آخر 10 مشاركات
الجبلي .. *مميزة ومكتملة* رواية بقلم الكاتبة ضي الشمس (فعاليات رمضان 1436) (الكاتـب : قصص من وحي الاعضاء - )           »          دين العذراء (158) للكاتبة : Abby Green .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          لقاء الخريف / الكاتبة : طرماء و ثرثارة ، كاملة (الكاتـب : taman - )           »          وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )           »          لا تتحديني (165) للكاتبة: Angela Bissell(ج2 من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          Caitlin Crews - My Bought Virgin Wife (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          رافاييل (50) للكاتبة: ساندرا مارتون (الجزء الأول من سلسلة الأخوة أورسيني) .. كاملة.. (الكاتـب : Gege86 - )           »          Kay Thorpe A MAN OF MEANS (الكاتـب : رومنسيات - )           »          Anna DePalo - His Black Sheep Bride (الكاتـب : soul-of-life - )           »          بين الماضي والحب *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : lossil - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > منتدى روايات (عبير- احلام ) , روايات رومنسيه متنوعة > منتدى روايات عبير العام > روايات عبير المكتوبة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-06-16, 05:50 PM   #1

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9 26- سجينة الغجر - آن هامبسون - دار الكتاب العربي(كتابة /كاملة)**





26- سجينة الغجر - آن هامبسون - دار الكتاب العربي
الملخص
"لايأتي الحب على أجنحة من حرير.. بل يجيء كدفق صاخب يجتاح القلب ويأسره .. وفي شباك ألاسر قلما يفكر المحبوب في الخلاص من قيود أقوى من الفولاذ .
وعندما قامت (لين) برحلتها إلى أيرلندا .. لتنفض إرهاقات العمل الطويل بين الربوع والبحيرات والجبال , لم تكن لتصدق أن رحلتها ستتحول إلى كابوس مرعب .. وسجن حقيقي مؤلم .
فقد تصادف أن تعطلت سيارتها بقرب مخيم للغجر .. وأفلتت بمعجزة من الغجري المتشرد القذر .. لكنه طاردها في الغابة وسجنها داخل عربة حقيرة .. وأجبرها على الزواج على طريقة الغجر .. وباتت الفتاة الرقيقة الجميلة أسيرة السجن والمعاناة والالم .
لكن الحب تسلل إلى قلبها المحزون .. ولم تفلح في مقاومته ... !!





محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي



التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 16-06-16 الساعة 07:10 PM
Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 16-06-16, 06:37 PM   #2

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

1- الاختطاف
كانت السيارة تسير على مهل في الطريق الساحلي,تجلس خلف مقودها فتاة جميلة تتأمل روعة المشهد الطبيعي.هضاب خضراء تمتزج أطرافها برمال الخليج الصفراء الذهبية وتحجب قسماً منها أشجار عالية مورقة.
كانت لين سدلن تنوي قضاء العطلة في إيرلندا الجنوبية برفقة صديقة لها, لكن صديقتها اعتذرت عن المجيء فقررت لين المضي في رحلتها وحدها. انتقلت من إنجلترا إلى أيرلندا بحراً وشحنت سيارتها على الباخرة نفسها.
أمضت الفتاة إلى الآن عشرة أيام رائعة تتنقل في أرجاء أيرلندا الخضراء الساحرة.جمال الطبيعة أنساها وحدتها فلم تكن تتذكر ذلك إلا عند رجوعها في المساء إلى الفندق لتخلد للنوم. وبعدها أمضت لين يومها في مدينة دونيغال استعدت للعودة إلى الفندق الواقع في أطراف المدينة, لتتوجه في الصباح الباكر جنوباً نحو دانيلري, حيث ستستقل الباخرة بعد أيام عائدة إلى انجلترا.
أوقفت السيارة إلى جانب الطريق وأخرجت من حقيبتها خريطة المنطقة. عيناها تحدقان في الخريطة, في حين أن فكرها شارد في أمور أخرى وخاصة في عرض الزواج الذي تلقته قبل أسبوعين من زميلها في العمل توماس. إنه شاب لطيف ومهذف لكنه لا يتمتع بأي جاذبية لا بل هو, كما وصفته إحدى زميلاتها, بليد ومثير للضجر. وعدته لين بالتفكير جدياً في الامر لأنها بدأت تشعر بالملل من العيش وحيدة فلا بأس بفكرة الاستقرار مع رجل طيب ورقيق لبناء عائلة جديدة.
إلى جانب ذلك, هناك سبب آخر يجعل لين تأخذ في الاعتبار عرض الزواج.وهو شعورها بالاسف نحو توماس الذي فجع بخيانة زوجته له وانفصالهما بالطلاق. وجدت الفتاة في معاناته قواسم مشتركة مع ماتعرضت له حياتها العائلية. تمتعت لين بطفولة سعيدة بين والدين محبين وفي منزل وافر الامان ,لك والديها انفصلا وهي لم تتجاوز بعد السبعة عشر ربيعاً بعدما وجدا أن طريق كل منهما يختلف عن طريق الآخر. وخلال ثلاثة أعوام تزوجت أمها من رجل أمريكي وهاجرت معه إلى أمريكا.كما أن والدها تزوج من سيدة أقنعته بالهجرة إلى أستراليا. وهكذا أصبحت لين وحيدة وهي في العشرين, تعيش دون عائلة. لذالك قررت أن تجد الرجل الذي ينتشلها من عذابها ويقاسمها حياة هنيئة.
أيكون هذا الرجل توماس؟ سؤال لم تجد له بعد جواباً شافية. تنهدت وهي تقود السيارة في طريق فرعي ضيق محاط بأشجار عالية. بعد أن توغلت بضعة كيلو متراتوصلت إلى غابة كثيفة تقع وسطها بحيرة جميلة يقوم قربها مخيم للغجر. وجود جماعات الغجر في أيرلندا أمر مألوف أكثر من وجودهم في انجلترا .غريب أمر هؤلاء القوم يتنقلون من مكان إلى آخر .لايحبون الاستقرار كبقية الالبشر. يبحثون عما لايجدون فيستمرون في التجوال.
فجأة,إذ تجاوزت السيارة أولى عربات الغجر ,أصدر المحرك صوتاً قوياً ثم توقف. ترجلت من السيارة عابسة والتف حولها عدد من الاطفال الفضولين. ثم تقدمت منها غجريتان فيما هي منهمكة بالنظر إلى المحرك تحاول عبثاً معرفة سبب العطل, وبرز من بين الجميع شاب أسمر اللون عارضاً المساعدة.رفعت لين عينيها لترى شاباً طويلا مفتول العضلات, أسود العينين,أجعد الشعر.نظراته الثاقبة أرعبتها فبلعت ريقها من الخوف.
قالت له أخيراً:
_تعطل محرك سيارتي.
_هل نفذ منها الوقود؟
أومأت لين بالنفي وأجابت:
_الوقود فيها أكثر كاف.
وجدت الفتاة نفسها تحدق . لاحظت تعالياً وغطرسة في هذه الملامح يجعلانه مختلفاً عن بقية قومه . فالغجر عادة أناس بسطاء متواضعون, علمهم الفقر أن الخضوع هو الوسيلة الوحيدة لكسب أرزاقهم.
_بما أن الوقود متوافر لا أعلم سبب الداء. نحن نستعمل الجياد لا السيارات , لذا خبرتي في المحركات ضعيفة جداً . كل ما يمكنني فعله هو ارسال أحد إلى المدينة ليحضر ميكانيكياً.
كانت تدرك أنه كاذب من خلال نظراته الشغوفة و الفاحصة .ولأنها لمحت شاباً يتوجه على حصانه نحو المدينة ليحضر الميكانيكي.
شعرت بالحرج وهي واقفة بين هؤلاء الغجر. فبدأت تتمشى حتى ابتعدت عن المخيم في طريق موحش , تحيط بجانبيه خضرة عذراء, تبدو من خلالها مياه البحيرة مرآة تنعكس على صفحتها بفرح أشعة الشمس الذهبية.
وبينما هي تتأمل شاعرية المكان وسحر وجوه الغامض, سمعت وقع خطى تتقدم منها على مهل فارتعدت. إنه الغجري الاسمر. تراءت لها أشياء كثيرة مرعبة إذ رأته يقترب منها بكل ثقة . وخانتها شجاعتها حتى كادت تصاب بالاغماء.
تحدث الشاب بنبرة آمرة:
_أنتِ انجليزية, أليس كذلك؟ ظننت في البدء أنك أمريكية.
توقف عن الكلام واقترب أكثر من الفتاة. عضلاته القوية يبرزها قميصه الضيق و"غجريته" يدل عليها الشال الاحمر القذر الملفوف حول عنقه . لوأراد فنان رسم متشرد لوجد فيه النموذج الامثل. ارتجفت لين تراودها فكرة الفرار ولكن الغجري لم يدع لها الفرصة لتجد منفذاً . تقدم منها بغتة وأطبق على ذراعها دافعاً إياها إلى مكان كثيف بالاشجار خلال ثوان صارت بين ذراعيه القويتين
صرخت بأعلى صوتها:
_أيها الوحش!
لم يأبه الرجل لكلماتها بل وطوقها ضاحكاًوكأن مقاومتها تزيد من لعبته إثارة .وبينما هو يهم بطرحها أرضاً داس أحدهم على غصن يابس فسمع صوت انكساره عالياً . التفت الرجل وهو مزمجر غضباً لتظهر فتاة غجرية جميلة يتطاير الشرر من عينيها:
_ألم تشبع من أفعالك القبيحة بعد؟ دع الفتاة وشأنها أيها الوقح! ذهلت لين لإطاعة الرجل الشرير أوامر الغجرية من دون نقاش .وما كاد يحرر يدها المليئة بالخدوش حتى أطلقت ساقيها للريح .
جلست لين تفكر في كيفية افلاتها من قبضة الغجري الاسمر . ولحسن حظها وجدت أتوبيساً أقلها إلى الفندق في المدينة . ومن هناك اتصلت هاتفيا بجرار للسيارات فتكفل الميكانيكي باصلاح السيارة وجلبها في اليوم التالي بعد أن تبين أن العطل كان بسيطاً للغاية .
سارعت لين بعد ذلك إلى مغادرة المنطقة . وساهم انتقالها بين الطرقات الجميلة على نسيان الحادثة الاليمة . فاستعادت روحها المرحة ورغبتها في اكتشاف المزيد من أيرلندا .
وصلت إلى منطقة تدعى لاف كوريب حيث وجدت المشاهد رائعة تحبس الانفاس . المراعي الواسعة , البحيرات , الغابات... كلها مناظر خلابة تسحر الالباب , تمتع العين والنفس وترحب بانسان المدينة التعب لينفث في رحابها الهموم. وصلت إلى واد أخضر تبحث عن مكان تمضي فيه ليلتها. ووفقت في العثور على المكان الملائم , مزرعة صغيرة يستقبل أصحابها النزلاء في جناح خاص مقابل مبلغ قليل من المال.
أوصلتها المرأة صاحبة المزرعة إلى غرفتها البسيطة النظيفة . وأطلت لين من من النافذة لتشاهد المنظر الجميل والجبال تكسوها الغابات الكثيفة. ثم لاحظت مدخنة بعيدة في وسط جبل أخضر.
سألت لين المرأة وهي تشير إلى المدخنة :
_أهذا بيت في الجبل؟ أظن أني رأيت مدخنة
_نعم هذا قصر السيد دوغي.
لاحظت الفتاة تغير في نبرة المرأة التي تابعت تقول:
_السيد دوغي هو مالك كل هذه الاراضي , وقد ورثها عن والده الذي كان الحاكم الاقطاعي لمنطقة. بناء فخم به تحيط حدائق رائعة.
_هل يسمح للجمهور بزيارة الحدائق؟
_نعم , الابواب تفتح الزوار يومي الثلاثاء والسبت.
_أود لو سمحت ياسيدتي أن أحجز ليومين.
_أمرك ياآنسة سدلن بامكانك حجزها المدة التي تريدين , فهناك أشياء كثيرة يمكنك القيا بها في هذه المنطقة. باستطاعتك مثلاً , إذا كنت تجيدين ركوب الخيل , استجار جواد من مدرسة الفروسية والتوجه إلى الغابات.
أعجبت لين بهذه الفكرة فهي لا تزال تجيد الفروسية التي تعلمتها أيام الطفولة.
انطلقت لين ظهر السبت صوب حدائق قصر دوغي. وبعد أن سلكت بسيارتها منحدراً وصلت إلى سفح التلة التي تقوم عليها القصور وبدأت بالصعود نحوه إلى أن بلغت سوراً كبيراً في وسطه بوابه مفتوحة يقف بجانبها حارس يرتدي ثياباً أنيقة.
دخلت لين إلى موقف مخصص لسيارات الزوار بعد أن دفعت مبلغاً صغيراً يذهب إلى الاعمال الخيرية.
أخيراً وجدت لين نفسها تتجول في الجنة الساحرة. أينما نظرت وجدت جمالاً وبهاء. ممرات تظللها أشجار سخية. برك ماء صغيرة تغطيها الزنابق. جداول تتدحرج بين الصخور تعلوها جسور خشبية صغيرة مكسوة بالنبات المتسلق تماثيل بديعة وسط نوافير مياه وتشكيلات من أجمل الزهور وأزهارها . توقفت لين مراراً لتقرأ أسماء الاشجار والازهار النادرة , كما قرأت على احدى اللوحات أن شرفات الجهة الجنوبية من القصر صممتها السيدة موريل زوجة الوكنت دوغي حاكم المنطقة قيل القرن التاسع عشر.
وصلت لين خلال تجوالها إلى حديقة مليئة بأشجار الزيزفون وشجيرات أخرى أجنبية. حديقة أقل ما يقال فيها أنها فاتنة جعلت الفتاة تنسى كل شيء وتعتبر أن العالم تقلص كثيراً ليصبح هذا المكان الخلاب الذي لا موطىء قدم فيه لحزن أو لهم . لم تتمكن من كتم شعورها بالحسد تجاه مالكي القصر. وتمنت لوتكون مكانهم.
حان وقت العودة إلى الفندق وتساءلت لين: كيف يتمكن سكان القر من حبس أنفسهم في الداخل عندما تفتح الابواب للزوار؟
فيما هي متوجهة إلى البوابة الرئيسية لاحظت لين مجموعة من
صرخت بأعلى صوتها:
_أيها الوحش!
لم يأبه الرجل لكلماتها بل وطوقها ضاحكاًوكأن مقاومتها تزيد من لعبته إثارة .وبينما هو يهم بطرحها أرضاً داس أحدهم على غصن يابس فسمع صوت انكساره عالياً . التفت الرجل وهو مزمجر غضباً لتظهر فتاة غجرية جميلة يتطاير الشرر من عينيها:
_ألم تشبع من أفعالك القبيحة بعد؟ دع الفتاة وشأنها أيها الوقح! ذهلت لين لإطاعة الرجل الشرير أوامر الغجرية من دون نقاش .وما كاد يحرر يدها المليئة بالخدوش حتى أطلقت ساقيها للريح .
جلست لين تفكر في كيفية افلاتها من قبضة الغجري الاسمر . ولحسن حظها وجدت أتوبيساً أقلها إلى الفندق في المدينة . ومن هناك اتصلت هاتفيا بجرار للسيارات فتكفل الميكانيكي باصلاح السيارة وجلبها في اليوم التالي بعد أن تبين أن العطل كان بسيطاً للغاية .
سارعت لين بعد ذلك إلى مغادرة المنطقة . وساهم انتقالها بين الطرقات الجميلة على نسيان الحادثة الاليمة . فاستعادت روحها المرحة ورغبتها في اكتشاف المزيد من أيرلندا .
وصلت إلى منطقة تدعى لاف كوريب حيث وجدت المشاهد رائعة تحبس الانفاس . المراعي الواسعة , البحيرات , الغابات... كلها مناظر خلابة تسحر الالباب , تمتع العين والنفس وترحب بانسان المدينة التعب لينفث في رحابها الهموم. وصلت إلى واد أخضر تبحث عن مكان تمضي فيه ليلتها. ووفقت في العثور على المكان الملائم , مزرعة صغيرة يستقبل أصحابها النزلاء في جناح خاص مقابل مبلغ قليل من المال.
أوصلتها المرأة صاحبة المزرعة إلى غرفتها البسيطة النظيفة . وأطلت لين من من النافذة لتشاهد المنظر الجميل والجبال تكسوها الغابات الكثيفة. ثم لاحظت مدخنة بعيدة في وسط جبل أخضر.
سألت لين المرأة وهي تشير إلى المدخنة :
_أهذا بيت في الجبل؟ أظن أني رأيت مدخنة
_نعم هذا قصر السيد دوغي.
لاحظت الفتاة تغير في نبرة المرأة التي تابعت تقول:
_السيد دوغي هو مالك كل هذه الاراضي , وقد ورثها عن والده الذي كان الحاكم الاقطاعي لمنطقة. بناء فخم به تحيط حدائق رائعة.
_هل يسمح للجمهور بزيارة الحدائق؟
_نعم , الابواب تفتح الزوار يومي الثلاثاء والسبت.
_أود لو سمحت ياسيدتي أن أحجز ليومين.
_أمرك ياآنسة سدلن بامكانك حجزها المدة التي تريدين , فهناك أشياء كثيرة يمكنك القيا بها في هذه المنطقة. باستطاعتك مثلاً , إذا كنت تجيدين ركوب الخيل , استجار جواد من مدرسة الفروسية والتوجه إلى الغابات.
أعجبت لين بهذه الفكرة فهي لا تزال تجيد الفروسية التي تعلمتها أيام الطفولة.
انطلقت لين ظهر السبت صوب حدائق قصر دوغي. وبعد أن سلكت بسيارتها منحدراً وصلت إلى سفح التلة التي تقوم عليها القصور وبدأت بالصعود نحوه إلى أن بلغت سوراً كبيراً في وسطه بوابه مفتوحة يقف بجانبها حارس يرتدي ثياباً أنيقة.
دخلت لين إلى موقف مخصص لسيارات الزوار بعد أن دفعت مبلغاً صغيراً يذهب إلى الاعمال الخيرية.
أخيراً وجدت لين نفسها تتجول في الجنة الساحرة. أينما نظرت وجدت جمالاً وبهاء. ممرات تظللها أشجار سخية. برك ماء صغيرة تغطيها الزنابق. جداول تتدحرج بين الصخور تعلوها جسور خشبية صغيرة مكسوة بالنبات المتسلق تماثيل بديعة وسط نوافير مياه وتشكيلات من أجمل الزهور وأزهارها . توقفت لين مراراً لتقرأ أسماء الاشجار والازهار النادرة , كما قرأت على احدى اللوحات أن شرفات الجهة الجنوبية من القصر صممتها السيدة موريل زوجة الوكنت دوغي حاكم المنطقة قيل القرن التاسع عشر.
وصلت لين خلال تجوالها إلى حديقة مليئة بأشجار الزيزفون وشجيرات أخرى أجنبية. حديقة أقل ما يقال فيها أنها فاتنة جعلت الفتاة تنسى كل شيء وتعتبر أن العالم تقلص كثيراً ليصبح هذا المكان الخلاب الذي لا موطىء قدم فيه لحزن أو لهم . لم تتمكن من كتم شعورها بالحسد تجاه مالكي القصر. وتمنت لوتكون مكانهم.
حان وقت العودة إلى الفندق وتساءلت لين: كيف يتمكن سكان القر من حبس أنفسهم في الداخل عندما تفتح الابواب للزوار؟
فيما هي متوجهة إلى البوابة الرئيسية لاحظت لين مجموعة من
الزوار ملتفين حول نافذة من نوافذ القصر.تقدمت منهم يدفعها فضول الاكتشاف فسمعت الحوار الدائر بينهم.
قالت سيدة متوسطة العمر:
_هذه اللوحة تمثل والدته.
علقت سيدة أخرى:
_من المؤسف أنها أقدمت على هذا العمل!
_يقال أن علماً أسود رفع على شرفات القصر بعد الحادث.
_وما معنا ذلك؟
_معناه أنها اعتبرت ميتة بالنسبة لعائلتها بعد العار الذي سببته لهم.
_قيل أنها ماتت بعد ذلك بوقت قصير , أليس كذلك؟
_ماتت وهيتضع طفلها.
_وهل تعهد أهلها الطفل؟
_البعض يؤكد ذلك.
_لكنه أصبح مالك القصر وسيد الاراضي الآن برغم كل ماحدث.
_السيد دوغي عثر على هذه اللوحة , وأمر بوضعها هنا لبعيد الاعتبار إلى والدته المنبوذة.
_لها من قصة محزنة! كم يبلغ دوغي من العمر؟
_أعتقد أنه أصبح في الثلاثين.
_هل هو متزوج؟
_لا هناك أشاعات كثيرة عن علاقة تربطه بممثلة سينمائية كبيرة لكنها أخبار ملفقة لا تمت إلى الحديقة بصلة. يقال عنه أنه يؤمن بالحب من أول نظرة. وعندما يجد ضالته المنشودة سيتزوج فوراً.
_أتمنى لو أستطيع رؤيته لأنه كما سمعت , شاب باهر الجمال
_ما يميزه عن غيره من الرجال هو قصته الحزنة.
_ماهي القصة الحقيقية التي وقعت لأمه أنا لاأعرفها كاملة
_يقال أنها هربت مع...
لم تسمع من القصة أكثر من ذلك. لأن المجموعة ابتعدت عنها باتجاهقسم آخر من الحديقة. نظرت من النافذة إلى داخل القصر علقت اللوحة المعنية فرأت رسم امرأة رائعة الجمال ترتدي فستاناً من الحرير الازرق . وعلى بساطته ,لا يخفي وجهها نظرات استقراطية واضحة في العينين الزرقاوين.شفتاها الورديتان ترسمان السعادة والبراءة. من المحزن أنها ماتت عند الولادة.
خرجت لين من الحدائق وهي تفكر بهذه القصة التي لم تتمكن من معرفة كل فصولها . شعرت بفضول لمعرفة الحقيقة وللتعرف إلى صاحب القصر الذي أنقذ لوحة والدته لينقذ شرفها الضائع
في الصباح التلي اشتعد للرحيل. بعد أن سددت الفاتورة ووعدت بالعودة إلى المزرعة في رحلتها المقبلة إلى أيرلندا ,توجهت إلى مدرسة الفروسية حيث تركت السيارة في موقف خاص وترجلت لتستأجر حصاناً قررت أن تقوم بنزهة صغيرة على الحصان قبل ذهابها إلى منطقة جديدة. ووقع اختيارها على فرس قوي.
_هل هو حصان هادىء
أجابت الفتاة المسؤولة عن الاسطبل:
_فونيلا أفضل حصان عندنا.وأنا واثقة من أنك ستفتقدينه كثيراا عندما تنتهين من جولتك.
حدقت الفتاة في لين جيداً وتأملت الوجه الرقيق والشعر الاسود الطويل المعقود بشريط أبيض. كما أعجبت يالقامة الرشيقة وخصوصاً بالساقين الطويلتين والخصر الضامر.لاشك ان لين فتاة جميلة تجذب الرجال وتدير رؤوسهم...
ضحكت لين مسرورة من لانها من تتمكن من الكلام والتفكير بحرية مطلقة في هذا المكان. كأن العالم أصبح ملكها لا ينازعها فيه أحد.
_حسناً ياحصاني الجميل , لنرتح قليلاً هنا.
ربطت الحصان إلى شجرة ووقفت تتأمله يلتهم العشب الطري بنهم.
أجفلت لين عندما سمعت صوتاً غريباً ة وأخذت تحدق حولها لترى مصدر الجلبة. وشعرت بأن احداً يراقبها في هذه الغابة الموحشة. تلفتت فلم تسمع الا خفة ورقة صفراء يحملها النسيم
فجأة سمعت صهيل حصان فاقتربت من فرسها وحلت الحبل بيدين مرتجفتين. وقبل أن تستطيع الانطلاق بالفرس والابتعاد اقترب منها حصان يمتطبه...الغجري الاسمر.
تجمد الدم في عروقها لما رأت الغجري أمامها...كيف إستطاع الوصول إلى هنا من مخيمه البعيد بهذه السرعة؟ لايعقل أن يكون جاء على حصانه لأن المسافة بعيدة إلى حد يجعل ذلك مستحيلاً لابد أنه استعمل وسيلة أخرى. ثم , من أين أتى بهذا الحصان الأصيل الذي لا يمكن أن يملكه غجري فقير؟
رفعت عينيها إلى وجهه , لاحظت أشياء لم تلحظها فيه عندما حاول الاعتداء عليها بعد تعطل سيارتها قرب المخيم. رأت إلى جانب وسامته مسحة أرستقراطية نبيلة وشيئاً من اللباقة والاستعلاء. يده الممسكة باللجام بدت أنعم ,تدل على أنه لم يقم بعمل يدوي في حياته.حتى ثيابه تبدلت , لم يتخل عن قميصه الاسود لكن الشال الأحمر الوسخ إختفى ليحل محله شال آخر نظيف. السروال الممزق تغير ليصبح سروالاً أنيقاً... لاشك أنه سرق الحصان والثياب , ولكن كيف تبدت يداه من يدي متشرد إلى يدي أرستقراطي نبيل؟ وقف الغجري يحدق فيها باستغراب وكأنه فوجىء بوجودها.
حطم جدار الصمت أخيراً بقوله:
_صباح الخير.
أخذت لين تحسب فرص الهرب وجسمها الرقيق يرتعش خوفاً وغضباً نظرت صوب الممر القريب الذي يوصلها إلى مدرسة الفروسية وبخفة لم تعهدها في نفسها من قبل قفزت إلى الحصان والسوط في يدها. انطلقت بسرعة وكي تعاقب الغجري على فعلته وتؤخره عن اللحاق بها ضربته بالسوط على وجهه. وضع الرجل يده على خده الدامي وقد ارتسم على وجهه ذهول كبير.
_تستحق أكثر من ذلك أيها الغجري المتشرد! كيف تجرؤ على التحدث إلي؟ عد إلى قومك ولاتتحرش بالناس المتمدنين!
قالت لين كلماتها هذه وهي منطلقة على حصانها تحثه بضربات خفيفة من قدميها على الاسراع في العدو.أخذت تخترق الغابة بسرعة عمياء وخوفها يتعاظم مع اقتراب صوت حوافر جواده منها. إذا تمكن من اللحاق بها سيقتلها ويرميها في الغابة! إزداد هلعها لهذه الفكرة ولم تعد تدري ما تفعل لتخرج من الورطة المميته. أخذ الحصان يقترب منها أكثر فأكثر وصاح فيها الرجل
_توقفي!
استمرت لين في العدو بأسرع ما يمكنها.لكنها ضلت الطريق بسبب ذعرها الشديد ولم تجد ممر الخروج من الغابة. فصارت تصرخ بأعلى صوتها:
_النجدة! النجدة!
دب التعب في حصانها فخفت سرعته في حين أن حصان الغجري الجبار ما أنفك يدنو منها.
_توقفي وإلا أوقعتك عن الفرس!
تجاهلت الفتاة أوامره باحثة دون جدوى عن وسيلة للإفلات.
_دعني وشأني! أرحل عني. سأبلغ رجال الشرطة...
توسلات وتهديدات لن تجدي نفعاً مع هذا الرجل الشرير.أخيراً صار الغجري بمحاذاتها فبذلت المستحيل للصمود فوق حصانها المرهق.مال الرجل وخطف من يدها اللجام أجبر الفرس على التوقف. ثم نزل عن حصانه وأنزل لين عن حصانها.شعرت الفتاة أنها سجينة نظراته الغاضبة ووقفت عاجزة عن الحراك.
رفع الغجري يده إلى خده الدامي يتحسس الجرح العميق الذي سببته ضربة السوط.
_هل هو حصانك؟
_لا , إستأجرته من مدرسة الفروسية.
هز الرجل رأسه وكأنه يعرف المدرسة. ثم أخذ يحدق في الفتاة لثوان مرت ثقيلة كأنها الدهر قبل أن يقول:
_لا خوف على الحصان. إنه يعرف طريق العودة إلى الاسطبل.
وضرب فونيلا ضربتين خفيفتين فبدأ بالعدو حتى إختفى عن نظر لين بعد قليل.
_من أين أنت؟
أنا إنجليزية وجئت إلى أيرلندا لأمضي إجازتي السنوية... أنزل في مزرعة قريبة من هنا.
هز الرجل رأسه كأنه يعرف المزرعة كذلك.
_تماماً , أنا أجوب البلاد بسيارتي التي تركتها في موقف قريب من الاسطبل
واصل طرح الأسئلة , وواصلت لين الاجابة دون أن تدري مدى الخطأ في إعطائه معلومات يجب أن لاتطلعه عليها. ولم تع ذلك إلا عندما سمعته يقول:
_أنتً وحدكِ هنا...
وعندما سألها لماذا ضربته بالسوط أجابت لين وفي صوتها نبرة الازدراء:
_لأنك وجنسك حثالة المجتمع ورعاع القوم!
سرعان ماندمت لتهورها وطيشها إذ رأت في عيني الرجل عاصفة من الغضب ونية على ارتكاب عمل شرير. اقترب منها وزمجر:
_حثالة المجتمع ورعاع القوم؟ ستدفعين ثمن كلماتك غالياً.
وبسرعة حملها في قوة ورمى بها على ظهر الحصان , ثم قفز خلفها وانطلق مسرعاً نحو عمق الغابة.
تساءلت لين عما ينوي الغجري فعله بها لاكنها لم تفلح في تصوير مصيرها يعزز ذلك غضب أقرب إلى الجنون سيسيطر على خاطفها.
إزداد الحصان توغلاً في الغابة ولين تكاد تصاب الاغماء , والرجل ملتصق بها تحس بنفسه يلفح عنقها وهو يقود الحصان بسرعة كبيرة. أخذت ترتعد كورقة خريفية وهي تسأل نفسها عما فعلته لتستحق هذه النهاية السوداء. أخيراً قرر الرجل التنازل عن صمته فأعلن:
_نحن ذاهبان إلى المخيم.
_المخيم.. أي مخيم هذا؟
قهقه الغجري عالياً يتلذذ بخوفها وأجاب:
_ألا تعلمين أن الغجر يعيشون في مخيمات؟
_ستندم أيها الحقير على عملك لأن رجال الشرطة سوف يرمون بك في السجن!
كانت تعلم في قرارة نفسها أن كلامها لا يرهب الرجل , فالغجر"محترفون" في الخروج عن القانون. ولايهابون السلطة. القانون الوحيد الذي يحترمونه هو أن الغاية تبرر الوسيلة.وأن مصلحة القبيلة يجب أن تكون الأهم بغض النظر عن أي إعتبار.واصلت لين بالرغم من ذلك تهديدها لعلها تنجح في العثور على نقطة ضعف في الغجري:
_تكون أحمق إذا اعتقدت أن بامكانك الافلات من قبضة العدالة.
الاختطاف جرينة يعاقب عليها القانون بشدة!
لم يعلق الرجل بشيء وظلا صامتين حتى وصلا إلى المخيم حيث انتشرت عربات كثيرة.نظرت لين إلى الوجوه التي تنظر إليها فلم تتعرف أحد من الذين رأتهم عندما تعطلت سيارتها. كما لم تجد تلك الفتاة التي أنقظتها يومها من الغجري لعلها تعيد الكرة الآن.
تعالت صيحات الترحيب بالغجري:
_أهلاً بك يا رادولف!
_ماهذه الغيبة الطويلة؟
_أخيراً عدت إلينا
نشأ لدى لين انطباع بأن الغجري لاينتمي إلى مخيم معين. وتأكدت من أن هذا المكان ليس المكان نفسه الذي شاهدته.
تقدم من الغجري رجل كهل وقال:
_رادولف , ليس من عادتك...
اسكته باشارة من يده, ولكن الكهل تابع:
_ماذا حدث لوجهك؟الدماء تسيل منه بغزارة!
عندما رأت لين الجميع يلتفون حول رادولف وعلامات التعجب بادية على وجوههم. سمعت بعض الكلمات الانجليزية لكن معظم الكلام كان باللغة الغجرية التي تجهلها. أوضح رادولف الامر لقومه بلغتهم ونظراته المليئة بالحقد تصب نارها على الفتاة المصابة بذهول مطبق.أمسك بخصرها وأنزلها عن الحصان فتعالت ضحكات من حولها, وكأن القوم يستعدون لمرح ولإثارة توفرها لهم ضحية جديدة يتسلون بها...
زادت الدماء المتجمدة على وجه رادولف من رهبة شكله, وجعلته يبدو مجرماً أكثر وأكثر. أيمكن أن تتوقع رحمة من إنسان كهذا لايهتم إلا بإرضاء غرائزه, لايعرف المثل والمبادىء التي تؤمن بها المجتمعات المتحضرة؟ حاولت الفتاة ألا تفكر بما ينتظرها, لكن الرؤى السوداء كانت تغلف ذهنها كغمامة داكنة. تمنت لو أنها تموت! فالموت أرحم من العذاب القابع وراء الساعات المقبلة... تمنت لو أن يدي رادولف الجبارتين تلتفان حول عنقها الغض وتعصران منه آخر قطرة حياة...
انصرف رادولف إلى حديث طويل مع الرجل الكهل. سمعتهما لين يتلفظان ببعض الاسماء:أولاف,بوريل وغيرهما. ولكنها لاتعلم ما إذا كانبوريل اسماً لأمرأة أور لرجل. حدقت الفتاة في وجه رادولف لتجد الاضطراب والقلق الشديدين بادين عليه. في حين كان أولاف يتنهد من وقت إلى آخر ويزم شفتيه بامتعاض. ماهو الحديث المهم الدائر بين الرجلين؟سؤال لا يمكنها أن تجيب عليه عليه قبل أن تفهم هؤلاء القوم.
بعد ذلك بدأ القوم يوجهون الاسئلة إلى رادولف فيجيب عليها باقتضاب, والأولاد الحفاة ذوي الثياب البالية يحملقون في ثيابه النظيفة والأنيقة بانبهار.
نظر رادولف إلى لين فعاد إلى عينيه لمعان الشر. وبلمح البصر حملها بين يديه وسط ضحكات الجميع إلى عربة أرشده أولاف. صاحت لين في الغجر:
_هذا الرجل خطفني! ستحاكمون جميعكم إن لم تساعدوني!
نظرت حولها تبحث عن أحدهم يتعاطف معها فلم تقع إلا على وجوه ضاحكة ونظرات ساخرة. لا أمل إذن بأن يساعدها أحدهم فالجميع وحدة متماسكة ولافراد يتعاونون حتى على أعمال الشر.
ادخلها رادولف إلى العربة ثم خرج بسرعة بعد أن أغلق الباب بعنف.في هذه العربة, لن يتدخل أحد لانقاذها. عليها أن تواجهه وحدها الرجل الذي يبدو زعيماً أو ملكاً على قومه يذعنون لمشيئته بدون نقاش. اغرورقت عيناها بالدموع فساعة العقاب حلت. شرعت تبحث في العربة عن وسيلة للخروج من سجنها الصغير.مكان قذر فيه أريكة وطاولة مستديرة مع بعض الكراسي العتيقة. في الطرف الآخر سرير ضيق, وعلى الخزانة كتب قديمة ووضع مصباح زيتي يغطيه غبار سميك. كأن أحداً لم يشغل هذه العربة منذ وقت طويل فالقذارة المنتشرة في أرضها وعلى محتوياتها لاتوصف.
في خلدها تدور أسئلة كثيرة. من هو رادولف بالحقيقة؟ من هو بوريل الذي تحدث رادولف وأولاف عنه بكثير من الجدية؟ لكن الؤال الاكثر أهمية والحاحاً يبقة: ماذا سيكون مصيرها؟


