آخر 10 مشاركات
رواية ناسينها ... خلينا نساعدكم [ أستفساراتكم وطلباتكم ] (الكاتـب : × غرور × - )           »          نبضات حرف واحاسيس قلم ( .. سجال أدبي ) *مميزة* (الكاتـب : المســــافررر - )           »          على ضِفَّة لوحة انتظار ! وَ في لحظاتٌ تُحَيّكَ بهما الأَشْواقُ.(مكتملة) (الكاتـب : عمر الغياب - )           »          61 - الشبيــه - نان اسكويث- (مكتوبة/كاملة) (الكاتـب : SHELL - )           »          68 - ذهبي الشعر - فلورا كيد - ع.ق (الكاتـب : pink moon - )           »          128- فرس الريح - مارغريت بارغيتر - ع.ق(كتابة /كاملة)** (الكاتـب : أمل بيضون - )           »          0- عاشت له - فيوليت وينسبر -ع.ق- تم إضافة صورة واضحة (الكاتـب : Just Faith - )           »          030 - خيمة بين النجوم - دار الكتاب العربي (الكاتـب : Topaz. - )           »          [تحميل] الحظوظ العاثرة،للكاتبة/ الرااااائعه ضمني بين الاهداب " مميزة "(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          شيء من الندم ..* متميزه و مكتملة * (الكاتـب : هند صابر - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > منتدى روايات (عبير- احلام ) , روايات رومنسيه متنوعة > منتدى روايات عبير العام > روايات عبير المكتوبة

Like Tree11Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-08-16, 05:41 PM   #1

miya orasini

نجم روايتي ومشرفة سابقة وعضوة فريق الكتابة للروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية miya orasini

? العضوٌ??? » 244480
?  التسِجيلٌ » May 2012
? مشَارَ?اتْي » 7,329
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » miya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك carton
Rewitysmile27 121 - خاتم الأنتقام - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة(حصريا)( مكتوبة/كاملة )**




121 - خاتم الأنتقام - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة

الملخص


الأخلاص يجعل الأنسان يسير بحياته ومواقفه أحيانا الى درجة التضحية بالذات
دونا الوردة البيضاء , الآتية من بلاد الضباب الى ايطاليا , للعمل كسكرتيرة للمثلة المشهورة سيرافينا نيري , تلتقي في روما رجلا غامضا , يعلق في أذنه ( خاتم الأنتقام ) , لفّها بسحرة الصقلي......كلّمها عن الأسرار وهي لا تعرف عنه شيئا حتى اسمه بل تخاف منه فتقرر محوه من فكرها.
ريك لورديتي يعمل حارسا شخصيا للمثلة سيرافينا , مخلص لها لدرجة الموت , ضحّى بشبابه من أجل حمايتها , بينهما أسرار لا تستطيع دونا كشفها , علاقتهما غريبة ومشبوهة , حتى أدوني ابن سيرافينا يكره ريك ويخاف منه , تقرر دونا الرحيل والهرب , فهو ليس لها.... بل لسيرافينا التي تكبّله بالسلاسل , لكن ريك يمنعها من الرحيل , وتأتي يد الحب لتنزع الأقنعة... ويبزغ فجر جديد على قرارات دونا.

روابط الرواية

word
محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي



محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي



pdf
محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي




ندى تدى and Nana.k like this.


التعديل الأخير تم بواسطة miya orasini ; 05-08-16 الساعة 06:15 PM
miya orasini غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-08-16, 05:43 PM   #2

miya orasini

نجم روايتي ومشرفة سابقة وعضوة فريق الكتابة للروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية miya orasini

? العضوٌ??? » 244480
?  التسِجيلٌ » May 2012
? مشَارَ?اتْي » 7,329
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » miya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك carton
افتراضي

1-الغامض من جزيرة الليمون!

جلست دونا هدسون تتأمل ذلك المنظر الطبيعي الخلاّب بدهشة واعجاب شديدين , كانت سيارة الأجرة القديمة تجتاز تلك الطرقات الضيقة صعودا , حتى بدت كأنها معلقة في الهواء , فوق مجموعة كبيرة من الصخور البحرية الضخمة , لم يبد على السائق الأيطالي أي توتر أو أزعاج أطلاقا , وكان يوجّه اليها بين الحين والآخر ملاحظات لم تفهمها ولكنها تصوّرت بأنها تطمينات اليها.
شعرت دونا في تلك المناطق الجبلية الوعرة بأنها خلّفت المدينة وراءها ... في تلك المنحدرات المنخفضة لجنوب أيطاليا , حيث كروم العنب وحقول الزيتون واللوز وبساتين الفاكهة , أما في تلك المرتفعات , فلم تكن هناك سوى البرية والعظمة , أحست دونا بروعتهما .....ز وبالخوف منهما , وفجأة أدار السائق وجهه الى الوراء وقال لها:
" فيللا أمبراتوري".
توتّرت أعصابها بعض الشيء لمجرد علمها بأنها على وشك الوصول الى المكان الذي تقصده , لم تتوقع أن يكون منزل الممثلة المتقاعدة سيرافينا نيري في هذا الجزء من ايطاليا , كانت تتصوره فيللا جميلة في ضواحي روما الغنية ..... قصرا فخما تحيط به التماثيل البيضاء والنوافير المنعشة , وقالت لنفسها أن منزلا في هذه المنطقة الجبلية النائية لا بد أن يكون بدائيا ..... وربما رومنطيقيا.
تحوّل السائق بسرعة الى طريق جانبية أدّت الى بوابة حديدية كبيرة , محكمة الأقفال , خرج حارس يرتدي الثياب المدنية من منزل حجري صغير يقع بين مجموعة من الأشجار , وراح يتبادل الحديث مع سائق السارة , مرّت بضع دقائق قبل أن يستدير السائق نحوها ويقول لها بلكنة أيطالية قوية:
" جواز السفر , يا آنسة ! أنه يريد رؤية الجواز أولا!".
" يريد التأكد من حقيقة هويتي!".
أخرجت جواز السفر من حقيبتها وأعطته للسائق , الذي أعطاه بدوره الى الحارس , تأمّل الرجل الجواز بدقّة وتمعّن , ثم طلب من الآنسة هدسون أن تسمح بالخروج من السيارة كي يتأكد نهائيا من أنها هي الآنسة المنتظرة.
نزلت دونا وهي تشعر كأنها وصلت الى حدود دولة صغيرة تحكمها سيرافينا نيري, الممثلة السينمائية العالمية التي تقاعدت وأختارت العزلة ضمن جدران قصر يحميها فيه حراسها الشخصيون ...... ليس فقط من الصحفيين والمصورين والفضوليين , ولكن أيضا من خطر الأختطاف ودفع الفدية , أقنعت دونا نفسها بأن هؤلاء الأشخاص مضطرون لأتخاذ كافة التدابير الوقائية , ولكن هذا الحارس يرى بالتأكيد أنه ليس معها أي مسدس أو آلة تصوير , تفحصها بدقة بالغة من رأسها حتى أخمص قدميها , ثم أعاد اليها جواز سفرها وتحدّث ثانية مع السائق وهو يلوّح بيديه بعصبية واضحة , فهمت دونا ماذا يجري بين الرجلين , لأنها سرعان ما شاهدت السائق يخرج من سيارته ويفتح صندوقها ثم يضع الحقائب على الأرض ويمد يده طالبا أجرته , أحست بأن الحارس سيسمح لها بدخول البوابة ...... ولكن سيرا على قدميها , يبدو أن لديه أوامر مشددة بألا يثق بأحد......
أعطت السائق أجرته , فأطلق لسيارته العنان مخلفا وراءه عاصفة من الغبار , وقفت دونا تراقب بهدوء , فيما الحارس يفتش حقيبتها تفتيشا دقيقا للغاية , أغمضت عينيها ورفعت وجهها نحو الشمس لتنعم بالدفء , وبتلك المسحة الخفيفة من اللون البرونزي على وجنتيها.
لم تكن ظروف عملها في تلك الفيللا مشجعة كثيرا , لا بل أنها في بعض متطلباتها مزعجة ومثيرة للأشمئزاز , ولكن دونا كانت تتحرق شوقا للوصول ال أيطاليا وتمضية بعض الوقت في مدنها وقراها الساحرة , حصلت على وظيفتها هذه , لأن والدها مصور سينمائي مشهور , وعمل بضع مرات بنجاح باهر في أفلام سيرافينا نيري , تذكرت سيرافينا أسم هدسون فحصلت دونا على وظيفة هامة , ألا وهي مساعدة الممثلة العالمية في كتابة مذكراتها.
كانت دونا تقوم بمثل هذه الأعمال سابقا وتفضّلها على الأرتباط بوظيفة مكتبية دائمة , ولكنها تعرف أن لهذه المهام المؤقتة مشاكلها ومصاعبها , ساعدت مرة فكاهيا ذائع الصيت في كتابة قصة حياته , فلم تجد أي فكاهة ومرح في محاولاتها الدائبة والجاهدة للبقاء بعيدة عن مغازلته ويديه , ولكنها ستعمل هذه المرة مع أمرأة أما هي فأن أحتمالات فقدانها لصبرها... أقل بكثير من أي وقت مضى.
أخذت حقيبة يدها من يد الحارس ولوّحت بها قائلة له كلمة الشكر الأيطالية الجميلة التي تعرفها , حدّق بها برهة ثم أنفرجت أساريره وأنحنى لحمل الحقائب , أشار اليها بأن تتبعه , ففعلت ذلك بدون تردد , وسارا على ممر ضيق بين صفين طويلين من الأشجار الباسقة , كانت العصافير تزقزق وتقفز على الأغصان بفرح ظاهر , مضيفة مزيدا من العزلة الى هذه المنطقة النائية , كيف يكون شعور الأنسان أذا كان غنيا وجميلا وذا شهرة عالمية ...... ويعيش في خوف دائم من الأختطاف؟ هل تشعر سيرافينا بأثارة من نوع ما وهي لم تعد تظهر على شاشة السينما , بل تعيش على أمجاد الماضي....... وحيدة؟ وتمتمت دونا بمجرد وصولها الى باحة الفيللا:
" رائعة كأنها من صنع الخيال!".

نظر اليها الحارس بأستغراب وقال لها بالأيطالية:
" عذرا يا آنسة؟".
أبتسمت ثم أشارت بيدها الى الفيللا وردت عليه بلغته ممازحة:
" أنها جميلة جدا هذه القلعة الحصينة".
هز الحارس رأسه بدون أن تتغير ملامحه أو أن يبتسم , تصورت دونا أنه ربما كان أنسانا طيب القلب , دمث الأخلاق , على الرغم من ذلك المسدس الكبير الذي يتدلى من حزامه , ثم قال لها , مستخدما اللغتين معا:
" هيا , يا آنسة , أتبعيني".
سارت وراءه بأتجاه الباب الخشبي بدون أن تتفوه بكلمة واحدة , شد جرسا معدنيا الى جانب المدخل وأنتظر حتى أنفتحت طاقة صغيرة في الباب , هز الحارس رأسه للشخص الذي يقف في الداخل , ثم حياها بتأدب بالغ وتركها مع حقائبها , ابتسمت دونا للعينين السوداوين التين كانتا تحدقان بها , وقالت:
" أنا الآنسة هدسون , السيدة نيري بأنتظاري".
فتح شاب وسيم الباب العريض محييا بأحترام , ثم حمل حقائبها وسار أمامها عبر القاعة الجميلة المبردة صعودا الى قاعة الجلوس , توقف الشاب لحظة ثم طرق أحد الأبواب المزدوجة وهو يتأمل وجهها وجسمها بشكل مغر , تظاهرت بأنها لا تأبه لنظراته , لأنها كانت تشعر بأن سيرافينا التي تحيط نفسها بالرجال لا بد أنها أمرأة تحب أن تكون وحدها محور أهتمامهم وأعجابهم , ومن المؤكد أن المغازلات أمور غير مستحبة في هذا المنزل , هذا لا يهمها كثيرا , لأنها لم تلتق بعد الرجل الذي يزيد من سرعة خفقان قلبها أو يلهب مشاعرها وأحاسيسها.
" أدخل!".
فتح الشاب بابا يؤدي الى غرفة كبيرة رائعة تجلس فيها سيدة بمفردها.
" الآنسة هدسون".
أعلن الشاب وصولها ثم أنسحب بسرعة تاركا الشابة الجميلة مع ربة عملها , تأملت كل منهما الأخرى بهدوء وروية .... فتاة بريطانية نحيلة الجسم عادية الملامح , وسيدة أيطالية فائقة الجمال ذات شعر أسود لماع وعينين خضراوين جذابتين وجسم يضج فتنة وكمالا , كانت سيرافينا تقف قرب النافذة بأبهة وفخر..... تجسّد أحلام الملايين من الرجال في جميع أنحاء العالم , أنها المرأة التي كان الرجال يشاهدونها بلهفة وسعادة ...... وحرقة , متمنين لأنفسهم لو أن زوجاتهم أو صديقاتهم يشبهنها من حيث الجمال والأغراء , نظرت اليها وقالت بصوت ناعم ودافىء.
" أذن أنت دونا!".
هزت الشابة رأسها فمضت الى القول:
" كان والدك , يا دونا , صديقا عزيزا جدا , ومصورا ناجحا للغاية ..... فنانا الى درجة الأبداع , كان يعرف كيف يصور لي اللقطات القريبة أذ كان يخفف كثيرا من بروز أنفي الأيطالي.. أن كنت تعرفين ما أعنيه!".
ابتسمت دونا وهي تلاحظ فجأة أن هذه السيدة أكثر أنسانية مما بدت عليه في الوهلة الأولى , كانت تبتسم عندما قالت لها دونا:
" كان يتحدث عنك بأستمرار , يا سيدة نيري , أخبرني أكثر من مرة أنه كان يفضل العمل معك أكثر من غيرك , فلك أسلوب مميز وشخصية فذة في التمثيل.
ثم تنهدت وأضافت قائلة بهدوء:
" حزنت كثيرا عندما لقي حتفه في ذلك الحريق البشع الذي ألتهم أستديوهات الشركة في لوس أنجلوس لا شك أنها خسارة فادحة ومؤلمة جدا بالنسبة اليك يا صغيرتي , وخاصة لأنك كنت فقدت أمك أثناء طفولتك , أنه القدر , ولا يمكننا تجنبه أو تفاديه كما لو أنه حلول الظلام أو شروق الشمس , والآن يا عزيزتي , سوف تساعدينني كي أصبح كاتبة , أنه دور جديد جدا بالنسبة الي , وسوف يساعدني على تمضية الوقت , أليس كذلك؟".
أبتسمت دونا وهزت برأسها , مسكينة هذه الأمرأة ! تملك مساحات شاسعة من الأراضي والحقول والبساتين , ولا تعرف كيف تتمتع بها , تلك الزهور الرائعة التي تنبت في كل مكان , تلك العصافير المختلفة التي تغني على رؤوس الأشجار وبين أغصانها ...... تلك الطرقات الصغيرة والممرات الضيقة المتشعبة التي تؤدي الى مناطق جبلية ساحرة تطل على مياه البحر المهدئة للأعصاب!
ولكن سيرافينا زهرة طرية العود وليست أحدى تلك النباتات ا
برية القوية , ومن المؤكد أنه لم يخطر ببالها قط أنه يمكنها أيجاد متعة كافية في الأمور البسيطة , عاشت طويلا في الأضواء , وتريد أن تضع الآن في كتاب واحد ذكرياتها عن تلك الأيام..... والليالي...... الفاتنة والباهرة , تريد أن تذكّر العالم بغرامياتها .... بأنتصاراتها........ وبدموعها.
" هل تعتقدين أن بأمكاننا القيام بعمل جيد معا؟".
وجهت سؤالها وهي تشير بيد جميلة الى مقعد وثير قريب منها, جلست دونا بهدوء وقالت:
" آمل ذلك يا سيدتي , الفيللا جميلة للغاية وأنا لدي شعور بأنني سأتمتع بهذه البلاد الرائعة".
" كل من له قلب حنون ومشاعر حساسة يحب أيطاليا ويتمتع بها , سوف تناديني سيرافينا , كما يفعل المقيمون في الفيللا".
ثم سألتها بلهجة جادة:
" أخبريني , أليس لديك شاب يعترض على أبتعادك عنه؟ سيأخذ أعداد الكتاب فترة طويلة , فلدي معلومات كثيرة أريد أن أضمنه أياها , وأنا لا أسمح لأي غريب بالحضور الى هنا , لزيارة أي من العاملين لدي".
" ليس لدي صديق في الوقت الحاضر .... ليس بشكل دائم وثابت على الأقل , بأمكانك أعتباري موظفة محترفة , وليس فتاة لا يهمها سوى الخروج مع الشبان والسعي للزواج".
" عظيم".
جلست سيرافينا بأناقتها المعهودة على كنبة مغطاة بجلد الحمار الوحشي , لا يمكن تقدير عمرها بأكثر من ثلاثين , ولكن دونا تعرف من وادها أن الممثلة الشهيرة تجاوزت الحادية والأربعين , بشرتها ناعمة جدا , وعيناها لا أثر للتعب فيهما , وشفتاها تضجان حياة وأغراء ودعوة , أبتسمت سيرافينا وقالت لها:
" أنك تحدقين بي , هل ستتعجبين كثيرا عندما أقول لك أن لدي أبنا في الخامسة والعشرين من عمره؟".

ردت دونا بأبتسامة خجولة , قائلة:
" أخبرني أبي أنك سيدة جمبلة جدا , الجمال الحقيقي لا يذبل , بل يزداد روعة وبهاء.
ضحكت سيرافينا وقالت:
" كجوهرة نادرة أو لوحة لأحد الفنانين المشهورين ؟ أذا ولدت المرأة جميلة , فأنها تعتني بجمالها تماما كما تعتني بجوهرة ثمينة , أنا لا أخرج كثيرا الى الشمس , وقد تجد فتاة بمثل حيويتك ونشاطك , أن ذلك خطأ فادح وجسيم , كما أنني لا آكل طعاما يضر بصحبتي أو يزيد من وزني , أنا أمرأة دقيقة جدا يا دونا , كذلك يمكنني أن أكون مزعجة جدا وقاسية الى أبعد درجة , عندما يكون مزاجي سيئا , هل تعتقدين أن أعصابك ستتحملني؟".
" أنا لست زهرة ضعيفة , يا..... سيرافينا".
أنه أسم جميل , ولكن دونا شعرت بشيء من الخجل لمناداة ربة عملها بأسمها الأول..... وخاصة عندما تذكرت الشهرة المذهلة التي حققتها هذه الأمرأة المثيرة , وتذكرت دونا أيضا أن سيرافينا أنطلقت من أزقة صيقلية لتصبح نجمة عالمية يسعى الى الفوز بقلبها وبحبها بعض أشهر العازبين في العالم , ولكن سيرافينا تزوجت في الثامنة عشرة رجلا يكبرها بسنوات عديدة , لم تعش معه سوى فترة قصيرة , أنجبت خلالها صبيا تولى الوالد تربيته عندما ذهبت هي في سبيلها سعيا وراء الشهرة والثروة , لم تعد الى زوجها بعد ذلك الحين , ولأسباب غريبة وخاصة بها , وجدت من المناسب أن تظل متزوجة منه......
وكأنها تفضل أن يحبها الرجال عن بعد.
" لا يا عزيزتي , فأنت شابة تملك ملامح قوية تعجبني الى حد كبير , كما أنك لست من نوعية الأشخاص الذين يتصرفون بخنوع , أنا أكره وأحتقر الأشخاص الذين يلاطفونني كذبا وبهتانا , أوه , نعم ...... أحب الناس الذين يعاملونني بأخلاص حقيقي , لدي حراس عديدون في هذا المكان , رأيت بعضهم وأنت في طريقك الى هذه القاعة , أنت تعرفين يا دونا أنني أمرأة ثرية , ثمة رجال عصابات في هذه المرتفعات يتمنون أختطافي للحصول على فدية دسمة , حاولوا ذلك مرة! كنت متوجهة بالسيارة الى نابولي لزيارة شقيقتي , فأحاطوا بالسيارة وهم يركبون دراجات نارية سريعة , ولكن لحسن الحظ, كان مرافقي الخاص معي فأنقذني من أولئك المجرمين القذرين الذين لا يعملون لكسب عيشهم بل ينقضون كالعقبان الجائعة على الذين عملوا جاهدين لتحقيق ما توصلوا اليه بنجاح وغنى.
أسندت سيرافينا رأسها الى وسادة ناعمة , وأغمضت عينيها ثم مضت الى القول:
" نعم , عملت في شبابي كالكلاب وسوف أذكر ذلك كله في مذكراتي , ستكون مذكرات مثيرة للبعض ومقززة للبعض الآخر , لأنها ستكشف نفسيات الأشخاص الذين عرفتهم على حقيقتها , لن تصابي بالملل يا مساعدتي البريطانية الشابة , ستجدين أمورا كثيرة تسليك وتثير دهشتك , وربما ستحسدينني على ما مررت به عندما كنت مثلك في العشرينات من عمري , أخبريني , ألم تجدي بعد لنفسك حبيبا؟".
فاجأتها صراحة السؤال , فأحمرت وجنتاها عندما أجابت بتلعثم:
" كنت أعتقد أن جميع الفتيات البريطانيات متحررات الى درجة بالغة , لماذا تختلفين عن غيرك , يا دونا؟ ألم تلتقي رجلا يثيرك الى درجة التهور ؟ هل من المعقول أنك لا تزالين تحتفظين بتلك المثل العليا والتقاليد المتزمتة التي تجاوزها الزمن , كأن تريدين صيانة نفسك حتى ليلة العرس؟".
لم يعجب دونا ذلك النوع من التدخل الساخر والقاسي في حياتها الخاصة, ولكنها شعرت بأن سيرافينا أمرأة تعيش في وحدة قاتلة على الرغم من ثروتها الطائلة وحماية حراسها , ومن الواضح أنها بمجرد وجودها مع أنثى أخرى , شعرت برغبة قوية للثرثرة ..... كثيرا ما تؤدي ثرثرة النساء الى مواضيع تتعلق بغرف النوم , أجابتها دونا بلهجة هادئة:
" لم ألتق بعد رجلا أحسست بمثل هذه الرغبة نحوه , بالأضافة الى أنني كنت غارقة في العمل منذ تخرجي من كلية أدارة الأعمال ".
" لديك ملامح غير عادية , مع أنه لا يمكن وصفك فعلا بأنك جميلة , هذا اللون الذهبي في شعرك طبيعي , أليس كذلك؟ أنني أسألك لأن جفنيك سوداوان".
" هذا هو شكلي الطبيعي ولا أغيرة لأي سبب من الأسباب".
" وهذا يثبت أنك أنينة صادقة ومخلصة , وأن لديك عقلا راجحا ومنطقيا , أعتقد أن الأمور بيننا ستجري على ما يرام , على الأقل في معظم الأحيان , هكذا كانت الأمور مع والدك , من المؤكد يا صغيرتي أنك تفتقدين كثيرا ذلك الرجل العظيم!".
هزت دونا رأسها وقالت:
" كان أبي رجلا متشددا لا يعرف المراوغة أو التراجع عن الآراء والمواقف , ووما لا شك فيه أنني أبحث عن صفاته وخصائصه هذه ... في الرجال الآخرين".
" هذا واقع لا بد من حصوله , أنا أحببت أبي كثيرا وسأذكر ذلك في كتابي , توفي وأنا صغيرة السن , وتولت أمي مهام تربيتي ورعايتي , براعم صقلية تتفتح بسرعة , وبعض الفتيات يتزوجن في سن مبكرة جدا..... كما فعلت أنا, كان زوجي , رجلا طيبا جدا , ولكن الحياة معه كانت مملة , عندما سنحت لي فرصة الأشتراك في مسابقة لأختيار أجمل فتاة , أغتنمتها........".
توقفت سيرافينا لحظة ومدت يديها, فلمعت خواتمها الثمينة , ثم مضت الى القول:
"كانت تلك المسابقة بداية أنطلاقي , فزت بها , فأعطتني أحدى شركات السينما دورا تافها في فيلم عن حقول الأرز , أوه , كم كان ذلك الأمر مثيرا بالنسبة اليّ! كان تحولا جذريا عن حياة الفقر في أزقة صقلية , لم أتردد أو أتخاذل .... قررت أستغلال تلك المناسبة للأنطلاق , وفعلا , أمسكت بأطراف الحظ والشهرة , وتعلقت بها بكل قواي".
لم يكن جمالها وحده الذي سلب عقول رواد السينما , كانت تبعث حرارة خارج الشاشة الفضية , جعلت الرجال والنساء على حد سواء يحبونها ويعجبون بأفلامها , ثم عادت تسأل دونا:
" هل لديك أشقاء أو شقيقات ؟ كنت ووالدك نتحدث عادة عن الأفلام , ولم أعد أذكر ما أذا كان لديه أكثر من طفل واحد".
" لم يكن هناك غيري , كنت أتمنى دائما لو أن لدي شقيقة ولكن والدي لم يتزوج بعد وفاة أمي وكرّس حياته لعمله".
" جميل أن يكون للأنسان شقيقة , والآن , يا دونا , ما رأيك في أن تشاهدي مكان أقامتك وتنتعشي قليلا بعد رحلتك الطويلة هذه؟ هل أتيت بالطائرة الى روما؟".
" لا , أتيت بالقطار السريع من باريس الى روما , وتمكنت بالتالي من التمتع بمناظر الألب الرائعة".
" يا لك من مخلوقة قوية وشجاعة ! ألم يكن القطار مكتظا بالركاب كأحدى علب السردين ؟ ماذا فعلت في روما؟".
أبتسمت دونا وقالت:
" ذهبت الى نافورة ترافي ورميت فيها قطعة نقود معدنية , ألا يقولون أن الأنسان يحقق بذلك أمنية , وخاصة أذا كان يقوم برحلته الأولى الى روما؟".
" أوه! أذن أنت أيضا تعتقدين بمثل هذه الخرافات البريئة! أنا فعلت مثلك , يا عزيزتي , وحققت أمنيتي , ماذا كانت
أمنيتك يا دونا ؟ لا لتربحي مباراة في الجمال حسبما أعتقد ! ربما للقاء رجل يهز الأرض من تحت قدميك , أليس كذلك؟".
رفضت دونا الأجابة عن هذا السؤال , فمع أنها لم تطلب أي مغامرة عاطفية أو لقاء فتى أحلامها , ألا أنها أغمضت عينيها بقوة عندما رمت القطعة النقدية وتمنت أن تمضي وقتا سعيدا وممتعا في أيطاليا , وسمعت سيرافينا تقول بلهجة شاعرية:
" روما أجمل مدينة في العالم , تجلس السعادة في أحد مقاهي أرصفتها وتراقب الناس على أختلاف ميولهم ومشاربهم , هل أمضيت هناك فترة كافية لرؤية المغيب الدافىء والفجر المنير؟".
" أمضيت نهارا وليلة , فشاهدت مغيب الشمس وشروقها ".
تذكرت دونا كيف أستأجرت عربة وذهبت لرؤية الملعب الروماني القديم في ضوء القمر الساطع , وكيف أنتبهت فجأة وهي تسير وحدها الى أن شخصا يتبعها , خافت لأنها وحدها في مدينة غريبة , أستدارت بسرعة لتركض نحو العربة المتوقفة على بعد عشرات الأمتار عنها , فأصطدمت برجل طويل القامة قال لها:
" ماذا تفعل فتاة بريطانية مثلك في مكان كهذا؟ هل تسمعين زئير الأسود التي كانت تطلق قديما من أقفاصها لتمزق أحشاء المساكين الذين كانوا يرمون اليها؟".
ذهلت دونا لدرجة أنها لم تتمكن من الأجابة أو التعليق , وكانت مذعورة الى حد لم تلاحظ معه ألا بعد لحظات طويلة مؤلمة أنها شاهدت هذا الرجل قبلا في الفندق الذي تقيم فيه, تذكرت أنه كان يجلس الى طاولة تبعد عنها بضعةو أمتار أثناء تناول العشاء , وما لفت أنتباهها آنذاك أنه يضع خاتما ذهبيا صغيرا في أذنه اليسرى , وعاد يسألها:
" لماذا تأتين الى مكان كهذا , ما لم تكوني راغبة في العودة الى الماضي البعيد ؟ هل تسمعين زئير الأسود وضجيج الحشود الغفيرة؟".
شعرت برغبة قوية للهرب نحو العربة والسائق الذي ينتظرها , ألا أن شيئا ما في ذلك الأيطالي الغريب وفي ملاحظاته سمّرها في مكانها ..... شيئا بالنسبة الى نظراته وملامحه أيقظ خيالها وجعلها تدرك أن الوجه اللاتيني الحقيقي لا يتبدل ويتغير مهما مر عليه من عهود وأجيال , أنه أيطالي من مواليد الربع الثاني للقرن العشرين , ولكن وجهه يبدو وكأنه خارج لتوه من لوحة رسمت في عصور النهضة , وعلى رغم مخاوفها , شعرت دونا بأحساس غريب أتجاه هذا الأسمر الغريب , كانت عيناه الخضراوان تجذبانها وتثيران في جسمها رعشة لم تعرف لها سببا.
" نعم , أيتها الفتاة البريطانية الشقراء , لديك حس يجعلك تدركين حقائق الماضي وروعته , تتركين شعرك الذهبي يتدلى على كتفيك كسنابل القمح الناضجة , فيتأملك المصارعون الأشداء بأعجاب قبل أن تنقض الأسود لتنهش جسدك الطري الناعم".
دبت القشعريرة في أطرافها وهي تتخيل تلك الصورة الوحشية التي رسمها لها , وسألته بأنزعاج بالغ:
" وأنت ؟ ماذا كنت؟ أحد أولئك الرومان القساة الذين كانوا يمتعون أنظارهم بتلك المشاهد الدموية الوحشية؟".
" أنا كنت مصارعا من جزيرة صقلية , في الليالي التي كانت تسبق أحتفالات الدم والبربرية ويحضرها الأباطرة بأنفسهم , كانوا يمنحون المصارعين رغباتهم الأخيرة ..... فتيات من بين الأسيرات العذارى , آنذاك ألتقينا للمرة الأولى , أليس كذلك؟".
أعجبها بقدر ما أفزعها وأثار أشمئزازها , كانت تغطي وجهه القاسي الجذاب مسحة قوية من الألم , أبتسم وقال لها:
" من المحتمل جدا أن تنفي شابة بريطانية عصرية مثلك بأنها تؤمن بعودة الروح".
شعرت أن نظراته الحادة تصل الى صميمها وأعماق تفكيرها بشكل لم تسمح به قبلا لأي غريب أو حتى قريب , أحست بالخوف فقالت له أنها لم تفكر قط بهذا الموضوع , ثم ركضت نحو العربة , خشيت أن يلحق بها ذلك الذئب اللاتيني .... االمميز , ولكنه لم يفعل ذلك , عادت الى الفندق , فأكتشفت أن حفلة راقصة تقام هناك , تمنت الأنضمام اليها , لأنها لن تمضي سوى ليلة واحدة في روما , أعطاها شاب قناعا فضيا , لأن الجميع مقنعون , أحست بيد تمسك بخصرها وبشخص مقنع يقول لها بصوت خافت:
" هل ترقصين معي , يا آنسة؟".
واجهها مرة أخرى رجل طويل القامة يرتدي سترة داكنة , وأحست ثانية بمشاعر الخوف والخجل , عرفته لتوها , ولكنها شعرت أنه لن يدعها تفلت من يديه مرة أخرى , أمسك بمعصمها بقوة وقال:
" تعالي! قد لا تكون القطعة الموسيقية هذه مألوفة لديك , ولكنها تعزف الليلة تخليدا لذكرى أيطالي شهير ذهب الى أميركا قبل فترة طويلة وأصبح محور الأحلام السرية لجميع النساء".

