آخر 10 مشاركات
415 - لن أعود إليه - ماغي كوكس (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          442 - وضاعت الكلمات - آن ميثر ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          ستظل .. عذرائي الأخيرة / للكاتبة ياسمين عادل ، مصرية (الكاتـب : لامارا - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          اختلاف متشابه * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : كلبهار - )           »          أطياف الغرام *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : rainy dream - )           »          انتقام عديم الرحمة(80)للكاتبة:كارول مورتيمور (الجزء الأول من سلسلة لعنة جامبرلي)كاملة (الكاتـب : *ايمي* - )           »          410 - عائد من الضباب - ساندرا فيلد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات الطويلة المنقولة الخليجية المكتملة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-04-13, 10:12 PM   #1

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 من الصـــعبِ أن أبتكرَ صيفاً / للكاتبه : أغنية، مكتملة






بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تقدم لكم رواية
من الصـــعبِ أن أبتكرَ صيفاً ...
للكاتبه : أغنية

كلمة الكاتبة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يُربكني اشتعالُ الفصول .. هذهِ الدورة الطبيعية للطقس , كل الأشياء حولنا تُعيد تكرار حياتها
نهاية حياة البعض استئنافٌ لحياةِ آخرين
و ها أنا الآن أراقبُ اشتعالات العمر .. تعاقبُ فصوله بفعلٍ مجازيّ .. و ليتَ كُل حياةِ الآخرين تأتي في توقيتها المُناسب
بصيفها .. و شتائها .. و خريفُ أيامها الذاوية
من السهل أن نبتكر حياةً إضافية .. لكن في عزِّ الشتاء , من الصعبِ أن أبتكرَ صيفاً !

* العنوان للشاعر مُنذر مصري .

أبي .. يا أبي, إنَّ تاريخَ طيبٍ
وراءكَ يمشي.. فلا تعتب
على اسمِكَ نمضي.. فمن طيّبٍ
شهيَّ المجاني إلى أطيب
حملتُكَ في صَحو عينيَّ حتّى
تهيَّأ للناسِ أنَّي أبي ..
أشيلُكَ حتى بنبرةِ صوتي
فكيفَ ذهبتَ.. ولا زلتَ بي !



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 11-10-13 الساعة 10:48 AM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-04-13, 10:23 PM   #2

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



الفصل الأول





أضعُ حقيبتي بسرعة في المقعد الخلفيّ .. أرتّب حجابي جيّداً و أغلقُ الباب . عليّ أن أحضر مبكراً هذا الصباح و إلاّ سأتعرض لتحيّة من نوعٍ آخر
يتراءى لي وجهُ العم صالح من المرآة الأمامية بابتسامتهِ السمحة
- لا تنسين الأذكار بنتي

أشعر براحة غربية تعتري قلبي كلما سمعتُ " بنتي " من فم العم صالح .. أحب حرصه الشديد و نصائحه المتكررة تماماً كاسطوانة الأمهات المشروخة لأطفالهنّ الصغار كل صباح
العم صالح سائقنا منذ زمن , رفيقُ دروبي الطويلة .. و متاهاتي الصعبة . كل هذه الدروب الممتدّة تتشكل على هيئة حنينهِ المُلِحّ للأهلِ و الوطن .
أعرفها جيداً هذهِ اليد المُتعرجة التي أمضت عمراً تلف مقود السيّارة و هي تجوب طرقات المدينة , أحفظُ خطوطها و حتّى عروقها البارزة بفعل الزمن .
كيف لا و هي اليد التي كانت تقبض على يدي لتوصلني كل صباح إلى الروضة .. اليد التي كبرت يدي تحتها و هي تصحبني إلى مدرستي و جامعتي و الآن إلى مقر عملي

يخبرني أنني أشبه ابنته فاطمة كثيراً , و الحقيقة أنه غادرهم منذ زمنٍ بعيد .. منذ أن كانت فاطمة في مهدٍ تهزّهُ يمينُ أمها الصبور ,
و ها هو يصحب طيف فاطمة في غربته , يُغذّي ملامحها بملامحي .. حتى أصبحتُ في عينيهِ فاطمة وهوَ الذي لم يرَها بعد
أصبحتُ ابنتهُ التي كانَ يرقُب ضآلتها إلى أن أضحت فتيّة .. هذا الطريق الطويل الذي نقطعهُ كل نهار اختزلَ الكثيرَ من عاداتي .. و كانَ هو قوتُ العم صالح الذي يحصدُ منه تكوينَ تفاصيلي ليبثّ بها روحُ طيفِ فاطمة ..

هذا الطريق فكَّ خطوطَ طبائعي أمام العم صالح .. فأصبح يعرفُ أيّ الأغنيات أحب أن تشاركني طريقي نحو العمل
و أيّ محلات الآيس كريم نتوقّف أمامها ليمنحني لفحةَ بردٍ تحتَ سطوةِ الشمسِ الحارقة
-هيا بنتي .. انزلي و صلنا

يوقظني صوته الآتي من عمقِ الشرود فألقي عليه وداعاً سريعاً و أمضي باتجاهِ المبنى محاولةً اختصار تباعد الخطى لأحظى بقليل من الوقت قبل وصول مديرنا الجديد ,

لا أريد أن أترك انطباعاً سيئاً لديهِ عن احترامي للوقت الذي يُعدّ نصفَ مهام العمل
أذهب مسرعةً باتجاه المصاعد و أطلبها جميعاً و أبقى في انتظار أسرعها استجابة ..
من بعيد أرى زميلي يقطعُ ذات الممر بسرعة نحو المصاعد, يبدو أنه يشاركني ذات القلق
توقّف المصعد الأول , دخلت بسرعة و سبابتي تكبس على زر الطابقِ السادس . في تلك الأثناء تعترض قدم المهندس فهد باب المصعد
أرفع نظري متأففة من هذا الاقتحام الفج .
- روح مصعد ثاني لو سمحت أخوي
- شركة أبوك و أنا مدري ؟

" اللهم طولك يا روح .. مو ناقصته الحين هالغثيث و الله "
أهم بالخروج من المصعد فلم أعد أملك طاقة مزاجية كافية لاستيعاب تصرفات هذا الأرعن . لكن يبدو أن حياءه استيقظ مؤخراً فأزاح قدمه عن الباب ليترك لي مهمة تفريغ هذا الضجر الصباحيّ
- مرحبا أستاذة
-أهلين لينا صباح الخير .. وصل المدير الجديد ؟
- لا ما وصل .
- اووف .. الحمد لله

أدخل مكتبي لأنجز بعض التقارير المؤجلة و أعيد تهيئة نفسي لهذا النهار الشاق و الطويل


**

في تمامِ العاشرة تُبادرني لينا بنبرةِ تعاطف
- أستاذة المهندس فهد اتصل أكثر من مرة يقول في شغلة ضرورية بخصوص المشروع
- اوكي لينا لو اتصل حولي لي المكالمة
- إن شاء الله

أعود لأكمل أوراق العمل المطلوب تقديمها اليومين القادمة عن المشروع الاستثماريّ الذي تتبناه الشركة.
في تلك الأثناء تصل المكالمة :
- مرحبا وزيرتنا الواعدة .. صاحبة مشروع تخصيب اليورانيوم في جزر الواق واق
- أستاذ فهد ممكن تختصر الديباجة الطويلة لأن ماعندي وقت بالمرة
- ايه دارين بوقتك الثمين ما شاء الله , تبديده بدون فايدة هدر للموارد البشرية للدولة
- ياهالصبح المتنيل
- قلتي شي ؟
- أبد أستاذ .. آمرني
- ما يامر عليك ظالم , بغيت أسألك عن ملف المشروع اللي بنقدمه بعد يومين و اللي المفروض يكون على مكتبي قبل اسبوع و للحين ما خلصتيه
- إن شاء الله بيكون على مكتبك بعد ساعة .. شي ثاني أستاذ ؟
- ايه .. مرة ثانية كلمي سكرتيرة قسمكم تحولني مباشرة والله لو إني طالب كلينتون كان رد
- إن شاء الله


عدت لإتمام الناقص من التقارير المطلوبة و بعثت بها للتدقيق و أنا حتى الآن لم أتخلص من قلقي بشأن المدير الجديد و مدى مرونته في التعامل الإدراي مع الموظفين



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-04-13, 10:27 PM   #3

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثاني



مضت أيام العمل الأولى على خيرِ ما يُرام . عقدَ مديرنا الجديد اجتماعاً للتعارف المبدئي على الطاقم الإداري و المهندسين و لتوضيح الخطوط العريضة
لسياستهِ في الإدارة الجديدة .
يبدو أنّه رجلُ وقت , لا يتنازل عن الثواني الهاربة من ساعاتِ العمل .. حدّثنا بلهجة واثقة عن أهمية التعاون لانتهازِ الفرص في كسبِ وقتٍ إضافيّ يضمنُ سيرَ خطط النجاحات كما هو مرسومٌ لها بالضبط
تُلفتني هذهِ الدقة المُتناهية في حديثه و إرشاداته التي كانت عمليّة أكثر مما يجب .
هذا يُعزز مخاوفنا كموظفين مُتساهلين نوعاً ما في الفترة الأخيرة من الإدارة المنصرمة . لكن على ما يبدو أننا سنتعرض لأيام عمل قاسية لكنها أكثر فاعليةً و نتاجاً
استلمَ المشروع المهندس فهد بمساعدة من طاقم إداري من قسمنا و الجميل في هذا أنني لستُ على قائمة من لهم تعاملاً مباشراً مع السيد المتعجرف فهد.

أصبحتُ أستغل ساعة عمل إضافية في مكتبي لأنجز بعض المهام التي أكلّف بها . فلن أكونَ فريسةً سهلة يلوكها لسانُ مديرنا السليط .
ثم أعودُ بعدها بأعباءٍ مُضاعفة إلى المنزل .. أو مقبرة الأحياء كما يحلو لأختي مُنى تسميته .
مُنذ أن تزوجت منى و أمي تغالبُ حنينها بوضع رُزنامة التقويم أعلى التلفاز في الصالة .. و تبدأ بتقليبِ أوراقهِ بولهٍ يوميّ لرؤيةِ وجهِ منى و أحفادها مساء الأربعاء .
فمنى الرفيق الروحيّ لأمي .. صديقة أحاديثها الطويلة عبرَ أسلاكِ الهاتف , قبل أن تتزوج أختى منى لم تكن أمي تفزّ ولعاً عندما يرنُّ جرس الهاتف
و لم تعتد أن تُغالبَ سنها في المشي سريعاً نحوَ باب المنزل الرئيسيّ عندما تسمعُ من بعيد صوتَ أبواق سيارة سائقهم .
أصبحت تعتني أكثر في الجزءِ الخلفيّ من حديقةِ المنزل .. و ألحّت بشده على أبي لأن يُحيلها إلى صالة ألعابٍ صغيرة و مفتوحة و إلى أرضٍ مُعشبة تستطيع أن تُقيمَ بها الحفلاتِ الموسميّة لأبناءِ منى الصغار .
منذُ أن رحلتَ منى افتقدَ بيتنا روحاً كانَ يتّكئ عليها .. و أصبحَ حضورها الأسبوعيّ يُحيلً بيتنا إلى كرنفالاتٍ و أعراس و شجاراتٍ مستمرّة مع طفليها

أبي شخصُ عمليّ .. و هادئٌ جداً .. و لا يكادُ يفارق مكتبته الضخمة إلا عندما تُكرر أمي اختلاسها النظرَ إليه من خلالِ البابِ الموارب .
فهيَ تقضي يومها فقط بإعدادِ قهوتهِ المُرّة و جريدتهِ في الصباح , و وضعها أمامهُ على منضدة صغيرة في زاوية المكتب . ثم تعدّ لهُ أخرى في ذاتِ الفنجانِ مساءً و تُفرغ منفضةَ سجائره
لا يُمارسُ والدي دوره الأبويّ إلا مساءَ الأربعاء ..وحدهم أبناءُ منى من يضخّون الفرحَ في روحِ والدي , و يمنحوننا فرصة أن نراهُ مُبتسماً و ضاحكاً كطفلٍ شقي .
وحدهم من يملكونَ كافة الصلاحيات للّعبِ و إحداث الشغب و الضجيج في مكتبِ والدي . و كلما هرعت منى لتوبيخهم أوقتها نظراتُ التأنيبِ في عينيّ والدي .
- خلّوا عيالي على راحتهم !