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-06-16, 06:38 PM   #3

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الغجري وأنا
دخلت لين إلى زاوية صغيرة في العربة يفترض أنها مطبخ. كانت فيه مغسلة قذرة وفرن صدىء قديم يعمل بالغاز. لم تتمكن الفتاة من تحمل الرائحة التي تدعو إلى الغثيان. ولما همت بالخروج سمعت أصواتاً قريبة في الخارج. أطلت من النافذة الضيقة فرأت رادولف وأولاف يتحدثان وحيدين بالانجليزية فربضت لين تحت النافذة من دون أن تدع رأسها يطل وأخذت تسترق السمع.
_ أعرف أن الامر يقلقك لكنه حر في اختيار طريق حياته.
_ لا تقنعني أنك محق في سلوك هذا الطريق!
_ أوافق معك والدليل أني بحثت عنه كثيراً كما طليت مني، لكنه مراوغ كبير ولايهدأ في مكان.
_ أعلم ذلك يا أولاف وإلا لما كنت رأيتني هنا، فقد أخبرني أيفور أنه في هذا المخيم.
_ كنت قادماً إلى هنا إذن عندما خطفت الفتاة؟
_ بالطبع، وإلا لما...
_ ماذا تنوي أن تفعل بها يارادولف؟
_ سأجعلها تدفع الثمن غالياً لضربي بالسوط ولوصفها إياي بالغجري المتشرد ، حثالة المجتمع.
_ أعذرها يارادولف ، فالناس يملكون أفكاراً خاطئة عن الغجر.
_ أنا لا أعذر أحداً يجرؤ على إهانتي!
_ لكنها تبدو فتاة طيبة فلا تحطم حياتها.
تكلم الغجري الشاب بكل تصميم وجدية:
_ اسمع ياصديقي ، أنا أنوي أن أنال منها التعويض المناسب عن إهانتي ، فإذا لم تتمكن من تحمل ذلك لن يكون ذنبي.
أدركت لين من لهجته القاسية أن الرجل ليس مستعداً للعودة عن قراره وأنه ينصاع لغرائزه ضارباً عرض الحائط كل العبارات. حاول أولاف من جديد أن يثنيه عن عزمه:
وأنت تعلم أن الاختطاف جريمة خطيرة يعاقب عليها القانون بصرامة. عليك أن تفكر بوضعك الخاص يا صديقي فنحن بغنى عن المشاكل. ظننت أن الايام كانت كفيلة بتهدئة طباعك الحادة بعض الشيء وبتعليمك كيف تكبح جماح أعصابك:
تساءلت لين عن الوضع الخاص الذي تكلم عنه الغجري الكهل. أيعني به أن رادولف "ملك" الغجر في أيرلندا؟ تفسير معقول قد يوضح كلمة الوضع الخاص والاحترام الذي أظهره هؤلاء القوم للرجل ، كما يوضح كذلك عدم استقراره في مخيم واحد وتنقله المستمر من منطقة إلى أخرى.
_أتعتقد أني خائف من العقاب يا أولاف؟ ألا تعلم أني لا أحسب حساب النتائج عندما أقرر الاقدام على خطوة أنا مقتنع بها؟
فهمت الفتاة من كلماته أنه معتاد على هذه الاعمال وأن خبرته فيها طويلة بحيث لا يخاف الوقوع في أيدي العدالة. لكن أولاف ما يزال قلقاً. ولم يشارك صديقه مرحه إذ قال بكل جدية:
_ أحس بنفسي مسؤلاً لأني كنت أعلم منذ البدء...
قاطعه رادولف مطيباً خاطره:
_ أشكر تفهمك يا عزيزي.
صمت الكهل قليلاً ثو واصل محاولاً اقناع صديقه الشاب:
_ ولكني آسف للفتاة المسكينة.
_ لا أدع للأسف لأنها أصلت نفسها إلى هنا بحماقتها!
_ هي انجليزية أليس كذلك؟
_ تماماً.
_ إذن لابد أن يكون أحد ما قد بدأ البحث عنها. عائلتها ربما...
_ غير ممكن يا أولاف فالفتاة وحيدة هنا.
_ من قال ذلك.
_قالت لي بأنها تمضي أجازتها في أيرلندا وتجوب البلاد وحيدة بسيارتها.
_ اسمع يا رادولف ، تبريراتك لا تقنعني بصحة عملك.
_ لن أتراجع عن خطوتي أبداً.
_ ولكنك ستوقع نفسك في مشكلة كبيررة.
_ لا تقلق ياصديقي. لن يبحث عنه أحد إذ يفترض أنها تركت الفندق الذي كانت تقيم فيه واتجهت إلى منطقة جديدة.
_ ولكن أين السيارة التي تكلمت عنها؟
أخبره رادولف بكل التفاصيل وبأن السيارة مفتوحة والمفاتيح ما تزال بداخلها. عندها فقط أدركت لين أنها أخطأت عندما صرحت للرجل بحماقة لامثيل لها بكل ما يسهل له اتمام جريمته.
إبتعد الرجلان قليلاً فلم تعد الفتاة تتمكن من سماع بقية الحديث ولكنها استطاعت التقاط جوهره.
_ عليك احضار سيارتها بأسرع ما يمكن يا أولاف كي لا تبدأ الشكوك تحوم حول وجودها في الموقف.
تلاشت الاصوات إذ ابتعدا كثيراً عن النافذة.ففشلت لين مرة جديدة في اكتشاف اللغز التي بدأت تشعر بوجوده في حياة هذا الغجري الذي ظهر من العدم ليقلب حياتها.
ماذا سيفعل الآن بالسيارة؟ لكم كانت غبية عندما أطلعته على كل شيء. لو لم تفعل لكان أحدهم لاحظ بقاؤها الطويل في الموقف ولأبلغ الشرطة بالامر. ولكن لايمكن أن تضيع آثار لين لمدة طويلة. فمن المحتم أن يفتقدها زملاؤها عندما تنتهي أجازتها وتقتضي عودتها إلى العمل؟ كما سيفتقدها صاحب البيت عند استحقاق ايجار شقتها الشهري.سيأتي من ينقذها من قبضة الغجري عاجلاً أم آجلاً. لكن المقلق أن هذا الرجل يملك ثقة كبيرة بنفسه تجعلها تخاف من أن يتدبر الامر بشكل محكم ينجو فيه من أي عقاب على جريمته النكراء.
أين هو الآن؟ غيابه يزيد من قلقها وتوترها.كم يمارس هذا الرجل لعبة الحرب النفسية ببراعة!آه لويستطيع أولاف اقناعه بالافراج عنها!أمنية بددتها أصوات ثرثرة في الخارج باللغة الخجرية شعرت لين من دون أن تفهم شيئةاً أنها موجهة إليها.بدأ قلبها يخفق بقوة وأحست أن جسمها مشلول وعقلها لا يفكر.صار كل كيانها منصباً على اللحظات الزاحفة ببطء ، تحمل في كل ثانية جبالاً من القلق والخوف. متى سيأتي رادولف؟ وماذا سيفعل عندها؟ كم كانت متهورة عندما ضربته بالسوط !لكن الطريقة الهادئة التي حياها بها في الغابة وكأنه يراها للمرة الاولى أججت في صدرها نار الغضب. كيف استطاع مواجهتها بكل هذا الهدوء بعد الحادثة الاولى قرب المخيم؟ استحق الضرب وان تكن النتيجة وجودها هنا شجينة رجل شرير ينوي ايذائها ، وبين أناس لم يسمعوا بالشفقة ووخز الضمير. من سينقذها من المصير الذي أعده ويعده لها خاطفها؟
جن جنونها بعد تحليلها للموقف. فتح الباب ، ثم أخذت تدق بيديها عليه وهي تعلم أن عملها لن يجدي نفعاً. لكن اليأس دفعها إلى هذه المحاولة الفاشلة.انهارت وسقطت على الارض تجهش بابكاء في حين تعالت في الخارج قهقهات الغجر المتلذذين بعذابها ومعاناتها.
أخذت لين تدور في الغرفة ، تقيسها طولاً وعرضاً. تجلس على كنبة لترتمي على السرير... تسمرت السجينة في مكانها إذ سمعت وقع خطوات قريبة واستقرت عيناها على مقبض الباب تنتظر في هلع. أدير المفتاح في القفل ودخل رادولف. رماها بنظرة عدم اكتراث وأقفل الباب وراءه.
_ حسناً ياصغيرتي ، وصلنا إلى ختام المسرحية.
ابتسم هازئاً وتحسس الجرح في خده. ارتجفت لين عندما رأت عمق الجرح الذي سببته للرجل لأنها لم تأذي أحداً في حياتها من قبل. لكن وقاحة الغجري دفعتها إلى اللجوء إلى العنف معه.
أصبحت لهجة رادولف آمرة عندما تكلم من جديد:
_ تعالي إلى هنا لتفذي العقاب على وصفك لي بحثالة المجتمع.
وصاح فيها بعنف:
_تعالي إلى هنا!
زاد جرحه احمراراً بسبب الغضب ولم تجد لين بداً من الاذعان لمشيئته خوفاً من بطشه. أمسك بمعصمها وشدها إليه بقوة بالغة حتى كاد أن يحطم عظامها. لم تستلم الفتاة له بل أخذت بل أخذت تقاوم بكل ما أوتيت من قوة فيما هو يقهقه عالياً ساخراً من مقاومتها. صرخت لين من الألم عندما أطبق بيده الفولاذية على شعرها وأرغمها على رفع وجهها إلى عينيه الغامضتين. وبوحشية فائقة أخذ رادولف يهزها بقوة في غضب فيما الدموع تنهمر من عينيها سيولاً. حتى أنها عندما نظرت إليه رأت الصورة مشوشة كأنها أمام شبح لا أما إنسان من لحم ودم. وما زادها حيرة وتعجباً إخراجه منديلاً من جيبه ليمسح دموعها بكل رقة وحنان!
_ لقد أصبحت الآن أكثر وداعية ولكن أقل إهانة ووحشية.
نظرت إلى الرجل بارتباك. وجه جامد كأنه محفور في الصخر. نظرات باردة لاتنم عن أية إحساس. ماذا يدور في خلده؟ ماذا وراء هذه الملامح الهادئة؟
_ أعندك شيء تقولينه قبل أن أنفذ إنتقامي منكِ كاملاً؟ كنت أنوي أن أستعمل السلاح نفسه.
أشار رادولف إلى السوط المرمي على الارض وتابع:
_ لكن آثار الجروح تفسد جمال وجهك. لذلك طرحت فكرة جلدك جانباً واستعضت عنها بطريقة إنتقامية أخرى ممتعة.
رأت لين في إبتسامته سخرية لا متناهية وفي عينيه علامة الانتصار. وفي الوقت نفسه أدركت أنها أخطأت عندما أهانته وأنه لن يغفر لها ذلك. لقد وصفت الغجر بحثالة المجتمع ورعاع القوم ورادولف مصمم على جعلها تدفع ثمن ذلك غالياً.
كرر الغجري سؤاله:
_ أعندك شيء تقولينه قبل أن أنفذ إنتقامي منكِ كاملاً؟
وجدت الفتاة صعوبة في نطق الكلمات:
_ أتريدني أن أطلب منك الرحمة؟
_ مع الاسف الشديد لن يجدي استجداؤك نفعاً لأني لست الشخص المتسامح.
ابتعدت لين إلى الوراء ونظرت من النافذة فرأت أولاف يبتعد على الحصان ومعه يتلاشى أملها في المساعدة...قالت لمختطفها بصوت متهدج تخنقه الدموع:
_ لن تنجو بفعلتك. عندما أخرج من هنا سأذهب فوراً إلى الشرطة.
علق رادولف وهو ينظر إلى وجهه المجروح في المرآة:
_ الحديث عن الخروج سابق لأوانه يا عزيزتي فأنتِ جميلة ولن أترككِ تفلتين.
تبسم هازئاً وأضاف:
_ ربما لن تخرجي من هنا أبداً.
لم تتمكن لين من استيعاب هذه الفكرة وتصورت نفسها سجينة هذه العربة بقية حياتها...
_ ماذا... ماذا تنوي أن تفعل لي؟
رفع حاجبيه وأجاب:
_ لا تتظاهري بأنكِ لاتعلمين ما سأفعل بك!
علت الحمرة وجه الفتاة خجلاً فأوضحت:
_ أعني ماذا ستفعل بي بعد أن تنتقم مني كما تريد؟
توقف ووضعت يدها على قلبها الخافق بشدة ثم أضافت بهلع:
_ هل تنوي أن تقتلني؟
هز رادولف رأسه ضاحكاً:
_ أقتلك؟ خسارة أن يموت هذا الجمال. لا ، لن أقتلك لأني لا أريدك جثة هامدة بل إمرأة تضج بالحياة.
أنساها الغضب خوفاً فانفجرت:
_ اسمع يا حضرة الغجري. قد
أكون تحت رحمتك لكن لا تتوقع مني أي سكوت لأنك لاتستطيع أن تمتلك روحي!
_سنرى يا عزيزتي ، فلندع ذلك للوقت.
أخذ يداعب شعرها فانتفضت وأنشبت أظافرها في وجهه مسببة له نزفاً جديداً جداً من الجرح.
ولكنها ما لبثت أن ندمت على ذلك لأن الغضب أعماه فكاد يخنقها:
_ سأعلمك الآن كيف يعامل رعاع القوم نساءه أيتها السيدة الانجليزية المتحضرة.
توسلت إليه وهي تحاول لملمة قميصها الممزق:
_ أرجوك ارحمني! أعتذر.
أكمل رادولف على ما تبقى من قميصها ووقف يحدق فيها بعيني شقى شرير|
_الاعتذار لا ينفع يا حلوتي. أما الدرس الذي سألقنك إياه الآن فنافع جداً!
حملها بين يديه كدمية. حاولت لين أن توقظ فيه الرأفة فلم تجد إلا الرغبة في الانتقام.
رادولف المنتصر في هذه المعركة ، المنتقم الساخط الذي سيغلب على أية محاولة تبديها للمقاومة. أخذ يضحك البقية الباقية من ملابسها ، فحاولت ستر نفسها بغطاء السرير.
غشاها الخزي والعاروتمنت لو أن يد الموت تمتد لتنقذها من مرارة هذه اللحظات المشينة.
_مارأيك يا حلوتي بهذا التعذيب البطيء! أعتقد أنكِ لم تتوقعي ذلك أبداً عندما ضربتني بالسوط على وجهي ، أليس كذلك؟
_ أكرهك ، أكرهك... سأقتلك يوماً.
_ ستكرهينني أكثر يا حلوتي. ستكرهين الغجري المتشرد وسوف تستنجدين منه الرحمة!
استشفت لين من صوته مرارة إلى جانب الغضب. كأن الرجل يغار كثيراً على سمعة بني قومه ولا يتحمل أية إهانة توجه إليهم.
_آن الآن ياحلوتي ليبدأ الانتقام الممتع.
أغمضت لين عينيها وبكت بمرارة مستسلمة لقدرها المحتوم.


