آخر 10 مشاركات
117 - توأم التنين _ فيوليت وينسبير ج2 شهر عسل مر ((حصرياً)) -(كتابة /كاملة بالرابط) (الكاتـب : SHELL - )           »          عن الحكيم إذا هوى (1) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة في الغرام قصاصا (الكاتـب : blue me - )           »          لاجئ في سمائها... (الكاتـب : ألحان الربيع - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          سيدة الشتاء (1) *مميزة* , *مكتملة*..سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          دموع أسقطت حصون القصور "مكتملة" ... (الكاتـب : فيرونا العاشقه - )           »          عشيقة الإيطالي (1) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          كما العنقاء " مميزة ومكتملة " (الكاتـب : blue me - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          الزواج الملكي (109) للكاتبة: فيونا هود_ستيوارت.... كاملة (الكاتـب : فراشه وردى - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة

Like Tree35192Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-04-20, 09:03 PM   #13811

منى ال علي.

? العضوٌ??? » 426312
?  التسِجيلٌ » Jun 2018
? مشَارَ?اتْي » 90
?  نُقآطِيْ » منى ال علي. has a reputation beyond reputeمنى ال علي. has a reputation beyond reputeمنى ال علي. has a reputation beyond reputeمنى ال علي. has a reputation beyond reputeمنى ال علي. has a reputation beyond reputeمنى ال علي. has a reputation beyond reputeمنى ال علي. has a reputation beyond reputeمنى ال علي. has a reputation beyond reputeمنى ال علي. has a reputation beyond reputeمنى ال علي. has a reputation beyond reputeمنى ال علي. has a reputation beyond repute
افتراضي


الحمااااس ملييوووووووون 🔥❤❤❤❤❤

منى ال علي. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 09:12 PM   #13812

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الفصل الخامس والعشرون


المدخل :ــ









*******************



جلس بسرعة يتلقف أنفاسه بصعوبة عيناه شاخصتان في الظلام

ومرر يده المرتجفة حيث الذي كان ينبض بتسارع مخيف وزفر

الهواء من بين شفتيه بقوة ... لقد كان حلماً .. حلم أفضع من

عيش الأمر حقيقة فهو لم يخشى الموت يوماً لكن اختلاف طرقه

يبدو سيغيّر من مفهومه لديه ، لكن ..... !!

نظر حوله وغضن جبينه بقوة يشعر بطنين الرصاصة لازال في

أذنه وحدق في الفراغ المظلم بصدمة توقف معها حتى صوت

أنفاسه يرهف سمعه لما يحدث في الخارج قبل أن يقفز واقفاً

ويركض باتجاه باب الغرفة فصوت الرصاصة كان حقيقياً وقد

أكده صوت الركض والصراخ المرتفع !.

فتح باب جناحه وخرج راكضاً وما أن وصل بهو المنزل التقى

بزوجة ابنه والدة رواح تتبعها والدة ضرار التي كانت تنزل

السلالم خلفها تناديها صارخة وتبادل نظرة صامتة انتقلت بينهما

وكأن كل واحد منهم يريد أن يؤكد للآخر أنه لم يكن يتوهم

بالرغم من أن وضعهم كان يتحدث دون عناء .

وتبع نظرهما نظر ضرار ما أن حدق في باب المنزل المفتوح

والتخمينات جميعها اتجهت صوبه وكان سيتحرك ناحيته

وستحذوان حذوه بلا نقاش لكن ذاك الأمل تبدد ووقف كل واحد

منهم مكانه فور أن ظهر وقاص وهو يدخل من الباب راكضاً

ووقف فجأة ينظر لهم نظرة لم تختلف عن تلك التي كانت في

أعينهم إن لم تكن أسوأ ، وارتفع نظره لأعلى السلالم وحيث التي

وقفت لحظتها وكانت والدة نجيب تتمسك يداها بخشب سياجه

اللامع المصقول بينما كان نظر أربعتهم موجه له بل ولأجساد

الحرس الواقفين خلفه خارج باب المنزل الواسع وعلم الجميع في

ذاك المكان حينها بأن مصدر الصوت الذي سمعوه لم يكن أسلحة

أحد حرسهم ولم يأتي من خارج المنزل بل داخله !

وبما أن رواح كما سلطان مسافران وضرار الصغير ليس هنا فلم

يتبقى سوى شخصان فقط ... حقيقة كان أول من أدركها وفكر

فيها وبلمح البصر الواقف عند باب المنزل والذي نظر سريعاً

ناحية ممر غرفتها تبعه مؤكداً صرخة الواقفة في الأعلى

بذعر مصدوم

" ابنييييي "


وكان وقاص أيضاً أول من تحرك وركض في تلك الجهة يتبعه

الجميع يشعر بخطواته الراكضة تضرب في رأسه وتكاد تقسمه

لنصفين وقلبه توقف عن العمل تماماً تكاد أنفاسه تتبعه ويموت

في مكانه ، وكم شعر بالمسافة لغرفتها طويلة وبالفاجعة تقترب

منه مسرعة ذات الوقت ولم يستطع التفكير سوى في سلامتها إن

كانت هي الفاعلة أو المفعول بها ..

أمر تغلب على أي مشاعر أخرى قد تنتابه وحتى الأخوية

ورغماً عنه .


وصل باب الغرفة المغلق وخطوات من وصلوا خلفه تتوقف تباعاً

وأدار مقبضه وفتحه بقوة على اتساعه ووقف مصدوماً جامداً

مكانه كالتمثال وكحال من تفرقوا حوله فور دخولهم تحدق الأعين

بصدمة ليس في التي كانت تقف قرب النافذة المفتوحة تمسك

مسدساً بيديها المتدليتان نحو الأسفل بل بالجسد الملقى على

الأرض أقرب لهم منها غارقاً في بقعة دم كبيرة منكباً على

وجهه .


بل ثمة من كان ينظر هناك فقط وللواقفة تنظر لعيناه تحديداً ومن

بين جميع الواقفين على جانبيه نظرة جامدة لم تشبه البتة نظرته

المصدومة بل الممزقة كحجم تلك الفاجعة وارتفعت إحدى يديها

لكم فستانها الممزق بينما لازالت يدها الأخرى تمسك المسدس

فيها وقد هوت بجانب جسدها .

" نجيييييب "

صوت والدته الصارخ وهي تتجه ناحيته وتهوي أمام جسده على

ركبتيها كان ما كسر كل ذاك الصمت والصدمة التي غرق فيها

الجميع ووحدها من استطاعت اجتياز الثواني المعدودة لصدمتهم

تلك وجلست عند رأسه ناحبه تحرك كتفه مناديه ببكاء قد تحول

لضربات بقبضتها ما أن لم يستجب لها قبل أن تحضن رأسه

باكية وضرار يحاول بالقوة منعها صارخاً بضرتيها

" خذاها من هنا بسرعة "

فانصاعتا لأوامره فوراً وأوقفتاها وإن بالقوة بينما لم يوجهها

لحفيده لأنه لم يعد أساساً يقف معهم فقد أخذته خطواته ورغماً

عنه ناحية التي لازالت عيناها تحدقان به وكأنها لا تراه بل ولا

ترى شيئاً ! لا بل وكأنها واقعة تحت تأثير تنويم مغناطيسي !

وما أن وصل لها رأى بوضوح الخدوش في بشرة وجهها

البيضاء النقية وعنقها وكتفها حيث قماش فستانها الممزق !

وما أن مد يده للمسدس في يدها حتى تركته من بين أصابعها

ودون مقاومة وانتقل نظرها ليده وهو يمسكه بطرف أصبعيه

ومن كلا جانبيه بحيث لا يمسكه من منتصفه أو من أخمصه

وكأنه يخشى أن تطبع بصماته أو تمحى باقي البصمات من عليه

فاتسعت نظراتها بصدمة وهي ترفعها لوجهه وتحركت شفتاها

بهمس ما أن التقت نظراتهما

" أنا من قتله يا وقاص "

وكانت عيناه هو من اتسعت بصدمة حينها وما أن تابعت بنبرة

قوية هامسة

" أنا من قتله أتفهم هذا ؟ "

وكأنها تحذره من البحث عن حقيقة أخرى مغايرة للواقع وتعلم

جيداً بأن عقل المحامي سيكتشف غير ذلك وسريعاً أيضاً .


*
*
*

حملتها خطواتها المرتجفة خلف عم والدها وهي تتبعه يعبر

الغرفة ليخرج من بابها الآخر تحاول طرد أي خيالات قد يخبرها

بها عقلها عن جملة توقعات كل واحد منها أسوأ من الآخر بينما

تراقب نظراتها الوجلة يد صقر وهو يرفع هاتفه لأذنه يتحدث مع

أحد الحراس المكلفين بحماية المنزل وحراسته وقد توقفت كلماته

فجأة مع توقف خطواته وخطواتها أيضاً وكادت أن تحرر عبرة

باكية من بين أنفاسها التي اندفعت لرئتيها بقوة في شهقة مكتومة

ولم تعرف حياتها شعوراً مماثلاً للراحة ولا حين تم إنقاذها من

أفراد العصابة في ذاك الملهى الليلي وهي تنظر الآن للجالس حيث

الكرسي الخشبي مولياً ظهره لهما ويبدو لم يشعر بوجودهما أيضاً

فثمة مسافة لابأس بها بينهم .

كان منكساً رأسه للأسفل بينما ذراعاه مشدودتان لصدره وكأنه

يفصل نفسه متعمداً عن العالم من حوله !

وتقوست شفتاها بحزن ما أن نظرت لعيني صقر الذي نظر

ناحيتها بصمت ، وبإشارة صامتة أيضاً من رأسه ناحيته أنهى

وجوده هناك وهو يعود من حيث خرج ونظراتها الدامعة تتبعه

قبل أن تعود بها للجالس مكانه وعلى حاله السابق وكم هي مهمة

صعبة هذه التي وضعها على عاتقها ، ولا تفهم لما يظنها قادرة

على إخراجه من حالته تلك ؟

وبما ستخبره وما الذي بيدها تفعله أيضاً !

مسحت عينيها بقوة وتحركت خطواتها نحوه وتراه على حق فهي

حفيدته والأقرب له طيلة السنوات الماضية وإن كانت لا تراه

كثيراً ووحدها يقع على عاتقها رأب بعض الصدوع التي قد تكون

سبباً في خسارتها لعائلتها الصغيرة وللأبد ، وشقيقه لم يترك لها

المهمة إلا وهو يعلم وموقن بأنه عاجز تماماً عن فعل أي شيء

وقد سبق وجرب حظه معه البارحة وكانت النتيجة سيئة للغاية .

اقتربت منه بخطوات بطيئة نظراتها الحزينة لا تفارقه وبالرغم

من يقينها بأنه بات يعلم بوجود أحدهم خلفه إلا أنه لم يلتفت لها

بل ولم يحرك ساكناً ولها أن تتخيل ما يشعر به الآن وما يحدث

داخله ، ابتلعت غصتها مع ريقها الجاف ودارت حول الكرسي

الوحيد بين أشجار ذاك الجانب من الحديقة كحال الجالس عليه

وكأن كل واحد منهما يكمل الآخر وجلست بجانبه نظراتها الحزينة

لم تفارق ملامحه الجامدة المتجهمة وعينيه التي لم تفارق الأرض

الرطبة تحت قدميه وامتدت يدها ببطء حتى لامست أناملها

أصابعه المشدودة على ذراعه وارتجف صوتها بحزن هامسة

" جدي لا يمكن لقلبك المحب أن يغضب منها بالتأكيد ؟ "

وازداد وضعها سوءاً حين لم يعلق بل ولم يحرك ساكناً وقالت في

محاولة جديدة يائسة بائسة كصوتها وملامحها

" ثمة شيء ما حدث وسنعلمه بالتأكيد وستعذرها حينها "

وملأت الدموع عيناها واختنقت العبرة في حلقها وهمست

ببحة بكاء

" جدي أقسم بأنها تحبك ولم تقصد بالتأكيد كل كلمة قا.... "

وتوقفت كلماتها في حلقها حين نظر ناحيتها بسرعة نظرة قوية

بالرغم من جمودها جعلت كلماتها كما الدموع الساكنة في عينيها

تتجمد مكانها أيضاً .. نطرة لم تراها ولم تعرفها سابقاً في عينيه

وقد انعقد حاجباه بقوة ما أن قال بجمود مشابه

" هل عاد ولدك ؟ "

" لا "

كان همساً حزيناً كرفيف جناحي فراشة ما خرج منها حينها بينما

نظراتها الآسية الحزينة لازالت تستقر على عينيه وكأنها

تستجديهما في صمت بل وكأنها تحاول جعلها تتعرف عليها

وفشل كل ذلك ما أن اصطدمت نبرته الحازمة بجدار مشاعرها

المستجديه تلك محولاً إياه لأشلاء حين قال

" ولما وهو أكد لي بأن مكوثه هناك لن يتعدى الساعات

المحدودة ؟ بل وسافر قبل الموعد الذي كان قد قرره

وتغير فجأة ؟! "

ابتلعت غصتها مع ريقها الجاف وهمست بحزن

" لا أعلم جدي ومؤكد بأنه سيصل في أي وقت "

فعاد لوضعه السابق مبعداً نظره عنها ودون أن يعلق بحرف على

ما قالت لكن ذلك لم يؤثر سوى على قلبها الممزق التعيس أما

عزمها فلم ينقص شيئاً وهي تحاول مجدداً قائلة برجاء كسير

" جدي أنت تحبها وهي ابنتك و.... "

" ذاك كان قبل أن تنكر ذلك بلسانها "


جعلتها كلماته الحادة بل ونظرته الجوفاء الميتة المشابهة للأرض

المحدق بها ترفع ظهر أناملها لشفتيها تحارب باستماته شهقتها

الباكية ولم يرحمها الذي نظر ناحيتها هذه المرة وقال بقسوة

ظهرت في ملامحه قبل صوته

" أتعلمين لما لم تستطع والدتك أن تفهمك ولا أن تشعر بك ؟

لأنها لم تربيك .. وهذا هو شعورها ناحيتي أيضاً لأني لم أكن

من رباها "

فأبعدت يدها بقوة وقالت بإحتجاج حزين

" لا جدي ليس صحيحاً ، هي حُرمت منا جميعاً .. مني وأنا على

قيد الحياة ومنك وهي لا تعلم حتى أنك لازلت حيا ، هي عانت

الكثير وأضاع الحزن والوحدة سنوات كثيرة من عمرها "

ودمعت عيناها ما أن اشتدت نبرته التي لم تتغير أساساً

قائلاً بضيق

" سنوات ماذا يا تيما وكم تكون تلك ؟ أنا أضعت خمساً وثلاثين

عاماً من عمري من أجلها ولأحميها ، ووالدك أضاع نصف

شبابه وحيداً كي لا يرى دموعها وكي لا تكرهه وماذا كانت

النتيجة ؟ "

وانسابت دمعتها هذه المرة وقالت باحتجاج باكي

" هي تحبه وتحبك أيضاً وأكيدة من ... "

" هي لا تحب سوى شراع وعائلته "

اتسعت عيناها الباكية بصدمة ليس فقط بسبب ما قال وأصاب به

قلبها كخنجر مسموم بل وملامحه ونظراته التي كانت تؤكد أنه لا

كذب ولا تزييف فيما يقول ، وبالرغم من كل ذاك الألم في قلبها

الجريح عادت للإحتجاج وبقوة تشبه جيناته التي غرسها فيها

ولن تقل عنه

" ليس صحيحاً فهي تركتهم ودخلت منزلنا هنا بالرغم من كل ما

يحدث بينها وبين والدي فقط من أجلك ولأنها تحبك ولا تريدك أن

تغضب منها ، بل وقبلت بالعودة زوجة له رسمياً فقط لتراك

وتكون معك فكيف لا تكون تحبك ؟ "

وحين لم ترى منه أي استجابة لما قالت ونظراته الحادة لازالت

ترمق عينيها بصمت قالت والدموع تترقرق فيهما مجدداً

" هي تركت المستشفى جدي .. اختفت ولا أحد يعلم أين تكون

ولا أبناء جدي شراع ولم تلجأ لهم "

ما كان بإمكانها إخفاء الأمر أكثر وعليه أن يعلم بأنه ثمة

ما دفعها لفعل كل ذلك حتى قررت الابتعاد وتركهم جميعاً

فتابعت تنظر بأسى لعينيه التي كانت وكأنها تترجم ما سمعت

أذناه وفي صمت

" متأكدة من أنه ثمة سبب ما جعلها تتصرف هكذا أكبر من

كل ما مرت به ... "


وتكسر صوتها بحزن مرير وعبرة وهي تتابع

" ألم ترى الألم في عينيها وفي صراخها الموجع ؟ هي كادت

تقتل نفسها ونسيَت كل شيء من حولها وحتى الطفل الذي ينمو

في داخلها ! علينا معرفة السبب قبل أن نحكم على ما قالت "

ونزلت دموعها تتناثر كلآلئ صغيرة على وجنتيها ما أن أبعد

نظره عنها للأرض مجدداً وإن كان بوجوم صامت فقط هذه المرة

وأمسكت أصابعها بقماش قميصه الذي يغطي ذراعه وقالت

ببحة بكاء

" جدي هي تحتاجنا وعلينا أن ..... "

" سأعود لبريطانيا "

ألجمتها عبارته تلك وجعلت لسانها يتيبس مكانه كما نظراتها

الدامعة المصدومة لوجهه وهمست ما أن أدركت أن ما قال

حقيقة بالفعل

" ما ... ماذا ... جدي أنت .. "

فقاطعها مجدداً وقد عاد بنظره لعينيها قائلاً بجمود

" ما الفائدة من وجودي هنا سجين الجدران أتلقى الخيبة تلو

الأخرى ؟ لا مكان لي هنا ولا نفع "


" وأنا ... ؟ "

قالتها باكية تشير لنفسها وكان رده سريعاً أيضاً ولم يتغير لا

الجمود في نبرته ولا نظراته

" أنت لك زوج ستصبحين في منزله قريباً وانتهى دوري

الهامشي من حياتك أيضاً "

حركت رأسها باكية ولم تستطع ولا التحدث أو استيعاب ما قال

ولم يترك لها المجال لذلك وهو يدفن رأسها في حضنه وعبراتها

الباكية في أضلعه تحيطها ذراعه بقوة ونظر للفراغ بحزن كئيب

، يعذرها ويفهمها ويتفهم كل ما قالت لكن وجوده لم يعد له من

نفع فهو يزيد حتى من حياة ابنته تلك تعقيداً أكبر من تعقيدها

فمنشأ الحكاية كان بسببه .. هو القاتل والجاني وذنبهما فقط أنهما

من سلالته ولن يقدم لهما شيئاً لا بوجوده ولا عدمه ولن ينفعهما

بشيء سوى بأن يدني الخطر منهما مجدداً وفي أي لحظة .


*
*
*




التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 22-04-24 الساعة 04:37 AM
فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 09:15 PM   #13813

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*


كانت شهقتها المصدومة العالية كفيلة بجعلهما ينتبها لوجودها

ولم يعد لإختبائها خلف الجدار من داعٍ وتحركت خطواتها حتى

ظهر لها الواقف عند الباب ينتظر لها عاقداً حاجبيه بقوة والكره

يتدفق من عينيه السوداء المظلمة قبل أن ينظر ناحية يمان والذي

كان ينظر لها أيضاً وبتشتت علمت بأنه لايراها معه وبأنه لازال

يعيش الفاجعة التي يصعب عليه استيعابها أو تصديقها ، وتحركت

حدقتاه الرمادية عنها بسرعة ناحية الذي قال باستهزاء ونظراته

تنزلق على جسدها تباعاً

" لازالت هنا ؟ "

فارتفعت يدها لصدرها وانفرجت شفتاها في صدمة قبل أن تتحرك

عيناها ناحية يمان والذي كان ينظر لأويس حينها وإن لم تستطع

قراءة أي شيء في نظرته تلك .. للغيلواني الذي لم يكتفي بتذكيره

برميها خارج منزله فقط بل وتابع يشير برأسه لها بينما نظره

على عينيه قائلا بازدراء

" ما الذي تفعله هذه ال.... "

" يكفي يا ابن غيلوان "

كانت هي من قطع كلماته التي تعلم ما ستكون .. بل وبنبرة قوية

حازمة تكاد تكون صراخاً آمراً تحدق في عينيه بقوة كقوة الكره

الذي يقذفها به ككتل من نيران ، وكان يمان من تحدث حينها

وقال بحزم ناظراً لها

" مايرين اصمتي وعودي للداخل "

لكنها لم تستجب له بل ولم تبتعد عيناها عن عينيه وقالت بحزم

وسبابتها تشير له قبل أن تنتقل بينهما

" لن أصمت وعليه سماع الحقيقة .. بل وكليكما معا "

ارتسمت السخرية مجدداً على شفتي أويس وهو يهمس محدقاً في

عينيها وكأنه لا وجود لطرف ثالث بينهما

" الحقيقة ؟!! "

فواجهت سخريته بشجاعة لم تتراجع أبداً وقالت من فورها

" أجل ووالدتك من يملكها أيضاً "

وحدقت بقوة في عينيه التي رمقتها باستغراب لم يختلف عن

نظرة يمان التي نقلها بينهما فإن كان هو ابن غيلوان فدمائه ذاتها

التي تسري في عروقها نسبت لمن نسبت له وتعلم معنى أن يثور

الغيلواني لحقه ، وظهر ذلك سريعاً لكن ليس منها هذه المرة بل

من الذي صرخ بعنف يشير بسباته لوجهها

" لا علاقة لوالدتي بأفعالك الا أخلاقية ولا تذكري اسمها

على لسانك ... "

وكان يمان من خرج من صمته حينها وقال بضيق موجها حديثه

للذي انتقلت نظراته منها له

" أنا من لن يسمح لك بقول ما قلت عن زوجتي يا أويس

واحترمني على الأقل في منزلي "

حدق فيه أويس بشيء يشبه الصدمة قبل أن يقول بضيق

" ظننتك رجل يا يمان لن يرضى أن يهان في شر.... "

وكانت مايرين من قاطعته هذه المرة وبحزم ونبرة قوية تشبه

الزمرد المشتعل في عينيها الخضراء صارخة

" بلى رجل ولم تعرف الرجولة شخصاً مثله "

وتابعت من فورها ومن قبل أن يفكر في الرد عليها أو زوجها

في إيقافها

" يمكنك الذهاب لوالدتك وسؤالها عن المرأة التي زارتها

البارحة من كانت وماذا كانت تريد وستخبرك بأنها أنا وبأني جئت

بحثاً عنك لتبحث عن يمان وهي من أخبرتني عن منزل العجوز

وكيف أصل له وبأنه سيساعدني لكن النور المنبعث من هاتفك

أرعبني لاني أعلم بأن يمان لا يملك واحداً وحين ركضت باتجاهي

خفت وركضت مبتعدة عنك "

" يكفيك سخافات "

وعادت نبرته الساخرة لإلجامها مجدداً مما جعل الغضب يشتعل

في عينيها أكثر وكم حمدت الله حينها بأنه ليس زوجها وبأن يمان

لا يحمل طباعه بل ولا جينات تلك القبيلة الكريهة التي نبذتها

وعاملتها كحيوان موبوء ودون أدنى رحمة لأنهم لا يعرفون معنى

تلك الكلمة ولا وجود لها في قلوبهم ، وتابعت ما بدأته دون أن

تهتم لما قال ولا ما تراه في عينيه من كره وازدراء فهدفها ليس

أن يسمع هو أو يعلم بل من كانت تعلم بأنه يستمع لها وإن لم

بعلق بشيء

" لك أن تسأل والدتك وتتأكد بنفسك فهي من ألح عليا للذهاب ،

وما كان يمان سيغفل عني إن كنت أخرج من منزله ليلاً فمهما

كان متعباً ومنهكاً كان سيسمع باب المنزل الحديدي وهو يُفتح أم

تجهل ما يكون عليه باب منزلك الذي تستأجره له يا أويس "

أنهت ما قالت تلجمه عن الرد وبادلته النظرة بواحدة أقوى منها ،

بل ولم يسمح له بذلك من قال بحزم غاضب هذه المرة ويده تشير

نحو الداخل

" أدخلي الغرفة يا مايرين "

فلم تعترض ولم تشرح أكثر مما قالت وتعلم بأنه ليس بغبي ولا

سادج درجة أن لا يصدقها وقد قالت ما لديها وما كانت تريد قوله

له منذ البداية ولم يترك لها مجالاً لقوله ، ومن الجيد أن ذلك

حدث في وجود المدعو أويس وليتأكد من والدته إن لزم الأمر .

ما أن أغلقت باب الغرفة التصقت به تنظر للأرض بحزن تسمع

كلماتهما القليلة قبل أن يصلها صوت صرير الباب الخارجي ثم

إغلاقه له من الخارج ونزلت دمعتها رغماً عنها تبكي حاله وليس

حالها هي فلها أن تتخيل أي فاجعة هذه التي وصلته وما الذي

ينتظره أيضاً ، وها هو سيسافر الآن لشرق البلاد حيث منزل

عائلته أو العاصمة وسيتركها سجينة هنا فما ينتظره هناك أهم ،

رفعت رأسها ونظراتها المغمورة بالدموع حيث سقف الغرفة

وهمست بعبرة

" يا رب كن في عونه وهون كربته يا رب "


*
*
*

جمدت ملامحها كما الدموع المتحجرة في عينيها وتبدلت نظراتها

للإستغراب فهذا ليس ما كانت تراه وهذه الملابس السوداء ليست

له فكيف لعقلها أن صور لها أنه هو بل وسمعت صوته أيضاً !

هل فعلت بها مشاعرها كل هذا !!

نزلت نظراتها المستغربة لحركة يد التي دست المفتاح في حقيبتها

تتشاغل بالنظر له ومؤكد لم تتوقع وجودها هنا أيضاً فهذا ما بدا

على ملامحها فكيف أن تكتشف بأنها باتت تملك مفتاحاً لقفل الباب

الجديد ؟ ويبدو أنها تدخل الشقة ليلاً متسللة ومؤكد تبحث عن

شيء ما هنا وهي تعلم جيداً بأن صاحبها ليس موجوداً ومؤكد

علمت بأنها لم تكن هنا أيضاً الأيام الماضية ؟!


كانت تراقبها بنظرات باردة ولاذت بالصمت بينما ارتفعت

الخصلات الحمراء النارية وانكشف وجه التي انتهت من إغلاق

حقيبتها الصغيرة اللامعة وقالت بسخرية تعترف بجرمها الذي لا

مفر لها منه

" غريب أني هنا أليس كذلك ؟ والأمر غريب بالنسبة لك أيضاً

ماري !! "

أجل فهذا ما توقعته أن توجه لها التهمة كي لا تكون المذنب

الوحيد هنا لكنها لن تصمت أيضاً فيكفي أن تترك لها ساحة القتال

قريباً معلنة انهزامها ، قالت بأحرف مشدودة خرجت من عمق

أفكارها القاتلة تلك

" لكن تيم ترك لي مفتاحاً لأدخل متى أريد "

ونظرت بحقد للتي تجاهلت ما تقول وكأنها لا تتحدث معها وقد

تقدمت خطواتها نحو الداخل تنظر حولها بغطرسة ظهرت في

صوتها المتعالي بينما تزين شفتاها بلون التوت ابتسامة انتصار

" تيموثي أصبح يعمل لدى والدي في نورثود ، هل لديك علم بهذا

أيضاً ؟ "

" أجل "

قالتها سريعاً تنطر لها وأسنانها تكاد تتحطم من شدها عليها

بغضب مكتوم ، وتحولت نظراتها للصدمة ما أن قالت التي وقفت

أمامها مباشرة

" ظننته علم من والدي قبل سفره بلحظات وهاتفه مغلق !! "

فحدقت فيها بصمت بينما لم يخفى عليها نظرات التشكيك والاتهام

في عينيها كما الاستغراب وقالت

" هل تحدث معك ؟! "

رفعت أناملها لغرتها وشتت توترها في جمعها لخصلاتها خلف

أذنها وقالت دون تفكير ولا مجال لذلك أيضاً

" قبل أن يصعد الطائرة "

فتعالت الدهشة في عيني الواقفة أمامها وإن حاولت وببراعة

تبديدها سريعاً لتحول لنظرات اتهام واضح وكأنها تقول لها

( لما يتصل بك قبل أن تقلع طائرته فقط ليعمك بذلك !! )

وعلمت حجم الورطة التي وضعت نفسها فيها فكيف ستخبرها

عن المصدر الحقيقي لتلك المعلومة وهو مطر شاهين ؟!

حقيقة لو علمتها لباتا كلاهما في المقبرة الليلة وإن كان كل واحد

منهما في بلاد ، وأيقنت حينها بأنه ليس فقط وجودها يشكل

خطراً عليه بل ولسانها أيضاً على ما يبدو ، قالت تدرك نفسها

والموقف بأكمله ما أن تذكرت مكالمة والدها له في تلك الليلة

" لقد اتصلت به لأعلم إن أقلعت طائرته وحين أجاب استغربت

أن تتأخر كل ذاك الوقت وهو أخبرني بأنه كان هناك فسألته ما

الذي أخذه .. "

" أين خاتمك ؟ هل انفصلت عن خطيبك ؟! "

قاطعتها وكأنها لا تهتم بمعرفة باقي ما ستقوله مما جعلها تكتم

غضبها في أسنانها مجدداً ولا تعلم أتشعر بالراحة لعدم اهتمامها

بذاك الأمر الذي إن فكرت فيه لوجدت له ألف إجابة أم تنزعج من

تعاليها الواضح عليها ؟

لكن المهم الآن وكما يبدو أنها وجدت ما يهمها أكثر من ذلك ،

تنفست بعمق وقالت تشد قبضتاها بجانب جسدها بقوة

" أجل "


فهي نزعته ومنذ ليلة البارحة ولا تعلم لما وكأن مشاعرها

المؤلمة جميعها ستختفي باختفائه من أمام عينيها ! ونسيت أمره

تماماً اليوم ولم تلحظه في حقيبتها ، اتسعت عيناها بذهول ما أن

قالت التي نظرت لها بحقد

" بداية جيدة لمخططك "

كان اتهاماً واضحاً وجريئاً لكنها كتمت كل ذلك وابتلعته مع الهواء

الذي سحبته لصدوها بقوة وحررته سريعاً قائلة بجمود

" لا أعتقد ذلك ، لن أدخل حرباً خاسرة "


فتحول كل ذاك الحقد لسخرية وقالت تلعب أصابعها بخصلات

شعرها الناري القصير

" جيد أنك آمنت بذلك أخيراً حتى كان الثمن أن فقدت

خطيبك الوسيم "

فلم تعلق بينما أبعدت نظرها عنها مشيحة بوجهها بحركة قوية

غاضبة وليس لديها ما تقول فهي انتصرت عليها بالفعل ولعب

القدر لعبته وخسرت زوجها وأكثر من تحب في هذا العالم وليس

فقط خطيبها وستسلمه لها إن طواعية أو كراهية النتيجة واحدة

، رفعت نظراتها لها ما أن قالت ولازالت تنظر لها وابتسامة مائلة

تزين شفتيها

" السيد غاستوني ميديشي أصبح هنا في انجلترا مؤكد تعلمين

بذلك فهو قريبك ؟ "

لم تعلق أيضاً بينما تركتها تلك وتحركت ناحية الأريكة التي ارتمت

عليها بجسدها الرشيق المشدود في ثياب أنيقة من الجلد الأسود

وغرست أصابعها خلال خصلاتها الناعمة بينما تسند مرفقها

بظهر الأريكة خلفها ورفعت ساق فوق الأخرى وقالت تنظر لما

يظهر لها من وجهها والابتسامة ذاتها لازالت ترتسم على

شفتيها

" ﻓﺎﻟﻴﺮﻳﻮ هو إبنه .. إنه شاب وسيم للغاية وجذوره الإيطالية

جعلت منه هدفاً للكثير من النساء "

" ولما عليا أن أعلم كل هذا ؟ "

قالتها مباشرة وببرود ودون أن تنظر ناحيتها فقالت التي حركت

قدمها في الهواء وابتسامة واسعة تزين شفتيها

" نحن نتحدث فقط فما بك تضايقتِ هكذا ؟ .. "

فتنفست بعمق مغمضة عينها تتمنى من الله فقط أن يلهمها المزيد

بل والكثير من الصبر لتتمكن من تحملها حتى تختفي من أمامها

ولأي سبب كان ، ويبدو أن التي لازالت تنظر لها أمامها من أعلى

رأسها لأخمص قدميها لم تكتفي بعد وقد تابعت بذات ابتسامتها

المتحمسة والمليئة بالسخرية أيضاً

" هو يعمل الآن في نورثود أيضاً لأنه ضابط في البحرية وزار

منزلنا البارحة ، لقد أخبرني بأنه لم يراك منذ كنت طفلة رضيعة

بينما كان هو فتى حينها ، أعتقد قال في الثامنة أو التاسعة

من عمره "

اكتفت بالصمت ولازالت تتجنب النظر لها كما الخوض في الأمر

برمته وتشعر بأنها تسير في أرض ملغمة ولا تعلم ما حقيقة ما

دار بينهما من حوار ؟ كما يبدو أنها لم تدخر وقتاً للإستعلام

عنها منه وتجهل حقيقة معلوماته عن قريبته تلك خاصة أنه

عاش معظم حياته مع والدته في اسكتلندا كما سبق وأخبرها ذاك

الرجل ولا تعلم الكثير أيضاً عن حياة تلك الفتاة ماري وتخشى أن

تزل وتخطئ مجدداً ، ولا تفهم بالفعل ما الذي تريده هذه الفتاة من

كل ما تقول ؟ إن كان جعلها تتحمس لرؤيته والتعرف عليه ومن

ثم الوقوع في غرامه فقد خدعها عقلها الصغير ولن يحدث ذلك

وإن أرادته هي وأجبرت قلبها عليه ، كتفت ذراعيها لصدرها

وقالت بجمود

" أنا لا أعرفه ولم أراه ولا أذكره مطلقاً "

فقالت تلك سريعاً وكأنها تجهز ذلك سلفاً

" بالطبع أخبرني بذلك ويبدو لي متشوقاً للقاء قريبته الوحيدة

من والده "


" لست الوحيدة "

قالتها سريعاً بينما استدارت قليلاً لتصبح في مواجهتها لكن وكما

يبدو لم يؤثر ذلك في الاحتفال الصغير الذي يبدو أنه يقام الآن

داخلها بكل هذه التطورات التي تراها ستخلصها منها ومن

وجودها هنا مع خطيبها ، وبدا ذاك واضحاً في نبرة صوتها كما

يدها التي لوحت بها تحرك خصلات شعرها الناعمة دون أن

تمسكها

" بلى هناك عمتك وابنيها في إيطاليا لكن العلاقات بينهم مقطوعة

من أعوام طويلة .. أتعلمين لما ؟ "


لم تعلق بادئ الأمر كما يبدو أنها كانت تعلم الجواب من نظرتها

وابتسامتها المائلة فقالت ببرود تختصر عليهما الخوض في ذاك

الأمر برمته

" ذاك أمر يخصهم لما نتحدث نحن عنه ؟ "

فوقفت على طولها وما أن كانت ستتحدث ابتلعت حروفها ونظرُ

كليهما ينتقل للباب الذي فتح فجأة وللذي أصبح يقف أمامه بالفعل

هذه المرة وليس صوراً يهيئها لها خيالها المريض به .. صاحب

الملابس السوداء والحقيقة على كتفه الأيمن حقيقة لا خيال ولا

تزييف فيها وقد تقدمت خطواته نحو الداخل نظراته تنتقل بينهما

جامدة مبهمة لم تستطع أيا منهما تفسيرها !!

