين غرة ودون سابق إنذار".

زارا: "وماذا إن رفضوا عرضنا؟"

سقرب بثقة: "لن يرفضوا فأكاريا الآن مضطربة وحاكمهم الجديد سارين ضعيف ولن يرغب في مواجهتنا وسيحاول تجنب الحرب بأي طريقة والقبول بالهدنة فقط عليك أن ترسل رسولاً إليه يعرض عليه الصلح وأنك ستقدم فريد وران والملثمين الذين شاركوا في قتل الحاكم كاين إلى أكاريا لتحاكمهم وتقتص منهم".

زارا: "أجل رأيك هذه المرة صائب يا سقرب سأسلم هذين الأحمقين إلى أكاريا لتحاكمهم ونوقع معاهدة سلام معهم وسوف أرسلك كنائب لي إلى أكاريا ويرسل سارين نائبه لي هنا لنتفاوض على شروط المعاهدة".

في القصر الذهبي في أكاريا اجتمع سارين بكبار المسؤولين في أكاريا وكان من بين الحاضرين الوزير يورد وسادير قائد الشرطة وروجينا قائدة الجيش وجالين قاض قضاة أكاريا وبدأ سارين حديثه معهم بقلق وتوتر قائلاً: "لقد جمعتكم اليوم لأستشيركم في عرض زارا زعيم أرض الظلام، لقد عرض الصلح معنا وتوقيع معاهدة عدم اعتداء من كلا الطرفين وأن يقوم بتسلمينا الخائن فريد وصديقه ومن نفذوا مؤامرة قتل الحاكم كاين لنقتص منهم وأيضا سيسلمنا الملكة سيليا التي تقبع في سجن الميتورينا فما رأيكم".

روجينا بارتياب وشك: "لكن يا سيدي الحاكم كيف نثق في المحتال زارا بعد كل المؤامرات التي نفذها في بلادنا وقتله للحاكم ومحاولة قتلي أنا والانقلاب على الملكة سيليا حليفتنا وإرساله الجواسيس لبلادنا، دعنا يا سيدي نشن الحرب عليهم ونقضي على زارا واتباعه اللصوص للأبد".

سارين: "أعلم تحمسكِ وشجاعتكِ للدفاع عن أكاريا يا روجينا ولكن الأمر يحتاج إلى التفكير بعقلانية فالحرب تحتاج إلى موارد هائلة وهذه المرة لن نحارب زارا وحده بل سنحارب نيار الخائن وجيشه في أرض الجليد وقد تستمر الحرب لسنوات".

جيزان وقد بدى مقتنعاً برأي روجينا: "سيدي الحاكم أن تعلم أن زارا لا امان له وقد يغدر بنا ويشن حرباً علينا في أي وقت وما دام هو من طلب الصلح وقدم إلينا كل هذه التنازلات فهذا يعني أنه في موقف ضعف ويخشى إن بقي جواسيسه أسرى لدينا أن يتكلموا ويكشفوا عن خططه رغم ما نمارسه معهم من تعذيب فأنهم سينهارون ويتكلمون في نهاية المطاف ونحصل على المعلومات التي نريدها".

جالين: "أنا أتفق مع جيزان في رأيه يا سيدي الحاكم، وأرى أن نماطل لبعض الوقت لنحصل على المعلومات التي نريدها من جواسيس زارا".

سارين: "اسمعوني جيداً كلامكم صحيح وصائــــــب ولكن قبولنا بالصلح سيكون فرصة لنا لنجمع الموارد ونجهز البلاد لحرب قادمة مع زارا أما الآن فنحن غير جاهزين للدخول في حرب طويلة الأمد معهم".

أنهي سارين اجتماعه متمسكاً برأيه رغم معارضة روجينا وغيرها إلا أن الكلمة الأولى والأخيرة كانت للحاكم.

لم تكد تمض بعد ذلك بضعة شهور على عرض زارا على أكاريا حتى بدأت إجراءات معاهدة السلام بين زارا وسارين والتي تنص على تسليم الملكة سيليا إلى أكاريا والتي استقبلها سارين حاكم أكاريا بالترحاب وعرضوا عليها العيش في أكاريا في أحد القصور لحين تتمكن اكاريا من الانتصار على زارا ومن ثم إعادتها كملكة على أرض الجليد وخلع الخائن نيار، وكان من بين الشروط أنه يصنف فريد وران كخائنين في أرض الظلام وقد وضع زارا 500ألف قطعة ذهبية على رأس كل واحد منهما وتوعد بتسليمهما إلى أكاريا لتنفيذ القصاص فيهما، كانت مدة المعاهدة عشر سنوات وكانت تنص على أن يرسل سارين نائبه إلى أرض الظلام وكذلك يرسل زارا نائبه إلى اكاريا لتوقيع المعاهدة بالنيابة عن حاكمي البلدين، وبهذا ستتوقف الحرب بين أكاريا وأرض الظلام مدة سريان هذه المعاهدة وعودة العلاقات التجارية بين الطرفين.

شعر فريد وران اللذان كانا مقيمين في منزل فينكس وزوجته بالخطر بعد توقيع تلك المعاهدة فلم يكن أمامهما مفر من الرحيل وترك أرض الجليد والسفر إلى القارة الملعونة ، كان فينكس والذي بدا عليه الخوف عليهما يلح عليهما في السفر مؤقتا خارج أرض الجليد حتى تهدئ الأمور، وبينما كانوا جالسين حول طاولة مستديرة لاحظ فريد ران وهو ينظر إلى سقف الغرفة في صمت دون أن يتكلم كلمة واحدة استمر ران بالتحديق في السقف ثم نظر إلى فينكس وفريد قائلاً: "ليس أمامنا مفر سوى السفر إلى أورينا القارة الملعونة بقائنا هنا يعني أن يتم القبض علينا واعدامنا ليس امامنا مفر يا صديقي".

فريد وقد بدت عليه الحماسة: "أجل سنرحل إلى هناك حتى يتناسى الناس أمرنا ونعود ومعنا ال**** المضاد لرياح السموم والذي سيساعدنا في عبور الكهف والعودة إلى سطح الأرض، وأنت يا ران ستعود معي إلى بلدي مصر أليس كذلك".

ران: "أرى أنك متفائل جداً يا صديقي هذا إن عدنا من تلك القارة احياء".

فينكس: "أعرف أحد البحارة يمكن ان يقوم بتهريبكم سراً إلى هناك ولكنه سيطلب مبلغاً ضخماً نظير ذلك".

فريد: "لا يهم لدي الكثير من الكنوز والهدايا التي حصلت عليه في أكاريا بعد هزيمة أسطول نيور سنقدمها له ولكن يجب أن نسرع في الرحيل قبل أن يكتشفوا أمرنا ويقتادوننا إلى السجن مرة أخرى".

فينكس: "لا تقلق يا فريد سأتولى الأمر بنفسي أمامكم أسبوع من الآن لتجهزوا أنفسكم للرحيل إلى أورينا". ثم نهض فينكس وتركهم وخرج من المنزل

مر أسبوع وحان موعد السفر.. تجهز فريد وران وتنكرا حتى لا ينكشف أمرهما.. خرج فينكس وزوجته لتوديعهما وقد أعدا لهما كل ما يحتاجانه من طعام وملابس وغيرها

وبدأ فريد يصعد السفينة التي ستبحر إلى البحر المظلم وكان على السفينة قرابة الخمسون شخص.. تقدم ربان السفينة وقال بصوت أجش: "هل ركب الجميع السفينة".

فصاح الجميع: "أجل".

تقدم فريد من الربان وقال له: "متى سنصل إلى قارة أورينا الملعونة".

الربان: "سنصل أولاً إلى جزيرة في البحر المظلم تسمى جزيرة الطمع ثم من هناك سيستقل كل منكم سفينة صغيرة مقابل مبلغ من المال يقدر بعشرين ألف قطعة ذهبية إلى القارة الملعونة لأن السفر إلى هناك مباشرة من هنا محظور ومجرم ".

ران: "لم أسمع بجزيرة الطمع تلك من قبل ولماذا سميت بهذا الاسم؟".

الربان: "أجل سميت بذلك لسمعة سكانها السيئة فأغلبهم لصوص وقراصنة ينهبون السفن ويسرقونها أضف إلى ذلك جشعهم وطمعهم.. وقد يسرقون أموالكم، لذلك عليكم الحذر وتأمين أنفسكم بالأسلحة حتى لا تتعرضون للسطو أو السرقة".

صاح ران في حماسة: "واو رائع لم أخض مغامرة خطرة منذ زمن.. يبدو يا صديقي أنها ستكون رحلة ممتعة".

الربان بدهشة: "أما أنك مجنون أو شجاع لم أرى أحد يتحمس للسفر إلى قارة أورينا الملعونة التي لم يعد أحد ممن سافروا إليها من هناك".

فريد: "من فضلك أيها الربان أخبرني عن تلك القارة الغامضة ماذا تعرف عنها فمعلوماتك تلك قد تساعدنا".

الربان: "قارة أورينا من يدخلها يصاب بلعنة ولا يستطيع الخروج منها حتى يشرب من نهر الفو".

ران: "أي أننا لن نستطيع الخروج منها حتى نعثر على هذا النهر ونشرب منه لتنفك عنا لعنة تلك القارة".

الربان: "أجل ذلك ما قصدته يا بني".

فريد: "ولكن يا سيدي أين يمكننا أن نعثر على ذلك النهر وهل هو مثل الأنهار العادية".

الربان: "بالطبع لا فهذا النهر مياهه بيضاء وصافية مثل الثلج وطعمها أحلى من العسل ومن يشرب منها يصير شباب إذا كان عجوز وإذا كان شاب يزداد قوة وإذا سكبت هذ الماء على شخص مريض يشفى في الحال هذا النهر وماءه له قدرة تفوق السحر على شفاء الجروح والأمراض المستعصية".

فريد: "هل سمعت عن عرافة تدعى سولا وأين يمكننا أن نجدها".

الربان: "أجل سمعت عنها من كثير من البحارة يقال إنها تتنبأ بالمستقبل عن طريق كتابة أبيات شعرية غامضة عن الشخص المقصود ولديها قدرات خارقة في علوم الخيمياء والكيمياء والطب.. إنها من تحرس بوابة أورينا وهي من تستطيع أن تساعدكم في أن تعثروا على نهر الفو والآن أعذروني فلدي الكثير من الاعمال وسنكمل حديثنا فيما بعد".

ثم صاح في مساعديه برفع أشرعة السفن والاتجاه غربا ناحية جزيرة الطمع.

مرت ثلاث ليال منذ ابحار السفينة ودخولها في البحر المظلم الذي لا توجد فيه شمس نهائيا فالشمس تظهر في الجزء الجنوبي والشرقي فقط أما باقي أجزاء البحر فهي مظلمة وحالكة ومليئة بالمخلوقات الغامضة والمرعبة وقد لاحظ فريد أن الصيادين اصطادوا أسماك غريبة ذات أجسام مضيئة فاستفسر من الربان قائلاً: ما هذا يا سيدي؟

الربان: إنها أسماك مضيئة نستخدم بعضها في الإنارة والباقي نقوم بطهيه ما رأيك أن نكمل حديثنا ونحن نتناول الطعام.. هيا ستأتيان معي في غرفتي الخاصة لتتناولا الطعام معي.

دخل فريد وران مع الربان بعدما قبلا دعوته لتناول الطعام معه في مقدمة السفينة بينما ظل بقية البحارة والمسافرين يتناولون طعامهم على ظهر السفينة.

كان ران يأكل بشره: أمم لذيذ هذا النوع من الأسماك هو ألذ طعام أكلته في حياتي.

الربان: أرجو أن يعجبك يا بني فهذا النوع من الأسماك نادر ويصعب صيده أضف إلى سعره الباهظ".

فريد: هلا تسمح لي يا سيدي بطرح بعض الأسئلة عليك؟

الربان: بالطبع يا فريد تفضل.

فريد: كيف عرفت تلك المعلومات عن القارة السوداء أو الملعونة كما تسمونها، هل سافرت إلى هناك من قبل؟

الربان: بالطبع لا ولكن سمعت قصصاً من القراصنة والبحارة وسكان جزيرة الطمع فهم أقرب جزيرة لقارة أورينا ولديهم الكثير من المعلومات والأسرار.

أنهى الجميع طعامهم ثم قام الربان بصب الشاي لهم.

تسائل فريد: كم بقي لنا لنصل إلى جزيرة الطمع.

الربان: غدا فكما تعلمون لا تشرق شمس في البحر المظلم ولكننا نستدل على النهار بخيط أبيض يشق السماء ويبدأ بالنقصان حتى يصبح ظلام دامس عندها يحل الليل وهكذا.

فريد: هل تعرف أحدا يمكن أن يساعدنا في رحلتنا يا سيدي.

الربان: أجل سأدلكم على شخص يمكنه مساعدتكم.. عندما تصلون ابحثوا عن شخص يدعى اوفو أخبروه أنكم من طرف الربان رافيل وسيساعدكم في رحلتكم تلك.

بدأ الخيط الأبيض يظهر في كبد السماء وبدأت تظهر جزيرة شبه مهجورة وكأنه لا يوجد أحد فيها.. توقفت السفينة واستعد الجميع للنزول.. ولكن قبل نزول فريد وران من السفينة صاح رافيل: انتظر يا فريد أنت وران.

الربان: هل ترون قمة الجبل هناك.

فريد: أجل.

الربان ستصعدانها حتى تصلان إلى القمة وتبحثان عن اوفو وتخبرانه أنني من أرسلتكما وسوف يساعدكم.

فريد: حقاً أشكرك يا سيدي لأنك قدمت لنا يد المساعدة والعون.

