آخر 10 مشاركات
عشيقة الإيطالي (1) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          كما العنقاء " مميزة ومكتملة " (الكاتـب : blue me - )           »          117 - توأم التنين _ فيوليت وينسبير ج2 شهر عسل مر ((حصرياً)) -(كتابة /كاملة بالرابط) (الكاتـب : SHELL - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          الزواج الملكي (109) للكاتبة: فيونا هود_ستيوارت.... كاملة (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          لاجئ في سمائها... (الكاتـب : ألحان الربيع - )           »          258 - بلا عودة - هيلين بروكس ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          بريئة بين يديه (94) للكاتبة: لين غراهام *كاملة* الجزء الثاني من سلسلة العرائس الحوامل (الكاتـب : Gege86 - )           »          كبير العائلة-شرقية-للكاتبة المبدعة:منى لطفي(احكي ياشهرزاد)[زائرة]كاملة&روابط* (الكاتـب : منى لطفي - )           »          سحر جزيرة القمر(96)لـ:مايا بانكس(الجزء الأول من سلسلة الحمل والشغف)كاملة إضافة الرابط (الكاتـب : فراشه وردى - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة

Like Tree35192Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-07-21, 12:25 AM   #16451

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي





*
*
*

غادرت غرفتها وقبلها سريرها بعد أن جافى النوم عينيها رغم

محاولاتها الفاشلة لساعات ، وكيف لها أن تنام وهي تشعر بكل

ذاك الغضب يغلي في عروقها وصولاً لرأسها من كل شيء ومن

الجميع وحتى من نفسها ، وصلت باب الغرفة ومقصدها الأساسي

وحركته نحو الداخل ببطء حتى ظهر لها جسد النائمة هناك

وتغضّن جبينها باستغراب ما أن وقع نظرها على وجهها وعلى

وجنتيها المحمرتان بشدة والأنفاس التي كانت تخرج متلاحقة

من بين شفتيها المرتجفة والعرق الذي كان يتصبب من جبينها

مما جعل خصلات من غرتها تلتصق به وبجانب وجهها فدفعت

الباب بقوة وتوجهت نحوها بخطوات مسرعة ورغم تيقنها من

ظنونها إلا أنها لامست جبينها براحة يدها وكما توقعت كانت

ساخنة للغاية فأزالت اللحاف من على جسدها بحركة واحدة

سريعة وضربت براحة يدها على وجنتها بخفة مناديه

" ماريه "

لكنها لم تستجب لها أو تفتح عينيها رغم تكرارها لضربها

ومناداتها حتى ارتجفت شفتاها أكثر وخرج همسها المتعب

المتقطع ولم تفتح عيناها بعد

" أمي .. أبي "

فعادت لضرب وجهها مجدداً قائلة برجاء حزين

" افتحي عينيك ماريه أرجوك "

وكانت النتيجة ذاتها لا شيء سوى همسها الحزين المرتجف

والمنادي لهما وترجيها بأن لا يتركاها فعلمت بأنها غائبة عمّا

حولها تماماً وبأن حرارتها ستكون وصلت لمرحلة الحمة الشديدة

فغادرت الغرفة بخطوات راكضة حتى كانت في بهو المنزل المظلم

الساكن تماماً واتجهت يساراً ومقصدها غرفة والديها لكنها غيرت

رأيها فجأة كما اتجاهها ذاك حين تذكرت ما حدث سابقاً وحين تم

نقلها للمستشفى بسبب الحادث الذي تعرضت له وأين انتهى بها

الأمر فكانت وجهتها الجديدة علبة الإسعافات المعلقة على الجدار

سحبت كرسياً وصعدت لها فلن يفعل لها الأطباء أفضل مما

ستفعله هي .


أخذت منها ما تحتاجه وعادت بخطوات راكضة باتجاه الغرفة وما

أن دخلتها توجهت نحو التي لازالت على ذات الحال الذي تركتها

عليه فوضعت ما في يديها على السرير الذي جلست عند طرفه

ملاصقة لجسدها وسحبت يدها وساعدها الساخنان بشدة

ووضعتها في حجرها وقامت بربط الحزام المطاطي الخاص حول

ذراعها وعقمت باطن مرفقها قبل أن تجهز الحقنة وتحقنها ببطء

في وريدها نظرها ينتقل بين ما تفعل يداها وتألم تلك الملامح

بحركة طفيفة حتى انتهت ووقفت حينها وتخلصت من الحقنة

وغادرت الغرفة مجدداً وبذات الخطوات الراكضة حافية القدمين

ووجهتها هذه المرة المطبخ والذي خرجت منه بعد لحظات

قصيرة سبقها صوت ضجيج واضح في الداخل تحمل في يديها

إناء به ماء بارد ومنشفتان صغيرتان وعادت للتي وجدتها على

حالها سوى أن هذيانها المتقطع قد توقف فجلست بقربها ولم

تتوقف عن تغيير المنشفة بالأخرى حتى عادت حرارتها لمستواها

الطبيعي فتنهدت حينها بارتياح ومسحت يدها على وجهها تنظر

بحزن لملامحها المتعبة وقد انتظم تنفسها ونامت أخيراً ، وكم

آلمها أنها لم تنادي أحداً غير والديها في عالمها ألا واعي ولا

حتى ذاك الرجل الذي كانت متعلقة به حد الجنون !

انحنت نحوها وقبّلت جبينها وغطت جسدها باللحاف الخفيف

تدعوا الله هامسة بحنق أن ينتقم من كل من آذاها ويرى بأنه لا

أحد لها يردعه عن فعل ما يريد بالرغم من أن ما في قلبها لا

يطابق تلك المواصفات سوى شخص واحد تكرهه كل يوم أكثر .

مسحت بعدها الماء الذي تناثر منها على الأرض وحملت كل ما

تبقى هناك وأعادتهم مكانهم قبل أن تعود للغرفة مجدداً تأكدت

بأنها بخير ونائمة فعلاً وغادرت حينها مغلقة الباب خلفها بهدوء

وعادت لغرفتها ، صلت الفجر الذي كان قد مضى على وقته

قرابة النصف ساعة حينها لكن الشمس لم تشرق بعد وفشلت

مجدداً في أن تحصل وإن على القليل من النوم عيناها تنظران

للسقف كقطة وحيدة في الظلام وفكرة واحدة تسيطر على عقلها

وهي أن تكون مكانها الآن وتُظلم وتُضام ولا أحد يهتم لألمها

وتُهمل من الجميع حولها لأنه لا أحد لها يقول لهم توقفوا عن

فعل ذلك .

نظرت جهة النافذة المتوارية خلف ستار سميك وقد بدأ النور

يتسلل خفيفاً بين فتحاتها وتنهدت نفساً عميقاً تتذكر لوم والدتها

الدائم لوالدها في طفولتها تُحمله ذنب تحويلها لرجل بدلاً من

امرأة فكان تعليقه في كل مرة بأنه لا يريد لابنته أن تتألم يوماً

حين لا تجد من يقف أمامها ويحميها فهو رزق بها وقد بلغ

الخمسين عاماً وعلمت الآن بأنه فعل الصواب تماماً ، بينما شارك

الجميع في جعل ماريه فتاة حساسة ضعيفة تحتاج دائماً لمن يقف

معها ويردع الخطر عنها حتى بات الجميع يقرر عنها دون

احترام لرغباتها .. جميعهم وحتى تيم الفتى ووالدته المتوفاة في

رأيها يحملون الذنب ذاته بل وأكثر من البقية فلو أنهم علموها أن

تدافع عن نفسها بدلاً من حمايتها والدفاع عنها لما كان يستطيع

أي شخص الآن كسرها أو جرحها أو حتى إكراهها على ما لا

تريد خاصة ذاك الرجل الذي يتحكم بها وكأنها دمية لعب في

يديه يأخذها حين يشاء ويرميها خارج منزله وحياته متى

وكيف يشاء .

رمت اللحاف عن جسدها وجلست حين أعلنت يأسها مجدداً في أن

يتغلب النوم على عينيها وعقلها قبلهما وغادرت غرفتها متجهة

للغرفة القريبة منها فتحت الباب بهدوء ونظرت للنائمة كما

تركتها فيبدو أن خافض الحرارة قد جعلها تنام وهذا جيد .

دخلت مغلقة الباب خلفها وسحبت كرسي طاولة التزيين وجلست

عليه قربها تنظر لملامحها النائمة بسكينة رغم احمرار جفنيها

وتورد وجنتيها وشعرت بالحيرة فهل يمكن لهذه الملامح البريئة

والقلب الطيب أن تتغير لو أنها تربت في بيئة مختلفة ؟

أم أنها تجسدت مع تكوين جسدها وملامحها الجميلة !

كيف لها أن تكون النقيضان حينها بين ملامحها وشخصيتها ؟!

أبعدت نظرها عنها وتنهدت بأسى متمتمه

" كان بإمكانها قول كلمة لا على الأقل "

وابتسمت كالبلهاء حين شعرت بثقل جفنيها معلنان رغبتهما في

النوم فارتمت بنصف جسدها على السرير أمامها واتكأت بجانب

وجهها على ساعديها مغمضة العينين فيبدو أنها لم تستطع النوم

لأنها ابتعدت عن مصدر أفكارها .


*
*
*

رتبت الأطباق في الصينية ونظرت لابنتها التي جلبت كوب

العصير من الثلاجة ووضعته فقالت وهي تنظر له

" لو أنك وضعتِ لها إبريقاً صغيراً أفضل من هذا "

فاستعجلتها وهي ترفع الصينية كي لا تفسد مخططها قائلة

تتجنب النظر لها

" هذا كي لا تشربي منه أمي فهو بارد "

أخذت الصينية منها رغم عدم اقتناعها لكنها أطاعتها ممتنة أن

دست لسانها في فمها وهما تطبخان طعام العشاء على غير

العادة حين تكون جليلة في الأمر !

وخرجت بالصينية تدعو الله في قلبها أن يريح قلب ابنتها تلك

ويهديها الصواب كي لا تكون نهايتها في هذه الحياة سيئة بسبب

لسانها وسواد قلبها .. ولن تلوم أحداً غير نفسها لأنها من ربتها

مدللة رغم قلة حيلتهم ذاك الوقت لكنها اعتادت أن تنال كل ما

تريده وإن كان في يد غيرها ولم يكن في نيتها سوى تعويضها

عن فقدها لوالدها فكانت تحرم نفسها من كل شيء كي تشتري

لها ما تريد وتعمل بيديها ولا تنام الليل بطوله لتجني القليل من

المال ثم تصرفه على طلباتها التي لا تنتهي كي لا تحرمها أي

شيء يوفره الرجال لبناتهم ولا ترى في عينيها نظرة كسيرة لأنها

لا تملك مثله ، وحين خطبها عمير عاملها ذات المعاملة وتعلم

السبب لأنه أحبها فعلاً وتغاضى عن كل عيوبها ولم يتأخر

زواجهما لوقت سفره إلا بسبب شروطها التي لم تكن تنتهي أبداً

وهو شاب في بلاد حروب بالكاد جمع الدرهم فوق الآخر ودون

مساعدة من والده وبنى منزلاً مستقلاً له وكلما نهتها غاضبة قال

مبتسماً

( اتركيها تطلب ما تريد عمتي )

وظهرت الحقيقة القاسية عند أول منعطف واجههما ومن قبل أن

يتزوجا ، واكتشفت بشكل أوضح نتائج تربيتها السيئة لها حين

تزوجت بعد رحيله ولم تهتم كما تخلت عن زوجها ذاك عند أول

مشكلة واجهته ولم تهتم أيضاً ولم تقف بجانبه كأي زوجة صالحة

تتذكر له حسن معاملته لها وأنه لم يحرمها شيئاً كانت تجلبه

أمواله فحين اختفى المال انتهى دوره بالنسبة لها .

صعدت عتبات السلم تنهي كل أفكارها تلك فلوم نفسها لن يجدي

في شيء وقد نالت عقابها وهي تراها تخطئ كل يوم مقتنعة

تماماً بأنها على صواب بينما تعاني هي ويلات غضبها ألا مبرر

في نظرها .

ابتسمت وتغير كل مزاجها ذاك ما أن وصلت للأعلى ووقع نظرها

على المتكئة بالعرض فوق الأريكة تنظر لشاشة التلفاز الضخمة

المعلقة على الجدار تتكئ برأسها على مسندها وتدلت يدها وجهاز

التحكم فيها نحو الأسفل تحركها بعشوائية وبدت في فستانها

الأصفر الجميل كقطعة حلوى .. فمن هذا الذي يرى أن المرأة إن

بلغت الثلاثين عاماً كبرت فليأتي ليغير نظرته تلك بالكلية !.