وكانت صاحبة الثياب الجلدية السوداء من اخترقت ذاك الصمت

وقد تحركت من مكانها ناحيته قائلة بابتسامة

" تيموثي حبيبي... "

وتابعت وقد وصلت إليه تحضن عنقه بذراعيها

" كم أنا سعيدة ولم أصدق حين أخبرني والدي بالخبر "

كانت أصابعه المتيبسة كجمود عينيه ونظراته تلامس القماش

البارد على خصرها بينما نظراته تلك مركزة فقط على الواقفة

قرب باب غرفتها الموصد تتجنب النظر ناحيتهما تنتقل حدقتاها

الذهبية المستديرة في كل شيء حولها عداهما ولم ينتبه ولا

لكلمات التي كانت تقترح عليه الاحتفال بالمناسبة فابتعد متحرراً

بسرعة من ذراعيها بينما راقبته مبتسمة وإن لم تصل تلك

الابتسامة المتشنجة لعينها وهو يوليها ظهره متمتما بجمود

وخطوته تتوجه ناحية باب غرفته

" أنا متعب وأحتاج للنوم لبعض الوقت "

وفتحه ما أن وصل له ودخل مغلقاً إياه خلفه على ذبول تلك

الابتسامة المزيفة تدريجياً قبل أن تدير شفتيها بامتعاض مكتوم

واستدارت ناحية الباب الذي دخلت منه وخرجت مغلقة إياه خلفها

عائدة من حيث جاءت دون أن تواجه نظرات من تركتها خلفها

لتلعق جرح كرامتها بسببه بعيداً ، بينما خرج الهواء من رئتي

ماريه مندفعاً بقوة وكأنها تسجنه منذ أعوام وتسللت أصابعها بين

خصلات غرتها ترفعها عن وجهها وأخرجتها ببطء تنظر لباب

الغرفة الذي انفتح مجدداً وللجسد الطويل الذي ملأه وكان لازال

يرتدي بنطلون المنظمة الأسود والحذاء الطويل الثقيل المشدود

بأحزمة جلدية حول ساقيه بينما نزع السترة بل والقميص الأسود

الملحق لها أيضاً وبقي فقط بالقميص الداخلي الأبيض الذي لا

يخفي سوى القليل من عضلات جسده القوية .


نظر جهة باب الشقة أولاً وكأنه يتأكد من مغادرة من كانت

هنا قبل لحظات وتحرك من فوره نحو الواقفة مكانها تنظر له

بشغف واحتياج تعلم بأنه لن يراه فهو وما أن وقف أمامها أمسك

خصره بيديه وقال بضيق

" هل لي أن أفهم لما خالفت أوامري وأتيت إلى هنا ماريا ؟ "

أخفضت رأسها وأطبقت شفتيها نحو الداخل بقوة لا تعلم تمسك

عبرتها أم ابتسامتها الحزينة فها هو باقي حلم يقظتها ذاك

يتحقق ! فمؤكد رواح أخبره بأنها غادرت منزلهم منذ الصباح

حين اتصل بوالدته وأخبرته ويبدو كان يخطط لجلبها من هناك

فهو لم يفاجئ بوجودها هنا ، ارتفع رأسها ونظرت لعينيه حين

قال ببرود ولازالت يداه تمسك خصره النحيل

" هل لي أن أسمع صوت لسانك الصغير ؟ "

فملأت الدموع سريعاً القطعتان الذهبيتان المحدقتان به واختنقت

بعبرتها فعبارات طفولتهما يبدو لم ينساها قطعاً بل ولم يتخلى

عنها لتتركه !

غرست أسنانها في طرف شفتها المرتجف تمنعها من دفعها

للبكاء وخرج همسها رقيقاً حزيناً ما أن حررتها من قبضة

أسنانها ببطء

" حمداً لله على سلامتك "

وأغمضت عيناها بقوة ما أن التفت ذراعه حولها وضمها لصدره

بذراع واحدة فقط ليدمرها ويزلزل دفاعاتها بأكملها وشعرت

بدفء أنفاسه يحرقها حد الوجع حين همس بجدية قرب وجنتها

" ماريااا ... ماريا ماريا ما الذي أفعله بك يا صغيرة ؟ "

لم تعلق لم تتحدث ولم تقل شيئاً ... فقط التفت ذراعاها حول عنقه

ترفع جسدها عاليا ودفنت وجهها ودموعها الصامتة بين عنقه

وذراعها وبكت .. بكاءً كان صمتاً لكنه الأقسى والأكثر وجعاً في

العالم وشعرت به يخرج صراخاً ونحيباً يزلزل الأرض ومن عليها

تحضنه بقوة وتدفن وجهها في عنقه بقوة أكبر تستنشق رائحته

تشعر به بحضنه بوجوده ويداه تلتفان حولها بقوة وداعبت

أنفاسه بشرتها ما أن همس مجدداً وببرود هو أقرب للضيق

" ماريا لن تغضبي من وجود تلك الفتاة بالتأكيد فأنا من سيغضب

منك حينها "

اشتدت أصابعها على قماش قميصه القطني الرقيق وخرجت

الأحرف تخنقها عبرتها

" اشتقت لك "

وودت لو قالت سأشتاق لك بدلاً عنها ، بل تمنت لو قالت الحقيقة

كاملة والسبب الأساسي لبكائها في حضنه فلم تعد تجزم متى

ستكون المرة الأخيرة التي ستحظى فيها بكل هذا .. ؟

بالحضن الذي عاشت لأعوام على ذكراه تنتظر أن ترتمي فيه

ويحتويها من جديد ، أن تختبئ في دفئه من كل ما أخافها

وأحزنها وجردها من السعادة لأعوام .

انتفضت مبتعدة عنه أمام نظراته الجادة عاقداً حاجبيه ليس لسبب

سوى رنين هاتفها في جيب بنطلونها منذراً بوصول رسالة

سرعان ما تبعتها أخرى وعلمت بأن لعبة الموت السريع قد بدأت

وأن الخيط الفاصل بين وجودها هنا معه هو اكتشافه لفحواها

الذي لا يبدو بعيداً أيضاً فها هم كما قال يبدو يراقبون المجمع

السكني وسيعلمون بوقت تواجده هنا .

حدقت بتوجس في عيناه اللتان كانتا ترمقانها باستغراب لا تعلم

لتصرفها المفاجئ أم بسبب صوت رنين الرسائل في هاتفها أم أن

مخاوفها السبب ؟ ولم يكن يحتاج لأمر أن تتقمص الدور الذي تم

التخطيط له فهي قامت بأدائه وببراعة ابتداءً بملامحها المتصلبة

ووصولاً لأصابعها المرتجفة تلمس طرف سترتها الصوفية

الخفيفة حيث تشعر بمكانه من فوق قماشها كما قماش البنطلون

السميك .


وخرجت أنفاسها في دفعة واحدة ما أن علا صوت رنين هاتفه هو

هذه المرة مما جعل نظراته تبتعد عنها حيث باب غرفته المفتوح

قبل أن يتحرك باتجاهه فارتفعت أناملها تغطي بظهرها شفتيها

المنفرجة بصمت تسحب الهواء وتزفره بقوة وكأنها تخشى فقده

وللأبد !

وما أن سمعت صوته ينادي محدثه بالأميرال علمت من سيكون

فدخلت غرفتها مسرعة وأغلقت الباب خلفها ووقفت عليه

وأخرجت الهاتف من جيبها ونظرت بعينين دامعة لشاشته

المضاءة ، وقبل أن تصل لهدفها ارتفعت يداها وهو فيها ما أن

تتابع صوت الرسائل المتتابعة فركضت جهة سريرها ودسته تحت

الوسادة ونامت فوقها تدس وجهها فيها بل وعبراتها أيضاً والتي

استطاعت تحريرها ما أن سمعت باب الشقة يُفتح قبل أن يُغلق

سريعاً مما يعني أنه غادر وأن مخطط تلك المدللة الثرية لاحتفالهم

جميعاً بانضمامه لهم تحقق نهاية الأمر وكما تريد .


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 09:17 PM   #13814

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*

صفعه بقوة حتى كادت رقبته أن تنكسر من قوة استدارة رأسه

جانباً ولم يستطع النطق بشيء فعلاوة عن أن النظر لملامحه

القاسية وهيلمان وجوده يشعرانه بالخوف والرهبة فهو المتحكم

في جماعتهم كاملة ولا أحد يكسر كلمته ، كما أن أعمالهم

المشبوهة تجعل من كل واحد فيهم لعبة بين يديه يتحكم بها كيف

يشاء لأنه وبأمر واحد منه يصبح في السجن الذي لن يخرج

منه أبداً .

مسح على جانب وجهه المتحجر من الألم ونظر للأسفل بصمت

بينما صرخ الواقف أمامه بحدة

" مجموعة حمقى فاشلين ولا يمكن الاعتماد عليكم أبداً "

بينما تأفف شقيقه والواقف قربه وقال بضيق

" انتظر يا شعيب لنفهم منه ما حدث أولاً "

مما جعل نظراته المشتعلة تتجه نحوه هو هذه المرة وقال بحدة

" ما الذي ستفهمه منه أكثر مما حدث وبعدما أضاعوا الفرصة

من أيديهم ؟ "

قال عيسى بجدية ينظر لعينيه مباشرة وكأنه يذكره بالتروي

ودون حديث

" الفرصة ضاعت كما تقول فاتركنا نستمع لبقية كلامه "

فتأفف نافضاً سترته السميكة ونظر ناحية الذي ارتجف ما أن

وقعت عليه تلك الجمرات السوداء المشتعلة يخشى من أن يقرر

معاقبته بالفعل ويعلم جيداً أي عقاب هذا الذي ينتظره فارتفعت

يده لوجهه مجدداً وفي حركة لا إدارية وقال مقراً بكل شيء

وبكامل تفاصيله

" لقد كلفنا المجموعة كاملة بمراقبتها جيداً الفترة الماضية ورغم

قلة خروجها ، وحين دخلت سيارة الإسعاف بعد دخولها لمنزل

مطر شاهين تمت مراقبتها وتتبعها ما أن خرجت وأبلغنا الصحافة

ليكونوا هناك تغطية لوجود من سندخله معهم وقد أخرجها قريبها

أمام أعينهم لكن ما أكده الطبيب وابنتها أيضاً بأنه تم نقلها لقسم

آخر بعد احتجاج قريبها ذاك على القسم الذي وضعت فيه وتم

سحب بطاقاتهم الشخصية وحتى الصور التي التقطوها وتم

تهديدهم من الشرطة أيضاً "


ولاذ بالصمت حين نبأته نظرات الواقف أمامه بأنه لم ينجح في

إخماد غضبه بما لديه وجاءه الدليل سريعاً ما أن صرخ مجدداً

" ما يهمنا الآن ليس صورهما بل ما الذي حدث جعلها

تنهار في... "

وقاطع نفسه وقال بحدة ملوحاً بيده

" وليس هذا ما يعنينا أيضاً بل هل سألتم في المستشفى وعلمتم

أنها ما تزال هناك أو غادرت منه ؟ "

فتقلصت ملامح الواقف أمامه تنذره بخطر احتمال أن يتلقى صفعة

أخرى حين خرج صوته بما يشبه الهمس المرتجف

" لا سيدي لأنهم.... "

لكنه قاطعه وليس بصفعة كما كان يخشى بل بصراخ غاضب

مجدداً

" هل واثقون من بقائها فيه يا حمقى ؟ هل راقبتم إن خرجت من

هناك أم ليس بعد ؟ "

فقال من فوره وكأنه وجد أخيراً ما يسترضيه به

" بلى ولم تغادر سوى ابنتها وابن عمة والدها ولم يرجعا

للمستشفى مجدداً "

فعقد حاجبيه بقوة قائلاً

" ليست هناك إذاً ؟!! "

قال الواقف أمامه مبرراً لا يعلم لنفسه أم لها هي !

" قد تكون نقلت منه ليلتها "

فقال بنظرة تفكير وإن كانت لازالت موجهة له بل وبحدة

" مستحيل لكنا علمنا إلا لو أنه ... "

ولاذ بالصمت فجأة فنظر له نوح باستغراب وقال في أول خروج

له من صمته

" لو أنه ماذا ؟ "

فنظر له بصمت قبل أن يعود بنظره للذي كلفه كقائد لمجموعة

كاملة لمراقبتها تحديداً وقال بضيق

" إلا لو أنهما غادرا بالفعل حينها يا أحمق أليس كذلك ؟ "

فاتسعت عيناه بصدمة وقال بشبه همس

" لم نفكر في الأمر بهذه الطريقة !! "

" لأنكم حمقى بالطبع "

وكان عقابه كسابقه وهو الاستنقاص والصراخ الغاضب وليس له

أن يعترض بالطبع وذاك ما يعلمه جيداً .. بل وأربعتهم هناك وقد

تابع بأمر غاضب

" أريد معلومات كاملة عن قريبها ذاك "

قال الواقف أمامه سريعاً

" لا يحتاج ذلك فهو معروف .. إنه محامٍ له مكاتب عدة في أكثر

من مدينة في البلاد ولديه مجموعة محامين يعملون معاً كفرق

تحري كامل ويعملون لحسابهم الخاص واسمه قائد نصران "


اشتدت قبضتا شعيب بقوة ونظراته تزداد سواداً وقتامة أرعبت

الذي ظن بأن نهايته اقتربت لا محالة بينما قال عيسى هذه المرة

باستغراب ونظره ينتقل بينهما

" لما كان هو من نقلها من المستشفى إذاً وأين تكون ؟! "

وقال نوح الذي حدق في شعيب تحديداً

" هذا سؤال وجيه فعلاً .. أين هي وما الذي حدث ؟ "

فخرج من صمته حينها وقال للواقف أمامه وبحزم

" تقصو لي عن ذاك المحامي وأين يكون الآن وإن كان مختفياً

أيضاً أم لا فثمة إجراءات مهمة علينا اتباعها وتحرك من دون

أخطاء غبية هذه المرة .. مفهوم؟ "

فأحنى رأسه امتناناً فقط لخروجه سالماً من هنا بعد ما سماها

أخطاء فادحة منه وغادر من فوره فاراً بجلده قبل أن يكون منفذاً

لأوامره بينما قال عيسى بامتعاض يخص بنظراته الواقف قربه

والذي انشغل بهاتفه يبدو ينوي الإتصال بأحدهم

" لا أرى مبرراً لغضبك منهم يا شعيب "

نظر له وقال بضيق

" بلى وحماقاتهم كانت في كل مرة ستتسبب لنا بالمشكلات "

وتابع بضيق أشد يشير له بالهاتف في يده

" أرأيت الغبي الذي تركت لك أمره وكاد أن ينكشف ليكشف لهم

كل شيء وبكل غباء وهو يدخل منزل تلك المرأة ولم يطلب منه

أحد ذلك ؟ "

لكن شقيقه ذاك قابل ضيقه وحدته بابتسامة جانبية معلقاً

" لولا غبائه ذاك كما تصفه ما كنا لنكتشف بأنها مراقبة ، بل

وتخلصنا منها وممن كان يراقبها دون أن نتورط في قطرة دم

واحدة والفضل يعود لشهامة زوجها "

قاطع نوح كل حديثهم ذاك وقال مغادراً صمته المعتاد مجدداً

وببعض الضيق

" لا أفهم لما تصر على أنها ابنة دجى الحالك وتلاحق أخبارها يا

شعيب ؟ بل وكلما أعلنت يأسك وظنناك غضضت الطرف عنها

عدت لذات منوالك القديم "

وكان مصيره الأولي نظرة حارقة تبعها صوته الحازم

" لأنه لا شأن لك بما أفعل "

لكن ذلك لم يجعله يتراجع وقد عاد وسأل وبإصرار

" ولما لا شأن لي ؟ بل وبتنا نراك تعمل وحدك فلم نكن نعلم

عن كل هذا ! "

فأجابه هذه المرة قائلاً بضيق يشير لصدغه بالهاتف الذي لازال

في يده
" لأني لست مقتنعاً البتة بالحقيقة التي يراها العيان وإن

كانت دامغة "

قال نوح مجدداً وبضيق هذه المرة يشير بسبابته بعيداً

" أنظر كم من أعوام مرت وأنت تنتظر حقيقتك الدامغة

الخاصة تلك ؟ "

جابهه بقوة معترضاً

" بل هذه الأحداث الأخيرة ستكون أحد أمرين وأتوقع أن يُكشف

لنا الكثير مما نجهل "

فتنهد عيسى بضيق من جدالهما العقيم هذا يرى أن نوح كمن

سكت دهراً ونطق كفراً وهو يعلم عناد شعيب جيداً بينما قال نوح

" توقف عن مطاردة السراب يا شعيب ولنلتفت للأهم "

وحدث ما خشيه شقيقهم الثالث بالفعل وهو اشتعال شعيب

الغاضب والذي صرخ حينها بانفعال

" نلتفت لماذا تحديداً ؟ أنت قلت هذا بأم لسانك أضعنا أعواماً

عديدة في أمر لم نحقق الهدف الأساسي منه بعد "

وحين كان سيتحدث صرخ فيه شعيب مسكتاً إياه

" أنت تحديداً تصمت فقد أثبت فشلك منذ وقت "

وجعله ذلك ينفعل بالمثل قائلاً باحتجاج غاضب

" لا يحق لك اتهامي بشيء لا علاقة لي به فالفتاة شبه مسجونة

في منزل شقيقة المدعو مطر شاهين ولا طرق للوصول لها
وشقيقها هنا ملتصق بنا أي هفوة سنكون نحن المتهمين بها "

تكلم حينها عيسى وكأنه سعد بتغيير مجرى الحديث أخيراً وإن

كان سيأخذهما لشجار آخر محتم لكنه ليس تافهاً كسابقه كما يرى

وقال بشيء من البرود المناقض تماماً للأجواء المنفعلة

" شقيقها أمره سهل .. تلك الطفلة هي الشخص الوحيد

المحمي منا حتى الآن "

قال نوح من فوره وكأنه ينتظر من يبرر له

" ستكون ثمة فرصة مناسبة فكل ما نحتاجه هو بعض الصبر "

قال شعيب بضيق

" أجل حجة الأحمق زكريا الذي لازال يتسكع في إنجلترا مدعياً

أن الأمر يحتاج لبعض الصبر "

قال نوح بجمود

" لا أراه يبالغ أو يتملص وهو أكد مراراً بأنه لم يستطع الوصول

له داخل المصح المحصن تماماً فلا تنسى بأن تلك البلاد اللعب

فيها مع ابن شاهين يشبه اللعب في أرضه فلنفوذه هناك يد أطول

من أيدينا كما يبدو "

وقال عيسى مؤيداً

" ولا تنسى أيضاً بأن زكريا هو المتضرر الأول من بقاء ذاك

الفتى على قيد الحياة حتى يفيق من غيبوبته وأرى فكرة استغلاله

لشقيقته لتكون الطريق للوصول له خطة ذكية وتحتاج للكثير

من الصبر بالفعل "

قال شعيب معارضاً من جديد وموجهاً حديثه له

" ما أعلمه وموقن منه أن مشنقتنا ستكون على يدي شقيقك

المتهور ذاك فلا أحد منا هناك ليراقب تصرفاته وما يفعل "

قال عيسى سريعاً

" سبق وحذرتَه يا شعيب ويعلم جيداً بأنه في حال أصبح خطراً

علينا بسبب غبائه سيكون الموت مصيره "

قال نوح معترضاً على ذاك الرأي الدموي كما يراه

" لا أرى من داعٍ للخوف فلن يستطيع أحد اكتشاف اللعبة التي

لعبها مع القانون فلم تستطع هيئة محلفين كاملة اكتشاف الثغرة

ولحسن الحظ أغلق ابن شاهين ملف القضية مبكراً ورفض

تسليمها لأي محامٍ آخر خوفاً على شقيق الفتاة "

ربتت كف شعيب على جانب صدره بظهرها وقال ناظراً لعينيه

" المهم الآن هو موضوع ذاك المحامي نصران أريدك أن تتولى

كل شيء يا نوح وتشرف عليه بنفسك وتضمن لي من يتسلل

لمعقله ويفتش عن كل ما قد يفيدنا فأنا لم أعد أثق كثيراً بعصابة

الحمقى أولئك "

ربت هو على كتفه هذه المرة مبتسماً وغادر من فوره ، وهو لا

يريد أن يفشل في هذه المهمة أيضاً ليعلما بأنه ليس كما يظنان

لا نفع منه وسيثبت لهما ذلك هذه المرة ولشعيب تحديداً .


*
*
*


كانت كفه مفرودة الأصابع تغطي الورقة التي لم يرتفع نظره من

عليها ومستقرة على الطاولة تحته لا تصدق عيناه حتى الآن ما

يحدث ، وذاك حاله منذ وقت وكأنه يحاول إقناع نفسه بما تراه

عيناه في تلك الأسطر الواضحة من بين أصابعه الرجولية الطويلة

، بل وهذا حاله هو فكيف سيكون حال ووضع المعني بالأمر ؟

كانت أفكاره تدور في تلك الدوامة السحيقة بينما كان سمعه مع

الذي كان يقول بصوت جاد عميق قربه

" الرجل يرفض قول غير ما قال والأدلة جميعها ضده .. بصماته

على سلاح الجريمة وعلى فأس الحراثة وآثار الضرب على

جسدها أيضاً "

قال بشر موجهاً حديثه له أيضاً بينما نظره هو لم يغادر الورقة

تحت يده بعد

" رجلك مات بسلاح مغاير وآلة التصوير الخاصة به اختفت مما

يعني بأن الشخص الذي كان معها أخذها بعدما قتله "

قال قاسم

" انظر لتحليلي للأمر .. دخل الرجل للمنزل ولحق به زوج

الضحية وكان ثمة شجار دفع بالرجل الذي وضع لمراقبتها

بالاقتراب من المنزل أكثر أو محاولة إنقاذها بسبب صراخها

المرتفع وذاك ما جعله مكشوفاً وتقديري أنه ثمة شخص آخر كان

في الخارج وهو من قتله "

نظر له تميم وقال

" أين اختفى الرجل الذي كان في الداخل إذاً ولما ليس هو

من قتلها ؟! "


رفع قاسم كتفيه يمد شفتيه بمعنى لا أعلم ثم قال

"مفتاح القضية لدى زوجها وعليه أن يتحدث ويقر بكل ما لديه"

قال بشر وقد وجه نظره كما حديثه لمن لم يغادر صمته التام

حتى الآن

"أعطي الإشارة لرجالك يا عمير وسيسحبون كل ما نريد منه

بطريقتهم الخاصة ، أو قم بإحالة القضية للجهات المختصة

وسيعلم رجال التحقيق كيف يجعلونه يعترف بكل شيء "

لم يعلق المعني بالأمر ونظره لازال على الأحرف العريضة أعلى

الورقة تحت يده وعبارة المحكمة العليا للقضاء تحديداً فأمسكت

يد قاسم بكتفه وقال من خلف أذنه بجدية

" هذا أمر يخص مطر وحده فلا تزعج نفسك به فقد خرج عن

اختصاصنا "

رفع حينها يده كما نظره من عليها وتمتم ببرود يدس يديه في

جيبي بنطلونه الكحلي

" وتلك الجريمة تخصه وحده أيضاً ولا أحد يتدخل فيها حتى

يكون هنا "

تنفس قاسم بضيق وتبادل وتميم نظرة صامتة قبل أن تنتقل

الأنظار جميعها هناك ناحية باب المكتب الذي انفتح على اتساعه

وللذي وقف أمامه لازال يمسك مقبضه بيده وكأنه خرج من

أفكارهم .. بل من مخاوفهم ! وبالرغم من علمهم بأن طائرته

وصلت منذ دقائق عدة وبأن وجوده هنا قد يكون خياره الأول قبل

حتى أن يفكر في زيارة منزله إلا أن أمنيات عقولهم الباطنة كانت

مخطئة على ما يبدو ، زد عليه أن يطلب بأن يكون فريق طبي

كامل وسيارة إسعاف في انتظاره ما أن تنزل طائرته وبأنه ليس

وحيداً على متن تلك الرحلة والطائرة الخاصة ، والأسوء أن

يكون ذاك الزائر هو شقيقته التي يعرف كل واحد من ثلاثتهم من

وكيف تكون .. أي أنه لا حدود لتنبؤاتهم بمزاجه حينها .


وعادت تلك الأعين للتحدث فيما بينها في صمت وصوته

الجهوري المبحوح قد ملأ المكان الذي أغلق بابه خلفه بقوة

ليضيق بهم جميعاً وهو يتحدث في هاتفه الذي دخل وهو على

أذنه وكانت كلماته حازمة قوية تقترب للغضب

" أخبر مدير ذاك المصح بأنه سيكون المسؤول الأول إن غادرت

غرفتها وبأن عقابه لن يكون هيناً ، ساعات قليلة وسأكون هناك

وسأتحدث معها بنفسي "

وغرقت الأحداق المشوشة بترقب في حديث صامت آخر فيما

بينها بينما ارتفع حاجبا بشر وكأنه ينبههم لمصيرهم المماثل حين

علا صوته الغاضب وهو يجتازهم نحو مكتبه

" ليحقنوها بمنوم أو بأي شيء يجعلها تنام .. هل سأعلمكم

أنا ما عليكم فعله ؟ "

أنهى بعدها المكالمة ورمى هاتفه فوق الطاولة التي أصبح يقف

أمامها وانتقل نظره بين الأجساد خالية الأرواح حوله والأعين

الناطقة دون صوت وقال بحزم ولازال حاجباه معقودان بضيق

" هل أفهم ما الذي يحدث هنا ؟ "

ظن كل واحد منهم بأنه علم وبطريقة ما بما يحدث وإن كانت

قضية القتل التي لحقت بخيطهم الوحيد للوصول لأهم حقيقة

يبحثون عنها منذ أعوام لولا يقينهم بالتكتم التام عن الأمر وفي

دائرة ضيقة للغاية .

" ليتحدث أحدكم "

عبارته الغاضبة تلك وسبابته تضرب نحو الأسفل حيث الطولة

المليئة بالأوراق تحتها جعلتهم يتبادلون نظرة صامتة أخرى ، وما

كان عليهم أن يستغربوا قط بأنه قادر على قراءة المصائب في

أعينهم وهم رجاله وعرفهم لأعوام ، وكان صوت قاسم من

اخترف حاجر الصمت السميك حولهم وذاك المنتظر منه بالتأكيد

فهو يبقى قريبه .. والأهم منها زوج ابنته الوحيدة ، وبالرغم من

ذلك خرج صوته مدججاً بالترقب الوجس قائلاً بهدوء

" المرأة التي وضعتها تحت المراقبة في أغادير وجدت مقتولة "


وتبادل عمير وتميم فقط نظرة صامتة حينها قبل أن تتشتت بين

زعيمهم وابن عمته المحدقان ببعضهما وذاك كان المتوقع منه أن

يلقي القنبلة الأصغر في وجهه أولاً رغم عظمها لكنها تبقى أقل

قوة وفتكاً من الأخرى ، وحدث المتوقع حين انتقلت نظراته

المتسعة بغضب منه لعمير فقال من فوره ومن قبل أن يعلق "

زوجها من فعلها "

وكالمتوقع أيضاً فقد ثار غضباً وهو هدفه الوحيد

" وكيف يفعلها ؟! ألستَ مكلفاً بمراقبتها ؟ "

ولم يتوقف الأمر هناك بل أضاف سريعاً وبغضب أشد

" علمت منذ البداية أنني أعتمد على طلبة ثانوية "

كانت إهانة ثلاثية الأبعاد مثل عددهم تماماً وعليهم استقبالها

بروح معنوية مرتفعة بالطبع ، لكن عمير يبدو لم يعجبه ذاك

الوسام الشرفي ودافع عن نفسه قائلاً باحتجاج

" رجلي قُتل أيضاً يا مطر وزوجها يرفض الإعتراف سوى بأنه

من فعلها ولم نستعمل القوة معه لأنه والد قريب عمك وزوجتك "

كان الغضب لازال مسيطراً على العينان الحادة والأحداق السوداء

القوية المحدقة بهم وما يعلمه جميعهم بأنه لازال في جعبته

المزيد لولا يد قاسم التي رفعت الورقة عن طرف طاولة المكتب

ومدها ناحيته أمام النظرات المصدومة للواقفين قربه فلم يتوقع

أيا منهما أن يفعلها ولم يفكرا في فعلها أيضاً وهو بمزاجه الناري

المشتعل هذا ! بينما قال قاسم وهو يدفعها نحوه بطول يده

" وصلت هذه من المحكمة العليا لمكتبك اليوم "

وما أن استلتها أصابع مطر منه بقوة عم الصمت القاتل المكان

وكأنه لا أحد فيه ولم يجرؤ أياً منهم على النظر ناحيته وقد انتقلت

حدقتاه في الأسطر المكتوبة أمامه وكأن كل واحد منهم قرر أن لا

أن يرى نظرة الغضب أوالصدمة أو أيا كان ما يكون رد فعله على

ذلك يفرضون على أنفسهم احترامه المشبّعة به دمائهم قبل

احترامهم لخصوصياته ، ولولا سفره ما كان ليقرأ أسطرها أحد

غيره ، ارتفعت نظراتهم تباعاً ناحيته ما أن تحرك مغادراً من

خلف طاولة مكتبه قائلا بجمود الصخر

" أين هو زوجها ؟ "

وذاك أول رد فعل لم يتوقعه أي واحد منهم ولا في أبعد

أحلامهم !! وكانت يد قاسم الأسبق له ما أن لاحظ أنه سيكمل

طريقه ناحية باب المكتب الموصد موقفاً إياه ، وما أن استدار

مقابلاً له نظر لعينيه ونزلت يده لذراعه وشد عليها قائلاً بصوت

يبدو خشي حتى أن تسمعه أذناه

" كانت في منزلك البارحة "

وتبادلا نظرة صامته ولم يستغرب أن لا يعلق على ما قال بعد

موقفه السابق فتابع بقلب شجاع ويعلم بأنه يكسر واحداً غيره

بينما نظراته على عينيه المحدقة فيه بجمود

" كانت منهارة تماماً وتعرضت لنزيف حاد وبعد نقلها للمستشفى

غادرت برفقة قريبها المحامي قائد نصران وهي مختفية منذ ذاك

الوقت ولم نجدها "

وساد الصمت المكان وكأنه لا أحد فيه وحدقت الأعين جميعها به

فسحب ذراعه من قبضة أصابعه بحركة قوية وأولاهم جميعاً

ظهره يجعد ورقة المحكمة بين يديه القويتان وتحرك ناحية الباب

ورماها لتستقر في سلة المهملات قربه قبل أن يفتحه ضارباً إياه

بقوة على اتساعه وقال بصوت قوي آمر مغادراً

" عمير اتبعني سأتحدث معه بنفسي أولاً "

فتبادل من تركهم خلفه نظرة لا يمكن تفسيرها تعبر أيضاً عن ألا

متوقع وألا منطقي بتاتاً قبل أن يتحرك المعني بالأمر خلفه متمتماً

من بين أسنانه بغضب

" سحقاً لامرأة تدعس كبرياء رجل بحذائها "


*
*
*

فرك أصابعه بقوة حتى سمع صوت طقطقة عظام مفاصلها بينما

نظره على أشباح أشياء تمر دون أن يركز ما تكون من خلال

نافذة السيارة وحيث يجلس بجانب أويس الذي لم يتبادل معه ولا

كلمة واحدة منذ اقتربت سيارته من حوران فهو رفض أن يغادر

لوحده بسيارته ولا أن يقودها بنفسه خوفاً عليه ، وكان ذاك قراراً

صائباً اعترف به الجالس خلف المقود بينه وبين نفسه فهو لاحظ

وطوال الطريق الذي سلكاه من منزله حتى العاصمة توتره

وتشتت أفكاره وشروده الحزين أغلب الوقت فبالرغم من العلاقة

المهزوزة بينهما إلا أنه يبقى والده ، وذلك إن استثنينا بالطبع

زوجته التي كانت ستكون سبباً في موت شقيقته محترقة ، وله أن

يتوقع العكس أيضاً فلن يستغرب أن يكون متألماً من أجلها

فشخصية كيمان يتأثر ويغضب حتى من أجل عمال المزارع الذين

لا ينتمون ولا لبلاده لن يستغرب منها أي شيء خاصة بعد موقفه

من المدعوة مايرين وفعلتها تلك فلم يكن يتوقع أن تستمر زوجة

له بعد تلك الليلة ! وإن كان هو مكانه لطلقها على الفور .

لقد تجنب التحدث معه في أمرها طوال الطريق وكان نقاشهما

بأكمله يدور حول ما حدث مع والده والمعلومات الضيقة التي علم

بها عن الجريمة وكان لأبان الدور الأساسي فيها فالأمر لازال طي

الكتمان ولم يُعرض لا على الجنائية ولا النيابة العامة .

توقفت سيارته أمام مبنى معين بعد أن اجتازت شوارع عديدة في

عاصمة البلاد وكان المبنى الرئيسي لجهاز المخابرات العامة ،

وهذا أمر آخر فعله من أجله أبان والذي وجداه ينتظرهما هناك

ومن كان على اتصال دائم بأويس حتى وصلا .

تصافحوا في صمت ما أن اجتازت خطواتهما الواسعة الرصيف

ووصلا عنده وقال أبان مربتاً على ذراع صديقه

" كن قوياً يا يمان وسيخرج إن كان بريئاً تأكد من ذلك "

وكان تعليقه إيماءة صامتة قبل أن يتحرك ثلاثتهم يميناً عبر

الرصيف الحجري المحاذي للبناء المرتفع بطوابقه الخمسة تحفه

أشجار الزينة المقلمة بعناية ودخلا الباب الواسع المفتوح لم يمنع

دخولهم ذاك أحد من الحرس الموجودين لا أمامه ولا داخله حتى

وصلوا لباب معين طرق عليه أبان بمفصل سبابته قبل أن يفتحه

ودخل ثلاثتهم لغرفة بمكتب أسود واسع وصالون جلدي مقابل له

وبذات اللون وأرفف خشبية على الجانبين حوت مجموعات

كبيرة من ملفات مرتبة بعناية بينما كان ثمة رجلان في المكان

أحدهما جالس خلف المكتب والآخر واقف أمامه وقد استدار

نحوهم عندما دخلوا ، وتبادلوا السلام معهمم فور دخولهم فإبن

شقيقة مطر شاهين ومن سمحوا له بالدخول باتصال واحد من

رئيسهم كجهاز عام لمخابرات الدولة كان معروفاً ودون أن

يُعرف عن نفسه .

