آخر 10 مشاركات
أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          ثمن الخطيئة (149) للكاتبة: Dani Collins *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          هدية عيد الميلاد (84) للكاتبة : Abby Green .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          الفرصة الأخيرة (95) للكاتبة: ميشيل كوندر ...كاملة... (الكاتـب : سما مصر - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          رواية أحببت فارسة أكاريا (الكاتـب : الفارس الأحمر - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          الأقصر بلدنا ( متجدّد ) (الكاتـب : العبادي - )           »          روايتي "حمل الزهور ألي كيف أردهُ؟ وصبايا مرسوم على شفتيه" * مكتملة ومميزة * (الكاتـب : الريم ناصر - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

مشاهدة نتائج الإستطلاع: هل كانت رواية كشمس الشتاء جيدة بما يكفي ؟!
نعم 😍 3 100.00%
لا🙂 0 0%
المصوتون: 3. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree25Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-09-20, 03:18 PM   #1

نورا أبويوسف

? العضوٌ??? » 461260
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 99
?  نُقآطِيْ » نورا أبويوسف is on a distinguished road
افتراضي كشمس الشتاء (1) .. سلسلة شموس باردة * مكتملة *


أولى رواياتي على المنتدى 🌸
رحلة دافئة غياهب البرد القارص للشتاء ، عالم وردي لكن تشوبه أطماع النفس البشرية ..
فرصة للبدء من جديد وتكوين شخصية مختلفة ، للكل أسرار وللكل دوافعه وأسبابه المنطقية 🔥

قراءة ممتعة

إن شاء الله الفصل هينزل كل يوم أحد و أربعاء في تمام التاسعة مساء .





روابط الفصول

الفصول 1، 2، 3، 4 .. بالأسفل
الفصل 5، 6، 7، 8، 9، 10 نفس الصفحة
الفصل 11، 12، 13، 14، 15 نفس الصفحة
الفصول 16، 17 ،18، 19، 20 نفس الصفحة
الفصل 21, 22 نفس الصفحة
الفصل 23, 24, 25, 26, 27, 28 الخاتمة 1 نفس الصفحة
الفصل 28 الخاتمة 2
رابط التحميل
https://www.mediafire.com/file/vldvf...�ء-1.pdf/file

ٱلاء likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 25-03-21 الساعة 09:26 PM
نورا أبويوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-09-20, 06:07 PM   #2

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي

اهلاً وسهلاً بك بيننا في منتدى قصص من وحي الأعضاء ان شاء الله تجدين مايرضيك موفقة بإذن الله تعالى ...

للضرورة ارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين المنتدى والتقيد بها
https://www.rewity.com/forum/t285382.html

كما ارجو منك التنبيه عندما تقومين بتنزيل الفصول على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t313401.html

رابط لطرح اي استفسار او ملاحظات لديك
https://www.rewity.com/forum/t6466.html

هل الرواية حصرية ل شبكة روايتي ؟

واي موضوع له علاقة بروايتك يمكنك ارسال رسالة خاصة لاحدى المشرفات ...

(rontii ، um soso ، كاردينيا73, rola2065 ، رغيدا ، **منى لطيفي (نصر الدين )** ، ebti )



اشراف وحي الاعضاء



قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

رد مع اقتباس
قديم 30-09-20, 09:51 PM   #3

نورا أبويوسف

? العضوٌ??? » 461260
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 99
?  نُقآطِيْ » نورا أبويوسف is on a distinguished road
افتراضي

كشمس الشتاء

" دافئة أنتِ كشمس الشتاء"





بقلم

نورا محمود



الإهداء
إلى كل القلوب التي يملأها التيه والوجع ،
القلوب المنهكة لحد التوقف عن الخفقان ،
إلى كل من خُذِلوا وجُرِحوا ... لم يكونوا يستحقونكم
أنتم كنز لآخرين يتمنونكم .

نورا محمود



أن تشعر وكأنك المجهول ....
تمشي في وضح النهار وتغمرك أشعة الشمس ،
وتنظر للحائط الموازي لك فلا تجد ظلاً يرافقك ...
للحظة تتذكر أنك انت الظل نفسه ولكن ...
.....دون جسدٍ تتبعه .

-نورا محمود

الفصل الأول

" أكبر مخاوفنا تكمن دوماً وراء المجهول ... ما نخشاه حقاً يقبع في الظلام ، لا نعلم له اسم ولم نستطع أن نصل بخيالنا إلى شكله أوحجمه .. كل مانعرفه المجهول .... "

الغريب في النفس الإنسانية هو طريقة تعلقها بالآخرين ، فإن نظرنا للروابط التي تجمعنا لوجدنا أن أقواها لا تفسير لها غير الحب ، لا تفسير غير أن الروح قد تآلفت مع ما يشبهها أو مع ما يناقضها ولكنه أكمل نقصاً فيها ، وعن طريق هذا التجاذب والإنغماس تتولد العلاقات ، علاقاتُ نشكلها بأنفسنا مالم تربطها روابط القرابة والدم ، نرسم حدود بدايتها .. تاركين نمطها للأيام .
هكذا تعلقت العجوز بمجهولة نائمة ، نبضة حنانٍ بُعثت من القلب إلى أرجاء جسدها ، فربطتها روحياً بالجميلة النائمة .. لا تكل ولا تمل من مساعدتها وتقديم الرعاية الكاملة ، بالرغم من انتهاء مدة خدمتها لتمريض المرضى إلا أنها أصرت على الالتزام بحالة الجميلة النائمة ، تجاورها طوال ساعات النهار ، تقرأ لها القصص ، الروايات وحتى الأشعار .. تشاركها إهتماماتها ، بل وتقص عليها ما تفعله عندما تغادرها وأحياناً كانت تشتكي لها ما تعانيه في حياتها المريعة .
أحبت حياتها هكذا وجعلت من الصغيرة نوراً لعتمة حزنها ، وملجأً تهرب إليه من ضوضاء العالم ، ولكن حالتها الصحية ماعادت تتحمل البقاء كل هذه الساعات في المشفى ، عضلة القلب الحنون أهلكتها الضغوط والهموم فأصابها عطب الإجهاد ، فأصبح لزاماً عليها الراحة التامة .
وفي معمعة مرضها لم يشغلها سوى نائمتها في فراش المشفى ، من يرعاها ؟! ..
هل يقرأ لها أحدهم؟! .... هل يبقون على الضوء مشتعلاً ؟! .. هل يحافظون على نظافتها الشخصية ؟! ... هل يتم إطعامها جيداً ؟!..
هل يصنع لها أحدهم حساء الخضراوات المضروب الذي كانت تعده هي ؟!
طوال فترة مرضها لم يشغلها شيء أكثر من أمر تلك المسكينة ، حتى زفاف ابنها الذي كان سيتأجل جراء مرضها ، لم يشغلها كالصغيرة فهناك من يهتم بترتيباته كاملة وهي تعرف أن الأمر بأيدٍ أمينة ، أما نور لا تدري حتى من ترعاها .
تحاملت على نفسها ، وخرجت خلسة من البيت ليطمئن قلبها على الأقل .
أملت سائق سيارة الأجرة اسم المشفى وأخرجت هاتفها تجري مكالمة على مايبدو لها علاقة بما تفعله .
دقائق وتوقفت السيارة أمام البناية ، لم تكن الطريق مزدحمة لذلك لم يستغرق الأمر كثيراً من الوقت .
أنقدت السائق أجره مبتسمة وأولته ظهرها متجهة لمدخل المشفى ، قابلها الجميع بابتسامة مرحبة ، فطوال فترة عملها لم تُحزن أحد ، لم تتأخر بمساعدة أي شخص ، توسطت للجميع تقريباً في هذا المكان .
تنهال عليها السلامات والتساؤلات عن حالتها الصحية طوال طريقها للعناية المركزة .
استوقفها صوت مدير المشفى " الدكتور عادل " ..
- سيدة آمال !
غلف صوته طبعاً نبرة إندهاش بحتة ، فاستدارت له مبتسمة كعادتها ..
- أجل
اقترب منها وعلى ملامحه استغراب كامل ...
- أعتذر ، ولكن لم أنتِ هنا ؟!
تنحنحت بهدوء ....
-جئت لأطمئن على إحدى الحالات في العناية .
ابتسم عادل لأنه أصاب بالتخمين ...
- ولكنها لم تعد في العناية .
شهقت آمال برعبٍ ..
- ماذا ؟!
سارع عادل بتصحيح ما توقعته ، خاصةً وهو يعلم مرضها فهو طبيبها المعالج ...
- لقد تم نقلها لا تقلقي .. تحسنت حالتها الجسدية ، وتم نقلها لغرفة عادية
وضعت يدها على قلبها وكأنها تحثه على الهدوء وتنهدت قائلة .. -الحمد لله ، أين غرفتها ؟!
أشار عادل لها بأن تتبعه وهو يقول ..
- اتبعيني ، سآخذك لهناك ، ولكن ..
تساءلت آمال بقلق ..
- ولكن ماذا ؟!
رفع عادل كفه يعدل من وضع نظارته الطبية وهو يجيب ، وعلى وجهه علامات الاستياء ...
- سيتم نقلها قريباً من المبنى ؟!
توقفت آمال ..
- ولم هذا ، منذ جاءت للمشفى وهي هنا وتلقت الرعاية الكاملة .
تنحنح عادل ...
- لا تنسي يا سيدتي أن هذا المبنى من المشفى استثماري ...
قاطعته آمال بغضب ..
- وماذا في ذلك ؟! هل نسيت قلادتها ؟!
انتبه عادل لنبرة الغضب والاتهام في صوت آمال فقال بصوتٍ حازم ..
- إدارة المشفى تُبقي على القلادة آمنة إلى أن يظهر أحد الأقارب للحالة ويدفع مقابلها ما يعادل بقائها والخدمات التي تلقتها بالطبع ، وعلى الرغم من ذلك فإنها بالفعل تلقت اللازم بما يعادل ثمن القلادة وهذا جل ما نستطيع تقديمه .
تنهدت آمال بأسى ، وعادت للتحرك من جديد وبعد ثوانٍ من الصمت قالت أخيراً ...
- دكتور عادل ! لن تُنقل نور من المبنى ، ستبقى إلى أن تصبح حالتها الصحية بأفضل ما يكون .
وقف عادل عند باب غرفةٍ -بدى أنها المنشودة- ورفع حاجبه متسائلاً ...
- وكيف ذلك .. سيدتي ؟!
أغمضت آمال عيناها وتنفست بعمقٍ ...
- سأخبرك ولكن ليكن هذا سرنا الصغير ..
أومأ عادل دون كلام فأردفت ...
- سأتكفل أنا بالباقي إلى أن يُصرح لها بالخروج ، ورجائي الخاص هناك فتاة أعرفها جيداً أود أن تهتم هي بحالة نور .
ملامح مندهشة بشكل كامل وبادرة لسؤال غريب على شفاهه ، لينطق ببلاهة ...
- هل تعرفين هوية الفتاة سيدتي ؟! أقصد هل هناك قرابة تجمعك بها ؟!
أجابت آمال مبتسمة ...
- أجل ... الحب هو صلة القرابة بيننا ، والآن عدني بألا تُخبر أحداً بذلك وخاصة يحيى .
أومأ لها دون كلام وهو يوازن كلماتها مع أفعالها ، يتعجب منها ، نعم أصبحنا في زمن نتعجب فيه من صانعي الخير وليس العكس .
فتح الباب لتدخل بعد أن عقدا اتفاقهما السري سوياً ، تركها متوجهاً لمكتبه بينما دلفت هي للداخل .

***********

ما بين الأرض والسماء ، لا تشعر بما تحتك ولا ترى ما هو أعلاك ، ألمٌ شديد يتوغل في جميع أنحاء جسدك ، ليس الألم فقط بل أيضاً إحساس كبير بالعجز و الغموض ..
خصلات شعر ٍ بنية تنغمس بداخلها أخرى صفراء مفرودة باحترافية على الفراش من ورائها وكأنه قد تم فرده بمتخصص محترف ، ولكنه هكذا بطبيعته .
بعض الهمسات تسارعت إلى أذنيها ، لتصل إلى مسامعها تساؤلات بأصوات أنثوية ....
الصوت الأول ...
- هل هناك أي جديد بشأن هذه المسكينة ؟!
تنهيدة طويلة يصحبها تربيتة على جبين النائمة.
الصوت الثاني بحنو شديد ...
- لقد مرت ثلاث سنوات يا سلوى ولم يحدث أي جديد بشأنها ، لا ذاك الذي فعل بها ما فعل ، ولا أي قريبٍ لها قد ظهر ، حتى الشرطة ألقوا بقضيتها عرض الحائط منذ عامٍ تقريباً .
تعرفه! ..
هذا الصوت تعرفه جيداً ، إنها سيدتها الحنون .. السيدة آمال ، آآه كم اشتاقت لصوتها ولكلماتها ، بحثت كل يومٍ عن نبرتها الحنونة بين كل النبرات المختلفة ، بحثت عن قصصها عن جمال الأشعار المنثالة من بين شفتيها ، وأكثر ما بحثت عنه هو دفء وجودها الذي سُلب منها لأكثر من شهر ،اشتاقت جدًا لسماع اسم يُطلق عليها .. تمنت لو استطاعت النهوض فارتمت في أحضان آمال باكية ، تشكوها وحشة الأيام دونها ، ولكنها غاضبة .. غاضبة بشدة ، أي عذر تملكه آمال لتبرر غيابها القاسي ذاك ، أي عذرٍ سيعوضها ... وأيضاً قفز لعقلها سؤالٌ آخر ؛ هل ستذهب من جديد ، أم عادت الآن لتبقى إلى الأبد ؟!
تهادى إلى أذناها الصغيرتان صوت آخر جديد ولكنه يبدو رقيق ، فأنصتت .
عبست سلوى بأسى شديد ...
- وماذا عن الناحية الطبية ؟!
أجابتها آمال وهي تعدل من وضع الغطاء على الجميلة النائمة ...
- تحسنت حالتها الجسدية منذ شهرين وتنبأ الدكتور عادل بأنها ستستفيق في أية لحظة ، ولكن ها نحن ذا ، ليس هنالك جديد .
ابتسمت سلوى ....
- هل تحبينها لهذه الدرجة يا سيدتي ، يبدو تعلقك بها واضحاً جداً .
نهضت السيدة آمال من مقعدها المجاور للنائمة وقالت ...
- أنا أحبها بشدة ، أنا من ترعاها منذ جاءت إلى هنا ، اهتممت بها إلى أن شُفيت جروحها وذهبت آثار الطعنات التي كانت تملأ جسدها ، ولقد اخترتك من بعدي لتهتمي بها لأني وكما تعلمين فقد توقفت عن العمل، لم أعد كسابق عهدي و كذلك يحيى مُصر على ذلك نظراً لوعكتي الأخيرة .
هذا ما كانت تخشاه ، ستتركها من جديد ، ستتركها وحيدة مجهولة ، تُعامل وكأنها ميتة ، جُثة هامدة لا روح فيها ولا حياة ، ولكن تخلل القلق لغضبها وتساءلت أي وعكة هذه ، هل حدث جديد بشأن ابنها العاص ذاك أم أن السبب هو التقدم في السن لا أكثر .
اقتربت سلوى من آمال تحتضنها ...
- ولكنك بالطبع لن تنقطعي عن زيارتنا ، وبالأخص فأنا سأحتاج توجيهاتك في الوظيفة .
أومأت آمال بابتسامة ...
- بالطبع
واستدارت تنظر لجميلتها ...
-لن أتحمل الابتعاد عن نور .
بصوت ووجه يحمل الدهشة ..
- نور !
- بالطبع نور ، ألا ترين كيف تداعب الشمس وجهها فتخرج منه النور !، وكما أخبرتك تعاملي معها وكأنها واعية ، حدثيها واقرأي لها باستمرار .
أومأت سلوى مبتسمة فأردفت آمال ...
- الآن أود الانفراد بصغيرتي قليلاً ، فهناك الكثير لأخبرها به .
قبلت سلوى جبين آمال بحبٍ وخرجت بهدوء ، ومن خلفها آمال تطالع بعينين دامعتين ساكنة الفراش .