لم تقل له أن أسم المقطوعة هو عشيق الأحلام , ظل يراقصها حتى فرغت الحلبة من الراقصين وبدأ أفراد الفرقة الموسيقية يجمعون آلاتهم , توجها الى الشرفة وراحا يتحدثان بهدوء وروية , كان يعرف الكثير عن أيطاليا فأصغت اليه بأنتباه كلي وكأنها في حلم , لم يذكر أي منهما أسمه للآخر , ولكنه دعاها الى تناول الفطور معه , وعند أفتراقهما , قبّل يدها وشكرها على تلك السهرة الجميلة.
لم يكن موجودا في قاعة الطعام صباح اليوم التالي , ولكنها وجدت على طاولتها وردة بيضاء ورسالة مغلقة , فضّتها بيدين مرتجفتين وقرأت محتوياتها بتمعن:
" نحن نقول في أيطاليا , الى اللقاء قريبا , ربما تمكنّا يوما ما من الرقص معا ثانية , وربما بدون أقنعة".
لم تكن الرسالة القصيرة موقعة بأي أسم , ولكن دونا علمت ماذا ترمز اليه تلك الوردة البيضاء الجميلة بالنسبة الى الأيطالي الوسيم الذي دخل حياتها على ذلك النحو المستغرب ثم أختفى بدون أن يقول لها كلمة وداع حقيقية.
" وكيف وجدت روما , يا دونا؟".
أستفاقت من ذهولها وأحلامها , ثم نظرت بأعتذار الى سيرافينا وأجابتها بأرتباك ظاهر:
" أوه........ أنها جميلة ..... رائعة , وكذلك حزينة الى حد ما ".
أبتسمت المثلة القديرة وقالت:
" أنت حقا أبنة أبيك , أذهبي الآن مع أنريكو ليدلك على شقتك , سنتناول طعام العشاء في تمام الثامنة".
لحقت دونا بالمساعد الشاب وهي تتساءل عما أذا كان أبن سيرافينا يعيش في الفيللا , تحدثت سيرافينا عن الأشخاص الذين يعيشون معها , ربما كانت تعني وجود ضيوف ..... وهم الآن نائمون , بعكس الضيوف البريطانيين الذين يمضون مثل هذا الوقت في ممارسة لعبة كرة المضرب , أو التحلق حول بركة السباحة أذا كانت مضيفتهم تمتلك واحدة.
عندما تركها أنريكو في غرفتها وأغلق الباب وراءه , أخذت دونا تتأمل بأعجاب بالغ السجادة السميكة التي تغطي الأرضية الخشبية ..... والمفروشات الأنيقة الجميلة , ومصابيح الزيت النحاسية الرائعة التي تستخدم عوضا عن الكهرباء , شعرت دونا بسرور عارم لأنها لم تعمل من قبل أبدا في مكان مثير وجذاب كهذا.
خرجت الى شرفتها وراحت تحدق بتلك المناظر الجبلية الخلابة , هذه هي قلعة سيرافينا تحكمها كأحدى أميرات القرون الوسطى , أنها أمرأة مثيرة , ومن المؤكد أن مذكّراتها ستكون مثلها , شعرت دونا بصورة قاطعة أنها ستتمتع بعملها في أيطاليا , بالرغم من تلك الحادثة التي واجهتها في روما , وضعت يدها على عنقها وأزداد خفقان قلبها عندما تذكّرت ذلك الوجه اللاتيني القوي والعينين الخضراوين , لم تعرف أحدا في حياتها أو تسمع أو تقرأ عن رجل يضع خاتما ذهبيا في أذنه.....
من يكون هذا الرجل , وهل ستلتقيه ثانية؟ كل ما تعرفه عنه أنه من صقلية , جزيرة الليمون ...... وحوادث الثأر والأنتقام.

Nana.k likes this.

miya orasini غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-08-16, 05:44 PM   #3

miya orasini

نجم روايتي ومشرفة سابقة وعضوة فريق الكتابة للروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية miya orasini

? العضوٌ??? » 244480
?  التسِجيلٌ » May 2012
? مشَارَ?اتْي » 7,329
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » miya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك carton
افتراضي

2-رقته تذيبها !

ألتقت دونا ذلك المساء عددا من الأشخاص الآخرين الذين يقيمون في الفيللا , وكان بنهم , كما توقعت , ضيوف كثيرون , لم يعرها أحد أهتماما يذكر عندما دخلت القاعة , لأنهم كانوا غارقين في ثرثرتهم عن أصدقاء أو أعداء مشتركين , ومع أن دونا تعرف الأيطالية الى حد , ألا أنها شعرت بالضياع بينهم.
تقدّم نحوها شاب فعلمت على الفور أنه أبن سيرافينا , عيناه خضراوان جميلتان , ووجهه لاتيني وسيم للغاية وأبتسامته جذابة مغرية , ألا أن نظرة دونا إليه كانت تختلف عن بقية الفتيات , من حيث أنها أكثر أهتماما بتحليل شخصيته , أنه أبن سيرافينا الذي تركته مع زوجها , فيما كانت تسعى الى الشهرة وأثارة دهشة العالم .وعندما أصبحت تتمتّع بشهرة عالمية وبثروة طائلة , أختار أبنها الأنتقال الى قصرها.
لم ترد دونا على أبتسامته الدافئة بالمثل , بل وجّهت اليه نظرة عادية , لا بل باردة , أنه يعرف أنها سكرتيرة أمه , وربما أفترض بأن توددها اليه جزء من مهمتها ووظيفتها , تأملها بتفحص بالغ , مع أنها كانت تمثل البساطة بعينيها فيما لو قيست بالنساء الأخريات , وأبتسم لها بطريقة بأنه لم يلق طوال حياته مقومة كبيرة من أية فتاة , وقال لها:
" يا له من شعر جميل ! ويا لها من بشرة رقيقة وناعمة تشجع على اللمس!ّ".
ردت عليه بسرعة وحزم قائلة:
" ألمسني , يا سيد نيري , وسأصفعك على وجهك , ستتلم أنت وسأخسر أنا على الأرجح وظيفة جيدة جدا".
وضع يده على خده وكأنه يحذّرها من أنه سيداعب وجنتيها يوما ولن تصفعه , وقال:
" أوه! أنك فتاة حادة الطباع وعصبية المزاج على الرغم من برودتك البريطانية ! ماذا تشربين يا آنسة هدسون؟ أتصور أن عليّ التصرف معك بطريقة رسمية الى أن أحصل على موافقتك بأن نصبح صديقين؟".
تذكرت ملاحظات الأيطالي الآخر الذي لم تتمكن بعد من نسيانه , وقالت بحدّة :
" أنتم الرجال الأيطاليين واثقون جدا من أنفسكم , أليس كذلك ؟ أظن أن ذلك يعود الى طريقة تربيتكم منذ الصغر , وألى معاملتكم كأسياد من جانب قريباتكم".
" ألا تعتقدين أنه يجب تدليل الفتيان الصغار؟".
" في بلادي , يا سيد نيري , يعامل الصبي كالبنت تماما , وفي بلادي أيضا , لا يغرس أحد في عقول الفتية الصغار أن الفتيات سيقعن بحبهم من النظرة الأولى وأنهن على أستعداد لأن يصبحن مستعبدات لهم مدى الحياة".
غمر عينيه بريق تحد زاد من جمالهما وقدرتهما على الأغراء , وقال بتعجب بالغ:
" أوه ! ألا تعتقدين بأمكانية الحب من أول نظرة ؟ غريب أمرك يا آنسة ! فالفتاة البريطانية تأتي عادة الى أيطاليا بحثا عن مغامرة عاطفية دافئة لا تجدها في بلادها الصناعية الباردة".
تظاهرت بعدم الأكتراث , وقالت له ببرودة أعصاب مذهلة:
" أنا , يا سيد , أتيت الى أيطاليا لأعمل , وأذا كانت دعوتك لا تزال قائمة , فأنني أفضل عصير البرتقال , أنا مجرد سكرتيرة جيدة تتمتّع بعملها الى درجة كبيرة".
" لست متأكدا من ذلك , فالماء يكون راكدا أحيانا لأنه لا يجد من يعبث به , وقد تجدين قريبا أن الجو في بلادنا سوف يذيب حبيبات الثلج التي تحيط بقلبك , سأحضر لك العصير فلا تذهبي!".
أبتسمت له بطريقة ساخرة وقالت:
" لن تتمكن من حملي على الهرب , يا سيد , فأنت لا تفزعني بما فيه الكفاية".
قطب حاجبيه أستياء ثم رفع رأسه بعنجهية وعنفوان وتوجه الى الجانب الآخر من القاعة , قالت دونا لنفسها أن هذا الشاب الوسيم واثق جدا من قدرته على الفوز بقلوب العشرات من الفتيات , بحيث أنه لن يأبه لرفض سكرتيرة باردة مثلها , أنه جذاب جدا ويعرف ذلك , ولكن دونا لم تكن تنوي أبدا أن تعرّض وظيفتها للخطر بتقّبل مغازلته ومداعباته..... أنها تعلم أن سيرافينا سيدة تحب السيطرة والتملك , ومن المؤكد أنها لن تفرح بأن أبنها يولي أهتماما خاصا لفتاة تعمل في خدمتها.

تطلّعت دونا حولها وأفترضت أن سيرافينا تنتظر تجمّع ضيوفها قبل أن تدخل بأبهة وعظمة , وهي تبدو أكثر جمالا وجاذبية من أجمل ضيفة لديها , ودخلت ربة القصر في تلك اللحظة بالذات , كانت ترتدي ثوبا فضيا خلابا وتتدلى على صدرها قلادة من الأحجار الكريمة الثمينة التي تشع كالنجوم الساطعة , تنهد الجميع أعجابا ...... ولكن دونا حبست أنفاسها لسبب مختلف تماما.
كان يتبع سيرافينا رجل طويل القامة يرتدي سترة داكنة , عرفته دونا فورا من ملامح وجهه القاسية , وقامته الممشوقة , وهيبته المتغطرسة , عكست عيناها نظرات الدهشة والصدمة ذاتها التي أحست بهما قرب ذلك الملعب الروماني القديم في روما , شعرت برغبة يائسة للهرب قبل أن يراها ذلك الرجل , بدأت في السير نحو غرفتها , ولكن شخصا وضع كوب باردا في يدها وهو يقول متمتما:

" أحبس أنفاسي دائما عندما أتأمل جمالها..... وأنا أبنها , عندما أنظر اليها أجد من الصعوبة بمكان أن أتخيلها قادرة على الحب كأي أنسان آخر على وجه الأرض , ومع ذلك فأنا برهان ثابت على أنها فعلا أحبت في وقت ما , هل يعجبك العصير؟".
شربت دونا كمية كبيرة لأن حلقها جفّ الى درجة مؤلمة , تصوّرت عندما تركت روما أنها لن تشاهد أبدا ذلك الأسمر الغريب الذي تحدّث إليها بمثل تلك الطريقة المستهجنة , ولكنه هنا ....... ولا يزال يضع في أذنه ذلك الخاتم الذهبي الذي يبرق قرب شعره الأسود الجميل , لم تتمكن , عندما بدأت نظراته تتفحص وجوه الموجودين , ألا أن تسأل أبن سيرافينا:
" من هو هذا الرجل؟".
" أنه لورديتي , ريك لورديتي , الذي يحسده الرجال في أيطاليا والعالم لأنه يعتني بالممثلة الذائعة الصيت... سيرافينا , أنها تعتمد عليه أكثر من أي رجل آخر , حتى من مستشارها المالي أو كاهتها , أنه الحارس الشخصي والخاص لأمي".
" هل تعني أنه...... أنه يعيش هنا... في الفيللا؟".
" طبعا , مع أنه أمضى الأسبوع الفائت في روما للقيام ببعض الأعمال الخاصة , كانت الفيللا في غيابه قلعة حصينة لا يدخلها أو يخرج منها أحد".
ثم أطلق ضحكة خبيثة صغيرة وأضاف قائلا:
" تشعر سيرافينا براحة بال أكبر وبتوتر أعصاب أقل , عندما يكون ريك هنا لحمايتها والأهتمام بها , أنها تعتقد أعتقادا راسخا بأنها ليس في أمان ألا بوجود ريك ,وتهزأ من فكرة أن أبنها قادر على حمايتها ...... وربما كانت على حق في ذلك , لأن أبنها ليس قاتلا مأجورا محترفا".
" وهل هو قاتل مأجور؟".
لاحظت دونا وهي توجه سؤالها هذا أن العينين القاسيتين تحدّقان فجأة بوجهها , ولكن نظرة التعرف التي توقعتها لم تكن سوى نظرة عابرة غير عابئة بوجودها إلا عرضا , أكتفى الرجل بتأمل ملامحها ثم حوّل نظراته الى شخص آخر.
" نعم , هذه هي مواصفاته بالتحديد... قاتل محترف يعمل في خدمة أمي".
حبست دونا أنفاسها بقوة , فتأملتها اعينان الخضراوان الجميلتان بأهتمام وسمعت صاحبهما يقول لها بهدوء:
" غاب اللون تماما من وجهك , يا آنسة هدسون ! ولكن لا تخافي من لورديتي أو تدعيه يقلقك , يمكنك تجاهله كليا , أنه يتناول العشاء معنا , لأن أمي تشعر بالطمأنينة وراحة الباب عندما يكون قربها , أنها تشعر بخوف دائم ورهيب من أحتمال أختطافها , ووقوعها بين أيد خبيثة تؤذيها , ولا تثق بأحد أطلاقا كما تثق بحارسها الصقلي الذي تعطيه أجرا باهظا , أنقذها قبل بضعة أشهر عندما تلقى عنها بصدره طعنة خنجر حاد , شعر بالتأكيد بآلام مبرحة ولكنه قاد سيارتها على هذه الطرقات الجبلية الملتوية بسرعة جنونية , بعيدا عن عصابة الدراجات النارية , أنا أشك كثيرا في أن لهذا الرجل أي أهتمام بأي أمرأة بأستثناء سيرافينا".
شدّت دونا بيدها على كوب العصير وكادت تحطمه , نعم..... لاحظت تلك الليلة في روما أن لهذا الرجل جانبا قاسيا جدا , وها هو الآن .... رجل خارج المجتمع يقبله الجميع كأنسان وثيق الصلة بأحدى أشهر نساء المجتمع , يعيش حياة الخطر , ولكن أخلاصه ثابت وراسخ كالجبال.
" غريب أمر هذا الرجل العنيف..... كيف يتعلّق بمثل هذه السيدة الناعمة".
ردّت دونا على الأبن بقولها:
" من المؤكد أنك تشعر بالأمتنان له لأنه أنقذ والدتك من أيدي عصابة من الأشرار؟".
" أنه يقبض أجرا مرتفعا جدا للقيام بمثل هذه المهام ولمواجهة مثل هذه المجازفات , ولكنني سأقتله بهاتين اليدين أذا تبيّن لي أن الأشاعة صحيحة!".
لم تتمكن دونا من تجاهل هذه الملاحظات , فسألته بتردد :
" أي....... أي أشاعة؟".
" أنه على علاقة بسيرافينا!".
أتسعت عيناها دهشة وأستغرابا وحوّلت نظرها نحو ذلك القاتل المحترف , بدا غير مهتم بأحد ألا بتلك السيدة الأنيقة التي ترتدي عباءة فضية رائعة , ومع أن سيرافينا سيدة طويلة جدا بالنسبة الى النساء ألا أن الرجل كان لا يزال أطول منها بمقدار كبير , عادت تنظر الى الشاب الوسيم قربها فرأت أن نظرات الحسد والحقد لم تزل في عينيه , وأن أعصابه لا تزال متوترة الى درجة الأنفجار.
توجه الجميع الى مائدة الطعام الفخمة التي تصطف عليها أثمن الأواني الفضية والزجاجية , وتنيرها أغلى الثريات الأثرية الرائعة , كان أدوني نيري يجلس قربها ويبدو أكثر جاذبية ووسامة من جميع الرجال الآخرين , ألا أنه كان عليها أن تتوخّى الحذر في تصرفاتها معه , وخاصة أن أمه نظرت مرة أو مرتين بعينين قاسيتين نحوهما عندما رأتهما يتسامران ويضحكان.
ألا أن أهتمام دونا كان مركزا على الرجل الذي يجلس قرب سيرافينا , لم يشترك إلا نادرا في الأحاديث الشيقة والمثيرة التي كان يتبادلها الضيوف فيما بينهم ومع مضيفتهم الجميلة , كان يأكل طعامه بهدوء بلغ ويبدو متحفزا متأهبا ... ومتيقظا لكل حركة , ويبدو واضحا أن سيرافينا تنسيه جميع النساء الأخريات عندما تكون قربه , تألمت دونا وشعرت بأن كرامتها جرحت لأنه ل ينظر اليها إلا بشكل عابر , بالرغم مما قاله لها في روما أثتء الرقص وبعده , تحوّل سحره الذي تتذكره بوضوح الى برودة مزعجة , وأرادت دونا أن تكرهه لأنه ينظر اليها , وكأنه لم يطوقها أبدا بذراعيه لساعات طويلة وهما يرقصان على أنغام مقطوعات موسيقية حالمة...... أو لم يترك لها تلك الوردة البيضاء!
قررت أن ترمي الوردة في سلة المهملات , عندما تعود الى غرفتها في وقت لاحق , وتساءلت عما أذا كانت سيرافينا تدرك بأن حارسها الأمين كان يتصرف في روما كبقية شبانها.. يغازل نساء غيرها , أنه يبدو هنا غير مكترث أطلاقا ببقية النسلء , ولكن غيرة سيرافينا قد تكون قوية جدا , وتمنعه من الأعتراف علنا بأنه يعرف سكرتيرتها , وتذكرت دونا بعض القصص التي سمعتها عن سيرافينا , ومنها أن النجمة العالمية لم تجعل منافسيها يبكون فحسب ولكنها عملت أيضا في بعض الأحيان على تحطيم مراكزهم ومستقبلهم.
حوّلت دونا نظرها عن ذلك الوجه الأسمر اللامبالي الى تلك السيدة , التي يمكنها أن تجد دائما رجالا يركعون أمام جمالها وسحرها ...... ويحبون قساوتها وتعنتها بقدر ما يحبون روعتها وقوة شخصيتها الجذابة , كان الطعام شهيا للغاية والخدمة ممتازة , ألا أن دونا أكتفت بالقليل وأمضت وقتها بالتحدث مع أدوني نيري , ومع ذلك , ظلّ السؤال الكبير يعذبها ويؤلمها ... هل ريك لورديتي حقا على علاقة بسيرافينا؟
سألها رجل أنيق المظهر بلهجة هادئة:
" هل تعملين في السينما أيتها الجميلة , أم أنك تشتركين في أفلام تلفزيونية دعائية؟".
نظرت دونا الى عينيه مباشرة وقالت له بهدوء مماثل:
" أنا هنا لمساعدة السيدة نيري في كتابة مذكراتها , كنت أعتقد أن الجميع يعلمون أنني سكرتيرتها".
ضحك الرجل وقال بخبث ظاهر:
" سكرتيرة؟ لا شك في أن مضيفتنا الكريمة تمارس الديمقراطية الحقة بدعوتها موظفيها الى تناول العشاء معها! من المؤكد أن لذلك علاقة بالتأثيرات الخارجية على سياسيتنا هذه الأيام , أم أنكم تعتقدون أن السبب عائد الى نفوذ المافيا؟".

ضحك بعض الذين كانوا يجلسون قرب هذا الشخص الخبيث , ألا أن لورديتي نظر اليه فجأة بطريقة أفزعت دونا نفسها , لم يقل شيئا , ولكن ذلك الشخص المخنث أرتبك الى درجة كبيرة بحيث أن كوب العصير أفلت من يده المرتجفة فتحطم على الأرض بعد أن تناثرت محتوياته على الطاولة.... أسرع خادم للأهتمام بالأمر , فيما أنحنت سيرافينا قليلا نحو ريك لورديتي وهمست شيئا في أذنه , أبتسم الرجل بسخرية واضحة , وشعرت دونا أن سيرافينا لن تترد في طرد جميع ضيوفها من الفيللا أذا تعكر مزاجها , ألا أن الرجل الجالس قربها هو على ما يبدو , جزء لا يتجزأ منها ومن القصر , أنه كل شيء بالنسبة اليها , أما هؤلاء الضيوف الذين دعتهم الى الفيللا لتسليتها والترفيه عنها , فليسوا سوى دمى تحركهم بأصابع يديها وترميهم خارجا ساعة تشاء , نظرت سيرافينا الى الرجل الأنيق المرتبك وخاطبته بأسمه:
" يا عزيزي كونتي , يجب أن تكون حذرا جدا عندما تقول شيئا ما أمام ريك , فجدته , كما تعلم , كانت ساحرة صقلية وعلمته بعض حيلها وألعابها , كما أنني أنصحك بعدم ذكر المافيا أمامه لأنه والعصابة عدوان لدودان , وقد يدق عنقك أذا شعر بأنك تشير من قريب أو بعيد الى أي أرتباط له مع هذه المنظمة الشريرة , أن ريك يا عزيزي كارلو , هو السيد المهذب الراقي الوحيد الذي ألتقيته في حياتي".
أحمر وجه كارلو كونتي , وأرتعشت شفتاه , وقالت دونا لنفسها أنه أذا كان كونتي أحد أبناء العائلات الراقية , فلا عجب في أن تختار سيرافينا الى جانبها مسلحا صقليا يناسبها من حيث القساوة...... والأخلاص , وأحست دونا بقشعريرة خفيفة عندما شاهدت أصابع سيرافينا تداعب يد لورديتي وكأنها تقول أنه لها.... لها وحدها!
أحضر الخادم الحلويات المغطاة بطبقة سميكة من القشدة الشهية , فأمتنعت معظم السيدات حتى عن النظر اليها.... تجنبا للسمنة وحفاظا على الرشاقة , ألا أن دونا غرزت ملعقتها في لقشدة والفاكهة اللذيذة , وراحت تأكل بشهية كبيرة , ضحك أدوني وقال لها:
" أنه لأمر منعش حقا أن نشاهد أمرأة لا تخشى التمتع بالأكل ".
أبتسمت وقالت ممازحة:
" ألم تسمع أن السكرتيرات يتضورون جوعا عندما تقل الوظائف ولا تخفض أيجارات البيوت؟ في أي حال , أنا أحب هذا النوع من الحلويات كثيرا".
" هذه القشدة مصنوعة من حليب أبقارنا , تملك أمي مزرعة كبيرة في الوادي , ويجب أن آخذك اليها مرة لمشاهدة كافة القطعان الموجودة هناك , هل تركبين الخيل.... يا دونا؟".
لم يأخذ سوى فترة قبل أن يبدأ بمناداتها على هذا النحو , ولكن , ماذا بأمكانها أن تفعل؟ لديه سحر أمه وجاذبيتها , ولكنه لا يدرك أنه قد يفقدها وظيفتها أذا خصّصها بأي أهتمام زائد , ذكّرته بسبب وجودها في الفيللا:
" أنا هنا لأعمل , ولست ضيفة مقيمة , وعليك الأدراك أن والدتك لن توافق على قيام...... قيام صداقة بيننا , أنني أوافق ذلك السمج كونتي على ما قاله قبل قليل... يجب أن أتناول طعامي مع بقية العاملين هنا".
" ومع من سأتحدث أثناء العشاء ؟ مع بعض المتزوجات المملاّت , اللواتي يبحثن عن علاقات مع شبان لهم أعمار أولادهن؟".
"يسرني جدا أنك لم تصنفني معهن , أرجو ألا توجّه اليّ عناية أكثر من المتعارف عليه , وإلا تسببت في أفقادي وظيفة أحبها , وأسعى الى الأحتفاظ بها حتى النهاية , لم أعمل في أيطاليا أبدا من قبل , وخاصة مع شخص مثل والدتك , أنا أعرف أنها حادة المزاج وأنها بدأت تتساءل عما أذا كنت أغازلك أم لا , يا سيد نيري".
" ألا تغازلينني الآن , يا آنسة ؟ كنت آمل ذلك , أوه , كيف يتحوّل بريق العينين فجأة الى نظرات جافة وقاسية ! يا لنعومة بشرتك ورقتها ! أنها تشبه تلك القشدة التي أكلناها قبل قليل".
أقترب منها وكأنه يحاول لمس بشرتها , فتراجعت بسرعة عنه وهي تهز رأسها أنزعاجا وتأنيبا , وتطلّعت فجأة نحو الرجل الأسمر , فأحمرت وجنتاها , كان يتأملها بتمعن وروية... أذن ما زال يتذكرها , حسبت أنفاسها ضيقا وأنقباضا , ماذا يريد منها هذا الرجل ؟ صداقة سرية مع السكرتيرة الجديدة التي يرفض التصريح علنا أمام سيدته بأنه يعرفها؟ شعرت بأن كرامتها طعنت في الصميم وبأنها كانت غارقة في الأوهام والأحلام , وجهت اليه نظرة تأنيب قاسية , ولكنه إبتسم بخفة وكأنه لا يبالي بأنزعاجها , وعندما تحوّلت سيرافينا عن جارها الآخر اليه مجددا , عاد يكرّس كل أهتمامه وأنتباهه اليها ...... وحدها.
ثارت حفيظتها مرة أخرى , وقالت لنفسها ........ ليذهب الى الجحيم , كيف يجرؤ على الأفتراض بأنه قادر على أذابتها بمجرد أن يغمزها قليلا...... ومن وراء ظهر سيرافينا ؟ تجاسرت دونا وتحوّلت الى أدوني حيث أمضت وأياه بقية السهرة يتسامران ويتحدثان بمرح واضح ...... وهي غير مبالية بأنزعاج سيرافينا من ذلك.
أزيلت السجادات عن الأرضية الخشبية للقاعة الكبرى , وعزفت المقطوعات الموسيقية الحالمة التي كانت ناجحة أثناء تربع سيرافينا على عرش هوليوود , رقض الضيوف الى ما بعد منتصف الليل , لم تتراجع دونا عن جسارتها وتهورها , فتمتعت بوقتها حتى النهاية , لم ترقص فقط مع أدوني , ولكنها قبلت أيضا دعوات من رجال آخرين , ظلت على تلك الحال الى أن حاول أحد الرجال التمادي معها , داست بقوة على رجله لتضع حدا نهائيا لتصرفه الأرعن , فتركها شاتما وركضت بسرعة الى الشرفة.
شعرت دونا بأنها متعبة ومرهقة بسبب الرقص ومحاولاتها الجاهدة للتحدث مع مع أولئك الرجال الذين لا يعرفون إلا الأيطالية , وفرحت لوجودها وحدها , فأغمضت عينيها وتنفست بقوة مرات عديدة لتملأ رئتيها بالنسيم المنعش وبرائحة الزهور الغنية العطرة , مرت بضع دقائق قبل أن تلاحظ أن رائحة مزعجة أختلطت بعطر الزهور, رائحة تبغ محترق.....
نظرت الى الوراء فرأت رجلا طويل القامة , تسارعت دقات قلبها بعصبية لأنها عرفت على الفور أنه ريك لورديتي , سيطن أنها تبعه, مع أنها كنت تريد دائما الأبتعاد عنه وتجنبه!
" لا تذهبي , إبقي حيث أنت لأخبرك بأننا نكون حكيمين أذا تظاهرنا بأننا لم نلتق من قبل , أنت بحاجة لوظيفة جيدة هنا على سواحل صقلية , وهي لك ولكن من الأفضل لنا أن نظل غريبين أمام سيرافينا".
سألته ببرودة أعصاب قاسية ومذهلة:
" لماذا؟ ألن توافق صديقتك على ذلك؟ ألا تعلم سيرافينا أنك تحاول أصطياد الفتيات الغريبات عندما تكون في روما ومتأثرا بأجواء المغامرات العاطفية؟".
" كما قلت لك آنذاك , يا عزيزتي دونا , نحن لسنا غريبين عن بعضنا , أنت شعرت بتلك التفاعلات الكيمائية ذاتها التي شعرت أنا بها , لم ألحقك من الفندق , ذهبت الى ذلك الملعب بدون أن أعرف أنك كنت هناك , ولكنك كنت هناك... كان لا بد من ذلك كي نلتقي ثانية".
نظرت اليه بعصبية وقالت:
" أوه , توقف عن مثل هذه الأحاديث! أنك تفزعني , أنا أعرف أنك تحمل مسدسا , وأعرف كم تأخذ أجرا لأستخدامه , فلا تقل لي أنني ألتقيت أحدا مثلك من قبل , أنت لست من النوع الذي..... الذي أريد مصادقته!".
" كرري هذا الكلام كثيرا لنفسك يا حبيبتي , فقد تصلين الى مرحلة تصديق نفسك , يظن الناس عادة أن بأمكانهم طرح مشاعرهم وأحاسيسهم جانبا كتفاحة أو عنقود عنب أصيبا بالأهتراء , ولكن المشاعر جزء من الأنسان , ستشعرين أنك تمزقين قطعة من جسمك عندما تحاولين عدم الأهتمام بشخص ما".
" الأهتمام؟ هل لديك الشجاعة الكافية لتقول أنني ...... أنني أهتم بك ؟ أنت آخر رجل على وجه الأرض أفكر بالأهتمام به! أنت قاتل محترف!".
" أنا أنسان مثل الآخرين , تمر عليّ ليال كثيرة لا أفضل خلالها أي شيء آخر في الدنيا سوى وضع رأسي على كتف حنون دافىء".
" ومسدسك تحت الوسادة؟".
" كانوا يستخدمون السيوف في الأيام الماضية".
" هل تتصور نفسك هكذا..... الفارس الأسود الذي يحمي سيرافينا نيري؟".
" أنه وصف رومنطيقي أليس كذلك؟".
" أنه أفضل من أن أصفك بالشقي أو المجرم! هل كنت في شيكاغة من قبل , يا سيد ؟ توجد لكنة في لهجتك توحي بذلك".
" يا للنساء , ويا للحشرية! نعم , ألتقيت سيرافينا في الولايات المتحدة , ولكن في نيفادا.... في أحد النوادي الليلية".
" هل كنت الرجل القوي في النادي الذي يطرد المشاغبين والمشاكسين ؟".
" أنت......... شيطانة صغيرة!".