قال الذي وقف من خلف مكتبه ونظره وحديثه موجه ليمان تحديداً

بينما خرج صوته جاداً يشبه ملامحه

" سنسمح لك برؤيته لهذه المرة فقط وننصحك بمحاولة إقناعه

ليتجاوب معنا لأن الصمت لن ينفعه ولن يستمر أيضاً فلم تصلنا

الأوامر بعد للتحقيق معه بالطريقة التي نتقنها والوحيدة التي

نجيدها ليقر بكل ما فعله منذ ولدته أمه ولن يكون وضعه في

الجنائية أفضل إن تم نقله لها "

وما أن أنهى عبارته تلك خرج من خلف طاولة مكتبه وقال ما أن

أصبح يقف أمامهم ولازال حديثه كما نظره موجهان له

" شقيقاك الصغيران موجودان لدينا أيضاً إن قررت أخذهما أو

سيتم إرسالهما لعائلة والدتهما وحال رفضهم لهما سيتم

تحويلهما لأحد دور الأيتام حال تثبت إدانة والدك فالقرار

سيكون لك حسب ما وصلتنا الأوامر "

وغادر من فوره ورفيقه يتبعه تاركان صمتاً مخيفاً بعدهما ،

وبينما كانت نظرات أويس تتجول في المكان حوله يداه في جيبي

بنطلونه كانت نظرات أبان لم تفارق ملامح صديقه المقرب والذي

كان ينظر للأرض بشرود حزين يشعر به وكأنه داخله .. وتلك

كانت مشاعره دائماً إتجاهه حتى حين كان لا يعلم أسباب ما

يحزنه فكيف الآن ؟ فإن أنساه أي شيء حقيقة ما يحدث فكلمات

ذاك الضابط عن شقيقيه ستُذكره وبقسوة أن بقايا عائلته الصغيرة

قد تشتت مجدداً فكيف ينطق أمامه عبارة أن الميتم سيكون

مصيرهما ؟ ليس وهما شقيقان لهذا الشاب الذي يعرفه أكثر من

نفسه والذي علمته الحياة أن يكون رجلاً منذ صغره ، وكم يؤلمه

حال صديقه هذا وما وصل له فالمسؤليات لا تتركه أبداً على

ما يبدو كما المآسي والفواجع .

انتقل نظرهم ثلاثتهم ناحية الباب وللداخل منه يمسكه أحد رجال

ذاك المكان من إحدى ذراعيه المثنيتان خلف جسده حتى اقترب به

منهم منتصف المكان وفك الأصفاد من يديه أولاً وقال وهو يغلق

الباب الذي خرج منه وبصوت بارد كالجليد

" دقائق فقط "

وفقط هذا ما قاله أيضاً وتركهم في مواجهة صاحب الشعر

الرمادي والعينان الفضيتان مثله والملامح التي لم تغادرها

القسوة كما التجهم في مشهد ألفه إبنه ذاك وعرفه منذ صغره

وشعر بأنه ذاته وكأنه يقف أمامه قبل أسابيع في منزلهم القديم

حتى خطوط وجهه القاسة لم تتغير مما جعل قبضتاه تشتدان

بجانب جسده بقوة فقد كانت نظراته مصوبة لعينيه تحديداً وصمته

مخيفاً يشبهه تماماً شعر به حتى الواقفان معه بل وأويس الذي

يراه للمرة الأولى عكس أبان ، سحب يمان نفساً عميقاً لصدره

قبل أن يخرجه ببطء قائلاً بهدوء لم يشبه انفعال ضربات قلبه

" صديقي أويس كما أبان زوج ابنتك محاميان ووعدا بمساعدتك

، فقط ما عليك الآن فعله ... "

" أين كنت ؟ "

قطع كلماته ولاذ بالصمت ينظر للعينان المحدقتان فيه بغضب

وقسوة تشبه كلماته تلك وازداد شده ليديه بقوة حتى آلمته

أصابعه وقال ببطء

" كنت في الجنوب "


" لماذااا ؟ "


صرخ بتلك الكلمات في وجهه وتردد صداها في المكان مما جعل

أبان وأويس يتبادلان نظرة مستغربة فهل هذا يكون وضع رجل

تنتظره قضية قد يأخذ فيها حكماً بالإعدام إن أصر على أقواله !!

لم يعد كلاهما يمكنه إجزام العكس وأن يكون بريئاً فعلاً منها

ففوق الأدلة الثابتة ضده عيناه وحدها قادرة على القتل ودون

سلاح ...!! وكان ذاك ما قالته نظراتهما وإن لم ينطقاه وفهمه كل

واحد منهما ودون عناء التحدث والشرح ، وسرعان ما انتقلت

نظراتهما لصديقهما الذي كان لازال يحدق في والده بصمت بينما

صرخ الذي تحرك خطوتان للأمام حتى أصبح يقف على بعد

خطوتين فقط منه

" ما الذي جعلك تترك والدك وأرضك يا يمان؟ "

قال مباشرة ودون خوف هذه المرة بل ولأول مرة منذ ولد وعرفه

" لأنها ليست أرضي ولا ما أريد "

وشخصت عينا الواقفان جانباً بصدمة حين دوى صوت الصفعة

القوية عالياً وأمسكت يد أويس ذراع أبان يمنعه من التحرك ما أن

فكر في ذلك وهو يرى صديق طفولته يمسك وجنته ينظر للأرض

بعينان فارغتان قتلتاه أكثر من الصفعة التي شعر بها تنزل على

وجهه هو ، وكان سيتحرك مجدداً ينوي منع يده وبالقوة حين

ارتفعت مرة أخرى لتضرب الجانب الآخر من وجهه لولا توقف

كل شيء في تلك الغرفة بسبب صوت بابها الذي انفتح على

اتساعه فجأة وللواقف أمامه وقد همس أبان مصدوماً ما أن

وقع نظره عليه

" خالي مطر !! "



*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 09:19 PM   #13815

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي





*
*
*

انتقلت الأنظار جميعها للذي أصبح يقف أمام الباب المفتوح

وخلفه يقف عمير كما قاسم الذي لحق بهما فور مغادرتهما القصر

الرآسي وقرر أن يكون معه طوال اليوم ودون سؤال أو طلب منه

، كانت نظرات الموجودين هناك له متفاوتة فبينما كانت مستغربة

من أبان وأويس لوجوده هنا واهتمامه بأمر القضية بل وحتى

يمان والذي انكسرت نظراته تلك وأحنى رأسه للأسفل حين دققت

تلك النظرات الحادة القوية في عينيه تحديداً .. إلا أن نظرات

والده كانت مختلفة تماماً وعنهم جميعاً وهو يحدق فيه بعينان

جامدة كالصخر وحاجبان لم يتخلصا من عقدتهما المخيفة بعد ،

والمضحك في الحكاية أنه كان يجهل هويته فوقت الحرب الأهلية

عاشت البلاد في جهل وتأخر في كل شيء حتى أن التلفاز كان

شيء لا وجود له في منازلهم وبعد عودته التي مضى عليها عدة

أشهر فقط كان يتعمد عدم رؤية كل ما يخص أخباره وأخبار البلاد

ليس فقط لأن يومه مليء بمشاغله التي لا تنتهي كرجل مزارع

يحرث أرضه ويفلحها ويبيع محصولها لينام نهاية اليوم

كالأموات .. بل ولأنه لم يحب ذاك القائد المغوار يوماً والذي

أوصل بعد الله بلادهم لما عليه الآن بتوحيده إياها ورآه كقلة من

سكان الهازان مجتاح تسبب بإحراق بعض أراضيهم وإعادة

تقسيمها لمن يستحق ولا يستحق في نظرهم ، فلم يهتم بما فعله

جميع من لم يروه يوماً وهو التسابق لرؤيته ما أن ظهر في

قنوات التلفاز حيت عاد للوطن ، وكل ما أخبره به خياله حينها

بأنه رئيس جميع الموجودين هناك وبجميع رتبهم من طريقة

وقوفه وثقته والقوة المنبعثة من كل شيء فيه وليس نظراته

الواثقة فقط ، والذي لم يكن يعلم بأنه ليس هو بل أحد الواقفان

خلفه وبأنه أعلى رتبة ومكانة منه .

كان مطر من تحدث حينها بينما نظراته لازالت على يمان الذي لم

يرفع رأسه ولم ينظر لأحد قائلاً بجدية

" يكفيك هذا يا يمان أم تريد دقائق أخرى بعد معه ؟ "

فكان جوابه أن حرك رأسه برفض ودون أن يرفعه بينما خرجت

كلماته جوفاء خالية من أي تعبير

" لا سيدي لا شيء لديا بعد "

فتقدمت خطواته نحو الداخل حينها قائلاً بحزم

" إذاً اتركونا نقوم بعملنا يا شباب "

فتحرك ثلاثتهم منصاعين بعد نظرة صامتة تبادلها أبان وأويس لا

يفهمان مما يحدث شيئاً حتى غادرا المكان ووقف حينها عند

الباب الضابط الذي ترك لهما مكتبه قبل قليل والرجل الذي كان

برفقته بينما وقف مطر مقابلاً للذي قال له بجدية

" إبراهيم أريد أن أعلم حقيقة ما حدث ومفصلاً "

وكان جواب الواقف أمامه لازالت ملامحه تحتفظ بقسوتها كما

تجهمها ولازال يجهل بل ولا يهتم بمن يكون

" ما لديا قلته لرجالك أم أني الشخص الوحيد الذي أمسكتموه

في البلاد تمارسون عليه أ.... "

وسكت تماماً بسبب اليد التي خرجت من جيب صاحبها وبسرعة

البرق هوت على خده حتى استدار وجهه بأكمله ودوى صوت

الصفعة عاليا مما جعل عينا الموجودان خلفه تتسع بصدمة ،

وبصعوبة منع قاسم يده التي امتدت ناحية مطر والواقف أمامهما

تماماً وقبض أصابعها وأعادها مكانها قبل أن يحدقا في بعضهما

نظرتهم تلك تتحدث نيابة عنهما فهذا السلوك أبعد من أن يتخيلا

أن يصدر منه وهو من عرفوه كأنفسهم وكان عكس ذلك تماماً

ولأعوام طويلة حتى مع من هم يصغرونه بأعوام فكيف بمن هو

أكبر منه ! وذهبت ظنون كل واحد منهما بأنه غضب مكبوت لم

ينفس عنه بعد بعدما فاجأهم بردة فعله السابقة حين علم بورقة

المحكمة واختفاء زوجته ومع من ، لكن الحقيقة كانت في أمر

آخر تماماً رآه وحده لدخوله قبلهما وهي يده المرفوعة وأثر

أصابعه على وجه من غادر قبل قليل دون أن يرفع رأسه بأي

شخص ممن مر به بينهم ولازال ذلك يشتعل في داخله حتى الآن

وها قد أعطاه الفرصة لينفس عنه وكما يتمناها تماماً .

أدار وجهه جانباً ونادى بصوت غاضب

" نقيب خالد "

فدخل الواقف عند الباب من فوره وضرب له التحية وهو يقف

مستقيماً فإن كان ملزماً بها مع الواقف خلفه وهو عمير رئيسهم

كجهاز مخابرات فهذا من باب أولى بالتأكيد ، قال بأمر حازم ما

أن وقعت نظراته عليه وسبابته تشير للواقف أمامه قبل أن

يرميها جانباً

" حققوا معه بطريقتكم .. أريد اعترافاً كاملاً بما حدث "

فارتفعت يده لجانب رأسه في حركة سريعة وهو ينزلها مجدداً

ودون أن ينطق بشيء نظره يتبعه وقد غادر من فوره يلحق به

من دخلا برفقته بينما دخل رفيقه الواقف هناك ونظر هو للواقف

مكانه تتلمس أصابعه فكه الذي كان يشعر بأنه تحول لكتلة صلبة

ثقيلة وبسخونة غريبة تخرج من البشرة التي كانت تغطيه وابتسم

بسخرية ما أن نظر له وقال

" لا أعلم أين كان عقلك وأنت تقول ذلك لرئيس بلادك ؟! "

مما جعل الأحداق الرمادية تتسع بصدمة محدقة به وتابع ذاك

على الفور

" كنا نعاملك برقي لم يعرفه أحد من قبلك دخل إلى هنا خوفاً فقط

من غضبه ولأننا نعلم بأنه سيأتي لرؤيتك ، ووحده من كان

يمسكنا عن سلخ الجلد عن عظامك وها قد تسببت في خسارتك

لهذا الدلال "

وصرخ منادياً على الفور ورأسه يميل جانباً حيث الباب المفتوح

" عصااام "

وفي لمح البصر أصبح الذي كان يقف في الخارج واقفاً أمام

طاولته وضرب له التحية فأشار له عليه وقال بأمر حازم

" خذه للغرفة ثمانية وسأكون لديكم خلال لحظات "
*
*
*

حضنت نفسها واتكأت بطرف جبينها على زجاج النافذة الباردة

تنظر لقمم المباني والأشجار البعيدة بحزن لو وزع على جميع

ساكنيها لكفاهم وفاض منه الكثير ليعلمهم البؤس ما عاشت

أرواحهم ، كيف للإنسان أن يحضن أحزانه ويحتويها ؟

أن يربت على قلبه وينسيه مرارته التي هو السبب الأول فيها ؟

كيف يعتذر من نفسه عن كل ما فعله بها كي لا يخجل من أفعاله

أمامها لعله يرتاح بذلك ويريحها .

اكتسحت سحابة دموع رقيقة صامتة عيناها الواسعة شعرت بها

تحرقها بشدة حتى امتد الألم لجفناها المرهقان واشتدت أصابعها

على قماش فستانها القطني الناعم جهة رحمها وأسدلت جفنيها

ببطء لتنحسر الدمعة اليتيمة بين نعومة الرموش السوداء الكثيفة

وكأنها تحضنها مواسية ومتألمة لألمها رافضة حزن فراقها

وهاجمتها الذكريات كالموج الغاضب يضربها ودون رحمة ترى

صورتهما وهواء البحر يتلاعب بخصلات الشعر المموج الطويل

بالكاد ثمة شيء ما يستر ظهرها تلتف ذراعاها حول عنقه بينما

تنظر للخلف وحيث من يقوم بالتقاط الصورة لهما موليان

ظهرهما له ، كانت وكأنها تنظر لها الآن أمامها وتحترق بها

مجدداً واشتدت قبضة أصابعها أكثر على القماش الناعم بلون

السماء البعيدة واحترقت أضلعها تسجن عبرة لم تعد تقوى على

حبسها داخلها أكثر من ذلك تسجنها خلف أنفاسها المتعاقبة في

شهيق صامت .

( مطر لا تتعامل معي بهذا الأسلوب الذي تستخدمه مع جميع

نسائك فأنت تعلم جيداً بأني لست كأي واحدة منهن ، لا يعنيني

قولك بأنها مجرد فترة وسترجع ونرجع كما كنا فهذا لا يكفي)


( أنت لا تتوقف عن جعل النساء يصبن بالملل ليبتعدن عنك من

تلقاء أنفسهن كلما أردت التخلص من إحداهن لكني لست أي

امرأة وأنت من اعترف بذلك سابقا وبلسانه )

( قسما أني أحبك يا مطر ولا أفهم ما هذا الدليل الذي تبحث

عنه لتقتنع بذلك ؟ )

كانت تسمع صوتها الأنثوي بلكنته الأنجليزية السلسلة وكأنه ينزل

على أذنها وقلبها الآن بل وكأنها كانت نائمة ومغيبة عن كل ذلك

درجة أن تنساه وكأنه لم يحدث ! فكيف استطاع قلبها أن ينسيها

إياه ويخدعها ويتلاعب بها فلومها يقع عليه قبل أن توجهه ناحية

من خدعها بأكاذيبه وهي صدقتها وصدقت بالفعل أنه يملك تبريراً

لكل ذلك فما سيكون ؟

( كانت زوجتي حليلتي لا يحق لأحد ولا أنت لومي على ما

أحله الله )

وهذه أيسر مشنقة قد يضعها حول عنقها ويقتلها بها وهذا إن

كان لتبريره هذا وجود .

مسحت عيناها بظهر كفها بحركة سريعة ليس فقط لأنها ترفض

أن تشعر بتلك الدمعة اليتيمة تشق طريقها فوق نعومة وجنتها

فقد ذرفت منها الكثير وأكثر مما بات الأمر يستحق ، بل بسبب

صوت الطرقات القصيرة المتقطعة على باب الغرفة فرفعت يديها

لحجابها ولمسته أناملها ببطء تتأكد منه وقالت تنظر

للباب الموصد

" تفضل "

فدار مقبضه ببطء قبل أن ينفتح وأجبرت نفسها على رسم

ابتسامة صغيرة وإن لم تصل لعينيها المدججة بالحزن والأسى

تنظر لصاحبة الابتسامة الواسعة الصادقة وإن كانت أيضاً تراها

تتصنعها مجبرة فقط لتشعرها بالقوة التي عليها أن تستمدها من

الموجودين حولها بينما اقتربت منها تحمل في يديها صينية

جميلة من الفضة الصناعية يتوسطها كوب من الكريستال مملوء

بالحليب الأبيض النقي وكم شعرت بالإحراج منها لأنها جلبتها

بنفسها بدلاً من إرسالها مع خادماتهم فوقفت وخرج صوتها

متأثراً ببحة زادته رقة ولازالت تنظر لها تقترب حيث كانت تجلس

" لما تتعبي نفسك بكل هذا ؟ "

فقالت التي وضعت الصينية حيث الطاولة الزجاجية والمدعمة

بالنحاس الطبيعي وهي ترفع الكوب منها

" لأنك لن تطلبيها أبداً وكما لم تطلبي جلب غيرها "

وتابعت وهي تمدها لها

" حلفتك بالله أن تشربي وإن هذا فقط وإن من أجل طفلك

ياغسق فهو لن يصمد أكثر على هذا الحال "


مدت يدها وأخذته منها تنظر له بين يديها وشعرت بالألم يعتصر

قلبها بسبب كلماتها فهي بالفعل تقسو عليه بأكثر مما يستحمل

قلبه الصغير الذي بالكاد بدأ ينمو ، وكونه أثبت قوته في مواجهة

كل ما مر بهما لا يعني أنه يمكنه الصمود أكثر ، وكانت الواقفة

أمامها وكأنها تقرأ ما يدور داخلها وقد قالت مبتسمة بحنان

" لقد أتبث لك بأنه سيكون رجلاً قوياً فليعلم بأن والدته

أقوى منه إذاً "

فارتسمت ابتسامة عرفان صادقة على شفتيها تهديها إياها وكم

تشعر بالامتنان ناحيتها فهي أثبتت بأنها تستحق بأن تكون زوجة

لذاك الرجل العظيم والذي كان من القلة الذين حضوا بمحبة

مشتركة من جميع أقطار بلادهم الذي لم تُنسيه السنين بعد جراحه

القديمة الغائرة كرفضهم وبالإجماع أن يترك منصبه المهم لغيره

لما التمسوه من عدله وحبه لأبناء وطنه .

جلست تشرب منه بلا أي رغبة وكأنها تشرب شيئاً لا طعم له ولا

يشبه حتى الماء ليس فقط من أجل الواقفة قربها بل ومن أجل

صغيرها أيضاً وكما قالت فهو يحتاج ما لا ترى نفسها تحتاجه .

أنزلت الكوب النصف ممتلئ تنظر له بين يديها تحاول إقناع

نفسها بتقبل المزيد منه وإن من أجل الواقفة قربها لم تغادر حتى

الآن وتخشى أنها تنتظرها لتأخذ الصينية أيضاً ، قالت بهدوء

حزين وأصابعها البيضاء تشتد على زجاجه اللامع

" أعتذر على كل ما سببته وقد أسببه لكم ، أنا حقاً آسفة..... "

قاطعتها التي جلست بجوارها وشدت يدها على ساعدها

قائلة بحنان

" ما هذا الذي أسمعه منك يا غسق ؟ لو كنتِ شخصاً غريباً لا

نعرفه ما رددناه خائباً فكيف بإبنة عقبة التي لم ينجبها ؟ "

نظرت للسائل لأبيض بين يديها بحزن وأبت الكلمات أن تنساق

معها لتشكرها على الأقل خشية أن تتحرر معها عبرتها

المسجونة منذ أصبحت هنا فمعرفتها بهذه المرأة العظيمة ليس

وليد اللحظة بل منذ أصبح والدها الذي رباها رئيساً للبلاد وكان

زوجهاً وزيراً للعدل .. الوزير الوحيد الذي لم يتغير طيلة الأعوام

الماضية دعوات الناس بأن يطيل الله في عمره قد تفوق دعواتهم

لأنفسهم ، ولولا ذلك ما كانت لتلجأ له في أمر لن يفكر أي

شخص في مكانته أن يقف معها موقفاً صادقاً قوياً كما فعل

ومنحها حرية استخدام حقها في القضاء العادل للبلاد كأي شخص

موجود فيها .. لكنها تخجل أيضاً من سماحتها وتفهمها للأمر

دون أن تمانع زوجها فيما قرر ويفعل وأثبتت بأنه بالفعل وراء كل

رجل عظيم امرأة تسانده على الحق وتشجعه على التمسك به .


رفعت الكوب لشفتيها وشربت المزيد منه بينما يد الجالسة قربها

تمسح على ظهرها برقة وحنان وقالت مبتسمة

" أتعلمي ما قاله لي عمك عقبة اليوم ؟

( علمت الآن لما أحبها شراع وكأنها ابنة حقيقية له )

ولا أراه مخطئاً أبداً فيما قال "

اشتدت أصابعها على الكوب فيها ومنعتها عبرتها الحبيسة مجدداً

من قول أي شيء تكافئ به كلماتها تلك ولم تستطع منع نفسها

من النوم في حضنها ما أن ارتفعت يدها من ظهرها لرأسها

وأغمضت عيناها بحزن تأسر الدمعة السابحة فيهما تشعر بحنان

يدها تمسح على الحجاب الملفوف حول شعرها بإحكام وقد قالت

بحنان باسم

" لو كان له ابنة ما كنت لأتوقع أن يحبها هكذا "

ابتسمت بحزن هامسة تدعو الله أن يطيل في عمره فهو لديه ثلاث

شبان ولم يرزق بالإناث مطلقاً وكأنه يشبه والدها شراع في كل

شيء ، ترقرقت الدموع في عينيها وهمست ببحة

" لو كان والدي لازال على قيد الحياة كانت أمور كثيرة تغيرت "

وأغمضتهما برفق وحزن ما أن قالت التي مسحت بيدها

على ذراعها

" لا تتركي للشيطان فرصة التلاعب بك يا غسق ، وها هو والدك

الحقيقي مازال موجوداً والحمد لله كما أن عمك عقبة لا أراه إلا

والداً آخر لك يفكر في قضيتك أكثر من تفكيره في مشاكل

البلاد كاملة "

ابتعدت عن حضنها تمسح عيناها بقوة ووضعت الكوب الشبه

فارغ من يدها ولم تستطع قول أنها تخشى عليه بالفعل مما

وضعته فيه لأنه يفترض بذاك الرجل أنه رمز العدالة في هذه

البلاد ومنذ سعى وعمل على توحيدها فهل سيتعامل بالنقيض مع

وزير العدل في حكومته ؟ إن كانت هي مستثناة من كل ذلك

فغيرها العكس بالتأكيد خاصة وهو رجل بكل هذه المكانة

والشعبية في بلاد رفض شعبها حتى أن يتقاعد ، لكن خوفها

الحقيقي منصب نحو شخص آخر تماماً .

نظرت للتي كانت وكأنها تقرأ أفكارها مجدداً حيث قالت وهي تقف

وترفع الصينية والكوب فيها

" قريبك في مكتب عمك عقبة في الأسفل ويريد رؤيتك "

وتابعت ما أن استوت واقفة ونظرت لها

" إن كنت متعبة يمكنه رؤيتك في وقت لاحق يا غاسق "

وقفت من فورها قائلة

" لا فعليا رؤيته بالفعل .. هل توصليني له ؟ "

قالت مبتسمة

" بالتأكيد بالرغم من أنك تعرفين مكانه جيداً ولا أحد من

أبنائي يعيش معنا كما تعلمين أيضاً "

نظرت للأسفل بحياء منها وقالت

" لكن ابنك الأصغر موجود في البلاد وإن كان في منزل مستقل

وأخجل من أن ألتقي به مصادفة إن فكر في زيارتك "

ابتسمت وقالت مغادرة جهة باب الغرفة

" أخبرتك أيضاً بأني لا أراه ولا عائلته إلا يومي الإجازة

من كل أسبوع "

فتبعتها من فورها وقالت تنزل السلالم الحلزوني خلفها

" قد يضطره أي أمر للمجيء "


ضحكت التي كانت تنزل العتبات العريضة قبلها وقالت

" لا تقلقي من هذا فوالده نبه عليه أن يخبره إن أراد دخول

المنزل ولم ينسى مخاوفك "

ابتسمت تراقبها وهي تتحدث مع الخادمة التي أخذت الصينية

منها بينما كانت تنزل هي آخر عتبات السلالم الخشبية وتحركت

يساراً ودخلت الممر القصير الذي أوصلها مباشرة للباب الشبه

مفتوح ، وقفت أمامه وأمسكت بمقبضه ودفعته نحو الداخل ببطء

وظهر لها الذي وقف على طوله وكان يجلس في المكان وحيدا ً

، كانت تعلم بأنه موجود هنا في هذا المنزل الواسع ولا تعلم أين

تحديداً ويبدو خارجه لكنه بالتأكيد لم يتعدى أسواره كي لا يصبح

في قبضة من يبحثون عنه بشراسة وفي كل مكان الآن وهذا جل

ما تخشاه ويجعلها مترددة ناحية كل ما فعلوه ولم يعد يمكن

التراجع عنه ، فالسيد عقبة بحكم مركزه لن يتأذى وأكثر ما قد

يفعله ذاك الرجل حياله هو عزله من منصبه وإن بتقديم سبب

وهمي أو موجود لكن هذا الرجل الذي لا يمتلك شيء سوى

شهامته التي قدمها ودون مقابل لها لكي لا تقف في مواجهة

ظروفها وحيدة فلا يملك شيئاً يرد به جبروت ذاك الرجل عنه

ويكفيها أنه لم يتخلى عنها ولم يكن جوابه مشابهاً لمن تربت معه


كشقيق لها

( لا تفكري في محاربة القانون بالقانون يا غسق فستكونين كمن

يحارب الهواء بعصا من خشب )

أما هذا الرجل فقد كان مختلفاً فلم ينكر حقها في تحديد مصيرها ..

لم يخف ولم يتراجع بالرغم من قوة خصمهما ، فإن كانت هي

ابنة عمه ووالدة أبنائه فوق كل ما حدث وسيحدث فهذا الرجل

ليس لديه شيء يمسك إنتقامه عنه إن فكر في ذلك وهو مالا

تستبعده .

اقتربت خطواتها منه نحو الداخل تاركة الباب مفتوحاً وبالرغم من

أن فستانها كان طويلاً يغطي حتى قدميها وبأكمام طويلة وحجابها

غطى أكثر من نصف جسدها العلوي شعرت بالخجل منه وهو

يتجنب النظر لها وهي تمشي وقماشه القطني يحتك بجسدها فقائد

هو ذاته لم تغيره السنين أبداً كان يليق بالمهنة التي اختارها من

قبل أن يدرسها ، رجل لا يتخلى أبداً عن مبادئه مما جعله يخسر

سنوات عمره ليعيشها وحيداً وبسببها للأسف كحال جبران

ووثاب وكأنها لعنة حلت عليهم بل وعلى نفسها مثلهم ، وها هي

مبادئه السامية ومعتقداته تجرفه في التيار معها .

قال بصوت عميق متزن ما أن وقفت على بعد خطوات منه

ونظر لها

" كيف حالك الآن يا غسق ؟ "

وكان جوابها إيماءة من رأسها تتجنب النظر له وخرج

همسها خافتاً

" الحمد لله "

وصلها صوته الهادئ من فوره

" السيد عقبة قال بأنه سيتكفل بما طلبته بخصوص القضية "

رفعت نظرها له وقالت

" وما الذي بقي من إجراءات بشأن المحكمة ؟ "

دس يديه في جيبيه وقال بجدية

" الأوراق الموجودة في مكتبي وهي أهم ما نحتاجه فلم أكن

مستعداً ولم أجد وقتاً لجلبها قبل إخراجك من المستشفى "

قالت سريعاً

" لن تفكر في جلبها بنفسك بالتأكيد "

قال بابتسامة صغيرة

" لا بالطبع فخروجي خطوتين فقط في الشارع معناه

اختفائي وللأبد "

لكنها لم تستطع تقبل ذلك بمرح مثله بل كان قلبها يرتجف بشدة

حتى كانت تسمع ضرباته في أذنيها وهي تتخيل ذلك لكن هل

سينتهي هذا بانتهاء القضية ؟ لما لم تشعر بكل هذا الخوف عليه

سابقاً ! هل لأن الأمر أصبح واقعي وعيش الواقع لا يشبه التفكير

فيه فقط ؟ قالت بتساؤل

" وكيف ستجلبها إذاً ؟ "

حرك كتفيه قائلاً

" غدير هي سبيلي الوحيد وهي الشخص الوحيد أيضاً الذي

يمكنني الوثوق به "

ارتسمت ابتسامة خافتة على ملامحها الحزينة المجهدة وقالت

" تلك الأستاذة الجامعية تعني ؟ "

قال بهدوء

" أجل وهي تعمل في مكتبي هنا في حوران بل ومديرته

والمسؤولة عنه في غيابي وسأجد طريقة ما للاتصال بها

فستكون مراقبة بالتأكيد وعلينا الحذر "

حركت رأسها قليلاً وقالت وذات تلك الابتسامة تزين شفتيها

" تلك الفتاة لا تعلم ما الرائع فيها تحديداً سوى بأنها مزيج من

كل شيء ! لو كان رعد ليس متزوجاً لاتبعت معه جميع

الأساليب ليتزوجها "

وكان تعليقه إيماءة من رأسه وابتسامة عميقة حقيقية تزين

شفتيه ولم يعلق كما كانت تتوقع أو تتمنى ولم تفهم إشارته تلك

موافقة منه على ماقالت عنها أم ما قالته هي بخصوص أن تكون

زوجة لشقيقها ؟!

وتنهدت بعجز فالأمر الوحيد الذي تفهمه أن الرجال طباعهم

واحدة لا تخرج منهم المرأة بشيء تجهله ويعلمونه !! .

قالت بجدية

" عليك إذاً جلبهم لي ما أن يصبحوا لديك "

غضن جبينه وقال باستغراب

" لم أفهم ما تقصدين ! "

قالت من فورها

" ما أقصده بأني سأسلمهم للسيد عقبة ليأخذهم للمحكمة

وقت القضية "

" ولما ؟ "

كان سؤاله سريعاً ومقتضباً بل وكان كمن يساير طفلة صغيرة

ليعلم ما تريد قوله ويعلمه مسبقاً فزمت شفتيها بقوة لثواني قليلة

قبل أن تقول

" لأن الإدعاء العام من سيستلم القضية "

" ماذا ؟! "

اتسعت عيناه بصدمة وهو يهمس بتلك الكلمة اليتيمة فقالت

ودون تردد

" ما سمعته يا قائد فأنا لا أريد أن .... "


فقاطعها بضيق وكأنه لم يسمع أو يهتم بما تقول

" ولما طلبت مني هذا منذ البداية إن كنت ستتراجعين عنه

نهاية الأمر ؟ "

كانت تعلم بأنه سيستاء من قرارها بل وسيغضب وهذا ما تراه

الآن أمامها لكنه لن يستطيع أبداً فهم ما تشعر به وبات يرعبها

ولم تعد تنظر للأمر كلعبة تحدي كالسابق ، قالت بهدوء لا يشبه

مزاجه البتة

" معك حق في كل ما قلت ما كان عليا زجك في أمر فيه

مضرة لك يا قائد "


وتجاهل كلماتها مجددا وهو يقول بحدة

" أتعلمي معنى أن تتركي المحكمة تترافع عنك ؟ أنت تسلمي

الأمر له بهذا يا غسق ولن يقف السيد عقبة كمحامٍ لك أيضاً "

اشتدت أصابعها في قبضة واحدة وقالت بإصرار

" حتى خسارتي للقضية ليست أهم منك يا قائد وأعترف بأنانيتي

وأتراجع عنها أيضاً "

قال سريعاً وبضيق

" ولماذا الآن ؟ "

" لأن الأوان لم يفت بعد "

كان ردها سريعاً أيضاً لكنه لم يزده سوى ضيقاً كما يبدو وقال

" لا تتجاهلي فهم السؤال يا غسق "

قالت من فورها

" لا أتجاهله ولم أتراجع عن قراري بقضية الطلاق إن كان

هذا ما تقصده "

قال بنظرة تفكير

" ولا من أجل حمايتي ؟ "

وكان جوابها سريعاً أيضاً وبجمود لم يشرح مطلقاً ما كان

يشتعل في داخلها

" ولا من أجل أي شيء .. وكرامتي تستحق أن أضحي بكل شيء

من أجلها لكن ليس أنت يا قائد إنهم يبحثون عنك أكثر من بحثهم

عني وهذا ما لم أكن أتوقعه ، وإن كنت تجهل سبب إحالة العقاد

لقيادة معسكرات الجنوب فهو مطر شاهين والسبب طلبه ليدي من

عمي صقر وأمامه .. وهذا وهو القائد الأعلى للجيش سابقاً فكيف

بك أنت ؟ على دورك أن ينتهي عند هنا لأقل ضرر عليك مستقبلاً

وسأتفق مع السيد عقبة على كل شيء "

أشار لها بسبابته قائلاً بإصرار

" قلتها بنفسك أقل ضرراً .. إذا هو موجود وأنا لن أتراجع من

أجل مهنتي وأخلاقي كمحامٍ ليس من أجلك إن كان هذا يرضيك "

وتبدل مزاجها هي للضيق حينها قائلة

" قائد لا تفهم ما أقول بشكل خاطئ "

قال بحدة

" بل أفهمك جيداً وما تقولين وما تفكرين فيه أيضاً "

حركت رأسها قائلة بضيق أشد بسبب عناده

" لا يمكن ولا للسيد عقبة أن يسحب توقيعاً منه يتعهد فيه بأن

لا يتعرض لك "

فانقلب مزاجه فجأة وإن للسخرية وقال بابتسامة جانبية

" أجل بالتأكيد تلك ستكون مهزلة "


قالت بجدية

" لذلك ستكون أنت المسؤول عن كل شيء لكنك لن تظهر للعلن

وستمارس حقك في القضية كاملا ً "

قال وذات الابتسامة تزين شفتيه

" هل درستِ المحاماة سابقاً ؟ "

قالت بجمود وشدها لأصابعها يزداد قوة حتى آلمتها

" بل درست الجراج التي يكون مسببها أقوى من أن

تواجهه بالقانون "

فرد كفيه حينها وقال وإن كان ليس مقتنعاً

" لك ما تريدين إذاً "

وتابع يشير لوجهها بسبابته

" وعليك أن تعلمي بأني في صفك ولجانبك لآخر الأمر يا غسق "

ابتسمت حينها وإن بحزن وقالت

" شكراً لك يا قائد ولن أكون سعيدة إلا وأنت بخير "

أومأ برأسه مبتسماً وتحرك مجتازاً إياها فأوقفته كلماتها ما أن

وصل الباب ودون أن يلتفت لها

" كن حذراً يا قائد لا أريد أن تتضرر غدير بأي شيء نفعله فأنت

تعلم بالتأكيد معنى أن تصبح المرأة في السجن وإن خرجت

منه سريعاً "


حرك رأسه موافقاً وقال وهو يغادر من هناك

" أنا أحرص عليها من نفسي يا غسق ولن أؤذيها أبداً "

فابتسمت بحزن تراقب مكانه الذي أصبح خالياً منه وارتفعت

قبضتها لصدرها وهمست بعينين دامعة

" كم أتمنى أن تزول لعنتي عليك وعلى جبران تحديداً لأشعر

بالارتياح وإن من أجلكما دوني "


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 09:22 PM   #13816

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



*
*
*

مسح وجهه بكفيه يسحب لصدره نفساً عميقاً قبل أن يمسك

خصره بيديه ونظر لضابطا الشرطة اللذان وقفا أمامه بعدما

انتهت مهمتهم وقال أحدهما

" بما تأمرنا أيضاً سيدي ؟ "

قال من فوره

" اتصلت بأدريان وسيتكفل بكل شيء حتى أكون معكم هناك ،

خذو شهادة الحراس وأضيفوها لمحضر الجريمة "

أومأ له أحدهما موافقاً وقال

" وماذا عن الموجودين هنا ؟ "


حرك رأسه برفض قائلاً

" ليس الآن يا برايدن سنتدبر أمر هذا فيما بعد "

وتابع ينقل نظره بينهما

" سأكون في مكتبي بعد ساعة أو اثنتين وسننهي باقي الإجراءات

القانونية .. أنا أعتمد عليكم الآن وحتى وصولي إلى هناك "

ربت الأقرب في وقوفه له على كتفه وقال بحزن

" لا أعلم ما الذي تقولونه في مثل هذه المواقف ؟ "

فأخفى الحزن في عينين بانسدال جفناه ببطء وهمس بوجوم

" ليرحمه الله ... شكراً لكما "


فغادرا من فورهما ليلتحقا بالفريق الذي كان في انتظارهم بينما

من تركاه خلفهما كان لازال واقفاً مكانه نظره الشارد بحزن لم

يفارق الأرض تحته لازالت صورة شقيقه الغارق في الدماء لم

تفارق مخيلته وشعر بمرارة لا يفهم معناها وشريط حياته أو ما

جمعه به منه يمر أمامه ببطء .. وتلك تعويذة أخرى للموت

تشعرك بأنك لم تفكر يوماً بأنه قد يأخذ ذاك الشخص من

حياتك ليصبح لا وجود له !