**********

المطر !
إيحاءٌ بالكآبة ، في بادئ الأمر تتجمع الغيوم فتحجب الشمس ويعم شيء من الظلام ،وبعدها تنطلق السماء في بكاء مرير ، مُغرقة كل مظهرٍ من مظاهر الفرحة ، السؤال هنا هل مازال لديه أيًا من مظاهر الفرحة ؟!..
لا يدري لم يكره المطر هل لكآبة مظهره أم لأنه يذكره بحياته التي بات يعيشها ، غيوم في غيومٍ والمزيد من الغيوم ، هو حتى لا يشبه المطر ؛ فحتى المطر ليس وحيدًا يسقط في قطرات متتالية بينما هو قطرة سقطت سهوًا من غيمة معتوهة غبية لم تلاحظ سقوطه لكثرة ما تحمله من آخرين .
هو بالضبط كذاك المغفل في حرس السور في رائعة صراع العروش .. استغله الكاتب في افتتاحية رائعته ليرى الأحياء الأموات وينجو بمفرده من القتل ، وبعدها يُعدم على هربه لأنه وببساطة كان يكذب – في نظرهم - ... الغريب من الأمر أنهم حتى بعد أن أدركوا صدق ما قاله ورآه ، لم يذكروه بشيء وكأنه لم يكن .... تذكرت لمَ لأن الكاتب لم يبقي على حياة أحدٍ ليأسف عليه ، فقد ماتوا جميعًا .
ولمَ مثالُ معقد كهذا ، فلنكن واضحين ونقل هو كشاب فلسطيني ارتدى حزامًا ناسفًا لينفجر قاتلًا لأعدائه فغصبًا أُصيب الحزام بعطب فانفجر قبل الأوان ، فلا ظل حيًا ينادي باسم وطنه ولا فتك ولو بعدوٍ واحد ، والأكثر ذكرته بلاده بالمجنون فلم ينل حتى لقب الشهيد .
بتجهمٍ بارد ونظرة خالية من المشاعر كالمعتاد كان يراقب زخات المطر التي تتتابع في الاصطدام بزجاج النافذة بجواره ، هو حقاً لا يعرف إن كان المطر حقًا يزعجه لما يصر على النظر إليه ؟!
ولكنه كعادته دومًا يُفضل كل ما يزعجه .
أسلوب من أساليب جلد الذات أتقنه ، يتفنن في تعذيب نفسه خنقًا في شرنقةٍ ما أراد يومًا أن يكون بداخلها .
دقات على الباب جذبت أنظاره ناحية الطارق ، شاب فاره الطول ذو ملامح غربية بحتة ، عينان زرقاوتان وشعر ينافس الذهب بلمعانه .
تقدم الزائر منه وتعلو وجهه علامات من اليأس الخالص ، جلس على المقعد المجاور للفراش وقال بلغته الإنجليزية بهدوءٍ تام ...
-إلى متى تنوي الاستمرار في هذه اللعبة ؟!
نظرة اللامبالاة تعلو وجه الراقد على الفراش ولا وجود لردة فعلٍ غيرها ، تنهد الشاب في يأسٍ ثم قال ..
- اسمعني سالم كل ما أحاول القيام به هنا هو مساعدتك ، لا تنسى أني كنت مستشار والدك القانوني وها أنا بجانبك من بعده ، لذلك عليك الوثوق بي .
أعاد سالم نظره لمراقبة المطر بالخارج دون إضافة كلمة واحدة .
احمر وجه الشاب ونهض عن مقعده وصرخ ..
- ألا تفهم أيها المعتوه سيقومون بقتلك كما فعلوا مع والدك ، كل محاولاتهم تلك ماهي إلا لتسليتهم ، ولكن سيأتي وقتًا و يصابون فيه بالضجر منك ومن عنادك ،صدقني لو أرادوا قتلك حالاً لفعلوها .
أخيرًا قرر المستمع أن يشارك في الحديث فقال ..
- ألن تتوقف عن المطر أبداً ؟!
صرخ الشاب بشدة وقال ..
- ستجلطني يا رجل ، من أين لك بكل هذا البرود ؟!
أجاب سالم ...
- تؤ تؤ تؤ سايتو ! لا تنسى أننا بالمشفى وبصوتك هذا فأنت تزعج المرضى .
اقترب سايتو منه مغلقاً عينيه وقال ضاغطاً على أسنانه ..
- لا أدري لم أخطأت تلك الرصاصة الغبية المكان ولم تصب قلبك لأتخلص منك ؟!
عض سالم على شفتيه باستفزاز ...
- لأنها تعلم أنك ستفتقدني يا عزيزي .
ابتعد سايتو غاضباً وهو يصرخ ...
- فلتذهب للجحيم يا سالم ، فلتذهب للجحيم .
صفق الباب خلفه بعنفٍ شديد ، فارتسمت ابتسامة مستهزئة على وجه الآخر وأولى وجهه مراقباً للمطر مجدداً.

***********

لأسبوعٍ كاملٍ جافتها آمال من جديد ، هذه المرة لم تكن حزينة أو غاضبة بقدر قلقها ، هل مرضت من جديد أو حدث أي سوءٍ لها ؟!
تنهدت في نفسها وهي تتساءل لمَ كل ذاك الحب والاهتمام بامرأة لا تعرفها ؟!
ولكن في نفس اللحظة أجابت سؤالها بسؤالٍ آخر ؛ لم لا ؟! وقد آنست وحدتها ، لونت السواد الذي تعيشه بقصصها وشِعرها ، لم لا وقد زرعت الزهور في روحها الجرداء؟! وللمفاجأة أنبتت ... أعطتها اسم ونادتها به بدلاً من "شخصية وطنية " ، في الحقيقة لكانت كالقطط في نكران الجميل إن لم تبادلها الحب ، وليس الحب فقط ، بل تتعهد بنفسها وحياتها – هذا إن استفاقت بالطبع – للسيدة آمال ، ستكرس دقائق كل يومٍ تعيشه لأجل إسعادها ، ستجعلها الأولوية دوماً .... ضحكة مكسورة بالطبع الأولوية ، فهي الاسم الأول وأيضاً الأخير في قائمة من هم لها .
انتبهت لخطوات سلوى مبتعدة ، يبدو أنه وقت استراحتها الآن ، سلوى! فتاة رقيقة مهذبة تُنفذ ما أملته عليها السيدة آمال ، وتعاملها بحبٍ هي الأخرى ولكن ليس كحب آمال – وهل لحب آمال شبيه - .. ابتسمت نور في نفسها وهي تفكر ؛ يبدو أن اسماً جديداً سَيُدَون في قائمتها .
صوت انفتاح الباب ، خطوات لثقلها تبدو رجولية، بالطبع تستطيع تمييز ما إن كان القادم رجل أم امرأة من مجرد وقع خطواته ، فلا يمكن الاستهانة بقدرة الأذن وخاصة إن دُرِبَت لأكثر من عامٍ تقريباً ، يبدأ أحد الأصوات الحديث ...
-ستكون هذه حالتك يا يحيى .
بعض الرفض على وجه الشاب الواقف ، ليكمل الآخر بصوته الرخيم ...
-صدقني لن تتعبك الحالة ، اخترتها خصيصاً لك وخاصة ولقد عدت تواً من إجازتك .
تنهد يحيى بتزمر وقال ...
-أسبوع إجازة يا فرحتي !
ابتسم المقابل له ...
-ألا يُرضيك شيئاً أبداً ، اسمع جيداً هذه الحالة مهمة جداً لوالدتك إنها متعلقة بها لأبعد حد ، لذا عليك إرضاء أمك .
اقترب يحيى من النائمة بدهشة ...
-هذه نور ؟!
إنها تحدثني عنها ليل نهار ، لدرجة أني اعتقدت أنها تحبها أكثر مني .
ابتسم الطبيب ....
-ولو تعلم لقد أصرت أن تختار الممرضة التي تهتم بالحالة من بعدها ، لولا أني أعرفكم جيداً لشككت في أنها ابنتها .
ضحك يحيى...
- أنا نفسي شككت في الأمر يا دكتور عادل .
مد يده ممسكاً ملف الحالة وسأل ...
- أهناك ما تريد إخباري به خارج التقرير ؟
وضع الدكتور عادل يده على كتف يحيى قائلاً ..
- حالتها الجسدية رائعة والعمليات الحيوية كذلك ، لذلك أرجح أن استمرار الغيبوبة ناتج عن أمر نفسي ، وبناءً عليه ستحتاج لمساعدة ريم .
احمرت أذني يحيى خجلاً وسأل مدارياً خجله ...
- إن كان العمل على الجانب النفسي فأعتقد أن ريم إذًا هي من تستحق العمل معها بدون الحاجة لي .
استدار الدكتور عادل ناحية الباب قائلاً بصوت رسمي...
-أعتقد أن توظيف الأطباء على الحالات من اختصاصي أنا ، وها قد أوكلتك مهمة ..فأتممها .
أنهى جملته وأغلق الباب من ورائه ، تاركاً يحيى ينظر له بغضب وفي يده الملف ، جلس على المقعد جوارها وقال ...
-ماذا إذًا آنستي المجهولة ؟!
مجهولة ؟!!
وصلت الكلمة بوضوح إلى مسامعها ، مجهولة في نظره ! رغم أن والدته أحب الناس لقلبها إلى أن انطباعها عنه ليس جيداً بتاتاً ، هي حتى لا تريده أن يتولى أمر حالتها ، لا تريد لحياتها أن تكون بين يدي شخص لا يُقدر آدميتها ، لا ينتبه لكلماته على الأقل عند وجوده بقربها ، لا تحتاج لأن يذكرها أحد بكونها مجهولة ، تحتاج لمن يشعرها بأنها شخص ما ،أجل هي نفسها لا تعرف من تكون ، ولكن ذاك العالم الذي بنته لها آمال كان قد أنساها مرارة الحقيقة لدرجة أنها صدقت بالفعل أنها نور ولكن في الحقيقة كل هذا غير حقيقي وأن العالم ليس آمال فقط ، عليها مواجهة الأمر .. شعرت وكأنها تسقط من عالمها الذي بنته مع آمال ، هوت دون ارتطام بالأرض إلا أنه لا توجد أرض أم أن المكان الذي سقطت منه كان شاهق الارتفاع ؟! خوف !
بالطبع خوف سيطر عليها ، بدأت في الارتعاش والبكاء ... دقائق قليلة وهدأت من جديد لا لن ترتعب وتخاف ، عليها معرفة هويتها وماذا حدث معها ولم أصبحت مجهولة ، بكل قوتها بدأت تعتصر جنبات عقلها ، تحاول فتح أدراج ذاكرتها والتي كانت جميعها فارغة .
بدأت غصباً بالبكاء من جديد ، وكل هذا وهو يراقب دون حركة ، منذ بدأ جسدها في الانتفاض كالأطفال و تبعه شهقاتٍ كتلك خاصة الأطفال .. راجع سريعاً الورق بيده لم يسبق حدوث هذا من قبل ، إذًا هذه نوبتها الأولى بل لنقل أنها ثورتها الأولى ولكن سرعان ما عادت للهدوء .
اقترب منها فتح عينها غصباً ووجه لها ضوءً شديداً لم تحبه ، كما أن جسدها تشنج إثر لمسته لها فهي تبغضه ، تبغض وجوده ما بال لمسته !
قال يحيى بهدوء ...
-لا تقلقي آنستي فأنا أفحصك ... أنا هنا للمساعدة لا تخافي .
بالطبع شعر بتشنجها فأراد طمأنتها ليس إلا ، ولكنها بقت على حالتها ولم تستجب له فقال بصوت عالٍ نسبياً ...
-هيا أخبريني أيمكنك سماعي ؟! .
حاولت أن تجيب بالطبع اسمعك أيها المتعجرف ، بل أنا مدركة لكم جميعاً منذ مدة ليست بالقليلة أبدًا ، ولكن لم تسعفها حنجرتها ولم يعنها لسانها ،كلماتها ميتة الصوت ولكنها حية في تعبيرات وجهها، نطق وجهها بما لم تستطع جعل حنجرتها نطقه جاءها صوت يحيى من جديد ...
-حسناً لا عليك ، لا تحاولي الكلام أريد منك فقط أية إشارة ، حركي يدك رأسك أو حتى جفني عينيك .
لم تستطع إلا الضغط على عينيها ، هذا جل ما فعلته ، فجاء صوت يحيى من جديد ..
-لا عليك ، تكفيني هذه ...
بالمناسبة أنا الطبيب المسؤول عن حالتك اسمي هو يحيى ، وسأتركك الآن مع ممرضتك سلوى ، اتفقنا .
بعفوية ضغطت بجفنها وكأنها تخبره بأنها تعرف جيداً من معها ومن يهتم بها بل ومن يحبها وتمثل له أكثر من مهمة عليه اجتيازها ، ابتسم يحيى مربتاً على جبينها ...
-أحسنتِ يا صغيرة ...
ثم نظر إلى سلوى وقال...
-حدثيها إلى أن أعود سأذهب للبحث عن الدكتورة ريم .
أومأت سلوى دون كلام ، في حين خرج هو مسرعاً

نهاية الفصل
قراءة ممتعة 🌸

ٱلاء likes this.

نورا أبويوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-20, 09:58 PM   #4

نورا أبويوسف

? العضوٌ??? » 461260
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 99
?  نُقآطِيْ » نورا أبويوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثاني

" تحمل البداية في طياتها الكثير والكثير من الآمال والآلام ، تفتح باباً للتوقع ، بل تترك سراح خيالنا ليرسم مايناسبه ، ما يتماشى مع مشاعره ورغباته ... "


دقات متتالية على الباب ، تعرف صاحبها عن ظهر قلب ، ابتسمت آذنة له بالدخول .
فتح الباب وواجه ابتسامتها فمُحيت ذاكرته من كل شيء عداها ، تقدم لمكتبها مسلوب الإرادة وكأن نظراتها تتحكم في خطواته .
-افتقدتك جداً حبيبتي .
هذا ما استطاعت شفتاه نطقه استجابةً لعقلٍ مسلوبٍ لها وحدها
احمرت وجنتاها ، وتنحنحت في دبلوماسية ...
-أ هذا ما اضطرك للمجئ إليّ ؟!
مال بخصره على المكتب مقرباً وجهه من وجهها ...
-أ وليس هذا كافياً ؟
ابتسمت مبعدة وجهها بخجل وهمست ..
- بلى !
عادت الجدية إلى وجهه وهو يتذكر أمر مريضته الجديدة ..
-سأجن بسببك قريباً .. بمجرد أن أراكِ يذهب عقلي في إجازة .
ضحكت لتعبيرات وجهه الكوميدية وطريقة كلامه ...
-ماذا هناك؟
حاول فشلاً رسم الجدية على صوته ...
-لم آت لأتغزل بكِ فقط –تنهيدة مسرحية- جئت لأصطحبك معي للحالة التي كلفني بها والدك .
رفعت حاجبها متسائلة....
-أية حالة ؟!
-الغرفة 77
-آها ، أخبرني أبي ولكن ماذا هناك؟!
نهض من مقعده واقترب منها ...
-لقد استفاقت ، تخيلي كم أنا محظوظ ! ،استلمت الحالة للتو وها قد استيقظت من غيبوبة طالت لأكثر من ثلاث سنوات .
نهضت هي الأخرى ووقفت أمامه ....
-يكفي أنني بحياتك لتكن محظوظاً .
حاوط خصرها بذراعيه هامساً ...
-لا أستطيع معارضة هذا .
تملصت من بين يديه مؤنبة ...
-يحيى نحن في العمل ، لا يصح هذا .
تأفف معترضاً ...
-ألا يمكننا مد الإجازة على الأقل ؟ ، لقد تزوجنا منذ أسبوع فقط ، اعتقد أن والدك يعاقبني لأخذي إياكِ منه
ابتسمت مشاكسة ...
-بالطبع فأنا مدللته الوحيدة ، ويكفي تذمر ، وهيا لأتفحص الحالة ونرى ما القادم .
ابتسم وهو يسبقها للخارج ...
-سيكون الجزء الأكبر من العمل عليكِ أنتِ ، فالعامل النفسي هو الأهم الآن ، بينما البدني بألف خيرٍ والحمد لله .
استدار لها غامزًا ...
-أخبرتك بأني محظوظ
هزت رأسها يأساً من زوجها العزيز ، هو بالفعل أعقل مما يمكن أن يكون مع الجميع ماعداها وأقرب أقربائه ، إنه المزيج الذي تبحث عنه جميع الفتيات ، الشاب الطموح الذي يخرج من عباءة والده ويختار مهنته التي يحبها ، الابن البار بأمه والرحيم بها، الطبيب المجتهد الذي يحقق مالم يحققه من هم أكبر سناً و أكثر خبرة ، الحبيب المخلص ،الحنون والضاحك دوماً ، العابد التقي المُحب لله .
ومن التي لا تريد زوجاً بهذه الصفات ، رجل يحبه ويحترمه كل من يعرفه ومن لايعرفه ،
ابتسمت وهي تهمس .....
-بل أنا المحظوظة ، إنه يوجين الأحلام ! بالطبع هو يوجين - فلين رايدر - وهو أيضاً سارق محترف ، تمكن من قلبها بحركة يد خفيفة
تبعته لغرفة المريضة ، نظرة خاطفة على تقاريرها ، بينما أعطى يحيى سلوى بعض الأوامر لتنفذها ....
-سنحتاج لسحب عينات لهذه التحاليل ، ورجاءاً اطلبي من المعمل أن يُسرع بالنتائج .
وضعت ريم الملف بمكانه وأضافت ...
-وإذا سمحتِ أيضاً ... سلوى بعد سحب العينات سنذهب بها للتصوير بالأشعة.
أومأت سلوى وبدأت في تنفيذ عملها ، اقتربت ريم من المريضة وبدأت بعمل بعض الفحوصات لتتأكد من بعض الأعصاب الحسية لديها محافظة على شرح كل ماتقوم به ، ومن خلفها يحيى يدون ما تمليه إياه ريم .