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-06-16, 06:40 PM   #4

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

3- بصيص أمل
تزايد الضجيج في الخارج وطرق أحدهم الباب فأفاقت لين من ذهولها ولاح لها أمل جديد.
وقبل أن يفتح الباب سمع الرجال في الخارج يرددون أغنية غجرية فانفجر ضاحكاً. تقدمت امرأتان من مدخل العربة فغرقت لين في أغطية السرير محاولة إخفاء نفسها والخجل يغمرها. تبادل رادولف بعد الكلمات مع المرأتين ورمى أحد الملتفين إلى لين فستاناً زاهياً. فوقف رادولف يفكر وينظر إلى الفستان بينما كانت الفتاة تحاول جاهدة فهم ما يجري. ماذا يخطط لها هؤلاء القوم؟
ألا يكفيها شر خاطفها وحده لتتحمل الآن شرور الآخرين؟
أخيراً نطق رادولف:
_ ولم لا؟
سألته الفتاة والخوف يعصر قلبها ويمحو بقية الامل الذي لمحته بعد أن سمعت الطرق على الباب:
_ ما الأمر؟
وأردفت بنبرة شبه هستيرية:
_ قل لي ما الأمر!
_ القوم يطالبوني بالزواج. أليس مضحكاً أن فرداً من حثالة المجتمع أن يتزوج فتاة من نخبة المجتمع! وجدت أنهم على حق فقد آن الأوان لأتخذ لنفسي امرأة.
ثم أضاف بعد أن نظر إلى الفستانك
- احضروا لكِ فستان العرس ، ارتديه!
امتقع وجه لين وصاحت في غضب باكية:
_لا! لايمكن لأحد أن يجبرني على الزواج
أمسكت بالفستان ورمته في وجه الواقفين على الباب ثم صرخت:
_ ارحلوا وخذو هذه القذارة معكم!
انحنى رادولف ليلتقط الفستان وباشارة واحدة من يده أبعد قومه الملتفين ونوايا الشر في أعينهم بعد أن أهانتهم العروس العنيدة. ثم أغلق الباب بعنف واقترب من السرير مهدداً متوعداً.
_ ارتدي الفستان
مررت لين لسانها على شفتيها الجافتين وشرعت في محاولة تضليل للتهرب من شرك الزواج.
_ ولو أنني كنت متزوجة؟
نظر إلى يدها اليسرى ليرى ما إذا كان في اصبعها خاتم زواج.
_لا أعتقد أنكِ متزوجة. ارتدي الفستان إلا إذا كنتِ تريدين أن أفعل ذلك بنفسي.
أخذ عقل الفتاة يعمل بسرغة فوجدت أن في الاذعان لمشيئته والخروج من هذه الغرفة فرصة للحصول على مساعدة أحد والخلاص من قبضة خاطفها. فقالت له وعلى جبينها علامة الرضوخ:
_ حسناً ، لاخيار لي إلا بقبول الزواج. وعلى كل حال يظل الزواج أفضل من ...
أكمل الغجري الجملة ضاحكاً:
_ أفضل انتقامي البشع؟
_هلا تفضلت بالخروج لأغير ملابسي؟
_ ولماذا تخجلين من زوجك؟
_ أنت لم تصبح زوجي.
كان عقلها مايزال يفتش عن وسيلة للخلاص. كم هي المسافة بين المخيم والطريق العام؟
وهل يسمعها أحد إذا صرخت مستغيثة؟
نفذ صبر رادولف من الانتظارفقال:
_ لقد نفذ صبري لاداع للخجل! انهضي من السرير وارتدي ثوب العرس.
نهض الرجل من كرسيه غاضباً فقالت له باذعان وخوف:
_ أرجوك عد إلى كرسيك سأنفذ مشيئتك.
جلس الغجري في حين أنها وجدت صعوبة بالغة في التحرك أمام هذا الرجل الخبيث ، الوقح ، الذي سبب لها إذلالاً ما بعده إذلال. وعلى الرغم من صعوبة الموقف لمحت الفتاة في عيني خاطفها بريقاً مختلفاً عن الشر والسوء ، رأت ما يشبه الاعجاب!
كان الفستان طويلاً ، ولحسن الحظ ، نظيفاً.
وقفت لين أمام رادولف الذي أمسك بيديها وقال:
مارأيك. أليس الفستان جميلاً؟
ثم انتبه إلى أمر تافه بالنسبة إليه فسألها:
_ على فكرة ما اسمك؟
وجدت لين في غرابة الموقف ما يضحك. العريس يسأل عن اسم عروسه قبل دقائق من الزواج!
_ اسمي...لين.
_اسم جميل. لين ماذا؟
_لين سلدون.
_ تعرفين اسمي على ما أعتقد.
_ لست بحاجة لأن أعرفه لأني لن أناديك على الاطلاق.
_أول أمر على المرأة الغجرية أن تعلمه هو الطاعة العمياء لزوجها ستعتادين على ذلك تدريجياً ، أما الآن فهيا لأن القوم بانتظارنا.
في الخارج ، نظرت لين إلى الطريق فتنفست الصعداء لأنه ليس بعيداً جداً عن المخيم. لربما تمكنت من الافلات أو لفت انتباه أحد يمر بسيارته فيأتي لانقاذها. لكن رادولف وقومه يعلمون نواياها ، لذلك وجدته يحيطون بها بشكل لايدع مجالاً لأية محاولة للفرار
بدأ الرجل المختص باتمام المراسم الشكلية الخاصة بالزواج عند الغجر ، والتي لم تفهم منها لين شيئاً. وقفت تراقب بصمت المشاهد الغريبة التي تمر أمامها كأنها مجرد متفرج لا علاقة له بما يجري.هل هذا الزواج شرعي؟ ولكن أمر الزواج لم يعد مهماً إزاء تصميمها النهائي على الفرار مهما كانت الصعاب ومهما كلفها ذلك من تضحيات. زادها تصميمها شجاعة وإيماناً بالخلاص.
_ صحت فجأة من شرودها على صوت زوجها الغجري رادولف:
_ تعالي يازوجتي ، سيصتحبنا المحتفلون الآن إلى عشنا الزوجي.
أخذ الرجل يضحك بينما كانت لين تبكي. وضعت يدها خلف ظهرها عندما حاول زوجها وضع يدها في يده مما أثار ضحك الجميع. لكن الغريب في الامر أن خوفها تحول إلى غضب بارد وتصميم على الانتقام .
أمسك رادولف بيدها وصفعها عليه بنعومة كأنه يمازحها. ثم رافقهما الجميع إلى العربة وكان البعض يرقصون ويغنون إحتفالاً "بالمناسبة السعيدة" فقد تخلى الزعيم أخيراً عن العزوبية.
أفاقت لين على أشعة الشمس المتسللة من بين الستائر تداعب عينيها. تدافعت الصور في مخيلتها ، صور الاهانة والاذلال.تمنت لو لم تقاوم بشراسة وتنعت زوجها بالغجري القذر. فلربما كان عاملها بشكل أقل شراسة مما فعل. لقد سببت بتصرفها الأخرق غضبه فكان عليها بالتالي تحمل النتائج.
كان رادولف مصمماً على إذلالها ، فلما حاولت إقافه وهي تعلم أن ماقامت به عقيم لايفيد مع هذا الشخص؟ لكن عدم إستسلمها أعطاها قدراً من الثقة بالنفس سوف يجعلها تصمد أمام ماينتظرها من صعوبات ومشاق.
جلست تنظر إلى الشخص النائم إلى جانبها. عيناه المغمضتان كعيني بريء ينام بين أحضان أمه. يلا تناقض وحشيته مع هذه القسمات الهادئة! رغبت لين بصفع لكونه يتمكن من النوم هكذا بعد كل ما سبب لها البارحة من إذلال. تحرك الرجل أخيراً وفتح عينيه يحدق حوله وكأنه لايعرف أين هو ومع من.
_ صباح الخير يازوجتي العزيزة. ارجو أن تكوني قد نمتِ جيداً.
لم تنتظر لين طويلاً حتى بادرته بالسؤال:
_ قل لي ماذا سنفعل الآن. هل ستبقيني هنا لأعيش مع هؤلاء القوم
_ وأين تريدين العيش؟ الزوجات يسكن عادة مع أزواجهن.
_لكني لن أجد شيئاً أفعله هنا.
_ في القت الحاضر ستهتمين بزوجك.
_ ماذا تعني بالوقت الحاضر؟
_ أعني حتى نبدأ بانجاب الاولاد. والغجر ينجبونهم بكثرة كما لاحظت.
امتقع وجه لين وهي تحلل الفكرة الجديدة التي إن تحققت ستتعقد أمور حياتها إلى الأبد.
_ أتمنى ألا أنجب أي ولد منك!
تكلم رادولف نبرة فاجأت زوجته لما غلفها من ألم وحسرة:
_ ستنجبين أولاداً لأني كباقي الرجال أرغب بوجود وريث لي.
_وريث؟ وماذا تملك لتعطي وريثك هذه العربة الحقيرة؟
_ دعيني أقدم لكِ نصيحة غالية يا لين . لاتغضبيني بعد الآن وإلا ندمتِ على ذلك حيث لا ينفع الندم. وأحذرك أ،كَ لم تري الاسوأ بعد!
تمتمت الزوجة البائسة:
_ كان الله في عوني...
رمقها الغجري بنظرة ثاقبة وقال:
_ تماماً. وخلافاً لما تعتقدين ، أنا أمتلك الكثير لأقدمه إلى وريثي.
_ طبعاً فأنت تمتلك هذه العربة القذرة ، وسمعتك السيئة...
لم تتمكن لين من التابعة إذ أخرسها الألم عندم أطبق رادولف بقبضته الحديدية على ذراعها.
_ لاتعتبري مسألة فقري مسلماً بها ولاتحاولي تخمين ممتلكاتي’
زاد من شدة قبضة يده وأضاف:
_ يبدو أن علي تأديبك يا امرأة...
تحررت لين من قبضته وقامت من السرير. لكن رادولف كان أسرع منها فشدها إليه بعنف وإستسلمت بعد مقاومة يائسة لإصراره بعد حوالي الساعة جلسا إلى الطاولة لتناول طعام الفطور. لم يكن رادولف مهتماً بالاكل بقدر ماصب إهتمامه على مراقبة زوجته متلذذاً بمعاناتها.
سألها ويهو يتحسس الجرح في خده.
_ هل ندمتِ على فعلتك هذه؟
_ استحقيت الضرب وأنت تعلم ذلك.
_ استحقيته؟
بدا رادولف مذهولاً فتساءلت لين ما إذاكان قد نسي أنه هاجمها عندما تعطلت سيارتها قرب المخيم.
_ أنسيت عندما حاول الغجري الحقير...
لم يدعها رادولف تكمل إذ قلب المائدة وهب من كرسيه يعميه الغضب.
فتراجعت لين خائفة حتى التصقت بحائط العربة وهي تلوم لسانها الطويل الذي أثار أعصابه.
تقدم منها الرجل مزمجراً:
_ ستعتذرين على هذه الاهانة! وستعتذرين بكل تذلل وضعة.
حدقت لين مشدوهة في هذا الوجه الشرير وهي لاتكاد تصدق أن كل هذا الحقد يمكن أن يتجمع في إنسان واحد. لما وجدها ساكنة جذبها الغجري إليه وأخذ يهزها بقوة كدمية صغيرة حتى كادت تصاب بالاغماء. أخيراً ، قال وهو يعض على أسنانه:
_ أنا أنتظر الاعتذار!
_ لم تدع لين الفرصة تفلت من يدها فقالت في هلع وذل:
_ أعتذر على مافعلته...
توقف فجأة تخنك صوتها الدموع المنهمرة من عينيها بغزارة. الرجل كان يستحق الضرب وإلا لما فعلت لين ذلك ، وعلى الرغم من صواب موقفها فقد أجبرها على الاعتذار صاغرة على أشياء قالتها عن إقتناع تام.
رفعت عينيها إلى وجهه القاتم ، إلى الملامح المتفاعلة التي تكسبه تفوقاً ومهابة. من يراه يظنه أحد النبلاء ولايمكن أن يشك أنه غجري شرير. غجري يبدو ارستقراطي متعجرف... أمر محير فعلاً.
_ أظهرت تعقلاً في الاعتذار يا حلوتي ، لأن أي كلمة مهينة كانت ستكلفكِ شهر نقاهة!
حرر كتفيها ونظر إلى الطاولة المقلوبة وإلى الاطعمة والصحون المتناثرة على الارض. اقشعر بدن لين من القذارة الطاغية على هذه العربة. أمرها رادولف بالتقاط كل ما تناثر على الارض فلم تجد بداً من الاذعان له فيما هو جالس على الاريكة يراقب ماتفعل.
بعد قليل أبلغها رادولف أنه سيغيب طوال النهار.
_ إلى أين ستذهب؟
_ هذا ليس من شأنك. كما أحب أن أذكرك بأن لاتحاولي الفرار لأن العربة ستكون مراقبة من جميع الجهات.
وناظراً حوله:
_ أريد أن أجد كل شيء مرتباً ونظيفاً عندما أعود. إلا إذا أحببتِ أن أذيقك طعم العنف!
كانت لين تعلم أنه لايمزح وأنه على استعداد لضربها فلم تجب على تهديداته.
لم يكن عملها بسيطاً البتة فالعربة قذرة فعلاً وتحتاج إلى أيام لتصبح نظيفة. بدأت أولاً بتنظيف الاثاث بقطعة قماش وجدتها في الدولاب القذر. المرحلة الثانية كانت تنظيف أرض العربة والاوساخ المتجمعة ، منذ سنوات على مايبدو ، شكلت في بعض المواقع تلالاً صغيرة اضطربت لين لاستعمالها السكين لنزعها.
ألا يكفيها أن تعيش مع زوج وضيع ليزيد الطين بلة وجودها في هذا المكان القذر؟ حتى رادولف أظهر بعض القرف من القذارة وكأنه ليس معتاداً على هذه المشاهد!
جلست لين على الاريكة تستريح وتفكر. فزوجها بدا غريباً في بعض أقواله وتصرفاته. قبل كل شيء في صوته نبرة رقيقة لايملكها إلا دمثو الاخلاق والمهذبون. لايصبح قاسياً إلا في ساعات الغضب و"الغجرية"... وحاولت ولم تستطع تذكر نبرته في لقائهما الاول. فهو لم يسألها إلا عن السيارة وبعد ذلك إنصرف إلى الحركة لا إلى الكلام... ثم هناك الحصان الاصيل الذي يمتطيه عند لقائهما الثاني. من أين يمكن لغجري فقير الحصول على مثل هذا الحصان الرائع ؟ والاكثر غرابة تمكنه من الوصول إلى هذه المنطقة بسرعة بينما أمضت لين ساعات لبلوغها بالسيارة! هذا يعني أنه إستعمل وسيلة أسرع من الحصان بكثير.
أطلقت زفرة الفشل وقررت أخيراً فتح النافذة. وما إن فعلت حتى ظهر أمامها"حارس" شاب لايتجاوز العشرين من عمره.
قالت له على أمل أن يكون يفهم الانجليزية:
_ أريد نفض هذه السجادات.
_ سأفعل ذلك بنفسي.
ابتسم الشاب بأدب وهو يتناول منها السجادات فظهرت أسنان لم ترا أنصع بياضاً منها من قبل.
_ شكراً لك.
لم تنتبه المرأة الشابة لنظرات الغجري الهائمة بوجهها الجميل. ولم يخطر لها بالطبع أنه لم يكف عن التفكير بها منذ أن أحضرها رادولف إلى المخيم.
سألته عندما أعاد السجادة الاولى:
_ هل كلفك رادولف بمراقبة العربة خلال غيابه؟
أومأ بالايجاب. ثم تمتم بصوت هادىء لطيف:
_ آسف لقيامي بهذه المهمة.
_ وجدت لين في موقفه فرصة ذهبية ، فاختارت كلماتها بدقة:
_ لا عليك فأنت مضطر لاطاعة أوامره ، أليس كذلك؟
_ الجميع يطيعون أوامر رادولف.
_ هل هو ملك الغجر؟
_ لا تطرحي أسئلة لايمكنني الاجابة عليها ياسيدتي.
فيما كان الشاب ينهي نفض السجادتين الباقيتين ، رأت لين عينين تراقبان المشهد من عربة أخرى ، حارس آخر. ناولها الشاب السجادتين وقال:
_ علي الذهاب الآن ، أرجوكِ أغلقي النافذة
_ لا تذهب قبل أن أعرف إسمك على الاقل.
_ نظر الشاب حوله وتكلم بسرعة:
_ ادعى كونيل. علي الذهاب الآن ، وإلا عرف رادولف بأني تحدثت إليكِ.
وجدت لين في هذا الشاب نقطة ضعف إذا عرفت إستغلالها قد تساعدها على الهرب.
بعد قليل اقتربت من النافذة لترى إذا كان أحد يراقبها.
وعندما لم تجد أحداً فتحتها بهدوء فأطل كونيل.
_ هلا أحضرت لي بعض الماء ياكونيل؟
وضعت المرأة في صوتها كل مالديها من رقة ونعومة عرفت مفعولهما عندما أعاد الشاب الدلو مليئاً بالماء. وناوله إياها بيدين مرتعشتين.
_ شكراً جزيلاً.
وأضافت بعد أن تأكدت من عدم وجود متطفلين:
_ ماذا يحل بك إذا تمكنت من الفرار؟
_ أنسيت عندما حاول الغجري الحقير...
لم يدعها رادولف تكمل إذ قلب المائدة وهب من كرسيه يعميه الغضب.
فتراجعت لين خائفة حتى التصقت بحائط العربة وهي تلوم لسانها الطويل الذي أثار أعصابه.
تقدم منها الرجل مزمجراً:
_ ستعتذرين على هذه الاهانة! وستعتذرين بكل تذلل وضعة.
حدقت لين مشدوهة في هذا الوجه الشرير وهي لاتكاد تصدق أن كل هذا الحقد يمكن أن يتجمع في إنسان واحد. لما وجدها ساكنة جذبها الغجري إليه وأخذ يهزها بقوة كدمية صغيرة حتى كادت تصاب بالاغماء. أخيراً ، قال وهو يعض على أسنانه:
_ أنا أنتظر الاعتذار!
_ لم تدع لين الفرصة تفلت من يدها فقالت في هلع وذل:
_ أعتذر على مافعلته...
توقف فجأة تخنك صوتها الدموع المنهمرة من عينيها بغزارة. الرجل كان يستحق الضرب وإلا لما فعلت لين ذلك ، وعلى الرغم من صواب موقفها فقد أجبرها على الاعتذار صاغرة على أشياء قالتها عن إقتناع تام.
رفعت عينيها إلى وجهه القاتم ، إلى الملامح المتفاعلة التي تكسبه تفوقاً ومهابة. من يراه يظنه أحد النبلاء ولايمكن أن يشك أنه غجري شرير. غجري يبدو ارستقراطي متعجرف... أمر محير فعلاً.
_ أظهرت تعقلاً في الاعتذار يا حلوتي ، لأن أي كلمة مهينة كانت ستكلفكِ شهر نقاهة!
حرر كتفيها ونظر إلى الطاولة المقلوبة وإلى الاطعمة والصحون المتناثرة على الارض. اقشعر بدن لين من القذارة الطاغية على هذه العربة. أمرها رادولف بالتقاط كل ما تناثر على الارض فلم تجد بداً من الاذعان له فيما هو جالس على الاريكة يراقب ماتفعل.
بعد قليل أبلغها رادولف أنه سيغيب طوال النهار.
_ إلى أين ستذهب؟
_ هذا ليس من شأنك. كما أحب أن أذكرك بأن لاتحاولي الفرار لأن العربة ستكون مراقبة من جميع الجهات.
وناظراً حوله:
_ أريد أن أجد كل شيء مرتباً ونظيفاً عندما أعود. إلا إذا أحببتِ أن أذيقك طعم العنف!
كانت لين تعلم أنه لايمزح وأنه على استعداد لضربها فلم تجب على تهديداته.
لم يكن عملها بسيطاً البتة فالعربة قذرة فعلاً وتحتاج إلى أيام لتصبح نظيفة. بدأت أولاً بتنظيف الاثاث بقطعة قماش وجدتها في الدولاب القذر. المرحلة الثانية كانت تنظيف أرض العربة والاوساخ المتجمعة ، منذ سنوات على مايبدو ، شكلت في بعض المواقع تلالاً صغيرة اضطربت لين لاستعمالها السكين لنزعها.
ألا يكفيها أن تعيش مع زوج وضيع ليزيد الطين بلة وجودها في هذا المكان القذر؟ حتى رادولف أظهر بعض القرف من القذارة وكأنه ليس معتاداً على هذه المشاهد!
جلست لين على الاريكة تستريح وتفكر. فزوجها بدا غريباً في بعض أقواله وتصرفاته. قبل كل شيء في صوته نبرة رقيقة لايملكها إلا دمثو الاخلاق والمهذبون. لايصبح قاسياً إلا في ساعات الغضب و"الغجرية"... وحاولت ولم تستطع تذكر نبرته في لقائهما الاول. فهو لم يسألها إلا عن السيارة وبعد ذلك إنصرف إلى الحركة لا إلى الكلام... ثم هناك الحصان الاصيل الذي يمتطيه عند لقائهما الثاني. من أين يمكن لغجري فقير الحصول على مثل هذا الحصان الرائع ؟ والاكثر غرابة تمكنه من الوصول إلى هذه المنطقة بسرعة بينما أمضت لين ساعات لبلوغها بالسيارة! هذا يعني أنه إستعمل وسيلة أسرع من الحصان بكثير.
أطلقت زفرة الفشل وقررت أخيراً فتح النافذة. وما إن فعلت حتى ظهر أمامها"حارس" شاب لايتجاوز العشرين من عمره.
قالت له على أمل أن يكون يفهم الانجليزية:
_ أريد نفض هذه السجادات.
_ سأفعل ذلك بنفسي.
ابتسم الشاب بأدب وهو يتناول منها السجادات فظهرت أسنان لم ترا أنصع بياضاً منها من قبل.
_ شكراً لك.
لم تنتبه المرأة الشابة لنظرات الغجري الهائمة بوجهها الجميل. ولم يخطر لها بالطبع أنه لم يكف عن التفكير بها منذ أن أحضرها رادولف إلى المخيم.
سألته عندما أعاد السجادة الاولى:
_ هل كلفك رادولف بمراقبة العربة خلال غيابه؟
أومأ بالايجاب. ثم تمتم بصوت هادىء لطيف:
_ آسف لقيامي بهذه المهمة.
_ وجدت لين في موقفه فرصة ذهبية ، فاختارت كلماتها بدقة:
_ لا عليك فأنت مضطر لاطاعة أوامره ، أليس كذلك؟
_ الجميع يطيعون أوامر رادولف.
_ هل هو ملك الغجر؟
_ لا تطرحي أسئلة لايمكنني الاجابة عليها ياسيدتي.
فيما كان الشاب ينهي نفض السجادتين الباقيتين ، رأت لين عينين تراقبان المشهد من عربة أخرى ، حارس آخر. ناولها الشاب السجادتين وقال:
_ علي الذهاب الآن ، أرجوكِ أغلقي النافذة
_ لا تذهب قبل أن أعرف إسمك على الاقل.
_ نظر الشاب حوله وتكلم بسرعة:
_ ادعى كونيل. علي الذهاب الآن ، وإلا عرف رادولف بأني تحدثت إليكِ.
وجدت لين في هذا الشاب نقطة ضعف إذا عرفت إستغلالها قد تساعدها على الهرب.
بعد قليل اقتربت من النافذة لترى إذا كان أحد يراقبها.
وعندما لم تجد أحداً فتحتها بهدوء فأطل كونيل.
_ هلا أحضرت لي بعض الماء ياكونيل؟
وضعت المرأة في صوتها كل مالديها من رقة ونعومة عرفت مفعولهما عندما أعاد الشاب الدلو مليئاً بالماء. وناوله إياها بيدين مرتعشتين.
_ شكراً جزيلاً.
وأضافت بعد أن تأكدت من عدم وجود متطفلين:
_ ماذا يحل بك إذا تمكنت من الفرار؟
غشاها الخزي والعاروتمنت لو أن يد الموت تمتد لتنقذها من مرارة هذه اللحظات المشينة.
_مارأيك يا حلوتي بهذا التعذيب البطيء! أعتقد أنكِ لم تتوقعي ذلك أبداً عندما ضربتني بالسوط على وجهي ، أليس كذلك؟
_ أكرهك ، أكرهك... سأقتلك يوماً.
_ ستكرهينني أكثر يا حلوتي. ستكرهين الغجري المتشرد وسوف تستنجدين منه الرحمة!
استشفت لين من صوته مرارة إلى جانب الغضب. كأن الرجل يغار كثيراً على سمعة بني قومه ولا يتحمل أية إهانة توجه إليهم.
_آن الآن ياحلوتي ليبدأ الانتقام الممتع.
أغمضت لين عينيها وبكت بمرارة مستسلمة لقدرها المحتوم.
_ أسكن في شقة صغيرة بلندن.
استفسر الغجري وهو يتفحص أظافره الانيقة التي يحرص جداً على نظافتها:
_ تسكنين وحدك؟
_ نعم أسكن وحدي
_ أنتِ لستِ مخطوبة إلى أحد على ما أعدك وإلا لما جئت إلى هذه البلاد وحدك.
كانت فعلاً حمقاء عندما أطلعته على هذه الأشياء في الغابة. لكن رعبها كانة شديداً إلى درجة أفدتها السيطرة على لسانها.
تابع رادولف استجوابه:
( ماذا كنتش تعملين في الشركة.
أطلعته لين على التفاصيل وعيناها تراقبان ثيابه. لقد أبدلها بثياب جديدة ، كما أن شعره يبدو مغسولاً. أين أمضى النهار ومن أين أتى بالثياب؟ لربما كان يملك بيتاً في الغابة حيث التقته أو في أي مكان آخر.
_ سنحضر سيارتك إلى هنا عزيزتي فهي قد تفيدنا.
_ أيها اللص! لا شك في أنك سرقت الحصان أيضاً!
_ حذاري من اللعب بالنار! الزوجة الغجرية لاتكلم زوجها بهذه الطريقة لأنها تعتبره دائماً السيد المطاع.
_ أما أنا أيها الغجري الساقط فاعتبرك وقومك أناساً منحطين!
هب رادولف من مقعده كلمح البصر وأمسك بشعرها مسبباً لها ألماً فظيعاً. لقد أوقعها لسانها في ورطة جديدة كانت بغنى عنها. ومن حسن الحظ أن طلبه اقتصر على الاعتذار فكان له ما أراد. تمكنت بذلك من التخلص من الضرب.
فلم تجد سبيلاً لحبس دموعها وإيقاف إرتعاشها.
أخيراً ابتعد عنها الغجري ووقف الغجري في وسط العربة صامتاً. ساد الجو سكوت مطبق أنهاه رادولف قبل أن يقول بصوت رقيق:
_ لين ، لماذا تدفعينني إلى ممعاملتك بهذه الطريقة؟
ذهلت المرأة لهذا التبدل العجيب فأخذت تحدق في وجهه دون أن تفهم مراده. بعد ذلك عاد الرجل إلى طبيعته نادماً على ما بدر منه من رقة فأمرها:
_ حضري طعام العشاء!
جلسا يتناولان العشاء بصمت قبل أن يفجر رادولف قنبلته الجديدة.
_ ستكتبين غلى الشركة لتبلغي زملاءك أنكِ قررت الزواج...
قاطعته لين قائلة:
_ أكتب! هل تظن أنه بأمكانك إجباري على الكتابة هكذا بكل بساطة؟
_ تمالك نفسه رادولف وحذرها:
_ حاولي أن لاتقاطعينني يا امراة. ستكتبين الرسالة دون نقاش.
تناول الشوكة وتأكد من نظافتها قبل ان يستعملها ثم أضاف:
_ كما ستوجهين أيضاً رسائل غلى جميع اصدقائك لتعليمهم بالامر.
أسكتها باشارة من يده بعد إذ حاولت التعليق.
_ لا تحاولين الاعتراض ، ستنذفين أوامري بحذافيرها.
_ ليس بوسعك أن تجبرني على ذلك!
أدركت لين أن في صوتها ضعفاً ، لأنها كانت تعلم ان الطاعة هي السبيل الوحيد لتفادي العنف. وأن رادولف لا يقبل بأقل من الرضوخ والالستسلام. والدجليل على ذلك أنه ناولها بعض الاوراق وقلماً فجلست الزوجة تكتب كما أمرها زوجها والغصة في حلقها تكاد تخنقها.
سيستغرب أصدقاؤها وزملاؤها امر الزواج لكنهم لن يجدوا سبباً لعد تصديقه وسيكفون عن البحث عنها. بعد ان انتهت خرج رادولف ليبعث بالرسائل في البريد.
بعد خروجه سمعت طرقاً خفيفاص على النافذة. نظرت لترى من الطارق فوجئت لما رأت وجه كونيل وركضت لتفتح له.
_ قال الشاب بصوت لاهث:
_ أحضرت لكِ القلم يا سيدتي.
_ لا أعرف كيف أشكرك! عد عندما تستطيع لأسلمك الرسالة.
أقفلت لين النافذة بسرعة وخبأت القلم وهي تأمل أن يكون كونيل جاداص مخلصاً ، واخذت تصلي لئلا يكشف زوجها اللعبة.
غاب رادولف ساعتين قبل أن يعود حاملاً حقيبتها بعد أن جلب السيارة من الموقف كما وعد.
_ افتحي الحقيبة الكبيرة.
_ لماذا؟
_ لابد أن لديك ملابس جميلة.
رمقها بنظرته الخبيثة وأضاف باللهجة الحادة التي تكرهها لين:
_ افتحي الحقيبة!
أطاعت مرغمة وشرع رادولف في غربلة ملابسها إلى أن وقع اختياره على فستان قطني أحمر.
_ هذا ما سترتدينه الليلة.
ناولها الفستان لكنها رمته في وجهه فقال ساخراً:
_ سأعتبر عملم دعوة لألبسك إياه بنفسي.
ضحك الغجري طويلاً وهو يتفرج على زوجته تحمر خجلاً. لكن لين لم تجد هذه المرة في نظراته ما يخيف أو ينفر ، بل تنامى في داخلها شعور مبهم تجاه هذا الرجل القاسي المتلذذ بعذابها.


