آخر 10 مشاركات
[تحميل] مهلاً يا قدر ،للكاتبة/ أقدار (جميع الصيغ) (الكاتـب : Topaz. - )           »          130 - كلمة السر لا - روبين دونالد (الكاتـب : عنووود - )           »          ثمن الكبرياء (107) للكاتبة: Michelle Reid...... كاملة (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          روايات بتحبوها كثير وانامعاكم (((دليل الروايات حسب الاحداث))) (الكاتـب : fabiola - )           »          فجر يلوح بمشكاة * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Lamees othman - )           »          رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          واهتز عرش قلبي (1) .. سلسلة الهاربات (الكاتـب : ملك جاسم - )           »          لا تتركيني للأوزار (الكاتـب : تثريب - )           »          قـيد الفـــيروز (106)-رواية غربية -للكاتبة الواعدة:sandynor *مميزة*كاملة مع الروابط* (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة

Like Tree35103Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-06-19, 09:13 PM   #12121

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*

مسحت بقايا الدموع من رموشها وإن كانت لم تعد تنزل من

عينيها ما أن شعرت بتلك الخطوات الثقيلة تقترب منها وعادت

لاحتضان نفسها بذراعها الأخرى أيضاً وأحنت رأسها للأسفل

قليلاً ما أن توقفت خطواته خلفها تماماً ، أغمضت عينيها

وتنفست بعمق نفساً حمل عطره الرجولي لكل خلية في جسدها

لترتجف كلٌ على حده ليس بسبب ذاك العطر القوي المميز فقط

بل وبسبب اليدان اللتان لامستا ذراعيها بنعومة وتحركت على

قماش أكمام فستانها الحريري حتى حضنت أصابعه يديها

الممسكتان بمرفقيها وأصبحت في حضنه تماماً تشعر حتى

بضربات قلبه الثابتة تخترق ظهرها الملتصق به وعلقت أنفاسها

حيث لا تعلم ما أن مال برأسه لتصبح شفتيه في مستوى أذنها

وشعرت بأنفاسه تخترق قماش حجابها الناعم كما تحرق بشرة

وجنتها المشتعلة بحمرة قاسية من كثرة ما كانت تمسح الدموع

المنزلقة فوقها ووجدت ذاك الهواء العالق في مكان ما في صدرها

لتخرجه في زفرة متأنية حين تسربت كلماته مع الهواء الرطب

حولهما بطيئة دافئة وعميقة كما بحته الرجولية المميزة

وهو يهمس

" كان عليا أن أكتسح عزلتك ولا تسألي لما "


فاكتفت فقط بأن أرخت أناملها سامحة لأصابعه الطويلة أن

تحضنها وقد شد عليها بقوة ولازالت على وضعها السابق بل

واكتفت بكل ذلك وبوضعهما ذاك يحضنها ممسكاً بيديها بينما

لازالت تحضن هي نفسها بيديها تلك لم تعلق على ما قال لم

تتحدث ولم يفعل هو ذلك وكأنها تسرق تلك اللحظات من ماذا

لا تعلم ؟ منه من نفسها من حاضرهما أم من ألا شيء الذي

لطالما آلت أحلامها إليه ؟ لذلك اكتفت حينها فقط بالشعور به

بدفء جسده وحرارة أنفاسه لا شيء حولهما سوى أصوات

حفيف الأوراق الخضراء المتراقصة مع النسيم والأزهار الملونة

التي ملأ عبقها المكان وصوت مياه النافورة الحجرية في مكان ما

قربهما وكأنها تحدث الليل والقمر وكل شيء لا يسمع عنهما فمن

يروي قصص العشاق حين تحوي الألم والفراق والفقد سواها ؟

من يفهم ذاك الصمت الذي حمل كل آلام الماضي ومآسيه سوى

الأشياء التي لا تعرف إلا الصمت ؟.


احتضنت نفسها أكثر مغمَضة العينين ولازالت أصابعها سجينة

يديه فجعله ذلك يزيد من احتضانه لها بشدة أكبر لازالت تستمع

لأنفاسه الدافئة التي تشعل وجنتها وصدغها بحرارة تشبه فقط

حبها واحتياجها واشتياقها إليه بالرغم من كل شيء وحتى من

ألمها الطويل منه .


ابتعدت عنه مجفلة كما حررها هو من ذراعيه سريعاً واستدارت

ناحيته ونظرت باستغراب لنصف وجهه المقابل لها لأنه كان ينظر

جانباً حيث صوت تلك الخطوات التي كانت تَعبر الممشى الحجري

باتجاههما !

وما أن نظر ناحيتها قرأت في عينيه ما تتوقعه تماماً وهو

التساؤل المدجج بالخطر عن هوية صاحب تلك الخطوات

فكلاهما يعلم بأن من تركوهم خلفهم هناك لن يفكر أحد منهم

في اللحاق بهما

بل ولن يسلك هذا الاتجاه وإن فعلها ! ومؤكد أن جميع من

يعملون هناك وصلتهم أوامر مسبقة بعدم التجول ولا الاقتراب

الليلة خصوصاً !!

نزلت بنظراتها المستغربة ليده التي مررها ببطء تحت طرف

سترته السفلي فارتفع ضجيج ضربات قلبها الصاخبة لأذنيها

وشعرت بالذعر فهو بالتأكيد يحمل مسدساً هناك لكن ما هذا الذي

يجعله يفكر في استخدامه هنا في منزل محاط بالحراسة المشددة !

من هذا الذي يخشى أن يخترق الحاجز الأمني القوي الذي

يطوقهم به واختاره بنفسه !


انتقلت نظراتها المتوجسة حيث لازال ينظر وحيث الخطوات التي

أصبح لا يفصلهم عنها سوى حاجز من الشجيرات المنسقة بعناية

ليغطي طولها كل ما تخفيه خلفها وارتجف جسدها بقوة حين مد

يده ليدها وسحبها نحوه لحظة أن ظهر لهما من كان قد اتبع

أسلوباً بارعاً في التشويق واللعب بالأعصاب وهو يسير نحوهما

بتلك الخطوات البطيئة المتأنية وكأنه لا شيء لديه وليصل متى ما

أراد !

" عمتي !!! "


كانت غسق من كسر ذاك الصمت المشحون الذي تلا ظهور ذاك

الجسد النحيل لهما لتكشف أنوار الحديقة المنتشرة حولهم

تفاصيله كما تلك الملامح المتجهمة بعبوس واضح ونظراتها

الباردة تتنقل بينهما قبل أن تنزل ليديهما الممسكتان ببعضهما

بقوة لحظة أن دس مطر مسدسه في مكانه وما أن عادت بنظرها

لعيني التي كانت لاتزال تنظر لها باستغراب قالت بجمود

" أجل عمتك ... من كنت تتوقعين مثلا ليقتله زوجك برصاصة

من مسدسه؟ "


فرفعت يدها الأخرى ومسحت بها ملامحها الجميلة الشاحبة بذعر

لم يغادرها بعد مستغفره الله بهمس خافت مرتجف بينما لم تنتظر

الواقفة مقابلة لهما أي تعليق من كليهما وهي تتابع ببرود

ونظرها ينتقل بينهما

" بما أن أمور العائلة العالقة جميعها سويت كما أرى فهل أعلم

ما مكان جبران من كل هذا ؟ "

وهنا انقبضت أنامل غسق بقوة مع انقباض قلبها وسط أضلعها

ليس فقط بسبب ما قالت بل وما استطاعت استشعاره من الواقف

ملاصقا لها وإن لم تنظر له فيمكنها أن تشعر بموجة الغضب

السوداء تلك التي عبرت مسامات جسده والتي اخترقت قماش

بدلته السوداء الفاخرة لتصل إليها فشدت أناملها على أصابعه

التي لازالت تلتف حول كفها بتملك حمائي قوي راجية أن يفهم

إشارتها تلك ولا يخرج من صمته المميت ذاك وهي واثقة من ذلك

لكن ما تخشاه فعلا أن لا ينصاع ليس أن لا يفهم .. وكم حمدت

الله حين التزم الصمت ولم يعلق بينما تجنبت هي النظر لملامحه

التي لا تعلم حتى الآن ما يرتسم عليها ولا أي نظرة تلك التي كان

يوجهها للواقفة مقابلة لهما ترفع رأسها بشموخ وكأنهما يقفان

أمام قاضٍ في قاعة محكمة موحشة لا يوجد فيها غيرهم

ثلاثتهم ! ولم تكن تعلم بأن نظراته حينها لم تكن تحمل سوى

الجمود التام ... الجمود فقط لا شيء آخر وكأنهما حجرين

أسودين جامدين .


كان عليها أن تتوقع هذا منذ زمن وأن عمتها كانت تنتظر فقط

الفرصة المواتية التي حظيت بها الآن كما تريد وبأنها لن تصمت

طويلا وتكتفي فقط بتلك العبارات الطائشة التي كانت ترميهم

بها دون استثناء وهي أولهم وها هي اختارت الوقت والمكان

المناسبين بالفعل لذلك كان عليها هي تولي المهمة وعلى هذه

المسألة المعقدة أن تنتهي بالفعل فقالت بصبر ونبرة جعلتها متزنة

قدر الإمكان لكن الجمود كان أقوى وانتصر عليها ونظرها لم

يفارق تلك العينان الغاضبة

" عمتي جبران هو من بات يرفضنا .. لقد حاولت التحدث معه

مراراً ولم يجب ثم أغلق هاتفه نهائياً ويبدو تخلص منه ولا

يمكنك لوم أ..... "


فقاطعتها متعمدة تتجاهل النظر لها كما سماعها ونظرها لازال

مركز على الواقف بثقة وصمت

" رأينا عدلك مع أبناء شراع واحداً واحداً ومع أبناء شعبك

واسمك بات مرتبطاً بالعدل لديهم وفي كل مكان وحان دوره الآن

فأنصفه بما عرفه الجميع عنك ولا تكن ظالماً يا ابن عائلة

الشاهين الشرفاء "


تنفست حينها الواقفة بجانبه بعمق تمسح بأطراف أصابع يدها

الحرة على جبينها وكم كانت ممتنة له أنه لازال يلتزم صمت

الأموات ذاك وأصابعها لازالت تزيد من الشد على يده أكثر لازالت

تترجاه في صمت تتأمل بالفعل أن يستوعبه وقالت في محاولة

جديدة ما أن رفعت نظرها بالتي لازالت تحدق في تلك العينان

السوداء الجامدة

" عمتي ما بيني وبين جبران لا دخل لمطر .... "


" أصمتي يا غسق "


ألجمتها عبارتها الحادة الآمرة تلك وتابعت من فورها تنظر

لها بضيق

" أنا لا أريد سماع ما بت أحفظه عن ظهر قلب منذ أعوام بل

أن أسمع رأيه ... "


وتابعت أيضاً وقد نقلت نظرها له مجدداً وحدث ما كانت تخشاه

غسق وتتوقعه بالفعل وهي تهاجمه بحدة

" أم لا حديث للرجال حين تذهب بعقولهم النساء ؟ "


فنظرت لها بصدمة ولم تستطع منع شفتيها من الانفراج في

شهقة صامتة فهي توقعت أن توجه له كلمات قاسية تغلبت فيها

مشاعرها نحو ابن شقيقها لكن ليس بهذه الطريقة المجنونة !

درجة أن تنسى من يكون هذا الواقف أمامها توجه له إهانة كتلك

وأعظم رجال البلاد وأكبرهم ينحنون احتراماً له !

وعلمت حينها أن الأمور ستنحدر نحو الأسوأ فرفعت نظرها به

سريعاً وهمست بخفوت تنظر لنصف وجهه المقابل لها ولملامحه

الجامدة جمود الصخر

" مطر أرجوك "

تعلم بأنه أكثر رجل عرفته يتحلى بالحكمة لما كان قاد جيوشاً

ووحد بلاداً ممزقة ونزع أحقاداً عمياء من نفوس أبنائها لكنها

تعلم أيضاً بأنه يفقد عقله ورجاحته تلك إن كان اسم جبران في

الأمر وليست تخشى على عمتها وتهور لسانها منه فهي تعلم

بأنه لن يؤذيها مهما قالت لكنها تخشى على جبران فهي لا تصدق

بأنه حتى اللحظة لم يأمر بجلب رأسه محمولاً على نصل حربة

سلاحه الرشاش وتخشى بالفعل أن يتهور ويفعلها في أي لحظة .


كانت نظراتها الراجية ملتصقة بنصف وجهه المقابل لها وحدث ما

خشيته فعلا حين ارتخت أصابعه وحرر يدها من قبضته لحظة أن

تحركت شفتاه وقال بجمود

" ليس مطر شاهين من تتحكم به النساء ولا تحركه "

فقالت المقابلة له من فورها وبحزم

" إذا أريد أن..... "

وأجفلت بصمت حين قاطعها بحزم رجولي يشبه شخصية

المحارب القديم فيه

" يمكنك الاستماع لي فقط الآن فقد سمعت ما لديك ولا داعي

لتكراره "

وألجمتها تماماً كلماته القاسية الحادة تلك ورأت حينها بالفعل

مطر شاهين الذي سمعت عنه لأعوام .. وكان المزيد في انتظارها

وقد تابع بذات النبرة القوية الحازمة

" إن كان ثمة من لديه حق يستوفيه من الآخر وكنتُ عادلاً كما

تطلبين لكان ابن شقيقك ذاك تحت التراب الآن "


وكانت عبارته تلك بل وآخر كلمات فيها ما جعل عينا الواقفة

أمامه تتسعان بذهول بينما أغمضت غسق عينيها تمسكهما

بأصابع يدها بقوة ورأسها منحنٍ للأسفل وتابع وكما توقعت

وبنبرة غاضبة هذه المرة

" فأي حق هذا الذي تتشدقون به وأي ابن لشراع صنوان

هذا الذي لا يستحق سوى الموت ؟ "


فارتجف جسدها بقوة وهي تَنزل بأناملها لشفتيها من شدة وقع

كلماته ومن الفكرة تحديداً كما ارتجف بوضوح جسد الواقفة هناك

منتفضاً بغضب وضربت أوامره عرض الحائط وهي تصرخ

بانفعال

" ليس لبشر أن يقرر مصير غيره ومتى سيموت ! ما ذنب

جبران سوى أنه كغيره حلم حلماً وأراد أن يناله بأشرف

الطرق ؟ "


وكان ذاك ما زاد النار اشتعالاً وبالرغم من الأصابع التي أمسكت

بقماش سترته عند مرفقه وعبارات الرجاء الهامس للواقفة

بجانبه إلا أن ذلك لم يوقف سيل كلماته التي خرجت بعنف

" ذنبه أنه خان وطنه وشرفه ووالده ومبادئه .. بل وسعى قبلها

لتدمير حياة غيره بدافع تملكي مريض ! فمن يرى أن ما هو

حق لغيره ملكاً له ليس سوى أحمق مغفل يفتقر للحكمة

وحسن التصرف "


كانت كلماته كسهام مسمومة يلقيها على اتهاماتها فترسلها لعالم

الأموات ولأنها لم تستطع مواجهته بالقوة التي واجهها بها

ويملكها تغيرت وجهة هدفها ومرمى نبالها للواقفة بجانبه .. فهي

من عليها أن تُهاجم دون أن تدافع عن نفسها بالطبع كما حدث

حينها وهي تنظر لها قائلة بضيق

" هو لم يبني ذلك من أوهام ولا نظر لما هو ليس ملكاً له

يا غسق أليس كذلك ؟ لما لا تعترفي بالحقيقة كاملة ؟ من ظلم

جبران في هذا ومن هو الظالم الحقيقي ؟ "


فامتلأت عيناها بدموع القهر والأسى سريعاً وإن لم تنزل منها

ونظراتها الآسية لم تفارق تلك العينان المحدقة فيها بغضب وأبت

الكلمات أن تخرج من شفتيها فتابعت جلدها ودون رحمة

" أليس من حقه أن يحظى بما تدللون به أنفسكم أبناء

شراع ؟ "


وتابعت بقسوة تشير بسبابتها جانباً

" بينما أنتم تحتفلون هنا وتضحكون ألم يفكر أحد منكم أين يكون

هو الآن ؟ ما الذي يشعر به وما يموت في داخله ؟ تبتسمون كل

صباح .. يراعي أحدكم الآخر وتسعون باستماته لأن تضمد

جراحكم من قبل أن تنزف ولم يفكر أي منكم به ....!

كم ليلة نامها وحيداً مقهوراً ليس ثمة من ولا يمسح على

كتفه مواسياً ..


وصرخت متابعة بحدة سبابتها تشير لتلك العينان الواسعة الدامعة

هذه المرة

" لقد قتلتموه .... قتلتموه جميعكم ودون رحمة ومنذ أعوام وكل

ذلك من أجلك يا ابنة دجى الحالك "


فاشتدت قبضتاها بقوة وانزلقت أول دمعة من طرف رموشها

الكثيفة معانقة احمرار وجنتها المحتقنه بالدماء وما أن تحركت

شفتيها الجافة ببطء مرتجف أوقفتها الأصابع الطويلة التي التفت

حول كفها البارد كالجليد مجدداً يكرر ما فعلته سابقاً وهي تطلب

منه الصمت وعدم التدخل وكأنه يأمرها بمنحه ذات الفرصة وهي

تعلم بأنه لازال يتصرف معها بتعقل بحكم سنها بالتأكيد وفقط لا

غير لكنها لا تريد لهذا النقاش أن يطول أكثر من ذلك وأن يأخذ

منحاً خطر سيدفع جبران وحده ثمنه فهي كانت من التهور سابقاً

أن استهانت بغضبه من ذكر اسمه فقط أمامه حين كانا في منزل

الشاطئ ودافعت عنه بشدة وحاولت تبرير موقفه واتهام نفسها

مكانه فجعلته بذلك يشتعل كالبركان وكانت أكيدة حينها من أنه

على استعداد لإعطاء أوامره لرجاله لسحبه من وسط معقله إن

أوصلته لنقطة فقدان التحكم بذاك الغضب مما جعلها تتراجع لكنها

الآن ليست الطرف الثاني في الحديث ولن يسمح لها سوى

بالصمت والاستماع والموت كمداً ومن كليهما ، وذاك ما حدث

فعلا حين قال وبضيق

" اعتقدت بأن حديثك أصبح معي وليس معها ؟ وأعتقد أيضا أن

محاولات استغلال عاطفتها الأخوية نحوه لن تنجح معي ولن

تحطم غيرها وهذا ما لن أسمح به "


كان كل واحد من بينهم ثلاثتهم يعلم بأنه أصاب الحقيقة في عينها

لذلك وما أن كانت ستتحدث قاطعها بحزم غاضب

" يمكنك الاستماع لي فقط فقد سمعت من هذا ما يكفي "


فابتلعت كلماتها كما زمت شفتيها في صمت بينما تابع هو بذات

نبرته الحازمة الحانقة

" لا حق لابن شقيقك لدي ولا يمكنكم استخدام ورقة موافقتها

الزواج به سابقاً ضدي في كل مرة فهي كانت زوجتي منذ كانت

طفلة وما من حق لشقيقك بأن يزوجها ولأي كان وهو يعلم ابنة

من تكون ومن هم عائلتها والأحق بتقرير ذلك ... "


ورفع سبابته وهو يتابع بحدة

" وقسما إن علمت حينها فقط بأنه يخطط لفعلها ولأي رجل كان

لكنت دككت مدنكم دكاً وحولتها لنيران فأخبارها لم تكن تخفى

عني وإن كانت بينكم وجواسيسي ضمن من يخدمونكم

ليل نهار "


حدقت فيه تلك العينان اللامعتان تحت الضوء الخافت بصدمة بينما

تابع هو غير مكترث بالحقائق التي أخفتها السنين عنهم ليكشفها

الآن وقال بذات حزمه الغاضب

" غسق عاشت في منزلي وزوجة لي لثلاث أشهر قبل أن

تجمعني بها غرفة واحدة ولم اجبرها على شيء هي ترفضه أو لا

تريده ونامت في سريري راضية ، وإن هي أخبرتني وإن بكلمة

واحدة فقط بأنها تريد رجلاً آخر ما كنت لألمسها ما حييت .. كما

لا يحق لأحد أن يلومها على ذلك فهو قرارها ليس قرار ابن

شقيقك ذاك ولا قراري ولا قرارك أنت فما من أحد يحق له أن

يوجه مشاعر غيره كما يريد .. "


وكان هو من أشار لها بسبابته حينها وفي نصف عينيها وهو

يتابع بحدة

" وابن شقيقك ذاك ولتعلمي فقط بأني إن استخدمت العدل معه

فأقل ما سيناله هو حكم إعدام عسكري ... هذه العدالة القضائية

فقط إن استثنينا الأمور الشخصية العالقة بالطبع "


ألجمتها عباراته الهجومية تلك بل والحقائق الصريحة فيها والتي

ما كان لأحد أن ينكرها ويبدو بأنها اختارت الند الأقوى منها

بجميع حججه ومن لن تحركه أو تلجمه العواطف ولا الامتنان

اتجاه تلك العائلة كما يحدث مع الواقفة قربه والتي كانت تنظر لها

بحزن فحجبت عيناها دموعاً رفضت أن يرياها قبل أن تستدير

بظهرها وتغادر من حيث ظهرت حاملة معها كل تلك الزوبعة التي

أثارتها في مشاعر كليهما .. أو هذا ما ظنه أحدهما فقط وهو

يستدير ناحية التي رفعت عينيها الدامعة له بصمت فرفع يديه

وأمسك وجهها وقال من قبل أن تفكر في قول ما يتوقعه جيداً

وأنفاسه المتلاحقة لا تعبر سوى عن الغضب المكبوت الذي لم

يخمد بعد

" لا تتحدثي بشيء يا غسق ... لا أريد سماع اسمه من شفتيك

تحديداً والآن بالذات "


فاحترقت الأنفاس في حنجرتها أيضاً حتى شعرت بأنها تشتعل

كالحريق درجة أن آلمتها وبقوة أكبر من ألم سجن الدموع في

عينيها المحدقة في تلك العينان السوداء التي كانت تنظر لها بعناد

رجولي حازم لازال يحمل آثار معركته الأخيرة ولكن شفتيها

ورغماً عن كل ذلك تحركت ببطء محررة كل ذاك الألم في حلقها

هامسة بضعف

" لكنه شقيقي .. "


فاشتدت أصابعه على وجهها كما الغريزة القاتلة المشتعلة في

عينيه وقال بأحرف مشدودة

" أنا لا أتحدث عن مشاعرك الأخوية اتجاهه بل عن مشاعره هو

وقسماً لن أكون أكثر عدلاً معه كما الآن "


انزلقت الدمعة اليتيمة على وجنتها الناعمة التي لازالت تحتفظ

بذات الاحمرار الملتهب وهمست بحزن محدقة في عينيه

" أنت لن تقتله يا مطر أليس كذلك ؟ "


نزلت يداه لعنقها وقال بهدوء ناقض مزاجه السابق بأكمله وإن

كانت كلماته حملت الكثير من الجدية محدقاً في عينيها الدامعة

" لن أفعلها وأنا أعلم بأنها ما قد يقتلني بداخلك يا غسق ...

لم أفعلها منذ أربعة عشر عاماً وهو يحاول قتلي لأفعلها الآن "


فتبدلت نظراتها للحيرة لحظة أن جذبها نحوه وهو ينحني نحوها

أكثر وطبع قبلة رقيقة دافئة على شفتيها كانت طويلة بقدر

نعومتها ورقتها جعلتها تغرق في طوفان من المشاعر المتأججة

التي قطعها ابتعاده البطيء عنها بالرغم من أنه لازال يأسر

وجهها في حصار كفيه وأصابعه الطويلة ونظر لعينيها وقال

هامساً بتأني

" قسماً لن أسلمك لأي رجل كان وأنا أعلم بأنه لازال لي مكاناً

وإن صغيراً في قلبك "


وتابع بجدية زحفت لملامحه قبل صوته

" وإن حدث يوماً وفعلتها فتأكدي بأن الموت كان من نصيب ما

هو لك وسط هذه الأضلع أيضاً يا ابنة الشاهين "


ملأت الحيرة العينان السوداء الفاتنة المعلقة بعينيه وترقرقت

الدموع فيها مجدداً وهي تهمس بتوجس

" أنت تخيفني يا مطر ... لما تقول هذا ؟! "


مرر طرف إبهاميه تحت رموشها يمسح بقاياً دموعها منها قائلا

بذات نبرته الجادة

" تلك هي الحقيقة يا غسق فلن يتمسك ابن شاهين بما لا يريده

ولن يأخذ ما هو ليس له ... لا يفعلها وإن كان الموت خياره

الآخر "

حدقت تلك العينان المليئتان بالحزن والأسى في نظراته المدججة

بالتصميم والجدية وتهاوى ذاك السؤال مجددا عند أعتاب شفتيها

المنفرجتان قليلا في توهان فاتن .. فما معنى هجرانه لها قبل كل

تلك الأعوام إذاً ؟

هل لأنه لم يكن في قلبه من كل هذا شيء لها ؟

فما في قلبها له كان جلياً للعيان فلما تناقض عباراته أفعاله ؟!

كان ذاك ما يحرق قلبها متسرباً مع أوردتها لكنها وكالعادة فضلت

أن يموت ذاك الجرح داخلها على أن ترى نصل سكينه يُغرس فيه

ودون رحمة إن طلبت منه جواباً وكان أقسى من كل ذلك فلن

يداوي الجرح حينها ولا صمته التام لأنه سيكون أقسى من

الحقيقة ذاتها ، أسدلت جفنيها الواسعان ببطء حين انزلقت يداه

أكثر لعنقها وشعرت بملمس شفتيه على طرف شفتيها في قبلة

صغيرة دافئة فأطبقتهما تزدرد ريقها بهدوء ووصلها همسه

المتأني

" لنغادر من هنا يا غسق "


فرفعت نظرها له وهي تتراجع خطوة عنه للوراء محررة نفسها

من دفئ ملمس يديه وغضنت جبينها الصغير مقربة حاجبيها في

نظرة استنكار واضحة لكن تلك الابتسامة الرجولية الفخمة

والشفاه الساحرة لم تسمح لها بالتحدث عما يجول في ذهنها

حينها وهو يسحبها من يدها قائلا

" لن أخرج بك من هنا كما سبق ووعدتك يا مجحفة "

وتابع وقد تحرك بها من هناك

" كنت أعني أنه علينا ان نرجع حيث البقية قبل أن أتهور

أكثر ويلحق بنا أحدهم "


وسار يسحبها خلفه تغرس أسنانها البيضاء في شفتها تمسك

ابتسامة محرجة زينت شفتيها فلن تتخيل أبداً أن يحدث ذلك

ويتكرر موقف حبيبة ذاك الآن فسيموت أحد ثلاثتهم من الصدمة

هذه المرة بالتأكيد ولن يكون هذا المتهور بالطبع .


وصل بها سريعاً حيث البقية وحيث انضما لذاك المجمع العائلي

مجدداً ولتلك الأصوات والضحكات التي وصلتهما من بعيد ، وما

أن جلسا هربت بنظرها من الجميع محرجة من انسحابها السابق

وغير اللائق أو المبرَر تجهل تماماً ما دار من حديث بعدها ، وما

أنقذ مشاعرها المتضاربة حينها أن الجميع تصرفوا وكأن شيئاً

لم يكن .. بينما أخرجها من دوامتها تلك الصوت الأنثوي الرقيق

والذي قالت صاحبته

" أبي متى سيكون بإمكاننا زيارة منزل الشاطئ في بينبان ؟ "


فغضن جبينه باستغراب قائلاً

" أنتم من تقصدين ؟ "


فرفعت كتفيها قائلة بابتسامة " أنا والكاسر بالطبع فأنا

متشوقة فعلا للسباحة في البحر "

فنظر للكاسر الذي حرك رأسه موافقاً وابتسامة واسعة تزين

شفتيه قبل ان يستوي في جلوسه يريح ظهره لظهر الكرسي وقال

ببرود

" ممنوع ... ذاك المكان شديد الخصوصية "


فحدق الجميع فيه وبنظرات متفاوتة عدا التي لم تستطع رفع

نظراتها بأحد حتى الآن وقد أنزلت يدها لتضرب قبضتها على

فخذه القريب منها مسكتة إياه عن جعل العقول هناك ترسم أبعاداً

خيالية عن تلك الأمور التي يلمح لها والتي لا تعلم ما تكون سوى

تلك الثياب الوقحة الجريئة التي يملأ بها خزانات الغرفة ؟

ولم تكن تعلم بأنها بتلك الحركة أوقعت نفسها فريسة مصيدته

وهو يمسك يدها يمنعها من إعادتها مكانها فوق الطاولة مبدداً

جميع محاولاتها لإرجاعها بطريقة لا يلاحظها أحد حتى استسلمت

ليأسها تماما مجبرة ومتأففة في صمت وقال رماح حينها بتجهم

ونبرة باردة

" أليس ثمة عشاء هنا ؟ "

فجعلت جملته تلك الضحكات تنطلق بتفاوت كما الأحاديث المتفرقة

التي عادت لتجد لنفسها مكاناً في سهرتهم تلك وأخذ حديث رماح

يجذب جميع الجالسين هناك وهو يستفسر من المقابل له عند

الطرف البعيد من الطاولة البيضاوية الشكل والواسعة عمّا بات

محور اهتمامه الوحيد يستعلم منه عن أغلب ما قيل وبات يقال

على تلك الشاشات الناطقة بينما أرضى مطر فضوله وأشبعه بما

يحتاج ويزيد يده لازالت تحتجز تلك اليد والأنامل الناعمة بينما

إبهامه يتحرك بنعومة وسط كفها مرسلا بذلك قشعريرة مدمرة

خلال كل عصب من ذاك الجسد النحيل المتناسق وصولا لعمودها

الفقري الذي تصلب بتشنج مريع كادت معه أن تفقد أنفاسها

فأحنت رأسها تفرك جبينها بأصابع يدها الأخرى والتي كانت تتكئ

بمرفقها على الطاولة تحتها ... ثم وكأن حركتها تلك أعطته

الإشارة للتمادي أكثر وكأنه يقرأ ما يحدث داخلها جيداً ويفهمه

فقد بدأ إبهامه بالعبث أكثر وصلا لرسغها مما جعلها تعاود

محاولات تحرير يدها منه .. بل ويبدو بأنه ليس الوحيد الذي كان

يلحظ ذلك وكم حمدت الله أن كان ذاك الفهم بشكل مختلف تماماً

وما أثبته صوت والدها حين وصلها موقفاً ذاك النقاش السياسي

العسكري قائلا

" غسق تبدين متعبة ؟ "


وتبعه تعليق صقر من قبل أن تفكر في رفع رأسها

" لست مجبرة على مسايرتنا إن لم تكوني بخير يا غسق "


كان الاهتمام واضحاً في نبرة صوتيهما ولم يدخل قلبها ذرة شك

بأن الأمر يضايقهم لكنها لم تستطع أيضا رفع رأسها ولا النظر

لأي من تلك الأعين المحدقة بها خشية أن يقرأ أحدهم ما تسبب

به العنيد العابث الجالس ملاصقا لها .. كما داعب جانب وجهها

بدفء تلك الأنفاس المتلفة للأعصاب حين همس لها تزين شفتيه

ابتسامة ماكرة

" إن كنت متعبة آخذك لغرفتك ولن أنزل حتى أتأكد من

أنك بخير "


ونجحت حينها في سحب يدها منه حيث يبدو أن حديثه ألهاه عنها

هامسة من بين أسنانها

" غرفتك الباردة هناك أقرب لك من هذا "


فانطلقت ضحكته المرتفعة جاعلة تلك النظرات المستغربة تسدد

سهامها نحوهما قبل أن يتلقى ضربة أخرى من مرفقها هذه المرة

فضحك ونظر ناحية ابنته وشقيقها الجالس بجوارها وقال مبتسما

ينقل نظره منهما للجالسة ملاصقة له

" إن أردتما زيارته فعلا فعليكما أخذ الاذن من مالكه الأساسي

وليس مني "


فحدقت فيه تلك العينان السوداء الواسعة باستغراب هو أقرب

للصدمة فأراح ذراعه على كتفيها وقال مبتسماً ينظر لعينيها

" العمران كانت مهرك يا غسق وأنت تنازلت عنها بأكملها وذاك

المنزل هو حق لك لا هدية مني ولا أتفضل به عليك "


حدقت في عينيه بصمت لم يستطع قراءته أحد غيرهما بينما

قاطعهما أحد ابنيهما حين قال الكاسر مبتسماً بحماس

" إذا ضمنا الموافقة "

ليتحول حماسه ذاك لعبوس تدريجي ما أن قالت التي نظرت

ليديها في حجرها

" لا ممنوع بالطبع "


فكانت حركته وتيما الطفوليتان اللتان عبرا بها عن صدمتهما

المفاجئة واستيائهما السبب في ضحك الجميع تقريباً فلوح الكاسر

بيده ناحية مطر في محاولة للانتقام لنفسه قائلا بضيق

" هذه سرقة يا رئيس البلاد ... كيف تقدم لزوجتك هدية من

مالنا وتمنعونا عنها ؟ "


فابتسم مطر ونظر لها وهو يقول

" هذا هو الاتهام الذي ليس لأي رئيس في العالم أن ينقذ نفسه

منه .. ولا تقلق هو من مالي بالفعل كما أنه وكما سبق وقلت حق

لها عندي وليس هدية "


ضمت حينها تيما يديها ونظرت عاليا حيث الأضواء

المعلقة فوقهم وقالت مبتسمة

" يا إلهي .... لقد احترت ما سأختار مهراً لنفسي فالخيارات

كثيرة "


وضحكت ما أن ضحك الجالسين حولها عدا التي نظرت للجانب

البعيد متنهدة بضيق وفي صمت بينما قال رعد مبتسماً

" أعان الله ذاك الشاب عليك بالفعل "

فكشرت في وجهه بطفولية تشبهها وقالت تمسك خصرها بيديها

" معك حق تقول هذا فزوجتك كان مهرها اليرموك كاملة وكادت

أن تقوم حرباً في البلاد لتصل إليك أما أنا فأعانه الله علي بسبب

مهر عادي ! "

فضحك ورفع كفيه مستسلماً يذكرها وبصمت بحديثه ورماح

السابق عن نجاتهما من نساء عائلتهم وزاده أن قال مبتسماً

" عليا أن أسجد لله شكراً بالفعل "

فانفجرت ضحكة أستريا المكتومة تمسك فمها بحياء بينما لم

يخجل الكاسر في فعل ذلك علانية وبصوت مرتفع فضربت فخذها

بقبضتها ونقلت نظرها منه لشخص آخر قائلة بضيق

" جدي قل شيئاً فحفيدتك هذه التي تهان طوال الوقت "

ابتسم المعني بالأمر وقال

" لا تهتمي لهم فإن لم تسلبي عقله وقلبه ما كان ليتجرأ على

خطبتك من والدك وأنت في هذا السن "

فابتسمت برضا ورفعت رأسها بشموخ وأخرج مطر هاتفه من

جيبه وفي نيته قطع كل ذاك الحديث فوحده من استشعر التوتر

العصبي للجالسة بجواره تضرب بطرف حذائها على الأرض في

صمت بينما لازال نظرها بعيداً عن الجميع وقال ما أن

وضعه على أذنه

" أحضروا لنا العشاء "


*
*
*


ارتمت بجسدها على الكرسي خلفها ما أن سمعت باب المنزل

يغلق ونظرت للفوضى حولها بتعاسة فما أن غادر آخر ضيوفهم

حتى دخلت في جدال طويل مع والدتها التي كانت تصر على أن

تغادر هي ووالدها لحفل خطوبة ابن عمتها بينما تبقى هي

لتنظيف المكان الذي لن ترضى والدتها قطعاً بأن تتركه كما هو

وتغادر ليبقى لوقت عودتهم متأخراً وإن كان فيه فقدانها لأحد

ساقيها ، ولأنها لا تشعر بالرغبة في فعل أي شيء خارج هذه

الجدران ولا رؤية أحد أصرت على أن تبقى هي للقيام بهذه

المهمة لأن والدتها بالطبع لن ترضى ولا بأن تقوم أشهر شركة

تنظيف في البلاد بذلك فستعيد تنظيف كل شيء بعدهم بالتأكيد ،

ولم تستطع إقناعهما بسهولة للبقاء وكانت حجتها الأقوى من

عناد والدتها بأن مظهرهم سيكون سيئاً حال تغيبها خاصة أنها لم

تذهب لحفل افتتاح شركته في السابق .. وبالأخص أنهم لا

يزورون منزل عمتهم تلك إلا في المناسبات الرسمية ومنذ عدة

أعوام ، بينما تحججت والدتها بأن أغلب المدعوين هناك

سيكونون من سنها وبأنها ستمرح أكثر منها حتى كانت الكلمة

الفاصلة لزوجها الذي طلب منها أن تترك لابنتها حرية اختيار ما

تريد فعله وكأنه قرأ ما يجول بداخلها وكم أسعدها بذلك ..

وها هي هنا الآن وحدها وكما اختارت تجلس وسط الكراسي

المبعثرة وبقايا الطعام حتى أن البعض يبدو اختار الأرضية

الخشبية كمكان مناسب لرمي المناديل الورقية وبعض علب

الحلويات الصغيرة الملونة وكأنه حفل أطفال ...!!

الحفل الذي لا تعلم بما تصفه وآخر ما قد تسميه به بأنه حفل

لإعلان زواجها الذي لم تكن تعلم عنه أساساً وكأنها ليست

طرفاً فيه ...!

لكنها لم تمانع ومنذ البداية أليس كذلك ؟ فكل ما يحدث إذاً

سيعتقد الجميع بأنها موافقة عليه .


شدت اناملها بقوة على قماش تنورتها الناعمة ... الملابس التي

لم تغيرها منذ غادرت لعملها صباحاً فهي لم ترتدي ولا ثياب

عملها المخصصة تلك لأنها كانت ستغادر المطار خلال وقت

قصير كما طلبت من مديرها ووافق هو مُرحباً ومن حماقتها كانت

تظن بأن الأمور سارت كما تريد من تلقاء نفسها وليس كل شيء

كان مدبراً له منذ متى لا تعلم !

وقع نظرها على خاتم الزواج الأنيق في أصبعها وامتلأت عيناها

بالدموع سريعاً وهي تتذكر الشخص الذي ألبسها إياه والذي

شعرت وجنتها ولأول مرة بملمس شفتيه واختبرت دفء أنفاسه

من كل ذاك القرب وهو يهمس في أذنها بكل تملك بأنها أصبحت

له وكأنه يذكرها هي بذلك لا الغير ..!

تذكرت أول لقاء لهما في المطار وكيف افتتنت به وأفقدها صوابها

بل وبعثر مشاعرها وعبث بها بكل سهولة .. لو أن أحدهم أخبرها

حينها بأنهما سيصلان لهذا وبأنها ستلبس خاتمه في خنصر يدها

اليسرى لملأت قاعة الاستقبال في ذاك المطار بصراخها المبتهج

لكنه دمر كل ذلك وأولهم قلبها البريء المتيم به حين اختار وبكل

قسوة أن يواجهها بحقيقة وضعهما وبمشاعره نحوها وهو

يخبرها بأنها ليست المرأة التي يريد وبأنها مجرد وسيلة جديدة

لإرضاء والدته ، تتعجب أحياناً لبراعته في أداء ذاك الدور فلم

يبدو عليه أبداً بأنه مجبر وهو يتلقى التهاني من الحضور الضيق

الذي التف حولهما مهنئين !! أم أنه يمكنه السيطرة على مشاعره

كما يفعل مع كل شيء وأولهم تلك الطائرة الضخمة

التي يقودها ؟!


وقفت ومسحت عيناها بظهر كفها بقوة ونظرت حيث علب الهدايا

التي حملت كل واحدة منها اسم صاحبها وسقط نظرها تحديداً

على العلبة المخملية الأنيفة الزرقاء اللون بحوافها الذهبية وكأنها

قطعة من بذلته المميزة تلك والتي وقف بها بين الجميع في أناقة

وتميز كم بدا فريداً من نوعه بينما تقف هي بجانبه كطائر رمادي

باهت وكئيب وسط حديقة مليئة بالأزهار الملونة وهي ترتدي

ملابس الخروج البسيطة لم يترك لها الحق ولا بأن تتأنق كمن

هم مثلها أو أقل منها في مثل هذه المناسبة وكأنه يذكرها مثل

كل مرة بأنها أقل منه وفي كل شيء .


انقبضت أناملها لا شعوريا وكأنها تمنع نفسها المتمنعة أساساً

عن الاقتراب منها وفتحها ... مؤكد تحوي طقماً ماسياً فاخراً

يشبه خاتمه بل ومستواه المادي وعالمه وما هي أكيدة منه بأنه

لم يشتريه ولم يختاره بل ولم تكن فكرته أساساً ككل شيء

يحدث منذ رأتها والدته في ذاك الحفل قبل أعوام قليلة فلن

تجد في داخلها أي رغبة ولا من باب الفضول لرؤيته .


أسدلت جفنيها المرهقان تخفي تلك النظرة الكئيبة في عينيها التي

سرعان ما أرسلت أول قطرتين حارتين تسابقتا على وجنتيها

الباردتين تتذكر ما حدث عندما اعتذر ليغادر لأن وقت رحلة

طائرته قد اقترب ووجدت نفسها في موقف سيء وأمام الجميع

حين طلبت منها والدتها مبتسمة بأن ترافقه للباب الخارجي ..

وكيف كان لها أن ترفض وبأي حجة وهي قد أصبحت زوجته في

مجتمع يرى ذلك عادياً وإن من باب الصداقة ؟ فما كان أمامها من

خيار آخر سوى السير معه وفي صمت حتى كانا عند سياج

المنزل المنخفض والمحاط بالشجيرات التي اختارت أخشابه

للتسابق عليها في تنسيق رائع ، وكانا عند البوابة الحديدية

الصغيرة والمنخفضة أيضاً والتي تفصلهم عن رصيف الشارع

العريض ووجدت نفسها في مواجهته وهو يستدير ليقف مقابلا

لها فاختارت الهرب بنظرها منه لكل شيء حولهما كما اختارت

الصمت عما يتوقعه بالتأكيد وهو تعليق لاذع منها عن كل ما

يحدث ووصلها صوته الهادئ حينها وإن لم يخلو من نبرة الثقة

المصاحبة له دوما

" اعتقدت بأن العداء بيننا قد انتهى فعلا يا كنانة ؟ "


وحين لم تعلق أضاف وبعد نفس عميق استطاعت أن تسمعه

بوضوح وكأن صبره قد نفذ وفي وقت قصير جدا

" إن كنت منزعجة بسبب الحفل فلا يد لي في كل هذا

ولم أختره "


" أنت لا تختار شيئاً أبداً... "


ذاك كان أول ما قالته وهي ترفع رأسها ونظرها به محدقة في

عينيه بجمود .. ومن خلال نظراته التي تنقلت بين عينيها علمت

بأنه يحاول ترجمة كلماتها بالشكل الذي عنته تحديداً وكم تمنى

قلبها الغبي حينها أن قال

( لقد اخترتك أنتِ )

لكنها لن تسمع ذلك بالطبع لأنها ليست الحقيقة وتحركاته هنا

جميعها عبارة عن مجموعة أوامر قد تم تقريرها مسبقاً ، سحبت

نفسا عميقا ولازالت محدقة بعينيه البنيتان اللتان تأسرانها حتى

في صمتهما المبهم وقالت حين طال صمته الذي تعلم بأنه لن

يحرر نفسه منه

" أتعلم ما معنى ان يخبرك أحدهم بأنه تمنى لك أن تسعد بالفعل

في مكان لا يجمعكما ؟ "


وبلعت غصتها كما ألمها مع ريقها وهي تتابع بصوت خرج هشا

هامسا رغما عنها

" ذاك شعوري نحوك الآن "

قالتها بالرغم من الألم الذي صاحب كلماتها تلك يؤذي قلبها قبل

كرامته فقد اكتفت من الصمت وأداء دور السعيدة الراضية طوال

وقت ذاك الحفل والذي لم تتقنه أساساً وهو يعلم ذلك جيداً فلما

يدعي الحمق الآن وبعيداً عن الجميع ؟

أغمضت عينيها بتنهيدة عميقة ولم تسمع حينها سوى صوت

صرير البوابة النحاسية وذاك الجسد الطويل المتناسق

يغادرها ....

لا بل هي سمعت شيئاً ما قبلها ... شيئاً يشبه صوته الجاد الواثق

متمتماً وهو يستدير مغادرا

" ليس أنت من يحدد هذا "


فأدارت وجهها ناحية المكان الذي كان فيه وغادر منه تنظر لتلك

الجهة بعينين ممتلئة بالدموع وكم تمنت حينها أن ركضت خلفه

وصرخت بملء صوتها بأنه بالفعل ليس هي ولا حتى هو من

يحدد هذا فحتى مشاعرهما عليها أن تتبلور حسب المسرحية

الهزلية التي وجدت نفسها فيها .

مسحت بقوة الدموع التي لا تعلم كيف ملأت وجهها هكذا تنظر

باستغراب وتوجس لقفل باب المنزل الذي تحرك فجأة مصدراً

صوتاً واضحاً في صمت المكان قبل أن يستدير مقبضه وانفتح

الباب ببطء كادت أنفاسها أن تتوقف معه خشية أن يكون أمراً

سيئاً قد حدث مع والديها ! وهمست باستغراب ما أن ظهر لها

الجسد المتواري خلفه " عثمان !! "


فابتسم شقيقها الوحيد والذي أغلق الباب دون أن يلتفت له

واقترب منها قائلا

" ما بك وكأن شبحاً ما قد دخل لك ؟ "

قالت تنظر له ونظراته تتجول في المكان الذي لازال كما تركه

" ظننتك في بريستول ! "


رفع كوب عصير لم يلمسه أحد بعد وارتشف منه القليل قبل أن

يقول وهو ينظر له بين أصابعه الطويلة

" كان ثمة صديق لي يعاني مشكلة ما ولم يعد الوقت يكفي

لأدرك حفلهم ... سأتصل برواح فيما بعد وأهنئه "


راقبته بعينين ضيقتين وهو يرتشف باقي العصير فلن تنطلي

حجته عليها أبداً فهو لطالما كان يجد الحجج كي لا يدخل منزل

عمته تلك فلم يتجاوز بعد ما حدث في الماضي على ما يبدو عكس

والديهما اللذان احتفظا بالمناسبات الخاصة ليوطدا صلة القرابة

الهشة تلك وتحامل والدهم على كرامته بينما لم يفعل هو ذلك ولن

تستغرب هذا منه فهو شخص حساس للغاية وإن كان لا يظهر

ذلك أو لا يحب أن يبدو عليه وتصرفه هذا حيال عائلتهم أكبر

دليل ...

العائلة التي شتتها وبكل أسف أحقاد ذاك الشاب المغرور قاسي

القلب والمدعو ( تيم ) .


تنهدت بعمق محاولة إخراج نفسها من تلك الأفكار فيكفيها تعاسة

وأفكاراً تشبهها ونظرت للذي وضع الكوب واقترب منها قائلا

" ولما لم تذهبي أنت معهما ؟ لا تقولي أن وا.... "


وبتر جملته وقد وصل عندها ونظر لعينيها باستغراب قائلاً

" كنانة ما بك ! ما الذي يبكيك ؟ "


أنزلت نظرها مع رأسها تنظر ليديها ولذاك الخاتم اللامع نظرة لو

أنه رآها لعلم الجواب دون أن يسأل وهمست بخفوت

" لا شيء "

لكن ذاك الجواب لم يقنعه كما أنه لا يمكنه إقناع أحد فامتدت يده

لذقنها ورفع وجهها له وقال ينظر لعينيها وجفنيها المحمران

" لا يمكنك الكذب بهذا الشأن يا كنانة فكلانا لم يعد طفلا "

أبعدت وجهها وحررته من قبضة أصابعه بينما اكتفت بالصمت

فدس يديه في جيبي بنطلونه وقال بريبة ينظر لنصف وجهها

الذي تشيحه عنه

" لا أفهم ما سبب هذه الدموع وفي هذه الليلة تحديدا ؟

لقد فاجأتني مشاعرك ! "


كانت تعلم بأن ذكائه سيدور به حول الأمر حتى يصل للبه فكان

عليها أن تجد عذراً مناسباً لكنها لم تستطع أيضا منع الدموع من

الترقرق في عينيها حين نظرت لعينيه مجدداً قائلة ببحة

" لقد ... لم أكن أعلم بأن الأمور ستتطور سريعا هكذا .... ثم ...

وأنا أجد حقاً أن ترككم والمغادرة بعيداً أمر يصعب تنفيذه "

فابتسم حينها مبدداً جميع مخاوفها وأمسك وجهها بيديه قائلا

" كيف لم تلحظِي أو تفهمي ذاك من مكالمات والدته ووالدتي !

أنا توقعت ذلك "


أجل كيف كانت من الغباء بأن لا تلاحظ ؟ وكيف كان لها أن تخمن

ذلك وهي لم تكن أساساً تهتم بمكالماتهما ولا تسترق السمع لها

بل ولم تكن تسأل والدتها عن فحواها ولا من باب الفضول ؟

حتى أنهم قاموا بتغيير مخططاتهم للحفل وعقد الزواج عدة مرات

وهي كالبلهاء تقف في مكانها بينما يسير العالم من حولها راسماً

خطوط مستقبلها !

رفعت نظراتها الدامعة به حين مسح إبهاماه على وجنتيها
المحتقنتين بشدة وقد تابع بذات ابتسامته

" ثم ومن هذه التي كانت تريد وتتمنى العودة للوطن وإن مع

زوج يأخذها لوحدها ؟ "


هربت من نظراته مجدداً ولا تعلم حتى متى سيحاصرها وستتهرب

هكذا ! همست بخفوت تشد أصابعها بقوة

" الحديث عن الأمر أسهل بكثير من تنفيذه ... أشعر فعلاً

بأني تسرعت "


قالت جملتها الأخيرة بتردد تحدق بعينيه ولم تشعر بالندم قط

لتفوهها بذاك وإن كانت الأسباب الحقيقية لازالت سجينة قلبها

فهي تشعر بالاختناق فعلا وتحتاج لأن تتحدث مع أحدهم ..

وما يزيدها كآبة بأنها لا تستطيع فعلها مع أحد فحتى رواح

والوحيد الذي يحمل سرها معها لن يجد الوقت الآن ولا

للاستماع لها .


ملأت الدموع عينيها مجدداً حين قال وقد انزلقت يداه عن وجهها

" كنانة أتعين معنى هذا ؟ أنت في موضع الآن لا يسمح بإعادة

النظر للأمور فقد أصبحت زوجته "


أرجفها سماع تلك الكلمة بطريقة هي نفسها لا تفهمها فهل

يفترض بها أن تسعد بهذا أم تكرهه !

من منهما عليه أن يكون مسيطراً على الأمر قلبها أم عقلها ؟

ذاك الجزء الحالم في داخلها والذي يريده وبتملك وإن أراد

غيرها أم ذاك الوميض الذي ينذرها بالخطر كلما تناست

واقعهما المرير ذاك مذكراً إياها بمستقبلها معه ؟

قال حين طال صمتها وبجدية تشبه نظراته لعينيها

" ثم هذا ليس بعذر لتترددي يا كنانة وزوجك ركوب الطائرة

والسفر بها بالنسبة له كنزهة صباحية بسيارته فسيكون بإمكانك

زيارتنا متى تشائين خاصة إن كان كما أشار سيتركك تمارسين

مهنة المضيفة في رحلاته إن أردت ممارسة عملك المحبب وإن

كنت لا تحتاجينه "


حركت رأسها بحيرة وعلقت الكلمات في حلقها ولم تعرف ما تقول

فقال بلهجة غامضة أرعبتها

" أم أنك تعنين الجميع بالتسرع يا كنانة ؟ "


ها هو يحوم حول السبب الحقيقي كما كانت تتوقع ولا تريد للأمر

أن يتطور أكثر من ذلك ، قالت بشبه همس

" نحن لا نعرفه ... لا نعرفهم ... أعني أننا ... أنا خائفة من

خوض التجربة وأشعر بأني حوصرت في وقت قياسي "


فحرك رأسه بالنفي وكأنه يوصل الجواب لأفكارها قبل أذنيها وقال

بجدية ويداه تمسكان بذراعيها بقوة

" لا تفكري ولا للحظة واحدة بأننا سلمناك لذاك الشاب لا ننظر

سوى لمزاياه المادية وابن من يكون ... لقد تناقشت ووالدي

طويلا في الأمر سابقاً واتصلت بزملاء كانوا لي هنا في الجامعة

وقد عادوا للبلاد وسألت عنه كثيراً ولن أتمنى لك زوجاً غيره يا

كنانة وإن كان لا يملك قرشاً واحداً "


ابتلعت غصتها مع ريقها كما الكلمات التي لا يمكنها إخراجها

بينما تابع من لم ينتظر تعليقاً منها

" كنانة عليك أن لا تتركي لتلك الأفكار مجالاً لتضعك ووالديك في

موقف محرج بل وسيء فالأمر لا يمكن التراجع عنه الآن "


ها هي نقطة والديها تعود مجدداً وها هو شخص آخر يذكرها

بذات الحقيقة القاسية والأمر الوحيد الذي يكبلها كالأغلال فإن

كانت سابقاً والأمر مجرد خطبة شفهية محاصرة به فكيف بالآن ؟

هي بالفعل خسرت المعركة وبقرار واحد منه وفي أي لحظة كانت

ستجد نفسها تجلس في الطائرة بجواره ماضيان للمجهول .


أولته ظهرها وبدأت بجمع الكؤوس الفارغة من الطاولة ووضعها

في الصينية الكبيرة التي جلبتها والدتها لتوصلهم للمطبخ بها فلن

يفهم أحد ما تشعر به في داخلها كما لن تستطيع قوله والصراخ

به في وجه الجميع كما تفعل ساندرين طوال الوقت والتي لم

تحسدها على ذلك كما الآن .... لن يفهم أحد ولا ذاك الوسيم

المتهكم والسبب في كل آلامها التي كانت ولازالت ولن تنتهي

بالتأكيد .