الربان: لا شكر على واجب.. والآن إلى القاء فعليا العودة إلى أرض الجليد مرة أخرى.

ثم ودعهما وغادر بالسفينة عائداً إلى ارض الجليد.

انطلق فريد وران صوب قمة الجبل وقلد لاحظا خلو الشوارع من الناس إلا قليل منهم وقد كانوا عابسين وغاضبين منهم فهم لا يحبون الغرباء.. مع ذلك تجاهلوا أمرهم وأكملوا سيرهم.. استمروا في السير قرابة الخمس ساعات وأخيرا وصلا إلى قمة الجبل عندها شاهدوا شخص نائم تحت ظل شجرة فاقترب ران منه وحاول ايقاظه: هاي أنت هيا استيقظ.

استيقظ الرجل ثم فجأة أخرج من جيبه سكينا وحاول طعن فريد بها إلا أن ران قذفه بعيدا ليتفادا الضربة.. استشاط ران غضباً من تصرف الرجل فضرب الرجل بقوة وأسقطه أرضا وهو يصيح فيه: لماذا تريد قتلنا؟

الرجل: لأنكم لصوص وقد أتيتم لسرقتي.

فريد: معذرة يا سيدي نحن لسنا لصوص وقد أتينا إلى هنا نبحث عن شخص يدعى اوفو نحن من طرف الربان رافيل.

انتفض الرجل من مكانه ثم قال: قلتم رافيل أين هو لماذا لم يأت معكم.

فريد: لقد عاد إلى أرض الجليد وأخبرنا أن نبحث عن شخص يدعى اوفو وأنه سيساعدنا في السفر إلى أورينا.

فتح الرجل فاه متعجباً ثم قال: هل أنتما الاثنان مجنونان لتسافرا إلى قارة أورينا الملعونة لم يسافر أحد إلى هناك وعاد فكل من سافر إما عاد مجنونا من هناك وفقد عقله من هول ما شاهدوه والغالبية لم يرجعوا.. 300 رجل سافروا إلى هناك ولم يرجع منهم إلا ثلاثة وقد جن اثنان منهم.

ران بغضب: وما شأنك أنت إذا كنت تعرف اوفو فأخبرنا عن مكانه وإلا فاتركنا وارحل.

الرجل: يا لك من فتى سليط اللسان ووقح يا ذا الشعر الطويل.. حسنا أنا اوفو ماذا تريدون مني الآن.

فريد: نريد السفر إلى أورينا.

اوفو: اخفض صوتك وإلا قبضوا علينا جميعاً السفر إلى هناك ممنوع ومحظور.. ولكن إن أردتما ذلك يمكننا السفر سرا قبل الفجر حتى لا يرانا أحد.

اوفو: والآن ستقيمان معي في منزلي وتخبران بقصتيكما ولماذا تريدان السفر إلى أورينا.

ران: ولماذا نثق بك فقد تخوننا وتقوم بتسليمنا.

اوفو: أيها الطائش إن كنتما هربتما من وطنكما لجرم فأنا أيضا مطلوب بتهم الاحتيال وتهريب الناس إلى القارة الملعونة.. أي أنه سيلقي القبض على معكما إن حاولت تسليمكما.

فريد: مادام الأمر كذلك فسأحكي قصتي عليك من البداية.. فيبدو من كلام الربان أنه يثق بك وإلا فلماذا دلنا عليك.

بدأ فريد يحكي قصته على اوفوا منذ دخوله الكهف وحاجته إلى ترياق مضاد للرياح السامة يوجد لدى الخيميائية سولا.. كل هذا واوفو يستمع إليه بإنصات واهتمام ثم قام اوفو ودخل إلى منزله وخرج بعد فترة وأحضر معه مخطوطة عليها رسم لخريطة ووضعها أمام ران وفريد.

ران: ما هذا.. أليست هذه خريطة.

اوفو: أجل إنها خريطة لقارة أورينا الملعونة ستساعدكم في رحلتكم.. ولدي بعض المخطوطات بها معلومات مفصلة عن القارة وقوانينها من شخص يدعى فان الوحيد الذي زار القارة الملعونة وعاد منها.

فريد وقد طار من شدة الفرح: أنت أروع شخص قابلته.

اوفو: لست كذلك فأنا مجرد لص وخارج على القانون ولكني قررت مساعدتكم.

فريد: شكراً لك اوفو ولابد لنا من أن نرد لك هذا الجميل.

اوفو: والآن ستبيتان معي كضيفين وبالليل سنبحر في قاربي تجاه القارة الملعونة.

دخل ران وفريد إلى منزل اوفو.

الخادم بصوت مهذب: الطعام جاهز يا سيدي.

اوفو: حسنا حان موعد الطعام وبعدها ستنامون وستستيقظون في الجزء الأخير من الليل حتى لا يرانا أحد ونحن نغادر باتجاه أورينا.

غربت الشمس ودخل فريد وران في غرفة مستقلة للنوم قبل الرحلة التي ستحدد مصيرهم للأبد.

جلس ران وهو ينظر من شباك النافذة ويتأمل الظلام الحالك والهدوء الغريب في تلك الجزيرة الغامضة.

فريد: هل أنت قلق وخائف يا ران.

ران: سؤالك غبي يا فريد نحن نسير إلى المجهول ولا نعلم ما ينتظرنا هناك في تلك القارة الغامضة والمخيفة.

فريد: وأنا لا أريد أن يصيبك شيء يا صديقي ولا أريد توريطك معي هذه معركتي فأما أن أعود ومعي الترياق المضاد للرياح السامة والماء الأبيض من نهر الفو وأعود إلى وطني وأهلي أو يكون موتي وراحتي من هذه الحياة.. ولها فسأذهب إلى القارة وحدي وأنت ستبقى هنا مع اوفو حتى أعود.

لم يكد فريد ينهي كلامه حتى فوجئ بران بنهض من على السرير ويدير ظهر للنافذة ثم يقترب من فريد ويصفعه بالقلم على وجهه.

انصدم فريد من ردة فعل ران وضربه له فقال: لماذا ضربتني يا صديقي أنا أعفيك من الحرج هذه معركتي لا ذنب لك في أن تموت معي.

ران وقد اعتلاه الغضب: لوكنت صديقك حقا لما قلت هذا الكلام.. اسمع يا فريد لقد جمعنا القدر أنا لم يكن لي أصدقاء من قبل فقد عشت في أرض الظلام كقاتل ولص ومجرم لكن منذ قابلتك وصرت أول صديق لي بعد عزلتي ووحدتي فقد أصبحت إنسان جديد وكأنني ولدت من جديد.. ولهذا لن أسامح نفسي ابداً إن أصابك مكروه.. نحن صديقان فأما أن ننجو معا أو نموت معاً هكذا هي الصداقة.

فريد: حسنا ما دمت مصراً فلا أستطيع منعك يا ران.. أنت حقاً أفضل صديق في العالم.

ران: توقف عن هذا فأنت تخجلني بهذا المدح.. والآن دعنا ننام أيها المزعج فأمامنا رحلة طويلة وشاقة ونحتاج إلى بعض الراحة.

تجهز فريد وران قبيل الفجر للسفر إلى قارة أورينا خرجا من المنزل وتوجهوا نحو البحر.. ركبا القارب خلف اوفو.. كان البحر هادئ والجو جميل.. ساروا بالقارب شمالا بعد ما يقرب الخمس ساعات في البحر وصلوا أخيراً إلى منطقة تشبه دوامة ضخمة على شكل دائري والصواعق والبرق تضربهم من كل مكان والظلام دامس فلا يوجد ضوء سوى ضوء البرق.. صاح فيهم اوفو: هل أنتم مستعدون سندخل الدوامة ونعبر إلى الجانب الآخر من البحر المظلم ونسلك نهر يقودنا إلى القارة الملعونة.. والآن تمسكوا جيداً بالقارب.. بدأ القارب يتأرجح ويهتز بقوة وأصوات الصواعق والبرق تضرب في كل مكان وفجأة شعر فريد وران بصداع شديد وصوت صفارة شديدة حتى أنه من شدة الصوت شعروا وكأنهم قد فقدوا حاسة السمع.. استمر الوضع لحوالي عشر دقائق حتى هدئ كل شيء ليجدوا أنفسهم يخرجون من الدوامة التي بدت لهم كبوابة قد نقلتهم لبعد آخر.. ليخرجوا منها ويدخلوا إلى نهر ضخم جداً لم يروا في ضخامته واتساعه.

اوفو: حمد لله على سلامتكم لقد عبرنا إلى الجانب الآخر من البحر المظلم وهذا النهر سيقودنا إلى القارة الملعونة.

فريد: أخبرني يا اوفو ما هذا الصداع والصفارة القوية التي سمعناها.

اوفو: إنها لعنة أورينا.. لقد سميت القارة الملعونة لأن من يدخلها أول مرة يصاب بلعنتها فلا يستطيع مغادرة القارة حتى يحل اللغز عندها تنكسر اللعنة عنه وعن القارة لمدة تنتهي السنة الحالية.

ران: لم أفهم شيء.

اوفو: حسنا سأشرح لك.. العرافة سولا هي حاكمة القارة الملعونة وحتى تخرج منها وتنفك عنك اللعنة ستذهب إليها وتجتاز اختباراتها إن نجحت في اجتياز الاختبارات وكنت جديراً ستقوم بعدها بقراءة كف يدك وتخبرك بنبوءات هي عبارة عن لغز على هيئة أبيات شعرية أو كلمات مشفرة إذا نجحتم في فك طلاسم تلك الأبيات وتنفيذ المطلوب عندها يفتح باب ذهبي ضخم في الجبل الذي تدلكم عليه يقودكم إلى نهر الفو والذي ما إن تشربان من ماءه ستنفك عنكم اللعنة ويمكنكم مغادرة القارة الملعونة كذلك يمكن أن تطلب منها أمنيات فهي بارعة في علم الخيمياء وستسعدك في إيجاد ترياق يحميك من الرياح السامة لعبور الكهف والعودة إلى سطح الأرض يا فريد.. وبالطبع فأنا معكما وسوف أكون مرشدكم في رحلتكم ولكني أحذرك فهذه القارة فيها مخلوقات مرعبة ونباتات سامة فليس كل ما تجدونه هنا هو صالح للأكل.

ران مازحاً: لم أكن أعرف أن لدينا هنا موسوعة علمية يا اوفو.

ضحك فريد من كلام ران وبينما هم كذلك شاهدوا من بعيد سفينة ضخمة جداً عليها أناس ضخام عمالقة يبلغ طول الواحد منهم 12 مترا أي في طول النخلة تقريباً.. بدأت السفينة تقترب منهم حتى نزل منها ثلاثة وتكلموا معهم بلغة غير مفهومة إلا أن اوفو كان يعلم لغتهم وطلب من فريد وران النزول من القارب وصعود سفينة العمالقة.

كان ران وفريد يعتقدون أنها النهاية وأن هؤلاء العمالقة سيقضون عليهم.. جلس فريد وران على جانب منعزل من السفينة بينما كان اوفو يتحدث مع رجل مهم منهم بلغة غريبة أقرب إلى السنسكريتية.. كانت ملابس هؤلاء العمالقة عبارة عن تنانير في الأسفل وفي الأعلى قميص متصل بالتنورة ووسط الجسم حزام من القماش.. كانت تنانير الرجال زرقاء ام السيدات فقد كانت ملونة.. وقد لاحظ فريد أن أغلبهم ملتحين وبيض البشرة.. وكانوا لطفاء وكرماء حاول بعضهم تقديم الطعام لفريد وران ووضعوا امامهم بعض السمك وقد كان حجم السمكة في طول ذراع فريد.. فأكلا بعضها وترك الباقي.. أخيرا أنهى اوفو حديثه مع العملاق وعاد وجلس بجانب فريد وران.

فهمس ران في أذنه: من هؤلاء البشر العمالقة وكيف تعرف لغتهم.

اوفو: انهم بشر مثلنا وقد تعلمت لغتهم عندما جئت إلى هنا مع فان الوحيد الذي عاد حيا من القارة الملعونة.

ران: لكنك لم تخبرنا أنك أتيت إلى القارة الملعونة من قبل.

اوفو: أجل لم أتعمق في القارة الملعونة وقد توقفت هنا عند أرض العمالقة.. وقد قلت لكم هذا لأنكم غرباء وكنت أعتقد أنكم جواسيس تعملون لدى حاكم المدينة لاستدراجي والايقاع بي فالسفر إلى القارة الملعونة محظور.

فريد: أعتقد أن هؤلاء هم بقية الصالحين من قوم عاد وثمود الذين آمنوا بالنبي هود وصالح وهم من سكان جوف الأرض.. لابد أن يأجوج ومأجوج موجودون في القارة الملعونة أيضاً.

اوفو: لا أعرف من هم عاد ولا ثمود ولا يأجوج ومأجوج ولم اسمع بهذه الأسماء من قبل.. لكن هؤلاء العمالقة يؤمنون بوجود إله واحد ولا يعرفون شيء عن دينك الإسلام يا فريد ولا نبيكم ولا آدم ولا يدرون ما هو ابليس، لكنهم صالحون وقد سمحوا لنا بالبقاء في أرضهم كضيوف.. لذا عليك ألا تتحدث امامهم في هذه الأمور ودعوني أتولى أنا أمر الترجمة لكما.

أخيراً رست السفينة ونزل الجميع وقد تقدم أحد العمالقة وتحدث إلى اوفو بلغة غير مفهومة.. فأشار إليهم اوفو بأن يتبعوا هذا الرجل.. استمروا في المشي خلف العملاق وقد كان فريد وران مبهوران مما يشاهدانه من بساتين ضخمة وثمار وأزهار عملاقة فقد كانت الزهرة في طول نخلة صغيرة وثمرة العنب كانت بحجم التفاحة وثمرة الخوخ بحجم بطيخة كل شيء ضخم في هذه الأرض البشر والنباتات والحيوانات وكأنها نسخة مكبرة من عالم البشر العادي.