أقترب منها ولكنه سارع في العودة الى الزاوية المظلمة , عندما سمعا صوتا يقترب منهما , وصل أدوني قربها وقال بصوت ناعم:
" وأخيرا وجدتك , أنني سعيد لأنك لم تتسللي الى سريرك بدون أن تتمني لي ليلة سعيدة , يا لهذه الليلة الرائعة , يا دونا ! أنظري الى القمر كيف يختفي رويدا بين النجوم!".

كانت دونا لا تزال ترتعش داخليا بسبب ما سمعته من ريك لورديتي , وكانت تعرف أنه لا يزال بأمكانه سماع كلامها , أمسكت بذراع الشاب المدلل وقالت له:
" أنني متعبة ..... كان اليوم طويلا جدا بالنسبة الي , وأنا مضطرة الآن للدخول و....... ".
ضمّها اليه بقوة وهو يقاطعها قائلا:
" ليس قبل أن تقبلينني قبلة المساء".
حاولت التملص من ذراعيه وهي تقول:
" أنا لست من ذلك النوع من الفتيات اللواتي يقبّلن كل رجل يلتقينه , دعني!".
ضغط بذراعيه عليها رافضا أفلاتها بالسهولة التي توقعتها , نظر اليها بعينين جائعتين ثم أقترب من وجهها إلا أنه قبل أن يفعل ذلك سمع صوتا قاسيا يقول له:
" دع السيدة وشأنها ! ألا تلاحظ أنك تزعجها؟".
أستدار أدوني نحو الزاوية المظلمة وسأل بصوت عال:
" من أنت؟".
أقترب لورديتي قليلا حتى سطع ضوء القمر على وجهه الأسمر , الذي تعلوه أبتسامة مفزعة , صرخ أدوني وكأن سوطا لسعه:
" أنت ! هل تقوم الأن بعملياتك التجسسية المعتادة يا لورديتي ؟ لا تجرّب هذه السخافات معي ! دعني أخبرك .... لو كانت الأمور بيدي ! لكنت أنت على بعد مئات الكيلومترات عن والدتي .... بدلا من أن تدخل غرفتها وتخرج منها وكأن لك الحق في ذلك ! أنت لست سوى مجرم تدفع لك بسخاء كي تكون حارسها ومنقذها!".
" أخرس , أيها الديك الصغير المنتفخ ! متى عملت أنت كي تحصل على دخل يعينك ؟ من المؤكد أن لديك أمتيازات معينة , ولكنها لا تسمح لك بفرض وجودك على الآنسة هدسون , أنها تأكل خبزها بعرق جبينها , وليس مثلك أيها الطفيلي !".
" اللعنة عليك! كم أتمنى أن أدق عنقك أيها السفاح ! أنت لست ألا عاشقا رخيصا يعيش على أموال السيدات المسنات !".
" أنك تمثل دورا أكبر منك أيها الصغير , سوف تعتقد الآنسة هدسون أن جميع الرجال الأيطاليين هم على شاكلتك , فلماذا لا تهد قليلا قبل أن يعاد تخطيط وجهك الجميل الى شكل لا تحبه أطلاقا! ".
" اللعنة عليك ! أنني أكرهك !".
ثم حاول توجيه لكمة قوية الى فك الرجل القاسي , الذي قفز جانبا ولكمه على أنفه فأدماه , وضع أدوني منديله بسرعة على أنفه ونظر الى لورديتي قائلا له , والشرر يتطاير من عينيه:
" لن تمر هذه المسألة بسهولة , سأجعل سيرافينا تطردك!".
" حاول ذلك , يا بني".
نظر بهدوء الى دونا, التي كانت تراقب النزاع بمزيج من الخوف والأثارة , لم تشعر بالأسف أتجاه أدوني لأنه أساء التصرف معها , ولكنها أصيبت بصدمة مذهلة ناجمة عن مسارعة ريك لورديتي للدفاع عنها , قال لها:
" هل تريدين الدخول؟".
هزّت رأسها وسارت معه على الشرفة , فيما كان أدوني يجفف الدماء التي سالت من أنفه , وعندما تطلّعت الى الوراء , ضحك ريك بقساوة وقال:
" من شأن هذه الكمية القليلة من الدم أن تخفّف من عصبيته وتوتره , لم تكوني مسرورة بهجومه عليك , أليس كذلك؟".
" طبعا لا ! أشكرك على تدخلك ولكن.... ألست قلقا من تسببه لك ببعض المشاكل مع أمه؟".
" أبدا على الأطلاق , لا يمكن لهذا الشاب الأرعن أن يثير أي متاعب بيننا , أنه ليس الشخص الذي يمثل أي مشكلة".
" هل تعني..... أنه لا يثير أي مشاكل بينكما إلا....... وجود أمرأة أخرى؟".
" بلضبط".
شعرت دونا بأن تلك الكلمة كانت كافية لوصف الوضع بكامله , أحسّت وكأن يدا قوية عصرت قلبها عندما نظرت الى ريك وشاهدت تلك الأبتسامة الخفيفة على وجهه , أنه قاس جدا , ولكن ثمة رقة لا تصدّق في أعماقه تذيب أحاسيسها ومشاعرها , كادت تتعثّر وتقع , ولكنه أمسك بمعصمها بقوة ........ وبنعومة أيضا , همست بصوت خافت:
" لم أكن أظن أنني........ أنني سأراك ثانية".
" أنا كنت أعلم بأنني سأراك , , بحثت في سجلات الفندق ووجدت أسمك...... هدسون , كنت أعرف أن شابة بهذا الأسم سوف تأتي الى الفيللا للعمل مع سيرافينا".
" ربما كان من الأفضل لي أن أعود الى بريطانيا , هذا هو يومي الأول هنا , وها قد تسببت في أيقاع الخلاف بينكما.... أنت وأدوني ".
" الحياة مليئة بالمشاكل , ولا مجال للتهرّب من الحياة".
" أنت تختلف كثيرا عن بقية الرجال , لم أعرف في حياتي إلا طلاب جامعة , وممثلا فكاهيا كان يظن بأنه جذاب لا يمكن مقاومته..... مع أنه كان مملا ومزعجا جدا , أنني مرهقة جدا الآن , وسأذهب الى النوم , سأعود غدا أن شاء الله الى وضعي الطببيعي!
" صحيح , فكل شيء يبدو طبيعيا أكثر في النهار , المشكلة الوحيدة هي أن نجوم الليل تنسينا أفكار النهار , تصبحين على خير يا آنسة".
" تصبح على خير , يا سيد".
هربت دونا من هذا الرجل مجددا ...... ولكنها تدرك هذه المرة أنها سوف تلقاه صباح اليوم التالي , وكانت متأكدة أنها ستجده في ضوء النهار أكثر جاذبية وتأثيرا عليها من أي أنسان آخر عرفته في حياتها , تذكرت تسارع نبضها عندما كان يمسك بمعصمها , لم يكن ذلك منطقيا , فهي لا تعرف الرجل إلاّ قليلا ...... وهو رجل لم ينف أن سيرافينا تأتي أولا , وأنها صاحبة الحق في توجيه إرادته ..... ورغباته.

Nana.k likes this.

miya orasini غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-08-16, 05:46 PM   #4

miya orasini

نجم روايتي ومشرفة سابقة وعضوة فريق الكتابة للروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية miya orasini

? العضوٌ??? » 244480
?  التسِجيلٌ » May 2012
? مشَارَ?اتْي » 7,329
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » miya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك carton
افتراضي

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي

Nana.k likes this.

miya orasini غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-08-16, 05:50 PM   #5

miya orasini

نجم روايتي ومشرفة سابقة وعضوة فريق الكتابة للروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية miya orasini

? العضوٌ??? » 244480
?  التسِجيلٌ » May 2012
? مشَارَ?اتْي » 7,329
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » miya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك carton
افتراضي

عيناه نجمتان.......

كانت دونا تجد دائما تسجيلات مطوّلة بصوت سيرافينا , لتسمعها وتنقلها منقّحة الى الورق , وكان واضحا أنها أمرأة لا تنام كثيرا أثناء الليل , ولكن قدرتها الفريدة على تذكّر التفاصيل الدقيقة وسردها بأسلوب قصصي شيّق , ساعدت دونا الى درجة كبيرة في تنفيذ مهمتها من غير صعوبة تذكر.
لاحظت وهي تستمع بأنتباه الى التسجيلات الصوتية المتواصلة كيف يمكن لهذه السيدة أن تسلب عقل الرجل وأرادته , فلديها صوت حنون دافىء يداعب الأحاسيس والمشاعر , وحسبما ورد في أحد فصول الكتاب , فأن بعض الرجال المشهورين حاولوا كسب ودها..... ولم يكونوا جميعا من عالم السينما , كان بينهم أصحاب شركات للنقل البحري , وسياسيون نافذون , ومصرفيون أثرياء .

تحدثت سيرافينا عن المجوهرات التي أغرقوها بها , وعن معاطف الفرو التي رفضتها لأنها تمقت فكرة قتل تلك الحيوانات الجميلة لأستخدام فروها بهدف تجاري , قالت أن عددا قليلا من النساء ينافس الفهد في عظمته , والنمر في جماله , والطفل في سحره وبراءته , وأضافت أن بعض الرجال يشبهون الى حد ما , الفهود من حيث القوة القاسية , ولكنها لم تلتق هؤلاء في هوليوود ولكن في بلادها أيطاليا , وذكرت سيرافينا أن الرجال في وطنها الأم , يتمتعون بسحر وقدرة على المجاملة وأثارة أحاسيس النساء , أكثر بكثير من معظم أبطال الشاشة , وتحدثت بأعتزاز عن فالنتينو الذي سحر نساء العالم سنوات عديدة.
أبتسمت دونا ثم بدت الجدية على وجهها , كانت سيرافينا صريحة للغاية في آرائها , ولكن هناك فراغا يثير الدهشة والأستغراب في الفصول الأول للكتاب ...... لم تذكر شيئا عن طفولتها وسنوات المراهقة التي أمضتها في صقلية , لم تشر من قريب أو بعيد الى ريك لورديتي , وأحست دونا بأنها تعرف السبب , عندما سينتهي الكتاب , سيقرأ أدوني مذكرات أمه....... وهي مصممة على أخفاء الحقيقة المتعلقة بولادته , لا يعرف أحد هذا السر سوى ريك ... ودونا , التي توصلت اليه أفتراضا نتيجة التشابه بين ملامح ريك....... ودونا , التي توصلت اليه أفتراضا نتيجة التشابه بين ملامح ريك وأدوني , أنه سر خطير , ستجد الثرثرة موضوعا دسما الى أبعد الحدود فيما لو كشف هذا السر ........ سيرافينا تقيم علاقات غرامية مع حارسها االشخصي ومرفقها الخاص.
توقفت دونا عن الطباعة وتخيّلت نفسها بين ذراعي لورديتي يرقصان على أنغام المقطوعة الموسيقية الحالمة...... ( عشيق الأحلام) , تذكرت صوته القوي فيما كانا يسيران على الشرفة , لعب معها لعبة خطيرة جدا...... جعلها تشعر بأنهما شخصان ألتقيا صدفة وأعجبا ببعضهما كثيرا , ولكنهما لم يتمكنا من اللقاء ثانية , ضغطت بقوة على حافة الطاولة وأرادت أن تغضب منه , لأنه قام معها بذلك الدور العاطفي , وهو يعلم طوال الوقت هويتها الحقيقية وأنها في طريقها للعمل لدى ..... رفيقته.
أقتحم في تلك الليلة دفاعاتها القوية وحذرها الشديد , التي تواجه بها عادة كافة الغرباء الذين يحاولون ملاطفتها والتودد اليها , سحرها بطريقة لم تعرفها من قبل , وها هي الآن تجد صعوبة كبيرة في إيجاد أعذار مناسبة لتصرفه معها.
وشعرت فجأة بأنها لم تعد قادرة على سماع صوت سيرافينا , أوقفت آلة التسجيل وسارت بعصبية نحو الباب الزجاجي الكبير , ومته الى ذلك الجانب من الحديقة حيث يوجد الفارس الأسود , أحسّت بوجود شخص يسند نفسه الى جذع شجرة كبيرة , فتعثّرت خطاها , ولكنها كانت قريبة جدا منه , بحيث أنها لم تعد قادرة على التراجع بشكل عادي وطبيعي , قاومت مشاعر القلق والفوضى التي أستبدت بها , وتابعت سيرها بهدوء مصطنع نحو المقعد الحديدي قرب التمثال.
" أفتقدتك أمس أثناء العشاء".
نطلّعت نحو ريك وقالت له:
" كنت أعمل , يا سيد , وتناولت طعامي في المكتب , واجهنا بعض المشاكل في الفصل الخامس للكتاب وأضطررنا لأعادة طباعته".
" آمل ألا تكوني مرهقة في العمل ! السيدة قادرة على نسيان مشاعر الآخرين , في كثير من الأحيان".
" لا يهمني ذلك كثيرا , أننا نعمل على إعداد هذا الكتاب بجد ونشاط , وكل شيء يسير على ما يرام".
" أراك شاحبة اللون".
ألتفتت نحوه للمرة الأولى منذ جلوسها على ذلك المقعد الحديدي , فشاهدت الخاتم الذهبي يلمع تحت شعره الأسود, سمّرتها نظراته في مكانها , فظلّت صامتة لحظات طويلة سادها التوتر والعصبية , أرادت أن تصرخ بوجهه متوسلة له بأن يدعها وشأنها , ما دام لا يمكن لهما أن يكونا صديقين بصورة علنية.
" ما تحتاجين اليه الآن هو زجاجة كاملة من شراب الورد , نحن نقول في هذه المنطقة من العالم , أن شراب الورد ينعش قلب التمثال , أخبريني , هل يثير أهتمامك هذا الفارس الحجري؟ هل يذكّرك مثلا بقصة تمثال المرمر لذي دبّت فيه الحياة في ضوءالقمر وسار نحو كوخ صغير تجلس قرب نافذته شابة جميلة؟".
تذكّرت دونا أنها قرأت تلك القصة الخيالية المرعبة وقالت:
" ألم يترك وراءه أصبعه المرمرية القاسية؟".
" هناك تأثير كبير لهذه القصص الرومنطيقية على خيال الأنسان , أليس كذلك؟".
" يجب أن تقتصر جميع القصص الرومنطيقية على الخيال فقط".
" عندئذ يمكن للصبية الشابة أن تحيك قصصا خيالية حول فارس حجري وهي غير آبهة بأخطائه أو مطالبه , ماذا يحدث لو أن الحياة دبّت في هذا الفارس الأسود وتسلّق الجدار الى شرفتك ؟ هل ستصرخين وتوقظين بقية المقيمين في هذه الفيللا؟".
حدّقت به طويلا وأحسّت بأن عينيه تمازحانها , ولكنها شعرت بالتأكيد بأن صوته حمل مغزى أعمق وأكثر جدية , هبّت واقفة وسارت بسرعة نحو المكتب , لحق بها الى الغرفة وجلس بتكاسل على حافة طاولتها , ظهر التوتر الشديد على وجهها , وبدت وكأنها تصرخ به قائلة:
" إياك أن تلمسني أو تضع يدك عليّ !".
أطلق ضحكته المعتادة وراح يتأمل تلك الغرفة بهدوء مثير للأعصاب , بدا قويا جدا وخطرا للغاية , ومع أنه لم يعد شابا في مستهل عمره , إلا أنه بدا وكأنه سيحتفظ بشكله الوسيم الحالي سنوات طويلة , قرأ أفكارها ككتاب مفتوح , أذ قال لها فجأة :
" أجل , أريد أن ألمسك...... وبقوة , لم أفكر بأي شيء آخر تقريبا منذ تلك الليلة في روما".
" أرجوك ! أذهب!".

قال لها ساخرا:
" لا مبرر لهذا الهلع الذي يبدو واضحا على وجهك وفي عينيك , أنا لم أدخل غرفة نومك , أيتها الحبيبة , يمكنني هنا أن أتظاهر دائما بأنني أعطيك ملاحظاتي حول هذه المذكرا , هل يوجد فيها أي شيء عني؟".
هزّت دونا رأسها نفيا وتمنّت لو كان بأمكانها أن تقف قربه بدون أن تشعر بمثل هذا الأنقباض والأنزعاج بسبب نظراته والأمور التي يتحدث عنها , كان واضحا أن كل كلمة يقولها تحمل معنيين , وكأنه لا يريدها أن تأخذ ما يوحي به أو يشير اليه ...... على محمل الجد.
حوّل نظره عن لوجة زيتية كبيرة الى وجهها المتوتر , وسألها بهدوء مزعج:
" لو كنت تكتبين عني , فأي نوع من الرجال تعتبرينني؟".
لم تفكر دونا إلا للحظة واحدة قبل أن تجيبه بهدوء مماثل:
" من ذلك النوع الذي يمكنه الذهاب الى المقصلة وهو يبتسم أو يشرب فنجانا من القهوة".
" لا يسمحون لي بذلك , لأنهم عادة يربطون يدي الرجل وراء ظهره ويضعون غطاء على رأسه".
أرتجف جسمها بطريقة ملحوظة , فأمسك بسماعة الهاتف وطلب من المشرفين على المطبخ إرسال زجاجة من شراب الورد , أحمرّت وجنتاها وقالت معترضة:
" لا مبرر لذلك".
" ربما لا , ولكنني أردت ذلك , كان بودي أن أشاركك في هذا الشراب المنعش , ولكن سيرافينا تتوقع مني الأنضمام اليها خلال فترة وجيرة".
شعرت بوخز كلماته فأبعدت وجهها عنه بسرعة , يجب أن تتوقع ذلك..... أن تأتي سيرافينا في المقام الأول بالنسبة اليه , من المحتمل جدا أنه يشعر بشيء من السرور والترفيه عن النفس عندما يغازل قليلا السكرتيرة الشابة , ولكنه لا ينوي بالتأكيد التسبب بأزعاج حقيقي لسيدة القصر , وفجأة سألها بلهجة عادية جدا :
" هل يعجبك ساحل القراصنة ؟".
" الى حد كبير , يا سيد".
" أنت تقولين ذلك يا آنسة , ولكنك تشاهدين هذه الغرفة أكثر بكثير من المناظر الطبيعية الخلابة التي تحيط بنا من كل جانب , أعتقد........ أعتقد أنه يتحتم علينا القيام بشيء ما , هل تنامين بعد الغداء؟".
هزّت رأسها نفيا وهي تشعر بأن قلبها قفز من مكانه , فهي تعرف أن سيرافينا تنام ساعتين أو أكثر بعد ظهر كل يوم...... ربما للحمافظة على جمالها ورشاقتها , أو بسبب الأرهاق الشديد الذي تواجهه في معظم لياليها , عاد يسألها بلهجة طبيعية مذهلة:
" كيف تنظرين الى الأجتماعات السرّية؟".
" لا.... لا أعتقد أن عقدها أمر حكيم".
" الحكمة للشيوخ , ونحن لم نصل بعد الى هذه المرحلة..... مع أنني أسبقك بمرحلة كبيرة , هل توافقين على الأشتراك معي في مؤامرة صغيرة؟".
شعرت دونا ببرودة أتجاه سؤاله , ومع أنها أجابته على الفور بكلمة نفي وحيدة , إلا أنها كانت تتحرق للرد عليه إيجابا , قال لها ساخرا:
" لم تفكري طويلا قبل الأجابة".
" يجب على المرء ألا يفكر مرتين بشأن اللعب في النار , يا سيد ".
" صحيح , ولكن هل لديك قلب دجاجة صغيرة.. مع أنك أتيت إلى أيطاليا للعمل بين غرباء؟".
" هذه هي القضية, أنا أنا أنوي أبدا فقدان وظيفتي".
" سوف أتأكد من أن إجتماعاتنا ستكون سرّية للغاية , هل تثقين بي؟".
" تعرّض الفتاة نفسها للضرر والأذى , أذا منحت ثقتها بدون تحفّظ ".
" أذن أصدرت حكمك عليّ؟".
كان ينظر إليها بعينين تضجان رغبة , أرادت التراجع عن كلامها هذا.... إنه ظالم وقاس يثير في نفسها حنينا عنيفا أتجاهه.
" لن ....... لن أتورط معك على هذا النحو , لماذا لا تتركني وشأني ؟ ألم تقل أنت بنفسك أن علينا التصرف كغريبين عن بعضنا".
" أتجاه..... الآخرين فقط".
" أنت شخص متغطرس متعجرف ! كيف تجرؤ على الإفتراض بأنني أريد مقابلتك سرا ! أنت تخص سيرافينا ...... أنت عبدها المخلص! ".
" أنا لست عبدا لأي أمرأة , ولكن هناك أمور في حياتي لا تعرفينها ...... أمور لا أنوي أبدا التحدث عنها , في أي حال , حرية الأختيار لك , بإمكاننا أن نلتقي ولا يؤدي ذلك إلى أي مشاكل على الأطلاق , أما أذا لم تكن لديك الشجاعة الكافية , أو إنك لست أمرأة بما فيه الكفاية , فلن نخسر شيئا أو نكسب آخر".
" لم........ لم أقم في حياتي أبدا علاقة مع أي رجل......".
إختنقت الكلمات في صدرها وأحسّت بألم حاد في أحشائها , سمعته يقول:
" أعرف ذلك جيدا ! هل تعتقدين أنني , كرجل من صقلية , يمكنني أن أتصورك فتاة تمنح نفسها بسهولة ليتمتع بها الرجل.... كقطعة من الليمون في يوم حار ؟ رباه ! هل هذا هو إنطباعك عني ".
تحوّل وجهه إلى قطعة من الصخر الجامد ..... ولكنها لا تريده حجرا جامدا باردا , تريد أن تسرق بضع ساعات معه... تراه يبتسم ..... وتسمعه يتحدث...... وتتظاهر لنفسها مؤقتا بأنه لها وليس لسيرافينا , شعرت بأنه إنسان وحيد , على الرغم من علاقته مع السيدة المثيرة...... السيدة التي تسيطر تماما على الرجال الذين تملكهم وتطالبهم بحبهم وأهتمامهم , ومع ذلك فإنها تحرمهم من المشاعر القلبية الحنونة والدافئة.