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 09:17 PM   #12122

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



*
*
*


شدت أناملها بتوتر واجتازت باب الغرفة الخشبي ذو الطلاء

المتهالك بشقوق عريضة ودخلتها للمرة التي لم تعد تعلم كم تكون

وهي تجوب المنزل الصغير المقتصر على تلك الغرفة والمكان

المطل على السماء السوداء الصافية والمزينة بالنجوم فها قد

قارب وقت الفجر ولم يرجع بعد ولا تعلم أين ذهب وماذا يفعل كل

هذا الوقت ! لو لم يكن من زاره هنا أويس عبد الجليل والذي

عرفته من صوته الذي لن تنساه أبداً لكانت خرجت الآن تبحث

عنه في المزارع الموحشة كالمجنونة ... لكن المدعو أويس غادر

قبل أن يغادر هو فإلى أين ذهب ؟ حضنت نفسها وجسدها الذي

ارتجف بقوة ما أن استجلب عقلها فكرة أن ذاك الشاب دخل منزلاً

يعلم بأنها موجودة بداخله وإن كان ملكه في الأساس وليسوا

سوى مستأجرين له ... فلم يغب عن مخيلتها ولا للحظة ما حدث

ذاك اليوم في مجلس شعيب وأشقائه ولن تتخيل أبداً لولا ظهور

يمان فجأة ما كان سيحدث لها يومها ؟ ارتجف جسدها مجدداً

وبطريقة أرعبتها وهي تتخيل بأنهم زوجوها للمدعو أويس

بالفعل ...! ليس لها أن تتوقع أي حياة تلك التي كانت تنتظرها

معه وهو يكره حتى نطق اسمها أو أن يذكرها أحداً أمامه ....!

لكنها كانت ستكون حياة واقعية خالية من الكذب والخداع كما الآن

أليس كذلك ؟ حركت رأسها بقوة تطرد منه كل تلك الأفكار ..

لكنها لن تستطيع طرد حقيقة أنه لن يكون ثمة أويس آخر

سينقذها من انكشاف كذبتها في المرة القادمة إلا إن كانت ستتبع

خططاً أخرى أقل ذكاءً وأكثر فاعلية كأن تتعذر بدورتها الشهرية

مثلاً .. لكن ذاك السلاح أيضاً لا يمكنها استخدامه فهو من يجلب

لها تلك المصيبة المحرجة في كل مرة ودون أن يسألها أي

أنه يراقب الوضع ويعلم متى تزورها ومتى ترحل عنها .

تأففت بعصبية مفرطة تلعن أفكارها الحمقاء فهذا ليس وقت

التفكير في تلك الأمور فلتطمئن أولاً بأنه لازال على قيد الحياة

ولازال له وجود في عالمها ثم لتفكر في كيفية التخلص من

اقترابه منها أو من كذبتها الحمقاء تلك وللأبد لتشعر بالراحة

وإن ليوم واحد في حياتها .

تصلب جسدها وتيبست مكانها ما أن سمعت صوت باب المنزل

الحديدي يفتح وزحفت الابتسامة ببطء لملامحها الشقراء

المتجهمة فها هو على الأقل لازال موجوداً وعلى قيد الحياة

ثم لكل مصيبة مصيبة أخرى تعالجها بالتأكيد .

لم تستطع التحرك من مكانها والخروج من الغرفة أو لم ترغب

بذلك كي لا تزعجه مجدداً بخوفها المبالغ فيه كما يصفه واكتفت

بالنظر له بعينين ملئهما التوجس والحيرة وهو يدخل الغرفة

مطأطئ الرأس بالكاد وصلها همسه وهو يلقي السلام ! وتفرست

في ملامحه التي بدا التجهم واضحاً عليها وإن لم تراها جيداً

ونظرها يتبعه وهو يجتازها جهة الخزانة الحديدية الوحيدة في

الغرفة ! وخرجت الكلمات من شفتيها متصلبة وكأنها بحثت

عنها لأشهر

" ما بك يا يمان !! هل حدث شيء ما لشخص تعرفه ؟ "

وعلقت نظراتها بذاك الظهر العريض الواقف أمام الخزانة

المفتوحة وما كان لها أن تتوقع غير ذلك من تجهمه المخيف

وتصرفه الغريب الليلة بما أنه لا أهل لها هي ولا عائلة ...!

ولها أن تتوقع أي مصيبة قادمة في الطريق فيبقى المدعو أويس

أحد أبناء عائلة غيلوان وإن لم يحمل طباعهم وتلك العائلة نذير

شؤم بالنسبة لها .. وذاك الشعور يصعب عليها تخطيه مهما

حاولت ومهما كان خاطئاً فالسنوات التعيسة التي عاشتها بسببهم

تشهد بذلك إلا إن كان ذاك الغيلواني المسالم اكتشف كذبتها

تلك وأخبره .... !!


رفعت ظهر أناملها لشفتيها تراقبه عيناها الذاهلتان وهو يخرج

ثيابه النظيفة من الخزانة ولم يجب على سؤالها وكأنه لم يسمعه

تتخيل أن ظنونها تلك حقيقية ....؟ لكنه لم يضربها لم يصرخ بها

مزمجراً ولم يمسكها من شعرها الغجري الأشقر الطويل ويرميها

خارج منزله !!


ولم تشعر بأنفاسها تعود للعبور خلال حلقها المتيبس إلا حين

استدار وقال بجمود وهو يجتازها مجدداً

" جهزي نفسك سنغادر "

فتبعته نظراتها المصدومة والغير مستوعبة لِما قال ولم تستطع

منع نفسها من اللحاق به ووقفت عند باب الغرفة وقالت بقلق

تنظر له وهو يتجه لباب الحمام

" هل عائلتك جميعهم بخير يا يمان ؟ "

وبالكاد سمعت صوته مع صرير باب الحمام الذي فتحه

وهو يدخله

" بخير جميعهم "


وغاب عنها خلف الباب الذي أغلقه خلفه وتركها تنظر لمكانه

باستغراب قبل أن تدخل الغرفة مجدداً ونظرت للساعة الصغيرة

أو التحفة الوحيدة الموجودة هناك والمعلقة على الجدار المطلي

بالأبيض الناصع وعبست ملامحها عاقدة حاجبيها الأشقران فلم

يتبقى على وقت الفجر سوى ساعتان فلما يغادران الآن

وإلى أين ؟

لم تستطع التحرك من مكانها ولم تترك لها الأفكار المشوشة

وقتاً لفعل ذلك حتى سمعت صوت باب الحمام يفتح وما هي إلا

لحظات ودخل من غادر منذ قليل شعره لازال مبللاً وقطرات من

المياه انزلقت منه على عنقه ووقف ينظر لها فأبعدت نظرها

ليديها تشد أصابعها بقوة فرمى الثياب من يديه ووصلها

صوته سريعاً

" أما زلت مكانك ؟ أخبرتك أن تكوني جاهزة "


فرفعت نظراتها له وهو يتحرك نحو الخزانة مجدداً وقالت

" هل سنترك الجنوب ؟ لكنك لن .... "


قاطعها وهو يدس النقود التي أخرجها من هناك في جيب بنطلونه

" لا لن نغادر "


وتابع وقد استدار وتحرك نحو باب الغرفة مجدداً

" سنزور الحميراء ونرجع ... تحركي بسرعة يا مايرين

فالمسافة تحتاج وقتاً "


وخرج وتركها تنظر للباب الغارق في الظلام باستغراب ...

الحميراء !!

ما الذي سيأخذهم من هنا لغرب الهازان ! وشحبت ملامحها

وتخيلت أن تضع إصبعها على صورة خريطة بلادهم ممررة إياه

من جنوبها الشرقي حتى شمالها الغربي تقريبا وانتابها الهلع

فجأة !! هي تعلم بأنه من الهازان لكنه من إحدى بلدان خماصة

فما علاقة الحميراء بذلك !

انتفض جسدها وتحركت من مكانها ما أن سمعت صوت سيارته

في الخارج فعليها أن تستعد كما طلب قبل أن يغضب منها أكثر فلا

يبدو بأنه في مزاج حسن إطلاقاً وهذه الحالات هي الأندر في

شخصيته التي عرفته عليها لذلك فمن التعقل أن تأخذ بنصيحة من

يقول بأنه عليك أن تتقي شر الحليم إذا غضب ، لم يكن بإمكانها

تخمين المكان الذي قد يذهبان له لكنها ورغم ذلك ارتدت الفستان

الذي لبسته ليلة زواجهما والذي أهدتاه لها شقيقتا شعيب غيلوان

فهو أفضل شيء تملكه وقد يكون يفكر في زيارة والده وإن

وصفه بالميت سابقاً وعليها أن تكون حسنة المظهر فأقرب ما

يمكنها تخمينه بأنهما سيزوران أحدهم هناك ، أخرجت كيساً من

الخزانة ووضعت فيه ثوباً آخر لها ووضعت ثيابه التي نزعها فهو

لا يملك غيرهم وستقوم بغسلها حيث سيصلان فهي لا تعلم حتى

الآن كم من الوقت سيمكثان هناك .

وحين دخل الغرفة مجدداً كانت تلبس عباءتها ولفت حجابها

سريعاً فستقوم بترتيبه جيداً فيما بعد المهم الآن أن تتحرك

فوراً .. وهذا ما فعلته أمام نظراته التي لم يفارقها التجهم البارد

حتى الآن !

وما هي إلا لحظات وكانت سيارتهما تغادر المزارع المظلمة تشق

طريقها عبر الطريق الترابي الرطب ففركت يديها بتوتر ودستهما

في حجرها وقالت تنظر للظلام من نافذتها

" لو أننا انتظرنا حتى بزوغ الشمس بدلاً من أن نعبر خلال

أراضي شعيب وأشقائه في هذا الظلام الموحش "


فوصلها صوته البارد فوراً

" لا أريد أن نصل لمن سنزورهم في وقت متأخر من الليل

وكأننا ذاهبان لننام فقط ، ولا أرى سببا مقنعا يجعلك تخافين

منهم هكذا "


حضنت نفسها بذراعيها وكأن برودة كلماته تلك لسعت جلدها

فهي لم تعتد هذا الأسلوب منه ولا تفهم حتى الآن ما الذي

يزعجه هكذا !

اتكأت بطرف جبينها على النافذة وهمست بخفوت

" لو أنك تسمع ما يقال عن أراضيهم وما يحدث فيها لما

كان هذا كلامك "

ولم يعلق كما لم تنتظر هي ذلك فلا يمكنها أن تنظر لهم كما يفعل

هو من لم يعرفهم ويعرف أراضي الجنوب سوى من أشهر قليلة

بينما من عاش فيه وعرفهم جيداً فلن ينسى ما قيل عن

الأشخاص الذين يدخلون أراضيهم ولا يخرجون منها ومن عمل

عندهم وتحدث عن الأمور الغريبة التي تحدث فيها فجسدها

يرتعد خوفاً فقط من التفكير في ذلك فكيف أن تفعلها وتكون

فيها ليلا هكذا ؟.


ولم تستطع أن تتنفس الصعداء وتشعر بالارتياح حتى كانا في

طرقات البلدة الترابية الواسعة وإن كانا لم يعبرا سوى من

الطريق بين أراضيهم ولم يدخلاها لكن الفكرة ذاتها كانت ترعبها

، وما أن أصبحت بلدة أباجير خلفهما وأصبحا على خط الجنوب

الزراعي حتى خرج الجالس خلف المقود عن صمته ومن ظنت

أنه لن يتحدث أبداً ووصلها صوته هذه المرة عميقاً غريباً

" سنزور منزل زوج شقيقتي هناك "


فرفعت رأسها ونظرت لنصف وجهه المقابل لها ولم يحتج الأمر

أن تتفرس في ملامحه لتفهم أكثر سبب مزاجه ذاك وتغيره

الآن ... شقيقته تلك وراء ذلك إذاً ؟ لكن ما الذي جعله يقرر

زيارتها فجأة وهو من كان يرفض ولا مجرد الحديث عنها !

هل ستفهم أخيراً ما كان يعنيه بأنه خذلها ؟

أم أن شقيقته تلك ستكون كتومة أكثر منه !

ليس لها أن تتخيل بأنه قد يفعل ذلك مع شقيقته وهو من أظهر

كل تلك الشهامة معها هي التي لا يعرفها !


نظرت لعباءتها السوداء المغلقة أزرتها وكم حمدت الله أنها

لبست ذاك الفستان فها هما سيزوران أحدهم بالفعل ...

لكن تلك السعادة لم تدم طويلاً فسرعان ما وصلها صوته العميق

مجدداً مخترقاً صوت محرك السيارة

" هي زوجة لابن أيوب الشعّاب وجوزاء شاهين الحالك "


فلم تستطع منع تلك النظرة المتسعة من الصدمة وهي تحدق به

ولا انفراج شفتيها بتلك الشهقة الصامتة فإن كانت تجهل اسم ذاك

الرجل فهي تعلم جيداً من تكون تلك المرأة .. لا بل تعرف ذاك

الاسم أيضاً والذي حمله العديد من المنتجات المحلية التي تصل

لبلداتهم تلك !

ولم تستطع جمع صورة واحدة لشاب من تلك العائلة الثرية

المعروفة مع شقيقة الذي منذ عرفته لا يملك أكثر من قوت

يومه !

أم أنه من عائلة معروفة أيضا ولا تعلم !

لكنه أخبرها سابقاً بأن منزله احترق وأنه لا يملك غيره وبأن

عمله يقتصر على زراعة الأراضي وفلاحتها وتعرفه لا يكذب أبداً

قالت حين وجدت القدرة الكافية على التحدث

" ونحن ذاهبان لهم الآن ؟ "

وكان ذاك ما استطاعت قوله ببلاهة وكأنه لم يخبرها سابقاً

بوجهتهم !

وانتقلت نظراتها لملابسها مجدداً وشعرت بالتعاسة التي نسفت

بهجتها السابقة تماماً .. وكان وكأنما قرأ أفكارها هذه المرة أو

توقعها فقد وصلها صوته الجاف الجاد

" عليك أن لا تقلقي من مقابلتهم فهم ليسوا كما يصورهم

لك خيالك "

نظرت له سريعاً وحركت شفتيها في محاولة أخري للتحدث لكن

الكلمات أبت الخروج فهو لا يعطيها أي فرصة لتستوعب مفاجآته

المتتالية تلك فتابع هو وكأنه لا ينتظر منها تعليقاً أو يتوقعه وقال

ونظره لازال على الطريق أمامه ونبرته لازالت جوفاء ميتة

" ابنهم كان صديقاً لي منذ سنوات دراستنا الابتدائية وتزوج

بشقيقتي قبل انتقالي للجنوب بقليل "


رمشت بعينيها المحدقات بجانب وجهه في محاولة لتفسير كل ما

تسمعه ... إن كانت متزوجة من قبل مجيئه فما سر خذلانه لها

إذاً !

أيكمن السر في زواجها أم ماذا ؟ وهل صداقتهم هي سر زواج

ابن تلك العائلة منها ! هل رآها وقرر كسر الفوارق الاجتماعية

بينهما وتزوجها ؟ إن كانت تحمل ملامح شقيقها فلن تستبعد أبداً

أن تُوقع بأي رجل يراها وبسهولة ...

رطبت شفتيها الجافة بطرف لسانها وكل ما استطاعت قوله حين

وجدت صوتها وملامحها تتحول للبؤس فجأة

" ليتك أخبرتني سابقاً "


وندمت سريعاً على ما تفوهت به حين لاحظت بأن تجهم ملامحه

ازداد سوءاً وعلمت بأنها ارتكبت خطأ مريعاً وتلعثمت قائلة

" كن ... كنت ... كنا على الأقل فكرنا في هدية ما نأخذها لها "

" هي ليست بحاجة لهدايانا "

كان تعليقه سريعاً وقاسياً ليس عليها فقط بل وعلى نفسه أيضاً

وهذا ما هي أكيدة منه فهو ولسبب ما لازالت تجهله يراها لا

تحتاجه ولم يعد له أي دور في حياتها !

قالت بجدية

" الهدية في معناها يا يمان ليس في قيمتها وإن كنا نحتاجها

أم لا فكم من ساكني قصور يحتفظون بزهرة يابسة فقدت كل

معنى للجمال فقط لأنها ذكرى من شخص يحبونه "

لكن كلماتها تلك كانت وصوت محرك سيارته سواء بالنسبة له

على ما يبدو فلم يكلف نفسه ولا عناء الرد عليها فنظرت ليديها

في حجرها وتنهدت بأسى بل ولاذت بالصمت فهو في مزاج

لا يسمح له ولا بسماعها على ما يبدو ... لكنها لم تكن تعلم بأن

المزيد كان في انتظارها حين وصلها صوته جاداً حازماً

هذه المرة

" ما أريدك أن تعلميه جيداً يا مايرين أنه وبالرغم من صداقتي

لابنهم وأنه زوج شقيقتي إلا أن لي حياة خاصة لا يغير فيها

ذلك شيئاً "

رفعت نظراتها الذاهلة به وكان ينظر لها هذه المرة وكأنه يحتاج

لأن يفهم جوابها من قبل أن يسمعه ونظراته لم تفارق حدقتاها

الخضراء المتسعة فتنفست بقوة قبل أن تقول بشبه همس

" أي فكرة هذه التي تكون في عقلك عني يا يمان ؟ "


عاد بنظره للطريق واشتدت أصابعه على المقود قائلا

" ليس عنك بل عنهم وما قد يعتقدون بأنه قد يؤثر بي "


فهمت الأمر الآن فهو يبدو يتعرض لضغط من صديقه ذاك ليحسن

من وضعه المعيشي وهو يرفض ولن يكون يمان الذي تعرفه إن

لم يكن كذلك ، ارتسمت ابتسامة محبة على شفتيها وإزداد فخرها

به كما إعجابها بالرغم من أنها تكره أن ينظر لها بذاك الشكل

وبأنها قد تتأثر بما قد تراه أو تسمعه هناك ، قالت بحزن ولازالت

تنظر لجانب وجهه

" يؤسفني بأن أخبرك بأني أسوأ منك في هذا .. كما يحزنني

أكثر أن يكون هذا انطباعك عني "


توقعت منه الصمت حينها ليثبت لها بأنه لازال مقتنعاً برأيه

وكلماته لكن ما حدث لحظتها فاجأها فعلاً ويده تترك المقود

وتمسك بيدها وقد رفعها لشفتيه وقبّلها بعمق ونظره لازال على

الطريق قبل أن ينزلها لفخذه ولازال ممسكاً بها بقوة مما جعلها

تخرس ونهائياً تاركة الصخب والصراخ لقلبها المرتجف وسط

أضلعها .


*
*
*



رمت اللحاف عن جسدها وجلست تنظر جهة الشرفة المظلمة

والمغطاة بستائر شفافة متدرجة في تجمع أنيق فالأمر لم يعد

صوراً تهيئها لها مخيلتها فهي أكيدة من أن حركة أغصان شجرة

التوت المرتفعة إليها ليست طبيعية !

مدت يدها لأحد الأزرار قرب سريرها وما أن ضغطته حتى عم

النور كامل الغرفة ورفعت هاتفها ونظرت للساعة فيه قبل أن

ترميه على السرير قربها وعادت بنظرها للشرفة مجدداً وتذكرت

فوراً حكايات الكاسر عن الشرفات والتي ظنت بأنه يخيفها بها

ليس إلا فهي لطالما كانت تحب اقتناء الغرف المطلة على شرفة

ومنذ كانت في بريطانيا وتعشق الوقوف صباحاً في الهواء النقي

ما أن تستيقظ وكم أحزنها أن منزل والدها لم يكن طرازه القديم

يحوي على الشرفات رغم أنه تم تجديده وعلى مر أعوام ...!

وفي منزل والدتها في العمران وهنا في منزل رعد اختارت وعلى

الفور غرفة لها شرفة واسعة ولم تكن تخاف قَط من وجود بابها

الواسع فيها فلطالما عاشت ضمن نطاق أمني ضيق وحراسة

مشددة لكن ما تسمعه الآن بات شيئاً يبعث للشك والرهبة فزحفت

من بين أغطية السرير الناعمة حتى غاصت قدماها في السجادة

الناعمة وانتفضت واقفة على طولها ما أن لمحت خيالاً ما لا تعلم

أهو حقيقة أم وهم صوره لها خوفها ؟ ما تعلمه حينها بأنه عليها

الهرب من هناك ثم التفكير فيما ستفعل بعدها ...

وما أن فكرت في الاستدارة حول السرير حتى انفتح باب الشرفة

بقوة مما جعلها تنتفض صارخة وتحركت من مكانها قافزة دون

أن تنظر ولا لما يحدث هناك وكانت على استعداد لفتح حلقها



للصراخ راكضة لولا الذراع التي أحاطت بخصرها ومنعتها من

اجتياز السرير واليد التي أطبقت على فمها وارتفعت قدماها

الحافيتان في الهواء مع ارتفاع جسدها وشعرت بذعر لم تعرفه

حياتها وعلمت أن محاولة التخلص من تلك القبضة القوية لن

تنفعها في شيء سوى إرهاق قواها وكل ما استطاعت فعله

حينها أن رفعت رأسها قليلا في حركة مباغتة جعلت شفتها

العلوية ترتفع قليلا وغرزت أسنانها في طرف تلك الكف الكبيرة

التي لازالت تطبق على فمها بقوة مما جعلها تتحرر منه وما أن

فكرت في تنفيذ مخططها القديم في الصراخ والركض جهة الباب

أوقفها ليس فقط اليد التي أمسكت بذراعها بل والصوت الذي قال

من خلفها بضيق

" انتظري يا مجنونة ستوقظين ساكني المنزل بأكملهم "


حينها فقط تسمرت مكانها وكأن القدرة على الاستيعاب عادت

لها فجأة !

ولم تتعرف على ذاك الصوت الرجولي العميق فقط بل والعطر

الذي كانت وكأنها لا تستنشقه من قوة ذعرها !

وما أن أدارتها تلك اليد لتصبح مواجهة له حتى انهارت ليس

قواها فقط بل ودموعها التي انهمرت بغزارة على وجنتيها

واستقبل صدره لكماتها المتتالية صارخة ببكاء

" أحمق .... أفزعتني يا أ..... "


وانقطعت كلماتها في حضنه الذي شدها له من فوره وأحاطها
بذراعيه يحضن ارتجافها بقوة قائلاً

" لو أنك تجيبين على اتصالاتي ولا تعتصمين عني هنا ما كنت

لألجأ لمثل هذه الطرق فلم تتركي لي حلاً غيره "


ابتعدت عنه حينها دافعة ذراعيه عنها وقالت بضيق تمسح

دموعها

" ألم تجد طريقة غير هذه ... كدت تقتلني من الخوف "


تجاهل كلماتها لأن نظره واهتمامه كانا منصبين على كفه قبل

أن ينفضه قائلا بضيق وملامح متألمة

" وألم تجدي أنت طريقة غيرها لتدافعي عن نفسك ؟ "


قالت بعبرة عادت للسيطرة على صوتها مجدداً

" وما كنت تنتظر مني وأنت تمسك بي وتمنعني من الصراخ ؟ "


أمسك خصره بيديه وقرب وجهه منها وقال يشير برأسه جانباً

" وأين كانت كل هذه الشجاعة حين كنتِ في ذاك الملهى ؟ "


نظرت له مجفلة قبل أن تبتسم بألم قائلة

" يبدو أن تلك التجربة ما جعلني أتعلم درساً جيداً "


وتابعت بضيق تمسك خصرها بيديها

" لن نتحدث عن هذا الآن بل عن مجيئك هنا وأنا من سبق

وحذرتك واتفقنا يا قاسم "


قال بضيق مماثل يقلدها متعمداً يمسك خصره أيضاً

" كنتِ أجبتِ على اتصالاتي إذاً بدلا من تجاهلها المتكرر هكذا "


فزمت شفتيها بقوة قبل أن تقول بتملق

" وما تفعله أنت بسماع صوتي فلا وقت لديك لذلك حسبما


أعتقد ؟ "


شد على أسنانه وكأنه يكتم غضبه قبل أن يقول بحزم

" تيما لا تكوني طفلة ... أيستحق الأمر منك كل هذا الغضب ! "


أشارت بسبابتها نحو الأسفل بينهما قائلة

" بل يستحق أكثر من ذلك فما كان سيحدث لي إن كنت أواجه

خطراً ما وأنا أتصل بك وأكرر الاتصال وتتجاهله لتجيب بعدها

برسالة ....! يا لك من مهمل مستهتر "


قال بدفاع رافض

" لم أكن خيارك الوحيد يا تيما .. كما أني كنت مشغولا بالفعل "


قالت بغضب

" وما الذي عليه أن يكون أهم مني ومن اتصالي وأنا التي لا

أفعلها عادة ؟ "

حرك سبابته مشيراً لوجهها وهو يقول بضيق

" ها قد وصلنا للنقطة الأهم فها أنت تلاحظين جيداً بأنك لا

تتصلين بي مطلقاً وكأنه ليس لك زوج يفترض أن تسألي عنه

وإن برسالة قصيرة ! "

نظرت له بعينين متسعة قبل أن تكتف ذراعيها لصدرها قائلة

" أتصل بك لماذا وما الذي تفعله باتصالي فأنتم الرجال لا تحبذون

هذا كما أظن .... "


وتابعت تشير له بكفها مفروداً

" ثم إن كنت لا أتصل عادة ولم تكلف نفسك بالرد عليا حين

اتصلت فكيف إن كنت أفعلها دائما ؟ كنت ستغلق الخط في

وجهي بالتأكيد "


نظر لها بذهول وقال يشير لنفسه

" أهذه فكرتك عني ! "


فردت ذراعيها جانباً قائلة

" بل عن الرجال جميعهم فوالدي لم يكن يحب حتى أن أتحدث

عما هو ليس ضروريا ... هكذا اعتدت وتربيت "


ضيق عينيه متمتماً

" وستعاملينني كما كان يعاملك والدك ! "


حركت رأسها مع رفعها لكتفيها قائلة ببرود

" بل كما كان يحب أن أعامله ألست رجلا مثله ؟ أنتما سواء

إذاً وهذا ما أثبته لي مؤخراً بنفسك "


فتأفف ممسكا جبينه بأصابعه قبل أن يقول وهو يبعدها

" تيما بالله عليك لن تعاقبيني أكثر من ذلك بسبب أمر تافه "


نظرت له بصدمة وقالت

" أمر تافه ....! هل ما حدث تراه أمراً تافهاً ...! مقتنع تماماً بأنك

لم تخطئ "


أمسك وجهها بيديه وقبل جبينها وقال ما أن نظر لعينيها التي

تعلقت بعينيه

" بل مخطئ وكل ما أفعله خطأ فقط توقفي عن معاقبتي بهذا

الشكل البشع "

نظرت لعينيه بصمت لبرهة قبل أن تقول بجمود

" ولن تكررها مجدداً ؟ "

أبعد يديه عن وجهها قائلاً

" وهل بي عقل يفعلها ! لقد انتقمت مني شر انتقام ... "

وتابع يشير بيده جانباً

" بل يكفي أن أرى اسمك على شاشته لأكون لديك على الفور "

فزحف العبوس لملامحها وقالت باستياء

" لا يمكنك إلقاء اللوم علي في هذا أبداً فأنا أفهم جيداً معنى ما

تقوله ... ثم لا تنسى بأني حين كنت أتصل بك في السابق كانت

مكالمتنا تنتهي جميعها بأن تغضب مني بل وتهينني أيضاً وتغلق

الخط في وجهي ولا تتحدث معي بعدها لأيام "


قال يحرك كتفه بلامبالاة

" ذاك كان في الماضي كما تقولين وأنت أكثر من يعلم

ما كان عليه ماضينا "


قالت بضيق

" أرأيت نفسك ! أنت لا تنسى أبدا ولن تفعل "

فسحب نفساً عميقا وأمسك صدغيه بأطراف أصابعه قائلا

بنفاذ صبر

" يا إلهي لا تصيبيني بالجنون يا فتاة "


فضربت الأرض بقدمها الحافية قائلة بضيق

" بل أنا من ستصاب بالجنون بسببك ... ألم نتفق على أن لا

نلتقي حتى تتغير نظرة والدتي للأمر وتوافق ؟

لا وقادم لمنزلها هنا ! "

نظر لها ببرود لتغييرها مسار حديثهم فجأة هذه الخبيثة

الصغيرة ..!!

كتف ذراعيه لصدره وتمتم بجمود

" منزل رعد وليس منزلها "

قالت بضيق أشد من بروده المفاجئ تشير له بسبابتها

" أنت أخللت بالاتفاق وأيا كانت المسميات ولا يمكنني أن

أثق في وعودك مستقبلا ومهما كانت "

اتسعت عيناه بذهول وقال مدافعاً وهو من أشار بيده لنفسه

هذه المرة

" تيما توقفي عن لومي وكأني المخطئ دائماً "


قالت من فورها وبسخط

" بلى أنت المخطئ وأنت تقفز لغرفتي كطرزان "

نظر لها بصدمة تجمدت معها ملامحه لبرهة قبل يقول بسخط

مماثل

" ألم تجدي شخصاً أفضل منه تشبهيني به ! "

قربت وجهها منه وقالت تحركه حتى تحركت غرتها الناعمة مع

حركته وكأن الهواء يتلاعب بها

" لا بالطبع فروميوا كان يقف تحت الشرفة ويغني ولا يتسلقها "

أمسك نفسه بصعوبة عن إمساكها وتقبيلها بعنف وقال متملقاً

يقلدها

" وطرزان أيضاً لم يكن يتسلق الشرفات "


رمت يدها متمتمة ببرود

" هو كان يتسلق كل شيء على أي حال "


فحرك رأسه مبتسما وأمسك وجهها مجدداً وقربه من وجهه

وجنونه بها بدأ يتغلب عليه وهمس من بين أسنانه ينظر لحدقتيها

الزرقاء الواسعة

" عليك أن توقفي هجومك الشرس هذا أو أني سأتّبع ذات

الأسلوب معك وطرق هجومي ليست شريفة مطلقاً فها

أنا أحذرك "


نظرت له بعينين متسعتين ليس بسبب ما قال فقط فقد بادلها

هو أيضاً ذات النظرة ما أن علا صوت الطرقات على الباب

عند أول الغرفة خلفها .. ودون شعور منها ولا وقوف لحظة

للتفكير دفعته بيديها بقوة جهة الشرفة المفتوحة وأغلقت الباب

خلفه ، وما أن نظرت لمقبض الباب الذي استدار ببطء قفزت على

سريرها جالسة تبعد شعرها المتناثر عن وجهها لحظة أن انفتح

الباب وظهرت من خلفه التي جعلت قلبها توقف ما أن رأتها وكم

حمدت الله أنها طرقت الباب ولم تدخل مباشرة فما ستظنه بهما

حينها بل وبها تحديداً ؟!

كانت تمسك مجموعة أوراق تحضنها بيدها بينما حجابها الأسود

على شعرها دون أن تمسكه بدبوس مما يعني أنها كانت في

الأسفل فهي تستخدم مكتب رعد هذه الفترة ولم تنم حتى الآن

بالتأكيد لأن حفل افتتاح البرج سيكون غدا .

" تيما لما أنت مستيقظة حتى الآن وما هذه الأصوات في

غرفتك ؟! "

قالت عبارتها تلك تنظر لها باستغراب بينما كانت تحدق هي فيها

بصدمة لم تستطع اجتيازها بسهولة فقد ظنت لوهلة بأن ما نبهها

ضوء الغرفة المتسلل من تحت الباب لكن الأمر يبدو كان أخطر

من ذلك وكم حمدت الله أن حديثه الأخير كان بصوت منخفض ،

وما أن أبعدت شفتيها لتقول بأنها كانت نائمة قبل قليل واستفاقت

بسبب أصوات أخافتها في الخارج وهي الحقيقة وإن كانت ناقصة

حتى ماتت الكلمات على طرف شفتيها وهي ترى تلك العينان

السوداء الواسعة تبتعدان عنها للسرير بجانبها وحيث يوجد

هاتفها الذي رمته سابقاً وتعلم جيداً ما سيخبرها عقلها به الآن

عن سبب سهرها حتى هذا الوقت .. وجاء حديثها مؤكداً ذلك

حين قالت ببرود وهي تستدير ودون أن تنظر لها

" ثمة أمور يمكنها الانتظار حتى الصباح فنامي الآن بسرعة "

واختفت خلف الباب الذي أغلقته خلفها ونظراتها الحزينة تراقب

مكانها بأسى فبالرغم من أنها لم تعد غاضبة منها ولم تتحدث عن

الأمر ولا وقت اجتماعهم جميعاً هنا ولم تعد معترضة وإن جزئياً

لكنها تقرأ في نظراتها رفضاً واضحاً للأمر برمته وذاك ما يحزنها

وكم تتمنى أن تصبح نظرتها له كنظرة والدها وجدها .


التفتت جهة الشرفة سريعاً ما أن سمعت الطرقات المنخفضة على

زجاجها وزحفت مغادرة السرير من فورها وتوجهت نحوها

وأغلقت بابها بإدارة المفتاح الخاص به فلن تهمل إغلاقه جيداً

مجدداً ، أبعدت خصلات غرتها خلف أذنيها ووقفت ملتصقة

بالباب هامسة بتهديد

" غادر فوراً يا قاسم قسماً إن رأتك والدتي أن أغصب منك

غضباً حقيقياً هذه المرة "


وصلها صوته المتضايق فورا

" حقيقي ! وهل رأيت المزيف مثلاً ؟ "


فأمسكت ابتسامتها بأسنانها وقالت بجدية تحذره

" بل لم ترى شيئاً أبداً فغادر بسرعة قبل أن تسوء الأمور بما لا

يمكن معالجته "

قال من فوره

" أجيبي على اتصالاتي إذاً "


نظرت خلفها بخوف قبل أن تنظر لخياله خلف الزجاج مجدداً

وهمست

" سأفعل "


قال سريعاً

" وثمة أمور عليك رؤيتها في المنزل لآخذ رأيك فيها "


اتسعت عيناها بصدمة وقالت برفض

" لا هذه لن تحدث أبداً ولن تخل باتفاقنا السابق يا قاسم أو

لن تراني أبدا "

وابتسمت ما أن سمعت تأففه الواضح قبل أن يقول ساخطاً

" أمري لله ... لست أعلم من الكبير الراشد فينا "

وسمعت خطواته يبتعد تلاه صوت أغصان الشجرة وذات الصوت

الذي سمعته سابقاً فابتسمت تمرر كفها على زجاج الشرفة البارد

هامسة

" أحبك يا متهور لكن ثمة ما هو أهم من كل هذا "


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 09:19 PM   #12123

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*


لمست بأطراف أنامها الحلق الماسي المتدلي من أذنها وهي

تبتسم للداخلين للتو فذاك الباب الواسع لم يتوقف عن استقبال

ضيوفهم الليلة ويبدو لن يحدث ذلك قريباً .. استقبلتهما بترحاب

وضحكت لتعليق المرأة على أناقتها فهي في هذه الليلة تحديداً

سينظر لها الجميع بنظرة مختلفة وإن كانت أنيقة دائماً تهتم

بمظهرها وكونها فرد من عائلة السلطان المعروفة في تلك البلاد

فإن كان الانجاز الأول الذي تفعله المرأة في حياتها بأن تنجب

وإن طفلاً واحداً فالآخر هو أن تراه يتزوج .. لكن ما لا يعرفه إلا

القلة بأنها اختبرت هذا الشعور وعاشته سابقاً وبكل صدق حين

تزوج وقاص ومن كانت تعتبره الابن الأول لها ومن قبل أن تختبر

شعور الأمومة أو تعرفه ولن تكذب أبداً إن قالت أنها لم تجد

الشعور اليوم مختلفاً رغم قلقها الشديد إن كان بالنسبة لزواج

وقاص المتزعزع وبشكل ملحوظ مؤخراً أو بسبب اختيار ابنها

للفتاة التي قرر الارتباط بها ... وانتقل نظرها سريعاً ناحيتهما

فبينما كانت ملامح رواح مسترخية يضحك ويمزح مع الجميع

وقد برز في بذلة سوداء أنيقة ومميزة بالفعل الليلة كانت الواقفة

بجانبه تدير وجهها بين المدعوين طوال الوقت متجنبة الحديث

مع أي ممن يتحلقون حولهما من حين لآخر بينما تمسكت

ملامحها الشقراء الجميلة ببرود قاتل ...

هي لا تكره أن تكون ساندرين زوجة لابنها كما أنها تحبها وترى

شخصيتها متطابقة تماماً مع شخصية ذاك المشاكس الذي لطالما

أتعبها وعلى مرور أعوام حياته لكنها تخشى فعلاً من الفشل

الذريع لزواجهما أيضاً وهي التي لن تتمنى في الوجود شيئاً

كاستقرار ابنيها وسعادتهما وهي ترى وبوضوح أن ساندرين لا

تتقبل كل ما يحدث بالرغم من أنها من أعلن موافقتها عليه سابقاً

وعلى العلن !

لكنها لم تبدي إلا الكره له ومنذ طفولتهما ولن تلوم سوى ابنها

المجنون ذاك على هذا ..

وما زاد الأمر سوءاً أنه لم يبلغها أحد بأن ما يحدث الليلة ليس

مجرد حفل خطوبة لهما بل ما جلب ضرار من مشروعهم الضخم

والمهم في تلك الجزيرة إلى هنا اليوم هو عقد القران الذي تم

بالأمس ولأنهم في مجتمع حفلات الزفاف فيه تقام في الكنائس

اختاروا إقامة هذا الحفل في قصر العائلة بينما كانت باقي

الإجراءات قانونية فقط .. لكن ما أراحها أن رواح قرر سلفاً بأن

إتمام الزواج متوقف حالياً وحتى وقت لم يقرره وتأمل فعلا بأن

يكون ينوي ترك ذلك لزوجته تلك فستكون الأمور أسهل حينها

ولن تجد نفسها مع زوجة ابن أخرى غاضبة في منزل عائلتها.

تنهدت بحزن وهي تنقل نظرها منهما للمعني بالأمر ومن لم تتركه

نظراتها هذه الليلة ولم يكن سوى وقاص الذي كان على حالته

ذاتها منسجم تماماً في الحديث مع مجموعة من أصدقائه المقربين

ومن كانوا ضمن المدعوين الليلة وكانوا ثلاث شبان وفتاتان ممن

يعملون معه في مكتب المدعي العام .. كما يبدو أنهم انتهزوا

الفرصة جيداً ليتحدثوا فيما لا يتوقفون عن التحدث عنه بالطبع

وحتى في حفل كهذا لا يمت لعملهم بأي صلة ...!

كانت تراه كما يراه كل من وقع نظره عليه منفصلاً تماماً عما

حوله وهو يبدو كمن يدير نقاشاتهم تلك بحرفية لا يهتم بشيء

آخر غيرها في تلك الحفلة وذاك المكان الواسع الذي بدأ يمتلئ

سريعاً بأصدقاء العائلة المنحدرين من أصول انجليزية لأغلبيتهم

لكنها كانت ترى أيضاً ما لم يراه أحد وهو أن انعزاله المتعمد ذاك

لم يكن تاماً وكاملاً كما يوحي للجميع أو يقصد أن يُظهر ذلك كما

تجزم فوحدها بالتأكيد من استطاعت أن تلحظ تلك النظرات القليلة

الخاطفة التي سرقتها عيناه الجامدة نحو شقيقه نجيب

وزوجته ...

المرأة الواقفة ملاصقة له تقريباً يدها تحضن ذراعه ومن بدت

أنيقة بل رائعة وفاتنة الليلة وليس لها أن تقول غير ذلك وهي

من لم تكن لتتخيل أن تراها في حلة أجمل مما رأتها عليه في

الحفل السابق والذي أقاموه من أجل النجاح الأول الذي حققته

شركتهم الجديدة وها هي تخون توقعاتها فذاك اللون الدافئ

لفستانها الطويل الناعم تناغم وبشكل آسر مع لون شعرها وجمال

بشرتها النقية ولون عينيها الواسعة وكم تخشى مما يخفيه قلب

ابنها الذي لم تنجبه ذاك فهي تعرف وقاص جيداً ولها أن تتوقع

موقفه الدفاعي عنها بسبب ظروفها وما أصبحت عليه هنا لكنها

تخشى أيضاً من انحدار تلك المشاعر لما هو أسوأ من ذلك رغم

هروبها المتكرر من الاستسلام لتلك الأفكار فوقاص لن يكون بتلك

الأخلاق المتدنية أبداً فحتى وإن كان زواجه ينزلق نحو الفشل

التام إلا أن تلك المرأة متزوجة ومن شقيقه مهما كان ذاك الزواج

خاطئاً وظالماً ... وبالرغم من كل ذلك لازالت مخاوفها تطفو

للسطح كلما رأت نظراته تستقر عليها وهي من ربت ذاك الشاب

وعرفته جيداً فكل شيء في وقاص تغير تقريباً منذ أصبحت تلك

الفتاة هنا ... لا بل تحديداً منذ أصبحت زوجة لنجيب وخرجت من

عزلتها الطويلة لتشارك العائلة حياتها وكل ما تتمناه أن تكون

مجرد مشاعر إنسانية تلك التي تدفعه للمحاربة من أجلها وبكل

تلك الشراسة كقريبة له أولا وكشخص يتعرض للظلم ثانياً حتى

إن تخلصت يوماً من ذاك الزوج الفاشل فهو لا يستحق أن يخرج

من جحيم الزواج بجمانة للتورط مع من تراها لا تجيد شيئاً سوى

كرههم وبالإجماع بل وانعزالها عن كل شيء حولها وكأنها

تعيش عالماً خاصاً رغم سواده ترفض أن يشاركها أحد فيه

وأيا كان ..

فحتى هنا وفي المكان الذي عج بالضحكات والأحاديث المختلفة

كانت نظراتها تنتقل بين المدعوين فقط ... نظرات خاوية غامضة

أحياناً ومتفحصة أحياناً أخرى وكأنها تخزن صوراً للجميع في

عقلها أو تبحث عن أحدهم في تلك الملامح بينما تجهل اسمه !

فهي تراها لا تشعر بأي شيء من حولها ولا حتى تلك النظرات

الرجولية الخاطفة التي تحيطها بحماية حذرة ترفض الخضوع

لقوانين صاحبها والابتعاد عنها رغم عزمه على فعل ذلك وكم

باتت تخشى على حياة ابنها ذاك من الانحدار للأسوأ فأحواله

جميعها لم تعد تعجبها .... هجرانه الشبه تام للمنزل ..

شجاراته المتكررة مع نجيب وعلاقته الشبه منقطعة مع زوجته

والهشة مع جده والمتدنية مع الجميع !!

حتى أن صديقته الانجليزية تلك والمدعوة إلينا لم تكن مع عائلتها

الليلة هنا وقد اعتذروا بلباقة بالنيابة عنها ويبدو واضحاً بأنها

تتعمد عدم المجيء !.

تنهدت بعمق مجدداً وهي تعود بنظرها إليه وكانت نظراته هذه

المرة مركزة عليهما عكس السابق !!

فتحركت نظراتها سريعاً نحوهما وغضنت جبينها تنظر باستغراب

للرجل الذي أصبح يقف معهما ... كان تقريباً في الخمسين من

عمره وله ملامح عربية واضحة ولم تستطع فعلاً أن تحدد سنه

فلا يبدو أن للون الأبيض مكاناً في شعره الداكن بينما تؤكد

الخطوط في فكيه وملامحه أنه في سن متقدم نسبياً ويبدو أنه

لا يفتقد للحيوية والصحة لكنها لا تعرفه ولم تراه سابقاً !!

أخرجها من أفكارها تلك كما انتزع نظراتها عن تلك الجهة اليد

التي لامست كتفها فنظرت سريعاً للذي قال مبتسما بفتور

" لا تقولي شاهر أهذا أنت هنا ؟ فأنا أقف خلفك منذ وقت

وأنت لا تشعرين "

استرخت ملامحها قبل أن ترتسم ابتسامة صادقة على شفتيها

ولامست يدها ذراعه قائلة بضحكة صغيرة

" لم تترك لي شيئاً أقوله إذا "

وتبدلت نظرتها للاستغراب حين نظر حوله ثم خلفه وكأنه يبحث

عن أحدهم أو ثمة من كان برفقته ويود أن يقدمه لها ! وليس

لها أن تتخيل أن يفكر في جلب تلك المرأة معه مجدداً بعدما حدث

وفعلته تلك المرة ، راقبت بتوجس نظراته التي تبدلت للحنق

وهو يجول بنظره بين الموجودين وكأنه يبحث بالفعل عن أحدهم

وانتقلت لها العدوى سريعاً لعلها تفهم على الأقل من هذا الذي

جاء بصحبته فهو لم يفعلها سابقاً حفاظاً على سريات هويته

الانجليزية المزيفة ليتم تقديمه على أنه مجرد صديق للعائلة !

وما أن كانت ستعود بنظرها إليه لتسأله إن كان يبحث عن أحدهم

ابتعدت بنظرها سريعاً جهة باب الشرفة الزجاجي الواسع

والمفتوح وسرق نظرها تحديداً الشاب والفتاة الداخلان منه

متخالفان بذلك مع الجميع وبشكل متعمد تفهمه جيداً وهو رفض

ذاك الشاب أن يحتك بها وهو متأكد من وجودها هنا قرب الباب

مع ضرتها تستقبلان الضيوف .. ورغم كل ذلك فهي لم تتأثر

باستنتاجها المحبط للآمال ذاك وقد قالت مبتسمة بسعادة

" أليس هذا ابنك وزوجته ؟

لم أكن أتخيل أن تفعلها تلك الفتاة وتجعله يأتي !! "


قالت جملتها تلك وقد انتقلت نظراتها نحو الذي تخطاها نحو

الداخل متمتما ببرود

" لا جدوى مما تفعلونه جميعكم ... لما لا تقتنعون بذلك ؟ "

فتبعته نظراتها الحزينة المتأسية وهو يبتعد في اتجاه آخر لن

يجمعه بابنه ذاك بالتأكيد وكم يحزنها وضعهما بل ووضع جميع

أفراد عائلتها فعلاقته بشقيقه تأخذ ذات المنحدر كما علاقة

شقيقها ذاك بها وهو من اتهمها وعلانية بأنها تقف في صف

شاهر ولا يمكنها أن تراه مذنباً بينما معه هو العكس مما سبب

انقطاع شبه تام بينهم منذ تلك المشكلة أو الشجار العنيف الذي

دار بين الشقيقين قبل أعوام وكان سببه الرئيسي ذاك الابن الذي

لا يعترف بأي منهم ولا يراهم عائلة له .


انتقلت نظراتها جهة من أصبحا قربها يتبادلان التحية مع ضرتها

والدة ضرار وابتسمت بحب وهي تستقبلهما فكأنما خرج هذا

الرجل من أفكارها ! وها هو يقول مبتسماً بتكلف واضح

" نعتذر عن التأخر الخارج عن إرادتنا ... مبارك زواج

ابنك يا رقية "


فقالت بسعادة تمسك بيده بكلتا يديها

" سعيدة بحضوركما وأنا من عليها أن تعتذر لأني لم أكن معكم

في الحفل في منزلكم "


فابتسم وافترقت أيديهما بسبب التي قالت وقد اقتربت منها وقبلت

خدها مبتسمة

" مبارك لكم ولنا إذا فمصابنا واحد "


وتشاركتا الضحك فبالرغم من الفتور الواضع في علاقتها بشقيقها

الذي لم يعد يزورها سوى في المناسبات وبدعوة رسمية أيضاً

فإن زوجته تراها تختلف في أفكارها عنه وكأنها ترفض كل ما

يحدث وكم هي ممتنة لهذا فحتى كنانة توقفت عن زيارتهم ومنذ

أعوام ولن تلومها في ذلك فهي في هذا ستراعي مشاعر والدها

في جميع الأحوال وذاك ما حاولت شرحه لها متأسية بعكس

شقيقها عثمان والذي كان غضبه أسوأ من والده فهو انقطع عنهم

وبشكل نهائي عكس البقية وكم تتمنى بالفعل أن ينتهي هذا

الشقاق بين الأشقاء والذي تراه لن يتحقق مادام ذاك الشاب

المدعو تيم غاضب من الجميع وكأن غضبه ذاك لعنة عصفت

بهم جميعهم لن تختفي تبعاتها إلا باختفائها .


*
*
*


شتت نظراتها الباردة بعدم اهتمام بعيداً عنه بل وعنهما وقد

سئمت فعلا من تصنيف مشاعرها فهي لم تكن هكذا أبداً ولم تحتج

يوماً لأن تلتفت لهذه التفاهات وليس عليها أن تتساءل مجدداً

عن توجيه مشاعرها اتجاه هذا الرجل المسمى خالها ولا بأن

تسمح لكل ما يقوله ذاك المحامي الفاشل أن يؤثر في أفكارها

فجميع من في هذا الكوكب مجرد أعداء حقيقيون لها ..

عليها أن تصنف الجميع على هذا النحو وحتى خالها دجى وابن

شقيقه فهم في النهاية تركوها وحيدة حين اقتنعوا بأنها لم تعد

بحاجة لأي أحد فقد فعلوا ما يستطيعون عليه... أليست تلك كانت

عبارة طبيبها الأخيرة والتي قالها في وجود مطر وهو لم يعارض

أو يناقشه فيها ؟ إذا هم فعلو ما في استطاعتهم وهي لا تحتاج

لأي منهم .. هذا ما قررته وعازمة عليه .

ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها الجميلة الرقيقة ونظرها

الشارد يتبع حركة سيدة شقراء تتمايل في فستان حريري طويل

مبتسمة ... هل هي بالفعل قررت ذلك لأنها لم تعد تحتاجهم ؟

لا بل الواقع أقسى وأسوأ من ذلك بكثير فهي لم تفقد مربيتها

وحلقة الوصل الوحيدة بينهم فقط بل وباتت ممنوعة من الخروج

لوحدها من هذا السجن الذي بات أوسع الآن وبأوامر وجهت

للحرس الواقفين في الخارج تحديداً كما يُمنع على من في مثل

حالتها اقتناء هواتف شخصية فهي لازالت الفتاة المعلولة نفسيا

بل وعقلياً وفي نظر الجميع .. لكن ذاك لن يثنيها عما عزمت

عليه وهي تدخل هذا المكان وإن كلفها حياتها .

رسمت ابتسامة أخرى متكلفة على شفتيها لم تغير شيئاً في

ملامحها الباردة حين اكتشفت أن الحديث بات موجهاً لها وهي لا

تعلم بل لم تهتم فلم تجد فيما يتحدثان عنه شيئاً مسلياً أو مهماً ولا

ينقصها المزيد من الملل وتستغرب جدياً أن هذا المدعو نجيب لم

يدعو أحداً من شلة الفاشلين تلك المدعوون أصدقائه فهل خالها

من طلب هذا بسبب طبعه الانطوائي والذي تستغرب معه أن دخل

مكانا مليئاً بالأشخاص كهذا ! أم ثمة أسباب أخرى تجهلها تدور

في هذا الرأس الخبيث ؟

قالت ببرود وصوت بالكاد يُسمع

" آسفة لقد شردت قليلا "

ابتسم الواقف أمامهما ابتسامة أظهرت خطوط فكيه العريضان

بوضوح وقال ونظراته لم تترك عينيها

" وهل لي أن أعلم فيما تفكر ابنة شقيقتي الحسناء ؟ "

ولم ينتظر منها الجواب وقد تابع ونظره ينتقل للواقف ملاصقاً لها

" هل فكرت يوماً في قراءة أفكار النساء ؟ إنها أصعب مهمة

يورط الرجل نفسه فيها كما يقولون "


فضحك نجيب سريعاً وقال يرمقها بنظرة ماكرة

" بلى ومع ابنة شقيقتك تحديداً سيكون الفشل مضاعفاً

بل ومريعاً "

فتنهدت بضيق مبعدة نظرها عنه بل وعنهما وهما يتشاركان

الضحك لحظة أن اقترب منهم أحد الخدم المنتشرين في المكان

الواسع وهمس للواقف بجانبها شيئاً ما من خلف أذنه جعله

يسحب ذراعه تاركاً أصابعها تنزلق منها وغادر خلفه مباشرة

نظراتها تتبعه حتى اختفى خلف باب صالة الاحتفالات المرتفع

ويبدو غادر المكان بأكمله وتستغرب تكرار هذا الأمر كلما كانوا

ثلاثتهم معاً وكأن الأمر متعمد !! نظرت حولها تمرر نظراتها

ببطء بين الموجودين تبحث عن تفسيرات لأمور كثيرة باتت

تجهلها فهي لا تثق في أي منهم ولا تعلم لما تشعر بأنه ثمة شبكة

عنكبوت تحاك حولها في صمت ولن تتمكن من اكتشافها حتى تجد

نفسها عالقة فيها ؟!.