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-06-16, 06:41 PM   #5

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

4- النفق الظلم
في اليوم التالي خرج رادولف باكراً ليجلب لزوجته بعض الماء كي تغسل شعرها. عندما رجع قال لها بنبرته المتعالية:
_ هيا اغسلي شعرك فالماء وفير.
نهرته ونفسها تجيش بالغضب:
_ لا تكلمني بهذه الطريقة وكاني عبدة!
_ وجدت الكلمة الصحيحة. أنتِ عبدتي.
_ لاتعتبر نفسك سيدي! من تكون على أية حال؟ ربما كنت ملك الغجر لتعامل الناس بطريقتك هذه؟
أجاب ضاحكاً:
_ حسناً أنا ملك الغجر!
ياله من مخلوق سادى لايترك فرصة من الهز منها.
_ كلامك يعني بوضوح أني مخطئة.
_ مالذي يجعلك تظنين أني ملك الغجر؟
ترددت لين في الاجابة لأنها لا تريد الاعتراف له بأنه يملك سطوة وجلالاً.
_ أنت تختلف إلى حد ما عن باقي قومك.
_ مختلف؟
_ نعم مختلف.
_ كيف يمكنك أن تفرقي بيني وبين قومي وانتِ لم تتعرفي إلى أحد منهم جيداً؟
_ راقبتهم من النافذة وسمعنهم يتكلمون.
_ أتعتبرين أن هذا كافياً؟
_ أشعر كأني أمضيت سنتين هنا لايومين!
_ ألن تسخني الماء لتغسلي شعرك؟
_ لن استطيع غسل شعري في هذه الآنية الصغيرة.
_ ماذا تقترحين إذن؟
_ هل بامكانك ان تحضر وعاء أكبر؟
_ سأبحث عن واحد.
لا تعلم لين مالذي دفعها إلى طرح هذا السؤال المفاجىء على زوجها:
_ هل صحيح أن الغجر يهددون الناس بحلول اللعنة عليهم إذا لم يعطونهم مايردون؟
لم ينزعج رادولف للسؤال خلافاً لتوقعها.
_ أتؤمنين حقاً بذلك؟
_ لا ، لكني أعرف كثيرين يخافون من لعنة الغجر.
وفيما هي تبحث في حقيبتها عن الشامبو أوقعت كتيباً على الأرض. التقط رادولف الكتيب وفي عينيه اهتمام كبير.
_ من أين حصلتِ على هذا الكتيب؟
_ من قصر السيد دوغي الذي زرته يوم التقيتك.
_ ومتى قمت بهذه الزيارة الممتعة؟
كان سؤال الغجري ملحاً إلى درجة كبيرة.
_ يوم السبت الماضي.
قادتها ذكرى الحدائق إلى التفكير بالهرب وتذكرت أن سبيلها الوحيد إلى الخلاص هو المال الموجود في حقيبتها والتي ستغري بها كونيل ليساعدها على الافلات من قبضة خاطفها.
_ السبت الماضي...
_ قبل أن تقوم باختطافي بيوم واحد.
هز رأسه وهو يفكرعميقاً ثم سألها:
_ ما رأيك بحدائق القصر؟
_ لماذا تسألني! هل تعرف الحدائق لتطلب رأي فيهل؟
بدا الغجري مستمتعاً بهذا الحديث فأجاب:
_ نعم ، زرتها عدة مرات.
مرة أخرى زل لسانها إذ قالت مستغربة:
_ كيف سمح لك الحراس بالدخول؟
وضعت لين يدها على فمها لتمنع خروج المزيد من الكلمات الجارحة. ورأت عيني الغجري تلمعان سخطاً
اقترب منها الرجل مهدداً:
_ أوضحي سؤلك. أتقصدين أن مستوي الوضيع لا يليق بمقام زوار تلك الحدائق؟
حاولت المرأة أن تخرج من المأزق فقالت:
_ آسفة اعتقدت أن...
_ أن ماذا؟
مدت لين ذراعيها متوسلة ومحاولة إيقاف غضبه.
_ أنا حقاً آسفة. أرجوك أن تنسى الموضوع.
انتظرت لين رداً عنيفاً من زوجها لكنه لم ينبس ببنت شفة. متى ينفجر ويعطي سجينته نصيباً من العقاب الذي تستحقه على هذه الاهانة؟ لكن كل مافعله الرجل أنه قذف الكتيب في الحقيبة وخرج من العربة.
راقبت لين مشيته المتوازنة وجسمه الرشيق. لماذا لم تلاحظ فيه هذه الأشياء عندما قابلته المرة الأولى؟ لا شك أن الخطر الذي كان محدقاً بها آنذاك لم يسمح بذلك. فجل ماصبت إليه كان الافلات من قبضته، الأمر الذي تحقق بفضل الفتاة الغجرية. من هي هذه الفتاة التي أطاعها رادولف فوراً؟ لا بد أن لها مكانة كبيرة في حياته كي ينفذ أوامرها وهو الرجل الصلب العنيد لو لم تر المشهد بأم عينيها لما صدقت أن رادولف يطيع كالأرنب امرأة غجرية. ربما كانت الغجرية تعرف سراً لوفضحته لأوقعته في ورطة كبيرة. لكن هذه الفكرة مستبعدة لأنها لو صحت لما تجرأ رادولف على خذل فتاته والزواج من غيرها. أرادت لين أن تعرف حقيقة العلاقة بين زوجها والغجري. لكنها تخاف من إثارة ذكرا اللقاء الأول كي لا يغضب رادولف وتسبب لرادولف ما لا تحمد عقباه. فلو أن الرجل يرغب في التحدث عن اللقاء لكان فعل ذلك بنفسه. لا بد أنه يتناساه لأنه يخجل فعلاً من فعلته الدنيئة. عاد رادولف حاملاً وعاء كبيراً.
_ هل يكفيك هذا؟
_ بالطبع ولكن من المستغرب أن تزعج نفسك من أجلي.
_ قلت لكِ يا لين أنكِ لم تري الجانب الأسوء مني بعد. وأقول الآن أنكِ لم تري الجانب الحسن كذلك.
أدركت لين أنه يجب عليها يجب عليها اكتشاف حقيقة هذا الرجل والتعرف إلى شخصيته الغامضة أكثر. مع ذلك هزت كتفيها لا مبالية لأن رغبتها في الفرار ربما تفوق فضولها في اكتشاف حسنات رادولف.
غسلت شعرها في الطبخ وعندما عادت تخلى رادولف عن قراءة مجلة وقام بتولي مهمة تجفيف شعرها.
شعرت لين بالهدوء بالقرب من زوجها الذي رمى المنشفة أخيراً وأخذ وجهها بيديه القويتين محدقاً في عينيها الزرقاوين.
ارتعشت شفتاها وكادت أن تبدا بالبكاء وهي تتذكر زيارتها إلى الكوافير حيث كانت تمضي أوقاتاً فرحة لحظات بعيدة كأنها تنتمي إلى أسجنة غابرة لن ترى لن ترى لين لها وجه بعد اليوم.
انتشلها صوت رادولف الرقيق من تأملاتها:
_ كم أنتِ جميلة يا لين.
جذبها إليه برقة وطبع على وجنتها قبلة حانية. لم تقاومه لين لكنها وجدت الدموع تترقرق في عينيها.
_ أرجوك! لم أعد أتحمل أكثر!
_ حتى كلامي؟
_ كل شيء! ألا تفهم أني لا يمكن أن أعيش سجينة طيلة حياتي؟
ابتعدت لين عنه وشعرها ينسدل بفوضى على كتفيها ودموعها ترسم خطوطاً لامعة على وجهها الناعم.
أضافت بتوسل آملة في أن يرق الغجري لحالها:
_ دعني أذهب. لا يمكن أن تحبسني في هذه العربة إلى الأبد. أنت تعلم أن ذلك مستحيل.
أطرق رادولف يفكر فظنت لين انها نجحت في غثارة مشاعره الانسانية الراقدة في أعماق شخصيته الشريرة. على أي حال هو قال أنها لم ترى الجانب الحسن بعد. فربما رأت هذا الجانب الآن.
تهاوت أحلامها عندما هز الرجل رأسه واكد:
_ أنتِ زوجتي ومكانكِ معي. تزوجتني بارادتك...
_ بارادتي! كيف تستطيع أن تقول ذلك؟
_ لماذا لم تبدي أي اعتراض خلا اتمام مراسم الزواج؟
رمقها بنظرة ماكرة وأجاب على سؤاله بنفسه:
_ لأنكِ كنت تأملين بالفرار لوجودك خارج العربة ، أليس كذلك؟
_ بالطبع كنت آمل بالفرار، وهل تلومني على ذلك؟
_ وهذه الآمال مازالت موجودة على ما أعتقد.
تذكرت الشاب كونيل الذي أحضر لها قلماً. كما تذكرت المال في حقيبتها وعرفت ان عليها إخفائه لئلا يكشف زوجها خطتها.
_ أنا بالفعل أنتظر الفرصة المناسبة للهرب. نظرت إليه زوجته بذهول. هناك شيء عجيب في هذا الرجل وفي هذه القصة كلها. لربما استطاع كونيل أن يساعدها على حل اللغز المستعصي.
اقترب منها رادولف ووضع يده على كتفها محاولاً تهدئتها.
_ أرجوك دعني ولا تلمسني...
ضمها غلى صدره بحنان فأخذت ترتعش بقوة حتى تركها أخيراً دون أن تبدر منه أية حركة عنيفة.
_ مشطي شعرك قبل أن يجف.
خبير في أمور النساء غير الغجريات. فهؤلاء لايشغلن التجميل فيتركن شعرهن على طبيعته ليزيد في مظهرهن بدائية ووحشية.
لا شك أن رادولف يعلم أكثر مما يتوجب عليه غجري لا يهتم بما يجري في العالم المتحضر. فالغجر عادة مايكونون متقوقعين على أنفسهم ، متفين ذاتياً في عالمهم الخاص.
قطع صوت رادولف حبل أفكارها:
_ بماذا تفكرين؟ أرى على وجهك مشكلة مزعجة.
_ تماماً ، مشكلة الهروب!
أكد الغجري ببرود:
_ مشكلة لن تجدي لها حلاً. ولكني أرى شيئاً آخر في عينيك فماهو؟
_ وهل أنا مضطرة للإجابة؟
_ بالطبع وإلا لما وجهت غليك السؤال.
نظرت إليه بتردد وقالت:
_ قد لايكون جوابي صادقاً.
_ أنا أعرف بسهولة متى تكذبين عليْ
ربما كان صحيحاً أن الغجر يملكون حاسة سادسة كما يدعون.
_ كنت في الحقيقة أستعيد ذكرى لقائنا الأول.
وأخيراً تجرأت على ذكر مايتعلق بالحادثة الأولى. وكما توقعت تجهم وجه زوجها بسبب ذلك.
_ من الأفضل ان تنسي اللقاء الأول.
لم تفهم لماذا يعتبر زوجها حادث تعطل السيارة تافهاً ويركز على الحادث الثاني في الغابة. ولا تفهم كذلك لماذا يغضب لذكر الحادث الأول مع أن لين هي الطرف المهان والمجروح.
_ ولماذا أنساه؟
_ لأنني أحاول أن أنساه وإذا تحقق ذلك تحققت مصلحتك.
ملأتها كلماته حيرة وذهولاً فقالت:
_ لا أعتقد أني فهمت قصدك.
_ لنغير الموضوع يا لين!
من يسمع لهجته الآمرة يظنه سيداً يكلم خادمته مع أن الحقيقة تكون العكس. فالغجر هم عادة الخدام وهم الوضعاء.
لم تأخذ لين بنصيحته وأصرت على إكمال الحديث:
_ تريد نسيان الحادثة لأنك تخجل من نفسك!
_ أخجل من نفسي؟
رفع حاجبيه تعجباً وأضاف:
_ أنتِ من يجب أن يخجل من نفسه.
ولكن...
_ اخرسي ولا تجادلي!
خرست لين واستأنفت تمشيط شعرها دون ان تفهم موقف زوجها. قررت أخيراً صرف النظر عن مناقشة الموضوع لأن ذلك لن يفيد بشيء.
_ أريد أن أجفف شعري.
_ ما رأيك بالخروج إلى الشمس؟
_ أتمنى ذلك.
نهض من أريكته بكسل وعلى وجهه علامات الضجر.
اتجها إلى الغابة تراقبها نظرات النساء الغجريات الفضولية ، لكن رادولف تفهم الموقف ولم يدع مجالاً لاختلاط زوجته بباقي قومه.
_ أشعة الشمس قليلة هنا بسبب تشابك اللأغصان. هلا اتجهنا صوب المنطقة الكشوفة للشمس؟
ابتسم رادولف وقال:
_ لا ياعزيزتي لن نتجه صوب الطريق.
_ أتخشى أن أحاول الفرار؟
_ قد تقومين بحاولة حمقاء.
_ أعترف أنك مصيب لأني لن أكف عن التفكير في الهرب.
_ أنتِ صريحة على الأقل.
_ ماذا تعني بعلى الأقل؟
_ أعني أن غطرستك وغرورك مثلاً يجعلانك تحتقرين الناس...
قاطعته لين:
_ لو أنني متغطرسة فماذا تكون أنت؟
_ أنا أعملك بالمثل ليس إلا.
مرة جديدة سامحها رادولف على كلامها القاسي فشكرت ربها لأنها تفادت غضبه.
تابعا سيرهما بصمت تستغل لين فرصة وجودها خارج العربة لتشبع رئتيها هواء نقياً وعينيها خضرة حالمة. كانت من وقت غلى آخر تختلس النظر إلى زوجها فترى التناقض بين ملامحه الراقية وكونه غجرياً. مشيته تجعله نبيلاً وشعره المشعث المتراخي بفوضى يرده إلى طبيعته الغجرية.
اختار رادولف لهذه النزهة وادياً صغيراً تحفه الأشجار لا أمل فيه لزوجته أن تلتقي أحداً يساعدها على الهرب.
قال رادولف وهو ينظر إلى شعرها:
_ عليكِ أن تفهمي شيئاص يا لين . كوني مطيعة مهذبة معي تصبح حياتك ممتعة.
_ أنا لا أتصور أية متعة في العيش إلى جانبك!
كانت لين تتمنى أن يمل منها سريعاً فتتركها تعود إلى بلادها. عادا إلى العربة لإأمرها رادولف بتحضير الطعام. وقفت لين ترمقه بنظرة تحد وهي تغلي من الغضب لمعاملته إياها كخادمة.
_ لا أريد توجيه الأمر إليكِ مرتين لأانكش تعرفين نتيجة ذلك جيداً!
على الرغم من الغيظ الذي غلف نبرته وجدت لين في كلامه نوعاً من السأم والتعب من هذا الوضع.
لم تحضر لين إلا طبقاً واحداً فسالها زوجها:
_ أين طعامك؟
_ لست جائعة.
_ مع ذلك ستأكلين إكراماً لي. لا أحب الجلوس بمفردي إلى لمائدة.
_ من تظن نفسك حتى تجبرني على الأكل؟ أشعر أنك سيد مستبد يفعل باتبعاه ما يشاء!
تخلت لين عن المجادلة في النهاية فأحضرت طبقاً وجلست تأكل رغم أنفها.
_ أرى أن دروسي في تعليمك الطاعة بدأت تثمر يا حلوتي!
قالت بمرارة:
_ السلطة والسيطرة توفران لك الرضى والغرور أليس كذلك؟
_ أصمت ، إذ كل ما بذلك يمتعني ، وأعدك بأن هذا العقاب البطيء لن ينتهي قريباً.
_ النهاية؟ تكلمت عن نهاية العذاب!
_ بالطبع فأنا لا أنوي أن أطيل العذاب أربعين أو خمسين سنة.
ارتعدت لين للفكرة وتصورت نفسها تمضي حياتها في هذه العربة.
_ أتمنى أن أموت الآن ، فهذا أفضل.
زال المرح والعبث من عيني رادولف وقال:
_ طفلة رائعة مثلك يجب أن تتمتع بالحياة لا أن تتكلم عن الموت.
تخلت لين عن حذرها وانفجرت غاضبة:
_ لا تتكلم كالأبله فأنت تدرك أن حياتي هنا جحيم لا يطاق!
وافق رادولف وقال ملحاً إلى شيء تجهله زوجته:
_ حالياً فقط.
_ حالياً وأبداً إذا عشت لك واستمريت في سجني.
_ فلنغير الموضوع يا لين. أخبريني عنكِ فأنا لا أعلم كم تبلغين من العمر مثلاً1 تخيلي أن زوجك لا يعرف عمرك.
_ أنا في الرابعة والعشرين.
_ أنا تخطيت الثلاثين ببضعة شهور. وأخبريني المزيد عنك فانا أحب سماع صوتك.
_ لا أعتقد أنك تحب أي شيء.
_ من المؤسف أنك تفسدين حلاوة صوتك أحياناً بتصرفاتك الرعناء. استرسلت لين في الحديث واستمتع رادولف بالاطلاع على تفاصيل حياتها.
_ يبدو أن توماس هذا ممل بعض الشيء.
_ كيف عرفت ذلك؟
_ من خلال حديثك عنه. نحن الغجر أذكياء يا عزيزتي!
_ أنا لم أقصد إظهاره مملاً.
_ توماس ليس الرجل المناسب لكِ يا جميلتي.
_ أنت مخطىء في حكمك على توماس.
_ توقعت أن تنكري ذلك. يالك من شخصية شفافة يالين أقرأها بكل بسهولة.
صبت المرأة اهتمامها على طبقها لتفادي نظراته الحادة القوية فأكمل الغجري الكلام:
_ من المؤسف أن تكوني مصابة بعقدة التفوق حتى لا أقول جنون العظمة. يجب أن تتعلمي أن جميع الناس سواسية وأن المجتمع الغجري ليس فاسداً لأنه يختلف عن مجتمعك. لا يجدر بكِ إحتقار الناس لمجرد إنتمائهم. المجرم وحده هو الذي يستحق الاحتقار والنبذ.
كان صوته مختلفاً هذه المرة حتى أن لين وجدت فيه رنة موسيقية كاللهجة الايرلندية. بالرغم أنه يكون في أحياناً قاسياً فإن لهجته تختلف عن لهجة بقية الغجر. لم لم تفهم لين لماذا أو لم يعد يهمها أن تفهم مادام هدفها واضحاً: الهرب.
_ لم يتهمني أحد من قبل بهذه العقدة التي تتحدث عنها.
_ لكنكِ أظهرتِ عقدتكِ تجاهي.
تبع ذلك صمت بارد وتشنج الجو بينهما . أحست لين بأن الغجري يكاد ينفجر غضباً وبالفعل قال لها بفظاظة:
_ إذا أخطأت بعد اليوم سأملأ جسمكِ بقع زرقاء...أفهمتِ؟!
أشاحت المرأة وجهها لئلا تواجه عينيه القادحتين شرراً.
بعد قليل خرج رادولف فعادت لين إلى وحدتها المملة برغم أنها لا تستسيغ صحبة زوجها ، لكن وجوده أفضل من لا شيء.
استغلت فرصة غيابه لتخرج المال من حقيبتها وتخبئه وراء بعض المعلبات في خزانة المطبخ. ثم انصرفت لكتابة رسالة قصيرة إلى الشاب الغجري كونيل تعده فيها بمكافأة مالية فورية وأخرى ترسلها له بعد فرارها على عنوان يحدده هو. قررت لين أن تمنحه كل ما ادخرته خلال عملها ، فهي مستعدة للتضحية بكل شيء لقاء خروجها من هذا النفق الظلم. لن يستطيع كونيل مقاومة اغراء العرض وسيتدبر طريقة لتهريبها في أي فرصة تسنح له.
بعد الانتهاء من الكتابة جلست الفتاة الشابة على طرف السرير تمضي الساعات في التفكير بمصيبتها التي حلت عليها فجأة ، وتتخيل نفسها حرة طليقة ، إلى أن غلبها النعاس أخيراً وتسلل النوم إلى عينيها.


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-06-16, 06:53 PM   #6

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

5- سجن العواطف

استيقظت لين ، والظلام الدامس يلف العربة ، على صوت الغجر يغنون ويرقصون حول نار كبيرة أشعلت في وسط المخيم. ولم تستطع إلا أن تستعيد ذكريات حياتها الهادئة في انجلترا ووظيفتها المحترمة في شركة الهندسة الزراعية. ساهم ذلك في زيادة توترها إلى درجة خافت معها أن تفقد صوابها يوماً إذا استمرت على هذا الحال. ماذا سيجني رادولف من وجود امرأة مجنونة معه؟ لو يدرك ويعلم أن كليهما بلا شك خاسر لأطلق سراحها فوراً.

فجأة سمعت طرقاً خفيفاً على النافذة فهبت من سريرها وأزاحت الستار بسرعة.

_ كونيل!

تكلم الشاب بصوت هامس:

_ اخفضي صوتك لئلا يسمعنا أحد!

لكن الاثارة وفرط التوتر جرداها من كل خوف وحذر.

_ لا تقلق. الكل مشغولون عنى الآن.

_ هل كتبتِ الرسالة؟

هرعت لين وأحضرت له الورقة.

_ أرجوك انتبه يا كونيل حتى لا يراك أحد.

_ علي الذهاب الآن. طابت ليلتك.

_ شكراً جزيلاص يا كونيل على ماتفعله من أجلي.

قال الشاب قبل أن يختفي في الظلام:

_ لا أعلم إذا كنت قادراً على مساعدتك ، لكني سأبذل جهدي.

خافت لين من أن يكون أحدهم قد شاهد كونيل يتحدث إليها أجالت نظرها في الخارج لترى ما إذا كان زوجها يراقب المشهد ويستعد للانقضاض من جديد على فريسته الضعيفة. لكن كل شيء كان هادئاً ولم يبدو أثر لإنسان حول العربة.

بعد نصف ساعة عاد رادولف إلى " المنزل الزوجي" دون أن تظهر على وجهه علامات تفيد أنه اطلع على ماحدث.أضاء المصباح العتيق بعد أن رأى زوجته غير نائمة.

_ لماذا تجلسين في الظلام؟ أتحبين أن تعذبي نفسك؟

_ ولماذا أنت تهتم بعذابي؟

_ في الحقيقة أنا لا أحفل بعذابك.

وأضاف بنبرته الخشنة:

_ ماذا فعلتِ في غيابي؟

_ لا شيء!

توجه رادولف نحو المطبخ وسأل زوجته:

_ أتريدين بعض الشاي؟

_ كلا.

_ لا بد أنكِ شربت فنجاناً إذن؟

_ لا.

سمعته لين يتنهد في تحسر وهو يعد الشاي وتساءلت لماذا لم يطلب منها أن تحضره بنفسها.

عاد بعد قليل يحمل فنجاناص فسألته بإصرار:

_ أين كنت طوال هذا الوقت؟

توقعت لين جواباً قاسياً يشعل مشادة جديدة. لكنها فوجئت به يرمقها بنظرة ناعمة مليئة بالحنان. هي قصدت من سؤالها إشعال غضبه لتعذبه لكنه خيب أملها بهدوئه الشديد.

جلس يشرب الشاي الساخن ويراقب زوجته بنظرة لا مبالية.

_ أريد أن أراكِ غداً بثياب جديدة.

أفزعت لين دفعة واحدة كل الغضب الذي جمعته في وحدتها وقالت:

_ سأرتدي ما يحلو لي.

_ لا تحاولي أن يراكِ زوجك بمظهر المرأة الشريرة. سترتدين شيئاً مما أحضرتِ معك لتمضية العطلة الممتعة.

تاهت عيناه في حقيبتيها المقفلتين على بعض من ذكريات ، قريبة كالوقت بعيدة كالحلم. كيف تضع ثيابها الأنيقة في خزانة العربة القذرة؟

ليس من المعقول أن تكون هذه العربة ملكاً لرادولف فهو يبدو محبباً لنظافة والترتيب. ثم أنه لا يحتفظ فيها بثيابه. تحفظه حول خصوصياته يحيرها كثيراً لكنها لا ترغب في الاطلاع على خفايا حياته لأن تفكيرها كله انصب الآن على هدف وحيد: الفرار.

قالت لزوجها بعد تردد:

_ لا أرى معنى لإرتدائي ثياباص جميلة وبقائي سجينة هذه الزنزانة!

_ لن تبقي هنا لأننا سننتقل غداً بسيارتك إلى مكان آخر.

أحست لين أن قلبها توقف عن الخفقان لأن الآمال التي علقتها على مساعدة كونيل إنهارة بلحظة.

_ هل يرحل الجميع لمكان آخر.

_ لا. نحن فقط.

كادت لين بعفويتها تفضح كل شيء.

_ لا أريد أن أغادر المخيم.

صعق رادولف لملاحظتها وأخذ ينظر إليها دون أن يفهم.

_ وهل تستسيغين البقاء هنا إلى هذا الحد؟ مع أنك لم تكفي عن التذمر من الضجر لوجودك هنا.

عضت لين على شفتها تحاول إيجاد جواب لا يفضحها واستطاعت بعد جهد أن تقول:

_ المكان الذي سنذهب إليه لن يكون أحسن من هنا. وأنا لا أنوي تمضية وقتي بالتنقل الدائم كالغجر المتشردين.

لن تأبه المرأة لغضب زوجها من كلامها لأن عقلها كان مشغولاً بفرصة الهرب الضائعة. ظنت أن الفرج سيأتيها أخيراً على يد كونيل لكنها وجدت نفسها تفقد الأمل وتعود إلى نقطة الصفر.

برغم كل شيء حاول الغجري المحافظة على هدوئه ولم يظهر إنفعالات لنعت زوجته قومه بالمشردين.