ما أن تقدمت بضع خطوات ناحيتها وشعرت بوجودها حتى جلست

مسرعة ووقفت وتوجهت نحوها بخطوات واسعة وأخذت الصينية

منها قائلة بإحراج

" أتعبت نفسك عمتي "

فقالت تنظر لها مبتسمة وهي تسير بها باقي المسافة

" وما التعب ونحن نعد الطعام إن معك أو بدونك "


قالت مبتسمة تضع الصينية الكبيرة على الطاولة

" سلمت يداك ولا تعيديها مجدداً "

ضحكتا معاً بينما أمسكت جليلة بيدها وقالت تسير بها

نحو الأريكة

" ستتناولين الطعام معي فلن آكل كل هذا وحدي بالتأكيد "

جلست حيث أوصلتها وقالت مبتسمة

" بالتأكيد سأتناول الطعام معك لكن ليس لكثرته بل لأتأكد
من أنك تناولت عشاءك بشكل جيد "

فضحكت وقالت وهي تسحب الكرسي لتجلس مقابلة لها

" من حسن حظي أني تركت والدتي هناك في العمران
لأجدها هنا "


وجلست تنظر لها مبتسمة بصدق يوثق كل كلمة قالتها فهذه

المرأة فعلاً يمكنها أن تكون والدة لكل شخص يعرفها ويتعرف

عليها ولولا سلوك ابنتها ناحيتها لكانت من نفسها نزلت وقضت

يومها معها تطبخان وتتحدثان وتتسامران بدلاً من مواجهة

الجدران هنا فحتى التلفاز جلست اليوم أمامه في انتظارها فقط

لأنها تعلم بقدومها فلم تكن يوماً من عشاق الجلوس أمامه وكان

يومها مزدحماً ولديها دائماً ما تفعله .

ماتت ابتسامتها وارتفع نظرها لها ما أن قالت باسمة

" انتظرت عمير أن يأتي وتتعشيا معاً لكن رجال مطر شاهين
لا يوفون بوعودهم للنساء أبداً "

فأخفت حدقتاها بإنسدال جفنيها الواسعان عليهما ولم تعلق تنظر

للكوب الذي وضعته لها أمامها قائلة

" هذا نعده نحن هنا في المنزل وسيعجبك طعمه كثيراً "

ونظرت لها وقالت مبتسمة ما أن عادت جالسة مكانها تنهي

ما قالته سابقاً

" مؤكد ستنتهي ظروف البلاد سريعاً وسيتغير نظام عمله "

رفعت الكوب بين يديها وقالت ونظرها شارد في لونه الغريب

لاختلاط الفواكه المتعددة فيه

" أنا أعلم جيداً بأي رجل تزوجت فلن أتصرف كمراهقة صغيرة
تطالبه بالتواجد معها طوال الوقت "

ابتسمت لها تلك العينان المُحبة وقالت صاحبتها مبتسمة

" زادك الله عقلاً .. سبحانه من كملك به "

ابتسمت لها بامتنان ورفعت الكوب لشفتيها ورشفت منه رشفة

صغيرة ووضعته مكانه ما أن قالت الجالسة أمامها

" لا تشربي العصير فقط فتمتلئ معدتك عليك أن تأكلي أيضا "

ابتسمت وقالت

" طعمه رائع فعلاً "

حركت رأسها وقالت باسمة

" أجل فبثينة تبدع في إعداده منذ أعوام "


ماتت ابتسامتها في رد فعل لا إرادي وشعرت بذاك الانقباض

الغريب كلما رأتها أو سمعت اسمها أو حتى تذكرتها وخرج

السؤال دون شعور منها حينها وهي ترفع نظرها بالتي بدأت تضع

اللحم أمامها

" منذ متى وهي مطلقة ؟ "

تنهدت التي استبدلت صحن الخضار ليصبح أمامها وقالت

" بعد عودة عمير فهو من سعى لإجبار زوجها على أن يطلقها "

" أجبره ! "

همست بتلك الكلمة اليتيمة في صدمة وقالت التي رفعت

نظرها لها

" نعم فهو تزوج عليها ثم اشترط بقائها إن أرادت أبنائها
لأنه يريدهم معه ورفض تطليقها كي لا تنال حضانتهم
حسب القانون "

حركت رأسها في ذهول وهمست

" وكيف استطاع إجباره دون تنازل ! "

حركت تلك كتفيها وقالت ترفع الملعقة

" بالتراضي فعمير استطاع أن يعلم بذكاء الرجل أن الطرف
الآخر يمكن التعامل معه بالحسنى ، وكان ذاك أيضاً يدرك بأنه بعد
عودته لم تعد بثينة المرأة التي لا سند لها ومؤكد خشي على
نفسه من أن يؤذيه وهو رجل مطر شاهين المقرب فتفاهما على
أن يطلقها وينال حقه في رؤيتهما دائماً ودون دفع نفقتهما "


وابتسمت بسخرية وهي ترفع الطعام لفمها قائلة

" لو فكر قليلاً في أنه يشبه زعيمهم في عدله ما كان خاف من
رد فعله حيال رفضه "

كانت تحدق فيها بتفكير وابتسمت ما أن أشارت لها وهي تمضغ

الطعام لتأكل فرفعت ملعقتها وبدأت في الأكل وإن كان ذهنها

منشغل تماماً بما قالت حتى أنها لم تكن تعلم ما أكلت تحديداً ، ولم

تستطع نهاية الأمر منع السؤال الذي خرج متحرراً منها

" ولما تطلقا بما أنه حسن خلق ؟! "

كانت تعلم بأنه سؤال غير لائق وكأنها تقول لها ابنتك هي السيئة

بما أنه لديهما أبناء ، وتوقعت أن تجد أعذاراً لها كأي أم تخجل

فقط من قول الحقيقة وهي من ربت تلك الابنة لكنها حطمت جميع

توقعاتها حين قالت بعد تنهيدة طويلة وبنظر شارد

" ابنتي تكره فكرة أن تعيش في هذا العالم دون أن تمتلك كل ما
تتمناه وتريده وانتكاسة زوجها المالية فاقمت المشاكل بينهما مما
جعله يتزوج بأخرى ويعيشان شبه منفصلين كلياً لا يدخل المنزل
سوى لرؤية أبنائه وكانا يتشاجران أيضاً في تلك الزيارات وتعذّر
عن زواجه بأخرى أنه لم يعد يطيق العيش معها "


ورفعت نظرها بها وهي تتابع بحزن

" ثم بدأ يتحدث عنها بسوء وأنها كانت كذلك طوال سنوات
زواجهما وأنه كان يسكتها بماله فقط "


أخفضت رأسها وشعرت بالندم وهي ترى الإحراج في ملامحها

كما الحزن في عينيها التي هربت بهما منها ورفعت نظرها لها

مجدداً وقالت

" لا يحق له قول ذلك عنها ولو كان صحيحاً "

ونظرت لها باستغراب ما أن تبدلت ملامحها للابتسام فجأة وقالت

" لم يكن ثمة ما يمنعه سوى عودة عمير والذي قال عبارة

واحدة فقط حينها

" إن أرادت هي الطلاق منه فعليه فعلها وإن كانت مخطئة ولا
يعتقد بأنه لا أحد وسند لها ولوالدتها "

ولمعت عيناها بحزن وهي تلامس صدرها بيدها ونظراتها تهيم

للفراغ وقالت

" كان رحمة من الله لنا فما كانت لتستطيع ولا إعالة ابنيها إن
هو طلقها وتركهما لها "

وابتسمت بحزن وهي تنظر لعينيها مجدداً متابعة

" وتعهد بأن يهتم بي وبها وأبنائها وها نحن نتقاسم معه حتى
منزله وحياتكما الخاصة "

شعرت بغصة في حلقها وندم قاسي لتضايقها سابقاً منهم ومدت

يدها وأمسكت بيديها اللتان كانت تضمهما في حجرها وقالت

" كيف تقولين هذا عمتي فالمنزل لكم أنتم عائلته أنا امرأة جلبتها
كلمة رجال وتغادر بكلمة واحدة منه كما تجلب أخرى "

قالت مسرعة تمسك بكفها ذاك

" لا فرق الله بينكما يوماً بنيتي "
وابتسمت بحب متابعة

" عمير يستحق امرأة مثلك ولن يجد أفضل منك أبداً "

ابتسمت لها ممتنة وهي تبعد يدها وقالت وبكل صدق رغم كل ما

تراه من ابنتها تلك

" أتمنى من الله أن يعوضها خيراً مما فقدت فالرجل بالفعل إن لم
يخف الله فلن يخاف سوى أهل الزوجة أما إن لم يجد من يخافه فسيظلمها دون تراجع "

قالت الجالسة أمامها بضحكة صغيرة

" وهل ستهتم المرأة لعوض بعد أبنائها ؟ ستكرس نفسها
فقط لتربيتهم "

وأشارت بيدها للطعام قائلة

" هيا مدي يديك وكلي من كل هذا ... "

واشارت للكوب أمامها متابعة

" وأريدك أن تشربي كوب العصير كاملاً "

ضحكت وقالت

" لن أنام الليلة بسبب التخمة "

ضحكت وقالت ترفع ملعقتها مجدداً

" بل ستنامين نوماً هانئاً ويستعيد جسدك عافيته "


*
*
*


نزل مغلقاً باب السيارة خلفه ووقف ونظره على الملف المطوي

في يده يشعر بأنه يحمل أسراراً أبعد من قدرات خياله البشري

فحين اتصل به عمير وطلب مقابلته في مكتبه كان يعتقد أنه

سيتحدث معه بخصوص والد يمان ولم يكن يتوقع أبداً أن يكون

رسول خاله إليه وأنه يحمل له فاجعة وليس مفاجأة وهو يخبره

بأنه سيكون في مبنى محكمة حوران عصر الغد متعمدين إخباره

بذلك الليلة فقط مع التوصيات المتكررة منه حتى كانت تكاد تصل

للتهديد بأن لا يعلم أحد ولا من عائلته بأمرها وبموعدها تحديداً
لتتوالى عليه الصدمات ما أن علم سيترافع نيابة عن من ! ثم

صاحب الدعوة ثم سبب القضية .. وكان يشعر وكأنه يسمع كلاماً

لا يخرج من شفتي الجالس مقابلاً له خلف مكتبه بل وكأنه يقول

أموراً أخرى وهو يسمع صوتاً مغاير تماماً !

فكيف لمن تَخرج حديثاً ومهما كان مقدار تفوقه أن تكون أول

تجربة عملية له قضية كهذه !

كانت ستكون من أسهل القضايا عليه لو لم يكونا هما صاحبا

الأسماء فيها فإما أن خاله يريد خسارة القضية بدفعها نحوه

لدراستها في ليلة واحدة فقط أو أن الأمر من السرية والخطورة

أن يرفض تسليمه لشخص لا ينتمي له ويستأمنه عليه ؟!.


اشتدت أصابعه على الملف والأوراق فيها وهو يتذكر كلمات

عمير الجادة ينظر لعينيه تلك النظرة القوية التي لا يرى أحداً

يتقنها سوى خاله ورجاله

( ثمة أمر مهم عليك معرفته يا أبان فأنا نفسي لا أعلم ما بداخل
هذا الملف ولا أي رجل من رجاله ولم يكن أمامنا إلا السمع
والطاعة لثقتنا به فإن كان بإمكانك أن تبات الليلة مفتوح العينين
تحرسه فافعل ذلك )

وعلم حينها بأنه يحوي أسراراً كبيرة يبدو أنها كانت السبب

وراء خروجهم جميعاً من البلاد ! أمور كان مجبراً على إخفائها

عنهم هم أنفسهم ومن التفوا حوله لأعوام لم يدفعهم وفاؤهم له

وثقتهم به ولا لمجرد سؤاله لما نحن هنا ولما تحكم صنوان

البلاد بينما وافقت قبائل الحالك ! .

زفر نفساً طويلاً من بين شفتيه خرج من عمق ضياع أفكاره

وتحرك من مكانه مبعداً نظره عنه ووجهته باب المنزل فعليه أن

يكون أهلاً للثقة التي مُنحت له على الرغم من جهله لهدف خاله

منها ! هل ليكسب القضية ويتم إلغاء طلب الطلاق أم فقط توضيح

مسبباته ؟! وعليه في جميع الأحوال أن يمارس ما درسه وتعلمه

والقرار الأخير للقاضي وحده يحكم فيه بعدل مطلق .

دخل المنزل مغلقاً الباب خلفه بينما نظره على المجتمعين عند أحد

الصالونات و كانوا بثينة ويمامة التي تولي الباب ظهرها تقرآن

شيئاً في كتاب مفتوح بينهما على الأريكة وتجلس قربهما والدته

التي كانت تمسك ابنتها الصغرى ذات الثلاثة أعوام والتي تبدو

نائمة وكانت وحدها التي تنظر ناحيته فابتسم لها ابتسامة يعلم

أنها تفهمها جيداً فلم يدخل المنزل أو ينزل من شقته في مرة

وكانت يمامة هنا في الطابق السفلي وليست مرافقة لها إلا في

النادر جداً لاضطرارها ولا تكون بعيدة عن مكانها بالتأكيد .