لا تحب هذا ، أن يتفحصها أحد أن تُعامل وكأنها دمية ، يحملونها وينقلونها ، تسمع أصواتاً غريبة حولها أكثر مما اعتادت عليه ويسلطون ضوءاً عليها ، وها هم الآن يعيدونها لفراشها ، لا تدري كيف عرفت أنه فراشها ولكن هذا هو ما شعرت به .
بضع دقائق أخرى من الأصوات الجديدة عليها ثم هدوء ، هدوء جميل ، ليس جميل لأنها تحبه ولكن لأنها افتقدته لكثرة زائريها اليوم ، دقائق قليلة ووصل لمسامعها همسات قريبة من القرآن الكريم ، خمنت أن القارئة هي سلوى ، صوتها جميل تعترف بذلك ولكنه ليس بالحنو الذي كان عليه صوت سيدتها الحنون ، ابتسمت للاسم الذي أطلقته على ممرضتها السابقة ؛ السيدة الحنون ! أجل حنون... لأيام لا تعرف عددها آنس صوت السيدة آمال وحدتها ، تناديها دوماً بنور لدرجة التي جعلتها تعتقد أنها نور بالفعل ، إلى أن أتى ذاك المرض وأصابها فاضطرت لترك نور وحدها وبعدها جاء ذاك اليحيى المتعجرف ونعتها بالمجهولة ، مجرد كلمة أخرجتها من عالم السيدة آمال ونور الصغيرة إلى المجهولة الوحيدة . ولكن رب ضارة نافعة ، فلولا هذا ما انتبه أحد لإدراكها بكل مايحدث ، لعل الصدمة تكن سبباً في تحررها من هذه الحالة ، ولكن يتدفق السؤال لعقلها من جديد .. ماهو سبب هذه الحالة ؟! وهل هي وحيدة فعلاً لدرجة ألا يتعرف عليها أحد ؟! ..
ألم بدأ في التكون في نصف جمجمتها الأمامي ، خمنت هي أنه من ضغطها على عقلها ليتذكر ، أرخت عضلاتها وخلايا عقلها لتريحه وتستريح قليلاً ، تستريح كذباً – هل لها أن تجد الراحة في المجهول ! - .