" ألا تطالبني , يا ريك , بإقامة علاقة معك؟".
" لا , لا ! اللعنة ! هل تذكرين تلك الليلة في روما ؟ هذا كل شيء أريده منك , أنني أقسم على ذلك !".
" أوه , ريك ....".
كان شعورها نحوه كموجة عاتية عصفت بقلبها وأحاسيسها , أرادت أن تغرق نفسها في رقته وحنانه , لا تزال الشعلة التي أضاءها في تلك الليلة المذهلة تشتعل في داخلها , ولكنها ستتحول الى نار حارقة إذا ألتقته على إنفراد , سيكون المنزر رهيبا ومفزعا , إذا ضبطتهما سيرافينا معا , إنه لها , ولن تسمح لأحد أو لشيء في الدنيا بأن يغير ذلك الواقع.
" لا تنظري إليّ هكذا !".
طوّق خصرها بذراعيه القويتين وضمّها بعنف إليه حتى كاد أن يحطم ضلوعها , شعرت بأنه أذابها بين يديه...... وبأن جسمها أصبح بدون عظام , لم تشعر بمثل هذا الخوف في حياتها , كما أنها لم تشعر بمثل هذه الأحاسيس الجامحة.
" ريك..... أرجوك !".
" إصمتي !".
أمسكها بشعرها وجذبها إليه ثانية , ولكنها أبعدت وجهها عنه قائلة:
" إنك ظالم وغير منصف.......".
" بحق السماء , هل يجب عليّ إخراسك مرة أخرى؟".
حاولت مقاومته قليلا ثم أستسلمت لعناقه , إنه ريك ..... الذي تريده منذ فترة طويلة ! وغرقا في بحر من الحنان , إلى أن سمعته يهمس في أذنها:
" كنا نعرف أن هذا الأمر سيحدث عاجلا أم آجلا , كنت أسخر منك ومن نفسي عندما تصورت للحظة واحدة أنه كان بإمكاننا أن نلتقي على إنفراد بدون أن يحدث بيننا أي شيء كالآن , أنك طيبة جدا , ولكنني لست قادرا على التصرف بنبل وشهامة عندما يتعلق الأمر بك , أعذريني , يا دونا".
لم تحاول منعه أو صدّه عندما داعب شعرها وقبّل أطرافه.. ثم قال لها بصوت هامس حنون :
" أنت لست مجرد جسم بالنسبة إليّ يا دونا , هل تصدقين ذلك ؟ يجب أن تصدقي ذلك يا حبيبتي".
" نعم أصدقك , يا ريك"
تنهد بأرتياح ظاهر وطلب منها أن تغفر له تصرفاته , أجابته بهدوء:
" لم يكن هناك شيء يتطلب المغفرة , أنا...... أنا عانقتك أيضا , أليس كذلك؟".
أبتسم وقال لها , فيما كان يتأملها بعناية فائقة:
" لا يمكن لفتاة مثلك أن تواجه شخصا بقوتي وبحجمي , ولكنني سعيد جدا لأنك لم تقاومينني تماما... ولأنني لم أكن ذلك القاسي والمتوحش".
" آه , ريك , لا تستخدم مثل هذه الكلمات الرهيبة !".
" أنها مخيفة , أليس كذلك؟".
تأملها مجددا ثم أزاح شعرها الناعم عن عينيها قائلا:
" الأفضل أن تسرّحي شعرك ثانية , أيتها الحبيبة ".
أحمرّت وجنتاها خجلا وحياء وسارعت الى تنفيذ أقتراحه بدون إبطاء , سمعته يضحك بطريقته المعهودة ويقول لها:
" لا أريد التسبب في أي مشاكل لك , أيتها الحبيبة".
شعرا معا بالذنب لأنه ليس حرا.... وما أن أنتهت دونا من تسريح شعرها , حتى فتح الباب وظهرت المرأة التي تبدو سيطرتها على ريك كسلاسل لا يمكن قطعها , كانت ترتدي عباءة خضراء مخملية ويتدلى شعرها بغنج ودلال على كتفيها.
عندما تحولت عيناها الخضراوان الى ريك , وجدته جالسا قرب الطاولة يتفحّص بعض الأوراق المطبوعة , نظرت اليه بحدة وقالت:
" وجدتك أخيرا ! كنت أنتظرك منذ أكثر من عشر دقائق , ماذا تفعل هنا؟".
" حب الأستطلاع , هل تتصورين أنك ستكتبين مذكراتك ولا تثيرين فيّ حب الأستطلاع؟".
" بشأن ماذا؟".
" أمور عديدة".
هزت كتفيها ثم نظرت الى دونا بعينين قاسيتين , بدت الفتاة هادئة وغير قلقة , مع أن قلبها كان يخفق بعنف لا يصدّق , توترت أعصاب دونا كثيرا عندما تخيّلت كيف سيكون الوضع الآن لو أن سيرافينا شاهدت ريك يعانقها.
" كنت أتصور أنك تستخدمين نظارتيك أثناء العمل , هل تخلّيت عنهما الآن لتظهري جذابة أمام السيد لورديتي؟".
" لا , طبعا لا".
" لا تكوني قاسية مع الآنسة هدسون لأنني سمحت لنفسي بقراءة بعض مذكراتك".
لاحظت دونا نظرة حادة في عينيه توحي بأنه الآمر الناهي , وليس العاشق المطيع أو الحارس االذي يتناول أجرا , بدا للحظة كأنه سيد سيرافينا وليس شخصا يعمل في خدمتها وتحت أمرتها وسيطرتها , لا شك في أنه السيد المطاع في هذا اقصر , مع أنه يحاول أظهار العكس , وسمعته دونا يقول لسيرافينا:
" سيحظى كتابك , أيتها العزيزة , بنجاح باهر".
" هل تعتقد حقا أنه سيحقق مثل هذا النجاح ؟ أنني مهتمة فقط بأعلام الناس عن حياتي العملية يا ريك , هذه هي الطريقة الفضلى , أليس كذلك ؟ الأضواء فقط , وليس الظلال ...... تماما كما في الأفلام".
" أنه فعلا الأسلوب الأفضل , ستكون مذكراتك , أيتها الحبيبة , رائعة مثلك".
" أيها الحبيب , إنك تجعلني أشعر دائما بأنني جميلة وجذابة كما كنت في السابق , آه من تلك الأيام التي تملأ قلبي بالعواطف والأحاسيس !".
طوّقت كتفيه بذراعيها وضمته الى صدرها..... وكأنها تقول لدونا أنه لها وحدها , ظلا واقفين على هذا النحو الى أن سمعا طرقة خفيفة على الباب , دخل أنريكو ومعه زجاجة الشراب عوضا عن أبريق القهوة , سألته سيرافينا بأستغراب:
" ما هذه ؟ ومن طلب شراب الورد في هذا الوقت المبكر؟".
" أنا طلبتها للآنسة هدسون , كانت تبدو شاحبة اللون وتصورت أن الشراب البارد ينعشها , أنها تعمل بصورة شبه متواصلة لأنهاء كتابك , أيتها العزيزة".
نظرت سيرافينا بعصبية بالغة الى دونا وقالت لها:
" هل كنت تتذمرين للسيد لورديتي بأنني أرهقك في العمل؟".
" طبعا لا ! أنا لم أطلب الشراب ! أؤكد لك أنني أبدو شاحبة بسبب عدم تعرّضي للشمس , وليس لكثرة العمل".
" هل تحاولين الأيحاء الآن بأنني أبقيك هنا لفترات طويلة , وأحرمك بالتالي من عرض جسمك البريطاني النحيل ضمن قطعتين أمام الرجال في هذه الفيللا؟".
" أنا لا أستخدم أبدا اقطعتين.......".
" أوه ! هل هذا يعني عدم وجودهما على الأطلاق ؟".
" أبدا , أبدا ! أنني أعتبر ثياب البحر المؤلفة من قطعتين زيا بشعا , كما أنني لست بالتأكيد من اللواتي يعرضن أجسامهن العارية أمام أحد ! جئت الى هنا لأعمل , ولم يخطر ببالي أبدا أن أتصرف كضيفة , أنني أتمتع بعملي يا سيدة نيري,وأؤكد لك أنني لا أتذمر من أي شيء حولي".
" أنني ممتنة لسماع هذه الكلمات , لأنني أنوي أرهاقك بالعمل بقدر ما يحلو لي ذلك , فأنا أدفع لك أجرا باهظا , وأتوقع منك نتائج جيدة".
أمسك ريك بذراع سيرافينا وجذبها نحو الباب قائلا لها بلهجة تجمع بين الحدة والمرح:
" لماذا هذه الضجة الكبيرة حول موضوع تافه كهذا ؟ لديك مستودع ضخم من هذا النوع بالذات يكفي لأرواء عطش جيش بكامله , وتغضبين لأن زجاجة واحدة أرسلت الى فتاة تعمل لديك بكل جد وأخلاص ! لم أعرفك بخيلة الى هذه الدرجة !".
أبتسمت له وتمتمت بكلمات لم تفهم دونا شيئا منها ......... مع أنها تصورت أن سيرافينا أكدت له أن الغيرة وليس البخل هي السبب الأساسي لغضبها وتوترها , ومنذ تلك اللحظة , قررت دونا أن تظل بعيدة عن ريك ..... وألا تسمح له بعناقها مرة أخرى ما دامت تعمل في هذا القصر

Nana.k likes this.

miya orasini غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-08-16, 05:51 PM   #6

miya orasini

نجم روايتي ومشرفة سابقة وعضوة فريق الكتابة للروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية miya orasini

? العضوٌ??? » 244480
?  التسِجيلٌ » May 2012
? مشَارَ?اتْي » 7,329
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » miya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك carton
افتراضي

5- قطف النجوم يحتاج أجنحة

أستيقظت دونا على أصوات زقزقة العصافير وحفيف أوراق الشجر , فتحت عينيها بدون أن تحرك رأسها , فتمتعت بمنظر أشعة الشمس الذهبية التي كانت تغطي سقف غرفتها الملون , شعرت أن الأسابيع الخمسة التي أمضتها في الفيللا جعلتها تتعلق بهذه الغرفة...... وأثاثها الجميل , وستائرها التي حيكت باليد , وبمحاذاة غرفتها , كانت هناك قاعة صغيرة تضم مكتبة وطاولة عمل وكنبة مريحة , وشرفة صغيرة تطل على الأسطبل , ومع أن دونا لم تتضايق من رائحة الخيل , ولكنها عرفت أن هذا هو السبب لتخصيصها بهاتين الغرفتين الرائعتين.
بروز يزور الفيللا بين الحين والآخر عدد كبير من الضيوف , وكانت دونا تشاهد بعضهم يركب الخيل تحت شرفتها ويتوجهون الى التلال القريبة , وعندما تذهب سيرافينا في أي من هذه انزهات المتعددة , يكون ريك معها , كان يرتدي دائما ثياب العمل وكأنه متوجه الى الحقل , هل يفكر بأشجار الزيتون القليلة التي كان يملكها والده في جزيرة صقلية ؟ وهل يفكر بأن سيرافينا لا تنوي أبدا أن يشاركها أحد فيه ؟ كانت دونا تتأملها بحرقة كبيرة لأنهما يبدوان مناسبين جدا لبعضهما , وفيما كانت تراقب الزوار ومضيفتهم بعد ظهر يوم جميل , وهي شبه مختبئة وراء حافة الشرفة , سمعت صوتا قاسيا يناديها بإسمها , لم يكن صوت عاشق رشاب , بل رجل قوي يطالبها بإظهار نفسها فورا , ظلت قابعة في مكانها , آملة في ذهابه خلال لحظات , ولكنه أقترب من الشرفة وناداها مرة أخرى.
" دونا !ّ أنا أعرف أنك فوق , وأشعر أن أغصان هذه الشجرة قادرة على تحمل وزني , هل أتسلّقها وأصعد اليك؟".
" لا !".
هبّت واقفة بسرعة وأسندت ذراعيها على حافة الشرفة , فشاهدته يجلس بكبرياء واضح على حصانه الجميل ويوجه اليها إبتسامة مرحة , قال لها بهدوء:
" أنني متأكد من أن رد فعل جولييت لم يكن خجولا الى هذه الدرجة , عندما أراد روميو الصعود الى شرفتها".
" ربما لم تفكر جولييت بأن الشاب النحيل سيقع قبل وصوله الى الشرفة ويدق عنقه".
" آوه ! هل تمك سلامتي الى هذه الدرجة , أيتها الحبيبة؟".
" لا تستخدم هذه الكلمة معي ! أحتفظ بكلمات الحب والغزل للسيدة نيري , التي لن يسرها أبد أن تضبطك وأنت تتحدث الي بهذا الشكل".
" الحقيقة أنني أريد الأعتذار لك عن الطريقة التي حدثتك بها هذا الصباح , أرجو أن تفهمي.......".
" غنني أفهم جيدا , يا سيد , أحس بأنك توليني بعض الرعاية والأهتمام , ولم يعجبها ذلك أطلاقا , كان الأمر طبيعيا للغاية .... أنك بالتأكيد تعجبها , وهي تعتمد عليك , ولا أريد أن أكون سبب أي أحتكاك بينكما , أفضّل أن أترك وشأني ..... خاصة بالنسبة اليك".
" بالنسبة الي , لكن ليس بالنسبة لأدوني ؟ أنك تتوددين اليه كثيرافي الآونة الأخيرة , أليس كذلك؟ عزف وغناء بينكما تلك الأمسية في الحديقة , وأنت تعزفين جيدا ! ماذا بشأن هذه الأمسية ؟ ماذا خططتما لها؟".
" سيأخذني الى حفلة راقصة تقام على يخت أحد أصدقائه ".
حاولت دونا أن تتحدث بطريقة عادية جدا , ولكنها لم تتمكن من أخفاء التوتر والأرتعاش في صوتها , فعندما فكرت بموضوع الرقص , تذكرت تلك الليلة العجيبة في روما وكيف أنها أمضت تلك الساعات الطوال بين ذراعي ريك , حاولت..... حاولت يائسة أن تفكر بأدوني على أنه ريك , ولكنها لم تنجح , شعرت بأنها تريد مراقصة ريك على ذلك ايخت , وأن تلتصق به وتحتمي بقوته , تألمت كثيرا , خاصة أن أوجاع الحب أشد وطأة بكثير من الأوجاع الجسدية , نظرت اليه وهو يفتح فمه ليحدثها , فلاحظت أن ملامح وجهه تحولت الى ما يشبه الفولاذ , قال لها :
" أرجو أن تتوخي الحذر معه , يا دونا , أدوني شاب متمرس جدا في هذه المجالات , وهو يعرف كيف يستغل جاذبيته وسحره , لا أريد لك أي أذية عندما تذهبين الى ذلك اليخت , الكثير من أصدقائه لا يحظون بموافقتي التامة".
أرغمت نفسها على الضحك , وقالت :
" يا لهذه اللهجة المتغطرسة ! أنني أعتبرك أشد خطرا من... من أدوني".
قطب ريك حاجبيه وشعت عيناه ببريق خاطف غامض , قفز قلبها من مكانه وتمنت أن تكون فاتته زلة لسانها , علّق على كلامها بحدة , قائلا:
" أنا أعرف أدوني طوال حياته , أما معرفتك أنت به فتقتصر على أسابيع قليلة , أنه أنفعالي ولا يتصرف ألا حسب رأيه , رأيته كيف ينظر اليك ...... شاهدت الرغبة في عينيه !".
كانت دونا على أستعداد لتصدّق أن أدوني يشكّل بعض الخطر , وتعرف عمن ورث أرادته الذاتية , ورثها , كبعض ملامح وجهه وجسمه , عن أبيه... ريك , تظاهرت بالهدوء واللامبالاة , وقالت:
" لا يوجد سبب لأن تقلق نفسك بشأني يا سيد , أعرف تماما كيف أعتني بنفسي , وأعتقد أن أدوني تعلّم أحترام مشاعري".
كانت تخفي سرورها لأنها أحست بأن ريك يغار من أدوني , وسمعته يسألها بحدة:
" وما هي مشاعرك هذه يا دونا ؟ لا تسايري هذا الشاب , ما لم تكوني عازمة على تلبية ... توقعاته".
" ماذا...... ماذا تعني بذلك"
" أعتقد أن المعنى واضح تماما , أنت ليست طفلة , وكذلك أدوني , وأتصور أنك سوف تتصرفين بحكمة إذا بقيت بعيدة عن هذه الحفلة.......".
أغضبتها كلماته وطريقة تصرفه معها وكأن له الحق في ذلك , فقالت/
" إياك أن تحدثني بهذه اللهجة الآمرة ! أنت لا تستخدمني ولا تملكني , وسوف أذهب في أوقاع فراغي حيثما أريد وبرفقة من أريد , إحتفظ بموافقتك الأستبدادية هذه ل..... لسيرافينا".
" أنا أعرف تماما أنه لا حقوق لدي بالنسبة اليك , ولكنني لا أريدك أن ....... تتضرري".

" أتصور يا سيد لورديتي , أن إحتمال حصول ذلك سيكون أكبر بكثير فيما لو جازفت بمشاهدتك وراء ظهر سيرافينا , أعتقد أن هذا الأمر هو مجرد لعبة مارستها مرات عديدة , وأظن أنك مستاء جدا لأنني رفضت التورط فيها , يمكنني على الأقل , أن ألتقي أدوني وأخرج معه بصورة علنية وبدون خوف أو وجل , كنت أتصور أن أمه سوف تعترض , وربما أنها لم تفعل ذلك.....".
" لم ترفض سيرافينا أي طلب لأدوني أو تحرمه من أي شيء يريده , أذا كان أدوني يريد اللهو مع الآنسة البريطانية , فليكن , هذا هو موقفها , وهذا هو السبب في عدم أعتراضها , هناك عدد كبير في حياة أدوني ........ وهو لا يعتبرهن أكثر من مجرد دمى".
" وما هن بالنسبة اليك ؟ هل تحسد أدوني على حريته في التمتع بحياته علنا؟".
" الحرية كلمة كبيرة , أليس كذلك ؟ لديك الحرية الكاملة يا دونا , ولكن أرجوك أن تستخدميها بهدوء وتعقل كيلا تندمي , يمكن لشابة مثلك أن تقدم على خطوة تندم عليها طوال حياتها".
" وهل لي أن أتصور يا ريك , أنني لم أكن سأندم على قبولي اللقاءات السرية المقترحة معك ؟ ما هو سبب قلقك يا ريك ؟ هل أنت خائف من أنني سأواجه مشكلة مع أدوني , مثلما واجهت سيرافينا ذلك مع....... مع أبيه؟".
" رباه , ماذا تقولين؟".
كان صوته عنيفا....... وحزينا في آن واحد , شعرت بأنها طعنته في الصميم , خيم صمت مطبق بينهما , وحده الحصان كان يحرك رأسه بتململ لأنه يريد الذهاب الى الأسطبل ليأكل , نظر اليها ريك فجأة وسألها:
" كيف عرفت ذلك؟ من غير الممكن أطلاقا أن يكون أحد أخبرك بهذا الأمر , أنك تفترضين ذلك...... تتخيلين ....... تتصورين!".
كانت دونا متألمة لدرجة أن شفتيها أصبحتا جافتين كقطعة من الخشب , نظرت اليه بأسى وكأنها ندمت على كلامها , ولكن إحساسها دفعها الى متابعة الحديث , قالت:
" أنه يشبهك كثيرا , ألا تعلم ذلك ؟ ألم تشاهد نفسك فيه أبدا؟".
أخرسته الصدمة مرة أخرى لبعض الوقت , ثم قال بلهجة قاسية:
" حاولت على الأرجح أن أتجنب ذلك , أذا كنت عاقلة , إبتعدي عنه , أتفقنا أنت وأنا قبل قليل أن لا سيطرة لي على حياتك , وأنك حرة في مد جناحيك كيفما يحلو لك , ولكن أرجوك يا دونا , أن تعتني بهما جيدا , لا يمكن للفتاة أن تحلّق عاليا نحو النجوم , عندما يتكسر جناحاها الصغيران الرائعان".
أدار وجه الحصان نحو الأسطبل وأختفى عن ناظرها , قبل أن تتمكن من فتح فمها لتقول له أنها........ أنها تشعر بأن ظلام الليل الذي حل قبل قليل زحف الى قلبها ومشاعرها , أنسحبت الى قاعتها الصغيرة وأضاءت المصابيه القليلة فيها , كانت متأثرة جدا لأن ريك لا يشعر بأي عاطفة أتجاه أدوني , ولا يرى فيه إلا أخطاء شبابه هو , بدا وكأنه لم يرغب أبدا في التعرف الى الطفل أو الأهتمام بتربيته ....... ذلك الطفل الذي تركته سيرافينا مع زوج كهل مطيع , أين هو هذا الزوج الآن ؟ وهل كان هناك زوج فعلا , أم أن سيرافينا أخترعت وجوده لتضفي على تاريها بعض الأحترام ؟ لا بد أن سيرافينا لم تتزوج أحدا على الأطلاق ! لا شك في أنها دفعت مبالغ طائلة لأحد الأشخاص كي يعتني بأدوني , الى أن أصبح على أستعداد لأعادته اليها , الرجل الوحيد في حياة سرافينا هو ريك لورديتي!
كان هكذا دائما...... ومنذ البداية , ويناسبهما تماما التظاهر أمام العالم أنه ليس إلا حارسها الخاص , هكذا أرادت سيرافينا أن تعيش , وكأن حياتها ليست سوى رواية مثيرة.
تنهدت دونا بأرتعاش ..... ربما كان من الأفضل لها أن تتصرف وفقا لأقتراح ريك , وأن تلغي موعدها مع أدوني , فهي لم تكن راغبة أصلا في مرافقته الى هذه الحفلة , لأنها تعرف أن معظم أصدقائه ليسوا من طينتها , معظمهم أثرياء لا يهمهم سوى أنفاق المال والتمتع بالأمور التافهة.
ذهبت الى غرفة نومها وأستلقت على سريرها , يمكنها دائما أن تتظاهر بوجود صداع قوي أو أن معدتها تؤلمها , إلا أن ذلك سيبدو رضوخا لرغبات ريك .... لرجل لا يحق له أن يحاول توجيه حياتها بشكل أو بآخر , أذا كان أدوني مدللا ومعتادا على حياة المجون والفوضى , فأن نصف اللوم يقع على كاهل ريك , لم يحاول أبدا ثني سيرافينا عن الرضوخ لمشيئة إبنها ورغباته , وتغطية كافة نفقاته وديونه , إنها تحب إبنها كثيرا وترى في وجهه الوسيم أنعكاسا لجمالها المميز.
ودقت ساعة الحائط , أنها السابعة تماما ! لم يبق لديها إلا نصف ساعة فقط كي تستحم وترتدي ثيابها , أذا كانت ستذهب معه , أرتبكت وترددت ....... لأنها تعرف ماذا سيحدث لأدوني في تلك الحفلة أذا ذهب بمفرده , سينتهي به الأمر الى خسارة أموال طائلة وتمضية بقية الليل بصحبة أمرأة تخون زوجها معه , لم تكن لديها أي أوهام بالنسبة الى أدوني , ولكنها تعلم أنه تحسن كثيرا منذ أن بدأت تخرج معه , أنه يعجبها , بالرغم من عدم قدرتها على التظاهر بأنه ريك , اللعنة على ريك ! لماذا يتدخل في كل شيء ... في أفكارها , ومشاعرها , وحتى في قلبها ! أرادت أن تتحداه وتذهب مع أدوني الى حفلة اليخت.
خرجت من الحمام بسرعة وتوجهت الى غرفتها عبر الممر الصغير , شهقت بصوت مرتفع عندما وجدت نفسها ترتطم برجل طويل القامة , تعثرت قدماها , فأمسكها بيدين قويتين بدتا وكأنهما ترفعانها عن الأرض , وقفت مذهولة بين ذراعيه , فيما كان يتأمل وجهها وملامحها بعناية بالغة , كان قلبها يخفق بقوة وكأنه يريد الأفلات من جسمها والألتحاق بجسم الرجل االذي يعذبه ويؤلمه , قال لها بصوت خافت:
" هل تعرفين مذا أحب أن أفعل لك؟".
لم تكن بحاجة للرد عليه , لأنها قرأت الجواب في عينيه الجميلتين القاسيتين , شاهدت تلك الشعلة الخفيفة في نظراته , عندما سمعته يجيب نفسه قائلا:
" أحب أن أحبسك في برج وأتولى حمايتك , كيلا يتمكن أحد من ألحاق الأذى بك , دخلت نصيحتي في أذن وخرجت من الأخرى , أليس كذلك؟ أنت ذاهبة الآن الى هذه الحفلة وتبدين نشيطة وبريئة كطفل صغير أخرج لتوه من حمام ساخن".
" لماذا تعارض حفلة اليخت بمثل هذا الأصرار؟".
كان لا بد لها من أن توجه اليه هذا السؤال , لأنها لم تكن المرة الأولى التي يشاهدها فيها وهي خارجة في سهرة مع أدوني , أجابها بهدوء:
" يملك هذا اليخت رجل لا أحبه كثيرا , فقد أدوني معه أطوالا طائلة , وأنا أعرف أن الرجل يغض كثيرا في لعبه , أدوني خبيث مع النساء , ويحب اللهو والعبث الى درجة كبيرة , ولكن لديه بعض الفضائل ومنها أنه يكره الغشاشين , كما أكرههم أنا , لم يكتشف بعد بنفسه أن صاحب اليخت يغش في اللعب , وسوف تحدث مشاكل كبيرة عندما يفضح أمره".
" أذن , فذهابي معه عامل مشجع , أنه يتصرف بشكل طبيعي عندما أكون معه".
أمسك برأسها وأحناه الى الوراء كي ينظر الى عينيها بهيمنة وتسلط , وسألها:
" وكيف يتصرف عندما تكونان على أنفراد؟".
" أفضل منك".
كان عليها أن تدافع عن نفسها , وبدا أن أفضل وسيلة لذلك تكمن في مواجهته , عقد حاجبيه , ثم هاجم مشاعرها فجأة وراح يعبث بعواطفها بعنف , شعرت بأن رجليها لم تعودا قادرتين على حملها , أبعدها عنه بعد لحظات وجيزة ثم قال لها بحدة , بعدما أستعاد أنفاسه:
" تمتعي بسهرتك , الأرجح أنك ستكونين معه أكثر أمانا مما لو كنت معي!".
ركضت دونا الى غرفتها وأقفلت الباب من الداخل وهي تلهث خوفا.... سمعت عن هذا النوع من الأحاسيس الغامضة , التي كثيرا ما تكون قوية جدا بين شخصين لا يحق لهما أن يشعرا بها , كان ريك يريدها ....... رأت ذلك في عينيه القويتين , أرادت من صميم قلبها أن يكون شعور ريك على هذا الشكل ...... وكانت تعرف أن هذه العواطف قد تؤدي الى كارثة.
أنتهت من أرتداء ثيابها , ولكنها لم تسيطر بعد تماما على أعصابها أو عواطفها , لم تقدر على تناسي ما شعرت به عندما عانقها .... أو تناسي رد فعله القاسي الى حد ما , لأنها أضطرت لصده .... أو تناسي الكلمات القاسية التي وجهتها له , لأنها لم تجرؤ أن تكون ناعمة ورقيقة معه , كيف يمكنها أن تكون رقيقة معه , بدون أن تحصل مضاعفات لن تتمكن من مواجهتها؟
نزلت دونا من غرفتها وهي تأمل في أن يكون أدوني قبّل أمه وتمتى لهاليلة سعيدة , لأنها لم تكن راغبة في دخول قاعة الجلوس ..... ومواجهة ريك , وما أن وصلت الى أسفل السلم , حتى سمعت أدوني يصرخ من الداخل بصوت غاضب مرتفع:
" من أنت لتسمح لنفسك بالتدخل في الشؤون المالية ؟ أنت تقبض أجرك لتكون الرجل الذي يهابه الجميع , والشخص الذي يتبع سيرافينا كظلها ويعيش حياة البذخ والثرا على حسابها ! ولكن أريدك أن تتذكر دائما , يا لورديتي , أنك لست إلا مجرد أجير في هذا البيت ولن أسمح لك بتاتا بالتدخل في شؤوني".
" لا حاجة , يا بني , لأن تغضب الى هذه الدرجة , ريك محق تماما فيما يقول.... أنت تخسر أموالا باهظة منذ فترة طويلة , وأنا لا أحصد النقود من الحقل... كما تعلم , أذا كانت هناك حفلة راقصة , فلماذا تريد المزيد من المال ؟ أعطيتك مبلغا كبيرا جدا قبل بضعة أيام قليلة".
سمعته دونا يجيب أمه بصوت ناعم , قائلا:
" أنني مدين بمبلغ معين أريد تسديده , لا أتصورك تريدين أن تصبح سمعتي في الحضيض , هيا , بأمكانك أن تعطيني مبلغا آخر ".

