مراجعة لما قرأت ..

[سجن المؤمن]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
حياكم الله جميعا ..
أعود بعد غياب طال لأسباب عديدة من ضعف الشبكة و تعطل الجهاز و كسل لا أبريء نفسي منه..
لذلك أردت أن أشارككم بمقال جديد و هو عبارة عن مراجعة لآخر ما قرأت ..
فزهور محبة لكم جميعا على هذا النشاط الدؤوب الذي يعجبني فيكم ...

مراجعة كتاب الترجمة و إعادة الكتابة و السمعة الأدبية :
يُنظر لترجمة من قبل أغلبية القراء " القراء الغير محترفون كما يُطلق عليهم المترجم " أنها مجرد ترجمة من لغة إلى أخرى غير أنها في حقيقة الأمر تُعتبر إعادة كتابة فأنت تنقل ثقافة مغايرة و لغة مغايرة لها خصوصياتها التي تتميز بها للغة أخرى و ثقافة أخرى و أمة أخرى و هنا نركز على نقطة إنطابعات الأمة المستقبلة لثقافة و لغة الكتاب المترجم . و هذه الدراسة تعرض لنا أعمال آدبية تنتمي لثقافات مختلفة و تُبرز لنا أهمية إعادة الكتابة في تاريخ الأدب . و إعادة الكتابة على مر التاريخ خضعت لمعيارين ألا و هما الأديولوجية و الشعرية " أي ثيمات الذوق الأدبي المعتمد في فترة معينة " و الجميل في هذا الكتاب أنه لم يكتفي بالحديث عن الجانب النظري في الترجمة بل طرح أمثلة متعددة لإعادة كتابة الكثير من الأعمال الأدبية المهمة و الكلاسكية في آداب مختلفة : تحدث عن المعلقة العربية ، عن هوميروس الشاعر الإغريقي ، عن مسرحية ليسيستراتا و مسرحية موت دانتون .
و نرى في ترجمات مسرحية ليسيستراتا و عند هوميروس في ترجمات ملحمته الإلياذة حذف بعض الكلمات و تغيير معاني تعابير كثيرة لإعتبار المعطى الإيديولوجي من قبل المترجمين و يُضاف بالنسبة لهوميروس عنف ملحمته و عدم لياقتها بالنسبة لرجل الأوروبي و خاصة أن فيها عادات موغلة في القدم قد لا يتقبلها الرجل الأبيض فخضعت الترجمات لهذه الإعتبارات و اختلفت في الكثير من المواضع و هنا يستنتج القاريء أن لإعادة الكتابة قيود تحكمها .
أما المعلقة العربية فقد تحدث عن المترجمين الذين تعاملوا معها بإستخفاف لخصوصيات الثقافة العربية المختلفة عن العقلية الغربية و للإعتقاد السائد عند الكثير منهم أن الثقافة الغربية هي الثقافة الأسمى و الأكثر رقي و ما الترجمات إلا لتعرف الحاكم على المحكوم و لا يقتصر مشكلة عدم وصول المعلقة العربية للقاريء الغربي على هذه الإعتقادات بل أيضا لعدم وجود ما يقابل طبيعتها في الآداب الغربية و علينا كذلك ألا ننسى أن بيت القصيدة العربية مكون من شطرين على عكس بيت الشعر الغربي المكون من شطر واحد و من الصعوبات أيضا التي يواجهها المترجمون هو الإيجاز و الإحكام التي تتميز بها المعلقات و يصعب نقلها للغات أخرى تفتقر لخصوصيات اللغة العربية .
أما مسرحية موت دانتون فقد قام أندريه لوفيفر بالمقارنة بين ترجمتين واحدة خضعت للإيديولوجية و لولا خضوعها لما نجحت عملية نشرها و أخرى خضعت لشعرية لكي يُتمكن من تمثيلها بعد فشل عروض سبقت هذه الترجمة الأخيرة و التي تميزت بالحذف و التعديل و التركيز على النسق الفعلي لكي لا يفقد المُشاهد تركيزه و متابعته .
لم يقتصر الكاتب في كتابه على أمثولات أعمال آدبية بل تحدث أيضا عن إعادة الكتابة و أهميتها في السمعة الأدبية عند مثالين أولهما الكاتب الهولاندي وليم فوكنبروخ و مدام دي ستال فالأول لم يكن إنتاجه الأدبي ليتماشى مع الشعريات التي سادت بعده فكان مصيره التحقير و التقليل من شأنه رغم النجاح الذي شهدته أعماله في فترة ما و الثانية لم يركز النقاد إلا على شخصها و سيرتها بمعزل عن كتاباتها خاصة بعد عملية التقديس التي قام بها أفراد عائلتها .
أعتبر كتاب الترجمة و إعادة الكتابة و السمعة الأدبية قيم في مجاله فهو يغوص في عوالم الترجمة و يعرفنا على ثقافات مختلفة " أوروبية ، إفريقية، عربية " و يصافح القاريء من خلاله عملية إعادة الكتابة بحميمية أكبر و يفهم صعوباتها و قيودها .