تحركت خطواته ونظره لازال عليهم ودس يده الحرة في جيبه

وصفر بشفتيه نحوهن ونادى مبتسماً

" يمامة "


فارتفع جسدها المنحني قليلاً جهة الكتاب كما رأسها وهي تديره

نحوه وتنظر له كما هو حال شقيقته ووالدته التي هو موقن من

أن مجساتها الحسية استنفرت جميعها لحظتها ، فلم يستطع كتم

ضحكة صغيرة خرجت منه بسبب نظرتها تلك وأخرج يده من

جيبه وفيها قطعة الشكولاته الموجودة فيه ورماها نحوها بقوة

فقفزت مبتسمة لتلقطها ورفع رأسه نحوهم وقال بمكر

" لا تعطي منها لتلك القبيحة فثمنها أغلى منها بأكملها لكنها
لا تساوي رؤية ابتسامتك هذه "

وغمز لوالدته ضاحكاً وهو يتوجه ناحية السلالم وصعد لشقته من

فوره بل ولغرفته تحديداً وأغلق بابها خلفه ووضع الملف من يده

على الطاولة ونظره عليه وهو يفتح أزرار قميصه العلوية يتذكر

كلمات عمير عن حراسته له فهو لن ينام في كل الأحوال لثقته

بأن ما سيحمله بين أوراقه سيفقده النوم لأيام وليس ليلة

واحدة فقط .

توقفت يداه بعد زرين وثالث نصف مفتوح ونظر لباب الغرفة الذي

فُتح بدون طرق وللشخص الذي ما كان ليتوقع غيره بالتأكيد فعاد

بنظره ليديه وهو يواصل فتح الأزرار قائلاً ببرود

" كل ما في الأمر لوح شكولاته أمي لا داعي لاجتياح
المكان وتعنيفي "

لكنها لم تهتم لكلامه وهي تدخل الغرفة وتغلق بابها بقوة وقالت

تنظر له ببرود

" أعلم أنك لا تأخذ الأمر أكثر من تسلية لإغاظتي .. وبالرغم من
أني ربيتك وأعرفك جيداً لكني لن أنكر خوفي عليها منك "

كان قد فتح آخر زر حينها فأمسك خصره من تحت القميص
وقال بضيق

" عليك أن تحددي نوع هذا الخوف أمي فإن كان من أن
أُفسد طباعها فهي إهانة لن أقبلها منك أبداً وإن كان خوف
من أن أنظر لها كزوجة فعلياً الآن وأفعل ما يحلو لي فهذه
أشد وأعظم من تلك "


حركت رأسها وقالت بذات برودها السابق

" جيد فها أنت إذاً تعلم وتدرك بأن كلاهما جريمة يرفضهما
عقلك قبل مبادئك "


نزع قميصه ورماه على السرير بإهمال متمتماً بضيق

" أجل كوني مطمئنة "

تنهدت حينها بحنق وقالت

" ولست هنا من أجل ذلك "

ضيق عينيه وهو ينظر لها وقال

" خطة جميلة يا ابنة الشاهين "

حركت رأسها بيأس منه وقال

" بل لأخبرك بأنك من سيأخذ يمامة وبثينة للمدرسة صباحاً "


نظر لها نظرة أعيدي فلم أسمع فقالت بجدية تتجاهل كل ذلك

" وسترجعهما نهاية الدوام المدرسي أيضاً "

وكان ذاك ما جعله ينطق برفض محتج

" ولما وثمة سائق لديكم عجوز هرم بالكاد يرى الطريق
ليوافق شروطك "

وتابع بضيق وتملق ومن قبل أن تعلق

" ثم كيف وثقت بأبان هكذا فجأة ولم تتركيها سابقاً ولا تذهب
للسوق معي ! "


وهددها بسبابته كي يتهرب مما يعلم ما يكون

" إن كنتِ صدقتِ كلامي السابق فها أنا أُحذرك أمي فلن
أضمن نفسي "


وكان تهديدها جاهزاً أيضاً تنطق به عيناها قبل لسانها

" بل ستفعلها ويومياً حتى ينتهي العام الدراسي ورغماً عن
أنفك وبثينة معها لن تفعل شيئاً "

نفض يديه وقال بضيق محتج

" أمي بالله عليك أي جريمة في حقي هذه ! لن أكون مقيد الحركة
بسبب إحضارهما من المدرسة كل يوم وفي وقت محدد لا يمكن
التأخر عنه "


قالت هي بحدة حينها

" لست مجبراً على مغادرة الحميراء وإن حدث ذلك فيمكنك
فعلها بعد الظهر "


استدار جانباً وتأفف يضرب يديه ببعضهما قبل أن ينظر لها

وقال بضيق

" كان السائق من يأخذ بثينة يومياً ولأعوام فما تغير الآن ؟! "

قالت من فورها

" تغير أن خالك مطر من أمر بهذا "

نظر لها باستغراب هامسا

" خالي !! "

قالت بجدية

" نعم وتحدث معي بنفسه وكان رافضاً بالكلية خروج يمامة ولا
للمدرسة وطلب أن تدرس في المنزل وتتقدم للإمتحانات فقط
لولا أن أصررت عليه وأخبرته بمدى رغبتها في الذهاب لها
خاصة مع ظروف عائلتها الحالية فقد تساعدها في تجاوز
حزنها والتفكير فيهم "

وسكتت لبرهة تنظر لعيناه المحدقة فيها باستغراب قبل أن تتابع

" فوافق وإن مرغماً واشترط أن لا يوصلها لمدرستها ويعود بها
للمنزل شخص غير رجال العائلة ولا أحد غيرك فبالرغم من
إخباري له عن سائقنا الذي يعمل لدينا من أعوام لكنه رفض "

" ولما !! "

همس بتلك الكلمة اليتيمة ينظر لعينيها بتفكير فحركت

كتفيها وقالت

" لا أعلم لأنه لم يجبني سوى بأن الفتاة أمانة في عنقي
وأن نحرص جيداً على حمايتها "


أبعد نظره عنها ومرر أصابعه على قفا عنقه يفكر أو يحاول أن

يُحلل السبب وراء حرصه الشديد عليها وهو لا يعرفها ! حتى أن

زوجة والدها التي حاولت إحراقها سابقاً ماتت ! هل يخشى عليها

من قاتل تلك المرأة ؟ نظر لها ما أن قالت بجدية وكأنها

تقرأ أفكاره

" وعلينا أن لا نحاول تفسير ذلك بل أن ننفذ ما طلب لأني مثله
بل وأكثر منه لا أريدها أن تتأذى وأظنك مثلي تماماً كي لا تواجه
ثقة صديقك بك بالخذلان "

لو كان في وضع غير هذا لأتحفها بتعقيب مما يحبه قلبها لكنه

اكتفى بأن شد شفتيه المطبقتان بضيق ولم يعلق بينما لم تهتم

هي بكل ذلك وفتحت باب الغرفة وقالت وهي تغادر

" عليك أن تكون جاهزاً عند الثامنة صباحاً "

نزع القميص الداخلي متأففاً ورماه على السرير أيضاً وغادر

باتجاه الحمام وبعد أسرع حمام عرفه في تاريخه توجه للخزانة

لبس بنطال رياضي وقميص أسود طبعت عليه أثار مخالب نمر

باللون الأبيض ورتب شعره الرطب بأصابعه للأعلى بحركة

سريعة وهو يجلس أمام الملف الذي سيطر على تفكيره منذ

علم بأمره وبات بين يديه .

سمى بالله وهو يفتح غلافه وكأنه يخشى على قلبه مما سيقرأ

فيه لكنه لم ينظر للأسطر أمامه بل للهاتف الثابت بجانبه ورفع

السماعة وضغط أحد الأزرار وأزال أصبعه ما أن فُتح الخط

وقال من فوره

" أريد كوباً كبيراً من الشاي "

وصله صوت المرأة الخمسينية سريعاً

" انتهى الوقت الذي تسمح فيه السيدة بإعداد أي شيء كما
لا يمكنني جلبه لك "


تأفف وقال بضيق

" سأنزل أنا لأخذها سيدتي فأنا الخادم الفعلي هنا "

وصله صوتها المحرج مباشرة

" لا أستطيع سيدي فستغضب السيدة جوزاء مني "

أغلق الخط بضربه للسماعة متمتماً بحنق

" ما هذا المعسكر ! "

ولم يضف المزيد لأنه يعلم ما يكون رأي والدته وبأنه يملك في

مطبخ شقته كل ما يحتاجه لإعداده بنفسه فللخادمات وقت محدد

للصعود هنا كما للمطبخ وقت معين تنتهي فيه أعمالهن ويعلم إن

هو ناقش واعترض ما سيكون تعليقها

( هم ليسوا عبيداً لديك ولهم الحق في الراحة كغيرهم )

رفع الأوراق بيد واحدة وحركة غاضبة متمتماً

" لا أعلم كيف لم يتم اختيارها كسفيرة للنوايا الحسنة ؟ "


وانشغل سريعاً بتقليب الأوراق بين يديه ولم يعد يبحث عن ضالته

بينهم فجميعها كانت تحمل الوصف ذاته ونظراته المندهشة تتنقل

بين الأسطر حتى بات يسمع صوت ضربات قلبه كالطبول في

أذنيه وارتفع نظره المصدوم عنها للفراغ هامساً

" يا إلهي ما كل هذا !! "


*
*
*

نزل من سيارته مغلقاً بابها وصعد عتبات الباب الرخامية وما أن

فتح باب المنزل ودخل حتى قابلته عمته مبتسمة وعلى غير العادة

وجدها مستيقظة ويعلم جيداً لما فابتسم لها بدوره ولم يكن يتوقع

أن تقابله بغير نظرات الاستهجان والضيق لكنها أيضاً قالت

ما توقعه

" عدت مبكراً ؟ "

كانت تذكره بالوقت الذي يعرفه جيداً ففرد يديه وقال مستسلماً

" لو كان الأمر بيدي لعدت قبل هذا الوقت لكني لم أستطع "

قالت بعتاب محب


" من المفترض أن لا يكون هذا وقت وصولك دائماً وليس اليوم
فقط فلازلت لا تعود إلا متأخرا من وقت خروجك فجراً "

تتنهد يحرك رأسه موافقاً ولم تترك له المجال ليتحدث متابعة

" أنت تزوجت من أيام قليلة فقط وجليلة لازالت عروس لتتركها
وحدها هنا طوال اليوم .. هذا خطأ في حقها وحق نفسك بني "

تنهد بعمق ورفع يده جانباً قائلاً

" معك حق عمتي لكني كنت مجبراً والزعيم مطر كان خارج
البلاد والمشاكل توالت علينا "

لكن عذره وجوابه ذاك يبدو لم يقنعها وقد قالت بضيق

" متأكدة من أن ابن شاهين نفسه يترك لعائلته متسعاً من وقته
وأنت تزوجت حديثا فأقل ما كان عليك نيله كمكافأة أسبوع
إجازة تكون فيه مع زوجتك وإن في المنزل "


أخفض نظره وحرك رأسه موافقاً لكل ما تقول ولا يمكنه فعل غير

هذا ولا قول المزيد وشرح الحقيقة الغائبة عنها فبقاؤه من عدمه

هنا سيان فلن يفعل شيئاً سوى الجلوس في غرفته وحيداً ، ولأن

الأمر باختياره فعليه الصبر والصمت فقط ، نظر لها وقال مغيراً

مجرى الحديث

" هل تناولت عشاءها ؟ "

فابتسمت أخيراً وقالت

" نعم ولم أنزل حتى تأكدت من أنها أكلت حتى شبعت "

جعلته كلماتها يصاب بالعدوى منها وظهرت ابتسامة صادقة

على شفتيه وهمس

" شكراً لك عمتي "

لامست يدها ذراعه وقالت مبتسمة بحب

" لا داعي للشكر بني فهي تستحق أكثر من هذا بكثير "

ولمعت عيناها بمشاعر حقيقية وهي تتابع مبتسمة

" لم ترى عيني من في روعة حديثها وأدبها وحلاوتها .. كان
زواجك بها أكثر قرار صائب اتخذته في حياتك "

ضحك بخفوت ونظر لمفاتيحه التي بدأ يحركها في يده وقال

" المهم أن أستحقها عمتي "

خرجت منها شهقة صغيرة دون صوت وقالت

" وكيف لا تستحقها ؟! لن تجد هي ولا غيرها زوجاً أفضل منك
ولو جابت البلاد بأكملها "

رفع نظره لها حينها وقال بضحكة

" هذا لأني ابن شقيقك "

ابتسمت وأصابعها تشد على ذراعه وقالت

" لا بالطبع فشقيقي نفسه لم ينجب مثلك "

وارتخت أصابعها وطبطبت يدها على تلك الذراع وتابعت

" هيا اصعد لزوجتك ولترتاح لا حرمني الله من رؤيتكما معاً "

ابتسم وهمس ويده تمسك بيدها يرفعها لشفتيه

" ولا حرمني منك يا أمي التي لم أعرفها "


وقبّلها قبل أن يمسك رأسها ويقبله بينما اغرورقت عيناها

بالدموع وشفتاها لازالت تهمس بدعواتها له وتمنى لها ليلة

سعيدة وهو يصعد السلالم ليواجهه الصمت التام ما أن وصل

للأعلى فاتجه لباب غرفتها من فوره واقترب منه حتى أمسك

مقبضه ولم يسمع أي صوت يخرج من هناك فأداره ببطء وفتح

الباب بحركة اقل بطئاً فواجهه الهواء البارد وكأنه فتح باب

ثلاجة ! نظر باستغراب للنائمة توليه ظهرها بينما لا يظهر من

جسدها المغطى بلحاف خريفي خفيف سوى شعرها البني الطويل

خلف رأسها ! دخل الغرفة ونظره على جهاز التكييف واستغرب

درجة البرودة المنخفضة فيه فهو لم يراها تستخدمه طيلة الأيام

الماضية والطقس لم يصبح حاراً بعد ! سحب جهاز التحكم

الخاص به متمتماً

" أتنوي قتل نفسها من البرد ! "

أطفأه كلياً وتوجه نحوها بحركة دائرية حول السرير حتى قابله

وجهها وكانت نائمة يخفي أغلب ملامحها كفها الذي كانت تضع

ظهره عليه وامتدت يده لها ولامس برفق أطراف أناملها وكانت

باردة كالجليد فأبعد يده خشية أن تشعر به وتوجه للنافذة أبعد

الستائر وفتحها ليتغير هواء الغرفة ولا يفهم كيف لم تشعر بكل

هذا البرد وتستفيق لتطفئه ! حتى أن حرارتها ليست مرتفعة !!