أستطيعُ بحسّ الأنثى أن أرصد شهقاتِ أمي الخفيّة كلما نطق والدي " عيالي " .. الحُرقة لأنها لم تُنجب لهُ ابناً ما زالت تعتصرُ قلبها .
أمي تحبُّ والدي كثيراً .. و دائماً أسترق السمع إليها و هي تحكي لمنى عن مغامراتهم الصامتة قبل الزواج . تُحبّهُ بعظمةِ حبِّ المرأة الشرقيّة .. بعظمةِ ولائها و تفانيها و خدمتها لزوجها
و أبي يُحبّها بصمتِ الشرقيّ المُتعالي على الكلام .. إنهُ لا يبوح فعلى قدرِ القراءة النهمة التي أفنى عمره في ملاحقة الكتب من أجلها إلا أنه لم يشعر بأن تلك القراءة قد
ابتلعت لسانه فلم يعد قادراً على البوحِ سوى للورق .. و عبرَ عمودهِ اليوميّ في الجريدة . و هذهِ إحدى الفضائل التي ورثتها عن أبي .

تقولُ أمي أنّ الله قد اختصرَ في وجهي ملامحه .. و في روحي طبائعه , لكنه لم يذكر لي مُطلقاً شيئاً كهذا
و حتى أنا لا أعلم هل هو يؤمن بهذا التكوين النفسيّ المُشترك بيننا أم أن شيئاً ما قد اعترى حياته و يخشى أن يمتدّ إليّ أيضاً .
فأبي ما زالَ لُغز حيرتي الأول .

منذ طفولتي و شخصيّته تستعصي على إدراكي , إلا أنّني لم أبكي يوماً لأنّه لم يصحبني إلى مدينةِ الألعاب أو لأختارَ هدية نجاحي بنفسي
فقد كانَ العم صالح يقومُ بدورهِ الأبويّ معي على أكملِ وجه !
الابتسامة التي افتقدتها في أبي أراها كلَّ يومٍ في عينيّ العم صالح .. لم أحزن يوماً عندما أركض لأستقبلَ أبي أثناءَ وصولهِ و أفتّش بالأكياسِ في يده فلا أجد سوى كتباً جديدة , فقد كان العم صالح يطرقُ بابَ بيتنا محمّلاً بأكياسِ الحلوى و الألعاب .
لم يدرك أبي حتّى الآن أنه رتقَ غيابهُ كأب بحضورِ العم صالح إلى بيتنا .



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-04-13, 11:05 PM   #4

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثالث








مضت إجازةُ الأسبوع حافلة باللحظاتِ الصاخبة برفقةِ مُنى و أبنائها , لم تتنازل أمي عن مبيتهم عندنا في يوميّ العطلة .
كنتُ أستمع لوقعِ خُطى أبي و هو ينزلُ السلّم متجهاً إلى المسجد بعدَ آذانِ الفجر , تاركاً وراءهُ خيطاً روحانياً من تسبيحاتِ السَحَر . تتبعهُ أمي بعدَ قليل لتفرشَ سجادتها في الصالةِ العلويّة .. كنتُ أشعر بالسكينة تتسللُ خفيةًَ من خلالِ بابِ غرفتي المُوارب .. ابتهالاتُ أميّ و أكفّها التي ما فتأت تبسطها باتّجاهِ السماء تُكسبني طمأنينة و خشوع .
و ماهي إلا دقائقٌ معدودة و تعودُ أمي لتطرقَ بخفّة بابَ غرفتي و تتبعهُ بغرفةِ مُنى المُجاورة ثم تذهب لإعدادِ إفطارنا و سماحةُ الفجر تنبثقُ من ملامحِ وجهها الوقور .


بدأت ساعاتُ العمل الأولى مزدحمةً بالمهام , شرعتُ نافذة المكتب و بدأت في جمعِ الأوراق المُدون عليها بيانات أحد المشاريع ..
رأيتُ من خلالِ الباب الزجاجيّ المهندس فهد في طريقهِ نحو الماكينة الآلية أقصى الممر ليحضر قهوته .. كنتُ أعرف أنه لابدّ أن يمر على مكتبنا للتحيّة الصباحية المُعتادة ,
تظاهرتُ بالتركيز الشديد في إدخال البيانات المدوّنة إلى الحاسب , رفعتُ نظري بلمحةٍ سريعة و رأيتهُ متكئ على حافةِ الباب بابتسامتهِ المُتهكّمة , عدتُ للانشغال بطباعةِ الأرقام
- أحمد أحمد .. بالله تعال
مااااشاء الله شوف الإدارة اللي ننحسد عليها , موظفات شغّيلات بجد
وحدة لاصقة بالشاشة و الثانية ما تشوف راسها من كثر الملفات و بالأخير أنواااع الأخطاء بالتقارير
بالله لو إنكم على سوالف الضحى الحين مو أصرف ؟
كنت أغالب ضحكتي و أنا أرى المهندس أحمد الخجول يحاول اصطحابه معه
- الله يعينهم عليك والله , امش بس
- خير يا أخوان ؟؟!
أدرنا رؤوسنا جميعاً بهلع نحوَ الصوت القادم من خلف المهندس أحمد .. لم يكن سوى مديرنا الجديد
لم أستطع إخفاء شماتتي و أنا ألحظ الإحراج يزحف بشدة على ملامح المهندس فهد
- لو سمحتوا هالتسيّب مرفوض بين المكاتب و الممرات , عندكم كافيه تحت بالبريك سولفوا براحتكم لكن بساعات العمل ممنوع
يحاول المهندس أحمد إنهاء الحديث بصوته المضطرب
- ابشر
خرج المدير بانزعاجٍ واضح و لحقه المهندس أحمد , و ما إن اختفى من الممر حتى انفجرت حياة بضحكة مكتومة
- ههههههههه بتحط نفسك بمواقف بااااااايخــة
- هيّن يا حياة .. إن ما عذبتك بالتقارير ما أكون فهد

أكملنا اليوم بجدّية أكثر , لن يصعب على المهندس فهد أن يكسب ود المدير , فكل من في الشركة يحبّونه بقدرِ ما يعرّضهم لمواقف محرجة أمام زملائهم

في ظل الإدارة الجديدة بدت الشركة أكثر تنظيماً في نتاجها و خطط سيرها عمّا هي في السابق و الفضل في ذلك للإدارة الحاذقة وإلى كادر العمل . فقد كانَ المهندس فهد هو الأكثر كفاءةً في الإدارة الحالية . امتلاؤه بالشغب و الحياة كان مكملاً لنشاطهِ كعنصرٍ فاعل يعدُّ ورقة ربح للشركة .


انقضى شهرٌ الآن , و وضعُ الشركة في ازدهار دائم , أصبحتُ أكثر إتقاناً و مرونة في التعامل مع طبيعة عملي , جدّية الإدارة كانت ذاتَ مردودٍ إيجابيّ بالنسبةِ لنا .
أوشكَ المنهدس فهد على إنجاز المشروع المُكلّف به . المجسّمات العينية كانت مذهلة جداً , فهو بارعٌ في ترجمة الأفكار الصغيرة على الواقع إلى كتلٍ هندسيّة غاية في البراعة و الإتقان .


حياة كانت ضمنَ الطاقم الإداري المهتم بالمشروع و على اتصالٍ مُباشر مع المهندس فهد
أحدى الليالي هاتفتني بصوتها الخافت , أخبرتني أنها تُعاني نوبة حُمى و تحتاجني في إدخال بعض البيانات و إرسالها للمهندس فهد , وافقتُ على مضض أن أتواصل معهُ على بريد العمل الخاص به لأنّني لم أجد بُدّا من مساعدتها .
أمضيتُ ساعات طويلة في إنجازها و بعثتها على البريد .. أخبرتهُ في نهاية الرسالة إن كان هنالك ثمّة ملاحظات بإمكانهِ أن يرسلها لأتممَ تعديلها في أسرع وقت


خلال دقائق بسيطة وصلت إضافة على بريدي , لم أستغرب كثيراً هذا التصرّف من صاحب الإقتحامات الفجّة
ألقيتُ عليهِ التحيّة و سألته بشكلٍ مُقتضب عن المواد التي بعثتها له .. أخبرني أن التنفيذ كانَ بالشكل المطلوب . لم أُطلْ في حديثي معه .. استأذنتهُ و سجّلت خروجي و الحيرة تنتابني من هدوئهِ المُفاجئ .
تذكرتُ أن حياة قد أخبرتني منذُ مدّة أنهُ أصبحَ هادئاً على غيرِ العادة .. صامتاً و مُتفانياً أكثر في العمل .



أتى يومُ الأربعاءِ الذي تنتظرهُ أمي كُل أسبوع .. حنينها كانَ يطوي لحظات الترقّبِ الباردة .
لم أدرك صدقَ ما يُقال بأن " ما أعز من الولد إلا ولد الولد " إلا حينما أرى أمّي ليلةَ الأربعاءَ تستنفرُ كل طاقةِ من هم بسنّها بأن تعيدَ ترتيب غرفة مُنى بنفسها , و تملأ الثلاجةَ الصغيرة بعُلبِ المشروبات و ألواحِ الشوكولا لأبنائها ثم تقضي نهارها باستعجالهم في المجيء .
عادَ أبي بعدَ صلاةِ العشاء .. و ذهبتُ أنا لمساعدةِ أمي و منى في إعداد العشاء بحديقةِ المنزل
كانَ الجو مُحرّضاً للبوحِ الداخليّ أكثر من التسامر برفقةِ آخرين
جميلٌ أن تتواطأ الطبيعة مع أرواحنا بهذا التلاحم الفطريّ .. اتّساعُ الأفق كانَ كعكّازٍ يستثيرُ الحزنَ للإتّكاءِ عليه .
جلستُ في ركنٍ بعيد أستمعُ لحديثهم حيناً .. و أسترقُ النظرَ إلى العم صالح الذي كانَ يجزُّ النعناعَ حيناً آخر .
كانَ أبي مُستلقياً يرقُبُ السماءَ بعينٍ مُغمضة .. لكنّهُ بيصرها بعينِ قلبه .. أجزمُ أنّ طيفُ جدّتي يتراءى لهُ الآن . على قدرِ ولعها به إلا أنّها ترفضُ أن تُفارق قريتها للعيشِ معنا .