[modyblue]

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

[sahar mahdii]

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

[سجن المؤمن]

مراجعة صغيرة لرواية نجل الفقير
أحب هذا النوع من الروايات ..! أتأثر عند إنتهائي من قراءتها ، أشعر بنفسي أكثر إنسانية ، و أكثر فهما للحياة و أكثر استعداد لتحدي الصعوبات و مواجهتها ..، قصص الكفاح تجعلني مؤمنة أكثر أن حياتتا فيا حلاوة مخبئة ضمن هذه المرارة الامتناهية و التي نجدها حاضرة في واقعنا العربي الأليم ، أتحدث هنا عن رواية نجل الفقير للكاتب الجزائري مولود فرعون و التي تعد التجربة الأولى معه و هي عبارة عن سيرة ذاتية لبطلها فولرو منراد المعلم الذي قرر أن يكتب عن ما خاضه في كشكول مذكراته فأبحرت في الجزء الأول من الكتاب عن ما كتبه عن منطقته ، عن خلفيته العائلية الفقيرة ، عن طفولته الأولى بوصفه الشقيق الوحيد الذي اتخم دلالا من قبل والديه و عمه ، و أقارب العائلة و اضطرت أخواته لإحتمال مشاكسته و طلباته الكثيرة التي جاءت انعكاسا لهذا الدلال ، كان والده و عمه لونيس يحلمان أن يكون أسد العائلة و بهذا يكون سيد القرية إلا إنه كان جبانا ، مترددا إلا أنه لم يُحرم من مميزات أخرى فقد كان حيويا نشيطا ، هكذا كانت سنواته الأول. يتعرض الكاتب لدخوله للمدرسة ، حبه للعب ، لتأنيب والده له ، لإجتهاده و إحرازه التقدم في دراسته و في ذلك الأثناء كانت قد انفكت وحدة السكن بين عائلته و عائلة عمه إثر موت جدته التي حكمت العائلة بيد من حديد أبرز أثر هذا عليهم و المقاطعة التي حزت في نفس والده رمضان . ثم تحدث عن أول تجاربه مع الألم إثر وفاة نانا و فقدان خالته فقد كانتا شمعتان أضاءتا طفولته و سرعان ما انطفأ فإحداهما غمرته بحبها و حنانها و رقتها و الأخرى كونت له عالما متكاملا من الحكايا التي نمت له مخيلته و أسعدت طفولته و لم تكن هذه محنته الأولى فقد تحدث عن الأزمة المالية التي واجهتها عائلته و أدت لسفر والده إلى فرنسا و في أثناء ذلك كان قد اجتهد في دراسته لم يتكاسل رغم الظروف القاسية التي تكالبت عليه .. لكنه تحدها و صبا لهدفه من خلال هزيمة مخاوفه .
الرواية رائعة أقيمها بأربع نجوم من خمسة و لم أفقدعامل التشويق إلا في بعض الفقرات ففي العموم كنت أقرأها شغف لكن بقيت أتساءل هل هذه اسيرة الذاتية للكاتب فأحداث الرواية تتقاطع مع حياته .. لا أعلم حقيقة لكني يبقى السؤال يروادني

[سجن المؤمن]

مراجعة لكتاب لماذا أكتب .