استمروا هم الثلاثة بالسير خلف الرجل العملاق وأثناء ذلك اقترب كلب من فريد وران وحاول مهاجمتهم وقد كان حجم الكلب في حجم البقرة تقريباً.. إلا أن الرجل العملاق تدخل وأبعد هذا الكلب قبل أن يقترب منهم.

وصلوا بعد ذلك إلى قصر فخم من الكريستال وجدرانه مرصعة بالماس والزبرجد.. ذهل فريد وران من ضخامة هذا البناء الشاهق وقد كان له سور محاط بجنود أشداء وأقوياء.

فقال ران: لابد أن هؤلاء الناس أثرياء ثراء فاحش ليبنوا قصورهم من الماس والكريستال.

فريد: هل تظن يا ران بأنهم قد يؤذوننا.

اوفو: لا فأنا أعرفهم جيداً وهم مسالمون ولا يقتلون ضيوفهم أبدا.

بعد ذلك وصل بهم الرجل العملاق في غرفة خاصة وضخمة.. ثم قال لهم: الملك سيحضر بعد قليل إلى هنا فكونا مستعدين.

فريد: أي ملك وماذا تريدون منا.

فقال الرجل الضخم: أنا أدعى جوريد وأنتم في مدينة أنتاسيا وقد سمح لكم حراس مدينتنا بالدخول وأنت ضيوفنا اليوم فماذا تطلبون فأنفذه لكم.

ران: لم تجب عن السؤال لماذا تبقوننا هنا ولا تتركونا نرحل.

جوريد: أما عن سبب بقائكم هنا فالملك أباديباج الثاني أمرنا بذلك، ولست أعلم السبب ولكني على علم بأن ابنته مريضة جداً وقد عجز جميع الأطباء عن علاجها.. والآن انتهت مهمتي سأخرج، وإن احتجتماني فاطلباني.

ليخرج بعدها جوريد الضخم ويدخل مجموعة من الخدم بالطعام وقد كانت الأطعمة شهية وكبيرة لدرجة أن رغيف الخبز كان بنصف طول قامة ران تقريبا وكذلك الفاكهة كانت بأحجام ضخمة.. ظل الثلاثة يتنولون الطعام والنبيذ باستثناء فريد الذي رفض شربه باعتباره من الخمور.. ثم دخل عليهم جوريد قائلاً: الآن بعد تناول الطعام عليكم الذهاب إلى غرفكم للنوم والراحة وغداً ستقابلون الملك وسيجيبكم عن جميع الأسئلة التي تدور في أذهانكم.. صعد الثلاثة إلى غرفة منفصلة بالقصر وقد كانت الأسرة معدة ومجهزة لهم بأحجام صغيرة تناسبهم لكنهم رغم حماستهم للقاء الملك قضوا ليلتهم في النوم فقد كانوا منهكين من السفر والرحلة الشاقة وبعدها في صباح اليوم التالي دخل عليهم جوريد قائلاً: عليكم الاستيقاظ الآن أيها الكسالى فالملك ينتظركم في غرفة بالطابق الثالث بالقصر لتتناولوا الإفطار معه وستعرفون منه سبب ضيافتنا لكم وماذا يريد منكم.

نهض الثلاثة بسرعة وخرجوا خلف جوريد إلى أسفل القصر حيث وجدوا مائدة ضخمة عليها كافة أنواع الأطعمة والأشربة.. استأذن جوريد بالانصراف فأذن له الملك وقد كان بين الحضور كبار الوزراء والقادة وقد كانوا عمالقة ضخام وطوال القامة.. تقدم فريد وقد حاول الجلوس على الكرسي الذي كان كبيرا مما اضطره إلى تسلق الكرسي الضخم حاول فريد وكذلك ران وافو الجلوس ولكن صغر حجمهم جعلهم أشبه بدمية صغيرة تجلس على كرسي ضخم مما جعل الملك يدخل في نوبة ضحك من صغر حجمهم.. فانفجر ران غاضبا من الملك: هل أتيتم بنا لتسخروا منا هنا.

الملك: أعتذر لكم كنت امزح معكم لكن يبدوا أنك نزق.

ران بغضب: أنا لست نزق بل أنتم أناس مزعجون.. نحن لسنا دمى لكي تتسلوا بنا.

هنا تكلم الوزير موجهاً حديثه لران يبدوا لي أنك سليط اللسان يا صغير عليك أن تتأدب فأنت تحدث الملك أباديباج الثاني ملك انتاسيا.

فريد: أعتذر لك سيدي الملك ولكن هلا أخبرتنا عن سبب ضيافتكم لنا.

الملك: بالتأكيد نحن في مدينة انتاسيا المرحلة الأولى من القارة الملعونة وكونكم أتيتم إلى تلك القارة فليس لها إلا تفسير واحد من اثنان الأول إما أنكم مجانين لكي تلقوا بأنفسكم في الهلاك فلم ينجوا أحد من شر تلك القارة ولم يدخلها أحد وعاد منها سليم والثاني أنكم مجرمون هاربون من السجن أو الموت لجرم ارتكبتموه في بلادكم ولديكم روح المغامرة والشجاعة لتخاطروا وتأتوا إلى هنا.

فريد: من فضلك يا سيدي أخبرنا ماذا تريدون منا بالضبط.

الملك: كما أخبرك جوريد فإن ابنتي مريضة وقد فشل جميع الأطباء والحكماء في علاجها والأمل الوحيد لتشفى وتفيق من غيبوبتها هو ماء نهر الفو الذي يشفي من جميع الأمراض ويعيد الشباب والحيوية والقوة لكل من يشربه.

ران: الآن فهمت تريدون منا أن نخاطر بأنفسنا لنحضر لكم الماء لكن لماذا لم يذهب أحد منكم ليحضر هذا الماء.

هنا تكلم الوزير: لقد أرسلنا الآلاف ولم يعد منهم أحد فقارة أورينا هي أخطر مكان موجود على ظهر الأرض وجميع المدن قد شرعت قوانين تمنع السفر إليها وقد تصل العقوبة للإعدام.

فريد: وإن نجحنا وأحضرنا لكم الماء هل ستتركوننا نرحل ونعود من حيث أتينا.

الملك بالتأكيد وسيكون لكم عندنا مكافئة كبرى وأي شيء ستطلبونه سنحققه فوراً لكم.

وقف فريد فوق الكرسي ثم قال للملك بشموخ: أعدك سيدي بأننا سنساعدك ونحضر الماء لشفاء ابنتك ولكن لي طلب عندك.

الملك أباديباج: أطلب ما تشاء يا فريد أنت وأصدقاءك.

فريد: طلبي هو أن توفر لي الحماية للعودة لوطني مصر فأكاريا وزارا الجميع يطلب رأسي ويعتبرونني خائن حتى روجينا التي كنت أعتقد أنها تحبني ظهرت على حقيقتها وسلمتني لهم ليقتلوني ويعلم الله أني بريء ولم أقتل الملك ولكن زارا من ورطني ولا أحد يصدقني.

الملك أباديباج: سأساعدك إن وفيت بوعدك لي حتى لو اضطررت لأن أرسل جيش ضخم إلى أكاريا لأعادتك لوطنك.

ودع الملك أباديباج ووزيره الثلاثة فريد وران وافو وأمر بتجهيز كل ما يحتاجونه في رحلتهم من اكل وشراب وسلاح لحماية أنفسهم وخرائط قديمة للأشخاص الذين زاروا قارة أورينا توضح الأماكن الآمنة والخطرة في القارة لتساعدهم في رحلتهم.. وقبل أن يصعد الثلاثة على ظهر سفينة جهزها لهم الملك خصيصا اقترب منهم جوريد مودعا فنظر إلى الثلاثة بخوف ثم قال: أخشى ألا تعودوا كمن سبقوكم ولكن احساسي يقول لي بأنكم ستنجحون في مهمتكم.. الاختبار الحقيقي يبدأ من هنا فأما أن تجتازوه وتحلوا اللغز لتنفك عنكم لعنة أورينا وتعودوا لأوطانكم كأبطال نحتفي بكم أو الموت والهلاك فكونوا حذرين لأنكم ستواجهون مخلوقات شرسة وخطرة إضافة لحربكم مع الطبيعة وقوانينها.

ابتسم فريد وقال بحماسة: أنا لا أخشى الموت يا جوريد وكذلك ران صديقي وافوا اعتدنا على المخاطر وانا اليوم أشعر بالحماسة وأنا واثق بأني سأنجح برفقة صديقي ران في هذا التحدي.

ران وقد شعر بالإحراج: أجل بالطبع فنحن فريق واحد

يا جوريد.

جوريد: عدني بأن تعود سالماً أنت وصديقاك.

فريد بحماسة: أعدك يا جوريد.. والآن وداعاً ثم صافح الثلاثة وصعدوا بعدها على ظهر السفينة.

ظل جوريد يراقب السفينة وهي تبتعد حتى اختفت وهي تبحر وتكمل طريقها في النهر العظيم الذي يمتد ويتوغل داخل القارة الملعونة.

ظل كل من فريد وران وأوفو يسيرون في النهر العظيم لثلاثة أيام وقد زودهم الملك اباديباج بما يحتاجونه من طعام وشراب ومؤن تكفيهم ل 6 أشهر من رحلتهم فلا يوجد شيء يصلح كطعام في القارة الملعونة فمعظم نباتتها وثمارها إما سامة أو قد تصيبك بالصرع أو الشلل والأمراض وليست كل النباتات فيها سامة فهنالك استثناءات حيث توجد نباتات تمنح القوة والسعادة ولكنها قليلة والوصول إليها محفوف بالمخاطر.. كما توجد مخلوقات غامضة لا يعرف البشر شيء عنها وذلك لأن تلك القارة الغامضة لا تزال مجهولة ولم يكتشف البشر منها سو 5% فقط وال 95% بالمائة الباقية من القارة الملعونة لا يزال مجهولاً إضافة إلى مناخها المتقلب فإن من يبقى فيها يرى فصول السنة الأربعة في اليوم الواحد برد قارص في الليل ورياح عاتية وعواصف في الصباح وحرارة وجفاف في وقت الضحى وجو معتدل بقية اليوم، لذلك عليك أن تحارب الطبيعة من أجل البقاء هناك.

أخيرا بعد ثلاث ليال من الإبحار في النهر العظيم وصلوا إلى نهاية النهر ليجدوا في آخره جبل ضخم أسود شديد السواد وتوجد في قمته فتحة ضخمة وكأنها بوابة فقرر فريد وران واوفوا حزم أمتعتهم وما يحتاجونه من طعام وشراب من السفينة وعبور الجبل والدخول من تلك الفتحة أو البوابة.. استمروا بالصعود إلى قمة الجبل ولكن مع وصولهم إلى منتصف الجبل كانوا قد أنهكوا وادركهم التعب فقرروا الاستراحة واكمال صعودهم غدا.. جلس الثلاثة يتسامرون وقد أشعوا النيران وقد لاحظ أوفوا فريد وهو غارق في التفكير وضع يده على كتف فريد قائلا: فيما تفكر يا فريد هل أنت خائف من رحلتنا تلك وأن نموت هنا.

فريد: أنا لا يهمني الموت ولكني أفكر في روجينا كيف حالها الآن أشعر بالقلق عليها وأخشى أن يصيبها مكروه بسببي قلبي يخبرني بأن شيء سيء سيحدث.

ران: ألا تزال تحبها.. نصيحتي لك لا تكن ساذج لأنها لو أمسكت بك مرة أخرى فستقوم بقتلك.. ألم تتعلم من الماضي ابدا يا لك من ساذج.

فريد: أنت محق يا ران في أنها قاسية وظلمتني ولكنك لا تفهم لغة القلوب والمشاعر ولا تعرف معنى الحب يا صديقي لأنك لم تجربه من قبل.

ران: أنت حر في قرارك ولكن أن حدث شيء ما فلا تلومن إلا نفسك.

-أكمل الثلاثة صعودهم نحو قمة الجبل الضخم حتى وصلوا إلى بوابة حجرية مكتوب عليها: "ضع يدك على البوابة وأغمض عينيك وقل كلمة السر لتفتح لك بوابة أورينا"

فقال اوفو: أنا أعرف كلمة السر وهي سو أول مقطع من اسم العرافة سولا، لكن علينا نحن الثلاثة أن نختار قائد لنا وهو من يقوم بفتح البوابة وإلا فلن تفتح.

ران: أنا سأختار فريد.

اوفو وأنا أيضا أختارك يا فريد.

فتقدم بعدها فريد من البوابة وأغمض عينيه وقال كلمة السر لتهتز الأرض بعنف وتفتح البوابة الحجرية والثلاثة منبهرين ومذهولين.

تقدم فريد أولهم ودخل إلى البوابة يتبعه ران وافو ثم ساروا في كهف مظلم ومليء بالخفافيش والعناكب.. استمروا بالسير لما يقرب من الست ساعات وكأن الكهف ليس له نهاية ليتفاجؤوا بعدها بأنهم ينطلقون من نفس المكان الذي بدأوا منه وكأنهم يدورون في حلقة مفرغة ليس لها نهاية.. توقفوا لبعض الوقت وقد شعر ران واوفوا بالإحباط حتى أن اوفوا طلب منهم الخروج من الكهف والعودة وأنهم ربما ضلوا الطريق وليس هذا هو المكان الصحيح، رفض فريد الأمر قائلا: لن أيئس ولن أغادر هذا المكان ولو على جثتي.