سحبتُ حجابي و أخذتُ كوب شاي للعم صالح .. عندما شعرَ بمجيئي التفت إليّ بابتسامةٍ ثمّ عاد ليمارس شغفهُ في الاعتناءِ بكل الكائنات الصامتة في الحديقة .. العم صالح بذرة كُل ما هوَ ينبضُ بالطيبةِ في بيتنا .. هكذا هم صانعوّ العطاء .. لا يهتمّون بحياتهم بقدرِ اهتمامهم بتهيئةِ حياةِ الآخرين من حولهم .. و كأنّ السعادة الداخليّة لديهم تستمدُّ عنفوانها من سعادةِ الآخرين ..
ينفضُ يدهُ عن التربةِ العالقة بين أصابعه و أناولهُ كوبَ الشاي و أمضى نحو المنزل .


صعدتُ إلى غرفتي و شرعتُ النافذةَ في وجهِ الليل .. فرقٌ شاسع بينَ غرفتي و غرفة أختي مني
كما هو الفرقُ السحيقُ بينَ طبائعنا .
الفوضى الداخليّة التي تعتريني تتجسّد بشكلٍ ملحوظ في غرفتي .. تُحاولُ أمي كثيراً أن تحدَّ من فوضويتها إلا أنّني أستاءُ من أيّ اقتحامٍ لما يخصّني .
تمتدُّ انفعالاتي الداخليّة على جدرانها .. و معالمها الصغيرة , كل ركنٍ بها قد اختزلَ شيئاً من أيامي ,
تلكَ المرآة وحدها من تملكُ الإجابات الكافية لإدانتي بالبكاءِ المشهود . حتّى الأريكة تقرأ جيّداً حركاتي و سكناتي و أيّ الكتب و الأفلام تستثيرُ ميولي .كم تبعثُ كل هذهِ التفاصيل رغبةَ البكاء ... أو الاحتواء
لا يهم ! .. المُهم أنّني بحاجةٍ مُلحّة إليهما الآن .



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-04-13, 11:08 PM   #5

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الرابع




مضت أيامٌ قليلة أُنجزَ بها المشروع على أكملِ وجه , أقام خلالها المدير حفلاً تكريمياً بهذهِ المُناسبة التي زادت منسوبَ أرباحِ الشركة
تخللتها أحادبثٌ متقطعة مع المهندس فهد عبرَ الماسنجر .. من هنا بدت المسافة التي أرى من خلالها فهد الإنسان أكثرُ وضوحاً .

كنتُ ألحظ ارتباكَ حديثه عندما تُحكم الصدفة قبضتها علينا في لقاءٍ بإحدى الممرات .. لم تُحيل تلك الثواني البسيطة دونَ ضبطي للمعةٍ خفيّة في عينيه كلما تواجهنا .
على قدرِ حرصي أن أُشيحَ انتباهي عن تلكَ التفاصيل الصغيرة إلا أنها تُلحُّ عليّ بسخاء .


كنتُ أتجنّب دخولي المُتكرر للماسنجر تحسّباً لرؤيته ..
الحياة العمليّة دائماً تبدو آلية بكلِ تداخلاتها .. تحولنا دونَ القراءة بشكلٍ جيّد لأفكارِ الآخرين و فهمِ تركيباتهم , ربّما لأنّه لا يليقُ بهذا المكان إلاّ أن نتداول أوقاته بشكلٍ آليّ .. فكل ما هوَ مطلوبٌ هنا أن تتحوّل لشخص مُنتج يرصدُ سيرتهُ العمليّة بلغةِ الإنجازات و حسب . فلا تأتي الأهميّة إلا على مقاسِ التحصيلِ بالضبط .


الأيّام التي تمر كانتَ أشبهُ بفترةِ تكوينٍ خفيّ لحقيقةٍ غير مُتوقّعة بالنسبةِ لي على الأقل
فقد امتدّ هذا القبولُ المُسالم لفهد إلى فرحةٍ خجولة تومضُ في عينيّ كلما لحظتُ تسجيلَ دخوله .
لم ينطلي على حدسي الأُنثويّ افتعال فهد للحديثِ المُطوّل معي .. بقدرِ سُخفِ أحاديثنا الطويلة إلا أنّها كانت تدسُّ بينَ لحظاتها شوقاً خفياً يفرُّ من بينِ كلماته .
بعدَ مدةٍ أصبحت أحاديثنا تقتطعُ وقتاً أكبر .. و أصبحت مهامُ عملنا مُشتركة .. نتقاسمُ الأفكار فيما بيننا .. يساعدني هو في إتمامِ أوراقِ العمل بينما أمدّهُ أنا بابتكاراتٍ فنّية لمشاريعهِ القادمة .


أتوجّس كثيراً من قبولي المُفاجئ لفهد .. هذا الاهتمام المحدود بهِ يُثيرُ قلقي و أنا التي تُرعبها فكرة أن تكونَ الحياةَ قابلةً للقسمةِ على شخصين فلم أرها إلا رقماً صعباً يستحيلُ أن تُشاركني بهِ روحاً أخرى .


لم تأتِ أحاديثنا على سياقها الطبيعيّ أبداً .. فدائماً ما كان يحاولُ أن يجسّ شعوري تجاهه إلا أنّني كنتُ مراوغة ذكيّة .. و حتّى الآن أنا لا أعلم إن كُنت أمارس المراوغة معه أم مع نفسي
ما أؤمنُ بهِ أنّني أُحبُ الحديثَ معه و لا شيءَ أكثر من ذلك !


سألني يوماً سؤالاً بدا و كأنّهُ مُحاولةُ تشخيصٍ مكشوفة
- أ تعلمينَ كيفَ تتجمّدُ المفردات الصعبة في الحلق ؟ تماماً و كأنّها غصّة متكوّرة لا تقبلُ البلعَ أو اللفظ ؟
لكنّني كنتُ أبادلهُ الانفعالات صمتاً .. فلم يكن أحدنا يجرؤ على الكلام .. و هل يبدو الكلام مشروعاً عندما يأتي في توقيتهِ الخطأ ؟!
مثلَ كل الأشياء الجميلة .. مثلَ كل ما نُحب , تأتي مُتأخرةً بقدرِ عُمر .. و لا يُسعفها الوقت لتكتمل , فترحل بنقصها أو تموتَ أمامنا بعجز .


**


- وصلني لهالعنوان
تنفستُ بملءِ رئتيّ و أنا أضعُ أقدامَ العودةِ على أرضِ الوطن .. عشرُ سنواتٍ مرّت مُنذ رحيلي .. تخللتها زيارات قصيرة متقطعة .. في كلِّ مرةٍ أعود كانت بمثابةِ استراحةٍ قصيرة بينَ غربتين , أعودُ محمّلاً بحقائبِ الحنين و بعدَ أيامٍ قصيرة أرحل محمّلاً برائحةِ الوطن و كفيّ أمي
أيُّ هزّةٍ ستعتري شعورها عندما ترى ابنها ماثلاً أمامها بكامل حنينه
و أيُّ وطنٍ هذا الذي يُنافسُ حضنَ أم ؟


أسندُ رأسي على نافذةِ السيّارة و أحاولُ أن أهدئ هذا الشوقُ الذي يرفرفُ في قلبي كجناجيّ عصفور
أغمضُ عيني و تستفيقُ في خاطري ألفُ ذكرى .. و ألفُ ألفُ صورةٍ لوجهِ أمّي
لا شيءَ يُضجرُ حنيني إلا عندما أذكر ابنةَ عمّي , الفتاة المُناضلة في سبيلِ انتظاري .. كم يبدو أمراً باعثاً للبكاءِ سخريةً أن تنذرَ فتاة سنينها بانتظارِ من لا تعرف .. و بدون سابقِ حبٍ أو حتى وعدٌ واهن بالعودةِ إليها .


أفنيتُ عمري في دراساتٍ مُتفرّقة .. و عدتُ برأسٍ مُشبعٍ بثقافةٍ تُرضيني و لو بشكلٍ بسيط , و أنا الذي لا يهتمُ يوماً بأمرِ أنثى و لا تُشكّل في حياتهِ أكثر من أمٍ أو صديقة
كيفَ سأرضى بانحدارٍ إلى هذا الحد , و كيفَ ستستجيبُ مشاعري لأنثى بهذا القدرِ من السذاجة .
لم أكن أعرفً عنها أكثر مما ترويهِ لي أمّي أثناءَ اتصالاتها بي .. و كأنها تُحاولُ بفطرةِ الأم أن تُخرسَ شوقي المُستفيض تجاهَ ابنة العم .
" كااملة و الكامل وجه الله .. الله يبلغني برجعتك و يفرحني فيكم ان شاء الله " أشعرُ حينها بحرارةِ دعائها الصادق تنتقلُ إليّ عبرَ أسلاكِ الهاتف , أمي تحبّها كثيراً ..و لم يكن أحداً يحترق شوقاً لمجيئي سوى أمٌ حنون .. و ابنةُ عمٍ ساذجة


**



أتت منى إلينا اليوم , تبدو الصالة كورشةِ مصنعٍ من الضجر الشديد الذي يحدثهُ أبناؤها و مشاجرتها الخفيفة مع أمّي كي تستحثّها لمرافقتها إلى حفلِ زواج إحدى صديقاتها
و أبي يتابع بتركيز الشريط الإخباريّ لأحدى القنوات .. لم يبتر هذا الضجيج اللا مُنتهي إلا رنين هاتفِ أبي .. صمتنا جميعاً في انتظارِ أن يتمَّ مكالمته
- صدق !! حمد لله على سلامته يا خوي
- بكرة عزيمتكم عندنا إن شاء الله
- شلون بس ! هذا الغالي


كان حديث والدي أشبه بصدمة خارقة لعقلي , أحاول أن أتفرّس ملامح أمي و منى أبحثُ عن شيء يكذّب ظنوني إلا أنّ الابتسامة الكبيرة على وجوههم تعزز ما كنتُ أخشاه
حاولتُ أن أستند على الكرسي لأصعد لغرفتي قبل أن يتم أبي المكالمة .. و في طريقي كنت أسمع والدي بفرحةِ الأب يقول لمنى
- كلمي فيصل بكرة يروح يجيب جدته
ثم يخبر أمّي أن تعدّ كافة ما تحتاجه وليمة تليقُ بمقامِ الدكتور .