أجفلت بشكل خفيف ظنت بأنه لم يلاحظه أحد سواها حين لامست

أطراف الأصابع الباردة للواقف أمامها أسفل ذراعها ومرفقها

وكان ينوي قول شيء ما مبتسماً قبل أن تنطفئ تلك الابتسامة

تاركة تجهما غامضا في ملامحه .. ومن إبعاده السريع ليده

علمت بأنه فهم أمراً ما وأثبت ذلك حين قال بأحرف مشدودة

" تخافين مني يا زيزفون ....؟ من خالك ...! "

فأبعدت نظرها عنه وهمست ببرود تمرر أصابعها على مرفقها

حيث لازالت تشعر بلمساته تلك

" بل كنت شاردة الذهن ولم .... لم أكن أتوقع بأنها يدك "

تنقلت نظراته في ملامحها وقال بجمود

" لم تنسي الماضي ولم تشفي منه إذاً ...؟ ألا زالت تنتابك

الكوابيس ؟ لازلت ترين ذاك الرجل فيها ؟ "

حضنت نفسها بيديها تقريباً في حركة لا إرادية تبعد نظرها

عن عينيه وقالت بجمود

" افضل أن لا نتحدث عن الأمر "

قال وكأنه لم يسمع ما قالت

" عليك أن تنسي كل ذلك فهو لم يعد له وجود ... كان ماض

وانتهى يا زيزفون "

فنظرت له سريعاً ولم تشعر بنفسها مطلقاً وصوتها يخرج

مرتفعاً حاداً وإن لم يكن تغلب على الضجيج من حولهما وصوت

الموسيقى التي أصبحت تنبعث من مكان ما

" انتهى كيف ؟ ماذا عن القضية وعن إسحاق وعن عائلة ذاك

الرجل ؟ وتعلم بالتأكيد بأنهم يسعون وبقوة لنقل القضية هنا

لمحاكم بريطانيا فأنت تعلم عن كل شيء ومن حيث لا أعلم ..!

كما تعلم جيداً بأن اختبائي خلف اسم مزور لن يدوم طويلاً "


كان صدرها يرتفع ويهبط بقوة من شدة انفعالها الغاضب فابتسم

بسخرية وهو يقول

" أي الإثنين تعني انجي جاكسون أم سيلين إسحاق ضرار ؟

لم أعرف امرأة مثلك تعيش بثلاث شخصيات مثبتة قانونياً

وسليمة لا نقاش فيها وأن تكون زوجة لابن عمها باسمها

الحقيقي تحديداً ! "

شعرت بغضبها يزداد مع تصاعد أنفاسها من سخريته ولا مبالاته

أولاً ومن كم الحقائق التي يعلمها عنها ثانياً فهي لم تعطي هذا

الخال حجمه الحقيقي بالتأكيد ولا يبدو لها أنه الرجل الانطوائي

المنعزل الذي عرفته في الماضي ...!!

قال حين لاحظ غضبها المكبوت والذي أوشك على الوصول

للانفجار

" حسناً أنا لا أتحدث عن القضية ولا عن إسحاق بل عنك أنت

وعن تأثير ذاك الماضي في...."

قاطعته بحزم آمر تنظر لعينيه

" لننهي الحديث في الأمر خالي رجاءً "

ولم تعجبها مطلقاً نظرة عدم الاقتناع التي رمقها بها فلما يهتم

أساساً إن كان ذاك الماضي لازال يؤثر بها أم لا وإن كانت تنفر

بالفعل من لمسات الرجال غير المتوقعة أو المقصودة ؟

ماذا يتوقعون منها مثلاً ؟ أن تجتاز كل ما حدث وكأنه لم يكن ؟

لم تكن روحها وحدها ما أزهقت تلك الليلة بل وشقيقها معها

احترقاً كما احترق جسد والدتهما أمام عينيهما وكما دُمرت

براءتها وبوحشية أمام شقيقها ... بأي حق يطلبون منها النسيان

وتخطي كل ذلك ؟

هي ماتت وانتهت منذ ذاك الوقت وعليهم جميعهم الاقتناع بهذا

ومهما كانت أسبابهم ودوافعهم فقد كان بإمكانها اجتياز كل ما

مرت به وبقوة حتى الجنون الذي كادت تصاب به وأنجزوا الكثير

وصفقوا لأنفسهم مهنئين وهم يخلصوها من كل تلك العقد

النفسية التي التصقت بها لكن هذه لا ...

لا يمكنهم فعلها كما لا يمكنها تخطيها ولا مساعدتهم في ذلك فذاك

دُفن داخلها وللأبد كما دُفنت جدتها ووالدتها ووالدها من قبلهما

قبضت أصابعها المرتجفة بقوة ونظرت جانباً متجنبة النظر لعينيه

المحدقة فيها بجمود ولم تستطع فهم ولا دراسة أفكاره فهو ثالث

شخص يعلم عنها وعن ماضيها الكثير بعد خالها دجى ومطر

شاهين لكن لم يعد يمكنها الوثوق به كما في الماضي وإن كان

دافع عن سرها ذاك وبقوة وحتى أمام القانون .

تركزت نظراتها وحدقتاها الغائمة بلون غامق فجائي أطفى عليهما

زرقة عميقة لا تشبه لونهما الأساسي بتاتاً وهي تنظر للواقف

بعيداً ومن كان ينظر لهما بتركيز منفصل تماماً عن أحاديث

الواقفين حوله ولم تفهم نظرته المستغربة المتفحصة تلك عمّا

تبحث تحديداً وهو من كان يتجاهلها بتعمد واضح ؟

ويبدو وكما لاحظت أن تساؤلاته تلك جميعها تدور حول الواقف

أمامها الآن والذي يبدو أيضاً لاحظ بوضوح نظرتها تلك بل

وتجزم بأنه كاد يقرأها وهي تعود بنظرها لعينيه ورأت فيهما تلك

النظرة وهو ينقلها بينها وبين الواقف هناك قبل أن يقول ناظراً

لعينيها

" من يكون ذاك الشاب ؟ يبدو يعرفك ؟ "

لم تفهم أكان سؤالاً ذاك أم استجواباً ! وبأي حق يرمقها بنظرة

الاتهام هذه ؟

أعليها أن تكون دنيئة منحطة كزوجها ؟

وماذا يقصد تحديداً ومما يبدو غاضباً ؟

حركت شفتيها متمتمة ببرود

" ذاك شقيق نجيب من والده ، ماذا تظنه مثلا ... عشيقي ؟

أنت لم تنسى حديثك السابق عن عُقد الماضي بالتأكيد "

لم يعلق كما لم يدفع الاتهام عن نفسه بل تنقلت نظراته بين

عينيها في شرود مبهم وكأنه يحاول تذكر شيء ما وقال بعد

برهة وبوجوم

" أهو شقيقه المحامي ؟ ذكر لي أن له شقيق أكبر منه يمتهن

المحاماة ؟ "


نظرت بريبة لعينيه المحدقتين فيها بفضول وترقب حذر لاحظته

بسهولة وقالت بدهاء أنثوي يشبهها

" بل نائب للمدعي العام في محكمة أولد بيلي الجنائية "

واصطادت بصدمة النظرة المرتبكة التي رمقها بها قبل أن

تجحض عيناه في الفراغ بوجوم مخيف وكادت تجزم بأنها نظرة

ذعر تلك التي رأتها في عينيه والتي أخفاها وبشكل سريع

وغامض عنها وهو يحدق فيها مجدداً حين قال بأحرف مشدودة

" ماذا يعلم عن الأمر ؟ هل أخبرته ؟ "

" لا ... ولا يعلم شيئاً "

قالتها مباشرة ولازالت تحاول فهم ما يجري في دماغ هذا الواقف

أمامها والذي لم تعد تراه كما كانت في السابق منذ زرع ذاك

الرجل الشكوك في داخلها حوله وها هي تزداد الآن ...!!

راقبت نظراته المشتتة والتي كانت تتسم بالثقة والكبرياء قبل

قليل ! فمما هو خائف فحتى انكشاف خبايا الجريمة لن يدفع هو

ثمنه بل شقيقها ! أم يخشى أن يُحاسب قانونياً على تستره عن

الحقيقة ؟ وذاك ليس بالسبب الكافي أيضاً !.

قال ينظر لعينيها وبجدية

" لا يجب أن يعلم شيئاً إذاً ... سبق وأخبرت زوجك ذاك بأني لا

أريد التعرف على أفراد عائلته ولا أن يعلموا هويتي ومن أكون

بالنسبة لك "

وتابع بانفعال فجائي وغريب حين رمقته بشك

" من أجل سلامتك وسلامة شقيقك يا زيزفون فتوقفي عن

التحديق بي هكذا وكأني قطة مسجونة في قفص "

رفعت حاجبيها في نظرة تعلم بأنه فهمها جيداً وكأنها تقول له

( ما بك انفعلت فجأة وبدون سبب !! )

فتأفف ونظر لساعته من تحت كم بذلته الرمادية المنشاة قبل

أن ينظر حوله قائلا

" علي أن أغادر الآن فثمة موعد مهم لا يجب أن أتأخر عنه

وزوجك يبدو سيغيب طويلا "

وما أن أنهى عبارته تلك حتى غادر مبتعداً عنها بل ومن المكان

بأكمله نظراتها المشككة لازالت تتبعه حتى اختفى قبل أن تنظر

للجانب الآخر وللذي لم تحتاج للبحث كثيراً حول تلك الجهة

لتجده فقد ابتعد قليلاً عن المجموعة التي كان يقف معها منذ وقت

ولم يكن سوى وقاص ... وانعقد حاجباها البنيان الرقيقان وهي

تنظر للهاتف الذي كان يضعه على أذنه يبدو يتصل بأحدهم

وينتظر أن يجيب كما يبدو أن صبره بدأ ينفذ غضباً من الذي لم

يجب عليه حتى الآن .. ومن نظراته التي كانت مركزة على

المكان الذي خرج منه خالها للتو علمت ما ينوي فعله فشدت

قبضتاها بقوة تشد على أسنانها وتحركت من فورها ناحيته فعليها

أن توقف ذاك المتهور فوراً .


*
*
*




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 09:21 PM   #12124

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*


رفعت كم سترتها ونظرت للساعة في معصمها قبل أن تنظر

حولها حيث القاعة الواسعة والفخمة والتي بدأ عدد الأشخاص

فيها يزداد عن توقعاتها وهذا ما سيجعل مهمتها أصعب مما كانت

تريد وتتوقع وجل ما تخشاه أن يَخيب أملها وتخرج صفر اليدين

من هنا فلم يوافق مطر بسهولة لتكون في هذا المكان ورفض

وبشكل قاطع ما كانت تفكر فيه وتخطط له ولم تُصدق أذنيها حين

أعلمها بأنها ستكون عند جسر تشيلسي وأنها ستكون هنا بعدها

بساعات قليلة .

" هذا ما يفعله إلحاح النساء المزعج "

همست بها مبتسمة وهي تنزل كم سترتها مبعدة يدها فمخططها

لازال يحتاج لوقت وبما أنهما بالكاد دخلا فلن يغادر الآن بالتأكيد

إلا إن خان توقعاتها وقرر المغادرة فور وصوله .. ولن تستغرب

أن يفعلها فهو كان صامتاً متجهما طوال الطريق إلى هنا مما يدل

على أن شيء ما لا يروق له في التواجد في هذا المكان وليست

السبب الوحيد بالتأكيد ولن تتعب نفسها في التفكير فيه فذاك ليس

هدفها .


ارتد جسدها للأمام بشكل طفيف فنظرت جانباً لصاحب البذلة

الأنيقة والعطر القوي الذي ابتسم لها معتذراً حين اصطدم بكتفها

وهو يجتازها فاغتصبت ابتسامة متفهمة تراقبه وهو يبتعد لازال

يرمقها بنظرات متسائلة بين الحين والآخر ولن تستغرب ذلك

منه بسبب ملابسها هذه فهي لا تستطيع ارتداء فستان سهرة

جميل كما جميع النساء هنا لأنها لن تتخلى عن حجابها ومهما

كلفها الأمر وعليها أن تكون هنا لذلك ستتحمل تلك النظرات بل

وتتجاهلها فثيابها أنيقة باهظة الثمن وإن كانت لا تناسب المكان

والمناسبة .


ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها .. ابتسامة هي أقرب

للانتصار حين وقع نظرها على الجهة التي يقف فيها سبب هذا

الحفل وقد عرفته سريعاً من ملامحه الارستقراطية التي تميز تلك

العائلة ومن تلك الدمية الجميلة الشقراء العابسة التي يمسك

بذراعها بتملك .. ولن تلومها أبداً فببداية كهذه سيكون الزواج

هو أكثر مشروع فاشل يحاط بتمنيات النجاح .

ولم يكن ذاك ما أبهج سريرتها بل مجموعة الشبان الذين أصبحوا

يقفون حوله هو وزوجته بملابسهم السوداء الغريبة حتى أن لون

شعر كل واحد منهم كان كذلك ويبدو بشكل متعمد فملامحهم

انجليزية ولن يحملوا جميعهم ذات الصفة ! ويبدو أنهم أيضاً

يشكلون فريقاً في شيء ما وقد يكونوا من راقصي الهيب هوب

وأرادوا حضور زواج صديقهم على طريقتهم !!

كما يبدو أنهم من المقربين له وها قد وجدت أخيراً مجموعة شاذة

تشبهها وعليها الاقتراب منهم لبعض الوقت لتزيل الشبهات وتلك

النظرات عنها والتي تجعلها كالحمقاء فهدفها يبدو أنه لم

يصل بعد .

وما أن تحركت من مكانها حتى أوقفتها الأصابع الطويلة التي

التفت حول ذراعها النحيل وما أن نظرت خلفها بل وللأعلى قليلا

وكما توقعت كانت في مواجهة الملامح الرجولية المتجهمة بل

والغاضبة على ما يبدو وإن كان ذاك القناع الجامد يخفي ذلك

وببراعة .

قال بخشونة في أول حديث بينهما يكون هو الطرف فيه

" أليس من اللباقة أن لا تتركي مرافقك ؟ أم يعجبك التسكع

في حفل لا تعرفين فيه أحداً كما أظن ! "

رمشت بأهدابها الطويلة عدة مرات وفكرت سريعاً في أن هذا
الوجه سيصبح أكثر وسامة إن تصدق عليه صاحبه بابتسامة

ما .. وتخيلت نفسها تقول له ذلك بالفعل والآن تحديداً فلم تستطع

منع الابتسامة التي ارتسمت على شفتيها تخفي ضحكة ما تختبئ

خلف أنفاسها المسجونة في حلقها وعبثت أسنانها بشفتها تمسك

ابتسامتها أيضا وقالت بخفة

" معك حق فهذا أول ما سأقوله لمرافقي حين أجده "

مما جعل حاجباه يرتفعان لتترك أصابعه ذراعها فها هي تعيد

توجيه الضربة له وفي وقت قياسي لتجعل تصرفه هو الذي

يفتقد للباقة !

فمن هذا الذي اختفى وترك الآخر إن لم يكن هي ؟

وكان تعليقه الوحيد أن أدار وجهه للجانب الآخر متأففا بصمت

فهذا ما ينقصه امرأة ثرثارة أخرى طويلة لسان .

بينما راقبته عيناها بصمت تمرر طرف لسانها على شفتها العلوية

وما أن كانت ستتحدث وتريه من إبداعات النساء المزيد حتى لفت

انتباهها شخصان تحركت نظراتها معهما فوراً يتجهان حيث كانت

تخطط هي أن تذهب على ما يبدو فقد كانا واقفيْن بسبب شخص

ما يتحدث معهما وقد تحركا مجدداً من أجل البحث عن وجهة

محددة يقصدانها .. وضاقت عيناها الواسعة تنظر للشاب الطويل

الأنيق والفتاة ذات الفستان الأحمر الممسكة بذراعه شعرها البني

الناعم قد تناثر حول كتفيها وظهرها بنعومة تشبه ملامحها

وابتسامتها المتناقضة تماماً مع ذاك الوسيم العابس وهمست

بحنق طفولي

" الخائنان .. !! "

كيف لهذا أن يحدث فهما كانا أقصر منها في آخر مرة رأتهما

فيها معاً !

لما يتطور كل شيء من حولها عداها هي فقد علقت في ذاك

العمر على ما يبدو وبقيت مكانها فحتى تلك الطفلة الصغيرة

ها قد أصبح لها جسد مثالي وساقان طويلتان نسبيا عكسها

تماماً !

نظرت للواقف قربها والذي يبدو أن المشهد سرق إهتمامه أيضا

غير أن نظرته ازدادت قتامة عن السابق وكأنه غاضب من شيء

ما وبطريقة مخيفة ...!!

أدارت عينيها مجدداً جهة صاحب تلك الوسامة المدمرة ورفيقته

وتنهدت بأسى .

" هاي ... انظر لهذه المفاجأة يا رجل "

استدار شاهر حينها بنصف جسده في حركة سريعة ما أن وصله

ذاك الصوت الرجولي المرح وابتسم من فوره بمجاملة للرجل

الخمسيني والمرأة الشابة الممسكة بذراعه قائلا بنبرة عميقة

متزنة "

مرحبا سيد جوردان ... لم أتوقع أن أراك هنا ! "


واسترسل الرجل الانجليزي من فوره يروي له قصة رحلته التي

لم تكلل بالنجاح وسبب عدم مكوثه في جزر الأوركيني الشمالية

مما أتاح الفرصة للتي تركها خلف ظهره للابتعاد عنه بخطوة

صغيرة فكل ما تخطط له هو الاختفاء مجدداً والتوجه حيث كانت

تنوي قبل قليل .

*
*
*




" وقاص "
شدت كم يد سترته السوداء الفاخرة جهة مرفقه والتي كان

يرفعها بالهاتف لأذنه مناديه باسمه من بين أسنانها فأبعد نظره

عن المكان الذي علق فيه منذ وقت ونظر باستغراب للتي باتت

واقفة أمامه في الوقت الذي فتح فيه الطرف الآخر الخط أخيراً

فهمس والجمود لم يغادر ملامحه

" قليلاً فقط يا زيزفون "


وما أن كان سيبتعد عنها وذاك ما كانت تتوقعه فهو يخطط بالتأكيد

لأن يرسل أحدهم للحاق بمن غادر للتو لكنها لن تتركه يفعل ذلك

لن يدمر كل ما فعلوه لأعوام لحماية شقيقها ودفن في ماضيها

وللأبد .. لن تسمح له بفعلها ومهما كانت نواياه ، رفعت جسدها

ويدها ليده قبل أن ينفذ ما يخطط له ويبتعد عنها وسحبت الهاتف

منها في حركة لم يكن يتوقعها لما كان سمح لها بفعلها وإضاعة

الوقت عليه فإن غادر ذاك الرجل بوابة القصر الخارجية فلن يجده

مجدداً ومهما حاول وذاك ما يعرفه كلاهما .


نظر لها بدهشة وكأنه لم يستوعب حركتها تلك قبل أن يمد يده

لها قائلا بحزم

" أعطني الهاتف يا زيزفون ثمة مخابرة مهمة ثم يمكنك قول

ما تشائين ويمكنني سماعك "


دست يدها والهاتف فيها خلف ظهرها وتراجعت للخلف خطوة

قائلة بحزم

" لن أعطيك إياه لأني أعلم ما ستفعل وأخبرتك سابقاً أن

تبتعد عن كل ما يخصني يا وقاص "

حدق فيها بصمت قبل أن يقول بضيق

" ومن قال بأن الأمر يخصك ؟

لقد فهمت كلماتك السابقة جيداً ووصل ما تريدين قوله ضمنياً "

زمت شفتيها بحنق فهو لم ينسى كلماتها القاسية تلك إذاً ولن

ينساها بالتأكيد وتعلم بأن كرامته كما كبريائه جرحا وبعنف

بسببها لكنه لازال يعجز عن منع نفسه من حشر أنفه فيما

يخصها وإن أظهر عكس ذلك وتعلم جيداً بل وموقنة بأنه

سيستمر في البحث بعيداً عنها ، قالت تموه ذكاء المحامي فيه

كي لا يشك بهوية خالها ذاك وبأنها تبعده عنه تحديداً

" توقف إذاً عن مطاردة أصدقاء شقيقك ذاك ومراقبتهم فالأمر

يخصني أيضاً "

قال بحدة رامياً بحديثه السابق عرض الحائط

" وأي صديق ذاك الذي يأخذ كل تلك المساحة من أحاديثكما

منفردين وكأنكما تعرفان بعضكما جيداً ؟

بل وعربي الأصل ولم أراه سابقاً ولا من ضمن أصدقاء نجيب !

بل وليس في سن يناسب لأن تكون ثمة صداقة بينهما بينما ليس

لدى ذاك الفاشل أي أعمال ليكون له شركاء فيها أو أصدقاء

مشتركين ؟! "


اشتدت أناملها بقوة على الهاتف الذي لازالت تخفيه خلف ظهرها

وقالت بضيق

" عليك أن تعلم أمراً واحداً فقط وهو أن تبتعد عن طريقي

ولا تتدخل فيما يرفض غيرك أن تتدخل فيه "


مد يده لها قائلا بأمر ومتجاهلا كل ما قالته

" الهاتف يا زيزفون "


قالت برفض تبتعد عنه خطوة أخرى

" لا لن أعطيك إياه وذاك الرجل لا أعرفه وحديثنا كان

عابراً عادياً "


خرجت منه ضحكة ساخرة قصيرة لا مكان للمرح فيها قبل

أن يقول "

ولما كنت غاضبة إذاً ...؟ أنا نفسي لم أعرف فيك تلك المشاعر

إلا نادراً ! "


قالت بضيق

" ومن تكون أنت لتقيم مشاعري وانفعالاتي ومنذ متى تعرفني

لتحكم ؟ توقف عن افتعال المشاكل مع شقيقك بسببي لقد سئمت "


كانت تعلم بأنها كمن يحارب الهواء بما تفعل مع هذا العنيد فقد

أشار بيده حيث غادر سبب حديثهما ذاك قائلا بحدة

" هذا ليس عذراً لتمنعيني من معرفة هوية ذاك الرجل فهل لي

أن أفهم السبب ؟ "


كانت هي من ضحك تلك الضحكة الساخرة حينها وقالت

" مغرمة به وأحمي علاقتي معه منك ... أيكفيك هذا ؟ "


قال من فوره وبضيق

" زيزفون توقفي عن التفوه بالحماقات تعلمين جيداً أن ذاك

ليس ما أفكر فيه أو أعنيه "


حاولت أن تموه الحقيقة مجددا فعليها أن تطرد من رأسه فكرة

أنها تحمي هوية ذاك الرجل من الانكشاف وقالت بضيق مماثل

" ليس عليك تصنيف جميع رفاق شقيقك على أنهم مؤذيين ...

أنا قادرة جيداً على حماية نفسي "


مد يده لها مجدداً وقال بحزم

" أعطني الهاتف إذا وسأتأكد من نفسي صدق حديثك هذا ...

ولك أن توجهي لي الإهانات القاتلة حتى الصباح فلن أهتم "


فخرجت مشاعرها عن السيطرة نهاية الأمر وقالت بانفعال واضح

" توقف يا وقاص متى ستفهم ؟ حتى تصبح صفحة جديدة من

رسوماتي ؟ "
نظر لعينيها بصمت واستغراب استطاعت قراءة ما ورائه جيداً

فتأففت بضيق وأشاحت بوجهها عنه جانباً وسقطت يدها بجانب

جسدها وهاتفه لازال فيها وحدث ما توقعته جيداً حين وصلها

صوته ونبرته العميقة التي تبدلت للهدوء فجأة

" ما معنى هذا التهديد يا زيزفون ؟ من هذا الذي قد يقتلني

إن استمررت في البحث عنه ؟ "


نظرت له بسرعة وقالت بجمود

" قدري ... لا أحد سوى قدري الذي يأخذ كل من يفكر في

حمايتي أو الدفاع عني فاتركني وشأني أخبرتك بأني قادرة

على حماية نفسي "
نقل نظره بين عينيها قبل أن يقول بجمود

" لكن قدرك لم يأخذ الرجل الذي ساعدك للخروج من كل

ذاك النفق المظلم كما أظن ؟! "

فاشتدت أصابعها على هاتفه فيها حتى آلمتها وقالت ببرود ناقض

مشاعرها تلك

" ذلك لأنه لا يبحث عن الحقائق ... لا ينبش الماضي ولا يحاول

الوصول لما تسعى له أنت لكان مات مثلهم بالتأكيد ولا تنسى

بأني حذرتك "


لانت نظراته فجأة وقال بتأن

" ولماذا ...؟ لما يعنيك تحذيري وأن لا أنتهي لذاك المصير ؟

لتحميني أم لتحمي شيئاً أجهله ؟! "


أشاحت بوجهها عنه ورفعت يدها لصدرها تتنفس بقوة قبل أن

تمدها ناحيته وقالت بجمود ولازالت تتجنب النظر له

" هاتفك "

فغرضها منه انتهى وسيكون خالها ابتعد بالتأكيد ولن تكشف له

شيئاً الآن والأمور بدأت تنتقل للتعقد أكثر مما يعني بأنها اقتربت

من الانجلاء فهكذا هي حكمة الحياة كلما ازداد السواد قتامة

كان بصيص النور قريباً مثلما كلما ضاقت حبائلها فرجت .


نظرت لعينيه حين قال بنبرة أشد صلابة من نبرتها ولم يرفع

يده لهاتفه ولم يأخذه منها

" لن آخذه حتى تجيبي عن السؤال الذي تجاهلته متعمدة "


سحبت نفساً عميقاً ارتفعت معه تفاصيل صدرها الأنثوي وقالت

تزفره بقوة

" بل لأنه لا جواب لدي فخذ هاتفك أو أنت الخاسر الوحيد

إن بقي لدي "


قال ناظرا لعينيها متجاهلاً يدها وهاتفه فيها كما حديثها

" ترفضين فعلاً أن أموت يا زيزفون ؟ أم لا تريدين تحميل

نفسك ذنب ذلك ؟ "


لم تجب كما لم تنزل يدها ولم تبعد نظراتها عن عينيه فرفع يده

حينها وفي صمت وإن كانت نظرته لا تؤكد البتة بأنه مقتنع

بأجوبتها وإن كانت الصمت ، وما أن وصلت يده له أمسكه

لكن ليس لوحده بل وأصابعها معه وشد عليها بقوة ولازال ينظر

لعينيها نظرة لا تفهم أكانت تعني الإصرار والعناد على ما يرفض

التوقف عن البحث عنه وهي الحقيقة التي يصر على أنها ستكون

سبب براءتها الحقيقي أم تأكيداً على حديثه ذاك وسؤاله ؟


" وقاص "


أبعد يده وهاتفه فيها كما فعلت هي وهي تتنحى للجانب قليلاً

للمرأة التي كانت خلفها ونادته للتو برقة ونبرة هادئة والتي ما

أن أصبحت تقف معهما حتى تبين لها هويتها الحقيقية فانتقلت

نظراتها على جسدها صعوداً وابتسامة ساخرة بطيئة تزين شفتيها

وحدقتاها الزرقاء تنتقل من جسدها الذي تغير وبشكل واضح وإن

لم يصل للرشاقة المطلقة بعد يغطيه فستان عشبي اللون من

الحرير الطبيعي تزينه قطعة كريستاليه لامعة عند الصدر الذي

انكشف أغلبه من فتحته المثلثة الواسعة لينتهي قماشه لقطعتي

كريستال أخريين مستطيلتا الشكل تجمعان قماشه فوق كتفيها مما

زاد تلك الفتحة اتساعا مبرزة ما تحتها كدعوة واضحة لكل من

يراه ! بل وكأن صاحبته لم تستطع إبراز مفاتن أنوثتها إلا الآن

لتسارع لعرضها للعلن ...!!

ذقن أصبح مشدوداً بعد أن أزيل الجلد المتدلي قليلاً تحته

والممتلئ .. شفتان كانتا متباينتا العرض تماماً بسفلى ممتلئة

وعلوية رقيقة لتصبحا بذات الحجم والشكل مشدودتا الطرفين

كبالون صغير منتفخ ومطلي باللون الأحمر اللامع ... أنف مسطح

من الأسفل بينما توقفت عمليات التحسين عند عظمته العريضة

بين العينين اللتان تغير لونهما للأزرق المشوش بسبب السواد

الحقيقي للحدقة المخفية تحت تلك العدسات اللاصقة ورموش

صناعية كثيفة ... وانتهى الأمر عند الشعر الذي تحول للأشقر

الفاتح وقد تخللته وصلات لشعر حقيقي بأطوال مختلفة لتخفي

قصره الحقيقي فتنزل متدرجة حتى منتصف ذراعيها اللتان

لا زالتا تحتفظان ببعض ذاك الامتلاء الغير خاضع لطرق الصقل

الجديدة التي يبدو خضع لها ذاك الجسد !.
نظرت لعينيها ولنظرة الاحتقار والكره التي كانت ترمقها بها

واتسعت ابتسامتها الساخرة وهي تقول ونظراتها تشملها مجدداً

باستخفاف بضحكة ساخرة مكتومة

" رائع يبدو أن الحفل الممل أصبح ينزلق للأفضل وستبدأ

العروض الترفيهية الآن "


" زيزفون !! "


نظرت من فورها لصاحب ذاك الصوت الرجولي الحازم وهو

يسكتها والذي تابع بضيق ناظراً لعينيها

" توقفي عن هذا فجمانة لم تتحدث معك أو تسيء إليك "


نظرت لها مجدداً قبل أن تعود بنظرها إليه وقالت بذات ابتسامتها

الساخرة

" كانت زيزفون من تتلقى الآراء السلبية دائماً وكان لا بأس ...!

من حقها إذاً أن تعامل الجميع بالمثل أليس كذلك يا رجل

العدالة ؟ "


ولم تكترث قط لنظرة الضيق والرفض لكلماتها التي رماها بها

واستدارت ناحية التي شملتها نظراتها الساخرة مجدداً وقالت

بسخرية أشد

" ولا تخف على مشاعرها هكذا فستكون اتخذت حصانة ضد

كل هذا والفضل يرجع لك بالتأكيد "


وغادرت مبتعدة عنهما ما أن أنهت حديثها ذاك ترفع رأسها

بكبرياء أنثوي لم يزدها سوى سحراً قوياً يلتف حولها

كالمغناطيس تاركة خلفها من سحقتها تحت حذائها ذو الكعبين

المرتفعين كالسجادة فذاك ما شعرت به تلك حقاً وكم كرهت أن

اختارت صبغ شعرها بهذا اللون واقتناء العدسات اللاصقة وبهذا

اللون تحديداً فقد قرأت وبوضوح في نظراتها الساخرة تلك بأنها

تفهم محاولاتها البائسة بأن تكون نسخة عنها .. وليس لها أن

تنكر ذلك فصورتها فقط ما كانت أمام عينيها وهي تستعد لحفل

الليلة وكأنها تنوي تقليدها لشد ما يجذب زوجها لها مما أظهرها

بمظهر سخيف وستكون سخرية الجميع مثلها بالتأكيد ...

لكن لا .. هي لن تسمح لذلك بأن يؤثر عليها ولن تنجح تلك

ولا غيرها في تدمير ثقتها الجديدة بنفسها فهي راضية تماماً

عما أصبحت عليه وما كانت تريده وتتمناه منذ عرفت هذا

الرجل .


رفعت نظراتها به وكما توقعت كان ينظر لها ونظرته تلك لم تعبر

عن الرضا البتة ولم تكن لتتوقع غير ذلك لكن هذا أيضاً لن يثنيها

عن هدفها وستستعيده لها فهو زوجها وهي الأحق به من جميع

النساء وكما قالت تلك قبل قليل والتي استطاعت فهمه أكثر منها

هي الحمقاء والتي عاشت معه أكثر مما عرفته هي فهو بالفعل

كان يدعمها ويحاول جاهداً الرفع من معنوياتها المحطمة ويحاول


دائماً إفهامها بأن لا تلتفت لأي رأي غير رأيه مما كان من

المفترض أن يشكل لديها حصانة منيعة ضد آراء الأخرين بها

لترميها وراء ظهرها لكنها الحمقاء كانت العكس تماماً .


جمانة الماضي كانت لتهرب الآن لغرفتها تنحب بين جدرانها

لوحدها بسبب ما سمعته منها .. أو كانت لتحاول استدرار عطفه

وهي تصف له بكلمات متألمة باكية عن مشاعرها المحطمة بسبب

تجريحها ذاك وسيحاول هو مواساتها وتبديد شكوكها بالطبع مما

سيزيدها بكاء وكما ستفعل أي امرأة ضعيفة مهزوزة حمقاء مثلها

فينتهي الأمر بأن يتدمر منها وتفقد حتى شفقته اللحظية تلك ...

لكن جمانة الماضي تغيرت بل وماتت ولن تسمح لها بأن تظهر

مجدداً وتدمر كل ما صنعته ووصلت إليه .


رفعت أصابعها تبعد بها غرتها عن طرف وجهها ولازالت تحدق

به وأفتر ثغرها عن ابتسامة حاولت أن تجعلها كما علمتها

شقيقتها قدر المستطاع أنثوية مغرية وهي تبعد شفتيها لتتحدث

لكنها ماتت وفي مهدها كما تلك الكلمات على أعتاب شفتيها حين

قال الواقف أمامها وبضيق

" لما أنت هنا يا جمانة ؟ "


كانت تعلم بأنه لم يكن يعني الحفل بل أمامه هنا وبأنه لم يقل ما

قال لتلك ودافع عنها أمامها إلا بسبب طبعه الذي يميزه عن جميع

الرجال ، تابع ودون رحمة حين لم تعلق

" إن كنت هنا من أجل أن تتحدثي وأستمع لك فلا شيء

نتحدث عنه "


فجمعت قواها المشتتة مجدداً وقالت وإن بصعوبة

" أنا هنا ليس من أجل أن نتحدث بل من أجلك أنت "


قالتها وبكل جرأة لم تعرفها في نفسها من قبل فلم تبدي له

عبارات التودد المماثلة سابقاً لأنها لم تكن تسمعها منه لكنها

ستتحدث الآن ولن تنتظر أن يبادلها بالمثل فسيتغير كل ذلك مع

الوقت ومهما طال ، حاولت جاهدة أن لا تسمح للدموع بأن

تتسرب من عينيها حين قال وبقسوة

" هل أنت راضية الآن عما صرت عليه ؟ أهذا ما سيجعلك راضية

عن نفسك ! أرأيت ما أوصلتك له تلك الأفكار السخيفة

عن العمليات التجميلية الفاشلة "


شعرت بضربة قاسية وجهت لقلبها وكلماته صفعت وجهها وبقوة

فهو وبالرغم من أنه تجنب وبشكل واضح أن ينتقد شكلها الجديد

كما فعلت تلك قبله إلا أنه آذاها فعلاً برأيه السلبي في مظهرها

الذي تكبدت عناءً كبيراً لتصير عليه ومن أجله قبل الجميع ...

لكنها كانت تتوقع هذا وتعلم جيداً بأنه سيحدث وعليها أن لا تنسى

ذلك فهو غاضب منها ولن تتوقع منه أن ينبهر ويبتهج ويمطرها

بعبارات المديح ويتغزل بها وهو يراقصها كما يفعل الإنجليز ..

كما تعلم بأن دربها سيكون طويلاً بطول معاناتها السابقة مع

نفسها قبل أن تكون معه وهي من خسرته ومن عليها أن تدفعه

نحوها ولتمتلكه وليس لتستعيده فهو لم يكن لها يوماً ، رفعت

يدها وما أن لامست أطراف أناملها ظهر كف يده هامسة

" وقاص.... "

حتي جذبها بعيداً وتصلبت ملامحه وكأنها نار لسعته وقال بضيق

" لا تتلفظي بإسمي مجدداً ولا تقتربي مني فأنت من دمر كل

شيء يوم خيرتك واخترت كل هذه التفاهات عني "


أعادت يدها وضمتها لصدرها تتلقى باقي هجومه القاسي

" أخبرتك سابقاً ومراراً أن التغيير لا يأتي من الخارج وأن

القشور لا تُهم سوى محدودي التفكير وأن ... أو لما أتعب

نفسي بتكرار ما كررته لثلاثة أعوام كالببغاء "


حاولت بصعوبة تنظم أنفاسها كما مشاعرها المتأذية من قسوته

وقالت بضعف

" أعطنا فرصة ... فرصة جديدة ولن نقول أخيرة ... ألست من

كان يطلب ذلك ويشجعه دائماً ؟ "


أبتسم بسخرية قبل أن يقول بحدة ناقضت ابتسامته تلك

" كان ذاك قبل أن تغادري هذا المنزل وتختاري العملية فلن

تلومي أحداً سوى نفسك لأنه اختيارك "


بلعت ريقها كما غصتها وإهاناته معها وقالت بصبر

" أنت غاضب الآن ونحن في مكان غير مناسب للتحدث

فسيكو.... "


فقاطعها بنفاذ صبر ملوحاً بيده

" توقفي يا جمانة بالله عليك فهذه الأدوار لا تليق بك "


قالت بأسى حزين تضغط على وتره الحساس ونقطة ضعفه التي

تعرفها جيداً

" توقف أنت عن إهانتي برفع صوتك هكذا أمام من باتو

يسترقون السمع لنا حلفتك بالله وحافظ على كرامتي وإن

أمامهم ... أنا لا أطلب أكثر من هذا الآن "


وما أن أشاح بوجهه متنهداً بعمق ولاذ بالصمت حتى ابتسمت

بانتصار فهي تعرفه جيداً لن يجرحها أمام شخص ثالث وأيا كان

وكانت الظروف وهذه البداية وستكون جيدة كبداية فقط ولن

تضيّع كل ما علمتها إياه شقيقتها وما سهرت ليالٍ دون نوم تفكر

فيه وتحلله وتقلبه حسب شخصيته فلن تُسلم هذا الرجل المليء

بالمزايا من خارجه لداخله لأي امرأة وهي زوجته ومن تحظى

بمكانة لم تصلها غيرها ، قالت بنبرة حزينة نظرها لازال معلقاً

بملامحه

" عاملني كوقاص الذي أعرفه وإن أمام الناس ثم عاقبني

بما شئت وما تريد حين نكون لوحدنا "


وما أن نظر للأسفل ولاذ بالصمت شع وجهها بابتسامة رضا

واسعة واقتربت منه .. ودون تردد التفت أصابعها حول ذراعه

وقالت تسحبه معها

" والداي هنا ... لقد وصلنا للتو ويريدان رؤيتك "


*
*
*


رغم ابتعادهما إلا أن رأسها كان يستدير للخلف وعيناها لا زالتا

هناك وقالت ما لم تسأل نفسها قبل قوله

" من تلك المرأة غريبة المظهر مع والدك ؟ "


وسرعان ما عضت لسانها موبخه نفسها حين دفعها بسحبه

لذراعه المتمسكة بها لكي تنظر أمامها وتصمت فهي تنسى دائماً

بأنها تدني نفسها خطوة في كل مرة لتصبح في نظره مثلهم وكما

سبق وحذرها دائماً .


وما لم تتوقعه أبداً حدث حينها أن تحركت شفتاه وقال بجمود

" تلك زوجته "


فنظرت له بصدمة توقفت معها عن السير مما جعله يقف أيضاً

وحدقت فيه تلك العينان العسلية بذهول ليس لأنه أجاب وهي لم

تتوقع ذلك أبداً منه بل للإجابة نفسها !

تنقلت نظراتها الذاهلة المصعوقة في ملامح وجهه الباردة ككلماته

تلك قبل أن يتحرر لسانها المتحجر وقالت مندفعة

" زوجته كيف ومتى ...؟ بل ولما ! "


قالت كلمتها الأخيرة تلك بالكثير من الأسى والألم لكنها لم تلحظ

شيئاً من ذلك في عينيه المحدقتان بعينيها ...؟ لا شيء سوى

البرود و... اللامبالاة !! توقعت أن ترى غضباً دفيناً !

ألماً محجوباً عن الجميع عداها فيهما !

توقعت حتى الانكسار وخيبة الأمل التي تستبعدها لكنها لم تتخيل

أبداً أن يواجه الموقف ببرود تام بل وعدم اكتراث وامرأة أخرى

تقف مكان والدته وإن كانت ميتة ! فهي تعي جيداً كم يقدس

ذكراها ويحبها لكنها لم تتخيل قطعاً أن يكون والده ميتاً بالنسبة

له ولهذا الحد المريع !!

تحركت شفتاها المصابتان مجدداً في محاولة لقول شيء آخر لا

تعلمه حتى مما جعل الأحرف تخرج متقطعة مشتتة

" لكن ... لكنه... "


فقاطعها بأن سار مجدداً يسحبها معه متمتماً بضيق

" تحركي وتوقفي عن الثرثرة ماريا فرأسي يؤلمني "


رأسه يؤلمه !

جيد هو أثبت لها على الأقل بأنه يملك جزءاً بشرياً في جسده تلك

اللحظة ... ثم أيؤلمه من ثرثرتها كما يسميها بينما المكان يعج


بالأحاديث والضحكات العالية ؟ تتساءل أحياناً إن كانت دماءً تلك
التي تسري في عروقه كباقي البشر أم سائل أسود يحركه كآلة

صماء !


وصلا حيث يقف رواح وساندرين بجانبه ولهدفهما الرئيسي من

القدوم بالطبع ولن تتوقع منه أن يفعل غير ذلك ، كان يحيط بهما

مجموعة من الشبان بزي موحد جعل منهم محطاً للأنظار فهم

بدوا مميزين بالفعل حتى أن طولهم متقارب بشكل واضح

ومدهش ...! مبتسمين مرحين وحركاتهم وكأنها متناغمة

ومدروسة رغم عشوائيتها !

ولن تستغرب أبداً أن يكون له أصدقاء هكذا فهي تراه يشبه

الواقفة بجانبه تماماً شخصية تحمل الكثير من المفاجآت ويمكنك

توقع الكثير منها بل ويمكنها الانسجام مع أمثال الواقفين حولهما

يتحدون ويضحكون دون توقف .


" المعذرة "


تلك الكلمة الباردة الحازمة التي خرجت من شفتي المرافق لها

جعلت اثنين منهم ينظرا لهما للخلف قبل أن يتنحيا جانباً ليصبحا

مقابلان تماماً لرواح وساندرين وعم الصمت تلك المجموعة وكأن

حضوره وكالعادة يجذب الصمت التام كما الأحداق والنظرات ..!

وكانت ابتسامة رواح أول رد فعل له لكنها لم تجذبها بقدر ما

جذبتها تلك النظرة في عيني ساندرين وهي تنتقل ببرود في

ملامحها ولها أن تتوقع ذلك فأثر تلك الكدمة المخيفة التي كانت

تزين وجنتها لم يختفي بشكل كامل وإن كانت شفيت تقريباً وما

يزيد الوضع سوءاً أيضاً أن الجروح الصغيرة التي سببتها تلك

السكاكين أسفل فكها وذقنها لم تختفي جميعها بشكل كامل أيضاً

ولم تنجح مساحيق التجميل الخفيفة التي وضعتها في إخفاء كل

ذلك حيث أن جرحين منها كانا أعمق من الأخرى التي اختفت

جميعها وتعلم جيداً أن هذا كان سبب تلك النظرة التي وجهها

والده نحوهما أيضاً وإن كانت تستغرب أن لاحظ هذا من بعيد !

فحتى الجرح في يدها استغنت عن الشاش الطبي لتغطيته بشريط

طبي لاصق منذ أيام لتغطيته وحده لأنه بدأ يتماثل للشفاء .


علّق رواح سريعاً ومحاولاً تبديد كل ذاك الجو المشحون وقال

مبتسماً وغامزاً لها بعينه

" فعلتها إذاً ... رأيت أن كلامي كان صحيحاً "


فابتسمت له بارتباك وحضنت يدها الأخرى أيضاً الذراع التي

لازالت تتمسك بها وقالت تنقل نظراتها بينهما

" مبارك لكما .... "



وتابعت وقد استقرت نظراتها على عيني ساندرين تحديداً

" لقد جئنا من أجلكما "


لكن تلك الجميلة العابسة لم تقابل نظرتها ولا ابتسامتها تلك

بالمثل حين قالت ببرود

" هل هذا حقاً ما أردته لنفسك ماري ؟ "



فخيم الحزن على تلك الملامح سريعاً ورغم توقعها لردة فعلها تلك

إلا أن كلماتها جرحتها وبعنف خاصة وهي تناديها باسم تلك الفتاة

التي لطالما ذكرتها بأنها تشبهها فهي من اليأس والضعف أن

انتحرت بسبب حبها لرجل لا يبادلها تلك المشاعر ، وهي لا

تناديها بذاك الاسم إلا لتذكرها بذلك .. ورغم كل ذلك استطاعت ان

تجبر شفتيها على الابتسام وأصابعها تضغط بقوة على ذراع

الواقف ملاصقاً لها كي لا يتحدث وتعلم جيداً بأنه يفهم إشارتها

تلك وقالت وكأنها لم تسمع شيئاً من حديثها ذاك

" أنا حقاً سعيدة .. ومن أجلكما أيضاً "


قالت ذلك بمشاعر صادقة بالفعل فبالرغم من نظرة الجميع

لوضعها معه وبالرغم من التزاماته وعمله وبجميع مخاطره

والمهام التي جعلت حتى من امرأة أخرى شريكة لها فيه إلا أنها

سعيدة حقاً بوجودها بقربه ومعه ولن يفهم أحد مطلقاً معنى هذا

ومعنى ما تشعر به وتحتاجه .


" أتمنى ذلك فعلاً "


كان ذاك فقط ما علقت به الواقفة أمامها ونظراتها الحانقة تنتقل

للفراغ وتعلم بأنها لن تستطيع أن تغضب منها أبداً فهي تفهم

طريقة تفكير ساندرين جيداً وبأنها لا تكرهها بل تحبها وهذا

السبب الأساسي في رد فعلها ذاك لكن وبما أنهما من شخصيتان

متناقضتان تماماً فلن تستطيع أيا منهما إقناع الأخرى ولا تغيير

رأيها أو حتى موافقتها.


قال أحد من اكتفوا بالتحديق والصمت مستمعين لكل ذاك الحوار

المبهم الغامض وهو يرسم ابتسامة

" حسناً ألن تعرفنا بهما يا رواح فيبدو أن صديقات زوجتك

رائعات مثلها "


وأتبع كلماته تلك بضحكة قال من خلالها وهو يغمز لتيم والواقف

بجانب من نظرت له بصدمة

" أم أن حبيبها لن يعجبه ذلك ؟ "


لتموت تلك الضحكة ما أن رمته تلك العينان السوداء بنظرة كفيلة

بإرساله للموت فوراً بينما حاول انتزاع ذراعه منها في حركة

جعلت أصحاب تلك الملابس السوداء جميعهم يتراجعون خطوة

للوراء في رد فعل لا إرادي من معرفتهم لنيته المحتمة بينما

بقي المعني بالأمر واقفاً مكانه ينظر له بصدمة فكانت ردة الفعل

الأخرى والأسرع لرواح والذي مد يده وذراعه بطولها بينهما

وقال بابتسامة ناقضت كل ذاك الجو المشحون

" هيه توقف يا رجل فهم يحتاجون لعددهم كاملاً من أجل العرض

القادم في غوت تالند لهذا الموسم "



وحين لم يرى استجابة من الذي حاول سحب ذراعه مجدداً ممن

كانت تمسكها بقوة وترمقه بضيق غاضب هامسة

" تيم توقف "


فتحرك حينها من مكانه ووقف بينهما وقال بحزم محدقاً في تلك

العينان الغاضبة

" لا تتصرف كالمراهقين يا رجل "


وكان كلامه تذكيراً له أكثر من كونه تحذير بأن ما يفكر في فعله

الآن لن يكون في صالحه أبداً فتحرك من مكانه مغادراً من هناك

يمسك بيد التي سحبها خلفه خطواته الواسعة الغاضبة تجتاز

الموجودين يحدقون بهما فبعضهم تمكن من معرفته بسهولة

وكيف يمكنهم نسيان ما حدث في الحفل السابق الذي انتهى

برصاصة من مسدسه .. بينما ميّز البعض الآخر هويته بسبب

الصور التي جمعته بتلك الفتاة الانجليزية المعروفة وابنة رجل

واحد من أهم رجال البلاد .


كانت وجهته الباب الذي دخلا منه قبل قليل لا يرى شيئاً آخر

سواه أمامه لكن ذاك الصوت الأنثوي الذي وصله من خلف أذنه

تمكن من إيقافه مجدداً ما أن أجبرته على التوقف فوراً بوقوفها

قائلة

" انتظر قليلاً تيم لن نغادر الآن "


فاستدار نحوها وقال بضيق

" وماذا بعد ماريا ؟ مزيداً من الإهانات ؟ أم أن رفقة أولئك

الصعاليك تعجبك وقررت مرافقتهم ؟ "


نظرت له برفض محتج تخفي به أكثر مرارتها وجرحها من

كلماته لكنها لم تستطع منعها من الخروج مع صوتها الهامس

" لم أكن أتوقع أن تلك نظرتك لي ! "


لكن ذلك لم يخفف من غضبه شيئاً وهو يشير برأسه حيث

كانا قائلاً

" أنا أشرح فقط ما أراه أمامي "


فابتلعت إهانته الجديدة مع ريقها الجاف وقالت بضيق

" تفكيرهم يختلف عنا كما حياتهم وعلاقاتهم وأنت تعرف ذلك

جيداً وعشت معهم فيفترض بأنك تتفهم الأمر لا أن تغضب


هكذا ! "



ابتسم بسخرية وقال متهكماً

" ولما أنا فقط من عليه تفهم حياتهم وأفكارهم بينما معك يحدث

العكس دائماً ؟ "

وفهمت فوراً بأنه يذكرها بغضبها وغيرتها المتكررة من النساء

الانجليزيات ، قالت بأسى تنفض يدها المقبوضة الأصابع

" توقف عن رفع صوتك هكذا .. الجميع باتو يحدقون بنا

وأنت تهينني أيضاً بهذا "


فأمسك بيدها مجدداً وتحرك من فوره جهة الباب الزجاجي الواسع

وخرج بها منه قائلا

" سنغادر فوراً إذاً ولا تنسي بأن القرار لي وأنت وافقت "


فمدت شفتيها بعبوس ولم تعلق فهو على حق في هذا .. لكن وما

أن كانا في الشرفة التي دخلا منها حتى أوقفته مجدداً قائلة

" بل أريد رؤية زيزفون أولاً "


وكما توقعت ما أن نظر لها حتى رأت الغضب واضحاً في نظراته

وقال بضيق

" ظننتك طلبت أن تهنئي صديقتك البلهاء تلك فقط لا أن تسلمي

على جميع الموجودين هنا كما كنت تفعلين مع أشجار قرية حجور

سابقاً "

فلوحت بقبضتها قائلة بضيق

" تيم توقف عن تجريحي وعن نفث نيران غضبك بي "


وشعرت بالألم يمزق حنجرتها من كتم عبرة جاهدت بصعوبة كي

لا تخرج لكنها عجزت عن منع الدموع التي ترقرقت في عينيها

العسلية الواسعة تحت ضوء الشرفة القوي في مشهد جعله

يغمض عينيه متأففاً بقوة قبل أن يمسك بذراعها ويرجع بها نحو

الداخل .


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 09:24 PM   #12125

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



*
*
*


مررت أصابعها تحت قلنصوة قميصها تدفع غرتها المقصوصة

للخلف تجمع ما افلت منها خلف أذنيها وابتسمت باعتذار

ابتسامة واسعة ما أن رفعت رأسها ووقع نظرها على العينين

الزرقاء التي حدقت بها فور أن التفت لها الذي أصبح واقفاً

أمامها بعد استدارتها والذي يبدو أنها غرست مرفقها في ظهره

بالخطأ فها قد تم القبض عليها متلبسة فهي وقفت قربهم فقط

لتعطي انطباعاً بأنها جزء من فريقهم .. وإن كانت تعلم بهذا

لكانت اختارت اللون الأسود لتناسبهم تماما ، لكنها لم تخطط قطعاً

لأن تحتك بهم مباشرة ولا أن تتبادل أطراف الحديث معهم ...

شعرت بجسدها يتصبب عرقاً وعلمت بأن هذه الأمسية لن تمضي

بسلام خاصة أنه لطالما ارتبط اسمها بالمشكلات وكم كان يناديها

ذاك العجوز البدين في صغرها ب ( دانيا مشكلات ) حتى التصق

النصف الآخر فقط منه بها في طفولتها التعيسة تلك وبات يناديها

أغلب الأطفال في ذاك المنزل به .. وتذكر جيداً حين كان يقول

أحدهم ( إن نامت المشكلات سيكون حينها بإمكاننا إطفاء النور

ولن نعاقب صباحاً ) وكانت هي المعنية طبعاً فأولئك الفتية

الجاحدون لم يكن بإمكانهم الاعتراف بأنها كانت أشجع منهم دائماً

حتى أنها كانت سبب خلاصهم من ذاك العجوز الكريه ومنزله

المشابه له .


غرست أسنانها في باطن شفتها بقوة في عادة كانت ملتصقة بها

دائماً حين تجد نفسها في ورطة هكذا فالبقية يبدو أنهم انتبهوا لها

أيضاً وأصبحت ضمن الدائرة التي اتسعت لتشملها معهم فقالت

مبتسمة في أول جملة حمقاء قفزت لرأسها

" هاي ... أنتم فريق رائع حقاً ... يعجبني لباسكم "


وشعرت بأنها باتت ترتدي قبعة الأرنب بالأذنين حينها عندما

تشاركوا في ضحكة واحدة بينما قال أحدهم وهو يشملها بنظرة

تقييمية ساخرة

" وأنت كذلك ... وتبدين ضائعة هنا ؟ "


وعادو للضحك مجدداً فشعرت بالأبخرة تتصاعد من رأسها

وقالت بضيق

" هذا لأني أشبهكم بالطبع "


وما أن تبدلت تلك النظرات الممزوجة بالتسلية للحنق من إهانتها

تلك حتى قالت بسرعة وبابتسامة متسعة

" أقصد بأني أملك موهبة مميزة مثلكم "


وأضافت ما أن ارتفعت تلك الحواجب بدهشة وكأنهم متفقون على

كل حركة يؤدونها بالفعل حتى تسرب ذلك في دمائهم !