لم تكن علاقته بشقيقه ذاك حسنة ومنذ صغرهما لكنه لم يكرهه

يوماً .. الحاجز الوحيد الذي زاد تلك العلاقة سوءاً هي زيزفون

ومنذ أن أصبحت زوجة له وبقرار مجحف لا يفهم كيف لجده أن

يتخذه ! وزاده ضربه القاسي لها ثم قراره بتحويلها لنسخة عنه

مستغلاً ما علمه عن شقيقها وقضيتها وتضحيتها من أجله ، لكن

كل ذلك لم يجعله يفكر في لحظة أن يتمنى له الموت أو أن يكون

هذا مصيره بالرغم من أنه مصير البشرية جمعاء لكنه بالفعل أكبر

حقيقة يعيشها الإنسان على أنها أكذوبة ليس لها وجود .

رفع نظره وأدار وجهه جانباً حيث تجلس زوجات والده بعيداً في

إحدى صالونات بهو المنزل الواسع ووالدة رواح تحضن والدة

نجيب المنهارة في بكاء مستمر وندب منذ وقت حتى أن سبها

وشتائمها لمن كانت تنعتها بالقاتلة لم تتوقف حتى الآن بينما

كانت والدة ضرار تجلس بجانبها تنظر لها بحزن فلم تستطع

تخطي الصدمة حتى الآن وبالرغم من كل ما قالت وفعلت حتى

أنها هاجمت زيزفون وقت تواجدهم في الغرفة التي نقلت منها

جثة ابنها وحاولت ضربها وقد نجحوا في إبعادها سريعاً حيث أن

ضحيتها لم تفكر ولا مجرد التفكير في الدفاع عن نفسها ..

وتلك إحدى نوادرها بل والأغرب على الإطلاق !

تحول نظره منهن ناحية جده والجالس بعيداً عنهم يجمع كفيه في

قبضة واحدة ويتكئ بجبينه عليهما وكأنه يحمل هموم العالم أجمع

فوق رأسه .. وهو هم كبير بالفعل ولا يعلم هو نفسه كيف لازال

واقفاً على قدميه حتى الآن ؟

صوت صفير سيارة الإسعاف التي تحركت في الخارج جعل صوت

نحيب وبكاء زوجة والده يزداد وهي تقرر توديعه لآخر لحظة

يوجد فيها هنا وإن كان في سيارة خارج المنزل ! فتحركت

خطواته ناحية جده والذي لازال على حاله السابق لم يغيره وكم

تمنى أن علم ما يفكر فيه أو ما يخطط له .. تسليمها للقضاء أم

للمصح النفسي مجدداً ؟ فمؤكد هما حلاه الذي لا ثالث لهما وهذا

ما لن يسمح به مطلقاً وإن خالف القانون الذي أحترمه

طوال حياته .

" جدي "


كان همسه خافتاً كئيباً لكنه متأكد من أنه وصل له ، وحين لم

يرفع رأسه أو يبدي أي ردة فعل تابع بصوت منخفض هادئ

" سأغادر لمبنى النيابة بعد قليل وسأعمل جهدي لتركها هنا

حتى تنتهي القضية والتحقيقات "

" ثم ماذا ؟! "

شعر بكلماته المختصرة تلك والتي همس بها دون أن يرفع رأسه

تخترق قلبه كسكين حاد يشبهها تماماً ( قاسي وصلب وبطيء )

فاشتدت قبضتاه بجانب جسده بقوة وقال ونظره على الرأس

بالشعر الرمادي الذي لم يرتفع بعد وبكلمات حازمة قوية
" لن تدخل السجن وإن دخلته أنا مكانها "

رفع حينها رأسه ونظر له للأعلى نظرة قوية غاضبة بل ووقف

على طوله أيضاً فسبقه من قبل أن يفكر في التحدث بل والصراخ

بغضب كما يجزم وقال بجدية وصوت منخفض

" هي لم تفعلها جدي "

ولم يستغرب قَط نظرة الاستنكار التي رآها في عينيه وكأنه

مجنون يتحدث أمامه ويقول مالا يصدقه العقل وقال بضيق ما

أثبتته عيناه

" جننت بالتأكيد ؟ من فعلها إذاً ؟ كيف ستثبت هذا وثمة شهود

كثر هنا ؟! "


انحبست أنفاسه في صدره وقال يخرجها مع كلماته ببطء

" لن أعجز عن كتابة مذكرة تدينني إن أردت "

كانت نيران الغضب واضحة في عيني الواقف أمامه ولن يتوقع

غير ذلك وهو يخبره صراحةً بأنه سيتحمل الجريمة بدلاً عنها

فسبقه مجدداً وقبل أن يفكر في التعليق على ما قال قائلاً

بجدية وعناد

" ولن يحتاج الأمر فهي ليست الفاعلة "

" وقااااص "


وكانت تلك الصرخة العالية بإسمه فقط ما بدر عنه ينظر له

بغضب قاتل ولم يتركه يضيف حرفاً آخر وهو يغادر من أمامه

بإتجاه الممر المؤدي لجناحه فأطلق نفساً قوياً غاضباً ونظر

بإتجاه من جذبهم صوت جده الصارخ .. أو معظمهم فوالدة

نجيب لازالت تخفي عيناها في كف يدها التي سندت مرفقها

بمسند الأريكة الجالسة عليها وجسدها يهتز للأمام والخلف مع

صوت نحيبها المرتفع فتحرك أيضاً من مكانه لكن في الاتجاه

الآخر وسلك ممر آخر وقادته قدماه فوراً بإتجاه باب الغرفة

المفتوح ووقف أمامه ووقع نظره وعلى الفور على الجالسة فوق

سريرها تحضن ذراعاها ركبتيها لجسدها بقوة بينما تحدق

مقلتاها الزرقاء الباهتة في الفراغ .. جامدتان ميتتان وكأنها

صوره معلقة على الجدار حتى جفنيها لا يصدران أي حركة

ومنفصلة عن كل ما حولها وكأنها في غيبوبة عميقة بالرغم

من أن عيناها مفتوحتان ! نزل نظره للمكان الذي كان منذ

دقائق ثمة جسد غارق في دمائه ملقى عليه واختفى كل ذلك

سوى من رائحة الدماء التي لازالت تفوح فيه تشعرك

بالاختناق .

تحركت خطواته نحو الداخل ببطء ونظره لم يفارقها حتى جلس

على طرف السرير قرب قدميها الملتصقتان ببعضهما ونظره لم

يفارق وجهها وملامحها الجامدة تماماً وارتفعت يده رغماً عنه

ودون أن تستأذنه وبالكاد لامس إبهامه وجنتها حتى سحبها بعيداً

عنها وكأنه يتأكد بأنها مخلوق بشري بالفعل وليست تمثال

شمعي جامد ميت لا حياة فيه !

غضن جبينه باستغراب ما أن وقع نظره على جانب عنقها حيث

الإحمرار الخفيف وأثر يشبه غرزات أسنان !!

وارتفعت نظراته مجدداً لعينيها المحدقة في الفراغ يحاول أن يجد

عاملاً وحيداً يربط كل هذه الأمور ببعضها .. ؟

شهادة الحراس ونافذة الغرفة المفتوحة وهذا الأثر في عنقها كما

الخدوش البسيطة في الجانب الآخر من وجهها وعنقها بل وكتفها
ولم يسمع أحد خارج المنزل ولا داخله صوت صراخها !

والمسدس !!.

ارتفعت يده لليد المقابلة له من يديها المشدودتان حول ساقيها

والتفت أصابعه حولها وقال بهدوء ناظراً لعينيها

" أنا بجانبك يا زيزفون ولن أتخلى عنك أبداً "

وراقبت نظراته ملامحها الجامدة التي لم ويبدو لن يصدر عنها اي

رد فعل حتى يئس تماماً قبل أن تخون توقعاته وتحركت شفتي تلك

الصورة الميتة أخيراً وببطء قاتل لكنه أكثر رحمة من همسها

الذي خرج جامداً منخفضاً

" أنا من قتله "


فأنزل رأسه وضغط أصابعه يزداد قوة على يدها وأغمض عينيه

بألم .. لا بل بقهر فها هو التاريخ يعيد نفسه لتدفع بنفسها مجدداً

للتضحية من أجل من هم أهم لديها من نفسها فمن سيكون هذه

المرة ؟! من هو ولما !!

تركت يده يدها وهو يقف بينما نظراته تأبى ترك ملامحها ولم يعد

يعلم متى ستكون تلك المرة الأخيرة التي سيراها فيها فلا تبقي له

سوى ذكراها مطبوعة في عقله يطاردها بين أطياف من رحلوا

عنه ولأسباب متفرقة ؟


أغمض عينيه وتنهد نفساً عميقاً واستدار قبل أن تلتقطها نظراته

مجدداً وبالتالي تطيع قدماه قلبه ويعجز عن الابتعاد والمغادرة .

غادر الغرفة وإن ترك قلبه هناك خلفه فثمة مكان آخر يحتاجه

أكثر الآن ومن أجلها أيضاً ، وما أن وصل بهو المنزل والمكان

الذي لم يختفي منه صوت النحيب والبكاء بعد صعد السلالم

المؤدي للطابق الثاني من فوره بل ولباب جناحه ما أن كان في

الأعلى وفتحه ودخل وأول ما وقع نظره عليه باب غرفتها المغلق

وتساءل كيف لم تجعلها كل تلك الأصوات والجلبة تخرج بل ولا

صوت إطلاق النار !!

لو كانت غادرت المنزل كما كانت تنوي لكانت والدة رواح

أخبرته في اتصالها ذاك !

توجه ناحيته بخطوات سريعة واسعة وفتحه على اتساعه ما أن

وقف أمامه وغضن حبينه ينظر باستغراب لجسدها المنكمش

تحت اللحاف الحريري الناصع البياض والمطرز بخيوط من الذهب

ولا يظهر منها سوى خصلات من شعرها الأسود الناعم قد تناثرت

من تحته ، تركزت نظراته المستغربة على طاولة السرير وهو

يدخل الغرفة حتى وصل لها ورفع علبة الدواء المنوم من عليها

يقلبها ينظر للمكتوب على الملصق الخاص بها قبل أن يرميها

على الطاولة الخشبية حيث كانت وغادر تاركاً باب الغرفة مفتوحاً

وتوجه ناحية مكتبه هناك وجمع بعض الأوراق التي دسها جميعها

في ملف واحد وثناه ممسكاً إياه بيد واحدة وغادر مجدداً فعليه أن

يكون في مبنى النيابة سريعاً ويشرف بنفسه على كل ما

يخص القضية .

نزل السلالم بخطوات سريعة وما أن كان في الأسفل اقترب من

الجالسات مكانهن هناك ووقف على مسافة خلفهن ونادى

بصوت منخفض

" خالتي "

فالتفتت والدة رواح ناحيته سريعاً فوحدها من تحمل ذاك اللقب

في المنزل الكبير بساكنيه القلة ووقفت من فورها وتحركت

نحوه وما أن وقفت أمامه أمسك بذراعها وابتعد بها قليلاً عن

الجالستان هناك وقال بصوت خفيض ينظر لعينيها الدامعة

" لا أوصيك على زيزفون ، قومي بزيارة غرفتها من حين

للآخر وكوني قريبة منها حتى أرجع "

وحين لم يبدر منها أي رد فعل ولم تتغير ملامحها الكئيبة ولم

تتحدث قال بضيق

" خالتي زيزفون شهدت أكثر من جريمة أمامها في طفولتها

أسوأها موت والدتها محترقة أمامها وأضيفي له جدتها وزوج

والدتها ، وحتى الرجل الذي اعتنى بها طفلة لفظ أنفاسه الأخيرة

أمامها هي وزوجته "

فنظرت له بدهشة تغيرت معها ملامحها السابقة جميعها

فقال بإصرار

" كوني بقربها أو اطلبي من إحدى الخادمات أن تلازم غرفتها ،

أخشى أن تنهار أو تؤذي نفسها لكنها لن تؤذي أحداً ثقي بذلك

كما أني أكيد من أنها ليست من قتل نجيب "

نظرت له بحزن على مشاعره التي لا تتغير نحو تلك الفتاة ليس

إلا والتي جعلته لا يرى أي حقيقة تدينها أمامه وقالت بتعاسة

" من إذاً والمسدس كان في يدها ؟ "

تنهد بضيق وقال

" ليس هذا وقت الحديث عن الأمر خالتي فقط افعلي ما

طلبت منك اتفقنا ؟ "

أومأت له بحسناً دون أن تتحدث فشكرها هامساً وغادر من فوره

ناحية باب المنزل المفتوح نظراتها الحزينة تتبعه وتنهدت

بحزن متمتمة

" أعانك الله على قلبك بني "


*
*
*

فتحت عيناها ببطء وغضنت جبينها تنظر للواقفة منحنية فوقها

تمسك كتفها الذي كانت تهزه بحركة خفيفة منذ قليل وقد قالت

وهي تبعد يدها عنها

" آنستي السيد مطر وصل منذ قليل "

فقفزت واقفة على طولها خارج السرير فهي لم تشعر بنفسها ولا

حين نامت منكمشة فوق سريرها وهاتفها موضوع أمام وجهها

تحدق فيه بحزن وعينان دامعة حتى نامت ولهذا لم تسمع صوت

سيارته وهي تدخل أسوار المنزل وتقترب منه كما لم تكن تعلم

وقت عودته وكم ستطول رحلته تلك ، وبعد أن عاد جدها لسجن

نفسه في غرفته كانت جدران غرفتها الباردة الكئيبة ملاذها

الوحيد ولا شيء لديها سوى انتظار أي خبر يصلها عن أحدهما ،

نظرت حولها بتشتت قبل أن تنظر مجدداً للواقفة أمامها وقالت

" أين هو الآن ؟ "

قالت تلك من فورها

" في غرفته في الأعلى والسيد قاسم وصل معه "

تركتها حينها وغادرت الغرفة بخطوات راكضة تشعر بها تضرب

في قلبها المنفعل بجنون حتى أصبحت في طرف بهو المنزل

ووقف تتلقف أنفاسها تنظر للواقف هناك يديه في جيبيه وقد نظر

اتجاهها نظرة لم تفهمها أو لم تستطع تفسيرها ! ولم تنتظر أيضاً

ليفعل عقلها ذلك وهي تقترب منه ونظراتها معلقة على السلالم

المؤدي لغرفة من علمت بأنه فيها الآن حتى وقفت أمامه ونظرت

حينها لعينيه وهمست بريبة

" علم بالأمر ؟ "

وشعرت بقلبها سحق وبقوة وبجفاف مريع في حلقها وكادت تفقد

وعيها حين أشار برأسه في إيماءة صامتة وتحركت شفتاها في

صمت وكأنها تستجدي الكلمات أن تخرج ولا شيء يصدر منها

سوى أنفاسها الساخنة ولم تعرف تحديداً ما الذي تسأل عنه أولاً؟

ورحمها الواقف أمامها من عناء كل ذلك حين قال بصوت

منخفض كم شعرت بأنها تجهله وكأنها لم تعرفه فيه سابقاً

" لم يفعل أي شيء حتى الآن ، دخل لمكتبه هنا لبعض الوقت

وما أن خرج منه صعد للأعلى وها نحن ننتظر "

ارتفعت قبضتها اليمنى لقلبها وكأنها تمنعه من اختراق أضلعها

وتحطيمها والخروج منها بينما امتلأت عيناها بالدموع في صمت

وقد تعلقت في السلالم الخشبي العريق كتاريخ بنائه مما جعل

الواقف أمامها يخفض رأسه وقد فقد أي شجاعة يمكنها أن

تساعده في إخبارها بورقة المحكمة والموجود فيها لا يعلم رحمة

بها من تتابع الهموم عليها أم رحمة به هو كي لا يرى دموعها

التي تسكبها كالحمم على قلبه ؟

ورفعه واستدار سريعاً ناحية الذي نزل السلالم بخطوات مسرعة

منادياً بصراخ غاضب

" أمااااامة "

وما هي إلا لحظات ودون أن يحتاج الأمر لأن يكرر ندائه مجدداً

خرجت المعنية بالأمر من الباب المؤدي للمطبخ جسدها بأكمله

ينتفض من قوة ارتجافها المذعور ، ولم يحتج الأمر أن يشرح

أكثر من الكلمات المختصرة الصارمة التي وجهها لها ما أن

أصبح في الأسفل

" لديك ما تقولين أم أسأل أنا ؟ "


فارتجف جسدها منتفضاً بقوة وبدأت دموعها بالنزول تباعاً

وانحرفت عيناها تستجدي الرحمة من التي كانت تنظر لها بصدمة

مانعة إياها ليس من التحرك فقط بل ومن قول أي شيء وعلمت

حينها بأن موقفها يزداد سوءاً وعليها خوض حربها الخاسرة

وحيدة فقالت ببكاء تحضن يديها قرب شفتيها المرتجفة

" كا ... كنت ... ككككانت ... "

" تحدثي بسرعة "

صرخته الغاضبة تلك لم تزد الأمر إلا سوءاً فكان يكفيها النظرة

المشتعلة في عينيه لتجعلها تفقد حاسة النطق نهائياً فكيف

بصوته المزمجر بغضب ؟

لكنها تعلم مصيرها جيداً إن هي أصيبت بالخرس الآن فحاولت

التحدث مجدداً وبصوت مرتجف

" كككگ كنت سأخبر الآنسة.... "

" إختصري "

فكان قد أسكتها بذلك وبأمر حازم لكن ليس رأفة بحالها ولا

بأحرفها المتقطعة بالتأكيد وعلمت حينها بأنه يعلم وبطريقة ما

عن أغلب التفاصيل فحاولت تهدئة نفسها لتتمكن من قول ما لديها

قبل أن تتسبب لنفسها بمصيبة أخرى سببها غضبه من خوفها

وتلعثمها وقالت بثبات أفضل قليلاً من السابق وإن كانت أطرافها

لازالت ترتجف

" السيدة غغغسق من طلب منا سابقاً ... أأن نخبرها عن أي

شيء يصل من إنجلترا ، وقد وصل أكثر من طرد و.... "

وقفزت في مكانها وركضت من حيث جاءت حين صرخ بها بأمر

" هاتي الآخر "

وعلمت أن مصيبتها أعظم مما توقع وأنه علم حتى بأنه ثمة آخر

لم يعد هنا في المنزل وقد ناداها هي تحديداً وكأنه كان يراهم !!

لكنها زوجته وما عملته كان بأوامر منها وكم تتمنى أن يشفع لها

ذلك فهي تعلم الكثير عن عدل وشهامة هذا الرجل وإن لم تكن أحد

أبناء شعبه ، كما وتعلم أيضاً عن شخصيته القوية المحاربة التي

وحدت بلاداً كاملاً قد مزقته الحرب لأشلاء وهذا جل ما تخشاه أن

لا ترى منه إلا هذا الجانب .

وكانت لحظات تلك التي مرت على من تركتهم خلفها في أجواء

صامتة مشحونة بضجيج مرتفع وإن لم يكن له وجود !

وبينما كانت نظرات التي فردت كفها وأصابعها على صدرها

بصدمة تنتقل بين والدها وزوجها كانت نظرات قاسم المصدومة

أيضاً مركزة على مطر فقط والذي لم تفارق عيناه الغاضبة المكان

الذي اختفت منه من كانت هنا منذ قليل حتى خرجت مجدداً تحمل

مغلفاً ورقياً بني اللون سلمته إياه من فورها قائلة

بصوت مرتجف

" الحرس هم من أدخلوه سيدي ولا أعلم سبب هذا وكل ما فعلته

هو ما أمرتني به السيدة غسق والحرس لم يمنعوا هذا أنا فقط

أعطيته لها .. "

كانت تتحدث وحكاياتها تتداخل في بعضها بخوف بينما من سحب

المغلف منها بقوة يبدو لم يكن منتبهاً أو مهتماً بما تقول وهو

يقلبه أمام عينيه ومن الإشارة الحمراء الصغيرة بما يشبه الختم

المطبوع والموجودة في أحد زواياه اتضح له بعضاً مما يجهله

وما جعل هذا الشيء يدخل منزله دون الرجوع له ، وبدأت أصابع

يده الأخرى بفتحه بحركة غاضبة وما أن أخرج أول صورة منه

دسها فيه سريعاً وأسنانه تكاد تتحطم من قوة ضغطه عليها

بغضب مكتوم لم تخفيه ملامحه أبداً وأخرج هاتفه من جيبه وهو

يتجه ناحية باب المنزل المفتوح وقال على الفور وهو يجتازه

وقاسم في إثره سريعاً تاركاً التي لم تجتز صدمتها بعد واقفة

مكانها

" صلوني بمكتب وزير العدل وأرسلوا قوة لتطويق منزله

ومراقبته "

وما أن كان في الخارج نظر لعمير الذي كان واقفاً ينتظر خروجه

هناك ومد له شريحة هاتف صغيرة بينما يده الأخرى لازالت

تمسك الهاتف على أذنه وقال بجدية وحزم

" أريد تسجيلاً بجميع المكالمات وليكن هذا تحت إشرافك أنت يا

عمير لا أريد المزيد من العبث "

وما أن أخذها عمير منه غادر من أمامه وركب سيارته وغادر

صرير عجلاتها يصم الآذان من خلفها بينما تركهما واقفان

مكانهما خلفه وقد تبادلا نظرة صامتة ما أن ابتعدت سيارته وقال

عمير بترقب

" ماذا حدث ؟! "

وكان تعلق قاسم المبدئي أن تنفس بقوة محركاً رأسه قبل أن

يتمتم ببرود

" تباً لسذاجتنا يا رجل "

فحدق فيه عمير باستغراب جعل ملامحه تتقلب للضيق بينما قال

الواقف أمامه مشيراً بيده حيث غادرت السيارة السوداء اللامعة

قبل قليل

" فعل في دقائق معدودة ما لم ننم نحن بسببه يومان كاملان

دون جدوى ! "


وتركه وتحرك ينزل عتبات الباب بخطوات قوية قائلا بضيق

" آمنت الآن بأننا لن نفلح في التحكم في شبر من هذه البلاد

بدونه ولسنا سوى أكذوبة "


وضرب باب سيارته بقوة ما أن ركبها وآخر كلماته الحانقة تتبعه

" بل جعل منا أضحوكة لأنفسنا "

وغادرت سيارته على الفور تتبع الذي خرج منذ قليل بينما تنهد

من تركه خلفه بضيق وتحرك ناحية سيارته المتوقفة في الأسفل

أيضاً وغادر من هناك والأمر الوحيد الذي فهمه بأنه لوزير العدل

ذراع في الأمر مما يعني بأنهما سيكونان لديه والدليل هي ورقة

المحكمة .. ويالهم من حمقى بالفعل !! .


*
*
*


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 09:24 PM   #13817

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*

تأفف أبان هامساً للواقف بقربه يسند يده على الجدار

" كل هذا الوقت من أجل إجراءات تسليم ؟! "

بينما كان تعليق أويس الصمت ونظراته قد انتقلت للجالس على

الكرسي الجلدي يستند بمرفقيه على ركبتيه منحنٍ للأسفل ونظره

لم يفارق الأرض منذ أصبحوا هنا ولم يفهم نوع المشاعر التي

انتابته حينها ؟ فلم تمحى من ذاكرة أياً منهما وليس وحده بالتأكيد

الطريقة التي عامله بها والده ..!

بل ووصل به الأمر أن صفعه أمامهم وكأنه فتى صغير !

وما كان ليتوقع من يمان ردة فعل مغايرة لِما كانت عليه حينها

وما كان لشخصيته أن تترجم ردة فعل مختلفة ليس ضعفاً منه كما

يجزم ولا خوف من ذاك الوالد بل لأنه يحترمه لكونه والده حتى

إن كانا وحدهما فكيف بوجود صديقاه معه ؟

ولن يستغرب هذا قطعاً بعد تعامله مع المدعوة مايرين فأقل ما قد

يفعله بها هو إن كان مكانه أن يجعل قصتها على كل لسان قبل

أن يطلقها ويرميها في الشارع لتتعلم معنى أن تترك زوجها نائماً

وتغادر منزله تتنقل كل ليلة في الأراضي المليئة بالرجال

والعمال .


نظر ثلاثتهم للباب الذي انفتح أخيراً وللذي قال ينظر تحديداً

ليمان الذي وقف على طوله

" اتبعني لتأخذهما معك "

فتحرك من فوره وخرج يتبعه وكلاهما خلفه حتى أصبحا يسيران

بجانبه ودخلوا المصعد معاً وقد ارتفع بهم من فوره طابقين

متتاليتين في صمت لا يسوده سوى صوت ضجيجه الكهربائي قبل

أن يفتح بابه من جديد وخرجوا خلف من خرج أولهم وساروا

خلفه عبر رواق طويل أغلب أبوابه كانت مفتوحة لم تستهوي أيا

منهم للنظر ناحيتها حتى وصلوا للباب الذي وقف أمامه دليلهم

هنا وأمسك مقبضه بيده اليسرى وفتحه على اتساعه ومن دون

أن يتركه من يده ونظر ليمان الذي تقدم ناحية الغرفة أولهم ولحقا

هما به من فورهما ليظهر لهم السريران الحديديان الموجودان

بالغرفة الخالية سوى من طاولة تشبهما وسرق انتباههم فوراً

الجالسان فوق أحدهما ملتصقان ببعضهما وأحدهما يمسك هاتفاً

في يده بينما ينظر الآخر له معه منشغلان به تماماً قبل أن يرتفع

رأسيهما ونظرا جهة الباب ما أن دخلوا وقد صرخا معاً مغادران

السرير ركضاً

" يماااااان "

ووصلا له في الوقت ذاته بينما جثى هو على ركبتيه واستقبلهما

في حضنه يشد ذراعيه حولهما بقوة ورأساهما مدفونان كل في

جهة من عنقه في مشهد جعل الواقفان خلفه يراقبانه بابتسامة

معبّرة وكأنها نسخت على وجهيهما ...!

كانا توأمان بالفعل فحتى طولهما متقارب بشكل كبير بل حتى

جسميهما وشكليهما والشعر الأسود الناعم الذي يحف حاجبيهما

الرقيقان بينما وصل طوله من الخلف لياقة قمصانهما ينزل

بنعومة الحرير .. الإختلاف الوحيد كان في لون العينين ففي حين

كان لأحدهما عينان رماديتان كوالده وشقيقيه كان الآخر بعينان

سوداء ، يرتديان بنطلونا جينز وبينما كان أحدهما يلبس معه

سترة جينز من الأعلى كان الأخر يرتدي قميص جينز مفتوح

أيضاً وتحته قميص أبيض مغلق بياقة مفتوحة كما شقيقه تماماً .

وما أن أبعدهما عنه تمسح يديه على رأسيهما قال أحدهما بحزن

" أين أنت ذهبت وتركتنا يا يمان ويمامة أيضاً ؟ "

فابتسم بحزن لم يختفي من عينيه وقال ويده تمسح على شعره

الأسود الحريري

" أنا لم أترككما كنت فقط أعمل في الجنوب وها قد عدت "

قال الآخر بحزن أعمق

" لما نحن نائمان هنا ؟ أين هي والدتي ؟ "

وكان ذاك السؤال الذي دمر البقية المتبقية من صموده وحضنهما

مجدداً ولم يستطع منع دموعه من النزول ولا بنشيجه الرجولي

الباكي من الخروج يحضنهما بقوة فمهما كانت معاملة تلك المرأة

له ولشقيقته سيئة في الماضي إلا أن فكرة موتها موجعة خاصة

ووالده يعترف بقتله لها وتبقى والدتهما وتحبهما ويحبانها

وحسنتها الوحيدة أنها لم تجعلهما يكرهان شقيقاهما أبداً ، وهو

من سبق واختبر معنى اليتم والحرمان من حنان الأم وعطفها

ووجودها ويفهم معنى ما يمران وسيمران به حتى حين يصبحا

رجلان فكيف وقصة قتلها ستتبعهما أبداً ما عاشا ، وكم حمد الله

أنهما لم يرياها مقتولة ولا كيف قُتلت .

يد أبان التي مسحت على كتفه بحنو يهمس له بحزن أن يذكر الله

ويسترجع نيابة عنهما جعلته يبتعد عنهما مجدداً ومسح الدموع

من وجهه في كم قميصه وأمسكت كل يد من يديه بكتف أحدهما

وخرج صوته مبحوحاً متأثراً ببكائه السابق بينما نظره ينتقل

بينهما

" أتذكران ما كان جوابي حين سألتماني عن والدتي ووالدة

يمامة ولما ليست ذاتها والدتكما ولسنا أيضاً إبنان لوالدتكما ؟ "

كانت إشارة صامتة من رأسيهما هي الرد المبدئي ينظران له

بحزن قبل أن يقول أحدهما

" هي تحت الأرض وطارت في السماء "

شقت ابتسامة وجهه الحزين وقال

" هذا فقط ما حفظتماه ؟! "

ومسحت يداه على شعريهما الشديد النعومة وقال بكل ما استطاع

من قوة وصمود

" أخبرتكما أن الله خلقنا ويرانا دائماً وهو فوق السماء وجميعنا

يوماً ما ستصبح أرواحنا لديه هناك ويدفنوننا تحت التراب حين

نموت "

فملأت الدموع العينان الرمادية والتي همس صاحبها بحزن

" هل ماتت والدتي ؟ "

فشعر بقلبه تمزق وبعنف وذاك ما توقعه منه فهو كان دائماً ذكياً

لماحاً ، أمسك وجهه بكلتا يديه وقال ناظراً لعينيه الدامعتان

الحزينتان بحزن أعمق يحاول وبشق الأنفس أن لا يبكي كامرأة

فقدت كل من لها في الحياة

" نحن لا نختار هذا الله من يفعله فقط لأنه يحبنا "

ووقف على طوله ينهي كل ذاك الحديث فمهما شرح ليس لعقلي

صغيران بالكاد قاربا الرابعة من العمر أن يفهماه ، نظر لهما وقال

" هيا سنغادر من هنا الآن "


فركض صاحب العينان الرمادية ناحية السرير الذي كانا يجلسان

فوقه ورفع الهاتف من عليه وعاد به لكن ليس جهة شقيقه

الأكبر بل اجتازهم حتى وصل للذي كان لايزال يقف عند الباب

ومده له قائلاً

" شكراً لك "

فابتسم له وأخذه منه بينما لعبت يده الأخرى بخصلات شعره

الحريري يبعثرها بيده التي لامست قمة رأسه وقال

" أراك قريباً هنا مثلنا كما تمنيت يا بطل حسناً ؟ "

فأومئ له موافقاً ومبتسماً قبل أن يضرب له التحية بيده كما

يفعلون فضحك ولعبت أصابعه بخصلات شعره مجدداً وراقبته

نظراته الباسمة وهو يرجع ناحية شقيقيه وقد أمسك كل واحد

منهما بيد من يديه وخرج بهما من هناك ، وما أن وصلوا

المصعد وجد احتجاجات التوأم الآخر في انتظاره وهو يرفض أن

يدخله خوفاً منه بعد تجربته السابقة حين صعدوا بهما إلى هنا

فاستسلم له نهاية الأمر ونزل بهما من السلالم ورفض أبان وحتى

أويس أن يفترقوا ليجمعهم الطابق الأول واستخدموا السلالم

معهم .

وبدأت الأسئلة التي لا تتوقف وأساسها كان يمامة والتي احتاج

لمسافة السلالم كاملة حتى الطابق الأرضي كي يشرح لهما أنها

أصبحت متزوجة ولن تعيش معهم مجدداً ولا يمكنهما سوى

زيارتها لفترات متباعدة ومرات محدودة .