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-04-13, 11:30 PM   #6

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الخامس








صعدتُ إلى غرفتي محمّلة بالخيبة و كأن الساعات القليلة التي قضيتها مع أهلي قد تجاوزت مئات السنوات الضوئية .. خرجتُ من هنا و أنا أرقبُ أجنحةَ الحلم تتكوّن في قلبي الصغير .. و عدتُ و أنا أستندُ على حزني مثلَ كهلٍ قد انحنى ظهره من لكماتِ القدر
هذا الخبر أثقلَ كاهلي .. لم يترك لي وميضَ أملٍ يجعلني أتماسك

لمَ عدتَ الآن ؟ لمَ تكتبُ مصيري بكل هذهِ الأنانية المُفرطة ؟ لم أكن مستعدةً أبداً لأي اقتحامٍ لحياتي الآن


أمضيتُ سنيناً و أنا أحمل لابن العم امتناناً عظيماً لهذهِ الهدنة الطويلة التي منحني إياها سفره كي أعيشَ و أرتب حياتي كما أريد .. و أسدّ ثغرات قلبي و وحدتي في وجهِ كل من يتقدّم لخطبتي
اتّخذت سفره ذريعةً أحقق من خلالها رغباتي , فأنا أنثى لا تستمدُّ قوتها من رجل
السنين الطويلة التي غادرنا فيها كنتُ قد كوّنتُ في ذهني صورةً مغايرةً له .. كنتُ أظن كل هذا الاغتراب كفيلٌ بأن يؤمّن له بيتاً و زوجة .. و أبناءً صغار أيضاً
ادّعيتُ تصالحي مع العاداتِ البالية بأن مصائرُ الفتيات مرهونةٌ أولاً بأبناءِ عمومتهن . و تظاهرتُ بولائي الشديد لابن عمّي الغائب .. لأمنح نفسي فرصة الاستقرار الذاتيّ و أن أختارَ حياتي بنفسي ثم أواجهُ بها أهلي .. أتى فهد و قلبَ كل موازين حياتي .. حضورهُ لم يكن إلا بشائرٌ تأتي بأنباءِ حبٍ ينمو بشكلهِ الطبيعيّ دونَ أن يظهر مشوّها بفعلِ عادةٍ بالية


لمَ لم تنتظر أن يشتدُّ عود حلمي أولاً ثم تأتي .. لمَ تُجهضهُ بكل هذهِ السادية ؟
بعدَ أن كنتُ في الأيامِ القليلة الماضية أرتب لحياتي جيّداً أصبحتُ أرتّب لموتي الآن
لم يرحل جدّي قبل أن يختارَ موتي بالطريقة التي يحبها حتى قبل أن آتي إلى الدنيا .. " عيالكم لبعض " التي كانت تكررها أمي على لسانِ جدّي كانت كتميمة مُعلّقة على نحرِ التزاماتهم .. ماذا لو عاشَ جدّي زمناً قليلاً لحين زواج أبي .. هل كان سيرضى أن زوجة ابنه لم تنجب له حفيداً ؟
لو علمَ جدّي لشدّد وصيته لأبي قبل أن يمتدّ في تشكيلِ مصيرِ أحفاده .. و لأن حياتنا ليست ملكنا بالشكل المُطلق فإن الجزء الذي يمنحنا أحقيّة تشكيلها ليسَ كافياً بأن يحمينا من التدخّلات الشنيعة للآخرين
لمَ نبدو أكثر التزاماً لوعودنا تجاه الأموات .. حتى لو كانت على حسابِ الأحياء , أ ليست تلكَ جريمة يُعاقب عليها أيُّ ضميرٍ حيّ ؟


أمضيتُ ليلتي بحزنِ المغلوبينَ على أمرهم .. أتكوّر بصمتٍ على فجيعتي , كيفَ يقولُ ديكارت أنا أفكر إذن أنا موجود , تُرى كم استغرقَ في التفكير حتى تُعلن مقولته تلك عن وجودها و بشدّة ؟ ألم يعلم بأن لكلِ قاعدة شواذ , و لم أكن أنا سوى شذوذ بينَ الموجودات التي تشكل نفسها بالتفكير
فها أنا أحرقُ ساعات ليلي تفكيراً , و ما إن تنطفئ واحدة حتّى أشعل في رمادها احتراقَ أخرى
أفكّر حدّ التلاشي و لم يتكوّن وجودي الصغير
سحقاً لتاريخي الذي يكتبهُ الأموات
و سحقاً لكلِ الفلاسفةِ أشقياء الأرض , الذين يدّعونَ فهمَ الحياةِ أكثر و هم الذينَ لم يجرّبوها و لم يخوضوا في حزنها كما أغرقُ أنا الآن .

مسحتُ الحزنَ عن قلبي بإيمانِ من لا حيلةَ له و سلّمتُ نفسي لموتٍ قصير .


استيقظتُ ظهيرةَ اليومِ التالي على ضجيج الحركة المستمرة في البيت .. غسلتُ وجهيّ مراراً لأخفي تورّم عينيّ من البكاءِ الطويل في الليلةِ الماضية ثم خرجت لأعدّ قهوتي دونَ أن أتحدث إلى أحد وعدتُ للماسنجر لأرى إن كان فهد موجوداً أم لا ..
تحدّثنا لساعاتٍ طويلة كنتُ أرسمُ لنهايةٍ بأقلِ الخيبات بينما كانَ هو يبني من قشّ حديثي عشاً آمناً و لا أعلم إن كان عشاً أم نعشاً
لمسَ حزناً في حديثي و كنت أبررهُ بنومٍ غير مريح ليلةَ البارحة .. فيعود ليسدي عليّ نصائحاً تفضحُ قلقه عليّ و أقابلها أنا بابتسامةٍ تُخفي وراءها شجن


أغلقتُ الماسنجر و توجّهتُ للنافذة .. أراقبُ البهجة العارمة في بيتنا .. جدّتي تفترشُ الأرض المُعشبة بجوار قهوتها , و أبناء منى يطاردون الأرانب الصغيرة التي يعتني بها العم صالح .. كل ما هوَ في الأسفل يضجّ بالفرح , بينما أنا وحدي أتسامى بحزني نحوَ الأعلى .
أخرجتُ من خزانة ملابسي فستاناً أسود يليقُ بمأتمِ أحلامي الصغيرة , و وضعتُ القليلَ مما قد يخفي تورّم عينيّ ثم ذهبتُ لأساعد أمي و منى في إكمال الترتيبات


**

كنت أهم بإغلاق باب غرفتي ذاهباً إلى العزيمة التي يعدها عمّي بمناسبة عودتي , قابلني أبي في طريقهِ للذهاب أيضاً , تحدّث و هو ينزل السلم بلهجةٍ أبعد ما تكون عن التفاوض
- هاليومين إن شاء الله بكلم عمك عن زواجكم , جهّز نفسك .. بيتك من زمان جاهز و فيصل و وزوجته ما قصروا
كنت أعلم أن معارضة لهجة خطاب كهذهِ لن تنتهي بأقلِ من صدمة , فلم أجد سوى الصمت حيلةً في محاولة إدراك هذهِ الأحداث السريعة


تمت العزيمة بكلِ احتفاء , كل الانطباعات كانت كما هي فرحة عرسٍ منتظر و ليسَ احتفاءُ عودة , كيفَ لا و هم يعيشونَ فرحة إتمام الوصايا المُعلّقة
بعدَ أن غادر الجميع دعانا عمّي إلى جلسة مُعدّة في حديقةِ المنزل .. لم يكن هناك سوى جدّتي و أمي و منى زوجة فيصل و فتاة أخرى أظنّها الحظ المُرتقب .
كانَ تسامراً مفعماً بالأجواء الحميمية التي افتقدتها منذ سنواتٍ طويلة .. كنت أحاول أن أسترق النظر إليها لكنها بدت هادئة جداً و أبعد ما تكون عن أحاديثنا و صخبِ ضحكاتنا
شاهدتها وهي تذهب باتجاه العم صالح الذي يفرشُ فراشه تحت السدرة العتيقة .. تحدّثا قليلاً ثم عادت نحونا و أنا على أمل أن أرصد مؤشراً واحداً أعلق عليه أملاً بحياة مستقرة


**

في تلكَ الساعات القليلة استحالَ بيتنا إلى ثقبٍ صغير , بكلِ رحابتهِ لم يستطع أن يحتوي ضيقتي . حتّى هواء مدينتنا أصبحَ خانقاً و لا تكفي ذراته لإشباعٍ رئتي .. أصرت جدتي على الذهاب إلى قريتها الليلة , و لم تستطع محاولات أبي و عمّي إثنائها عن رغبتها في العودة أو المكوث حتى الصباح .. انتهزتُ فرصةَ ذهابها لأرافقها بعيداً عن الكآبة التي أثقلت كاهلَ صمتي .. أخبرتُ أمي و منى و صعدتُ إلى غرفتي لتجهيزٍ سريع للذهابِ معها .
أخرجتُ حقيبة يدوية كبيرة وضعتُ بها ما يلزمني بالإضافة إلى كتاب يختصرُ عليّ وحشة الطريق .
ذهبتُ نحوهم و أنا أرى فيصل يساعد جدتي في إيصالها إلى السيارة .. توجهتُ نحو سيارة فيصل و وضعت حقيبتي بجواري , من خلال النافذة لاحظت منى تركض باتجاه فيصل و تهمس في أذنه و يبتسم ..
ما إن رجعت منى حتى توجه فيصل إلى والدي .. حدّثه قليلاً ثم توجّه بالحديث لأخيه
- ودهم أنت .. ما عندك شي
شهقت من الصدمة العنيفة التي سددتها منى باتجاهي , لا أعلم كيفَ أنقذ نفسي من ورطة كهذهِ اجتهدتُ بالهروب منها لأجدها تطاردني
لحظتُ اضطرابه الشديد من حديث فيصل لكنه سلّم للأمر و أخذ المفتاح من يد أخيه بانزعاج واضح و أتى باتجاهِ السيارة



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-04-13, 11:35 PM   #7

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل السادس




أيُّ محاولة للخروج من مأزقٍ كهذا ستكونُ باعثةً للسخرية .. سلّمتُ بالأمر و حاولتُ أن أبدو أكثر اتّزاناً و أنا أراه في طريقه نحو السيارة .. ألقى تحيّة بصوتٍ منخفض ثم أدارَ المحرك في طريقهِ لخارج المنزل