" ليس مثلكم تماماً أعني فأنتم فريق مؤكد يقوم بعرض ما

وموحد لكني أعمل لوحدي "
يا إلهي ما هذه الورطة الجديدة التي وضعت نفسها فيها وهي من

سبق وعاهدت ذاك العابس على أن لا تفعل هذه الأمور مجدداً

أمام الناس ولا من أجل إمتاعهم مجاناً لكنها في ورطة الآن ولا

يمكنها الخروج منها بغير تلك الخدع البصرية لإلهائهم عنها فأول

ما سيحدث الآن بأن يسألوا الواقف بينهم وابن هذه العائلة إن

كانت من أحد معارفهم أو أصدقائهم ولأن جوابه سيكون النفي

سيكون على زوجته والواقفة بجانبه الإجابة عن ذات السؤال

فيعلم كل واحد منهما حينها بأنها ليست من طرف الآخر كما يظن

وسيكون عليها تقديم نفسها وقتها وبصورة رسمية وهي لا تريد

أن يصدر ذلك عنها بل عنه بما أن أمرها كان مخفياً عن عائلته

حتى الآن .


تبدلت نظراتهم للفضول سريعاً فتنهدت باستسلام وسارت بينهم

حتى وقفت بقرب ساندرين ... وهمست لنفسها

( أرجوك أن تسامحني فالأمر يبقى مجرد خفة يد وخدعاً بصرية

وأنا حقاً مجبرة )


رفعت يديها وفردت أصابعها قائلة بابتسامة

" ما رأيكم ببعض المرح إذاً ؟ "


فبدأ أولئك الشبان بالتصفيق فوراً متحمسين وضاحكين وتباينت

عباراتهم بين مرحب ومشجع بينما نظرت هي للذي كان يكتفي

بالابتسام ناظراً لها .. صاحب البذلة الأنيفة الفاخرة والوسامة

الغريبة الممزوجة بالرقة والفكاهة في مزيج يناسب تماماً

شخصيته التي سمعت عنها .. ولن تستغرب أن يكون له مجموعة

أصدقاء كهؤلاء بل ويبدو بأنه الممول لموهبتهم تلك ، نقلت

نظرها سريعاً منه لزوجته .. للتي كان يلف ساعدها حول ساعده

ممسكا يدها بيده بقوة وكأنها ستُسرق منه أو ستهرب ...!

كان فستانها مبهراً وبلون الكريما من طبقتين من الشيفون الثقيل

المنشى متسع من الأسفل ويضيق تباعا حتى الخصر وقد تم

تطريز حوافه السفلى بأزهار باللون الأحمر الغامق وارتفعت في

منتصفه من الأمام بتناسق رائع وكأنها تتسلقه بنعومة وقد

تداخلت معها وريقات خضراء صغيرة وكان التطريز مشغولاً

بالعقيق الطبيعي المحاك باليد كما يبدو وقد ظهر أيضاً عند جانبي

الخصر صعوداً حتى حواف كتفيه ثم كطوق حول عنقها عند

منتصف ياقته التي ارتفع قماشها مع نحرها فكان محتشماً بطريقة

أنيقة بل رائعة تدل على فخامته وبأنه ليس أي قطعة تشترى من

أي مكان .. ولن تستغرب ذلك مع الثروة الضخمة التي تملكها

هذه العائلة .


وما أن ارتفعت نظراتها لوجهها حتى ابتسمت لتلك الملامح

الجميلة العابسة أو الغاضبة إن صح التعبير ومن الجيد بأنه ليس

الحزن ما كان يغطيها فذاك كان سيدل على ألم كبير بداخلها وهو

أسوأ تعبير قد تراه على وجه عروس فسيكون عبارة عن واجهة

لشيء ما يموت حيث النابض وسط أضلعها ... ولا تفهم طبعاً

سبب هذا المزاج المناقض تماماً لمزاج المتمسك بها بقوة وتملك

لكنها ستسعى جاهدة لتبديده قليلاً فستكون بهذا لم ترتكب خطئاً

تُحاسب نفسها عليه فيما بعد لأنها سبق ووعدته وها هي تنقض

عهدها مجبرة .


رفعت يدها مبتسمة لتسريحة شعرها التي كانت ببساطة عبارة

عن خصلات ملفوفة تغطي ظهرها وكتفيها وتاج تجزم أنه من

ماس قد استقر فوق غرتها المتدرجة جانباً ... أمسكت خصلة

طويلة من ذاك الشعر الأشقر المموج ورفعتها بيدها وكان من

حسن حظها أن جهزت معداتها الخفية سلفاً فهي كانت تتوقع أي

شيء هذه الليلة وكان عليها أن تستعد .


رفعت يدها الأخرى ومررت ظهر سبابتها تحت خصلة الشعر تلك

أمام نظراتهم الفضولية المترقبة ومن صاحبة ذاك الشعر

خاصة ... وما أن وصلت بإصبعها لنهايتها فرقعت بسبابتها

وإبهامها تحتها وكررت ذلك عند المنتصف وعند بدايتها ثم

أفلتتها من يدها وتركتها تعود مكانها .. وما أن استقرت بثقل

كثافتها حيث مثيلاتها حتى تصاعدات فراشات بيضاء صغيرة من

شعرها لترتفع معه التأوهات الرجولية المصدومة بينما نظرت

ساندرين للأعلى من فورها تحني رأسها قليلاً تنظر حيث تلك

المخلوقات الصغيرة التي بدأت تختفي بين تفاصيل الثريا الضخمة

المتدلية من السقف وارتسمت ابتسامة دهشة على شفتيها وها

هي حصدت النتائج المبدئية كما تأملت .


بدأ الشبان من حولها بالتصفيق الحماسي وقال أحدهم

" أرينا المزيد هيا ... يالك من رائعة "


فابتسمت وحركت كتفيها ثم رفعت سبابتها وقامت بعدهم بها

وتوقفت عند رقم معين وقالت برقة للذي ابتسم لها بحماس

" أنت ... أيمكنك الاقتراب هنا قليلاً "


فتحرك من فوره واختار الطريق الأطول ليكون بينها وبين

ساندرين وهذا ما خططت له وتوقعته منه .. نظرت ليديه وقالت

" أتملك خاتماً ؟ "


فرفع يده وكأنه يتأكد أولاً من وجوده وقال مبتسما

" أنا متزوج "


فقالت مبتسمة

" جيد ... اقبض يدك الآن وقم بمدها للأمام "


فعل ما طلبت تماماً فمررت ظهر كفها تحت يده ثم فوقه ثم

ضربتها براحة يدها بخفة وقالت

" افتحها الآن "


وما أن فعل ذلك حتى شهق بصدمة يُقلب يده الفارغة وقد

هس بذهول " لقد اختفى ! "


فأشارت للذي كان يقف بجانبه هناك وقالت

" أنت قف بجانبه هنا لو سمحت "


وفعل ذلك من فوره وبأن اختار الطريق الأقصر عكس رفيقه بأن

مر من خلفها فرفعت يديها وكأنها تثبت بأنهما بعيدتان عنهما

وقالت

" هلا فتشت جيوبك الآن "


فدس يده اليمنى من فوره في جيبه الأول وأخرجها فارغة وما أن

دس الأخرى في جيبه الآخر حتى انفرجت شفتاه بصدمة وهو

يخرج يده قبل أن يرفعها والخاتم فيها فتعالى التصفيق الحماسي

مجدداً ونظرت حولها بخوف فهم بدأوا بلفت الأنظار إليهم

وورطتها ستتفاقم الآن ، نظرت للذي قال مبتسماً

" كم أنت فتاة رائعة ...!! ما رأيك لو انضممت لنا ؟ "


نظرت له بصدمة من فورها ... هذا يبدو قائد الفريق إذاً وها هو

العقاب على نقضها لوعدها ذاك قد آن أوانه ، قالت تنقل

نظرها بينهم

" وفيما سنتشارك فمواهبنا تبدو مختلفة ! "


قال الذي يبدو أنه لا يسمح لغيره بالتحدث

" مؤكد لكن هذا سيضفي تغييراً مميزاً قد يكون سبباً في صعودنا

نحو الشهرة والنجاح "
بلعت ريقها وهي تحدق فيه بذهول فهذا الشاب فقد عقله

بالتأكيد !

ولن تتخيل أن تصبح مطاردة منهم بسبب أفكاره هذه ، فركت

وجنتها بطرف سبابتها وقالت في أول محاولة للخروج من

هذا المأزق

" لأجد من يتبنى موهبتي الفردية أولاً فأنا أفكر في النجومية

مثلكم تماماً "


ولم تكن تعلم بأنها لم تلتقط طعماً بل ألقته لغيرها حين تحدث

رواح هذه المرة موجهاً حديثه لها بينما عيناه ترمق بمكر الواقفة

بجانبه قائلاً

" يمكنني تحقيق ذلك لك وبسهولة لكن دعيني أتأكد أولاً إن كنت

شقراء أو ضاعت منك الفرصة "


وكما توقعت حديثه لم يكن يستهدفها هي بشكل مباشر فلم يخفى

عليه بالتأكيد لون حاجبيها ! وقد تحقق غرضه حين نظرت له

ساندرين بغضب فغمز لها من فوره ضاحكاً .


هكذا إذا هذا هو سبب الأجواء المضطربة بينهما فهو يبدو يتعمد

اغاضتها لسبب تجهله بينما تعطيه تلك الدمية الشقراء مراده

دائماً على ما يبدو ! نظرت له وقالت بابتسامة تشبه ابتسامته

" لا يبدو أنني سأوافق فأنت أيضا لست أشقر "


فخرجت ضحكة ساندرين المكتومة في انفجار منخفض لكن ذلك

لم يجعله يستاء أبداً وكما توقعت وقد حضنها بقوة رغم وقوفها

بجانبه يلف ذراعيه حول كتفيها وضحك قائلا

" يؤسفني أن أخبرك بأني تزوجت وانتهى وقت العبث وضاعت

منك الفرصة "


مما جعل تعليقات رفاقه تنطلق ضاحكين بينما تحاول التي لازال

يحضنها ضاحكاً الفكاك منه فابتسمت وابتعدت تسير للخلف فهذه

فرصتها وعليها الفرار لمكان آخر والبحث عن هدفها الأساسي

من الدخول هنا .

*
*
*


ابتسمت برضا وإن كان قد عاد بها للداخل مجبراً ... بل ويبدو أن

الأمر لم يكن يحتاج لأن يرجعا هناك فهدفهما كان يخرج حينها

من ذات المكان بينما كان نجيب يسير خلفها قائلاً بضيق لم يبدو

على ملامحها الباردة أنها تكترث به

" لا بل عليا بالطبع الخروج معك لن تتركيني خلفك وحيداً

كالأبله "


وتوقف لتوقفها أمامهما مباشرة ليصبح واقفاً بجانبها مواجهاً

لهما أيضاً فابتسمت ماريه من فورها قائلة

" كنا سنرجع من أجلك ... كيف أنت يا زيزفون ؟ "


فابتسمت لها من فورها وإن كانت ابتسامة صغيرة رقيقة لكنها لم

تصل لعمق ورقة التي أهدتها لها وقالت

" بخير ... شكرا لك "


ونقلت نظرها بينهما قبل أن يستقر مجدداً على تلك الأحداق

الذهبية اللامعة وقالت بابتسامة جانبية

" يبدو أن أمورك تسير بشكل جيد ولن يحتاج الأمر أن أطرح

عليك ذات السؤال "


فخرجت منها ضحكة صغيرة بينما التفت ذراعاها حول خصر


الواقف بجانبها واتكأت برأسها على كتفه وقالت

" أجل إنها جيدة كثيراً "


وشعرت بنشوة غامرة وسعادة كبيرة ليس لملاحظة زيزفون فقط

والوحيدة التي يبدو أنها استطاعت أن ترى ما تحت تلك الخدوش

الصغيرة في بشرتها النقية وهي السعادة التي تشع من عينيها

وابتسامتها بل ومن اليد التي أمسكت بذراعها والذراع التي التفت

حول كتفيها وكأنه يؤكد لها في صمت ما قالته عنهما .. وحدث

بعدها ما لم تكن لتتوقعه أبداً وهو الصوت الذي خرج من تلك

الأضلع تشعر به وكأنه سرى في جسدها حين قال

" متأكدة من أن أمورك جيدة هنا يا زيزفون ؟ "


فرفعت رأسها عن كتفه وصوبت نظراتها المصدومة لوجهه

وعينيه وقد نقل هو نظراته الباردة من زيزفون للواقف بجانبها

لا يهتم إن كان سيفهم بأنه المعني بحديثه بل ويبدو أنه تعمد أن

يعلم وقالت زيزفون حينها وبهدوء حذر محدقة في عينيه

" أجل لا تقلق بهذا الشأن وشكراً لك "


فعاد بنظره لها وقال بجدية

" لا تترددي في طلب المساعدة إن احتاج الأمر إذاً فثمة من لن

يزعجني أبداً إرسالهم خلف الشمس وفي لحظات "


فاتسعت تلك الأحداق العسلية بصدمة أكبر وهي تتنقل بين ثلاثتهم

فلم تكن تعلم بأن تيم يعرفها ويبدو جيداً أيضاً ..! بل وما فجأها

أكثر التهديد الذي وجهه للواقف بجانبها ولازالت تجهل هويته

ومؤكد زوجها الذي تحدثت عنه ساندرين باشمئزاز وكره

سابقاً ...؟

لقد كان تهديداً واضحاً والرسالة قد وصلت بالتأكيد فقد اتسعت

الابتسامة الساخرة المستفزة التي كان يرسمها نجيب على شفتيه

وقال ببرود وكأنه لا يهتم لما قيل وسمع

" زيزفون قادرة على حماية نفسها ... سيكون هذا جوابها

فلا تتعب نفسك "


فكان تعليق تيم الصمت على حديثه كما زيزفون أيضاً بينما بقيت

نظرات مارية المشتتة تلتقط ردود أفعال ملامحهم المتشابهة

لحد ما .. البرود الا مبالاة العزيمة والعناد وكأنهما الاثنين شخص

واحد ..! حتى استقرت نهاية الأمر على ملامح نجيب وشعرت

برجفة خفيفة مما جعل أصابعها تلتف حول قماش السترة السوداء

الفاخرة التي يرتديها الذي لازالت تحضن ذراعاها خصره فهي لم

تشعر بالارتياح اتجاهه أبداً فلا تراه يشبه وقاص ولا حتى رواح !

فمثلما لكل واحد منهم ثلاثتهم ملامح مختلفة ووسامة منفردة

فطباعهم تبدو كذلك أيضا وخصوصا هذا الواقف أمامها الآن

فبروده وابتسامته الساخرة التي لم تفارق شفتيه وقناع اللامبالاة

الذي يضعه على وجهه يجعل الناظر إليه يدرك فوراً من أي نوع

يكون هو .


" رقم هاتفي لدى رواح ووقاص لا تترددي إن احتجت شيئاً يا

زيزفون "


كان تيم من كسر ذاك الصمت المشحون مجدداً ونبرته لم تزدد

سوى حزماً وعمقاً وإصرار مما يؤكد بأن تنفيذه لما قال أمر لن

يصعب عليه ولن يحرك فيه ساكناً بينما قابل نجيب ذلك بابتسامة

ساخرة جديدة أما رد زيزفون فكان أن أومأت برأسها في حركة

خفيفة هامسة

" تأكد من أنني سأفعل إن احتاج الأمر "


وراقبته نظراتها وهما يغادران وينزلان عتبات الشرفة الحجرية

المقوسة لازالت ذراعه تحضن كتفي السائرة بجانبه رغم أن

ذراعاها لم تعودا تحضنان خصره ... كانت لتستعين به بالفعل

إن كانت ظروفها التي يجهلها مختلفة فهي لا تملك ولا هاتفاً

تستخدمه وباتت ممنوعة من الخروج أيضاً ... بل وعليها أن تنفذ

ما تخطط له وحدها فانتقامها يخصها هي كما أنه يكفيها

متضررين بسبب حمايتها ونجيب لا تخشاه بل تخشى الشخص

المبهم الواقف خلفه ويحركه فهو لم يكشف عن نواياه كاملة حتى

الآن ولازال ثمة أهداف تجهلها بينما يسعى هو لتحقيقها من

خلالها !.


" لنرجع للداخل "


كانت تلك العبارة لنجيب فسحبت يدها منه ما أن شدها منها

متراجعاً بها خطوة للوراء وقالت بجمود تنظر لعينيه

" لم أخرج لأرجع وأنت لست مُجبراً على مرافقتي "


اتسعت ابتسامته الساخرة المستفزة تلك وقال يشير برأسه

نحو الداخل

" هيا لا تكوني حمقاء وتجعلي من نفسك سخرية لهما وأنت

تفري هكذا كالدجاجة "


شدت قبضتيها بجانب جسدها وقالت بضيق

" ماذا تعني ؟ "


قال بذات ابتسامته الساخرة

" تعلمين جيداً ما أعنيه فقد رأيتك تقفين معهما قبل قليل فلا

تعلني انهزامك بسهولة أمام ذاك المهرج البشع "


قالت محتجة

" أنا لا يعنيني رأي أي كان بي ولا تلك الفاشلة وزوجها لكنت

بقيت بالداخل ولم أخرج "


رفع حاجبيه وقال

" إذا... "


قاطعته بحدة

" لما لا تتوقف ؟ أنا أشعر بالإختناق وأحتاج لهواء نقي أتنفسه

فعد للداخل أو ابقى صامتاً "


وكان تعليقه ضحكة صغيرة ساخرة من سببها الذي قدمته قبل

انفعالها فقالت بضيق

" ليس هو ولا غيره السبب فتوقف عن التسلي بي فلا يمكنني

البقاء في الداخل أكثر من ذلك وإن كنت في قمة الانشراح "


غضن جبينه وقال باستغراب

" تقصدين أن الأمر نفسي أم أني لم أفهم جيدا ؟! "


تأففت بحنق وقالت

" هو كذلك بالفعل فهل يكفيك هذا لترحمني من سماع عباراتك

المهذبة ؟ "


وكانت تفهم معنى نظرته تلك جيداً فهو لم يكن يتوقع أن تفصح

عن أمر كهذا يظهر ضعفها فشخصيتها ليست كذلك مطلقاً لكنها

سأمت من إلحاحه وعباراته التافهة التي يضن أنه يؤذيها بها ..

وهي نفسها لم تكن تتوقع أن تعترف بهذا لأحدهم وبأنها لم تشفى

من أعراض الرهاب الاجتماعي تماماً ولازالت تشعر بالضيق

والاختناق في الأماكن المغلقة المزدحمة ولا يمكنها البقاء فيها

لوقت طويل ، أمسك بذراعها ونزل عتبات الشرفة يسحبها معه

حتى كانا قرب الطاولة الحجرية والكراسي الملتفة حولها تتدلى

فوقها أوراق الشجرة الكبيرة القريبة منها وقال بجدية لا تسمعها

في صوته الساخر البارد إلا نادراً

" يمكنك التنفس بشكل أفضل هنا بينما تخبريني ما دار بينك وبين

خالك وقت مغادرتي جعله يغادر الحفل فجأة ! "


شتت نظرها بعيداً عنه قبل أن تنظر له مجدداً وقالت بنبرة اشبه

بنبرته تلك

" لما عليا أن أكون أنا سبب مغادرته ! ولما لا تسأله بنفسك إن

كان الأمر يعنيك لهذا الحد ؟ "


نظر لها بضيق وقال بحدة

" لا تجيبي عن سؤالي بسؤال يا زيزفون وأريد الآن معرفة

ما دار بينكما ولا تنسي الاتفاق "


أشارت لنفسها قبل أن ترمي بيدها جانباً وهي تقول

" لما أنا من عليها الالتزام ببنود اتفاقك السخيف ذاك بينما

أنت لا ؟ ولم اجب لأن الجواب لديه وليس لدي فهو من غادر

ليس أنا "


عقد حاجبيه وهو يصرخ بانفعال لم تعرفه فيه إلا نادراً أيضاً

" لما اتصل بي إذاً قبل قليل يؤكد بأنه عليا أن لا أكشف هويته

لعائلتي وقال بأن كل ذلك من أجل حمايتك ؟ "


قالت بحدة تتهرب مجدداً من الإجابة فالأمر قطعاً لا يعنيه وهي

من عليها اكتشافه

" لما لم توجه هذا السؤال له هو حين طلب منك هذا ؟ لما أنا

من عليها أن تجيب عما لا يعنيها ولا يخصها ؟ "


أدلى حينها بدلوه وقال باقي ما لديه يصرخ بذات انفعاله

الغريب ذاك

" لأنه لم يكن هذا موقفه سابقاً ! بل وسألني عن وقاص وطبيعة

علاقتك به وكل ذلك تحت حجة حمايتك كما يقول !! "


هكذا إذاً هو يعلم بأن نجيب اكتشف كل شيء ويعلم عن إسحاق

بل ووصلت مخاوفه بأن كشفها أمام هذا المعتوه وبغباء ؟ إذاً

فالأمر أكبر وأخطر مما قد تتصور ...!

نظرت له بتفكير وكل تلك النقاط المبهمة تدور في رأسها قبل أن

تقول بهدوء حذر

" وأنا وجه لي ذات السؤال وكان جوابي بأن لا شيء بيننا وأنه

لا يعلم عما تعلم أنت عنه ولا عن الماضي شيئاً ... وفقط هذا

كل شيء "


وتبدلت ملامحها للجدية وهي تتابع بحدة

" ثم لم يكن اتفاقنا بأن تخبره عما علمت من تلك الأوراق "


حرك رأسه برفض شارد وإن كان ينظر لعينيها وقال بهدوء

مريب


" لم أخبره بل هو من كان متوتراً وقت اتصاله وتحدث عن

حمايتك من القانون وحين سألته بأني لا أعلم عما يتحدث قال

بأنه من الطبيعي أن نكون جميعنا نعلم عن القضية ولم يتطرق

لموضوع شقيقك وبدأ يتملص من الإجابة وكأنه استفاق لنفسه "


نقلت نظراتها بين عينيه بصمت وودت لو تصدقه لكنها لم تعد

تثق بأي كلمة تسمعها ومن أي كان وهذا ما يجعلها تحارب

وحيدة عدواً مجهولاً يبدو أنه كان أقرب لها مما تتوقع !

استمرت في الصمت كما التحديق في عينيه وكأنها تَعبر من

خلالها لدماغه وأفكاره بينما قال هو حين طال ذاك الصمت

المريب والذي لا يفهمه كالعادة

" يبدو بأنه يخشى أن يسعى وقاص خلف الحقيقة ويتأذى

إسحاق هذا ما فهمته ؟! "


وكان تعليقها الصمت بينما لازالت تحدق في عينيه تفكر في

حقيقة أن يكون استنتاجه ذاك صحيحاً لكن لما سيخاف خالها على

إسحاق أو حتى عليها لهذا الحد ! كانت علاقته بهم في الماضي

جيدة لا تنكر ذلك لكنها ليست من القوة بأن يحميهما بشراسة

هكذا أم أنه يريد حماية سر آخر من الانكشاف ! لكن ما هو ومن

يخص تحديداً ! تأفف الواقف أمامها بضجر وقال يمسكها من

مرفقها

" آخر من قد أتوقع يمكنه كشف الحقائق هو ذاك المحامي

الفاشل .... هيا نرجع للداخل فأضنك اكتفيت من استنشاق

الهواء النقي "


أجل فاشل معه حق فهو السبب في وضع كل تلك الحقائق بين

يدي هذا الصعلوك بسبب غبائه ، سحبت يدها منه بقوة

وقالت بضيق

" قلت بأنني لن أدخل هناك مجدداً وقرارك لنفسك يخصك "


ليزخف الغضب لملامحه مجدداً وقد عاد لإمساك مرفقها بل وبقوة

متعمدة آلمتها وقال من بين أسنانه

" لما لا تتوقفي عن التمرد والعناد وكأنك تملكين مثلاً ما يجعلك

بهذه الثقة والقوة ؟ ولا يكن في مخيلتك بأن تهديدات ذاك الطفل

الكنعاني تخيفني "


حاولت سحب يدها منه لكنه غرس أصابعه فيها بقوة أكبر وهو

يشد على أسنانه مكشراً أكثر حتى كانت تشعر بعظام مرفقها

ستتحطم بينما قاومت وباستماته أن لا يظهر ذلك على ملامحها

وقالت بجمود تنظر لعينيه

" أعلم أمراً واحداً فقط بأنه يقول ويفعل وأنت تعلم ذلك وموقن

منه .. وأنا لست بحاجة لأحد يحميني منك ولا من غيرك ولن

أرجع للداخل بل ولن أبقى هنا أيضاً وسأعود لغرفتي "


حينها فقط استطاعت سحب ذراعها منه بقوة تشعر بأنها ضاعفت

ألمها ذاك وغادرت من فورها ليس باتجاه الشرفة التي خرجت

منها بل في اتجاه آخر أبعد من ذلك يقودها لباب آخر للمنزل .


*
*
*



رفع نظره معه وهو يقف وقال

" أويس أنا لم أخبرك بكل هذا لأعكر مزاجك ولا لأراك

وأنت متضايق "


وعلق نظره مع الذي دس يديه في جيبي بنطلون بذلته وقد أشاح

بوجهه جانباً ومتمتماً ببرود لا يشبه ما يشتعل داخله

" أعلم لما أخبرتني ... لأغادر الجامعة من نفسي قبل أن يتم

طردي منها بطريقة لبقة إن كنت محظوظاً بالطبع "


وقف حينها ذاك أيضاً وقال بجدية

" أنت محامٍ ناجح يا أويس ويمكنك اثبات ذلك في أي مكان

بعيداً عن منبع الشائعات هنا .. وهذا بالفعل ما أريده لك "


فرص في مكان آخر ! كاد يضحك أمامه وبهستيرية في وضع

ووقت آخر ما يفكر فيه هو الضحك ، لكن ما فعله حينها أن مد

يده لكتفه وربت عليها قائلاً بابتسامة ساخرة

" أعلم وأفهم ما تريده يا صديقي ولا تقلق بشأني فالقوي

لا يكسره شيء "


وغادر بعدها ذاك المكتب يسير في أروقة مكاتب موظفي الجامعة

رأسه مرفوع وذهنه شارد ذات الوقت فما سمعه منه كان يتوقعه

ومجلس إدارة الجامعة كانوا ليصلوا لذاك القرار لكنه توقع أن

يتركوا له المجال ليدافع عن نفسه وعن والده على الأقل فلا

الوظيفة والراتب يعنيانه أكثر من ذلك لكنه اكتشف بأنهم مجموعة

أطفال نهاية الأمر .


" أستاذ أويس "


وقف مكانه والتفت لصاحبة الشعر البني الغامق والذي كانت

تربطه خلف رأسها والنظارات الكبيرة التي تحيط بعينيها الواسعة

بينما ابتسم له فمها الواسع ابتسامة قرأ فيها التردد كما الحزن

الخفي وهي تقول

" صحيح أنك ستترك الجامعة ولن تُدرسنا مجدداً ؟ "


أبعد نظره عنها يزفر الهواء من رئتيه بقوة ... رائع وها هو

الخبر وصل للطلبة أيضاً وليس طاقم التدريس فقط وهو آخر من

يعلم ، نظر لها مجدداً وابتسم بسخرية رافعاً طرف حاجبه وقال

" هذا ما سمعته أيضاً وهو حقيقي بالفعل "


انحنت كتفاها حينها كما ارتسم الاحباط على ملامحها واشتدت

يداها على المذكرات التي كانت تحضنها وقالت بأسى

" لا بالله عليك أستاذ فمن هذا الذي سيشرح لنا مادة القانون

التجاري بطريقتك أنت ؟ نحن لم ندرسها سابقاً وأصبحت الآن من

ضمن المواد الأساسية بعد قرارات الزعيم مطر الجديدة وما كنا

نتخيل أن كل ذاك العدد من الطلبة قد ينجح فيها قبل أن تدرسنا

أنت إياها "


اتسعت ابتسامته الساخرة تلك أكثر تصف حجم سخريته من كل

ذاك الوضع وقال

" للأسف البعض لم يُقدر لي ذلك مثلكم يا عبير "


تقوست شفتاها بحزن فابتسم لها برقة هذه المرة وقال يجتازها

" سيكون ثمة من هو أفضل مني بالتأكيد "


وغادر الباب الداخلي مجتازاً الطلبة المنتشرين في حديقة الجامعة

التي كافأته بالفعل على مجهوداته ومع طلبة السنة الأخيرة تحديداً

وهو يقفز بهم خطوة واسعة للأمام مع كتاب القوانين الضخم الذي

اضيف لمواد الاقتصاد والتجارة مؤخراً وبعد تغيير القوانين

الوضعية وكلياً بقوانين الشريعة الإسلامية فتناسوا جميعهم ما

فعل وبالإجماع ...! وإن لم تكن تلك الطالبة من المتفوقات ما

كانت لتأسف على مغادرته ولا لتسأله عن صحة ما قيل أساساً .


وصل سيارته وفتح بابها وأمسك بإطار نافذته الحديدي وهو

يلتفت برأسه للخلف ينظر لمبنى الجامعة الضخم يلمع زجاجه

المعتم تحت أشعة شمس الصباح الباكر واشتدت أصابعه على

الحديد البارد هامساً من بين أسنانه

" لو أجدك فقط .... لو أنك تقع في قبضتي لأنتقم منك لوالدي

قبل نفسي "


أبعد بعدها نظره عن هناك مستغفرا الله بهمس وأحرف مشدودة

ونظر لساعته في معصم يده الأخرى فعليه الذهاب لرؤيتها الآن

فوحدها من تنسيه همومه تلك مجتمعة ما أن فقط يراها .

*
*
*


ضاقت عيناه يراقب شاشة الحاسوب المحمول أمامه وما يُعرض

فيها بسبب انعكاس نور بداية النهار من النوافذ الطويلة لمكتبه

الذي يحتل الطابق الرابع والأخير من مبنى القصر الرآسي تراقب

عيناه الجالس في أحد غرف ذاك القصر الضخم في التسجيل

المعروض أمامه والخادمة التي ملأ ظهرها الشاشة بقميصها

الرقيق المصنوع من الكتان قبل أن يبتعد تدريجيا لتصل لطاولة

المكتب الذي جلس حولها شخصان ووضعت صينية الشاي عليها

وانحنت باحترام قبل أن تغادر .


انعكاس صورة جسد ما حجب النور عن تلك الشاشة لوقوفه خلفه

تماماً جعله ينحرف بنظره قليلاً ووصله صوته الحذر

" هذا تسجيل جديد ... أثمة شيء ما مهم فيه ؟ "


تمتم مطر مشير بسبابته نحو الجالسان صوت حديثهم غير مفهوم

لإخفاضه للصوت

" أجل ... انظر للجالس هنا يا قاسم ... لم أكن أتوقع أبداً أن

يكون ثمة صلة تربطه بذاك الجنرال ! هذا يجعلنا نعيد قلب

الأوراق من جديد "


نظر للتسجيل بتفحص هامساً " عمل رائع هذا الذي يقوم به

تيم ... ما كنا لنستطيع الوصول لمنزله هكذا وإن نشرنا

جواسيسنا في لندن بأكملها "


رفع يده وأغلق الحاسوب وهمس بخفوت

" لكني بث أخشى عليه بالفعل يا قاسم "


فنقل نظراته في ملامحه التي لا يظهر له منها سوى النصف

يستغرب أن يسمع هذا ومن مطر تحديدا وجميعهم يعرفون ذاك

الشاب وشجاعته ومهارته ونجاته من الموت مراراً ليعود

لمسببها مجدداً دون أن يخشاه ولا هو نفسه ....!! كما يعلمون

جيداً الصلة القوية والعميقة التي تجمعهما ومكانته الخاصة لدى

مطر من بينهم جميعاً لكنه لم يتلفظ يوماً بهذا ولم يكن يراه سوى

بطل والبطل لا يخشى شيئا ولا يُخشى عليه كما كان يقول !.


قال بريبة ينظر لقفاه لاستدارته نحو طاولة مكتبه

" ما الذي يحدث نجهله يا مطر ؟! "


استدار بجسده مقابلاً له وقال بجمود

" لم يحدث شيء "
وتابع وقد شرد بنظره لقرص الشمس الذي بدأ يرتفع في السماء

لامعاً كزجاج النافذة التي تفصلهم عنه

" لكن قد يحدث قريباً وقريباً جداً ونخسره ولن نجد وقتاً

حينها ولا لنندم فيه "


قال الواقف أمامه بتوجس

" مطر ما الذي يجري ...؟! أرجعه للبلاد إن كان في بقائه

هناك خطراً بسببهم "


نظر لعينيه حينها وقال بضيق

" ليس بسببهم بل بسبب نفسه وإرجاعه هنا ليس حلاً وأنت

تعلم جيداً تبعات ذلك وهو رميه للموت بأيدينا "


حدق فيه باستغراب لبرهة قبل أن يقول

" ماذا تعني بأنه بسبب نفسه ؟! "
تأفف وقال

" عناده على ما يعلم جيداً بأنه ليس في صالحه أعني "


حرك رأسه ساحباً الهواء لفمه دليل الفهم وقال

" آه زوجته تقصد ...؟ ألا زالت معه ؟ "


ضرب بقبضته على طرف طاولة المكتب وقال بضيق

" أجل وذاك العنيد لازال يرفض إبعادها ولن يتوقف عن جنونه

ذاك حتى نخسرهما كلاهما أو يخسر أحدهما الآخر "


نظر لنصف وجهه المقابل له وقال بتوجس مما سيقول

" وما نفع أي محاولة معه إن كان مصراً وأنت تعرفه أعند من

الصخر وقد أقسم مراراً بأنه إن تم إبعادها في غفلة عنه أن

يوقف جميع مهامه هناك لتصبح مهمته الوحيدة البحث عنها حتى

يجدها ... أي لا حل مطلقاً وأنت أكثر من يعرفه بيننا جميعاً مهما

كنا مقربين منه هناك "


مرر أصابعه في شعر قفا عنقه وقال ينظر للأسفل

" يجب أن يكون ثمة حل لن نقف نتفرج هكذا ثم كل ما نتفوه

به مستقبلاً بأنه كان قدره وسيواجهه على أي حال "


تفحصت عيناه ملامحه وقال بهدوء حذر

" أراه يؤدي مهامه وبأفضل شكل إن في تلك المنظمة البريطانية

أو فيما يخص عملنا فمما الخوف ؟ "


قال مطر بضيق وقد رفع نظره به مجدداً

" بل على العكس تماماً فهو السبب في تأخرنا عن بلوغ هدفنا

هناك حتى الآن لأنه يتهرب متحججاً وبشكل واضح فحتى حفلاتهم

التي ستكشف لنا الكثير بات يعتذر عنها بحجج سخيفة سواءً إن

كانت التي يقدمها لهم أم لنا وكل ذلك من أجل تلك الفتاة ومنذ

أصبحت تعيش معه بل ويفتعل الشجارات مع ابنة ذاك الرجل

لأمور تافهة لا تعنينا ولا تعنيه فقط ليتركها بعيداً عنه قدر الامكان

إرضاءً لزوجته تلك ، والأسوأ من كل ذلك أنه إن تم اكتشاف

هويتها الحقيقية فسينتهي من الوجود شخص اسمه تيم كنعان

وفي لمح البصر وابنة الجنرال تلك لابد وأن تفكر في فعلها يوماً

فالنساء يصبن بالجنون ما أن تقترب أي امرأة وبأي صفة كانت

من الرجل الذي تحبه وإن حدث ووضعت تلك الفتاة في دماغها

فلن يهنئ لها بال حتى تزيحها من طريقها ومن حياته وبأي

طريقة كانت ولك أن تتخيل أي طرق تلك التي تتبعها النساء ..

خصوصاً في مركز تلك وصلاحيات والدها "



تنفس بقوة وعمق وقال

" ما أعلمه عنها أنها امرأة مريضة بحب التملك أي أنها في أشد

حالاتها يأساً قد تفكر حتى في أذيته فإما أن يكون لها أو ليس

لأحد كلاعب كرة القدم الذي كانت على علاقة معه وما أن أظهرت

الصحف صوراً له مع فتاة أخرى حتى تعرض لحادث مجهول

التفاصيل بالطبع وفقد مقدرته على ممارسة الرياضة

مدى الحياة "


قال آخر عبارته تلك ونظراته تراقب الذي أمسك خصره بيديه

وقال بجدية

" لست أخشى من تملكها المرضي ذاك بل من أن تكشف هوية

زوجته الحقيقية فإن كان تيم تقمص شخصية ذاك الفتى اليوناني

بدون أي ثغرة يدخل منها الشك فماري دفينست عكس ذلك

وبمعلومات بسيطة من إيطاليا يمكن كشف الخدعة وبسهولة

خصوصاً بعد التطورات الأخيرة في عائلتها هناك "


شحبت ملامح الواقف أمامه بوضوح وقال

" وحينها من ماريه هارون سيتوصلون لحقيقة تيم شاهر كنعان

ودون عناء "


أومئ مطر برأسه بنعم وقال بجدية أكبر

" ولأجل هذا يجب أن يكون ثمة حل ما للأمر غير إقناع ذاك

العنيد ولا إبعادها عنه مرغماً "


رفع يديه وقال

" كيف إن لم يكن بهاتين الطريقتين ؟ "


تنهد بعمق ولم يعلق بل وأوقف الحديث في ذاك الأمر نهائياً

والتفت لطاولة المكتب الواسعة وفتح الحاسوب مجدداً فاقترب منه

الواقف خلفه حتى أصبح يقف بجانبه يديه في جيبي بنطلون بذلته

ينظر بانتباه لما كان يشرحه له على الخارطة أمامهما وعن

خططهم المستقبلية فيما يخص البلاد لا شيء يقطع حديثه

المسترسل ذاك حتى قال قاسم

" لقد فعلت الصواب فتلك القبائل بدأت تلين على ما يبدو بينما لم

تترك في الحدود ثغرا مفتوحة للمتطرفين .. وقضية متمردي

صنوان ستنتهي قريباً كما بات يرى جميع المراقبين بل

والمقربون منهم "


ضغط زرا ما في لوحة المفاتيح قائلا

" سيكون عليهم أن يخضعوا نهاية الأمر وما أن يكتشفوا بأن

أولئك الشرذمة المتمردين لن يجلبوا لهم ولأنفسهم سوى الخزي

والعار وسيكتب التاريخ ذلك ليلحقهم حتى حفيد الحفيد

سيتخلصون منهم ودون تراجع "


قال ونظره لازال على تلك الشاشة والمربع الذي ظهر فيها "

أجل .. فلو أننا فقط نتخلص من استسلام تلك المدن لهم فسنكون

قطعنا شوطا كبيراً للأمام حينها "


أغلق حاسوبه مجدداً قائلا

" بل ستنتهي حينها جميع مشاكل البلاد ولن تجد تلك الأجندات

الخارجية مكاناً لما .... "


وقطع حديثه صوت رنين هاتفه فأخرجه من جيب سترته ونظر

للاسم على شاشته قبل أن يضعه على أذنه قائلاً

" مرحبا يا تيما "


فنظر له الواقف بجانبه من فوره وبما أن الهاتف كان جهته فقد

كان مسموعاً له وبوضوح ذاك الصوت الأنثوي الذي خرج منه

" صباح الخير أبي ... خفت أن تكون نائماً وأكون أزعجتك لكني

أعلم بأنك تغادر المنزل وقت الفجر "


مرر أصابع يده الأخرى في شعره وهو يقول بهدوء

" أجل يا تيما فما جعلك تتصلين هذا الوقت ؟ "


قالت مباشرة

" اليوم هو حفل افتتاح برج القمة أبي "


قال وقد انحرفت حدقتاه السوداء جانباً وحيث الذي كان يستمع

لها بانتباه بينما عيناه محدقتان به

" أجل أعلم بذلك فهل تتصلين لتذكيري بهذا ؟ "


خرج ذاك الصوت الأنثوي الرقيق مجدداً

" لا بل لأنه ثمة حفل وعروض رياضية يدعمها المشروع من

أجل ذوي الاحتياجات الخاصة سيقام في نادي الفروسية هنا

بالعاصمة وأريد مرافقة الكاسر له إن لم يكن ثمة مانع لديك "


أدار حينها رأسه جهة الواقف قربه ونظر له بينما أشاح ذاك

بوجهه من فوره متأففاً بصمت فابتسم وقال

" وما كان رأي والدتك ؟ "


قالت مباشرة

" لم أسألها بعد أردت أن آخذ رأيك أولاً فإن رفضت فلا داعي

لأن أتحدث معها عن الأمر "


قال من فوره

" حسناً إن وافقت هي فيمكنك الذهاب "


وابتسم ما أن قالت من في الطرف الآخر وبحماس

" شكرا أبي ... أحبك كثيرا .... وداعاً الآن "


وما أن اعاد هاتفه لجيبه نظر للذي كان ينظر جهة النافذة مكتفاً

ذراعيه لصدره عاقداً حاجبيه بعبوس وقال ببرود

" لن تكون طفلاً بالطبع وتغضب من هذا "


فقال ببرود مماثل ولازال نظره هناك

" سيعجبك ما حدث بالتأكيد فأنت والدها ولن ترضى بأن تكون

من سيتعرض للتهميش "


شده حينها من ذراعه وأداره ناحيته قائلاً بحزم

" قاسم هي زوجتك لا نقاش لأحد في هذا لكنها الآن لازالت تعيش

معي ومع والدتها فلن أتصور أن تفعلها مثلاً وتأخذ رأيك أنت

ونحن لا علاقة لنا لأنها بالطبع استشارت زوجها الذي يعيش كل

واحد منهما في مكان "


فك ذراعيه وقال بضيق

" ومن جعل الوضع يبدو كذلك غيركم ؟ "


عقد حاجبيه وأشار بسبابته لوجهه قائلا بضيق مماثل

" أنت لن تنسى بالتأكيد ما اتفقنا عليه عندما خطبتها مني "


فتنفس بضيق وقال

" لا لم أنسى ولا أرى لهذا علاقة بذاك "


قال سريعاً وبجمود

" الموقف لا يستدعي منك كل هذا الغضب إذاً فهل أفهم ما يجري

تحديداً ؟ "


أشاح بوجهه عنه وهمس ببرود

" لا شيء "


فحدق فيه مطر بصمت جعله يبادله ذات النظرة لحظة أن علا

رنين هاتفه هو في جيبه هذه المرة فأهداه مطر ابتسامة جانبية

قابلها بعبوس وأخرجه ونظر لاسمها على شاشته قبل أن يرفع

نظره للذي قال مبتسماً بسخرية

" لن تفكر بالطبع في تركها تتصل دون أن تجيب مدعياً

الغضب كي لا تتلقى عقاباً أسوأ من سابقه "


زم شفتيه بغضب من سخريته وتملقه قبل أن يتمتم بحنق

مبتعداً عنه

" كنت أعلم بأن هذا سيكون مصيري منذ وقعت بين يديك

أنت وابنتك "


وأولاه وابتسامته الساخرة تلك ظهره ووضع الهاتف على أذنه

ما أن فتح الخط قائلاً بجمود

" أجل يا تيما "


فقالت من في الطرف الآخر ودون مقدمات ولا حتى بإلقاء

التحية عليه

" قاسم أريد الذهاب برفقة الكاسر وزوجة خالي رعد للحفل

والعروض الرياضية بعد حفل الإفتتاح وسألت والداي ووافقا "


تنهد بضيق وقال ببرود

" وإن لم أوافق هل سيغير رأيي شيئاً ؟ "


وصله صوتها الرقيق سريعاً

" بالطبع لما كنت اتصلت بك "


وبالرغم من أنها فكرت في أخذ رأيه ولم تهمله بما أن والديها

وافقا بل واخبرته بأنها فعلت ذلك قبل اتصالها به ولم تخفيه عنه

إلا أن غضبه السابق تغلب على كل ذلك وقد تمتم ببرود

" إذاً لست موافق "


وأغمض عينيه وتنفس بعمق حين وصله صوتها محبطاً كئيباً

" لابأس لا مشكلة .... وداعاً "


ودس الهاتف في جيبه واستدار ناحية الذي كان ينظر له بضيق

وقال من قبل أن يعلق

" أنت قلت بأنك لن تتدخل مالم تشتكي هي لك فلا تنسى

هذا أيضاً "


ومنعه باب المكتب الذي انفتح فجأة من قول أي شيء أو التعليق

لدخول عمير وبشر الذي نظر لكليهما قائلا

" هل نغادر ؟ "

فتحرك مطر حينها وقال ووجهته الباب المفتوح

" أمامكم ساعتان فقط ولن أكون بعدها معكم "


تبعوه ثلاثتهم ليحيط بهم من كانوا في الخارج سائرين معهم

وقال بشر مبتسماً يرمقه بمكر

" تركنا لك يومان تسبح فيهما في بينبان أم أنك اعتدت

على إلقاء الأوامر من بعيد ؟ "


ضحك عمير بينما تجاهله مطر تماماً وكعادته ودخلوا المصعد

جميعهم وأخرج حينها قاسم هاتفه من جيبه وكتب رسالة سريعة

( يمكنك الذهاب )

وأرسلها لها .. فسحقاً لقلبه الأحمق فهو لم يستطع تخيلها

مستاءة وتبكي الآن وحيدة .


وما أن كانوا في الأسفل ركب مطر في سيارة قاسم وغادروا

جميعهم تاركين شوارع العاصمة المزدحمة خلفهم ليصبحوا فيما

يماثلها تقريبا عند ضواحيها وساد الصمت رحلتهم تلك ..

وبينما كان صمتاً هادئاً لأحدهم كان مدججاً بالقلق وتأنيب الضمير

للجالس خلف المقود ومن لم تزده تلك الطرقات المتفرعة سوى

توتراً واستسلم نهاية الأمر لمشاعره ويده تخرج هاتفه من جيبه

وعاد لإمساك المقود وهو فيه فهو يعلم جيداً بأنها لن تذهب ولا

بعد رسالته تلك وستكون في المنزل وحدها الآن تسجن نفسها في

غرفتها بعدما قاله لها ... نظر لشاشة هاتفه ولأنه لا يمكنه إبعاد

إحدى يديه بينما يحتاجهما للمقود ويد السرعة في هذه الطرقات

كان لا خيار أمامه سوى فتح مكبر الصوت ، كان سيتصل بالكاسر

لكنه وجد رعد خياراً أفضل وقد أجاب من فوره قائلا بابتسامة

" مرحبا بالصهر الآخر للعائلة ... ما سر هذه المكالمة على غير

العادة وفي الصباح الباكر ! "


رمق الجالس بجانبه بطرف عينيه وقال ببرود

" لا أريد أن أقول اسأل صهركم الأول وابنته كي لا أقضي باقي

عمري في السجن فيبدو أن هذا ما سيكون عليه مصيري "


ضحك من في الطرف الآخر وقال

" كن طيباً إذاً فأنا لا أستبعد ذلك ... بما يمكنني أن أخدمك ؟ "


قال من فوره ونظره على الطريق

" هل أنت في المنزل الآن ؟ "


خرج صوت رعد سريعاً

" أجل وسأغادر فوراً فعليا أن أكون في مبنى البرلمان قبل أن

أنتقل لحفل افتتاح البرج كي لا تغضب مني والدة زوجتك وينتهي

بي الأمر رفيقاً لك في الزنزانة "


ظهرت ابتسامة خفيفة على ملامحه المتجهمة وقال

" أريدك أن تتحدث مع تيما إذاً مؤكد هي في غرفتها الآن "


قال من فوره

" في غرفتها !! لا أظن ذلك صحيحاً "

قال باستغراب

" هل غادرت ؟ "
خرج صوت رعد من هاتفه ضاحكاً

" بل كانت أول من قفز لسيارة والدتها "


تنهد حينها وقال ببرود

" لا داعي لذلك إذا "

قال ذاك سريعاً

" أثمة أمر مهم ؟ لما لا تتصل بها ؟ "


قال يبعد يده عن المقود والهاتف فيها

" لم يعد من داع لذلك .... وداعا الآن وشكرا لك "


وما أن دس هاتفه في جيبه نظر للذي كان ينظر له بطرف عينيه

مبتسماً بسخرية يتكئ بمرفقه على إطار النافذة المغلقة ويضم

قبضته تحت شفتيه متكئ بذقنه عليها فقال بضيق ما أن عاد

بنظره للطريق

" لا تسخر من وضعي ولا تنسى بأنه لديك نسخة مطابقة عنها "


دس حينها شفتيه كما ابتسامته في قبضته التي يتكئ بذقنه عليها

وهو يقول مبتسماً

" لم أتركها تجمح عني يوماً "


شخر ذاك بسخرية وقال يحرك رأسه إيجاباً

" أجل واضح تماماً فأنت غادرت حضنها قبل أن تغادر منزلك

صباحاً "


فضحك مطر رافعاً رأسه للأعلى قليلاً وقال يتكئ به على مسند

الكرسي خلفه

" عليك أحياناً ترك مسافة للمرأة تُشعرها فيها بأهمية غضبها

منك ... لا تنسى ذلك أبداً مستقبلاً "


رمقه سريعاً قبل أن ينظر للطريق مجدداً وأشار بيده قائلا بسخرية

" مستقبلا !! يبدو أنك تعطي ابنتك أصغر من حجمها ومصدق

فعلاً أنها ابنة الرابعة عشرة "


ابتسم وقال يعود لجلسته السابقه

" لا .. وأعلم أن دماء عائلة الشاهين لن تخونها بالتأكيد "


تنهد بضيق محركاً رأسه ولاذ بالصمت وكانت سياراتهم حينها قد

أصبحت خارج ضواحي العاصمة فقال مطر

" ألن تذهب لحفل الافتتاح ؟ أظن أنه ثمة دعوة وجهت إليك "


نظر له قبل أن ينظر للطريق وقال بضيق " لا بالطبع ... ومن

أجل باقي أنواع المساحات التي كنت تتحدث عنها "



ابتسم وقال

" هل أفهم ما يحدث معكما ؟ "


رفع أصابعه عن المقود دون أن يبعد راحتا كفيه وقال بضيق

يمسكه مجدداً

" لأنه عليا أن لا أكون في مكان يجمعني بزوجتك حتى وقت لم

تحدده ابنتك بالطبع ويبدو حتى تأتي بنفسها وتقول لي خذ ابنتي

لمنزلك وعالمك فأنت الزوج الأنسب لها في الوجود "



قال مطر بعد ضحكة صغيرة

" يمكنك التراجع وإنقاذ نفسك فنحن لم نفعل شيئاً بعد "


نظر له نظرة قوية تهدد بالقتل وبلا تراجع وقال

" ذاك حين أفقد عقلي "


فضحك ونظر جهة نافذته ولم يعلق .


*
*
*




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 09:28 PM   #12126

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*


رفعت قطعة الحلوى وقضمتها بقوة وكأنها تفرغ غضبها فيها قبل

أن ترميها مع مثيلاتها واستدارت مكتفة ذراعيها لصدرها وتركت

ذاك البوفيه الكبير ورائها وحيث اختارت تلك العائلة أن يكون في

قسم منعزل عن صالة احتفالاتهم تلك أو هو كذلك تقريباً فما

يفصله عن ذاك المكان مجرد حاجز خشبي مفتوح الجانبين يمكنك

رؤية كل ما يدور هناك من خلفه .. وهي لجأت له لتكون بعيدة

عن الجميع سوى من أراد تناول شيئاً من هذه الأطعمة بالطبع فما

دخلت هذا المكان من أجله لم تحصل عليه بل وما خططت له

لأعوام طويلة وانتظرته ضاع الآن ، نظرت جانباٌ وشدت ذراعيها

لصدرها أكثر هامسة من بين أسنانها

" تباً لك يا دانيا "


" ها أنت هنا إذاً ؟ "



أجفلت وقد سوت وقفتها تنظر للذي كان ينظر لها بضيق ..

لصاحب تلك العبارة الحازمة كملامحه تماماً فرسمت ابتسامة

جميلة على شفتيها وقالت تدعي السذاجة

" يبدو أنه حان وقت المغادرة "


هو من كتف ذراعيه هذه المرة وهو يقول ببرود

" إن لم يكن لديك مكان آخر تودين استكشافه هنا بالطبع "


فابتسمت ابتسامة من ليس لديه ما يقول وفهم هو الإشارة فوراً

وقال ينظر خلف كتفها

" هيا إذاً فثمة باب هناك يوصلنا للخارج فوراً "


وتحرك من مكانه فقالت تتبعه بنظرها وهو يجتازها

" ألن نودع أصحاب المكان ! "


وقف ونظر لها رافعاً حاجبيه وقال بسخرية

" لم أراك سلمت عليهم وقت وصولك لتودعيهم "


تنفست بتنهيدة قصيرة وقالت

" أردت فقط أن اجنبك الإحراج بسببي "


حرك رأسه متمتماً بذات نبرته الساخرة

" أجل معك حق "


وقال ببرود يشير بيده لتسير أمامه

" يفضل أن أكون خلفك كي لا أصل السيارة وأكتشف حينها بأني

لوحدي هناك "


فحركت كتفيها بضحكة صغيرة وسارت أمامه وتبعها هو يحرك

رأسه بيأس فهذه متى يتعكر مزاجها أو تعترف بأخطائها !


وما أن وصلا للسيارة في الخارج واطمئن بأنها أصبحت داخلها

استطاع حينها أن يجلس خلف المقود ويغادرا المكان ولتبدأ

سيارته باجتياز شوارع بريستول مسرعة حتى كانت خارجة بهما

خارجها حيث تحول الطريق لخط طويل مظلم تحفه ضلال

الأشجار العالية تشق أضواء سيارته طريقها فوقه وحولها ،

وبينما غابت الجالسة بجواره في أفكارها ذاتها والتي قاطعها وقت

وقوفهما قرب بوفيه الطعام كان له هو أيضاً دوامة مماثلة لتلك

الأفكار لكن ليس لشخص لم يلتقيه هناك مثلها بل رآه ووجده

بالفعل .. يحاول فقط فهم ما قد يكون فكر فيه حين رآهما معاً

فابنه ذاك يبدو درّب نفسه أيضاً على أن لا تظهر انفعلاته ولا

أفكاره على ملامحه ! تنهد بضيق هامساً بحركة من شفتيه فقط

" مطر .... ما أبرعك في خلق الفجوات بيننا "


وانتبه حينها للجالسة بجانبه والتي نظرت ناحيته وكأنها شعرت

بأنه قال شيئاً أو سمعت تمتمته الغير مفهومة تلك فمد يده لمسجل

السيارة وأدار زره فانطلق صوت مذيعة الأخبار مرتفعاً ومخترقاً

ذاك الصمت المميت ... أجواء جديدة تبدو لم ترق لمرافقته التي

مدت يدها لذات الزر بعد قليل وضغطت عليه مجدداً ولعدة مرات

ليتغير الصوت لآخر لا يشبهه تماماً مالئاً صوت الموسيقى

سيارتهم المسرعة بأغنية لفيروز عن الصباح بينما ما يحيطهما

من كل جانب هو الظلام التام ! .