لا شك أن هناك علاقة وطيدة متينة ، لن تنفك أواصرها بين القراءة و الكتابة ، فالقراء النهمون تفتح لهم قراءاتهم آفاقا واسعة تمكنهم من إختراق عوالم الكتابة الصعبة أحيانا ، الغامضة أحيانا أخرى ، و المعقدة دائما . كما أن مكتبتنا العربية تفتقر لقاعدة من الكتب و النصوص التي تتحدث عن الكتابة الإبداعية في جوهرها وقالبها و الطرق التي تمكن الكُتَّاب الجدد من تطوير مواهبهم و نصائح تحفزهم على تجاوز الصعوبات التي ستواجههم حتما في هذا المجال الصعب الذي اختاروا ممارسته عن حب .
حقيقة أحب كتب السير الذاتية لأني ببساطة أحب أن أقرأ عن تجارب الآخرين : إخفاقهم و نجاحهم ، و لأني أحسها أكثر إنسانية و هي تركس شيئا مهما في حياة أي امريء فينا ألا و هو المشاركة ، من هنا جاء شغفي الأكبر بالكتب التي تتحدث عن تجارب الكتاب و الروائيين و الشعراء و التي تتخللها مناقشات و لقاءات معهم ، أحب أن أعرف كم من دار نشر رفضت عملا لهم قد نجح و تصدر بعد نشره قائمات الكتب الأكثر مبيعا .لذلك ليست هذه تجربة جديدة مع هذا النوع من الكتابات لكنها قطعا تجربة أكدت يقيني بجدواها.
الكتاب الذي أنا بصدد مراجعته يطرح سؤالا عميقا في محتواه و كان عنوان هذا الكتاب هو هذا السؤال ألا وهو : " لماذا نكتب " قبل أن أتحدث عنه أحب أن أنوه أن ترجمته كانت تحت إشراف الكاتبة الكويتية " بثينة العيسى " و لن أحكي لكم قصة ترجمته بل أطلب منكم الإطلاع عليها من خلال قراءة تقديم الذي كتبته .
لنعد الآن لهذا العمل الرائع ، ببساطة فكرته كانت أن يجيب عن هذا السؤال عشرون كاتبا ناجحا ترجمت أعمالهم لكثير من اللغات و جميعهم أجابوا و تحدثوا عن الأسباب التي تدعوهم للكتابة و عن عمليتها المعقدة ، المتعبة التي تسنتهلك الواحد فيهم و لكن رغم هذا هم لا يتركون شغفهم و لا يتركون عملهم ، كذلك تحدثوا عن تأثير الشهرة في أعمالهم و عن الضغوط التي يزخرون تحت وطأتها ، لا أخفيكم سرا هناك بعض الكتَّاب المثيرين للجدل ، كاتب مثلي ، كاتبة تحدثت عن علاقتها الجنسية مع والدها في أحد أعمالها .
قد تستهجنون مثلما استهجنت أو تنفرون لكنني تعاملت من خلال الكتاب مع الإنسان فيهم و استفدت من قراءتي لتجاربهم ونصائحهم للكُتَّاب المبتدئين بوصفهم قد احتكوا مع الكتابة و عاشوا فيها .
هذا العمل هو مشاركة وجدانية لروائيين مختلفي العرق ، الجنس ، و الأعمال الأدبية لكنه بلا شك و بإيمان تام ينزع عنك الرهبة تجاه الكُتَّاب المحترفين و عملية الكتابة .

[سجن المؤمن]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعود مع مراجعة لرواية أثرت بي كثيرا ألا و هي " ارتطام ..لم يُسمع له دوي "