نظر ناحيتها مرة أخيرة وتحرك باتجاه باب الغرفة ليوقفه بعد

خطوتين صوت رنين هاتفها فنظر ناحيته باستغراب قبل أن ينظر

لساعته وللوقت فيها ! وما أن توقف الرنين حتى عاد مجدداً

فاقترب منه ونظر له من دون أن يحركه من مكانه وانعقد حاجباه

باستغراب وهو يرى الرقم الغير مدون بأي إسم ! نظر ناحيتها

ولجسدها الذي لم يتحرك رغم رنينه المرتفع قبل أن ينظر ناحيته

حين علا رنينه متواصلاً للمرة الثالثة على التوالي ! كانت قدماه

تحثه على التقدم نحوه كما يداه لمعرفة سبب هذا الاتصال وفي

هذا الوقت لكن عقله رفض الانصياع فهو تزوجها ويعلم جيداً

من تكون وكيف كانت ولن يسمح للشيطان باللعب بعقله فمثلما

استخدمه بحكمة وهو يختارها عليه أن يحكمه في أي أمر يمس

ثقته بها .

تحرك باتجاه باب الغرفة مقتنع تماماً بما يفعله فالجميع مُعرض

لمثل تلك المكالمات المجهولة وعليه أن يثبت لنفسه قبل أن

يثبت لها بأنه أحسن الاختيار .

وما أن لامست يده مقبض الباب ليغلقه بعد خروجه توقف ونظر

ناحيته ما أن علا رنينه معلناً وصول رسالتين متتابعتين هذه

المرة فنقل نظره بينها وبينه وبدأت تلك الوسوسات تخترق حاجز

عقله السميك بأنه لا يعرفها وأنها تنام هنا وحدها ترفضه ومجبرة

على الزواج منه وبأن الأخلاق ليست الصورة الحقيقة لأي

شخص نراه لنحكم عليه ، كانت أصوات تتداخل وتخترق عقله في

تزاحم كل واحدة منها تريد أن تكون الأولى وتفوز بالسيطرة على

عقله فاشتدت أصابعه الطويلة على المقبض النحاسي وكأنه

سيكسره وحرك رأسه بقوة وأجبر يده على سحبه خلفه وهو

يخرج متعوذاً من الشيطان بهمس خافت فعلاقة لم تكن الثقة

عمادها الأساسي لا تستحق تضييع الوقت من أجلها .


وأقسم في قرارة نفسه بأنه لن يمس هاتفها ولا للتأكد غداً من

فحو الرسائل ولن يراقبه أيضاً فحتى مكالماتها السابقة راقبها

لأنها كباقي عائلة شقيقها ذاك تم مراقبة هواتفهم جميعاً حتى

وقت معرفة مكانه بينما تكفل هو برقمها رافضاً أن يقوم الفريق

الفني المخصص بذلك وانتهى الأمر بعثورهم عليهما .


*
*
*

فتحت عيناها ببطء تشعر بتصلب مريع في ظهرها وهي تحاول

رفع رأسها ونست للحظات أنها نائمة في غير سريرها وغرفتها

حتى جلست تمد يديها للأمام بأنات صغيرة متألمة .

لا تعلم كم من الوقت نامت لكنها لم تنم كثيراً حسب اعتقادها ،

نظرت ناحية النائمة قربها وابتسمت ما أن وجدت عيناها

مفتوحتان تنظر لها تتوسد ذراعها بينما تضطجع على جانبها

وقالت تبعد شعرها خلف أذنيها

" كيف تشعرين الآن ؟ "

وابتسمت رغم التعاسة في ملامح التي همست ببحة وهي تبعد

نظرها عنها

" الحمد لله "

فوقفت وقالت وهي تتجه لنافذة الغرفة

" وأنا واثقة من أنك ماريه القوية ذاتها "

وانشغلت بفتح النافذة بعدما أبعدت الستائر عنها ولم ترى التي

شردت نظراتها للفراغ مبتسمة بحزن ابتسامة سرعان ما تبدلت

للسخرية من نفسها وحالها واعتقادها بها فهي لم ترى نفسها

يوماً قوية ولا سيدة نفسها كما تريد جميع النساء ويحب جميع

الرجال فيهن .

كانت تقول لها زهور في الماضي

( ليست المرأة القوية التي تصرخ وتعاند وتتواقح بلسانها
السليط إنها التي تقف كلما وقعت وتساند نفسها كلما انكسرت
وتنظر للأمام مهما سحبها الماضي للوراء .. إنها التي تشرق مع
شروق الشمس وتبكي وحدها في الظلام )

لكنها لم تجد نفسها في كليهما لا هي التي تأخذ حقها بلسانها

ويدها ولا هي التي تساعد نفسها على تخطي آلامها ولا حتى

ماضيها .


مسحت عيناها قبل أن تفكر في ذرف أي دمعة وجلست ببطء تسند

نفسها بمرفقها حتى استوت جالسة وأبعدت خصلات غرتها عن

وجهها للأعلى تمرر أصابعها فيها ونظرت للتي توجهت نحوها

وكانت تريد قول شيء ما لولا أوقفها صوت الباب الذي انفتح بعد

طرقتين متتاليتين فنظرتا كليهما للتي أصبحت تقف أمامه وقالت

بابتسامة تنظر لماريه تحديداً

" ها هي ساندرين لا تتذمر أخيراً بسبب يوم الإجازة "

فحاولت بكل ما تملك من قوة أن ترسم ابتسامة على ملامحها

التعيسة المتعبة وإن لمجاملتها بينما فتحت ابنتها فمها في صدمة

صامتة وكانت ستتحدث لولا قاطعها أمر آخر هذه المرة وكان

صوت جرس باب المنزل وتبادلت ووالدتها نظرة صامتة فكل

واحدة منهما تعلم سلفاً من سيكون هذا الزائر عند الصباح

الباكر .


وما هي إلا لحظات ووقف الحارثة عند باب الغرفة نظر لزوجته

ثم ابنته وفي صمت قبل أن ينظر للتي قال لها بهدوء

" شاهر يريد رؤيتك ماريه "

فأشاحت بنظرها عنه ونظرت أمامها وكل ذاك الحزن والتعاسة

في العينان بلون الذهب تبدلت لجمود لم يفت ايًّا منهم ملاحظته

وكان لديها المزيد وهي تهمس ببرود

" أخبره بأني لا أريد رؤيته "

تبادل ثلاثتهم نظرة صامتة مستغربة قبل أن يتخلل صمتهم ذاك

الصوت الرجولي الهادئ الذي تسلل من الباب

" المعذرة منكم أيمكننا أن نكون لوحدنا "

فنظر ثلاثتهم للذي أصبح يقف أيضاً عند باب الغرفة بينما كان

نظره هو على التي لازالت تنظر للفراغ أمامها بجمود تكتف

ذراعيها لصدرها فأشار الحارثة لهما برأسه وما أن كانت

ساندرين ستتحدث أشار بسبابته على شفتيه ينظر لها بتهديد

فتحركت بخطوات غاضبة تتبعه ووالدتها خلفها وكان لكل واحد

منهم نظرة أهداها للواقف مكان عبورهم فبينما ابتسم له الحارثة

مومئًا برأسه نظرت له زوجته نظرة استجداء صامتة فهي تراه

أملهم الأخير لإنصاف الفتاة المسكينة ، وكانت نظرة الشقراء

الأصغر سنناً مختلفة تماماً نظرة جعلته يبعد نظراته عنها سريعاً

وكأنه يهرب من مواجهتها حتى كان الجميع في الخارج فأغلق

الباب حينها ونظر للتي لازالت على وضعها وحالها السابق ودس

يديه في جيبي بنطلون بذلته السوداء بينما اتكأ بظهره على الباب

خلفه وسحب لصدره نفساً عميقاً قبل أن يقول بهدوء وتأني

" لا يمكنك لومي ماريه فهو من قرر وأنتِ من وافق قراره "

ابتسمت شفتاها بسخرية وعاد الألم لاجتياح عينيها وإن لم تنظر

ناحيته وهمست

" أكان لديا خيارات أخرى ؟ "

اشتدت قبضته ولازالت سجينة لجيبه يحرك أصابعه وهو يقبضها

بقوة وقال ونظره لم يفارق جانب وجهها المقابل له

" أخبرتك بأنك قادرة على الرفض دون أن تخبريه برفضك "


نظرت ناحيته بحركة قويه وقالت بضيق بالرغم من لمعان

عينيها بأسى

" وكان سيفعل ما قلت أنت بأنه لن يملك خياراً غيره .. هل لك
أن تخبرني ما سيكون خياره ذاك لأختار ؟ "

أنزل رأسه وسحب نفساً عميقاً لصدره قبل أن يحرره قائلاً

" لقد أحرق الشقة قبل أن يختفي البارحة "

فامتلأت عيناها بالدموع وجميع تلك الصور لتدميره للمكان

تتزاحم أمامها وهمست بأسى وبحة بكاء نظرها على الذي لازال

ينكس رأسه للأسفل

" سيفعل ذلك بالتأكيد فأنا في نظره أصبحت نجسة وكل ما لمسته
يداي هناك بات نجساً "

وراقبت من خلف الدموع السجينة في عينيها الذي حرك رأسه
بأسى وهمس دون أن يرفعه

" أنا لم أتوقع هذا ! "

اشتدت قبضتاها في حجرها وسالت أول دمعة من طرف رموشها

نزولا لقماش بيجامتها وقالت بتعاسة ظهرت في كل شيء

وأولهم صوتها

" وما الذي تتوقعه من رجل اكتشف بأن زوجته خانته في غيابه
وبعلاقة كاملة مع رجل غيره "

" ماذا !! "

رفع نظره لها بدهشة حينها ولم يستطع التفوه بغير تلك الكلمة

ولا أن يحرك جفناه ليرمش بهما ينظر للعينان التي تساقطت منها

الدموع بينما صرخ صوتها ببكاء

" وما كنتم تتوقعون منه ؟ ما الذي كان سيفهمه مثلا ؟ "

قال والذهول لم يفارق ملامحه بعد بينما اشارت يده جانباً وخرج

صوته حاداً

" ليس ذاك ما أردناه وتعلمين ذلك جيداً فلما لم توضحي
له الأمر ؟ "

ضربت يدها في حجرها وقالت ببكاء غاضب

" أنا لم أستطع ولا التحدث معه لأتمكن من الشرح ..
ثم ما كنت سأقول ؟.. "


وتابعت من فورها بتملق وإن كانت الدموع تغطي وجنتاها

" أقول له انتظر لأشرح لك خطتنا فأنت تجاوزت توقعاتنا ؟ "

حرك رأسه بذهول شارد وهمس

" يالا الهول "

فمسحت وجنتاها بظهر كفها بحركة قوية وقالت بحدة تشير

بسباتها نحو الأسفل

" أخبر زعيمكم ذاك الآن بأني أريد العودة للوطن "

حدق فيها باستغراب هامساً

" تعودين للوطن ! "


ملأت الدموع عيناها وقالت تشير لنفسها

" أليس من حق جثماني أن يتم دفنه في موطنه "

قال مباشرة وببرود

" لن يوافق "

صرخت محتجة

" ولما ! "

" لأنه الصواب ماري دفنست "

حدقت فيه بذهول بينما كانت ملامحه جامدة تماماً كما نظرته

لعينيها يذكرها بحقيقة كلماته تلك وما صارت عليه منذ دخلت هذه

البلاد فاشتدت أصابعها في قبضة واحدة وقالت برفض

" يمكنه فعلها إن أراد ولن يعلم عن وجودي هناك أحد "

حرك رأسه برفض وقال بهدوء

" الأمر ليس في رؤيتك هناك بل ما ستعلمه عائلة ماري
باختفائك "

تعالت حركة صدرها مع أنفاسها وكأنها تبحث عن الهواء لرئتيها

وحركت رأسها برفض وهمست بصوت كئيب والدموع تتكدس

في عينيها

" أنا لا يمكنني البقاء هنا .. لا يمكنكم تعذيبي بهذه الطريقة
المشينة "

وانسابت دمعة جديدة فوق وجنتها وقالت بأسى تضرب بسبابتها

على صدرها

" لا أريد رؤيته ولا أن أرى النظرة التي أتوقعها في عينيه لما
لا يرحمني أحد "