" لا تعطيه المزيد من المال , يا سيرافينا , أذا كان يريد المقامرة مع مثل هؤلاء الفاسدين , فما عليه إلا أن يعمل ويستخدم دخله لهذا الغرض".
" قلت لك , يا أمي أنني مضطر لتسديد ديون مترتبة علي , وكما أفهمتك سابقا , يا لورديتي , إياك أن تتصرف معي وكأنك السيد هنا , أنت لست أكثر من قاتل مأجور , وتتخيل أن بأمكانك أدخال الفزع والهلع الى قلوب الجميع , لا , إنك لا ترعبني أنا , أعرف مهارتك في القتال , وأعرف كغيري أنك قتلت ذلك الرجل مستخدما قبضتك الحديدية..... وليس كما قيل أنه توفي نتيجة لأرتطام رأسه بحجر , أعلم أنك قادر على دق عنقي وتحطيم ضلوعي , ولكن هذا لا يعني أنني سأركع أمامك بمجرد النظر الى وجهك....".
" أصمت , إياك أن تتحدث مع ريك بهذه الطريقة , أريدك أن تفهم جيدا , يا أدوني أنني لن أتحمل حتى منك مثل هذه الأهانات أو ذكر أحداث جرت في الماضي , تجلهله , يا ريك".
" هذا ما أفعله عادة , أنني أفهم منك , يا أدوني , أنك ستأخذ الآنسة هدسون الى اليخت ( دليلة ) , فهل أفهم أيضا أن البعض سيقامرون؟".
" ربما , ولكنني أحتاج الآن الى بعض المال للوفاء بديوني , لا تنظر الي هكذا , يا لورديتي ! سأهتم بدونا كثيرا , أذا كان هذا هو الذي يقلقك , لاحظتك مرة أو مرتين كيف تنظر اليها , فتاة جميلة , أليس كذلك؟ شعر أشقر ناعم......".
" أخرس ! أذا كنت قلقا بالنسبة الى الآنسة هدسون , فلأنني أعرف الأشخاص الذين تصاحبهم وتصادقهم , وأشك كثيرا في أنها معتادة على معاشرة الطفيليين الذين يعيشون عالة على غيرعم أو النساء التافهات اللواتي يخنّ أزواجهن كما تفعل قطط الأزقة , من الواضح أنها فتاة طيبة ومن عائلة محترمة , وأنني أنذرك بأن أي محاولة من جانبك لأفسادها أو تشويه سمعتها , سوف.....".
قررت دونا الدخول في تلك اللحظة وأبعاد أدوني عن ريك , قبل أن تحصل بينهما مجابهة لا تحمد عقباها , تصنعت الهدوء والأبتسام وكأنها لم تسمع شيئا من تلك المجادلات العنيفة والقاسية , وقالت لأدوني بمجرد خولها:
" أوه , أنت هنا ! أن لم نذهب الآن , فسوف تنتهي الحفلة قبل وصولنا".
أقترب منها شامخ الرأس ثم أنحنى وقبّلها على خدها قائلا بأعتزاز :
" أنك رائعة".
أمسك بذراعها وخرج وأياها من الغرفة , محييا والدته برأسه ومتجاهلا ريك بصورة متعمدة وقاسية , وقال لدونا , وهو يفتح لها باب السيارة:
" أنني أكره ذلك الرجل اللعين , أتمنى لو كان بالأمكان أقناع سيرافينا بالتخلي عنه , ولكنه يسيطر عليها بدرجة تبدو وكأنها تعتبره قوة الدفع الأساسية في حياتها.
قالت له دونا بهدوء , وبعد أن أختارت كلماتها بدقة وعناية:
" يجب عدم التدخل بينهما , من الواضح أن والدتك تحتاجه الى حد كبير , كما أنه لا يمكنك القول بأنه يتدخل حقيقة في شؤونك أو حياتك".
" أنه يتدخل ويصب الزيت على النار , ساعة يشاء , صدقيني , يا دونا , اللعنة عليه ! ليذهب الى الجحيم !".
أطلق لسيارته العنان بشكل أفزع دونا وجعلها تتمسك بقوة بحافة مقعدها , نظرت اليه بسرعة , فلاحظت أنه في زاج عصبي بالغ يكاد يبلغ حد الأنفجار , بدا متهورا ومستعدا للمجازفة بكل شيء.. حتى بحياته , وتمنت لو أنها أخذت بنصيحة ريك وبقيت في الفيللا.
" أدوني......".
حوّل السيارة الى جانب الطريق وهو يضغط بقوة على الفرامل لأيقافها في أقصر وقت ومسافة ممكنين , وسألها بحدة:
" ما بك؟".
" أنني ...... أنني أشعر بصداع خفيف , هل تسمح بأن نعود ؟ لا أتصور أنني سأتمتع بالحفلة عندما يكون رأسي يؤلمني".
" أعددت نفسك لهذه الحفلة وأرتديت لها ثيابا رائعة , ولم أشاهدك قبلا بمثل هذا الجمال وهذه الأناقة".
ضغط على دواسة السرعة وهو يضيف قائلا:
" سوف تجعلين النساء الآخرين يبدين , وكأنهن مجموعة من الخفافيش وصلت لتوها من الكهوف والمغاور , يغرقن أجسامهن بمعاطف الفرو والعقود والخواتم الثمينة , ولكن ليس لهن مثل بشرتك الرائعة وشعرك الجميل , هل تعرفين أن ريك يغار مني ويحسدني ؟ يحسدني حتى الموت لأنك لي......".
أحست بتوتر شديد وعصبية بالغة لأن أدوني ضرب على وتر حساس للغاية , قاطعته بسرعة قائلة:
" أنا لست لأحد , يا أدوني , خروجي معك بين الحين والآخر في نزهة أو الى سهرة أو للغداء , لا يعني أطلاقا أعتباري أحدى ممتلكاتك , أرجوك عد بي فورا الى الفيللا , لا أشعر أبدا بأي رغبة لحضور حفلة".
" كنت رائعة جدا في ذلك عندما أقترحتها عليك , قلت بنفسك أننا سنمضي وقتا ممتعا للغاية في الرقص على متن يخت جميل , ما هي المشكلة يا دونا ؟ هل سمعتبعض المجادلة مع ريك , وتخافين من أنني أفسدك ؟ يا للأفكار المسلية والمضحة ! هو الذي يمكنه القيام بذلك ! هو الذي يعرف أكثر مني بكثير عن عصابات المقامرين , والأشرار الذين يجوبون في الأزقة المقفرة والمظلمة , أنه شخص من صقلية أقسم على الأنتقام , وأمضى سنوات طويلة يبحث عن الرجل والقتلة وأصبح مقامرا من الدرجة الأولى , أنني أحسده على الطريقة التي يوزع فيها الورق , أنهم يذكرون أسمه همسا في مقاهي الأرصفة والموانىء .... الرجل ذو الخاتم الذهبي".
" لمن كان هذا الخاتم؟ أنه خاتم زواج , أليس كذلك؟".
" نعم , أخذه من أصبع أمه قبل أن يوارى جثمانها الثرى , طلب من سيدة عجوز في قريته أن تثقب أذنه , كما تفعل مع الفتيات وتضع فيها حلقة صغيرة يتدلى منها الخاتم , أنه الأنتقام...... والعنف , وهذا هو سبب أعجاب سيرافينا به , لعبت أدوارا كثيرة مماثلة في حياتها السينمائية , مما جعلها تنظر الى ريك على أنه بطلها الأسمر الكبير , هذا يناسبه كثيرا لأنها لا تزال أمرأة رائعة الجمال .... وثرية الى درجة كبيرة".
لم تتمكن دونا إلا أن تحتج بالقول:
" أعتقد أن أمورا أهم من ذلك بكثير تربط بينهما".
" ماذا , على سبيل المثال؟".
" ما من شخص يراهما معا , إلا ويشعر بالأخلاص المتبادل وبتكريس حياة كل منهما للآخر".
" هل يعني ذلك كعاشقين ؟ هذا هو الأمر الذي بم أتمكن أبدا من تحمله , حاولت المرة تلو الأخرى أن أدخل عليهما فجأة , آملا في أن أراها بين ذراعيه , كي أهدم البيت على رأسيهما , ولكنه ثعلب خبيث , ولديه على ما يبدو حاسة سادسة تساعده دائما على النجاة من الخطر , أنه كالنمر اللعين , يظل متأهبا دائما وأبدا... يشم رائحة الخطر وينجو بجلده قبل وصول الصيادين !".
حاول أيقاف سيارته بعنف على رصيف الميناء , فأرتطم رأسه بمقودها , لم تتعرض دونا لحادث مماثل لأنها كانت ربطت نفسها بحزام الأمان , سمعت أنيه الخافت وشاهدت في اللحظة التالية الدماء تسيل من فمه , فكت حزامها بسرعة وأسندت رأسه على المقعد لتعرف ماذا حدث , تمتم بأنه متألم جدا , ثم أخرج منديله بصعوبة من جيبه ووضعه على فمه , لاحظت دونا الجرح الهميق في شفته السفلى , وأحست بأن بعض أسنانه تهتز وكأنها على وشك الوقوع من مكانها.
" يجب أن آخذك حالا الى المستشفى !".
رد عليها عبر المنديل المصبوغ بالدم الأحمر , قائلا:
" لا بل الى طبيب أسنان , لا أريد أن أخسر أيا من أسناني.... سوف أموت لو حدث لي ذلك ! أنت ستقودين السيارة , وسأرشدك أنا الى بيته".
شعرت دونا , وهما في طريقهما الى طبيب الأسنان , بأقتناع ثابت بأن أدوني هو حقا أبن ريك ويشبهه في أمور عدة , لم يتذمر أو تصدر عنه أي أصوات تكشف عن آلامه الحادة , بل ظل محتفظا بسيطرته وبقدرته على أرشادها الى منزل الطبيب بدون تردد أو أرتباك , تنهدت بأرتياح عندما أوقفت السيارة أمام المنزل , وتمنت أن يتمكن الطبيب من أنقاذ أسنان أدوني الجميلة.
أمضت الساعتين التاليتين تشرب القهوة مع زوجة الطبيب , وتنتظر بلهفة دخول أدوني الى غرفة العيادة , صحيح أنه تعرض لهذا الحادث نتيجة تصرفه الأرعن وقيادته المتهورة , ولكنها حزنت لحاله.... وأعجبت بشجاعته , ظل جالسا بهدوء مذهل بأنتظار دوره , مع أنه متألم الى درجة كبيرة , لم يطلب منها شيئا سوى عدم الأتصال بأمه لأنها ستقلق عليه.
خفّت حدة توترها كثيرا عندما خرج الطبيب وأبلغها بأن المصاب مرتاح لبضع دقائق , وأنها ستتمكن من مشاهدته بعد قليل , وأضاف الطبيب مؤكدا:
" سوف يتعافى السيد نيري قريبا , لديه أسنان ممتازة , وكان مستعدا لتحمل أي ألم للمحافظة عليها , ربما سيظل أثر الجرح ظاهرا في شفتيه , ولكن بشكل طفيف جدا , أنه شاب وسيم للغاية , ولكنه أعطى الأولوية القصوى لأسنانه الجميلة".
" هل يمكنني أعادته الى البيت؟".
" سأقترح عليه البقاء هنا هذه الليلة , لأنه ليس مرتاحا كثيرا وقد فقد كمية كبيرة من الدم , صورت فكه بالأشعة , ومع أنه يبدو سليما , إلا أنني أفضل أبقاءه هنا بقية الليل تحت رعايتي وعنايتي , لدينا هنا غرفة أضافية يمكنك أستخدامها".
لما لا ! هزت رأسها علامة الموافقة , فطلب الطبيب من زوجته أن تعد الغرفة والسري , ثم ألتفت الى دونا وقال لها:
" والآن يمكنك زيارة المريض".
أوصلها الطبيب الى القاعة الصغيرة التي كان أدوني مستلقيا فيها , ثم تركهما وحدهما , مد يده اليها وشكرها بعينيه , أمسكت يده وقالت له أنها ستختار الكلمات بعناية عندما ستخبر والدته عن الحادث , ثم أضافت بهدوء ونعومة:
" ربما عليك من الآن فصاعدا أن تأخذ بنصيحتها وألا تقود سيارتك بسرعة فائقة".
شدّ على أصابعها وجذب يدها باسما الى خده , علمت أنه يتوسل بعض العطف , مع أنه عرّض حياتهما معا للخطر , وسألته عما أذا كان لا يزال متألما , أم أنه يشعر ببعض التحسن , هز رأسه مؤكدا ذلك , فقالت له:
" يجب أن تنام قليلا الآن , أتوقع أن تحضر أمك في الصباح لأعادتك الى البيت , أعلم أنك تفضل حضوري , ولكنها والدتك ولها الأولوية في ذلك".
أمسك يدها بقوة وكأنه يريد الأحتفاظ بها في تلك الغرفة , ولكنها سحبت يدها وقالت له:
" يجب أن أذهب , سأراك غدا أن شاء الله , الى اللقاء".
أرادت أن تتصل بالفيللا , بأمكانها أن تتحدث مع ريك وتطلب منه أن يشرح لسيرافينا ما حدث مع أدوني ... ولكن لا ..... فمجرد ذكر كلمة حادث عبر الهاتف سيثير هلعا في قلب سيرافينا , ويجعلها تصر على الحضور فورا , أدوني بحاجة ماسة لراحة تامة بدون أزعاج من أحد , وسيشعر بتحسن كبير في الصباح ... وبقدرة أكبر على مواجهة تأنيب والدته وقلقها , قررت الذهاب بنفسها , مع أن قلبها كان يرتجف نتيجة خوفها من تلك الطرقات الجبلية المعرجة , شكرت الطبيب وزوجته على كل ما قاما به أتجاههما , ثم قادت السيارة الرائعة الى الفيللا وهي تركز كل أهتمامها على الطريق.
ما أن قطعت نصف المسافة , حتى توقفت السيارة بعد أن توقف محركها , حاولت جاهدة أن تدير المحرك , ولكن جميع محاولاتها باءت بالفشل , اللعنة ! ماذا ستفعل ؟ لا تريد قطع بقية المسافة سيرا على الأقدام , لا تقدر على ذلك , لأنها لا تعرف الطريق ولأن الظلام حالك وشامل , أوصدت البابين من الداخل ورفعت النافذيتين , وقررت البقاء في السيارة.
أسندت رأسها الى الوراء وتمنت مرة أخرى لو أنها أخذت بنصيحة ريك , كانت الأمسية بكاملها كارثة كبيرة , عوضا عن أن تكون آمنة في غرفة نومها المريحة والجميلة , تجد نفسها في هذا الوضع الحرج الذي لا يحسدها عليه أحد , وتمنت فجأة لو أن ريك موجود معها ليجعل ليلتها أكثر بهجة وأقل توترا...... ريك الذي تحداها بأسلوب لم يسبق له مثيل , والذي أغاظها أحيانا وكأنها فتاة صغيرة ثم عاملها كأمرأة ناضجة يريدها ....... الى حد كبير , تذكرت كلامه عن النجوم التي قد تصل اليها الفتاة على جناحين صغيرين براقين , كان يعني الفتاة العاشقة....... الفتاة التي لا تمنح حبها بسهولة , والتي تحتفظ بقلبها وجسمها للرجل الوحيد في حياتها.
ولكن...... لا يمكن أن يكون ذلك الرجل ريك لورديتي , لا بد لها أن تصدق كلام أدوني عنه ....... من أنه أمضى سنوات طويلة في حياته يعيش في الجانب المظلم للشوارع والأزقة , ربط الرجل حياته ومصيره , بأمرأة تشبهه الى درجة كبيرة وتفهمه بصورة مماثلة , وعندما ينتهي عملها في الفيللا , سيقولان لها معا كلمة الوداع ويقفلان الباب وراءها.
ريك ...... أوه , ريك.......
تنهدت , وغرقت في نوم عميق......

Nana.k likes this.

miya orasini غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-08-16, 05:52 PM   #7

miya orasini

نجم روايتي ومشرفة سابقة وعضوة فريق الكتابة للروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية miya orasini

? العضوٌ??? » 244480
?  التسِجيلٌ » May 2012
? مشَارَ?اتْي » 7,329
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » miya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك carton
افتراضي

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي

Nana.k likes this.

miya orasini غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-08-16, 05:53 PM   #8

miya orasini

نجم روايتي ومشرفة سابقة وعضوة فريق الكتابة للروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية miya orasini

? العضوٌ??? » 244480
?  التسِجيلٌ » May 2012
? مشَارَ?اتْي » 7,329
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » miya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك carton
افتراضي

7-الأصيل والبديل !

حملت سيرافينا صورة إبنها للمرة العاشرة تقريبا وتأملتها مليا , قبل أن تقول بصوت حزين .
" كان وسيما جدا عندما أخذت له هذه الصورة قبل عام , غيّر الجرح في شفته الكثير من ملامح وجهه الجميل , يا دونا , إنه يبدو الآن..... عنيفا وقاسيا".
كانت دونا تجلس في كرسي قرب الكنبة التي تستلقي عليها سيرافينا بعباءتها الجميلة الملونة , والدفتر والقلم بين يدي دونا , ولكنها لم تدوّن الكثير من الملاحظات بسبب حديث الممثلة المستمر عن أبنها , كانت سيرافينا تنتظر جوابا , فقالت لها:
" ليس الى هذا الحد , يا سيرافينا".
" ماذا تقولين ؟ ألا يمكنك أن تقارني بين هذه الصورة وما هو عليه وجهه الآن ؟ أنا أعرفه أكثر منك , فلا تجادليني".
" أنا لا أجادلك , الفارق الوحيد بين العام الفائت والآن هو التغييّر الطفيف الذي طرأ على شفته , بأستثناء ذلك , فهو لا يزال رجلا وسيما للغاية ".
" رجل ... نعم , هذا هو الأمر , هذا ما حدث بالضبط , أدركت فجأة أن أدوني أصبح رجلا , ولم يعد ذلك الشاب الجميل المدلل , هل تألم كثيرا يا دونا ؟ هل تحمّل الألم بشجاعة؟".
أكّدت لها دونا للمرة العاشرة أيضا أنه كان شجاعا للغاية , وأنه تحمّل الألم برجولة وعنفوان , ثم أضافت قائلة :
" أنه لم يفقد أي شيء من جاذبيته , سيرافينا , لا بل أنه ........ ".
توقفت عن أتمام جملتها , لأنها تعتبر أن العملية الجراحية التي أجريت لشفته السفلى حوّلتها من شفة ممتلئة مثيرة للفتيات الى شفة قوية تعجب بها النساء , وأكثر من ذلك ..... أنه أكثر شبها....... بأبيه!
تأمّلتها سيرافينا طويلا ثم سألتها بصوت ناعم:
" أنك تعتبرين أبني جذابا , أليس كذلك؟".
أبتسمت دونا وقالت:
" أي فتاة تتمتع بنظر عادي ولديها مشاعر طبيعية لا بد أن تجد أدوني جذابا".

لم يحاول أدوني أبدا أخفاء أعجابه بها , وسيرافينا تعرف ذلك , أنها تعرف أيضا أنهما يسبحان معا في البركة الخضراء الكبيرة ويتمشّيان لفترات طويلة على حافتها , لم يعد أدوني راغبا كثيرا في قيادة سيارته بسرعة....... أو المقامرة , أعتاد على تسلية نفسه بالأشياء المتعددة المتاحة له في البيت ....... في بركة السباحة , الى غرفة الألعاب المنوعة , الى قاعة السينما الصغيرة التي تعرض فيها أفلام سيرافينا وغيرها من نجوم هوليوود في عصرها الذهبي , أعترفت دونا لنفسها وهي تتذكر هذه الأمور بأن سجنها الكبير مزوّد بكافة وسائل الراحة والتسلية والترفيه عن النفس , إلا أن عذابها القوي الناجم عن وجودها قريبة من ريك وبعيدة عنه في آن واحد , آخذ في الأزدياد بحيث أصبح توتر أعصابها يحرمها من النوم معظم ساعات الليل , تتألم كثيرا عندما تتخيّله في غرفة سيرافينا , وعندما لا تجد في الصباح شريطا تسجيليا لتدوين محتوياته على الورق , تتلوّى من آلام الحسد والغيرة , كيف يمكنها أن تحب رجلا مستسلما الى هذه الدرجة , جسما وروحا , لمطالب أمرأة أخرى ورغبتها؟
" أعتقد أن أدوني بدوره يجدك جذابة جدا , أليس كذلك؟".
" السبب الوحيد لذلك هو أننا موجودان معا في مكان واحد , لا ..... لا أريدك أن تتخيّلي أنني أحاول بأية أعمال سخيفة لحمله على التعلق بي , أنا سكرتيرتك وممتنة جدا لك لأنك تسمحين لي بالتمتع بوسائل الترفيه المتاحة في بيتك".
أطلقت سيرافينا ضحكة غنج خفيفة , وقالت:
" لا مبرر لمثل هذه الحساسية يا دونا , أنا أعرف أبني , ولا أريد أن يلحق بك أي أذى بسببه , عذّب كثيرات غيرك بتصرفاته الطائشة اللامبالية , ولكن معظمهن كن نساء يعرفن أن عليهم عدم التورط معه , أنني أوافق ريك في رأيه بأنك شابة من طينة تختلف عن بقية النساء , لم يكن لديك قبلا أي مغامرات هوجاء مع الرجال , أليس كذلك؟".
" لم أشعر أبدا بأي رغبة في ذلك".
أحمرّت وجنتاها رغما عنها عندما ذكرت سيرافينا أسم ريك , من المؤكد أنهما بحثا معا في أمرها , وأن ريك أوحى اليها صراحة أن أهتمام أدوني بها آخذ في الأزدياد , شعرت بأن التناقض في مشاعرها يمزق قلبها ...... فمعرفتها بأنه يهتم بها وبأمورها تسرّها كثيرا , ولكن تدخله في حياتها الخاصة يثير في نفسها شيئا من الأشمئزاز.
راقبت سيرافينا أحمرار وجه دونا ونظراتها الزائغة , ثم سألتها بهدوء:
" أوه ! هل من الممكن أن تكوني عاشقة يا دونا ؟ يدل أحمرار وجهك على أنك فتاة يخفق قلبها بسرعة أكثر من المعتاد , طبعا.... الأمر ممكن جدا ! أدوني ساحر في وسامته وجاذبيته , وأنت صغيرة لا خبرة لديك أطلاقا في هذا المجال ! آمل , يا صغيرتي , في ألا يكون حاول أغراءك!".
" طبعا لا.....".
" أنت فتاة بريطانية ومحافظة ويجد فيك التحدّي المطلوب , بعد السهولة الكبيرة التي سجّل فيها أنتصاراته عل نساء كنّ أكثر من مستعدات لتلبية رغباته , أنت تجذبينه كثيرا لأنك مختلفة عن الأخريات...... شعرك أشقر.... وبشرتك البيضاء الرقيقة حوّلتها الشمس الى هذا اللون العسلي المثير , هل اخبرك يا عزيزتي , أن لديه خطيبة أيطالية تكمل دراستها الجامعية في فلورنسا؟".
أستغربت دونا أنها لم تفاجأ بنبأ خطوبه , ولم تهتم لأنه لم يبلغها ذلك بنفسه , كيف يمكنه ذلك وهو يحاول مغازلتها منذ اليوم الأول لوصولها الى الفيللا ؟ تظاهرت بالأهتمام الجدي , ولكن سيرافينا بدت منزعجة لأنها كانت تتوقع رد فعل عاطفيا أقوى , قالت لها بلهجة قاسية الى حد ما:
" أتصور أنك تعتقدين بأن جاذبيتك ستكون أقوى من من أحساس أبني بالمسؤولية أتجاه الفتاة الأخرى ! يبدو لي من عدم أستغرابك الخبر أنك كنت تعرفين مسبقا خططه للزواج في المستقبل القريب".
" لم تكن لدي أي فكرة على الأطلاق أنه مقبل على الزواج , ولكنني لم أستغرب سماع ذلك منك , أعرف أن العائلات في بعض مناطق العالم توافق على خطوبة بناتها بمجرد خروجهن من قاعة المدرسة".

" ستنهي أيزابيتا دراستها في القريب العاجل , وتعد فور ذلك ترتيبات الزواج , أحببت أبلاغك ذلك كي تعرفي أين تقفين بالنسبة الى أبني , لا أريدك أن تتصوري أنه حر , ومستعد للتورط معك بشكل جدي , ويعرف أدوني جيدا أنني أريد له الزواج من شابة أيطالية ووفقا للتقاليد القديمة في بلادنا".
صمتت برهة ثم ربتت على يد دونا وكأنها تعزيها , وقالت:
" يجب أن تعرفي , يا عزيزتي , بأنك مجرد أستراحة صغيرة في حياة أبني يمضيها بفرح وسرور قبل أن يتزوج ويستقر نهائيا , أيزابيتا فتاة طيبة وستكون زوجة ممتازة له , أنها الفتاة التي أريدها له , هل تفهمين؟".
ردّت عليها دونا بالأيجاب لأنها فهمت تماما هدف سيرافينا , أنها لا تريد من زوجة أدوني أن تخطفه منها...... تريد تقييّد أبنها وزوجته معها , تماما كما تفعل مع ريك , لن يتمكن أي من الرجلين اللذين تحبهما من الأبتعاد عنها أو التحرر من قيودها الجذابة المغرية.
" لن تقدمي أذن على أي عمل متهور أو أحمق ! أنتم البريطانيون تسيطرون كثيرا على أعصابكم وعواطفكم , أليس كذلك ؟ الكبرياء وعزة النفس قبل الأحاسيس والمشاعر ؟ نحن أنفعاليون وعاطفيون أكثر منكم , وأنا متأكدة من أن الزواج من بعضنا أفضل لنا , بدي أعتقاد راسخ بأن عروس أدوني الشابة ستسعده الى درجة كبيرة".
شعرت دونا بالتأكيد أن صبية أيطالية مطيعة تخرج لتوها من مدرسة داخلية للبنات , لن تتمكن أبدا من فرض شخصيتها وأرادتها في قصر نيري , ولا شك في أن العروسين الشابين سيعيشان في الفيللا , حيث يظل أدوني قريبا من محفظة النقود ويظل مدللا ..... الى أن يفقد الجسارة والسحر اللذين ربما كانا سيساعدانه على تخطي أساليبه الحالية , وعندما تنهدت دونا , بادرتها سيرافينا بالقول:
" آسفة , يا عزيزتي , لأنني آلمتك وأصبتك بخيبة أمل مريرة , إلا أنه كان من الأفضل لك أن تعرفي الموضوع من كافة جوانبه".
شعرت دونا بالحسرة والألم وهي تنظر الى هذه المرأة التي تسيطر على ريك وتيتعبده , أنها بلا شك رائعة الجمال وجذابة الى أبعد الحدود ولا يمكن بالتالي من توجيه اللوم الى أي رجل يعشقها ويسلمها جسمه وروحه! ولكنها لم تعد تحتمل التفكير بأن ريك يخص هذه الأمرأة التي لا يهمها في الحياة سوى أرضاء نفسها ! وفجأة , عادت ممثلة الأغراء الى القول:
" يسرني كثيرا أننا أصبحنا الآن نفهم بعضنا جيدا , لن تسخّري قلبك لأدوني , لو كنت فتاة حكيمة ... مع أنني أعتقد أنه يمكنني منعه من تشجيعك على .....ز التهور , في أي حال , أنت شابة بريطانية متحررة , وهذا يحدث أحيانا مع معظم النساء , أتصور أن أدوني عاشق رائع.....وربما يكون قاسيا الى حد ما , أذا كنا نؤمن بتأثير الوراثة".
شعرت دونا بتسارع ضربات قلبها.... أنها تشير صراحة الى أبوّة أدوني , وقالت لنفسها أن الشاب ورث بالتأكيد بعض القساوة عن ريك , تحركت في مكانها بأنزعاج , فوق الملف عن ركبتيها وتناثرت أوراقه على السجادة المخملية , جمعت الأوراق ثم وقفت تتأمل القاعة الصغيرة , متجنبة نظرات سيرافينا وأبتسامتها الخبيثة , تنهدت سيدة القصر بصوت مسموع , ثم نظرت الى ساعتها الثمينة وقالت:
" لا أشعر اليوم بأنني راغبة للعمل , أنها الحادية عشرة تقريبا , فلماذا لا تذهبين الى شرب القهوة ؟ هيا , أذهبي , سنبدأ هذا لفصل الجديد صباح غد بأذن الله , أذهبي وأدخلي السرور الى قلب أبني , ولكنك ستتذكّرين حديثنا القصير , أليس كذلك؟".
غادرت القاعة الصغيرة بسرعة وهي متوترة الأعصاب لدرجة فائقة , ليس بسبب خطوبة أدوني أو حديث أمه المزعج معها , ولكن لأنها شعرت بالتأكيد من رائحة الدخان المنبعثة من الغرفة المحاذية أن ريك أمضى الليل مع سيرافينا , ومع أنها تدرك بألم وحزن شديدين أنه ليس لديها أي أمل في الحصول عليه , إلا أنها شعرت بحنق بالغ وعذاب قوي لمجرد معرفتها بأنه أمضى ليلته مع أمرأة أخرى .... أمرأة جذابة مثيرة تنسيه على الأرجح أنه كاد يذيب تلك الفتاة البريطانية بين ذراعيه.
ذهبت دونا الى غرفة المكتب لتضع أوراقها وقلمها هناك , كانت أشعة الشمس تتدفّق على تلك الغرفة......ولكنها لم تقبل بأن تبقى وحيدة مع ذلك الفارس الأسود الصامت , ذهبت على الفور الى أحدى زوايا الحديقة , أرادت الأنفراد بنفسها والأبتعاد عن الآخرين , ولكن أمنيتها لم تتحقق , كان ريك وأدوني يجلسان الى طاولة حديدية صغيرة , يشربان القهوة ويأكلان الحلوى , لم يكن لديها مجال للتراجع , لأن الرجلين وقفا أحتراما لها وطلبا منها الأنضمام اليهما , أبتسم أدوني وقال لها , فيما كان يساعدها على الجلوس:
" أمر جميل منك أن تأتي فتنضمي الينا".