******
تنساب عجلات السيارة على الطريق المرصوفة بسهولة و احترافية ويعم هدوء جامح المكان .
تحلق في السيارة عصافير الحب في نسق واحد على شكل قلب ، و هالة وردية حمراء تعم المكان ، يتحكم بالمقود بيده اليسرى فقط لاغير ، بينما اليمنى تقبض على كفها حبيسته ، يقسم نظراته بين الطريق أمامه وبين الحياة بجانبه ، وتقابل نظراته هي بابتسامة خجولة .
تنحنحت ريم بخجلٍ...
-يحيى !
-عيونه !
قالها بحنوٍ لعوب ، فتأففت قائلة...
-رجاءاً يحيى انتبه للطريق ، وتوقف عن التحديق بي
قطب بين حاجبيه وتساءل :
-ولم إذاً ؟! انت حبيبتي ، معشوقتي ، جنتي وزوجتي .. أنتِ حقي ، إن لم أحدق بكِ فبمن ؟!
وضعت كفها الحرة فوق ذراعه وهمست مقربة وجهها منه....
-بي يا عزيزي ، ولكنك فقط تخجلني .
اختطف قبلة صغيرة من شفاهها القريبة وضحك :
-وكم أحب ذلك!
صوت رنين الهاتف ثقب الهالة الوردية حولهما ، مما دفعه للتأفف بعدم رضا ، طالع شاشة الهاتف ليتجهم وجهه بشدة وتزداد تقطيبة حاجبيه وهو يوقف السيارة بجانب الطريق ويجيب...
-ماذا ؟!
سؤال من كلمة واحدة ينم على عدم الرغبة في الحديث ، جهراً بالرفض لمحدثه قلباً وقالباً ، ليأته الصوت من الطرف الآخر أكثر برودة وأكثر تجرداً من المشاعر لدرجة تجعله أشبه بالآلة ...
-لن أتمكن من القدوم هذا الشهر أيضاً ، أخبر أمي إذا سمحت.
لم يستطع يحيى كبح غضبه ، ففقد زمام أعصابه وهو يقول ..
-وما الجديد يا سيد جاسر ؟!
هذا حالك منذ خمس سنوات ، كادت أمك أن تموت وأُجريت لها جراحة خطرة ولم يهتز لك رمش ولم تفكر ولو للحظة باحتياجها لوجودك ، ناهيك عن زفافي فأنا لم أرد وجودك أصلاً .
صقيعُ من الجانب الآخر يلفح يحيى في رد أخيه ...
-هل ستخبرها أم أحدثها بنفسي ؟! .
ضغط يحيى على أسنانه حتى كاد أن يهشمها ، فربتت ريم على فخذه تحاول تهدئته ، أخذ نفساً عميقاً وقال بهدوء حاول جاهداً خلقه :
-وداعاً يا أخي وداع..
وقبل أن ينهي جملته كان الخط قد أُقفل .
ضرب المقود بكل العنف الذي بداخله ، يحاول فشلاً التنفيث عن غضبه .
اقتربت ريم منه وأخذت تحرك كفها على كتفه بهدوء يميناً ويساراً ، وتحثه على أخذ نفسٍ عميق .
نفذ تعليماتها مغمض العينين إلى أن هدأ تنفسه واستكان النبض الهائج في صدره ، فتح عينيه يطالع زوجته وقال بغضب شديد :
-أكرهه يا ريم أكرهه جداً ، أتمنى لو يموت فتُشفى أمي من انتظاره ، و أتحرر أنا من هذه الأخوة المزعومة .
تنهدت ريم في ألمٍ ، تود لو تحدثه عن الاحتمالات في عقلها ، لعل هناك خطب كبير يعانيه جاسر فيمنعه منهم ، ولكنها تعرف حق المعرفة أنها إن أوجدت أعذاراً لجاسر ، لاستفاق المارد بداخل يحيى حارقاً كل شيء فآثرت الصمت مهدهدة زوجها الغاضب .
*******
من جديد تركض في غابة مظلمة موحشة ، لا تعرف مكانها ولا حتى الوجهة التي تركض لها ، تركض خوفاً وهرباً يتصبب العرق منها ، وعيناها تزيغ بين الحين والآخر ، ينقطع نفسها فتقف قليلاً لتعبئة رئتيها ببعض الأكسجين ، ينتابها الصداع من جديد ، فتسقط على الأرض من شدة الألم ، تخفت الرؤية تدريجياً ولكنها تلمح فتاة تلتفح السواد تقترب منها ، تصرخ طلباً للنجدة .
استقامت هنا على فراشها صارخة بصوت عالٍ ، نظرت حولها لتكتشف أنها كانت تحلم من جديد ، نفس الكابوس بنفس تفاصيله بالغامضة التي تظهر في نهايته .
انفتح باب غرفتها ليدلف منه رجلٌ في أوائل الستين من عمره ، ورغم كبر سنه تتصابى ملامحه لينافس ذوي الثلاثين وسامة .
توجه مهرولاً إلى صغيرته هنا ، جلس بمحاذاتها على الفراش فارتمت بأحضانه باكية بصمت .
ربت على شعرها وهمس بهدوء :
-هل هو نفس الكابوس ؟!
هزت رأسها إيجاباً وهي تكتم شهقاتها ، فتنهد الرجل متمتاً بعض آيات الذكر .
ظل محتضناً للصغيرة حتى استكانت وهدأت شهقاتها ، فابتعد ليريح رأسها على الوسادة وكفه مستمرا في الربت على رأس الصغيرة ، قبل جبينها فهمست من بين نومها باسمه ...
-عمي جمال !
- همم
-شكراً لكونك بجانبي لولاك ما صمدت يوماً بعد ماحدث .
ابتسم بحنو أبٍ بديل ، أبٌ حُرم الأبوة ليعوضها في ابنة أخيه اليتيمة ، تعهد كلاهما بتعويض نقص الآخر ، يعيشان في تناغم دور الأب وابنته ، فيمارس باحترافية دور الأب الحنون المهتم والمسئول ، وتستمتع هي بدور الابنة المطيعة الحيوية، كلاهما وجد في الآخر ملجأه ، فيبدعان دوماً .. لدرجة تنسيهما أحياناً حقيقة ما يعايشانه سوياً فليست هي بإبنته المتوفاه وليس هو بوالدها الراحل .
******
كعادتها السيدة آمال تسابق الشمس في البزوغ ، لتصلي فرضها حاضراً وتقرأ ورداً من كتاب الله وضعته لنفسها أملاً وطمعاً في رضا الله –عز وجل- انتهت من وردها وجلست على الأريكة في غرفة الاستقبال تنتظر عودة يحيى كعادته كل يومٍ بعد صلاة الفجر يجالسها خمسة عشر دقيقة ويصعد لجناح الزوجية خاصته يسترق ساعتين للنوم ويذهب بعدها لعمله ، وقع أقدام رقيق على درجات السلم لفت انتباه آمال ، طالعت مكان الصوت فوجدت ريم تهبط ناظرة لها بإبتسامة ، تحسست آمال بعض التوتر بها ، ولكنها أزاحت إحساسها وقابلت ريم بابتسامتها الحنون المعهودة .
وصلت ريم إلى آمال وانحنت تقبل رأسها وهمست برقة ....
-صباح الخير أمي .
ردت آمال بإبتسامة أدفأ....
-صباح النور يا حبيبتي ، لِمَ لمْ تخلدي للنوم؟! .
ابتلعت ريم ريقها وقالت بدبلوماسية متقنة ....
-أبداً يا أمي ، لم أستطع النوم فقررت البقاء معك ريثما يعود يحيى .
نظرت آمال بشكٍ وقالت بنوع من الخبرة ....
-لا أعرف لمَ لا أستطيع تصديقك وأشعر بقوة أن هنالك أمرًا آخر .
-بالفعل أمي ، هنالك أمرًا آخر .
قالها يحيى فور دخوله ، اقترب من والدته وانحنى يقبل جبينها وكفها ، وتمتمت هي بالدعاء له بالرزق الواسع والعمر المديد ولكن القلق والفضول تملكاها ، فما استطاعت الثبات أكثر وسألت بتلهف...
-لعله خيراً ما ستخبراني به .
جلس يحيى على المقعد بجوارها وأمسك بكلتا يديها ، وقال محاولاً زرع الهدوء في كلماته ..
-هاتفني جاسر ، أخبرني أنه لن يستطيع القدوم هذا الشهر أيضاً .
رجفة حزن سرت في عروق الأم المصدومة ، لا تدري أيهما شعورٍ يتملكها ، فقدٌ لوليدها البكر ، أم أسى على حاله التي تشابه حال والده بعد سفره ، لطالما كان جاسر الابن المثالي أكثر مثالية حتى من يحيى ، هو من أبحر بسفينتها بعد تخلي زوجها عنهم ، تولى دفة القيادة في البيت والشركة ، وأيضاً كان خير سندٍ لأمه وأخيه الذي شاركه نفس الرحم ، كان عوضاً جميلاً لما عاصرته من ألم الخذلان .. ولكن دوماً ما "تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن " .
توفى " كامل " في لندن وجاءهم مساعده بالخبر طالباً جاسر بالاسم ليتسلم جثمان والده ، تنهدت بأسى وهي تتذكر بكائها لجاسر تترجاه الذهاب لإحضار جسد والده وإصراره على الرفض ، تتحسر الآن لضغطها عليه ، ليتها لم تفعل فبمجرد أن ذهب لمدة أسبوع واحد ، وعاد بجسد أبيه .. عاد ولكنه لم يعد ، لم يكن هو ابنها ، كان شخصاً لا تعرفه جامداً مجرداً من كينونته ... غامضاً لأبعد حد .
ما إن انتهت مراسم الدفن والعزاء حتى أناب صاحبه لإدارة الشركة وهاجر كوالده ، ضارباً بدموع وآهات أمه ، وتساؤلات أخيه عرض الحائط ، لم يروِ ظمئها لرؤيته إلا بضع مراتٍ قصارٍ جداً لا تكفين لإطفاء حنينها الجارف .
طال صمت آمال بينما اغرورقت عيناها بالدموع ، اقتربت ريم منها وأخذت تهمس...
-لا تحزني أمي ، فنحن لا نعرف ما يجابهه هناك .
أخذت نفساً عميقاً وقالت ...
-بالفعل لا نعرف ، أنا واثقة بأن مايمنعه أمر جلل ، فأنا أعرف ابني جيداً لا يمنعه عني سوى أصعب الصعاب .
لم يستطع يحيى التحكم في غضبه فتهكم ساخراً ..
-أمي لقد نسيكِ أخي العزيز ،ألهته ملاهي دبي عن بر عائلته.. تركني وإياكِ دون تقديم عذر يُذكر ، كدت تموتين ولم تهتز له شعرة ... أي عذرٍ سيقدمه لذلك ! توقفي عن زرع الآمال الذائفة بقلبك واخرجي من أمومتك وستعرفين ما أقصده ...
قاطعته ريم بغضب ...
-يحيى ! توقف أنت تزيد الأمر سوءاً
ابتعلت آمال غصتها وقالت بثبات ...
- إن تحدثت عن أخيك هكذا مجدداً فسوف أقاطعك يحيى .
إلى هنا وكفى ، لم يستطع تمالك نفسه فصرخ بغضب يعميه... -أي أخٍ هذا ، لقد مات أخي منذ زمنٍ أنا وحيدُ تماماً ،يأتي كل عامٍ مرة وكأنه يتنازل لنا ويعود ركضاً لحياة المجون التي أدمنها كأبيه سابقاً ...
أ تعلمين شيئاً حتى إن عاد فلن أتقبله مجدداً فأنا أكر...
حُبست الحروف المتبقية في فمه نتيجة لصفعة تلاقاها على وجهه على غفلةٍ ، لم يكن يتوقعها ، بل لم تتوقعها صاحبتها في الأساس ، تحركت يدها رغماً عنها في إشارة بالرفض التام لكلماته .
شهقت ريم في صدمة واقتربت من زوجها تضع كفها على وجهه تتحسس أثر الصفعة ، بينما عين يحيى كانت مثبتة على والدته ، فقال بجمود ...
-شكراً أماه .
واستدار صاعداً لغرفته والغضب ينهشه نهشاً ، بدأت آمال في وصلة بكاء موجع فاقتربت ريم تهدهدها متمتمةً ببعض آيات القرآن الكريم .
و الذعر يتراقص في عقل آمال يبدو أن الغضب قد أكل يحيى لدرجة جعلته يبغض أخاه ، أغمضت عيناها مناجية الله .
*****
امسكت كوب النسكافيه تتنفس رائحته الذكية ، وغزة في الجانب الأيسر من جمجمتها أجبرتها على غلق العين اليسرى ، تأففت بألم أصبح الأمر بغيضاً ، لم تعد تتحمل هذا الصداع شبه المستمر ، لا تكد تستريح حتى يأتيها مباغتاً لينغص عليها لحظة تعايشها .
نظرت إلى ساعة يدها تأخر كعادته ، أعلن هاتفها عن وصول رسالة ، طالعتها بتجهم ... " شارفت على الوصول ، آسف حبيبتي "
أنهت مشروبها وثبتت أنظارها على باب المقهى الراقي ، ظهر عند المدخل فارتسمت ابتسامة على وجهها ، راقبت دخوله الرجولي الجذاب ، ثيابه مع ساعته ونظارته الشمسية التي تناسب جداً تصفيفة شعره وفوق كل هذا رائحة عطره الرجولية النفاذة ، وجهت أنظارها على الخاتم المُزين لبنصرها الأيسر ، وفكرت كم يشبهه خاتمها ، يشبهه هو أكثر بكثير مما يشبهها .
وصل إلى طاولتها وانحنى مبتسماً ليقبل جبينها وهمس...
-أعتذر عزيزتي ، أرهقني عمر في اجتماع اليوم .
أومأت متفهمة ...
-لا عليك ياسين أنا أحب المكان هنا جداً و أستمتع بالبقاء فيه .
جلس ياسين قبالتها ، خلع نظارته و أشار للنادل ليحضر طلبه المعتاد قهوة مظبوطة ، ثبت عيناه عليها وقال ...
-اشتقت إليكِ .
نصف ابتسامة رُسمت على وجهها مع حمرة الخجل ، وصمتها مستمر ، استرعى حزن عينيها انتباهه فتساءل عاقداً حاجبيه ...
- مابكِ هنا ؟!
لم يبدو عليك الحزن حبيبتي ؟!
تنهدت وهي تتذكر كابوسها المُزمن الذي يصيبها كوجع رأسها تماماً وقالت بأسى ...
-لا جديد كابوس كل يوم .
أمسك بكفها الممدود على الطاولة وقرب وجهه قائلاً ...
- أخبرتك بالحل مراراً يا هنا عليك زيارة طبيب نفسي ، ما عاصرته ليس سهلًا أبداً ، فجيعة فقد والدك ..والحادث الذي سبب ضياع الكثير من ذكرياتك .. ووفاة ابنة عمك ورفيقة دربك ... كل هذه الأشياء تُنهك الجبل وليس أنتِ فقط .
امتلأت عيناها بالدموع فشدد بكفه على يدها مكملًا ...
-لا أقصد إحزانك بكلامي ، جلّ ما أريده راحتك وسعادتك .. أتمنى معاصرة ابتسامة حقيقية ، من داخل قلبك .
وصل النادل ووضع فنجان القهوة قبالة ياسين وبجواره زجاجة الماء المعبأة ، دون أن يبدي أي اهتمام بنهنهات الآنسة الجالسة ، شكره ياسين بآلية وانصرف الشاب من بعدها ، ارتشف قليلاً من القهوة ثم عاد لهنا يحثها على الحديث ...
-لم الصمت الآن ! تحدثي .
تنهدت بيأسٍ وقالت ....
-فاتحت عمي في الموضوع وبدى عليه الاعتراض التام ، هو لا يحب الأطباء النفسيين ولا يثق بهم أبداً .
تجهم وجه ياسين على غرار ذكر عمها بالحديث وزفر قائلاً ...
-لا أريد إغضابك ولكني لا أثق بالسيد جمال مطلقاً .
ظهر الغضب على ملامحها وهي تتساءل ...
-ولم هذا؟!
عمي حنون جداً يرعاني ويخاف علي ، ويدير كل ممتلكاتي ويحافظ على ميراثي من الضياع ، هو آخر من تبقى لي ولولاه ما صمدت حتى أراك وأقابلك .
تنحنح ياسين ..
-أعتذر إن أغضبتك ولكني أشعر بأنه مدَّعٍ ، أشعر بأنه يخفي شيئاً خطيراً ، كما أنه يحاول دوماً إقصائي عن الصفقات الدولية ، حابساً إياي في المحلي ، وهذا يدفعني للفضول حقاً .
رفعت هنا حاجبها وقالت متنهدة ...
-أنت حانقٌ عليه لأجل هذا السبب لا غير ، هو لا يخفي شيئًا ، عمي يعاني من مشكلة عدم الثقة لا أكثر ، لم تصل بعد للمستوى المطلوب .
انزعج ياسين من كلامها فتحدث بأنفةٍ ...
-هنا! لم أُرد من البداية إدارة أي شيء في شركتك ، ولكني رضخت غصباً لرغبتك حرصاً على رضاكِ لا أكثر ولإنهاء سلسلة محاولاتك التي دامت عاماً كاملاً ، فلا أنا بطامع في ثقة عمك ولا بنقودك ، كل ما أريده هو أنتِ وفقط وإن كنتِ مجردة من هويتك , وأنت تعرفين هذا جيداً .
أنهى كلامه عابساً وأستند بظهره على المقعد ، في حين اقتربت هي ممسكة بكفه التي سحبها ....
-ياسين !
صدقني لم أقصد أياً من هذا ، أنت تعلم جيداً كيف أثق بك وأأتمنك على روحي بكل اطمئنان ... آسفة لما وصل لك .
أومأ ياسين متفهمًا وهمس مبتسماً ....
-لا عليك ، كل ما يشغلني الآن راحتك ، سأحدث أنا عمك وأقنعه بأمر الطبيب ، أنا أعرف لمن سنلجأ فكما تعلمين زوجة يحيى طبيبة نفسية ، وأنا أثق بيحيى فهو الأخ الوحيد لرفيق عمري الغائب .
أومأت موافقة ، فابتسم مجاملاً ومن داخله مازالت الشكوك تدور في عقله منذ أول يوم عملٍ له وهو لا يشعر بالراحة تجاه السيد جمال ، يراه خبيثاً يرتدي ثوباً ليس له ، ولكنه وبعد ردة فعل حبيبته هنا لا يستطيع مشاركتها مكنوناته ، هل يمكن أن تكون محقة ويكون سبب انزعاجه هو إقصاء جمال له في بعض أمور الشركة !
آثر الصمت لعل الأيام تكشف ما ليس بالحسبان .
*******
تتهادى بثوبها في أروقة المشفى ، سعيدة بالأنظار المنجذبة لها ، تطقطق بحذائها ذو الكعب الرفيع العالي ، تحمل زهوراً اكتسبت جمالاً من ملامحها الأنثوية الفجة و التي عملت باحترافية على إبرازها بمساحيق التجميل المختلفة ، وصلت إلى باب الجناح وقبل أن تدخل أخرجت زجاجة العطر وبدأت بإغراق نفسها به ، جاذبة الأنوف من على بعد أميال ، دقت الباب ودخلت بثقة تغزل ابتسامة كالمصيدة تتصيد قلوب الرجال.
عرفها دون أن يدير رأسه ناحية الباب ، بات يحفظ طريقة طرقها للباب بسمفونية غريبة ، وأيضاً عطرها الفاضح الذي يسبب له الحساسية في كثير من الأحيان .
اقتربت من فراشه و استدارت لتواجه وجهه المتجاهل لها ، وانحنت بميوعة عليه تقبل جبينه ، طالعها بعين ذكرٍ راغبٍ وشرع في مشاكستها بآلية واضحة ولكنها كانت من الغباء أو التلهف لإهتمامه فلم تلاحظ ...
-تبدين شديدة الإثارة في هذا الثوب .
ضغطت الفتاة على شفتيها بسعادة بالغة وكادت تسأله هل حقاً يعني ذلك أم أنه مجرد إطراء إلا أنه باغتها بسؤاله ...
-هل أحضرتِ ما طلبته منك ؟! .
أومأت مُخرجة حاسبه المحمول قائلة ...
-هاهو حاسبك ، وهذه الحقيبة تحوي بعضاً من ملابسك .. عضت على شفتها مقتربة وأردفت ...
-كل ما تريده تجده ياسيد سالم .
قرب شفاهه منها وهو يتساءل مراوغاً ..
-ماذا و إن كنت ما أريده يا إيمّا ؟!
تنهدت إيمّا بحرارة وهي تلصق شفاهها به ..
-كلي لك يا سالم ولكنك تعاند .
وانقضت على شفاهه تقبلها بجوعٍ ورغبةٍ كاملين ، إلا أنه أبعد وجهه عنها وقال ببرودٍ شديد ...
-لأنك لستِ من أريدها يا عزيزتي .. وتحولت ملامحه للجامدة وهو يكمل ...
-واعلمي جيداً كل ما يربطني بك أنك ابنة زوجة أبي وملكيتك لبعض أسهم شركته البائسة .
ابتعدت ساخطة وأولته ظهرها بغضبٍ ظهر في إحمرار بشرة قدمها شديدة البياض ، ثم استدارت وصرخت به ...
- مهما ادعيت يا سالم فأنا أعلم جيداً أنك من صميم قلبك تبتغيني ولكنك ترفض الاعتراف بهذا ، وصدقني لن أيأس حتى أحصل عليك .
لم تتغير جمودة ملامحه ، فاشتعل غيظها أكثر و أخذت تدبدب في الأرض خارجة من الغرفة ولكنها اصطدمت بسايتو عند الباب وسألها بفضول ...
-ما الخطب ؟!
استدارت برأسها لتطالع عينا سالم الباردتان وهي تجيب ..
-لاشيء ، لاشيء أبداً .
قالتها ورحلت بخطوات مغوية كعادتها سارقة أنظار سايتو وقلبه ولكن دون أي علمٍ أو مجهودٍ يُذكر .
تنهد سايتو واستدار يواجه نظرات سالم المتفحصة ، فتوجه له هارباً بعيناه .
-حادثني جاك اليوم .
قالها سايتو ليهرب من سجن سالم ، ولكن جملته لم تُفلح في جذب انتباه سالم الخبير ، فأكمل سايتو متنهداً بفشلٍ ....
-يعطونك مهلة ، شهرٌ واحدٌ فقط لاغير .
وهذه أيضاً لم تستطع تغيير ملامحه الجامدة ، فلم يجد سايتو مفراً من الإكمال ...
-وإلا ستدفع إيمّا الثمن
بالطبع هو يهتم لأمرها حتى وإن لم يحمل لها ما تحمله هي من مشاعر .. هي إحدى آمانات والده التي تركها له .. حملٌ زائد على عاتقه ...كما أنه يكره أن يؤذى الناس بسببه.. فسأل وبعض الغضب تمكن من حروفه ....
-منذ متى يهدد جاك بالنساء ؟!
هل باع مبادئه الذي صرعني بحديثه عنها مراراً ؟! كما أنه يعلم جيداً أني لا أهتم بتاتاً لأمرها وكل ما يجمعني بها هو الشراكة لا أكثر .
زفر سايتو ..
- أعتقد أنه قد ضاق ذرعاً منك ، وتوصل بأن مساومتك على حياتك لا تفلح ، فلجأ لآخرين لا ذنب لهم إلا وجودك بحياتهم.
زفر سالم غاضباً وأومأ لسايتو متفهماً وعاد لإسناد ظهره متمتماً ....
-لنرى ما القادم بعد هذا الشهر يا سيد جاك
******
يومٌ تملأه الأحداث كسابقه الكثير من الفحوصات ، الكثير من الحركة والكثير الكثير من التذمر يسيطر عليها ، كان يحيى جامداً في تعامله معها لاحظت هذا من قلة حديثه بل من ندرته ، من جديد كان يتفحصها ، ويوجه ضوء الكشاف لعينها ، كم تكره هذه الحركة ، فأبعدت وجهها إشارة للرفض .
تجهم هو وقال بعنف ...
-توقفي عن الحركة ، أنا لا أمازحك هنا .
-لا تصرخ بوجه نور هكذا .
جاء صوت آمال من خلفه ف استدار يطالعها باستغراب ونطق بعملية ...
- أنا أدرى الناس بعملي يا سيدتي .
واستدار ليكمل الفحص وكانت المفاجأة ، زوجُ من الأعين الزرقاء يطالعه بغضبٍ ، رفع حاجبيه مندهشاً ، إنهما مفتوحتان .. عيناها ، يالحظه الشديد ..
خرج من دهشته بسؤال عفوي
-هل يمكنك رؤيتي ؟!
تحولت نظراتها لاستهجان واضح ، فتنحنح يحيى مردفاً ...
-يبدو أنه يمكنك رؤيتي فعلاً .
ظهر من خلفه وجه بشوش ملئًا بالحب والحنان ، لا تدري لم أحبته؟ولكن الحنو الذي يفيض منه هو السبب بالتأكيد .
اتسعت الابتسامة على وجه آمال وهي تطالع عينا نورها وقالت بفرحة ...
-نور !
وأخيراً مننتي على الدنيا بطلتك .
ويالفرحة نور بعد سماع الصوت إنها آمال ..
أحبت طلتها كما عشقت صوتها تماماً ، كيف لا وقد خُلقت هذه المرأة لتُحب.
ابتسمت نور بشدة ورفعت يدها تطالب آمال بالاقتراب في بادرة جديدة هي الثانية بعد انفتاح عيناها ها هي تحرك يدها الهزيلة .
استجابت لها آمال مقتربة وهمست ...
-تعرفتي علي أليس كذلك ؟!
أومأت نور بابتسامة وفرحٍ بالغين ، أخيراً ترى وجه المرأة الذي طالما تخيلته في الأيام السابقة ، لم يكن بعيداً عماتخيلته ، قبلتها آمال على جبينها ، بينما يحيى مذهول من استجابة الفتاة لوالدته ،كيف خُلق هذا الرابط بينهما .. بل كيف استفاقت الفتاة بهذه الطريقة الجامحة ؟!
انسحب بهدوء ليستدعي ريم لتجيب تساؤلاته و تستشف شيئاً يساعدها في علاج المريضة .