_ لا تحاولي الإعتراض لأني مضطر لمغادرة المخيم.

_ ولماذا تكون مضطراً للرحيل؟

_ لا ضرورة لأان تعرفي.

_ وهل سنجد عربة خالية لإقامتنا في المخيم الذي سنقصده؟

_ بالطبع. ألست ملك الغجر كما قلت يا عزيزتي؟ والرعية لن تدخر جهداً لتوفر مكان إقامة مريحاً لملكها.

أخذت لين تجوب العربة وهي تفكر بالمخيم الجديد والعربة الجديدة القذرة ، وبمزيد من هؤلاء الناس السمر الفضوليين. سجن جديد وحراس جدد يرصدون تحركاتها عندما يكون زوجها غائباً.

وفجأة إنهارت أعصابها وصرخت:

_ لا أستطيع تحمل المزيد! لا أستطيع البقاء سجينة. سيقتلني هذا الوضع الرديء!

وأضافت وهي تحدق في رادولف:

_ كيف تمضون أيامكم بهذا الكسل دون عمل؟ ألا تملون؟

وضع الغجري فنجانه على الطاولة ونهض من كرسيه دون أن يظهر عليه أي إنفعال مما زاد من حيرة لين التي قالت:

_ هناك لغز في حياتك! هناك سر ما إلى أين تذهب كل يوم فأنت ولا شك لا تبقى في المخيم؟

أزاح الغجري وجهه وكأن ملاحظاتها أحرجتها فاستغلت لين الفرصة وتابعت بالحاح شديد:

_ أريد أن أعرف كل شيء! أن تردد باستمرار بأني زوجتك ففي هذه الحال يحق لي أن أعرف أين وكيف يمضي زوجي أوقاته؟

_ أنتِ لا تعتبري نفسكِ زوجتي حتى الآن. فعندما تعتبرين أننا متساويان ستعرفين كل شيء. لكن مادمت تعتقدين أنكِ متفوقة علي لأني غجري فلن أطلعكِ على الحقيقة.

كل شيء في هذا الرجل يزيد من اللغز غموضاً: جسمه الرشيق مشيته المتعالية ، كبرياؤه وسطوته ، ثقته المفرطة بنفسه. ومرة جديدة قالت لين في نفسها: لو لم أعلم أنه غجري لما صدقت أبداً أنه كذلك. عندها فكرت بأولاف وبحديثه عن وضع رادولف الخاص ، فتلك الكلمة انطبعت في مخيلة لين وجعلتها تظن أن زوجها هو ملك الغجر. هو ليس بالطبع ملك الغجر لكنه يتميز عنهم بشيء ما...

لما نظرت في عينيه رأت مرارة كبيرة كأنه يطلب منها أن تتفهمه وتساعده على تخطي مشكلة تؤرق حياته.

_ إلى أين سنذهب؟ أعني أين يقع المخيم الذي تحدثت عنه؟

_ في مكان بعيد جداً.

_ ولكن ، ماذا سنفعل بالحصان؟ لا يمكنك أخذه إذن ، إذا كنا سنستعمل السيارة.

كان رادولف هادئاً وعادياً جداً:

_ بما أني سرقته سأعمل على رده إلى أصحابه.

_ لا ضرورة لأن تستغل كل فرصة تسنح لك لتسخر مني.

_ ولكنكِ افترضتِ أني سرقته ، أليس كذلك؟

_ ولماذا لا تقول لي من أين حصلت عليه؟ فأنت توافق معي على أنك لست قادراً مادياً على امتلاك مثل هذا الحصان الماهر.

كل كلمة ، كل حركة ، كل دقيقة تمر كانت تزيد من غموض اللغز وصعوبته بالنسبة للمرأة. مالسبيل إلى اكتشاف الحقيقة وإزاحة الستار عن الجوانب الخفية في حياة الغجري؟ قد يكون الوقت كفيلاً بذلك... وقد لا يكون.

_ لم أفهم معنى كلامك.

_ بصراحة ، أعني أن مظهرك لا يقنع أبداً بأن هذا الحصان الأصيل ملك لك.

كانت الإهانة الجديدة أقوى من أن يحتملها الرجل. فعندما تكلم بدا فاقداً تماماً سيطرته على أعصابه. يعميه الحقد.

_ لا بد أن يقودك لسانك يوماً إلى مهالك لا نجاة منها.

اعتذرت لين على الفور ، وحاولت تغيير وجهت الحديث.

_ آسفة لأني أسأت التعبير. ألن تخبرني من أين حصلت على الحصان؟ انه حصان أصيل أنا لم أكن مخطئة.

_ من أين لكِ هذه المعلومات عن الجياد؟

_ كنت أمارس الفروسية لبضع سنوات خلت.

وبدلاً من أن يجيب على تساؤلها حمل رادولف فنجانه إلى المطبخ ولما عاد قال بحسم:

_ حان وقت النوم لأننا سننهض باكراً في الغد.

تعمد رادولف البحث في حقيبة زوجته حتى وجد فستاناً قطنياً أزرق موشي بالرسوم.

_ سترتدين هذا الفستان غذاً لأنه يبرز جمالك وأنوثتك.

خطفت الفستان من يد زوجها ورمت به على الارض رافضة فكرة فرضه ارتداء الملابس عليها. ولكن رادولف لم يتسامح هذه المرة. بل أمسك بشعرها وصفعها على وجهها بعنف حتى كاد يرميها أرضاً. وقفت المرأة أمامه ترتعش فهي لم تتعرض في حياتها للضرب أبداً

_ التقطي الثوب!

أطاعت الزوجة أمره ودفنت وجهها في الثوب ثم صرخت بصوت مخنوق:

_ لن أستطيع الاستمرار طويلاً! لن أستطيع الصمود... سأنتحر!

فوجىء الرجل لهذا التهديد ووقف يحدق في زوجتها لحظات طويلة قبل أن يضمها بحنان إلى صدره ويقول بكل مالديه من رقة:

_ لماذا تغضبينني يا عزيزتي وترغمينني على استعمال العنف؟

أضاف وهو يتحسس بيديه وجنتيها الاهبتين:

لوكنتِ تتصرفين بهدوء...

توقف محاولاً تهدئة جسمها المنتفض ألماً وحزناً ثم تابع:

_ على المرء أن يكون حذراً عندما يتعامل مع غجري.

بصعوبة ، رفعت عينيها الرطبتين إلى وجه زوجها وتمتمت:

_ أنت مختلف... يا ليتك تظل حنوناً كما كنت الآن...

أمر لا يصدق! كيف تسر لين لوجودها في أحضان هذا الرجل الذي لا تكف عن التفكير في كيفية الافلات من يده؟ لماذا لم تنفر هذه المرة من لمساته؟

أضافت والكلمات تسبقها:

_ لماذا أنت مختلف؟

بدا على رادولف كأنه يقبل بهذه الحقيقة ولكنه لا يقى على أن يصرح بالسبب لأن هناك أمراً خطيراً يمنعه من ذلك ، لربما كان أمراً يتعلق يتعلق بالماضس الذي يمتد تأثيره على المستقبل.

_ لا أستطيع يا عزيزتي أن أشرح لكِ الحقيقة...

ابتعد رادولف عنها وزاد:

هيا إلى النوم يا حلوتي.

وقفت لين مشدوهة وهي تشاهد زوجها يتوجه إلى المطبخ ليحضر بعض الماء. واستغربت التبد العميق الذي أحدثه تهديدها بالانتحار.

في هذا الغجري الغريب. لم تعد تأبه بالألم الذي سببه لها بل انحصر تفكيرها في التوصل إلى أعماق وغاور نفسه وكشف حقيقته.

عندما عاد رادولف إلى الغرفة أخذ يحدق فيها ويتأمل جمالها الصارخ ، ولاحظت الزوجة العروق في عنقه تنبض بعصبية.

وعندما انتقلت عينا الغجري إلى وجهها حيث مازالت آثار الصفعات واضحة ، ظهر عليه الأسف والندم الشديدان على استعماله العنف ، تماماً كما ندمت لين على استعمالها الطريقة نفسها في الغابة. اقترب منها وأخذ رأسها بكلتا يديه محاولاً الاعتذار ، غفت لين بين ذراعيه ورأسها غارق في صدره وتحس بقلبها خالياً من الحقد والمرارة. الشيء الوحيد الذي تدركه في هذه اللحظة هو الارتياح لأن كل شيء بسلام أو بشبه سلا... وذلك بفضل تفهم رادولف لوضعها ولإكتفائه بطبع قبلة خاطفة على جبينها.

أمضى الزوجان الشابان معظم النهار في السيارة يتجهان إلى حيث تجهل لين. تمتعاً بالطقس الجميل وساهمت الشمس الدافئة بإزالة الحياة الغجرية التي كرهتها والتي أسقط واقعها المر أحلاماً شاعرية. بنتها لها قصص الأدباء وعمرتها أخيلة الشعراء.

لا تستطيع المرأة الانجليزية التي تعودت على صخب الحياة أن تحيا هكذا وبدون هدف كنبتة طفيلية تعيش على جهد غيرها. لابد لها من هدف واضح في حياتها تصبو إليه وتعمل على تحقيقه. فالطريق إن لم يفض إلى مكان ليس طريقاً. وقطار الحياة إن لم يقصد محطة ما يصير كابوساً.

كم كان كونيل مهماً بالنسبة إليها وكم أحست بالحسرة لأنها ابتعدت عنه! كان حلماً خرج من العدم ليخصب أرضاً حدباء. فإذا بيد رادولف تمتد لتخنق الحلم وهي في المهد. ولترمي بلين في مكان جديد لا تعلم ما ينتظرها فيه سوى مزيد من الوحدة والملل. ولكن ما أبقى في نفسها بصيص من أمل هو تلميح رادولف إلى إمكانية العودة إلى المخيم نفسه في يوم آخر قريب.

لاحظت لين ، الغرقة في المقعد الوثير ، أن رادولف لا يلاقي أي صعوبة في القيادة مع أن الغجر لا يحسننون عادة قيادة السيارات مفضلين وسيلتهم القديمة للتنقل: الحصان.

لا حظ رادولف أن لين لم تكف عن مراقبته طوال الطريق فسألها:

_ بماذا تفكرين؟ أراكِ تفكرين في أمر مهم.

_ أراقب طريقة قيادتك فأنت سائق ماهر على ما أرى.

_ العادة كفيلة بتعليم المرء كل شيء.

_ صحيح ، لكني أعرف أنك متعود على ركوب الخيل خصوصاً و إنك قلت مرة إنك تستعمل الجياد لا السيارات.

كانت لين تشير بكلمها إلى جملة قالها رادولف عندما التقيا للمرة الاولى قرب سيارتها المعطلة. حاول الغجري أن يتذكر ذلك ثم هز رأسه نافياً.

_ لا بد أنكِ واهمة فأنا لم أقل شيئاً من هذا القبيل.

_ أنسيت ماقلته في لقائنا الأول؟

_ نحن لم نتبادل كلاماً يذكر في لقائنا الأول. يبدو أن خيالك واسع يا عزيزتي!

أنبأها حدسها أن رادولف يتحدث عن اللقاء الثاني عندما اختطفها على أثر ضربة السوط. آثار حنقها عد إكتراثه الدائم بالحادثة الأولى وتركيزه على الثانية ، وكأن لين ارتكبت يومها جريمة لا تغتفر محت آثار فعلته البشعة.

بعد أحداث اليوم السابق تحول رادولف بسرعة من رجل شرس وحشي الطباع ، إلى إنسان هادىء وديع لا تثور أعصابه بسهولة أهو يجعله متلوناً من ساعة إلى أخرى؟ أيحاول الجانب الخير الإنتصار على الجانب الشرير والافلات من براثن الغرائز البدائية؟ أن هذا الصرع ينعكس على لين بشكل دراماتيكي يجعلها رهينة مزاج زوجها المتقلب... ماحدث البارحة يعزز اعتقاد لين. فرادولف هدأ بعد أن انفجر بشدة وطغى عليه جانبه الانساني بعد أن بدا نادماً على ضربه لها. حاول التكفير عن ذنبه بملاطفتها وتطيب خاطرها ، وعندما أفاق في الصباح نظف الفستان الذي رمته على الأرض ، ثم أحضره لها وألبسها إياه بكل رقة ونعومة.

مراع خضراء على امتداد النظر رافقتهما في تجوالهما. " تحرسها " هضاب واسهة مغطاة بأشجار خضراء عالية تهمس في أذن السماء الصافية أشعاراً وألحاناً. أوقف رادولف السيارة في مكان أخضر فسيح في منطقة تدعى كيلارني. وسار العروسان إلى بقعة منعزلة فيها بحيرة جميلة تقع على سفح جبل عال.

كادت الدهشة تعقد لسان لين لإاخذت تتأمل هذه الجنة الرائعة تغرف من جمالها وبراءتها فيفيض البهاء في نفسها عذوبة وصفاء.

_ ما أجمل هذا المكان! كيف تعرفت إليه؟

_ انا أعرف أيرلندا كلها.

شع في عيني المرأة بريق وارتسمت على شفتيها ابتسامة هانئة وأحست بنفسها تسبح في بحر عاتً من الأحلام. شعرت بالدفء يغمرها عندما طوقها رادولف بذراعيه... ليته يتكلم معها بوضوح لتعرف المزيد عنه وترتاح.

_ تعالي ، علينا ألا نضيع المزيد من الوقت!

نظرت إليه بحيرة وقالت:

_ قل لي على الأقل إلى أين سنتجه؟

_ ستعرفين عندما نصل.

_ لن أعرف شيئاً فأنا أشعر بالضياع.

ضحك رادولف وقال:

_ نحن في كيلارني وهذا الجبل يدعى الجبل القرمزي.

_ لم يفدني شرحك كثيراً.

_ أيهمك إلى هذا الحد الإطلاع على كل التفاصيل؟

_ في الحقيقة ، لا.

عاد رادولف بسرعة إلى السيارة وجلب سلة مليئة بالطعام. وأبلغ زوجته كالعادة أنه سرق السلة ومحتوياتها لكن المرأة لم تقتنع بكلامه.

_ أنت لم تسرق شيئاً!

_ أتحاولين تبرئة نفسك من وجودك مع زوج لص لا يعرف إلا السرقة وسيلة لكسب الرزق؟

أصاب رادولف بسؤاله لأن لين كانت تكره فكرة كونه لصاً. أرادته رجلاً شريفاً يحصل على لقمة عيشه بعمله وكده... ولكن لماذا تجد نفسها مهتمة بسلوكه؟ ما الفارق في أن يكون رادولف لصاً أو رجلاً شريفاً مادامت ستهرب منه يوماً لتستعيد حريتها الغالية؟


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-06-16, 06:55 PM   #7

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

6- معانة غجري

أخذت لين تتساءل عما إذا كان رادولف قد سرق كل هذه الاغراض ، فمن أين إذن أتى بالاطباق والسكاكين والملاعق خاصة وأنها من الصنف الغالي؟ لا بد أنه يسرق مثل هذه الأشياء لإعادة بيعها إلى تاجر شريك بأسعار زهيدة.

سألته فيما هو مشغول بتحضير الموقد:

_ بماذا يمكنني مساعدتك؟

_ هلا أحضرت الأطباق ووضعتها على المفرش؟

_ حسناً

تابعت لين وهي ترى الأطعمة المختلفة في السلة:

_ من أين جئت بكل هذا؟

جاء جواباً ساخراً كما توقعت:

_ السرقة وسيلتي المفضلة ، لا بل الوحيدة!

تنهدت المرأة وأقرت بأن استمرارها في طرح هذه الأسئلة يعني استمرار تلقيها مثل هذه الأجوبة الساخرة. لكنها لم تترك كلماته تمر دون تعليق فقالت:

_ توقعت أن تكون فعلت ذلك ولكن من أين سرقت هذه الأغراض؟

عندما ضحك الغجري وبانت أسنانه الناصعة ، شعرت لين بقلبها يخفق بقوة. وحاولت أن تكتم شعورها المتزايد بزوجها الوسيم.

_ أغرت في الليل على مطعم قريب من المخيم ، لقد كانت مهمة غاية في السهولة!

_ أنتِ مخطئة يا عزيزتي لأنك لا تعرفين المنطقة كما أعرفها.

برغم دقة الموضوع ساد الحوار جو لطيف. وحرصت لين جاهدة على عدم إثارة رادلف لئلا يعود إلى مزاجه الشرس.

_ أما زلتِ مصممة على الفرار؟

أجابت المرأة بكل عزم:

_ بالطبع ، وماذا تتوقع مني غير ذلك؟

أشاح رادولف بوجهه كي لا تظهر انفعالاته وصرح بصوت مرتجف بعض الشيء:

_ برغم البداية السيئة يمكننا أن نعيش معاً حياة رائعة.

توقف ليستجمع أفكاره ثم أضاف:

_ اليوم مثلاً سار كل شيء على ما يرام.

_ لا أعتقد أن يوماً من التفاهم يبني حياة مشتركة.

_ كل طريق يبدأ بخطوة. فلنعتبر اليوم خطوة أولا ومثالاً نحتديه في تصرفاتنا.

لم تصدق لين أن هذا الرجل الذي يتكلم أمامها هو رادولف. أين التعالي والغطرسة في صوته؟ أين نظراته الساخرة ونبرته المتهكمة؟

من عادة رادولف إعطاء الأوامر والتلذذ بتنفيذها ، لكنه الآن يطلب من زوجته العيش معه لابل هو يتوسل إليها!

_ اسمع يا رادولف ، أنا لا أنوي قضاء حياتي متنقلة من مكان إلى آخر لأني أحب الإستقرار. أضف إلى ذلك أني لا أحبك ولن يحدث. وتبعاً لذلك يبدو طلبك غير قابل للإستجابة.

التفت رادولف إليها فوجدت صعوبة في إزاحة نظراتها المتأثرة ببريق عينيه السوداوين.

_ متى سنصل مقصدنا؟

_ لا زالت أمامنا الكثير من الأميال لم نقطعها بعد.

لم تقتنع لين بهذا الكلام فقالت:

_ هذا ليس بجواب ، ألا تستطيع أن تكون أكثر وضوحاً؟

_ أعتقد أن علينا أن اجتياز حوالي الخمسين ميلاً.

تنهدت المرأة وتمتمت شاكية:

_ أود لو أعرف سبب رحلتنا هذه.

_ كوني على ثقة أن بأن السبب وجيه جداً.

في السيارة شاركها رادولف تساؤلها عندما قال:

_ أرى أنكِ اليوم لم تحاولي الهرب!

_ لم أجد فائدة في ذلك لأنك بدون شك أسرع مني في العدو ، فلو حاولت ذلك لأمسكتني بسهولة.

_ هذا صحيح ولكن مع ذلك أتيحت لكِ عدة فرص للإفلات خصوصاً عندما كنت أحضر الطعام من السيارة.

_ لقد فكرت في جميع هذه الفرص ووجدتها خاسرة لأنني كنت سألقى عقاباً شديداً على فعلتي!

لاحظت لين انفعاله وإن لم يعلق على الموضوع بشيء. ظل صامتاً حتى وصلا أخيراً إلى طريق ضيق يقع في نهايته مخيم للغجر.

_ سنتوقف هنا يا حلوتي.

_ أهذا هو المكان الذي نقصد؟

_ كلا ، هذه مجرد محطة قصيرة في رحلتنا.

أوقف السيارة قرب إحدى العربات وأضاف:

_ ابقي هنا فلن أغيب أكثر من بضع دقائق.

وأخيراً وجدت لين فرصة ذهبية لتفلت من قبضة خاطفها فهزت برأسها موافقة وغرقت في مقعدها تنتظر ابتعاد زوجها عن السيارة.

تقدم منه بعض الرجال السمر و غرق الجميع في أحاديث هامةلم تسمع منها لين شيئاً ثم تحسست مقبض باب السيارة وأدارته على مهل ، ونظرت إلى زوجها الذي أدار نظره لها. بعد ذلك لمحت الرجال يرمونها ، بين لحظة وأخرى ، بنظرات فضولية فتوترت أعصابها وصارت خائفة من الإقدام على خطوة الفرار. شيئاً فشيئاً فترت همتها ورأت أن لا فائدة من المحاولة لأن الجميع في المخيم سيكونون في أعقابها ويعيدونها سجينة. لذلك أعادت اغلاق الباب كما فتحته بهدوء وفتحت زجاج النافذة لتسترق السمع. فأصيبت بالخيبة لأن الحديث كان باللغة الغجرية. لا بد أن لما يدور بين هؤلاء الرجل أهمية قصوى بالنسبة لزوجها وبالنسبة لها. عندها أطل رجل عجوز انضم إلى الرجال وتحدث بالانجليزية فتمكنت من سماع ما قال:

_ إنه لم يأتي يارادولف. اهدأ ودعه وشأنه لأنك تعذب نفسك بدون جدوى. لقد نصحتك مرات عديدة...

قاطعه رادولف فنظر العجوز إلى السيارة واكمل كلامه بلغة اهل قومه حتى لا تفهم لين شيئاً.

بعد قليل عاد رادولف إلى السيارة غاضباً لفشله في الوصول إلى هدفه السري.

انطلق بالسيارة دون أن يكلف نفسه مشقت الالتفات إلى زوجته ولم يحرك ساكناً إلا عندما انتبه أن السيارة تحتاج إلى الوقود. فقد استنفذت الرحلة محتويات الخزان الذي ملأه رادولف في الليلة الماضية. عاد الغجري أدراجه إلى المخيم وأشار إلى احدى الرجال كي يأخذ السيارة ويملأ خزانها بالوقود.

ترجلت لين وهي تتحسر على فرصة أخرى ضائعة للإفلات. إذ أنها خططت للإنطلاق بالسيارة فيما رادولف منشغل في المحطة بتعبئة الوقود ودفع المال. أما الآن فها هي معه في المخيم ويدها حبيسة يده على سبيل الاحتراز ومنعاً لأي محاولة فاشلة تبدر منها.

عندما أخرج رادولف المحفظة من جيبه ليعطي المال للغجري لاحظت لين أن فيها مبلغاً كبيراً ، فقالت:

_ يبدو أن لديك الكثير من المال...

غابت رنة الماح من صوت رادولف هذه المرة عندما أكمل:

_ ... المسروق.

كان بلا شك منشغل الفكر بما أخبره هؤلاء الرجال فلم ينصرف إلى المزاح والمرح كعادته. من الواضح أنه ينتقل من مكان إلى آخر بحثاً عن شخص ما فهذا ما استنتجته لين بسهولة من كلام أولاف وكلام الرجل العجوز.

ولكن هذا لايفسر اللغز كاملاً بل يطرح سؤالاً جديداً: من هو الشخص الذي يبحث عنه رادولف؟ وهذا السؤال يستتبع أسئلة كثيرة منها: لماذا يبحث زوجها عنه وماذا سيفعل عندما يجده... ومن الواضح أنه ليس من السهل العثور على هذا الشخص كما أنه ليس من السهل أن يهدأ رادولف ويكف عن البحث عنه. فهو مستعد لأن يجوب أيرلندا عرضاً وطولاً ليصل إلى ضالته المنشودة. وما زاد الأمر غرابة كون رادولف يملك المال الكافي ليغطي نفقات رحلاته المكلفة... ولكن ما يبعث الأمل في نفس لين هو أن الفرصة المؤاتية للفرار لابد آتية في إحدى هذه الرحلات. لأن حرص زوجها مهما كان دقيقاً لن يثنيها من الهرب.

كانت الشمس قد بدات بالأفول عندما وصل الزوجان إلى المخيم المقصود ، وبريق النجوم بدأ ينفذ من بين أغصان الأشجار الكثيفة. أقيم المخيم في إطار طبيعي خلاب في حضن سهل فسيح محاط بجبال عالية ومروى بحيرات متناثرة هنا وهناك تتجمع فيها مياه الشتاء المتدحرجة من القمم الشاهقة.

كالعادة ، هجم الرجال والنسوة والأطفال لملاقاة رادولف مرحبين به بلغتهم الغجرية. تكلم رادولف فنظر الجميع باعجاب إلى لين وهم يطلقون عبارات الدهشة والفرح. ففهمت المراة أنه شرح لهم أنها زوجته. بعد ذلك توجه وإياها إلى إحدى العربات الخالية وكأنهم كانو ينتظرون رادولف وأعدت العدة لإستقباله.

بعد أن أصبحا في الداخل طرحت لين السؤال الذي يقلقها:

_ إلى متى سنبقى هنا؟ أحش وكأني سلعة يتفرج عليها الجميع في معرض!

_ سيعتادون عليكِ ويعتبرون وجودك طبيعياً مع الوقت.

_ ألم يفاجئه أمر زواجك؟

ابتسم رادولف مجيباً:

_ لم يفاجئهم بل أدهشهم.

_ أيدهشهم ذلك لأنك كنت معروفاً باصرارك على عدم الزواج؟

_ تماماً.

_ من المؤسف أنك رجعت عن مبادئك وتخليت عن اصرارك!

امتلأت نفس لين بالحزن والخيبة من جديد. فاليوم الممتع الوحيد الذي مر أصبح جزءاً من الماضي والذكريات ، وهاهي الآن تعود إلى أحاسيس الوحدة والضجر من جديد. أعادت إليها العربة الجديدة دور السجينة مرة أخرى عندما اختطفها رادولف وأجبرها على أن تصبح زوجته. لكن ما يخفف من وطأة المرارة هو كون العربة الجديدة في حالة أفضل بكثير من العربة السابقة ، فالجديدة أحدث وأنظف.

لا حظ رادولف حزنها فسألها:

_ ما بك الآن؟ أنا لم ار في حياتي انساناً متقلب المزاج مثلك!

_ ماذا عن مزاجك؟ أليس حاداً وقاسياً كمزاج وحش مفترس؟

_ لم أقل أن طباعك حادة بل متقلبة فحسب ، أحياناً أراكِ فرحة واحياناً أخرى حزينة!

أجال طرفه في العربة وأضاف:

_ انظري من حولك ، ألا تجدين أن العربة نظيفة ومريحة؟ سأجلب حقيبتك من السيارة لتضعي ثيابكِ في الدولاب.

أحضر رادولف حقيبتي زوجته وحقيبة ثالثة وضع فيها ثيابه. جلست لين تراقب بدهشة يخرج ثياباً أنيقة من حقيبته لا يملكها إلا الأثرياء وأصحاب الذوق الرفيع.

أدرك الغجري أن زوجته فوجئت بما يملك فقال:

_ تركتك نائمة البارحة وسرقت كل هذه...

قاطعته لين بحدة غير آبه بالنتائج:

_ لا تحاول تفسير أي شيء فأنا لست مهتمة أبداً بمصدر هذه الملابس!