مراجعة رواية ارتطام .. لم يُسمع له دوي :
قد توصف قصة الرواية بالسذاجة ، و بأن الموضوع قد تكرر كثيرا ، و قد يُقال أن هذه الرواية هي أضعف أعمال بثينة العيسى ، لكني حقا لن أهتم بهذا الكلام لعلّي مغيّبة بحمى عاطفية لكنّ الرواية لمستني بقوة و أثّرت بي لدرجة كبيرة لأنها تحدثت عن الشيء الذي نحبه و نذوب فيه رغم أنه قد يجور علينا في بعض الأحيان ألا و هو الوطن و كما يقول الشاعر :
يلادي و إن جارت عليّ عزيزة
و أهلي و إن بخلوا عليّ كرام
هذه هي التجربة الثلاثة مع الروائية " بثينة العيسى " بعد رواية " كبرت و نسيت أن أنسى " و " عائشة تنزل إلى العالم السفلي " و قطعا لم تخذلني . نُشرت هذه الرواية سنة 2004 و أنهت بثينة كتابتها في أكتوبر 2003 و هي لم تجاوز الإثنان و عشرين سنة .
موضوع هذا العمل الأدبي يتمثل في فتاة كويتية تدعى " فرح " متشبّعة بحب الوطن ، سافرت لسويد عند تأهلها للمشاركة في مسابقة دولية في علم الأحياء و هي تحلم برفع علم بلادها ، تلتقي بضاري الشاب السويدي الكويتي الكاره للوطن و الذي يسعى بإرغامها على كره بلدهما المشترك فهو قال لها بما ما معناه : التقيت بك و أنت بهذه الأنوثة البالغة تمثلين مساحة الكويت فكيف لا أعاقبها فيكِ " ، تتعرض فرح لخذلان يؤازرها فيه ضاري فماهو هذا الخذلان ؟ و ما سبب هذا الكره الذي يستعمر جسد ضاري تجاه بلده الأم ؟ و كيف واجهت فرح الفرق الشاسع بين الكويت و السويد ؟ و يينها و بين المتسابقين ؟
كل هذه التساؤلات تجيب عنها صفحات الرواية .
لنتحدث عن ما ما راق لي في هذا العمل
أعجبني موضوعها كما ذكرت ، الوطن بين حبنا له و نبذه إيانا و بين حبه لنا و هجرنا إياه كذلك عن أهمية الإنتماء في حياتنا مهما حاولنا الإستغناء عنه و إنكاره فالتاريخ و الجذور و الثقافة القومية يبنون ذاكرة الواحد منا و التي تتماثل و تتشابه مع ذاكرة أبناء قومه و المختلفة عن ذاكرة أفراد الأقوام الأخرى. و قد تطرقت الكاتبة أيضا لموضوع مللنا منه وهو المواجهة الحتمية بين الشرق الغرب و رغم ذلك ما نفتأ نعود له لأن حضوره جوهري في حاضرنا المُعاش و من هنا تفهمت مشاعر فرح عندما أشهر ضاري قذائفه تجاه وطنها الحبيب .
كذلك أحببت لغة بثينة الرائعة و حقيقة هذا أكثر ماراقني في هذا الكتاب، لغتها الشعرية الغير متكلفة و التي تجعل القاريء يغوص في بحر من الجمال و الأناقة و الصدق الشفاف الموجع و الذي تجعلنا ندمنه رغم ضريبة الألم التي ندفعها .أما بالنسبة لحبكة الرواية فقد كانت متماسكة و قد تميزت أحداثها بالسلاسة و التناسق في سيرورتها و مع اللغة المبهرة التي وظفتها كاتبتها ، أيضا أجادت بثينة خلق التفاصيل الصغيرة التي طعمت بها شخصيات روايتها و أعطتها نفسا واقعيا .
الشيء الوحيد الذي لم يرق لي هو قصر العمل فهي لم تتجاوز المئة و اثنان و ستون صفحة لأنها لم تتعمق في الموضوع و أنا لا أستطيع لومها لأنه عملها الأول لكن رغم ذلك كانت روايتها شهية جدا ، عذبة لحد الألم و أنا كنت ظمأى فلم أكتفي ، أقول في النهاية أن الرواية مؤثرة لمن يسكنه موضوع الوطن و لمن يعيش مغتربا في بلده لذلك قيمتها بأربع نجوم من خمسة.

[سجن المؤمن]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكم الله جميعا
مع نسمات البرد الليلي الذي تقشعر له جلودنا ..
و مع رياح الإلهام التي تختار مثل هذه الأوقات لتسكننا ..
و لتذكرنا بكل ماهو جميل في عالمنا .. و أن الأدب هو الأكسجين الذي نقتات عليه ..
ففي الكبب نجد وطنا افتراضيا يفتح لنا نحن الغريبون أحضانة المغزولة بحلاوة النصوص
و المشاعر و التجارب ، التي تؤنس نفوسا وحيدة و تذيقنا من خمر لذتها ..
أعود مع مراجعة جديدة لكتاب لازمني و مازال يراودني ..
يراود الحلم فيّ ..
يراود النفس فيّ ..
و يراود آمالا و آلاما تشتعل و تنطفيء ..!
الكتاب : هو خارج المكان ، أترككم معه :