ليسمع بعدها صوت تصفيق ويشاهدوا امرأة عجوز تخرج من العدم وتمسك بيدها مصباح زيتي تضيء به ثم وجهت نظرها إلى فريد قائلة: لولا عزيمتك يا فريد واصرارك على تحدي اليأس والفشل لحبستم جميعا هنا إلى الأبد.

فريد بتعجب: من أنت أيتها العجوز وكيف عرفتي اسمي؟

فقالت المرأة العجوز: انا سولا العرافة حاكمة قارة أورينا وقد جئت لأختبر صبركم وعدم يأسكم وقد نجحت وحدك يا فريد في الاختبار الأول ولكني سأعتبر نجاح واحد هو نجاح للجميع لأنكم أصدقاء وفريق واحد لكن بقي اختباران اثنان إن اجتزتهما أنت وأصدقاءك فسوف تنفك اللعنة وتستطيعون الوصول إلى نهر الفو والخروج من القارة بسلام وإن فشلتم فسوف تبقون مسجونين في القارة إلى الأبد.

فقال ران بثقة: نحن مستعدون للاختبار هيا أيتها العجوز هيا أسرعي.

فقالت سولا: الاختبار الثاني هو سؤال ستجيبون عليه الان أو تمتنعون فلكم حرية الاختيار والسؤال هو اختطف أخيك وصديقك وكلاهما في مدينة يبعد فيها كل واحد عن الآخر مسيرة يومين وأمامك يوم واحد لتقذ أحدهما فمن ستختار.

اوفو: ما هذه الأسلة السخيفة هل تسخرين منا ليست لدى أي منا إجابة على هذا السؤال سخيف.

ابتسم فريد فعلمت عندها سولا أنه قد عرف السر فقالت

سولا محذرة له: إن تكلم أحدكم بغير الإجابة فسوف ترسبون من الآن.

ليشير فريد إلى ران وأوفو غامزاً بعينيه طالبا منهم الصمت.

أعادت سولا السؤال مرة أخرى ليصمت الجميع ويمتنعون عن الإجابة.. صفقت سولا بيديها قائلة: مبروك لقد نجحتم في الاختبار الثاني بامتناعكم عن الكلام.

صاح فريد من الفرحة: أجل لقد نجحنا بقي لنا اختبار واحد فقط.

سولا: لا تغتروا بأنفسكم فالاختبار الثالث والأخير سيكون الأصعب لكم وهو عبارة عن ابيات شعرية مبهمة عليكم استنتاجها وفهمها وتنفيذ المهمة المطلوبة فيها بدقة.

ران: حسنا لا نريد إضاعة الوقت أخبرينا بالاختبار الثالث بسرعة.

فقالت سولا:

الشمس والقمر والنجم يموتــ النجم ويختفي ضوءه إلى الأبـــــــــــــــــــــ ـد

ارتحل شمالا إلى قرية الخوف الصبي سيساعدك ويرشدك للنـــــــــــــــــهر

لكن عليك أن تخلصهم من لعنة الخوف عندها سيصنع تمثال للشمس والقمر

لتنفتح بعدها بوابة قارة أورينا وتختفي سولا العرافة في ظلمات الكهف، وينطلق الثلاثة لاستكشاف القارة الملعونة.. خرج الثلاثة من فتحة الكهف ليجدوا أمامهم أرض حالكة الظلام تفوح رائحة الكبريت والموت من كل مكان، صمت غريب وعجيب كصمت المقابر، نباتات غريبة الشكل ومخيفة وتبدو وكأنها نباتات متوحشة ومفترسة.. شعر اوفو بالفضول عندما رأى احدى الثمار الغريبة الشكل والتي لم يرى مثلها من قبل.. كانت الثمار تخرج من شجرة غريبة الشكل لها أذرع مثل الاخطبوط وكانت في تلك الأذرع أشواك وكلاليب حادة وقاطعة تشبه أسنان التمساح، أكثر ما لفت انتباه اوفو وجذبة لتلك الشجرة الغريبة هو لون وشكل ثمارها فقد كانت ثمارها قرمزية اللون وتتخذ شكل رؤوس بشرية مما زاد فضوله لمعرفة ماهية تلك الشجرة وما هو طعم ثمارها فقال في نفسه: لماذا لا آخذ بعض ثمارها وأتذوقها فقد تكون لذيذة.

توقف عن السير فجأة وتقدم نحو تلك الشجرة ببطء ودون ان يخبر فريد او ران.. بينما فريد وران يسيران ويظنان ان اوفو يسير خلفهم فقال ران مازحاً: ما بك يا اوفو هيا أسرع أيها الكسول".

التفت ران خلفه موجهاً كلامه ل اوفو ليلحظ أنه غير موجود فيصرخ في فريد طالباً منه أن يتوقف فتوقف فريد وسأل ران: أين ذهب اوفو.

ران: لا أعلم لقد كان يسير خلفنا ولكن نظرت خلفي فلم أجده.

ليقطع حديثهما صوت صراخ واستغاثة اوفو وهو يصيح "أنقذوني" ليركض فريد وران خلف مصدر الصوت والذي انتهى بهم إلى تلك الشجرة الغريبة التي كان اوفو يحدق بها وقد التفت أذرع الشجرة حول جسد وقد اخترقت احدى اذرعها جسده ليسري السم في جسده والدم ينزف من جسده بغزارة، عندها تقدم ران وقد أخرج سكين من جيبه لينقض على أذرع تلك الشجرة الملعونة ويقطع أذرعها ليحاول بعدها فريد إنقاذ اوفو وقد حاول وقف نزيف الدم إلا أن اوفو كان قد نزف الكثير من الدماء وتمكن السم منه وأصابه الاعياء والتعب الشديد فشحب وجهه وتوقف عن الكلام وفريد يبكي ويصيح فيه : لا تمت يا اوفو ارجوك سنخرج من هنا ومعنا الماء تماسك ارجوك".

كان اوفو ينظر إليهم بوجه شاحب وهو يردد كلمة واحدة من ابيات سولا سيروا شمالا

شعر ران بالخوف للمرة الأولى وأدرك معنى أن تفقد انسان.. كانت تلك المشاعر تدور بداخله كالأمواج المتلاطمة التي بعثت الحياة إلى قلبه الميت من جديد لتسقط الدموع من عيون ران للمرة الأولى فقد كان مجرما وقاتلا سفاحاً وها هو الآن يبكي كطفل صغير على فراق شخص عزيز فقده، ليلفظ اوفو أنفاسه الأخيرة مفارقا الحياة وآخر ما قاله: "سأموت الآن فلا تجعلوا موتي يذهب سدى انجح يا فريد اعلم أنك ستفعل" وفريد يحاول تلقينه الشهادة.. مات اوفو ليقلب الرحلة رأساً على عقب فلم يعد فريد يشعر بالحماسة والفرح كما كان بل رأى خطر وتحدي عليه أن يواجهه وإن فشل فسيكون مصيره الموت بالتأكيد.. ظل فريد متماسكاً وقد طلب من ران أن يساعده في تغسيل اوفو ثم قام بالصلاة عليه ودفنه وقد وضع فرع شجرة صغيرة اقتلعها ليعلم مكان قبر صديقه وقبل أن يرحل تذكر كلمات اوفو عن الابيات الشعرية الغامضة التي قالتها العرافة سولا:

الشمس والقمر والنجم يموتــ النجم ويختفي ضوءه إلى الأبـــــــــــــــــــــ ـد

ارتحل شمالا إلى قرية الخوف الصبي سيساعدك ويرشدك للنـــــــــــــــــهر

لكن عليك أن تخلصهم من لعنة الخوف عندها سيصنع تمثال للشمس والقمر

ليقول فريد: الآن فهمت الشمس والقمر هو أنا وأنت يا ران والنجم هو اوفو وقد مات واختفى ضوءه لذا علينا أن نرتحل شمالاً ونبحث عن قرية الخوف وذلك الصبي الذي تتحدث عنه النبوءة.

*مر على اختفاء فريد ما يقارب الستة أشهر أصيبت خلالها روجينا بالاكتئاب والإحباط، فهي لا تعرف ماذا حدث له ولا أين هو، ظلت الوساوس تلاحق روجينا، فهي لاتزال تحب فريد مهما ظهرت قاسية وأساءت إليه إلا أنها تحبه لدرجة العشق والهيام، فهي على استعداد لأن تفعل أي شيء فقط لترى فريد وتطمأن عليه، ظلت في منزلها تحدق بالنافذة بشعرها الأحمر الذي يرفرف في الهواء كالزهور والورود التي تتمايل مع الهواء وهي تنظر إلى السماء فتتخيل فريد ينظر لها مبتسماً كما كانت تراه دائما وهي تقول في نفسها: ما أحمقكِ يا روجينا كم كنتي قاسية على فريد كم ظلمته ومع ذلك لم يرد الإساءة بالإساءة.. يا إلهي ما أغباني أنا من أوصله إلى كل هذا سجنته وأهنته وسلمته بيدي إلى أكاريا ليقتلوه، ومع ذلك عندما نظرت في عينيه لم أرى حقد وكراهية بل رأيت حب حقيقي ولم أرى رجل كاذب ومخادع بل انسان صادق ومظلوم، لم أكن أعلم بأنني أحبك كل هذا الحب يا فريد إلا عندما فقدتك.

سقطت دمعة من عينها وهي تنظر للنافذة وتتخيله امامها يبتسم لها.. بينما هي غارقة في أفكارها وخيالاتها تفاجأت بصوت ارتطام حجر وسقوطه من النافذة وقد كان هذا الحجر ملفوفا بورقة، التقطت روجينا الحجر وفكت الرسالة الملفوفة حوله لتقرأ ماذا كتب فيها فوجدت الجملة التالية على ظهر الورقة "من زارا إلى القائدة العظيمة روجينا إذا أردت رؤية فريد مرة أخرى تعالي وانضمي إلى جيشي وإلا فلن تري فريد مرة أخرى".

لم تكد روجينا تنهي قراءة الرسالة حتى أصيبت بالهلع والخوف الشديد من أن يكون فريد أسيرا أو سجين لدى زارا وقد يقوم بقتله لو لم تنفذ ما يأمرها به عندها لم يبقى أمامها سوى خيار واحد من اثنين أن تنقذ حبيبها فريد من زارا وتخون وطنها اكاريا أو أن تضحي بحبيبها لأجل وطنها أكاريا.. ركضت بسرعة نحو النافذة علها ترى من قذف الحجر وأرسل لها تلك الرسالة ولكنها لم ترى أحد.. نظرت من النافذة نحو السماء وهي تتخيل فريد يبتسم لها ثم قالت لن اتخلى عنك يا فريد هذه المرة سأنقذك ولو كنت سأصبح خائنة لوطني فأنا بدونك لا شيء، أنا قادمة يا فريد.

*في شاران أرض الظلام كان زارا قد جمع كبار قادته لمناقشة الاعداد لغزو أكاريا والتجهيز لذلك بعد بضعة شهور كان سقرب نائبه ونيار حاكم أرض الجليد على رأس الحضور وكبار رجال العصابات والمجرمون من المدن المجاورة لشاران والمتحالفون مع زارا.. وبينما هم يتناقشون فجأة يقطع حديثهم شخص ملثم يقتحم المجلس ويدخل من النافذة وينقض على زارا مشهرا سيفه في وجهه.. اضطرب المجلس وعمت الفوضى وحاول الحراس القبض على هذا الملثم إلا أنه تصدى لهم وقتلهم جميعاً فصاح فيه جميع الحضور: من أنت وماذا تريد عرف عن نفسك.

ليبدأ الملثم في الكشف عن وجهه وسط ذهول الحاضرين "إنها روجينا"

وقفت روجينا أمام زارا منكسرة بعد أن ألقت سيفها وركعت على قدميها وهي تقول لزارا: أنا أمامك الآن اقتلني واترك فريد يرحل سأفعل أي شيء لتطلق سراحه أعلم أنه سجين لديك.

نهض زارا مبتسما ثم همس في أذنها قائلاً: فريد ليس سجين عندي ولكني أعرف مكانه ولي شرط حتى أدلك على مكانه.

روجينا في خضوع: أعرف ما تريد مني أن أقاتل معك ضد أكاريا.

زارا: أجل وإن وفيتِ بوعدكِ فسأدلك على مكان فريد وإلا فلن ترينه للأبد.

روجينا: وما الذي يثبت بأنك ستفي بوعدك أيها المسخ.

زارا: فريد كان سينضم إلينا وقد ساعدنا في قتل الحاكم كاين بسذاجته وطيبته دون ان يعلم ولهذا فلست أفكر في قتله واعلم أين هو الآن مع ران.

روجينا: إذن فريد برئ ولم يخطط لقتل الحاكم كاين معكم.

زارا: أجل هذا ما قصدته.

روجينا: حسنا قبلت عرضك وسأفعل أي شيء لأرى فريد مرة أخرى وأطمأن عليه، سأقاتل معك ولكن بشرط أن تكتفوا بعزل الحاكم سارين وألا تؤذوا سكان أكاريا أو تدمروا المدينة.

زارا بخبث: أجل سنكتفي بعزل الحاكم ولن ندمر أكاريا.

ثم نهض أمام الحاضرين وقال بصوت أجش: اليوم أعلن تعيين روجينا قائدة لجيوش شاران ولها الأمر الناهي والكلمة العليا في الجيش وعلى الجميع من رجال العصابات وقادة المرتزقة طاعتها ومن يعصي لها أمراً استحق الموت.

ليصيح بعدها رجال العصابات: عاشت روجينا والموت لأكارايا وسارين.