-بالطبع إحساس الحب والأمان يمثلان دافعاً قوياً لها كي تُشفى .
قالتها ريم بهدوء بعد أن قص عليها يحيى ما حدث ، فأومأ يحثها على الإكمال ، فتابعت ...
-ما عانته الحالة أمراً فظيعاً ، كيف لفتاة في العشرين من عمرها تُعذب بهذا الشكل ، تُطعن بهذه الوحشية وتلقى في المياه ، وكأنهم يتأكدون من عدم نجاتها ، ولكن يالسخرية القدر فقد نجت من كل هذا رغم أنفهم .
أخذت رشفة من فنجان القهوة أمامها وأردفت ...
-أنا قلقة بقدر تحمسي .
تساءل يحيى ..
-ولم القلق ؟!
تنحنحت ريم وأجابت..
-بالطبع ما حدث له أثر نفسي كبير عليها وما يقلقني أن يكون الأثر سلبي فتنغلق على نفسها رافضة لوجود الجميع .
نهض يحيى مشجعاً لإنعاش حماسها ...
-لا تتوقعي أسوأ ما يمكن بل توقعي الأفضل ، كما أني متأكد وواثق من قدراتك في كلتا الحالتين .
*******
وجدت كلاً من آمال ونور وسيلتهما للتواصل ، تطرح آمال الأسئلة وتجيب نور بالإيماء لا أكثر ، شعرت آمال بأنها أثقلت على المريضة ، فاستأذنت منها واعدةً بالعودة في وقت لاحق .
خرجت آمال من الغرفة لتجد كلاً من يحيى و ريم قادمين باتجاهها ، تقدمت ريم واحتضنتها في حين بقى يحيى على صلابة تعبيرات وجهه ولكن نظرات ريم له حثته على التحدث ، فقال مقتضباً....
-لم أتيتِ أمي ؟!
أنتِ مريضة ولا يجب عليك إجهاد نفسك .
وضعت يدها على كتفه وهمست...
- جئت لأسترضي صغيري ،
وأخرجت من الحقيبة قطعة حلوى صغيرة تمدها له ، ابتسم يحيى بطفولية خاطفاً قطعة الحلوى وقال وهو يفك عنها الغلاف ...
-اصفعيني يومياً إن كان المقابل الحلوى .
ضحكت ريم لطفولة زوجها وغصباً ارتفع صوتها فحدجها يحيى بنظرة مؤنبة .
أكلت ريم باقي ضحكتها ...
-كيف يمكنك التحول هكذا ؟!
أجاب يحيى مازحاً ...
-قدرات خاصة عزيزتي .
ارتفع صوت رنين هاتفه ، أجاب على هاتفه مبتعداً عن السيدتين .
بينما استأذنت آمال ريم بالذهاب للحاق بموعدها في دار الأيتام ، أشارت ليحيى بيدها مودعة فرد لها بمماثلة وهو يتحدث عبر الهاتف ...بضع القائق وعاد من جديد ،نظر لريم وقال ...
-ستأتيك مريضة بعد ساعة على الأقل " هنا العادلي " ، هاتفني ياسين الآن وأخبرني أنهم بحاجة ماسة إلى تدخل طبيب نفسي .
أومأت بتفهم وقالت بحماسة...
-حالتان في آن واحد ، كم أحب هذا .

قراءة ممتعة
🌸


نورا أبويوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-20, 10:48 PM   #5

هبة طه

? العضوٌ??? » 458178
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 63
?  نُقآطِيْ » هبة طه is on a distinguished road
افتراضي

جمييله بس انا تهت ليه جاسر استقر خارج البلاد اكيد في حاجه قويه منعاه. مين سالم وايه حكايته. متهيالي ان هنا ونور ممكن يكونو ولاد عم. ومعقول تكون بنت جمال بس ليه لقوها في الميه

هبة طه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-10-20, 09:51 PM   #6

um soso

مشرفة وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومراسلة خاصة بأدب وأدباء في المنتدى الأدبي

alkap ~
 
الصورة الرمزية um soso

? العضوٌ??? » 90020
?  التسِجيلٌ » May 2009
? مشَارَ?اتْي » 33,769
?  مُ?إني » العراق
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » um soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الخيرات

بدايه موفقه

غموض لانعلم من هي النائمه وما سرها وسر الطعنات
وماذا هي حالة سالم الراقد في المشفى ومساعده الاجنبي ومن اطلق النار عليه ؟

يحيى وخجله من اسم ريم

هو ابن امال الذي تزوج يحيى او ابن ثاني

دائما بعد الفصل الاول التعليق اسئله كثيره هههههه

لي عوده بعد قراءة الفصل الثاني
بالتوفيق




um soso غير متواجد حالياً  
التوقيع
روايتي الاولى وبياض ثوبك يشهدُ

https://www.rewity.com/forum/t406572.html#post13143524

روايتي الثانيه والروح اذا جرحت
https://www.rewity.com/forum/t450008.html





رد مع اقتباس
قديم 07-10-20, 11:04 PM   #7

نورا أبويوسف

? العضوٌ??? » 461260
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 99
?  نُقآطِيْ » نورا أبويوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثالث

" بعض الأشخاص خُلقوا بلسماً ليداووا جروح الآخرين ، نبتسم لمجرد مرورهم في بالنا ، نفرح لوجودهم ونشتاق عند غيابهم ... يمثلون لنا حياة لحياتنا ، فلا نرجو شيئاً سوى بقائهم ليزينوا الأيام القادمة كما فعلوا بسابقاتها "