قبل كل شيء أريد التحدث عن قصة قراءتي لهذا الكتاب ، كنت قد اشتقت للأدب الفلسطيني فحمّلت رواية " باب الشمس " و قد استبشرت بملخصها و بانطباعات القراء على موقع " الجودريدز " إلا أنها لم تجذبني بما فيه الكفاية فتوقفت عند الصفحة سبعة و ثلاثون تقريبا رغم أن أسلوب الروائي رائع و سلس لكنني لم أستطع إكمالها فالملل أصابني و لم أتحداه كعادتي ، و نظرتي للكتب تقول أن العمل جميل إلا أني لم أعطه فرصته الكاملة لذلك سأعود له في يوم ما .
حينها وجدت نفسي أبحث عن شيء فيه نفس فلسطيني و بنفس الوقت يجذبني إليه فكان أن خطر ببالي المفكر الفلسطيني و الأستاذ الجامعي للغة الإنكليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية" إدوارد سعيد " الذي لم أكن قد قرأت له شيئا من قبل وكانت أختي التي تدرس اللغة الإنكليزية قد أخبرتني أنها تناولت نصا من مذكراته في مقرر الترجمة لإعادة كتابته بالعربية و قد ترك فيها ما كتبه أثرا جيدا فلكل هذه الأسباب التي اجتمعت أقبلت على قراءة الكتاب الذي نُشر سنة 1999 أي قبل أربع سنوات من وفاة مؤلفه و الذي ترجمه فواز طرابلسي.
يتحدث الكاتب في مذكراته عن يفاعته الأولى بين القاهرة و القدس و قرية لبنانية مسيحية يقضي فيها مع عائلته فترة الصيف ، كذلك عن صميم علاقته بوالدته و والده ، كما عرج على قضية النكبة و كان كلامه عنها جارحا فهو حكى عن ألمه عند رؤيته للقدس الغربية قد تحولت من مكان وُجدت فيه ممتلكات عائلته و مقر للعائلات العربية إلى أحياء تسكنها العائلات اليهودية ، أيضا تحدث علن اليمين المتطرف المسيحى في لبنان و مواقفه إبّان الحرب الأهلية التي تصادمت مع الفلسطينيين و القضية الفلسطينية و تمثلت له في شخص شارل مالك الدبلوماسي زوج ابنة خال أمه " إيفا " كما كان شديد الصدق في كتابه فلم يجد حرجا في الحديث عن عقده العاطفية و النفسية ، و عن علاقاته الإنسانية ، و عن النبذ الذي تعرض له طوال مراحل دراسته فقد كان تلميذا على حسب وصف أمه : شريرا ، متكاسلا ، مشاكسا إلا أن الله وهبه ذكاءا ما كان يجب أن ينبغي له وفقا لشخصه وصفاته .
المؤلَفْ رائع وصادق و مؤثر .. و إنساني لأبعد الحدود فهو حي إلى ألا نهاية كما لا أنكر أن بعض الملل أصابني و من لا تصيبه الحياة بالملل لذلك كان لا بد من الملل فهذه السيرة الذاتية تمثل الحياة . و كما قلت لكم راق لي صدقه و تحدثه بكل شفافية عن مشاكله و عثراته في فترات الطفولة و المراهقة : خجله ، عدم ثقته بنفسه ، تذبذبه و ضياعه ،يحولك المصنَفْ من الإحساس بالرهبة و الجهل تجاه شخص مصنِفه إلى إحساس عميق بالألفة و الصداقة .
كانت مرحلة دراسته في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر تشويقا و جذبا لي ، أين واجه و تحدى إنعزاله و نبذ التلاميذ و الأساتذة له فهو حكى أنك قد تكون حسب المقايس النظرية الأكاديمية من الأشخاص الذين وجب لهم أن يلمعوا في سماء المدرسة إلا أنك تفتقد للواجهة النجومية التي تخوّل لك ذلك و هذا ما كان يعاني منه و قد شخص و وصف الحالة بشكل دقيق أفحمني و جعلني أغوص في نفسيته الداخلية التي غطتها و أخفتها قواعد إجتماعية و حياتية معقدة . كذلك أعجبني في هذه المرحلة من الكتاب حديثه عن من أثّر به من الأساتذة و الكتب التي قرأها بشوق و لذة مما حفزني و جعلني أسير على منواله و أقبل على مذكراته بنشوة يُصعب عليَّ وصفها .
جعلني إدوارد أفكر بعمق في علاقته مع والديه ، و خاصة في الرابطة التي جمعته بأمه تلك العلاقة التي اتسمت بشيء من الأوديبية فتملك أمه تجاه أبناءها جعلها تبني حواجز بينه و بين أخواته يصعب تجاوزها و في بعض الأحيان و من الإستحالة تحقق ذلك في أحيان اخرى كما عبّر هو عن المسألة .
كانت أمه امراة دافئة ، عاطفية ، ذكية ،و متملكة سعت أن تكون المسيطرة في علاقتها مع أبناءها ،و أن تفرض سلطتها في مواجهة لسلطة والده الحديدية التي خضعت لها دائما و كان هو يرى فيها الدفء و الحنو فلم يستطع تجاوزها بالرغم من الظلال التي قد خيمت على علاقتهما و يرجع ذلك لكونها مركز عاطفته ففضل أن يلجأ لمحبتها ودفئها الأمومي رغم طبيعتها الناقدة التي كثيرا ما طغت أما والده فكان مزيجا من القسوة و الكرم اللإستثنائي و العاطفة المكبوتة و لعل الفتور الذي ميّز علاقته به يعود إلى أن والدته سحبت البساط من تحت قدميه .
كتاب رائع يجعلك تفتقده ، فتصاب عند الإنتهاء منه بحزن و لوعة و كأنك فارقت حبيبا فهو يغتصب شيئا من روحك ، من ذاتك و يعطيك شيئا أكثر غنى و أكثر جمالا لذلك ما كان لي إلا أن أقيمة بخمسة نجوم من خمسة .