وصل خبر انضمام روجينا إلى جيش زارا وتعيينها قائدة عامة لجيوش شاران إلى أكاريا حتى أصيب الناس في أكاريا بالهلع والذهول أما الحاكم سارين فقد اكتفى بعزلها وقام بتولية جيزان نائبها قائداً عاما على جيوش أكاريا ولكنه مع ذلك رفض ادانتها لأنه كان يعتقد أن روجينا لا يمكن أن تخون وطنها أكاريا وأنها فعلت ذلك لتنقذ حبيبها فريد وستغدر بزارا وتنتقم منه وسوف تنضم في النهاية إلى صف أكاريا.. أما غالبية الناس في أكاريا فقد وصفوها بالخائنة وكانوا يذكرونها في مجالسهم بأشنع الصفات.

***

الفصل الثامن الاختبار الأخير (قرية الخوف)


بدأ فريد وران يتجهون شمالا بحثاً عن قرية الخوف التي ورد ذكرها في أبيات العرافة.. استمروا بالسير مسيرة 7 أيام وقد أوشك الطعام والماء الذي لديهم على النفاذ وقد كان ران دائما ما يحذر فريد من قطف أي ثمار من الأشجار التي كانوا يمرون بها في طريقهم وأنها قد تكون خطيرة وسامة.. في اليوم الثامن وصلوا إلى نهاية تلة أسفلها قرية تغطيها سحب مظلمة وقاتمة وكانت أصوات الرعد المرعبة لا تتوقف كأنها انفجارات لقنابل وقد لاحظ فريد أن الطيور لا تتقرب من تلك القرية كما كانت الحيوانات تهرب عند رؤية هذه القرية عندها تأكد من أنهما يسيران في الطريق الصحيح وأن هذه هي قرية الخوف التي ذكرتها العرافة سولا في ابياتها نظر فريد إلى صديقه ران وقال بتحدٍ: سننفذ وعدنا لأوفو ولن يذهب موته سدى، فهل أنت مستعد يا صديقي لمواجهة الخطر الأكبر الذي ينتظرنا في هذه القرية الغامضة والمرعبة".

ران بتحدٍ: لقد واجهت مخاطر كثيرة في حياتي وشهدت حروب وصراعات لذا اعتمد عليَ يا فريد سننجح أنا واثق من ذلك.

هبط الاثنان من فوق التلة وساروا مشيا على الأقدام باتجاه القرية إلا أن فريد كان يشعر بالانقباض وبخوف شديد لم يشعر به من قبل وقد كانت دقات قلبه تزداد كلما اقترب من مدخل القرية التي تبدوا كقرية أشباح من بعيد حيث يعم الصمت والهدوء وهو ما زاد الأمر غموضا ورعباً أن الناس كانوا يسيرون في القرية صامتين لا يكلم أحد منهم الآخر وقد كان الحزن والفزع باديا ً على وجوههم حاول فريد التواصل مع أحدهم إلا أنه صرخ فيهم: أخرجوا من هنا أيها الغرباء سيقتلونكم أجمعين لا تعرضوا حياتكم وحياتنا للخطر.

تعجب فريد من كلام الرجل فسأله قائلاً: عمن تتحدث ومن هم الذين سيقتلوننا.

إلا أن الرجل لم يجبهم وفر هارباً كأنما رأى شيئا مرعباً

لاحظ فريد وران أن الناس يتجهون ناحية كهف مهجور فقررا الاختباء ومراقبة المشهد من بعيد.. اتجه الناس ناحية

الكهف وقد قام سكان القرية بربط وتقييد صبي صغير لم يتجاوز 12 عام كأنما يريدون تقديمه قربان لمخلوق ما.. وفجأة بدأ الظلام يزداد وأخذت كيانات سوداء بملامح غير واضحة تظهر من العدم وتحيط بالناس.. أخذ الناس يبكون ويتوسلون وكأنما يخاطبون أحداً في المغارة ليخرج منها ذئب أسود ضخم بعيون لامعة ومضيئة في الظلام.. ليركع الناس من السكان القرية على أقدامهم في رضوخ وذل وكأنما يرجون منه الرحمة.. اقترب الذئب من الصبي الصغير وأخذ يشم رائحته وكأنما يتجهز لأكله.. ليشير فريد إلى ران ليخرج الاثنان معاً ويحاولان مهاجمة الذئب وابعاده عن الصبي، ليتفاجئا بالكيانات السوداء التي كانت تحيط بالناس تهاجمهم وقد سحب أحدهما فريد من قدمه ليجره ناحية مغارة الذئب أما ران فقد تعرض للخنق من أحدهما ولكنه أخذ يردد بعض التعاويذ والطلاسم ليبعد تلك الكيانات عنه وقد نجح في ذلك.. فكر فريد فلم يجد غير ذكر الله ليستعين به في مواجهة تلك الكيانات المرعبة فأخذ يؤذن بصوت عال ويردد آية الكرسي بصوت عال حتى أخذت الكيانات السوداء بالاختفاء وهرب الذئب إلى داخل المغارة وسط ذهول الناس ودهشتهم الذين كانوا يعتقدون أن فريد وران هما ساحران.. ليتقدم الناس منهم وفي مقدمتهم رجل يبدوا أنه حاكم القرية ويسجد لفريد وران ويأمر الناس من سكان المدينة بالسجود لهم معتقدين أنهم آلهة أو انصاف بشر ليصرخ فريد فيهم: نحن لسنا آلهة او سحرة نحن بشر مثلكم.

هنا تدخل حاكم القرية قائلاً: إن كنتم بشر فكيف استطعتم هزيمة تلك الكيانات.

ران: أما انا فقد استعملت بعض التعاويذ السحرية والطلاسم ولولا فريد لقتلونا جميعا.

فريد وهو ينظر لران بتعجب: تقصد لولا الله لكنا في عداد الموتى لأنني لم استعمل السحر في طردهم بل ذكر الله وآياته.

وأخذ يشرح لهم عن الإسلام والقرآن وكيف يمكن لهم أن يحموا أنفسهم من تلك الكيانات بذكر الله وبدأ يعلمهم الصلاة وأمور الدين حتى أن أغلبهم اعتنقوا الإسلام.. وفي اثناء ذلك اقتربت امرأة عجوز طاعنة في السن ومعها الصبي الصغير الذي أنقذه فريد وران من الذئب فتقدم الصبي من فريد وران قائلاً: هل لي أن أشكركم على ما فعلتموه لأجل قريتنا فقد عشنا طوال السنين الماضية في رعب وخوف والآن يمكننا أن نعيش في امان ولن يذبح أحد بعد اليوم ليقدم قربان لتلك الكيانات

فريد: لا شكر على واجب ولكن اشكر الله الذي أنقذنا وأنقذكم، ولكن لم تخبرني ما اسمك يا فتى وما قصة هذا الذئب وتلك القرية.

الصبي: اسمي هو كيرين أما عن قصة قريتنا فأنا أدعوكم لتناول العشاء والضيافة في منزلنا الذي أعيش فيه أنا وجدتي.

قبل فريد وران دعوة الصبي للإقامة في منزلهم وبعد تناول العشاء جلس فريد وران مع الصبي وجدته فقال فريد موجهاً حديثه للجدة: هل تعرفون الفو.

فصمتت الجدة وحاول الصبي الكلام ولكن غمزت له الجدة وأشارت له بالتزام الصمت، فكرر فريد السؤال مرة أخرى، فقالت العجوز: لماذا تسألان عن هذا النهر؟

ران: هذا الأمر يخصنا وحدنا.

فريد معاتباً ران: لاتكن قاسياً في كلامك يا ران فنحن ضيوف هنا.

ثم وجه حديثه إلى العجوز قائلاً: لا يمكننا مغادرة قارة أورينا إلا بعد أن نشرب من ماء هذا النهر، وإلا فلن تنفك عنا اللعنة.

كيرين: لا يمكننكم الذهاب هناك وحدكم لإن الوحش سيقتلكم.

فصرخت العجوز في الصبي طالبة منه بأن يصمت ثم وجهت حديثها إلى فريد وران قائلة: الذئب الذي كاد أن يفتك بحفيدي وبكما هو من يحرس هذا النهر ولم ينجح أحد من قبل في الوصول للنهر، حتى تتمكنوا من ذلك عليكم قتل الذئب وهذا الذئب ليس ذئباً عادياً فحتى النمور والأسود تخاف الاقتراب من هناك ولم يجرأ أحد على فعل ذلك وعندما فكر حاكم قريتنا بإرسال بعض جنوده ليجلبوا له قنينة من مياه النهر ليعيد شبابه بعد أن صار عجوزا قتل الذئب كتيبة كاملة من الجند تعدادهم يفوق الألف وعوقبت القرية كلها من الذئب بأن يقدم طفل كل عام كقربان للذئب ليأكله حتى لا يفتك بسكان القرية حتى صرنا منبوذين وصارت قريتنا ملعونة والجميع يخاف من دخول هذه القرية وصرنا معزولين عن العالم، ولهذا أنصحكم بالتراجع عن هذه الفكرة.

ران: كلامك لا يخيفنا أيتها العجوز بل يزيدنا حماسة سنقتل الذئب ونحصل على ماء النهر وإن لم ترغبي في مساعدتنا فسنطلب مساعدة حاكم قريتكم.

العجوز: لا أنصحكم بذلك فحاكم القرية لن يسمح لكم بذلك حتى لا تجلبوا لعنة أخرى على قريتنا، أنتم ضيوفنا ونحن لا نريد لكم أن تتعرضوا للأذى أو تضرونا بسبب تهوركم.

-لم يصل فريد وران لاتفاق مع الجدة ولكن فريد لم ييأس وقرر أنه سيخبر الحاكم غداً ويطلب منه المساعدة وأنهم باستطاعتهما قتل الذئب والحصول على ماء النهر، وقف فريد ينظر من النافذة وهو يرى الصمت والسكون بينما ران غارق في النوم يفاجئ بسماع طرق خفيف على الباب فتوجه ناحية الباب ليفاجئ بالصبي كيرين فتعجب فريد وقال له بصوت منخفض حتى لا يوقظ أحد: ألا تزال مستيقظا حتى هذا الوقت المتأخر من الليل يا كيرين.

كيرين: أستطيع مساعدتكم في الوصول للنهر فأنا أعرف طريق مختصرة تقود إليه ولكن عليكم أن تعدونني بأن تقتلوا الذئب وأن تعودوا سالمين.

فقال فريد وهو يضع يده على كتفه: أعدك يا صديقي الصغير بأن نقتل الذئب وسنحضر الماء لجدتك العجوز لتعود لشبابها وكذلك ابنة الملك اباديباج لتشفى من مرضها

كيرين: من يكون الملك اباديباج هذا.

فريد إنها قصة طويلة سأخبرك بها لاحقاً ولكن أخبرني كيف ستقودنا لمكان النهر.

كيرين: غداً سأخبر جدتي أنكما تراجعتما عن فكرة الذهاب للنهر وأنني سأذهب معكما في جولة في أسواق القرية لأعرفكما على بعض المحلات بها، عندها سنخرج ونتوجه ناحية الجبل ومن هناك سأخبركما بطريق النهر

وافق فريد على عرض كيرين وقرر أخيراً ان ينام نوماً عميقاً فأمامه مهمة صعلة غداً كما قرر أن يخبر ران باتفاقه مع كيرين عندما يستيقظ في الغد.

جهز فريد وران لتنفيذ مخططهم مع كيرين والتوجه الى الجبل حيث يقبع الذئب وحيث يوجد النهر اخذ كيرين عهد على نفسه ألا يخبر الجدة الاتفاق الذي دار بينه وبين فريد وران بحجة تعرفيهما على سلوك أهل القرية و التجول في بعض الأسواق في القرية وقد تكمن من خداع الجدة واقناعها حتى سمحت لهم بالخروج والتجول في القرية ثم أخذ كيرين يبتعد عن القرية وسار بهما منحرفا إلى اتجاه الجبل وعندما عم الظلام توقف الجميع وقد طلب منهما ان يذهب معهما لكي يرشدهما الى الطريق الا ان فريد رفض وطلب منه العودة الى جدته حتى لا تقلق عليه وألا يخبرها بشئ وانهما قد ذهبا إلى قرية مجاورة وطلب منه ان لا يخبر جدته بالحقيقة فما كان من كيرين إلا أن استجاب لرغبتهما وعاد إلى منزله ونفذ بقية الخطة أما ران وفريد فقد اتجهوا ناحية الجبل وناحية قمة الجبل التي كانت تبدو مخيفة حيث السحب والضباب يلف المكان والرعد والبرق صعدوا إلى القمة بخوف وكان لديهما أمل في أن يحصل على ماء النهر و يفكّان اللعنة من عليهم لأعود إلى ديارهما صعد فريد ومعه ران ناحية قمة الجبال ولكن بدت تلوح لهم عيون مضيئة تظهر من الظلام الدامس في الجبل حيث كان الجبل مظلم ظلام دامس ولم يكن هناك أي مصدر للضوء سوى بعض المصابيح والتي حملاها معهما لتضيأ لهم في الطريق والتي كانت تعتمد على الإضاءة الزيتية صعد إلى الجبل ببطء وقد بدأت العيون تظهر وتتضح أكثر فأكثر لقد كانت مجموعة من الذئاب تنتظرهم عند قمة الجبل لتمنعهم وتعيق رحلتهم فبدأ فريد يقرأ آية الكرسي و يذكر الله ثم فجأة تنحت تلك الذئاب جانبا وابتعدت عن الطريق وهربت فاطمأنا وبدأ يصعدان إلى قمة الجبل وعندما وصلوا إلى نهاية قمة الجبل توقفوا مذهولين ليجدوا مكانه بابا من الذهب مغلق عليه أقفال فحاول فريد أن يكسر تلك الأقفال أو أن يفتحها وأخذ يبحث عن مفتاح في كل مكان ولكنه فشل في العثور على أي مفاتيح لفتح تلك الأقفال فما كان منه إلا أن طرق على تلك الأبواب ولكن فجأة ظهر له ذلك الذئب الضخم الذي كان قد هاجمه سابقا عندما حاول أكل الصبي بدأ فريد في قراءة الذكر والآيات والقرآن إلا أن ذلك الذئب لم يتأثر وبدأ بالاقتراب منهما ثم انقض ذلك الذئب على ران فأصابه اصابة بليغة وركله بقوة ثم اتجه ناحية فريد في محاولة لإثنائهما ومنعهما من الاقتراب من ذلك الباب لكن فريد لم يكن خائفا وواجه الذئب بكل شجاعة فهاجمه الذئب وانقض عليه واصابه حتى قطعت ذراعه اليسرى لكن فريد لم يهرب بل ظل ثابتا في مكانه فهاجمه الذئب ثانية واصابه اصابة بليغة فبترت ساقه وبدأ ينزف شلال من الدماء التي كانت تقطر من كل مكان بجسده فصرخ فريد صرخة مدوية ونظر إلى الذئب في عينيه نظرت تحدي، و وأخذ يزحف ناحية الباب ، وران حاول أن يحميه ويحاول أن يستخدم بعض التعاويذ والطلاسم السحرية إلا أنها لم تجدي نفعا مع ذلك الذئب وكأن هذا الذئب لديه حصانة ضد كل شيء، فلا شيء يجدي معه، أقترب الذئب من فريد بعدما مزق جسده وقطعت احدى قدميه وذراعه اليسرى وأخذ ينظر فريد إلى الذئب نظرة تحدي فما كان من الذئب إلا أن نكس رأسه وحفر أمام قدمية ليخرج مفتاحا ويضعه أمام فريد وصديقه ويختفي مغادرا المكان .