مد يده وأغلق المذياع نهائيا فنظرت جهة نافذتها حينها وابتسمت

فعلى الأقل لن تستمع لنشرة الأخبار والحروب والدماء ... ماتت

ابتسامتها تلك وحركت شفتيها بامتعاض ما أن رن هاتفها لمرتين

متتاليتين منذرا بوصول رسائل متتابعة له لكنها تجاهلته ولم

تخرجه أو تراها فهي تعرف جيداً ممن تكون وليست في مكان

مناسب للرد على عباراته الساخرة والشامتة .



بينما لم يحاول الجالس بجانبها ولا التفكير في تلك الرسائل التي

تجاهلتها متعمدة بوضوح واستمرت رحلتهما في صمت يشبه

رحلة ذهابهما رغم الوقت الذي استغرقته حتى توقفت السيارة

تحت المبنى السكني بعد ما يقارب الساعتين من خروجهما من

هناك فارتفع نظرها مع المبنى عالياً وهي تفتح الباب وتنزل

والذي كان يأخذ شكلا مقوساً وبابين زجاجيين في جانبين

مختلفين وتحركت خلفه ما أن أغلق باب سيارته وتوجه ناحية

الباب الأقرب والذي انفتح ما أن وصلاه ودخلت نظرها على

أبواب المصعد التي ظنت بأنهما سيستخدمان إحداها لولا أوقفها

صوته البارد وهو يتجه نحو السلم الرخامي بلون الزيتون

" الشقة في الطابق الأول لا داعي له "


فرفعت حاجبيها باستغراب قبل أن تتحرك في ذاك الاتجاه أيضا

متمتمة

" ومن هذا الذي يترك الطوابق المرتفعة وتلك المناظر التي

تطل عليها هنا ! "


وحركت كتفيها بلامبالاة ما أن وصلت تلك السلالم وصعدت

خلفه وكما قال كان الوصول هناك لا يحتاج سوى لصعود بضع

عتبات ترتفع بشكل حلزوني ليصبحا مواجهان لردهة صغيرة

تنتهي بممر مقوس يفصل الشقق عن بعضها بالترتيب .. ولم

يلفت نظرها فيها شيء سوى توقف الصاعد أمامها لآخر عتبة

فيه فجأة فنظرت من جانب ذراعه ترفع جسدها عاليا تنظر للتي

خرجت من الباب المجاور لباب الشقة أو الملحق الذي يتم

استخدامه لمدبرة المنزل ...!! للمرأة ذات القوام الممشوق

والساقان الطويلتان شديدتا البياض مبرزاً أغلبهما بنطلون

بيجامتها الحريري القصير تمسك خصرها بيديها وشعرها المموج

الطويل قد تمرد على كتفيها وذراعيها العاريان واللذان يكشفهما

قميص بيجامتها الواسع ويكاد الشرر يتطاير من تلك الأحداق

الخضراء المسلطة على الواقف أمامها ... هذه هي غيسانة

شاهين الحالك إذاً ؟ تبدو كما سمعت عنها تماماً .


مررت طرف سبابتها على شفتيها المبتسمة لازالت تراقب من

خلف كتفه كل ما يجري بينما خرج صوت الواقفة هناك غاضباً

مرتفعاً

" مرحباً سيد كروس "


فخرجت ضحكتها رغم كتمها لها بأصابعها فزم الواقف أمامها

شفتيه بقوة وغضب واستدار ناحيتها يمسك خصره بيديه من

تحت سترته المفتوحة فقالت تمسك باقي ضحكتها

" يبدو أنك كنت غاضباً جداً حين اخترت هذا الاسم "


وما أن ازدادت نظرته غضباً رفعت يديها أمام صدرها مبتسمة

لتوضح أنها لم تقصد الاساءة تنقذ نفسها من غضبه الذي لم

يتغير ولا نظرته تلك .. فهذه تسخر منه بل ومن اسم كروس

والذي معناه الغضب إن كتب بإحدى طريقتيه ! وعلم الآن معنى

أن يكون البحر من أمامك والعدو من خلفك ... لا بل أن تكون بين

امرأتين هكذا فهو أسوأ من ذلك بكثير .


مد يده لذراعها وأمسكها منها وسحبها معه نحو باب الشقة الذي

فتحه متجاهلاً الواقفة مكانها تنظر له بغضب وقد صرخت مجدداً

" لما لا تخبرني من هذه المرأة التي تدخلها لشقتك يا قديس ؟ "


وكانت النتيجة أن تجاهلها أيضاً ودخل بالتي لم يترك ذراعها بعد

وما أن أصبحا في الداخل ضرب الباب خلفه بقوة وحينها فقط

أفلتها من قبضته ونظر لها قائلاً بضيق

" اسمعي الآن ولأكون واضحاً فما يتوجب عليك فهمه

جيداً هو ... "


لكنها لم تمهله ليكمل حديثه الغاضب ذاك وهي ترفع يدها بسرعة

وتنزع قبعة القميص عن رأسها وظهر شعرها الأسود الناعم الذي

نزل منساباً على ظهرا وطرفي وجهها تمسك غرتها المقصوصة

بمشبك أبيض مكون من زهرتين مرصعتان بالفصوص ...فسكت

فجأة كما تبدلت نظرته الغاضبة تلك للاستغراب تتنقل بين ملامحها

التي ظهرت له بوضوح أكبر حينها حيث كان تقريباً لا يراها مع

قبعتها تلك أو لم يهتم بذلك !! ووجد نفسه الآن في مواجهة

عينان واسعة برموش كثيفة بطريقة غريبة زادتها اتساعا

وبروزا .. لا بل ما زاد ذلك تناقضهما التام مع حجم الأنف

المستقيم الصغير والشفاه التي رغم صغرها أوضحها بروز حجم

الشفة العلوية فيها عن السفلى قليلاً بطريقة زادتها جمالا .. لكن

ليس ذلك ما جذب انتباهه فقط بل عمرها !! هذه أليس يفترض

بأنها أصغر من زوجة مطر تلك بقليل فقط !! أليس هذا ما علمه

عنها حين تزوجها قبل أعوام طويلة فهل بالفعل يكون هو عمر

هذه !! كان يحدق فيها دون أن ترمش عيناه فأفكاره هي ما

كانت تسبح في دومات بعيدة استفاق لها فجأة ولنفسه فأدار

وجهه عنها وتحرك باتجاه غرفته وقال ببرود وسبابته تشير

للجانب الآخر

" غرفتك هناك وحقائبك فيها "



فراقبته بحاجبين مرفوعين وهو يدخل غرفته مغلقاً بابها خلفه

بشيء من العنف مما جعلها تنظر لمكانه مجفلة قبل أن ترفع يدها

وهفت بها على وجهها متمتمة

" كم هو سريع الاشتعال هذا الرجل

"لكن لا بأس فقد توضح لها ما كانت تصبو تحديداً لمعرفته وقد

توصلت له من انصراف عينيه عنها قبل جسده وفهمت حينها ما

عنته تلك بالقديس .. بل يبدو انها قد أجادت في وصفه فهي

كانت تريد ان تتأكد فحسب .. هي تثق في مطر وبعد نظره

ورجاحته لكن الرجل مع رفاقه شيء ومع امرأة خلف باب مغلق

شيء آخر .. ولا تنكر بأنها كانت تتحضر لرؤية اي معالم أو

بوادر لنظرة ملتوية مقززة او تبدل قذر لملامح وجهه.. لكن

الخجل الطفيف الذي اعتلى ملامحه وهو يشيح بنظره جعلها تشعر

انه بريئ فعلاً رغم استحالة اجتماع لفظتي رجل والبراءة معاً

لكنها رأته فعلاً بطريقة جعلت ردة فعله تبدو لها مسلية وفي

وضع آخر لكانت ضحكت بالفعل .


وذاك ما حدث حينها فسرعان ما فتر فمها عن ابتسامة بل

وخرجت منها ضحكة صغيرة وتحركت ناحية الغرفة التي أشار

عليها ودخلتها مغلقة بابها خلفها .. كانت غرفة شبه فارغة حتى

أن سريرها لا يحوي لحافاً ولا وسائد ويبدو أن كل ذلك في

الخزانة ! توجهت ناحية حقائبها الموضوعة قرب الخزانة

الضخمة ووقفت أمامها ونزعت قميصها أولاً ورمته خلفها بإهمال

ولم يعد يغطي جسدها سوى قميص شفاف بدون أكمام وجلست

متربعة أمام أكبر حقائبها تلك وفتحتها فعليها أن تستحم وترتب

هذه الثياب جميعها قبل أن تفكر في النوم .

*
*
*


أنزل آخر واحد منهم القبعة السوداء عن رأسه المنحني للأسفل

لجلوسه على الأرض مستنداً بركبة واحدة عليها وختم بذلك

عرضهم الرائع الذي قدموه أمام البقية القليلة من المدعوين لذاك

الحفل فتعالى التصفيق الحار وابتسم رواح لهم بفخر فهم رفضوا

اقتراحه بأن يقدموه أمام الجميع لأنه سيكون عرضهم لبرنامج

المواهب البريطاني ورفضوا أن يراه كل ذاك العدد بينما أرادوا أن

يقدموه اليوم وهنا كهدية له ... سبع شبان في أعمار متقاربة

كما الأجسام والطول جمعتهم المصادفة وقت دراسته في جامعته

في اسكتلندا كما جمعتهم هم الظروف القاسية التي عاشوها معاً

في دار للأيتام وتعاهدوا منذ صغرهم فيها على أن لا يتخلى أحدهم

عن الآخر .. وكان ذاك ما فعلوه بالفعل حين حان وقت مغادرتهم

إياها وهم في سن الخامسة عشر فواجهوا الظروف القاسية معاً

إن في المكان الذي تدبروه للعيش فيه أو الأعمال التي كانوا

يبحثون عنها ليتمكنوا من العيش ولا يكون الموت جوعاً

مصيرهم أو بسبب البرد في العراء ولا أن يلتهمهم وحش

الانحراف والانخراط في العصابات .. وبالرغم من أنهم اجتازوا

كل تلك السنوات ورغم صعوبتها وتعاونهم ليكون لكل واحد منهم

حياة خاصة ناجحة إلا أن ذلك لم يجعلهم يفترقوا عن بعضهم أبداً

وكانوا يداً واحدة وفي كل شيء لذلك اختاروا أن يكونوا فريقاً في

شيء ما يجمعهم جميعاً فتكونت فكرة فرقة الرقص هذه وتحولت

من هواية ورغبة في المشاركة لا غير لحلم كبير بأن يحققوا ما

عجزوا عنه طويلاً في سن مراهقتهم وهو إيصال كل معانتهم

وأمثالهم للعالم ، ومنذ اليوم الذي تعرف فيه هو عليهم في

مصادفة غريبة رأوها هم فيما بعد بأنها هبة الله لهم قرر أن يكون

الداعم لهم وساعدهم بما لم يكونوا ليتخيلوه حتى أصبح اسم

فريقهم ذاك معروفاً في أسكتلندا بأكملها مما شجع حلمهم الصغير

ذاك لأن يكبر داخلهم وكانت المفاجأة حين حصل لهم بالفعل على

فرصة لن تعوض للتقدم لذاك البرنامج الذي يشاهده الملايين حول

العالم وفي موطنهم خاصة بل وفي الاتحاد الأوروبي بأكمله

فأصبحت تدريباتهم الشاقة لا تتوقف ليل نهار لينالوا الفوز ومن

ثم الشهرة والنجومية ليس من أجلهم فقط بل ومن أجل كل طفل

يعاني ما عانوه هم .


وقفوا جميعهم وصفقوا لأنفسهم كعادتهم بعد كل عرض يقدمونه

فرفع لهم رواح إبهام يده الحرة مبتسما قبل أن ينظر للواقفة

بجانبه تنظر لهم مبتسمة بحماس والتي ما أن شعرت به ورفعت

نظرها له حتى عادت للعبوس وقالت بضيق تحاول سحب يدها

وساعدها من قبضته

" اتركني ... فها قد انتهى حفلكم ولن أهرب "


قرب وجهه منها وهمس مبتسماً

" ومن قال بأني كنت أخشىى هروبك أو أنه السبب ؟ "


شعرت باشتعالها يزداد بسبب بروده ولا مبالاته بل وابتساماته

قبلها وقالت بحدة

" هل أفهم لما تتزوج بي تحديداً وأنت تكرهني وتنتقدني منذ

كنت طفلة ؟ "
وتابعت تلوح بسبابتها في الهواء

" ولماذا أنا من بين جميع شقراواتك ؟ "


رفع رأسه ضاحكاً قبل أن ينظر لها مجدداً وقال بضحكة

" وأخيراً سمعت هذا السؤال من شفتيك الرائعتين والذي للأسف

لا يمكنني الإجابة عليه "


تأففت في وجهه وحين حاولت سحب يدها مجدداً وكادت تنجح في

ذلك عاد وسحبها ولف ساعده حول ساعدها أكثر وتحرك بها

جهة والديها واللذان ابتسما لهما على الفور فلم يبقى في ذاك

المكان الواسع سوى المقربين من العائلة بالإضافة لأفرادها

الناقصين أساساً بعد مغادرة زيزفون منذ وقت طويل ووقاص

الذي اعتذر منذ قليل وصعد لجناحه بينما بقيت زوجته لأن

عائلتها لم يغادروا بعد وزوجة أبيه والدة نجيب التي ما كان

ليتوقع أن تبقى لهذا الوقت ...!

إذاً لا أحد سوى والدته وزوجة والده والدة ضرار ونجيب الواقف

جهة طاولات الطعام وكأن ما يحدث هناك لا يعنيه ووالدته

ووالدهم وجده اللذان على ما يبدو لم ينتهيا بعد من نقاشاتهما

الطويلة حول المشروع الضخم الذي ينشئونه على جزيرة مينلاند

والذي لم يسرق وقت والدهم فقط بل سرقه بأكمله منهم وكان

مشروعهم الأول بعيداً عن عالم صناعة الطائرات وشركات

الطيران ... حتى أن خاله وزوجته غادرا منذ وقت معتذران لأن

ابنتهم كنانة قد تكون لوحدها في المنزل بينما لم يفكرا مطلقاً في

الاتصال بها أو بشقيقها للتأكد إن كان معها ...! وخاله شاهر

حذى حذوهما حتى أنه بالكاد رآه الليلة بل ولم يودع أحداً

وهو يغادر !.


ابتسم الحارثة وهو ينقل نظره بينهما وقال ما أن استقر

على رواح

" مر الحفل بسلام والحمد لله "

فضحك رواح ووضع يد ابنته في يده وقال

" ها قد سلمتها لك كاملة رائعة كما هي دوماً فعليا أن أجدها

في المسقبل القريب كما هي وتسلمها إلي "


ضحك والدها وشد على يدها الصغيرة بالمقارنة بكفه وقال

" أمانتك في أمان تام كن مطمئناً "


فابتسم ولوح لهم وقال مغادراً

" يمكنني الآن إذا المغادرة وإيصال رفاقي للمكان الذي

سيقيمون فيه هنا في بريستول مطمئناً "


وابتعد عنهم حيث الفتية اللذين أصبحوا يقفون خلف المساحة

الزجاجية الواسعة التي يحتلها باب الشرفة المطلة على الحديقة

المضاءة في الخارج بينما انشغلت والدته مع الخادمات اللواتي

بدأن في تنظيف المكان الواسع متفرقات فيه كل في اتجاه

وسارعت والدة ضرار لمساعدتها .. بينما غادر نجيب أيضاً

ووالدته التي انشغلت بتوديع عائلة جمانة فسحبت حينها ساندرين

يدها من يد والدها ونظرت لهما وقالت والدموع تملأ عينيها

" لقد خذلتماني بكما حقاً "


وتابعت بأسي من قبل أن يعلق أي منهما

" كان حفل خطوبة فقط فكيف أصبحت زوجته فجأة وأنتما

تعلمان جيداً رأيي بالأمر وبه شخصياً !! "


قال حينها الحارثة وبضيق

" لن نكرر اسطوانتنا ذاتها يا ساندي "

فلوحت بقبضتها قائلة بحدة

" لا ذلك ليس عذراً ... لا تتحجج بما حدث هنا سابقاً أبي

فلست طفلة "

خرجت والدتها من صمتها حينها وقالت بما يناقض مزاج كليهما

والمشحون بالغضب

" لا أعلم حقاً ما سبب رفضك لما تتمناه الكثيرات غيرك ؟! "


فنظرت ناحيتها وقالت باستياء

" وهل كل ما يتمناه الناس يمكننا أن نكون سعداء بامتلاكه ؟ "


قال الحارثة بحزم

" يفترض بأن يكون الأمر كذلك "


فنظرت لعينيه وسحبت نفساً عميقا لصدرها فيما يشبه عبرة فتت

أضلعه وقالت بصوت ضعيف كئيب

" يؤسفني إذاً أن اخبرك أن فكرتك تلك خاطئة أبي وقد رميت

بسببها ابنتك للتعاسة مدى الحياة "


وتابعت من قبل أن تنتظر تعليقه والدموع تملأ عينيها مجدداً

" لو كان لي مكاناً غير منزلكما قسماً ما كنت لأرجع له معكما "


لتتبدل ملامحه للحدة وقال بقسوة يشير بسبابته للأرض تحته

" لا مكان لديك غيره سوى هذا المنزل بالطبع ولا تتصرفي

بجنون يا ساندرين كي لا تتحول حياتك لتعاسة حقيقية أنت

وحدك السبب فيها "


واجتازها غير مكترث بنظرة الأسى وخيبة الأمل التي رمقته

بها وهو يسير قائلا بضيق

" اتبعاني بسرعة فلن نترك سائقهم ينتظرنا طويلاً فالمسافة

من هنا للندن ليست بالقصيرة وهو لا يعمل لدينا "


وابتعد حتى غادر من باب الشرفة المفتوح ونظرت هي لوالدتها

التي لم تتبعه بعد تنتظرها وقالت بعتاب آسي

" يعجبك كل هذا أمي درجة أن لا تعترضي أبداً ولا بكلمة

واحدة تعزين بها ابنتك التي تحطم مستقبلها ؟! "


فنظرت لعينيها بصمت حزين لبرهة قبل أن تهرب بنظراتها منها

جهة الباب الذي خرج منه زوجها قبل قليل وقالت تشير بيدها

ناحيته

" تحركي هيا يا ساندي فلا أريد أن يغضب والدك أكثر من ذلك

ولا حديث لي في أمر قد وافق هو ... أعني أنت عليه وتعلمين

ذلك جيداً "

ضربت بقبضتها نحو الأسفل قائلة بحنق

" من يراك لا يصدق بأنك انجليزية ! بل بأنك أنت العربية وليس

هو لانصياعك التام له ...!! أين التحرر والمساواة أمي ؟ "


فنظرت لها بضيق وأشارت بأطراف أصابعها لرأسها قائلة

" لا يوهمك عقلك بأن جميع شعارات هذا المجتمع تُنفذ

أو تفيد .. ولا تنسي بأنك عربية وزوجك كذلك "


فنفضت يديها بقوة صارخة

" لا تقولي زوجك أمي رجاءً وارحموني من هذه الكلمة

الليلة على الأقل "


فنظرت حولها بضيق تخشى من سماع زوجات سلطان أو إحدى

خادماتهم نقاشاتهم الغاضبة تلك وأمسكت بيدها وسحبتها معها

دون أن تعلق أو تضيف شيئاً وخرجت بها من حيث خرج والدها

قبل لحظات ولم تتوقف حتى وصلا للسيارة السوداء المتوقفة

قرب الباب الرئيسي للمنزل وصعدت والدتها وتركت لها الباب

مفتوحاً فجلست على الكرسي أيضاً تدخل فستانها بعصبيه وتأفف

وضربت الباب خلفها بقوة تاركة جزءاً منه في الخارج دون أن

تهتم له ولا للمال الذي دفع ثمناً لشرائه وأشاحت بوجهها جهة

النافذة ما أن انطلقت السيارة قبل أن تتكئ بجبينها عليها تنظر

للطريق بحزن .


*
*
*




اغلق باب غرفة الاجتماعات خلف آخر الداخلين منه وحينها فقط

سحبت مساعدتها الشخصية الكرسي بجانبها وجلست عليه ليبدأ

اجتماعهم الذي تقرر أن يكون قبل دقائق من افتتاح مشروعهم

الجديد والذي سرق ساعات نومها ونهارها طوال الفترة الماضية

وعاهدت نفسها أن تنجح فيه كما أدارت تلك المملكة سابقاً وهذا

ما يجعلها مصدر ثقة من قِبل جميع من دفعوا أموالاً طائلة

لتمويله آملين في أن يعود عليهم بمنافع أكبر فمهما كانت الحقائق

المخفية خلف الممول الأساسي لمملكة الغسق سابقاً وكل تلك

الأسرار المحبطة التي لا يعرفها أحد غيرها في تلك الغرفة وعلى

تلك الطاولة إلا أنها من صنع كل ذلك وبنجاح فالمال وحده لا يفعل

شيئاً إن لم يكن ثمة عقل ذكي يحركه ... أما الآن فلن تخشى من

زيف الجالسين حول تلك الطاولة البيضاوية الكبيرة ببذلاتهم

الرسمية الفاخرة ونظرات الثقة والكبرياء وحتى التعجرف

والغرور لبعضهم ... لرجال استطاعوا بناء أنفسهم ومجدهم في

عالم المال والأعمال وبجميع أنواعه .. وما كان لأحد أن يدعم

مشروعها هذا سوى أمثالهم ومن كان اسم كل واحد منهم يعرفه

القاصي قبل الداني في تلك البلاد .. وبالرغم من أن تعاملها في

السابق كان في أغلبيته مع النساء ولم تجلس يوماً حول طاولة قد

ملأ كراسيها الجلدية المريحة الرجال فقط وبهذا العدد باستثناء

مساعدتها التي كان حضورها أساسياً وحتى إن لم تحتاج لها إلا

أن ذاك التوتر الداخلي لم يظهر على ملامحها الواثقة .. طريقة

جلوسها وأدق حركاتها حتى بالنسبة لتلك الأحداق السوداء

الكبيرة المستديرة والتي يحيطها صفا رموش كثيفة ... بأدق

تفاصيلها كانت أنثى تختلف عن جميع النساء وصولاً لأبسط

الامور وحتى القماش الأسود الناعم الذي احتضن تفاصيل الوجه

البيضاوي الفاتن والذي لطالما اهتمت أن تحكمه حول شعرها

وعنقها فلم تنساق يوماً خلف الصيحات الحديثة للف الحجاب

حتى أصبح أقرب للقبعات البشعة التفصيل منها لقماش ساتر حتى

أضاعوا الغرض الأساسي منه .


نظرت للأوراق تحتها والتي كانت تريح يدها عليها يزين أناملها

خاتم الزواج الماسي والذي سرق نظرها لبرهة وكأنه مغناطيس

جذبها إليه دون شعور ! وما كادت ترفعهما من عليه حتى

أغمضتهما وتنهدت بعمق ما أن انفتح الباب خلفها ودون طرق

ولا استئذان ولا أن يمنع أحد رجال الأمن ولا الحرس المنتشرين

في الأسفل هذا المقتحم من الوصول إلى هنا ! ولها أن تتخيل من

يكون ... بل وكأنه خرج لها من خاتمه .


رفعت نظراتها بالذين وقفوا بالتتابع ما أن كشف لهم الباب عن

هوية الموجود خلفه والذي وصلهم صوته وبحّته الواضحة

والمميزة قبله وهو يتحدث في هاتفه والذي أصبح بإغلاقه للباب

في جيب سترته فوقفت هي أيضاً حينها ودون أن تلتفت له لأنها

تعلم جيداً أي نظرة ستوجهها له حينها وكيف سيرد هو عليها

وأمام الجميع فيكفيها ما حدث سابقاً في اجتماع الجمعية فضيوف

الشرف هذه المرة ليسوا نساء .
كان عليها أن تتوقع هذا منه وإن لم تكن الدولة داعماً للمشروع

ولم يسبق له أن ناقش موضوعه معها ولا في اليومان اللذان

قضياهما في منزل بينبان مما جعلها تستبعد هذا فكيف يجد

رئيس البلاد وقتاً لحضور اجتماعهم هذا أو حفل افتتاح برج في

عاصمة هو المسؤول عن بلادها كاملة ! هذا ما كان عليها أن

لا تفكر فيه أبداً فها قد وجد وقتاً ووصل في الدقائق المناسبة

تماماً !.


كانت تنظر للأسفل بالرغم من وقوفها بظهر مستقيم منتصب ولم

تستطع رفع نظرها بأحد منهم وخطواته الواسعة الواثقة تقترب

من خلفها حتى أصبح يقف بجانبها وكانت مساعدتها هي من

ابتعدت تاركة له الكرسي الوحيد الأقرب لها تمسك بجميع الأوراق

التي كانت تضعها أمامها ويبدو ليقينها بأنها لن تجلس على ذاك

الكرسي مجدداً بينما جلس هو عليه دون أن يرفض أو يمانع مما

سمح للبقية بالجلوس مجدداً وكانت هي آخرهم هذه المرة أيضاً

وكل ما توقعته حينها أن يتحدث لكنه لم يفعل ذلك بل نظر للأوراق

تحتها قبل أن يرفع نظره بها لحظة أن نظرت له أيضاً فابتسم

مومئاً لها برأسه بحركة خفيفة لتكمل ما قاطعه مجيئه فسحبت

أنفاسها ببطء لم يلاحظه أحد وجابت بنظرها في الجالسين حول

الطاولة التي كانت تجلس على رأسها وبدأت بالحديث بثقة لم تكن

تعلم بأن وجوده سيزيد من تعزيزها بداخلها هكذا ! وقالت بثبات

ونبرة أنثوية متزنة محتشمة ذات الوقت

" اخترت اجتماعنا هذا ليس فقط بسبب عدم وجودي هنا الأيام

الماضية بل لندرس جيداً الأمور التي تغيرت ورفضتها ووجدتِ

الموافقة لدى بعضكم بينما لم يطلع عليها البعض الآخر وأهمها

هي وضع لجنة مراقبة وتفتيش لنضمن صلاحية وجودة البضائع

التي سيتم عرضها واستخدامها في المشروع فلم يكن كافياً أن

يوقع أولئك الباعة على بنود تخص الأمر في العقد المبرم معهم

ليتلقى العقوبة فيما بعد فما سيكون مصير من سيتضرر بسبب

تلك الأدوية التالفة أو الأطعمة منتهية الصلاحية وغيرها ؟

فنحن بهذا لن نضمن ثقة الناس فقط بل وتجنب الكوارث قبل

حدوثها وإن كلفنا دفع أموال لم تكن في الحسبان لأولئك

الموظفين الجدد فالمكاسب في المقابل أكثر وأهم إن كانت مادية

أو معنوية فثقة الناس في مشروعنا هو ما نبحث عنه وما سيعود

علينا بالنفع ، أما الأمر الآخر الذي تمت الموافقة عليه جزئياً هو

أن الانتقال للطوابق العليا سيكون بالتصويت بين الشركاء أيضاً

ولن نترك ذلك للأرباح والمنافع المالية التي ستعود على

المشروع فقط فالبعض قد يستحق فرصة أخرى للمنافع المعنوية

التي قدمها للمحتاجين أكثر من كونه در علينا بالنفع المادي

فقط ...."


واسترسلت في حديثها ذاك تعرض كل ما تم اضافته وإلغائه في

بنود ذاك المشروع من أهم الأمور لأقلها أهمية وحتى اعتراضها

على تواجد قنوات التلفاز وقت وجودها هي وحتى تغادر والأمر

الوحيد الذي تحصلت عليه حين قدمت اعتراضها وطالبت بأن

لا تتواجد وسائل الإعلام جميعها .


بينما كان نظرها طوال فترة حديثها ذاك ينتقل منهم للأوراق

تحتها بطريقة لا تُظهر توترها ولا ترددها بل احتشامها عن النظر

لأعينهم ولوجوههم لوقت طويل بينما كان الجميع يستمع


بصمت وانتباه نظراتهم لا تتركها بين مهتم بما تقول وبين موافق

ومعجب بكل ذاك القدر من الذكاء الأنثوي والقيادة الحكيمة

لمشروع مهما عظم حجمه لن يكون اختباراً أصعب من بناء

مملكة كاملة كجمعية للنساء كما يرون .


توقفت عن الحديث فجأة ليس فقط لأن ما لديها قد انتهى بل

وبسبب اليد التي سحبت الأوراق التي كانت تقلبها فترة حديثها

مطلعة على أهم ما كانت تود التحدث عنه وعلمت حينها فوراً بأنه

ثمة ما سيحدث فهي تعرف هذا الرجل جيداً من الفترة التي

عاشتها معه وعرفته فيها بل وثمة ما تخشاه بسبب تلك الأوراق

فأول ما سيقوم به بالتأكيد هو الإطلاع على البنود التي اعترضت

فيها على بعض الأمور ومن بينها تلك التي وجهتها لبعض

الشركاء أو أقواهم دعماً للمشروع بصفتهم الرأس الأعلى في

مجلس الإدارة لاستثناء ذاك الاسم من حصة الأسهم فيه بل ومن

مشروع البرج بأكمله واعتذر الجميع عن فعلها وعن طرد الرجل

الذي دخل عالم المال بقوة من وقت قريب مذهلاً الجميع بذكائه

وحنكته وهو لم يتجاوز الأربعين عاماً وفي وقت قياسي ليكون

أحد أهم رجال الأعمال في البلاد ورأى الجميع بأنه صفقة موفقة

لمشروعهم الضخم الذي يحتاج لأمثاله خاصة وأنها لم تقدم

أسباباً واضحة بل ولم تشرح أسبابها مطلقاً فما الذي ستقوله

مثلاً ...؟!

بأنه لم يتوقف الفترة الماضية عن التردد على مكتبها بحجج

وبدونها حتى توقفت عن المجيء هنا قبل الافتتاح ؟ أو بأنه

تطرق للحديث عن أمور شخصية وصلت لأن سألها عن الفتور

في علاقتها بزوجها وسبب إقامة كل واحد منهما في مكان ؟


وعلمت حينها بأن تلك المشكلة ستطفو للسطح حالاً فإن تغاضى

باقي الشركاء عن رفضها الصامت لوجوده فلن يفعلها الجالس

بجانبها الآن بالتأكيد وذاك ما تعلمه جيداً وإن كانت متأكدة من

جهله لهوية المكتوب اسمه في تلك الورقة من بينهم ... أو ذاك

ما كانت تتمناه فقط فما أن رفع نظره عن الأوراق التي كان يقلبها

بعصبية واضحة رماها أمامه لتنزلق على الطاولة الملساء متفرقة

عن بعضها بشكل مرتب متدرج وطرقت يده بالقلم الذي تركته

مساعدتها على الطاولة وقال بحزم آمر

" أحمد رضوان هذا الاجتماع لم يعد يحتاجك بل

والمشروع أيضًا "


فأخفت حينها عينيها بكفها تفرك جبينها بأصابعها وتنهدت بضيق

وما توقعته حدث أيضاً فما أن وقف ذاك ساحباً كرسيه للخلف أمام

النظرات المحدقة فيه بعضها باستغراب والبعض بترقب لعلمهم

المسبق برفضها لوجوده وإن جهلوا الأسباب ليوقفه الذي رفع

القلم في وجهه قائلاً بحدة

" لو كان هذا قبل أكثر من عشرة أعوام لما خرجت من هنا إلا

وهذا القلم في عينك ... ولتعلم فقط بأنه ثمة خط أحمر واضح

أصبح تحت اسمك ولن تتخلص منه بسهولة "


وما أن أنهى عبارته تلك رمى القلم من يده أيضاً قائلا بضيق

" انتهى اجتماعكم هذا حسبما أعتقد "


فوقف الجميع حينها مغادرين بالتتابع دون اعتراض ولا أن

يناقشوا ما قال وقرر .. ومن هذا الذي يمكنه الاعتراض أو

التحدث بعدما قال هو كلمته ؟ فمهما ارتفعت مكانتهم في البلاد

فكلمته ستكون أعلى منهم فلم يكن ثمة خيار لديهم سوى

الانصياع عدا الجالسة بجانبه بالطبع والتي ما أن رفعت نظرها

بهم وكما توقعت رمقتها تلك النظرات المتهمة للذي غادر آخرهم

وكأنه يقول لها

( أبدعت في خلق الأكاذيب عليه )

ومن هذا الذي سيقنعه بالعكس الآن ؟ بل ولما ستهتم أساساً !

فما أن خرج آخرهم وهي مساعدتها الشخصية حتى وقفت أيضاً

وتوجهت جهة الباب الذي أغلقته بقوة والتفتت للذي وجدته واقفاً

أيضاً بل وينظر لها وقالت بضيق

" مطر ما هذا الذي فعلته ؟ "

استدار بنصف جسده وأمسك مجموعة من الأوراق المرمية على

الطاولة ومدها نحوها يقبض عليها بين أصابعه بقوة وقال

يحركها بعنف

" فعلت ما وجدته مكتوباً في أوراقك أم أخطأت ؟ "


تنفست بعمق نفساً طويلا وقالت بضيق

" وما الذي وجدته ؟ أنت لم تستعلم ولا عن السبب ! "


فرماها مجدداً لكن على الأرض هذه المرة قائلاً بحدة

" وما حاجتي بذلك وعيناه القذرتان تتحدث .... أكنت تنوين

دفعي لقتله ؟ "


نقلت نظراتها المصدومة من الأوراق المبعثرة على الأرض بينهما

لعينيه المشتعلتان غضباً وقالت بضيق

" مطر ما أفعال المراهقين هذه !! "

فنظر جانباً مبتسماً بسخرية أنفاسه الغاضبة تخرج قوية متلاحقة

وقال بضيق مماثل ما أن عاد بنظره لها

" وما ستتوقعين من رجل ينظر أحدهم لزوجته بتلك الطريقة

غير أن يتصرف كمراهق ؟ "


قالت محتجة بضيق

" جميع الرجال ينظرون للنساء ومن الطبيعي أن ينظروا لمن

تتحد... "


فصرخ مسكتاً لها

" توقفي عن ادعاء الغباء أمامي فأنا رأيت جيداً نظراته التي يكاد

يلمسك بها وتعريك من ملابسها .. أنا أفهم نظرات الرجال جيداً

يا غسق "


شعرت بجسدها ارتجف من طريقة وصفه تلك ومما رآه في

نظرات ذاك الرحل الذي تجنبت النظر ناحيته طوال دقائق

اجتماعهم ذاك بينما تابع هو وبغضب متقد

" وبكل جرأة ووقاحة يفعلها أمامي ! قسماً لولا سن ومركز كلينا

لما خرج من هنا يمشي على ساقيه "


حدقت فيه بذهول ولوجهه الذي احمر بشدة من شدة الغضب

وقالت

" مطر بالله عليك أ.... "


فقاطعها صارخاً يشير لها بسبابته

" وأنت حتى متى كنت تنوين الصمت عن ذلك ؟

لما لم تخبريني ؟"



فقالت والضيق لم يفارق نبرة صوتها

" لأنني لم أكن أريد لما حدث الآن أن يحدث وأنا أفهم جيداً

رسالة التهديد التي وجهتها له وأعلم بأنك ستنفذه ... كنت أريد

من الشركاء الاتفاق على إبعاده وشراء أسهمه وينتهي الأمر "


قال بغضب أشد وقد ضرب بسبابته على صدغه

" لكنه لم ينتهي وهم لم يوافقوا فلما لم تخبريني ؟ تحدثي

ولا تصيبيني بالجنون "


فقالت بهدوء حذر تحاول تهدئة غضبه

" سبق وأجبت على سؤالك هذا وكنت سألجأ لك فعلاً إن تعقد

الأمر أكثر فتوقف عن افتعال المشكلات ولينتهي هذا الحفل

بسلام "


فصرخ مجدداً وكأنه لا يسمعها

" هذا وأنت متزوجة !! وممن ...؟

من الذي يعتبرونه رئيساً لبلادهم الحثالة فكيف كان الوضع

حين كان يضن الجميع أنك مطلقة ؟ "


كتفت حينها ذراعيها لصدرها وقالت ببرود تخلله الكثير من الحنق

" كان والدي شراع يغلق الأبواب أمام الجميع حينها وباتفاق

معك بالطبع لأنه وحده من كان يعلم بأني لازلت زوجتك ويخفي

ذلك عني أيضاً "
تجاهل ما قالت مجدداً ورمى بسبابته جانباً قائلاً بحدة

" ذاك ما كان يصل لشراع صنوان ويوقفه عند حده فماذا عما

لم يكن يصل له ؟ ماذا عن أشباه هذا الصعلوك ؟ "


فقالت والضيق قد عاد للسيطرة على صوتها كما ملامحها الجميلة

" مطر توقف عن الجنون فأي امرأة تتعرض لمثل تلك المواقف

وهذه الأمور تافهة لا تلتفت لها النساء "


مرر أصابعه في شعره الأسود الكثيف وتنفس الهواء من صدره

الغاضب في تأفف طويل واقترب منها حيث تقف قرب الباب الذي

أغلقته قبل قليل وأمسك بذراعيها ملصقا لها عليه بظهرها وهمس

من بين أسنانه محدقاً في عينيها

" أنت لست أي امرأة .. أنت زوجة مطر شاهين وأم أبنائه "


فقالت بحنق تنظر لعينيه اللتان تحولتا لحجرين مشتعلين من

الغضب

" مطر هل أفهم أنت هنا لتفسد الحفل أم ماذا ؟ "


فتركت يداه ذراعيها بحركة غاضبة وقال بضيق

" بل لأنه لم توجه لي أي دعوة لأكون هنا بينما وصلت حتى

لزوج ابنتي ...! كان عليا أن أعلم أنه ثمة سبب ما وراء ذلك "


فحركت يدها بعنف قائلة

" أنا لم أدعوه رعد من فعل ذلك من ورائي وأنا لازلت أرفض

الفكرة من أساسها وإن توقفت عن التحدث عنها متعمدة ...

ثم لا أعلم رئيس بلاد توجه له بطاقة دعوى لحضور حفل

برج يُفتح في بلاده !! "



قال بضيق

" غسق لا تتهربي من محور حوارنا الأساسي "



قالت باندفاع

" أنا لا أتهرب "


أشار بسبابته في وجهها قائلا بضيق

" أجيبي عن السؤال إذاً ... ماذا كان موقفك من كل ذلك ؟ "



فصرخت فيه مندفعة ودون تفكير


" وهل تركت لي قلباً يسكنه رجل غيرك لأوافق على أحدهم

أو أسمح بالأمر ؟ "



وتأففت أمام نظراته الساكنة ونظرت للجانب الآخر أنفاسها تخرج

بقوة يعلو معها صدرها وينزل بالتتابع فأمسكت أصابعه بذقنها

وأدار وجهها ناحيته وابتسم مناقضاً كل ذاك المزاج المشتعل

والغضب الذي كان يلقي عليها بحممه قبل قليل وانحني برأسه

نحوها ببطء حتى اختلطت أنفاسه بأنفاسها القوية المنفعله وما أن

تلامست شفتيهما دفعته مبتعدة عنه وهمست ببرود تعدل حجابها

الذي نزل طرفه متدلياً على صدرها

" لا تنسى نفسك يا رئيس البلاد فالبرج بأكمله مراقب "


فابتسم والتفت أصابعه حول أصابعها ممسكا بيدها وسحبها معه

جهة مقبض الباب وقال وهو يفتحه

" إن كانت هذه الغرفة تحديداً مراقبة ما كنتِ لتقولي كلمة

مما قلته "


وما أن كانا خارج غرفة الاجتماعات كان باب المصعد المفتوح

في انتظارهما وما أن دخلاه وأغلقت أبوابه وقفت بعيداً عنه في

الجانب الآخر ورفعت نظرها في إشارة للأعلى بأن هذا المكان

مراقب لا نقاش فيه فلا تفكر في العبث مجدداً فابتسم يتكئ بظهره

على جدار المصعد المقابل لها والذي كان عبارة عن مرآة ممتدة

من أسفله لأعلاه وكتف يديه لصدره وقال بابتسامة ماكرة

" أنت السبب في كل هذا "


فابتسمت بسخرية ورفعت يدها وأشارت بسبابتها بجانب صدغها

للخلف وراء أذنها في إشارة للشعرات البيضاء القليلة في شعره

الأسود الحالك فضحك ولم يعلق وما أن انفتح المصعد علا صوت

التصفيق من الواقفين يملؤون المكان ممن يتبنى البرج مشاريعهم

الصغيرة والتي هدفها دعم نفسها وغيرها ممن يحتاجونها ..

بالإضافة للضيوف الجالسين في أماكن خصصت لهم ومن تم

دعوتهم وأغلبهم شخصيات مهمة في البلاد بالإضافة لرجال الأمن

والحرس الرآسي بالطبع فتحركت من هناك بعد وقوف لحظات

يسير بجوارها صاحب الخطوات الثابتة والرأس المرفوع بكبرياء

لا يشوبه الكبر ولا يليق بسواه ومن كانت الأعين تحدق فيه

بحماس باسم لتواجده غير المتوقع هناك .. والذي التفت ذراعه

كما أصابعه حول خصرها النحيل يشقان طريقاً قصيراً بين صفي

أضواء آلات التصوير تحديداً وصولا للواقفة أمام شريط أحمر

وأعمدة ذهبية مثبت بها .. للطفلة صغيرة بالشعر الشبه أشقر

وبشرة تحمل دماء أهل خماصة بلا منازع تقف بجانبه تحمل

وسادة حمراء مخملية صغيرة وضع فوقها مقص لامع تنظر

لهما مبتسمة ببراءة تشبهها .




*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 09:30 PM   #12127

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي





*
*
*



اتكأت برفق ونعومة وبالعرض تقريبا على السرير البارد تخبئ

كفها تحت خدها وقد تجمد لمعان كل شيء في تلك الغرفة في

حدقتاها الذهبية الواسعة تنظر بحزن للجالس في الخارج حيث

الشرفة السابحة في الظلام سوى من أنوار الشارع التي انعكست

على الجسد الرجولي الجالس على حافة كرسي من الخيزران

يتكئ بمرفقيه على ركبتيه ثيابه السوداء تشبه وحدها ذاك الدخان

المتصاعد من السيجارة المسجونة بين أصابعه ليس في لونه بل

في قتامة كل ما يتعلق به وذاك مكانه لم يغادره منذ وقت طويل

جلست فيه هنا تنتظره ولم تفكر في الاقتراب منه حيث يسجن

نفسه في عالمه القاتم ذاك فهو لاذ بالصمت طوال طريق عودتهما

من هناك وهي احترمت صمته ذاك وأجبرت لسانها على إيقاف

ثرثرته كما يسميها منذ صغرهما ، وما أن وصلا هنا حتى توجه

ناحية غرفته ودخلها وأغلق بابها خلفه فتوجهت هي لغرفتها

أيضاً واستحمت وغيرت ملابسها واستعدت للنوم لكنها لم تستطع

أن تنام ولا أن ترغم جفنيها المرهقان على أن يطيعانها

ويستسلمان للنوم فاستسلمت لأصوات أنين قلبها العاشق وغادرت

غرفتها ودخلت لغرفته لتجدها فارغة باردة ساكنة لم ينبئها

لوجوده هناك سوى باب الشرفة المفتوح ورائحة السجائر

المتسللة منه فجلست تنتظره ترفض الخروج له وليس لأنها لا

تستطيع أو تخشى أن يرفضها .. وطال انتظارها له كما طالت

عزلته المخيفة تلك مع نفسه وسجائره .


تسربت دمعه من طرف رموشها فأخرجت يدها من تحت خدها

ومسحتها سريعاً وكم شعرت حينها بالندم لأنها أصرت على أن

يذهبا لذاك الحفل .. هي تريد فعلاً أن يتخطى ماضيه الذي يرفض

أن يفارقه وليس لأنه لا يستطيع فعلها فلن تصدق أن شخصاً مثله

يتحكم حتى في أنفاسه وضربات قلبه وهو يصوب سلاحه نحو

هدف ما ليصيبه وبسهولة أن يتغلب عليه ماضٍ لم يبقى منه

سوى الذكريات ... تريده أن يُخرج كل ذاك الحقد من قلبه وأن

يعرف معنى التسامح مع الغير لا مع الذات ليتمكنا من أن يبنيا

حياة حقيقية معاً فهو لن يستطيع أن يحب أحداً مالم يتخلص من

قوى الكره في داخله .. لن يمنح أحداً ذلك ولا .... هي .


رفعت أناملها المرتجفة لعينيها ومسحت دمعة جديدة بللت

رموشها الكثيفة قبل أن تنزل يدها مجدداً وأراحتها على السرير

أمام وجهها وشعرت بقلبها يتمزق لتلك الحقيقة التي لا يمكنها

نكرانها ولا الهرب منها ... هي عاجزة وعن فعل أي شيء من

أجله وما أقسى أن تشعر بذلك نحو من تحب ... تعذره وتفهم

مشاعره وتتألم معه ولتألمه وتشعر بالعجز حيال تخفيف ذلك عنه

أو مساعدته لتخطيه لأنه سيرفض ذلك بل ولن يعترف به ولا بينه

وبين نفسه .


رفعت يدها ومسحت عيناها بسرعة وجلست تبعد شعرها وغرتها

للخلف حين وقف الجالس هناك ورمى عقب السجارة من يده

وداسه بقدمه بقوة وكأنه يسحقه لا يطفئه ! ثم استدار وتوجه

نحو الداخل وأغلق الباب الزجاجي خلفه بسحبة قوية من يده

ودون أن يلتفت له وتوجه نحو السرير الذي لازالت تجلس عليه

وارتمى عليه بجانبها بتنهيدة طويلة قدماه على الأرض وجسده

فوقه ورفع يده لعينيه وضغط عليهما بأصابعه بقوة .. لم يتحدث

ولم يسألها عن سبب وجودها هنا رغم يقينها من أنه كان يعلم

بدخولها منذ البداية ولم تقدم هي التبريرات أيضاً أو تعتذر بل

ضلت تحدق بوجهه وملامحه الجامدة .. شفتاه المشدودتان وفكاه

المتصلبان ولم يبعد أصابعه عن عينيه بعد .. وطال صمتهما كما

حالته تلك ونظراتها الحزينة التي التصقت به .


" لما لم تنامي حتى الآن ماريا ؟ عليك أن تكوني في جامعتك

باكراً غداً "


كان هو من كسر حاجز الصمت السميك ذاك بينهما بينما لازال

يمسك عينيه بأصابعه بقوة فرفعت يدها ومسحت عينيها وأنفها

وأبعدت خصلات غرتها خلف أذنيها ولم تتحدث أو تجيب فأبعد يده

واستدار بجسده جانبا متكئاً على مرفقه وثنا ساقيه لتصبحا فوق

السرير أيضا وقد نصب إحداهما فارتفع جسده بحركته تلك وإن لم

يصل لمستواها ورفع رأسه وحدق بها بينما كانت تنظر هي

للفراغ تضم يديها في حجرها وتمتم ببرود

" لن ينام القط الذي أكل لسانك الليلة بسبب التخمة "


أسدلت رموشها ونظرت لعينيه تزم شفتيها بينما لم تنزل رأسها

قبل أن تهمس ببحة تغلبت على نبرتها الباردة

" ألم يخبروكم في تلك المنظمة أنكم لم تعودوا صالحين


للمزاح ؟ "


فارتسمت ابتسامة خفيفة باهتة على شفتيه لمحتها وهو ينزل

رأسه ونظر للقداحة التي كان يديرها بين أصابعه وتمتم مجدداً

وبذات بروده

" لا لم يخبرونا ... تركوا ذاك الشرف لزوجاتنا "


فتقوست شفتاها ولازالت تنظر له وارتسم البؤس على ملامحها

البريئة الرقيقة وشدت أناملها في قبضة واحدة وضربت بها

ذراعه قائلة بضيق

" بل كان عليهم منعكم من الزواج نهائياً "


وقبل أن تبعد يدها وبسرعة خاطفة لم تستطع ولا هي ملاحظتها

أو تفاديها التفت أصابعه حول رسغها وشدها منه بقوة أوقعتها

على السرير تحتها ورأسها وكتفيها استقرا على معدته مترافقاً

بصوت شهقتها المصدومة وقبل أن تفكر في الجلوس أو الابتعاد

ثبتها بذراعه التي التفت حول كتفيها وانحنى بوجهه ناحيتها

هامساً من بين أسنانه

" من هذا الذي يستحق تلك العقوبة منا ماريا هاه ؟ "


فاستسلمت عن مقاومته التي تعلم بأنها لن تجدي وبأنها لن

تستطع التغلب على ذراعه القوية تلك وحدقت في عينيه القريبتان

منها وابتسمت برقة هامسة

" أنا بالطبع لكنك لن تستطيع تنفيذ ذاك الحكم "



فخرجت منه ضحكة صغيرة مكتومة وانحنى نحوها أكثر وألصق

شفتيه بشفتيها في قبلة شاركته فيها سريعاً لتقطعها بالسرعة

ذاتها وابتعدت عنه لكنها لم تجلس بل زحفت نحو الأسفل قليلاً

لازالت مستلقية على السرير وخصلات من شعرها البني الناعم

بقيت متناثرة على معدته المشدودة تنظر ليديها المجتمعتان وسط

جسدها بينما عاد هو لوضعه السابق ورمى القداحة من يده بعيداً

لتصطدم بالجدار مصدرة صوتاً لرنين معدن ثقيل قبل أن تستقر

على طاولة السرير تحته وعاد الصمت ليسيطر عليهما مجدداً

فنظر لوجهها ولرموشها التي كانت تخفي عينيها عنه لطريقة

استلقائها تلك قبل أن تنتقل نظراته لجسدها وارتسمت ابتسامة

جانبية على شفتيه وهو يمد يده لكتفها وأدخل إصبعه تحت كتف

بجامتها العريض والتي كانت من دون أكمام ومن القطن الناعم

ودفعه للأسفل نحو ذراعها فدفعت يده عنها وأبعدها هو مبتسماً

بينما أعادت هي بيجامتها كما كانت قبل أن تنزل يدها وتعود للعب

بأناملها فوق معدتها ونظرها عليهم وظهر التردد في صوتها

واضحاً حين قالت

" آسفة بشأن الحفل ... فيبدو أنك انزعجت وكله كان بسببي "


أبعد نظره عنها متمتماً ببرود

" لننسى الأمر فأنا لا أرغب في التحدث عنه "


فلاذت بالصمت فوراً وتعلم ما سيكون مصير أي جملة ستتفوه بها

الآن وهو بترها وإيقافها قبل أن تكتمل بل وسينتهي الأمر بأن

يغضب منها كأي نقاش يخوضانه في العادة .