[سجن المؤمن]

مراجعة لكتاب الإستشراق للكاتب و المفكر الفلسطيني :
" إدوارد سعيد "
بعد كتاب " خارج المكان " الذي قيمته بخمسة نجوم من خمسة و الذي شجعني حقيقة لقراءة كتاب "الإستشراق " بوصفه مصنفا مهما قرأت كثيرا عن أهميته و عن النقد و التأثير الإيجابي الذي نستطيع أن نقول أنه انفجر بعد نشر هذا المصنف ، ثانيا يعود عزمي لمطالعة هذا الكتاب لإعتبار إهمتمامي بمجال : " الإستشراق " و بمعرفتي العامة بأن نظرياته و أفكاره ( التي سيعالج الكتاب موضوعيتها و حيادها من انحيازها لإنتمائها القومي و الحضاري و الديني ) تبنتها شخصيات عربية و شرقية ذات مكانة مرموقة ودعت إليها في ميادين جامعية و إعلامية التي سنرى إن كانت تمثل خطورة على ثقافتنا العربية الإسلامية .
يتحدث الكاتب إدورد سعيد عن الإستشراق بوصفه دراسة من أجل أوروبا لشرق ، و لأن المعرفة سلطة تقود أي امبراطورية امبريالية فمثلا آرثر بلفور يقول في ما معناه لمجلس اللوردات سنة 1910: أن الحضارة الشرقية المتغولة في القدم و الإنجازات التي قدمتها للإنسانية كانت تحت سيطرة سياسية ليس للفرد الشرقي فيها أي قوة فاعلة " و لتوضيح أقول أن هذه القوى تراوحت بين الفراعنة و الدول العربية الإسلامية : " الدولة الأموية ، الدولة العباسية ...إلخ " و كذلك الإمبراطورية العثمانية ، فكل هذه الدول و الإمبراطوريات السياسية كانت السقف الذي سُيطر به على الشرقيين و تحته أنتجت هذه المجتمعات تطورا و تقدما و إنجازات أفادت الإنسانية جمعاء و كانت منطلقا للعلوم الغربية لذلك من هنا يعطي بلفور التفسير لمسؤولية الإمبراطورية البريطانية تجاه هذه المستعمرات التي لابد أن تُقاد و لابد أن تُمثل و بوصف الشرق لا يتغير و لا يتبدل و لا يخضع لتغيرات سياسية أو إقتصادية أو تاريخية فهذا الشرق منمطط ( نمط واحد أبدي سرمدي )
لنتحدث الآن عن الإستشراق بعد عصر التهضة أي تقريبا من القرن السادس عشر و ذلك الوقت هو بداية إنشاء المستعمرات في الهند فتمثلت الجغرافيا التخيلية في الشرق بحيث أُسقطت على المجال الجغرافي الممتد لشرق أفكارا تخيلية اعتمدت على منطلقات عديدة أهمها :
منطلق نحن و هم و بإختصار هذا المنطلق هو منطلق عنصري فالعقلية الشرقية و الشخصية الشرقية و الأخلاق الشرقية تختلف اختلافا جذريا عن العقل الغربي المنطقي و الأخلاق الغربية السوية البعيدة عن الشذوذية الجنسية التي تتميز بها الأولى ، و الشخصية الغربية السوية المتمثلة في الرجل الأبيض الحضاري على عكس الشرقي الملون" الطفل الساذج البدائي" . أما المنطلق الثاني فهو منطلق ديني بالأساس فكون الإسلام النسخة المضللة و المشوهة عن المسيحية و كون نبينا محمد صلّ الله عليه و سلّم نسخة مضللة عن المسيح عيسى عليه السلام ( تجاهل تام لحقيقة أن المسلمين يؤمنون به بوصفه نبي ). و الغرض من الإستشراق الأوروبي هو إعادة توليد الشرق و التقليص من عدائيته المتمثلة في الإسلام تحت سقف الحضارة الأوروبية التي لا يمكن إلا من خلالها أن يتطور الشرق و الإسلام .