وما أن أصبحوا في الخارج رفع أحدهما رأسه ونظره لشقيقه

والذي كان يمسك بيده بقوة وتطايرت خصلات شعره الأسود

الحريري وضيق عينيه في مواجهة الهواء القوي بعض الشيء

وقال برجاء طفولي يشبهه

" لنذهب لرؤيتها الآن يمان أرجوك "

فتنهد بضيق وما أن كان سيتحدث سبقه الذي وضع يده على كتفه

وقال بهمس من خلف أذنه

" سيكون هذا أفضل يا يمان فمؤكد يمامة متشوقة لرؤيتهما "

أدار له رأسه ونصف جسده تقريباً ونظر لعينيه وبادله الهمس

قائلاً

" أتركها تعلم بالأمر وما حدث أولاً لا أريد لما حدث المرة

الماضية أن يتكرر "

فأبعد أبان يده ولم يناقشه أكثر وبدا مقتنعاً وإن جزئياً بما قال

ففكرة رحيلها معهم ستتشبث في عقلها أكثر الآن ، قال مستسلماً

نهاية الأمر

" قم بزيارتنا في وقت قريب إذاً "

ونظر بعدها للطفلان المحدقان به ورفع كفه لكل واحد منهما

ليضربه بكفه وقال مبتسماً

" أراكما قريباً في منزل شقيقتكما يمامة يا بطلان اتفقنا ؟ "

وكان كل واحد منهما يحاول جعل ضربته لكفه تكون الأقوى

مبتسمان بينما ادعى هو التأوه متألماً في كل مرة على صوت

ضحكاتهما الفخورة بما فعلاه وغادر بعدها باتجاه سيارته

'بعد أن حياهم جميعاً بيده مبتسماً وراقبت نظراتهم سيارته تدخل

الطريق المزدحم وإن لم تكن السيارات متوقفة فيه تنتظر ونظر

لهما أويس وقال مبتسماً يشير بإبهامه لسيارته خلفه

" هيا بنا إذاً لنغادر "


فقال الذي مد شفتيه بعبوس وقد أشار بسبابة يده الحرة حيث

غادرت سيارة أبان منذ قليل

" لما لم نركب في تلك ؟ إنها أجمل "

فضحك وقال رافعاً كفيه

" وسيارتي جميلة وجديدة لقد كلفتني الكثير لشرائها "

قال يمان بابتسامة صغيرة وإن لم تستطع أن تصل لعينيه

" بالنسبة لهما تلك أجمل لأنها مرتفعة وبعجلات كبيرة ..

هذا هو السبب فقط "


ونظر لهما وقال بهدوء

" علينا الذهاب معه لأنه من سيوصلنا للجنوب .. أبان منزله

ليس هناك حيث منزلي "

" سنذهب لمنزلك ؟ "

كان ( عنان ) وصاحب العينان الرماديتان هو من تحدث الآن

أيضاً بل وصاحب الأسئلة الذكية كما يسميه دائماً فقال يبتسم له

" أجل وثمة أراضي واسعة هناك تلعبان فيها ولديا سيارة جديدة

أيضاً ستركبانها وآخذكما تتجولان بها في أراضي الجنوب فهي

أجمل حتى من أغادير "

قال الآخر ولم يفهم النظرة المترددة التي رآها في عينيه

" هل سيذهب والدي معنا ؟ "

ولم يستغرب قطعاً أن تكون تلك مشاعره ناحية الوالد الذي لم

يحضن أيا منهما يوماً كإبن له بل ولم يروه يبتسم يوماً لأحد ولا

هما ، خاصة مع شخص مرهف وحساس ك ( جاد ) فتنهد وقال

" لا "

قال عنان هذه المرة

" هل مات هو أيضاً ؟ "

نظر له وقال يجاهد نفسه ليكون قوياً صامداً فهو سيجيب عن كل

هذا إن الآن أو لاحقاً

" لا هو لم يمت بل سافر لبلاد بعيدة وسيرجع في أي وقت "


" ماذا عن ثيابنا وحاجياتنا ؟ "

كاد أن يحضن جاد شاكراً لأنه أنهى بذلك أسئلة شقيقه التي لن

تتوقف بالتأكيد وكل واحد منها سيكون أكثر خطورة من سابقه ،

وذاك ما حدث فعلاً فقد قال مبتعداً عن كل ما يخص الأمر

" أجل وسيارتي الجديدة التي أحضرتها خالتي لي "

لكن مهربه يبدو أسوأ من مأزقه السابق فتنهد بعمق ماسحاً

وجهه بيده ونظر لأويس الذي قال بهدوء

" هيا إذاً سنمر بمنزلكم أولاً لنصل قبل حلول الظلام "


همس له بما يشبه الاعتذار

" ليتك تركتني أحضرت سيارتي فما كان.... "

لكنه قاطعه ويعلم ما سيقول

" لا يا يمان ما كنت لأتركك تأتي وحدك ولم أندم لهذا ولست

منزعجاً وسآخذكم حيث تريدون وإن اضطررنا للمبيت هنا

فلا مانع لدي " .



*
*
*

أغمضت عينيها بقوة ما أن تسلل لها نور النافذة القوي حين

فكرت في فتحما وانقلبت على جانبها الآخر بانزعاج تخفي أغلب

وجهها في ذراعها بينها بالكاد كان يظهر باقيه بسبب خصلات

غرتها والبعض من شعرها العالق به ومتناثراً فوقه بنعومة ووقع

نظرها المخدر بسبب النوم وعيناها شبه مفتوحتان على الواقف

عند باب الغرفة يتكئ عليه بكتف يده المدسوسة في جيب بنطلونه

الرياضي بينما يمسك بالأخرى تفاحة قد شوه جمالها وحمرتها

الداكنة قضمه كبيرة من أسنانه بينما كانت تحطمها أضراسه

وفكيه القويان ينظر لها ببرود ممتع لا يتقنه سواه ولا يمكن لأحد

غيرها قراءته كما الاستمتاع به .

لم يكن نومها مريحاً لكنه كان أفضل بكثير من الساعات القليلة

التي نامتها بالأمس ورغم ذلك لم يتركها الكابوس ذاته الذي كان

يتكرر في كل مرة ونزعها من نومها عدة مرات تراه فيه يبتعد

ويتركها في صحراء موحشة آخر ما طبع في ذاكرتها نظراته

الغاضبة في صمت بينما ودعته هي بالصمت ذاته ودموعها تسقي

وجنتيها لم تفكر ولا في اللحاق به أو الصراخ لتناديه وتركته

هكذا يبتعد ويتركها .
دست وجهها بأكمله في ذراعها وتمتمت بضيق تعلم بأنه يصله

" كان عليك تسليمي جميع مفاتيح الغرفة "

ولم يصلها منه أي تعليق ولم تسمع ولا صوت خطواته وهو

يقترب منها حتى شعرت بثقل ركبته تُميل السرير جهتها وانتقل

لطرفه الآخر متعمداً احتكاك جسديهما ورمى الدمية التي كانت

هناك بعيداً ناحية الخزانة بينما من كانت تدفن وجهها في ذراعها

أكثر تشد على شفتها المبتسمة بأسنها بسبب ما فعل لم تفكر بعد

في تغيير طريقة نومها تلك لازالت تسمع صوت قضمه للتفاحة

وتحطم صلابتها بين أسنانه حتى أن رائحتها المنعشة شعرت بها

تدغدغ أنفها وكأنها لم تعرف هذه الفاكهة حياتها ولم تتذوقها !

ويبدو أن معدتها الخاوية السبب فهي لم تأكل شيئاً منذ يومين

وبالرغم من ذلك لازالت تشعر بأحشائها جميعها ترفض الطعام .

تبدلت ملامحها للحزن ما أن وصلها صوته العميق الهادئ وإن

كان يميل للبرود الذي لا يفارقة دائماً

" هيا ماريا اجلسي ثمة ما أريدك أن تريه "

لكنها لم تستجب له كانت تدفن عيناها أكثر في ذراعها تمنعها من

ذرف الدموع وأسنانها تشد على شفتها أكثر بسبب الألم القاسي

في قلبها هذه المرة ، ولأول مرة منذ أصبحت هنا تتمنى مكرهة

أن يغادر الغرفة ولا يكونا معاً ، لكن وما أن رفع قدمه الحافية

يرفع بها طرف اللحاف الثقيل ورماه بعيداً عن جسدها حتى

جلست مسرعة تعدل قميص بجامتها التي كانت في حالة فوضى

كبيرة بسبب تقلبها الكثير في نومها الغير مريح ورفعت خصلات

شعرها عن وجهها متأففة بضيق فمنذ أن أصبحت هنا معه لم

يتركها تستمتع بيوم إجازة تنام فيه كما تريد .

أنزلت قماش بنطلونها القطني الطويل الذي كان مجموعاً لما

يقارب ركبتها ونظرت بضيق للذي كان ينظر لحركة إبهامه على

شاشة هاتفه في يده وعلى شفتيه إبتسامة تسلية خفيفة وأشار

لها بيده ذاتها بحركة خفيفة ودون أن ينظر لها قائلا

" تعالي وأنظري لهذه "


وذاك ما جعل جميع خلاياها الحسية تستنفر فهذه معناه أنثى !

وإن لم تكن حيواناً فهي بشرية بالتأكيد ؟ وذاك ما جعلها تزحف

ناحيته وجلست بجانبه لكن بعيداً عن ظهر السرير الخشبي الذي

كان هو يتكئ عليه ومدت رأسها تنظر بفضول للشاشة أمامها

لكنه أبعده لأن يده وذراعه الآخر قد تسللت خلف كتفيها وشدها

نحوه حتى كانا رأسيهما متجاوران تقريباً وظهرها يستند على

كتفه وذراعه بينما أصبحت يده والتفاحة فيها أمام وجهها

والأخرى لازالت تمسك الهاتف الذي كانت تراقبه عيناها بفضول

وإن لم تفهم ما يوجد فيه حتى شعرت بالملمس البارد على يدها

فأنزلت نظرها لها فكان مصدرها تفاحته التي كان يطلب منها وفي

صمت أن تأخذها منه ولم تمانع هي ذلك وأخذتها من يده وعادت

بنظرها لهاتفه الذي رفعه أمامهما بينما انغرست أسنانها وشفتيها

حيث الحفرتان الكبيرتان اللتان أكل ناحيتهما وراقبت عيناها

بفضول التسجيل المصور الذي فتحه وكان لامرأة بالفعل جالسة

على الأرض على ركبتيها ويديها فوق فخذيها وثمة شخص

ملتصق بكل كتف لها أي تجلس بين شخصان أو مجموعة في

مكان شديد الخضرة من الأوراق الكبيرة النافرة من السيقان

الموجودة خلف ظهرها وكأنها أدغال أو ما شابه ! كانت تبدو

فيما يقارب الأربعين عاماً بملامح غريبة وكأنها أحد أفراد قبائل

أمريكا اللاتينية عيناها صغيرة وحدقتاها سوداء وشعرها

المجموع في ضفيرتان للخلف شديد السواد أيضاً وبشرتها قد

لوحتها الشمس حتى أظهرت خطوطا عميقة في وجنتيها ووجهها

المستدير ! فهل التقط هذا في رحلتهم الأخيرة ؟ .

توقفت حركة قِطع التفاحة الصغيرة في فمها وتوقفت عن مضغها

تراقب بتركيز التي كانت ترفع رأسها عالياً تنظر لشخص أو ربما

مجموعة أشخاص كانوا يقفون أمامهم تماماً بينما كانت نظراتها

غاضبة بل وملامحها عابسة قاسية أيضاً وبدأت فجأة بالتحدث

بكلمات سريعة حانقة لم تستطع فهم شيء منها ليس لسرعتها في

التحدث فقط بل ولغتها الغير مفهومة بتاتاً لها ! حتى توقفت فجأة

وظهر صوت ضحكات لرجال يبدو أنهم الواقفون أمامها وكانت

توجه حديثها لهم حتى تحدث أحدهم وكانت كلماته إنجليزية

واضحة قائلاً بضحكة رجولية عميقة

"يبدو أنها علمت بأنك قائد المجموعة يا تيم وحديثها موجه لك"

وعند هنا كان التسجيل قد انتهى ولم تسمع أي تعليقات أخرى

غير ضحكاتهم التي انطلقت عالية ي مجدداً فأدارت رأسها ناحيته

وقد نظر لها بدوره وقالت سريعاً

" من هذه ؟! "


فالتوي طرف شفتيه بما يشبه إبتسامه لا يُفهم معناها وقال ينظر

لعيناها المحدقتان به بفضول

" كانت مهمتنا تحرير مجموعة مختطفة من السفارة ووجدنا أنهم

يحتجزون أشخاصاً محليين معهم أيضاً تم تسليمهم لحكومتهم

للنظر في أمرهم "

قالت مباشرة وقد فقدت اهتمامها بجنسيتها ومن تكون

" وماذا كانت تقول ؟ "

عادت تلك الابتسامة للارتسام على شفتيه وأمال جبينها ليتكئ

على جبينها وقال ناظرا لعينيها

" كانت تشتكي من زوجها ولا تريدنا أن نعيدها له وبأنه علينا

اعتقاله ورميه في مكان بعيد عنها "

كانت ترجمته تلك لتجعلها تضحك لولا أن أتبعها بعبارته الباردة

وهو يرمقها مضيقاّ عينيه ولازال يتكئ برأسه على رأسها

" وأراك تشبهينها كثيراً الآن "

كانت طُرفة سيئة لأنه يهينها بها كعادته مزاحه يشبه مزاجه

الدائم ورغم ذلك ضحكت .. ضحكت تدس دموعها في كتفه

وذراعها تحضن خصره بقوة فهو أصاب الحقيقة لكن بشكل

مختلف تماماً أكثر قسوة ومرارة مما يتوقع وتريد .

اتكأت برأسها على كتفه ما أن انتهى ضحكها الممزوج بكل ذاك

الألم الخفي وقالت ببحة تغلبت على صوتها

" وما الذي فعلتموه ؟ "

وراقبت نظراتها بفضول شاشة هاتفه الذي رفعه مجدداً وتمتم

وهو يمرر بإصبعه التسجيل التالي

" ها هو ذا "

وخرجت ضحكتها رغماً عنها ما أن ظهر أمامها الرجل المربوط

اليدين للأعلى معلقاً بجذع شجرة بينما أصابع قدميه فقط ما

يلامس الأرض وحذائه معلق معه يضرب بوجهه كلما تحرك

وقالت من بين ضحكاتها القصيرة المتعاقبة

" لن يتعرض لها مجدداً ومهما فعلت "

قال الذي قام بإظلام شاشة هاتفه

" أجل فهو يظن بأننا سنفعل به هذا كلما أساء إليها واستدعتنا ،

خاصة بأنه في أعرافهم الرجل لا يطلق زوجته أبداً ويعيشان معاً

حتى يموت أحدهما "

" ياله من عرف رائع "

قالت ذلك مبتسمة وهي تحاول اختطاف هاتفه من يده لكنه

وكالمتوقع تماماً أبعده من بين أصابعها بلمح البصر وقبل أن

تشعر بملمسه فقالت بضيق تمد يدها له

" أتركني أرى ماذا يوجد أيضاً "


فرفعه بعيداً عن يدها الممدودة ناحيته دون توقف متمتماً ببرود

" لا ممنوع "

فابتعدت عنه وأمسكت خصرها بيديها قائلة بنظرة اتهام

" ما الذي تخبئه ولا تريد أن أراه؟! "

ابتسم بتهكم رماه في الهواء ليعود ليده بعيداً عنها وقال

" هذه أمور تخصني .. هل تسمحي لي أنت بتفتيش هاتفك ؟ "

" لا بالطبع "

قالتها مندفعة ودون شعور وبطريقة لم تستطع ولا هي استيعابها

قد ارتجف معها جسدها وتصلبت ملامحها حتى شعرت بشفتيها

تبردان حد التجمد وعقلها يرفض الفكرة التي يفترض بأنها تسعى

لها حتى رأت ذلك في ملامحه وقد انتبه لتبدلها بالتأكيد ، وبدلاً

من أن تدفعه لرؤيته كما يخططون ها هي تتهرب بخوف بل ويبدو

خدمت مخططهم وإن بحركة بطيئة للغاية .

عادت وأنقذت نفسها نهاية الأمر ضاربة بكل عرض الحائط وهي

تلوح بيدها ناحية هاتفه قائلة

" لما ترفض أنت ؟! أنا أيضاً لن أسمح لك "

وفاجأها بأن مده ناحيتها وابتسامة مائلة تزين شفتيه فتمتمت

قائلة بجمود تخفي به انفعالها القوى داخلياً

" هو تبادل إذاً ؟ "

رماه في حجرها ومد يده وأخذ التفاحة من يدها وقضمها مجدداً

وقال وهو يمضغها

" لا بالطبع "

فشعرت بالارتياح لإبطال ذاك المخطط من جديد أو تأجيله حتى

ينتهي عمرها إن كان كما تتمنى ، ولم ترفض الدعوة مطلقاً

ورفعته قبل أن تعود لحضنه وعادت ذراعه وساعده للاستناد على

كتفيها ولم تتردد لحظة في التقليب في باقي التسجيلات الموجودة

فيه وكان لها جميعها ذات الطابع الإجرامي المخيف ولم تفكر ولا

في فتحها .


وبحركة من سبابتها غادرت تلك الأيقونة بالكامل وشدت طرف

شفتها بأسنانها مبتسمة وهي تدخل لمتصفحه الخاص وخرجت

منها ضحكة مكتومة ما أن همس قرب أذنها مميلاً رأسه

" جاسوسة مبتدئة "

وتابعت ما تفعل دون تراجع بالرغم من أنها فقدت نصف تركيزها

بسبب شفتيه التي انتقلت لعنقها تعبث قبلاته المتفرقة على بشرته

كل واحدة أعمق من الأخرى حتى كان جسدها يتقلص في حركة

خفيفة مع كل قبلة تحاول بحركة كتفها أن تبعده بينما تمتمت

مبتسمة

" يكفي يا محتال "

لكنه لم يتوقف بل وسحبت يده الهاتف منها ورماه خلف ظهره

وهو يستدير بجسده ناحيتها متمتماً

" المحتالة هي التي تخلف بوعودها "

وجلس على ركبتيها مثبتاً كتفيها بيديه مانعاً أي فكرة للهرب بينما

قالت التي تململت بألم

" لا تتهمني بما لم أفعل "

رفع جسده وانحنى فوقها ويداه لازالت تثبت كتفاها على السرير

تحتها وتمتم ببرود ونظرة متوعدة

" من هذه التي نامت قبل وقت عودتي البارحة ؟ "

فتمتمت مثله وبنبرة باردة أيضاً بينما نظرها على عينيه فوقها

" سأكون أكثر حمقاً من التي قضيت السهرة معها إن جلست

أنتظرك "

قرب وجهه منها وهمس من بين ضحكته الخافتة

" خائنة "

لكن صوت هاتفها الذي كانت توقته على موعد استيقاظها منع كل

ذلك ليفتح بعد إغلاقها له وصوت الرسائل المعلقة تخرج منه

برنين مرتفع متتابع شعرت به كرصاص رشاش متلاحق يوجه

نحو قلبها ، كما جعله ينظر ناحية المكان الذي يخرج منه مما

جعلها تنتفض جالسة ومبتعدة عنه تنظر ناحية درج طاولة

السرير المغلق والذي تضعه فيه وكأنها تهرب به بعيداً عن كل

شيء وأوله الجالس أمامها نظره ينتقل بينها وبين مصدر ذاك

الرنين الذي لم يتوقف بعد وقلبها يكاد يتوقف ، وما كان ليستغرب

بالتأكيد لولا تصرفاتها الغريبة فبعض المواقع تتميز بهذه الصفة

المزعجة وهي ترسل التنبيهات المتتابعة فها هي تدخله بنفسها

لمصيدتهم ودون عناء .

نظراته الثابتة ناحية ذاك الدرج هو ما جعل خوفها يتعاظم أكثر

وحاولت أن تدعي اللامبالاة حين نظر ناحيتها بينما جسده يميل

نحوها ويده تلتف حول خصرها مجدداً لا تفهم حقاً ما ينوي فعله

العودة لما كان يفعل سابقاً ودون أن يهتم أم سيحاول بطريقة ما

إبعادها عن هنا ليتأكد من شكوكه ؟ ويبدو لا مهرب لها هذه المرة

من أحد الأمرين والمرجح هو تحقيق وعدها الأخير له أحبت ذلك

أم رفضته ، أو هكذا كانت تظن لأن رنين آخر هذه المرة جعلها

تجفل مبتعدة مجدداً من قبلاته كالحمقاء كل ما له علاقة بالرنين

يجعلها تنتفض ذعراً ! وكان هذه المرة مصدره باب المنزل

فارتفع نظرها للذي ارتفعت يده لخصلات شعره الناعم ورفعها

للأعلى بحركة عنيفة غاضبة بعثرته ما أن تحرر من أصابعه

ونزل من السرير متمتماً بحنق

" سحقاً للبشرية بأكملها "

فراقبته نظراتها الدامعة مبتسمة بحزن وهو يخرج من الغرفة

قاصداً مصدر كل ذاك الرنين المتواصل مغلقاً الباب خلفه ووقفت

أيضاً خارجه تمسح دموعها واقتربت من الباب وفتحته قليلاً تنظر

من خلاله لمنقذها الجديد فما تعلمه أن زوار هذا المكان نادرين

جداً وهذا ليس وقت زيارات تلك الحمراء ! .


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 09:27 PM   #13818

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*

نظرت للساعة في معصمها وتنهدت بضيق ولا تفهم لما أرسلها

هذا الوقت تحديداً !! دست الورقة في جيب سترتها ما أن دار قفل

الباب أمامها قبل أن ينفتح وكما توقعت هي واستبعد والده

وجدته في وجهها نظرته الحادة وحاجباه الصارمان كانت لترهب

أي شخص وتجعله يتراجع لكن ليس هي بالتأكيد فقد أبعدت

قلنصوة سترتها وهي تحشر جسدها في المكان المفتوح من

الباب والذي يسده بجسده ليبتعد عن طريقها ونجح الأمر ودخلت

لكنها لم تجتازه بل كان عليه تجربة الطقوس التي استقبلت بها

زوجته سابقاً وهي تحضنه ضاحكة مرغماً في مشهد جعل الواقفة

عند باب غرفتها تبتسم بحزن تحول لضحكة خفيفة ما أن أبعد

ذراعيها قائلاً بضيق

" ابتعدي عني يا امرأة "

فضحكت وهي تجتازه لتسلم على التي قالت لها هامسة بابتسامة

وهي تقبل خدها

" سأتركك تقصين لي شعري انتقاماً لغيرة النساء .. فقط لا

تغضبي مني "

فابتسمت لها بصمت تنظر لعينيها بمشاعر تجهلها هي نفسها لا

تعلم تعبر عن الامتنان أم الدهشة ! وراقبتها وهي ترمق من

تركته هناك بطرف عينيها بينما توجه حديثها لها مبتسمة

" أتمنى أني لم أفسد مزاج الصباح الجميل للجميلة "

وكان التعليق من الذي ضرب باب الشقة بقوة قائلاً بضيق

" أهنئك على إفساد الكثير أيضاً "

مما جعل عيناها كما شفتاها تتسعان بصدمة تنقل نظرها من التي

تلون خداها إحراجاً بدهشة للذي وما أن نظرت ناحيته كان قد

أصبح في منتصف صالون الشقة الواسعة ولم يترك لها مجالاً

للتحدث وقد لوح بسبابته ناحيتها قائلاً ببرود

"ولتكن هذه الزيارة الأولى والأخيرة ولا تلتصقي كثيراً بزوجتي "


وأولاهما ظهره ما أن أنهى كلامه ذاك متجها لباب غرفته المفتوح

تاركاً خلفه التي صاحت من فورها

" يالك من وقح ..! احترمني وإن كزوجة لوالدك يا معقد "

وكان رده الوحيد أن صفق باب غرفته بقوة بعد أن دخلها فنظرت

للتي كانت تراقب الأمر باستغراب وقالت بضيق

" كيف تستحملين هذا المخلوق الحجري ؟ "

فتبدلت ملامحها كما نظراتها للحزن وهي تهمس وعيناها

الدامعتان تتجهان للباب الذي اختفى خلفه

" ما أعلمه فقط أني أحبه وكيف ما كان "

فتنهدت بعجز رغم أنها تعذرها فكيف لامرأة أن لا تحبه وسحبتها

من يدها ناحية المكان الذي علمت بأنه مطبخ متمتمة

" فعلاً أنه أصاب من قال : ومن الحب ما أصاب الدماغ بالشلل "

وكانتا داخل المطبخ الواسع حينها وقالت وهي تخرج الورقة من

جيبها تبتسم لعيناها الحزينتان

" لكني أعلم أيضاً بأنه غير ذاك الوجه الوسيم يملك قلباً جميلاً

بعض الشيء "

وابتسمت نهاية عبارتها تلك ودست الورقة في يدها قائلة

" هذه من والده لأسلمها لك وحدك "

جعدتها بين أصابعها بقوة تشعر بضربات قلبها تنخر أذنيها

وهمست بتوتر

" ماذا تحوي ؟ "

رفعت كتفيها قائلة

" لو كنت أعلم لما أعطيتها لك ، ويبدو أنه لا يستطيع الاتصال

بك ليكلفني بالمهمة فهذا فقط ما قاله وهو يخرج مستعجلاً "

فلاذت بالصمت تنظر للفراغ بشرود حزين بينما كانت الواقفة

أمامها تنظر لها بصمت مشابه وكانت تلحظ كل ذاك الحزن في

عينيها الجميلتين واضحاً ويبدو مشكلتها المجهولة تلك لم تنتهي

بعد ، ومنعت نفسها بصعوبة من سؤالها فهي تبقى خصوصيات

لو أرادت لأطلعتها عليها بنفسها أو والد زوجها ذاك فاستسلمت

للصوت الصغير الداخلي الذي كان ينهاها عن فعلها وتابعت وهي

تجلس على كرسي الطاولة القريب منها

" ويبدو لأنه كان يخمن بأن إبنه قد يكون في الجنازة الآن وجد

أنه الوقت المناسب "

حدقت فيها التي قالت باستغراب

" جنازة من ؟ "

وفعت رأسها ونظرها لها وقالت

" ما فهمته أنها عائلة شقيقته المتزوجة من ابن

ضرارالسلطان "


فارتفت يدها لصدرها وهمست بصوت مصدوم

" يا إلهي ... من مات منهم ؟ "

قال التي رفعت كتفيها دلالة عدم الفهم

" لم أفهم الكثير ماريه فقد تلقى اتصالاً هاتفياً وهو يحتسي قهوته

في المطبخ وما فهمته أن المقتول اسمه نجيب "

" مقتول !! "

وذاك كان ما جعلها تهمس بتلك الكلمة بصدمة بينما تابعت التي

ظهر الحزن في عيناها وإن كانت تجهل من يكون

" أجل والقاتل شخص أسمه زيزفون "


وتابعت بتفكير وحدقتاها تبتعد جانباً لم تنتبه معه للتي شحب

وجهها حتى أصبح وأرضية البورسلين تحتها بلون واحد

" يبدو اسماً لامرأة بالرغم من أني أستبعد أن تقتل النساء !

لكنه لن يكون اسم رجل بالتأكيد "

فانهارت حينها الواقفة قربها والتي لم تعد قدماها تقويان على

حملها جالسة على الكرسي قربها وهمست بعينين دامعة

" يا إلهي لا أصدق هذا ... وزيزفون !!

مستحيل هي ليست قاتلة ، لا يمكنني تصديق ذلك ! "

حركت كتفيها مجدداً قائلة

" حسناً هذا سيحكمه طبيعة صلتهما ببعض وعلاقتهما أو.... "

وقطعت كلماتها ما أن سمعت باب غرفة ما يُفتح في الخارج

وهبت واقفة وأسرعت نحو الباب قائلة للذي كان يتجه لباب

الشقة ينوي الخروج

" انتظر لتوصلني معك لا أحب سيارات الأجره كثيراً "

لكنه تابع طريقه دون أن يكلف نفسه ولا بالنظر ناحيتها وهي

تسرع نحوه وخرج وأغلق الباب خلفه ووقفت مصدومة أمام

خشبه المصقول تماماً ما أن دار قفل الباب مما يعني بأنه أغلقه

من الخارج ! فضربته بقبضتها مناديه بضيق

" أحمق ... انتظر هنا قلت لك "


ونظرت على الفور ناحية التي أصبحت تقف عند باب المطبخ

وأمسكت خصرها النحيل بيديها قائلة بذات ضيقها السابق

" قولي بأنك لا تملكين مفتاحاً للباب وبأني سجينة معك هنا ؟ "

فابتسمت لها العينان الحزينتان والتي كم عشقت العلاقة الغريبة

بينهما فهو أبدى انزعاجاً واضحاً منها لكنه لم يكن كرهاً كالذي

يوجهه ناحية كل من يمت لماضيه بصلة !

وحتى كونها زوجة لوالده تأخذ مكان المرأة التي دفنت في قلبه

قبل أن تدفن تحت التراب وعاشت فيه وهي ضمن الأموات !! .

قالت وهي تتجه ناحية غرفتها

" بلى أملك مفتاحاً له "

فتبعتها التي قالت بحنق

" الأحمق كان غرضه فقط أن يتخلص مني إذاً ؟ "



*
*
*

أنزل شقيقه من السيارة بعد إصرارهما المزعج ليكونا معه وقد

استسلم نهاية الأمر فقط من أجل أويس لأنه رفض ومنذ البداية

أن يتركهما معه فقد يزعجاه بعبثهما الطفولي وشجاراتهما بالرغم

من أنه كان يصر على أن يتركهما وينزل وحده ويفهم أسباب

رفضه ومقتنع بها تماماً لكنه أيضاً لا ذنب له في أن يتحمل

صراخهما وبكائهما وهو من يعرفهما جيداً حين تمنعهما عما

يريدان وكيف تكون ردة فعلهما العنيفة فقرر أن ينزلا معه نهاية

الأمر .

ولأن أويس أوقف السيارة خارج حدود مزرعتهم ولم يدخل بها

كان عليهم السير داخلها ليصلو للمنزل وكانت المرة الأولى التي

يدخلها فيها بعد الحريق وانتقاله للجنوب .. والمرة الأولى أيضاً

التي تدوس فيها قدماه تربتها الرطبة ولا يشعر بأنه ينتمي لها

مطلقاً ... بل شعر بأنه يكرهها !!.

شعور غريب عنه لكنه حقيقي ولا يستطيع نكرانه ولا تكذيبه

فبسببها عاش مزارعاً طوال حياته ولازال ، وبسببها عملت

شقيقته كفلاحة وخادمة وراعي أغنام ذات الوقت ، ومن أجلها

تحول والدهم لكتلة من القسوة هدفه الوحيد في الحياة زراعتها

وحرثها وسقايتها وقطف محصولها .. حلمه الوحيد أن تكبر

وتزداد اتساعاً ليتحول الحلم لكابوس هما بطلاه ومستقبلهما

ضحيته .

تنهد بعمق مستغفراً الله وشد يديه بقوة على اليدان الصغيرتان

فيهما وتجنبت نظراته كل ما كانوا يمرون به فالتفكير في الماضي

وفي كل هذا الآن حماقة فلا شيء مما كان يمكن العودة له

وتغييره وعليه أن يفكر في شقيقيه فقط وفي المسؤلية الجديدة

التي أصبحت على عاتقه فلا أحد لهما غيره بعد أن فقدا والديهما

معاً وفي وقت واحد ، بل ولن يعيدهما له وإن تم إثبات براءته

وغادر السجن فهو لن يسمح بأن يكون مصيرهما كمصيره هو

وشقيقته يعيشان تحت رحمة زوجة أب جديدة سيكون هو أقسى

عليهما منها ويعرفه جيداً لن يتحمل مسؤليتهما لوحده .

ما أن ظهر له المنزل تباطئت خطواته ينظر له باستغراب ،

صحيح أنه احترق وبشكل كامل في ذاك الحادث لكن هذا الذي

أمامه لا يشبهه سوى في هندسته المعمارية فحتى الطلاء

الخارجي لجدرانه لم يكن يحلم يوماً أن يراه عليه !! وما أن

وصلوا بابه المفتوح ودفعه ودخل وقف ينظر بدهشة أكبر للتغيير

الجذري في الداخل والذي فاق جمال خارجه وحتى قطع الأثاث

كانت جديدة جميعها ويستحيل أن يملك والده كل هذا المال الذي

رممه به واشترى به كل هذه الأشياء !! وشعر بغضب كبير

داخله من فكرة أن يكون أبان أو والده وراء هذا .. ولا أحد غير

تلك العائلة سيفعلها بالتأكيد وجل ما يخشاه ويغضبه أن يكون

والده من طلب هذا .

" الدماء لازالت هنا ! "

نظر ليد شقيقه التي أشارت سبابتها للبعيد وصاحب الصوت

الحزين وشعر بقلبه يعتصر ألماً وهو ينظر حيث أشار للدماء

المتناثرة على الأرضية وأسفل الجدار وسحبهما سريعاً في الاتجاه

الآخر قائلاً

" هيا عليكما جمع ثيابكما جميعها لنغادر "

وما أن أنهى عبارته تلك حتى ركضا تاركان يديه باتجاه باب

غرفتهما سابقاً ذاتها ودخلاها راكضين أيضاً يتحدثان ذات الوقت

بينما غابت نظراته هو حيث بقع الدم الكبيرة التي تركوها خلفهم

وعاد ذات الشعور بالألم لموتها كما عاد يحمد الله أن شقيقاه لم

يريا إلا هذا لأنهما كانا نائمان .

ولا يعلم لما تذكر حينها ضربها الدائم ليمامة وتركها تنام على

أرضية المطبخ بدون فراش ولا غطاء كعقاب دائم لها وإحراقها

لمخزن الأعلاف فقط لتتلقى هي العقاب من والدها وهو الجلد

ودون رحمة بسوط الأحصنة ، بل وكانت تنوي حتى قتلها محترقة

، وكره مشاعر الانتقام التي تولدت لديه حينها والتي جعلته يفكر

بأنه أرادها أن تعيش لسنوات أكثر لتراها وهي امرأة رائعة قوية

في كل شيء وأفضل منها .

حرك رأسه بقوة مستغفراً الله وتوجه ناحية الحمام وأخرج منه

دلو ماء وفرشاة التنظيف الخاصة به وتوجه ناحية بقع الدماء

وسكب الماء عليها وجثى على ركبتيه يفركها بالفرشاة اليدوية

بكلتا يديه بقوة ليزيلها وإن جزئياً ونزلت دموعه رغماً عنه

وتمنى لو أن مأساتهم الطويلة يمكن إزالتها معه هكذا وبسهولة

ليجد نفسه كما أراد وتمنى أن يكون وأن تكون شقيقته كأقرانها

من فتيات بلدتهم تعيش مدللة وتكبر كأميرة وتصبح في منزل

زوجها ملكة على كل شيء وامرأة تملك نفسها ، لكن كل ذلك لن

يحدث الآن فلا الماضي يمكنه أن يعود ولا الأقدار ستتغير كما لن

ترجع صاحبة هذه الدماء للحياة من جديد .


توقف عماً كان يفعل ومسح الدموع من عينيه بقوة واستدار

برأسه ونصف جسده حيث صوت الخطوات البطيئة خلفه ونظر

للعينان السوداء الدامعة التي قال صاحبها بعبرة مخنوقة

" ألن نرى أمي مجدداً يا يمان "

مما جعل عيناه تدمع مجدداً ورمى ما كان في يده وفتح له

ذراعيه فركض نحوه مسرعاً وتوأمه في إثره وارتميا في

حضنه لا يعلم هل يبكي لبكائهما .. عليهما أم على نفسه ؟! .