" أنا مسافر في الغد ماريا "


قال ذلك بجمود هو أقرب للجدية فرفعت رأسها للأعلى فوراً

ونظرت له فكان ينظر للفراغ ولم يضف شيئاً واستمرت هي تحدق

به لوقت قبل أن تجلس واستدارت جهته قائلة بريبة لم تستطع

إخفائها في صوتها

" لكنك لم تكن تخبرني سابقاً حتى يوم سفرك ! "


وتنقلت نظراتها باستغراب في ملامحه ولا تفهم ما سبب ما قال

فهو لا يفعل ذلك عادةً وبل برسالة تصل لهاتفها وهي في

الجامعة ! استمرت في التحديق فيه بصمت بينما كانت ضربات

قلبها ترتفع تدريجياً وهي تراقب حركة حدقتاه المتنقلة بشرود في

الفراغ ومرت اللحظات وكأنها دهور حتى قال

" الأمران سيان ماريا "


استطاعت حينها تحرير أنفاسها التي علقت في صدرها وإن كان

جوابه ذاك لم يُزل نظرة القلق المشوشة في عينيها المحدقتان

بعينيه .. وكما توقعت كان ثمة المزيد بل وسبب ما فقد رفع رأسه

وتخللت أصابعه في شعره ينظر للجدار المقابل له خلف السرير

وقال بهدوء لا تعرفه في صوته إلا نادراً

" لا أريد تركك هنا فترة غيابي ماريا "


فتعالت أنفاسها وبالكاد خرج صوتها معها منخفضاً ضعيفاً

" لكنك كنت تفعل ذلك سابقاً !! "


عاد بنظره لملائة السرير البيضاء وقال بجمود سرعان ما عاد

ليسيطر على صوته وكلماته

" رحلتنا هذه المرة قد تستغرق فترة طويلة و أنا..... "


قاطعته بسرعة وريبة

" فترة طويلة كم تعني ؟ "



ففرد أصابعه بفرده ليديه وقال

" لا يمكنني تحديد ذلك لكنها لن تقل عن الأربعة أيام "


رفعت رأسها حينها وسحبت نفساً عميقاً لرئتيها المتشنجتان قبل

أن تنظر له مجدداً قائلة

" طننتك ستقول شهراً بل أعوام ....! "



وتابعت من فورها

" حسناً وما الفرق بين يومين أو أربعة ؟ ثم باب الشقة أصبح

مؤمناً بالأقفال من الداخل وصديقك ذاك مؤكد سيكون هنا قريباً

مني كالسابق "


حرك رأسه رافضاً وقال بحزم

" لا يكفي كل ذلك ماريا فأنا لا يمكنني تركك لمدة أجهلها "


رطبت شفتيها بطرف لسانها وقالت

" لكن أ..... "


قاطعها بضيق رافعاً يده جانباً

" لا تستمري في الجدال ماريا ... هذه المهمة تحديداً تحتاج

لكامل تركيزي بدون نوبات القلق تلك التي كانت تهاجمني في

المهام السابقة "


فزمت شفتيها المتوترتان تنظر له بصمت ... هي لا تفهمه أحياناً

بل لا تفهمه مطلقاً فلما يصر على بقائها هنا معه إن كان يقلق

بسبب تركها وحيدة ! وهل بدأ يفكر فعلياً في أنه قد تهور في

اتخاذ قراره ذاك والإصرار عليه بعناد ؟ أم ثمة أمور جديدة

تجهلها باتت تهدد وجودها معه ؟ إن سألت أو جادلت كما يقول

فلن تحصل على شيء سوى أن تغضبه أكثر لكن ألا يحق لها أن

تعلم ؟ لما يتخذ قرارات فردية دائماً ويغضب إن هي احتجت ؟

تنهدت باستسلام وقالت تنظر ليديها في حجرها والتي كانت

تقبض أصابعها بتوتر

" أتعني بأنه عليا البقاء في منزل عمي الحارثة ...؟ "


قال سريعاً ينظر لملامحها التي تخفيها عنه

" لا ماريا ... لن تعودي لذاك المنزل ، أنا أعلم جيداً أنك لا

تريدين ذلك وأنا مثلك أرفضه "


رفعت رأسها مجدداً وحدقت به بصمت ولا تعلم إن كان بسبب

ساندرين أم مثلها لا يريد أن تواجه تلك النظرات والاتهامات

المبطنة لقرارها الخاطئ بالبقاء معه والتي ستراها في أعينهم

جميعاً وإن لم يكن في كلماتهم وحتى كين الذي لم يعلق مطلقاً

رغم التقائهم في الجامعة وإن كان يتجنبها غالباً ، لم تتحرك

شفتاها ولم تنطق بالسؤال التالي والذي يعلمه كليهما كما لم تترك

نظراتها ملامحه التي بدا عليها الغموض واضحاً حين قال ببرود

لازال يتجنب النظر لها

" كنت أفكر في منزل والدي فهو الخيار الأفضل "


نظرت له بصدمة وعينان متسعتان بذهول ليس لاقتراحه ذاك ولا

لاختياره لذاك الرجل الذي يرفض حتى التحدث عنه بل ...

والدي !!

أقال ذلك فعلاً !

أنطقها هكذا أم أنها تتخيل !

كانت تحدق فيه مندهشة ويبدو أنه استفاق لذلك أيضاً بل وقرأه

في نظرتها تلك فقد رفع نظراته لها وبدا ذاك واضحاً في عينيه

قبل أن يبعدهما عنها مجدداً وقد قال ببرود قاتل

" ذاك الرجل هو الخيار الوحيد أو ... لا انسي الأمر ماريا فثمة

مكان أفضل "


تقوست شفتاها واعتصر الألم قلبها الصغير وشعرت بأنها كالشاة

التي لا يعلمون لأي حضيرة يسوقونها ...!

لطالما افتقدت والداها وأن تكون لها عائلة ولأعوام طويلة لكنها

لم تشعر بالاحتياج لذلك قط كما الآن ... كانت أمور كثيرة ستتغير

حينها ... لكانت الآن ... ، مسحت عيناها بظهر كفها تمنع تلك

الدموع الحمقاء من التسرب منها وهمست ببحة

" وأنا أراه خيار جيد فلما غيرت رأيك ؟ "



رفع نظراته الجامدة لها وكانت تتوقع أن تغضبه جملتها تلك

لاعتقاده بأنها ستستغل الفرصة مجدداً لتقربه منها لكن ما لم

تتوقعه مطلقاً ما قاله حينها بضيق

" لأني نسيت فجأة وجود تلك المنحلة بالإضافة للأخرى الآن ولا

أريد حين أرجع أن أجدك واقفة في مواجهتي ترفضين العودة

معي مجدداً "


فلم تستطع منع انفراج شفتيها بدهشة وهي تنظر له بصدمة ..

لا بل بحنق سرعان ما طفا للسطح وقالت بضيق

" ماذا تقصد بهذا تيم ؟ "


قال بجدية متجاهلاً نظرة ونبرة الاتهام التي وجهتها له

" أقصد ما تعلمينه جيداً وسبق وحدث حين جلبتك من منزل

عم والدك سابقاً "



عادت شفتاها لسحب شهقة صغيرة صامتة وقالت تشير لنفسها


" أهكذا أنا في نظرك ؟ يقرر عنها الغير ! بل ويجعلونها تنفذ ما

يريدون هم وإن كان الأمر يخصها لوحدها ؟! "


لوح بسبابة يده الحرة بالنفي قائلاً بضيق

" بل عنيت أنك تتأثرين ماريا فلا تخلطي الأمور وتهاجميني "


ترقرقت دموع الغضب والمهانة في عينيها وهمست بجمود

" كلاهما سواء ... "


واختنق صوتها وهي تتابع بعبرة مكتومة

" لم أكن أتخيل قط بأنك تراني ضعيفة شخصية يتحكم بها الغير

ويقولبونها كما يريدون ! "



حرك رأسه بضيق وقال

" ماريا قلت لا تخلطي الأمور ولا.... "


قاطعته بضيق أشد

" أنت... "


فصرخ مقاطعاً لها أيضاً

" توقفي عن مقاطعتي ... "


وأضاف بجدية ينظر لعينيها السابحة بالدموع

" أنت تملكين قلباً بداخلك يختلف عنهم جميعاً ماريا وتتأثرين

بسرعة كما أن عواطفك ما تتحكم في قراراتك ... هذا ما عنيت

فقط "


اتقد الغضب في حدقتيها الذهبية الدامعة ومسحت عينيها بظهر

كفها بقوة قبل أن تشير له بسبابتها قائلة بضيق

" ها أنت تتهمني الآن بأني لا أفكر بعقلي مطلقاً وتغضب إن

احتججت ! لما لا تقل عيوبي مباشرة لا داعي لأن... "



قاطعها بضيق مماثل

" لن أحتاج للتلاعب والتمويه إن كنت سأتحدث عما أراه عيبا

بك ... وأنا لم ولن أراها عيوباً "


وما أن كانت ستتحدث قاطعها بحزم غاضب ينقل سبابته بينها

وبين باب الغرفة المفتوح

" لن تنكري ذلك ماريا فإن جاء أحدهم هنا في الغد وأخبرك بأني

أواجه خطراً ما لخرجت معه راكضة دون حتى أن تقفي لحظة

لتفكري في أبعاد الأمر اليس كذلك ؟ "


حدقت فيه بصمت حانق ولم تستطع قول شيء ولا الإنكار فتلك

هي الحقيقة بل كانت ستركض وتسبقه ، قال حين طال صمتها

وقد أشار جهة الشرفة هذه المرة

" أرأيت ماريا ؟ كما أنك لم تنسي قطعاً حين وافقت على المجيء

معي هنا سابقاً وبدأت بجمع ثيابك وما أن تحدثتْ معك سليطة

اللسان تلك حتى غيرت رأيك وانصعتِ لما أرادت هي "


تعالت أنفاسها بغضب قبل أن تهاجمه قائلة بحدة

" أجل ثم فعلت أنت مثلها وجعلتني أغادر معك بكلمات قليلة

منك ... هذه هي ماريه إذاً امرأة بلا شخصية يحركها من يشاء

ويقرر عنها "


وتابعت ولم تأبه للنظرات الغاضبة التي رماها بها حينها

" بل ومتى تُرك لماريه الخيار لتقرر وتنفذ ...؟

هي تُساق مجبرة منذ كانت طفلة لم يهتم أحد برفضها أو

موافقتها "


وتلاحقت أنفاسها الغاضبة ما أن أنهت عبارتها تلك تنظر له من

بين لمعان تلك الدموع السجينة في عينيها فرفع رأسه عالياً

وتنفس نفساً عميقاً يمرر أصابعه في خصلات شعره التي انساقت

بينها بنعومة وإن لم تتحرك من مكانها وقال بجدية ما أن عاد

بنظره لعينيها

" ماريا لا تفسري الأمور كما يخبرك عقلك ... أنا قلت بأنها

ليست عيوباً بك ولا أراها كذلك أبداً بل ولم أقصد ما فهمته

وتتهمينني به "


لوحت بقبضتها قائلة بضيق

" ماذا هي إذاً ؟ رقة قلب كما تقول ! أنا لم أعد تلك الطفلة

تخدعني تيم "


اعتدل جالساً وأمسك وجهها ونظر لعينيها القريبتان منه وإن

كانت تلك القطع الذهبية لازالت تنظر له بغضب وضيق والكثير

الكثير من الألم الذي لم تستطع إخفائه وهمس بتأني


" بلى لازلتِ هي ... لازلت تلك الطفلة وهذا ما أريده أن يبقى

ولا يغيره أحد فقط لأنه قد يراه ضعفاً كما تقولين "


تنقلت نظراتها بين عينيه وهمست ببحة وضعف كانت تعلم بأنه

سيوصلها له وبسهولة

" أثمة من يذكر لأحدهم عيوباً به ويدعي بأنه يحبها فيه ؟ "


تحركت أصابعه على وجهها نزولا وأمال رأسه وقبّل طرف أنفها

وهمس ما أن عاد بنظره لعينيها مجدداً

" بلى حين لا يكون يراها عيوباً ماريا "


فسحبت الهواء لرئتيها وهمست أيضاً ولكن بحزن تنظر لعينه "

لكن الغير يرونها كذلك تيم وأنت بنفسك اعترفت "

حرك رأسه نفياً وقال بجدية

" لا ماريا لا تجعلي هذه الأفكار تسكن رأسك وتؤثر بك "


أرخت جفنيها تخفي الدموع التي عادت لمعانقتها مجدداً فتخللت

أصابعه شعرها أكثر وانحنى نحوها أكثر ووزع قبلاته الخفيفة

على شفتيها لم يكترث ولم يهتم لعدم تجاوبها معه ونظر لعينيها

بعدما حررتها من رموشها الكثيفة التي كانت تخفيها عنه ونظرت

له بينما سيطرت بحة غريبة على صوته الرجولي العميق وهو

يهمس

" ماريا طفلة بلدة حجور أنت ... لازلت هي ولا أريدها أن تكبر

أبداً ولا أن يدفعها أحد لذلك "


فأنزلت رأسها ليست تعلم هرباً من قبلاته واستنشاق أنفاسه

الدافئة والتي توصلها للجنون أم من أن يقرأ في عينيها ضعفها

المعتاد أمام سيطرته عليها بلمسات قليلة .. بهمسة .. بقبلة

صغيرة كطفلة تتعلق به كلما اقترب منها أكثر .


قالت بجمود ما أن أبعد يديه وابتعد هو عنها ولازالت تنظر

للأسفل

" إذاً ما خيارك الآخر الذي تحدثت عنه ؟ "


وصلتها تنهيدته العميقة بوضوح قبل أن يقول بجدية

" لا يمكننا مناقشة الامر وأنت غاضبة "


شدت أصابعها وهمست ببرود تنظر لها

" لست غاضبة "


قال بجدية أكبر ولازال ينظر لها وإن كانت تتجنب النظر له

ولازالت تنظر ليديها في حجرها

" بلى أنت كذلك ولم تغادر تلك الأفكار الخاطئة رأسك بعد وأول

ما ستفعلينه الآن هو اثبات العكس لنفسك بأن تتمردي وترفضي

ما سأقوله وأيا كان "


رفعت رأسها حينها ونظرت له وقالت بضيق

" لن يحدث ذلك لأني لن أملك خياراً غيره كما تعلم جيداً فلا أبوين

ولا أشقاء ولا عائلة لي أجعلها بديلاً إن أنا عاندت وتمردت

كما تقول "


أغمض عينيه وضغط عليها بأصابعه بقوة منزلاً رأسه للأسفل

وزفر نفساً قوياً إن لم تكن متأكدة منه لظنت بأنه يتأفف ...!!

أنزلت رأسها ونظرت ليديها مجدداً وقالت بحزن

" لم أكن أتوقع قط بأنه يمكننا أن نستمر معاً ! ظننتك تحتاج

لامرأة بشخصية تشبهك وأنك ستبحث ... "


" توقفي ماريا ... "


رفعت نظرها له بذهول حين أسكتها يطبق بيده على فمها وقال

بحزم ينظر لعينيها

" اصمتي كفى فأنا لن أبحث عما تتحدثين عنه ولدى أي

امرأة كانت بل ولا أريده... "


وأبعد يده ومرر أصابعها في شعره قائلاً

" آه لا ... لا يمكنني تصور امرأة مثلي تجلس أمامي الآن ...!!

أنا لا يمكنني التأقلم ولا مع رجل يحمل ذات طباعي فكيف

بامرأة ! "


رفعت يدها ومسحت عينيها بقوة ولم تعلق فزحف نحوها قليلاً

وأمسك وجهها مجدداً وقال ينظر لعينيها

" ماريا توقفي عن التفكير بتلك الطريقة وبأنك وحيدة ولا عائلة

لك ... أنت تعلمين جيداً أي ظروف نمر بها الآن وعلينا بالتالي

التأقلم مع ظروفنا تلك لا أن نحاول تحريكها لتتماشى مع رغباتنا

فذلك لن ينجح أبداً "


نظرت لعينيه بصمت لبرهة بينما نظراته تخبرها وبإصرار أن

تصدق ذلك وتقتنع به فأنزلت رأسها وأومأت إيجاباً دون أن

تتحدث ولا أن ترفعه أو تنظر له .. وها هي تنصاع كما سبق

وقال وذاك ما يحصل عليه دائماً بمجرد أن يستخدم سلاح لمساته

وقبلاته ... والآن عليها إذاً أن تنظر للأمر على أنه استسلام

للظروف الراهنة كما أشار لا ضعف منها وبأنه يعجبه ذلك فيها

فيجعله المسيطر دائماً لتسير الأمور كما يشاء لأنها ستصاب

بالجنون لا محالة إن هي استمرت ترى نفسها كذلك في عينيه ،

رفعت رأسها ونظرت له حين قال

" منزل عائلة رواح هو البديل الوحيد "


فتحت فمها وأغلقته عدة مرات وكأنها عاجزة عن إخراج الكلمات

منه قبل أن تهمس باستغراب

" منزل عمتك تعني ؟ "


فعاد لاستلقائه السابق يتكئ بمرفقه على السرير تحته وثنا ساقيه

ينصب إحداها ويثني الأخرى تحتها وقال ببرود

" بل منزل عائلة ضرار السلطان "


زمت شفتيها بقوة قبل أن تحررهما قائلة بحزم

" بل عمتك فلولا انتمائها لتلك العائلة ما كان ليكون خيارك "


فرفع رأسه ونظر لها وقال بضيق ملوحاً بيده

" ماريا لا تبدئي باستخدام أساليب وضيعة للانتقام مني "


نظرت له بصدمة قبل أن تمسك خصرها بيديها وقالت بضيق

مماثل

" توقف انت عن إلصاق أفكارك الوضيعة بي "



" مارياااا "


صرخ فيها بغضب تجاهلته تماماً وهي تنفض يدها جانباً قائلة "

لا يحق لك أن تغضب لأنك من تفوه بتلك الكلمة قبلي ووجهها لي

لا تنسى ذلك "



غرس أسنانه في شفته ورفع يده لذقنها وأمسكه وقد ألتفت

أصابعه حوله وضغطه للأسفل حتى انفرجت شفتاها وشدها نحوه

متمتما بحنق من بين أسنانه

" تبا لهذا اللسان ... وتقولين بأنك ضعيفة لا شخصية لك ! "


أبعدت يده وزحفت للخلف قليلاً قائلة بضيق

"توقف عن استخدام قبلاتك كعقاب لي تيم كم مرة سأقول ذلك ؟ "


فرد يده وذراعه جانباً قائلاً

" عقاب ....!! لا أحد يعاقب الآخر بذلك سواك "


رفعت طرف حاجبها البني الرقيق وابتسمت بسخرية قائلة

" جيد ... شكرا لأنك أخبرتني "



قال يشير لها بسبابته محركاً إياها أمام عينيها

" لن يستمر ذلك طويلا وسترضخين في النهاية ... ولا تقولي

مجدداً بأني من يسيطر عليك ويقرر عنك تذكري هذا جيداً "



نظرت له بصدمة مجفلة قبل أن تقول بضيق وقد عادت لإمساك

خصرها النحيل بيديها

" توقف عن اقحام حديثنا السابق في كل ما سنقول أو لن أنساه

أنا أيضاً "


أشار لها برأسه وقال

" سأنساه إذاً إن كنت ستنسيه "


ونظر بعدها للجدار فوق سريره وكأنه يتعمد تجاهلها يضرب

بأصابعه على فخذه الذي ترتاح يده عليها فابتسمت بحزن

وشردت بنظرها في الفراغ بوجوم كئيب ولا تعلم كيف لها أن

تقضي الأيام القادمة في ذاك المنزل ومع تلك العائلة وهي لا

تعرفهم جيداً فحتى عمته تلك التقتها لمرتين في الحفل وبشكل

عابر بل أنهما الليلة الماضية لم يقتربا منها ولم يسلما عليها ولا

من باب اللباقة لتجد نفسها ضيفتهم في الغد ! نظرت له لتكتشف

بأنه كان ينظر لها بل ويبدو كان يدرس تغيرات ملامحها مع

أفكارها تلك ولن تستغرب أن يكون يعلم جيداً فيما كانت تفكر ...

نظرت ليديها في حضنها وقالت بهدوء حزين

" وهل سترحب تلك العائلة بوجودي بينهم ؟ "


قال من فوره ونظره لم يبتعد عن ملامحها

" بالتأكيد وسأتحدث مع السيد ضرار ومع رواح ليخبر والدته "


تنهدت بضيق ولم تعلق أو ترفع نظرها من يديها ... أجل هو

واثق من ذلك تماماً فتلك المرأة تنتظر الفرصة فقط لتفعل شيئاً

يخصه أو يطلبه إن كانت حتى دخوله لمنزلهم في المناسبات فقط

تسعى له باستماتة ، وتستغرب حتى الآن كيف فكر في الاستعانة

بهم في أمر يريده ! أهذا كله تمسك بوجودها هنا معه بينما

عيشها بعيداً كان سيكون خياراً أيسر ؟! أم أنه .....؟

رفعت نظرها له وقالت بتوجس

" وهل ستتركني هناك في جميع مهامك القادمة ؟ "



" لا "


قالها مباشرة ولم يضف شيئا فحدقت فيه بصمت ... لا تعلم لما

تشعر بأنه ثمة شيء ما في الأمر ولم تقتنع بعد بالسبب الذي

ذكره ! قالت بتردد هو أقرب للتوتر الذي لم تستطع إخفائه في

صوتها كما ملامحها

" أنت تخفي شيء ما عني ؟ "


فتنفس بقوة وضيق قبل يقول بنفاذ صبر

" ماريا بحق الله أبعدي هذه الأفكار الحمقاء عن دماغك فكل ما

في الأمر أنه لم يتم تحديد وقت معين لعودتنا كالرحلات السابقة

وهذا يحدث عادةً لكن ليس دائماً ولأن هازار في فرنسا الآن ولا

يمكنني استئمان أحد غيره ولا رفاقي هنا عليك بل ولا حتى من

يعملون معي في المنظمة لذلك لا يمكنني تركك وحيدة هنا لفترة

أنا نفسي لا أعلم كم ستكون "


ملأت الدموع عينيها وهمست ببحة

" وستعود .... ؟ أقسم لي بذلك "


رفع يده لوجهها ولامس إبهامه وجنتها وقال ناظراً لعينيها

الدامعة

" سأكون هنا عند نهاية الأسبوع على الأرجح ماريا أقسم لك "


أومأت براسها إيجاباً تمسح عينيها والدموع التي لم تفارق

رموشها بظهر كفها وقالت ما أن رفعت نظرها لعينيه مجدداً



" تيم أتعدني بأمر ما وتنفذه ؟ "
تنهد بضيق وقال

" انتقلنا من الطلبات للوعود ماريا ؟ "


مسحت عينيها مجدداً وأنفها أيضاً هذه المرة قائلة

" أجل وهو أمر واحد ولن أطلب غيره "


قال بابتسامة جانبية لازال يرفع نظره لها

" حسناً ما هو ؟ "

نظرت ليديها في حجرها وقالت بتوتر لا بل بتردد

" أنت.... أعني أنا لم أراك تدخن سوى لمرتين منذ أصبحت هنا

في لندن ولم أكن أستنشق رائحتها أبداً في ثيابك ولا.... شفتيك "


وشدت سبابتيها ببعضهما بقوة وهي تقول كلماتها الأخيرة وتابعت

ولم تنظر له بعد بالرغم من أن نظراته لم تفارق ملامحها أبداً

" مما يعني أنها ليست عادة دائمة لديك وأريدك أن تعدني أن

تتوقف عنه نهائياً "


كان جوابه الصمت التام والذي أقلقها أكثر من كونه وتّرها !

وما أن رفعت نظرها له حتى قال وكأنه ينتظرها أن تنظر لعينيه

" لا أستطيع ماريا ... هي ليست عادة دائمة كما تقولين ولا نوع

من الإدمان لكنني لا أستطيع تركها "

اقترب حاجباها المحددان ببطء ونظرت له بأسى حزين وقالت

" أنت لا تريد ذلك وليس لا تستطيع ... لا أصدق بأنه ثمة ما

يمكنه التغلب على عزيمتك و حتى إن كانت مخدرات وليس

مجرد سجائر لا تلجأ لها إلا نادراً ! "


وكان هو من أبعد نظره عنها هذه المرة للجدار المقابل له أعلى

سريره فتنهدت بإحباط قبل أن تقول

" أنت طبيب وتعلم جيداً أضرار ذلك ، ولن نقول بأنه من أجل

هذا بل وليس من أجلي ولا من أجلك ... افعلها على الأقل

من أجل ... "


وترددت قليلاً وهو ينظر لها حينها لكنها تشجعت وقالت دون أن

تهرب بنظرها من عينيه

" من أجل ابنك الذي تصر عليه رغم رفضي "


فأبعد نظره عنها للفراغ وتنفس نفساً عميقاً طويلاً بطول انتظارها

ذاك وقال بهدوء ما أن نظر لها مجدداً

" حسناً سأفعلها من أجله "

ارتسمت ابتسامة صادقة زينت ملامحها الجميلة منتصرة وبقوة

على حزنها وتحول الأمر لشهقة مختلطة بضحكة مكتومة ما أن

شدها من ذراعها لتسقط على صدره وهمس يمسك رأسها بيده

الأخرى يدني وجهها من وجهه

" وعليه أن يأتي إذاً من أجل أن لا تضيع التضحية هباءً "

وما أن حاول تقبيلها دفعته عنها وابتعدت جالسة تنزل قميص

بيجامتها تغطي خصرها العاري وقربت وجهها منه قائلة بابتسامة

ساخرة

" لن يحدث هذا أبداً وبالطبع من أجل التأقلم مع الظروف الراهنة
لا تحريكها كما نريد "

نظر لها بضيق فهذه الطفلة تذكره بكلامه السابق .. بينما تجاهلته

هي ببرود فتأفف قبل أن يرتمي على السرير بجانبها نائما على

ظهره ووضع يديه تحت رأسه ناظراً للسقف وتمتم بحنق
" تباً لك مارياً "
فحركت كتفيها بعدم اكتراث مبتسمة وانتقلت نظراتها من ملاحه

المتفجرة وسامة ورجولة لجسده والقميص القطني الأسود

المشدود عليه مبرزاً عضلاته وخصره النحيل ... وشعرت

بحرارتها ترتفع وجسدها يتعرق ولم تستطع السماح لنظراتها

بالنزول أكثر ... فمن هذه التي تصمد أمام هذا الرجل ولا تنهار

دفاعتها بمجرد النظر له فكيف بقبلاته ولمساته !! لكن .... .


" ما سبب هذه الابتسامة البلهاء وأنت تحدقين في جسدي ! "


أجفلت بشهقة صامتة وشعرت بأنفاسها علقت في حلقها ولم

تستطع ولا أن تبتلع ريقها ونظرت له بصدمة فكان بالفعل ينظر

لها وقال حينها مضيقاً عينيه

" فيما كنت تفكرين ؟ "

لتزداد صدمتها شدة وحدقت فيه بعينين متسعتان قبل أن تقول

بهجوم دفاعي

" حمدا لله أن الأفكار أمر لا يمكن انتزاع ملكيته من أحد وأنها

ملك لي وحدي "


لكن ذلك لم يجعل نظرته لها تتغير وقال يرمقها بطرف عينيه

الشبه مغمضتان

" لكنها ليست كذلك عندما تخص شخصاً غيرك وإن كانت لك

أليس كذلك ؟ "


ضربت كتفه تحتها بقبضتها وقالت بضيق

" ومن قال أساساً بأنها كانت تخصك ؟ "


أخرج أحدى يديه من تحت رأسه ودسها في جيب بنطلونه وأخرج


منه ورقة صغيرة مطوية تبدو قديمة باهتة وقال وهو يفتحها

بأصابع تلك اليد وحدها

" حسناً وماذا بشأن هذا فهي ليست أفكاراً وعلينا أن نعلمها ؟ "


فشهقت بصدمة فور أن انكشف لها الموجود فيها فقد تعرفت

عليها فوراً رغم مرور كل هذه الأعوام فلازالت الكلمات القليلة

المكتوبة بقلم رصاص واضحة حتى الآن ... وبالرغم من أنها

كانت أحرف تنتمي للغة العربية إلا أنها كلمات لا يمكن لأحد أن

يقرأها ويفهمها سوى من كتبها فكيف وهي ابنة الخامسة حين

كتبتها وبالكاد كانت دخلت للمدرسة ، مدت يدها في حركة سريعة

وحاولت اختطافها منه لكنها عبثاً تحاول مع قناص ورجل المهام

الصعبة فقد أبعدها بسرعة فاقت سرعة يدها بمرات فضربت كتفه

بقبضتها وقالت بضيق

" كنت أنت من فعلها إذاً ! وأنا من ظننت بأنها الجنية من

فعلتها ... لقد خدعتني وتلاعبت بي "


نصب ساق على الأخرى ووضعها على فخذه قائلا بابتسامة

ساخرة

" كان عليا فعل ذلك كي لا أسمع ثرثرتك عنها كل صباح لأن

جنيتكم تلك لم تأتي لأخذها "


نظرت له بضيق وقالت تمسك خصرها بيديها

" كان ذلك أفضل من خداعي "


رفع رأسه ونظر لها فوقه وقال ساخطاً

" بربك ماريا لا أصدق أنك وأنت بهذا العمر تصدقين أنه توجد

جنية وبأنها أخذتها بالفعل ! "


قالت ولازالت تمسك خصرها النحيل

" لا بالطبع ونحن نتحدث عن الخداع لا تصديق تلك الخرافة "


قال بسخرية وقد عاد بنظره لورقتها تلك يحركها بين أصابعه

" لم تتحقق أمنياتك المكتوبة فيها إذا ؟ "



" لا شأن لك "


قالتها مباشرة تنظر لوجهه وإن كان لا ينظر لها فرفع جفنيه

ونظر ناحيتها دون أن يحرك رأسه وقال بابتسامة جانبية

" ألا يحق لي أن أعلم ما المكتوب فيها ؟ "


" لا "


قالتها سريعا وبرفض قاطع فرفع رأسه قليلاً وقال فوراً وبمكر "

لا شيء فيها يخصني تعنين ؟ "


جعدت ملامحها وهي تقول

" يا لغرورك البشع ! "


فضحك ضحكة صغيرة مكتومة ونظر للورقة التي فردها جيداً على

فخذه بإبهامه وسبابته وقال

" ما رأيك بأن أحقق لك طلباً مقابل كل سطر فيها ؟ "


نظرت له بصدمة وإن كان لا يراها ونقلت نظرها للورقة التي

قسمتها خطوط طيها لأعوام لأربعة وأغراها العرض وكم تمنت

حينها أن كانت كتبت من ثرثرتها كما يسميها الكثير ذاك الوقت

وليس سطران فقط ، عادت بنظرها له فكان ينظر لها هذه المرة

فرمقته بطرف عينيها بشك ... أيتنازل حقاً ويحقق لها ما قد

تطلبه فقط مقابلاً لترجمتها لتلك الكلمات التي لا تنتمي لأي لغة !

ألم يفكر بأنها قد تستخدم طلبات تعجيزية لتتهرب أم أنه واثق

من أنها ستستسلم للإغراء وتفعلها ؟ بل هل هو واثق من أنها

ستطلب شيئاً تعلم بأنه لن يرفضه ! أيضن أن تلك الأمنية لا

تخصه وبأنها ستكشفها له ؟ فأمنيات الأطفال قد تنحسر غالباً

بأمور سخيفة كالحلوى والألعاب .... لكن أكان سيقدم تنازلات

كهذه من أجلها إن كان موقناً من أنها مجرد أمنيات عادية تافهة

وهو من سيحقق طلبها من قبل أن يعلم ما تكون تلك الأسطر ؟

نقل نظره منها للورقة حين طال صمتها وغرقها في أفكارها وقال

" جيد ... يبدو أنها تحوي أموراً مهمة "


عضت على شفتها وضربت فخذها بقبضتها فها قد أوقعت نفسها

في الفخ ... سحقاً لها كيف نست بأنه داهية لن يُفوت شيئاً من

دون أن يحلله ويفسره ومن قبل أن تنتبه هي له ، قالت بجدية

" موافقة "


فنظر لها رافعاً حاجبيه وارتسمت ابتسامة غامضة على شفتيه

ولم تفهم أيدهشه أنها وافقت أم أنها ابتسامة انتصار تلك لأنه

حدث ما توقع ! نقل نظره منها للورقة وقال يحرك سبابته على

السطر الأول فيها

" حسناً اتفقنا ... ما يكون هذا هنا ؟ "


وما أن رفع نظره لها نظرت له مضيقة عينيها وقالت

" لا لن تخدعني بهذا عليا قول الطلب أولاً "


" حسناً لا بأس "


قالها مباشرة مما بدد أي ذرة شك في نفسها بأنه تعمد فعلها

فتنفست بعمق وقالت

" أبقى في منزل والدك وليس عمتك "


ستستخدم ذات أسلوبه الماكر وها هي تطلب ما تعلم بأنه يمكنه

الموافقة عليه وكما توقعت قال بعد برهة

" موافق "
فرفعت نظرها للورقة وقالت تشير للكلمات بسبابتها

" مكتوب هناك يا جنية الأمنيات أرجوك أرجوك "


ونظرت له بابتسامة متسعة فنظر لها وقال من فوره

" كاذبة "


نظرت له بصدمة قبل أن تشير للورقة بسبابتها قائلة

" تعلم جيداً بأني لا أكذب وإن نظرت للكلمات فستعلم بأن الأخيرة

والتي قبلها متشابهتان تماماً مما يعني بأنها ذات الكلمة "


فنقل نظره منها للورقة ولاذ بالصمت وهذا ما كانت تخطط له

فبما أن الطلب كان ليس بذي أهمية سيعلم بأن ذاك السطر لا

يشكل أهمية لها بينما حين ستطلب أمراً يصعب عليه تحقيقه

سيكون الأمر يستحق بالفعل ، قال وقد نقل سبابته للسطر الذي

يليه والاخير

" حسناً وهذا ؟ فلا اراه يحوي كلمات تشبه التي في الأعلى أي

أن ثرثرتك مع جنيتك تلك انتهت سريعاً على غير العادة "


زمت شفتيها تنظر له بحنق ... متى سينسى هذا الرجل ماضيها

المأساوي معه وسخريته الدائمة منها حينها ؟

لكن لابأس ستنتقم منه على طريقتها بعد قليل ، قالت ترمقه

بطرف عينيها

" تترك مهمتك تلك التي تخص والد لوسي "



واتسعت عيناها بدهشة حين ابتسم وقد نقل نظره للورقة مجدداً

وكأنه كان يتوقع ذلك ! بل أجل عليه توقعه ومن المرة الاولى

فهو يعلم بالتأكيد بأنها ستطلب هذا حتى أنه لم يضع شروطاً منذ

البداية بأن تبعد عمله ومهامه جانباً ! لكن ما أدهشها أكثر هو أنه

لا يرفض فكرة طلبها ذاك على ما يبدو !

فهل سيوافق ؟

هل يفعلها فقط لكي يعلم شيئاً قد يكون تافهاً كسابقه ؟

تشعر بأنها من تُوقع نفسها في فخه طواعية لا أن توقعه

هو في فخها ولا تعلم كيف ! .


ولم تستطع إخفاء الصدمة في ملامحها حين قال مبتسماً ينظر لها

" موافق "


فصرخت من فورها ودفعته من رأسه بيدها قائلة

" لا أنت كاذب ولا يمكنني تصديق ذلك ولن تحقق طلبي ذاك

وإن قرأت لك تلك الكلمات "


فمد يده فوقه ليده وأمسكها قائلاً

" لا تُخلي بالاتفاق وتحدثي هيا ... تعلمين جيداً بأني لا أكذب "


فسحبت يدها منه قائلة

" لن أفعلها ولن أقرأ شيئاً ولا أريد شيئاً "


فقبض على الورقة في يده وهو يقفز جالساً ما أن فكرت فيما

يبدو أنه توقعه جيداً وأمسك بها من قبل أن تغادر السرير يلف

ذراعيه حول خصرها وشعرت بأنفاسه تلفح عنقها بقوة وهو

يقول

" لن تهربي وستتحدثين رغما عنك "

قالت تحاول التملص من ذراعيه والفرار

" لن أفعلها وإن قتلتني "


وكانت النتيجة أن وقعت على السرير على وجهها وهو فوقها

واشتدت ذراعاه حول خصرها أكثر وهمس عند أذنها

" محتالة "

شعرت بجسدها يرتجف بأكمله من قربه ذاك ووضعهما وقالت

تحاول التنفس بصعوبة بسبب وجهها المدفون في ملائة السرير

كما توترها وانفعال عواطفها

" كنتَ ستخادع وكنتُ سأخادع .. ما من واحد منا كان ليوافق "


تسللت يداه تحتها أكثر وهمس عند أذنها

" هي لم تتحقق بعد إذاً ... تكلمي هيا وأقري "
شدت على شفتها بأسنانها بقوة تكاد أنفاسها تتوقف بسبب

ملمس أصابعه على بشرة خصرها العاري وقالت بصعوبة

" لاااا ... وليس قبل زمن طويل جداً "


ابتسم بمكر يبحث أنفه عن عنقها من بين خصلا شعرها

الحريري وهمس بخفوت

" متى مثلا ؟ "


فتعالت أنفاسها أكثر وهمست تحاربه بأن كل ما يريده لن يحدث

" حين يصبح لدينا طفل "


وشعرت بأنفاسه القوية الساخنة على بشرة عنقها الناعمة مهيجه

مشاعرها وبجنون حين ضحك بخفوت وهمس

" هكذا إذاً هذه هي كانت الأمنية .... يالا أفكارك المنحلة تلك "

فانفتحت عيناها بصدمة وتحركت تحته ومن بين ذراعيه بقوة

واهنة قائلة
" ابتعد ولا تتهمني بأفكارك "

ولم يكن من جدوى لإنكارها لأنه لن يقتنع وإن كانت تقول

الحقيقة وسيبقى على ظنونه ... تباً لها يالها من غبية ، كتمت

أنفاسها وتقلصت كل عضلة في جسدها بقوة حين شعرت بنعومة

شفتيه وحرارة أنفاسه أعلى بشرة عنقها وجانب وجهها وبدأت

تضعف وبعجز عن مقاومته وقد بدأت يداه من تحتها تعبث أكثر

بثيابها وكأنها تشعر بملمس يديه على جسدها بأكمله ... كانت

تريد مقاومته محاولة الهرب منه أو حتى ترجيه بأن يتركها لكن

هيجان مشاعرها منعها من ذلك من قول أي شيء ومن المقاومة

وعلمت بأنها خسرت جميع معاركها معه وقد بدأ أنينها المحتج

يخرج كتأوهات لم تعبر عن الرفض بل الرغبة والاستمرار

والمطالبة بالمزيد معلناً باستسلامها مجدداً وهو يعلم ذلك جيداً

ويسلبها من نفسها بمهارة وبطء بينما همس بتأني وأحرف

متقطعة وقبلاته تنتقل لكتفها

" فوسم .. واريسيغ توغ "


فانقبضت أصابعها على القماش الناعم تحتها وضاعت بين تكراره

لتلك الجملة وسط قبلاته وإن كانت لا تفهمها ... لينهي كل ذلك بل

ويوقفه رنين هاتفه المرتفع والملح الذي اخترق كل تلك الأجواء

الحميمية ولم يكن ذاك الوقت المتأخر من الليل ليسمح له بأن

يتجاهله فارتخت ذراعاه عنها وأخرج يديه من تحتها شاتما بحنق

" يالك من سافل كنت من تكون "


فعضت طرف شفتها وجلست ما أن ابتعد عنها ترتب قميصها

الذي كاد ينزعه عنها ونظرت له وهي ترفع شعرها عن وجهها

أنفاسها لازالت قوية متلاحقة تراقبه وقد وقف خارج السرير

ورفع هاتفه ونظر له وتغضن جبينه باستغراب فوراً فغزا الفضول

نظراتها الملتصقة بملامحه فمن سيكون هذا الذي يتصل به في

هذا الوقت ويبدو بأنه لم يكن يتوقعه فيبدو بأنها ليست تلك المرأة
قطعاً ! راقبت بتوجس يده التي رفعها والهاتف فيها ووضعه على

أذنه بينما كانت يده الأخرى تمسك خصره وقال بجمود عاقداً

حاجبيه الأسودان

" مرحبا سيادة الإميرال "


فتأففت بحنق مبعدة نظرها عنه ما أن عرفت هويته فإن لم يكن

تلك المرأة فوالدها ... لا تعلم فعلاً أتمتن لهما لإنقاذها دائماً في

الوقت المناسب أم تغضب لأن ذلك حدث بسببهما تحديدا لا

شخص آخر ؟ وقفت خارج السرير في حين جلس هو على طرفه

الآخر حيث كان يقف وأصبح موليا ظهره لها تنظر له مستمعة

للمكالمة من طرفه فقط وقد قال بعد برهة

" لا هي ليست معي "


جميل هل ضاعت الطفلة المدللة ؟ ضيقت عينيها تراقبه وقد قال

بعد لحظة وببرود

" ستعلم من الصحف صباحاً بالتأكيد "

نظرت لقفاه باستغراب ولم تفهم ما كان يعني ! وتذكرت فجأة

شجارهما السابق في غرفتها حين ذكر لها بأنه كان يعلم أين

أمضت الليل ومع من ولا يحق لها محاسبته فهل ما عناه بأنها

فعلتها مجدداً ؟ استمعت لباقي المكالمة بفضول وما فهمته أنه تلك

الحمراء المدللة غادرت المنزل غاضبة من والدها لسبب لم تفهمه

أو لم يذكره ذاك ولم ترجع حتى الآن وحرسهم يبدو لا يعلمون

أين تكون كما أن ذاك الرجل كما يبدو يحاول أن يتعذر لها بسبب

عبارة تيم تلك بأن الصحف ستكشف عن عشيقها الجديد وهو لم

يبالي بالتبرير ، قال حين يبدو أن من في الطرف الآخر إختار أن

يتحدثا وجهاً لوجه " لست أعلم إن كان بإمكاني ذلك فأنا مسافر

في مهمة غدا وسأحتاج لأيام لأعود "


سكت بعض الوقت قبل أن يتنهد بضيق وقال راضخاً لإصراره

على ما يبدو

" إن كنت من سيتدخل في الأمر فسنرى ما يمكن فعله "


وأنهى المكالمة مودعاً له ورمى الهاتف على طاولة السرير مكانه

السابق متأففاً وأمسك بأطراف قميصه ورفعه للأعلى ونزعه

بحركة سريعة ورماه على الأرض بإهمال واستدار بحركة واحدة

ليصبح نائما على السرير وعدل الوسادة تحت رأسه ونظر لها ما

أن قالت ببرود

" ماتت ؟ "


ابتسم بسخرية يعدل ساعده تحت رأسه وقال

" لا أعتقد بأنه يمكنك الاحتفال بهذا "


كشرت ملامحها الرقيقة وقالت باشمئزاز

" يالها من مقززة كان عليها أن تكون وفية لبعض الوقت

على الأقل "


اتسعت ابتسامته الساخرة تلك وقال
" لا يعنيني ذلك فأنا أيضاً كنت مع امرأة أخرى "


اتسعت عيناها بصدمة وقالت

" ماذا ... !! أهذا فقط ما يجعلك لا تهتم ! أكنت ستنزعج مثلاً

إن لم تكن مع امرأة ؟ "


وأمسكت خصرها بيديها متابعة بضيق

" هل هذا يبيح للغير الخيانة ؟ أكنت لن تهتم إن كنت أنا مع

رجل آخر لأنك مع امرأة أخرى ؟ "


لوى شفتيه بابتسامة رجولية غامضة تشبهه وقال

" أعرفك لن تفعليها وإن فعلتها أنا "


فرمقته بنظرة مصدومة أخرى وأشارت له بسبابتها قائلة

" لا تراهن وتطمئن لتفعلها "


فتبدلت ملامحه للضيق وأبعد يده بعنف صارخاً

" توقفي عن التفكير بهذه الطريقة الخرقاء ماريا ... سحقاً "


وأتبع كلماته تلك بشتيمة يونانية فأمسكت خصرها بيديها مجدداً

وقالت

" سأفهم يوماً ما معنى كل ما تقوله الآن "


فانقلب مزاجه فجأة وكالعادة ودس يده تحت رأسه مجدداً

وقال ببرود

" جيد وسيكون لديك فكرة واضحة حينها كم تثيرين غضبي

واستيائي بحماقاتك "


فأبعدت نظرها عنه تزم شفتيها بغضب قبل أن ترمقه بطرف

عينيها قائلة

" ليس هي فقط بل والكلمات التي تقولها وأنت لست غاضب "


فابتسم بمكر حينها ودس يده الأخرى تحت رأسه أيضاً وقال

" أطفئي النور حين تقررين أين ستنامين "


فبادلته الابتسامة بمثيلة لها وتحركت نحو الجدار قرب باب الغرفة

وضغطت زر الإنارة لتغرق الغرفة في ظلام تام لا يتخلله سوى

النور المنبعث من الباب المفتوح وقالت

" لن أنام هنا بالتأكيد "


فشد اللحاف بحركة عنيفة ورماه على نصف جسده السفلي

متمتما ببرود

"سحقاً لك من امرأة "


فضحكت رافعة كتفيها وغادرت الغرفة واتجهت لغرفتها أطفأت

نورها أيضاً واندست في سريرها وسحبت الدمية القماشية

لحضنها وأغمضت عينيها مبتسمة ولا تتصور كيف ستمضي

الأيام القادمة من دونه وإن كانا مشغولان طوال النهار

ويتشاجران باقيه فهي على الأقل كانت تراه كل ليلية وكل

صباح قبل أن يغادرا .


*
*
*




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 09:33 PM   #12128

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*








أبعدت اللحاف عن جسدها وجلست منزلة قدميها الحافيتان

على الأرض لينكشف الجسد الشبه عاري والذي لا يغطيه

سوى قماش قميص النوم الشفاف والذي لم يتجاوز طوله

نصف فخذيها مطت ذراعيها قليلاً بكسل ومررت أصابعها في

شعرها للخلف نزولا لعنقها قبل أن تخرجهما في حركة واحدة

سريعة لينساب بتدرجاته المتناسقة على كتفيها وذراعيها

وابتسمت بنشوة فهو على الأقل لم يعد كالسابق قصيراً وخفيفاً

وإن كان لا يفتقد للنعومة وهذا أمر آخر تغير في جمانة الأمس

، رفعت حمالة قميص النوم على كتفها والتفتت خلفها ونظرت

للنائم هناك .... !! لا بل لمكانه الخالي تماماً منه ونظرت حولها

بعبوس فحتى الغرفة ليست غرفتهما فبعدما ودعت عائلتها

البارحة وصعدت لجناحهما لم تجد سوى حقائبها في انتظارها

لازالت في ردهة الجناح ومؤكد هو من منع الخادمات من

ترتيبها في الغرفة لأنها وجدت بابها مغلقاً بل ومن الداخل

بالمفتاح أي لا مكان لك فيها معي بعد أن انقلبت الأدوار فهو

من كان ينام هنا مبتعداً عنها ومنذ وقت طويل بل ومنذ رفضت

هي العلاقة الجسدية بينهما وانحدرت علاقتهما نحو الهوة

السحيقة التي لم تخرج منها حتى الآن ... لا وبل هي من نامت

هنا لأول مرة وفي ليلة زفافهما الأولى حين اكتشفت أي زوج

هذا الذي اختاروه لها كما اختاروها له وشعرت ولأول مرة في

حياتها بأنها امرأة بشعة وليست عادية الجمال أو مقبولة كما

كانت تعتقد وأمضت باقي تلك الليلة هنا تبكي على هذه الوسائد

البيضاء الكبيرة بعدما تسللت من غرفتهما دون أن يشعر بها

لأنه كان نائماً .. ولم تتساءل قط حينها لما يجهزون غرفتا نوم

في جناح واحد وكأنهم كانوا يتوقعون كل هذا منذ أن علموا من

تكون عروسه المستقبلية تلك ! وكانت لتتوقع بأنه من طلب

هذا من قبل أن يعرفها لولا أنه أخبرها بأنه ليس من أعد

الجناح ولم يراه سوى ليلة دخلاه معاً ... ولا تراه يكذب في ذلك

فلما سيهتم أساساً بهذا ؟

لكن ذاك جميعه عليه أن يتغير الآن ... أجل فهو زوجها لها

هي ومن بين جميع النساء ولن تقول بأنها ستعيده لها لأنه لم

يكن كذلك يوماً ليضيع منها بل ستمتلكه وتعيده لسريرها

وحضنها ومهما طال الوقت .


وقفت خارج السرير وسحبت الروب الحريري قرنفلي اللون

ولبسته وربطت حزامه بإهمال حتى أنها لم تهتم لكتفه الذي

انزلق عن كتفها تاركا إياه مكشوفا وغادرت الغرفة وما أن

أصبحت خارجها نظرت فوراً لباب الغرفة في الجانب الأيمن

ومن قبل ان تترك يدها مقبض باب غرفتها وكان على حاله

مغلق ميت وكأنه لا أحد يوجد خلفه ! نقلت نظرها للجانب الآخر

ونظرت لباب مكتبه المفتوح والذي لم يكن كذلك البارحة هي

متأكدة من ذلك ويبدو أنه قضى الليل فيه بعد أن نامت هي !

تحركت خطواتها عند تلك الجهة فوراً حتي وقفت أمامه فكان

فارغاً لا شيء بداخله سوى الصمت وخشب الديكور البارد ،

أدارت رأسها جهة باب غرفته مجدداً .. إذاً هو هناك فحاسوبه

لازال هنا مما يعني بأنه لم يخرج بعد ... سارت بذاك الاتجاه

هذه المرة ودون تردد وما أن أمسكت بمقبض الباب وأدارته

ابتسمت بسعادة حين فُتح لها فوراً فدفعته ببطء ويد مرتجفة

حتى ظهر لها السرير الذي كان يتوسط الغرفة بملاءته بلون

الكريما والمطرزة بخيوط ذهبية واللحاف المماثل لها والمحشو

بالقطن والذي كان يغطي نصف جسد النائم هناك بينما يترك

صدره عارياً مكشوفا لبرودة الغرفة الواسعة وهو من كان ينام

بقميص داخلي وإن كان من دون أكمام ولم يكن هذا طبعه !!

كان ينام على جانبه الأيمن مقابلاً للباب بينما ارتمت ذراعه

اليسرى فوق الوسادة البيضاء والمزينة الأطراف بالدانتيل بلون

الكريما أيضاً والخيوط الذهبية لتنام تلك الوسادة بنعومة على

صدره وفي حضنه .. وتلك عادة جديدة قد اكتسبها أيضاً ولم

يفعلها يوماً في السنوات الثلاث التي عرفته فيها !!


تركت الباب مفتوحاً ودخلت بخطوات بطيئة تأخذها مباشرة

حيث الجسد الذي لم يفارقه نظرها حتى وصلت عنده وجلست

على حافة السرير ببطء قرب خصره نظراتها لازالت ملتصقة

في ملامحه النائمة بسكينة وعمق .... الملامح التي عشقتها

في ذات اليوم الذي كرهت فيه ملامحها هي واليوم الذي عرفت

فيه معنى أن تكون في حضن رجل يحمل كل صفات الرجولة

داخله وخارجه بينما تفتقد هي لكل ما تعنيه كلمة أنثى وأنوثة

فحتى عذوبة الصوت ورقته اكتسبتها جيهان لتتركها من دون

شيء فكانت تُقارن بها ومنذ طفولتها وفي جميع المناسبات ثم

ويا لا سخرية القدر تتزوج البطة السوداء البشعة برجل فاق

زوج شقيقتها تلك وسامة وثراء ومركز رغم ثراء ذاك

وجاذبيته .


امتدت أصابعها ببطء لتتوقف أمام وجهه مترددة قبل أن

تقبضها وتقف مبتعدة عنه لا تعلم ما السبب لكنها شعرت فجأة

بشيء غريب دفعها بعيداً عنه ! مررت أصابعها في غرتها

وتحركت مبتعدة جهة الشرفة التي دفعت ستائرها السميكة

بكلتا يديها بقوة ليتسلل النور القوي للغرفة الشبه غارقة في

الظلام وسحبت الباب الزجاجي وخرجت للشرفة الواسعة تسحب

الهواء لرئتيها بقوة ولا تفهم لما شعرت بالاختناق هناك ؟

هل أصبحت تواجه صعوبة في الاقتراب منه ؟

يبدو عليها إخبار طبيبتها النفسية عن هذا أيضاً في الجلسة

القادمة ، وصلت لنهاية الشرفة ووقفت هناك واسندت يديها

على حافتها الحجرية العريضة تنظر للحديقة متكاملة التنسيق

أمامها وصوت خرير مياه النافورة الحجرية الضخمة والمقابلة

لها يصلها بوضوح متناغماً مع أصوات الطيور المنتشرة حولها

وغضنت جبينها تنظر هناك باستغراب ... لا بل بغضب

للجالسة على حافة النافورة ترفع قدميها أيضاً فوقها تقابلها

بجانبها تمسك دفتر رسم كبير تضعه على ركبتيها بينما تمسك

في يدها الأخرى قلماً ما ومنشغلة تماماً بالرسم فيه ترتدي

بنطلون جينز مشدود على ساقيها الرشيقتين وقميص من

الشيفون المبطن بألوان ربيعية زاهية لم تزد ذاك الجسد

الأنثوي المتناسق سوى فتنة وجمال زاده خصلات شعرها

المتطايرة مع النسيم رغم الشريط الحريري الذي تربطه به

خلف عنقها ... أما ملامحها فكانت بالكاد تظهر لها بسبب

غرتها الطويلة المتراقصة أمامه عدا بياض ونعومة بشرتها

الظاهرة من بعيد .

زمت شفتيها بقوة واشتعلت نيران الغضب قبل الغيرة في

عينيها فلما تجلس هنا ؟ ألم تجد مكاناً في الحديقة الواسعة

المحيطة بالقصر كاملاً غير هذا المكان !

حتى مساحة النافورة الكبيرة تسمح لها باتخاذ جهة غير هذه

المقابلة لغرفته مباشرة ...!

أهذا هو السبب وراء تمسكه بهذه الغرفة أيضاً !

شعرت بجسدها يرتجف غضباً تحت قماش الروب الحريري

الناعم وشعرت بالألم يدمر أطراف أصابعها التي احتكت

بخشونة حافة الشرفة الحجرية حين اشدتا في قبضة واحدة

ودون شعور منها ورفعت رأسها بكبرياء مبعدة نظرها عنها ما

أن لاحظت بأنها رفعت رأسها ونظرها عن دفترها وادعت النظر

للبعيد بينما راقبت بطرف عينيها كل حركة كانت تصدر عن

الجالسة هناك وكما توقعت التفت رأسها ونظرت ناحيتها نحو

الأعلى فمررت أصابعها في غرتها ونظرت لها بغرور

وابتسامة ساخرة تحاول أن تجعلها ترى جيداً ما كانت ترتدي

وما يؤكد لكل من يراه أي ليلة قضتها في تلك الغرفة ... بينما

النظرات الجامدة للجالسة هناك لم تفارق عيناها أيضاً رغم أنها

توقعت تصرفاً مغايراً منها كأن تتجاهلها أو تقف مغادرة !