نجد في عمل " الكوميديا الإلهية " لدانتي تمثيلا للمنطلقات الدينية ، و نجد في حملة نبوليون بونبارت تجاه مصر الطموح الأوروبي في إعادة توليد شرق جديد بوصفه ميتا و لا عضويا و إخضاع إسلامه للحضارة التي أتى منها هذا القائد العسكري .
فإذا كان الإستشراق مبني على أفكار و نظريات عنصرية كيف استطاع أن يصمد لحد القرن العشرين بوصفه التنظير للإمبريالية الأوروبية ..؟ و هذا يجعلنا نسأل كيف تم إعادة بناءه ..؟
تغيرت المنطلقات منذ نهاية القرن الثامن عشر و تمثل أهمها في :
الإنفساح و التوسع في مجال الشرق الجغرافي فكثرت الرحلات و الإستطلاعات تجاه الشرق الأدنى ( الشرق الإسلامي)
دراسة التاريخ لا بوصفه مادة دينية بل بوصفه مادة علمية و إنسانية ، غير أن هذان المنطلقان و غيرهما لم يخلقوا أفكارا جديدة نحو الشرق بل أن الحجاج الأوربيين تبنوا إعتبارات نصية فكانت مواقفهم تجاه هذه المنطقة معتمدة على تاريخ سميك من الإستشراق القديم الذي خلق لهم أفكارا وهمية حول هذا المكان الذي كان موطن الحضارات القديمة و آلهة الخصوبة ( إيزيس و عشتار) فكان دائما ما يوحي لهم بالجنس و تمثل هذا في موقف الكاتب جوستاف فلوبير .
درس إدوارد سعيد في هذه الفصول آراء المستشرقين الذين أسسوا هذه الفترة مثل ساسي الذي لم يتعامل مع الثقافة العربية إلا من خلال الإقتباسات و رينان الفقيه اللغوي الذي اعتمد على مقارنة اللغات السامية باللغات الهندو أوربية فهذه الأولى ناقصة و قاصرة و بدائية على عكس الثانية فهي تمثل الأم التي أنجبت اللغات الحضارية .
كذلك تحدث الكاتب عن بعض المستشرقين الذين تعاطفوا مع فقر وجوع المستعمرات إلا أن هذا الأخير لم يستطع أن يصمد أمام تراث قديم من الأفكار حول الشرق فجُمد هذا التعاطف و حولت مآسي الشرقيين و معاناتهم إلى تعميمات خالية من جوهر و لب و إلى تسليم كون لابد من المنطقة الحضارية في العالم أن تسيطر على المنطقة المتخلفة و البدائية . و رغم كل هذا فإن الإستشراق لم يخلو من مستشرقين دافعوا عن الشرق ضد أوروبا إلا أنهم تشبثوا بفكرة عن أن أصول الساميين و عرقهم هو التفسير لمشاكلهم و تخلفهم فهم مختلفون عن أصول الغربيين و عرقهم .
نلاحظ إذن أن المختلف بين فترة ما بعد عصر النهضة و ما بعد أواخر القرن الثامن عشر هو المنطلقات التي بُنيت عليها الأفكار و التفسيرات فقد بُنيت على ما يسمى " العلم " علم الأنساب ، العلوم الإنسانية و الإجتماعية ، العرق و الأصول ، أعطت هذه المنطلقات قوة و متانة للإستشراق إلا أنها لم تستطع أن تستمر بعد الحرب العالمية الثانية و مع تبدل معاير القوة حيث ظهرت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة إمبريالية أولى فماذا حدث للإستشرق خلال هذه الفترة ..؟