عاد وأنزل رأسه واغمض عيناه بقوة وألم قبل أن يحرك رأسه

متنهداً باستسلام وكأنه يهرب من العينان التي تعذبه بحزنها

وبراءتها قبل عجزه عن فعل شيء من أجلها

" هو من يملك جميع أوراقك وجوازي سفرك أيضاً أي أن قرار
سفرك بيده وحده "

ضربت قبضتها على فخذها وقالت بغضب محتج

" دمرتم ما بيننا وربطتم مصيري به إذاً ؟ "


رفع رأسه ونظر لعيناها الدامعة المحمرة المجهدة والتي تجعلك

تنهار دون حديث وقال بحزن

" لا يمكنك إلقاء اللوم علينا ماريه فأنا واثق من أنك أحرصنا
جميعاً على سلامته لَما كنت وافقتِ على ذلك "

قالت مباشرة

" ودوري انتهى وأريد أن أغادر "

حرك رأسه برفض هامساً بقلة حيلة

" ليس الأمر بيدك ولا بيدي "

تقاطرت الدموع من عينيها مجدداً وصرخت ببكاء تضرب

بقبضتها جهة قلبها

" ماذا أفعل بهذا ؟ كيف تريد أن أرى الكره والاشمئزاز في
عينيه ؟ كيف يمكنني العيش بعد الآن ! "

وحين أخفض عينيه يخفي الألم والعجز فيهما بل والنظر لها

والذي يشعر به يدمي قلبه صرخت مجدداً وبانهيار باكي

" أنا أكرهكم ... أكرهكم جميعكم "

أطبق جفناه يشعر بكلماتها كنصل سكين حاد مزق قلبه وتحركت

شفتاه وقال بهدوء حزين ولازال يتجنب النظر لها لا يعلم يهرب

منها أم من نفسه

" وأنا لا يمكنني مبادلتك ذات الشعور ماريه وجئت أريد أن آخذك
معي لشقتي "

" ماري دفنسنت لا تقرب لك إن نسيت "

تحمل كلماتها القاسية تلك وإن كانت تحكي الواقع وليس الرفض

، وما أن رفع نظره لها حتى واجهته بالمزيد قائلة بغضب وإن

ملأت الدموع وجنتاها

" حينما يطلقني إبنك وهذا ما سيحدث قريباً بالتأكيد أريد أن
ارحل من هنا وللأبد "

شعر بكلماتها كشاحنة عملاقة صدمته بقوة تسحقه تحت عجلاتها

وحرك رأسه وكأنه يرفض فكرة أن يفعلها ويفكر في تحريرها منه

وفسخ عقد الزواج الذي تمسك به لأعوام ومنذ كانت طفلة وهي

بعيدة عنه وقال ما هو مرغم عليه وليس مقتنعاً به

" لا يمكننا فعل هذا دون موافقته وموافقة الزعيم مطر "

وغادر تاركاً الباب مفتوحاً وسار في الممر القصير تتبع خطواته

الكسيرة كلماتها الصارخة ببكاء

" أريد الرحيل عن هذه البلاد ولا أريدكم ... لاااا أريدكم "

حتى وصل لمن كانوا يقفون في انتظاره نظرات ثلاثتهم على

عينيه الحزينة بينما لازالت كلماتها الصارخة ببكاء مؤلم تصلهم

كسهام مسمومة قاتلة

" أريد الرحييييل .. لا يمكنكم قتلي أكثر مما فعلتم "

فأبعد الحارثة نظره وكأنه يرفض إظهار مشاعره لحظتها بينما

ملأ الحزن عيني زوجته تنظر حيث مصدر ذاك البكاء الموجع ..

وكان الغضب المكبوت من نصيب ساندرين تكاد قبضتاها أن

تتمزق من شدها لهما بينما نظرها على شخص واحد وهو الذي

تحرك مجتازاً لهم يتجنب النظر لأي واحد منهم يتلقى اللوم ومن

الجميع وفي صمت .. لومها ولومهم ثم لوم ابنه حين يعلم

الحقيقة وسيدفع ثمن الحفاظ على سلامته وغالياً جداً .

خرجت الكلمات منه هادئة تعاكس داخله ما أن قال وهو يتوجه

نحو باب المنزل

" إن جاء لأخذها فلا تمنعوه وإن غيّرت رأيها في رفض طلبي
فمنزلي مفتوح لها "

وغادر بهدوء مغلقاً الباب خلفه وترك صمت موحش لا يتخلله

سوى صوت البكاء المكتوم بعيداً عنهم معلناً انهيار المرأة

الصامدة منذ دخلت منزلهم البارحة فتحرك الحارثة حينها يجر

خطواته ووجهته ممر غرفته نظرات ابنته تتبعه قبل أن تنظر

لوالدتها المحدقة في الفراغ بملامح كئيبة وقالت بحدة

" ما معنى هذا ! "

فحركت رأسها بعجز دون أن ترفعه ولا أن تنظر لها فصاحت

تضرب الأرض بقدمها بغضب

" أين رد الفعل الذي سيفعله كما قلتِ البارحة ؟ "

نظرت لها حينها وأشارت بيدها ناحية باب المنزل وقالت بضيق

" وما الذي فعله والده ؟ "


قالت بحدة مماثلة تنظر لعينيها تحديداً

" وكان أبي سيفعل شيئاً إن تقاعس والده أم نسيتِ ما قلته ؟ "

وحين لم يصدر عنها إلا الصمت وتعلم بأنها لن تستطيع قول أي

شيء همست تنظر لعينيها باشمئزاز منهما

" ليستمروا في جبنهم هذا حتى الموت "

" سااااندي "

ما كانت صرختها المهددة تلك لتجعلها تتراجع أو تخاف وإن

أشبعتها ضرباً هذه المرة وليس صفعة وحيدة فتراجعت للوراء

خطوة وقالت من بين أسنانها

" الحل لديا إذاً ولتفعلها النساء "

واستدارت بقوة مغادرة لولا أوقفتها يد والدتها التي التفت

أصابعها حول ذراعها موقفة إياها وأدارتها نحوها قائلة

" ما الذي تنوين فعله ساندي ؟ "

سحبت ذراعها منها بحركة عنيفة صارخة

" ما عجزتم عنه جميعكم بالطبع وما سيجعل ذاك الجبل
الجليدي يحترق "

وغادرت باتجاه ممر غرفتها متابعة صراخها الغاضب

" عليه أن يمس النجوم قبل أن يفكر في أخذها لأي مكانٍ كان "


واختفت عنها خلف ذاك الممر فضربت يديها ببعضهما متمتمه

" لا حول ولا قوة إلا بالله "


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 21-07-21, 12:28 AM   #16452

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*

دخل المنزل المظلم والساكن تماماً وكأنه عاد مهجوراً أو لازال

فهو حاله في أغلب الأوقات فكيف في وقت متأخر هكذا ؟

أصدر صوت إغلاقه للباب صدى مرتفع في المكان الواسع

وتحركت خطواته ناحية ممر مكتبه من قبل أن يفكر في الصعود

لغرفته ، فتح الباب وأشعل النور الذي عمّ المكان الساكن البارد

وتوجه نحو أدراج طاولة مكتبه وفتح أحدها ووضع الأوراق فيه

وأغلقه بضربة واحدة وارتفع نظره للجسد الذي ملأ الباب

الغارق في الظلام الجزئي وقد تقدم صاحبه عدة خطوات نحو

الداخل ينظر لعينيه في صمت فأبعد نظره عنه وهو يبعد يده

ويستوي في وقوفه ودس يديه في جيبي بنطلون بذلته وهو

يستدير نحوه وما أن اخترقت كلماته الجادة صمت المكان

" سأعود لبريطانيا وسأخذ ابنتي معي يا مطر "

لم يسمع منه أي تعليق ولم ينتظر ذلك وهو يتابع بنبرة أكثر جدية

" وتيما إن أرادت الذهاب معنا فعلى الجميع احترام قرارها "

عم الصمت المكان للحظات قبل أن يتحدث من انتظره أن يفعلها

حينها تحديداً

" ولما تأخذ ابنتك معك ؟ "

ضربت أصابعه على صدره وقال بحدة

" لأنها ابنتي .. هل سآخذ الإذن من أحد في ابنتي ؟ "

" وتيما ابنتي "

قالها له بحدة مماثلة وصوت قوي يذكره بحقوقهما المتساوية

بينما كانت نظرات دجى الثابتة مكانها تثبت بأن صمته اللحظي

كان لأن عقله يعطيه فرصة استيعاب ما سمع قبل أن ينفض يده
بقوة قائلاً باحتجاج غاضب

" هل ستمنعها إن هي اختارت والدتها ؟ "

وكان جوابه سريعاً وبحزم وثقة فاقت قوة نبرته تلك

" ابنتك اختارت القانون فلنرى إن أعطاها الحق في هذه أيضاً "

لاذ الواقف هناك بالصمت نظراته الغائمة وحاجباه المعقودان

بقوة فقط ما عبّر عن دواخله بينما عجز لسانه عن مجابهته

وهو يواجهه بالقانون الذي لجأت له ابنته أن يعطيها الحق في

أخذ تلك الإبنة منه مما أعجزه عن الرد للحظات على الذي قال

مجدداً وسبابته تشير نحوه قبل أن تتحرك جانباً

" ولعلمك فقط عمي فهذه التي تريد تركها والذهاب جاءت هنا
وطلبت أن أمنعك من الابتعاد عنها "

اشتدت قبضتاه بجانب جسده بقوة وقال بجمود

" أنا لا أريد تركها "

" تريد أخذها مثلاً ؟ "

أشعلته النبرة الساخرة في صوته وهو يقول تلك الكلمات وإن

كانت بعيدة كل البعد عن المزاج الساخر فتعالت أنفاسه

وقال بحدة

" تيما لها زوج وإن أرادت ذلك ووافق هو لا حق لك في
أن تمانع "

قابله بالحدة ذاتها صارخاً

" ومطر شاهين هو من دمر عائلتك وعليهم الابتعاد عنه وعليه
تركهم أليس كذلك ؟ "

لاد ذاك بالصمت ولم يعلق بينما صرخ مطر بغضب

" أهذا ما تريد قوله ؟ "

تحدث حينها وبجمود تام

" أنت تؤذيهما تحت مسمى الحماية يا مطر "

ابتسم بسخرية وحرك رأسه وكأنه يسمع ما لا يمكن استيعابه

وأشار لنفسه وقال

" أضعت عمري من أجل كل ذلك وأصبحتُ الملام الآن ! "

قال الذي خرجت الكلمات من صميم ألمه وقد أشار أيضاً لنفسه

" بل أنا الملام الحقيقي في نظرك دائماً لأني القاتل
أليس كذلك ؟ "

وأنزل يده بقوة يقبض أصابعها وقال بجمود

" وأنا سأتحمل نتائج فعلتي "

كلماته تلك جعلت الواقف بجانب طاولة مكتبه يفقد التحكم في

انفعالاته مجدداً وصرخ بغضب وقد رمى بيده جانباً

" بعد ماذا ؟ بعد ماذا يا دجى الحالك !؟ "

وأشار له بسبابته يحركها ناحيته صائحاً بنبرة قوية

" هل ستهرب من ماضيك بفرارك بهما من هنا ؟ هل ستكون

طوق النجاة لك ولهما إن وصل لكم أولئك الغيلوانيين ؟


وكانت نبرة دجى بذات القوة وإن قالها بصوت أقل ارتفاعاً

" لن أتخاذل عن حمايتهما "

ضربت يده حينها على خشب الطاولة بجانبه بقوة وقال

" إذاً فسلطتك على ابنتك فقط "

قال دجى بضيق

" هل ستجبر تيما إن هي أرادت الرحيل ؟ "

قال من فوره وبحدة

" هي لن تقرر هذا "

لاذ دجى بالصمت لبرهة وقبل أن يقول ببرود ونظرة تحدي

" إن اختارت البقاء معك فلتفعل لكن إن هي قررت الرحيل فعليك
أن لا تمنعها "

وراقبته نظراته وهو يستدير بجسده جانباً يداه في جيبي بنطلونه

بينما أنفاسه تخرج كإعصار يعلو معها صدره العريض وينزل

ونظره شارد في الفراغ تحته فقال بحزم

" هو العدل يا مطر "

استدار نحوه حينها بحركة واحدة وضرب بقبضته ناحية

قلبه صارخاً

" الموجود هنا ليس محرك دبابة عمي"

جعلته كلماته تلك يفرغ كامل انفعاله في قبضتيه المشدودتين

بجانب جسده وقال بما استطاع جلبه من هدوء

" لا أريد لإبنتك أن تطالب القضاء يوماً هي الأخرى
لتتحرر منك "

" لن تفعلها ابنتي "

قالها بقوة وثقة عيناه الغائمة بغضب أسود لم تفارق عينا الذي

تمتم ببرود

" لا تراهن يا مطر "

فقال من فوره وبنبرة قوية واثقة يشير بسبابته بعيداً

" بلى وما أن تقرر أمراً سأنفذه دون قضاء "

أومأ له بحركة قوية من رأسه وقال وهو يستدير مغادراً

" لا تنسى هذا إذاً "

وغادر ما أن انهى عبارته تلك خلف الظلام والسكون مخلفاً صمتاً

موحشاً آخر أشد قسوة وبرود تخلله سريعاً صوت اصطدام تمثال

الحصان الخشبي الأسود الصغير بالأرض بسبب الذي ضربه بيده

بقوة وغضب من فوق الطاولة بجانبه .