استقلت سيارة الأجرة وهي تفكر بالقادم ، الكثير والكثير تخشاه ولكن أكثر ما تخشاه الآن أن تسوء أحوال الدار ، ستموت إن أُغلقت تم استدعائها لعقد اجتماع طارئ في دار الأيتام التي ساهمت بإنشائها منذ سنوات ، باباً اتخذته لتتقرب إلى الله ، ليكون لها شفيعاً عند السؤال ، تحب ابتسامات الصغار من حولها فرحاً بهداياها لهم ، صوت ضحكاتهم يتغلب عن صدى الحزن بداخلها ..أصبحوا ملجأً لها من تعب الحياة ومآسيها وهذا ما جعلها منجذبة لنور ، رأتها مثلهم دون أحدٍ يساندها فأرادت ان تكن هي السند ويبدو أنها في طريق النجاح .
نجاحُ من ناحية ومن الأخرى يلوح فشلها في الأفق ، تعاني الدار من قلة في السيولة ، لا تبرعات لا إمكانيات من كل النواحي ، أبداً لن تتقبل فكرة ترك الأطفال هكذا ، عليها إيجاد حلٍ ما وبسرعة .
توقفت السيارة أمام مقر الدار ،فهبطت منها داعية الله بأن يُلهمها حلاً من عنده .
اندفع الأطفال باتجاهها بمجرد أن وقعت أعينهم عليها وهي تقابلهم بفرحةٍ وحبٍ صادقين
*******
كالعادة - في حياته الرتيبة المملة وليس هذا فقط بل أيضاً المُرهقة والمُتعبة – ارتمى على المقعد الوثير في غرفة مكتبه بعد انتهائه من المرور اليومي على موظفي الشركة ، يُقسم أنها لو كانت الشركة ملكاً له لما اهتم بها لهذه الدرجة ، ولكن كونها أمانة وقد أُلقت على عاتقه يجعله يبذل كل مايملكه من طاقة وكون صاحب الأمانة هو صاحب عمره ، يجعله لا يبخل بأي جهدٍ حتى وإن كان ضئيل .
يخاف من احتمال وقوع أي خطأ،
يخاف أن يخذل صاحبه وعائلته ، لهذا أصبح العمل منهكاً لطاقته .
هو يحب العمل ،
ولا ينكر أنه مذ تعين في هذه الشركة هو وجاسر سوياً ، أراد بشدة الوصول للإدارة ، لم يقلل كون جاسر إبن السيد كمال صاحب الشركة حلمه بالوصول بل صنع له تحدياً ، وخاصةً وأن السيد كمال كان مهتم فقط بالكفاءة ، اعتلت المنافسة بينه وبين جاسر أيام عمله ، ولكن جاسر كان نداً صعباً دائماً ما سبقه بخطوة ، وعلى الرغم من هذا لم يضعف رغبته في إدارة الشركة ، ولسخرية القدر !
هاهو يجلس حانقاً من كثرة العمل بينما صاحبه هجر ساحة المنافسة ، بل هجر البلد كاملة
مد يده يفتح الملف أمامه ، إنها آخر مناقصاته التي نالها ، تطلب الأمر عقد شراكة مع شركة العادلي أجل ولكن الأمر يستحق ، كما أن ياسين صديقه أيضاً فلن يجد صعوبة في التعامل وسيكون كل شيءٍ سلس .
ضغط زر الاستدعاء لتدخل فتاة عشرينية ممشوقة القوام في زي كلاسيكي مناسب لحجمها ، اقتربت بهدوء صانعة بكعب حذائها الرفيع المدبب سيمفونية دقيقة، وقالت بصوت رسمي
....
أجل ! أستاذ عمر
لم يكلف نفسه عناء رفع عينيه عن الورق وقال ..
-فنجاني قهوة إذا سمحتِ
خرجت الفتاة وبآلية أخبرتهم أن يجهزوا قهوته ، واستأنفت ما كانت تفعله ، رغم جمال ملامحها إلا أن السواد الذي سكن أسفل عيونها كان أكثر ما يجذب الناظر لها ، رغم مساحيق التجميل التي تستخدمها لمداراة علامات الإرهاق على وجهها إلا أنها صارخة وكأن الزينة تزيد من ظهورها للعيان ،
جاء العامل بالقهوة وأومأ مبتسماً لها ...
-صباح الورد لورد
بادلته الابتسامة بودٍ ..
-صباح الخير ، عمي سلطان
بالطبع تغيرت ملامحه للحيرة وعلمت هي السبب فتأففت متمنية لو أنه لا يسألها عن أي شيء .
وكأن الرجل قرأ ما في خلدها فتوجه لباب المكتب دقه ودخل مقدماً القهوة لسيده الغارق في أوراقه وملفاته .
فنجاني قهوة ! لم إثنين وهو بمفرده ؟!
لكن لم يكن صعب عليه معرفة السبب فهذه عادته في الأيام المزدحمة بالعمل ...
خرج عم سلطان وهو يفكر بأن هذا الشاب سيقتل نفسه لا محالة وأغلق من خلفه الباب ، ونظر لورد قائلاً
....
-كم تشبهينه يا ورد !
رفعت رأسها عن الأوراق أمامها وسألت مستفهمة
...
-ماذا ؟!!
هز الرجل رأسه قائلاً ...
-لا شيء يا آنستي
لم تشغل بالاً بكلام العجوز وعادت إلى عملها ، عله يقتل أو حتى يخفف ذاك الحزن بداخلها .
*******
وصلت إلى المستشفى ، خطوة إلى الأمام وأخرى للخلف، تلعن انصياعها لرأي ياسين ، تعاني من الكوابيس فتزور طبيباً نفسياً ..لم !
الأمر لا يستحق حتى
اهتز هاتفها معلناً وصول رسالة ، فتحت الهاتف لتقرأها
"كفاكِ تردداً واذهبي ، استمتاعك بنومٍ هنئٍ يستحق فلا تعاندي "
تلفتت حولها بحيرة ولكنها لم تجد من تبحث عنه ، فابتسمت متقدمة للاستقبال ، نزعت نظارتها الشمسية وبهدوء سألت ...
-أين أجد الدكتورة ريم عادل من فضلِك ؟!
ابتسمت الفتاة محيية وأعطتها موقع الطبيبة
تحركت هنا تبعاً لإرشادات الفتاة ، وهي تخمن كيف ستكون جلستها ،هل ستكون كما صورتها الأفلام في صورة كلاسيكية ، تستلقي على ظهرها على المقعد المريح وريم تجاورها ممسكة بقلمٍ بيدها ودفتر صغير تدون به الملاحظات ، أو ستكون جلسة ودية ، تتحدثان فيها بأريحية وكأنهما صديقتين ؟!
وصلت لمبتغاها ، دقت الباب وصوت رجولي يعطيها إذن الدخول .
للحظات تسمرت قدماها ، رفعت عيناها تطالع اللافتة على الباب تأكدت منها الدكتورة ريم عادل ، إذًا ماذا !
فتحت الباب ودلفت راسمة ابتسامة دبلوماسية على وجهها
نهض يحيى من مقعده واستأذن للانصراف..
-حسناً ! سأذهب أنا لاصطحاب أمي للمنزل ، ريثما تُنهين عملك .
أومأت ريم مبتسمة ونهضت تتساءل ..
-الآنسة هنا ؟!
أومأت هنا وبعض الخوف يعتريها ...
-أجل
مدت ريم يدها مصافحة ومرحبة بحرارة أكثر وهي تتعهد بداخلها بأنه لا حاجة لذاك الخوف على محياكِ يا هنا .
********
-هلَّا دعوت عمر على العشاء الليلة ؟!
رفع حاجبه الأيسر ونظر لوالدته مستفهماً ...
-ولم؟!
أجابت بجدية ...
- سأحتاج منه بعض التبرعات للدار .
لاحظ الحزن بادياً على وجه أمه فقال ...
-وماذا في ذلك ؟! الشركة شركتنا والمال مالنا ، لم إذًا هذا الحزن .
هربت بنظرها للنافذة بجوارها وهمست بألمٍ ...
-كنت قد أقسمت لوالدك بأني لن أستهلك أياً من أمواله إذا هجرنا ولأخيك من بعده .
بعض علامات الغضب قفزت إلى وجه يحيى ولكنه سيطر عليها ...
-اسمعي يا أمي من بعد وفاة أبي وأصبحت الشركة ملك لثلاثة أشخاص ، أنا وانتِ منهم .
ظلت على صمتها فأردف ...
-كما أنك لا تستخدمينه لنفسك إنه لصغارٍ بحاجة إليه .
أومأت في هدوء دون تعقيبٍ أو تعليق ،فوجهة نظر يحيى تحمل في طياتها الصواب .
*******
أنهت جلستها الأولى شاعرةً ب... ، في الحقيقة هي غير شاعرة بأي شيء بتاتاً ، ولكن تولد انطباعاً بداخلها تجاه طبيبتها .. ذكية رغم حداثة عهدها بالمهنة إلا أنها ذكية ، واثقة ومُلمة بكل شيء تقريباً .
هاهو من جديد بعض الخوف ينهشها ، مايزعجها ليس شعور الخوف نفسه ، ولكن جهلها لأسبابه ، تماماً كجهلها بالمرأة في الكابوس .
وأيضاً كجهلها بكثيرٍ من أحداث حياتها ،
هل يمكن أن يكون سبب خوفها هو المعرفة ، أن يكون السبب هو الوصول للأسباب .
هزت رأسها متنهدة باستهزاء ،جلسة واحدة مع طبيبتها النفسية حولتها لفيلسوفة مفكرة .
ابتسمت لتفكيرها فالطبع دوماً يفوز ، طبع المصريين جميعاً ، يتكيفون مع ما يعايشونه ، يطلقون العنان لخيالهم ويبدأون في رحلة لا نهاية لها في "الفتي "
غريبة هذه الذاكرة ، فإن كانت فقدتها إذن كيف تعرف بأنها مصرية ، ألا يمكن أن تكون ذات جنسية غربية مثلاً ، ووقع حادثها مُصادفة في مصر !!
زادت ضحكاتها قليلاً وهي توازن أفكارها الغريبة.
انتبهت لتوقف السيارة في مكان غير المنزل ، فسألت السائق بخوفٍ ....
-لم توقفت !؟
أجاب السائق بهدوء وتكلف ...
-أمرني السيد جمال بإحضارك إلى هنا .
جالت بعينها في المكان لتجد أنه قد توقف بها أمام أحد المطاعم الفخمة ، لاحظت أيضاً وقوف عمها عند المدخل ، ابتسمت مطمئنة وهبطت من السيارة متوجهة إليه .
قابلها بابتسامة وثنى ذراعه لتتعلق به قائلاً ...
-علمت من السائق أنك لم تتناولي غذاءك بعد ، وللصدفة لم أتناوله أيضاً ، فقررت دعوتك .
قال جملته غامزاً لها ، فضحكت مسرورة ، وتوجهت بصحبته إلى طاولتهما.
******
استأذن عمر للذهاب واعداً السيدة آمال بزيارة أخرى ولكن في الدار ، اصطحبه يحيى للخارج مودعاً إياه ، وصلا إلى سيارة عمر ، فتوقف معتدلاً وسأل بقلقٍ بالغ ...
-هل السيدة آمال بخير ؟ لا أقصد التطفل ولكن كما تعلم فأنا اعتبرها أماً لي منذ الجامعة
أومأ يحيى بتفهمٍ ...
-تقاريرها تُشير بأنها بخير لا تقلق .
عقد حاجبيه متشككاً ..
-إن كانت بخير ، لم يبدو عليها إذًا التعب والإرهاق؟!
تنهد يحيى وقال شارحاً :
-إنه الإنهاك النفسي يا عزيزي ، أقل حزن يؤثر عليها .
مد عمر شفتيه وهو يتساءل ...
-جاسر؟!
تأفف يحيى ...
-ومن غيره !
ربت عمر على كتفه مواسياً فهذا كل مايستطيعه ، ابتسم يحيى مجاملاً .
ركب عمر سيارته وانطلق عائداً لبيته ، بينما عاد يحيى إلى الداخل.
وجد أمه الغالية تجلس على المقعد ممسكة ببعض الأوراق في يدها ، خمن أنها تخص الدار ، على ما يبدو أنها تدرس كيف تستغل المال الذي سيوفره لها عمر ، لاحظ أن الضيق الذي لازمها منذ أول اليوم لم يذهب ، أوجعه ذلك .. وكم يوجعه عجزه أمام ضيق والدته !
حك رأسه بكفه عدة مرات متتالية لينعش عقله ، هذه طريقته في التفكير ، أجل حك الرأس !
وماذا في ذلك ؟! إن كان الأمر يجدي نفعاً في كل مرة فهو إذًا جيد ، يعترف أنها طريقة مضحكة وقد تكون غير مناسبة في بعض المواقف ولكن وإن يكن ..جميعنا أُغرمنا ب "جيمي نيوترون " وقد كانت طريقته أكثر إضحاكاً .
أضاء مصباح عقله منبهاً لوجود الفكرة ، فهز رأسه ضاحكاً ... انطلق إلى المطبخ ، لطالما كان الشاي بالحليب هو مشروب أمه المفضل وللأسف لطالما كان سيء جداً في إعداده .
ولكنه لن ييأس ، كيف لإعداد الشاي بالحليب أن يكون صعباً .
دخل المطبخ فوجد ريم ترتب بعض الأطباق بعد أن نظفتها وتعدل من ترتيب بعض أثاث المطبخ .
رفع حاجبه مستغرباً ...
-أين سلمى ؟! لم لا تساعدك ؟!
استدارت ريم وأجابت ...
-أرسلتها للنوم ، لديها اختبار مهم في الغد ويجب أن تنام جيداً .
عادت لاستكمال ما بيدها وسألت ...
-لم أتيت في الأساس ؟!
لمعت عينه مكراً واقترب منها ، حاوط خصرها بكفيه ومال على عنقها مقرباً أنفه منها وهمس بالقرب من أذنها ...
-جئت لأتنفس !
وبحركة مباغتة أخذ يدغدغها ، فأسقطت ما بيدها صارخة .
-تأدب يحيى .
رفع حاجبه متحدياً ..
-وإن لم أفعل ؟! هل ستمنعين عني المصروف ماما ؟!
عقدت ذراعيها على صدرها وقالت بتحدٍ ..
-بل سأذهب لأنام مع الماما .
-يا عمري! أنا عريس الهنا فعلاً !
أنا لم أتي لهنا من أجلك .
قالها بطريقة مسرحية طفولية ، فاقتربت ريم منه تداعب خداه بيدها ..
-ولم أتيت إذًا إن لم يكن لأجلي ؟!
أبعد وجهه بحزنٍ مُفتعل وقال ..
-جئت لأحضر كوب شاي بالحليب لأمي لأ.....
ابتلع باقي كلامه لشدة ضحك ريم ، والتي مال جزعها من كثرة الضحك وقالت وهي تغالب الضحك...
-أنت ؟! ...
أنت ستصنع مشروباً لأمك ؟! ..
غضب طفولي بدى على وجهه وابتعد عنها باحثاً عن الشاي والحليب وهو يهمهم غضباً..
-جميعكم أشرار ، تودون كبح قدراتي وإطفاء نجمي ، ولكني باقٍ رغم أنف الحاقدين ، رغم أنفك يا ربم
قال جملته الأخيرة بصوت تمثيليٍ عالٍ ، فأخذت ريم تصفق له وتصفر ...
-رائع يا عزيزي .. لم لم تلتحق بمعهد التمثيل ؟!
أنت حقاً تمتلك مقومات الممثل الجيد .
نفخ صدره وقال بغرورٍ ..
-أرسل لي ليونردو ديكابريو رسالة يترجاني بألا أُقدم على ذلك لكي أعطيه فرصة ولا أسرق منه الأضواء ..
اقترب غامزاً وأكمل هامساً ..
-ولا السيدات أيضاً .
ضربته بقبضتها على صدره وقالت ..
-لطالما أفحمتني بأخلاقك .
أحتضنها هامساً ..
-لم لا تردي الجميل إذًا ؟!
قالت وهي تحاول أن تفلت منه ..
-أي جميل هذا ؟!
قال بدرامية ..
-أُفحمك بأخلاقي ، فتصنعين المشروب لأمي بدلاً مني.
ونظر لأعلى مكملاً بتأثر بالغ ..
-لأني أعترف أخيراً بعجزي المطبخي .
أنزل رأسه بحزنٍ مُدعى .
راقبت ملامحه بتأنٍ واضح ، ياااه كم هو وسيم !
وكم تحبه هي ! ..
اقتربت من أذنه وهمست ...
-أُحبك كما لو لم يحب أحدٌ أحداً من قبل .
وطبعت قبلة رقيقة على خده ، وسرعان ما ابتعدت عنه لتحضير كوب الشاي بالحليب .
-سأحضر لنا جميعاً ، لنتسامر قليلاً ونحاول إخراج والدتك من حالة الحزن التي حُبست فيها .
لم تلقى جواباً فاستدارت تستشف السبب ، فوجدته واقفاً كما هو مطأطئ الرأس مغلق العينين لا يصدر أي حركة ..
اقتربت بهدوء تناديه ..
-يحيى !
رفع رأسه وبعينين تلمعان حباً ..
-عيونه ... آسف فقدت التركيز من بعد كلمة "من قبل" ، ماذا كنتِ تقولين ؟!
ابتسمت وحمرة الخجل تزين خداها وأعادت بهدوء كلامها .
بمجرد ذكر حزن وضيق أمه ، تلاشت الفقاعة الوردية التي كانت تحاوطه ، وبدا عليه الحزن وقال بتأثرٍ هذه المرة حقيقي أكثر من الحقيقة نفسها ...
-أنا خائف يا ريم ، خائف جداً ... قلبها أصبح ضعيفاً لن يتحمل كل هذا الحزن ، وأنا أضعف من قلبها فلن أتحمل آهتها .. أموت ياريم لو أُصيبت بمكروه .
هي لا تستحق ذلك ، لطالما كانت تستحق الأفضل ، زوجاً أفضل وابناً أفضل من أولئك الذين طعنوها خذلاناً ، وحتى أنا بكل ما أعرفه من تعبها ومعاناتها أثور عليها ، أنفس عن غضبي فيها ، رامياً كل آلامي من على كتفي الفتيّ .. إلى كتفها الهرم الذي انحنى من هموم الزمن .
أنا مثلهم خذلتها ، لم أكن ابناً يستحق أمومتها .. بل كنت أرى أمومتها ضعفاً .. حتى حنانها رأيته ضعفاً .
أنا مثلهم بل أسوأ .
اغرورقت عيناه بالدموع فاقتربت ريم تحتضنه ، تطمئنه وتهدهده كالرضيع الصغير ، وهو ارتمى بكل ثقله عليها .. يخلع عباءة قوته الخارجية ، ليظهر ندوب ضعفه وندمه ... ليظهر جبنه وخوفه من القادم من المجهول ... ليظهر رجاءه لله حاكم الأقدار ومسويها ، لعله يربت على قلب أمٍ زاد الحزن على قلبها ألماً .
*****
الظلام ! ...
هو عالمُ لكثير منا ، هو الملجأ للهروب من الواقع ، راحة كبيرة لخائفي النور ..
ساتر عن راهبي الحقيقة ، لربما هذه هي ميزته، يمنعنا عن الرؤية فنرسم الشخص أمامنا كما نتخيله ، كاملاً بلا عيوب ، لكن ماذا إن كان ذاك الشخص الذي نخاف رؤيته هو نحن ، نخشى أن نرى علامات الضعف المرسومة بهندسية فائقة الدقة ، لتمثل لنا كل ألمٍ عايشناه وكل أملٍ فقدناه ... تظهر كل قرارٍ أُجبرنا عليه ، كل موقفٍ عايشناه آخذاً منا جزءاً من روحنا وترك خلفه فراغاً مظلماً لا نعرف ما بداخله .
الظلام كئيب بالطبع ولكنه مريح ... يحمينا من القلق على مظهرنا ، يحبسنا في دائرة التفكير ، يُعطينا تلك الفرصة لقول الحقيقة أخيراً ، لن نقلق من ردود أفعال البعض لأننا وببساطة لن نراها ... لن نتكلف عناء البحث عن المفردات اللبقة والمجاملة ، أخيراً سنتعرى من النفاق والشكليات ونتحدث بمصداقية بحته .
أليس هذا مربكاً ؟!
كيف لشيء واحد كالظلام أن يفعل أمرين يمكن أن نقول عنهم أنهم متضادين ؟!
أجل بالفعل إنه مربك ولكن هنا بيت القصيد .. هنا ميزة الظلام الوحيدة ، يستر عيوبنا ويُعري روحنا .. نتعامل معه بالمنطق لا بالمشاعر والمظاهر .. نهتم بالمضمون بعيداً عن الحشو والأسلوب المتملق المقرف .
هو لا يحب الظلام بل يدمنه ، هو لا يعيشه بل يتعايشه ، حتى أصبح نوره مظلم دوماً ، ولكن ظلامه مُصطنع ..
استخدم ظلامه ليخفي أسراره التي لا يعلمها غيره ، وأيضاً ليتلبس ثوباً جديداً لم يحبه يوماً بل تعايش معه لا أكثر .
أضاء هاتفه الصامت على الدوام مُنبهاً عن وجود رسالة .. أمسك بالهاتف إنه عمر صديقه
" كنت بمنزلك اليوم ، والدتك لا تبدو بخير إطلاقاً .. حاول أن تعود "
أغلق الهاتف متنهداً بألمٍ ، كم هي قاسية الحياة عليه !
بعض العبرات تكونت على عينه، ولكن سرعان ما مسحها متجاهلاً حزنه وخوفه وعاد إلى حاسبه يُنهي بعض الأعمال العالقة .
*****
النوم يجافيها والظلام محيط بها ، لا يكسره إلا ذاك المصباح أعلى فراشها ، ظلت سلوى تقرأ لها ،فادعت النوم رفقاً بممرضتها لتذهب وتنل قسطاً من الراحة ، يُرهقها كونها لا أحد .. لا تملك أحد لا شيء سوى ظلها والذي تخلى عنها متخفياً في الظلام .
مسحت دمعة تكونت على رموشها وتنهدت بأملٍ ..
أمل! أي أملٍ ذاك وقد مكثت ثلاث سنوات في المشفى ولم تتمكن الشرطة من التوصل لأي قريب لها ،
روحها مظلمة وهي تكره الظلام وأيضاً تخافه للحد الذي لا تعلم نهايته .
ولكن حتى في هذا أمل ، أخبرتها سلوى أنهم حينما وجدوها ظنوها ميتة ولكن للمفاجأة كانت على قيد الحياة ، أخبرتها أنه قد مرت ليالٍ كثيرة ظنوا أنها قد تكون الأخيرة ولكن ها هي حية بعد هذه الليالي القاسية .
لربما تحتاج ثلاث سنوات أخرى لتصل لشخصٍ يتعرف عليها ويخبرها ذاك السر المتعلق بماضيها المجهول ، هي حتى لا يمكنها التخمين لأنها لازالت لا تعلم كيف كانت مصابة أو كيف وجدوها .
لكن يسهل التنبؤ بكونها يتيمة مثلاً ،لأنه لو كان لها والدان فأين هما مما حدث لها ؟!
يا الله هذا يقودها إلى جانب سيء من التفكير ، هل هي متورطة في أمورٍ غير قانونية أو غير أخلاقية مثلاً ؟!
هل هي لقيطة ترعرعت في الشوارع والطرق واتخذت من جسدها مصدراً للدخل .
ارتعش جسدها تقززاً من الفكرة ونفضتها سريعاً مستغفرة ، وللمفاجأة تهادى إلى أذنها صوت جديد .. شهقت غير مصدقة ، لقد خرج صوتها أخيراً.. أعادت الإستغفار بصوتٍ عالٍ تقريباً فسمعت الصوت من جديد إنها حقاً هي لا يوجد غيرها بالغرفة ، صرخت فرحة تمنت لو أن السيدة آمال هنا فتُسمعها صوتها .. تمنت لو يوجد أي شخصٍ تقاسمه سعادتها ، ولكن كالعادة لا أحد !
يقتلها المجهول وتقطعها الوحدة إرباً إرباً ، هذا ولم تواجه شيئاً يُذكر بعد !
ابتلعت غصة تكونت في حلقها بعدما تحولت سعادتها بقدرتها على الكلام إلى ألمٍ جديد ينهشها ، وهي تتمنى أسفاً لو أنها لم تستيقظ ..
-ليتني كنت جثة بالفعل عندما وجدوني ..
أغلقت عينها مُجبرة نفسها على النوم دافنة كل الهواجس التي تتراقص بعقلها جيدها قبل سيئها .
*******
كعادتها استيقظت قبيل الفجر ، ولكن هذه المرة بقلبٍ مُثقل خائف ، لا تدري السبب ولكن كل الأصابع تشير لذاك الغائب .
نهضت مستغفرة ، توضأت ولجأت للملجأ الوحيد الباقي ، تدعوه فيلهمها درباً للصبر تتخذه ، تدعوه أن يحفظه أينما كان ، ومهما فعل ، فلذة كبدها البعيدة.
ترى غضب يحيى وتجده مناسباً ولكن هي لا يمكنها الغضب ، هي فقط خائفة ، خائفة من الموت ولكن ليس الموت هو ما يخيفها ؛ تخاف ألا تراه قبل أن يحين وقت الذهاب ، ألا تتمكن من سماع صوته وتحسس وجهه ، ألا تتمكن من رؤية الابتسامة على وجهه من جديد ، هاهو الشيطان يجد في ضعفها مدخلاً ، ولكنها في عميقها تؤمن به ، سيعود ..سيعود لأحضانها بالتأكيد .. دوماً ما تحلق العصافير بعيداً ، تاركة مأواها وساكنيه ، ولكن مهما طال غيابها تعود من جديد إلى العش .
********
بمجرد أن وصلا إلى المشفى استقبلتهم سلوى فَرحة ، تحمل إليهما البشرى .. تحمست ريم أكثر من يحيى ، حتى أنها قطعت المسافة إلى غرفة نور هرولةً
دقت الباب ودخلت بسعادة ..
-صباح الخير .
انعكست سعادتها على وجه نور لتجيب ..
-صباح النور .
اقتربت ريم بهدوء وقالت مادحة ..
-صوتك طفولي وجميل يا ...
صمتت لتحث نور على الحديث ظناً منها أنها ستلقى إجابة ، ولكن لا شيء فقالت لتحثها على الكلام ..
-ألن تخبريني عن اسمك؟!
تنهدت نور ساخرة وقالت بأساً ساخر ..
-صدقيني لو أعرف لأخبرتك ... الاسم الوحيد الذي أذكره هو ذاك الذي أطلقته علي السيدة آمال ، لذا فلنقل أني نور .
رفعت ريم حاجبها ولكن سرعان ما تداركت انفعالات وجهها ، ليس فقط لضروريات عملها ولكن لأنها توقعت ذلك قبلاً ، فابتلعت ريقها وسألت بهدوء ..
-سأعرفك بنفسي أنا ....
-ريم ؛ طبيبتي النفسية .. أعرفك جيداً ،استمعت إلى صوتك كثيراً في الأيام السابقة .
أومأت ريم مُتفهمة وقالت ..
-يبدو أنك مستمعة جيدة .
ضحكت نور وقالت ساخرة ..
-لنقل أني فضلت الاستماع عن باقي الأشياء الكثيرة والمثيرة لدي .
ضحكت ريم وشاركتها نور الضحك ولكن بدون روح ، وفي نفس اللحظة وصل يحيى عند باب الغرفة فرفع حاجبه وقال بتطفل ..
-أدام الله الضحكة على وجوهكم .
تبعثرت الضحكة عن وجه نور وظهر الامتعاض بدلاً منها ، لاحظت ريم ذلك هي تعرف أن ضحكة نور لم تكن صادقة ، كانت مجاملة بحتة ولكن على الأقل كانت تبتسم .. وبالطبع لم يخفى على يحيى ذاك التحول فاقترب متسائلاً ..
-هل أزعجك لهذه الدرجة ؟!
نظرت له بضيقٍ وقالت من بين أسنانها ..
-أبداً ولكن الانطباع الأول يدوم .
-لا أفهم...
قالها متسائلاً ، فأجابت مقتضبة ..
-لاشيء .
أشارت له ريم ليذهب ، فتنحنح محرجاً واستأذن خارجاً ، بينما استدارت ريم لنور من جديد وقالت متسائلة ...
-هل أزعجك يحيى قبلاً ؟!
أخذت نور نفساً عميقاً ...
-بالطبع لا ... هو جيد كما أنه ابن للمرأة الوحيدة التي أثق فيها .
ابتسمت ريم للأثر الجيد الذي تركته السيدة آمال عند نور ، وظلت على صمتها لتعطي نور مساحة كافية للحديث ، فأردفت نور ..
-ولكن كما تعلمين فهو مضطر للعمل معي ، لاحظت الامتعاض على صوته في أول يومٍ جاءني به ، وبالطبع انعكس هذا على تعامله حتى أنه نعتني بالمجهولة .
قالت جملتها الأخيرة بحزن ترك ألماً بداخلها شعرته ريم فيها ، فاقتربت منها وامسكت بكفها بين يديها وهمست مواسية ..
-صدقيني معاً سنكتشف هويتك ومعاً سنتمكن من معرفة من ألحقوا بك الأذى ، ومعاً سنتمكن من إعادة حياتك السابقة حتى وإن كنت تجهلينها الآن ..
تنحنحت بهدوء ثم أكملت ..
-وصدقيني أيضاً .. يحيى شخص جيد جداً ومجد في عمله وبالطبع لم يقصد ما قاله .
ظهر الهيام بحروف ريم رغم محاولاتها لجعل كلامها طبيعياً ، فرفعت نور حاجبها وتساءلت ...
-لم تهتمين بصورته أمامي ؟!
ابتسمت ريم خجلاً ورفعت يدها اليسرى بعين نور لتُظهر خاتم زواجها .
-يا الله .. أنتِ زوجته ! إذًا فأنتِ تعرفين السيدة آمال .
أومأت ريم مبتسمة وقالت ..
-بالطبع نحن نعيش سوياً
صرخت نور فرحاً حتى أنها استقامت جالسة على الفراش بشكل مفاجئ ، واسندتها ريم لنفسها حتى لا تسقط ، ولكنها تغاضت عن هذا الدوار والألم الذي أصابها وطلبت بحماس ..
-هلّا هاتفتيها وأخبرتها بأني أود من كل قلبي التحدث لها ؟
أومأت ريم وأجابت بسؤالٍ عابث وهي تخرج هاتفها ..
-ما رأيك أن تحدثيها أنتِ وتخبريها كل ما تريدين .
من فرط سعادتها لم تستطع تمالك نفسها ، فارتمت على ريم لتحتضنها شاكرة .
بينما كانت ريم تدرس الحالة أمامها ، تدرس تعلقها الشديد بالسيدة آمال ، ولكنه متوقع .. فشخصية مجهولة لا تعلم شيئاً عن نفسها ، بل وتشعر أيضاً بالخوف ، ستنجذب بالطبع لكل مصدر للحب ليدفئ قلبها آماناً
قراءة ممتعة 🌸