وتكللت خطتها بالنجاح التام حين سمعت الخطوات التي اقتربت

من خلفها وابتسمت بانتصار واستدارت من فورها تنظر للذي

وقف على بعد خطوات منها لازال لا يرتدي سوى بنطلون

رياضي مريح وصل طوله لمنتصف ساقيه ولازالت آثار النوم

على وجهه واضحة غاضناً جبينه بحاجبين معقودين ينظر لها

ويبدو خرج من السرير مباشرة ... شعره فقط الذي يبدو رتبه

بأصابعه ومن كانت واثقة من أن الجالسة هناك في الأسفل تراه

وإن كان منشغلاً تماماً عن رؤيتها أو ملاحظتها من بين نباتات

الحديقة وأشجارها بدون تركيز جيد على تلك الجهة ، قال

ولازال مضيقاً عينيه تحت حاجبان معقودان بسبب النور القوي

الذي خرج له فجأة

" ماذا تفعلين هنا ؟ بل وفي الغرفة بأكملها ؟ "


اقتربت منه متجاهلة ما قال ومررت يدها على صدره العاري

قائلة برقة مبتسمة

" لندخل الغرفة أولاً ثم نتحدث "

فغرضها الوحيد كان أن ترى الجالسة هناك هذا فحربها الأولى

ستكون معها فإن أزاحتها من طريقها لن يصعب عليها شيء

حينها ، وما أن رفع يده وأمسك بها يدها وبقوة وفي نيته

إبعادها وهي تعلم ذلك جيداً سبقته بأن شدت أصابعها حولها

مديرة يدها ورفعت نفسها على رؤوس أصابع قدميها الحافيتان

قبّلت خده بسرعة وتحركت من فورها ساحبة إياه معها نحو

الداخل قائلة

" ندخل أولاً وقاص أرجوك "

وما أن كانا في الداخل سحب يده من يدها بقوة كادت توقعها

لكنها استعادت توازنها بسرعة وتوجهت جهة باب الشرفة

وأغلقته أولاً قبل أن تلتفت له لحظة أن ارتفع صوته الغاضب

كما توقعت وهو يشير بإصبعه جانباً "

جمانة ما حدث منذ قليل لن يتكرر مجدداً ولا أريد أن أراك في

هذه الغرفة مفهوم ؟ "


بلعت إهانته مع ريقها وهمست برجاء حزين

" لكن.... "


فقاطعها بحدة من قبل أن تفكر في الاعتراض وسبابته تشير

لها هذه المرة

"سبق وقلتْ أنت من اختار هذا ولا تلومي أحداً سوى نفسك "


تمالكت نفسها فالغضب لن ينفعها في شيء كما الدموع أيضاً

لما كان وضعهما وصل لهذا الحد وقالت بهدوء حزين يناقض

اشتعاله الغاضب

" أعطنا الفرصة للتحدث إذاً ... أرجوك يا وقاص لا تغلق جميع

الأبواب أما.... "


فقاطعها مجدداً وبحدة

" لا شيء نتحدث عنه وانتهى كل ما بيننا منذ اخترت تلك

العملية عليا يا جمانة "


فغزا الضيق نبرتها وقالت باحتجاج

" لكن ذلك من حقي وحصدت نتائجه فعلاً فلما ترفض دائماً ولا

توافق على ما ينقذ زواجنا من الدمار ؟ "


قال بغضب

" من حقك ماذا وأوافق على ماذا ؟ أتري أن هذا ما سيعيد ما

دمرته بنفسك لأعوام ؟ "


قال جملته الأخيرة مشيراً بسبابته على جسدها صعوداً لوجهها

فشعرت بجسدها يرتجف وكادت تفقد توازنها وتنهار أرضاً

وكلماته تطعن قلبها وبقوة وقالت بضعف

" لن تنكر التغيير وإن رفضته يا وقاص ولا أعتقد بأنه ثمة

رجل في العالم يرفض أن تتغير زوجته نحو الأفضل "


ابتسم بسخرية قبل أن تخرج كلماته القوية مجدداً

" تتغير في ماذا يا جمانة ... ؟ في أن تتلاعبي بما خلقك الله

عليه معترضة على خلقه ؟!

أم في أن تتكشفي أمام الرجال بفستان تستحي منه النساء "


صرخت فيه من فورها وبرفض

" لا ليس صحيحاً "


فصرخ بقوة أكبر يشير لها بسبابته

" بلى صحيح ولن تجني من هذا كله شيئاً سوى غضبه عليك

تفهمين هذا ؟ ذاك وحده فقط ما ستجنينه .... وقناع المهرج

هذا بالنسبة لي ماضيك أفضل منه مئة مرة "


شعرت بكلماته كصفعة وجهت لوجهها تماماً ولم تستطع إخفاء

الصدمة في ملامحها بينما تابع هو وبقسوة

" التغيير ينبع من الداخل ... من داخلنا يا جمانة ليس من

تفاهات نضعها على وجوهنا وإن كانت مجرد مستحضرات

تجميل "


بل ولم ينتهي انفجاره ذاك بعد ولازال محدقاً بغضب في عينيها

التي لازالت تقاوم الدموع وباستماتة

" كنت أنتظر أن تتغيري من الداخل .. أن تثقي بنفسك مثلما

كنتِ عليه ثم ما كنتُ لأعترض على العملية التي ستجعل جسدك

يتغير من أجلك وليس من أجلي لكن أن تفعلي ذلك قبلها فهذه

هي نتيجته فراغ من الداخل والخارج ولن تجني من عصيانك

لله وزوجك شيئاً وللأبد ولن تُرضي بهذا أحداً ولا نفسك "


ازداد ارتجاف جسدها حتى بدا واضحاً وانهمرت الدموع التي

كانت تحاربها منذ وقت فيبدو أنها لم تكتسب شيئاً مما حاولوا

أن تتعلمه سوى رفع صوتها الغاضب بدلاً من انعزالها تبكي

وحدها وقد صرخت بالفعل

" أنت لا تساعدني ... ترفض ذلك ولا تريده ليس لجميع

الأسباب التي ذكرتها بل بسبب تلك المرأة "


ولم تستغرب النظرة القوية التي رمقها بها حينها عاقداً

حاجبيه وقال

" أي امرأة تقصدين ؟ "


ارتجفت شفتاها الممتلئتان وها قد خالفت كل ما اتفقوا عليه

سابقاً بأن لا تتحدث عن الأمر معه مطلقاً وما نصحتها به

طبيبتها قبل شقيقتها .. ورغم ذلك أيضاً قالت وبضعف ظهر في

ملامحها قبل صوتها

" تعلم جيداً من أقصد فأنت تغيرت ومع الجميع منذ زواجها

من شقيقك وخروجها من سجنها ذاك وهذا ما تسعى هي له

وها قد تحقق وسريعاً جداً "


وكما توقعت تماماً وحذروها منه فقد انفجر بغضب رافض

صارخاً

" توقفي عن التفوه بالحماقات يا جمانة وبإلصاق فشلك في

الأخرين فعلاقتنا انهارت من قبل ذلك وبكثير وبسببك وحدك

فقط وأنت تعلمين ذلك جيداً أما زيزفون فلا تهتم لما تتحدثين

عنه قيد أنملة ولا تعتبرك وزوجك هذا قبلك موجودان أساساً "

وها قد نزلت دموعها منهمرة وحدث كل السيناريو الذي

حذروها منه وكانت تتجنبه .. لكن ذلك لم يجعلها تتراجع أيضاً

فقد قيل ما قيل وانتهى وعليها إفراغ ما في قلبها قبل أن

يقتلها ، قالت ببؤس لم تستطع التحكم به أيضاً وظهر جلياً

في ملامحها

" لكنك تهتم وترى فيها ما لا تجده لدي فلا تتحدث مجدداً عن

الجوهر والقشور فجميعكم الرجال يعنيكم ذلك "


وراقبته بعينين دامعة وهو يرفع رأسه عالياً وقد مرر أصابعه

في شعره بعنف قبل أن ينظر لها وقال بحدة

" لو كنت كذلك ما انتظرت زيزفون ولا غيرها ولا تزوجت بك

أساساً والنساء الجميلات حولي في كل مكان ومن قبل أن

أعرفها وأعرفك "

لكنها كانت لا تراه سوى تبريراً لا يشبه الواقع فما تراه عيناها

في انفراد تلك الفتاة بما ليس لدى غيرها قبل اهتمامه الواضح

بكل ما يعنيها ينفي كل هذا بالنسبة لها فقالت بأنفاس غاضبة

متلاحقة تشير بسبابتها للأرض بينهما بينما نظرها مركز

على عينيه

" أنكر ذلك الآن وأقسم لي بأن شيئاً من ذلك لا يوجد ...

سأصدقك على الفور إن أنت فعلت ذلك "


بقى ينظر لها صامتاً ولم يزح نظراته عن عينيها ولم يهرب

منها كما لم تلن ملامحه المشدودة ولا الغضب القاتم في

عينيه... لكنه لم يتحدث لم ينكر وإن لم يعترف فرفعت كفها

تمسح به الدموع من وجنتيها بقوة وقالت بجدية أسنانها

تصطك في بعضها من الانفعال

" لا يمكنك نكران هذا وإن كنت ترفض إظهاره لأن مبادئك لا

تسمح لك بذلك لكنك زوجي ولست لها ولا لأي امرأة وأنا

سأحارب وللنهاية "


وما أن أنهت عبارتها تلك غادرت الغرفة تاركة بابها مفتوحاً

خلفها فانهار جالساً على السرير ودفن رأسه بين يديه يشد

أصابعه على شعره بقوة فهو لا ينجح في شيء يفعله في حياته

ووحده التمثال الذي ليس سوى قشوراً للرجل الناجح يخفي

خلفه تاريخاً طويلاً من الفشل وخيبات الأمل .. ووحده بالطبع

الملام دائماً حتى بات ينظر لنفسه كذلك وبأنه السبب فعلاً ،

وقف وبدأ يتحرك في الغرفة كالأسد المسجون يدور وأفكاره

تدور حوله كما عبارتها الغاضبة الباكية تلك .


) لا يمكنك نكران هذا وإن كنت ترفض إظهاره لأن مبادئك لا

تسمح لك بذلك ليس لأنك لا تريد ...مبادئك لا تسمح لك بذلك

ليس لأنك لا تريد..مبادئك لاتسمح لك بذلك ليس لأنك لاتريد )


غرس أصابعه في شعره ورفع رأسه عالياً ينظر لسقف الغرفة

وهمس بصوت خشن خرج وكأنه يختنق به

" بلى أريد وعلى ذلك أن يتغير ... ومن أجل مبادئي فقط ...

فقط لا غير "


أنزل رأسه كما أصابعه التي انزلقت نزولاً لعنقه ونظر جهة باب

الشرفة المغلق قبل أن يتوجه نحوه وسحبه بقوة كاد أن يتحطم

معها وخرج لتلفح النسمات الرقيقة الباردة بشرة وجهه وجسده

الملتهبة وتوجه من فوره لحافة الشرفة ووقف مسنداً يديه

عليها يتنفس بقوة ونظره سقط فوراً على النافورة الحجرية

وكأنه يسحب أنفاسه القوية من مياهها فالنظر لها فقط يجعلك

تشعر بالحياة ... لا بل ثمة أمر آخر نظر له بتركيز أكبر

وأعمق ... للشيء الذي كان يطفو فوق مياهها يتراقص تحت

حبات المياه المتساقطة عليه بقوة وعلم فوراً بأنها مجموعة

أوراق بيضاء مستطيلة الشكل بحجم لا ينفع سوى ليكون لدفتر

رسم ... دفتر رسم !!

ثمة شخص واحد هنا يملك هذا فما تفعله تلك الأوراق هناك

وهل هي فارغة أو أنها ... رسوماتها المنحصرة في أفراد

عائلتها وماضيها !! .


تحرك ودون شعور منه عائداً نحو الداخل بخطوات سريعة

وحمل قميصه القطني وهو يخرج من الغرفة ولبسه وهو يجتاز

ردهة الجناح الذي فتح بابه ما أن وصله وغادره ونزل السلالم

بخطوات راكضة لا يرى أمامه شيئاً سوى الباب الذي توجه

نحوه مسرعاً .


*
*
*


خرجت من غرفتها ترفع شعرها في جديلة وقد ارتدت فستاناً

تجاوز طوله ركبتيها وبكمين طويلان وحرفان انجليزيان كبيران

يتوسطان جسدها باللون الأسود العريض بينما كان الفستان

بلون المشمش ، وقفت منتصف الصالة ونظرت حولها بعبوس

فالمكان لم يختلف عن ليلة البارحة وكأن شمس الصباح لم

تشرق !!

توجهت جهة باب الشرفة الزجاجي الواسع المغطى بستائر

سميكة وفاخرة وأبعدتها فوراً وثبتتها في المكان المخصص

لها عند جانبه ليتسلل النور لصالة الشقة الواسعة .. وما أن

فتحت الباب على اتساعه حتى أنار المكان تماماً بضوء النهار

الطبيعي القوي وتسلل الهواء المنعش لكافة أرجائه وابتسمت

حينها برضا .


وما أن استدارت نحو الأثاث الفاخر مطت شفتيها سريعاً بعدم

اقتناع فلا شيء هنا يجعلك تجلس مقابلاً تماماً لباب الشرفة

الرائعة المفتوح ! فتوجهت من فورها نحو الصالون المغطى

بقماش مخملي بني اللون وأبعدت مقعديه الفرديان وبدأت بدفع

أريكته المقوسة قليلاً بكل قوتها مصدرة صريراً قوياً على

الأرضية الخشبية اللامعة حتى أوصلتها لمكانها المطلوب

ووضعت الطاولة الزجاجية أمامها تسحبها أيضاً وبضجيج أعلى

من سابقه ... وضعت الكرسيان حولها وصفقت لنفسها قائلة

بحماس

" هكذا أفضل .. بل وأجمل بكثير "

وتوجه نظرها سريعاً جهة باب الغرفة الذي فتح فجأة وللذي

خرج منه يرتب بأصابعه شعره المبعثر بسبب النوم يحاول

النظر في المكان حوله بعينين ضيقتين بسبب النور القوي في

المكان ومن نسيت تماماً في غمرة حماسها ذاك بأنه نائم هنا

والذي قال بضيق

" ما هذا الضجيج هنا بحق الله ! "


فأخفت ابتسامتها المحرجة وقالت وقد استدارت حول الأريكة

ترتب الوسائد الملونة عليها

" مكانه أفضل هنا ... لا أعلم من هذا المهندس المبتدئ الذي

وضعه هناك ؟ "


فتأفف وعاد لغرفته بينما تابعت هي ترتيبها لباقي الوسائد كما

التحف فوق الطاولة وما أن انتهت قفزت جالسة على الأريكة

ونظرت مبتسمة لأشجار وخضرة الحديقة التي تظهر لها من

مكانها والشرفة الواسعة النصف دائرية بسياجها الذهبي

والطاولة والكراسي المصنوعة من الخيزران التي كانت

تتوسطها فالجلوس هنا أصبح يشبه الجلوس هناك وهذا ما

كانت تريده تماماً .


استدارت برأسها ما أن انفتح باب الغرفة مجدداً ونظرت للذي

خرج منه هذه المرة يرتدي بدلة سوداء أنيقة ومؤكد هي

الملابس التي سيقصد بها عمله فقد كان يمسك حقيبة سوداء

أيضاً في يده وقد توجه نحو المطبخ ما أن أغلق باب الغرفة

فوقفت وتوجهت هناك أيضاً وما أن دخلت حتى سحبته من يده

جهة الطاولة قائلة

" يمكنك الجلوس هنا وسأعد لك الطعام كتعويض "


فراقبتها نظراته وهي تدور حوله وتسحب له كرسياً هو الأقرب

لمكان وقوفه وقالت وهي تدور حول الطاولة لتصل جهة

المغسلة

" ما الذي تتناوله في الصباح عادةً ؟ "


فتنهد نفساً عميقاً وجلس وتمتم وهو يضع حقيبته فوق الطاولة

" القهوة فقط "

فرفعت نفسها على رؤوس أصابعها بل واستعانت بطرف

الخزانة في الأسفل لتصل للرفوف العلوية نظراته تراقبها

وبصعوبة سحبت إبريق القهوة النظيف متأففة وتمتمت تحبس

تنفسها

"وكأنه لا مكان لغير العمالقة في هذه البلاد"


فابتسم ونظر للأسفل محركاً رأسه بينما ملأت هي الإبريق

بالماء ووضعته على النار ورفعت علبة السكر من الرف

المخصص لها وقالت تغرف منه بالملعقة وتسكب في الماء

" كيف هي قهوتك ؟ "


فتمتم يضم قبضتيه ويتكئ عليها بذقنه مسنداً مرفقيه بالطاولة

" متوسطة "

فتوقفت عن إضافة السكر وأعادت العلبة مكانها ورفعت علبة

البن وسكبت منها وأعادتها سريعاً لترفع الإبريق الذي كان

يستعد ما فيه للفوران ووضعته على المنضدة الرخامية

وأخرجت فنجاني قهوة وسكبت فيهما السائل الأسود الساخن

ورفعتهما وتوجهت نحوه نظرها على يديها وطريقها ووضعت

كوباً أمامه بينما وضعت الآخر في الطرف البعيد من الطاولة

وتوجهت أولاً جهة باب الشرفة في المطبخ وفتحته على

اتساعه وعادت للجلوس حيث وضعت فنحانها مقابلة له

ونظراته المستغربة تتبعها ببرود فما قصة هذه الفتاة مع

الشرفات !


تبدو له تكبر ابنه بأعوام قليلة لكنها بحيوية طفلة بات يتوقع أن

تقلب شقته رأساً على عقب خلال ساعات غيابه في عمله دون

أن تشعر بالإعياء !!

كان نظرها لا يفارق الشرفة يعكس نور النهار أشعته على

شعرها المرفوع للأعلى وغرتها القصيرة ليعطيها لمعاناً ناعما

كما الرموش الطويلة التي تغطي عينيها السوداء الواسعة

وشفتاها تبتسم للا شيء .. للفراغ الذي تنظر له وكأنها تهدي

الصباح تلك الابتسامة ! بينما تحتسي قهوتها ببطء وتلذذ

يجعلك تشعر بالرغبة في الشرب منها ! .


نظر لكوبه والأبخرة تتصاعد منه ورفعه وشطف السائل

الساخن منه في دفعات صغيرة متتالية وبقي أن يتأنى فيها

لتكون اصابته بالعدوى بالفعل !

وضع الكوب ما أن أنهى كل القهوة الموجودة فيه فهي تشبه

قهوته تماماً معتدلة في حلاوتها وكثافة لونها وكأنه أعدّها

بنفسه كما كان يفعل كل صباح ! وقف بعدها وحمل حقيبته

واستدار مغادراً جهة باب المطبخ سارقاً نظرات التي تركها

خلفه وقد همست بعبوس تمسك فنجانها بكلتا يديها

" ألا يتحدث هذا الرجل مطلقاً ؟ "


وما أن وصل للباب حتى تحققت أمنيتها وعلى غير العادة ما أن

استدار نحوها وقال ببرود عاقداً حاجبية الأسودان

" لا تخرجي وتحديداً لا تقتربي من باب ملحق الشقة

والموجودة فيه "

وما أن أنهى عبارته تلك حتى استدار مجدداً وغادر فوضعت

الفنجان من يدها متمتمة بضيق

" ليتك بقيت صامتاً.. "

وما أن سمعت باب الشقة أغلق وقفت وابتسمت وهي ترفع

كوبها متمتمة

" لكن لا بأس فكله بثمنه .. "


وسرعان ما ضحكت ووقفت ورفعت فنجانيهما وتوجهت بهما

نحو المغسلة تغسلهما فأمامها يوم حافل ينتظرها كما تخطط

وليس كما يتوقعه هو بالطبع .


*
*
*


وقف مكانه ما أن أصبح أمام الباب خارج جدران ذاك القصر

قبل أن ينزل عتباته مسرعاً وسار راكضاً عبر الممر المرصوف

بالحجارة حتي وصل لهدفه مقطوع الأنفاس ووقف ينظر

للأوراق التي كانت تحوي رسوماتها بالفعل وتعالت ضربات

قلبه وهو يركض حول النافورة الضخمة ينظر لمياهها النقية

والتي لا يشوب نقائها ذاك سوى الرذاذ القوي لمياهها التي

تخرج وتعود إليها وكأنه يتوقع أن يجد جسدها بداخلها ولأي

سببٍ كان وإن كان لأنه أغمي عليها فجأة فلن يصدق بأنها قد

تتخلى عن رسوماتها تلك والتي لم تكن تفعل شيئاً سوى رسمها

مجدداً ومجدداً وفي ذات الأوراق وعلى نفس الخطوط التي

رسمتها سابقاً ... أمر كم قتل قلبه وروحه حين أدركه .


لكنه وصل لمكان الأوراق مجدداً ولم يجد شيئاً سواهم إذاً هم لم

يقعوا فيها لأنها وقعت معهم فما الذي أوصلهم هنا !! وبدون

أي تردد ولا تفكير منه وجد نفسه داخلها يجمعهم من بين

المياه التي كانت حباتها تتساقط عليه بقوة وقد وصلت المياه

تحته لما فوق ركبتيه وقد تبلل جسده بأكمله كما ثيابه يتحرك

فيها بصعوبة هدفه الوحيد هو التقاطهم جميعاً وكأن هذا

سيعيدها كما كانت أو سيستطيع هو فعلها !!.


رفع آخر واحدة منهم ووضعها مع البقية في يده الأخرى

واستند بساعده على أحد الطوابق الحجرية للنافورة ولازال

يمسكهم بيده الأخرى ينظر للأسفل حيث المياه المتراقصة

بتموجات متداخلة ولازالت مياهها تتساقط فوقه يلتقط أنفاسه

بقوة وقطرات المياه تنزل من طرف أنفه وذقنه وخصلات شعره

وانقبضت أصابعه على الأوراق المشبعة بالماء وأغمض عينيه

بقوة وألم ... أهذا من كان يقول قبل قليل بأنه سيتّبع مبادئه

فقط مستقبلاً !!

من كان يتعهد لنفسه بأن يخرجها من كل هذه الدوامة

السحيقة ! فما الذي يفعله الآن .... ماذا ؟!


أبعد يده بقوة وخرج من تلك النافورة وغادرها موليا ظهره لها

يشعر بصوت خرير مياهها لازال يضرب جسده بينما كانت

وجهته الباب الذي غادره منذ قليل والذي ما أن دخله وعبر

البهو الواسع بعده وقف مكانه ينظر للتي كانت تقف ببداية

ممره الغربي تنعكس صورتها في المرآة الطويلة التي كانت

تستقر على الجدار الآخر خلفها فوق طاولة من الرخام وكأن

على من ينظر لها أن يراها نظره كاملة حتى جديلة شعرها

الشقراء التي تستقر على ظهرها وصولا لنهايته ..! كانت تنظر

لعينيه بجمود نظرة ألفها لكنه لم يعتد الغضب المدفون خلفها

يراه الآن بوضوح وإن لم تحرره !


كان صدره العريص يرتفع ويهبط بقوة تحت قماش قميصه

الضيق المبتل وأنفاسه تخرج قوية متعاقبة وكأنه لم يخرج من

تحت تلك المياه حتى الآن بينما كان جسده بأكمله مبللا يشعر

به قطعة واحدة متجمدة وها قد عاد الدفء ينعشه بسبب

الحرارة التي بدأت بالتسرب خلال عروقه وهو ينظر لتلك

العينين المحدقة به ولازالت أصابعه تمسك بالأوراق التي بدت

وكأنها قطع قماش مشبعة بالمياه .


وقرر أخيراً ذاك التمثال الأنثوي الفاتن أن يثبت بأنه يمت للحياة

بصلة حين أنزلت يدها التي كانت تسندها بالجدار لتستقر بجانب

جسدها وارتفع صوتها مالئاً صمت المكان والذي يبدو لم

يعنيها أن يكون كذلك وإن سمعها الجميع قائلة بضيق

" هكذا أنت دائماً تحتفظ بكل ما هو تالف وتعرفه لا يصلح لك

... بل وبما سبق ورميته بنفسك "


تصلبت ملامحه بل وجسده بأكمله واختفى ذاك الدفء الذي

أنعش برودته قبل قليل وعاد يشعر بضربات رذاذ تلك المياه

على جسده كالسكاكين .. فهي لطالما أشبعته بآرائها السلبية به

حتى استنزفت كبريائه وكرامته تماماً لكنها لم تنعته يوماً بهذا !

فما الذي تعنيه وفعله هو غير جمع رسوماتها التي رمتها

خلفها بغباء رجولي مقيت ...! كل ما فعله أن أخرج تلك

الرسومات التي ارتبطت بروحها وماضيها من حيث كانت

ستتلاشى وتختفي وبأبشع الطرق ...؟ لا بل واتهمته بأنه معتاد

على فعل هذا فماذا تعني تحديداً !


كان ينظر لها بصمت وأنفاسه القوية لازالت تعبث بتفاصيل ذاك

الصدر الرجولي العريض بينما كان هجومها العاصف ذاك لم

ينتهي بعد وقد أضافت من فورها وقبضتاها تشتدان بجانب

جسدها بقوة تنظر لعينيه بغضب خرج عن سيطرتها

" يا لك من مدعاة للشفقة بالفعل "


قالت عبارتها الغاضبة القاسية تلك وبقيت واقفة مكانها عكس

عاداتها القديمة ترميك بما لديها وتغادر وتختفي من حيث

خرجت تاركة ضحيتها تواجه ألم طعناتها وحيدة .. لكنها هذه

المرة يبدو اختارت طريقة أقسى من سابقاتها لتشهد ما تفعله

بضحيتها تلك وقد بدأت أنفاسها هي بخيانتها حينها تخرج

قوية بينما لازالت تلك القطع الزجاجية الزرقاء تنظر لعينيه

الجامدة كالصخر وأصابعه بدأت تخترق الأرواق التي بدأ الماء

ينزل منها لعصره إياها بينها بقوة والتي كان حريصاً قبل قليل

على أن لا تتأذى ولا من طريقة إمساكه بها ..!

وتحرك من مكانه على الفور ووجهته السلم الذي نزل منه

والقريب من مكان وقوفها لكنه لم يصعده مباشرة بل انحرف

قليلاً جهة السلة الأنيفة المصنوعة من الخيزران عند زاوية

التفافه السفلى ورماها فيها بعنف قائلا

" معك حق ... وسأضعها في مكانها المناسب نهاية الأمر "

وصعد السلالم من فوره لم ينظر ناحيتها بل ولم يكن يرى شيئاً
حوله ولا التي كانت تقف منتصف السلم الآخر والذي يصل

الجهة الشرقية من البهو بالطابق الأعلى والتي ابتسمت

بانتصار وهي تصعد عتباته ساقيها العاريتان وحدهما ما كانا

يظهران من سياجة النحاسي المزخرف حتى أصبحت في الأعلى

وارتمت على أول أريكة وصلت لها في صالونات الاستقبال في

الطابق ووضعت هاتفها على أذنها وهمست مبتسمة بأنفاس

مقطوعة بسبب ركضها ما أن انفتح الخط

" مرحبا جيهان "


فقالت من في الطرف الآخر من فورها وبحماس

" ماذا يا جمانة ما بك تتصلين في الصباح الباكر ؟!

يبدو أنه ثمة أخبار مهمة لديك ؟ "
*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 09:35 PM   #12129

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*


دخل المصعد وضغط أزراره ليُغلق بابه من فوره وبدأت

الأضواء الحمراء في اللوح بجانبه تتصاعد تدريجياً لاجتيازه

الطابق بعد الآخر ودس يديه في جيبي بنطلونه ينظر لها

بجمود فلم يكن يتوقع أن يصل لهذه المرحلة في هذا الوقت

القياسي ويطلب منه زيارته في مكتبه الخاص في نورثود مقر

القيادة البحرية وظن بأن تلك خطوة ستحتاج لوقت أطول من

هذا ليتقدم فيها ! وكم أزعجه ذات الوقت أن رفض مطر فكرة

زرع جهاز تنصت فيه لأنها قد لا تتكرر كما كان واثقاً هو فقد

يكون السبب فقط أنه أخبره بأنه مسافر في مهمة ولأنه لا يريد

أن يضيع فرصة حديثهما قبل مغادرته طلب منه المجيء هنا ..

لكنه أيضاً وكما قال مطر كان بإمكانه انتظاره لوقت عودته إن

كان الحديث عن ابنته فقط فيمكنه الانتظار لبعض الوقت لكن

الأمر يبدو تعدى كونه شخص لازال لم يربطه شيء رسمي

بتلك العائلة ... لكن هل يضيعون فرصة كهذه قد يحدث ولا

تتكرر مجدداً ؟ بينما كان رأي مطر أن سلامته أهم من كل شيء

فإن اكتشفوا الأمر سيكون هو المتهم الوحيد بالطبع بينما كل ما

أراده هو تقليص وقت تلك المهمة المتلفة للأعصاب قدر

الإمكان وأن تنتهي اليوم قبل الغد فهو على استعداد لتنفيذ أي

مهمة ومهما كانت مستحيلة عدا التي تحوي نساءً فيها فذاك ما

كان يرفضه دائماً حتى في عمله في المنظمة حيث يتم إرسالهم

أحياناً لحراسة شخصيات شديده الأهمية في البلاد ومن ضمنهم

بعض النساء فلا يمكنه استحمال البقاء بقرب واحدة منهن ولا

لدقائق معدودة كي لا يحطم وجهها بقبضته فلا شيء ممل في

الحياة بالنسبة له كتفاهاتهن حتى في الحديث فكيف بأفكارهن

وتحركاتهن وقت المهمة ؟.


انفتح باب المصعد وخرج منه مخرجاً يديه من جيبيه وسار

بثقة في الممر الطويل والمكان المليء بضباط الشرطة البحرية

والذي لا يدخله سوى من كان في رتبهم أو أرفع منها .. ولم

يجد أي صعوبة في إيجاد وجهته وبعد طرقتين على الباب

الشبه مفتوح وجد نفسه في المكتب الواسع والذي طغى على

ديكوره اللون الأسود والرمادي الغامق كما احتلت جدرانه صور

لقطع وسفن حربية ومعاهدات مبروزة كما الأوسمة والشارات

والرايات البحرية الخاصة بها ليشعرك بأنك في مكتب قائد

للقوات البحرية بالفعل .

اقترب من الذي وقف وخرج من خلف مكتبه الضخم ببذلته

الخاصة سوداء اللون والشارات الذهبية على كتفيه والأوسمة

على صدره ليعطي للمكان هيبته بل يرى ما يحدث هو العكس ..

ابتسم له مقترباً منه بينما غادر الرجلان اللذان كانا يجلسان

معه وتصافحا بالأيدي كالعادة بينما شدت يد الجنرال الأخرى

أيضاً على يده وقال مبتسما

" ظننتك غاضباً بالفعل ولن تأتي "

فقال من فوره وببرود لم يغادر ملامحه بعد

" وأنا أظن أن أمراً أهم من ابنتك يجعلك تطلب رؤيتي هنا "

فضحك وترك يده وقال مبتسماً

" غاضب منها لهذا الحد ؟ أجل استمر هكذا فوحدك من قد

يؤدبها ويغير عاداتها "

وقال حين لم يعلق

" كيف وجدت المكان هنا إذاً ؟ "

فظهرت ابتسامة طفيفة على شفتيه حينها وإن لم تتعدى إحدى
طرفيهما وقال

" مثير للاهتمام بالتأكيد فليس لأي أحد أن يدخله "

ضحك مجدداً وأمسك بذراعه وقال

" ما رأيك بأن تكون فرداً فيه إذاً ؟ "

فتحكم وببراعة في صدمته حينها وقال بابتسامة ساخرة "

سأعتبرها مزحة لطيفة منك "

فضحك ويده تترك ذراعه وقال

" وإن لم يكن مزاحاً هذا ؟ "

فحدق فيه بذهول وهو يدور حول مكتبه مجدداً وقال

" سبق ووجهت لنا مهام سرية من طرفكم ولا أعتقد بأنه

يمكنني تقديم ما هو أكثر من ذلك ولا رتبة أو شهادة تؤهلني
لهذا المكان "

جلس ذاك على كرسيه الجلدي المرتفع ونظر له وقال مبتسماً

" أنت قل فقط أنك موافق وستحصل على كل ذلك بسرعة فتلك

الأوراق البالية ليس ما يحتاجها عملنا بل كفاءة الرجل الكامن

خلفها ومطبوع اسمه فيها "

دس يديه في جيبيه وغضن جبينه عاقداً حاجبيه وهو

يقول بجدية

" لازلت أظنك تمزح سيادة الأميرال "

فابتسم الجالس هناك وقال بضحكة صغيرة

" لازلت تصر على الرسميات وتظنني أمزح ؟

لا يجتمعان أبداً ! "

فبادله الابتسام قائلاً

" سأعتبره عرضاً حقيقياً إذا فلا تتراجع فيما بعد "


ضحك من فوره وقال

" سبق وقلت وافق أنت فقط ثم ستعلم أي نوع من الحديث هو

هذا مزاح أم لا "

نظر له بصمت أخفى معه كل مشاعره وما يدور بداخله فهذا ما

لم يكن ليتوقعه أبداً وكل مخططهم كان أن يتكرر دخوله لهذا

المكان لكن أن يكون فرداً فيه !! هذا ما لم يكونوا ليتوقعوه أبداً

ولا في أبعد أحلامهم ولا يتخيل ما ستكون ردة فعل مطر حين

سيعلم ...؟

هم بهذا يقفزون خطوة أوسع مما تخيلوا للأمام .

بينما فهم الجالس خلف ذاك المكتب الوثير صمته وصلابة

ملامحه بشكل مختلف تماماً فقال وملامحه تنتقل للحذر فجأة

" ليس الأمر كما تتصور فأنا لا أحاول استرضائك بسبب

موضوع خلافك ولوسي "


يسترضيه !! هل يعنيه أمر تلك المدللة المنحلة أساساً ليحتاج

لعروض تستجلب رضاه ؟ وحتى إن كان عرضه من أجل ذلك

فلن يرفض فرصة كهذه أبداً ، قال بجدية

" لست أراك ممن يخلطون بين العمل وأمورهم العائلية

الخاصة "

ابتسم له باسترخاء غاب عن ملامحه لفترة وقال

" ولا أراك إلا تستحق كل ذلك فلا تنسى بأنك ضابط سابق في

الجيش اليوناني "

كاد يضحك لعبارته تلك فهو لم يكن يوماً كذلك رغم الأوراق

الرسمية التي تؤكده كما لم يكن يونانيا ولا انجليزيا .... تدرب

تدريبا خاصاً ومكثفاً أجل لكنه لم ينتمي لجيش تلك البلاد يوماً

وكل ذلك كان ليتمكن من الانضمام لتلك المنظمة الخاصة ولم

يكن يتخيل بأن تصبح تلك الورقة المزيفة تذكرة دخول له لأي

مكان يريدون أن يكون فيه ! قال بهدوء حذر

" وهذا أيضاً لا يخولني لأكون في هذا المكان إلا إن أردت أنت

ذلك "


أومأ له برأسه مبتسماً وقال

" أخبرتك سابقاً أنا لا أنظر لرتبة الرجل ولا للنجوم على كتفه

بل لبطولاته ولعقله .. كما أنه هناك أعداد كبيرة من أفراد

البحرية يعملون في وزارة الدفاع وقسم المعدات الحربية

والدعم وكذلك يعملون بالتبادل مع الجيش البريطاني وسلاح

الجو الملكي فلما تستغرب ذلك وأنت تملك الجنسية البريطانية ؟

فما يمنع من أن تكون في البحرية الملكية إذاً ؟! "

وأضاف وهو يقف مجدداً

" كما أني لا أؤمن برتبة تُنال بسبب سنوات قد تمضي في

تدريب الجنود فقط "

أمال شفتيه بابتسامة لم تُظهر ما يبطن أبداً وقال

" كنت أعلم أن مثل هذه الزيارة هنا لن تكون إلا رسمية "

ضحك وقال

" صدقني إن قلت لك بأنها كانت بشأن خلافكما لكن رؤيتي لك

هنا جعلتني أراك في مكانك المناسب تماماً "

فتبدلت ملامحه للبرود وقال ما كان عليه قوله وليس لأنه يريد

" هل وجدتموها ؟ "

خرج حينها من خلف مكتبه قائلاً

" ظننت هذا السؤال ما سأسمعه منك فور دخولك بل وأن تخرج

للبحث عنها ما أن اتصلت بك ! "

قال بضيق بسبب وجودها في حياته ليس لما سيقول حينها

" لن أبحث عنها لأجدها في حضن رجل آخر "

وتبع نظره الذي قال ما أن وقف أمامه مجدداً

" بل كانت في منزل إحدى صديقاتها "

كان يعلم بأن الأمر ليس حقيقي أبداً لكن عليه التصديق ليس

لأن أمرها يعنيه ولا يهتم لذلك أبداً بل من أجل علاقته بهذا

الرجل والتي يحتاجها لوحدها فقط ومن أجل المهمة التي عليه

إنهائها في أسرع وقت ، قال ببرود

" لكن هذا لم يكن ملجأها السابق ؟ "


تنهد الواقف أمامه بقوة وقال

" أعلم ومن أجل ذلك تشاجرنا ووبختها بعنف لم تعرفه هي

منذ ولدت لذلك لم أستغرب أن تترك المنزل تلك الليلة لكني

ظننتها ستكون لجأت لك في لحظات حزنها ويأسها تلك "


نظر له بصمت ولم يعلق فقرأه ذاك رفضاً للخوض في الأمر

وغضب لم ينتهي بعد فقال ويده ترتاح على كتفه

" أعلم بأنها أخطأت لكنها قالت بأن رحلتهم تلك لم تكن مخططاً

لتنتهي هكذا وأنت رفضت الذهاب معهم فأغضبها ذلك وأفرطت

في الشرب تلك الليلة ويبدو أن ذاك الشاب استغل الأمر ونجح

مخططه "

قال بجمود

" هذا لا يبرر لها .... ماذا إن كنت أنا من فعل ذلك ؟ "

حدق في عينيه وقال مبتسماً

" لكن ما علمته بأنك أبرحت ذاك الرجل ضرباً وقد تم نقله

من الملهى الليلي للمستشفى فوراً "

هرب من نظراته مبتسماً بسخرية ... ياله من ساذج لو يعلم

فقط السبب الحقيقي وراء ضربه له وأنه هو من بحث عنه

وليس العكس .. لا ويرسل له تهديداً بأن قريبته التي تعيش

معه ستتأذى أيضاً إن لم يبتعد عن حبيبته كما يسميها ... ياله

من طفل سيقتلع عينيه قبل أن يتمكن من لمس شعرة واحدة من
رأسها ، نظر لعينيه مجدداً وقال

" ابنتك كانت على علاقة بذاك الشاب سابقاً وحين رمته خلف

ظهرها يبدو لم يقتنع بذلك ولازال يراها ملكاً له "

تنهد بضيق وقال

" لن تحاسبها على أمر كان من الماضي فجميعنا لدينا أخطاء

.. بل هي لم تخطئ إن كانت على علاقة بأحدهم قبلك "

وأضاف على الفور وقد أبعد يده عن كتفه

" هي ترى بأنك ترفضها وهي امرأة وتحتاج لأن يشعرها

الرجل بذلك "

شعر بالاشمئزاز يغزو جسده حتى خشي أن يظهر في ملامحه

وقال ببرود

" لا يمكنني تحقيق ما تريد ونحن لسنا متزوجان قانونياً ...

سبق وشرحت لها ذاك مراراً "

فقال وكما توقع وببرود مماثل

" أعلم بأنك يوناني متدين وثمة أسس تربيت عليها هناك لكن

حياتنا هنا تختلف عنكم "

قال من فوره بإصرار

" بالنسبة لي هي واحدة "

فتنهد بعمق وقال

" أنا أتحدث عنها وليس عنك كما أنها تعتقد بأنه ثمة امرأة

تحبها وأنت سبق واعترفت "

قال بأحرف مشدودة

" تحدثت عن الماضي .... كان حديثاً عابراً وأنت بنفسك قلت لا

أحد يُحاسب على ماضيه "

كم بات هذا الحديث مزعجاً ويشعر برأسه بدأ يؤلمه .. وكان

المقابل له وكأنه قرأ ذلك حيث قال

" ليس هذا حديثنا الآن وهي وعدت أن لا يتكرر الأمر

وستلتزم هذه المرة كن واثقاً فأنا لم أراها متعلقة بشاب مثلك

من قبل وستفعل كل ذلك وأكثر من أجلك فأجب على اتصالاتها

ولا ترفض رؤيتها فهذا يجعلها هستيرية وغاضبة طوال الوقت

ويمكنكما معالجة الأمر بالتحدث سوياً لا بقطع سبل الحوار "


تمتم ببرود

" ما هو أساس حديثنا إذاً ؟ "

قال من فوره

" ما يجب أن نتحدث عنه الآن هو سبب المشكلة الأساسي فإن

لم يُعالج لن تُعالج باقي المشكلات المترتبة عليه "


أظلمت عيناه وتوقع وبكل سهولة عما يريد أن يتحدث بينما

تابع ذاك وكما توقع

" أنت خطيبها ومن حقها أن تعترض على أن تعيش امرأة

أخرى معك "

فلم يستطع منع الغضب الذي ظهر في اشتداد أسنانه وبروز
فكيه حينها وتنفس بقوة محاولاً تهدئة نفسه قبل أن يقول

بضيق

" لا أفهم لما تضع ابنتك قوانيناً لا تتقيد هي بها ...؟

وما علاقة ماريا بالأمر الآن ؟ "

فعقد الواقف أمامه حاجبيه وقال بحزم

" لن يكون بإمكاننا التحدث وأنت غاضب هكذا "

فتنفس بقوة مجدداً وأشاح بوجهه جانباً ... كان عليه أن لا يفقد

أعصابه هكذا لكن الحديث عن إبعاد تلك الفتاة عنه يوصله لهذا

دائماً ورغما عنه ، نظر له وقال بما استطاع استجلابه من

هدوء

" أعتذر ما كان عليا.... "

قاطعه مبتسماً ومربتاً على ذراعه

" لا داعي للاعتذار يا تيم فأنت تعلم جيداً بأني أعتبرك ابن لي

وليس جندياً في منظمة خاصة ولا حتى خطيباً لابنتي الوحيدة

ونحن نتناقش الآن لنصل لحل يرضي كليكما ولسنا نتشاجر

هنا "

فتنفس بعمق نفساً طويلاً ولم يعلق فقال الواقف أمامه يشير

بيده للصالون الجلدي حيث النوافذ الزجاجية الطويلة

" تعال اجلس فحديثنا يبدو طويلاً ورجال المنظمة لن يغادروا

حتى تنضم إليهم كن مطمئناً "

فتنهد بنفاذ صبر وتبعه ... معه حق سيطول الحديث بالتأكيد بما

أنه لم يرضخ لأوامرهم سريعاً ، قال ما أن جلس مقابلاً له

" ماريا ابنة خالتي وهي يتيمة وأنا المسؤول عنها كما أنها

هنا من أجل دراستها فقط ولن أتخلى عن مسؤوليتي اتجاهها

ابداً ولا من أجل رغبات نفسي "

فنصب الذي جلس أمامه ساق على الأخرى وقال بجدية

" لا أحد يمكنه طلب ذلك منك ولا فرضه عليك ونحن نتحدث

عن وجودها معك لا مسؤوليتك اتجاهها "

أدار مقلتيه السوداء جانباً وحدق في الفراغ ببرود ولا يفهم ما

بهم جميعهم لن يهنئ لهم عيش ما لم يقتلعوها من بين أنيابه

اقتلاعاً ؟ ألا توجد امرأة غيرها في هذا العالم يمارسون

مواهبهم الاستبدادية عليها ! سحقا لهم ... لكنه أعند منهم

جميعهم فليكن وجودها معه سبب موته لن يهتم لذلك ولن

يمسك الموت عنه أحد ، نظر له وقال بجدية مماثلة

" ومجتمعنا ومعتقداتنا تختلف عنكم أيضاً وأنا لا يمكنني فعل

ما تلمح له وما تريده ابنتك بسبب أفكارها السوداء "

استند بظهره لظهر الكرسي الجلدي خلفه وقال

" أعلم بأنكم اليونانيون تقدسون العلاقات العائلية لكنك في

انجلترا الآن وكونها ليست معك لا يعني أنك تتخلى عن

مسؤولياتك اتجاهها "

انعقد حاجباه وهو يقول

" ماذا تعني أطردها من منزلي مثلا ؟! "

وتبدلت ملامحه للضيق ما أن قال الجالس أمامه باستخفاف

بالأمر وكأنه لا يعني أحداً

" بل تكون لدى أي أقارب لها ... ظننت لوسي قالت شيئاً عن

عائلة خالتها ؟ "


وطفا ذاك الضيق للسطح ما أن سمع ذلك وقال يشد قبضته

بقوة

" بل على ابنتك أن تنظر للأمر بمنطق لا أن يتحرك كل شيء

كما تريده هي فلا شيء مما تتحدث هي عنه موجوداً بيني وبين

ماريا ، ثم هي مخطوبة وترتدي خاتم زواج ترفض ابنتك

أن تراه "


قال ذاك من فوره وبضيق مشابه

" لما ترفض أنت أن نجد حلاً لكل ذاك الإشكال وهو موجود

أمامنا ؟ "

فحرك يده قائلاً بضيق أشد

" لأن العائلة التي تتحدث عنها هي عائلة خطيبها ولن تقيم

معهم وهما ليسا متزوجان ... الإيطاليون أعتقد أكثر تزمتا منا

اليونان وماريا وخطيبها إيطاليان "

كانت أنفاسه الغاضبة تخرج متعاقبة ينظر للذي مسحت أصابعه

على لحيته وقال ينظر له برأس مرفوع

" عن كين موريللي تتحدث ؟ وهو لا يعيش في منزل العائلة

مع زوج أمه كما أعتقد وأنت كنت تركتها لديهم وقت قدومها

للندن فما تغير الآن ؟ "

اشتدت قبضتاه بغضب وإن لم يظهر على ملامحه وقال بجمود

ظاهري

" للسبب ذاته ولا تجادلني في أمرها سيادة الأميرال فهو منته

النقاش فيه بالنسبة إلي وإن كان المقابل التنازل عن رغباتي

الخاصة كما سبق وأخبرتك "

ابتسم حينها مناقضاً مزاجه السابق وأراح يديه على طرفي

الكرسي الجلدي الجالس عليه وقال

" أخبَرني الكلونيل جايروا أن عنادك يفوق شجاعتك ولم يبالغ

في ذلك أبداً "


وتابع من فوره وبجدية هذه المرة رافعاً أصابع إحدى يديه التي

لازالت ترتاح على مسند الكرسي

" لكني لا أضمن لك سلوك ابنتي العدائي اتجاه كل ما يخصها

وبأنه لا يمكنني إدانتها في هذا فهي تبقى ابنتي "

نظر له نظرة قوية لم يستطع منع تدفقها الوحشي من عينيه ...

ما هذا التسلط والوحشية ... أيهدد بأنها إن تسببت بالأذى لها

فلن يتم إدانتها ولا منه هو نفسه ! وهذا التهديد لها أم له ؟ قال

الذي كتف ذراعيه لصدره هذه المرة ولازال يريح ظهره لظهر

الكرسي خلفه

" ماذا عن السيد غاستوني ميديشي سمعت بأنه انتقل مؤخرا

لبريطانيا أليس كذلك ؟ وهو قريب لها من طرف والدها كما

أعتقد ؟ "


فقال الذي بدأ صبره ينفد بالفعل " أنا لا أبحث عن مكان أضعها

فيه ... ماريا أنا المسؤول عنها قانونياً ولا يمكنني تركها حتى

تنهي دراستها الجامعية وتتزوج "

قال الجالس أمامه من فوره وبنظرة تفكير بالرغم من أنها كانت

مركزة على عينيه

" ماري دفسينت اسمها أعتقد فلما تناديها بهذا الاسم ؟ "

فتنفس بعمق يهدئ نفسه فما علاقة هذا بذاك وبحديثهما !!

ورغم ذلك قال ببرود سارداً القصة الحقيقية لإسم تلك الفتاة

" لأنه اسمها أيضاً فهي ولدت في الكنيسة على يد امرأة اسمها

ماري وتيمناً بالعذراء تم تسميتها بجميع تلك الأسماء حتى أن

الأغلبية في إيطاليا ينادونها مِيريام ، وماريه هو المعنى

اللاتيني له .. وتم تسجيلها قانونياً ماري لأن من ولدتها طلبت

ذلك وأنا أناديها ماريه منذ طفولتنا لأنها تحبه "


قال الذي رفع رأسه قليلاً ولازال ينظر له بتفكير شارد

" أفهم بأنك من اختار لها ذاك الإسم اللاتيني الذي يرمز

لإسمها ؟ "

قال من فوره ودون تردد

" أجل "


فأومأ برأسه بصمت قبل أن يقول

" أنت عشت فيما بعد في اليونان بينما هي في إيطاليا وانتقلت

بعدها إلى هنا كما تم اختيارك كوصي عليها بعد وفاة جدتها

أم أخطأت ؟ "

قال من فوره وبذات بروده

" أجل ولا تسألني لما تم اختياري تحديداً فأنا أيضاً لا أعلم "

فقال وهو يشير له بيده

" لكن تلك التي تربط مستقبلك بها حتى تنهي دراستها وتتزوج

ستمنع زواجكما والذي سيكون الحل الوحيد لجميع المشاكل

المعلقة وأهمها مسألة رفض لوسي لفهم ما تربيت عليه وتتبناه

معتقداتكم "

وقف حينها على طوله ليس فقط بسبب عبارته تلك والتي

تتحدث عن زواجه بابنته المنحلة بل ولأنه بدأ يفقد التحكم

بأعصابه فعلاً ويخشى من ذاك الانفجار الوشيك الذي سيجعل

هذا الرجل الانجليزي المتسلط يفهم كل شيء ويرميه باتهامات

ابنته المتكررة ، دس يديه في جيبي بنطلون بذلته السوداء

الخاصة بالمنظمة التي يعمل فيها وكأنه يمنعهما من الإمساك

بعنقه وخنقه بهما وقال بجمود لم يعد يراهن على الاحتفاظ به

طويلاً

" مسألة الزواج مؤجلة قليلاً إن بوجود ماريا أو من دونه فلا

يمكننا التسرع في اتخاذ قرار كهذا ... علينا أن نعطي أنفسنا

مساحة أوسع لنتمكن من تأسيس حياة ناجحة فيما بعد "

وقف ذاك حينها أيضاً وقال

" أخبرتها بذلك مراراً وبأنك ما كنت لتقرر أن تخطبها وتطلب

منها الموافقة ما لم تكن متمسكاً بها فعلاً فأنا أعرفك لست

ممن يتخذ القرار مرتين ولا ممن يتراجع عنه لكنك تعرف جيداً

أفكار النساء "


سحقا للكاذبة .... هي إذاً من أخبرته بأنه من أراد كل ذلك

ووافق عليه بل وطلبه منها ! لهذا إذا تم التحضير لذاك الحفل

المفاجئ والذي كان فيه مجرد مدعو وجد نفسه فجأة يُلبسها

ذاك الخاتم اللعين ، نظر للساعة في معصمه قبل أن ينظر له

مجدداً حين قال

" أعلم بأن عقلك منشغل تماماً بسفركم ولا تقلق فالكولونيل

على علم بوجودك هنا والمجموعة لن تتحرك حتى تكون معهم

ومهما أخذت من وقت "

وأضاف مبتسماً وفارداً يده جانباً

" وأعلم أيضاً بأنه عليك أن تغادر لهم وسنتمكن من رؤية

بعضنا البعض كثيراً الأيام القادمة ما أن تصبح هنا ... ولن

يعجب الكولونيل هذا الخبر بالتأكيد فأنت رجله الأول "

ابتسم حينها وإن كان بفتور وقال

" بل أراه لن يُعجب الكثيرين وخطيب ابنتك الطبيب الذي لم

ينهي دراسته بعد والضابط السابق في الجيش اليوناني يصبح

في هذا المكان والمركز فمهام المنظمة لا أحد يعلم عنها تقريباً

من أجل السرية في المهام "

قال بذات ابتسامته الواسعة

" لا أحد يحق له الاعتراض فمن سيكون زوج ابنة قائد القوات

الملكية البحرية سيصبح في مركز مهم وإن كان شاباً عادياً

فكيف إن كان بطلاً محارباً ؟ "


وتابع وتلك الابتسامة تزداد عمقاً

" ولوسيندا أول من سيسعدها هذا فلطالما تدمرت من سفرك

الدائم في تلك المهام فعدني أن تتحدثا سوياً وبتعقل ما

أن تعود "


تنهد باستسلام وقال بجمود يرفع يده له

" سنفعل بالتأكيد لكن عليها أن تفهم جيداً بأن ماريا خارج

حديثنا ذاك وبأن ما يمسها يمسني حتى أسلمها لخطيبها

زوجة له "


ضحك وصافحه شاداً على يده وقال

" سأشرح لها هذا أيها المحارب العنيد "


*
*
*



جمعت يديها بحماس ورفعت نفسها على رؤوس أصابعها

تحاول النظر لما أصبح يبعد عنها بسبب تزاحم الواقفين في تلك

الصالة الرخامية اللامعة والواسعة قائلة

" كم هذا رائع يا غدير ... يا إلهي لم أكن أتخيل يوماً أن أرى

الزعيم ابن شاهين عن قرب هكذا ...!! انظري كم هما

مناسبان لبعضهما وكأنهما من عائلة واحدة ! متى سيكون

بإمكاننا الصعود لباقي أقسام البرج ؟ "


كانت تتحدث بحماس تحاول أن لا تفوت نظراتها شيئاً مما تراه

ولا تستطيع الوصول له بسبب الحرس ورجال الأمن المطوقين

لتلك الجهة ... بينما لم تكن الواقفة قربها تعي شيئاً مما تقوله

ونظراتها واهتمامها منصبان على الواقف بعيداً يتحدث مع أحد

رجال القضاء في محكمة العاصمة الكبرى منذ وقت وكل ما

تريد تصيده هو نظراته لغسق شراع صنوان بالطبع بالرغم من

أنه لم ينظر لتلك الجهة التي تقف فيها بتاتاً وكأنه يتعمد ذلك ؟

تعلم بأنها تتصرف كمراهقة حمقاء لكن ورغماً عنها لا تستطيع

منع الاحتراق الذي تشعر به في جوفها بأكمله وليس قلبها فقط

فمهما كان لا مباليا أو مهتما بوجودها وذاك الرجل لا يفارقها ،

وإن لم يظهر ذلك أيضاً على ملامحه وكأنها امرأة عابرة لا

تعنيه إلا أن قلبها الأحمق المتيم به يرى أشياء أخرى قد تكون

تحدث داخله ويخفيها عن الجميع وأن يكون مثلها الآن يحترق

في صمت لا يحب أن يشاركه فيه أحد .