أبتسمت له وكأنها مشتاقة فعلا لرؤيته , وقالت:
" لم تتمكن والدتك من التركيز على الفصل الجديد , فطلبت مني أن أذهب لشرب القهوة".
نظرت بسرعة الى ريك , ولكن ملامحه القوية لم تتغير أو تتبدّل , كان يجلس بهيبة وعنفوان , وبدا قويا عندما قال لها:
" يجب أن تشربيها معنا , من المؤكد أن أدوني سيبادر الى أحضار فنجان أضافي , أليس كذلك , أيها الصديق؟".
" فورا , وبكل سرور".
مرّر أدوني أصابعه على ذراعها بحنان وقال لها:
" كنت تبدين قبل لحظات , قرب تلك الشجرة , وكأنك تخرجين من الظلام , ربما كان ذلك بسبب هذا الفستان الباهت اللون , أو بسبب نظرات معينة في عينيك , ستظلّين هنا ولن تهربي من ريك , أليس كذلك؟ أعتقد أنه يخيفك قليلا".
" هراء ! أؤكد لك , يا أدوني , بأن أعصابي قوية وثابتة تماما وبأنني لا أخاف أبدا من السيد لورديتي , إنه رجل كبقية الرجال..... وأنا متأكدة من أن لديه جوانب رقيقة مثل أي شخص آخر , على الرغم مما يقال عن قساوته وشدة بأسه".
ضحك أدوني وقال:
" وأخيرا , هذه فتاة شجاعة ترفض أن تدع أسطورة لورديتي ترعبها أو ترغمها على الركوع أمامه ! سأعود بالفنجان خلال دقائق ".
تعمدت دونا التطلع نحوه الى أن غاب عن نظرها , شهقت بصوت خافت عندما شعرت بأصبع ريك تلمس معصمها وبذلك التيار الكهربائي يصل الى رأسها , سحبت يدها بسرعة ووضعتها مع الثانية على ركبتها , قال لها ريك بهدوء:
" سوف يسيء فهمك فيما لو حاولت مغازلته , يا دونا".
" هل هذا ما حدث معك ؟ هل تتصور نفسك الرجل الوحيد هنا الذي أجده ...... جذّابا ؟ تذكّر أنني شلبة بريطانية , نحن شعب متحرر , نقفز كالنحل والفراشات من زهرة الى أخرى ....... ونزداد خبرة ومهارة مع مرور الزمن".
" توقّفي عن محاولة الظهور بمظهر فتيات المجتمعات المخملية ".
أرتعش جسمها لدى سماعها تلك اللهجة التي لسعتها كالسوط , ونظرت اليه بتحدّ , أحست بأن شيئا منه أمتد اليها ولامسها , مع أنه هذه المرة لم يحرك ساكنا , قالت له , وعيناها تحملان نظرات الأشمئزاز والأعتراض:
" توقف عن أصدار الأوامر , لست لعبة في يديك , يا سيد لورديتي , مع أنك تعتقد ذلك بصورة راسخة.
" أحب أن أعرف السبب الذي يحملك على التحدث كفتاة أكلت ليمونة مرة , ربما لأنك خائفة , تفضلي".
نظرت الى الأزهار التي تحوم حولها فراشات كبيرة بيضاء , وقالت :
" لا , شكرا".
" يجذب ذكر الفراشات أثناء فترة الأخصاب بحمل عطور فواحة على جانحيه ..... بعكس الرجل والمرأة , أليس كذلك؟".
" أوه , أنني لا أعرف , فرائحة التبغ وبعض أنواع الصابون والعطور التي تستخدم بعد الحلاقة قد تفعل الأعاجيب بالنسبة الى كثير من النساء , أتصوّر أن بأمكاننا أن نسترسل في أحاسيسنا ومشاعرنا , ولكننا نقدر أيضا أن نعود الى عقولنا...... كمن يستيقظ من أحد الأحلام المجنونة التي من الأفضل نسيانها".
" وهل ما حدث بيننا حلم مجنون , أيتها الحبيبة ؟ كان بأمكاني أن أقسم آنذاك أننا في حلم مستحيل تمنّينا معا أن يدوم الى الأبد".
أجابته بتوتر ملحوظ , قائلة:
" كلمة مستحيل هي التي تصف الوضع على حقيقته , لا بد أنني فقدت عقلي الصغير عندما ....... عندما سمحت لك بعناقي".
نظر اليها بعينين جمّدتاها في مكانها , فيما كانت أبتسامة خفيفة خطرة تعلو شفتيه وقال لها بهدوء مذهل:
" أتذكّر جيدا , أيتها العزيزة , أن المشاركة كانت متبادلة , ماذا حدث لتبريد ذلك الحنان الدافىء , الذي أذكره بكل وضوح ؟ كنت قصيدة من الشعر العذب الرقيق , وها أنت الآن كخبز علمي جامد, لا شك أن هناك سببا........".
" أوه , نعم , يا ريك , هناك بالتأكيد سبب لذلك , ولكن هل من سبب لقوله ! هل تعلم رفيقتك وسيدتك أنك تقوم بهذه الأعمال خفية عنها؟".
" رفيقتي؟".
رفع حاجبيه بأستغراب بالغ ونظر اليها بقسوة بالغة , شعرت معها وكأنها تريد صفعه بقوة , قالت له ببرودة:
" أنت تعرف تماما من أعني".
" تعنين سيرافينا !".
حرّك الفنجان بأصابعه القوية , فتذكّرت دونا رغما عنها كيف شعرت عندما لامست هذه الأصابع بشرتها الشابة وأذابتها...... أغمضت عينيها لأنها لم تعد قادرة عل النظر اليه , سألها متمتما:
" ألست سعيدة الآن لأننا لم نصعد تلك الدرجات معا".
" الى أبعد حدود السعادة , كان لديك على الأقل ذلك القدر من الضمير الأنساني!".
" نعم يا عزيزتي , لديّ ضمير حي , ولكن يبدو أن بعض الأشخاص , يمكنهم النجاة بأنفسهم حتى بعد أن يصيبهم سهم الجاذبية القاتل".
أرتعش جسمها وقالت له على الفور:
" أنك تتظاهر بأن الأمر مؤلم جدا!".
" أنه كما تقولين , وكل منا يعرف ذلك , والمؤسف في الأمر أن الحب يبدو وكأنه ليس إلا للذين يحبون تعذيب أنفسهم".
نظرت اليه بحنق وغضب بالغين , وقالت بحدة:
" لن تتحدث عن ........... عن الحب , لماذا لم تتركني وشأني منذ البداية ؟ لماذا عانقتني وتظاهرت بأنك.........".
" أتظاهر , يا دونا؟".

شعرت بأنه على وشك تحطيم الفنجان الفارغ بين أصابعه , سألته بأنزعاج:
" ألم تكن تتظاهر , يا ريك ؟ ألم تلعب دور العاشق الأسمر مع السكرتيرة الأخنبية الصغيرة الضعيفة ....... وكأنك تنقل الحوار حرفيا عن أحد هذه الأفلام القديمة التي تريدنا سيرافينا أن نراها معها عل شاشتها الخاصة ؟ هل هكذا تتمتّه بوقتك , يا ريك ؟ عندما تفك الطوق من حول عنقك وتذهب بمفردك الى روما , هل تلتقي غالبا فتاة صغيرة ضائعة تسمح لك....".
" إصمتي ! لن تمر لحظات طويلة وأنت بمثل هذا الأنفعال والعصبية , حتى تنهمر الدموع من عينيك ......... هيا سيطري على أعصابك وتمالكي نفسك , فأدوني عائد الآن الينا , أتصور أن فنجانا من القهوة سيساعدك كثيرا".
كان قلبها يخفق بسرعة كبيرة وركبتاها ترتجفان تحت الطاولة , ولكنها تمكنت من التظاهر بأنها على ما يرام عندما وصل أدوني ومعه فنجانها وأبريق القهوة الطازجة , أنه لجحيم بذاته عندما تحب الفتاة رفيق أمرأة أخرى!
" تريدك سيرافينا أن تقابلها الآن , يا ريك , لتبحث معك بعض الأمور الحسابية , فهناك فاتورة تعتقد بالتأكيد أنها دفعتها سابقا ".
" سأذهب اليها".
وقف قرب الطاولة بهامته الكبيرة الشامخة , فمنع الشمس عن دونا , ولكنها لم تنظر اليه , وتمنّت لو أنها لم تلتق به أبدا ! وسمعته يقول لها بهدوء :
" تحلو القهوة المرة من يديك , أليس هذا ما يقولون؟".
ضحك أدوني وقال :
" لورديتي يتحدّث بالشعر ! ماذا حدق له يا ترى؟".
ثم أبتسم بنعومة وأضاف:
" أنك جميلة جدا هذا االصباح , أيتها العزيزة , شعرك الأشقر الجميل كسنابل القمح الذهبية , وبشرتك ناعمة كالحرير المرشح بخيوط الذهب الصافي , شفتاك القرمزيتان كأزرار الورد ".
" أدوني ! يجب ألا تقول لي مثل هذا الكلام , أعتقد بأن عليك الأحتفاظ به لعروسك الأيطالية".
نظر اليها أدوني بذهول ولم يتكلم ألا بعد فترة صمت طويلة , قال لها:
" هل كان لورديتي يحدّثك عن هذه الفتاة , التي تتوقع أمي أن أتزوجها في نهاية الصيف؟".
" أمك هي التي أخبرتني بذلك , يا أدوني , أنها قلقة من أنّ علاقة...... الصداقة بيننا أصبحت أطثر ودا دعني أهنئك على زواجك المقبل , فهمت من والدتك أن الخطيبة فتاة أيطالية طيبة ومحافظة".
عقد جبينه بطريقة ذكّرتها كثيرا بملامح ريك عندما يغضب وقال لها:
" وهل تتصورين أنني أحب هذه ...... هذه الأيطالية؟".
" الحب هو أحد العناصر الضرورية لأعداد كعكة العرس , ويبدو أن أمك سعيدة جدا بخطيبتك الطيبة وتشعر بالتأكيد أنها ستكون زوجة ممتازة لك ".
" وأنا أشعر عكس ذلك تماما , فالفتاة منتفخة الأوداج سمينة الجسم , ولا تعرف شيئا عن الحياة , وافقت على الخطوبة آملا في ألا تتذكّر سيرافينا ذلك بعد حين ".
وضع أصبعا على أثر الجرح في شفته وحدّق بذهول في فنجانه الفارغ , صبّ لكل منهما مزيدا من القهوة , وقال :
" يجب أن ألغي هذه الخطوبة السخيفة ! رباه , لا يمكنني أن أتزوج فتاة ..... جاهلة بسيطة مثلها , كيف يمكنني أن أتعهّد لها أمام الكاهن بأنني سأحبها وأرعاها طوال العمر ؟ طردت هذه الفكرة من رأسي معظم الوقت , ولكنه يبدو أن أمي متشبثة بالفكرة حتى النهاية , يا للهراء!".
رفع رأسه فجأة , فلاحظ أن دونا تنظر اليه , إبتسم وقال لها بسرعة:
" سأخبر سيرافينا بأنني أريد الزواج منك!".
صعقت دونا ومنعها الذهول عن الكلام , فمضى أدوني الى القول:
" أشعر معك بأرتياح كبير , وعندما ألمسك أو أقترب منك , تتفجر في نفسي أحلى المشاعر ".
" هذا ليس حبا !".
أقترب منها وقال لها , فيما كان ينظر اليها بعينين برّقتين :
" أنت لست طالبة مدرسة , يا دونا , أنت تعرفين , كما أعرف أنا , أن الحب في معظمه حسّي .. مع قليل من التحمل والنعومة , وقليل من المشاكسات العادية المتعارف عليها بين الرجل والمرأة , أريد ليلة عرسي أن أشعر بالدفء والترحيب , لا أريد تلميذة صغيرة ترتجف بين ذراعي ولا تعرف كيف تسعدني وتحلّق بي على أجنحة السرور , أريد شعرها الناعم أن يغطي الوسادة".
أشتغلت عيناه شغفا وهياما , وشاهدت فيهما دونا ذلك الشبه الهائل للرجل الوحيد الذي يمكنه أن يهز عظامها بنظراته ويدخل الى صميمها بسطونه وجاذبيته.
" أرجوك , يا أدوني , ألاّ تتحدث معي بهذا الأسلوب , نحن نعرف تماما أنه لا يمكننا أن نكون أكثر من مجرد صديقين , هيّا , خذ قطعة من هذه الحلوى ولنتحدث عن شيء آخر".
" يا لأنسانيتك , أيتها الحبيبة ! أنك تهتمين بمشاعر الناس الآخرين , مع أن هناك عددا مذهلا من النساء اللواتي لا يهمهن سوى أنفسهن , ينصب أهتمامهن كله على أشكالهن , وعلى ما يقوله الناس عنهن , تمضي مثل هذه النساء أعمارهن وهن يعتقدن بأنّهن وحدهن محور أهتمام الرجال ومحط أنظارهم , حتى أمي.....".
توقف عن أكمال جملته وهز كتفيه ثم رفع فنجان القهوة الى شفتيه وقال لها بعد لحظات:
" سيرافينا هي أمرأة يجب أن تدلّل دائما ..... وأن تحصل دائما على ما يسعدها ويرضيها , بما في ذلك مسألة زواجي , أخبريني , هل لاحظت آثار جروح في معصميها؟".

هزت دونا برأسها أيجابا , كانت الجروح كخطوط رفيعة جدا ..... ولكنها لم تكن حديثة على الأطلاق , وتصوّرت أكثر من مرة أن سيرافينا ربما حاولت الأنتحار في إحدى فترات حياتها.
" حدث ذلك قبل ثماني ستوات , وأعتقد أن لريك علاقة بالأمر , أنهما يحيطان خلافاتهما بسرية تامة , ولكنني أتصور أنه أراد المزيد من الحرية , لديه ناد في روما يديره له شخصآخر , وأظن أنه أراد القيام بدور أكبر في ناديه.... ولكن أمي تحتاجه بأستمرار ولا تعرف كيف تعيش بعيدة عنه".
تنهّد أدوني وصمت برهة ثم عاد الى متابعة حديثه قائلا:
" لا أعرف تماما مدى حبه لها , ولكنني كما قلت سابقا , إنها تحتاج اليه بشكل يائس لا يصدّق , وكي تعاقبه حتى عل التفكير بالأبتعاد عنها قليلا , أخذت شفرة حادة وقطعت معصميها بها , شيء مقزز , أليس كذلك؟ ولكن بعض النساء يذهبن الى مثل هذه الأبعاد لتحقيق أهدافهن ومآربهن".
تأمل دونا طويلا وكانت أصابعه تنقر بعصبية بالغة على الطاولة ثم قال :
" أتصور أنك مستعدة للعيش فيجحيم لا يطاق , قبل أن تفعلي شيئا مماثلا لرجلك ,.
أشعر بالتأكيد أنك أنسانة تحبالعطاء الجميل والأعمال الخيّرة , أنت فيخارجك كما في داخلك , ولا تعرفين أن من النادر وجود فتيات مثلك في هذا العصر بالذات , تعجبني صفاتك هذه الى درجة كبيرة , وهذا ما أريده فيزوجة المستقبل , أريدك أنت يا دونا , أريدك أنت !".
أمسك بيديها وجذبها نحوه قائلا:
" أريدك أن تكوني لي....... أن تكوني ضلوعي, جذوري, أمرأتي.....".
" لا !".
أفلتت منه وهبّت واقفة ثم قالت له بحدة:
" لا يمكنك أن تفسخ خطوبتك هكذا , وتحطم بالتالي آمال الفتاة وأحلامها, في بلادي لم يعد هذا الأمر يهم كثيرا , لأن عددا كبيرا من الناس لا ينظرون الى مواضيع الزواج بجدية تامة ,أما هنا في أيطاليا , فالمحافظة على كلمة الشرف لا تزال أمرا هاما للغاية ..... وأنت تعرف ذلك جيدا يا أدوني !".
" يمكننا أن نهرب معا الى مكان بعيد و......".
شعرت دونا بأن عليها أن تقول شيئا يضع حدا نهائيا لهذا الحديث الرومنطيقي الفارغ السخيف , قاطعته قائلة:
" وماذا تفعل للحصول على المال ؟ يشتغل الناس عادة في العالم الحقيقي , يا أدوني , أنهم لا يعيشون برفاهية وترف دونما أي جهد أو عمل ....كما تفعل أنت حاليا في عالم أمك الخيالي".
حدّق بها طويلا ثم أشتعلت عيناه وكأن عود ثقاب مشتعلا ألقي على كمية من الأوراق فهبت النار فيها , شاهدت في عينيه شيئا مرعبا ومذهلا لا يشبه نظرات ريك أطلاقا , أطاعت حاستها السادسة وولت هاربة نحو المكتب, ولكن أدوني لحق بها قبل أن تتمكن من أقفال الباب وأمسك بكتفيها , أدارها نحوه بعنف بالغ وكان الشرر يتطاير من عينيه كقط بري متوحش ينقض على فريسته , حاولت التملص منه وهي تصرخ :
" أتركني! أتركني !".
غرز أصابعه فيجسمها حتى بلغت عظامها , وصرخ بها بوحشية :
" سوف أعلمك درسا قاسيا , أيتها السليطة اللسان !".
رفعها بقوة بين يديه ثم رماها بوحشية على الأرض وأنقض عليها , أمسك شعرها بيد ومزق ثيابها باليد الأخرى , ضربته بعصبية ورفسته بغضب , ولكنه بدا قويا جدا وغير آبه بما تفعله , وتذكرت برعب ما قرأته مرة ........ من أن الرجل الذي يصمم على أمر كهذا قد يقتل المرأة في ذروة غضبه من دون أن يعرف أنه يفعل ذلك.
"أذن فأنت لا تريدين الزواج مني ؟ سوف تطالبينني بذلك وتتوسلين إليّ ألا أتردد أبدا بمجرد أن أنتهي منك الآن ,أيتها القطة المدللة !".
كان كابوسا مزعجا .... وكانت كلّما أزدادت محاولاتها للتخلّص منه , أزدادت قوته ووحشيته.
" أرجوك , يا أدوني ! أتوسل اليك !".
" توسلي, توسلي أيتها الفاجرة ذات البشرة ....... الجميلة ! توسلك أجمل موسيقى أسمعها ".
ثم لكمها بقوة على فمها , مما أدى الى جرح شفتها , وصرخ بها :
" توقفي عن المقاومة , ما لم تكوني راغبة في التعرض لأذى أفدح مما هو ضروري".
" أدوني , أنك تتصرف كأنسان مجنون ..... أوه , رباه , توقف عن ذلك !".
" نعم , أنا مجنون بك , ولكنك تحبين أن يبقى الرجل على مسافة معينة منك وألا يأخذ حريته معك .... ما رأيك بهذه الحريات الصغيرة الآن؟".
تألمت , فزعت , شعرت بأشمئزاز لا يمكن تخيّله , حتى وجهه بدا متغيرا الى درجة مذهلة , وشعرت بده تتسلل الى خصرها ! أدوني ! أهذا هو أدوني , الشاب الوسيم الذي شعرت نحوه ببعض العطف والمحبة لأنه جزء من ريك ! غرزت أصابعها في السجادة السميكة وأستعدت للحظة المناسبة التي ستقدم فيها على محاولاتها الأخيرة لأبعاده عنها , وما أن تحرك قليلا , حتى جذبت رجلها ووجهت اليه بركبتها ضربة قوية مؤلمة دونما أي أهتمام أو وخز فيا الضمير , كان صراخه كوحش جريح موسيقى جميلة لأذنيها المعذبتين , تراخت قبضته قليلا , فتحررت منه بسرعة البرق وهبت واقفة ثم ركضت بأقصى سرعتها , يدفعها الى ذلك خوف وهلع لم تعرف لهما مثيلا في حياتها.
لم تنتبه الى أن ثيابها وجسمها ترتجف كورقة في مهب الريح , كانت شفتها الدامية تؤلمها كثيرا , وذلك رجلها وظهرها , ماذا حدث لأدوني ؟ كيف يتصرف على ذلك النحو المجنون ؟ وبدا وكأن الشيطان دخله وجعله شخصين مختلفين , لم تكن تتخيّل أو تحلم بأن هذا الشاب اللطيف الساحر يمكن أن يتحول فجأة الى شخص شرير فاسق ....... الى حيوان مفترس.
ضمت قطع الثياب الممزقة الى صدرها وأستدارت لتذهب الى شقتها الصغيرة .... ولكنها توقفت فجأة , كان ريك يقف أمامها بقامته الطويلة القوية ينظر اليها بعينين فولاذيتين غاضبتين , تضايقت كثيرا لأن نظراته كانت مركزة على نصفها الأعلى شبه العاري , وتطالبها بأطلاعه على التفاص

Nana.k likes this.

miya orasini غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-08-16, 05:58 PM   #9

miya orasini

نجم روايتي ومشرفة سابقة وعضوة فريق الكتابة للروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية miya orasini

? العضوٌ??? » 244480
?  التسِجيلٌ » May 2012
? مشَارَ?اتْي » 7,329
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » miya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك carton
افتراضي

الحلم المستحيل

" و...........وقعت".
قالت تلك الكلمة وهي تشد القطع الممزقة الى صدرها وتنظر الى الأرض.
" لا بد أنك وقعت بقوة كبيرة !".

أقترب منها قليلا فتراجعت بسرعة الى الوراء , لأن الصدمة التي خلّفتها محاولة أدوني الشريرة كانت لا تزال قوية جدا في نفسها , شاهد ريك في عينيها نظرات أمرأة حزينة تعرضت لحادثة بشعة , فقال لها بنيرة جدية:
" تركتك مع أدوني".
لاحظ فجأة شفتها المتورمة , فأتسعت عيناه حنقا ودهشة وصرخ قائلا :
" رباه ! ما هذا؟".
قاطعته بعصبية بالغة , قائلة :
" أتركني يا ريك , دعني أذهب الى ......".
قال لها والشرر يتطاير من عينيه المتسعتين غضبا وذهولا :
" هل فعل ذلك بك ؟ هل حاول؟".
" أرجوك , أريد الذهاب الى غرفتي ".
حاولت السير فتصدّى لها , حبس الخوف أنفاسها , ولكنها تمكنت أن تقول له :
" تشاجرنا , هذا كل ما في الأمر , مزّق فستاني ولكنني لا .... لا أظن أنه كان يعني ذلك".
" هل صفعك أو لكمك ؟ أم أنه قبّلك عنوة ورغما عنك ؟".
" وقعت ....... وأرتطم وجهي بالأرض , أرجوك يا ريك , أريد الذهاب الى غرفتي لأستبدال ملابسي".
" يا فتاتي العزيزة , لا تدافعي عن الوحش أذا كان فعل ذلك بك !".
نظرت دونا الى وجه ريك وفهمت لأول مرة سبب أشمئزازه من أدوني , بالرغم من تأكدها أن دمهما واحد , قال لها مرة أن في نفس أدوني شيئا من الوحشية القاسية , وعرف الآن بمجرد تأمل حالتها أنها وقعت ضحية له , أقترب منها ريك خطوة أخرى , وسألها:
" ماذا حاول أن يفعل معك ؟ لا تخافي , يا صغيرتي , فأنا لن ألحق بك أي أذى ولن أمد يدي أليك ! ولكن إذا تعرضت للأذى على يد أدوني ,فأنني سألقنه درسا قاسيا لن ينساه في حياته , أخبريني , يا دونا , ماذا حدث !".
كان آخر شيء تريده الآن أن يفقد ريك أعصابه تماما , لأنه قوي جدا وقد يقتل أدوني أذا ذهب اليه بمثل هذا الغضب العارم قالت له :
" قلت له جملة سخيفة جعلته بشتعل غضبا , أرجوك , إعتبر الموضوع وكأنه لم يكن , سأطلب من سيرافينا أن تعفيني من مسؤوليتي , لأنني قررت مغادرة افيللا بأسرع وقت ممكن , أنه أفضل حل......... بالنسبة الى الجميع ".
" لا يمكنك أن تذهبي !".
أتسمت ملامح وجهه بالعنف والوحشية , وتنازعت قلبها مشاعر مضادة متناقضة ....... فمن ناحية كانت خائفة مذعورة من النتائج المحتملة , ومن الأخرى كانت مسرورة لأنه لا يريدها أن تذهب , ولكنها لم تتمكن من تجاهل التصرفات الوحشية القاسية التي ورثها أدوني عن ريك.
" لن أدعك تهربين من ذلك الوغد الحقير ! لست مضطرة .....".
" بلى , يا ريك ".
حاولت تجاوزه ولكنها كادت تهوي على الأرض لمجرد أحتكاكها به , رفعها بين ذراعيه القويتين وأخذها الى غرفتها , أغلق الباب برجله , فيما كان يضمها بقوة ويدفن وجهه في شعرها , وسمعته يتمتم قائلا:
" سأقتله لو أنه نال منك مآربه ! يجب أن أعرف الحقيقة , يا دونا , وإلا فقد أصاب بالجنون !".
كانت ترتجف بقوة ولم تكن متأكدة مما إذا كانت خائفة من ريك أم لا , أوه , لا ...... لا يمكنها أن تلوم ريك على الشر الذي ظهر بأدوني.
" لا.... لم يصل الى هذا الحد".
أحسّت فجأة بأن ذراعيها زحفتا بإرادة ذاتية وطوقتا عنقه , أقتربت منه لتشعر بقوته ....... وحمايته التي تحتاج اليها الآن بصورة بائسة , ثم مضت الى القول:
" لم تعد الأمور بأيدينا , غضب أدوني كثيرا لأنني حدّثته عن خطوبته .... أخبرتني عنها سيرافينا ولكنني لم أكن أتصور أو أحلم بأنه..... بأنه سيغضب الى هذه الدرجة , فهو لا يريد الفتاة الأيطالية....".
" لا , إنه يريدك أنت ! فأنت نوع جديد من الألعاب والدمى التي يتمنى الحصول عليها وتحطيمها بين يديه المدمرتين , ولكنني سأكسر يديه أذا وضعهما ثانية عليك !".
تحدّث بعنف شرس مع أنه كان يحملها برقة وحنان.
فأجابته بمحبة وهدوء:
" ريك , لا يمكنني أن أبقى في الفيللا , يمكنك بالتأكيد أن تفهم ذلك !".
" لن أدعك تذهبين , وأنت تدركين ذلك !".
" لست منطقيا ومتعقلا الآن يا ريك , لديك سيرافينا ....... ونعرف كلانا أن ما من طريقة على الأطلاق لتجاهل وضعها بالنسبة اليك , أنها تملكك جسما وروحا".
ظهر الغضب في صوته المتألم عندما سألها بحدة:
" هل تعتقدين ذلك حقا ؟ هل تظنين أنني مجرد نسخة أكبر عن أدوني , الذي لا هدف له من بقائك هنا سوى تلويث تحفظك وطهارتك وعفّتك ؟ نعم ...... أفهم , الى حد ما , ماذا تفعلين به ! يريد الفاسدون دائما جر الطيبين والنظيفين الى أوحالهم , إنه شعور أساسي لا يمكنهم السيطرة عليه , وهذا الأمر في أزدياد متواصل مع الناس , أليس من النادر في هذه الأيام أن يلتقي الرجل شابة تحترم نفسها بصورة فعلية وحقيقية ؟ إيجاد فتاة كهذه كإ‘يجاد جوهرة ثمينة على حافة نهر , يجب ألا تنفردي مع أدوني مرة أخرى أطلاقا , هل تسمعين ما أقوله لك؟".
" أنني ذاهبة يا ريك , أرجوك , أصغ لما أقوله......".
أغرق بقية كلماتها في عناق حنون , فرقص قلبها فرحا وسرورا وألقت برأسها على ذراعه ...... ونسيت كل شيء , كانت تعرف تماما أنها لن تقدر على مقاومة ريك , أذا بلغت منه عواطفه حدا ينسيه ضميره وفروسيته , نعمت بشعور القرب منه وسمعته فجأة يتمتم قرب أذنها:
"لا تتركيني يا دونا , أنا لا أتوسل أبدا في حياتي , ولكنني أريدك أن تبقي حتى نضطر الى قول كلمة الوداع".
الوداع ! كلمة حزينة جدا تضع مسافة باردة بين أشخاص يتوقون الى القرب والدفء , أنها تكره هذه الكلمة وما توحي به , ضمّته اليها بقوة وأغرقت وجهه قرب قلبها ..... حيث كانت ترتعش هياما.
" رباه ! أيتها الحبيبة الغالية ! لا يمكنك أن تعرفي , ولا يمكنني أن أصف لك مدى الوحدة والعذاب اللذين أشعر بهما لمجرد التفوّه بهذه الكلمة ! إبقي يا فؤادي , وسأضمن لك أن أدوني لن يزعجك أبدا بعد الآن , إنه وعد ثابت يا عزيزتي , وأنا لا أحنث أبدا بالوعد".
ظل جسمها ساكنا في حين كان قلبها يرتعش بين ضلوعها .... لم يكن لديها أي شعاع من الأمل , ولكنها ستبقى ......... لأنه طلب منها ذلك , أضطرت للأستسلام لرغبات قلبها , مع أن قلبها سخر منها ووصفها بأنها سخيفة وغبية ...... سخيفة لأنها تعرف أن لياليه كلها لسيرافينا , في حين ليست لديها هي سوى لحظات وجيزة يسوقها معها أثناء النهار , شعرت بأنفاسه الحارة فوق عينيها المغمضتين وسمعته يسألها:
" لن ترفضي طلبي يا دونا , أليس كذلك؟ سوف أتأكد بنفسي من أن أدوني لن يخيفك مرة أخرى بعد الآن ".
فتحت عينيها وحدّقت بعينيه الجميلتين وبالشعلة الصغيرة التي بداخلهما , وقالت:
" ريك , أرجوك ألا تفعل شيئا معه أو تضع يدك عليه , لا مبرر لذلك , ربما ستغضب سيرافينا منك , أنت تعرف كم هي متعلقة به ! ".
" نعم , والمؤسف جدا أن هذا التعلق لم يكن لصالحه , ثم........لمذا قلت أنه لا مبرر لتأديبه بالطريقة التي يستحقها؟".
إبتسمت دونا رغما عنها وقالت :
" وجّهت ....... اليه ضربة قوية جدا بركبتي , وأتصور , من صرخة الألم التي أطلقها , أنني أصبت الهدف".
رد ريك رأسه الى الوراء وضحك بصوت مرتفع , قائلا:
" رائعة ! ستضعه هذه الضربة في مكانه الصحيح ولو لفترة !".
عادت الجدّية الى ملامحه , فأمسك بوجهها وقال لها بحنان :
" ستبقين , أليس كذلك؟".
" يفترض بي ألا أبقى يا ريك , لو كانت لدي ذرّة عقل واحد , لجمعت أغراضي اليوم وغادرت الفيللا قبل أن يحدث شيء آخر , ماذا يحدث لو ضبطنا معا على ذها الشكل ......... وأنت في غرفة نومي؟".
تنهّد بقوة ثم أنزلها الى الأرض بهدوء وحنان , تأمل غرفتها بإعجاب , نظرا للبساطة الجميلة في أثاثها , وقال :
" إنها غرفة جميلة ومريحة وهادئة , وليست عابقة برائحة العطور المزعجة".
" فقط برائحة الخيول , تظل هاتان الغرفتان على الأسطبل".
" ألا يزعجك ذلك ؟".
" أبدا , أحب رائحة الخيول وأصوات حوافرها".
" يجب أن نقوم معا بنزهة على ظهور الخيل , لدينا هنا مجموعة رائعة".
جمعت دونا القطع الممزقة وضمّتها الى صدرها , وهي تحاول الظهور بأن الأمر عادي جدا ,ولكنها شعرت بأن ريك يقاوم عواطفه بعنف بالغ....... وتمنت في لحظة مجنونة أن تكون عواطفه أقوى من ضميره.
" لأجلك أنت يا دونا , سأمتنع عن تحطيم فك أدوني.... مع أنني أحب كثيرا القيام بذلك , كلّما أسرع في الزواج من تلك الفتاة , كان ذلك أفضل له , سيتم الزوج من دون أي تأخير , مع أنني أشعر بالأسف الشديد أتجاه الفتاة !".
سار نحو الباب ثم وقف عنده ووجّه اليها ابتسامة خفيفة , قائلا:
" حتى نلتقي مرة ثانية !".
هزّت له برأسها موافقة , فحيّاها وغادر الغرفة ثم أغلق الباب وراءه , خلعت ثيابها الممزقة وأرتدت عباءة جميلة , ثم وضعت دواء على شفتها وبدأت تسرّح شعرها , أستلقت بعد قليل على سريرها منهكة , تؤلمها شفتها والرضوض التي سبّبها لها أدوني , ولكن الألم الداخلي كان أقوى وأشد ......... وأكثر صعوبة على التحمل.
وافقت على البقاء وهي تعرف أن القرار صعب للغاية , أنه بيت تظلّله أحداث الماضي , ومحاولة سيرافينا الأنتحار لمعاقبة ريك على مطالبته بالحرية لأدارة ناديه في روما , كيف سيكون رد فعلها أذن أذا ضبطته مرة يعانق سكرتيرتها ؟ لقد تمكّن حتى الآن من ممارسة ضبط النفس والسيطرة على عواطفه ومشاعره , ولكن دونا تعرف أنه في كل مرة يضمها اليه يقترب أكثر فأكثر من التخلي عن تلك السيطرة , وأبتسمت بشيء من الأرتياح لأن رجلا قويا كهذا يريدها الى هذه الدرجة.
ولكن أبتسامتها أختفت بصورة تدريجية , لأنه لم يكن لديها عوضا عن مشاعرها سوى الوحدة الموحشة القاتلة التي لا تفهم الفتاة معناها الحقيقي إلا عندما تلتقي رجلا يعني لها كل شيء في حياتها ....... رجلا مثل ريك تجد في لمساته وكلماته سحرا وجاذبية لم تجدهما أبدا في أي رجل آخر , تألمت ........ وبكت....... ونامت , وعندما أستيقظت , وجدت الطعام قربها ....... وعلمت بأرتياح وسرور أن ريك أراد لها أن تتناول طعامها بهدوء بعيدا عن الضجيج ونظرات الأستفسار , وفي وقت لاحق من ذلك اليوم , دس لها تحت باب غرفتها ورقة أرتجف جسمها بأرتياح عندما قرأتها.