*
*
*


أبعدت اللحاف بعيداً عن رأسها ونصف جسدها وأمسكت صدغيها

تضغطهما بأصابع يدها ولم تفتح عينيها بعد فتلك الحبوب اللعينة

جلبت لها النوم لكنها كانت أسوأ نومة مرت عليها سابقاً وتشعر

برأسها سينفجر ، فتحت عينيها وجلست ورفعت هاتفها من على

طاولة السرير تنظر مستغربة لعلبة الدواء المرمية في الأسفل

وهي تركتها واقفة فوقه !! وانتقلت نظراتها المستغربة للباب

المفتوح الذي لم تلاحظه إلا حينها فثمة شخص واحد قد يدخل هنا

ويزورها ؟! نظرت لشاشة هاتفها ما أن أضاءتها واتسعت عيناها

بصدمة وهي تنظر للوقت أعلاها وقفزت واقفة خارج السرير فلم

تكن تتوقع أن تكون نامت لكل هذا الوقت !.

وضعت هاتفها مكانه وتوجهت ناحية الحمام ترفع شعرها عن

وجهها في جديلة وهمية دون رباط قبل أن تفلته مسترسلاً على

كتفيها وتأففت نفساً قوياً من شفتيها ورمت ثيابها عنها ما أن

دخلتنه فلعل المياه المنعشة تخفف من هذا الصداع وتحسن

مزاجها الذي اجتمع عليه ما حدث ودورتها الشهرية التي تجعل

منه زوبعة ثائرة دون عناء من أحد .

وكم تتمنى أن يأتي اليوم الذي لا تراها فيه لأنها تحمل طفله وكم

سيكون الأمر رائعاً وسيغير من مجرى حياتها معه بل والأهم

علاقتهما وللأبد ، فها هو حين خسرت الكثير من وزنها وباتت

الفرصة متاحة أمامهما اعتصم عنها في غرفة لوحده .. بل

ووجود تلك الحشرة التافهة السبب في كل شيء لكانت أمور

كثيرة في علاقتهما تغيرت ونحو الأفضل ، شعرت بجسدها

يرتجف بغضب تحت المياه الفاترة واصطكت أسنانها بسبب

النيران التي اشتعلت فجأة داخلها وهي تتذكر ما حدث وشعرت

بصداعها يزداد حدة فأغمضت عيناها بقوة تفرك أصابعها في

شعرها بحركة بطيئة تدلك رأسها برفق فهو سينفجر على

هذا الحال .


وبعد حمام سريع خرجت تلف جسدها في منشفة زهرية مطرزة

بأزهار بيضاء صغيرة تجفف شعرها بواحدة تشبهها في اللون

والنقوش تخالفها فقط في الحجم والتفصيل ، توجهت ناحية

الخزانة وأخرجت فستاناً بلون الخوخ من القماش المخملي

الخفيف ولبسته ونظرت لنفسها برضى في المرآة تمشط خصلات

شعرها الرطب بيديها فقد كان بأكمام ضيقة تصل لمرفقيها وياقة

مربعة الشكل بينما كان مشدودا على خصرها ويتسع في الأسفل .

وكانت محطتها الأخرى طاولة التزيين وضعت قرطين في أذنيها

وسلسال خفيف وسوار مماثل له ومررت أحمر شفاه بلون

الفستان على شفتيها وحددت جفناها بالأسود الخفيف ورمت

العلبة في الدرج قبل أن تغلقه بحركة قوية ورفعت زجاجة عطرها

الخاص وأغرقت نفسها به وغادرت الغرفة ما أن أنهت مهمتها

بحذاء أسود أنيق ذو كعب عالي وأحزمة عريضة تحيط بكاحليها

تنتهي بزهرة من ذات الجلد الطبيعي الذي صنع منه .

وما أن كانت في ردهة الجناح نظرت أولاً ناحية غرفته المفتوحة

والمظلمة مما يعني أنه ليس موجوداً فيها ولن تتوقع غير ذلك فلم

يهتم ولا بسجنها لنفسها في الغرفة ولما سيهتم ؟ تنهدت بضيق

وتحركت ناحية الثلاجة الموضوعة في زاويته البعيدة فكل هذا

سيتغير ما أن ينجح مخططها ويغادرا هذا المنزل فإن فشل هذه

المرة فلن يفشل دائماً ، أخرجت قارورة ماء وعلبة حبوب مسكنة

لآلام الرأس وأخذت منه قرصين وبلعتهما بالماء عل هذا الصداع

يخف وإن قليلاً .

غادرت الجناح بعدها تدير السوار الماسي حول رسغها الممتلئ

قليلاً بل وقليلاً جداً أمام ما كان عليه في الماضي فلن تسمح

لشيء أن يعكر مزاجها أكثر من ذلك ولا تلك المغرورة المدعوة

زيزفون وما تريده سيحدث نهاية الأمر وسيظهر حينها من

الخاسر منهما .

وما أن وصلت السلالم نزلت منه بخطوات بطيئة تنظر باستغراب

للأسفل وحيث النساء المجتمعات هناك ولوالدة نجيب التي كانت

تتوشح بالسواد التام تبكي في صمت وعيناها المتورمتان من

البكاء معلقتان في الفراغ والجالسة على يمينها تمسح على

ظهرها بحزن وذاك كان حال ملامح المحيطين بها ! وقفت مكانها

منتصف السلالم تنظر للأسفل باستغراب ومن حسن حظها أن

كانت شقيقتها جيهان أول من رآها فأشارت لها برأسها بعينين

غاضبة لتبتعد قبل أن تقف معتذرة ممن حولها وتوجهت خطواتها

الأنيقة نحو السلالم وصعدت عتباته مسرعة ما أن وصلته حتي

كانت عند الواقفة ملتصقة بالجدار خلفها وأمسكتها من يدها

وصعدت بها نحو الأعلى لم تجب عن أي شيء من أسئلتها

المتتابعة حتى كانتا في جناحها وأغلقت بابه بقوة قبل أن تنظر

لها وقالت بضيق

" جيد أنك استفقت .. ظننتك أنت الميتة وليس هو "

اتسعت عيناها بصدمة وقالت

" من الذي مات ؟! "

قالت الواقفة أمامها بضيق

" بالطبع لن تعلمي بشيء ولم تسمعي أي شيء ، كم حبة منوم

ابتلعتها لتنامي كالجثة الهامدة ؟ رغم جميع محاولاتي لم أنجح

ولا في جعلك تشعرين بي ! "


حدقت فيها باستغراب كالبلهاء هامسة

" حاولتِ إيقاظي !! "

وذاك ما جعل توأمها تزداد اشتعالاً وقالت بضيق

" بل لم يبقى إلا إبريق الماء لم أسكبه على رأسك "

بينما استمرت هي في طرح الأسئلة التي لا تعني أحداً غيرها

قائلة

" أنت من فتح باب الغرفة إذاً ؟ "


فتأففت في وجهها قائلة

" لا بل وجدته مفتوحاً "


مما جعلها تشهق بصدمة وشفاه مبتسمة وقالت

" هو كان هنا إذاً ؟ "


وذاك ما جعل الواقفة أمامها تمسك رأسها بيديها قائلة بحنق

" يا إلهي !! هل استفاقت هذه الحمقاء فعلاً أم لازلت نائمة ؟ "

فمدت شفتيها تشدهما بضيق فشقيقتها لا تتوقف أبداً عن تذكيرها

بأنهما توأمتان في تاريخ الميلاد فقط ، رمت كل تلك الأفكار من

رأسها كالعادة وقالت بفضول

" ماذا حدث وما بها عمتي أسماء ! خبر من وصلها من

عائلتها هناك ؟ "


قالت الواقفة أمامها بسخرية

" عائلتها هناك ؟ بل إبنها الذي قُتل "

أمسكت فمها بصدمة هامسة

" قُتل !! "

قالت جيهان بضيق بل وبلهجة توبيخ صارمة وكالعادة وكأنها

شقيقتها الصغيرة الطفلة

" لو كنت بكامل وعيك لسمعت صوت إطلاق النار كالبقية لكنك

حمقاء كالعادة ، والأكثر حمقاً أنه لم يشعر أحد بغيابك حتى

أصبحنا هنا وجيد أني أنا من صعد ليناديك وتحججت لك أمامهم ،

ومن الجيد أيضاً أنني أول من رآك تنزلين لهم وأنت متأنقة هكذا

وشقيق زوجك ميت للتو "


فقالت بصدمة وكأنها لم تهتم بكل ذاك الموشح الطويل


" إطلاق نار !! هل قُتل هنا ؟! "

قالت ببرود تكتف ذراعيها لصدرها

" أجل أو كيف ستتمكنين من سماعه إذاً ؟ "

قالت التي لم تجتز الصدمة العنيفة بعد أو الصدمات المتلاحقة

" من قتله ؟ "


وازداد استغرابها وهي ترى الابتسامة التي أشرق بها وجه

شقيقتها التي لم تتوقف عن توبيخها والتحدث بضيق منذ دخلت

بينما قالت

" المجنونة بالطبع "

فلم تشعر بنفسها وقد امتزجت صدمتها بضحكة خرجت عالية من

فمها المتسع بصدمة أيضاً على نظرات شقيقتها الباسمة وقالت

بسعادة لم تستطع إخفائها

" قولي قسماً فعلتها ؟! "


قالت التي لم تخفت ابتسامتها الشامتة بعد

" حين دخلوا الغرفة بعد سماعهم صوت الرصاصة كان هو مرمي

أرضاً غارقاً في دمائه والمسدس في يديها فمن سيكون مثلاً

الأميرة النائمة هنا ؟ "

قالت بحماس تتجاهل كلماتها الأخيرة والتي تخصها

" وأخذتها الشرطة ؟ "

فتبدل مزاج شقيقتها المزهو للتو وتمتمت بما يشبه الحقد

" لا بالطبع بالرغم من أن ذلك يفترض بأن يكون مصيرها "

وتابعت من فورها وبضيق تنظر للتي كانت تحدق فيها باستغراب

لم تستوعب بعد سبب ما قالت

" وزوجك الشهم السبب بالطبع ، بل وسيتركها هنا حتى وقت

انتهاء المحاكمة التي لم تقرر النيابة العامة بعد متى ستنقل

القضية لها ولم يؤخذ بشهادة الموجودين هنا أيضاً .. بل ولم

يؤذن ولا بدفنه وحتى حين لم يحدد بعد ، أي أنها باقية هنا لفترة

طويلة كما يبدو "

انتفضت الواقفة أمامها محتجة بحدة

" ولما ؟! ألا ينظر لها ولا كقاتلة لشقيقه ! "

وكان حال شقيقتها مماثلاً إذ همست من بين أسنانها

" وهذا ما يقتلني غيضاً "


وحركت يدها مع حركة رأسها بسخرية كارهة وهي تتابع

" لا وتلك التي ربته تبرر له بطريقة سخيفة أمام الموجودات

وبأنه كان سيفعلها مع أي فرد في العائلة حتى تأخذ العدالة

مجراها ، كانت كالطفلة التي تتحدث عن أمر لا تفهم فيه شيئاً "

واستمرت في هجومها الحاقد تشير بإبهامها خلف كتفها

" لولا مركزه المهم في مكتب المدعي العام لما استطاع فعلها

ولجرها رجال الشرطة كالشاة من هنا لكن زوجك وحماقته لا

يتغير أبداً "

ذبلت ملامح الواقفة أمامها كما حماسها وسعادتها التي ماتت قبل

أن تولد وقالت بتوجس

" تظنين أنه سيخرجها منها ؟ "

قالت جيهان سريعاً

" لا بالطبع ولا أعتقد بأن مبادئه قد تخونه والجريمة تلبستها

ولا مهرب لها منها "

أشعلت لها بذلك فتيل حماسها الذي انطفئ للتو وقالت

بابتسامة واسعة

" أجل ونهايتها واحد من اثنين إما السجن أو المصح النفسي

الذي جاءت منه ولن تخرج منه أبداً هذه المرة "

وضحكت بانتصار ضحكة عالية وتوجهت للخزانة وفتحت بابها

على اتساعه فقالت التي استدار جسدها معها تنظر لها باستغراب

" ماذا تفعلين ؟ "

قالت بحماس وسعادة تسحب فستاناً أسود اللون من علاقته

" سأنزل لأكون شاهدة على كل شيء بالطبع فأنا كنة

العائلة الوحيدة "

فقالت التي كتفت ذراعيها من خلفها وبنبرة باردة حانقة

" عليك أن تعلمي إذاً بأن كبير العائلة أمر بأن لا يتحدث أحد من

أفرادها عما حدث أمام المعزين ويتحجج كما قيل بأنه احتراماً

لحفيده المتوفى "


قالت التي استدارت نحوها تمسك القماش الأسود بين

يديها وبضيق

" بالطبع سيأمر بذلك ومن أجل حفيدته وليس حفيده فالجميع

يعلم بالجريمة بالتأكيد فلما سيرفض التحدث عنها وهو ميت ؟ "

حركت تلك كتفيها بمعنى لا أعلم ولا أهتم أيضاً وحذت هي حذوها

غير مبالية واجتازتها متوجهة لباب الحمام متمتمه

بابتسامة انتصار

"هذا انتقام القدرة الإلاهية مما فعلته بي يا تربيةالفلاحة الجاهلة"


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 09:29 PM   #13819

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*

نزع خوذة الحماية من رأسه وابتسم للذي كان ينزل من سيارته

مغلقاً بابها وقد بادله الابتسام وإن كان يستغرب التكلف في تلك

الابتسامة وكأنه يجامله ليس إلا !

اقترب منه يمسك الخوذة تحت ذراعه الأيسر ومد له يده اليمنى

قائلاً بابتسامة أوسع

" يبدوا أن تلك الطفلة الحمقاء تشوه سمعتي ... ما هذه

الابتسامة البشعة يا رجل !! "
وكان رد فعل قاسم ضحكة صغيرة خرجت رغماً عنه

وصافحه قائلاً

" كيف حالك يا كاسر ؟ "

قال مبتسماً

" بخير شكراً لك "

وتابع يثبت ما في يده في مكانها المخصص في دراجته النارية

التي تشبهها تماماً قد دمجت اللونين الأزرق والأسود

" لم أستطع انتظار عودة خالي رعد وبما أن والدتي ليست

موجودة هناك ركبت دراجتي وأتيت "

وضحك عند آخر عبارته تلك فربتت يد قاسم على كتفه دون أن

يعلق ودفعه ليدخلا معاً وصعدا عتبات الباب القليلة لازال يحتفظ

بصمته ، وما أن كانا في الداخل وكما توقع ظهر لهما عند بداية

الممر الشرقي الجسد الأنثوي الرشيق وصاحبة الملامح الفاتنة

الحزينة تحضن خصلات شعرها الحريري المموج وجهها

وكتفيها .. التي وقفت فجأة بعد خطوات مسرعة خرجت بها من

غرفتها ما أن سمعت صوت سيارة تقف أمام باب المنزل وهذا

حالها لا شيء لديها سوى انتظار أي وافد منهم يتحدث معها على

الأقل .. يسمعها ويجيب عن الأسئلة التي سينفجر رأسها من

كثرة التفكير فيها .


كانت نظراتها الضائعة تتنقل بينهما لتعود وتستقر على الكاسر

وما توقعته حدث فلن يطيقه صبر ليكون في مكان ووالدته في

مكان آخر ولا تعلم إن كان قاسم أخبره أم لم يعلم بالأمر بعد ؟

لكن ابتسامته التي لم تستطع إهدائه ولا واحدة مشابهة لها لم تكن

تدل على ذلك لما كان سيفكر في الابتسام أساساً ! كل تلك الأفكار

جعلت نظراتها تتركز على عيني الواقف بجانبه والذي بحثت عن

الإجابة لديه في صمت وتعلم بأنه يفهمها بينما كان الكاسر هو

من نقل نظره بينهما باستغراب هذه المرة وآخر ما توصل له بأنه

ثمة شجار نشب بينهما في وقت سابق أو قد يكون خلافاً ما بسبب

رأيهما المتضارب حول مصير زواجهما المجهول ؟

فتجاهل كل ذلك نهاية الأمر وقال بابتسامة واسعة

" ما أخبار العروسان وشهر العسل ؟ "

وكان قاسم من حدق فيه باستغراب هذه المرة قبل أن ينقل نظره

للتي قالت من بعيد معترفة بحزن

" والدي فقط كان مسافراً وعاد اليوم "

وجعل ذلك عيناه تتسع بصدمة وقد عاد لتوزيع نظراته بينهما

بعدل وبالتساوي قبل أن يستقر عليها نهاية الأمر وقال ولم يجتز

صدمته بعد

" لكنك ... أنت قلت .. !! "


وقاطع نفسه وقال بوجل ينقل نظره بينهما

" أين هي والدتي إذاً ؟ "

قالت تيما مجدداً تخرج كل ما أخفته عنه ولم يعد لذلك من

داعٍ كما ترى

" ليست هنا "

فاتسعت عيناه بصدمة ولم يترك له قاسم أي مجال لأن يسأل

أو يتحدث وهو يقول

" تعالي يا تيما فثمة ما عليكما معرفته "


فحدقت فيه بتوجس يشابه الذي كانت عينا شقيقها ترسله نحوه

وإن اختلفت كمية معلوماتهما عن الأمر ومنعها الارتجاف في

ساقيها من التحرك من مكانها تنظر لعينيه برجاء حزين وعينان

التمع فيها بريق الدموع وكم ترعبها فكرة أن تتوقع فقط ما

سيقوله .. وأعظم مخاوفها كان أن يكون ثمة مكروه أصاب

والدتها وقد تم تكليفه هو بإبلاغها بالخبر .

واستطاعت أخيراً أن تتحرر من تيبس قدميها وتحركت خطواتها

ببطء ناحيته حتى وقفت أمامهما نظراتها الضائعة لازالت ملتصقة

بعينيه كما نظرات الكاسرة التائهة بين الحيرة والاستغراب ينتظر

بترقب مريع ما سيقوله الذي سحب نفساً عميقاً قبل أن يخرج

صوته منخفضاً بجمود

" لقد وجدناها "

فاشتدت أصابعها في قبصة واحدة جهة صدرها وهمست بصعوبة

وبعينين امتلأت بالدموع

" هل هي بخير ؟ "

وهذا ما كان أعظم مخاوفها وغيره يمكنها تقبله وكيفما كان

ومهما كانت قسوته عليها ، وانحبست أنفاسها تراقب شفتاه التي

تحركت أخيراً ورحمتها

" هي بخير "


فتحررت أنفاسها التي كادت تعلق داخلها وللأبد وقال الكاسر هذه

المرة ينقل نظراته الحائرة بينهما

" ماذا يحدث هنا وأين هي والدتي ؟ ألم تأتي إلى هنا وذاك ما

قالته لعمتي جويرية ؟ "

وكان قاسم من تحدث حينها وقال ناظراً له

" أجل هي كانت هنا وتعبت قليلاً وتم نقلها للمستشفى ثم غادرت

من هناك ولم نكن نعلم عن مكانها "

حدق فيه بصدمة بسبب الفواجع المتتالية وقال ما أن استطاع

تحريك لسانه

" ولكن كيف ؟ لما تعبت وأين هي ؟! "


كانت نظرات تيما الدامعة تراقبه بصمت وحزن على حاله المشابه

لحالها بينما تولى قاسم والذي كم حمدت الله أن كان هنا وقت

قدومه باقي المهمة مجيباً على تساؤلاته بهدوء واتزان يشبهانه

" جواب سؤالك الأول ليس لديا حالياً ويبدوا أن زوجها وحده من

يملكه ، أما أين هي ففي منزل السيد عقبة وزير العدل "

وكانت تلك صدمة لهما معاً هذه المرة ولم تستطع ولا ابنتها والتي

كانت شاهدة على كل ما حدث استيعاب أو فهم سبب تواجدها

هناك ورغم ذلك قالت ما تراه الأهم بالنسبة إليها

" المهم أنها بخير "

أو هذا فقط ما كانت تظن فقد كان ثمة المزيد في انتظارها وأكده

الذي تمتم ببرود

" ثمة ما هو أهم من كل ذلك "

فحدقا فيه بترقب مريع كان سيدمر قلب من كانت تعلم أغلب ما

حدث فكيف بمن لم يعلم إلا الآن ؟ بينما قال هو وبعد نفس طويل

يكره أن يكون من يزف لهما هذا الخبر تحديداً

"لقد وصلت ورقة من المحكمة لمكتب والدك وهي دعوى طلاق "

ولم يترك جسدها المتهاوي نحو الأرض الفرصة ولا لشقيقها

ليستوعب الأمر وأيديهما تمسك جسدها عن السقوط أرضاً مغمى

عليها ورفعها قاسم بين ذراعيه سريعاً وسار بها بخطوات

مسرعة ناحية غرفتها ودخل بها والكاسر يتبعه مسرعاً حتى

وضعها على سريرها برفق وضرب وجنتها المشتعلة بإحمرار

بكفه برفق قائلاً

" تيما افتحي عينيك ... تيماً "

ورفع يدها سريعاً يمسك برسغها يتحسس النبض فيه قبل أن

يجلس على حافة السرير وقد عاد لضرب وجهها لكن بقوة أكبر

قليلاً هذه المرة يناديها قبل أن ينظر للكاسر والواقف خلفه

متسمراً دون حراك ينظر لها بعينين مذعورتين وقال سريعاً

" أحضر كأس ماء يا كاسر بسرعة "

فتحرك حينها راكضاً جهة الباب وترك الذي كان يحاول رفع

رأسها قليلاً لتتنفس بشكل أفضل حتى يرجع من عاد خلال لحظات

يحمل الكوب الذي لم يبقى فيه سوى النصف ومده لمن كان يبعد

غرتها عن جبينها تمسح يده على شعرها بينما كانت هي غائبة

عن كل ما حولها ، التفت له وأخذه منه وسكب منه القليل في كف

يده الآخر ومسح بها وجهها برفق مما جعل ملامحها الساكنة

تتغير بتغير أنفاسها وفتحت عيناها ببطء وقد ظهرت دموعها

ما أن وقعت نظراتها الحزينة المرهقة عليهما فوقها تمسك

عبراتها في صدرها المنتفض بينما مسحت يد قاسم على وجهها

يجفف الماء عنه قائلاً بقلق

" هل أنت بخير يا تيما ؟ هل نطلب الطبيب ؟ "

وكان تعليقها الوحيد أن أدارت ظهرها لهما ودست رأسها تحت

الوسادة الأخرى .. لم تتحدث لم تبكي ولا أي رد فعل مما جعلهما

يتبادلان نظرة صامتة لم يستطع أياً منهما قراءتها أو فهمها في

عيني الآخر !!

وقال الكاسر بحزن ما أن نظر لرأسها المختفي عنه لا يرى سوى

خصلات شعرها المتناثرة خلفها

" تيما ... "


فقاطعه صوتها الذي خرج من تحت الوسادة بجمود ونبرة

جوفاء متعبة

" أريد أن أبقى لوحدي "

فتقوست شفتاه بحزن كطفل صغير حرم من أجمل ما يعتبر نفسه

يملكه بينما وقف قاسم وأشار له بيده فقط بأن يفعلا ما طلبت

وغادر جهة الباب وهو يتبعه مكرهاً يسحب قدميه يجبرها على

إطاعته حتى كانا خارج الغرفة وأغلق قاسم الباب بهدوء فقال

الكاسر بضيق

" لما خرجت ؟ هي تحتاجنا الآن أكثر من أي وقت بل

وأنت تحديداً "

قال قاسم من فوره يدس يديه في جيبي بنطلونه

" لو كنت أعلم بأنها تحتاجني لبقيت ، هذه المرة الأولى التي

تطلب فيها أن تكون لوحدها وهي تشعر بالحزن والتعاسة "

فلم تزد عبارته تلك الواقف أمامه إلا ضيقاً وقال

" ها أنت قلتها بنفسك لم تطلبها سابقاً .... "

فقاطعه بجدية ينظر لعيناه المدججة بالحزن والألم والغضب معاً

" كاسر .. يبدو لي أنك لم تعرف تيما جيداً حتى الآن فهي آخر

امرأة في الوجود قد تحتاج أن تعامل كطفلة وتُجبَر على ما

ترفضه لأننا نراها تحتاجه ، اليومان الماضيان جعلاني أراها

بشكل مختلف تماماً عما كنت أظن "

وتابع حين لم يعلق الواقف أمامه وقد طغى الحزن في عينيه عن

أي مشاعر أخرى ورغم قسوة ما سيقول حتى خرج صوته

بلمحة حزن رجولية رخيمة

" ويبدو لي أنها باتت تقتنع تماماً بأن أحلام طفولتها التي تشبثت

بها لأعوام من الممكن أن لا تتحقق "

فحرك الكاسر رأسه بحزن وأسى وكأنه عاجز عن فهم أو حتى

الاقتناع بكل ما يسمع ويرى وقال بتوتر ظهر جلياً في نبرة صوته

" وما بها والدتي ! ماذا حدث ! "


وراقبت نظراته الذي لامس ظهره بيده وقال يدفعه ليسير معه

" تعالى لنجلس ونتحدث بروية فوالدها أمر أن أكون هنا ولا

أغادر أحببت هذا أم كرهت وكأنه يخشى أن تلحق بها ! " .



*
*
*

حركت الملعقة في الطبق تراقب حبات البازلاء السابحة في

الحساء وقد فقدت الرغبة سريعاً في إنهائه تشعر بكل شيء

موضوع في الأطباق أمامها يشعرها بالغثيان من مجرد التفكير

في تناوله .. بل ومن رائحته التي كانت ستكون بالتأكيد أشهى ما

يكون إن كان الوقت غير هذا الوقت والظروف غير الظروف ،

لون الحزن عينيها وتبدل لون القهوة النقية فيهما للشحوب فقد

مر النهار بطوله وشارفت الشمس على المغيب ولم يرجع من

غادر منذ الصباح ولا وسيلة لديها غيره لتعلم ما الذي يحدث وما

وصلت مصيبتهم له لما كانت انتظرته ولا لتنتظره وتتمنى

عودته .


وضعت الملعقة من يدها لحظة ارتفاع نظرها للذي أصبح جسده

يملأ باب المطبخ وكأنه خرج من أفكارها بل ومن أمنياتها

وانحبست أنفاسها تنظر لعينيه بينما تقدمت خطواته نحو الداخل

وسحب كرسي آخر من الكراسي المحيطة بالطاولة الخشبية

دائرية الشكل وقال وهو يجلس ونظره على الأطعمة فوقها

" يبدو لم تأكلي شيئاً بعد ! لا أنصحك بإضاعة الفرصة فطعام

عمتي لا يمكنك تذوقه في أي مكان "


واستدار بجسده للخلف ومد يده بطول ذراعه وسحب ملعقة من

الحاملة الخشبية المزينة تأخذ شكل زهرة مفتوحة للأعلى ، وما

أن عاد واستقر في جلسته بدأ بالأكل ونظراتها المستغربة تراقبه

وهو منشغل بطعامه ! أو هذا ما يبدو لها فحواسه كانت جميعها

موجهة نحوها وإن كان ثمة جيشاً مدججاً من الخلايا الحسية التي

يدخل في مواجهة عنيفة معها وفي كل مرة كي يمنع عيناه من

التحديق بها فكيف أن يحاربها كي لا تلمسها يده ؟

ولن يستغرب هذا منها فهي بالتأكيد توقعت سلوكاً مغايراً منه بعد

نقاشهما الحاد صباحاً ، وابتسم حين عجز عن إمساك نفسه أكثر

مما جعل نظرات الاستغراب في عينيها تزداد فنظر لها وقال قبل

أن تتهمه بينها وبين نفسها بالجنون

" وجدناهما وهما هنا في حوران "

وأمسك يداه بالقوة عن سحبها لحضنه حين ابتسمت وعيناها

تمتلئ بالدموع وظهرت الغمازتان الغائرتان بجانب شفتيها والتي

يراها لأول مرة حتى لم يستطع إبعاد نظراته عنها وأراحت يدها

المزينة بخاتم زواجهما على صدرها وهي تهمس بخفوت

" حمداً لله ... يا إلهي ظننت أن لا أسمع خبراً كهذا مطلقاً "

وارتفع كفها لعينيها ومسحتهما بظهره سريعاً وقالت ما أن نظرت

له مجدداً

" وأين هما الآن وأين كانا ؟ "

فنزع نظراته بصعوبة من وجهها كي لا يتهور بالفعل هذه المرة

وقال يشير للأطباق أمامه بحركة خفيفة من رأسه

" سأخبرك بكل شيء بعد أن تتناولين الطعام "

وابتسم يراقبها وهي ترفع ملعقتها وتأكل وتبدو على استعداد

لأن تأكل الأطباق أيضاً مقابل ذلك ! وأبعد نظره ينشغل بطعامه

كي لا تنقلب الأدوار وتصبح هي من تراقبه هذه المرة وعيناه

ملتصقتان بها ، رفع قطعة لحم الغنم ووضعها في طبقها قائلاً

" جربي هذه وأعدك أنك لن تتوقفي حتى تنتهي "

ووقف بعدها ووجهته ثلاجة المطبخ الضخمة ونظراتها تراقبه

حتى وصلها وفتح بابها وأخرج علبتا مشروب غازي فعادت

بنظرها لطبقها ورفعت الشوكة وأكلت من قطعة اللحم التي تكاد

تصبح قطعة زبدة من طراوتها ! وقد تم طبخها في صلصة

الطماطم والخضار والبهار الخاص في آنية فخارية وكانت كما

قال عنها لم تتذوق مثيلاً لها من قبل .

امتدت يده بجانبها وقد وضع لها علبة المشروب وكوباً طويلاً

لامعاً وسرقت نظرها بتجاهه ما أن جلس مكانه مجدداً ووضع

علبته وفتحها ليخترق صوت تسرب الغاز منها صمت المكان

وعادت تشعل نفسها بالطعام الذي لولا خبر إيجادهما ومزاجه

الذي تراه تغير جذرياً عن الصباح دليل صدق كلامه لما استطاعت

أن تأكل منه شيئاً .

ارتفعت نظراتها مع جسده ما أن وقف وحمل علبة المشروب بيده

وغادر المطبخ تنظر لمكان اختفائه باستغراب تعلن عجزها التام

عن فهم هذا الرجل ! فقد دخل وجلس وتناول طعامه ببدلته

واشترط عليها أن تأكل ليخبرها بكل شيء ووقف وغادر دون أن

يتحدث !! اتكأت بجبينها على راحة يدها تسند مرفقها بالطاولة

تحتها وتخللت أصابعها غرتها التي تحررت حينها من المشبك

الكريستال الصغير الذي كانت تثبتها به كما اختارت واحداً كبيراً

مشابهاً له لشعرها الطويل الكثيف لجمعه في لفافة كبيرة مرتخية

أسفل عنقها وهامت نظراتها الحزينة في أزهار قماش الدانتيل

الأبيض وأحد طبقتي مفرش الطاولة الأزرق الغامق ولا تعلم تفكر

في ماذا وتهرب بماذا من الأفكار ؟

فهي لا تفهم ولا تقلبات حياتها منذ أصبح هنا ! .

وقفت مستغفره الله بهمس وبدأت بجمع الأطباق وتنظيفها بسرعة

حتى أنها كسرت طبقين خزفيين ولم تهتم لتصبح سلة المهملات

مكانهما فلم يعد يمكنها الانتظار أكثر من ذلك لتعلم ما في جعبة

الذي غادر من هنا وكأنه لم يعدها بالتحدث ما أن تأكل ! .

جففت يديها جيداً في المنشفة الجديدة المعلقة في حامل خاص بها

وخرجت ووجهتها باب غرفته المغلق رغم حنقها الشديد منه

وكأنه يتعمد أن تلحق به هناك ! أدارت مقبض الباب وفتحته

دون أدنى تراجع أو تفكير وتسمرت مكانها تشعر بدلو ماء بارد

كالثلج يسكب على رأسها ما أن وقع نظرها على الذي كان يوليها

ظهره وقد نزع سترته وربطة العنق وكان قد بدأ بفك أزرار

قميصه وهي الحمقاء لم تفكر ولا في طرق الباب ومن حسن

حظها أنها استعجلت كثيراً كي لا تجده دون قميص أو حتى

بنطلون ! شعرت بوجنتيها تشتعلان درجة أن أحست الدماء تغلي

في رأسها وهي تنزل بنظرها ليديها اللتان اشتبكت أصابعهما

بتوتر ما أن استدار نحوها وقالت متلعثمة وكأنها طالبة مدرسة

صغيرة تقف أمام مديرها

" أخبر ... أخبرني ماذا علمت عنهما ؟ "

وتشجعت ورفعت رأسها ما أن رتبت جملتها أخيراً ونظرت

بأعصاب مشتعلة كالبركان للذي رفع علبة المشروب وشرب ما

تبقى فيها يرفع رأسه عالياً وكأنها لم تسأله وواقفة تنتظر !!

أنهى ما في علبته ورماها في سلة المهملات الأنيقة المخصصة

للغرفة والموضوعة في زاويتها قرب باب الحمام لتسقط فيها بعد

اصطدام طفيف بطرفها وجلس على حافة السرير وقال يفتح أزرار

أكمام قميصه ويخرجها منه ونظره على ما يفعل

" تعالي اجلسي "

فاشتدت أسنانها بقوة تنظر له بضيق بينما كان مايزال منشغلاً

بنزع الزر الأسود الذي كان يزين كم قميصه الناصع البياض

وتنفست بعمق تهدئ من توترها وخوفها كي يخرج صوتها

بجمود متزن على الأقل وقالت

" اشترطت أن آكل وأكلت فأرح قلبي وارحمه "

ودون شعور منها خرجت آخر كلماتها بلمحة حزن خفي جعلتها

أكثر هدوءاً وروية فرفع نظره لها وقال بتأني يثني أكمامه

للأعلى قليلاً

" عليك أن تعلمي إذاً بأني لن أستطيع القفز من هنا لمكانك

هناك حينما يغمى عليك .. "

وتبدلت نبرته للتسلية وهو يتابع باقي حديثه

" وعليك أيضاً إخباري قبلها بطريقة مجدية غير العطر

لأجعلك تفتحي عينيك مجدداً "

وكانت النتيجة ستكون مشابهة لمخاوفه تلك وهي ترفع ظهر

أناملها لشفتيها تخفي بها شهقتها المنخفضة الصامتة وعيناها

المغرورقه بالدموع تحدق فيه بجزع فضرب بيديه على فخذيه

ووقف موبخاً نفسه بتمتمات غير مفهومة فهو شرح لها الأمر

بسوء لا وجود له ودون قصد منه .