كان الصمتُ سيّد الموقف , حتى جدتي التي تمضي كل أوقاتها تقتاتُ على ذكرى الماضي أو حوادثِ القرية كانت صامتة .. أظنّها قد اكتفت من الأحاديث الطويلة التي تبادلتها مع جاراتنا هذهِ الليلة .
قطعنا مسافةً قصيرة ثم أوقف السيارة في محطة قريبة
- بروح السوبرماركت تبون شي ؟
- جدتي : سلامتك بس لا تطول
خرج باتجاه المحل القريب
- نسيت أقوله يجيب حليب معه , انزلي يا بنتي قولي له
- مو مشكلة الحين إذا جاء قولي له يرجع
كنت أحاول أن أتهرب من أي أمر يجبرني على الاحتكاكِ به , لكن جدتي عاودت الحديث بإصرار
- تروحين ولا أروح أنا ؟
لم أجد منفذاً آخر فذهبت بضجر تجاه المحل , رأيته يهم بالمحاسبة .. لم أكن أريد مخاطبته فذهبت لأحضر لي مجلة أتسلى بها في الطريق و أحضر لجدتي ما تريد .. في طريقي للعودة لاحظته يأتي نحوي بانزعاج ثم استوقفني بنبرة حادة
- وش جايبك هنا ؟ مو سألتكم وش تبون ليه ما قلتي ؟
لم أكترث لحديثه و توجهت نحو المحاسبة لكنه نزع الأغراض من يدي بشدة
- بعد بتحاسبين ! ارجعي السيارة بسرعة
كل هذهِ الحماقات تفوقُ قدرتي على تجاوزها , اتجهت نحو السيارة بغضب , و أغلقت الباب خلفي بشدة
- وين اللي وصيتك ؟
لكن كنت أبعد ما يكون عن القدرة على الكلام , أتى من الجهة الأخرى للمقعد الخلفيّ و وضع المشتريات بانزعاج ثم اتجه لمعاودة القيادة
- الحين أنا كنت رايح ليه ما قلتي تبين شي ؟
- ........
- وش فيك على البنت ! أنا اللي نسيت أقولك و خليتها تروح
صمت و أشاح بوجهه نحو الطريق و حاولت أنا بجهدٍ مستميت أن أستعيد شيئاً من توازني

مضت ربع ساعة في الطريق و لا صوتَ سوى طنين الصمت المزعج .. جدتي تمتم بالأذكار بهدوء و أنا أراقبُ أعمدة الإنارة المزروعة بانتظام في الطريقِ الموحش ..
بعدَ قليل خفف سرعتهُ قليلاً و هيّأ المقعدَ الأماميّ بطريقة تسمح لجدتي التي غالبها النعاس بالاسترخاء أخرجتُ هاتفي لأصرفَ انتباهي عن هذا الجو الخانق و سجلت دخولي للماسنجر
قم للمهندسِ وفّه التبجيلا :
هلا بالطويلة .. خلصت عزيمتكم ؟
مسار خاطئ :
ايه .. و الحين رايحه مع جدتي و بكرى أرجع

صمتنا قليلاً ثم بادرني فهد بالحديث

قم للمهندس وفّه التبجيلا :
اسمعي يا بنت الناس
قم للمهندس وفّه التبجيلا :
أنا يئست إنك تلتفتين لي , و قلت يا رجال اصبر و خلك هادي و رزين يمكن على الله تحس
قم للمهندس وفّه التبجيلا :
لكن الظاهر عندك بطء استيعاب عاطفي
قم للمهندس وفّه التبجيلا :
المهم إني قريب بطق باب بيتكم و أقول لأبوك اسمع يا ناصر , أنا طالب يد بنتك المصون
و يا ليت توافق برضاك ولا تراني بخطفها من مكتبها
قم للمهندس وفّه التبجيلا :
ولا وش رايك أخطبك من سواقكم اللي تحبينه ؟ عاد لو ما وافق والله لا اسفره
قم للمهندس وفّه التبجيلا :
تراني ما أشاورك ! .. ماعندنا بنات يقولون رايهم قبل أهاليهم
بس قلت أعطيك خبر علشان ما تفاجئين
قم للمهندس وفّه التبجيلا :
آلووو
.
.
" مساء خاطئ قام بتسجيل خروجه "
أحترقُ اعتذاراً يا فهد .. أحترقُ اعتذاراً على هذا الرد الذي صفعتكَ به , مفاجآت القدر الصعبة أكبر من أن يستوعبها سقف إدراكي .. كنتُ أعبرُ حديثكَ باحتراسٍ شديد .. و عبرةٌ تخنقني أحاول أن أبتلعها لأمنعكَ من إتمامِ الحديث .. لكن كما اعتدتُ دائماً من أقدري السيئة .. تركلني بتتابعٍ دون أن تمنحني فرصة استعادة توازني


كنتُ أقرأ كلام فهد و كأنّني أشاهدُ لمعةَ عينيه تلك .. لكن لم أشأ أبداً يكونَ ردي طاعناً فيطفئها.
الصمت هنا يقوم بدورهِ الكريم معي لأول مرة ..
لم أستطع أن أمنعَ خيطاً ساخناً من الدمع يُلهبُ وجهي .. حاولتُ أن أبتلعَ غصّتي كي لا أثيرَ انتباههم لي لكن نشوة الثقة و الفرح العارمة في حديثِ فهد تؤلمني حدّ البكاء .

**

شعرتُ بتأنيبٍ شديد على معاملتي الجافة عندما أخبرتني جدتي أنها هي من بعثتها .. لم أكن أودُّ أبداً أن يكونَ أولُ احتكاكٍ لي بها بهذهِ الطريقة الفظّة .. رغمَ كل استفزازاتها اللامُبرّرة بتجاهل سلامي و حديثي عندما أسألها عن شي .. كنتُ أظنّ أنها سكوتها كانَ خجلاً و من فرطِ سعادتها بتمضيةِ وقتٍ طويل معي .. لكن كل تصرّفاتها لا تُشير لشيءٍ كهذا أبداً

بدأت تساورني الشكوك بأن الرفض متبادلاً بيننا .. لكن هذا يحرّضني لاستكشافِ شعورها أكثر .
ما إن استرخت جدتي حتّى سلمت نفسها لنومٍ عميق .. و لا يقطعُ الصمتَ شيئاً سوى صوتُ محركِ السيارة و صوتُ ضميري الذي ما فتئ يؤنّبني
بعدها سمعتُ صوتَ شهقاتٍ خافتة .. لم أتمالك نفسي عندما ميّزتُ أنهُ بكاء .. خففتُ السرعة قليلاً
و أدرتُ وجهي بنصفِ التفاتة
- تبيكن !! ما عاش من يبكيك يا الغالية
- والله آسف .. أنا بس عصبت يوم إنك ما رديتي و بعدها لحقتيني و السوبرماركت مليان
- حقك على راسي يا بنت العم

لا إجابة كالمعتاد , لكن يكفي أنها توقفت عن البكاء .. تنهّدتُ بانزعاجٍ من تصرفي .. لا أحتمل أن أؤذي شعورَ أنثى بهذهِ الطريقة الجافة

بعدَ قليل سمعتُ صوتَ تقليبِ صفحاتِ كتاب .. هذا يُريحني قليلاً طالما صرفها عن البكاء
كانت تقرأ و هي تمسّد جبينَ جدتي القريب منها بحنان .. حنانها كان يفتك بما تبقى من تماسكِ ضميري تجاه سلوكي معها

فكرتُ بأي شكلٍ ستكونُ الحياة مع أنثى بهذا القدر من الحساسية ؟! و كيفَ الدربُ معها يبدو مُربكاً لرجلٍ مثلي لا يُحسنُ التعامل مع أنثى خاصة .. لم أكن أثق بقدرتي على تبنّي حياةَ امرأة .. و أنا الذي أمضى حياته في صداقةِ الموجودات , و في المكوثِ طويلاً على مقعدٍ خشبيّ في حديقةٍ عامة , أتصفّحُ كتاباً أو أقرأ وجوهَ المارّة و تناغمِ زوجين مُسنّين أو عبثِ أطفالٍ أشقياء
ثم أمضي لأتسكع في أنحائها ملتقطاً ما يسقط من جيوبهم من ذكرى أو همسةٍ تُلقى خلسةً في أذنِ عاشق .
لم أجرّب دورَ البطولةِ أبداً .. دائماً أختارُ لي دورَ المخرج الذي يقف في زاويةِ مسرحٍ عتيق , يعملُ بصمتهِ بينما أضواء الفلاشات تركّز على أبطالِ المسرح , ثم يجوبُ الطرقات و لا أحد يستوقفهُ لصورة تذكارية أو توقيعٍ هامشيّ
فدائماً على الهامش من يستحق أن يعتلي أول السطرِ في سجلٍ وثائقيّ .
و هاهيَ الأقدار تقذفُ بي إلى حياةٍ مُكتظّة بالمفاجآت الصعبة .

لاحظتُ سكونها التام .. نظرتُ إليها من المرآة الأمامية .. كانت تنظر للطريق الطويل بشرود



احترمتُ سكوتها الذي كان موشراً كافياً للاطمئنان بأنها قد تجاهلت الموقف .. تنهّدتُ بارتياح و أدرت مسجل السيارة ليخفف شيئاً من وطأةِ الصمت .. حاولتُ أن أختارَ أغنية بعناية كتعبيرٍ عن تكرار اعتذاري حتى لو كان بطريقة سخيفة .. على الأقل قد تستجيبُ لها طالما أنها لا تستجيب للحديث معي أبداً

سولفي للناس عني .. قولي إني ما عرفت أختار من قلبي يحبه
سولفي للناس إني .. ما قدرت أقرا وجوه الحاضرين من الأحبة
أعترف لك إني فعلاً ما عرفتك
ما قدرت أوصل مع قلبي لحل و ما فهمتك
تجمعين الضد في كل الأمور
غامضة مرة و مرة مثل نور
تشبهين أيام أوقات الخريف
و تمطرين أحيان إحساسك زهور
صدقيني .. صرت من بعدك أخاف
و أعترف إن الخلاف واسع طريقه
و إننا ما نلتقي في أي شي .. فينا اختلاف
للأسف هذي الحقيقة

تنهّدتُ بعمق و عاوتُ التركيز على الطريق بشكلٍ أكبر فلم يبقَ الكثير عن وصولنا

بعدَ دقائق معدودة وصلنا للقرية النائمة بسلام .. لا يقطع سكونها المُهيب سوى أنوار السيارة و حفيف الأشجار و أصوات الحشراتِ الليلية
أدخلت الأغراض إلى بيتِ جدتي الذي يشغل مساحة مُرتفعة قليلاً كرابية في طرفِ القرية .. و هممنا جميعاً بالدخول , ذهبت جدتي لتنام و لحقتها ابنة عمي إلى غرفةٍ مجاورة .. ثم أتت لتحضرَ لي فراشاً و غطاء .. و ضعتهما بجانبي وعادت إلى الغرفة .
استلقيتُ أنا في محاولة بائسة لاستحضارِ النوم لكن كل المحاولاتِ ذهبت سُدى ..
رأيتُ إنارة غرفتها مازالت مفتوحة .. ذهبت و طرقت الباب بخفة ثم أتى صوتها من بعيد
- مين ؟
- لو ممكن ابي اقرأ شوي بالكتاب اللي معك
- لحظة طيب
ناولتني الكتاب و ذهبتُ نحو فراشي و أنا أحمل أملاً و لو باكتشافٍ بسيط لنوعيةِ قراءتها و ميولها



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-04-13, 11:37 PM   #8

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


لفصل السابع




حملتُ الكتابَ بيدي كمن يحمل في يدهِ حتفه .. كل آمالي مُعلّقةً على الورق , كل تطلّعاتي تدسُ نفسها بينَ الكلماتِ هنا .. يقولُ القدماء أنّ الكتابَ خيرُ جليس , و ها أنا أحاول أن أعرفها من وشاياتِ جُلسائها
رميتُ الكتاب على فراشي و ذهبت لتحضير فنجان قهوة يرافقني في مُهمّتي الصعبة في التنقيب عن امرأة من خلالِ كتاب .