حمل ران صديقه فريد المصاب وحاول وقف النزيف باستخدام بعض الأعشاب التي أحضرها معه نجح في وقف النزيف لكنه فوجئ بفريد يعطيه المفتاح ويطلب منه أن يتركه ويكمل طريقه لأنه ميت لا محالة فهو قد فقد يده اليسرى وقدمه وأصبح شخص ذو إعاقة جسدية لذا فهو يفضل الموت على الحياة هكذا وبينما هو هكذا شعر بقطرات ماء تنسكب على وجهه فنظر إلى ران وقال: أهذه دموعك يا ران حقاً كنت صادقاً عندما قلت إنك أفضل صديق".

فابتسم ران وقال له: بل أنا محظوظ لأنني قابلت انسان مثلك يا فريد فأنا شخص جبان ولا أستحق صداقتك لقد خذلتك ولم أستطع حمايتك من الذئب أرجوك سامحني.

فريد: تريد مني أن أسامحك لأنك خدعتني مرتين وتلك المرة الثانية يا ران فعليك أن تكمل الطريق وحدك من دوني لأنني سأعيق رحلتك.

انفجر ران بالصراخ وعيونه منهمرة بالدموع: لن أتركك كما تركت أوفو سنكمل رحلتنا معا.

ثم أخذ المفتاح وفتح الباب الذهبي وحمل فريد وساقه ويده المبتورتان ودخل إلى الداخل ليرى نهر عظيم شديد البياض كالثلج والأزهار الجميلة على جانبيه، فحمل فريد بالقرب من النهر وتمنى أمنية أن يعود فريد كما كان وتعود له يده وقدمه المبتورتان ثم سكب بعض ماء النهر على جسد فريد وجروحه لتحدث بعدها المعجزة وتلتأم جروحه وتشفى بالكامل.

نهض فريد على قدميه ثم نظر إلى ران ليصيح بعدها ران ويقفز في ماء النهر من شدة الفرح فيصيح به فريد ماذا تفعل أيها المجنون؟

ران: إنني احتفل على طريقتي يا صديقي.

فريد: حسناً دعنا نملء قارورة من ماء النهر فقد وعدنا الملك اباديباج أم أنك نسيت.

ران: كلا لم أنسى ولكنني أخشى من حاكم قرية الخوف وسكانها أن علموا أننا ذهبنا للنهر.

فريد: لا تقلق لن يؤذوننا فالنبوءة قد تحققت.

غادر فريد وران وعادوا إلى قرية الخوف ليجدوا سكان القرية قد صنعوا لهما تمثالين من الذهب الخالص وقد كان فوج منهم وفي مقدمتهم حاكم القرية والصبي كيرين وجدته، فتقدم حاكم القرية منهم قائلاً: أود أن أشكركم فقد نجحتم في تحريرنا وكسرتم اللعنة التي حلت علينا فقد اختفى الذئب ولم تعد تلك الكيانات تظهر من جديد.

فريد: لا داعي للشكر ولكن إن أردتم فاشكروا ران فهو من أنقذني وأنقذكم.

أحمر وجه ران من الخجل وقال بصوت حاد: كف عن هذا يا فريد فأنت تحرجني.

ثم منحهما حاكم القرية قلادة الشجاعة وأمر بتجهيز عربة توصلهم إلى حيث يشاءون بعد ان ودعوا الحاكم والصبي وجدته وسكان القرية يصيحون فيهم مطالبينهم بالبقاء والعيش معهم في القرية إلا أنهما أصرا على الرحيل ومغادرة القرية.

غادر فريد وران على حيث مدخل بوابة قارة أورينا ليجدا العرافة سولا بانتظارهما وهي تقول مبروك لقد نجحتم في الاختبار الأخير والمكافئة هي ثلاث أمنيات وقد انفكت عنكم اللعنة بالنسبة للثلاث أمنيات فقد تمنى ران صديقك أمنية منهم وهي شفائك وانقاذك يا فريد وقد تبقى لكما امنيتان فلتحسنا استغلالهما كما أنه يجب عليكم المغادرة قبل نهاية العام وإلا ستعود اللعنة من جديد وتعاملون كغرباء في هذه القارة.

اقترب فريد من العرافة ليصافحها ويودعها قائلاً: شكراً جزيلا لك أيتها السيدة المحترمة وربما نلتقي مرة أخرى.

سولا: لا تشكرني يا فريد بل اشكر صديقك ران الذي أنقذ حياتك وعداني أنتما الاثنان بأن تحافظان على تلك الصداقة مدى الحياة وألا تفترقان مهم حدث"

تذكر فريد أنه من سكان سطح الأرض وران من سكان جوف الأرض وأن مصيرهما الفراق في نهاية المطاف فصمت بعض الوقت ثم قال: أعدك بأن أحفظ صداقتي مع ران ولكن أن نبقى معاً فهذا شبه مستحيل فهو من عالم وأن من عالم آخر إلا إذا قبل المجيء معي لعالمي.

فقالت: سولا للأسف يا فريد البوابة التي جئت منها لا تتسع إلا لشخص واحد لقد نسيت هذا ولكن إن قررت البقاء في عالم جوف الأرض فحافظ على عهدك مع صديقك ران.

فنظر فريد إلى ران الذي شعر بالخجل والارتباك قائلا: أعدك سيدتي.

سولا: وأنت يا ران عدني بأن تحافظ على صداقتك بفريد.

ران: أعدك بألا نفترق مهما حدث.

سولا: خذ هذه الهدية أيضا يا فريد ها ترياق صنعته خصيصا لك ستشرب منه قبل أن تغادر إلى عالمك، هذا الترياق سيحميك من رياح السموم التي تنتظرك بالكهف وتذكر أنه بقي ستة أشهر على فتح البوابة التي ستنقلك إلى عالمك في سطح الأرض لذا عليك الإسراع في الرحيل والعودة إلى أكاريا".

فريد: ألا توجد بوابات أخرى بخلاف التي توجد في أكاريا؟

سولا: يوجد سبع بوابات أخرى وهي أسهل من تلك التي في أكاريا ولكنك لا يمكنك العودة إلا من نفس البوابة التي أتيت منها، توجد واحدة أسفل تمثال أبي الهول في بلدك وأخرى في القطب الشمالي ولكن يمكنك استخدامها في حال قررت العودة مرة أخرى إلى جوف الأرض وسوف تنقلك إلى نفس المكان والآن انتهت مهمتي وعلى المغادرة إلى اللقاء.

ثم ابتعدت سولا لتختفي في ظلمات الكهف لتفتح بوابة أورينا معلنة نهاية تلك اللعنة ليخرج فريد وران وينزلان من الجبل ليجدا القراب الذي تركوه ويبحران به عائدين في النهر في طريقهما للقاء الملك أباديباج وقد أحضروا عدة زجاجات مملوءة بمياه نهر الفو الذي طلبه ملك العمالقة منهما لشفاء ابنته.

ظل جوريد كل يوم يقف على النهر في أنتاسيا على أمل أني يرفى فريد وران عائدين ولم يفقد الأمل حتى ظهر له من بعيد قارب صغير عليه اثنين فصعد على قمة بناء شاهق ليتبين الأمر وأخذ يصرخ ويصيح لقد عاد فريد وران وهبط يركض نحو الملك اباديباج ليخبره بالأمر إلا أن الملك كاد أن يسقط مغشيا عليه ولم يصدق في بداية الأمر، ثم أمر بجمع موكب ضخم لاستقبالهما وإقامة الاحتفالات في جميع أنحاء البلاد، وتقدم الملك ومعه وزيره وكبار المسؤولين لاستقبال فريد وصديقه ،وصل القارب واندهش كل من فريد وران عندما وجدا الملك بنفسه قد جاء لاستقبالهما وقام بعض الجنود بحمل فريد وصديقه على أكتافهم وهم يصيحون عاد الأبطال بالماء العظيم ، انتشرت الاحتفالات في جميع أنحاء أنتاسيا وأقيمت الولائم ونشرت الزهور والورود في في موكب الملك وبرفقته فريد وران وسط هتافات جماهير العمالقة حتى وصلوا إلى مكان ضخم عليه مسرح ضخم ليصعد الملك أباديباج ويلقي خطبه على الجماهير فصعد على منبر ذهبي وقال: بالأمس سخرنا من من هؤلاء الأبطال ومن حجمهم الصغير ولكنهم فعلوا ما عجزنا عنه نحن العمالقة الضخام ولست أعلم ماذا حدث لصديقكم الثالث ولكنني حزين لأنه لم ينج معكم اقبلوا اعتذاري نيابة عن شعبي واطلبوا ما تشاءون مني وسوف أنفذه في الحال فقد أنقذتم ابنتي التي عجز الجميع عن علاجها وشفائها.

أنها الملك خطابه ليتقدم منه فريد ويعطيه زجاجة مملوء بمياه نهر الفو فيأخذها الملك ويعطيها للطبيب بعدما حمل الجنود بعناية ابنته المريضة ليفتح الطبيب فمها ويضع بضع رشفات من مياه النهر في فمها ويمسح رأسها بمياه النهر حتى تشفى الفتاة على الفور وتنهض وتركض نحو أبيها الملك وتحتضنه لم يتمالك الملك نفسه وأجهش بالبكاء وهو يعانق ابنته بشدة ،تأثر الكثير من الحضور ومن بينهم جوريد الذي بكى بشدة تأثراً بهذا الموقف الإنساني ثم توجه نحو فريد وران قائلا: لقد عدتما من رحلة صعبة وتحتاجان للراحة والطعام لقد أمر الملك بإعداد جناح خاص بكما في قصره ستجدان فيه كل ما تتمنونه.

فقال فريد: نشكر الملك على كرمه ولكن لم يبقى إلا خمسة أشهر وقد استغرقنا شهر حتى وصلنا إلى أنتاسيا وأخشى أن أتأخر ولا أصل إلى أكاريا قبل المدة وتغلق البوابة دون عودتي إلى سطح الأرض.

جوريد: لا تقلق يا فريد فلدينا طيور عملاقة تسمى الزيزجين تستطيع حملكما والطيران بكما إلى أكاريا في يومين فقط.

انتهى الحفل وعاد كل إلى منزله وبينما فريد وران يجلسان في غرفة بالقصر الخاص بالملك يدخل عليهم جوريد ويخبرهم أن زار قد هاجم أكاريا بوحش الزنما وأن الملك أباديباج يطلب لقائهما وقع الخبر كالصاعقة على فريد الذي كاد أن يغمى عليه من هول المفاجأة، لكنهم سرعان ما لبيا نداء الملك وحضرا على وجه السرعة ليستأذن جوريد من الملك بالدخول فأذن له الملك ليلقي السلام على الملك فيرد عليهم السلام ثم يوجه حديثه إلى فريد قائلاً: لقد وصلتنا أخبار سيئة عن أكاريا فقد هاجمه زارا زعيم أرض الظلام وهذا سيعيق رحلتك للوعود لوطنك لأنه سيطلب رأسك أنت وصديقك.

فريد: وماذا ترى يا سيدي.

الملك: الأمر متروك لكما فقد أنقذتما حياة ابنتي.

فريد: نريد جيشا قويا من جنودك الأشداء وسفن لنردع زارا ونقضي عليه فهل تسمح لنا بذلك.

الملك: جميع سفننا وجيوشنا تحت أمرك أنت وصديقك يا بني.

شكر فريد الملك أباديباج واستعد للمغادرة والعودة لأكاريا من جديد.

بين زخات الدموع وأصوات الصراخ، كانت أكاريا تنهار ببطء، وسط الدمار الذي خلفه وحش الزنما وبين أحضان الظلام الذي أشرسته معركة الخيانة والانتقام.