*
*
*

نظرت للصندوق المخملي بين يديها قبل أن ترفع نظرها للباب

أمامها وقاومت ترددها ويدها تمتد له فهي لن تكون هنا بعد يوم

غد ، لا تنكر بأنها اعتادت على وجودها بينهم وإن لم يدم إلا لأيام

قليلة .. بل الأحرى وصفه بالساعات لكنها اعتادت زيارتها لها

بكوب الحليب والطعام الذي تجبرها على تناوله وعلى رؤية

الوجه الجميل والعينان الفاتنة وتلك الابتسامة الساحرة وإن كانت

ترى الحزن والأسى في جميع معانيها وتشعر بالحزن فعلاً لذهابها

وهو الأمر المسلّم به وكم تتمنى لها السعادة فليست سوى امرأة

كُسر قلبها وفقدت أحلامها وتغربت وسط عائلتها إن كانت على

خطأ أم على صواب .


لم تطرق الباب خشية أن تكون نائمة وتفسد نومها فهي بحاجة

لكل دقيقة منه الليلة لذلك أمسكت بمقبض الباب وأدارته ببطء

ودفعته بحركة أقل بطئاً حتى ظهر لها السرير والضوء الخافت

حوله وتمنت لحظتها لو طرقته أولاً وقد وقع نظرها على الجالسة

فوق السرير والتي مسحت عيناها سريعاً وهي تجلس مستوية

وتُنزل قدماها الحافية للأرض بينما قامت يدها بتشغيل الزر

قربها قائلة

" تفضلي يا خالة "

وعم نور أصفر خفيف كامل تلك الجهة مصدره أضواء خفية تأخذ

هيئة قوس فوق السرير أظهر جمال شقيقة الحور الجالسة

بفستان الذي بالكاد غطى ركبتيها وبدون أكمام قد كشف ذراعيها

وساعديها الأبيضان وهامت عيناها وهي المرأة مثلها في ذاك

الجمال الرباني وحارت كيف لامرأة كهذه أن تكون تعيسة باكية !

تُجزم أن كل من يراها يتملكه ذات الشعور بأنها أسعد نساء

الأرض وأن لها زوجاً إن طلبت منه النجوم لنثرها بين كفيها وما

كانت ترى امرأة تليق بذاك الرجل في كامل البلاد مثلها أبداً لكن

ما أغرب حياة وقصصها !

تقدمت خطواتها نحوها قائلة بإحراج

" المعذرة منك خفت أن تكوني نائمة فلم أطرق الباب "


نظرت لها وقالت سريعاً

" كيف تقولين هذا يا خالة فالمنزل منزلك "

لكنها توقفت فجأة وماتت ابتسامتها تنظر للشعر الذي تناثر على

ذراعيها وبالكاد وصل طوله لمرفقيها وهي التي تذكر ذاك الشلال

الحريري شديد السواد جيداً طوله يتجاوز وركيها ! ولم تراه

مفتوحاً في المرات التي دخلت فيها الغرفة هنا ولم تكن بحجابها

إلا نادراً ولم تنتبه له أبداً ! ارتفعت يدها له تلامسه بجانب رأسها

بينما نظرها على العينان التي تخفيها جفناها المسدلان للأسفل

تلمع رموشها الكثيفة في النور الخفيف بسبب بقايا الدموع التي

لازالت تبللها وها قد علمت متى يكون صمودها ذاك هشاً

وضعيفاً ، وتساءلت كيف لعقلها أن يقارن هذه الكسيرة الوحيدة

الحزينة بمن بنت مملكة كاملة تأسست بأيدي نساء تعيسات

جردتهن الحياة من كل شيء ليصبحن الأعمدة القوية لتلك المملكة

حتى كانت حديث العالم بأكمله كأول مدينة تكون مملكة للنساء

فقط تدعم كل قضياهن ونالت جوائز لا حصر لها ، امرأة اختارها

أعظم رجل في البلاد .. رجل تحدث العالم لأعوام عديدة عن

توحيده لبلد ممزق مشتت نخرت الحروب الأهلية هيكله حتى

الجذور لتكون زوجة له متحدياً بذلك كل الحدود والعادات والتقاليد

وقدمها لقبائله رغم نسبها لصنوان حينها كشريكة له !


قالت بحزن تغلب على نبرتها الهادئة الحنون

" عليك أن تكوني قوية بما يعادل قرارك يا غسق كي لا يكون
سبباً في انكسارك وللأبد "

وشعرت بقبضة قوية اعتصرت قلبها حين خرج همسها المرتجف

من خلف خصلات الشعر الحريري الذي انسدل كستار بينهما

لإنزالها لرأسها

" اشتقت لإبنتي "

فأغمضت عينيها بألم وشعرت بحرقة الدموع فيهما وقد غطت

مقلتيها كستار زجاجي ما أن فتحت عينيها ونظرت للتي تابعت

بذات الهمس الموجع ولم ترفع رأسها ولا نظرها

" لم أكن أتخيل يوماً أني أحبها أكثر من الكاسر الذي ربيته
في حضني ! "

وختمت عبارتها تضم يداها لصدرها لازالت تنظر للأسفل بينما

سقطت دمعتها تلمع في النور الخافت ليتشربها قماش فستانها

الناعم وتابعت بحرقة وعَبْرة ظهرت بوضوح في

همسها الباكي

" أشعر بنار في داخلي كلما تذكرت سنوات عيشي بدونها "

واختنق صوتها بعبرتها وسقطت دمعة أخرى وهي تتابع

" لا يمكنني تخيل فكرة ابتعادها عني مجدداً "


مسحت يدها على شعرها مجدداً وخرجت كلماتها الحزينة متأنية

" هذا شعور طبيعي بنيتي منبعه الأمومة "

وتابعت وابتسامة حزينة تزين شفتيها

" وابنتك أصبحت شابة وهي من سترفض الابتعاد
عنك صدقيني "

وراقبت بحزن ملامحها الباكية التي لازالت لا تظهر لها وقد

ارتفعت يدها لوجنتيها تمسح الدموع عنهما وخرج همسها

المبحوح الحزين

" والدي أيضاً سيكون غاضباً مني "

وعاد الألم الباكي لصوتها المتكسر متابعة

" أنا لا أريد أن أخسر عائلتي بسبب لحظة ضعف "

قالت التي لمعت عيناها بالدموع مجدداً بينما لازالت يدها تلامس

الشعر الحريري برقة

" من يحبك يعذرك يا غسق تأكدي من ذلك .. وحده من يحبك
يمكنه ذلك "

رفعت رأسها ونظرت لها وقالت بأسى وعينان دامعة

" شعرت بالخذلان منهم وأنا أراهم في تلك الصور ، لم أستطع
لحظتها أن أفكر في أي شيء "


ضمتها بذراعها لحضنها برفق يتكئ رأسها على كتفها ومسحت

يدها على شعرها وهمست بحزن عميق

" أراح الله قلبك يا غسق .. أراح الله قلبك بما يحبه ويرضاه "

وراقبتها باسى حزين وهي تبتعد عنها سريعاً تمسح عيناها بقوة

قبل أن ترتفع يداها لشعرها وأبعدت غرتها عن وجهها وجمعت

شعرها للخلف فاشتدت يدها على الصندوق تحتها والموضوع في

حجرها وشعرت بالتردد قبل أن تمده لها قائلة

" أريدك أن تتذكريني بها فقلبي يقول بأنك تفكرين في مغادرة
البلاد بعد يوم غد "

وكما توقعت فقد أخذته منها دون أن تنفي ظنونها تلك وفهمت

الآن لما تبكي شوقها لإبنتها وشعرت بقلبها يتمزق عليها فمن

الطبيعي لمن في مثل وضعها أن تفكر في الابتعاد لأبعد مكان

لتقنع نفسها بالنسيان .. وحار قلبها ما الذي تتمناه لها ؟!

واكتفت بأن راقبتها في صمت وقد همست تشكرها قبل أن ترفع

غطائه وملأت الدموع عيناها وهي ترى الحذاء الصغير

المصنوع باليد .. كان كقطعة فنية جميلة ونظرت لها ما أن

قالت مبتسمة

" هدية من جدته وإن كانت قبل أوانها فيبدو أنها لن تراه "

وانتظرت منها مجدداً أن تنفي شكوكها لكن الأمر لم يكن يحتاج

ذلك وقد قالت مبتسمة بامتنان

" كم هي هدية رائعة "


ابتسمت لها ولم تستطع قول غير الذي عجزت عن إخفائه أكثر

وتلك الابتسامة تختفي من شفتيها تدريجياً

" غسق أنتِ لن تتركي ابنتك بالتأكيد ؟ "

وشعرت بألم قاسي في قلبها وهي ترى لمعان الدموع في عينيها

بينما لم يفارق نظرها الحذاء بين يديها فقالت بحزن ويدها تمسح

على شعرها مجدداً

" هي أيضاً عانت ألم فراقك والعيش بدونك وسيكون هذا قاسٍ
عليها مثلك تماماً "

قالت التي تغلب الألم على نبرتها وغشت سحابة دموع رقيقة

مقلتاها الواسعة ونظرها لم يفارق ما تشعر بنعومته كالحرير

بين يديها

" لو كنت مكانها لكنت اخترت ومهما كان الخيار قاسياً
لكنها لن تفعل "

وحركت رأسها بأسى حزين متابعة

" هي لن تختار أيّاً منا .. هي لا تشبهني ولا تشبه
والدها أيضاً "

أبعدت يدها عنها وقالت بحزن

" لا أحد يمكنه الاختيار "

نظرت لها حينها وقد سقطت دمعة أخرى من طرف رموشها

وكان القماش الناعم مقبرتها وخرجت كلماتها متأثرة بالعبرة

التي لازالت تسجنها باستماته وسط أضلعها

" بل جميعنا نختار حين نكون مجبرين على ذلك لكنها لن
تفعلها أبداً "

حدقت فيها باستغراب وهمست

" هل تختار زوجها عليكما ! "

أبعدت نظرها عنها للفراغ أمامها وحركت رأسها هامسة بألم

" لا أعلم لكنها كانت مختلفة دائماً مستقلة و... "

لاذت بالصمت للحظة قبل أن تتابع بحزن لازالت نظراتها الدامعة

الحزينة تهيم في الفراغ

" لم أتوقع مطلقاً أن يعيدها لي امرأة لا تحتاج مني سوى كلمة
ابنتي ولا تعطي سوى كلمة أمي "


قالت التي ابتسمت بحزن

" شوقتني للتعرف عليها "

نظرت لها وقالت بضيق

" صنع منها امرأة قبل وقتها .. أي إجرام هذا ! "

أمسكت يدها التي لازالت تمسك بالصندوق الصغير وشدت عليها

وقالت تنظر لعينيها الحزينة الدامعة

" أنت بنفسك قلت بأنها لا تشبهه أي أنه ليس من فعل ذلك "

حركت رأسها قائلة بضيق متأسي

" وهذا ما يدفعني للجنون كلما فكرت في الأمر أو صدر
عنها رد فعل أكد لي ذلك "

ابتسمت لها بحزن وقالت

" هي ابنة الشاهين .. هي مزيج من فردين من ذات العائلة
فقط .. جدها شاهين وجدها دجى والدها مطر شاهين ووالدتها
غسق وجدة والدتها ابنة الشهبان فلن تكون أي فتاة "

سقطت دمعة أخرى من رموشها المشبعة بها وقالت بهمس باكي
تشير لنفسها

" هي حُرمت من كلينا لم نربها ولا تفعل الجينات كل ذلك "

نظرت لها بصمت للحظة وقالت

" هل تشككين في حبها لك يا غسق ؟ "

" أبداً "


قالتها سريعاً تحرك رأسها برفض فلامست يدها برفق قائلة

" إذاً لا تتركي للشيطان مجالاً ليتلاعب بأفكارك "

وتابعت من فورها بابتسامة حزينة

" قلبك فقط لم يتقبل فكرة أن تنشأ بعيداً عنك .. فكرة أن
الرضيعة التي حُرمتِ منها لم ترجع لك قبل هذا الوقت كطفلة "

امتلأت عيناها بالدموع التي لم تتوقف عن السباحة فيها وقالت

بعبرة مكتومة

" وهي طفلة ... إنها بالكاد بلغت الخامسة عشر "

قالت التي ابتسمت

" لكنها مختلفة كما تقولين .. هي تشبه جدتها التي تزوجت في
السادسة عشر من دجى الحالك وجدتك التي تزوجت في
سن أصغر من ذلك من شاهين الجد نفسه "

وابتسمت بحنان وقالت وهي تنقل نظرها في ملامحها الفاتنة

" أنتِ في سنها كانت النسوة في البلاد تحكي عن حسنك
ولباقتك كامرأة ليس كطفلة ، كان الجميع يعلم عنك ومن لم يرى ابنة شراع صنوان كان يدفعه الفضول لذلك "

وراقبت انسدال جفنيها دون أن تعلق بشيء وأمسكت يدها بكلتا

يديها وقالت

" هل يمكنك وصف مشاعرك اتجاه والدك دجى ؟ "

رفعت نظرها لها وقالت سريعاً

" لا ... أحبه كثيراً فقط "