ما أن وقف أمامها أمسكت أصابعه بذراعيها المغطاة بقماش

بيجامتها الحريري وقال بجدية ناظراً لعينيها الدامعة

" جليلة أخبرتك بأنهما موجودان وبخير أيضاً وأقسم لك على

ذلك فتوقفي عن تعذيب نفسك ... "

وتابع يبعد يديه ويدسهما في جيبي بنطلونه وبنبرة بدت باردة

" فلن أكسب شيئاً إن فقدتك أنت وهما أحياء "

فهربت بنظراتها عن عينيه وشعرت بكلمات أحرقتها أكثر من

ملمس يديه على ذراعيها والذي أرجف جسدها بأكمله ،

وأغمضت عينيها ما أن أصبح المقابل لهما جسده المشدود

وباتت تخشى أن يغمى عليها بالفعل هذه المرة بسبب ارتجاف

دواخلها والإحراج وخرجت الكلمات من شفتيها تعبر عن كل ذلك

وكأنها توشك على الإنفجار باكية

" مؤكد لك شقيق وتفهم معنى أن يكون في خطر ولا تعلم

عنه شيئاً "

كانت ما تزال تغمض وبألم عيناها المخفيتان عنه بسبب خفضها

لرأسها ولم تترك لنفسها فرصة أن ترى الابتسامة المماثلة لألمها

ترتسم على شفتيه وقال ونظره على خصلات غرتها الناعمة ما

جُمع منها تحت المشبك المرصع بالفصوص وما انفلت منه قائلاً

" كان لي شقيقان أحدهما مات في حروب البلاد الأخيرة قبل

أربعة عشر عاماً والآخر في حادث سيارة وفقدت والدي بسبب

المرض ولم أراه منذ غادرت من هنا ، أما والدتي توفيت وأنا

رضيع لكني أعرف حتماً معنى أن يكون أحدهم في خطر "

رفعت حينها رأسها وعيناها الدامعة له وكانت ستعتذر وعن

ماذا تحديداً لا تعلم ! لكن كل ما خرج من شفتيها المرتجفة

الهامسة كان مخالفاً لذلك تماماً

" أين هما ؟ "

فعقلها كان متوقف تماماً عن العمل في غير ذاك المنحى وتعلقت

نظراتها بعينيه التي أبعدها عنها وهو يشيح بوجهه جانباً

وأمسكت يداه بخصره مما جعلها تعيش ذات تلك اللحظات حين

أخبرها في شقة شقيقها عن اختفائه ومن كانت معه وراقبت

بوجل شفتاه حين تمتم قائلاً بجمود

" في منزل السيد عقبة سلمان "

فانفرجت شفتاها بصدمة هامسة

" وزير العدل !! "

فعاد ونظر لعينيها المتسعة بصدمة فوق اتساعها وكسر قواعده

الجديدة في التأني لإخبارها أي فاجعة يتغلب عليه طبعه القديم

ورماها بها وفي وجهها ودون رحمة قائلاً بجمود

" أجل وابنة خالتك ترفع قضية طلاق وشقيقك نصب نفسه

محاميها الخاص كما يبدو "

وتجمدت كلماته كما أطرافه جميعها ما أن رفعت يدها لشفتيها

مجدداً تكتم عبرتها الباكية وأول دمعة تجد طريقها من رموشها

لوجنتها حتى بات يرى صورته في عينيها المصدومة والمغطاة

بطبقة كثيفة من الدموع وقال بضيق نافضاً يده جانباً

" جليلة بالله عليك ارحمي نفسك وارحميني فهو بخير وإن ... "

وكانت هي من نفضت يدها مقاطعة له بل وصارخة بحدة

" هل أصاب الجنون عقل ذاك الأحمق ؟ "

فتنفس بضيق وقال


" بل يبدو لي ثمة من يمتلكون شجاعة كبيرة درجة التهور !

ولست أعلم فعلاً هل أهنئه على هذا أم أنعته بالمجنون مثلك ؟ "

فانزلقت دمعة جديدة من عينها وقالت بذات ضيقها

" بل مجنون ولا يستحق سوى .... "

وبترت جملتها تمسك جانبي رأسها بيديها مفرودتان وهامت

نظراتها المشتتة الدامعة في الفراغ هامسة بضياع وكأنها

تحدث نفسها

" يا إلهي ...!! سامحك الله يا قائد على ما فعلته وتفعله بنا

قبل نفسك "

ورفعت نظرها سريعاً للعينين التي كانت تراقبها بوجل يمسك

صاحبها نفسه بصعوبة بل ويداه تحديداً عنها وقالت سريعاً

" أريد أن أراه "

فاتسعت عيناه بصدمة وقال

" تريه كيف والمنزل تحاصره قوة كاملة تمنع الجميع تقريباً

من الدخول له !! "

" ليس قائد أقصد "

قالتها مباشرة ورمته بها في قلبه وكأنها تنتقم منه بالمثل !

ولم يفق من الصدمة الأولى لتتبعها بأخرى قائلة ونيتها

التوضيح له

" خذني لمطر شاهين أريد أن أتحدث معه "

فاتسعت عيناه بصدمة قائلاً

" جننت يا جليلة ؟! "

ويبدو جملته تلك لم ترق لها مما جعلها تعلق مندفعة ودون تفكير

" أجل فلن أختلف عن شقيقي في هذا "

" جليلة !! "

طريقته التحذيرية في نطق اسمها لم تجعله يتحكم بالأمر كما يبدو

فقد عادت لتقول بضيق وإن لم يكن موجهاً له

" مجنون أم لا عليا الحد من عقبات جنونه هذا "

" بالجنون ؟! "


قالها بقوة يذكرها بالتشابه بين أفكارها وأفكار شقيقها لكن رأيها

كان مخالفاً تماماً وهو ما أوضحته سريعاً

" بل بالعقل فثمة ما يوجد منه في رأس ذاك الرجل بالتأكيد

وعليا رؤيته والتحدث معه "

لكن ذلك أيضاً لم يجعله يغير رأيه وقال بحزم ملوحاً بسبابته

جانباً وبرفض

" لا يا جليلة لست موافقاً فنحن رجاله لم نناقشه فيه ولا نعلم

ردة فعله على الأمر حتى الآن ونتوقع كل شيء منه فإن كان

صامتاً فصمته يتحدث نيابة عنه "


تعالت أنفاسها بسبب كلماته تلك وقالت بثبات وإن كان

ظاهرياً فقط

" هو لم يقرر أو يفعل شيء حتى الآن إذاً فاتركني أراه وأتحدث

معه ، هو رئيس بلادي ولا خطأ في هذا "

عقد حاجبيه بقوة بسبب ما قالت وكان صوته حازماً هذه المرة

" أنا لم أرفض لأني أراه خطأً بل لأني أعي أكثر منك حساسية

الأمر ومعنى الخوض فيه وهو يرفض التحدث عنه "

امتلأت عيناها بالدموع ترى أملها يموت وليداً بسبب رفضه ،

وحطمت جميع القيود التي صنعتها ووضعتها حول نفسها بل

وحتى كبريائها وعزة نفسها وأمسكت يدها بساعده وقالت راجية

تنظر لعينيه

" حلفتك بالله وأترجاك أن تفعلها من أجلي ومن أجل عائلتي ، إن

أردت سأكون خادمتك ما حييت فقط خذني لأراه وأتحدث معه

فوحدك من سيوصلني له ، أنقذ شرف عائلتي وابنها أرجوك "

كانت تنظر لعينيه برجاء حزين وعينان دامعة عبرتها المكتومة

تضطرب لها أنفاسها بقوة فسحب ساعده من يدها وقال بضيق

"جليلة أنت أعز وأرفع من أن تترجيني أو سواي افهمي هذا ؟ "

وكانت وكأنها لا تسمعه فعقلها كما قلبها لا يسمعان ولا يريان

سوى مستقبل شقيقها وعائلتها بأكملها فرفعت يدها لقميصه هذه

المرة وأمسكت قماشه ناحية صدره وقالت ببكاء تنظر

لعينيه تحديداً

" بلى وأتراجع عن كل ما قلت سابقاً وسأرجع لغرفتك وأعيش

خادمة لديك فقط اتركني انقذ شقيقي من هلاكه المحتم فلم يقده

لكل هذا سوى شهامته الحمقاء كمحامٍ "

أمسك بيدها بكلتا بديه يبعدها عن قميصه برفق هامساً بلا حول

ولا وقوة إلا بالله وتركها وعاد ناحية سترته المرمية على

السرير ورفعها وأخرج هاتفه منها وأجرى اتصالاً لم يجب صاحبه

كما يبدو وخمنت الواقفة هناك تمسح دموعها وتراقبه بصمت

بأنه سيكون زعيمه ذاك دون شك لأنه تأفف قبل أن يضع الهاتف

على أذنه مجدداً وقال لمن فتح الخط سريعاً على هذه المرة "

قاسم أين هو مطر الآن ؟ "

فشعرت بضربات قلبها ترتفع بجنون تدعو في سرها أن لا يجد

عذراً يتحجج به كي لا يأخذها له ، وشعرت بمقدار لا يمكنها

وصفه من الارتياح حين نظر ناحيتها وما أن قال

"جيد لا تتركه يغادر إن فكر في ذلك وبأي حجة كانت حتى آتي "

فتحركت حينها ومن قبل أن ينهي مكالمته قائلة باستعجال

" سأغير ثيابي سريعاً "


وغادرت الغرفة مسرعة لا تصدق أنه وافق فهو وسيلتها الوحيدة

لرؤيته فلن يسمح لها حرس منزله بالدخول ولا في أي مكان

غيره وإن حفيت خلفه وخلفهم .

أغلقت باب غرفتها وركضت ناحية الخزانة تفتح أزرار بيجامتها

وغيرت ثيابها سريعاً ولبست عباءتها بعد أن فكت شعرها ودسته

تحتها كي لا يظهر من تحت حجابها منتفخاً وهذه عادتها الدائمة

وكلما خرجت من منزل عائلتها سابقاً ، سحبت حجابها تركض

ناحية الباب ما أن طرقه الواقف في الخارج بما يبدو مفتاحاً

يستعجلها ، وما أن فتحت الباب وجدته أمامها وقد لبس سترته

مجدداً ودون ربطة عنق وقال وهو يسير أمامها

" إن لم ندركه في منزله فسيكون بسببك وأنا من سيترجاك

حينها لإنقاذ سمعتي فلن تحلمي مطلقاً بأن أدخل بك للقصر

الرآسي "

فحدقت فيه باستغراب قبل أن تتبعه تلف حجابها جيداً حول رأسها

ولم تعلق ، وإن كانت في ظروف أخرى بل مع شخص آخر

لضحكت حتى فقدت أنفاسها بسبب ما قال ! ولازالت تحار في

هذا الرجل الذي عرفته لدقائق قليلة فقط إن قامت بحسابها بدقة

منذ أصبحت هنا وقد خان جميع الصور التي رسمتها له كرجل

لمطر شاهين أولاً وكرئيس لمخابرات بلاد كاملة ثانياً والأهم !!.



*
*
*


وقفت منتصف صالون المنزل نظراتها الراجية الحزينة تتبع الذي

خرج من غرفته يلبس سترة بذلته الرمادية تتبعه زوجته تعدل

يداها ياقته من الخلف وقالت بأمل شبه معدوم

" أبي أرجوك فهذه الرحلة لن تتكرر قبل أعوام ووجودكما يكفي

لما أذهب أنا ؟ "


وقف حينها ونظر لها وقال بضيق

" ساندرين لا أريد أن أشرحها لك بطرق لن تعجبك أبداً لأنك

ترفضين فهمها كمخلوق بشري "

فحدقت فيه بصدمة قبل أن تضرب الأرض بقدمها قائلة

" أفهم من حديثك أني أصبحت حيواناً في نظرك ؟ "

وكان مصيرها كسابقه وقد رفع سبابته مهدداً إياها

" ساندي لا نقاش في أمر ذهابك معنا مفهوم ؟ كان ما تقولين

يمكن الموافقة عليه إن لم تكوني فرداً من تلك العائلة الآن

والميت هو شقيق زوجك ، يكفي أننا لسنا هناك منذ الصباح "


ضربت الأرض بكعب حذائها بقوة وحنق مجدداً ولاذت بالصمت

بل ولحقت بهما مستسلمة وقد فقدت الأمل نهائياً وهي من كانت

تحييه في قلبها طوال الساعات الماضية وحتى آخر لحظة تتمنى

أن يغير رأيه فلا يمكنها الذهاب لبريستول والعودة ثم اللحاق بهم

قبل أن تقلع الطائرة وضاعت رحلة الأدغال التي انتظرتها لأيام

بتشويق وحماس لم تعرفهما يوماً .


ما أن جلست في المقعد الخلفي لسيارة والدها أخرجت هاتفها

وأرسلت رسالة سريعة ( حدث أمر طارئ ولا يمكنني الذهاب

معكم يا إيمّا أبلغي مدير الفريق والمشرفة المسؤولة عن الرحلة )

ثم أغلقته نهائياً ودسته مجدداً ونظرت جهة نافذتها بعبوس بل

ورفعت مرفقها تسنده بإطارها واتكأت على يدها تنظر للشوارع

وحركة المارة فيها بقهر لا تتوقف عن التأفف بتذمر والتنهد

بحنق طوال الوقت فآخر ما قد تهتم به هو موت ذاك الرجل ...

صحيح أنه شعور لا إنساني لكنها مشاعر تتغلب عليها فهي من

شهدت سابقاً جرمه البشع في حق الفتاة المسكينة التي كاد يقتلها

من شدة ضربه لها ، بل ولم تلتقيه يوماً وإن نذر ذلك إلا ونظر

لها بإزدراء وتعالي وكأنها حشرة تحت قدميه !



بل ووالدته لم تكن على علاقة وطيدة بوالدتها .. ومنذ صغرها

كانت تلحظ كرهها الشديد لضرتها والدة رواح والتي كانت

الصديقة المقربة لوالدتها فقط بسبب مشاكل الهازان وعائلة

كنعان وما فعله مطر شاهين ، لتصبح إحداهما مساندة للدخول

العسكري لزعيم الحالك لأراضيهم في الهازان والأخرى لا تراها

سوى خائنة كعائلتها التي أباد ابن راكان أغلب رجالها وحتى

اليافعين منهم بتهم الخيانة ، وبالرغم من مرور أعوام عدة على

ذلك حتى نسيه أهل تلك البلاد وعاشوا في بلد جديد موحد آمنين

وتحت حكم رجل آخر ليس ابن شاهين ولا ابن راكان إلا أنها ترى

أن تلك المرأة لا تنسى أبداً ! بل وجعلت ابنها نسخة أخرى

كريهة عنها .


رفعت رأسها واستوت جالسة وقالت تنظر الجالسان في الأمام

تتدخل في حديثهما الطويل الكئيب فجأة بل وبضيق بدا واضحاً في

نبرة صوتها الرقيق

" لا أصدق أن تفعلها زيزفون ! وإن فرضنا ذلك مثلاً فهو

يستحق "


فكانت شهقة والدتها المرتفعة رد الفعل الأول على ما قالت وتبعها

صوتها قائلة بضيق تشير لها بسبابتها دون أن تلتفت لها

" ساندرين أتركي آرائك لنفسك رجاءً ولا أسمع هذا ونحن هناك

ولا بينك وبين نفسك مفهوم ؟ "

فضربت قبضتها على ظهر كرسيها أمامها وقالت بضيق مماثل

" نحن لسنا هناك الآن ولا أراكما سوى ظالمان مجحفان لتحكما

على شخص لم تعرفاه بينما كلاكما يعرف نجيب ذاك جيداً "

وكان والدها من تحدث حينها قائلاً بجدية وحزم

" الرجل ميت الآن ولا يجوز ذكر مساوئه فإن كان لديك كلمة

طيبة عنه تكلمي أو أصمتي نهائياً "

قالت من فورها وبحنق

" واتهامها هي هكذا لا بأس به ؟ "

قالت الجالسة أمامها

" لم يتهمها أحد فوالدتك تحدث عن الأمر كونه مأساة ولا خطأ

في أنه معه حق وكان عليهم أن لا يخرجوها من المصح بما أنها

لم تتعافى بعد "

ضربت براحة يدها فخذها المغطى ببنطلون جينز ضيق

وقالت بضيق

" بل هي أعقل منا جميعاً "

وأضافت من فورها وبضيق أكبر

" ومعكما حق فأنتما لم تريا ما رأيت والطريقة الوحشية التي

ضربها بها سابقاً .. ومن حماقتي أطعتهم في أن أصمت عن

الأمر ، وبما أنها جريمة قتل كما تقولان فلست ملزمة بالتعامل

مع الأمر معاملة ميت لا نتحدث سوى عن محاسنه بل وإن

احتاجت المحكمة لشهادتي فلن أتردد أبداً في الإدلاء بها "

وما أن انتهت زوبعة صراخها الحانق همست والدتها للجالس

بجانبها

" لو أنك تركتها تذهب معهم أفضل لها ولي ، متأكدة من أنه

لن يهنأ لها بال حتى تتسبب لنا بفضيحة هناك "

" سمعتك أمي "


قالتها بضيق تضرب بقبضتها على ظهر كرسيها مجدداً فاستدار

رأسها لها هذه المرة ونظرت لها بحزم وقالت بتهديد

" وبما أنك سمعتها فها أنا أحذرك يا ساندي فابلعي لسانك لأن

عقابي لن يكون هيناً أبداً ، وحين تستدعيك المحكمة كما تقولين

تحدثي بكل ما لديك أما ما نحن ذاهبون له الآن لا وجود

للقضاة فيه "

نفضت حقيبتها في حجرها متأففة بصوت واضح وعادت للإتكاء

على إطار النافذة والنظر للطريق المحاط بسياج خشبي أبيض

طويل ممتد مع طوله يفصله عن الأشجار والشجيرات الشديدة

الخضرة على جانبيه لأن سيارتهم أصبحت تسير خارج شوارع

لندن وقررت الصمت نهائياً ، قسماً لو كانت أحد القضاة الذين

تتحدث عنهم لأعلنت براءتها على الفور فلن تصدق أبداً بأنها

فعلتها ومؤكد سيكون هو من حاول قتلها بعد أن ضربها ولم تفعل

ذلك إلا دفاعاً عن نفسها لكي لا تكون هي الضحية ، دست

شفتيها في ساعدها وتمتمت بضيق

" يبدو كان عليا دراسة الحقوق لأدافع عن النساء ليس

لأعالجهن "


واستمرت باقي الطريق على ذاك الحال تخبئ نصف وجهها في

ساعدها نظرها على الطبيعة في الخارج بينما لم تستطع منع

نفسها عن التمتمات المتفرقة تدلي برأيها فيما يقولانه بين الحين

والآخر وإن كانا لا يسمعانه حتى توقفت سيارتهم أمام البوابة

الخارجية لقصر العائلة حيث تجمعت سيارات أخرى ولم يفتح

الحرس الباب لهم مما يعني بأنه يُمنع دخول أي أحد بسيارته ؟!

وما أن أصبحوا في الداخل علمت السبب وهو اتخاذ جانب كبير

من حديقة المنزل كمكان لتلقي التعازي خاص بالرجال حيث

وضعت مجموعة كبيرة من الصالونات الكاملة هناك وحيث

مجموعة كبيرة أيضاً تجلس عليها وحتى بعض الإنجليز بالرغم

من أن التعازي هنا تقدم في المدافن وتلك هي عاداتهم !!.


ما أن اقتربوا من المكان الذي يقف فيه ضرار وابنه سلطان

يستقبلان المعزين وقف ثلاثتهم وحذت هي حذو والديها تعزيهما

فأحدهما والد زوجها كما يقولان والآخر جده .. وقد كانت

ملامحهما تكسوها مشاعر متقاربة وإن كانت إحداها جامدة

متجهمة والأخرى عابسة حزينة ، وكم كانت ممتنة وسعيدة لأنها

لم تجد زير النساء ذاك معهما وثمة بصيص نور صغير في يومها

الكئيب هذا ويبدو ليس سيئاً بأكمله .

ولم تستطع منع عيناها من النظر ناحية الجالسين على بعد أمتار

بسيطة عنهم ولمحته يجلس مع الموجودين هناك ويبدو استلم

هو تلك المهمة بما أنها لا ترى وقاص هنا ! لكن سعادتها تلك لم

تدم طويلاً فما أن أبعد نظره عن الجالس قربه يتحدث معه ونظر

ناحيتهم بل ولها تحديداً حتى وقف على طوله وتوجه نحوهم بينما

كان والدها يسأل حينها عن وقاص الذي أخبره جده بأنه منذ

غادر لمبنى النيابة فجراً لم يرجع حتى الآن فلم تشعر بنفسها إلا

وقدماها تهربان بها من هناك معتذرة منهم بكلمات سريعة حيث

كان هو قد وصل عندهم حينها وقد انشغل ضرار وابنه مع أحد

أصدقاء العائلة الذي وصل وقتها ، بينما صافحته والدتها تعزيه

وقالت محرجة من تصرف ابنتها

" لا تلمها فهي غاضبة لأنها حُرمت من رحلة المنظمة للأدغال

الفرنسية "

ونظرت ناحية زوجها الذي وكزها ويبدو بعد فوات الأوان

فتبريرها قد لا يكون سوى مصيبة أخرى تعني أنها لا تهتم

بمصابهم وبموت شقيقه ، ونظرت له ما أن قال بابتسامة صغيرة

لم تغير شيئا في عيناه الكئيبتان

" لا بأس عمتي فمشاعرها ناحيتي واحدة وإن كنت أنا الميت "

شهقت حينها بصدمة وقالت

" لا قدر الله بني وحماك الله ورعاك وترى أبناء أبنائك "


فابتسم لها بلباقة وصمت واعتذرت هي مغادرة وتركت زوجها

ينظم للبقية ، وما أن اقتربت لباب المنزل وجدتها تنتظرها هناك

وقد قالت من قبل أن تتحدث

" رجاءً أمي لا توبيخ لا طائل منه الآن "

ورجائها ذاك يبدو لم يجد صداه عند التي قالت بضيق

" لا أفهم لما تعشقين وضع والدك في مواقف سيئة

بل ومحرجة ؟ ما في الأمر إن مددت يدك لتعزيته في شقيقه ؟ "

زمت شفتيها بضيق قبل أن تقول

" أنا لم أضع والدي في أي مواقف محرجة لما كنت هنا من أجله

فقط ، وأعتقد أنني هنا من أجل عمي سلطان ووالده ليس من أجل

زير النساء ذاك "

وحين كانت الواقفة أمامها ستهاجمها بغضب مجدداً سبقتها

قائلة بضيق

" أمي بالله عليك ارحميني يكفيني نكبات لهذا اليوم فقد اكتفيت "

لكن محاولتها تلك لم تجدي أيضاً وقد قالت التي رفعت سبابتها في

وجهها مهددة

" أنت من عليها أن تصمت ونهائياً وادخلي ورائي الآن ولا

أسمع صوتك ولا تمتماتك الغير مفهومة هل فهمتي هذا ساندي

أم أعيد ؟ "


فنفضت حقيبتها بيدها قائلة بضيق

" أفهم أمي أفهم ولدقائق معدودة رجاءً فإن كان هو ... "

وتابعت تمطط كلماتها متشدقه

" رحممممة الله عليه .. لا يطاق فوالدته أسوأ منه معي "

وراقبت نظراتها بحنق التي أولتها ظهرها ودخلت المنزل متمتمه

" لا حول ولا قوة إلا بالله "

فتأففت وتبعتها بخطوات غاضبة حتى كانتا بالداخل حيث تجمع

آخر لكن نسائي وفي أماكن متفرقة وإن كانت قريبة من بعضها

في صالونات البهو الضخم واقتربت بخطوات بطيئة تتبع والدتها

حيث وقفت والدة رواح وضرتها الأصغر بينهن واقتربتا وتبادلن

السلام والقبل وقدمت هي أيضاً العزاء لهما قبل أن تنتقلا ناحية

التي كانت تهيم بنظرها للفراغ بحزن ملامحها وعيناها متورمتان

بشدة من كثرة البكاء ودموعها لازالت تتقاطر منهما في صمت

تمسك مجموعة مناديل ورقية في يدها التي تريحها على مسند

الكرسي الجالسة عليه وقد وقفت ما أن وصلتا لها وتلقت

تعازيهما بصمت وكأنها فقدت صوتها ! قبل أن تعود للجلوس

ولوضعها السابق وبينما جلست والدتها في أقرب مكان شاغر

حيث تجلس والدة المغدور كما يسمونها قررت هي الجلوس

بجانب ضرتها الأكبر ووالدة من يسمى أيضاً بزوجها وبالرغم من

أنها والدة ذاك الكريه إلا أنها الأفضل سلوكاً في نساء هذه العائلة

كما ترى ولا تصلح لتكون والدة لذاك الطفرة الجينية الذي يبدو لم

يأخذ من دماء والدته شيء عكس شقيقه الأكبر والذي كما يبدو

هو من لم يكن له من دماء عائلة السلطان الموقرة نصيباً ! .

ابتسمت للخادمة تشكرها حين قدمت لها كوب قهوة رفضته بلباقة

واستغلت فرصة حجبها لهما عن البقية بجسدها الممتلئ قليلاً

تقدم القهوة السوداء لهم فمالت قليلاً نحو الجالسة قربها

وسألتها هامسة

" أين هي زيزفون عمتي ؟ "

وبادلتها تلك الهمس سريعاً ودون أن تنظر لها

" في غرفتها "

فابتسمت بارتياح وكانت موقنة بأن نظرتها لذاك النبيل الوسيم

لن تخونها أبداً ولم يترك عزاء شقيقه عبثاً ، وبأن تلك الفتاة

الوحيدة وسط عالم الوحوش هذا لن تضام وهو موجود

وحي يتنفس .

بحثت نظراتها بين الموجودين قبل أن تهمس للجالسة

بجانبها مجدداً

" وأين هي زوجة وقاص ؟! "


وكان ردها سريعاً هذه المرة أيضاً وهامساً

" نائمة في الأعلى ، لقد ذهبت شقيقتها لتخبرها "

فحدقت في جانب وجهها بصدمة فما تعلمه أنه توفي منذ ساعات

فلما ليست هنا وكيف لا تعلم ؟!

مطت شفتيها بضيق وتمتمت

" كنت أقول دائماً بأن الباندا البشرية لديها فترات سبات أيضاً

ولا أحد يصدقني "

فتنحنحت الجالسة بجانبها وتحركت في مكانها مما جعلها تعض

على لسانها داخل فمها موبخة ونظرت لا شعورياً اتجاه والدتها

التي وكما توقعت وجدتها تنظر لها بتركيز عاقدة حاجبيها وكأنها

تحاول سماع ما تقول من كل تلك المسافة ! أبعدت نظرها عنها

ولاذت بالصمت فما علاقتها هي بها أين تكون وأين تذهب؟!

لكن الأمر يحدث رغماً عنها فهي لا تحب هذه الأجواء وتحاول

دائماً تشتيت انتباهها بأي شيء حين تكون في وضع مماثل ، لا

تراها أجواء مملة كما يقر الأغلب دائماً لكنها تشعرها بالتوتر

وينتابها شعور داخلي غريب يشبه الخوف فهي تعيش في عائلة

مكتملة الأفراد .. والداها وشقيقها الوحيد وإن كان من والدتها

فقط إلا أنها تحبه بجنون ولا يمكنها تخيل أن تفقد أحدهم يوماً

وأن تكون مكان المرأة المحطمة الباكية بصمت هناك ، وحضور

هذه المناسبات ومثيلاتها يذكرها بتلك الحقيقة التي لا مفر لها

منها بالتأكيد لذلك تكره التواجد فيها وتتوتر كثيراً بسبب أفكارها

تلك فليس سهلاً على المرأة تصور أن تفقد أحد الأقرباء المقربين

لها وأن تقف موقف والدتها حين مات زوجها وتركها وإبنه ..

ولا والداها حين ماتت زوجته وجنينها معها في حادث سير ، ولا

أي مواقف مشابهة لتفقد أحدهم ... حسناً لابأس ستختار أن تكون

أرملة على بافي الخيارات جميعها ، كتمت ضحكتها واستدارت

مقلتاها الزرقاء الغامقة جانباً دون أن تتحرك تتخيل أن تسمع

الجالسة بجانبها الآن أفكارها تلك ، ستطردها ووالدتها من هنا

بالتأكيد بل وستلحقهم للخارج لتطرد والدها معهما .


ارتفع نظرها حيث اللتان ظهرتا من منتصف السلالم تنزلان

عتباته معاً وتجعدت ملامحها وهي تنظر لصاحبة الفستان الأسود

بأكمامه الطويلة والتي ما أن وصلتا للأسفل توجهت من فورها

لزوجة والد زوجها الباكية وما أن وقفت لها تلك حضنتها تبكي

بنواح مبالغ فيه جعلت الأخرى تبادلها البكاء بعبرات مرتفعة

باكية فتململت في مكانها بضيق وأبعدت نظرها عن تلك

الجهة كاملة .

وبعد أن انتهى مهرجان النواح أحادي الجانب هناك لم يكن ثمة

مكان لها لتجلس قربها فاختارت أقرب مكان لها هناك وكان

الأقرب لهن هنا أيضاً وشقيقتها بجانبها وانطلقت التي لازالت

تنوح دون دموع تضرب بيدها على فخذها وتمسح بها عليه

" قتل الله كل من قتل نفساً بغير حق "

فرمقتها بطرف عينيها ببرود وشقيقتها تطبطب على كتفها بحركة

بدت قوية بعض الشيء وكأنها تأمرها بالصمت وعدم التمادي

أكثر في تمثيلها الفاشل كما تراه ، وما أن قالت شقيقتها ومن

تعتبرها صاحبة العينان الشريرتان والحاجبان المرفوعان بشر

وما أن أبعدت يدها عن كتف شقيقتها

" لا حق يضيع وراءه قانون "


حتى كانت تلك القشة الواهنة بينها وبين لسانها فقالت ببرود دون

أن تنظر ناحيتهما وبصوت تعمدت أن يصلها بوضوح

" بالطبع سيأخذ العدل مجراه الحقيقي كما حدث مع الشاب

الرسام جوش ، لقد أظهر صديق وقاص وببراعة براءة المتهم

بقتله وظهر أن زوجة شقيقه هي من دفعه للجرم في حق نفسه

وألبست جريمتها لشخص بريء "

جعلت عبارتها تلك المكان بأكمله يعم بالصمت ونظرات ضحيها

وشقيقتها الجالسة بجانبها تكاد تأكلها من الغضب والصدمة وهي

تشبهها بتلك المرأة .. بل ووالدتهما من مكانها هناك وكأن

صاعقة ما نزلت عليها لكنها لم تكن ترى سوى عينا والدتها التي

كانت تكاد تأكلها ولا تستبعد أن تقفز ناحيتها في أي لحظة

وتغرس أظافرها في عنقها فأبعدت نظرها عن الجميع وسعلت

قليلاً تخفي شفتيها خلف قبضتها وفتحت حقيبتها وأخرجت هاتفها

منها وفتحته تتجنب النظر لجميع الموجودين وانفتحت عيناها

على اتساعها بصدمة تنظر لأحرف الرسالة التي وصلت ما

أن فتحته

( لديا خبر رائع سيعجبك ... لقد أخرجونا من صالة المسافرين

وألغيت الرحلة وتم تأجيلها عدة أيام بسبب أوامر مفاجأة باتصال

من مدير المنظمة )
ولم تدرك بأنه ثمة شهقة مصدومة خرجت ودون شعور منها

حين رأت الخبر إلا وهي ترفع رأسها وتنظر للأعين المحدقة فيها

باستغراب فدست هاتفها في حقيبتها مجدداً وأبعدت نظرها عن

الجميع الى اللوحات الضخمة المعلقة على الجدار البعيد يساراً

وأولهم والدتها التي لم تكلف نفسها عناء النظر ناحيتها لتعلم

ردة فعلها .


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 09:32 PM   #13820

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*

خرجت من غرفتها بعد وقت طويل قضته في سريرها تنظر للجدار

المقابل لها يراجع عقلها كل ما مرت به في حياتها منذ عرفت من

تكون وما أجبرها عليه واقعها وحتى هذه اللحظة التي اعترفت

فيها مرغمة بأن حلمها الصغير الذي كبر معها لم يتعدى عتبات

وسادتها الصغيرة الزهرية اللون التي كانت تنام عليها طفلة

وتحلم بأن تكون في منزل يحضن عائلتها بدفء ، صحيح أنها لم

تجد ذاك الحلم طوال سنوات طفولتها ومع ذلك عاشت على أمل

تحققه وإن أصبحت شابة أو حتى عجوز لكنها آمنت الآن بأن

أحلام الطفولة السخيفة لا تصلح سوى لحكايات الليل ولأطياف

الأحلام الوردية ونحن نيام ثم تنتهي بمجرد أن ننام أو نستفيق

ولا نذكرها مجدداً لأننا نعلم بأنها لا تمت للواقع بأي صلة .

توقفت خطواتها ما أن التقت بالخادمة عند نهاية ممر

غرفتها وقالت

" أين والدي ؟ "

فهي سمعت صوت سيارته قبل قليل بينما لم تغادر بعد وهذا ما

أكدته الواقفة أمامها حين قالت باحترام

" في مكتبه سيدتي "

سألتها من فورها

" وقاسم معه ؟ "

حركت رأسها نافية وقالت

" خرج هو والسيد كاسر للخارج "

فأومأت لها شاكرة بهمس وتحركت تلك مجتازة لها قبل أن توقفها

كلماتها البطيئة

" أين هي أمامة "

فوقفت واستدارت نحوها وقالت بلمحة حزن

" لقد تم نقلها للسفارة بطلب من السيد مطر ولا أعلم

ما قرر بشأنها "

تنهدت نفساً عميقاً وأصابعها تشتد على قطعة القماش الملفوفة

والتي تمسك بها وتابعت طريقها وتركتها خلفها ، وما أن كانت

في بهو المنزل سمعت صوت الموجودان في الخارج ويبدو

يتحدثان عن دراجة الكاسر النارية فأولت كل ذلك ظهرها وسارت

باتجاه ممر مكتب والدها ووصلت بابه المغلق ووقفت وطرقته

حتى سمعت الصوت الجاد ببحته المميزة يسمح لها بالدخول

فتنهدت بعمق تغمض عينيها ومشجعة نفسها أيضاً ، فليختر كل

واحد منهما ما أراد هي باتت مقتنعة بأن تكتفي بحبها لهما

وبوجودهما ضمن الأحياء وإن لم يكونا معاً .

فتحت الباب ببطء حتى ظهر لها الجالس خلف مكتبه يوقع أوراقاً

بتتابع ويضعها فوق بعضها جانباً ولم يرفع رأسه ولا نظره لها إلا

أن أغلقت الباب واقتربت خطواتها منه وتمنت لحظتها أنه لم

يفعل وبقي مشغولاً مع مسؤولياته التي تراها تحيل حتى بينه

وبين التفكير فيما يحدث معهم جميعاً وليس معه فقط ، وشعرت

بألم قاتل في قلبها وهي ترى والدها الذي عرفته سنوات غربتهم

كاملة في تلك البلاد البعيدة يعود مجدداً بعد أن بدأت تراه يتغير

تدريجياً منذ أن أصبحوا هنا .