ابتعدت عنه وأخذت تحدق في قمم الجبال المتخبئة وراء حمرة الشفق. تمنت لو تكون هذه اللحظة جالسة هناك حيث الهدوء والبعد عن الضجيج وكذب حضارة العالم. تجمعت دموع الغضب في عينيها.

غضب آثاره فشلها وخيبتها المرة.

_ أنصكِ يا لين بأن لا تثيري أعصابي ، فأنت تعرفين النتائج.

استدارت المرأة حانقة ويداها على خصرها قائلة:

_ أتهددني كل لحظة بالضرب؟ هيا افعل ما فعلته بالأمس! فهذا أفضل ما يتوقع من... من متشرد حقير!

توقف رادولف عن توضيب ثيابه ونظر إليها والشرر يتطاير من عينيه.

_ ألن تكفي عن التحقير بي؟ أتحاولين ارغامي على استعمال العنف معكِ؟

تقدم منها وأمسك بكتفيها وقال:

_ سأقطع لسانكِ الطويل فأنا لست مستعداً لتحمل الإهانة تلو الإهانة!

هزها بعنف ولكنه لم يتماد كما فعل في الليلة الماضية بل ضبط أعصابه وسرعان ما تركها. تحسست لين آثار يديه القويتين على كتفيها وتساءلت كم من الآلام ستتحمل قبل أن تفلت من قبضته.

_ من الأفضل أن تضعي ملابسك في الدولاب لأننا قد نبقى هنا بضعة أيام.

_ إلى أين نذهب بعد ذلك؟

تنهد رادولف وأجاب:

_ لا أعلم.

يا له من تغيير كبير من غجري عنيف إلى رجل يائس مثبط العزيمة. انتقت لين كلماتها بدقة عندما تكلمت:

_ أتبحث عن شخص معين؟

لم يكن رادولف على علم أنها سمعت كلام العجوز وسمعت قبل ذلك كلام أولاف. فرمقها بنظرة متسائلة:

_ مالذي يجعلك تجنين ذلك؟

_ انه التفسير الوحبد الذي يفسر سبب هذا التجوال المستمر.

_ فهمت.. سأخرج بعد حوالي الساعة وأطمئنك أن العربة محروسة جيداً فلا تحاولي الهرب.

قال رادولف ذلك بلهجة عادية كان الموضوع ليس ذا أهمية مما آثار لين فصرخت:

_ وكم ستغيب؟ لا أستطيع تحمل الوحدة! سأفتح النافذة وأملأ الدنيا صراخاً! لن أستطيع الصمود..

_ لا تكوني عصبية بهذا الشكل المسرحي فلن أغيب عنكِ طويلاً.

زادت ثورة المرأة وهددت:

_ سأحطم النوافذ ، سأحطم كل شيء!

أطلق الغجري زفرة عميقة فأدركت لين أن عنده ما يشغله كفاية ويجعله يغنى عن مشكلة جديدة تسببها له امرأة ، فاستنتجت أنها إذا زادت الأمر صعوبة وتعقييداً تخلى عنها وأطلق سراحها لينصرف إلى حل مشكلته الأساسية.

_ لقد قلت لك أني لن أتأخر

وجد رادولف صعوبة في الكلام بسبب الإرهاق الشديد ، الذي لم تسببه ساعات القيادة الطويلة لأن بنيانه القوي جعله بمأمن من الإرهاق الجسمي ، بل مشكلته المستعصية التي تشغل روحه وعقله.

وجهت لين إليه سؤلاً ليس في محله بل يهدف إلى تأخير خروجه فقط.

_ ألن تتناول طعاماً على الأقل؟

_ ليس قبل أن أعود.

لم تكن المرأة جائعة بل حاولت بسؤالها أن تعيق ذهابه ، لكنها أذعنت للأمر وجلست على كنبة تنتظر خروجه.

بدا رادولف متردداً في الذهاب. هل هو قلق عليها؟ فشعوره بالقلق واضح على وجهه. عندما فتح الباب ليخرج ألقى عليها نصيحة أخيرة:

_ لا تحاولي التصرف بسخافة يا لين لأنكِ لن تنجحي في الفرار.

_ سأنجح يوماً.

لما نظر إليها بعينيه الماكرتين علمت لين انه يخطط لما سيفعله بها عند عودته وتأكدت من نياته عندما سالها بخبث:

_ أواثقة أنتِ من النجاح؟ سأريكِ مدى تحملك عندما اعود!

_ نعم. سأخرج من سجنك وأحمل معي أبشع الذكريات!

أدركت لين أن لعبتها ناجحة عندما رأت زوجها يعض على شفته السفلى ويده تشد على مقبض الباب. ستواصل حملتها على أعصابه في الغد لتصل إلى غايتها.

عاد رادولف إلى العربة في العاشرة فوجد لين نائمة على كنبه عريضة. استسلمت المراة بسرعة إلى النوم بعد أن وزعت ملابسها في الخزانة وألفت نظرة فاحصة على العربة الواسعة والمرتبة. دخلت إلى المطبخ المرتب وحضرت بعض الشاي ثم جلست تحتسي فنجاناً في غرفة الجلوس قبل أن تدخل إلى غرفة النوم بعد أن تأكدت من وجود الحراس اليقظين في الخارج يرصدون تحركاتها. لابد أنهم يتلقون المال من زوجها مقابل خدماتهم ، مال وفير لا تعرف مصدره...

وقف رادولف يتأمل شعرها المتدلي كوشاح حريري على الكتف الغض وأحس بالألم يعصر قلبه ، ثم تمتم في نفسه:

_ غجري متشرد ، حثالة المجتمع...

توجه الرجل إلى المرآة ينظر إلى بشرته الداكنة وشعره الأسود القاتم الأشعث كنسيمات الجبال الصباحية. استدار لما سمع زوجته تتحرك في كنبتها وتفتح عينيها لتشاهده أمامها.

عرف من إغلاقها عينيها ومن الدموع المنحبسة وراء الجفنين أنها شاهدت الرجل المتوحش ، البدائي.

اقترب الغجري منها وسألها بلهجة هادئة:

_ أتفضلين وجودي على البقاء وحيدة؟

كذبت لين كي تجرحه امعاناً في ممارسة لعبة حرق الأعصاب.

_ طبعاً لا ، وجد شخص غير مرغوب فيه لا يشتهيه أحد!

أمسك بيديها وأجبرها على الوقوف ثم ضغط عليها بقوة.

_ أنتِ تفقدينني أعصابي!

قاومته لين بعنف وهي ما تزال شبه نائمة ، وفجأة تراجعت عندما لامست يدها الجرح في خذه.

_ أتخافين من جرح بسيط كهذا؟

تناول يدها ومررها على جرحه وأضاف:

_ ستنالين قريباً من الجرح نفسه لأني أحب معاملة الناس بالمثل.

أتستمر لين في توتير أعصابه؟ لا، لن يجدي ذلك نفعاً معه. عليها الرضوخ لإرادته والإذعان لأوامره لتخفف من وطأة نار الجحيم.

عندما رفع راسها إلى عينيه رأت من جديد الحنان يملأ نظراته ، رأت رادولف الخير يطغي على رادولف الشر ويتغلب عليه مؤقتاً في الصراع الشرس الدائر في نفسه. واحست أن من واجبها مساعدة هذا الرجل كي يصل إلى الأمان وتستقر شخصيته ، ولكن مالسبيل غلى مساعدته؟ لربما كان تجاوبها معه كان كفيلاً بحل المشكلة وجعله يشعر بأنه موضع اهتمام.

وأخيراً جاءت اللحظة الحاسمة فقد جذبها رادولف إليه بقسوة أتقدم على خطوة التقارب أم تحجم عنها؟

غلبها الإستسلام قبلما تبتعد عن زوجها الذي لم يرضى بالهزيمة.

جعلها تسدد الفاتورة بطريقة فظة.

بعد أن انقشعت غيوم المهانة والذل تمتمت لين:

_ أكرهك وسأجعلك تدفع ثمن كل شيء غالياً في يوم من الأيام.

لم تؤثر كلماتها في رادولف بشيء لأنها كانت موجهة إلى الجانب السيء الذي تتحدث عنه؟


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-06-16, 07:02 PM   #8

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

7

_ بيت على الشاطىء

دام تنقل رادولف ولين من خيم إلى مخيم آخر مدة أسبوعين جابا خلالهما أنحاء واسعة من أيرلندا. قطعا الجبال والسهول ، والبحيرات والأنهار ، والوديان والمراعي.. ولم يكن هاجس الفرار ماثلاً في ذهنها لاعتبرت لين نفسها سعيدة إلى درجة لا توصف.

لم يقترب رادولف منها منذ أن صفعها المرة الأخيرة ، حتى أنه كان ينام على كنبة ويترك لها السرير لتنام وحدها. صار يعاملها بكل لطف وعناية وإن لم يخل الأمر أحياناً من كلمات جارحة تأتي رداً على زلات لسان تبدو من لين. لكن القضية لم تتعد الكلام المؤلم الفظ.

حاول الغجري أن يظهر الجانب الحسن وباتالي سحق شخصيته الشريرة المرعبة. وقد نجح لا في إزلة خوف لين فحسب ، بل بإنشاء علاقة ودية بين الإثنين. فأضحت قوته خالية من البطش وسطوته بعيدة عن الظلم. كما غاب عن لين الشعور بالأسى والمرارة اللذين رافقاها كظلها في أيام إختطافها الأولى. ولكنها لم تكف مع ذلك عن الحديث عن الهرب في أول فرصة تلوح لها.

وفي الحقيقة صارت لين مقتنعة تقريباً بحياتها كزوجة لغجري متجول ، لاسيما وأن رادولف لا يترك مناسبة بأن مكان المرأة هو ان تكون دائماً بجانب زوجها. لكن ذلك لايعني شعوراً بالإستقرار بل كانت المرأة الشابة في حالة إنتظار وتوقع دائمين متوقعة أن عثور زوجها على من سيبحث عنه سيغير مسار حياتها.

سألت لين زوجها يوماً وهما في طريق العودة إلى كيلاني:

_ إلى متى سنظل ننتقل هكذا؟

_ أعتقد أننا سنكون في بيتنا بعد حوالي الأسبوعين.

أوقف رادولف السيارة إلى جانب الطريق وأخرج زجاجة عصير البرتقال ليتناولا كوبين منعشين ، في حين كان تفكير لين يعمل جاهداَ لإستيعاب كلمة "بيتنا". عن أي بيت يتكلم زوجها؟

_ أتعني أننا سنستقر في مخيم محدد؟

قالت لين ذلك وهي تهز رأسها وتفكر بوجودها في مخيم للغجر وبالحياة المتعبة التي تنتظرها. وبرغم ذلك فهي تقرأ أنها لاتتصور نفسها تعيش بدون رادولف من دون أن تعلم السبب. عادت صورة توماس إلى ذهنها في الأيام الماضية لكن رادولف كان مصيباً عندما قال أنه لايناسبها ، فهو رجل طيب لكنه ليس خلاقاً مما يساهم في زيادة الرتابة في حياتها التي علمت من خلاللا تجربتها الجديدة مدى سخافتها ، وإنسيابها الجرد من أي طعم ومعنى.

قطع رادولف حبل أفكارها بقوله:

_ لابد أن ننتهي من رحلة التنقل هذه ونستقر.

اعترضت لين بلهجة ناعمة قريبة إلى التوسل:

_ لا أستسيغ فكرة العيش في مخيم ، ألا نستأجر منزلاً؟

رمقها بنظرة ملؤها الحيرة والتردد كأنه يخاف من البوح لها باشياء يكتمها في نفسه على مضض. لذلك إختار كلماته بدقة وقال بتمهل:

_ أفهم من هذا أنكِ أصبحتِ مقتنعة بالعيش معي؟

هربت لين من نظراته وأخذت تفكر لماذا لم تعترض على ذلك بشدة كما كانت فعل في السابق. وبعد أن وزنت الأمور في رأسها وتراءت لها حياتها المقبلة وما يمكن أن تعانيه في المجتمع الغجري من عبودية تدمر المرأة وتذلها ، صاحت بأعلى صوتها:

_ لا! لم أقتنع بذلك! سانتهز أية فرصة وسأنجح في ذلك! أنت لا تستطيع مراقبتي إلى الأبد ، لا تستطيع أن تراقب تحركاتي لسنوات وسنوات حتى. نصبح عجوزين هرمين!

ارتفعت حدة نبرة لين حتى جفل رادولف منها وازدادت:

_ أرجوك دعني أمضي في سبيلي ، أرجوك دعني أعود إلى بيتي!

بكت المرأة بمرارة وغشى كيانها واضطراب كبير فأخذت ترتعش حتى أوقعت كوب العصير على ثوبها.

تناول الغجري الكوب من حتى استكانت ، وبالفعل عادت لين إلى هدوئها السابق وتكلمت بكل واقعية:

_ لنعقد اتفاق بيننا. تعطيني حريتي مقابل سكوتي عن حادثة الإختطاف وتعهدي بأن لا أطلع أحداً على ما جرى.

بلعت لين ريقها لتزيل الثقل القابع في صدرها وأعصابها الثائرة تجعل منطقاً مغلوطاً ، وفكرها شارداص ومشوشاً. لم يعد شيئاً في ذهنها واضحاً. و أحست برغبة في الصراخ عندما رأت أمامها الصور متدافعة ن صور الحرية والعودة إلى الوطن ، صور رادولف وسطوته القاسية تطردها صور طيبته ولطفه الا متناهي. ودار في أعماقها صراع قاس بين الحياة مع رادولف والحياة بدونه ، فالأولى رحلة لا تنتهي بين المخيمات حيث شظف العيش ، والثانية حلقة مفرغة تبحث فيها عن سعادة تائهة.

برزت الحقائق من بين غيوم عقلها المنهك. وعجزت لين عن الإختيار فلم تجد إلا صرخة صادقة تطلقها من أعماقها:

_ ساعدني يا الله!

_ لين مابكِ يا عزيزتي؟ بالله عليكِ لاتفعلي هكذا بنفسك!

لم تنبس المرأة ببنت شفه بل نظرت إلى الغجري لا تصدق أن ما يختلج في قلبها حقيقة. همست في نفسها:

لا ، هذا ليس صحيحاً ، لا يمكن أن يكون صحيحاً..

تكلم رادولف ثانية لكنها لم تسمع شيئاً لإنشغالها بالحقائق الجديدة. سرت في جسمها رعشة قوية ثم سقت بين يدي زوجها.

_ لين ، مابك؟ هل أنتِ مريضة؟

كان صوته ناعماً ينم عن قلق عميق. رفعت رأسها وكأنها تخرج من الغيبوبة ، ثم حدقت في الرجل وتساءلت عما يمكن أن يكون تصرفه لو أطلعته على ما اكتشفت لتوها. أيستقبل الخبر بفرح أم يقول متشفياً: لقد وقعتِ في غرام غجري متشرد إذن! وهكذا لن تتركيني بعد ذلك يا امرأة لي يجعلكِ أماً خاضعة!

لن تخبره بذلك أبداً! ولن يغير الوضع الجديد من قتل رغبتها في الهرب لأنها لا تنوي قضاء حياتها معه برغم حبها القاتل له. لن تستطيع رؤية أطفالها يترعرعون في مخيم وسط القذارة وبعيداً عن المدرسة والبيئة المتحضرة. ستجعل العقل يسيطر على العاطفة وتحكم المنطق ليسحق الحب.

لما عادت إلى التفكير برادولف من جديد عاد التشوش والبلبلة إلى ذهنها. لقد استنتجت في السابق أنه يملك شخصية مزدوجة وقالت أنها لو استطاعت ابقاء الجانب السيء بعيداً لاستطاعت تمضية أيام حلوة معه. وفي الحقيقة أنه كان انساناً رائعاً خلال الأسبوعين الفائتين فهو عاملها بكل رقة ولطف ، حتى أنه لم يحاول تقبيلها مرة...

لقد كبح جماع غضبه لإسعادها وقدم مصلحتها على مصلحته دون أي أنانية أو حب للذات.

أي نوع من الرجال هو؟ لا تستطيع لين التحمل العيش مع رجل غامض إلى هذا الحد. وأن تكن تصرفاته الأخرى مقبولة ولائقة.

نفذ صبر رادولف من خلال أفكارها كالنور يتسلل بخجل من بين طيات الضباب:

_ سألتك هل أنتِ مريضة.

_ أنا بخير الآن.

قالت لين الحقيقة لأنها بدأت تشعر بالتحسن مع أن أفكارها ماتزال مبلبلة. إلى وجهه فكادت تقسم أنه ليس غجرياً ، لا يمكن أن تكون هذه الوسامة الرقية في غجري...

غيرت لين الموضوع فجأة وسألته عن هوية الشخص الذي يبحث عنه. جفل رادولف لسؤالها وقال:

_ ألم تقولي من قبل أني أبحث عن شخص وبررت استتاجك هذا؟

_ قلت أن هذا هو التفسير الوحيد لتنقلك الدائم.

أطرقت لين قليلاً وزادت:

_ سأكون صريحة معك هذه المر’.

_ تفضلي.

_ سمعت الرجل العجوز يتحدث إليك عن رجل لم يأت إلى المخيم وينصحك بألا تكمل البحث عنه.

_ لم تخبريني بذلك المرة السابقة.

_ تعني عندما قلت لك أنك تبحث عن أحد ما؟ لا فقد خفت أن تتضايق لو عرفت بأني كنت أسترق السمع.

_ أطلعتني الآن على شيء يضايقني. ألم تخافي من إثارة غضبي؟

_ لم أعد أخاف منك.

_ قولي بصراحة يا لين ، ÷ل أنتِ أسعد مما كنتِ عليه...

توقفت فجأة محاولة إيجاد الكلمات المناسبة لإنهاء السؤال ، لكن دفعة من الشجاعة أتت لين فأكملت عنه:

_ مما كنت عليه عندما كنت ترغمني على....؟

فوجىء الغجري لصراحة زوجته ولكنه كتم شعوره بذكاء.

_ أحسنتِ فهذا ماكنت سأقوله.

_ لست سعيدة بل راضية.

إن ترددها وعدم ثقتها يضرب بهما المثل. فلماذا تنكر أنه كلما نظرت إلى يديه القويتين وتذكرت مدى لمساتهما الحنونة وتمنت لو يعيد الكرة؟ أهي قانعة به؟ ولم لا فهي تحبه. الحب... احتقرت نفسها لأنها وقعت في حبه لمجرد أنه كان ودوداً معها في الأيام الماضية ، كرهت ضعفها وسرعة دوبانها في بحر العاطفة.

_ هل ترضيكِ حياتنا هنا بهذه الطريقة حتى نصبح عجوزين هرمين؟

_ سؤالك غير مجد فأنا لا أنوي قضاء حياتي معك.

سمعت لين زوجها يتنهد بدل أن يغضب كالعادة وتساءلت إذا كان سلم بالأمر الواقع واقتنع بأن المشاركة في الحياة الزوجية تأتي نتيجة الرضى المتبادل لا القهر والإذلال والإكراه.

انطلق رادولف بالسيارة صامتاً وملامحه قاسية كالحجر ، ينظر أمامه كأن عينيه متجمدتان لا حياة فيهما. وغرقت لين بدورها في التفكير مشاكلها وبالحل الأنسب الذي يخرجها من هذا المأزق.

توقف الغجري في أحد المخيمات لكنه لم يلبث هناك سوى بضع دقائق. وأبلغ زوجته في صوت هادىء أنهما سيمضيان الليل في منزل يملكه صديق له يقع على شاطىء البحر.

_ اهناك أحد في المنزل؟

_ المنزل خال فهو مخصص لقضاء العطلة الصيفية. أنا واثق أنه سيعجبكِ كثيراً فهو مجهز بكل شيء برغم بعده عن العمران.

_ أتعني أن المنزل منعزل؟

_ يبدو أنكِ فكرتي بالهرب يا حلوتي! لم أكن لأصتحبكِ هناك لو لم يكن المنزل منعزلاً تمام الإنعزال عن بقية العالم.

_ أيستعمل المنزل لأاغراض سياحية؟ فالبعض يحب تمضية وقت فراغه بعيداً عن الناس.

ضحك رادولف وعلق:

_ استعملت بداية بارعة لإخفاء خيبتك.

_ ماذا تعني؟

_ لا تدعي الغباء يا لين. اعتقدت أن وجدك في منزل على شاطىء البحر سيسهل الفرار. ففي المخيمات هناك من يراقبك ليلاً نهاراً.

_ الفرار من مخيم للغجر مستحيل ، أما بالنسبة لإستنتاجاتك الأخرى فأنت مخطىء لأني صرت أعرفك وأدرك أنم متيقظ تماماً لإحباط أي محاولة أقوم بها للإفلات. لكنني فقط أستغرب وجود منزل مخصص للعطل في مكان منعزل كما فهمت من كلامك.

_ لقد بنى صديقي هذا المنزل منذ أربعة سنوات حتى يهرب من همومه ويرتحا هناك من عناء أعماله المتراكمة.

عجبت لين لكلام زوجها. فكيف يتوصل غجري متشرد إلى مصادقة شخص ثري يبني منزلاً لمجرد حبه الإختلاء بنفسه!

_ لا بد أن صديقك ثري جداً! أنا... لم أعد أفهم شيئاً. آه لو تخبرني المزيد عن نفسك فلربما اختلفت الأمور بيننا.

1ضغط رادولف على فرامل السيارة حتى كاد رأس لين يرتطم بالزجاج الأمامي. نظر إليها بدهشة وسألها:

_ ماذا تعنين بمختلفة؟

هزت المرأة رأسها عاجزة:

_ لا أستطيع التفسير.

وبالفعل لم تستطيع التوضيح لأنها هي نفسها لا تعلم ماذا تقصد تماماً من كلامها.

انطلق الغجري بالسيارة ، وقاد لساعات في طرق منعزلة تتعرج بين الهضاب الخضراء حتى انعطف أخيراً في ممر ضيق لا يعرفه أحد وليس موجوداً على الخريطة كما أبلغ زوجته.

استمر سيرهما في هذا المكان النائي حتى وصلا إلى طريق صخري فأخذت السيارة تقفز على الحجارة وراكباها يعانيان صعوبة بالغة حتى بلغا أخيراً بوابة عتيقة منحوتة في الحجر تدل على أن المنزل بني على أنقاض بناء قديم. وخلف البوابة والسور المحيط بالأرض نمت أشجار خضراء من مختلف الأنواع ، وتوزعت أزهارها وورود زاهية هنا وهناك تضفي على الجو رونقاً وضياء.

كانت أشعة الشمس ما تزال ساطعة ترسل ألوانها على المنزل الأبيض المحاط ببساط من العشب الأخضر وسجادة من الأزهار.

انعقد لسان لين من الدهشة وصعقت لجمال هذه البقعة الطاهرة التي لم تدنس عذريتها مكائد الإنسان.

_ آه ما أروع هذا المكان!

أجالت طرفها بين الجبال الشاهقة والبحر المترامي الأطراف في زرقة يخالطها بياض الزبد. عجيبة هي طبيعة أيرلندا في جمعها بين ارتفاع الجبال ووداعة البحر في لوحة واحدة.

_ كيف وصل صديقك إلى مكان كهذا؟

مرت لحظات تردد قبل أن يجيب زوجها:

_ إن عائلته تملك هذه الأرض منذ عدة أجيال وقد اقامت فيها مزرعة كبيرة.

أشار بيده إلى بقايا البناء المتهدم وقال:

_ كان هذا بيتاً لعمال المزرعة. وجد صديقي المكان المناسباً لبناء منزل يستريح فيه عندما يحتاج إلى الإبتعاد عن عالم الأعمال والضجيج.

_ وماذا يعمل صديقك؟

_ إنه ثري لديه أملاك كثيرة.

دخل الزوجان إلى المنزل الفخم حيث الأثاث الوثير والسجاد العجمي والستائر الحريرية الفاخرة. وأعجبت لين بالثريات والكريستال والآنية الفضية وتماثسل العاج والبرونز.

كما لفت نظرها الديكور الذواق الذي نظمت على أساسه حجرة الصالون ، ثم هزت رأسها مدركة أن هذا المكان ليس لغجري ، وظنت أن رادولف ليس صديقاً لمالكه كما ادعى ، بل هو يدخل إليه خلسة عندما يعلم أن أصحابه غائبون. ولكن من أين أتى بالمفتاح؟ الجواب على ذلك ليس مستعصياً لأن رادولف لص محترف.

أعادها صوت رادولف إلى الواقع عندما بادرها بالسؤال:

_ بماذا تفكرين؟

_ كنت أفكر بكل هذا المال المهدور على بيت شبه مهجور.

لم يقنع جواب لين زوجها الماكر فصحح قولها:

_ لا يا عزيزتي ، كنتِ تقولين في نفسك كيف يمكن لغجري حقير أن يتعرف إلى أصدقاء أثرياء كصاحب هذا المنزل؟

مرة أخرى عادت مسحة المرارة إلى صوت رادولف. ولكن لين لم تشعر بالشماتة. لذلك بل انزعجت وحاولت تغيير اتجاه الحديث.

بعد ذلك أراها غرف النوم المرتبة والنظيفة كما دخلا إلى المطبخ الواسع والمجهز بأحدث الوسائل المعيشية وأثمنها.

_ لا بد أن أحداً يأتي إلى هنا باستمرار حتى يبقى المنزل نظيفاً.

هز رادولف برأسه وهو يشير إلى بقعة خضراء لا تبعد كثيراً عن البيت.

_ هناك مزرعة صغيرة خلف تلك الأشجار تملكها أرملة في الخمسين كلفها صديقي المجيء يومياً للإهتمام بالمنزل.

_ يومياً؟

_ ستأتي في الصباح الباكر وهكذا ستتأكدين من أني لست متسللاً إلى هذا البيت.

احمر وجه لين لملاحظته الجارحة والصائبة لكنها رأت في مجيء هذه المرأة عملاً يحتمل أن يساعدها على الهرب.

_ لا تبني آمالاً كاذبة فالسيدة وايت تحبني كثيراً وتنفذ أوامري.

_ يبدو أن لديك الكثير من المحبين.

تجاهل الغجري ملاحظة زوجته وقال:

_ المياه ساخنة الآن إذا كنتِ ترغبين في أخذ حمام. لقد أخبرت السيدة وايت بمجيئنا وأمرتها بتسخين الماء.

حدقت لين فيه بذهول مطبق.

_ أخبرت السيدة؟.. ولكن متى وكيف فعلت ذلك؟

ضحك رادولف وأجاب:

_ طلبت إلى أحدهم في آخر المخيم توقفنا فيه أن يتصل بها ويخبرها.