عدتُ و ألقيتُ معطفي على ظهري بطريقةٍ مُهملة , و صحبتُ كتابي و قهوتي و سجائري للخارج
بقدرِ صمتِ هذا الكون حولي .. إلا أن داخلي مُكتظٌّ بقبائلٍ من فضولٍ غجريّ
كنتُ و حدي و الكتاب .. و طيفها الذي يطلُّ من خلالِ كتاب .
قلبتُ الكتابَ بيدي .. كانت رواية فوضى الحواس , ابتسمتُ لهذا الخيارِ الأنثويّ
فالفتياتُ غالباً ما يبدؤونَ أعمارهنّ في القراءة من خلالِ رواياتِ عبير التي يتبادلنها خلسةً من تحتِ طاولاتِ الدراسة .. و ما إن يجتزنها حتى يقفنَ على أعتابِ هذهِ الثلاثيّة .. ربّما لأن أحلام مستغانمي تفهمهنّ جيداً
و يدركن بدورهن أنّ هذا الفهم متبادلٌ بينِ الإناثِ الشرقيّات .. فلا أظنُّ أن ثمّة رجلٍ قادرٌ على فكِ طلاسمِ أنثى
فمن ذاكَ الخارقُ الذي سيفهم قبيلة شرقيّة بأكملها !
فتحتُ أوّل صفحة كانت بيضاء و فارغة إلاّ من توقيعها .. توقّع بالإنجليزيّة إذن ! و على طريقةِ الرسّامين العالميين .. بخطٍ مائل ينتهي بمعالمٍ خفية .. أُنثى توقّع بهذا الشكل لابُدَّ أنها تعتدُّ بنفسها كثيراً .
يا لغرورِ الإناث !

بدأتُ أقرأ الرواية من أولها .. و أقرأ أكثر الهوامش المكتوبة في الفراغاتِ البيضاء , طقوسها في القراءةِ مُثيرة .. أؤمنُ بالاتصالِ الحيّ بينَ قارئٍ و كاتبٍ من خلالِ كتاب , لكن أن يكونَ هذا الاتصال مُمتدّاً لأحاديثٍ تخاطبية هذا يُعطيني دلالةُ لتكوينٍ عالميّ صغير تتفاعلُ معهُ بأقصى درجاتِ الأُلفة
كتبت في هامشٍ علويّ " تلكَ اللغة المُتحدّثُ الرسميّ لدواخلنا نُجمّلها و تتجمّل هي بانتهاكِ حُرمةِ مشاعرنا "
هل كانت تُخاطبها هنا ؟ هل كانت على طاولةٍ مُستديرة برفقةِ شبحِ كاتبة ؟ يُثيرني هذا التوحّد الذاتيّ بينها و بينَ كتاب .. ابتلعتُ دهشتي و أكملتُ القراءة ..
تُخطّطُ بقلمِ الرصاصِ على جملٍ تستوقفها كشهقة .. يبدو الأمر واضحاً أنها عندما مرّت من هنا زفرت كُل ما تستثيرهُ بداخلها الكلمات
" الحُزن لا يحتاج لمعطفٍ مُضاد للمطر ..إنهُ هطولنا السريّ الدائم "
و في صفحةٍ أخرى قريبة " هوَ رجلٌ يشي به سكوتهُ المُفاجئ بينَ كلمتين , و لذا يصبحُ الصمتُ معهُ حالة لغوية و أحياناً حالة جوّية .. تتحكمُ فيها غيمة مُفاجئة للذكرى "
عبرتُها خلسةً دونَ إيقاظِ الظنون .. أكملتُ القراءة و في كلِ مرة تُعزّز يقيني أنها تقرأ رجلٌ ما
و تتبّع أثرهُ من خلالِ الكتاب . ابتلعُ الكلمات و أردفها بابتلاعِ ظنوني قسراً ..
استوقفتني الورقة الصفراء الصغيرة المُلصقة أعلى صفحة .. يبدو أنها مُقتنياتٌ تهمُّ بشرائها
أغلبها تهتمُّ بالأدبِ الروسيّ و الشعرِ المُترجم حتّى المغمور منهُ أيضاً .. من هنا تأكّدتُ أنها قارئة ناضجة . كُل تلكِ الروايات لا تشي بقارئٍ هاوٍ بقدرِ ما تُثبتُ احترافيّته القرائيّة
أكملتُ القراءة و شبحُ رجلٍ غريبٍ يُطاردني من بين الكلمات
إلى أن وصلتُ إلى الفاصلِ الورقيّ و عرفتُ أنّها قد توقّفت هنا أثناءَ قراءتها في الطريق
تتبّعتُ الهامشَ بحذرِ علّ شيئاً ما يفضحُ شعورها الذي عبّرت عنهُ بالبكاء من توبيخي
استوقفني اسم " فهد " الذي يتكرر بإلحاح في زوايا الورقة
كانَ تكرار اسمه صفعاتٌ مُتتالية على خدِ ثقتي
لم يتبادر لذهني أبداً أن ابنة عمي المرتبط مصيري بها منذُ صغري لم تكن تحسبُ الأيامَ لعودتي
لم يتبادر لذهني أبداً أنّها مثلي تماماً , ترى هذا الارتباط مشروع إتمام لوصايا الموتى فقط !
تجمّدت أطرافي من هذهِ الحقائق الملفوفة بسريّة تامة في الكتاب
أخذتهُ و أنا أحلم بأملٍ ضئيل أن أجدني هنا بصحبتها و أعودُ و أنا مثقلٌ بتفاصيلِ رجلٍ آخر
و حبٍ آخر كان يُكمل نموّه في غيابي
شعرتُ بكفٍ تعتصرُ قلبي بشدّة .. لم أحبها يوماً .. لكنّني منذُ أن أبصرتُ الدنيا و أبصرتها
و أنا مؤمنٌ بأنها لي أنا .. و ضمنَ أثمن ما سأمتلكهُ يوماً ما .. أيُّ جرأةٍ تلكَ التي تسمحُ لغريبٍ أن يجوبَ مدني بلا أدنى اكتراث .. أ لهذا الحدّ تركت مشارفَ قلبها مفتوحةً في غيابي ؟ كيفَ لرجلٍ سواي أن يقتحمَ حياتها , و يكتبها , و تكتبه , و يرافقها في رحلةٍ عبرَ كتاب !
كم يبدو سقفَ السماءِ قريباً جداً حدّ أن يُطبق جسدي على الأرض .. كم تبدو كل تلك الرحابة و الهدوء و أنفاسُ الشجر خانقةً جداً .. و غير قادرة على إنعاشي
و كم أتوقُ أنا لأصفع خدّيهما كما صفعا خدّ أيامي
أخذتُ الكتاب و وضعتهُ في السيارة بينَ أوراقي المهمة .. كيفَ لا و هوَ دليلُ إدانتي بالسذاجةِ التي اتّهمتها بها

كنتُ أبعد ما يكون عن التعقّل هذهِ اللحظة .. أقسمُ بداخلي أنّني سأشنقُ أحلامهما بكلِ ساديتي
فلن يُقامَ تاريخُ رجلٍ آخر على مدني .. أبداً .. أبداً

ذهبتُ باتجاهِ غرفتها كالمذبوحِ من الألم .. طرقتُها مجدداً فعادَ لي صوتها الخمول , كيفَ تنامُ على ذكرى رجلٍ آخر بحضرتي !
أغمضتُ عينيّ بشدّة محاولاً إذابة شيئاً من شراستي عندما يتعلّقُ الأمر بأشيائي الخاصّة
- مين ؟
- اطلعي شوي أبيك
فتحت الباب و هي تعدّل باليد الأخرى حجابها
- خير إن شاء الله خوفتني , صاير شي ؟
- فهد
بقدرِ اتّساعِ أحداقي شهدتُ اتّساعَ المفاجأة و الربكة في أصابعها
- مين فهد ؟ ردي
- أي فهد ؟
- أنا اللي أسألك
- و من أنت حتى تحقق معي ؟
كنتُ أفركُ أصابعي بشدّة في قبضتي تحسّباً لأيّ ردةِ فعلٍ قاسية لكنّ الثورةُ في نفسي من يطفئها !
حاولتُ أن أتماسك بصعوبة و أنا أهمس لها بكل ثقةِ أهل الأرض
- زين .. أول ما نرجع اعتبري نفسك صرتي زوجتي
غادرتها و أنا أورّثُ كل شتائمي و لعناتي للمدعوّ فهد .. لن يطولَ تغافلكَ لي يا فهد
أعدكَ بطعنةٍ في صميمِ حبك .. كما طعنتني في صميم كبريائي .



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-04-13, 11:46 PM   #9

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثامن



أغلقتُ الباب و رعشةُ البكاءِ تفقدُني توازني .. من هي مثلي لا يليقُ بها أن تحلم .. لا تليقُ بها عيشةُ البسطاء .. كُل الأحلام التي أتركها على شرفاتِ الليل تبقى حتى الصباح دونَ أن تعترضها أيدي المارّة . فالأحلام الصعبة لا تُغري أحداً لسرقتها