ابتسمت لها وقالت

" هل سألتِ نفسك كيف يرى هو تلك المشاعر ؟ "

وكان جوابها أن حركت رأسها نفياً فمسحت بكفها على يدها التي

لازالت تمسكها بين يديها وقالت

" ماذا إن كانت تشبه نظرتك لمشاعر ابنتك "

حركت رأسها برفض مجدداً لكنها واجهتها بعكس ذلك وما هي

أكيدة منه قائلة

" إنها الفجوة ذاتها يا غسق فهل جعلك تشعرين بذلك ؟ "

أشارت لنفسها وقالت بأسى حزين

" هم سبب كل هذا .. هم من صنعوا كل ذلك وليس غسق "

وتكدست الدموع الحارة في عينيها وخرج صوتها ببحة بكاء

لا وجود له وهي تشير بيدها لنفسها مجدداً

" لقد ماتت روحي وشقيقي الكاسر يموت ثم وابنتي تؤخذ
مني دون وجه حق ومات والدي شراع وترك روحي ممزقة "

وحركت رأسها بقوة والدموع تشبع رموشها الكثيفة وقالت

ببكاء مكتوم

" لما لم يخبروني عن وجود والدي الحقيقي !
ماذا كان سيحدث إن علمت ؟ "

وتساقطت حبات المياه النقية من طرف رموشها وقالت ببكاء

" لما لم يأخذني ووالدتي معه وتركنا لرجل غريب عنّا لأتلقى
أول طعنة قاسية في حياتي وأنا أعلم مصادفة أنهم ليسوا
عائلتي ؟ "

وتحررت عبرتها الباكية وهي تتابع بألم

" لما لم يترك لي ذاك الرجل ابنتي أو أخذني معها ؟
لما قتل روحي بهما معاً ؟ "

وحركت يدها وهي تتابع ببكاء مرير

" ثم وبعد كل هذه الأعوام وبدلاً من لملمة روح غسق الممزقة
لعشرات الأجزاء لا تنتهي مأساتها بل تُعاد بصيغ أخرى أشد
قسوة مطالبة ومن الجميع بتأدية دورها الجديد دون رفض ولم
تمانع .. فما الذي ينتظره الجميع مني ماذا ؟ "


وضربت بطرف أصابعها على صدرها هامسة ببكاء موجع

" لقد تعبت ... أقسم أني تعبت "


ملات الدموع عيني التي مسحت يدها على ظهرها قائلة

ببحة وحزن

" لا تقسي على نفسك يا غسق من أجل ابنك بنيتي "

وراقبتها بحزن وهي تتكئ على الوسائد المكدسة على ظهر

السرير تحضن الحذاء الصغير الذي جلبته لها وقد أغمضت

عيناها ولازالت أنفاسها تندفع لصدرها بقوة فربتت بيدها على

ذراعها ووقفت وغادرت دون أن تضيف أي شيء وتركتها

لحزنها تحضن ما لم يُذكرها بطفلها كما أرادت هي بل بطفلتها

التي ودعتها منذ أعوام طويلة دون أن تراها ولا أن تستنشق

رائحتها وسُلبت معها أمومتها منها وبكل قسوة لتعايش ندمها

لأعوام وفي كل ثانية أنها لم تراها ولم تحضنها وإن لمرة واحدة

ومهما كانت قسوة فراقها لها بعدها فكانت ستكون ارحم من

خيارها القاتل حينها .

اشتدت يداها على قطع القماش الصغيرة في حضنها أكثر وهمست

ببكاء موجع سالت معه دموعها من بين رموشها المطبقة

" أحبك بنيتي "

ولم تكون تعلم بأن نداء قلبها الخفي ذاك قد اخترق المسافات

حطم الحواجز الجليدية وتساقطت معه قساوة الزمن وأن تلك

الشفاه الزهرية الحزينة للنائمة فوق وسادتها قد همست أيضاً

وصاحبتها تغمض عيناها الدامعة بحزن

" أحبك أمي "


*
*
*


أغلقت باب غرفتها ونظرها على الذي اضجع فوق السرير متنهداً

بعمق تنهيدة تحاكي تعبه الشاق مع مهام مركزه التي باتت لا

تناسب عمره ورغم ذلك لازال يتمسك به حتى يخرج الوطن من

عنق الزجاجة الحالي كما يصفه .

اقتربت منه وجلست على حافة السرير بينما كان قد أغمض هو

عيناه يجمع كفاه فوق صدره وكانت تعلم بأنه لم ينم بعد فأبعدت

نظرها عنه ليديها في حجرها وقالت

" أيمكنك إيقاف القضية في الغد يا عقبة "

وكما توقعت فما أن نظرت له وجدته ينظر لها ولم يعلق بأي

شيء مما كانت تنتظره فقالت

" أعلم بأنك رجل عادل ولن ترفض لجوأها لك لكن ... "

قاطعت نفسها وحركت رأسها بضياع وقالت بحزن

" لا أعلم لما أشعر بأنها ستكون نقطة بداية لندم الكثيرين
وأنت منهم "

حدق في عينيها بصمت للحظات وقال

" ولما أندم ولستُ سوى قاضٍ يستمع ويحكم بما يُعرف عنه في
القضايا المشابهة ؟ "


حركت رأسها وهمست بضياع

" لا أعلم لكن قلبي لا يخطئ أبداً "

نظر للسقف فوقه وقال بهدوء

" لا أحد يمكنه إيقافها غير صاحبة الدعوة ومطر شاهين "

" مطر شاهين ! "

همست بذلك مستغربة فقال ولازال نظره للأعلى

" نعم وهل تتوقعي مثلاً أن أوامره ليست سارية عليا
ودون نقاش "

همست بذهول

" ولم يفعل ! "


وانتظرت بفضول شفتاه التي تحركت بكلمة واحدة

" البتة "

أمسكت فمها بيدها تنظر له مصدومة من الفكرة التي لم تخطر

ببالها ابداً وقالت ما أن استوعبت ذلك

" هل لأنه يريد هذا ؟ "

وكان همس الذي أغمض عينيه ببطء

" لا أعلم "

فتنهدت بأسى تنظر للفراغ بحزن وتعلم بأنه ثمة احتمالات كثيرة

يمكنه قولها لها والتفكير فيها لكنه لم يفعل مما يعني أنه ينفيها

جميعها فذاك الرجل كان بإمكانه تطليقها دون داعٍ لكل هذا خاصة

بعد أن علم عن أمر القضية فلما لا يطلقها ويختصر كل ذلك !

أم أنه متأكد من أن الدعوة سيتم رفضها ؟

لكن لما لا يوقف كل شيء إذاً وبأمر واحد منه كما قال زوجها !

أم يريدها أن تنال ما تريد وبالطريقة التي أرادت !

" هو يمنع جميع عائلتها من الوصول لها ومن معرفة موعد
القضية "

نظرت بصدمة لصاحب تلك العبارة والصوت الرجولي المرتخي

المتجهم والذي كان لازال مغمضاً عينيه وكأنه يفصل نفسه في

عالم خاص به ليرميها بالفواجع تباعاً وهمست بعدم استيعاب

" هل يخشى أن يقنعوها بالعذول عن قرارها ؟! "

همس بصوت عميق

" لا أعلم "

حدقت فيه بضياع وها هو يرمي بها لدوامة الألغاز التي لا حل لها

مجدداً وكأنه يختبر قدرات ذكائها ! لكنها ليست كما يتخيل أيضاً

لذلك قالت

" كيف لا تعلم وأنت من سبق وترافعت وحكمت في آلاف القضايا
المشابهة منذ كنت شاباً وحتى صرت قاضياً قبل أن تصبح
وزيراً ! "


فتح عينيه حينها وتنهد بعمق يحدق للسقف بصمت قبل أن ينظر

ناحيتها وقال

" ومن هذا الذي يفهم كيف يفكر عقل المحاربين ؟ "

وحرك يديه من فوق صدره متابعاً

" وكيف إن كان ذاك العقل مطر شاهين ذاته ؟ "

أومأت برأسها بحزن توافقه وأكمل عقلها نيابة عنه

: عقل من وحد به بلاد كاملة لتتحول من أرض جرداء لا تفوح

منها سوى رائحة الدماء لمدن ومباني وناطحات سحاب ، وشبان

ينالون الشهادات العليا بدلا من التشرد والسرقة والنهب عبر

حدود وهمية صنعها سافكوا الدماء أنفسهم ، وتبدل الجهل بالعلم

بالمدارس والجامعات ، والجوع والفقر والتشرد لمطاعم ومقاهي

ولأكبر بلاد مصدر للحبوب ، الفوضى والنهب والسرقات لأول

بلاد يقوم بإلغاء اتفاقية النفط مقابل الغذاء من دون قرار دولي

لتصبح من الدول المصدرة له بدلاً من التي يتم سرقته منها تحت

بنود قوانين جائرة أو بدونها .

لكن ما تخشاه أن لا يجني قلب تلك المرأة التائهة بين مشاعرها

وعائلتها وكبريائها من كل هذا سوى الخسران والألم فلا تسترد

كرامتها كامرأة ولا قلبها كأنثى فأقسى أنواع الندم هو ذاك الذي

تسببه القرارات المتسرعة ، وحين لا يكون بإمكاننا إصلاح ما تم

إفساده تكون الكارثة الأعظم .


رفعت نظرها له وقد عاد لإغماض عينيه لكنها لم ترحمه من

أسئلتها بعد وقالت بفضول وترقب

" ومن الذين يمكنهم التواجد في القاعة ؟ "

قال بضحكة مرتخية ولازالت عيناه مغمضتان

" لن تفكري في حضور الجلسة بالتأكيد "

ضحكت أيضاً وقالت مبتسمة وهي تندس بجانبه تحت

اللحاف الناعم

" لن تسمح لي بالتأكيد لكنت فعلت "

نظر ناحيتها وقال مبتسماً

" ما أحب النساء لحشر أنوفهن "

قالت بضحكة تنظر لعينيه

" هذا يسمونه فضول طبيعي "

قال بابتسامة مائلة

" أخبري فضولك إذاً أن لا يتعب نفسه فلا أحد غيري والمحاميان
وموكلاهما يُسمح لهم بالدخول "

همست بفضول
" سيكون موجوداً ؟ "

نظر عالياً مجدداً وقال بصوت مرتخي يغمض عينيه ببطء

" لا أعتقد فلم يعطي المحكمة العلم بذلك وما كان ليكلف
محامٍ ينوب عنه "


همست من فورها بذهول

" ينوب عنه ! "

لم تسمع منه أي جواب أو توضيح وأنفاسه تعلو قبل أن تنتظم

وعلمت فوراً بأنه نام ولن تجد جواباً لسؤالها ، اتكأت على

ذراعها وشردت في جانب وجهه تفكر في كل ما قالاه .

لقد حاولت وبكل الطرق الممكنة لديها أن تعدلها عن قرارها دون

أن تذكر لها ذلك مباشرة كي لا تشعر بأنها غير مرحب بها هنا

أو تعتقد بأنها تخشى على زوجها من الخوض في الأمر لكن جرح

ذاك القلب يبدو أكبر من أي قوى للتسامح قد تؤثر عليه وها هي
فشلت مع زوجها أيضاً وأملها الأخير .

نامت على ظهرها تنظر للسقف المظلم فوقها بحزن وهمست ب

( يا رب ) وهي تغمض عينيها وتمنت من قلبها أن يخطئ حدسها

هذه المرة وينتهي يوم غد على خير .


*
*
*

فتحت عينيها وأغلقتهما سريعاً بسبب نور الشمس المتسلل من

النافذة المفتوحة وجلست مسرعة حين أدركت بأنها نامت منذ

البارحة ولم تصلي الفجر فغادرت السرير تستغفر الله بهمس

وشعرت بدوار خفيف فور وقوفها وسندت نفسها بمد يدها للجدار

بينما تخللت أصابع يدها الأخرى خصلات غرتها وحركت رأسها

بشكل خفيف ولا تفهم ما يحدث معها وكيف نامت هكذا كالجثة

الميتة ! والغريب أنها لازالت تشعر بأن جفناها سيغلقان من

نفسيهما !

تحركت نحو باب الحمام بخطوات كسولة تتثاءب دون توقف ..

توضأت وخرجت سريعاً ونظرت للنافذة تفكر في الذي سيكون

فتحها بالتأكيد فكيف دخل وغادر دون أن تشعر به !


وما أن وصلت للباس الصلاة الخاص بها وقفت تنظر باستغراب

لجهاز التحكم الخاص بجهاز التكييف الموضوع فوق الطاولة

وليس في مكانه المخصص ورفعت رأسها له عالياً فهي لم تقم

بتشغيله فلما يغير مكانه ولم يشغله !