" ألا يفكر في خطبتك فعلاً ؟ "

نظرت بصدمة وكأن أفعى ما لدغتها للتي كانت تنظر لها

مبتسمة وقالت بتلعتم

" ما ..... من تقصدين ؟ "

أبعدت خصلات من شعرها القصير جانباً وقالت بابتسامة واسعة

" ذاك الوسيم الذي أسمه قائد بالطبع فهل ثمة رجل تعمل معه

واحدة مثلك لا يفكر في فعلها !! "

نظرت لها بصدمة وعجز لسانها عن قول أي شيء فهل لاحظت

نظراتها الحمقاء التي لم تفارقه أم أنه مجرد فضول وحديث

عابر !! وما زاد الأمر سوءاً أن قالت تنظر لها بمكر

" أم أنكما تودان الانتظار قليلاً بعد ؟ "


وغمزت لها ضاحكة فشعرت بالدماء تجف في عروقها وقالت

مدافعة حين وجدت صوتها

" ليس بيني وبين قائد ما يصوره لك خيالك وإن كنا نعمل معاً

فهو ليس من النوع الذي تجذبه كل امرأة يراها "

فابتسمت تجمع خصلات شعرها القصيرة خلف أذنيها وصفقت

بيديها تمسكهما معا قائلة

" كنت أتسائل فقط وأراه رائعاً ومناسباً لك ... لا تنزعجي من

صراحتي الغبية غدير أرجوك "

فابتسمت لها بعد مجهود كبير خاضته مع شفتيها المتشنجتان

وقالت

" لم أقصد ذلك واعذري انفعالي يا زهور أنا فقط ... "

وقطعت كلماتها قائلة تدعي اللامبالاة هذه المرة

" لننسى الأمر ثم أنا مخطوبة تقريبا ً "

فحدقت فيها العينان السوداء الجميلة بصدمة وقالت صاحبتها

" حقاً ! ممن ومتى ! ظننتك كنت العكس منذ وقت قصير !! "


هربت بنظراتها الحزينة منها وقالت تنظر ليديها

" أجل لكنه تغير الآن فثمة من كان تحدث مع شقيقي مراراً

وأصر كثيراً فوافقت "

فتأوهت ما أن أفاقت من صدمتها قائلة

" آه يا إلهي غدير لا أصدق بأنه أنت التي تكونين رئيسة قسم

كامل في جامعة من أكبر جامعات العاصمة تتزوجين زواجاً

تقليدياً هكذا ! "


نظرت لها وقالت ما ليست مقتنعة به أساساً ليس بسبب شيء

سوى قلبها الغبي

" وما به الزواج التقليدي ؟ هو ينجح غالباً "


فأدارت مقلتيها بعيداً وفكرت في نفسها وفي أنها لا تختلف

عنها فهي أيضاً مخطوبة لرجل لا تعرفه ! بل وزواجها منه

سيكون خلال يومين ..!! لكنها سرعان ما تجاهلت ذلك ونظرت

لعينيها قائلة بشك

" لا أعلم لما أشعر بأنك لست مقتنعة ! "


فنظرت لها بصمت وخشيت بالفعل من كل ما ستقوله حينها فلم

يعد يمكنها الكذب على الناس أكثر من فشلها في الكذب على

نفسها .. وما أنقدها حينها أن الواقفة بجانبها لم تنتظر ذاك

التعليق بل نظرت للمكان الشبه ممتلئ حولهما قائلة

" أين هو ذاك الجنوبي ؟ كيف يجلب لي دعوى ولا يكون هنا !

بت مقتنعة بأنه يتهرب من لقائي "


فابتسمت بمكر التي كانت تراقبها وقالت تنظر جانباً حيث

صاحب البذلة السوداء يديه في جيبي بنطلونها وقد انظم لقائد

ورفيقه بينما نظره كان عليهما مبتسماً

" ها هو هناك شخص آخر قد يهمك أن تلتقيه "


فانتقلت نظراتها يساراً قبل أن تحدق بصدمة في الذي أشار بيده

لغدير وبادلته هي الإشارة مبتسمة فقالت بصدمة لم تهتم إن

كان قرأها في ملامحها وعيناها

" ما الذي جاء به هنا ! "

فنظرت لها غدير وقالت مبتسمة

" ولما الاستغراب ! لا تنسي بأنه ناشط حقوقي أيضاً ومحامٍ

وأستاذ جامعي ... ثم ظننت بأنه ثمة سِلم ما بينكما

بعدما فعل ؟! "


لوت شفتيها وقالت تنقل نظرها منه هناك للواقفة أمامها

" لا يمكنني إنكار ذلك لكني لازلت أشعر بالمرض ما أن

أراه أمامي "

ضحكت ولم تستطع التعليق حيث سرق نظرها أمر آخر تماماً

ونظرت باستغراب للذي كان ينظر لها من بعيد وبتركيز ولم

يكن سوى قائد الذي أصبح يقف لوحده حينها .. وكمحامية

تدربت على يديه لأعوام وقلبه كعاشقة تنفسته مع الهواء الذي

يدخل رئتيها كانت تستطيع أن تفهمه دون أن يتحدث فكان

وكأنه يتعمد فعل ذلك واثقة من هذا !!

فانتقل نظرها ودون شعور منها إلى الجهة التي لازالت تقف

فيها المسؤولة عن إدارة ذاك المشروع كاملا .. المرأة التي

لطالما قارنت نفسها بها لتخسر في كل مرة وهي ترى كليهما

بعينيه هو ، وسرعان ما انتقل نظرها للواقف ملاصقاً لها ومن

جذب ضيوف ذاك الحفل بدلاً من أن يجذب أولئك الوزراء

الضيوف فمهما كانت أهميتهم فهو أعلى مركزاً ومكانة منهم ،

وما جعل قلبها ينتفض حينها وبشدة النظرة التي رأتها في

عيني ذاك الرجل والموجهة جهة قائد تحديداً وكأنه يحاول تذكر

أين رأى ذاك الشخص أو يستغرب وجوده هنا أو أمراً لا تعرفه

أو تفهمه !! وتذكرت فوراً تلك الاوراق التي كانت في مكتبه

ودعوى الطلاق وعادت بنظرها له سريعاً فهل لأجل هذا تعمد

أن يُظهر اهتماماً مفاجئاً بالجهة التي تقف فيها !

تحركت قدماها ودون إذن منها ولا شعور جهته وكل عصب في

جسدها يحثها على فعل ذلك ودون تفكير وهي تتذكر ما آل إليه

مصير اللواء العقاد سابقاً ومن علم الجميع عن مساعيه

السابقة للارتباط بالمرأة التي تركها مطر شاهين خلفه واختفى

من البلاد فلم يخفى على أحد وإن لم يتم إسقاط رتبة ذاك الرجل

بأنه نُقل عمداً لمعسكرات البلاد الحدودية في الجنوب .. فهذا

ما حدث مع قائد قوات الجيش السابق فكيف بمن لا يراه سوى

محامٍ وإن كثرت نشاطاته الحقوقية في البلاد وخدمت الدولة

كثيراً ؟ فليس لها أن تتخيل أي عقوبة قد يتلقاها من ذاك الرجل

الذي يبدي تملكاً واضحاً اتجاه المرأة التي لم يتركها خلفه

ويهاجر فقط بل واعترف علناً بأن ذلك كان بسبب امرأة

أخرى !!

وها هو وبمركزه كرئيس للبلاد وقائد لجميع قواته العسكرية

يحظر حفلا لافتتاح برج يعد تجارياً وإن كان لأغراض إنسانية

تدعم المحتاجين في البلاد فقط ليكون بقربها بل ولم يتركها

للحظة كما لم تترك ذراعه خصرها .

ما أن وصلت عنده حتى لامست يدها مرفقه ببطء متعمد وهي

تقول مبتسمة

" إن كان رأيك مطابق لرأيي فالمكان أجمل بكثير مما

تصورت "


ولم يبدو لها أنه معترض أو متضايق من لمستها تلك بل

استرخاء ملامحه المشدودة حينها أكد لها بأنها تسير في

الطريق الصحيح بل وأكد أكثر صحة شكوكها حيال الوضع ...

حمقاء أجل تعلم بذلك لكنها أجبن من أن تشعر بأنه في خطر

وتقف هكذا تشاهد وكأن الأمر لا يعنيها ... ستوبخ نفسها في

وقت لاحق تكون فيه أقوى من لحظات صعفها الآن لذلك لن

تستمع حالياً سوى لصوت قلبها الأحمق وستتبعه مغمضة

العينين .


لم تستغرب حينها كما لم تستنكر مبادرته بأن وضع يده على

ظهرها وقال يسيران معاً

" ما رأيك بزيارة لقسم الكتب والمنشورات ؟ .... واثق من أن

اهتماماتنا متشابهة ومن دون أن أسألك "


*
*
*




التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 11-06-19 الساعة 07:16 PM
فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 09:36 PM   #12130

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*



نظرت حولها وأرادت أن تهرب لأي مكان لكنها حوصرت تماماً

فحتى غدير ابتعدت وتركتها ولم يكن من حل أمامها سوى أن

تبتسم مجبرة وبمجاملة للذي أصبح واقفاً أمامها تماماً وقد قال

مبتسماً

" زهور ... ما هذه المصادفة الجميلة ؟ تبدين في حال ومزاج

أفضل من الماضي بكثير "


أرادت أن تقول بالطبع لأن الكابوس الذي يدعى أويس

عبدالجليل غيلوان اختفى من حياتي لكنها لم تستطع بعد أن قدم

ذاك التقرير الذي كان سبباً في بقائها في جامعتها الجديدة الآن

، لكن ما لم تستطع منع لسانها من قوله كان الأسبق له وهي

تقول بابتسامة جانبية

" تخلصت من كل تلك الشائعات التي التصقت بي والحمد لله

فلما لا أكون في مزاج رائع ؟ "

ضحك وقال ينظر للبعيد

" تركت ذاك لغيرك "

فانقبضت أصابعها لا شعورياً وهي ترى تلك النظرة الشاردة في

عينيه .. نظرة لا تحمل سوى الغضب المكبوت كضحكته تلك

التي لم تحمل المرح مطلقاً فهل ستندم فعلاً على فعلتها تلك ؟

لكنه فعل ذلك بها أيضاً وبدم بارد .. وسرعان ما اكتشفت بأن

أفكارها تلك تنذرها بالخطر فعلاً وما أن قال ونظره لازال

يشرد بعيداً

" كنت لأرضى بأن يمزقوا لحمي وشرفي بأسنانهم ولا يحدث

ذلك باسم والدي الذي مات كمداً قبل أن يموت مقتولاً وبأبشع

الطرق "


بلعت ريقها بصعوبة ولم تستطع إلا أن تشعر بالأسى على ذاك

الرجل فهو واجه ظلماً كبيراً بالفعل ويبدو أن حقد ابنه تعدى

ذاك الظلم بدرجات كبيرة !

وهي لم تنتقم منه بما فعلت بل من ذكرى والده وسمعته

وشرفه كما قال ... حسناً هو لن يعلم بأنها هي وستنسى الناس

ذلك مهما طال الوقت وستستغفر الله على ما فعلت فهو على

الاقل سيسامحها ولن ينتقم منها عكس هذا الغيلواني الممتلئ

بالشر .

قالت بابتسامة جاهدت كثيراً لتكون طبيعية ولتغير مجرى ذاك

الحديث الذي بات يرعبها

" لم أتوقع أن اراك هنا ؟! "


نظر لها وقال بابتسامة ساخرة هذه المرة

" ولا أنت ! "


فشعرت بالحنق من ابتسامته تلك التي رافقت كلماته وكأنه

يستخف بها وبمقدرتها على دخول هذا الحفل لا أن تكون مع

عامة الناس للدخول فور فتح أبواب البرج لهم بعد مغادرة كل

هذه الشخصيات المهمة ورفعت رأسها بغرور وهي تقول

" بلى فخطيبي أحضر لي دعوة في غضون ساعات فقط لأني

رغبت بهذا فهو لا يرفض شيئاً أطلبه أو أتمناه "

فابتسم بابتسامة تشبه سابقتها وهو يقول

" جيد فها هو لم يتركك كما كنت تخشين ؟ "

شعرت حينها بالفوران في دماغها بالفعل من سخريته المتعمدة

والاستهزاء بها وقالت مبتسمة بغرور

" لا أظنه ممن يهتمون لمثل تلك الأمور التافهة .. تفكيره ليس

متعصباً أبداً "

ونظرت بصدمة للابتسامة التي زينت شفتيه فلم تتوقع أبداً أن

يكون هذا رد فعله وهو من فهم بالتأكيد أنها تقصده بالمتعصب

لأفكاره !

استفاقت لنفسها وتبدلت نظراتها للبرود حين تغيرت ابتسامته

للسخرية قبل أن يقول

" وأنا كذلك خطبت فتاة وسنتزوج قريباً "


" حقا !! "


قالتها بابتسامة مندهشة هي أقرب لابتسامته الساخرة تلك وكم

تمنت لحظتها أن ترى تلك التي جعلته يفكر فيها كزوجة له !

من تكون تلك الحمقاء التي وافقت عليه وسلمت مستقبلها

التعيس ليكون معه !!

قالت تهديه هذه المرة ابتسامة تشبه ابتساماته تلك

" جيد وأتمنى بالفعل ان لا تلتفت لما قُلتَ وفعلتَ في الجامعة

سابقاً أمام طلبتك "

قالتها قصداً تعني ما فعله معها سابقاً وأصبح على لسان

الطلبة جميعهم لكنه انتصر عليها وككل مرة وهو يقول مبتسماً

" لا قطعاً فهي لا تهتم بالأمور السطحية التافهة وذاك ما

أحبه فيها "

يا إلهي من يتركها تضرب هذا الجنوبي الوسيم المتعجرف

على رأسه .. لقد انتقم منها بسهولة وهاجمها بذات السلاح ...

لا تحسد قطعاً تلك الحمقاء عليه وعلى الحياة مع رجل بلسان

لاذع مثله ، فكان وكأنه يقرأ أفكارها تلك فقد تابع بابتسامة

رقيقة صادقة هذه المرة

" بل وتعجبني أيضاً قوتها ومواجهتها لكل شيء بشجاعة ...

جميلة أنيقة وذكية خطفت قلبي فور أن رايتها وأنا على

استعداد لفعل أي شيء فقط لتكون سعيدة "


وابتسم ينظر لعينيها وهو يقول آخر كلماته تلك بينما استقبلت

هي كلماته بنظرة حانقة ولا تفهم لما أزعجتها كلماته وتغزله

في تلك الخطيبة ! حمقاء وما علاقتها هي ! هل تحسدها بينما

خطيبها لم يسمعها كلمة تتغزل في مميزاتها هكذا ؟

بل ولم يبدي أي نية في التحدث معها حتى الآن ؟

حمقااااء ....!! هل ستهتم لهذا وهو لم يفعل وأرادها زوجة

فقط ؟ بل وعقد قرانهما إن لم يكن غداً ففي اليوم الذي يليه ؟

نظرت للجانب الآخر حيث قد تحرك أغلب الموجودين هناك

وقالت تبتعد عنه ما أن واتتها الفرصة قائلة بابتسامتها

المشاكسة التي يعشق

" يبدو أن الجولات في الأقسام العليا بدأت وعليا أن لا أفوّت

هذا أبداً .... أتمنى لك السعادة مع تلك الحمقاء "


وابتعدت ضاحكة تسمع ضحكته من بين كل ذاك الضجيج

حولها لتحرك الجميع حينها فهي هكذا دائماً لا يمكنها فرض

سلطتها على لسانها وما كانت ستنعم بيوم مريح إن لم تقل ما

قالته ... وما لا تعلمه بأن من تركته خلفها أيضاً ما كان لينعم

بيوم مريح إن لم يمتع نفسه بلسانها اللاذع ذاك وقد سار في

ذات الاتجاه متمتما بابتسامة

" مرجعك لي يا زهرة الجنوبي "


*
*
*


دخلت خلفها وأغلقت باب الغرفة بقوة قائلة بضيق

" لا أعلم ما هذه الحياة التي نعيشها ؟

ما كل هذا الاضطهاد ! "


نظرت لها يمامة باستغراب وقالت

" ماذا تعني اضطهاد ؟ "

فلوحت بيدها قائلة بضجر

" لا أعلم هي كلمة يقولونها في المواقف المشابهة وفقط

انتهي "

قبل أن تمسك خصرها بيديها قائلة بضيق

" أنت لما لم تسكبي من عيناك دمعتان لعل زوجك ذاك يرق

قلبه ويذهب ويأخذنا معه من دونها "

فحدقت فيها باستغراب قبل أن تقول

" لكني لا أريد الذهاب من دونها .. ثم هي لم تقل بأنه ليس
هناك من يأخذنا بل لن نذهب جميعنا "


فتأففت في وجهها قائلة

" ولما ونحن مدعوون والمخطط لم يكن كذلك حتى تغير

فجأة ! ما في الأمر إن ذهبنا لحفل الافتتاح واستمتعنا أم

محرم علينا كل ما هو ممتع ؟ "

وتابعت بضيق تلوح بيدها

" سمعت والدتي بنفسي تقول بأننا سنحضر وسنمضي يومان

في منزل عائلتها في حوران واليوم أعلنت قرارها الجديد

بحجة أنه سيأتينا ضيوف ! لما لا تعتذر منهم أو تبقى هي

ونذهب نحن بما أن أبان قرر أيضاً أنه لن يذهب ؟ أليس

والدي هذا الذي يكون عضواً في مجلس إدارته وأحد مموليه

وهو هناك منذ الأمس ؟

حتى غيهم غادر صباحاً ليكون معه هناك ... لو كنت أعلم

لذهبت معه "

وتابعت تدور في الغرفة تعد على أصابعها

" خروج ممنوع .. سوق ممنوع .. زيارة الصديقات ممنوع

ممنوع .. هاتف ممنوع وحتى المسلسلات ممنوعة ... "

ووقفت ونظرت ناحيتها وتابعت بضيق تنفض يديها

" ما هذا بحق الله ؟ علينا أن ننتفض وعلى ثورة ما أن

تندلع في هذا المنزل "

فحدقت فيها تلك الأحداق الرمادية باستغراب قبل أن تقول
صاحبتها

" لكننا نذهب للتسوق ! "

قالت بضيق

" أي تسوق هذا الذي تتحدثين عنه يمامة بالله عليك

ومع من ! والدي الذي لا يرجع للمنزل إلا ليلا متعباً يأكل

وينام ؟ أم غيهم الذي يتحجج في كل مرة.... "

وتابعت تقلد صوته الجهوري الخشن

" أخجل أمي من أخذ يمامة والتجول معهم في السوق

وإن كانت بثينة معها "

وعادت لصوتها الرقيق المرتفع متابعة بضيق

" أما أبان فممنوع أن نذهب معه من دون والدتي وهي
مشغولة طوال الوقت إما لديها ضيوف أو هي ضيفة عند

أحدهم ونحن سجينتا المنزل هنا "

قالت التي لازالت تحدق فيها باستغراب

" وفي منزل والدي لم أكن أخرج ولا للسوق مع أحد "

فأمسكت جبينها بأصابعها قائلة بحنق

" آه يا إلهي كم أنا حمقاء لأفكر بأنك قد تعترضين أو تحتجين

بالرغم من أن طلباتك لدى والدتي مجابة .. لكنك غبية لا

تستغلين ذاك أبداً وبشكل جيد "


وتابعت رافعة يديها للأعلى حيث كانت تحدق

" حمداً لله أنا على الأقل ثمة أمل في أن أغادر هذا المنزل يوماً

أنت التي أصبحت سجينته للأبد "

ورمقتها بطرف عينيها عند آخر عبارة قالتها وتابعت بتنهيدة

طويلة

" ترى أثمة أمل في أن أتزوج في وقت مبكر مثلك أنت

وتيما ؟ "


ونظرت لجسدها وفكرت بإحباط في الفارق الشاسع بينهما فتلك

لا يبدو عليها أبداً بأنها تكبرها بعام وعدة أشهر فقط !

فحتى جسدها يصرخ أنوثة متكاملة كامرأة وليس كشبه

طفلة مثلها !

تأففت وتحركت من مكانها واقتربت من التي لازالت تحدق

فيها بصمت وقالت بصوت منخفض تخفي شفتيها بيدها

" اسمعي يقولون بأن كثرة تناول الدجاج ترفع هرمونات

الفتاة فتنضج مبكراً ... ما رأيك بهذه الفكرة لنطبقها ؟ "

فحدقت فيها تلك العينان الواسعة بذهول لم يفسد

جمال انحناء طرفيها الخفيف وقالت

" ظننت أن الدجاجة هي التي تنضج !! "

فشدت شعرها بقوة صارخة

" كنت أعلم بأنه لا أمل في أن تتغيري وبأنك ...... "

وبلعت أحرفها كما تنفسها تمسك فمها بيدها ما أن انفتح الباب

خلفها بقوة وعلى اتساعه تنظر بصدمة للواقفة أمامها تنتظر

أي قذيفة تأتي من خلفها وإن بحذاء والدتها على رأسها ..
وما أن ضحكت الواقفة أمامها برقة تغطي شفتيها بظهر

أناملها حتى نظرت لها بضيق والتفتت خلفها ووقع نظرها

فوراً على الواقف يتكي بكتفه على إطار الباب يثني ساق حول

الأخرى يديه في جيبي بنطلونه وينظر لها مبتسما بسخرية قبل

أن يخرج مفاتيحه يلفها حول سبابته في الهواء وقال بذات

ابتسامته الساخرة

" هل أفهم ما سبب ما كنت تقولين آنسة بثينة ؟ "

فنظرت له بصدمة وقالت وهي تجتازه مسرعة

" لابد وأن والدتي تبحث عني وعليا أن أكون مع تلك

الطفلة المزعجة الآن"

واختفت من الممر راكضة ونظراته تتبعها قبل أن ينظر للتي

كانت تنقل نظرها بينه وبين مكان خروج شقيقته منذ قليل

فاستوى في وقوفه ودخل الغرفة مغلقاً بابها خلفه بضربة من

قدمه قائلاً

" ماذا كانت تقول لك تلك القزمة ؟ "

رمشت بعينيها باستغراب قليلاً قبل أن ترفع سبابتها لشفتيها

وقالت تدير حدقتيها الرماديتان بتفكير

" قالت بأننا إن أكلنا الدجاج كثيراً فسيرتفع شيء ما لم

أفهمه وسننضج سريعاً "

وما أن عادت بنظرها له قالت باستغراب

" ظننت أن الدجاج ينضج وليس نحن ! "

فانفجر ضاحكاً حينها فتبدلت تلك النظرات البريئة المتسائلة

للحنق سريعاً ترمقه بها فضرب بسبابته على أنفها

وقال مبتسماً

" حسناً لا تغصبي فأنت أيضاً تنضجين لكن ليس كسلق

الدجاجة بالطبع "

استمرت في التحديق فيه باستغراب فضحك وقال يشير لنفسه

" أنظري ... أنا مثلا ناضج "

وتابع يشير بإبهامه خلف كتفه

" ابن السائق الذي يوصله للمدرسة معكما ذاك ليس ناضج ..

فهمتهما الآن ؟ "

قالت ننظر لملامحه بتفكير

" تقصد لأنه لديك شارب ولحية ؟ "

ابتسم ومسح بأصابعه على لحيته الخفيفة جداً والمحددة بإتقان

وطريقة شبابية أنيقة وقال مبتسماً

" أجل شيء من هذا القبيل "

وتابع ينظر لها بمكر

" لكن ليس ثمة شارب ولحية سينموان لك بالطبع بل .... "

وتوقف فجأة متنهداً بضيق بسبب الباب الذي انفتح خلفه على

اتساعه ونظر للأعلى متمتماً بضيق

" لا أعلم لما لا تتركون المرء يعلم غيره أصول دينه ؟ "

" أبان ما الذي تفعله هنا ؟ "

التفت من فوره للواقفة خلفه تنظر له بغضب وصاحبة تلك

العبارة الحازمة وقال بابتسامة واسعة

" غرفة شقيقتي أم ممنوع عنها أيضاً ؟ "

فأشارت بسبابتها خارجاً قائلة بضيق

" وشقيقتك ليست هنا فتحرك هيا أنا أنتظرك في الأسفل

وظننتك ستشغل سيارتك وتقربها لباب المنزل وليس تتسكع

هنا في الأعلى "


تحرك نحوها واجتازها يغني لحناً انجليزيا وينظر لها مبتسماً

وكأنها لا تشتعل أمامه !

وما أن غادر حتى تقدمت نحو الداخل قليلاً وقالت للتي كانت

تنظر لها بصمت

" يمامة ألم أحذرك من أن تكونا في غرفة واحدة معاً ؟ "

فأبعدت شفتيها وأطبقتها عدة مرات قبل أن تقول

" آسفة أمي ... لكني لا أستطيع طرده "

أمسكت ذراعيها وقالت بجدية

" بل اخرجي أنت ... وإن كانت غرفتك فاطرديه لك كل

الحق في ذلك "

وتابعت مغادرة من هناك

" بثينة في الأسفل ابقي معها ولا تفترقا أبداً حتى أرجع فلن

أتأخر كثيراً "


*
*
*


مررت أطراف أصابعها على حافة الأوراق تحتها تنظر لهم

بشرود نسيت معه حتى المكان الذي كانت تجلس فيه بل

وتلاشى صوت الواقف أسفل المدرج وقد ملأ القاعة الساكنة

وكأنه لوحده فيها وارتسمت ابتسامة دافئة تزين شفتيها

الناعمة الرقيقة زهرية اللون كما نظراتها المفعمة بالحب

والعاطفة تتذكر ما حدث صباحاً قبل خروجها لجامعتها فهي لم

تلتقي به وقت شرب قهوته اليومية السوداء والخالية من

السكر ولا حين تناولت هي قهوتها والتفاحة التي عليها أن

تكون فطورها وإن لوحدها قبل أن تغادر وبأوامر منه .. لذلك

وقفت تنتظره وسط الشقة تستند بجدار غرفتها مكتفة ذراعيها

لصدرها فلا يمكنها المغادرة قبل أن تراه وهما لن يجتمعا هنا

قبل أيام .


ابتسمت له فور أن انفتح باب غرفته وخرج منها بملابس

عمله السوداء والحذاء الأسود الثقيل والطويل يضع على كتفه

حقيبته التي تحمل شعار المنظمة الذي طبع على ظهر سترته

أيضاً .. وما أن أغلق باب الغرفة ابتعدت عن الجدار منزلة

يديها وقالت وقد تحركت نحوه

" ستسافرون الآن أم في وقت آخر ؟ "

قال ويده تتفقد المفاتيح في جيبه ونظره عليها

" بل الآن "

وقفت حينها أمامه ورفعت نظرها له ومررت سبابتها على

شفتها وقالت مبتسمة

" هل لي بسؤال وتجيب عليه ؟ "

فرفع رأسه عالياً وتنفس بقوة مبتسماً فقالت بضحكة صغيرة

" أعلم ما تريد قوله ( كنا في الطلبات وأنتقلنا للوعود

والآن أصبحنا في الأسئلة ) "

وتابعت برجاء طفولي في ثوب أنثوي رقيق تنظر لعينيه وقد

أنزل رأسه ونظر لها

" لكنه سؤال واحد تيم أرجوك "

فرفع سبابته وأشار لوجهها وما أن كان سيتحدث سبقته

قائلة بعبوس

" لست ملزماً بالإجابة أعلم "

فتمتم حينها ينظر لعينيها

" قولي ما لديك إذاً "

فابتسمت رافعة كتفيها وأنتقل نظرها من عينيه لصدره

العريض أمامها وقالت وأصابع يدها تلعب بزر سترته ونظرها

عليها

" طوال الفترة الماضية وقبل أن أصبح هنا في بريطانيا ... "

وترددت قليلاً في المتابعة وأصابعها تلامس صدره نزولا للزر

الآخر وقالت تديره بأطراف أنامالها ونظرها عليها

" أنت ... أعني كرجل يعيش هنا والنساء و... أنت تعلم

الوضع جيداً ... فكيف يمكن لرجل أن يحصن نفسه من

كل ذلك "

ورفعت نظرها لعينيه عند عبارتها الأخيرة والتي نطقت أحرفها

ببطء أكثر من سابقاتها وحدقت بها تلك العينان بصمت يبدو

متعمداً فقالت برجاء

" لا يكن جوابك الصمت تيم أو أن ترفض الإجابة فسأعلمها

حينها "

فارتسمت ابتسامة ساخرة خفيفة على شفتيه وما أن تحركتا

قليلاً قالت تسبقه باندفاع

" ولا تجب بسؤال فستعلم لما سألتك بعد أن تجيب .. وأعرفك

جيدا لا تكذب "

فسحب نفساً طويلاً لصدره وتعلقت نظراتها بعينيه وكأنها

ستقرأ الجواب في تلك الأحداق السوداء التي تعرف جيداً كيف

تخفي دواخله كمهارته في إصابة الأهداف البعيدة وبدقة

وشعرت بقلبها ارتجف وبجنون حين أمسك يدها التي لازالت

ترتاح على صدره وضغط بأصابعه عليها وقال بابتسامة جانبية

محدقاً في عينيها وبكلمات متأنية

" لأنه ثمة دين يسيرنا أولاً وإن كانت المغريات تنتصر عليه

أحياناً لكنه لا يتخلى عمن لم يتخلى عنه ماريا .. ثم وثانيا لأنه

من له زوجة هو ملزم بالوفاء لها وإن كان كل واحد منهما في

مكان بل ومهما وصل الوضع بينهما للسوء "

ابتسمت حينها ابتسامة ظهرت في عينيها المحدقتان في عينيه

بحب قبل شفتيها وملامحها وسحبت يدها من يده ورفعت كلتا

يديها لعنقه وطوقته بذراعيها وهي ترفع جسدها وقبّلته

بحرارة وشغف سرعان ما شاركها فيه ويداه تتحركان بنعومة

على ظهرها وخصرها النحيل .. وما أن أبعدت شفتيها نزلت

بهما لذقنه وقبلته بنعومة قبلة طويلة رقيقة تغمض عينيها

وهمست مبتسمة برقة دون أن تبعد وجهها عن وجهه ولا

شفتيها عن ذقنه ولا أن تفتح عينيها

" يمكنك الاستمرار كذلك إذاً وكان عليا أن أودعك ورغماً

عن قوانينك الجديدة "

فاتسعت ابتسامته وطوق خصرها بذراعيه بقوة يلصق جسدها

أيضاً بجسده وقبلها قبله لم تقل عن سابقتها لكنه قطعها سريعاً

كقبلة واحدة ونظر لعينيها وقال بصوت منخفض

" إن لم يكن عليا الذهاب الآن تعلمين جيداً ما كنت

فعلت وسأفعل "

وارتفعت يداه لظهرها يشدها نحوه أكثر حين قال كلماته

الأخيرة تلك فعضت طرف شفتها تنظر لعينيه القريبتان جداً

منها تحضن عنقه بذراعيها أكثر وقالت برقة تشبهها

" سنناقش هذا بعد عودتك وفعلياً هذه المرة "

فداعبت أنفاسه الدافئة وجهها وهو يهمس بابتسامة جانبية

" ناقشناه مراراً في السابق ماريا ولم نصل إلا لما يرضيك

وحدك فهل سيتغير شيء الآن فعلاً ؟ "

أسدلت جفنيها قليلاً تخفي عينيها عن عينيه وأومأت برأسها

إيجاباً وهمست بتأني

" سنصل لما يرضي كلينا أعدك "

فطوقها بذراعيه بقوة أكبر يحضنها وقبل طرف وجنتها قبلة

عميقة طويلة قبل أن يبتعد عنها ويتوجه من فوره جهة باب
الشقة قائلاً

" اعتني بنفسك جيداً ماريا "

وغادر تاركاً بابها خلفه مفتوحاً لأنها ستغادر الآن بالتأكيد

فمذكراتها وحقيبتها فوق الطاولة قرب الباب لكنها توجهت

نحوه وخرجت دون أن ترفعهم تنزل عتبات السلالم مسرعة

حتى كانت عند الباب في الأسفل ووقفت مستندة بيدها على

إطاره تنظر للذي كان يفتح باب سيارته وقد التفت ونظر

ناحيتها وساعِده يتكئ على الباب المفتوح فهي لم تستطع منع

نفسها من الركض خلفه تريد أن تُشبع نظراتها به وهي تعلم

بأنه ثمة أيام لا تعلم عددها ستفصلها عن رؤيته مجدداً ، رفعت

يدها ولوحت له مبتسمة وهمست بشفتيها فقط
" أحبك "

فرفع يده لها مبتسماً وركب بعدها سيارته وغادر من فوره

تتبعه نظراتها حتى اختفى خلف الشارع الفرعي وهمست بحب

وعينان دامعة

" يا رب احفظه من أجلي يا رب " .

" مااااري !! "

ارتجف جسدها ورفعت نظرها سريعاً بالواقف أسفل القاعة

والذي كان ينظر لها ممسكاً خصره بيديه ويبدو أنه يناديها منذ

وقت ولم تسمع سوى صرخته الأخيرة بإسمها !

فشعرت بأنها تتحول لكتلة من الإحراج وأعين الجالسين في

المدرج تحتها أصبحت محدقة بها لالتفات رؤوسهم نحوها كما
تكاد تشعر بنظرات الجالسين فوقها تخترق قفاها وقد تعالت

الهمسات الضاحكة بينما قال الواقف في الأسفل لازال ينظر

لها بضيق

" مع من كنتِ نائمة البارحة ؟ "

مما حرر تلك الضحكات المكتومة بل وجعلها تغرق في ثيابها

من الإحراج قبل الصدمة وقد علا الإحمرار القاتم وجنتيها

وتمنت أن ماتت لحظتها ... وكان هناك المزيد في انتظارها بعد

وقد قال أحد الجالسين أعلى المدرج ضاحكاً

" مع خطيبها بالتأكيد "

لتزداد الهمسات الضاحكة ارتفاعاً وكأنها رصاصات يصيبون

جسدها بها ... بل وكان ثمة المزيد مما تستحقه فقد قال

الواقف في الأسفل وهو يتجه ناحية طاولته المخصصة

" إذاً لا تقابليه سوى في عُطل نهاية الأسبوع مستقبلاً "

فشعرت بالمكان بأكمله يدور بها وسط تلك الضحكات المتداخلة

ونكست رأسها للأسفل تكاد تبكي من الإحراج فإن كانوا هم

في مجتمع تلك العبارات بالنسبة لهم كتبادل تحية الصباح فهي

لم تعتد هذا أبداً بل وتستحقه فما الذي تتوقعه منه مثلاً وهو

يراها كالبلهاء تحدق في الفراغ مبتسمة ببلاهة ويناديها

ولا تجيب ؟.


سكن المكان فجأة وكأنه لا أحد فيه بمجرد أن طرق بقلمه على

الطاولة الخشبية وبالكاد سمعت صوته بسبب الضجيج الذي

لازال مستمراً في أذنيها حين قال وهو يجمع أوراقه

" أنت ومارك قدمتما أفضل بحثين ... لقد أحسنتما "

وغادر بعدها القاعة وبدأ جميع الطلبة بالوقوف مغادرين

فوقفت قافزة تقريباً وغادرت مسرعة لم تستطع رفع نظرها

بأحد حتى بعدما أصبحت خارج القاعة .. حتى أن كتفها اصطدم

بأكثر من شخص اجتازتهم دون حتى أن تعتذر ..! ولم تستطع

التنفس بشكل طبيعي حتى أصبحت خارج مبنى الجامعة ولفحت

النسمات الباردة وجنتيها المشتعلتان تشعر بأنهما تكادان

تنسلخان من جلدهما وسارت جهة موقف السيارات مسرعة

تنظر للساعة في معصمها فالوقت لم يتجاوز الرابعة لأن

المحاضرة الثالثة ألغيت ابتداءً من هذا الأسبوع وسيكون عليها

أن تغادر لمنزل تلك العائلة من الآن وبالطبع لأن الشرط ألغي

في قراءتها للسطر الثاني من الورقة فالأول ألغي أيضاً

ولن تبقى في منزل والده .


وقفت مكانها ما أن رفعت نظرها ليقع على الواقف متكئاً

بظهره على سيارته البورش الرياضية السوداء وقد ابتسم لها

من فوره وتحرك نحوها وقال ما أن وقف أمامها

" من أفضل مميزاتك أنك تغادرين الجامعة على الموعد

تماماً "

قالت مبتسمة " كنت سأزور المكتبة لخروجي مبكراً لولا

أني لم أشعر بنفسي إلا وأنا هنا "


ضحك وقال

" سأبلغ حرس الجامعة حينها بأنه ثمة من اختطفك ونتسبب

في مشكلة فالأوامر تقتضي بأن أجدك هنا عند هذا الوقت "


" الأوامر !! "

قالتها تنظر له باستغراب فقال مبتسماً

" ألم يخبرك زوجك ؟ "

حركت رأسها نفياً دون أن تتحدث فقال بذات ابتسامته

" هل كنت تتوقعين مثلاً أن يتركك تغادري من هنا لبريستول

وحدك ؟ "

تنهدت بعمق متمتمة

" بلى ما كان عليا توقع ذلك "

وتابعت تنظر جهة سيارتها المركونة بعيداً

" ولكن ماذا بشأن سيارتي ؟ "

مد يده لها وقال مبتسماً " لا تقلقي بشأنها فكل ما عليك فعله

هو إعطائي مفتاحها وستكون في موقف سيارات منزلكما

خلال ساعات "


نقلت نظرها بينه وبينها بصمت قبل أن تقول

" عليا جلب مذكراتي وحقيبتي منها أولاً "

فقال يشير بإبهامه خلفه

" أعطني المفتاح واصعدي السيارة سأقوم أنا بكل ذلك "

ابتسمت شاكرة إياه وهي تعطيه المفاتيح وتوجهت للبورش

السوداء اللامعة المتوقفة قربها وكان هو قد سبقها لها وفتح

الباب قائلاً بابتسامة

" من أجل اللباقة فقط لا تغرمي بي رجاءً فأنا متزوج "

فضحكت وجلست في الكرسي بجانب السائق وأغلق هو الباب

وغادر جهة سيارتها جلب المذكرات التي وضعتها فيها من

أجل محاضرات الأيام القادمة وحقيبة صغيرة وضعت فيها ثياباً

لها ، وضعهم في السيارة في الخلف وركب وغادرا من هناك

وما أن أصبحا في شوارع كامبريدج الواسعة نظر ناحيتها

وقال مبتسماً بحماس

" ما هي السرعة التي يمكن لقلبك تحملها ؟ "

خرجت منها ضحكة صغيرة وقالت

" السرعة التي يقود بها صديقك وابن خالك "

فضحك ونظر للطريق وقال وقدمه تدوس المكابح تدريجياً

" جيد إذاً فلن نصبح بعد قليل في امرأة متشنجة بسبب خوفها

من السرعة "

وما أن أصبحت سيارتهم خارج شوارع المدينة انطلقت تلك

البورش السوداء تسابق الريح وكان هو من كسر الصمت

القصير قائلاً

" ما هي أخبار جامعتك ؟ "

نظرت له وقالت مبتسمة

" جيدة .. كل شيء حتى الآن يسير بشكل جيد فالصعوبة

كانت في البداية فقط "

قال ونظره على الطريق الطويل الممتد أمامه

" ذاك أمر طبيعي بسبب اختلاف المكان لكن اتقانك للغة

ساعدك في اجتياز ذلك بسهولة "

وانخرط للحديث عن جامعته السابقة في أسكتلندا والتي قضا

فيها أعواماً بعيداً هناك والمواقف التي واجهته فيها وأغلبها

كان طريفاً ومضحكاً جعلها في ضحك مستمر تقريباً وإن كان

متحفظاً قدر استطاعتها .. ولم تشعر بالطريق التي سلكاها كما

للسرعة التي كانت تكاد تنزلق معها عجلات سيارته وتقفز

عنها ، وما أن تراخت سرعة سيارته وهما يجتازان الطريق

الرئيسي لإكسفورد قال بهدوء بدا حذراً جداً

" ماريه أتمنى أن لا تكوني غاضبة من ساندرين بسبب حديثها

في الأمس فهي تحبك لكن على طريقتها الغريبة بالطبع "


فتنقلت نظراتها في ملامحه أو النصف المقابل لها منها وقالت

مبتسمة بتفهم

" أعلم جيداً ما تود قوله وأفهمه وأتفهم موقف ساندرين

وسبب غضبها "

نظر لها وقال بابتسامته المرحة الدائمة

" هذا جيد فهي لا يفهمها إلا من عاش معها وعرفها جيداً

ومؤكد أخذت فكرة كافية عن ذلك من حديثها المستمر عني

والذي لا يخلوا من المديح الرائع "

وضحك عند نهاية جملته تلك فضحكت ضحكة صغيرة وقالت

" بالطبع ولك أن تتوقع كل شيء .. لكن ما لم أفهمه حتى

الآن هو لقب ( ذا الخلية الواحدة ) "

فضحك كثيراً قبل أن يقول ونظره لازال على الطريق

" ذاك لأنه وكما تري أمامك فعائلتنا ومن جدها الأول لا يولد

لهم سوى ابن واحد وهكذا كان ابنه وابنه من بعده والذي يليه

.. وهكذا وصولاً لجدي ضرار والذي كان له ابنان من زوجتان

مختلفتان ثم والدي وأنت تعلمين باقي العائلة "


حدقت فيه باستغراب وقالت

" أتعني بأنه لا يمكنكم انجاب سوى طفل واحد من كل

امرأة ؟! "

نظر لها سريعاً قبل أن يعود بنظره للطريق قائلاً

" أجل هو كذلك "

فارتفع حاجبيها بدهشة وقالت

" لكن لما ...؟ كيف يحدث هذا معكم جميعاً ! "


ضحك وقال

" أليسوا يقولون لله في خلقه شؤون ؟

وهذا من غرائب خلقه "

لكن نظرات الصدمة التي كانت تحدق فيه بها لم تعطه أي

انطباع بأنها اقتنعت بجوابه ذاك فابتسم وقال وقد عاد بنظره

للطريق

" وثمة ما كان يقال قديما بأنها لعنة ما والبعض يقولون بأنها

عجوز ما دعت على جدنا الأكبر لأنه ظلمها في رزقها لكنك

تعلمين أفكار الناس ومعتقداتها القديمة تلك وأنا أراه أمر

يتعلق بجيناتنا الوراثية فقط "


قالت ولازالت تحدق فيه باستغراب

" وهذا سيستمر في عائلتكم بالفعل ؟! "


رفع أصابعه عن المقود وكأنه يفرد يديه وقال

" هذا ما يبدو لي لكن ثمة دراسه بيولوجية ترجح أن يتغير

ذلك إن حدث وتناسبنا من ذات العائلة "

اقترب حاجباها وقالت بتساؤل

" تناسبتم !! "


نظر لها بطرف عينيه وقال

" أجل وهو أن نتزوج من نسلنا ذاته وليس ثمة فتاة فيه غير

زيزفون حتى الآن "


قالت من فورها

" تعني بأنه يمكن إنجاب أطفال كثر منها ! وبالتالي

يتزوجهم أبناؤكم البقية وتنتهي تلك الصفة المتوارثة ؟ "


أومأ برأسه إيجاباً وقال

" هكذا يقول علماء الوراثة والجينات "

همست تنظر له باستغراب

" هذا أمر غريب حقاً !! "


وتابعت بضحكة صغيرة " والأغرب منه أن تجد لك ساندرين

ذاك اللقب تحديداً "


ضحك وقال

" هذا بسبب الطب الذي تدرسه بالطبع ... وحتى إن لم تكن

كذلك فهي لن تعجز عن إيجاد لقب ما تتحفني به "


نظرت للطريق أمامهم وقالت مبتسمة

" لا أعلم أي أقدار جمعتكما لتكونا زوجان ! "

حرك كتفيه وقال مبتسماً

" الحب السبب بالطبع "


فنظرت له بصدمة وقالت بضحكة دهشة

" تحبها ؟! "

ضحك وقال يرمقها بطرف عينيه

" إن لم أكن أحبها ما كنت لأتزوجها "

فحركت رأسها باستغراب وهمست

" تحبها ...!! لكنها لا تعلم بذلك فلما لم تخبرها وأنتما

تزوجتما !؟ "

قال بابتسامة جانبية " وهل ستصدق ذلك إن أخبرتها ؟ لن

تفعلها وإن أقسمت لها ليلة كاملة لهذا أنا أترك أمر إتمام

زواجنا حتى تتخلى عن عنادها أولاً حينها فقط سيكون

بإمكانها تصديقي "


حركت رأسها باستغراب متمتمة

" ما أغرب أمركما !! "


فقال بضحكة صغيرة

" ليس ثمة ما هو معقد أكثر من التمثال الروماني الذي

تعيشين معه وها أنا أراك لازلت بعقلك ولم تفقديه بعد "


فابتسمت ولم تعلق ودخلا حينها شوارع بريستول فنظرت

لساعتها مستغربة فالطريق التي يفترض أن تستغرق ثلاث

ساعات قطعاها في ساعة ونصف تقرياً !! هو لم يكن يمزح إذاً

حين سألها عن خوفها من السرعة ! ولم يحتج منهما الأمر

للتوغل في شوارع تلك المدينة الكبيرة ليصلا لقصر العائلة

الذي كان يحتاج فقط للدوران حول طريق فرعي والسير خلال

طريق أخرى محفوفة بالأشجار والحشائش الخضراء التي

تغطي الارض على جانبيها قبل أن يصلا للمكان الشبه هادئ

الذي اختاره رأس تلك العائلة تحديداً ليكون مكان سكنهم في

المدينة التي اشتهرت بتجارتهم الكبيرة وهي صناعة الطائرات
.
دخلت سيارته حديقة المنزل بسرعة لم تراها تقل عن التي

كانت في شوارع المدينة حتى وقفت أمام الباب المفتوح

والذي توصل له عدة عتبات رخامية لامعة وكأنه لم يصعد

فوقها أحد لشدة لمعانها ونظافتها !!

فتح الجالس بجانبها بابه ونزل فنزلت من فورها بعده فقال

وهو يدور حول السيارة ليكون في جهتها

" هيا فوالدتي تنتظرك بشوق وأستغرب أننا لم نجدها

هنا في الخارج ! "

وتابع وهو يجتازها صاعداً عتبات الباب بخطوات سريعة

" ولا تقلقي بالنسبة لمذكراتك وحقيبتك ستوصلها إحدى

الخادمات لغرفتك "

فتبعته من فورها فهي تخشى إن تأخرت أن لا تجده ولن تجد

حينها طريقها في هذا المكان الواسع الذي لن تذكره من المرة

الوحيدة التي دخلت فيها من هذا الباب لتكون في المكان الذي

خصص للاحتفالات لأنهما بالأمس دخلا من الشرفة بالطبع .

وكان الأمر كما قال بالفعل فقد كانت والدته في انتظارهما قرب

الباب في الداخل فكيف علمت بوصولهما الآن ! أو يبدو بأنها

تعلم جيداً جنون ابنها في القيادة واستطاعت حساب الوقت

والمسافة بين المدينتين ! كانت كما رأتها في المرتين

السابقتين أنيقة مرتبة لا يمكنك ولا تقدير عمرها الحقيقي

إن لم تعلم بعمر ابنها ..!

امرأة تليق تماماً بأن تكون زوجة لسلطان ضرار السلطان

وكأنه ليس بعدها زوجتان له وإن كانتا لا تقلان عنها لا في

الحسن ولا الأناقة !.

اقتربت منهما فور دخولهما مبتسمة تنظر لها تحديداً واجتازت

ابنها الذي قال ضاحكاً

" انظري لي على الأقل لا أريد أن تحضنيني ! "

فتجاهلته لتصل لها هي وحضنتها من فورها قائلة بسعادة

" ما هذه المفاجأة الرائعة طفلتي الجميلة .... كم أنا سعيدة

بزيارتك هذه لنا "

فبادلتها الحضن باستحياء وأشعرتها سعادتها تلك وكلماتها

بالحرج فهي كانت هنا الليلة الماضية بينما لم تسلم عليها ولم

تودعها لكنها لا ترى أن ذلك يزعجها فذاك العنيد جعلهم

يتلهفون لأي مبادرة تصدر عنه وإن كانت تخص زوجته وليس

هو ! بل حتى أنها لم تعلق على تلك الآثار الخفيفة للجروح

في ذقنها !! ابتعدت عنها وأمسكت بيدها قائلة بابتسامة

" اعتبري نفسك في منزلك هنا وسأوصلك لغرفتك حالاً فمؤكد

أنك متعبة وتحتاجين للراحة "

وسارت بها مجتازة الذي تركاه خلفهما واقفاً مكانه وقد قالت

" وأنت رافقتك السلامة فمهمتك انتهت "

فلم تسمع سوى صوت ضحكته ثم خطواته يبتعد في عكس

الاتجاه الذي سلكتاه مما يعني بأنه غادر مجدداً ... بينما

سارت بها خلال ممر دخلتاه شمالاً لازالت تكرر عبارات

الترحيب بها وقالت ما أن وصلتا لباب فتحته وأدخلتها

الغرفة قائلة

" اخترتها لك هنا بنفسي "

فنظرت حولها للفخامة التي لم تنقص شيئاً عن باقي ذاك

القصر الرائع بينما قالت الواقفة قربها مبتسمة

" مؤكد تشعرين بالجوع .. سأطلب من الخادمات أن يجهزوا
لك الطعام "

قالت مبتسمة بإحراج

" لا داعي لذلك عمتي فقد أكلت بالجامعة "

فابتسمت لها ولامست يدها ذراعها قائلة

" ارتاحي قليلاً إذاً فثمة وقت طويل حتى العشاء وستتعرفين

حينها على باقي أفراد العائلة "

قالت تبادلها الابتسام

" أشكر لك كرمك لكن هل.... "

وقطعت كلامها بتردد قبل أن تتابع

" هل السيد ضرار موجود ؟ أريد أن أسلم عليه قبل

العشاء "

ابتسمت التي فهمت فوراً سبب طلبها ذاك وخجلها من أن تراه

وقتها فقط وهو يُعد سيد هذا المنزل وكبيره وازداد اعجابها بها

أما محبتها فهي تسكن قلبها منذ أن علمت بأنها زوجة ابن

شقيقها الذي كم تتمنى لو تراه هنا مثلها وترى ابتسامته كما

تتمتع بالنظر لهذه الإبتسامة التي حملت كل معاني البراءة

والرقة في الوجود ، قالت مبتسمة

" هو ليس هنا الآن وإن زار المنزل قبل وقت العشاء سأخبره

وسأبلغه في اي وقت يأتي فيه بأنك سألت عنه "

أومأت لها بالموافقة مبتسمة بينما قالت هي تشير لطرف

الغرفة

" وهناك ذاك الهاتف يمكنك استخدامه إن احتجت شيئاً

وستحضره لك إحدى الخادمات في الفور "


همست مبتسمة برقة

" شكرا لك عمتي "

فلم تستطع منع نفسها من احتضانها مجدداً وقالت مبتسمة

بسعادة

" كم أنا سعيدة برؤيتك ووجودك هنا ماريه "

وما أن ابتعدت عنها غادرت الغرفة مغلقة بابها خلفها تهرب

من جنون لسانها كي لا تذكر اسمه وأمنياتها اليتيمة تلك

أمامها فهذا ليس وقته أبداً وقد تجرحها وهي تظن أن هذا فقط

سبب ترحيبها بها ، بينما من تركتها خلفها كانت ما تزال واقفة

مكانها تنظر للغرفة حولها لازالت تمتع نظرها بتلك الفخامة

حيت كانت تدمج اللونين الأحمر والأبيض فصنعت من الخشب

الأبيض اللامع تخلل سريرها خط أحمر تبع حوافه المائلة

ومفارش ووسائد بيضاء اسطوانية الشكل كما الخزانة البيضاء

اللامعة تغطيها نقوش حمراء خفيفة .. بينما طليت الجدران

باللون الأحمر كما الستائر السميكة المجموعة عند جانبي

النافذة الكبيرة التي انسابت عليها وبنعومة .. أما الجزء

السفلي من تلك الستائر فكانت من الشيفون الأبيض الناعم

ويغطي الأرض سجادة بيضاء كبيرة تحت السرير وتحيط به

من كل جانب وحتى ديكور السقف دمج ذات اللونين الأبيض
والأحمر بينما تدلت منه ثريا بيضاء جميلة من القماش ...

أريكة حمراء مقوسة قرب النافذة وطاولة زجاجية موضوعة

أمامها لتكمل جمال تلك اللوحة الفنية الرائعة .

نقلت نظراتها في تفاصيلها مجدداً بإعجاب تخشى حتى دخولها

والجلوس فيها كي لا تفسد جمالها ذاك فبالرغم من جمال

منزلها الذي عاشت فيه في بلادها وشقة زوجها التي تعيش

فيها الآن إلا أن هذا الجمال فاق الخيال بكثير !

وتتساءل لما تحوي مثل هذه المنازل أناساً يعانون وليسوا

سعداء بينما قد تملأ الضحكات بيوتا فقيرة تفتقد لكل شيء ؟!

استغفرت الله بهمس ونزعت سترتها ورمتها على السرير

قربها وتوجهت نحو باب الحمام وخلعت حذائها وارتدت الآخر

الخاص به ودخلته ووجهتها فوراً المغسلة الرخامية الضخمة

المقوسة وفتحت صنبور المياه الذهبي وبدأت بالوضوء فهي

لم تصلي العصر حتى الآن والساعة تجاوزت السادسة بالتأكيد.


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:36 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.