روجينا، القائدة التي خانت بلدها لأجل حبيبها فريد، وجدت نفسها مغمورة بالندم والأسى، وهي تلتقط أنفاسها بين أنقاض مدينتها المدمرة. فكانت خطوتها نحو الانتقام قد أفقدتها الكثير، وأفقدتها ثقتها بنفسها.

في حين ذلك، كانت أنظار زارا تشع بالفخر والانتصار، وهو يحتفل بسطوته الجديدة على أكاريا. لكنه لم يدرك أنه لا يزال هناك غضب لدى فريد، وأن هذه الانتقام لن ينتهي هكذا

دخل زارا إلى أكاريا مزهوا وفخورا بنفسه لانتصاره على أعدائه وخلفه جنوده يجرون عربة خشبيه ضخمة تحمل وحش الزنما وهو ثعبان ضخم لا يتحمل أي ضوء ابيض لأنه إذا تعرض للضوء يحترق ويتحول إلى رماد على الفور انتظر الجنود حتى حل الليل في أكارايا ليفتحوا العربة ويخرجوا منها وحش الزنما الذي بدأ يعيث في أرجاء أكاريا فسادا وخراب فلم يسلم منه بيت ولا حتى قصر الحاكم سارين فكان يطلق من فمه مادة لزجة بيضاء تحرق أي شيء فانتشرت النيران في أرجاء أكاريا والحرائق وعم الرعب والهلع والآن قد انتهت مهمة روجينا في أكارايا فأمر زارا سقرب بتدبير محاولة لاغتيال روجينا وقتلها والتخلص منها حتى لا تطالبه بالوفاء بوعده لها ثمن حربها معه وهو أن يدلها على مكان حبيبها

في زاوية مظلمة من القصر، حاكم أكاريا السابق سارين وزوجته كانوا يترقبون الفرصة للتوسل إلى روجينا، لوقف مأساتهم وإنقاذ بلادهم من هذه الحرب الدموية. ولكنهم وقعوا ضحية للخيانة، وأصبحوا مساجين لدى الفاتنة المخادعة.

هرب حاكم أكاريا سارين وزوجته من باب خلفي سري في القصر قبل مهاجمته من وحش الزنما فكر الحاكم سارين وزوجته في الذهاب إلى روجينا والتوسل لها لوقف هذه الحرب على أكاريا وأن أكاريا هي وطنها فلا يجب عليها أن تحارب مع أعداء أكاريا وطنها وبينما يسير سارين ومعه بعض الجنود سرا متخفين في محاولة يائسة للوصول إلى روجينا والتواصل معها إلا أن الجنود ألقوا القبض عليهم وقاموا بتسليمهم إلى روجينا، وأحضروهم مكبلين بالسلاسل والقيود أمامها، نظرت روجينا في عين سارين ثم قالت هل لك أمنية أخيرة قبل أن أقطع راسك سيدي الحاكم سارين أنت وزوجك فقال سارين نعم أن تتركوا الناس وتوقفوا سفك الدماء لقد تركت السلطة وانتهي كل شيء يا روجينا لكن قبل أن تهم روجينا بقتل سارين قالت دليلا: هل لي أن أسألك سؤال يا روجينا فقالت: روجينا إن كانت تلك أمنيتك الأخيرة نعم فسألي فقالت دليلا هل لو كان فريد هنا ورأى ما تفعلينه هل سيظل يحبك فغضبت روجينا واحمر وجهها ورفعت سيفها لتضرب عنق سارين إلا أنها فوجئت بدليلا ترتمي عليها وتطرحها أرضاً لتبعدها مسافة مترين فاستدارت بسيفها نحو دليلا لتقتلها ولكنها فوجئت عندما لاحظت أن دليلا قد أصابها سهم مسموم وقد رأت شخص ملثم يحاول إطلاق سهم آخر عليها ليقتلها فما كان منها إلا أن استلت خنجر وطعنت الرجل الملثم لترديه قتيلاً ثم قالت في نفسها الآن فهمت لقد خدعني زارا ودبر محاولة لقتلي سأنتتقم منه للتتفاجأ بفريد ومعه جيش من العمالقة وطيور عملاقة تحملهم وقد هبطو من على ظهر أحدها ومعه ران وتقدم فريد نحو دليلا التي أصابها السهم وهو يبكي وينظر إلى روجينا بحقد وغضب ويقول لقد قتلتها أيتها السفاحة القاسية لكن دليلا بدأت تستعيد وعيها وهي تنزف وتتكلم بصوت متقطع وفريد يحتضن دليلا فقالت دليلا لا تظلمها يا فريد فقد خانت وطنها وفعلت كل هذا لأنها تحبك ليصرخ فيها فريد بغضب كل ماحدث بسببها إنها مغرورة وقاسية ومتكبرة ثم يتوقف قلب دليلا ملعنا عن موتها ليبكي سارين ويحتضنها فريد ويضمها إلى صدره بقوة وهو يبكي ويصرخ صرخة مدوية سأنتقم ثم اقترب من روجينا وعيونه تتقد شرر وغضب ليصفع روجينا بقوة على وجهها وهو يقول لها أنتي أحقر امرأة في العالم ليسقط السيف من يد روجينا وتنهمر الدموع من عينيها وهي تبكي وتمرغ وجهها وأنفها في التراب وهي تقول: أنا السبب أنا قاتلة أنا حقيرة.

بعدهاغادر فريد وران ومعه قوات العمالقة وهو يصيح: سأنتقم منك يا زارا.

أما فريد وصديقه ران والذي جاء من أرض العمالقة ومعه جنود عمالقة وقد جاءوا على ظهر طيور الزيزجين وهي طيور عملاقة تستطيع الطيران لمسافات بعيدة و قد بدأت الحرب وبدأت تلك الطيور تنهش أجساد قوات العدو ودخل فريد في صراع مع زارا زعيم الشر والذي قام بغزو مدينة أكاريا بجيشه فكر فريد في حيلة لقتل وحش الزنما وعندها تذكر كشاف جيبي أحضره معه في حقيبته قبل دخوله للكهف ومجيئه لأكاريا حيث نجح فريد باستخدام كشاف ضوءه أبيض من حرق وحش الزنما والذي هو عبارة عن ثعبان ضخم لا يتحمل الضوء وإذا تعرض جسده لشعاع من الضوء الأبيض يتحلل ويتحول إلى رماد ونجح فريد في قتل الوحش بمساعدة صديقة ران في حين تحاول روجينا حبيبته والتي خانت فريد مساعدة فريد إلا أنه رفض الحديث أو حتى النظر إليها خاصة وأنها قد انضمت إلى صفوف الأعداء زارا وجيشه و بدأ يصيح الناس في أكاريا ويهتفون: عاش فريد البطل. وهم يحملونه فوق الأكتاف أما روجينا فقد أصبحت منبوذة في أكاريا والناس يقذفونها بالحجارة ويصفونها بالخائنة فقررت الهرب منهم والابتعاد عن أكاريا فقد أصبحت خائنة في نظر الجميع، كانت تأنب نفسها قائلة: لماذا يا روجينا لقد خنت وطنك أكاريا وخنت حبيبك. ثم صرخت صرخة أفزعت الطيور التي تقف على الأشجار: آااااه ما أغباني وأحمقني ليتني مت ليتني قتلت قبل أن أرى هذا اليوم ها أنا الآن مطرودة ومنبوذة الناس في اكاريا يبصقون علي ويقذفونني بالحجارة خسرت كل شيء نفسي وسمعتي وكبريائي لأجلك يا فريد، لم تؤلمني صفعتك بقدر ما آلمني اتهامك لي بالخيانة فعلت كل هذا وخنت وطني لأنني أحببتك وعشقتك ولكنك حطمت قلبي وجرحتني وظلمتني نعم كنت قاسية عليك لأنني أردت أن أصنع منك أقوى رجل في أكاريا وقد نجحت لكنك جعلت مني أضعف وأحقر امرأة في أكاريا.

وبعد انتهاء المعركة وقتل زارا على يد روجينا لتكفر عن ذنبها وتمحو عار خيانتها لأكاريا يعود سارين حاكم أكاريا إلى بقايا قصره المهدم ويخطب في سكان أكاريا ويعلن براءة فريد وصديقه من تهمة قتل الحاكم كاين وأنهم أبطال أنقذوا أكاريا من زارا وجيشه ويصدر قاضي قضاة أكاريا حكمه على روجينا بالنفي من أكاريا والتي تكون قد غادرتها بالفعل أما نيار فيلقى القبض عليه ويسجن في سجن المتورينا وتعود الملكة سيلينا إلى عرشها كحاكمة إلى أرض الجليد ويعود الاستقرار والهدوء إلى أكاريا وتطرد قوات زارا الذين هربوا وفر معظمهم للقارة السوداء.

ذهبت روجينا للجبال واختفت شهور ولكنها لا تستطيع فراق حبيبها فريد والذي خانت وطنها أكاريا لتنقذه من زارا أما فريد فقد أصبح ينظر إليها كخائنة وسفاحة قتلت دليلا وهو لا يعلم الحقيقة مرت شهور على انتهاء الحرب وعاد الاستقرار واصلح ما أفسده الوحش من دمار وبيوت مهدمة أصيب في تلك اللحظات سارين الحاكم بالاكتئاب واحتجب عن شعبه مدة طويلة أما فريد فبعد موت دليلا أيقن أنه المتسبب في قتلها لأنها كانت أكثر امرأة تحبه لكنه تركها وذهب للمرأة التي تهينه وتحتقره وتقسو عليه، أخذ يأنب نفسه ويكتم دموعه وبينما هو كذلك يستأذن جيزان للدخول عليه فيأذن له فريد بالدخول فبدأ جيزان يخفف عنه ويخبره الحقيقة وهي

أن روجينا بريئة ومظلومة وأن زارا هو من أرسل رجل ملثم لقتل روجينا لكن دليلا تلقت السهم المسموم مكانها أصيب فريد بالصدمة وبدأ غضب فريد يهدأ شيئا فشيئاً فنهض مسرعاً وقرر البحث عن روجينا ليعتذر لها إلا أنها كانت قد اختفت من أكاريا كلها ولم يتبقى سوى أسبوع واحد على اكتمال القمر في السنة السابعة له في أكاريا والتي تفتح فيها البوابة مرة واحدة كل سبع سنوات ليدخل الكهف ويعود إلى وطنه مصر فيقرر البحث عن روجينا في كل مكان ليودعها قبل رحيله ولكنه لا يجد لها أثر.

سار فريد يجول في أنحاء أكاريا مناديا باسمها روجينا حتى ظنه الناس قد أصيب بالجنون مما اضطر صديقه ران لمساعدته فقررا البحث عنها معاً ولكنهما لم يفلحا ولم يجدان لها أي أثر لا في أكاريا ولا في المدن المجاورة، وقد انقضت المدة المحددة لفتح البوابة يئس فريد من العثور عليها ولكنه قرر توديع صديقه ران قبل التوجه للكهف والمغادرة تصافحا وتعانقا عناق الاخوين ثم همس فريد في أذن ران: سأعود يوما ما إلى هنا فهل ستظل صداقتنا يا ران.

ران: اطمأن يا فريد فأنا على عهدي معك وإن عدت يوما من عالمك إلى جوف الأرض فستجدني في قريتي التي قتلت روجينا عائلتي فيها ومع ذلك فقد سامحتها ولكني لن أغادرها بعد اليوم سأبقى فيها حتى أموت.

ودع فريد ران ثم صعد متوجها نحو الكهف مع غروب الشمس منتظراً اكتمال القمر وفتح البوابة، دخل إلى الكهف ببطأ وبدأ يستعيد ذكرياته وكيف كانت اول مرة يدخل فيها الكهف، فتح حقيبته وأخرج الترياق الذي أعطته له العرافة سولا ثم تناول بعضه وترك الباقي في الزجاجة وأغلقها ليبدأ دخان أبيض يحيط بالمكان ويعم الضباب شيئاً فشيئاً لكنه سمع صوت مألوف ينادي باسمه فريد فريد

فحاول الرؤية وصعد فوق صخرة عالية بالكهف ليرى من ينادي باسمه حتى كاد قبله ينخلع من هول ما رأى إنها روجينا وملابسها ممزقة ومتسخة وقدت بت ضعيفة وكأنها كبرت مئة عام ولكن أيعقل أن يكون الحزن والفراق فعل بها كل هذا، لم يتمالك فريد دموعه وانهار في البكاء وقفز من فوق الصخرة وهو يركض نحوها صائحا روجينا حبيبتي سامحيني لن أتركك ستأتين معي ولكن أثناء قفزه انزلقت قدمه وسقط أرضاً قبل أن يصل إليها أما روجينا فعندما سمعت صوته ورأته ركضت نحوه، أرادت أن تعانقه وتحتضنه بقوة لكنها اصطدمت بجدار شفاف بلوري كالزجاج ظهر من العدم يفصلها عنه ليمنع أحد من الدخول إلى البوابة بعد اكتمال القمر وظهور الدخان الذي بدأ يحيط بفريد ويمنعه من الرؤية شيئاً فشيئاً، لكن فريد لم يفقد الأمل حاول ضرب الجدار الزجاجي ليكسره أو يحطمه ولكن لا فائدة حتى تمكن منه الانهاك والتعب وروجينا تنظر إليه وهي تبكي بحرقة من خلف الجدار كأنما هي أم تودع ابنها المسافر الوداع الأخير ثم خلعت قلادة منقوش عليها صورتها وألقتها من فوق الجدار لتسقط في الجانب الآخر ويلتقطها فريد صاح فريد سأعود يوماً ما إلى أكاريا انتظريني يا روجينا، تمنيت أن آخذك معي إلى عالمي في سطح الأرض ولكنه القدر يريد لنا الفراق يا حبيبتي

روجينا وهي تبكي من الألم: لقد خنت وطني لأنقذك يا فريد ولم أقتل دليلا صدقني

فريد بحسرة: أعلم أنك مظلومة يا روجينا وقد كنت قاسيا عليكِ سامحيني لأنني ظلمتك كنت أتمنى البقاء هنا لكن لا يمكنني ترك أهلي وعائلتي لم أرهم منذ سبع سنين ومع ذلك سأعود لأجلك.