لكنّ الضعفاء أمثالي هم وجبة مُغرية على طبقٍ من حلم للثائرينَ الساذجين أمثال ابن عمي
كم من البؤسِ يتوسّدُ قلبي هذا الليل , تُحرقني رغبةُ البكاء و أحرقني معها بسخريّة المنكوبين
يا لحظّي السعيد .. من هيَ تلكَ التي تحلمُ بعرضيّ زواجٍ في ذاتِ الليلة ؟!
يا لبؤسي .. كم أبدو مثيرةً للشفقة حدّ البكاء .
أمضيتُ ساعاتَ الليل و لا شيء أنتظر أن يأتي بهِ الصباح .. كم تتساوى في عينيّ استوائيّةٍ مثلي الأيام و الفصول .. لا تعترفُ طقوسها إلا بخطٍ ساخنٍ من القَدَر .. و هطولُ بؤسٍ موسميّ دائم
أسفرَ الصبحُ عن وجههِ .. دثّرتُ أحزاني جيّداً ثم خرجتُ من غرفتي لأمضي مع جدتي وقتاً بسيطاً قبلَ عودتي
رأيتهما يتناولان إفطارهما مع أحاديثٍ متقطّعة .. تجاوزتهما لأغسلَ الحزنَ عن وجهي و أصلي
استكنتُ قليلاً .. ثم ذهبتُ نحوهما و جلستُ بالقربِ من جدتي التي كانت تحكي له عن حلم جدّي و طيبِ عشرته .. و كيفَ أن المرأة تحمل ولاءً لزوجها و بيته و ذكراه حتى بعدَ موته , و أنها لا تُفارق المنزل الذي عاشت بهِ مع زوجها إلاّ محمولةً على نعشها .. لكنّه لم يكن يُصغي إليها أبداً .. كان ينظر باتساعِ عينيهِ إلى الفراغِ ساهماً .. و التعب الذي يحيط بعينيه لا يشي بأنه قد نام ليلة البارحة
شربتُ الشاي و ذهبتُ لأقومَ بأيّ عملٍ منزليّ يصرفُ تفكيري عمّا حدثَ بالأمس
كنتُ في المطبخ أرتّب الأطباقَ في الأرفف عندما أتى نحوي .
وقف أمامَ الباب بصمت .. تجاهلت وجوده وعدتُ لأنجزَ ما أقوم بهِ دونَ أن أعيرهُ أيّ اهتمام
- ما ودك تعلميني من هو فهد ؟
- ..........
- قولي و أنا أوعدك أتفهم اللي تقولين
- ..........
- يصير خير
خرج و ترك بداخلي ألف شهقة خوف من اللهجة الواثقة في حديثه .. لو لم يأتِ .. لو دعاني و شأني لعلم أنّ فهد لم ينوي إلا أن يتقدم لخطبتي من أبي كما تملي عليه مروءته
أمضيتُ العصرَ برفقةِ جدّتي التي ذهبت لزيارة جارتها .. كُل البساطة التي تغمر القرية كانت بمثابةِ رئةٍ ثالثة أتنفّس من خلالها بعيداً عن حزني .. رائحة المزارع و البيوتِ الطينية كافيةً لإنعاشِ الطمأنينة في نفسي .. بعدها أتى العم صالح ليعيدني إلى المنزل
و كان ابن عمي برفقتنا في الطريق بسيارته .

**



لم أكن أحتمل كل هذا البرود الذي تقابل به ثورتي .. سكوتها كان يؤكد يقيني بوجود هذا الشخص بحياتها .. أصبحتُ أتوجّس من كل حركاتها و سكناتها , كل ما تقومُ به أراه وسيلة للاتصال به
كنت أسير خلفهم بسيارتي و عند وصولنا إلى مُفترقِ الطريق لم أحيد باتجاه منزلنا .. شيءٌ ما يحثّني أن أتبعهم حتّى أتأكد من دخولها إلى المنزل .. ركنتُ سيارتي على جانبِ الطريق إلى شاهدتُ إنارة غرفتها مُضاءةً من خلال النافذة ثم عدت إلى منزلنا ..
أخذتُ حماماً ساخناً يهدّأ قليلاً من ضجري .. ثم استلقيتُ بكل تعبِ الدنيا الذي أثقل كاهلي و سلّمتُ نفسي إلى نومٍ عميق
استيقظتُ صباحاً بتوازنٍ أكثر .. نزلتُ إلى الأسفل و رأيت أمي تتابع إحدى البرامج الصباحيّة بينما منى تعدُّ الشاي .. جلستُ قليلاً مع أمي و أتت بعدي منى
- يمه وش صار على الموضوع اللي كلمني فيه الوالد
- والله مدري ما قال لي شي
تحدّثت منى بنبرة ضاحكة
- ما شاء الله مستعجل ؟
- أكثر مما تتخيلين
- هههههههه الله يتمم على خير يا رب
صمتُّ قليلاً ثم توجّهتُ بسؤالي إلى منى
- إلا أقول منى .. اختك بأي شركة تشتغل
- بشركة ....
- مرتاحة هناك ؟
- اي الحمد لله .. عاد شغلها كل حياتها
هه ! شغلها كل حياتها ؟! لابدَّ أن بينَ عملها و حياتها كلمةً أسقطتها عنكم خفية .. كلمة تبدو كفراغٍ شاسعٍ جداً .. لا يملؤهُ إلا فهد !
ستعرفُ قريباً جداً لأيّ مدى سأتلذذ بمهارةٍ في تمثيلِ جثّةِ حبكما يا فهد .. و على مرأى من عينيكَ و عينيها .
**


عدتُ إلى المنزل مثقلةً بمخاوفي .. أمرٌ باعثٌ للسخريةِ أن تهربَ من همومٍ تعرفُ جيداً كيفَ تُطاردكَ إلى أقصى مساحاتِ الأرض
تجاهلتُ الدخولَ إلى الماسنجر فلم أكن أعرف بأيّ وجوهِ أحزاني سأقابلُ فهد .. نمتُ بعمقٍ استعداداً لدوامِ الغد .. و بيّتُ في نفسي نيةَ أن أتحدّث إلى فهد بعدَ ساعاتِ العمل
استيقظتُ صباحاً و ذهبتُ إلى مقرِّ عملي .. رأيت فهد في طريقه إلى دخولِ المبنى أيضاً .. عندما لاحظ سيارتي تباطأ في الدخول .. ودّعتُ العم صالح و ذهبت .
في الممر الطويل كان يفتعل المشي بمحاذاتي , و هو يلقي تعليقاته ساخرة لاستثارةِ ضجري
لأوّل مرّة أرى فرحةً طفوليّة تتراقصُ وهجاً في عينيه .. لأوّل مرّة أرى الإشراق ينبعثُ من ملامحهِ بهدوء مُريح
- تسجلين خروج و أنا أكلمك ؟ يعني إنك مستحية الحين
- فهد بليز بلاش فضايح بعدين نتكلم
قطعَ حديثنا وقعُ كعبِ زميلةٍ أخرى تعبرُ الممر بمحاذاتنا مما أجبر فهد على الابتعاد قليلاً باتّجاه المصاعد المقابلة وهو يهمس بصوتٍ منخفض
- اوكي لنا كلام طويل بعدين
صعدتُ إلى مكتبي , ألقيتُ التحية على لينا و ذهبتُ لأتمم بعضَ المهام بصحبةِ حياة .



**

خرجتُ بعدَ أن تناولتُ الشاي مع أمي و منى لتقديم أوراقي لأكثر من جهة للعمل , أثناءَ عودتي لا أعلمُ أيُّ فكرةٍ جنونيّة لمعت في ذهني بالذهاب إلى الشركة التي تعمل بها ابنة عمّي .. فقط لأخرسَ احتمال ضئيل جداً بألاّ يكونَ فهد زميلُ عمل ..
توجّهتُ نحو الاستقبال و سألتُ عن اسم فهد .. أخبرني الموظّف أن هنالك أكثر من موظّف بهذا الاسم و إن كنتُ أقصد المهندس فهد نظراً لحضورهِ الاجتماعيّ فمكتبهُ في الطابق السادس لكنّه الآن في المقهى المجاور
توجّهتُ للمقهى فقط لأرى ذاكَ الذي نصبَ حبّهُ في قلبِ ابنةِ عمي

**

بعد أن أمضينا ساعات طويلة من العمل الجاد توجهتُ مع حياة للأسفل لتناول وجبة نعودُ بعدها لإتمامِ العمل ..
جلسنا على طاولة لنتناول الغداء .. لاحظتُ أثناءها دخول فهد مع المهندس أحمد و هو يزيح نظارتهُ الشمسية نحوَ الأعلى .. أخذ كلّ منهما وجبته .. ثم رأيتُ فهد يشدّ قميص المهندس أحمد باتجاهنا
- بدون ولا كلمة .. قوموا
ترد حياة : والله جينا محد قال الطاولة محجوزة
- احلفي بس ! هالشركة كلها من فراشكم لمديركم يدري إني ما أجلس إلا هنا
- فهد من الآخر لا تبرد وجبتك .. ما طرى لي أقوم والله
سحبت يد حياة محاولةً في إنهاء هذهِ المسرحية الهزليّة قبل قدوم أحد لكنها مصرة على إتمامها
- و هذي قعدة .. حياك أحمد
- صدق ما تستحي
- والله ما ندري من اللي مايستحي .. اللي يجون بيقولون وش مقعد الموظفات مع فهد كلهم عارفين هذي طاولتي
- حياة بليز قومي
- حلفت ما أقوم .. عادي وش عليك ! شوي بنخلص و نقوم
جلسَ فهد على الكرسيّ المُقابل لي .. لم أستطع أن أغادرهم و أترك حياة بموقف سخيف و مثير للتوجّس .. سلّمتُ بالأمر و أنا أرفع عيني بقلقٍ كلّما همَّ أحدٌّ بالدخول
مالَ فهد قليلاً باتجاهِ الطاولة و هو يقرّب رأسهُ مني
- ترا جد والله خوفتيني يوم طلعتي فجأة .. اللي قلته لك كله صادق فيه و إذا الله راد بالويك اند بنزوركم
الغصّة التي حدّثني عنها فهد في لقاءاتنا الأولى ها أنا أشعر بها الآن .. لم أتجرّأ على أيّ كلمة قد تدمّرُ سقفَ أحلامهِ أمامَ عينيّ .. رفعتُ نظري قليلاً..
تسمّرت عيناي عندما رأيتُ الشخص الذي يقف على أعتاب المقهى , ولم يكن سوى ابن عمّي .



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-04-13, 06:17 AM   #10

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل التاسع





دخلتُ إلى المقهى و بذهني ألفُ تصوّر هلاميّ لفهد . كانَ المكان شبه خالياً إلاّ من مرتادين قلّة
أدرتُ بصري في المكان بحثاً عن أيّ شخص يُعطي انطباعاً مبدئيّاً أنه فهد .. تعمّدتُ ألاّ أسأل النادل كي لا أورّثُ شكوكاً عندما يُشيرُ إليّ باتجاهه

وقعت عيني على طاولة أقصى المقهى بجوارِ الخلفيّة الزجاجيّة التي تطلُّ على الشارع .. لم أحتمل المُفاجأة عندما ميّزتُ أن هذهِ الهيئة هيئة ابنة عمّي .
توجّهتُ نحوهما و كلُّ خليّة في جسدي تبتهل إلى الله بتكذيبِ ظنوني .. عندما لاحظت اقترابي سقطت الملعقة من يدها .
بهذا السقوط تهاوت كُل شكوكي إلى اليقين .. و تهاوت معها كل صورة نقيّة لابنة عمي
لم أحتمل المُفاجأة بأن أراها تجلس بصحبتهِ و هو يُدني رأسهُ منها و يهمس بأذنها مُبتسماً
أسرعتُ باتجاههم و كُل شرَّ الأرضِ يتطايرُ من عينيّ .. الصدمة كانت تفوقُ حلمي و تعقّلي
اقتربتُ منه و أحكمتُ قبضتي بشراسةٍ على ياقةِ قميصه و أنا أقيمهُ من مقعده
لا أدري كيفَ كبحتُ شيئاً من جنوني و انفعالاتي المُتشنّجة و أنا أتّكئ على كلِ حرفٍ يخرجُ بصعوبةٍ من بينِ أسناني
- قسم بالله لولا سمعة خطيبتي كان دفنتك بمكانك حي
كانَ أبعد من القدرة على استيعاب الضربة القاضية على صرحِ أحلامه
نظر إليها كالمُستنجد الذي يتعلّق بقشّةِ لمحةِ استنكارِ واحدة منها ,
- وش تقول انت ! من خطيبتك !!
قولي له غلطان
تكفين قولي
دفعتهُ بشدّة من يدي باتجاهِ زميله الواقف خلفه , تبع سقوطهُ صرخة مدوّية منها
- قدامي على السيارة !!!
لكن عينيها ما زالت مُعلّقة عليهِ و كأنها تُشيّع ببكائها أحلامهما الموؤودة
صرختُ بغضبٍ في وجهها
- ما تسمعين !!
دفعتُها بعنفٍ أمامي و أخذتُ حقيبتها من الطاولة ثم تراجعت و بصقتُ على طاولتهم و مشيت و أنا أرى الصدمة تُفقدها توازن المشي