نورا أبويوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-10-20, 09:28 PM   #8

نورا أبويوسف

? العضوٌ??? » 461260
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 99
?  نُقآطِيْ » نورا أبويوسف is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الرابع

" رغم ظلم الحياة الأبدي إلا أنها عادلة في بعض منحنيات الزمن "


تمر الأيام تباعاً بليلاتها موازنة بين هنا وهناك ، تمارس إجحافها على أحدهم هناك ، وتظهر رحمة وتعاطفًا لأخرى هنا.. ولنكن منصفين هي هكذا دوماً ؛ إجحافٌ هنا وعدلٌ هناك بالتناوب على الجميع فلا رغد دائم لأحد ولا شقاء باقٍ على آخر ، وأيضاً فلولا دروسها القاسية ما تعلمنا ، ما أصبحنا ما نحن عليه الآن ، صدق من قال أن أخطاءنا التي ارتكبناها يوماً تركت بداخلنا مضاداً لغيرها قادم ، بالفعل نحن نتعلم من الماضي ونتفادى منه أهوال المستقبل ، لكن ماذا وإن كان السقوط محتوم ، لو كان الإنصياع للفشل هو النتيجة الوحيدة لما نواجهه ، الثبات عند هذه النقطة من التقدم .. لا مزيد من النتائج ، ماذا إن كانت أحلام الطفولة هي كوابيس الشباب أقصد الشيخوخة ، هو لم يعد شاباً بالطبع فقد غزى الشيب قلبه وروحه ، الآن هو محاصر ، لقد ضحى بكل شيء حتى لا يُصاب أحداً بسببه ، لسنواتٍ ماطل ذاك الجاك لكي لا يغرق في مستنقعه و الآن هناك أخرى يمكن أن تدفع حياتها ثمناً لرفضه ، هل يستكين لهم ويرضخ لمطالبهم بعد كل هذا الرفض ، هل يستسلم الآن بعد أن أهلك جاك رفضاً ومقاومةً ؟!
بالطبع لن تكون هذه هي النهاية ، سيجد الحل لا محالة .
تنهد بتعبٍ ونهض من الفراش لتعبئة متعلقاته الشخصية ، لقد ضاق ذرعاً بالمشفى ومن فيها ، أسبوعان كاملان مما يسمونها الراحة الكاملة ومما يسميه هو العذاب الكامن ، انتهى من تجهيز الأمتعة ، وضع حاسوبه وأغلق الحقيبة وتسلل خارجاً لينعم بحريته من جديد .

****************

لمسات رقيقة على صفحة وجهها ، ابتسمت لنعومتها وتململت في مرقدها ولكنها أرادت مشاكسة الصغيرة فتظاهرت بالنوم لتنطلق صيحات الصغيرة منادية بلكنتها الطفولية المحببة...
-ويد ، استيقظي يا ويد ، يقد مييت من الجيوس بمفيدي..
لم تستطع ورد تمالك نفسها وراحت في نوبة ضحك ، كم تعشق هذه الحروف المُبهمة من صغيرتها حنين ، قطبت حنين بين جبينها حزناً ممزوجاً بغضبٍ طفولي برئ ، فما كان من ورد إلا أن نهضت وحملتها وبدأت تدغدغها ، فتحول غضب حنين إلى قهقهات عالية تصدح في أرجاء الغرفة .
جذب صوت الضحكات اهتمام شهد ، فانضمت للفتاتين وتسائلت بفضول ...
-هل لي أن أعرف سبب صوت الضحك العالي هذا ؟!
نظرت لها حنين ببراءة وقالت ...
-إنها ويد يا أمي .. أتيت يإيقاظها حتى تجيس معي ونيعب قييياً إيا أنها بدأت في دغدغتي .
وضعت شهد يدها على رأسها وكأنها تفكر وقالت بمسرحية ..
-إذًا ورد هي المخطئة .
تنحنحت حنين وأمسكت بكف والدتها ونظرت لورد التي رسمت الحزن على وجهها وأشارت لها بأن تنتظر وهمست لوالدتها ..
-يكن يا أمي أنا أحب اليعب مع ويد وهي فقط أيادت إضحاكي ، فيا تعاقبيها يجاءاً .
ابتسمت ورد واحتضنت الصغيرة وهمست بنصرٍ ..
-لن يعاقبنا أحد ما دمنا سوياً ..
ضحكت شهد على مرآى الصغيرتان ، صغيرتها الأولى ورد التي تولت رعايتها من بعد وفاة والديها فلم تكن لها مجرد أخت بل أمٍ وصاحبة أيضاً ، تتمنى فقط لو ترى قلبها سعيداً مُطمئناً .. تتمنى لو تراه يضحك كسابق عهده لكن ما أصابه لم يكن سهلاً ، لم تكن ورد برقتها ونعومتها لتتحمله ، إلى أن أتت حنين لتخطتف ورد من شوكها وتعيشان معاً في عالمٍ صنعاه بحبٍ ، بالطبع لم تفلح حنين بانتشال الماضي من قلب خالتها ولكنها على الأقل تخرجها مما هي فيه .
سحبت حنين من بين ذراعي خالتها وقالت ..
-حسناً .. سنترك ورد لتستحم ونحضر سوياً الإفطار .
قبلت حنين جبين ورد بحنان جارف وهمست ..
-يا تتأخيي يا ويد وإيا سآتي من جديد .
مثلت ورد الجدية وأدت التحية العسكرية وقالت ..
-حسناً يا سيدي .
حملت شهد ابنتها واتجهت بها للخارج بينما نهضت ورد عن فراشها ، وبدأت بروتينية في ترتيبه .
وقعت عيناها على الصندوق الصغير الموضوع على المنضدة في جانب الغرفة ، أجبرت عيناها لتحيد بعيداً عنه ولكن هيهات ، هي من وضعته هنا لتلتقي به من وقتٍ لآخر دون ترتيب ظاهر ولكن في عميق روحها كل شيء مُخطط..
هي تعلم في قرارة نفسها أنها ماوضعته في مكانه هذا إلا لتطالعه يومياً .. لتعذب نفسها .
خطوات متثاقلة ، أعين تبكي صاحبتها لما هي فيه وقلب مكلوم يعيد النزف لجرح ما كتب له يوماً أن يندمل.. اقتربت من صندوقها الصغير المزخرف بأزهار بلون السماء – تذكرت حبه لهذا اللون ، وغصبًا ابتسمت لتشبيهه بها- أمسكته بأصابع مرتعشة رفعت الصندوق من مسكنه وقربته إلى قلبها وعادت بظهرها تجلس على الفراش .
تسابقت العبرات إلى سطح الغطاء المنزوع ، لتظهر من تحته صوراً تحمل في انعكاساتها ماضٍ جميل .. حلم ما كُتب له يوماً أن يتحقق .
يالجمال هذه البسمة على شفاهه وهذه الفرحة في عينيها نتيجة لقربه ، لم تهوى أحداً في هذا الوجود غيره .
بل لم تعرف للهوى معناً إلا له وعلى يديه .
ولكن ما مصير هذا الحب ؟! .. إنه الموت بالتأكيد
وقد حدث ودُفن في أعماق قلبها بالفعل .
وئِد بداخلها حياً ، تأتيه نوبات استيقاظ على فترات متباعدة . أجل متباعدة ولكنها قوية في حضورها ، مفاجئة في وقتها .
ابتسمت ويأس العالم يتملكها وأغلقت الصندوق بهدوء ، تركته ونهضت عنه مكلومة ككل مرة .
ولكنها تعلم أنها ستعود مشتاقة ككل مرة !