روجينا: عدني يا فريد بأنك لن تنساني ولن تحب امرأة غيري وأن تعود إلي.

فريد: أعدك انني حرمت على نفسي كل امرأة غيرك لن أحب ولن أتزوج أبدا غيركِ أنت يا فراستي وسيدتي وقائدتي.

فابتسمت روجينا وعيناها غارقتان في الدموع: كل هذا الغزل يا مخادع كم امرأة غيري يا فريد قلت لها هذا الكلام، ومع ذلك فأنا أصدقك وسأنتظرك ولو بعد ألف سنة حتى لو صرنا عجوزين وكهلين، قد حرمت على نفسي كل رجال الأرضين السبع غيرك أنت.

ثم اقترب من الجدار الزجاجي ووضع يديه محاولاً لمس يديها وفعلت روجينا نفس الشيء ثم نظرت في عينيه والدموع تسيل من عيونها كأنها شلال يتساقط من جرف عال وابتسمت له ابتسامة الوداع.

وكان ذلك مشهد الوداع الأخير والفراق بينهما ليأتي منتصف الليل وقد اكتمل القمر وينفتح الباب المضيء وتحيط به رياح السموم حتى كاد فريد أن يختنق وبدأ قوة خفية تجذبه كالمغناطيس نحو الباب المضيء حتى أظلم كل شيء في عينيه وأصبح لا يرى سوى الظلام والصمت.

***
الفصل الأخير (العودة للديار)

فتح عينيه ليجد نفسه ملقى في الكهف وقد اختفى الباب المضيء خرج فريد من الكهف ليجد نفسه في قلب الصحراء حاول تذكر الطريق الذي سلكه منذ سبع سنوات وبصعوبة استطاع معرفة الطريق والعودة، كان فرحا لعودته إلى دياره ووطنه ورؤية والديه وصديقه وليد والذين اشتاق لرؤيتهم جميعاً ومع ذلك كان طوال الطريق عابساً حزين على فراق حب عمره روجينا، لاحظ فريد أن كل شيء قد تغير عما تركه منذ سبع سنوات فالشوارع قد تغيرت والموضة وكل شيء حتى الشارع الذي كان يسكن فيه أصبح أكثر ازدحاماً، توجه فريد إلى العمارة حيث يسكن وتذكر أنه كان يحمل معه نسخة من المفاتيح في حقيبته فاقترب من الباب وطرقه ولكن لم يجبه أحد فقال في نفسه أيعقل أن يكونوا قد خرجوا من المنزل الآن فقرر سؤال جيرانهم فطرق بابهم ليخرج له جاره الذي أصيب بالصدمة عندما رآه وقال له: حضرتك الأستاذ فريد الذي اختفى منذ سبع سنوات.

فريد: نعم هو بعينه أنا ولكن أخبرني أين والدي الحج مصطفى وأمي.

الرجل: ألا تعلم ما حدث أم أنك كنت مسافر لقد توفي الحاج مصطفى منذ خمس سنوات أما والدتك فقد سافرت للخارج عند خالك وقفلت الشقة منذ ذلك الحين هذا هو ما أعلمه.

وقع الخبر كالصاعقة على فريد فلم تعد قدماه تحملانه

ولم يستطع حبس دموعه وأثناء جلوسه على احدى السلالم

لاحظ أن سكان العمارة أغلبهم غير موجودين فسأل الرجل

لكن الرجل قال له: اليوم معظم جيراننا من سكان العمارة في فرح صديقك الأستاذ وليد على راندا.

فسقطت عليه تلك الكلمات كأكواب الماء البارد لتوقظه من أحلامه.

أنهى حواره مع الرجل وأخذ المفتاح من حقيبته وفتح باب شقتهم ليصطدم من المشهد الشقة أصبحت كالمقبرة فالتراب يغطي كل شيء وخيوط العنكبوت على الجدران، استغرق فريد قرابة الساعتين لتنظيف غرفته وترك باقي الغرف للغد فهو متعب وبحاجة للراحة ولكنه تذكر ما قاله له جاره عن فرح وليد وراندا فقال لنفسه: سأصاب بالجنون اليوم أليست راندا متزوجة من عماد ابن عمها ولديها منه طفل يدعى فريد على اسمي كيف تتزوج صديقي وليد.. يا إلهي أنا لم أعد أفهم شيء.

لكن خطرت له فكرة وهي أن يسأل أحد المدعوين للفرح ويستفسر منه وبالفعل وجد والد راندا فاقترب منه كان الرجل قد كبر في السن وضعف نظره والذي صدم عندما رآه فأخذ يتفحصه بعناية ليتأكد منه لكن فريد أكد له أنه هو وقد أخفى عنه رحلته لأكاريا و أخبره أنه كان في مهمة سرية خارج مصر وأنه عاد بعدما منحته السلطات الاذن، لم يقتنع والد راندا بالامر ولكن ليس لديه تفسير آخر لاختفاء فريد لمدة سبع سنين، بدأ والد راندا يقص على فريد كل شيء حدث لراندا حبيبته السابقة منذ اختفاءه وأنه نادم على رفضه لزواجهما وأن ابنته راندا أصبحت قعيدة على كرسي متحرك بعدما سقطت من النافذة محاولة الانتحار، فكر فريد في أنه عليه أن يصلح خطأه ويساعد راندا فقد تسبب لها في الكثير من الآلام والمآسي.

فتح عينيه ليجد نفسه في غرفة بالمستشفى والممرضة تقول له: حمد الله ع السلامة يا افندم.. النهاردة أحسن والحمد لله.

فريد: أين أنا وماذا حدث لي ولماذا أنا في المستشفى.

الممرضة: لقد نقلتك الإسعاف بعدما صدمتك سيارة وأنت خارج من الفرح وأنت بقالك شهرين في غيبوبة.

فريد: ماذا سيارة صدمتني، ولكن متى سأخرج من المستشفى.

الممرضة: الدكتور: قال إنك تستطيع المشي والخروج بعد أسبوع ولكنك ستعاني من فقدان مؤقت للذاكرة.

خرجت الممرضة لتترك فريد في حيرة لا تنتهي وهو يتسائل عن كلما رآه ومر به: أيعقل أن يكون كل ما رأيته في أكاريا والقارة السوداء وزارا وروجينا كان مجرد حلم، أكان كل ذلك وهم وأنا قد كنت في غيبوبة في المستشفى منذ شهرين يا له من حلم جميل روجينا كانت مجرد حلم وأي حلم إنه أجمل حلم رأيته في حياتي.. ليته كان حقيقة، ليتني لم أستيقظ منه، ولكن أين أبي وأمي أين الجميع لماذا تركوني وحدي.

ظل على السرير يفكر وقد كان على وشك أن يجن لكنه فوجئ بطرق على الباب من شخص يستأذن للدخول، فقال فريد: ادخل.

ليدخل صديقه وليد ومعه راندا فقال وليد: كيف حالك يا صديقي أين اختفيت كل تلك المدة لقد وجدنا في جيبك قلادة عليها صورة فتاة بشعر أحمر.

أخرج وليد القلادة ليلتقطها فريد ويصيح: أجل إنها روجينا لم تكن حلماً لقد كنت في أكاريا.

اعتقدت راندا ووليد أن الحادث قد أثر على قوة فريد العقلية وأنه يهذي فهم لا يعلمون ما هي أكاريا ولا من تكون روجينا.

وليد: لقد أنقذت راندا يا فريد واستطاعت المشي على قدميها من جديد بفضلك والناس في حارتنا أصبحت تعتقد بانك ساحر أو رجل مبروك أو ولي من أولياء الله الصالحين بعدما شيفت قدمها امام الجميع في الفرح.

فريد: لا أتذكر شيء هل أخبرتني بما حدث.

بدأ وليد يحكي ما حدث عندما دخل فريد الفرح وقد كانت راندا تجلس على كرسي متحرك وبجانبها وليد بعدما أنه المأذون كتب الكتاب.. دخل فريد ووقف أمام راندا وأخرج زجاجة بها ماء يلمع بشدة كالماس وسكبه على قدمها ثم قال: تستطيعين المشي وتحريك قدمك من جديد يا راندا لقد شفيت قدمك.

لتنهض راندا وهي لا تصدقك انها تستطيع المشي من جديد وسط ذهول الحضور من المعازيم في الفرح حيث صاح معظمهم بالتكبير والبعض قال بأن فريد ساحر ودجال.. اما راندا فقد نهضت على قدميها واقفة بفستان الفرح وعلى وجهها علامات الغضب وصفعت فريد ولطمته على وجهه أمام الجميع وهي تصرخ فيه: أنت شخص قاسي وأناني لقد دمرت حياتي بسببك جعلتني أتعلق بك وأحبك ثم هربت وتركتني لقد دمرت حياتي يا فريد وليد هو زوجي الآن وكتب كتابنا أنت غير مرحب بك هي اخرج من غير مطرود.

حاول وليد تهدئتها وأنه عيب تطرد شخص أمام الناس هكذا لكنه أصرت على موقفها.

خرج فريد من بابا القاعة وأثناء خروجه جاءت سيارة مسرعة وصدمته ليسقط على الأرض غارقاً في دماءه ويركض الناس محاولين إنقاذه وطلب الإسعاف له.

أنهى وليد حديثه ثم قال لفريد راندا كانت تحبك وكنت تحبها وأنا لم ألمسها إن أردت أن أطلقها وتتزوجها أنت يا فريد فأنا لن أخسر صديق عمري لأي سبب.

اعتدل فريد ونظر بغضب إلى صديقه ثم قال: قلبي معلق بروجينا وقد وعدتها وقطعت عهداً على نفسي بأن أحرم على نفسي جميع نساء الأرض حتى نلتقي مرة أخرى بعد سبع سنوات أو أجد بوابة أخرى للدخول لعالم جوف الأرض.

راندا وقد بدت عليها ملامح الغيرة: ومن تكون روجينا تلك إذن فأنت تخدعنا جميعا وقد سافرت تلك الفترة إلى احدى الدول الأجنبية للهو والركض خلف البنات.

فريد مبتسما ابتسامة كادت تشق راندا غيظاً: لم اختفي عنكم طوال تلك المدة من أجل الركض واللهو خلف الفتيات وسأحكي لكم قصة اختفائي كاملة فإن شئتم صدقتموني أو لا فالأمر لا يهمني كثيراً.

بدأ فريد يحكي قصته بالكامل والتي كانت تشكك فيها راندا أما صديقه وليد فقد صدقه فهو لم يعتد الكذب وقد طلب فريد منهما أن يكتما سره فوعداه بذلك.

مرت سنتين على عودت فريد فقرر السفر عند والدته وأن يبيع الذهب والماس الذي أهداه له الحاكم سارين في أكاريا بعد قتله لوحش الزنما وتحريرها من قوات زارا فقام فريد بتأسيس شركة لأشباه الموصلات في أمريكا وبدأت الشركة تكبر شيئاً فشيئا حتى صار من أثرى الأثرياء ومن أشهر رجال الأعمال إلا أنه ظل محتفظاً بالقلادة التي عليها صورة روجينا وظل وفياً لها ولوعده الذي قطعه على نفسه بألا يلمس امرأة ما دام حياً أو يتزوج من غيرها وأصبح يعيش حياته كالرهبان ورفض الزواج رغم إلحاح والدته عليه إلا أنه كان دائم الرفض والتهرب.

مضت السنين وفريد يبحث ويشتري أغلى المخطوطات وأكثرها ندرة وبخاصة القديمة منها التي تتحدث عن عالم جوف الأرض وسكانه في محاولة لمعرفة بوابات أخرى غير التي دخل منها تقوده إلى جوف الأرض، جلس على مكتبه يشعر بالملل واليأس.. حتى دخلت عيه السكرتيرة تخبره بأن هناك فتاة جديدة تريد العمل في الشركة وعليه مقابلتها فأذن لها بالدخول فدخلت لكنه قفز من مكبته عندما رآها وكان شعرها أحمر وتشبه روجينا إلى حد كبير وصرخ قائلاً: روجينا بالإنجليزية فلم تفهم الفتاة ماذا يقصد فسألها فريد: ما هو اسمك؟

الفتاة: الفتاة أدعى ريزا.

فأخرج فريد القلادة التي عليها صورة روجينا ليجد اختلاف طفيف بينهما فيقول لها: حسناً سأوافق على عملك لدي ليس لمؤهلاتك ولا لجمالك ولكن لأنك تشبيهن شخص عزيز على قلبي.

فشكرته الفتاة وخرجة فرحة ومسرورة لقبوله تعيينها في شركته، نظر فريد إلى القلادة طويلاً ثم قال تمر السنين ولا تزالين بقلبي لن أنساك أبداً يا روجينا كنت ولا تزالين أجمل حلم عشته على أرض الواقع ربما سنلتقي ذات يوم لن أيئس أبداً وحتى ذلك اليوم أعدك بأن لا أمنح قلي لأي امرأة غيرك لإنك وحدك سيدتي التي أسرت قلبي أحبكِ يا فارسة أكاريا.

***

الخاتمة

أحبب من شئت فاعلم بأنك مفارقة وعش ما شئت واعلم بأنك ميت فالروح تفارق الجسد هكذا هي سنة الحياة شئنا أم أبينا


الفارس الأحمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:15 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.