قال لها ريك في تلك الورقة أن أدوني أرسل للأقامة مع أهل خطيبته......لأن أيزابيتا ستصبح قريبا في الثامنة عشرة من عمرها , ولأن الوقت حان كي يتعرف الخطيبان على بعضهما , تنهّدت بأرتياح , مع أنها شعرت بالأسف أتجاه تلك الفتاة اتي وافق أهلها على زواجهما من شخص غريب عنها ولم تشاهده سوى مرة واحدة في حياتها , وتساءلت دونا عما إذا كان هناك أمل حقيقي في أن يستقر أدوني ويعيش مع تلك الفتاة كزوج مخلص , وتمنت ذلك , حفاظا على كرامة الفتاة ومشاعرها.

ومرت الأيام القليلة التالية بصورة شبه عادية , وكانت دونا تتمنى طوال الوقت أن يدس ريك ورقة أخرى تحت باب غرفتها يقول لها فيها أن عليها موافاته في موعد معين الى بيته الصغير .... المخبأ السري , ولكنه لم يفعل , وبدا وكأنه قيّد أحاسيسه ورغباته بالحديد ... وأنه لن يضع يده عليها ثانية.
لا أشعر اليوم بأي رغبة في العمل , هيا أذهبي وتمتعي بوقتك , يا دونا , أخبرني ريك أنك تركبين الخيل بطريقة جيدة , هيا , أختاري حصانا وأذهبي في نزهة طويلة".
" ولكنّنا لا نشتغل كثيرا هذه الأيام , أنا أتيت الى هنا لأعمل و.......".
" هل تشعرين بالملل يا دونا ؟ أنت تقبضين أجرك الجيد يا عزيزتي , بغضّ النظر عمّا أذا أشتغلت أم لا , وربما يقول البعض إنك محظوظة جدا للعمل معي".
" أنا ممتنة , ولكن..........".
" ولكن ماذا يا عزيزتي ؟ هل هناك شلب بريطاني ينتظرك بفارغ الصبر , أم أنّ هناك سببا آخر للتعجيل بأنهاء مذكراتي ؟ هل هناك شخص لا يعجبك , أم أن هناك شخصا يعجبك أكثر من اللزوم ؟ هل يعجبك مثلا أحد الرجال العاملين هنا ؟ هل يضايقك كثيرا أم أنه لا يشعر بوجودك على الأطلاق؟".
" أشعر بالذنب لأنني أقبض أجرا على عمل لا أقوم به , أنا سكرتيرة , ولست ضيفة في هذه الفيللا".
" يجب أن تفرحي عندما أعاملك كضيفة , هناك أوقات تذهلينني فيها أيتها الفتاة البريطانية , هل يخفي صقيعك نارا وراءه , يا ترى ؟".
ركبت دونا الحصان سنتوربوني الذي أختاره ريك لها خصيصا , وتوجهت الى الوادي , كان العمال يحيونها , ويقدّمون لها الفاكهة , فتقبل منهم بعضها شاكرة وتواصل طريقها , وكانت قد صادفت أثناء نزهتها السابقة بعض العاملات في تلك الحقول الغنية , ودعتها أحدى العاملات , أسونتا , الى حفل زواجها....... فقبلت دونا بسرور لأنها متشوقة لحضور حفل زفاف أيطالي تقليدي.
سألت سيرافينا صباح اليوم التالي إذا كان بإمكانها حضور العرس , فأجابتها السيدة بأنّ الشبان هنا سيعتبرون مجيئها وحيدة دليلا على أستعدادها لأي شيء , وأضافت:
" الأفضل أن تذهبي بصحبة ريك".
ذهلت دونا ولم تصدّق ما سمعته أذناها , ضحكت سيرافينا عندما شاهدت ملامح الأستغراب والدهشة على وجهها وسألتها بهدوء:
" ألا تعجبك صحبته؟".
" طبعا ! ولماذا أعترض؟".
" ولماذا أذن يبدو عليك مثل هذا الذهول؟".
" وهل يقبل هو بمرافقتي لحضور عرس قروي؟".
" سيقبل بالتأكيد عندما أطلب منه ذلك , أنه يحب هذه الأفراح والعادات القديمة لأنها تذكّره كثيرا بصقلية , سيبعد عنك الشبان المزعجين ....... أنت لست من النوع الذي يحب المضايقات أليس كذلك؟".
هزّت رأسها ثم أستأذنتها بالعودة الى عملها , وهي تكاد تطير فرحا لأنها ستمضي وقتا طويلا وممتعا مع ريك , وأثناء العشاء , قالت لها سيرافينا :
" بالمناسبة , إقترحت على ريك أن يرافقك الى عرس القرية..... ووافق على ذلك".
وجّهت دونا كلمة شكر وحيدة دون أن تنظر الى ريك , كانت تشعر بأنه يغازلها بنظراته .... أليس في ذلك خينة لسيرافينا ؟ قالت لنفسها بتحد أنها غير متضايقة من ذلك أطلاقا , أنها لا تراه إلا نادرا , فلماذا لا يحق له على الأقل أن يداعبها ويغازلها بنظراته ؟ وسمعت سيرافينا تقول له:
" أظهر لدونا قليلا من الحماسة , يا عزيزي , وإلا أشعرتها بأنك ستأخذها رغما عنك".
" صدقيني , يا آنسة , إنه سيكون من دواعي سروري وأعتزازي أن أرافقك الى الحفلة , سوف يحسدني جميع الرجال والشبان هناك , لأنك ستكونين كوردة بيضاء بين مجموعة الأزهار البرية".
ضحكت سيرافينا وقاطعته قائلة بلهجة ظهر فيها بعض الأستياء :
" أوه , لا تتمادى كثيرا ! إنك تجعل وجهها يحمر خجلا بهذا الأطراء الصقلي , وردة بيضاء حقا ! أهكذا تعتبرها أيها العزيز ؟".
" أنها بريئة وطاهرة , أليس كذلك؟".
جلس أمام البيانو وبدأ يعزف بهدوء , ثم أضاف قائلا:
" أتذكّر صقلية هذه الليلة..... وبعض أغانيها التي علّمتني أمي عزفها على بيانو أحضرته خصيصا من روما , تذمّر أبي بضعة أيام من ثمنه وتكاليف شحنه , ولكنها ضحكت وقالت أنها تريده لولديها ........".
صمت فجأة وبدأ يعزف لحنا جميلا شعرت معه دونا برغبة قوية للرقص , أما سيرافينا , فكانت مستلقية بلا حراك على كنبة وتحمل بيدها كوبا من عصير التفاح , وفجأة , وقع الكوب من يدها وراقت محتوياته على فستانها الحريري , هبّت دونا من مكانها وأسرعت نحوها بهدف مساعدتها , تأثرت عندما شاهدت الدموع تتجمّع في عينيها الخضراوين الجميلتين , والضياع والذهول يظهران بوضوح على وجهها.
" هل يمكنني مساعدتك بشيء؟".
أحسّت بيد ريك تضغط برفق على كتفها , وقفت جانبا , فيما أنحنى قرب سيرافينا ورفعها بيديها ...... وأوقفها قائلا:
" تعالي , لا حاجة للبكاء".
راقبته دونا وهو يأخذ سيرافينا الباكية من تلك الغرفة , شعرت بحيرة كبيرة , فمن المؤكد أن أمرأة ناضجة مثل سيرافينا لا تبكي عندما تريق العصير على فستانها.... مهما كان افستان ثمينا وعزيزا على قلبها ! هل بكت سيرافينا تأثرا عندما عزف ريك مقطوعة يتذكّرها منذ أيام طفولته ؟ هل لأنها تعرف عن المأساة في حياته أكثر من أي شخص آخر ؟ أم هو سبب معاملته لها قبل لحظات بمثل تلك الرقة والنعومة والحنان , وكأنها طفلة صغيرة شعرت بحزن كبير لأنها لوّثت ثوبها وأفسدته نهائيا؟
خرجت دونا الى الشرفة , حيث كان نسيم الليل عابقا برائحة زهر الليمون والورود الجميلة على أنواعها , تأملت السماء الصافية وآلاف النجوم التي تسطع فيها , وراحت تلاحق تلك الطيور الكبيرة التي تحلق في الفضاء بأجنحتها القوية الجميلة , شعرت بأنقباض غريب , وتأثر كبير للرقة التي أظهرها ريك عندما أخذ سيرافينا الى خارج الغرفة , كان يطوّق خصرها بذراعه ويضع رأسها على كتفه..... وكانت بينهما ذكريات مشتركة لا يمكن لها هي أن تتدخل فيها أو أن تصبح جزءا منها.
أسندت رأسها بهدوء الى الحائط , فيما ترددت في تفكيرها وفي قلبها أنغام تلك المقطوعة الموسيقية الجميلة التي عزفها ريك قبل قليل , أحست بالتأكيد أنه لن يمكنها أبدا أن تقدم طوعا على أحداث شرخ بين ريك وتلك الممثلة اللامعة المزاجية التي هي جزء من حياته منذ زمن طويل , شعرت أن بينهما مودّة دافئة وعلاقة حميمة ستبقيانها خارجا .... وبعيدا , لم تعد تشعر بالدفء والحرارة لأن ريك يحبها ويريدها.
أحنت دونا رأسها وهي غارقة في التفكير والتحليل , ربما كان من الأفضل ألا تذهب مع ريك الى عرس أسونتا , حيث سيكون الجو مشبعا بالحب والغرام .... والربط بين قلبين الى الأبد , شمّت رائحة التبغ قبل وصول ريك الى جانبها , فأستدارت نحوه وسألته بأهتمام صادق :
" كيف حالها الآن ؟ هل هي على ما يرام؟"
" نعم , أخذت الحبوب المهدئة للأعصاب وذهبت الى سريرها , أنها تواجه حاليا مثل هذه الحالات المزعجة , لأنها تقاعدت منذ بعض الوقت ولم يعد لديها شيء آخر تفعله , ولهذا السبب بالذات أقترحت عليها كتابة مذكراتها عن حياتها في السينما".
" هل أنت أقترحت ذلك , يا ريك؟".
" لما لا ؟ كانت فنانة رائعة .... وكانت من جوانب عدّة نوعا نادرا من النساء وشجاعة أكثر بكثير مما تتصورين , يجب أن يتمتع الأنسان بأكثر من الجمال والجاذبية ليضع نفسه في قلوب الناس وعقولهم , ظلّت سيرافينا , النجمة اللامعة والفنانة القديرة , تتربع على عرش هوليوود لفترة طويلة لم يشهد لها عالم السينما مثيلا , أما الآن , فلم يعد لديها أي متنفس آخر لعاطفتها الجياشة وأنفعالاتها الحادة.
" لديها أنت , يا ريك".
" هذا صحيح , يا دونا , ولكنني أعتقد أنها تدرك تماما وجود بعض الفراغ في العلاقة القائمة بيننا , أنني أعطيها من نفسي قدر أستطاعتي , ولكن ثمة أجزاء مني لا يمكنني أن أعطيها أياها , أتمنى من صميم قلبي........".

توقف فجأة وشعرت دونا أنه أبعد نظره عن النجوم وأخذ ينظر اليها بشكل جانبي , توترت أعصابها وتمنت ألا يضع يده عليها ! إنها متضايقة جدا , وقد تركض بعيدا عنه أذا حاول لمسها .... أو أن ترمي نفسها عليه وتجده أقل مناعة هذه الليلة من أي وقت مضى , شعرت بأنه يائس مثلها ..... ولكن كرامتها لا تسمح لها بأظهار عواطفها له هذه الليلة لمجرد أن سيرافينا أخذت حبة مهدئة للأعصاب وتغط في نوم عميق , ليس من الخطأ أبدا أن تكون معه .... وأن تحبه ..... ويحبها , ولكنها شعرت بأنها لن تتمكن من ذلك..... مخافة أن تفسد تلك العلاقة الرومنطيقية والجميلة معه.
حدّقت مرة أخرى بنجوم الليل البرّاقة..... صافية , رائعة , ويستحيل جرّها الى الأوحال , هكذا تريد حبها أن يكون ..... بعيدا عن متناول يدها , ولكنه ثابت وأكيد مثل هذه النجوم , عندما أدركت دونا ذلك , شعرت بأنها أصبحت الليلة أكثر نضوجا ورشدا ..... وبأن حبها موجود في قلبها أكثر من أي مكان آخر.
أطلقت تنهيدة خفيفة....... أنها تحبه حبا حقيقيا , وليست بحاجة لأثبات عواطفها كي تشعر بوجود هذا الحب , بإمكانها أن تنظر الى ريك كما تنظر الى النجوم , وهذا هو أجمل شعور في حياتها.
" لماذا تتنهدين؟".
" أنها ليلة رائعة ..... كل ما فيها له معنى وهدف , حتى أصغر الحشرات التي تتنقل بسرعة بين هذه الورود".
" كنت أتصوّر أنك ستشعرين بالحزن ".
" لا , أبدا , أعتقد أنني غضبت فجأة يا ريك , حدث ذلك بدون أن أشعر بتلك التفاهات السخيفة التي تتحدث عنها المجلات والقصص , يضج قلبي حياة وأدراكا .... أنني جزء منك , دون أن تضطر لوضع يدك علي".
" أوه , دونا.........".
" لا , لا تلمسني ! هكذا يجب أن يكون الوضع بيننا كي أتمكن من تحمّله , أنها العفة والطهارة في الحب , وأؤكد لك بأنني أجدها لذيذة وممتعة".
" لدينا النجوم , فلنترك القمر وحده ...... أليس كذلك؟".
" هل شاهدت ذلك الفيلم أيضا ؟ أذكر تماما أنه أبكاني , ولكنني لم أصدّق آنذاك أن شخصين يحبان بعضهما كثيرا ويتمكنان مع ذلك من الأفتراق , ولكن الأمر ممكن , أليس كذلك؟".
" إذا كان الشخصان مضطرين بذلك , سآخذك غدا الى العرس القروي , أذا كان بأمكانك القيام بتضحية أخرى , أؤكد لك بأن سيرافينا لن تمانع بذلك , لأنها ستكون على ما يرام".
" هل أنت متأكد من ذلك يا ريك؟".
" طبعا يجب ألا تغادري أيطاليا قبل حضورك زواجا أيطاليا تقليديا , إنه أحتفال جميل من جميع جوانبه... دافىء , بسيط , وغير معقّد , يجب أن يكون الحب هكذا ..... مثل الفاكهة التي تنضج في موسمها , والمطر الذي يهطل على الأرض العطشى , أنها العملية الطبيعية , وليست المصطنعة المبنية على فكرة سخيفة تقول , أن الرجل والمرأة متساويان , رباه , هل سمعت قبل برجل يلد طفلا ؟ أو أمرأة تصمم وتبني بارجة حربية ؟ خلقنا لكي نكون مختلفين عن بعضنا ....... لكل منا أهميته وصفاته المميزة , ويكمل بعض منا البعض الآخر , هنا يكمن الغموض , ومن هنا تنبع الأثارة.
أطلقت دونا ضحكة خفيفة وقالت :
" أوه , ريك , أنك متعصب جدا للرجال !".
" أنك لا تأخذين كلامي على محمل الجدّ , ربما تجدين أفكاري قديمة العهد , متصلّبة وبعيدة عن العادات الحديثة في الحب والحياة !".
" لا , يا ريك , أنني معجبة بأفكارك , أنها الأفكار المنطقية للرجل الحقيقي, ولا أظنك أبدا من الرجال الذين يريدون النساء قرب أقدامهم ...... يخلعون لهم أحذيتهم ويقبّلون أقدامهم".
" يحمل الجزء الأخير من كلماتك سخرية لاذعة".
" ريك!".
" ألم يكن الأمر كذلك ؟ هيا لندخل!".
" دعنا نبق هنا قليلا نتمتع بهذه النجوم , أوه يا لها من ليلة .... يا لها من ليلة رائعة !".
" من تعرفين غيري رجلا حقيقيا , يا دونا؟".
" أبي طبعا , كانت تقوم بيننا علاقة وثيقة جدا , لأنه فقد زوجته وأنا فقدت أمي , كنت صغيرة جدا وبحاجة ماسة لحب الوالدين معا , أنت وأنا نشبه بعضنا الى حد ما في هذا المجال , يا ريك".
" صحيح , لدينا أشياء كثيرة متشابهة أيتها الحبيبة , أننا ننظر معا الى النجوم ونعرف أنها عيون الجنة , بيننا أنجذاب وصلة روحية.......".
ألتقطت دونا أنفاسها عندما وضع ريك ذراعه حول خصرها , كانت تعتقد أن هناك أنجذابا بينه وبين سيرافينا , ولكن , هل هذا صحيح حقا . هل يكون معها قادرا على الأرتياح , يتصرف بصورة طبيعية ويقول كلمات ذات معان عميقة تستمع اليها بأنتباه مماثل ؟ نظرت اليه فشاهدته يتأمل النجوم ويفكر هل يفكر بالشيء ذاته يا ترى ؟ هل يفكر بأنه أمضى معظم حياته يعشق جمال سيرافينا دون أن تكون بينهما أي صلة روحية؟
" نعم يا عزيزتي , يوجد بيننا أنجذاب وصلة روحية , عرفنا هذا الأمر تلك الليلة في روما ..... عندما رقصنا معا وكان وجهانا مقنعين , ولكن قلبينا لم يكونا كذلك".
" يا للغرابة ! لم أشعر طوال حياتي بسعادة تضاهي سعادتي الآن , يا ريك , أنني مسرورة جدا لأننا ألتقينا , وسعيدة أكثر لأنني لن أمضي حياتي دون التعرف الى رجل لديه كافة المواصفات التي حدّدتها لفارس أحلامي".
" قد يبتسم الكثيرون لدى سماعهم مثل هذه الكلمات , يقولون عني أنني رجل قاس جدا لم تعرف الرحمة سبيلا الى قلبه , قتلت رجلا في حياتي , يا دونا , مع أن المحكمة وجدت لي مبررات كافية لأطلاق سراحي , أحمل مسدسا لأحمي ممثلة متقاعدة , وقد أضطر أستخدامه دفاعا عنها.... أو عن النفس , فأين الفروسية في كل هذا؟".
" أعرف أنها متأصلة فيك ولا يهمني ماذا يقول الناس أو يفكرون".
ضمّها الى صدره بسرعة وغرقا معا في عناق طويل , وفجأة سمعا صوتا ينادي ريك , جمدا في مكانهما , وكل منهما يطوق الآخر بذراعيه , ومع أنه لم يتركها إلا أنه أرتعش قليلا قبل أن يستدير نحو مصدر الصوت , حاول جاهدا أخفاء دونا وراءه وهو يسأل بشيء من الحدة:
" ماذا في الأمر ؟ ماذا تريد مني الآن؟".
كان صوته قاسيا بعض الشيء ونبرته عصبية الى حد كبير ..... كأنه رجل أبعد عنوة عن دفء حلم جميل.

Nana.k likes this.

miya orasini غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-08-16, 06:04 PM   #10

miya orasini

نجم روايتي ومشرفة سابقة وعضوة فريق الكتابة للروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية miya orasini

? العضوٌ??? » 244480
?  التسِجيلٌ » May 2012
? مشَارَ?اتْي » 7,329
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » miya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك carton
افتراضي

9-سقوط القناع

لاحظت دونا أن الرجل هو أحد العاملين في الأسطبل , ولكنها لم تفهم شيئا من كلامه لأنها كانت تقف بذهول وتوتر أعصاب شديدين , ردّ عليه بسرعة مما ثلة , ثم أستدار نحوها وقال لها أن فرسه المفضّلة كونتيسا على وشك أن تلد , أقترح عليها أن تذهب الى فراشها لأنه مضطر لمساعدة العمال , وأضاف ممازحا:
" ولدت لأب مزارع , كما تعرفين , مهاراتي متعددة".
بدا الحماس على وجه دونا لأنها تحب كونتيسا وكثيرا ما دلّلتها بمحبة وأعجاب , وقالت له بلهفة :
" هل يمكنني تقديم المساعدة ؟ أعدك بأنني لن أعيق عملك".
بدا عليه التردد لحظة ثم سألها:
" هل راقبت قبلا مثل هذه العملية ؟ كونتيسا فرس أصيلة , وسيكون هذا أول مهر لها , هل أنت متأكدة من أنك تريدين الحضور ؟ ليس في الأمر ما يفزع أو يقزز النفس ولكنك......".
أبتسمت له بدورها وقالت:
" أعرف ماذا تعني , أنا فتاة عذراء لا أعرف كثيرا عن حقائق الحياة, أليس كذلك؟".
هز كتفيه وقال :
" ليس ذلك ما أعنيه تماما , ولكنك لست فتاة قروية , وقد تشعرين بشيء من الضيق والأنقباض , فالفرس كالأمرأة .... تتألم في مثل هذه الأوقات ولا تظل هادئة ساكنة , وهو أمر طبيعي للغاية , إلا أنك قد تواجهين بعض الصعوبة في تحمّله".
وضعت يدها على ذراعه وقالت له بحنان واضح:
" دعني أكن معك يا ريك , فالوقت يمر بسرعة , وأعرف أنك تعتبر موضوع المهر الجديد أمرا له أهمية خاصة بالنسبة اليك , دعني أشاركك هذه اللحظات الهامة".
" عظيم , ولكن أذا قررت أن تفقدي وعيك , فأرجو أن تفعلي ذلك على كومة من القش".
ضحكت مع أنها كانت تعرف تماما أن المسألة لن تكون سهلة , وقالت:
" شكرا لك , يا ريك لأنك تتصرف على حقيقتك بدون تمثيل ومواربة , وشكرا لك لأنك لا تعاملني كطفلة".
وضع يده برفق على شعرها وقال :
" أنت أمرأة , يا دونا , هيا بنا , يجب ألاّ نتأخر !".
لم تكن الولادة سهلة , ولكن الألم الوحيد الذي حزّ في قلب دونا كان عندما رفعت الفرس رجليها بقوة وأصابت بأحد حوافرها الجزء الأعلى من ذراع ريك اليسرى , تماسكت دونا بعصبية كي تمنع صرختها عندما شاهدت الدماء تسيل من جرحه.
" أمسكي برأسها".
أطاعته دونا بدون تردد لأن الفرس كانت تتجاوب معها وتهدأ قليلا كلما ربتت برقة على جسمها البني الذي ينضح عرقا , كانت تتألم كثيرا في المراحل الأخيرة , وتبدو وكأنها تنظر الى دونا طلبا للمساعدة , وفجأة سمعت ريك يتنفس الصعداء ويقول لكونتيسا:
" أيتها الفرس الجميلة الرائعة !".
أخذ قطعة من القماش وجفّف جسم المهر الصغير , فيما كانت الأم تحرّك رأسها بأعتزاز وسرور بمجرد أن شمّت رائحة صغيرها , حمل ريك المهر الجميل ووضعه برفق أمام أمه قائلا:
" ها هو , أيتها الحبيبة , يمكنك الآن تقبيله ومداعبته".
تحرّكت الفرس بأرتياح ظاهر وبدأ لسانها الطويل على الفور مهمته في تنظيف المهر ومداعبته , راقبتهما دونا بتأثر لم تشعر معه بأن الدموع تترقرق من عينيها , وعندما أستدارت نحو ريك , شاهدته يغسل وجهه ويديه , تألمت عندما شاهدت الدم يسيل من جرحه , ألتفتت ريك نحو مساعده , وقال :
" أنتبه اليها يا تشيكو , أعتقد أنها ستكون بخير , لأن الوقت مناسب , أنه مهر جميل للغاية , ومن يدري , فقد يصبح حصان سباق بهذه الأرجل الطويلة القوية".
أبتسم تشيكو بسرور وأعتزاز ثم نظر نحو دونا وتحدّث ببطء كي تفهمه:
أعصاب الآنسة قوية جدا".
شكرته دونا على كلمات الأطراء والثناء , ولكنّها لم تكن متأكدة مدى تحمل أعصابها لمنظر الدماء التي تسيل من ذراع ريك , نظرت الى حبيبها , وقالت:
" يجب معالجة جرحك , يا ريك".
" لاحقا , لاحقا , أولا يجب أن نطلق أسما جميلا على هذا المهر الرائع , هل تحبين أختيار الأسم المناسب له يا دونا؟".
" هل يمكنني ذلك؟".