*********
كانت أيامها منصفة بدرجة كبيرة ، تلاقي علاجاً نفسياً وجسدياً كاملاً .
من يراها يحقد على ذاك الكمال الذي تعايشه ، ولكن في الحقيقة هنالك فراغ في صميم روحها .
مجهولها !
فبرغم وجود السيدة آمال بجوارها ، ومساندتها الدائمة لها ... فهي ببعض الأحيان تشعر بالوحدة تنهشها .
وبرغم احتواء ريم لها وتفهمها التام لما تعانيه من تشتت وضياع ، إلا أنها تشعر أحياناً بعجزها عن التواصل والتعبير .
بدأت ببناء قوقعة خاصة لها ، لها وحدها ؛ دون أن تسمح لأحدٍ بالتدخل .
قوقعة تلقي بها كل ما يشتتها ويخيفها ، ترمي بها عجزها وضعفها ، تسد بها احتياجها لشخصٍ تستند عليه .
قوقعة ترمي بها غصتها وحزنها .. ألم شديد يتملكها لامتلاكها صفر من الناس .
كيف يمكن لأحد أن يكون عديم القيمة بهذه الطريقة !
لا يساوي شيئاً عند غيره .
إن غاب أو اختفى لا يلاحظه أحد .. وكأنه كان قطعة أثاث وقد انكسرت فألقوا بها .. مع الاعتذار لقطعة الأثاث بالطبع.
تغيرت طباع نور .. حتى نظرة عينيها لم تعد تبرق عند الفرح .. تعبيرات وجهها أصابها الشلل ، فما عادت تتفاعل مع ما تسمعه كما كانت .
لا تدري أهو الخوف يحركها ، أم الضعف يمتلكها؟!
لاحظت ريم هذا الأمر... لاحظت ولكنها بخبرة حاولت تخطيه حتى لا تساعد على ازدياد ذاك الحاجز بينهما ، فكل ماتريده هو أن تصل في أعماق نور إلى ما لم تستطع نور نفسها الوصول إليه ،
ويبدو أن الأمر ليس بالسهولة التي اعتقدتها
ولكن نظراً للجانب المشرق فقد أصبح لها مكانة كبيرة لدى نور ، قريبة لتلك التي تملكها السيدة آمال .
كصباح كل يوم توجهت ريم مباشرة إلى غرفة نور لعقد جلستهم المعتادة .
تُعد هذه الجلسة هي الأهم بالنسبة لريم ، ففي نظرها اليوم سيكون نقطة تحول في حياة نور ، فكما اتفقتا من قبل ، اليوم ستقص عليها ريم كيف وجدوها ، ستخبرها بمصابها .
الحقيقة كاملة دون مونتاجٍ أو قصٍ لما تحويه من عنفٍ وقسوة .
تنهدت ريم وهي تفكر بالاحتمالات !
بالطبع هي تعرف أنها مساوية في كلا الجانبين ، إما نجاح كامل وقفزة قوية للأمام أو فشل ذريع وتقهقر تام إلى الخلف ،
توقفت أمام باب الغرفة ، تفكر وكلمات نور تتردد في رأسها وكأنها تمثل لها دافعاً لتنفيذ خطتها المتهورة
" أخبريني يا ريم ، لا تقلقي أنا لست بذاك الضعف الذي تتخيلينه ، أنا أقوى بكثير مما أبدو عليه "
تنهدت مُطمئنه لنفسها وهمست ....
-وهذا أملي بكِ يا نور ، سننجح سوياً في هذه المخاطرة .
دقت الباب بحيوية ودلفت إلى الداخل ، وقعت عيناها على عيني نور تطالعها ، وكأنها كانت تنتظرها .
رسمت ريم ابتسامتها المعهودة ، وكذلك قابلتها نور بأخرى مشابهة
سألت ريم وهي على ابتسامتها ..
-متوترة؟
أجابت نور بثقة ..
-بالطبع ... لا .. يوترني ما قد يحدث أكثر مما قد حدث !
لفت ثبات نور انتباه ريم ، فرفعت حاجبها في تساؤل ...
-من أين تحظين بهذا القدر من الثبات نور ؟!
رد سريع موجز ومفيد ، كافٍ ووافٍ...
-المجهول
ربتت ريم بيدها على كتف نور وسألت بحنو ...
-هل تعانين من الكوابيس ؟!
بثقة
-لا
من جديد بهدوء ..
-أية أحلام .. ومضات من الماضي .. أي شيء ؟!
بنفس الأسلوب ..
-لا
تنهدت ريم ، ورسمت ابتسامة على شفاهها ...
-بما أنه لا جديد .. هيا لنبدأ !
رعشة توتر ، قتلتها بسرعة ولكن بالطبع لاحظتها ريم ...
تنحنحت ريم وبدأت بهدوء وتحفظ تقص عليها..
-أكثر من خمس طعنات في منطقة البطن ، رئة ممتلئة بالماء .. وقلب يسارع ليخرج أخر نبضاته ..
هكذا عثر عليك أحد مالكي المراكب في النيل.
تأثر على وجه نور .. تنعي تلك الفتاة في القصة ..مهلاً إنها هي نفس الفتاة
شهقت باكية ..
-وماذا؟! ..
امسكت ريم بكفها داعمةً
-لن ندع الخوف يتملكنا .
يتملكنا! نا..
أي نا ؟!
لم تتحدث بصيغة الجمع في شيء يخصها وحدها ؟!
هل حقاً تشعر بما تعانيه ، أو بم تمر به الآن ..
هل تشعر بمدى الخوف والصدمة والقلق والجهل والظلام الذي يجتاحها
؟!
-أنا هنا لأجلك نور !.. أنا وماما وحتى يحيى .
جميعنا بجوارك ، سنشد إزرك دوماً
هنا بكت نور ، وسقطت بجذعها على كتف ريم ..
-بالله أخبريني ، إن كان قد تخلى عني من هم من لحمي ودمي ، سيتقبلني من هم في الحقيقة غرباء عني ؟!
هاهو خوفها يهرب من قوقعته .. وتشاركه شخصاً آخر ، شخصٌ يعرف معنى أن يكون الإنسان خائفاً .
أحد يقدر حجم تخبطها وتحيرها .. أحد يريد أن يعلم .
ازداد نشيجها وهي تكمل ..
-بالله أخبريني .. كيف لي أن أصدق وعودك ، وقد طُعنت مما هو أقوى وأصدق منها .
نطقت ريم بخبرة ..
-لازلتِ لا تعرفين أبعاد ما حدث
بانفعال ..
-أية أبعاد ، إن أبسط الإحتمالات مؤلم حد الموت يا ريم .
-أعلم يا عزيزتي .. ولكنك ثابرتِ كل هذه المدة ، قاتل جسدك بضراوة ليعيش ، فقاتلي انتِ ذاك الخوف بداخلك لتتمتعي بمعيشتك هذه .
تنهيدة ألم ويأس ..
تفهمتها ريم جيداً فشاركتها التنهد وهمست مُحفزة ..
-الأمر لن يتم بطرقعة إصبع ..عليك أن تبدأي طريق الشفاء بخطوة الإرادة ..
أومأت نور مدّعية الاقتناع ، فمهما كان مقدار تفهم ريم .. فلن تشعر بمقدار ضئيل مما تشعره هي !
*******
دلفت للمشفى بخيلائها كالمعتاد ، تجذب العيون والأنوف وحتى العقول تُساق إليها .
وصلت لمبتغاها ، دقت الباب ..
لم تنتظر إجابة وفتحته مبتسمة ..
لم تجد من تريد في مكانه ، كان فراشه فارغاً ...
بحثت عنه في أرجاء الجناح ، في المرحاض ولكن بالطبع لم تجده ...
ارتفع ضغط الدماء في رأسها وخرجت تسأل عنه
وبالطبع لم تجد إجابة تفيدها .
أخرجت هاتفها وبالطبع هاتفت سايتو ..
-أين سالم؟!
تنهيدة ..
-بالمشفى يا إيمّا
ثار البركان ..
-كيف لك أن تكون سمجاً لهذه الدرجة .. سالم خرج من المشفى وبالطبع ليس بالمنزل لأني آتية منه ...في الحقيقة سايتو انت عديم النفع بجدارة .
محاولاً كبح انفعاله..
-إيمّا رجاءًا.....
أغلقت الهاتف دونما اهتمام بالمتحدث على الجانب الأخر .
زفر بألمٍ .. تتفنن بإيلامه ، ويحترف دور العابد لها ، سامحاً لها بالتلاعب به وبكرامته وحتى رجولته .. وليتها حتى ترأف بحاله .. وتقدر مشاعره لها .
بل هي تستغل هذه المشاعر لإذلاله نفسياً .
ورغم كل هذا .. هو يحبها .
" إنه الحب ! ومن في الحب يختار "
خُلع قلبه لتهديد جاك بقتلها .. سيضحى ولو بروحه فقط لأجلها هي .
تأفف بغضب وضيق صدر وهو يتذكر أمر سالم ..
عرف بعين الخبرة أين يمكن أن يجده .. بالطبع ذهب لجاك ..
سالم مختلف تماماً عن والده .. والده السيد عبد الجليل الماجدي .. الشيخ الإمراتي المخضرم .. المحنك .. رجل دبلوماسي من الدرجة الأولى ، حتى بعد تورطه مع جاك وعصابته .. حافظ بخبرة على رباطة جأشه وتعامل مع الأمر بدبلوماسية حتى لا يعاني أحداً بسببه ...
ومع ذلك انقلب عليه جاك وتآمر على قتله هو وزوجته ..
الشيخ عبدالجليل برحابة صدره لم يفلح مع جاك .. وسالم بعنفوانه وعناده يعتقد أنه سيفلح..
خرج سايتو من مكتبه مسرعاً ليلحق بذاك المتهور
ليصلح ما يمكن إصلاحه على الأقل .
وصل لمخرج الشركة ليفاجأ بسالم يهبط من سيارة أجرة أمامه ..
عض سايتو على شفاهه غيظاً وحاول التحدث بهدوء
-ما الذي تفعله هنا ، سالم ؟!
-شركتي .. أتيها وقتما أشاء
من بين أسنانه ..
-تعرف مقصدي جيداً .. لم خرجت من المشفى ولم تُشفى جراحك بعد؟!.
نظرة مُظلمة خرجت من بئر سحيق ..
-جراحي لن تُشفى أبدًا .
نطقها وتحرك دالفاً للشركة تاركاً من خلفه سايتو يستشيط غضباً كعادته
أخرج هاتفه وبعث برسالة نصية للأخري التي تحرق قلبه يطمئنها على معشوقها ، وعاد للداخل من جديد ليكمل عمله ، بالطبع لن يسأل سالم عن سبب مجيئه إلى الشركة أو حتى سبب خروجه من المشفى لأنه وباختصار لن يخبره بشيء ، سينتظر ليتفاجأ من مصيبة قادمة بالتأكيد .
********
من جديد يباغتها كابوسها ، ينغص عليها نومها .. مسودًا كل حلم وردي تتمناه .
هذه المرة لم تستيقظ فزعة ، لاهثة بأنفاس متقطعة ولا صارخة بصوت مبحوح ..
فتحت عينها بهدوء ، هذا جل ما فعلته هذه المرة ، فتكرار الأمر أولد اعتياده ..
مدت يدها تمسك بكوب الماء بجانبها لترتشف بضع قطرات منه تكسر بها ظمأها.
همست مستغفرة وبعض العبرات تتكون في عينيها ، امسكت بهاتفها وبعثت برسالة لدرعها الحامي ضد الآلام والضعف ..
" أحتاجك"
دقائق قليلة وأضاء الهاتف مُعلنًا عن وصول الرد ..
" دومًا هنا لأجلك "
قرأتها فبكت ، لا تحب احتياجها الكامل له أو لغيره .
تمنت لو أنها ذات شخصية قوية وواثقة كريم مثلًا –طبيبتها الجديدة- مُنظمة و رائدة.
ولكن هي ... هنا المدللة ، الضعيفة .
هنا الطفلة المُحتاجة ، تخرج من كنف عمها لتتهاوى على صدر ياسين .
أمسكت بالهاتف وبعثت باستياء ..
"شكرًا"
وسرعان ما أغلقت الهاتف ودفنت رأسها تحت الفراش لتنام .
********
-شكرًا !!
رفع عمر رأسه عن حاسوبه ..
-ماذا؟!
رد ياسين عابسًا...
-لاشيء ... هنالك خطب ما .
عاد عمر ببصره لجهازه وهو يبتسم ساخرًا ...
-أراهنك بنصف ثروتي .. هنا العادلي تبتغي نكدًا .
وكزه ياسين بقدمه ..
-هنا ليست كباقي الفتيات .
صاح عمر بانفعال ..
-إنهافتاااااة ، النكد عندهن في الجينات يا صديقي ، أ تدري لمَ يتميزن في اللغة العربية بإضافة النون للأفعال ..
-تقصد نون النسوة ؟!
-بل نون النكد يا عزيزي .
وكزة جديدة ولكن أكثر قوة ، صاحبها قهقهة عمر ..
-أنت معميٌ بما يسمى لعنة الحب لا أكثر .
نهض ياسين ..
-وأنت بائس لا تجد من يلون حياتك .
رفع عمر رأسه وحاجبه أيضًا ..
-إلى أين يا مُلَوَّن ؟!
عدَّل ياسين من هندامه ..
-إلى فرشاتي يا عديم المشاعر .
خرج ياسين من شقة صاحبه تصاحبه ضحكات عمر الساخرة .
******
رنين هاتفها المتواصل أخرجها من سباتها ، تأففت تطالع شاشة الهاتف ،
ياسين!
بالطبع يرغب بالاطمئنان عليها ، خاصة بعد ردها المقتضب بعد رسالة شاعرية ، زفرت لا تدري كيف ستبرر له الموقف ، فتحت الهاتف وكادت أن تتحدث ولكن باغتها بحماس ..
-اخرجي للشرفة ..
رفعت حاجبها ..
-ماذا؟!
-حالًا يا هنا ..
رفعت عنها الغطاء وركضت للشرفة مسرعة ، قابلت عيناها القلقة عينه المـُطمئنة ، يحمل باقة ورد كبيرة جدًا ، ويجلس خلفه دب محشو بحجمه تقريبًا ..
دمية محشوة لشخصيتها المفضلة "شلبي سلوفان" ...
شهقت من المفاجأة ، ودت لو قفزت فوقه ، ولكنها خرجت من غرفتها ركضًا للدرج ومنه لخارج المنزل ...
وصلت لياسين ، تطالعه بأعين دامعة من كثرة الامتنان و الحب ، ويطالعها هو بكثير من الأبوة والعشق ....
ركضت باتجاهه ففتح ذراعيه لاستقبال فتاته ، وللمفاجأة ارتمت على شلبي تحتضنه وتغرقه بقبلاتها ، وصوت صرصور الحقل يُـلَّحن مقطوعته في أذن ياسين المصدوم ...
وضع كفه على قلبه صارخًا ..
-أزمة قلبية ... خيانة .
ضحكت هنا على رد فعله .. ونهضت تعانقه مسترضية.
-أحبك
همستها على استحياء .
رفعها ياسين عن الأرض ... مُحلقًا بها في سمائه .
-وأنا أعشقك يا هنا.

********
كعادتها في جوف الليل تصلي ... تأخرت اليوم في أداء صلاة القيام ، وماهي إلا دقائق ويؤذن للفجر ..
كانت ريم هي السبب في تأخرها هذه الليلة ، قصت لها ما حدث مع نور في جلستها الأخيرة ، حالتها الجسدية تتحسن بشكل جيد ، وها هي تتستكمل جلاسات العلاج الطبيعي جنبًا إلى جنب مع العلاج النفسي ...
نبهتها ريم لاقتراب موعد خروجها من المشفى .. والسؤال الصادم كان ..
" إلى أين ؟! "
بالطبع شغلها الأمر قبلًا ، ولكن حتمية الأمر الآن تقتضي حلًا جازمًا وبسرعة ..
الحل ليس بإيجاد مكان لتعيش فيه نور ، لأنها منذ بداية تعرفها على نور وهي تعلم يقينًا أن نور لن تفترق عنها إلا بالموت ، كل مايشغلها هو كيفية الحصول على موافقة ساكني البيت .
******
-ريم ... كوني واقعية ، ماذا إن كانت متورطة في أمر خطير أو ما إلى ذلك ..
استدارت له مبررة ..
-ثلاث سنوات .. يحيى ، ثلاث سنوات لم تكن موجودة فيها على واقعنا ، لم يتعرف عليها أحد .. حتى الشرطة لم تجد لها أي سابقة أو شيئًا من هذا القبيل ..
زفر يائسًا ..
-لا تحاولي إقناعي فلن أقتنع ، لن أخاطر بحياتك وأمي لأي سببٍ كان .. إن أصابكما مكروه ، فلن تعوضني شهامتي شيئًا .
نهضت ريم واقتربت منه ...
-تعلم جيدًا أن هذه رغبة والدتك.. كما تعلم مدى حبها و تعلقها بنور ، شيءٌ آخر ، لا أريد منك أن تكون قسوة العالم لنور ... مهما كان ماضيها فنحن لن نحاسبها عليه ، هي شاهٌ ضالة للطريق ، فلا تكن لها أول الذئاب .
تنهيدة طويلة ..
-أكره بشدة قدرتك على إقناعي..
ابتسمت ريم شاعرة بالانتصار فباغتها ..
-ولكني لم أوافق بعد .. سأفكر ، والآن سأذهب إلى المسجد .
واحتضنها من الخلف هامسًا ..
-إياكِ أن تنامي ، لن اتأخر .




قراءة ممتعة 🌸


نورا أبويوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-10-20, 12:26 AM   #9

Alaa_lole

? العضوٌ??? » 444507
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 111
?  نُقآطِيْ » Alaa_lole is on a distinguished road
افتراضي

جميله 💛
استمري في انتظار باقي الفصول 💛✨


Alaa_lole غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-10-20, 01:07 PM   #10

Gigi.E Omar

نجم روايتي و راوي القلوب وكنز سراديب الحكايات

 
الصورة الرمزية Gigi.E Omar

? العضوٌ??? » 418631
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 3,166
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Gigi.E Omar has a reputation beyond reputeGigi.E Omar has a reputation beyond reputeGigi.E Omar has a reputation beyond reputeGigi.E Omar has a reputation beyond reputeGigi.E Omar has a reputation beyond reputeGigi.E Omar has a reputation beyond reputeGigi.E Omar has a reputation beyond reputeGigi.E Omar has a reputation beyond reputeGigi.E Omar has a reputation beyond reputeGigi.E Omar has a reputation beyond reputeGigi.E Omar has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك carton
?? ??? ~
لا إله إلا انت سبحانك إني كنت من الظالمين 💙 لا تتنازل عن مبادئك و إن كنت و حدك تفعلها ✋️
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

غمووووض و تشووويق ....
متشوقة للباقي جدا لدرجة اني عايزها كاملة حالا و اشوف حل الالغاز اللي فيها دي 😁

نووووور هي مين ؟!! مين اللي عمل فيها كدا ؟! مين اللي كان عايز يقتلها بالوحشية دي و ليه محدش سال عليها الثلات سنين اللي عدوا ؟!!
اتوقع ان لها علاقة بهنا و عمها و اتوقع كمان انها هي اللي بتيجي لهنا في احلامها 😂 شايفة الثقة في توقعاتي 😂😂

امال حبيتها جدا ♥ حنينة اوي و طيبة اووي بس ان نور تقعد معاها مش هيعملها مشاكل فعلا ؟
هبداية 😂
جاسر هيرجع من السفر و هيبقى له علاقة بنور 😂
بس سفر جاسر وراه غموض ووايه اللي عرفه عن ابوه خلاه يسافر ميرجعش تاني كدا ؟!!

يحيى و ريم في عالم تاني ... بس عندي احساس انك هتقلبي العالم دا ... ايوه معندناس ناس حياتها تفضل مستقرة و حلوة كدا 😂

عمر ... .. ورد
لسه غموض حوالين حياتهم و ايه جرالهم ؟!


Gigi.E Omar غير متواجد حالياً  
التوقيع
" و استغفروا ربكم "
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:40 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.