فتحتُ لها الباب الأمامي , ركبت ثم رميتُ حقيبتها بجوارها و أغلقتهُ بشدة
عدتُ لأقودَ السيّارة بسرعةٍ جنونيّة .. لا أعلم إلى أيّ مكانٍ أمضي .. ما أعلمهُ أنّني أهربُ إلى أقصى مساحةٍ لا تجمعني بفهد .
طيفه الذي يخيّم على السيارة يُطبقُ على أنفاسي .. يخنقني
كنتُ أمشي بلا هدى و أنا أشهدُ اليوم تمثالَ الوفاءِ المزعوم منذ سنواتٍ طويلة ينهار بأقصى درجاتِ التغافل أمامَ عينيّ
طوال الطريق كانت تبكي بشدة .. صوتُ بكائها يستثيرُ جنوني , أ لهذا الحد تبكي ضياعَ فهد ؟
أوقفت السيارة بعد أن وصلتُ لحدودِ منطقةٍ رملية .. خرجتُ و كلُّ شهقات رئتي المُتعبة لا تكفي اختناقي .. كلّ زفرات صدري لا تطرد الحزن الجاثمَ على قلبي
اتّكأتُ على مقدمةِ السيارة و أنا أطفئ ثورتي باحتراقِ السجائر .. و أدوسُ أعقابها الواحدَ تلو الآخر و كأنّي أسحقُ بقدمي طيفُ ذاكَ السافل
بعدَ مُضيّ وقت طويل نظرتُ للخلف و رأيتها قد استكانت قليلاً بعدَ البكاء .. لم أستطع أن أوصلها إلى المنزل بهيئةٍ مُنهارة
رجعتُ إلى السيارة و استدرتُ في طريقي إلى العودة
كنتُ أركّز عينيّ على الطريق كي لا أرى أيّ فعلٍ يشي بحزنها على فهد .. تحدّثت بنبرةٍ باكية
- الله يخليك افهمني ! و ربي إنت فاهم المسألة غلط
هه! أيّ شيءٍ ينتظرُ التأويل بعدما رأيتكِ بجوارهِ على طاولةٍ واحدة .. أيّ شيء ينتظرُ التأويل و لهفةُ الحديث كانت واضحة في عينيه ؟!
- تكفى رد علي , قول أي شي بس لا تسكت ! و ربي كان يقول إنه جاي الويك اند يخطبني من أبوي
خففت السرعة قليلاً و التفت نحوها بنبرة غاضبة
- يخطبك !! تقولين جاي يخطبك !!!
اللي ما خاف على سمعتك و جلس معك بمكان عام و سمح لزميله يجلس معك على طاولة وحدة هذا ما يعزك و لا يصونك , أنا و اللي كل العالم يدرون إنك بتصيرين زوجتي عمري ما تجرأت أقرب منك و لا أكلمك بعيد عن أهلك ,, كله علشانك إنتِ .. مابي لو صار لي شي العالم تمسك عليك تصرف يضرك
لكن عمرك ما راح تفهمين .. يا حسافة تربية عمي بس !
انهارت بالبكاءِ مجدداً و أنا أضغط بشدّة على مقودِ السيارة .. لا أحتملُ كل هذا الأذى
لا احتمل صوتَ بكائها و لا طيف فهد المُلح أمامَ عينيّ .. ابتسامتهُ و هو يهمس لها تكادُ تفتكُ بي
ارحمني يا رب !
وصلتُ إلى مشارفِ الحي .. تنهّدتُ بعمق و أخبرتُها أن تستعيدَ توازنها حتى تتمكّن من الدخول للمنزل بدون أن تثيرَ ريبةَ أهلها
أوقفتها قبل المنزل بخطوات , و قبلَ أن تهمَّ بالنزول
- اسمعي
دوام ماعاد فيه ! الوقت اللي حدده فهد لخطبتك هو نفسه الوقت اللي بتصيرين فيه زوجتي
و من هنا لذاك الوقت لا يخطر لك تكسرين كلمتي و تداومين
كُل إجاباتها لا تشيرُ بأكثر من الصمت .. لكنّه الرد الطبيعي الذي ستقابلني به بعدما قابلتني اليوم بخيبةٍ عارمة

**



رأسي مُثقل بالأوجاعِ التي تهاوت عليّ هذا النهار .. لم أستطع فكَّ خيوطِ المفاجآت التي تتقاذفُ عليّ بتتابع , جُلّ تفكيري محصورٌ بفهد .. كيفَ أوصلني الصمتُ إلى مرحلةٍ أشاركُ فيها ابن عمّي بسحقِ أحلامه , كيفَ كابرتُ على مشاعري للحد الذي جعل الحيرةَ لا تُرشدُ عينيهِ إلى يقينِ صدقي
تهشّمت كل أحلامي تحتَ قبضة ابن عمي , كل الأقدار تآمرت لتقبضَ عليّ مُتلبّسةً بالصمت
أخبرتُ أمي أنني أنجزت أعمالي مبكراً و خرجت برفقة حياة ثم أوصلتني للمنزل
صعدتُ إلى غرفتي و لم أجد سوى النوم يمنحني إغماءة طويلة عن التفكير الذي يستنزف كلّ توازني
اختلّت الرؤية بعيني بعدما أصبحَ حضور ابن عميّ يعلن عن نفسه و بشدّة في حياتي و تشكيلِ مصيري


استيقظتُ المغرب على طرقاتِ أمي الخفيفة على الباب .. بفطرةِ الأم أحسّت أن شيئاً ما قد حصل لي اليوم لكنّني كنتُ أدحر شكوكها بابتسامةٍ مُطمئنة و أنا أدّعي أنه إرهاقُ العملِ لا أكثر
أخبرتني أن والدي يريدني في مكتبه
قمتُ لأصلّي و أُنعشُ ملامحي بماءٍ بارد يُزيحُ عن ملامحي آثارَ البكاءِ و التعب
بعدها نزلتُ إلى مكتبِ أبي .. طرقتُ البابَ فأتى صوتهُ الذي أكسبهُ الزمن حكمةَ الثبات
- هلا بنتي .. حياك
قبّلتُ كفّيهِ و أنا أشعرُ بكل كلماتِ الاعتذار التي أعجزُ عن نطقها تعبُر شفتيّ نحو كفّهِ الطاهرة
- نور عيني انتِ .. الله يرضى لي عليك
اجلسي بكلمك بموضوع
ذهبَ والدي ليوصدَ بابَ المكتب ثم جلسَ على الأريكة التي تشهدُ كُلّ قراءاته .. و طلبَ منّي أن أجلس بجواره
لم أكن أحتاجُ عقلاً إضافيّاً للتكهّن إلى الموضوع الذي يُريدُ محادثتي بهِ .. فهذا الموضوع كانَ على أجندةِ التسويف منذُ أعوامٍ طويلة .. لكنّه اختارَ لنفسهِ الوقت الذي يستحيلُ ضرباً من الواقع

- اليوم كلمني عمّك يبيك لولده .. ما عطيته كلمة قبل أسمع رايك
أنا الله ما عطاني بهالدنيا شي أغلى منك أنتِ و أختك .. و مستحيل أجبركم على شي ما تبونه حتى لو كانت رغبة أبوي

لم أستطع أن أتماسك أمامَ الوقار الذي يخاطبني بهِ أبي .. و لم أشعر إلا بيدهِ تمسحُ دمعةً مُعلّقةً بينَ جفنيّ
- ليه الدمعة يا بنتي ! لو ما تبينه والله ما يتم الموضوع , حتى لو هو ولد أخوي و أقرب لي من أخوي نفسه
من عندي أغلى منكم أنا ! .. صحيح إنه عاش سنين طويلة برا بس كنت أسأل عنه معارفي هناك و كلهم يشهدون بطيبته و عقله و نجاحه
سكتَ قليلاً ليمنحني فرصةَ التوازن ثمَّ أتمم حديثهُ و كأنّه يبوحُ بما لم يبُح به لأحدٍِ من قبل

- لما توفى الوالد الله يرحمه , ألحت علي الوالدة و أمك إني أتزوج , و أجيب لكم أخ يكون لكم سند و ما ينقطع ذكري بعد ما أموت
بس كانت الدنيا كلها ما تسوى عندي دمعة من عين أمك .. و كنت أشوف فيه و بفيصل عيالي و سندي بعد الله
ما همني وش بيقولون الناس عني لأني مؤمن إن الذكر الطيب و العمل الصالح ما يموت .
كنت كل ما حنيت يكون عندي ولد أتذكر إن الحين واحد رافع يده بالمساجد اللي أبنيها و يدعي لي
و لا أتذكر ثاني يقرأ من علمي اللي أكتبه و يستفيد
هالشي كان يغنيني .. كل شي عند الله بالآخرة ما يضيع
ابيك بس تعرفين إني أشتري سعادتك بعيوني


لم أتمالك نفسي أمام حديثِ والدي .. بكل تعبِ الدنيا ارتميت في حضنهِ .. قبّلتُ جبينه و أنا أبتهل بكلِ خشوعي إلى الله الذي منَّ عليّ بنافذةٍ إلى الجنة متمثّلةٍ بهذا الوالد الطيّب العظيم
- الله لا يحرمني منك يا الغالي
- ولا يحرمني فرحتي فيك يا رب .. الحين قومي استخيري ربك و لا تقولين لي إلا القرار اللي مقتنعة فيه

صعدتُ إلى غرفتي و حديثُ والدي يستكينُ كطمأنينةٍ في قلبي .. تُرهقني أنصافُ الحلول .. تُرهقني ازدواجيّةَ الشعورِ التي تستيقظُ في عقدةِ حدثٍ كهذا .. و يُرهقني أكثر شعور الحب تجاه فهد
الرجل الأول الذي خفقَ له قلبي .. ليت أنّه قريبٌ للحد الذي يُخلّصني من عجزي و صمتي
ليتهُ يُصغي إلى حاجتي إليه الآن .. الآن فقط يا فهد .




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
صيفاً

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:15 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.