لنتحدث عن تمثيل العربي و المسلم في ما يمكن لنا نسميه " الإميراطورية الأمريكية " فهو خاسر خاسرة مهينة تناسب ضعفه خلال حرب العرب مع إسرائيل سنة 1967 و هو منتصر بأنفه المعقوف و عيناه الخبيثتان في ما بعد حرب 1973 و هو طبعا في السينما مجرم أو زعيم عصابة لصوصية شبق يواجه البطل الغربي بعدائية و تنطق عيناه الغادرتان بعزم على التسلي بجسد البطلة الشقراء .
لنرى الآن كيف تم تفكيك المستشرق فهو لم يعد شخص له معرفة عامة بالشرق و بالإسلام بل أصبح مؤرخ أو عالم إجتماع أو غيره أو غيره ، كما تأسست مؤسسات لدراسات الشرق الأوسط و تم تكرير نفس الأفكار بصيغ جديدة و بأفكار عنصرية تُرفض لأي عرق من الأعراق غير العربي فالعربي فاشل و متخلف و بدائي و عدائي و هو لا يقوم إلا بمهمة واحدة ألا و هي إعادة صناعة نفسه فهو جنسي بدرجة أولى و يقوم المستشرق " برنارد لويس " بالتحدث عن الجنسية الحاضرة حضورا طاغيا في اللغة العربية . كما أنهم تحدثوا عن الإسلام لا بوصفه دينا بل بوصفه حركة سياسية قامت لتوحيد العرب و هي أيضا عدائية تعادي المسيحين و اليهود .
مادة الكتاب أغنى من هذا و أكثر تفصيلا فأنا لم أتطرق مثلا للأسلوب و الرؤيا و الحس السردي عند المستشرقين في فترة ما ، و ما أريد قوله في الأخير أن الإستشراق بشكله الحالي في الولايات المتحدة الأمريكية لا يتطرق و لا يعالج و لا يتحدث عن الأدب العربي و عن الرواية العربية بوصفها تجربة حياتية تستطيع أن تواجه ضعف و خلل هذه الأفكار المنمطة التي تتسم بالتعميم و نحن في عالمنا العربي لا نملك أي مركز جاد للقيام بالدراسات حول القوة الإمبريالية الأولى في العالم أو حتى دراسات نحو شرقنا الذي مازال للآن يُشرقن ، غير أن الخطورة تكمن بالنسبة لي في الأساتذة و الجامعيين و الأكاديميين الذين درسوا في الولايات المتحدة الأمريكية على أيدي هؤلاء المستشرقين المتعالين فينقلون لتلاميذهم و طلابهم هذا البعد المتعالي و المحتقر لثقافتهم العربية الإسلامية .
ملاحظة : الكتاب أقوى من أن أقيمه فهو مادة غنية جدا ، لكنه أيضا تعرض لنقد في أنه لم يتحدث عن الإستشراق الألماني أو السويسري ... و أنه بالغ في التحدث عن عنصرية الإستشراق ،هذا الذي لم ألمسه شخصيا لكن أظن أن هذه المسألة وجهها له أولئك الذين يحملون الأفكار الإستشراقية العنصرية مثل المؤرخ برنارد لويس لكني سأخذ بعين الإعتبار أن الكاتب ركز على الإستشراق الفرنسي و الإنجليزي و الأمريكي لذلك سألحث عن مواد تعالج إستشراقات أوروبية أخرى و سأحاول بإذن الله قراءة كنبه الأخرى التي توسعت و التي ترتبط بشكل أو بآخر بموضوع الإستشراق .

[أنشودة الندى]

استفدت جدا واستمتعت بما قرأت
فشكرا لك

[سجن المؤمن]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أنشودة الندى

استفدت جدا واستمتعت بما قرأت
فشكرا لك

سعيدة جدا بأنك تمتعت و بأن حصل لك من جراء هذه المراجعات نفع ..
عطرت المكان بمرورك