أتسعت عيناها سرورا وهي تنظر الى عينيه , اللتين كانتا تحملان في أعماقهما سعادة لما قاما به معا , وشعرت دونا بأنها دخلت الليلة الى قلبه الدافىء الحنون , الذي تخفيه قساوته الظاهرية عن معظم الناس.
" سأكون سعيدا للغاية لو قبلت بأن تطلقي عليه الأسم المناسب , هل تريدين وقتا للتفكير بالأسم المطلوب؟".
لا , هل يمكنني تسميته دومينو؟".
خيّم الصمت لفترة وجيزة شاهدت خلالها توترا خفيفا في ملامح ريك , مدّ يده نحوها وكأنه يريد ملامستها , إلا أنه أعادها بسرعة الى جانبه وأحنى رأسه قليلا , أحست دونا أنه يتذكّر تلك الليلة في روما عندما رقصا معا في قاعة دومينو , لم تعرف آنذاك أنه مرتبط بأمرأة أخرى , أو ما أذا كانت ستواصل طريقها الى فيللا أمبراتوري لو علمت أن سيرافينا نيري هي تلك المرأة.
" دومينو أسم جميل ومناسب تماما".
قال جملته هذه ثم تقدّم من الفرس وداعب رأسها الجميل قائلا:
" هل سمعت يا عزيزتي ؟ سيحمل مهرك أسم ( ذكرى ) , وهذه هي أحدى أفضل التسميات".
عادت دموع دونا الى عينيها.... ستحتفظ ذاكرتها بأحداث هذه الليلة الى الأبد , لأنها لا يمكن أن تحب ريك أكثر مما تحبه الآن , ألتفتت اليه وقالت له بصوت غلب عليه التأثر.
" يجب أن نعالج هذا الجرح على الفور , أنه ينزف بقوّة".
هز رأسه وقال بضع كلمات لتشيكو ثم توجها معا الى البيت , كان هواء الليل منعشا , والنجوم صافية ومنيرة , والسكون يعمّ المنطقة , ولما دخلا القاعة , خلع سترته وقال لها :
" هيا , أذهبي بسرعة الى فراشك , أنت متعبة وعيناك شبه مغمضتين , وأنا قادر تماما على لف قطعة قماش حول ذراعي".
" هل تعتقد فعلا أنني سأسمح لك بذلك , دون أن أعتني بالجرح بطريقة مناسبة ؟ أنك تستحق أكثر من مجرد قطعة قماش , بعد العمل الرائع الذي قمت به الليلة".
" أنها ليست المرة الأولى التي أساعد فيها حيوانا صغيرا على المجيءالى هذا العالم , ولم تكون الأخيرة , دومينو , أيه ! أنني مسرور جدا لأختيارك هذا الأسم , لأنني عندما سأنظر اليه بعد أن يصبح حصانا قويا رائعا سوف أتذكر شابة أعطت لحياتي قيمة خاصة ولو لفترة وجيزة من الزمن".
" كانت هذه الليلة ذات أهمية بالغة في حياتي يا ريك , لن أنساها أبدا , وأشكرك كثيرا لسماحك لي بمشاهدة أطلالة دومينو على هذا العالم".
" الحياة , الولادة , الأمومة ..... كلّها أمور تحمل في معانيها جمالا لا يضاهى وأهمية لا تقارن , كنت عظيمة مع كونتيسا , هادئة ورقيقة , الحيوانات مخلوقات تحب العطف والحنان , وليس جميع الناس أذكياء أو حكماء بما فيه الكفاية لمعرفة ذلك".
شاهدت الشعلة الصغيرة في عينيه , فمارست أقصى درجات ضبط النفس كيلا تقترب منه وترتمي بين ذراعيه , أحست بأنه يريدها بقدر ما تريده , لم تحلم أبدا في حياتها بمثل هذا الشعور الفيّاض.
" أعرف يا حبيبتي , أعرف ماذا يجري بيننا , وأعرف أيضا أنّ النتيجة الطبيعية لذلك هي أن أحملك بين ذراعي وأطير بك الى عالمي".
تنهّد بقوّة وكأن خفقان قلبه المتوتر يمنعه من التنفس بسهولة , مدّ ذراعه نحوها فأنتبهت مرة أخرى الى الدم وقالت بلهفة:
" دعني أهتم بذراعك.... دعني أفعل ذلك على الأقل !".
" حسنا , أوه , من كان يظن أن مثل هذه الكمية الكبيرة من الدم تجري في عروق رجل طاعن في السن مثلي؟".
" أنك لست طاعنا في السن , يا ريك".
" أنني أكبرك بسنوات عديدة , أيتها الحبيبة ".
صعدا الدرج جنبا الى جنب , وعندما وصلا الى الممر أستدارت دونا نحو شقتها وهي تقول:
" يوجد في غرفتي حوض لغسل الوجه واليدين , بالأضافة الى مطهر يمنع حدوث الألتهاب".
" غرفتك؟ لست عجوزا الى هذه الدرجة , يا حبيبتي".
فتحت دونا باب غرفتها وهي تتظاهر بأن الأمر طببعي للغاية , إلا أنها لم تجرؤ على النظر الى عينيه , أشعلت المصابيح الصغيرة..........وخفق قلبها بعنف عندما خل ريك وأغلق الباب وراءه أنهما الآن معا , وعلى أنفراد تام , في غرفة نومها , سار بهدوء نحو المقعد الجلدي قرب سريرها وجلس عليه , لم يقل شيئا وهي تبلل قطعة قماش نظيفة وتحضر ما يلزم لتضميد الجرح , قالت له بصوت حاولت جاهدة أن يظهر وكأنه طبيعي وعادي جدا :
" الأفضل أن تخلع قميصك , يا ريك , سوف أغسلها لك".
" كما تقولين , أيتها الممرضة".
سمعته يضحك بهدوء .......وعندما أستدارت نحوه , كان يخلع قميصه ويكشف صدره القري وكتفيه العريضتين , خف النزف من جرحه العميق , ألا أن منظره كان مفزعا , بدأت تضمّد الجرح بعناية بالغة , ولكنها كانت تشعر طوال الوقت بأنه ينظر الى شعرها ووجهها , ثم سمعته يقول :
" كان من الأصح أن تكوني ممرضة , لمستك قوية وحازمة ولكنها أيضا رقيقة وناعمة".
" الجرح عميق جدا , يا ريك ,وآمل في ألا تتعرض للألتهاب و.........".
" لا تخافي , فجسمي صلب كالصخر , أنني أشكر الظروف لأن حافر كونتيسا لم يضرب جسمك الرقيق الناعم".
لم تتمكن دونا من أخفاء ذلك الأرتعاش الخفيف الذي حلّ بجسمها , عندما سمعته يقول تلك الكلمات وشعرت كأنه يداعبها بيديه.
ألتقت العيون فجأة وأشتعلت الشرارة كالنار في الهشيم.
" رباه , كم أتألم ! أني أريدك , يا دونا ! رباه , كم أريدك !".
سيطرت على أعصابها بصعوبة بالغة , وقالت له بتلعثم واضح :
" يمكنني ...... أن ...... أعد أبريقا من القهوة , أنني ....... أنني أشعر بعطش شديد , هل... تريد فنجانا من القهوة يا ريك؟".
هزّ رأسه موافقا , فيما كانت تنهي تضميد جرحه وتضيف قائلة:
" ها قد أنتهينا, كيف تشعر الآن ؟".
تأملته في وضعه الحالي , فشعرت بأنها ستنهار أمامه , كان عاري الصدر , وذا شعر أسود كثيف ,ويحمل في أذنه ذلك الخاتم الصغير الذي كان يلمع تحت ضوء المصابيخ , وتعلو وجهه الوسيم القاسي نظرات تحبها وتخاف منها .
" أنك تبدو كأحد قراصنة صقلية القدماء!".
" وأشعر كقرصان , لن يكون صعبا عليّ أبدا أن أتخلى عن طبيعتي الطيبة في هذه اللحظات بالذات , وأبحر الى لعنات المجهول , يقولون أنها آلام ونار , ولكنها ستكون لي بردا وهناء...... أوه , لا , لا!".
أبعد وجهه عنها وهو يصرخ بصوت جريح معذّب , ثم أضاف قائلا بحدة :
" أنني مقيد , ولا سبيل لنا لأن نكون معا بالطريقة التي تستحقين أن تكوني بها مع الرجل .... كتلك الفتاة أستونيا , التي ستقف مع خطيبها الشاب أمام الكاهن وترتبط معه شرعا مدى الحياة , هكذا فقط يجب أن تفعلي , يا حبيبتي الطيبة!".
مقيّد ! وضعت القميص الملوثة في الماء ونظفت المكان بسرعة , ثم قالت له:
" يبدو أننا بحاجة ماسة للقهوة ,هل تبقى هنا , يا ريك , أم آخذها لك الى غرفتك ؟".
" ليس الى غرفتي".
تألمت دونا , فعرفته محرّمة عليها لأنه بأمكان سيرافينا أن تدخلها أو تخرج منها ساعة تشاء ..... نهارا أو ليلا , قالت له أنها ستعود سريعا , ثم توجهت فورا الى المطبخ لتعد القهوة لهما وبعض الطعام له , وعندما عادت بعد قليل, شاهدته ممددا على سريرها ويغط في نومعميق , أبتسمت قليلا لأنه ليس من الأنصاف إيقاظه الآن ليشرب فنجانا من قهوتها , كذلك أرادت أن تحتفظ به لنفسها فترة أطول , ما دام أنّ وجوده معها على هذه الحالة لا يضر أحدا , تأملته مليا وفهمت مدى الصعوبة التي ستواجهها أي أمرأة للتخلي عنه.
شعرت برغبة جامحة لكي تدفن وجهها في صدره تنام قربه , بما أن هذا اللقاء العاطفي لن يدوم أكثر من هذه الليلة , غمره الأرتياح في غرفتها وجعله يستسلم الى نوم عميق دون أي تردد أو خوف , أدركت دونا أهمية ذلك , وأحست بأنها أمرأة بما فيه الكفاية لترفض القبول بوضعها الحالي..... مجرد أستراحة في حياته وأنسانة ضعيفة مضطرة للتخلي عنه لأمرأة لأمرأة أخرى , مدّت يدها لتوقظه ..... ولكنها أذا فعلت ذلك , فإنه سيشرب قهوته ويتركها مع وحدتها مرة أخرى , إنه لها ... ما دام نائما على سريرها , فلماذا لا تبقيه معها ولها أطول فترة ممكنة؟

أنسحبت بهدوء الى القاعة الصغيرة المحاذية لغرفتها , حيث جلست تشرب القهوة الطيبة.... وتفكر , ستدعه ينام ويرتاح حتى الفجر , وتذهب اليه عندئذ لتوقظه كي يذهب الى غرفته , هذا هو الحل السليم , ولكنها متعبة جدا وتشعر بنعاس شديد , لم تكن الكنبة الصغيرة مغرية للنوم , فأنهت قهوتها وعادت الى غرفتها , ترددت بضع لحظات قبل أن تستلقي قربه بهدوء وروية مخافة إيقاظه أو أزعاجه , وضعت رأسها على الوسادة وأبتسمت ....... سيكون كئيبا وفي حالة يرثى لها عندما يستيقظ في الصباح , ويكتشف أنهما ناما مع في سرير واحد بمثل هذه العفة والبراءة.
أستيقظت دونا فجأة وشعرت على الفور بأن ذراعا قوية تطوقها , أحست بدفء جسمه , فظلت مستلقية بسرور تنعم بقربها منه , ثم تجمد الدم في عروقها عندما سمعت سيرافينا تقول :
" صورتكما معا على هذا الشكل جميلةجدا... ....الشعر الأشقر على الصدر الأسمر ..... كأنكما في مشهد من فيلم عاطفي !".
حاولت دونا النهوض , ولكن الذراع القوية شدّت عليها ومنعتها من التحرك وكأنها تقول لها أنه مستيقظ ...... وأنه سمع كبمات سيرافينا , جذب ذراعه بهدوء وجلس في السرير قائلا:
" أعرف ماذا تظنين الآن أيتها الحبيبة إلا أنه لم يحدث بيننا أي شيء على الأطلاق , أنت تعرفينني بما فيه الكفاية كي تصدقي بأنني لا يمكن أبدا أن أحاول أغراء هذه الفتاة , وخاصة في بيتك ! ".
" هل أعرفك حقا يا ريك؟".
جلست دونا في سريرها وأبعدت نفسها عن ريك , أنه لها وها هي للآن , كما في كل آن , تأتي لأعادته الى قيودها , أرتجف جسمها عندما حوّلت سيرافينا عينيها الخضراوين اليها وأخذت تتأملها , لم تقدر دونا على أخفاء شعورها بالذنب , أنها هي التي أرتكبت هذا الخطأ ..... لم توقظه ...... أرادت أن تنام قربه..... أن تنعم بوجوده معها وقربها , وماذا حدث ؟ جعلته يبدو أمام سيرافينا رجلا متهورا يقفز من سرير الى آخر , مع أنه كان دائما طيبا وشريفا .
" لا تلومي ريك يا سيرافينا , كان متعبا جدا بعد ولادة المهر , فنام على سريري , أنا........ أنا.......".
" هل تحبينه , يا دونا؟".
لم يكن هدوؤها متوقعا , كانت دونا تنتظر غضبا عارما وأظافر تنقض بوحشية على عينيها , تصوّرت كل شيء إلا هذا الهدوء في نبرات صوتها , لم يعد بأمكانها أخفاء الحقيقة , فقالت :
" نعم , يا سيرافينا , أنني أحبه من صميم قلبي , ولكنني أعرف أنه لك وأنه لم يخنك أبدا في أي وقت من الأوقات.......".
" كان ريك دائما قويا في مجالات عدّة , يحيث يبدو الرجال الآخرون ضعفاء أمامه".

تنهّدت سيرافينا ثم علت شفتيها إبتسامة خفيفة , وهي تنحني فوقه وتضم وجهه بين يديها ....... وتقبله على جبينه , ثم قالت , وكأنها تلقي قنبلة مدمرة:
" كان ريك دائما أفضل الأشقاء , لولاه لأنتهت حياتي منذ فترة طويلة , رباه , ماذا فعلت بك أيها الحبيب الغالي ! أحتفظت بك بكب أنانية حقيرة ووضعت رغباتي دوما في المرتبة الأولى ..... متجاهلة رغباتك أنت , ومتصوّرة فعلا أنك كذلك الفارس الحجري الأسود في حديقة منزلي..... يمكنك أن تمضي حياتك كلها دونما أي حاجة كي تحب كرجل وليس كأخ ! حبيبي ريكاردو , كيف تمكّنت طوال هذه الفترة ألا تكرهني؟".
سمعت دونا تلك الكلمات وهي مصابة بذهول لا يصدق , أطلقت صرخة خفيفة , فأستدار نحوها ريك وضمّها بقوة الى صدره:
" أنها الحقيقة يا دونا , سيرافينا هي أختي , ولكن ما من أحد خارج هذه الغرفة يعرف ذلك ".
نظرت دونا بعينين زائغتين مذهولتين الى سيرافينا , وقالت:
" ولكن لماذا ؟ أنني لا أفهم ".
" لا يمكن إلا لقليل من الناس أن يفهموا ذلك , يجب أن يكونوا من صقلية , وعانوا كما عانينا أنا وريك طوال هذه السنوات , كي يفهموا ذلك , كيف يمكنني أن أخبرك الآن.... عن العذاب والرعب , والرغبة القوية في الموت..... التي منعني ريك من تنفيذها ! حملني الى الراهبات فأعتنين بي.... أتى األأشرار الفاسقون الى المزرعة وقتلوا أمنا ثم أعتدوا عليّ ..... أعتدوا عليّ , يا دونا !".
أبعد ريك ذراعه برفق وحنان عن دونا , وقام نحو أخته بسرعة ليضمها بعطف ومحبة ويضع رأسها على كتفه القوية , لاحظت دونا بوضوح تصرفه مع أخته الجميلة المعذبة , رأته كيف يضمها اليه ويحميها , كان دائما يهتم بها ويرعاها ..... وتذكرت دونا بخجل أنها لم تشاهده مرة يتصرف معها كرفيق أو حبيب , لم يترك سيرافينا , ولكنه نظر الى دونا وقال لها:
" لا أحد يعرف أننا رجل وشقيقته , وأن سيرافينا كانت في مستهل عمرها أبنة عائلة لورديتي التي أعتدى عليها رجال المافيا , تمكنّا طوال سنوات من أخفاء هذه الحقيقة , حتى تصل النجمة اللامعة الى ما وصلت من النجاح والشهرة , لم نضر أحدا بذلك , ولم أهتم أنا أبدا بأن بعض الناس يعتبرونني حارسها الخاص ورفيقها الذي يعيش معها بسبب ثروتها , لم تكن هناك أبدا فتاة أجمل من سيرا , وهو الأسم الذي كنا نطلقه عليها آنذلك , أتى أربعة رجال في أحد الأيام الى المزرعة , فيما كنت أصطاد الأرانب , ولما عدت , وجدت أمي مقتولة وأختي تتمرغ في الوحل وهي تحاول تنظيف تفسها مما حل بها على أيديهم القذرة المتوحشة , كادوا يقتلونها...... أختي الحبيبة التي لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها , تمنّت الموت وأرادته بقوة , ولكنها كانت كل ما بقي لدي , حملتها الى الراهبات فأعتنين بها.... الى أن ولد الصبي!".
أمتقع لون دونا وصرخت بألم وحزن شديدين :
" رباه ! ما هذا !".
" يعرف أدوني بأنه إبن غير شرعي , ولكنه لا يعرف أن أباه هو أحد القتلة في عصابة المافيا..... الذي تمنيت دائما أن يكون الشخص الذي تخلصت منه بالطريقة القديمة , الأنتقام والثأر , تم أعتقال الثلاثة الآخرين , ولكن الرابع تمكن من الأفلات.... فأقسمت على ملاحقته وقتله , فعلت ذلك , كنت أعرف أنه قتل , حتى قبل أن يهوي ويرتطم رأسه بالأرض , من المتعارف عليه هنا أن الثأر ضروري في بعض الحارت , ولكننا نرفض فكرة الأجهاض , وكان علينا بالتالي أن نقبل بطفل سيرا بالرغم من الطريقة التي فرضت عليها قسرا وعنوة".
تنهّد ريك بأسى بالغ ثم مضى الى القول:
" أننا نعرف منذ زمن بعيد أنه قد تظهر في أدوني صفات لا تعجبنا ...... ولكن ماذا يمكننا أن تفعل . إنه أبن أختي , بغض النظر عمّت يكون أبوه أو الفساد الذي أورثه أياه".
إبن أخته ....... وهمت دونا أخيرا لماذا كانت ترى الشبه القوي بينهما , ريك هو شقيق سيرافينا , التي تعيش السنوات الطويلة الماضية بخوف وذعر من أشباح الماضي والذكريات الرهيبة , تعلّقت كثيرا بأخيها وأعتمدت على قوته وأخلاصه , لدرجة أنها لم تعد قادرة على الحياة بعيدة عنه , وتذكرت دونا ما قاله لها والدها عن ضرورة أحترامها للفروسية والتضحية ..... لأنهما أصبحتا نادرتين في هذا العصر المادي الأناني , وأذا كانت أحبّت ريك قبل أطّلاعها على هذه الحادثة المروعة وما تلاها من تفاصيل مذهلة , فإنها أصبحت الآن تحبه وتعشقه وتحترمه بشكل لا يصدق , وسمعت فارسها الحبيب يتابع سرده قائلا :
" بعد ولادة أدوني , أخترعنا قصة زواج سيرافينا من رجل كهل ...... وذلك كيلا تواجه أي مصاعب وهي في صعودها نحو الشهرة , كانت سيرا تريد أن تصبح ممثلة شهيرة , تم لها ما أرادت , كان في ذلك بعض التعويض عن مطابها الأليم".
" وأنت يا أخي الحبيب , ماذا حدث لك ؟ ومن سيعوّض عليك خسارتك الفادحة ؟ كنت أنانية للغاية , أعتقدت أنه إذا كان بأمكاني أن أعيش دون حب , فبأمكانك أنت أيضا أن تعيش كناسك متعبّد , أعرف أنه مرّت في حياتك لحظات عابرة , ولكنك هذه المرة....... وجدت ضالتك المنشودة في هذه الشابة الشقراء!".
" تفهم دونا الوضع على ......".
" هل تفهمه حقا ؟ لاحظت منذ بعض الوقت أن جاذبية تجمع بينكما , ولكنني تصوّرت أنها ستخف تدريجيا وتزول , ولكنني شاهدتكما بين أذرع بعضكما , كطفلين ضائعين في غابة , تبيّن لي فورا أن الموضوع جدّي جدا هذه المرة.. كنت تطوّق هذه الفتاة الصغيرة وكأنها أغلى شيء في حياتك".
سمعت سيرافينا صوت بكاء تحاول دونا السيطرة عليه , فداعبت وجه شقيقها وقالت:
" لقد نلت جائزتك , يا فارسي العظيم , كنت معي أفضل الأشقاء وأحسنهم , وأخذت من حياتك سنوات طويلة عندما جعلتك حارسا ضد الليل والذكريات , يجب أن تتزوج دونا وأن ترزقا أطفالا , قلة من الناس تعرف مدى الرقة والنعومة اللتين تستعلان في داخلك , ولكن يجب عليك ألا تخفيهما بعد الآن , وإلا بردتا وأنطفأت منهما الشعلة الجميلة".
أستدارت نحو دونا وطلبت منها الأقتراب , ثم أخذت يدها ووضعتها في يد ريك قائلة:
" أنني أسلّمك شقيقي يا دونا هدسون , أحبيه , أحبيه بقلبك وجسمك وروحك ..... لأنه أحد أعظم رجال صقلية".
ضغط ريك على يد دونا بسعادة بالغة , ولكن عينيه كانتا تتأملان وجه سيرافينا وملامحها , تذكّر أنه طالبها مرة بحريته , فحاولت أخته قتل نفسها , سألها بهدوء:
" هل تقولين لي أن بأمكاني الزواج من د=ونا ؟ ولكن ماذا ستفعلين أنت , يا سيرا؟".
إبتسمت فجأة ثم أخرجت ورقة من جيبها وقالت:
" أنا ذاهبة الى روما , أيها الحبيب , معي هنا برقية عاجلة من أيليورينالدو الذي أخرج قبل عام تقريبا الفيلم المشهور ( العلاقة الحميمة ) , أنا أعرف بماذا تفكر الآن يا ريك , ولكنني أم منذ أكثر من ربع قرن.... وسأصبح جدّة عما قريب , بأذن الله , سيتزوج أدوني تلك الفتاة , حتى ولو كان ذلك رغما عنه !".
تألمت دونا كثيرا لأن ريك كان يضغط بعنف على يدها , ولكنها تحمّلت الألم بسهولة فائقة , لأنها كانت في قمة سعادتها وذروة سرورها , وسمعته يقول لأخته , بعد أن أكّدت له مرارا بأنها ستعود الى السينما :
" أنني أريد الزواج من دونا أكثر من أي شيء آخر في حياتي , أحببتها منذ اللحظة الأولى التي رأيتها فيها , وسوف تشرّفني كثيرا فيما لو بادلتني الحب ".
" تشرفك يا ريك ؟ أخي العزيز , أنا متأكدة من أن دونا تعرف أنها هي التي تحظى بشرف حبك لها , سأذهب الآن للأتصال برينالدو ...... لا تتأخر كثيرا في غرفة دونا , وإلا فإن الخدام سيثرثرون".
غادرت الغرفة وكأنها تمثل الدور النهائي في مسرحية عاطفية قديمة , تنهد ريك وقال لحبيبته الشابة:
" لا يمكن أن يكون ذلك صحيحا , ستغيّر رأيها وستبكي , وأنا لم أتمكن أبدا من مقاومة دموعها, أنني أريدك يا دونا , أريدك من صميم قلبي ! هل تصدقين ذلك؟".
" بكل جوارحي".
" أريد أن أتأكد من أن سيرافينا لم تمثل أمامنا قبل قليل أي دور مسرحي , لن أغفر لنفسي أبدا أن أحقق سعادتي على حساب تعاستها وأحزانها..... حاولت قبل الآن أن تنتحر".
" أعرف يا ريك , شاهدت آثار الجروح في معصميها".
" إنك فتاة طيبة وحكيمة , ولا تتقدمين بأي مطالب , مع أن لك كل الحق في ذلك , تعرفين أنني أحبك , وإلى درجة اليأس , بأمكانك أن تطالبي بأن أضعك في المرتبة الأولى قبل أختي , ولكنك لا تفعلين ذلك ".
ردّت عليه بهدوء وبراءة:
" لم يتعرض جسمي للتمزيق والأعتداء , وأحلامي للعذاب والأنهيار , مثلما تعرضت سيرافينا , مجرد معرفتي بك أمر رائع ...... وفكرة وجودي بين ذراعيك تطيّر قلبي فرحا وسرورا , ولكن إذا لم يكن بالأمكان....".
" أريد أن أعرف بالتأكيد".
قفز نحوها ثم رفعها عن السرير وطوّقها بين ذراعيه وعانقها طويلا , ثم قال:
" يجب أن أتحدث مع سيرا على أنفراد , ستكونين بخير , أليس كذلك يا حياتي؟".
" طبعا".
أبتسمت له ولكن قلبها كان خائفا , لا يمكن لسيرافينا أن تفتح لهما باب السعادة ثم تغلقه في وجهيهما ...... لا يمكنها أن تكون قاسية الى هذه الدرجة , تركها وأغلق الباب وراءه بقوة , رمت بنفسها على السرير وتمدّدت على الجزء الذي أستخدمه ريك طوال الليل , هل يعقل أن تطلعها سيرافينا على مثل هذه الأسرار الرهيبة , لو لم تكن مصممة على تحرير ريك من قيوده ؟ حنى أدوني نفسه لم يكن يعرف العلاقة الحقيقية بين ريك وأمه.
قرّرت فجأة الذهاب الى الأسطبل للأطمئنان على كونتيسا ومهرها الجميل , وما أن بدأت بتدليل دومينو الصغير , حتى سمعت صوتا يناديها , ألتفتت الى الوراء , فشاهدت ريك واقفا بقامته الطويلة الممشوقة وتعلو وجهه أجمل أبتسامة شاهدتها في حياتها , ركضت نحوه ورمت بنفسها بين ذراعيه , اللتين ضمتاها بقوة وحنان ورفعتاها عن الأرض.
" نجمع سيرافينا الآن أغراضها وتوضب حاجياتها , إنها ذاهبة الى روما , ويبدو أنها متلهفة للغاية ".
" ولكن......... ألن تكون متوترة الأعصاب , يا ريك ؟ أعتمدت عليك كثيرا طوال السنوات الماضية و...... ولديها ذلك الخوف الشديد من أمكانية .... مهاجمتها والأعتداء عليها".
" وعدها رينالدو بأرسال طائرة مروحية خاصة بالشركة , ويبدو أنهم يستخدمون محترفين حقيقيين لحماية نجومهم , أعتقد أنها , بمشاهدتها لنا معا , شعرت بأنها قادرة على التصرف بمفردها , أنها تعرف أنني أحبك كثيرا , وأنني سأضعك في المقام الأول.. نعم , يا حياتي , في المقام الأول وقبل أي شخص آخر على الأطلاق , سيرا هي أختي التي أحبها كثيرا , ولكنك أنت حياتي وروحي ومستقبلي ".
" أوه , ريك , ريك...........".

لم تتمكن من إيجاد كلمات تعبّر فيها عن حقيقة مشاعرها , فراحت تعانقه بفرح مجنون .
" سأعد الترتيبات اللازمة لنعقد قراننا بسرعة وهدوء , وسنحضر عرس أسونتا كرجل وزوجته".
" هل تحبين ذلك؟".
" من كل قلبي , يا ريك ........ يا حبيبي".
" أحمد الخالق عزّ وجل , يا فتاتي الطيبة , على أننا لم نضطر هذه المرة للأفتراق عن بعضنا".
" سنظل معا الى الأبد ".
إبتسمت دونا وتذكرت تلك الليلة التاريخية في روما حيث ألتقت وأحبت فارس أحلامها الأسمر ..... الذي يضع خاتم الثأر والأنتقام في أذنه , لمست الخاتم بأصبعها , وهي تعلم أن ريك لن يتمكن أبدا من طرد الذكريات الأليمة والرهيبة من رأسه وقلبه بصورة تامة , ولكنها تعهّدت له بصمت بأنها ستملأ حاضره ومستقبله حبا..... وسعادة .... وعاطفة.


تمت

Nana.k likes this.

miya orasini غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:40 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.