ابتلعت ريقها الجاف ومرارتها معه وقالت بحزن تنظر لعينيه

المحدقتان بها بجمود

"جدي يسجن نفسه في غرفته وقد قرر العودة لبريطانيا مجدداً "

واختنق صوتها وهي تتابع برجاء حزين

" لا تتكره يبتعد عنا ويغادر أبي أرجوك "

" ولما قرر هذا ؟ "

شعرت بقلبها تقلص بسبب نبرته الجافة وتلعثمت قائلة

" لأن .... لأن والدتي كانت ... "

وعادت تشجع نفسها لتخرج بجملة مفيدة بعد أن رأت أن نظرته

لم تتغير بالرغم من ذكرها إياها وقالت بحزن عميق

" قبل أن تتعب وننقلها للمستشفى كانت منهارة وغاضبة

كثيراً منا و..... "

وعادت الكلمات لخيانتها وعجزت عن قولها ولم يساعدها أبداً
الذي لم تترك عيناه الجامدتان عيناها واندفعت الكلمات وكأنها

تفر منها

" هي قالت بأنه ليس والدها وبأني لست أبنتها ولا تعترف

بنا عائلة لها "

وارتجف جسدها ما أن أنهت كلماتها القاتلة لها بالدرجة الأولى

فكيف أن تقولها أمامه ؟

وملأت الدموع عيناها ما أن لمحت وميض الغضب الذي اشتعل

في العينان السوداء الواسعة وإن لم يظهر على ملامحه

وقالت برجاء

" أبي أرجوك لا أريد أن أخسره هو أيضاً "


وما أن علمت بأنه سيتحدث بعد كل ذاك الصمت وتعرف لما

قالت تسبقه

" لا تقل بأنه لديا زوج وحياة لا تحتاج غيره فأنا أحتاجكم جميعاً

وإن كنتم مستغنون عني "

وتدحرجت دمعة واحدة فوق وجنتها اليمنى ما أن أنهت عبارتها

الحزينة البائسة تلك وقال الذي تحدث أخيراً وبجمود يشبه

ملامحه كما نظراته

" حسناً ... وطلبات أخرى ممنوع يا تيما "

حركت رأسها نفياً ورفعت ظهر كفها لوجنتها تمسح الدمعة

المنزلقة عليها تفهم ما يقصد تماماً وما يتوقع أن تطلب منه

أيضاً وهو أكثر ما يؤلمها ، ورغم ذلك قالت وبأسى

" أؤمن بأن لوالدتي أسباباً نجهلها كما بت متيقنة من أنها لم

تعد جزءاً من حياتنا لكن جدي سيكون وحيداً هناك ولن يشعر

بالسعادة وإن كان حراً طليقاً كما يقول ويريد "

وما أن أنهت عبارتها تلك تقدمت من مكتبه ووضعت لفافة

القماش على الطاولة أمامه وقد انفتحت من فورها كاشفة عن

خصل الشعر السوداء الناعم المجموعة فيها وقالت بهمس

مخنوق تنظر لملامحه وعيناه اللتان جمدتا عليه دون حراك

ولا أي تعبير يرتسم فيهما

" هذا آخر ما تركته قبل رحيلها "

وأولته ظهرها ودموعها محتجزة في عينيها وغادرت جهة الباب

راكضة وبالكاد استطاعت من خلف دموعها أن ترى الخادمة

التي وجدتها أمامه وما ان فتحته وخرجت بينما وقفت تلك عند

الباب قائلة

" سيدي ثمة امرأة هنا تريد رؤيتك "


*
*
*

اشتدت قبضتاها بجانب جسدها بتوتر حاولت تبديده بالنظر

للمكان حولها ولتفاصيل المنزل العريق الذي لم يخفي التجديد

ولا اللمسات الحديثة عراقته وجماله ، ولم يزد ذلك حالها إلا

سوءاً وهي ترى قوة ذاك الرجل في منزله قبل أن تراه مما جعل

مهمتها تزداد صعوبة وهي من تعرفه جيداً من المرة الوحيدة

التي رأته فيها .. لكنها عازمة على ما تريد فعله ولن تقف

مكتوفة اليدين تراقب نهاية عائلتها كاملة بسبب تهور شقيقها

قبل نهايته هو وبيدها شيء تفعله قد ينقذ على الأقل حياته

ولن نقول مستقبله .

إبتعد نظرها عن خشب السلالم المشغول بما يعرف الأربيسك

العربي الأصيل ليكون تحفة منفردة لوحده ونظرت للتي خرجت

من حيث غادرت الخادمة قبل قليل والتي وقفت مكانها تنظر لها

بعينان دامعة قبل أن تركض نحوها واستقبلتها هي تحضنها بقوة

تمسك نفسها بصعوبة عن البكاء وإن لم تبكي هي فاحتضانها

القوي لها يتحدث ويبكي وينوح نيابة عنها ، رفعت يد مرتجفة

لرأسها ومسحت على شعرها هامسة بحزن

" لقد عرفت والدتك جيداً يا تيما وكبرنا سوياً .. هي تفعل

أي شيء من أجل عائلتها ولن تفكر في أذيتهم "


وراقبتها بحزن وهي تبتعد عنها وتتحرك مسرعة ناحية ممر ما

يفتح على ذات البهو الواسع بخطوات شبه راكضة وفي صمت

يشبه دموعها التي كانت تكتفي بمسحها وحيدة حتى اختفت عنها

تشعر بقلبها يتمزق معها .. وها هي عائلة أخرى تتحطم بسبب ما

حدث ولم تكن هي الوحيدة .

أبعدت نظرها عن هناك ونظرت ناحية الذي جعل ضربات قلبها

تشتد بانفعال قوي ما أن ظهر أمامها وإن كان بعيداً عنها بعض

الشيء .. صاحب البنطلون الأسود والقميص الناصع البياض مع

ربطة عنق فقط بينما يمسك بسترته من ياقتها في يده ولم يكلف

نفسه ولا عناء أن يلبسها وهو يجهل هوية زائره بالتأكيد !

وقد وقف ينظر لها بصمت وملامح صلبة قاسية جعلت أطرافها

ترتعش تحت قماش عباءتها الواسعة .. لم يصرخ لم يطردها ولم

يأمر حرسه وخدم منزله برميها خارج أسوار منزله كونها شقيقة

قائد نصران كما كانت تخشى وقد نسف جميع سيناريوهات عقلها

الوهمية تلك بالرغم من أن نظرته كانت كفيلة بالقتل ودون

رحمة ، ولا تعلم لما شعرت فجأة بأن هذا الجبل الشامخ القوي

يخفي خلفه قلب تضرر وبقوة يرفض ولا التفكير في إظهار

ذلك ؟ وبالرغم من تفهمها لما مرت به ابنة خالتها ومعاناتها

التي أخفتها عن الجميع لأعوام تتجرع أوجاعها وحيدة إلا أنها

تعلم أيضاً بأن كسر الرجال قاسي وقاسي جداً أيضاً .. وحين

يقف الرجل في وجهه ليكون أقوى منه يكون الأمر أكثر قسوة .

ازدردت ريقها بصعوبة وتحدثت حين علمت بأن هذا ما ينتظره

وكأنه يتوقع أن تقول ما لديها وتغادر مختفية من أمامه

" أنت أخبرتني يوم التقينا في جمعية الغسق بأنك مدين لي

وبأنه ثمة دين قديم في عنقك وأعرفك رجل كلمته تسبق كرامته

وبأن عدله أكبر من عظمة رجولته "

وسحبت نفساً عميقاً لصدرها وتابعت حين لم يعلق بشيء تُرضخ

نفسها مجدداً من أجل شقيقها

" وأنا أرجوك سيدي أن لا تنتقم مما فعله شقيقي وأقسم لك بمن

خلقه وخلقني بأنه نسي أمر غسق منذ علم بأنها لا تكن له أي

مشاعر ولا يتصرف الآن إلا كمحامٍ لجأت له قريبته وصديقة

طفولته "

وغمرت الدموع عيناها وهي تتابع ببحة تحاول التحدث مع القلب

الذي لم ينطق صاحبه بشيء حتى الآن

" وأتمنى أن ترأف بقلب والدته كي لا نخسرها بعده على الفور "

وأغمضت عيناها تسجن تلك الدمعة وتحبس معها نفساً سحبته

لصدرها بقوة ما أن تحرك من مكانه حتى تخطاها مجتازاً لها دون

أن يتحدث بشيء وكأنه يقول لها وبلباقة قاسية

( سمعت ما لديك وانتهى )

وذاك ما اعتقدته حتى شعرت بسكين قاسي يطعن ظهرها حين قال

بجمود من ورائها وهو يغادر

" لست أنا من يبيع مبادئه من أجل امرأة .. ولا بسببها "

هكذا فقط وهذا فقط ما قاله وغادر وكان كافياً ومغنياً عن قول

الكثير فمسحت بقوة دمعة كانت ستقفز من عينيها وكم كرهت

حينها قائد وابنة خالته معه بل ونفسها أيضاً ولم تعد تعلم مع

من تتعاطف ومن هو المذنب ومن هو الضحية ؟!

وما أن تأكدت من مغادرته وهو وما أكده لها صوت السيارة

في الخارج خرجت أيضاً نظرها على خطواتها متجهة على الفور

ناحية السيارة البيضاء التي جلبتها إلى هنا لم تنظر ولا للذي

تبعها من فوره وقد جلست في كرسيها من قبل أن يفتح بابه تنظر

لنافذتها بل للإنعكاس الباهت لصورتها في زجاجها اللامع

ولملامحها البائسة الكئيبة ترفض أن يرى كل ذلك أي أحد وحتى

الذي جلس خلف المقود وقد قام بتشغيل السيارة لتنطلق بهما

من فورها .

صحيح أن ذاك الرجل لم يرفض طلبها وإن كان تعليقه الوحيد

مبهماً ويحمل جميع الاحتمالات ولم يطردها أو يصرخ بها غاضباً

ليذكرها وبصمت بما أقدم عليه شقيقها وإن كان بطلب من ابنة

خالتها بنفسها إلا أنها كانت ترفض أن يرى الجالس بجانبها الألم

المرتسم على وجهها أو أن يسألها عن نتائج لقائها القصير ذاك

برئيسه وصديقه ، وذاك ما لم يفعله هو أيضاً وسيارته تعبر

شوارع العاصمة وحتى وصل منزلهما لم ينطق بأي حرف ولم

يسألها وكم كانت ممتنة لكل ذلك وأوله ثقته بها ليتركها تقابله

وحيدة وإن كان في بهو منزله ، بل ولم يجب ولا على هاتفه

الذي لم يتوقف تقريباً عن الرنين حتى توقفت سيارته أمام الباب

الخارجي للمنزل ففتحت بابها ونزلت دون أن تنتظر أن يدخل

بالسيارة ليوصلها للداخل واكتفت بعبور البوابة التي فتحت أمام

سيارته واغلقت خلفها على الفور فتحررت حينها الدموع التي

سجنتها طويلا تسقي وجنتيها في صمت مما جعلها تقطع طريقها

نحو المنزل وتقف قرب إحدى الأشجار تتكئ بكتفها على جذعها

تخفي عبراتها وشهقاتها الصامتة بظهر يدها ولم تعد تعلم من

تبكي تحديداً ؟ ويبدو لم يتعدى الأمر بكائها على نفسها ! .


*
*
*

خرجت من باب المطبخ تحمل الطبق المسطح متوسط الحجم

والمغطى بمنشفة مطبخ جديدة ونظرت حولها وهي تسير ببطء

وخطوات خافتة باتجاه السلالم تلتفت في كل اتجاه خشية أن تظهر

لها والدتها أو أحد ابنيها من أي مكان ويفشل مخططها .. بل

وستقع في مأزق سيء إن كانت والدتها من أمسك بها .

اتسعت خطواتها ما أن كانت في بهو المنزل حتى وصلت مقصدها

وهو السلالم الذي سيخفيها عن ممر غرفهم الموجودة خلفه

وصعدت حينها عتباته بخطوات مسرعة حتى كانت في الأعلى

وزفرت نفساً طويلاً ونظرت من أعلى السلالم نحو الأسفل تتأكد

من خلو المكان ، فبعد أن غاب عن المنزل لساعات طويلة قد

تلت شجارهما ذاك في الحديقة صباحاً عاد ليغادر مجدداً ولكنه

أخذها معه هذه المرة ؟!

قد لا تفهم شيئاً مما يجري بصعودها إلى هنا لكنها لن تستبعد

أن تجد ما يجيبها وإن على سؤال واحد من الألغاز التي تدور

حول زواجه الغريب بها ! .

وضعت الطبق من يدها حيث أقرب طاولة وصلتها ونظرها على

باب غرفة نومهما ونظرت خلفها قبل أن تتحرك نحوها مسرعة

وفتحت الباب ببطء ونظرت للغرفة المرتبة وكأن لا أحد يعيش

فيها ! تعلم بأن عمير شخص مرتب للغاية واعتاد أن يعيش

وحيداً ويهتم بجميع أموره ولم يتغير هذا ولا بعد أن أصبح بكل

هذا المركز ويمتلك ما يمتلكه من مال لكن أن تكون غرفتهما

هكذا وهما غادرا فور وصوله تقريباً فليس بالأمر المنطقي !!

نظرت للمكان خلفها وللسلالم الغارق في الصمت التام ودخلت

تاركة الباب مفتوحاً ونظرت حولها قبل أن تقرر التوجه للخزانة

وسحبت بابها المغطى بمرآة كبيرة ووقفت تنظر باستغراب لثيابه

وحدها والمعلقة هناك !

وعادت وأغلقتها سريعاً وغادرت الغرفة تغلق بابها ونظرها يسقط

تلقائياً على الجهة اليمنى حيث السلالم والمكان الوحيد الذي قد

يوصل أي شخص إلى هنا .


فتحت عدة أبواب في المكان الغارق في الصمت والظلام الجزئي

فكانت واحدة لغرفة مكتب وأخرى مخصصة للتلفاز وواحدة فارغة

تماماً وأحد الأبواب كان لحمام خارجي ، وآخر باب قررت فتحه

وهو الأقرب للغرفة من الجانب الآخر جعلها تقف متسمرة مكانها

وقد اختلطت في ملامحها الدهشة والصدمة والسعادة الغامرة

ذات الوقت وهي تجد ما كانت تبحث عنه .. بيجامة نسائية مرمية

على السرير الموجود في الغرفة وفرشاة شعر ومشبك كريستالي

مرميان بجانبها مما يعني بأنه يستخدم تلك الغرفة بينما تستخدم

هي هذه ولا وجود لعروس عمير سوى في ورقة عقد

زواجهما ! .
انتفض جسدها بقوة وأغلقت الباب بحركة لا إرادية حين سمعت

باب المنزل يغلق في الأسفل فهم عادة لا يغلقونه نهاراً والشمس

لم تغب بشكل كامل بعد وقد لا يكون هذا الشخص والدتها ولا أحد

أبنائها !!

تحركت باتجاه السلالم من فورها ونزلت منه وتوقفت مكانها ما

أن ظهرت لها التي بدأت صعود عتباته للتو وقد وقفت أيضاً تنظر

لها باستغراب بينما كان وضعها هي مشابهاً وهي تحدق في

عينيها التي ظهر أثر البكاء عليها واضحاً وكادت ملامحها أن

تشع سروراً شامت في وجهها لولا أدركت نفسها ، وبالرغم من

ذلك شقت ابتسامة عريضة شفتيها وهي تشير بيدها للأعلى قائلة

" صنعنا الخبز للعشاء بأنفسنا لأن والدتي لا تأكل الخبز الجاهز

وحملت لكما جزءاً منه لكني لم أجد أحداً فتركته على الطاولة

قرب الجدار "

ولاذت بالصمت ما أن أنهت عبارتها الجاهزة سلفاً من أجل

المواقف الطارئة كهذا الآن تنظر للتي صعدت باقي العتبات ترفع

عباءتها الطويلة بيدها واجتازتها دون أن تنظر ناحيتها ولا أن

تتحدث أو حتى لتشكرها وقد استدار رأسها معها حتى اختفت في

الأعلى وحينها فقط تحركت متمتمه بحقد

" يالك من مغرورة وضيعة "


وما أن وصلت للأسفل دارت حول السلالم متجهة لممر غرفهم

تدندن لحناً قديماً بسعادة ولم يكن أي لحن ذاك بل أغنيتها

المفضلة في الماضي والتي كان يحب سماعها بصوتها دائماً

فقط لأنها تحبها .


*
*
*

ترك سيارته خارج أسوار المنزل ودخل سيراً على قدميه ، كانت

الساعة قد تجاوزت منتصف الليل ولا شيء في ذاك المنزل الكبير

أو حديقته والذي كان مليئاً بالمعزين نهاراً سوى السكون

والصمت التام الذي أحاطه من كل جانب حتى أصبح في الداخل

ووقف ينظر للشخص الوحيد الموجود هناك والذي ما كان عليه

أن يتوقع أن ينام قبل وصوله ونظر لطيف المرأة التي وقفت فور

ظهوره ونظر لملامحها ما أن ظهرت له بوضوح أكبر في الأنوار

الصفراء الباهتة للمكان الواسع والمصممة للإستخدام الليلي هنا

وقد قالت ما أن وقفت أمامه تنظر لعينيه وملامحه المجهدة

" تأخرت كثيراً يا وقاص ! "

وكان صوته لا يقل إجهاداً عن ملامحه حين قال ببحة

تعب واضحة

" كان ثمة الكثير عليا فعله قبل أن أكون هنا كي لا أجد أنه

لا مفر من تسليمها للشرطة .... كيف هي الآن ؟ "

قال آخر كلماته بهمس حمل الكثير من المعاني التي لم يكن التعب

وحده المسيطر عليها مما جعل الواقفة أمامه تتنهد بحزن ولا تعلم

على حال أي منهما تحديداً ستحزن وقالت

" كان اليوم حافلاً بالمعزين ولم أستطع التردد على غرفتها كثيراً

لكنها لم تفارقها ولا سريرها أيضاً كما لم تأكل ، وقد مررت

بغرفتها قبل قليل وكانت نائمة "

فأبعد نظره عنها ناحية ممر غرفتها المظلم بينما قالت التي لازالت

نظراتها معلقة بوجهه

" كان عليك أن تكون هنا منذ وقت على الأقل لترى والدك فهو

ابنه إن استثنينا بالطبع كل المعزين الذين سألوا عنك "

وتابعت ما أن نظر لها مجدداً

" زر جناح أسماء أولاً فهو هناك ومؤكد لم ينم حتى الآن "

قال يشتت نظره بعيداً عنها

" متعب خالتي ولا يمكنني رؤية أحد ولا التحدث معه ولا أريد

أن يعلم غيرك وأيا كان بوصولي "

حدقت فيه باستغراب وقالت

" وأين ستذهب !! "

تركها وتحرك مبتعداً ناحية السلالم الذي لم يكن يقصده قائلا

" سأكون في الغرفة المجاورة لغرفتها ، لا يمكننا تركها وحيدة

الليلة تحديداً "

فراقبته متنهدة بأسى وقلة حيلة تستغرب القلب الذي لا يجعله

يراها كقاتلة لشقيقه وقد تؤذيه أيضاً !

هل هي بريئة فعلاً كما قال ؟

من قتله إذاً ولما في غرفتها وتمسك هي المسدس وتلتزم

الصمت ولم تدافع ولا عن نفسها ؟!

تركت كل تلك الأفكار خلفها فلا طائل من التفكير فيها وغادرت

جهة السلالم متمتمه بأسى

" رحم الله قلبك بني قبل قلبها "

بينما من تركته بعاطفة أمومة هناك تابع طريقه حتى وصل باب

غرفتها المغلق ووقف أمامه متردداً قبل أن تمتد يده لمقبضه

وأداره ببطء يدفعه برفق أكبر وكأنها نسمة هواء خفيف تحركه

ورقّت ملامحه بحزن وهو ينظر للنائمة تجمع كفيها تحت وجنتها

بينما تنام في سكينة .. فقط احمرار وجنتيها وتعاقب أنفاسها من

بين شفتيها المنفرجتان قليلاً ما يؤكد أي نوم سيء لازالت

تتشبث به .

أخذته خطواته نحوها ودون أن تستأذنه حتى وصل عندها ورفع

اللحاف يغطي جسدها جيداً وتحسس بظهر أصابعه جبينها ولم

تكن حرارتها مرتفعة كما يبدوا واعتقد ، أحكم أولاً إغلاق النافذة

التي كانت شبه مفتوحة ويبدو لم ينتبه لها أحد تتسرب منها

النسائم الربيعية الباردة وغادر الغرفة دون أن يطفئ أنوارها

وترك بابها مفتوحاً أيضاً ودخل الغرفة الأقرب لها وإن كانت

تفصلها عنها مسافة تكاد تساوى اتساع الغرفتين المتجاورتين

كاملاً وفتح بابها ودخل .

كانت الغرفة التي تم استقبال ماريه فيها سابقاً والتي لم تغادرها

سوى صباح الأمس لازال يستنشق رائحة عطرها النسائي

الخفيف المميز فيها وترك بابها مفتوحاً أيضاً وهو يتوجه نحو

السرير الواسع ونزع سترته ورماها على طرفه وأتبعها بربطة

العنق وفك زرين من ياقة قميصه أتبعها بأزرار أكمامه وثناها لما

يقارب مرفقيه قبل أن يرتمي بثقل جسده جالساً بتعب على السرير

ورفع قدميه يثني إحدى ركبتيه ناصباً ساقه بينما يفرد ساق

الأخرى على استقامتها يريح ساعده على ركبته وقد ارتفعت يده

الأخرى لعينيه يضغط عليها بقوة يتكئ برأسه على ظهر السرير

خلفه بينما يرتاح ظهره على الوسائد الناعمة المكدسة ورائه ،

واشتدت أصابعه على العينان المجهدة بقوة يشعر بكل ما حدث

اليوم يمر أمامه كشريط مصور وبالحركة البطيئة أيضاً وصوت

ضابط الجنائية يتردد في رأسه وكأنه يسمعه الآن

( التقرير المبدئي للطبيب الشرعي يؤكد تعرضه لكدمة قوية في

المعدة والتواء خفيف في معصم اليد اليمنى مما يدل على تعرضه

لإعتداء جسدي قبل وفاته بدقائق قليلة وقد يثبت ذلك ما قلت أنت

بأن المسدس كان في يده بداية الأمر ، وإن لم تكن المتهمة ممن

يتمتعون بلياقة بدنية عالية لا يمكنها فعل ذلك مطلقاً )


( وكنت لأتهمك بالجنون في تحليلك للأمر لولا وجود أثر الدماء

على طلاء الحافة الإسمنتية للنافذة من الخارج مما يعني أنه ثمة

شخص خرج منها بما أن المغدور لم يبرح مكانه ومات خلال

ثواني معدودة لن تكفيه ليتحرك ناحيتها ويرجع ، كما ولا أثر

للدماء لا في جسد ولا ثياب المتهمة .. وبما أن شهادة الحرس

واضحة وواحدة بأن شقيقك لم يدخل المنزل من بوابته بينما غادر

منها ووجود النافذة في الغرفة مفتوحة بينما بابها مغلق معناه

دخوله منها فلما سيفعل ذلك وما الذي يضطره له وهو أحد

ساكنيه ويدخل ويخرج حيث ومتى شاء ؟!

لكن المعضلة تبقى في شهادة الجاني نفسه ولا يمكنك بكل هذه

الأدلة أن ترفع التهمة عنها بسهولة إن كانت هي تصر على

العكس )


وكان ذاك نتاج يوم كامل لم يجلس ويرتاح فيه دقيقة واحدة ، وما

كان ليستطيع فعل كل ذلك لولا مركزه كنائب للمدعي العام حيث

المحكمة التي سعى وفوراً لضم القضية لها كي لا يتم تحويلها من

مركز شرطة بريستول لمحكمته قبل نقلها للجهة المختصة

وينتهي دوره حينها ومهما حاول فهو كان على استعداد لفعل أي

شيء ولا تنام ليلة واحدة في الزنزانة وإن اختطفها وأخفاها عن

الجميع وأنكر معرفته بمكانها حتى تنتهي القضية ويثبت براءتها

التي يراها رأي العين وواثق منها ثقته في استحالة أن

تكون قاتلة .

لكن من يكون هو المجرم الحقيقي ولما تتستر عليه بعناد هكذا ؟!

إن كان شقيقها في غيبوبة لم يفق منها بعد فمن هذا أيضاً الذي

هي على استعداد لدخول السجن من أجله !!

يكاد رأسه ينفجر ولا يستطيع فهم أو معرفة السبب وما حدث ؟

بقي شهادة ساكني المنزل ليثبت كل واحد منهم أين كان وقت

الجريمة ليتسع نطاق البحث بعدها لخارجه .


قفز واقفاً خارج السرير بل وركض خارج الغرفة على الفور ما

أن وصله صوت الصراخ الأنثوي الذي توقعه وكان ينتظره في أي

لحظة ، وخلال ثواني معدودة كان يدخل الغرفة متمسكا بإطار

بابها بيده بينما جسده داخلها قبل أن يواصل ركضه ناحية التي

كانت تجلس فوق السرير وبينما عيناها مغمضتان بقوة وكأنها

تمنعها من رؤية شيء ما يستحيل عليها الهرب منه

كان صراخها الباكي يرتفع بهستيريه أصابعها تقبض بقوة على

قماش اللحاف الذي لازال يغطي نصف جسدها .

وما أن وصل عندها ودون أدنى تردد ولا تفكير كان جالساً

بجانبها يشدها لحضنه ذراعيه القويتان تحيطانها بقوة رغم

تمنعها ومحولاتها ضربه والابتعاد عنه وكأنها لم تتعرف عليه بعد

والذي بدأ يخف تدريجياً أمام إصراره القوي والمغلف بالرقة في

آن معاً وبدأ يدسها في حضنه أكثر تتخلل أصابع يده خصلات

الشعر الحريري الذي يغطي رأسها المدفون حيث أضلعه

يهمس بتأني

" انتهى ... هو كابوس وانتهى يا زيزفون أنا معك لا تخافي "

وكان ذاك ما جعل حتى أنفاسها المتلاحقة بقوة وكأنها كانت

تركض لأميال طويلة بدأت تهدأ وتنتظم ببطء ، لم يكن يعلم إن

كانت مستيقظة إن كانت واعية لما حولها أم لا تزال نائمة ؟

كل ما يعلمه بأنها تقتله بكل عبرة صامتة تكتمها في أضلعها

تخرج بين الحين والآخر في شهقات مكتومة فهو لم يعرفها

ضعيفة هكذا سوى في تلك المرة التي هاجمتها فيها ذكريات

ماضيها وهي نائمة ومؤكد ما حدث البارحة أعاد لها ذكرى ما

حدث في الماضي وهي ترى شخصاً يُقتل أمامها مجدداً ، وإن

استثنى بالطبع المرة التي بكت فيها ونادت شقيقها وهي تشعر به

يتعرض للأذى وهم يجهلون ، ويرى كلا الأمرين واحد وهو لحظة

الضعف الأندر لشخصيتها القوية الصامدة ونقطة الضعف الوحيدة

فيها وهي شقيقها وماضيها معه .

ما أن شعر بجسدها ارتخى تماماً بين ذراعيه نظر لها يبعدها

برفق ورأسها يسقط للأسفل ببطء فعلم بأنها عادت للنوم مجدداً

أو استكانت في نومها الذي يبدو لم تغادره بعد فأسند رأسها

بذراعه ووضعه على الوسادة ببطء ثم سحبها من تحتها برفق

وغطاها جيداً باللحاف الناعم المكون من طبقتين من القطن

الثقيل ووقف لبرهة ينظر لملامحها التي يبدو أنها استرخت أكثر

من السابق من انتظام أنفاسها ولم يستطع البقاء أكثر من ذلك

ولو كان الأمر بيده لما غادر الغرفة حتى تستيقظ لكنه عاجز حتى

عن تقديم ما يحرمها الجميع منه وهو الشعور بالأمان في أكثر

أوقات احتياجها له ، كما لا يريد موقفاً مشابهاً للذي شهدته


جمانة سابقاً ما أن تطلع شمس الصباح وإن كان يختلف عنه إلا

أن فهمهم له سيكون واحداً وبعيداً عن كل ذلك لذلك لا يمكنه

قضاء الليل في غرفتها هنا وحتى مربيتها لم يعد لها وجود فلا

حل أمامه سوى العودة للغرفة التي جاء منها .

غادر الغرفة تاركاً بابها مفتوحاً هذه المرة أيضاً ودخل غرفته

السابقة وتوجه نحو الستائر في الطرف الآخر وأبعدها بحركة

واحدة قوية وفتح النافذة قليلاً لا يعلم ليقلل شعوره بالإختناق أم

ليمحو رائحتها من ثيابه ؟ بل ومن كل خلية في جسده بهواء أكثر

قوة وبرودة .


جلس على حافة السرير من تلك الجهة يولي الباب في الجانب

الآخر ظهره واتكأ بمرفقيه على ركبتيه يشبك أصابعه ببعضها

ونظره عليها وهي تشتد مع اشتداد أفكاره التي كانت تدور في

ذات المسار فإقناع من تعيش هنا في وسطهم ببراءتها يراه أكثر

صعوبة من إقناع القضاء ففي المحاكم يأخذون الأدلة البسيطة

بعين الإعتبار لكن البشر لا يعترفون بذلك وإن صدر الحكم

ببراءتها ففي بعض الأحيان تموت حتى المشاعر الإنسانية ،

ولهذا تَهرّب من رؤيتهم جميعاً فأول ما سيهاجم به هو دفاعه

الشرس عن قاتلة كما يعتقدون وتركها هنا بينهم خاصة وأن أكثر

من نصف ساكني المنزل هنا لم يستسيغوا وجودها هنا منذ

البداية فكيف الآن ؟!

عاد لجلوسه السابق واتكأ برأسه للخلف وأغمض عينيه

المجهدتان حد الألم الذي يشعر به يضرب في صدغيه يغوص في

أفكار عديدة وإن كانت تصب في ذات النقطة حتى انتظمت أنفاسه

وغلبه نعاس خفيف لم يكد يغرق به في نوم حقيقي حتى عاد

وفتحهما مجدداً واستوى في جلوسه ينظر حيث باب الغرفة الذي

تحرك فجأة وارتفع نظره للجسد الأنثوي الواقف أمامه حتى

وصل به للعينان المحدقتان به بصمت لازالت آثار النوم عليهما

تطالب بالمزيد قبل أن تسدل جفنيها تخفي الزرقة الجميلة

المشوشة فيهما عنه وتحركت خطواتها نحو الداخل حتى وصلت

السرير يراقبها باستغراب وريبة تبدلت للدهشة سريعاً وهي تندس

تحت اللحاف بجانبه وانكمش جسدها تحته في وضعية الجنين

تولي ظهرها له لا يظهر منها سوى رأسها وشعرها الذي أخفى

ما يظهر من ملامحها التي تدفن أغلبها في الوسادة تحتها !

وتصلبت ملامحه ما أن خرج صوتها الهامس بخفوت

" لا أريد البقاء وحدي هناك "

فأغمض عينيه ببطء ووبخ نفسه سريعاً فكيف لم يفكر في هذا

وبأن لمكان الجريمة أكبر تأثير على نفسية حتى الأصحاء فكيف

بمن مرت بمآسي مشابهة في الماضي ؟

وما أن عاد وفتحهما توقفت نظراته عندها بل وتشابكت أفكاره

العاجزة عن فهمها ..!!

وكان عليه وخلال ثواني فقط أن يقرر قراراً حاسماً يترك السرير

أم الغرفة بأكملها لها ؟

لكنه خشي ذات الوقت أن تعتبره هروباً أو تهرباً منها مما

أعجزه عن اتخاذ ذاك القرار أو حتى التفكير فيه وساقاه تتخدران

يشعر بهما أثقل من أي شيء قد يفكر في حمله أو تحريكه !

وذاك ما جعله يتجمد مكانه كالصخرة الصماء كل ذاك الوقت حتى

بدأت أنفاسها بالإنتظام محررة إياه من القيود الوهمية التي كبلت

كل شيء فيه عن الحركة بل وإصدار الأوامر أو تلقيها ووقف

حينها مبتعداً عن السرير ببطء ونظره عليها لا يعلم

ما يلعن تحديداً ؟

نفسه لأنه السبب في عجزه عن احتوائها واحتضانها أم غيره

ليقف موقف العاجز عن فعل أي شيء من أجلها خارج أسوار

مبنى النيابة العامة هناك ؟

راقبت نظراته الحزينة المتفهمة جسدها وخصلات شعرها الطويل

المتناثرة خلفها فبالرغم من كل ما تعانية في نومها المليء

بالكوابيس لازالت كما يبدو تتمسك به وتعود له سريعاً وكأنها

تتخذه ملاذاً من واقعها وبالرغم من كل بشاعته !

فهل ستحظى ببعض السكينة فيه بمجرد ابتعادها عن

تلك الغرفة ؟


كان سؤالاً جوابه أقرب مما يتخيل وقد بدأ صوت أنينها المتقطع

يخرج متعاقباً منها فجلس مجدداً يثني ساقه تحته وقبل أن تمتد

يده لها ليوقظها جلست فجأة بشهقة قوية مصدومة خرجت

مرتفعة مرتعبة زلزلت أعماقه قبل أضلعها المرتجفة بأنفاس

متلاحقة ، ودون شعور منه وجد نفسه يجلس فوق السرير بقربها

ويده تبعد شعرها عن طرف وجهها هامساً ونظره على عيناها

الشاخصتان في الفراغ

" زيزفون أنت بخير إنه مجرد حلم "

فكان رد فعلها الوحيد أن مسحت بيديها على شعرها للخف وكأنها

تبعده عن وجهها تتنفس بعمق وقوة قبل أن تعود للإستلقاء

مكانها ووضعها السابق تولي ظهرها له ودفنت ملامحها هذه

المرة في ساعدها وذراعها تثنيهما تحت رأسها ليدمره وبشكل

نهائي صوت أنينها الباكي والذي خرج مكتوماً موجعاً وكأنه

يخرج من قلب مأساتها ومنذ بدأت فانهار جسده على ظهر

السرير يتكئ عليه بكتفه وجانب رأسه ينظر بإنكسار حزين

لجسدها المرتجف الباكي وهو يعلن تمرده على صمودها وانهياره

التام أمام قسوة ما تمر به ، وفي لحظة كانت أعظم من أن

يسميها ضعفاً امتدت يده ببطء ناحيتها حتى لامست أصابعه وكفه

نعومة شعرها واستقرت فوق رأسها وتنفس بعمق نفساً طويلاً

قبل أن يخرج صوته ببحة عميقة وهو يتلو الآيات القرآنية

بصوت عميق رخيم زادته نبرة الحزن فيه عمقاً ، وهذا جل

وأعظم ما يمكنه فعله من أجلها وهو يدرك ما يواجهه قلب الأنثى

الضعيف الليلة ومهما كان قوياً ، بل وكان موقناً من أنه سبيله

الوحيد ومنجاها الأكيد أيضاً وأنين عبراتها الموجعة قد بدأ يخفت

تدريجياً حتى لم يعد يملأ المكان الواسع البارد سوى صوته

الجهوري العميق لازال يتلو الآية تلو الأخرى ويده على رأسها

ونظراته الحزينة لا تفارقها .


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:16 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.