أمضت لين وقتاً طويلاً في غمرة المياه الساخنة. ولما عادت إلى غرفة النوم كانت هادئة ومرتاحة الأعصاب.

جلس رادولف يتأمل جمال زوجته ونظر إلى ساعة كبيرة معلقة على الحائط وقال:

_ يبدو أنكِ تمتعتي كثيراً بالماء لأنكِ أمضيتِ ما يقارب نصف الساعة في الحمام.

_ آسفة لتأخري.

_ لا عليكِ يا طفلتي لإانا كنت مشغولاً باجراء بعض المكالمات الهاتفية.

مخابرات هاتفية...هذا يعني أن ثمة هاتفاً في المنزل. حاولت المرأة أن تكتم بلهجة عادية حتى لا ينتبه زوجها لحيلتها.

_ ألا يضايق صديقك استعمالك لهاتفه؟

_ لا أبداً.

دخل رادولف بدوره إلى الحمام تحت أنظار زوجته المتسائلة عن نوعية مكالماته التي ليس بالطبع موجهة إلى مخيمات الغجر ، لأن هذه الأمكنة لا تعرف الهاتف.

انتظرت بضع دقائق حت سمعت صوت المياه ، ثم خرجت من الغرفة على رؤوس أصابعها وشرعت تبحث عن مكان الهاتف دون جدوى. أخاف رادولف الداهية لإدراكه أن زوجته لن تكون غبية وتدع فرصة استعمالها الهاتف تفلت من يدها وتضيع هباء.

تخلت لين عن البحث وجلست تفكر في طريقة حديث زوجها عن الهاتف ، وكأنه يتعمد خلق مواقف تجعلها تطرح على نفسها المزيد من الأسءلة حول حقيقته. تمنت لو تجد سبيلاً كي تقتعه بالإجابة على التساءلات الدائرة في ذهنها والتي تسبب لها حيرة وانفعالاً عظيمين.

بماذا تشك المرأة؟ ما هو التفسير الشافي لكل الغموض الذي يحيط بزوجها؟ من المسلم به أن رادولف غجري ومع ذلك لا يمكنها إنكار بعض الصفات التي تجعل منه شبيهاً بأي رجل مثقف لابل ارستقراطي نبيل ، سواء في حديثه أم في تصرفاته. ففي الفترة الأخيرة عندما جالا في البلاد ، انتفت عنه كل علامة تشير إلى أنه غجري. حتى ملامحه تغيرت وارتدى ثياباً عادجية تختلف عن الزي شبه "الفولكلوري" الذي كان غالباً من هندامه السابق.

لكن ، لما هذا التبد ولماذا عمد رادولف في بداية تعارفهما إلى كسب عدائها؟ لماذا!.... لماذا! أسئلة لا تنتهي! يضاف إليها هذا المنزل الفخم قطعة جديدة في الأحجية. مادام من غي المعقول أن يكون لغجري صديق حميم بهذا الثراء يعهد إليه بمفاتيح بيته ويعطيه حرية التصرف المطلقة ولاسيما ولا سيما وأن رادولف بدا معتاداً على المجيء إلى المكان من خلال معرفته كل التفاصيل المتعلقة بالأثاث وبتاريخ المنزل وظروف تشييده... يضاف إلى ذلك السلطة التي بستطيع بموجبها أن يأمر الم{اة بتحضير البيت وتنظيفه استعداداً لحضوره.

في هذه اللحظة دخل رادولف الغرفة مرتدياً لباس نوم أنيق يتناقض مع لون شعره غير الممشط ويعطيه شكلاً فريداً يجمع بين الأأناقة والطبيعة البدائية... لا يقال عن رادولف إلا أنه طائر يغرد خارج سربه!

عرف الغجري ماآثاره مظهره في نفس زوجته فقال معتذراً:

_ آسف لمظهري ، لكني سأتحسن مع الوقت إذا اهتممتِ أكثر بالتفاصيل.

_ لا ضرورة للسخرية. أعتقد بأنني أشعر بالبرد ، فالجو ليس دافئاً كفاية هنا؟

سارع إلى تشغيل جهاز التكييف. وعلى الفور غمر المكان دفء عارم. بعد ذلك عاد رادولف إلى غرفة النوم وفتح دولاب الثياب.

_ ستجدين ثيابك وحقيبتك هنا.

_ أظن أني رأيت بين ملابس فستاناً طويلاً.

_ ماذا عن الفستان؟

_ أريدك أن ترتديه الليلة.

مرر نظراته الشغوفة على وجهها وأكمل:

_ سنأكل العشاء بكامل أناقتنا كأناس متمدنين.

عدلت المرأة عن الإعتراض لأن فكرة إرتداء ثوب أنيق والجلوس إلى طاولة لتناول الطعام محبذة بعد كل هذه الفترة البوهيمية ، حيث تخلت مرغمة عن مبادئها المتعلقة بالنظافة والتشكليات.

منحها رادولف إحدى بسماته قبل أن يقول:

_ أرى أن اقتراحي أعجبك، أخرجي الفستان إياه لأراه.

فعلت لين كما أمرها وأخذت تتمشى أمامه في الثوب الأصفر الطويل. بل على العكس قالت بعد أن أحضرت فستاناً آخر ذا لون أرجواني:

_ ما رايك بهذا؟

اقترب الغجري من زوجته فأحست بالرعشة تعتريها وكأن الرجل قوة مغناطيسية كبيرة غريبة يزيد منها طبعه المتكبر. احمرت وجنتا المرأة وثقل تنفسها وفي ذهنها فكرة واحدة حبها لرادولف. مع اقتراب رادولف منها ازدت دقات قلبها أكثر فأكثر. وعلمت أنه لو أراد ضمه إلى صدره لما أحجمت بل لرحبت بذلك بكل جوارحها. لكن زوجها خيب أملها واكتفى بطبع قبلة حنونة صادقة على جبينها.


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-06-16, 07:03 PM   #9

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

8- مشاعر متوقدة

جلس رادولف ولين متقابلين إلى مائدة مضاءة بالشموع في شمعدان فضي ، ومزينة بمزهرية مليئة بورود حمراء. وعلى طرف المائدة وضع إناء مليء بمختلف أنواع الفاكهة. أما المفرش فأبيض كالثلج تضيئه السكاكين والشوك الفضية.

جلست لين في فستانها الأصفر سعيدة كما لم تكن يوماً منذ أن التقت رادولف ، وهي تعلم أن هذه السعادة لت تعمر طويلاً.

فالأمسية ليست إلا واحة وارفة في صحراء حياتها مع زوجها ، والتي تنوي الخروج منها برغم كل الإعتبارات الأخرى وأهمها... حبها للغجري.

تمكن رادولف بطريقة ما من الدخول إلى هذا المنزل الذي يحوي في ما يحويه ، حوضاً للسباحة في قاعة مقفلة مكيفة ، وملعبا لكرة المضرب في القاعة نفسها ، كما أقيمت في الجهة الخلفية بحيرة اصطناعية صغيرة لإكمال اللوحة الفنية خاصة وأنها تطل على الهضاب الخضراء الحالمة.

قررت المرأة الشابة نسيان شكوكها لتمضي وقتاً ممتعاً في هذاالمكان الذي إعتبرته أكثر شاعرية من كل ما أبصرت عيناها. فلم تيتغل الفرصة وتتذوق حلاة كل دقيقة تمر بدلاً من أن تشغل فكرها في ما لن تستطيع توضيحه؟

من جهته ارتدى رادولف بزة رسمية سوداء وتحتها قميص أبيض يزيده إشراقاً لون بشرته السمراء ، لكنه لم يبدو منزعجاً من لباسه هذا أو غير معتاد عليه.

تدخل صوته معلقاً بكل عذوبة:

_ أنتِ هادئة كثسراً يا عزيزتي.

_ إني أتمتع بهذه الأمسية اللطيفة.

_ وتردين بالطبع أن تطرحي الكثسر من الأسئلة. أنتِ أكبر امرأة عاقلة رأيتها في حياتي.

_ وهل تريد أن أضع كل ثقتي بك؟ ماذا تفعل لو كنت مكاني؟

تجاهل رادولف كلامها واهتم بصب الكافيار الفاخر الذي وجده في خزانة مليئة بالمعلبات على إختلافها. وبعد أن انتهى قال:

_ لماذا لا تطرحين علي بعضاً من تلك الأسئلة المقلقة؟

_ ومن قال أنها أسئلة مقلقة؟

_ ذلك يقرأ على وجهك يا عزيزتي. فلنقل أنكِ في حيرة ، وسبب الحيرة أشياء كثيرة حدثت في الفترة الأخيرة

_ أشياء لا تحصى ولا تعد؟

توقفت لين لتتذوق بعض الكافيار ثم أضافت:

_ أتعني انك مستعد للإجابة على الأسئلة ، فأنت لم تخرج عن تكتمك حتى الآن؟

_ ليس في الأمر تكتم بل عدم ضرورة للبوح بكل الأسرار.

كان يحدق فيها ووهج نار الشموع من سحر وجهها وجماله. أعادت إليها نظراته ذكرى لقائهما الثاني في الغابة عندما جاء على حصانه وبدا مسحوراً بجمالها. كان في الحقيقة مختلفاً وقتها عما رأته فيه في اللقاء الأول.

_ وهذه الضرورة أصبحت متوافرة الآن!

وجف قلبها إذ أدركت بحدس ما إنها على وشك اكتشاف أمر خطير كفيل بجلب السعادة الدائمة. اختلج في نفسها شعور غريب تلاعب بانفعالاتها وجعلها في الوقت نفسه تقتنع بأنها لو عرفت كيف تعالج الوضع الجديد الذي سيخلفه رادولف لما عاد زواجها منه تلك المأساة التي بدأت عند اختطافها وإرغامها على عقد زواج غجري لا تؤمن كثيراً بصحته أو شرعيته

أجاب على سؤالها وكادت تتولى المهمة عن عيناه الحزينتان:

_ من المفيد لنا نحن الإثنين أن أوضح لكِ بعض الأمور التي أوقعتكِ في مغالطات جمة.

لاحظت المرأة الحزن في عيني زوجها وتمنت لو تستطيع فعل أي شيء لتمحو هذه المسحة الأليمة من نفس من تحب. إزاء سكونها أكمل الغجري:

_ بالرغم من ذلك أفضل يا عزيزتي ألا تطرحي اسئلتك الآن بل لندع الأمور تلقائياً ، وذلك بات قريباً.

هز رادولف رأسه وتجهم وجهه وبدت عليه علامات القلق والتردد عندما قال بصوت خافت:

_ نما في داخلي إحساس بأن نظرتك إلي يا لين ، ولكني لست أكيداً... لا ، لا أجرء...

اقتحمت كلماته كالسهام أعماق لين واختلطت عليها الأمور إذ لم تفهم ماقاله زوجها. ليس أكيداً... وبالتالي لا يجرؤ على مصارحتها بما يريدها أن تعلم عنه. أحست ليس بأن العثور على السعادة باتت وهماً وبأنها لم تخلق لتعيش مع هذا الرجل تحت سقف واحد. ولكن هل هي واثقة تماماً من رغبتها في العيش معه؟ مرة جديدة ترأت مستقبلها قاتماً و فارغاً إذا تخلت عن رادولف. ومن جهة أخرى هي لا تستوعب فكرة الحياة غير المستقرة التي يعيشها هؤلاء الغجر. نظرت إلى زوجها متوسلة وتمتمت:

_ أرجوك يا رادولف ، أطلعني على الخبايا ، أنا زوجتك ويحق لي أن أعرف شيئاً عنك.

هز الغجري برأسه موافقاً بدون أن يبدر منه ما يرضي فضول زوجته بل قال:

_ لنركز اهتمانا الآن على وجبة العشاء لا سيما وأنها الأولى لنا في مثل هذا المكان الرائع.

لم تجد إبتسامة رادولف في إزالة خيبة زوجته لأنه تهرب من الموضوع. والألم الآن أشد وقعاً منه في الماضي كونها صارت أسيرة حب هذا الرجل ، وأضحت متشوقة لكشف حقيقته.

بعد الكافيار جاء دور شرائح اللحم المشوي التي حضرها الزوجان في المطبخ الكبير بعد أن جلبها من الثلاجة الكبيرة المحتوية على الكثير من اللحوم وأنواع الطيور الشهية. وقد برر راولف وجود هذه الأطعمة بوجود السيدة وايت الأرملة الطيبة التي تهتم بشؤون المنزل.

_ أنت تعب السيدة وايت بطلباتك المتعددة يا رادجولف.

_ السيدة وايت راضية فهي تجد في الأمر تسلية تنسيها وحدتها. كما أننا بحاجة لهذا الترف بعد طول التنقل من خيم لآخر.

_ ولكنك تعشق حياة الغجر ، أليس كذلك؟

_ العادة تسهل كل شيء وتجعله معقولاً. ولا أخفي عنكِ سراً إذا قلت أني أحب التمتع بالحرية التي توفرها حياتنا الغجرية.

_ ولكن حياتك خاوية إذ لا عمل فيها ولا نشاط.

_ ليس كل الغجر بالضرورة عاطلين عن العمل. فهم يصنعون بعض أدوات المطبخ ويتعاطون التنجيم وما إلى ذلك.

انتهى الزوجان من تناول الطعام فسأل الغجري:

_ هل أعجبكِ الطعام؟

_ كان رائعاً ، رائعاً جداً.

طغى على الجو مسحة من السحر والود. ولم تفكر لين بالمشاكل التي تفسد عليها روعة الساعة بل تركتها جانباً لتنعم فهنيهات فرح نادرة.

تناولا القهوة ثم اقترح رادولف أن يخرجا لتنشق الهواء المنعش. وافقت لين على الفكرة وان اعتراها على الأثر بعض الخجل.

سحرت لين بجمال الطبيعة وبإبتسامة رادولف السخية. الآن أدركت مدى وسامته وأنها صارت تنظر إليه كرجل مهذب متحضر لا كغجري متشرد في هذه الليلة رأت لين مملكة رسمتها في خيالها ، مملكة تعيش فيها مع فارس أحلامها وفي مكان لا تحققه إلا الأحلام... ولكن حلول الغد سينهي هذا الحلم...

تجولا في الحديقة والمراعي التي تحيط بالمنزل ، يداعبهما نسيم منعش يحمل معه رائحة البحر الممتزجة بعطر الأزهار.

تنشق لين الهواء بنهم وأفكارها محاطة بالضباب بفعل الجو الغامض وهي فرحة بذلك لأنه يحملها بعيداً عن همومها في سمفونية عذبة الالحان.

سألها رادولف كي تخرج عن صمتها:

_ هل أنتِ هادئة المزاج الآن؟

_ نعم.

_ البحر هادىء الليلة ويشجع على السباحة.

_ أنت تسبح إذن.

أجاب رادولف متعجباً لسؤالها:

_ بالطبع.

لم تسأله لين هذه المرة كيف يجيد السباحة من أن الغجر لا يجيدونها عادة. ، بل تجاوزت فضولها كي لا تفسد النزهة الليلة.

_ ما رأيكِ يا عزيزتي بتسلق التلال؟

_ أتعرف الطريق جيداً ؟

_ لا تقلقي فأن أعرف المنطقة وأستطيع السير في مسالكها مغمض العينين.

أتبدأ لين بطرح الأسئلة حول سبب معرفته التامة بالمكان؟ لا ، فلا حاجة لإفساد السهرة الرائعة حتى وإن كان انسجامها مصطنعاً بعض الشيء إذ يتغاضى كلاهما عن الحقيقة.

اتجها نحو التلال في طريق مغطى بالعشب الكثيف. والقمر بدأ يختبىء خلف بعض الغيوم فصار الضوء مصحوباً بظلال رقراقة تتراقص على البساط الأخضر الفسيح.

وضع رادولف يده في يد زوجته فغمر الدفء جسمها واصبح كل شيء جميلاً جمال هذا العالم المجنون. حبذا لو ينقلب الحلم حقيقة ويصحب هذه اللحظات سعادة دائمة.

تفرقت الغيوم فعاد القمر إلى وجد عطائه يرمي أنواره على قمم التلال وسفوحها فتنعكس على حبيبات الندى التي تكلل رؤوس الأشجار وتخالط وريقات العشب. والنسيم المليء بالشذى يشترك مع الطيور الليلية في اداء أبدع الألحان وأروعها.

في الطريق إلى البيت تساءلت لين عما إذا كانت الحاجة التي تدعوها إلى البقاء هي وليدة اللحظة وستزول متى انفصلت.

والأكيد الآن أنها ترغب في الإرتماء بين ذراعيه تدفىء قلبها بحرارة اللهفة والهوى.

وصلا إلى المنزل ورنين الهاتف يملأ أرجاءه. فهرع رادولف ليجيب. بقت لين في الخارج تتأمل الهضاب الواسعة والبحر الرحب تتكسر أمواجه على الشاطىء وتتطاير حبات الماء لآلىء تستحم بنور القمر. وفجأة أدركت أن في وسعها الهرب والعثور على أكثر من مخبأ في هذه المنطقة الشاسعة بحيث يستحيل على الغجري أن يجدها في الظلام. معطفها معها وكذلك الماء ، فما عليها إلا أن تركض وتنال حريتها... الحرية أصبحت على قاب قوسين أو أدنى منها ، فلماذا لا تفعل؟

ما زال رادولف يتكلم على الهاتف ويبدو أنه لن ينتهي من المكالمة بسرعة. من على الطرف الآخر من الخط؟

لو كانت المكالمة موجهة لصاحب المنزل لانتهت بسرعة. المكالمة لرادولف إذن.

أصغت المرأة بانتباه ولكنها لم تتمكن من الفهم لأن زوجها كان يتحدث بصوت منخفض. كيف ارتكب رادولف مثل هذه الغلطة وتركها حرة بدون حراسة ، وقدم لها بذلك فرصة الفرار على طبق من فضة!

وقفت لين كالبلهاء مشدوهة لا تدري ماذا تفعل. الهرب متاح أمامها على مصراعيه فلماذا لا تستغل الفرصة؟ لماذا التردد؟

أخيراً ابمتسمت والتمعت عيناها وعلمت أن هذه الليلة الشاعرية يجب ان تستمر حتى آخر فصولها. ألقت نظرة على العالم في الخارج ثم دخلت وأقفلت الباب بهدوء.

استدارت لين لتجد زوجها واقفاً يحدق فيها وتملأ وجهه علامات الإستغراب والدهشة. وقفت المرأة جامدة لا تقوى على الحراك غذ علمت نوايا زوجها. ولكنها لا تأبه لأنها مصممة على خوض غمار ما تقدمه هذه الليلة"الإستثنائية". وقفا ينظران إلى بعضهما حيث عجز الكلام عن التعبير عما يختلج في النفس ويفيض في القلب.

أخيراً استطاع الرجل أن يطق:

_ يا حلوتي...

مد يده إلى زوجته وإمارات الفرح تفز من عينيه وتهذب من قساوة ملامحه البدائية ذات الجمال الوحشي النقي.

تجاوبت لين لدعوته بابتسامة رقيقة كفيلة بإذابة الصخر وأكثر القلوب تحجراً. ومدت يدها بخجل إلى يد زوجها.

_ كان بوسعك الهرب بسهولة... ولو فعلت لما تمكنت من العثور عليك أبداً.

قال رادولف ذلك وهو يكاد لا يصدق أن لين أضاعت هذه الفرصة السانحة وفضلت البقاء معه على استعادة الحرية.

تحولت عبارات الدهشة في عينيه إلى حنان فائض وملأ قلبها شعور واحد: الحب. حب حملها بعيداً عن الهموم الحياتية ، وأحاسيس رفعتها من مستوى إلى مستوى الشعور.

_ لين... ما سبب الذي يجري بيننا الآن؟

وأضاف متراجعاً:

_ لا أهمية لذلك فيكفينا أن مايجري رائع...

قاطعه رنين الهاتف فوقف متردداً ، أيجيب أم يستجيب لرغبته بالبقاء قرب زوجته؟ كرهت لين صوت الهاتف وتمنت لو يخرس حتى لا يسلبها رادولف. وكم كان سرورها عظيماً عندما قرر الغجري يرن والبقاء معها.

_ فليذهب الهاتف إلى الجحيم لأني لست مستعداً لتركك الآن. تنفست المرأة الصعداء وزادها قراره ثقة بنفسها وبمكانتها عنده. هل فهم رادولف أنها غارقة في حبه حتى أذنيها؟ هل أدرك أن سلطته عليها لم يعد سببها السطوة بقدر ما صار الحب؟

_ رادولف... اسمك غريب و لكنه يعجبني.

_ اسمي أيرلندي قديم جداً.

_ أليس اسماً غجري؟

_ لا.

تررد رادولف قليلاً قبل أن يكمل:

_ في الحقيقة هو إسم يطلقه نبلاء أيرلندا على أولادهم.

_ وكيف اتفق أن غجرياً حصل على اسم نبيل أيرلندي.

_ لا أعتقد أن في ذلك جريمة.

دفعها الفضول إلى مزيد من الأسئلة.

_ وهل هناك الكثير من رجال الغجر يحملون نفس الإسم؟

_ أظن أني الوحيد الذي يحمله.

_ لم تذكر لي شيئاً عن والديك يا رادولف.

قال وقد ملأ صوته حزن عميق:

_ كلاهما ميتان.

غرقت لين في ذرعيه أكثر.

_ أخبرني عن أمك.

شعرت وكأنه ارتجف فجأة:

_ ماتت أمي وهي تضعني.

_ آه! ان هذا مأسف حقاً.

لم ينجح رادولف عندما علق على كلامها في إخفاء الأسى من نبرته

_ إن موتها المبكر لم يشعرني بفراغ لفقدانها ، فلو ماتت وأنا فتى يافع مثلاً لكنت أصبت بحزن أكبر.

_ أنت وحيد في هذه الدنيا إذن.

_ وكيف تخيلت أني وحيد في هذه الدنيا؟

_ ألديك اخوة أو أخوات؟

لم يجب الغجري على سؤالها مباشرة بل اكتفى بالقول:

_ كنت أعتبر نفسي وحيداً حتى تزوجت منكِ.

_ أنت لم تجب على سؤالي.

_ حسناً يا عزيزتي ، لي أخ واحد.

_ اني أحسدك على ذلك. أين يعيش اخوك؟

_ في أحد مخيمات الغجر.

_ ألا تراه أبداً؟

أجاب رادولف بحدو وكأن الموضوع بات مزعجاً:

_ لم أره مدة طويلة. كفانا كلاماً الآن ولنخلد إلى النوم.

_ لست بحاجة للنوم الآن.

قالت ذلك وأكملت بسرعة حتى تمنعه من التعليق:

_ للأسماء القديمة معان فما معنى رادولف؟

_ أخشى ألا يعجبك معناه ، فكلمت رادولف تعني الذئب السريع.

لقد كان الغجري بالفعل ذئباً سريعاً عندما لحقها على حصانه واختطفها. نظرن لين إلى الجرح فرأت أثره واضحاً على خده فخشيت الا يزول أبداً.

_ أعتقد أن اسمك مخيف قليلاً.

_ لا أنوي اخافتك الآن لأني أريد أن أنام.

طبع قبلة ناعمة على جبينها وأطفأ النور ضاماً إياها بين ذراعيه. وماكادت تمر دقيقة حتى خطا في سبات هانىء وعميق.

أفاق الزوجان باكراً وجلسا على الشرفة الواسعة يتناولان طعام الفطور. وبعد قليل رن جرس الهاتف. هب رادولف من كرسيه معلقاً:

_ لا شك أنها المكالمة التي كان يجب أن اجيب عليها بالأمس. أكملي فطورك يا عزيزتي فلن أغيب كثيراً.

عاد رادولف بعد قليل متجهم الوجه كأن حادثاً كبيراً قد وقع فسألته زوجته قلقة:

_ ما الأمر؟ هل هناك ما يقلق؟

_ لا ، شيء يا لين.

_ ولكن كيف تتلقى مكالمات ولا أحد يعلم بوجودنا هنا؟

_ أنتِ مخطئة في تكهناتك بدليل أنني تلقيت مخابرة بالأمس.

_ مخابرة من الأشباح على ما أظن! لماذا تحيط نفسك بهذه الهالة من الغموض وبهذا الحجاب من الأسرار؟ أشعر بنفسي إزاء ذلك إنسانة غريبة لا زوجة!

لم تلحظ المرأة أن عيني زوجها الغضبتين تدلان على عدم رغبته في الكلام وعلى مزاجه المعكر ، بل دفعها قلقها عليه إلى المزيد من الإلحاح فقال الغجري بحدة:

_ ألن تكفي عن طرح الأسئلة السخيفة؟

بدأت الأفكار السوداء تلعب في رأسها من جديد. أيكون سبب تكتمه الشديد حيال اتصالاته نشاطات غير مشروعة يقوم بها؟ وقد تكون هذه النشاطات مصدر المال الوفير الذي يملكه والذي يخوله القيام برحلات طويلة والإنفاق على ثيابه الغالية. كما هناك الحصان الأصيل الذي امتطاه في الغابة ، ووجوده في هذه الدار الفخمة... أمن المعقول أن يكون المنزل ملكاً له وهو مجرد غجري! أسئلة لا تعرف لها جواباً واحداً...

كانت غارقة في أفكارها فانتشلها صوت زوجها:

_ أنا مضطر للخروج يا لين. أتعدينني بأن لا ترحلي؟

ضربت لين الأرض بقدمها وقالت بإصرار:

_ سأرافقك!

رأت الرفض القاطع في عينيه. ثم هدأت بعد أن خطرت لها من جديد فكرة الفرار. وبرغم بزوغ فجر الحب في قلبها ، فهي امرأة تنتمي غلى محيط إجتماعي مختلف تماماً عن هذه البيئة الغجرية. ويجعلها تندمج في حياتها رادولف وقومه ، وجذوته لا بد ستخبو مع الوقت ومع اصطدامها بمرارة الواقع الذي تعيشه.

احتاجت لين إلى شجاعة فائقة لحبس دموعها. ولكن شجاعتها انهارت فجأة عندما أعاد عليها زوجها السؤال نفسه.

_ اتعدينني بأنكِ لن ترحلي؟

أمام ترددها لم يجد الغجري حلاً سوى حبسها في غرفة النوم. وفي الوقت الذي سمعت فيه لين صوت المفتاح يدور في القفل نظرت صوب النافذة. غلطة جديدة ارتكبها رادولف بسبب انشغاله وقلقه الشديدين. ما عليها الآن سوى انتظار رحيله لتخرج بكل سهولة من النافذة ، فالبيت من طابق واحد لا خطر من التسلل عبرها. لكن لين لم تترو وتنتظر ذهاب زوجها فسرعان ما ارتدت معطفها ارتدت معطفها وأخذت حقيبة يدها ثم فتحت النافذة وأصبحت في الخارج.

كانت أشعة الشمس ساطعة والبحر ساكناً والطبيعة هادئة. ولم تستطيع لين محو ذكر التفاصيل الحلوة التي تسربت في الليل الفائت لتضيء ظلام حياتها. عاد كل شيء الآن إلى سابق عهده. وهاهي الآن تنفذ عملية الفرار التي غابت عن فكرها في ساعات السعادة الماضية.

آه لو كان رادولف رجلاً عادياً كغيره من الرجال! رجل يشغل وظيفة محترمة ويهتم بتأمين الرعاية والحنان لزوجته وأولاده...

انهارت الدموع من عينيها وكادت انفعالاتها تقودها إلى العدول عن الهرب والمغامرة في البقاء زوجة لهذا الغجري الذي أحبته. لكن الغلبة كانت في النهاية للعقل والمنطق. فتابعت المرأة طريقها بين شجيرات الحديقة لتجد منفذاً يقودها إلى الطريق العام. وبينما هي تختبىْ بين الشجيرات سمعت رنين الهاتف في المنزل ووقع قدمي رادولف يهرع للإجابة. عندها دفعها حدسها في العودة إلى المنزل فجلست القرفصاء تحت نافذة غرفة الجلوس منصته إلى الحديث.

_ ...أحسنت يا أولاف أقلت أنه آت إلى هنا؟ أخيراً سأتمكن من...

لم تستطع لين فهم بقيت الجملة بل سمعت:

_ كنت يائساً يا صديقي ومتأكداً من أن الأمر سينتهي به في السجن. لو أستطيع التحدث واقناعه...

وضاعت الكلمات من جديد فجنت لين من الغضب. كادت تتوصل إلى معرفة الحقيقة لولا حظها السيء. وفجأة سمعت صوت زوجها يقول لأولاف:

_ إذن لاحجة إلى تحركي الآن. لقد اتصل بي راوول منذ بضع دقائق وأبلغني أن بوريل كان في مخيم روجنتري في السهل المجاور. فقررت الذهاب لملاقاته هناك. أما الآن وقد أكدت لي أنه آت إلى هنا سأنتظره وأفاجئه.

توقف رادولف مفسحاً المجال لصديقه بالكلام. وتمنت لين لو تسمع ما يقله الغجري الكهل لزوجها الذي عاد إلى الكلام بصوت منخفض فلم تتمكن المرأة إلا سماع بعض الجمل غير المترابطة.

_ أرجوك ألا يعلم بوجودي هنا... جاء مرة مع فتاته... صحيح وإلا لما عرفت... لا أعرف كيف أرد لك الجميل يا أولاف.

تساءلت لين عن معنى هذا الكلام وهي تنتظر زوجها ليعاود الحديث. لكنها تأكدت من أمر واحد وهوأنها ستبقى حتى يأتي الدعو بوريل علها تشبع فضولها ويصدق الحدث الذي أنبأها بأن مصيرها ومستقبلها يتعلق بقدوم هذا الرجا.

_ ...كان علي الأخذ بنصائحك يا أولاف والكف عن مطاردته ، خصوصاً بعد أن أصبحت مثقلاً بالمسؤوليات.

خفق قلب لين بشدة إذ فهمت أنه يعنيها بالكلام على" المسؤوليات"

_ ولكنك تعلم يا أولاف أني لا أقبل بالهزيمة. وأنا متفائل بأني إذا تمكنت من لقاء بوريل والتحدث إليه فسأسوي كل هذه الأمور معه.

أقفل الغجري الخط بعد قليل فقررت لين العودة إلى غرفتها قبل أن يكتشف زوجها غيابها. ولكن الحظ أبى إلا أن يوقعها في مشكلة جديدة. فما كادت تخطو حتى تعثرت بغصن شجيرة وهوت بقوة فارتطم رأسها بالأرض وصاحت من الألم. لم تمر ثاني من سقوطها حتى

لم تمر ثانية على سقوطها حتى كان رادولف إلى جانبها فحملها إلأى المنزل على جناح السرعة.

أحست بكل شيء أمامها يتراقص. وع ذلك لمحت في عيني زوجها مزيجاً من الغضب والأسى. لقد خدعته بعدما تأكد من أنها لن تحاول الفرار أثناء غيابه. توقعت العقاب على عملها لكن الغجري ضبط أعصابه واهتم بإسعافها.

_ إنها كدمة لا بأس بها على الإطلاق ، سأحضر شيئاً يريحك.

نظر إليها وأضاف:

_ لماذا فعلتِ ذلك؟

_ لا تعتقد أني كنت أنوي الفرار. على العكس...

لم ينتظر الغجري سماع المزيد فقاطعها حانقاً:

_ لاتكذبي! ماذا عن حقيبة اليد هذه؟

قالت بصوت ضعيف والألم في رأسها لا يكاد يطاق:

_ أعطني فرصة لأشرح لك ما حدث!

_ من الواضح أنكِ لست على استعداد للبقاء برفقة غجري من حثالة المجتمع.

أخذ رادولف يقول بشبه همس:

_ كان علي أن أعلم أن المسألة ستصل إلى طريق مسدود لا محالة.

_ ما الأمر يارادولف ، أخبرني.

أخفت نبرة التوسل في صوتها الحب الجارف الذي يكنه قلبها لهذا الرجل الغامض الواقف أمامها والمرارة تكاد تحطمه على رغم جبروته واستبداده.

_ مالفائدة من إطلاعك على الحقيقة ما دمت تحتقرينني وتصرين على أنني غير أهل لأن أكون زوجاً لك؟

أين التعالي الذي قابلها به في السابق؟ لأين الغطرسة والكبرياء؟ لقد تحول غضبه إلى ذل وصلبه ومهانة. ولما حاولت لين ، مدفوعة بشعور الذنب ، تطييب خاطره أسكنها بإشارة من يده.

_ لا تحاولي إصلاح ما فسد. سأعرض عليكِ إقتراحاً أرجو أن توافقي عليه بعد أن تتناولي هذه الحبوب وتنامي قليلاً.

نهضت لين وأسرعة إلى غرفة النوم حانقة وهي ترغب برمي زوجها الغامض بأحد التماثيل لعله يخرج عن صمته المطبق.

_ مابك يا لين؟

_ بالله عليك! أطلعني على الحقيقة فهذا من حقي.

_ أي حق هذا؟

_ أنا زوجتك... ولي الحق في معرفة كل شيء.

قاطعها بضحكة ساخرة تخالطها اللوعة.

_ لا أستطيع إطلاعكِ على أسراري مادمت لا تعتبرين نفسك زوجتي.

_ ولكنك كنت على وشك البوح بالأمس.

_ كنت أفعل لأني خدعت فيك.

توقف فجأة وناولها الدواء قائلاً:

_ دعينا من هذا الموضوع وتناولي الدواء ليخف الألم.

_ لا تخف علي فلن أموت.

_ هيا إلى السرير فأنتِ تعبة.

_ لا أريد أن أنام!

هددها بلهجة آمرة:

_ لا تجبريني على حملك إليه بقوة!

تناولت الدواء وتوجهت إلى سريرها وقبل أن يخرج من الغرفة سألته:

_ لماذا لن تبوح لي بكل شيء؟

_ لأن نظرتك إلي لم تتغير مع الأسف. والدليل على ذلك أنكِ حاولتِ الفرار. فلنكن صريحين ونعترف بأنني لست مؤهلاً لأكون زوجاً لك ، وإن كنت أرى أنكِ معجبة بي.

لم ترض لين بهذه الحقيقة فصاحت معترضة:

_ معجبة بك؟ يالك من مغرور!

فوجئت المرأة بأن زوجها لم يغضب بل قال لها بهدوء جعلها تخجل من كذبها:

_ أؤكد لك أنك معجبة بي وترتاحين لوجودك معي. ولكنك غي قادرة على التأقلم مع حياتي ، وعلى التخلص من عقدة التفوق.

_ حسناً ، أ‘ترف أني أشعر نحوك بالتفوق إذا كان هذا يرضيك.

_ إعتراف غير مقنع تماماً. سنجد فرصة أخرى للتصارح أما الآن فإلى النوم!

جاء بقفل أغلق به النافذة بطريقة لم يعد ممكناً معها فتحها.

_ آسف يا حلوتي ولكني مضطر إلى فعل ذلك.

أمن العدل أن تجعلني سجينة هذه الغرفة؟

تابعت متوسلة:

_ أعدك بأنني لن أهرب.

_ لن أرجع عن قراري فالتجارب السابقة معك لا تشجعني على الثقة بك.

خرج رادولف من الغرفة وترك زوجته وحيدة في سريرها تنتظر المجهول. ولكن الألم والتعب تحاملا عليها فأغمضت عينيها ونامت.


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-06-16, 07:04 PM   #10

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

9- الوحش الضاري
أفاقت لين مذعورة على صرير باب غرفتها يفتح ورأت رادولف يطل برأسه فسارعت إلى القول:
_ ادخل فأنا بخير ولم أعد بحاجة إلى النوم. كم السعاعة الآن؟
_ الواحدة ظهراً. كيف تشعرين؟
استنتجت لين من ملامح وجهه أن بوريل لم يأت بعد.
_ صرت أحسن بكثير فالصداع اختفى والحمد لله.
_ أتستطيعين تناول الطعام؟
_ أعتقد أن فكرة الأكل صائبةةجداً. ماذا لدينا اليوم؟
_ لدينا بعض السمك المشوي.
_ هل تعد قائمة بما تستعمله لتسدد ثمنه لصديقك؟
أجاب ال7غجري مبتسماً:
_ لا ، فصديقي لا يعرف ماذا يملك لكثرة غناه.
_ ألن تستطيع التخلي عن عادة السخرية هذه؟
_ ألن تتخلي أنت عن عادة طرح الأسئلة مادمت تعرفين طريقة إجابتي عليها؟
_ يالك من لغز محير! اكتشفت أنك ذو شخصية مزدوجة.
_ بلله عليكِ أخبريني عن هذا الإكتشاف العظيم!
_ أنت مثلاً تتحول من حمل وديع إلى وحش مفترس!
_تحسس الجرح الذي لا تزال آثاره ظاهرة في وجنته وقال:
_ وحش مفترس! لقد قدتني بتصرفاتك الخرقاء إلى أفعال ما كنت أتصور أني سارتكبها يوماً.
ارتبكت لين لانها لا تستطيع كتم شعورها بالذنب كلما رأت ذلك الجرح في وجه رادولف ، وأن يكون ذلك الشعور لا يعني أن الغجري لا يستحق الضرب... لا بل يستحق أكثر!
_ أتريد مناقشة الإقتراح الذي تكلمت عنه؟
لم يجب على الفور بل نظر إلى ساعة الحائط من تأخر بوريل في الوصول.
_ سنبحثها بعد ذلك بعد أن تستقر أوضاعنا.
أيقنت لين أن لا جدوى من متابعة الموضوع ماذام رادولف لا يرغب في إطلاعها على شيء. ماذا عنى بإستقرار أوضاعنا؟ تنهدت معلنة فشلها في حل ولو جزء صغير من اللغز الكبير الذي يحيط بالغجري ذي الشخصية الغريبة.
_ أحياناً عندما تتكلم ، لا أراك غجري يا رادلوف!
_ ومع ذلك أنا غجري ابن غجري.
تفحصت لين عينيه السوداوين التين تعلمت قراءة ما فيهما من أحاسيس: الغضب والحنان ، الندم ، الأسف والحزن العميق أما في هذه اللحظات بالذات فتقرأ فيهما تحدياً كأن رادولف ينتظر منها أن تحاول انكار كونه غجرياً. انه يعلم ما يدور في فكرها من أسئلة محيرة ، لكنها تجاوزت التحدي وقالت:
_ ما سبب بقاءنا هنا ليلة أخرى؟
كانت تعلم أن السبب هو رغبة رادولف بلقاء بوريل ، وبالفعل لم يخيب زوجها ظنها عندما أجاب:
_ أنا أنتظر شخصاً هنا.
تظاهرت لين بعدم معرفتها ذلك فتعجبت وقالت:
_ تنتظر رجلاً أو امرأة؟
_ أنتظر رجلاً.
_ عجبت حقاً أنك تستضيف زواراً في هذا المكان!
قالت لين ذلك وعيناها تنظران إلى الأرض مخافة أن تفضحاها.
_ لا يفاجئني ذلك يا عزيزتي فهناك الكثير من الأمور التي تعتبرينها غامضة. وأعدك بأنها ستتوضح عندما أطلعك على خطتي.
ماذا حدث لصوت رادولف الآمر؟ لماذا هذا الإرتجاف الذي يخفي خوفاً من أن ترفض لين اقتراحه.
_ ما تفعله مجرد تسكين للألم وتأجيل للمشكلة ن فأنا ضقت ذرعاً بهذه الأسرار!
_ الخطأ خطأك... لو لم تعتبريني حثالة المجتمع لما حصل كل ذلك.
لم تعرف لين كل هذه المرارة والحزن في صوته قبل الآن ، ولم تر شفتيه مرتعشتين ويديه ترتجفان. ثقته الكبيرة بنفسه لم تفلح في إخفاء توتره وانفعاله وكأن مستقبله معلق على ما سيحدث في الساعات القليلة المقبلة.
- من جهتها حافظت لين على هدوئها وتكلمت يدفعها الحب المسيطر على جميع تصرفاتها وأقوالها:
- _ ألم يخطر ببالك أني غيرت رأي فيك؟ لقد قلت ذلك تحت تأثير الصدمة والهلع! أي انسان يقول أشياء ثم يندم ، كما يفعل أشياء ثم يندم.
كانت تشير بكلامها إلى غلطتها المشتركة ، غلطتها في وصفها له بحثالة المجتمع ، وغلطته في ضربها وارعابها. لا ريب في أن رادولف نادم على استعماله العنف أنه لن ينسى ما فعلت يداه بسهولة.
_ راجعت ضميري مراراً بشأنك. أقر بأن عندك ازدواجية في الشخصية وأن فيك جانباً سيئاً ذكرته مرة ولكنك تملك تملك جانباً حسناً لا أنكر إعجابي به.
تبع ذلك سكوت تام ، سكوت دهشة بحث خلاله رادولف عن عيني زوجته ليفهم أكثر . ولكنها هربت من نظراته لا تكاد تصدق ما تفوهت به. كانت على وشك الإعتراف بحبها لا بل هي فعلت بطريقة غير مباشرة . إذ لا مفر من كون رادولف فهم ذلك من قولها هذا وتصرفاتها في المدة الأخيرة. أحست لين بالإنكسار لأنها لم تستطع مقاومة الحب الذي نما في داخلها تجاه هذا الرجل. رغم أن لقاءها به حفل بالذعر والخوف. ورغم أنها تأبى فكرة العيش زوجة لغجري. جماله البدائي وطبيعته العفوية المتسلطة سيطرا على كيانها كالقدر المحتوم. ولم تنجح في الإفلات من قبضتهما ونزعتهما الإستحواذية.
عندما نظرت إليه أخيراً شعرت أن الأمر قد فصل ، وأنها مستعدة للمضي حتى النهاية ولتسليمه الدفة ليقودها حيث يشاء. قبلت بالعيش مع الغجر مهما كان رادولف ومهما فعل. وأدركت ارتباطها به ليس مءقتاً كما تصورت. بل نهائياً.
أخذ الغجري يهز رأسه غير مصدق ماسمعت أذناه.
_ إذا صح ماتقولين يا لين فهناك أمل كبير لنا!
ظهر للين عبئاً كبيراً نزل على كاهله لما تكلم ، وأن آفاقاً جديدة فتحت اماما عينيه. أيحبها رادولف؟ أيمكن أن يتخلى عن مجتمعه الغجري وأهله من أجلها؟ أمن الممكن أن يعيشا حياة طبيعية في منزل صغير ويتخذ رادولف مهنة شريفة يرتزق منها ويربي أولادهما تربية صالحة؟
_ لين ، أتعنين ما قلتِ حقاً؟ ألن تحاولي الفرار والرحيل عني؟
لم يدم ترددها طويلاً وسرعان ما منت عليه بأحلى ابتسامة وقالت بصوتها الحنون:
_ أعني كل حرف خرج من فمي. لن أتركك أبداً.
توقف الكلام عند هذا الحد. وأظهر الزوجان ارتياحاً بعد أن لا حت بشائر الأمل بحياة سعيدة و مديدة وأن يكن الأمر بحاجة إلى التفاصيل البسيطة...
كانت xxxxب الساعة تشير إلى الرابعة بعد الظهر لما رن جرس الهاتف. ترك رادولف الرسائل التي كاهن يكتبها وأسرع ليجيب على المكالمة.
رأت المرأة زوجها ينفعل ، يتجهم ، ويمتلىء غضباً عارماً. ثم يقول بصوت مخنوق:
_ هل ماتت؟ لم تمت ولكنها بحالة خطيرة؟ يجب أن أعثر عليه قبل رجال الشرطة. يا إلهي لماذا لم يأت هذا الغبي إلى هنا كما كان ينوي!
تملكها خوف شديد لا تعلم سببه وهي تراقب زوجها يستمع إلى محدثه بقلق عميقز وعلمت ما سيقوله بعد أن أقفل الخط.
_ علي الخروج لبضع ساعت يا عزيزتي. أرجوك لا تطرحي علي أسئلة لن الوقت ليس لصالحي. لا خوف عليك من البقاء هنا وإذا شءتش أرسل لكِ السيدة وايت لتعتني بك في غيابي.
_ أأستطيع مرافقتك؟
_ لا يا لين فأنا لا أريد اقتحامك في هذه المشكلة.
قالت له أنها ستكون بخير وبإنتظار عودته على أحر من الجمر.
_ أرجو أن أتمكن من العودة خلال الليل. وعلى كل حال سأكون هنا صباح الغد كحد أقصى.
طبع قبلة ناعمة على جبينها وأضاف:
_ سيكون كل شيء على ما يرام بيننا قرباً يا ملاكي.
بعد ثوان انطلق بالسيارة بسرعة فنهبت الأرض نبهاً مرسلة سحابة من الغبار إلأى الفضاء.
جلست لين وحيدة تحدق في البحر الأزرق الهادىء المتلألىء تجت قرص البحر الأحمر وليس لديها سوى أفكارها وتساؤلاتها تؤنس وحدتها. من يكون بوريل هذا؟ لا ريب في أنه شخص مهم بالنسبة إلى رادولف وأنه ارتكب عملاً خطيراً يعرضه لمطاردة العدالة.
_ تنهدت بعد أن تعبت من التفكير وقالت بصوت عال:
_ لماذا أتعب راسي بهذه الأمور مادمت لا أعرف خيوط الحقيقة؟
تدريجياً بدأ الغسق يلف الدنيا ملوناً البحر بستار رمادي. والجبال بوشاح قرمزي ناعم. قررت لين أن تقوم بنزهة بعد العشاء الخفيف الذي تناولته. وبعد عودتها تمددت على كرسي مريح في غرفة الجلوس المضاءة بنور شاحب يضفي عليها جواً شاعرياً يحتاج إلى وجود رادولف ليكتمل! تمنت أن يكون لها يوماً بيت كهذا تعيش فيه مع من تحب ، ولربما تحققت أمنيتها متى عثر رادولف على وظيفة محترمة.
شغلت المرأة نفسها بقراءة بعض المجلات حتى لا تشعر ببطء الوقت وثقل الوحدة. كما استمعت إلى موسيقى ناعمة تبث بواسطة مكبرات للصوت منتشبرة في جميع غرف المنزل.
في حوالي العاشرة أوت إلى فراشها بعد أن استبعدت عودة رادولف وما لبثت أن غفت على صوت حفيف الأوراق تتصادم بفعل النسيم العليل.
أفاقت لين من غفوتها مرتعدة على ضجة خفيفة فجلست في سريرها صامته ، تاركة النور مطفأ. ولما تكرر الضجة خفت من جديد ولكن لدقائق قليلة فقت إذ سرعان ما فتحت على صوت الباب يفتح. ربما عاد رادولف ولم يشأ إزعاجها فدخل لينام في غرفة أخرى. همت لين بالنهوض لملاقاة زوجها ولكنها عدلت كي لا تزعجه إذ لا شك في أنه مرهق جداً ، ومحتاج للوحدة لإستجماع أفكاره ولتقاط أنفاسه. بامكانها إنتظار طلوع النهار حتى تعرف منه الحقيقة التي وعد بكشفها حالما ينتهي من مهمة العثور على بوريل.
أضائت لين المصباح الكهربائي الموضوع قرب سريرها ونظرت إلى الساعة: الثالثة فجراً. لو كان معها كتاب تطالعه لأضاعت الوقت حتى تبدأ الشمس بالشروق وتطرد ظلام الليل الطويل. أتذهب إلى غرفة الجلوس وتحضر كتاباً من الكتب المرصوصة على امتداد الجدران؟ تخلت لين عن هذ الفكرة مخافة إزعاج زوجها ، فأطفأت النور وعادت إلى النوم.
استيقظت لين في الخامسة وقررت الانتظار ساعة حتى تنهض لأن رادولف أوى إلى سريره متأخراً. فلا ضرورة لإيقاذه في هذا الوقت الباكر. وأمضت وقتاً طويلاً تحت الماء الساخن تنعش جسمها. جلست أمام المرآة تتزين استعداداً للقاء رادولف على أمل أن تكون مهمته انتهت على خير وتبدأ صفحة جديدة في حياتهما. بعد أن تأملت وجهه جيداً في المرآة وجدته مرضياً برنسا أبيض وخرجت إلى المشي تبحث عن الغرفة التي يحتلها رادولف.
في تلك اللحظة فتح إحدى الغرف فاستدارت لين مبتسمة... ولكن الإبتسامة لم تطل لما رأت المرأة وجه الغجري.
ماذا حل به؟ عادت إلى وجهه إمارات القسوة والوحشية التي طالعها بها في ذلك اليوم الذي لا ينسى حين حاول الإعتداء عليها...
همست لين في ذهول:
_ رادولف...ماذا...
صدمت عندما رأت القميص مفتوحاً عن صدره يغطيه شعر أسود كثيف. أكثف مما عهدته فيه! رفعت عينيها إلى وجهه ووضعت يدها على فمها لهول المفاجئة: من أين أتى بهذه النظرات الرهيبة ظهرت أمامه خيالات اسطورية!
_ رادولف أنت تخيفني...
كان مظهره كمجنون خطر وظنت لين أن الجانب الشرير طغى مرة أخرى على شخصيته المزدوجة وأن رادولف الذي تعرفه... ولكنها ما لبثت ان ابتعدت أكثر من ذلك وأدركت أن هذا الرجل ليس زوجها!
توضحت الصورة أمام عيني المرأة بسرعة البرق. فهذا الرجل هو بوريل الذي يبحث عنه رادولف ، وهو لالطبع الشقيق الذي حدثها عنه زوجها حيث أغفل أن يذكرها لها أنهما توأمان!
تكلم الرجل أخيراً:
_ مالذي أتى بكً إلى هنا؟
تراجعت لين خائفة تبحث عن بابا غرفتها لتقفل على نفسها هرباً من هذا الغجري الشرير. وكان هلعها شديداً فانعقد لسانها ولم تستطع التفوه ولو بكلمة واحدة. كرر الرجل سؤاله وهو يقترب منها ببطء لسوء حظها وجدت نفسها تصدم بالجدار بدل أن تقودها قدماها المرتجفتان إلى الغرفة. فجحظت عيناها وفغرت فاها في فزع رهيب عاجزة عن الحراك.
_ رادولف... يبحث عنك...
ارتسم على شفتي الرجل ما ظننته لين ابتسامة وقال بخبث:
_ سمعتى أن أخي تزوج ، فأنت ولا شك الزوجة المحظوظة.
_ أصبت.
_ يال للصدفة! وأنا كدت أنال منكِ في الغابة لولا تدخل ماندا لإنقاذك!
أطلق بوريل ضحكة شريرة وأضاف.
_ يالسخرية القدر كدت أعتدي على زوجتة أخي!
مرر أنامله الطويلة في شعره الأسود الكثيف فزاد شكله غرابة واقتراباص من الجنون.
_ لكن ماندا لن تستطيع انقاظك الآن سأصيب عصفورين بحجر واحد. ألهو قليلاً وأنتقم من أخي المحترم بعد كل الذي فعله معي.
بدأ بوريل مستعداً للإنقضاض على فريسته الضعيفة ولين عاجزة عن الحركة بعد أن خانتها شجاعتها ولم تعد تقوى على الصراخ. مرت في مخيلتها صور كثيرة ففهمت تقريباً كل ماحدث. حدقت في وجه الغجري جيداً وأيقنت أن الرجل الذي هاجمها عندما تعطلت سيارتها ليس نفسه لذى قابلته في الغابة على الجواد! لا سيما وأن بوريل يحمل أثر جرح عميق في مفرق شعره ظهر واضحاً عندما مرر يده فيه. آه لو أنها انتبهت لهذا الجرح لكانت وفرت على نفسها وزجها الكثير من الآلام والأحزان! وفهمت إلى الآن لماذا يشير رادولف إلى الحادثة الثانية لما كانت تكلمه عن الأولى! فكيف له أن يتذكر الأولى وهو لم يكن طرفاً فيها!
أمر رادولف بلهجة مفزعة:
_ اقتربي مني يا امرأة! تعالي لأرى هذا الجمال عن قرب. لا بد أن شقيقي المليونير يقدم لكِ ما ترغبين من الثياب ، أما أنا فلا أملك سوى نفسي أقدمها!
تبع ذلك ضحكة هستيرية ملأت أرجاء المنزل وأشعرت لين أن أذنيها ستنفجران.
_ لنأمل يا حلوتي أن يطول غياب رادولف حتى أتمكن من اللعب معكِ على مهل.
مد يده السمراء نحو لين فصارت المرأة على حافة الإغماء. ولما انقض عليها بدأت بمقاومته بكل ما أوتيت من قوة . كان لبوريل قوة ثور هائج ، لكن يأس لين دفعها إلى الصمود وهي تنتظر وقوع معجزة ومجيء زوجها لينتشلها من براثن شقيقه المتوحش. ولكن زمن المعجزات ولى وشيئاً فشيئاً بدأت قواها تخور وعزمها على المقاومة يضعف إلى أن هدأت تماماً وتمددت خائرة القوى على الأرض. حملها بوري إلى كنبة في غرفة الجلوس ، دبت فيها قوزة مفاجئة فركلته على معدته وسقط على الأرض مغشياً عليه بعد أن ارتطم رأسه بحافة المقود. كان هذا آخر مشهد تذكرته قبلما تفقد الوعي بعد ذلك...


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:30 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.