تنهدت مستغفره الله بهمس وفرشت سجادتها وصلت ما فاتها

وجلست مكانها شفتاها تردد التسابيح مع حركة إبهام يمناها على

أصابعها تحاول طرد أي أفكار تنتابها خلال ذلك سوى فيما تتمتم

به شفتاها حتى انتهت ووقفت حينها ونزعت لباس الصلاة

وتوجهت لهاتفها لترى الساعة فيه وكم من الوقت نامت لكنها لم

تنظر لها بل للرسائل الموجودة على شاشته واتسعت عيناها

بذهول وهي تقرأ كلماتها

( أجيبِ يا جليلة أو كان لي تصرفاً آخر معك )

( تعلمين جيداً ما يمكنني فعله بك )

( إن وصلت لزوجك وأخبرته بالحقيقة فلن تلومي إلا
نفسك حينها )

أمسكت فمها بيدها بصدمة ونظرت ناحية الباب المغلق لا شعوريا

تشعر بجسدها بأكمله يرتجف حتى لم تعد ساقاها تحملانها فانهار

جسدها على السرير قربها تمسك الهاتف بكلتا يديها وعادت

نظراتها للتنقل بين أسطر تلك الرسائل تشعر بأنفاسها تتوقف مع
كل كلمة فيها ولا تفهم معنى هذا ومصدره !

أزالت الرسائل من واجهته ونظرت لإشعار المكالمات وما أن

فتحته صُدمت لرؤيتها لذات الرقم وقد اتصل بها منتصف الليل !!

أبعدت نظرها عنه للفراغ أمامها بشرود وملامح شاحبة لم

يغادرها الذهول بعد وقد سقطت يداها في حجرها وكأنها فقدت

التحكم بها وهمست شفتاها بذهول

" ما هذا !! "

وشعرت بتنفسها يضيق وضربات قلبها تتعالى حتى شعرت

بحرارة شديدة تجتاح جسدها فمن هذا الذي يهددها هكذا وهي

التي عاشت سنوات عمرها كاملة تضع ثقة أهلها بها نصب

عينيها وتفكر بهم أكثر من تفكيرها في نفسها ولم تفعل أمراً

واحداً مشيناً يمكن تهديدها به !

ولم يكن لديها ولا أعداء قد يفكر أحدهم في ابتزازها الآن !

وأي حقيقة هذه التي يهدد بإخباره بها ؟

رفعت رأسها سريعاً ونظرت يميناً ما أن سمعت باب الغرفة

بجوارها يُفتح فوثبت واقفة على طولها وتحركت نحو الباب دون

تراجع أو تفكير ، صحيح أنها منذ تزوجته تنتظر تلك اللحظة التي

تعلم أنها آتية لا محالة وهي خروجها من هنا مطلقة لكن ليس

متهمة في عفتها وتربيتها وعليها أن تكون الأسبق له من هذا

المجهول فليست تؤمن بتلك الأفعال التي تلجأ لها النساء في أغلب

المواقف المشابهة وهي الصمت عن المصيبة حتى تتحول لكارثة

رغم أن معالجتها في وقتها كانت ستكون أقل ضرراً ومهما وصل

مبلغ ذاك الضرر ، فهي كانت زوجة لرماح شراع سبعة أعوام لم

تحدثه فيها ولا بالهاتف وقبلها عرفت شاباً واحداً لم تكن بينهما

أي علاقة سوى ثلاث رسائل بكلمات قليلة على قصاصات ورق

ووعد مبتور كان ثمنه عمرها وعمر رماح معها ، كان قد خطبها

قبلها ورفضه والدها وقتها لأنه لا يملك عملاً ولا منزل ولم

تتواصل معه بعد سفره أبداً سوى من مكالمة واحدة وبعلم

وترتيب من رماح وكان يوم سفره ذاك .


فتحت الباب ونظرت ناحية الذي رفع نظره من الساعة التي كان

يكمل إغلاقها أمام باب غرفته فشدت يدها على الهاتف فيها بقوة

تحارب أي تردد يعيقها عن قرارها ذاك وتحركت خطواتها نحوه

تشجع نفسها بأن رد فعله وهو يعلم منها ستكون أقل ضرراً

فهي لم تفعل شيئاً تخشى منه .

كانت خطواتها مرتجفة تشعر بها كوميض كهرباء في رأسها

فلازالت تشعر بذاك الخدر والوهن الغريبان !

ورغم كل ذلك سارت نحوه تلك الخطوات القليلة بثبات حتى كان لا

تفصلهما سوى خطوتان ومدت الهاتف له دون أن تتحدث فنقل

نظره بينه وبين عينيها ولم يعلق .. لم يسأل ولم يدّعي

الاستغراب أيضاً وهو يرفع يده له واندهش فقط لعدالة الله فهو

انتصر على نفسه البارحة وجعل ثقته بها تسبق تهوره كرجل

فكانت المكافئة بالمثل وخلال ساعات فقط لتبادله الثقة بأخرى

مثلها وموقن بأن ما تريده أن يراه لن يكون هيناً لما جعلته يطّلع

عليه ولا يفعل ذلك سوى البريء الواثق تماماً من براءة نفسه
.
أخذه منها ونظر بحاجبين معقودين لكلمات تلك الرسائل يقرأها

الواحدة بعد الأخرى قبل أن ينظر لها وقال باستغراب

" من هذا ؟ "

همست من فورها تنظر لعينيه

" لا أعلم "

كانت أقوى حرب عاشتها مع نفسها ومع تلك العينان كي لا تبتعد

وتهرب وإن خجلاً منه فتظهر بمظهر الجبان الذي يخفي أكثر

مما يُظهر وحاولت التحكم في أنفاسها وقد قال ونظراته

المستغربة لا تفارق عيناها

" هل حدث هذا من قبل وفي أي وقت سابق ؟ "

حركت رأسها نافية دون حديث فاستدار لباب الغرفة وأغلقه

هامساً بعبارة واحدة

" لن ينجو بفعلته "


وأخرج هاتفه من جيب سترته وغادر باتجاه السلالم وهو يقول

لمن يبدو فتح الخط سريعاً

" سأرسل لك رقماً وأتصل به أريدك أن تحدد موقعه فوراً "

فاتكأت بكتفها على الجدار بين غرفتيهما حين شعرت بعجز كبير

عن الوقوف أكثر وثقل كبير في جفنيها تحمد الله في سرها أنه لم

يخن توقعها بينما قال من تابع نزوله بخطوات سريعة قائلاً

بأمر حازم

" ما أن أتصل تحدد الموقع فوراً وأبلغوا شركة الاتصالات
أريد معلومات تامة عن مالكه "

وغادر باب المنزل مغلقاً إياه خلفه وثمة عينان تراقبه من خلف

عمود السلالم الشبه حلزوني تسمع كل ما قال وهو يغادر

فأخرجت هاتفها سريعاً وبحركة مرتبكة بسبب سرعتها أخرجت

الشريحة التي أضافتها له مؤخراً وكسرتها بين أصابعها نصفين

قبل أن ترميها في سلة المهملات قربها وغادرت بخطوات

مسرعة ناحية باب المطبخ ورائحة الخبز الطازج التي تفوح منه

وهي تهنئ نفسها على ما ظنته نجاحاً لخطتها وهمست لنفسها

بابتسامة انتصار

" لم تري شيئاً بعد من بثينة "

وابتسمت بسعادة لوالدتها التي نظرت لها باستغراب وقالت وهي

تسحب الكرسي وتجلس

" أتحدث مع نفسي أمي "

فحركت تلك رأسها بيأس منها وعادت لما تفعل بينما لم تهتم هي

لكل ذلك وأمسكت الملعقة وقامت بدهن الخبز بالجبن تدندن بلحن

خافت ووضعته في الطبق قرب إبنتها التي كانت منشغلة بثلاث

قطع مكعبات كبيرة أمام يديها الصغيرتان تقوم بتركيبها وفكها

دون ملل .


*
*
*

فتحت باب الغرفة ونظرت بضيق للنائمة فوق سريرها بالعرض

لا تعلم شيئاً عمّا حولها وتحركت نحوها وهزت كتفها بقوة

قائلة بسخط

" هيا بثينة استيقظي إنها السابعة "

وتأففت تمسك وسطها بيديها حين انقلبت للجانب الآخر متمتمه

بضيق وصوت خدر

" يمامة أتركيني أنام قليلاً فنصف ساعة يكفي لأكون جاهزة "

وما ستقول هي التي لم تنم سوى لساعتين بعد الفجر وجافاها

النوم طوال الليل ؟ ولا تعلم من شدة حماسها أم توترها الرهيب

وتفكيرها في أول يوم لها في حياتها ترى فيه مدرسة وطالبات

بل وفتيات فهي لم تعرف حياتها سوى الأغنام والدجاج وأعمال

المنزل ، حتى الزيجات البسيطة التي كانت تقام في بلدتهم كانت

محرومة من الذهاب لها ، وإن جاء ضيف ما لزيارة زوجة والدها

تمنعها من مغادرة الغرفة ورؤيته فاقتصرت حياتها على عائلتها

الصغيرة تلك وعالمها على منزلهم ومزرعتهم .

قالت وهي تغادر باتجاه باب الغرفة المفتوح

" سأخبر أمي إذاً بما قلته "

وتوقفت مبتسمة قبل أن تلتفت للتي غادرت السرير صارخة

تحذرها واتجهت نحو حمام الغرفة تتأفف وتتمتم دون توقف

وأغلقته بقوة خلفها فحركت كتفيها مبتسمة وعادت باتجاه غرفتها

وتأكدت من أنها أخذت كل ما تحتاجه ثم أغلقت حقيبتها ووضعت

كلتا حزاميها على كتف واحد وعادت باتجاه غرفة بثينة التي

كانت تلبس حذائها الابيض الجديد جالسة على طرف السرير

فوقفت عند باب الغرفة تنتظرها حتى انتهت وتوجهت نحو

حجابها الأبيض الجاهز قبل أن تقف أمام المرآة تلبسه وقرصت

خديها وهي تقول مبتسمة ناظرة لصورتها فيها

" وأخيراً متنفسنا الوحيد المدرسة "

وتحركت نحو حقيبتها ضاحكة ورفعتها وتوجهت نحو الواقفة

تنظر لها مبتسمة وغادرتا معاً تنزلا سلالم الطابق بزي

واحد ذا اللون الأزرق الغامق والقميص الأبيض الناصع

لا تظهر منه سوى أكمامه الطويلة والحجاب الأبيض وهو الزي

المخصص لجميع الطالبات ضمن المرحلة الإعدادية .

نزلت بثينة تسبقها لاعتيادها منذ صغرها قفز واختصار عتبات

ذاك السلم الرخامي بينما ضحكت هي تحاول اللحاق بها ، وما أن

كانتا في الأسفل وبينما كانت نظرات بثينة مصوبة نحو الباب

الزجاجي الفتوح لتسبقها له أيضاً انحرف مسار نظرات يمامة

ناحية التي خرجت من جهة المطبخ ولوحت لها مبتسمة وبادلتها

تلك التحية بابتسامة حنون تبدلت للحزن ما أن اختفت من أمامها

مغادرة المنزل تدعو الله أن يحفظها لتراها امرأة رائعة كما
تريد وتتمنى .

بينما نزلت هي عتبات الباب واتجهت للسيارة الجيب بلون

الكراميل المتوقفة على بعد خطوات منه وكانت حينها بثينة قد

فتحت الباب الأمامي وجلست بينما اتجهت هي للباب الخلفي

وجلست خلفها تماماً ونظرت للذي خرج من الباب ذاته ينظر

لهاتفه في يده وهو ينزل عتباته يلبس قميص بلون الزيتون

وبنطلون جينز أسود اللون وقالت بثينة بضحكة تنظر ناحيته أيضاً

" ظننته سيتأخر متعمداً ليتهرب من إيصالنا مستقبلاً "


وتابعت بصوت منخفض تمسك ضحكتها لاقترابه منهم رغم أنه

لم يرفع نظره عن الهاتف

" كان يفعلها حين يتغيب السائق لأي سبب فلا تطلب منه والدتي
إيصالي خوفاً من فعلها مجدداً وإضاعة يوم دراسي كامل "

ضحكت يمامة بينما كان هو قد فتح الباب وجلس حينها مبتسماً

قبل أن تموت تلك الابتسامة ما أن نظر للجالسة في الكرسي

المجاور له وقال ببرود

" ما أعلمه أن الزوجة تجلس في الأمام وليس الشقيقة "

ابتسمت له ابتسامة متسعة وقالت

" أوامر القيادة العليا "


ضيق عينيه بحنق وقال

" وماذا أعطتك من أوامر أخرى ؟ "

رفعت قبضتها في وجهه وقالت بمكر وهي تفرد أصابعها تعد له

" أن أرى وأسمع وأتكلم "

تنفس في وجهها بضيق وقام بتشغيل السيارة التي تحركت بهم

من فورها ونظر نحوها وقال ببرود

" ومتى تمرضين في العادة وتتغيبي عن المدرسة ؟ "

ضحكت كثيراً وقالت

" أمرض نعم لكن لم أغب يوماً "


حدق فيها باستغراب قبل أن تتبدل نظراته للشك فقالت بعبوس

" كانت والدتي تعطيني الدواء ليلاً وترسلني للمدرسة صباحاً "

حرك رأسه ينظر للطريق التي دخلته السيارة قبل أن يرمقها

بطرف عينيه متمتماً

" أشم رائحة كذب في الموضوع "

ضحكت وقالت

" سترى بنفسك وتتأكد "

" تباً لك من شقيقة "

همس بها من بين شفتيه وسيارته تجتاز الإشارة قبل أن تتبدل
للحمراء فضيقت عينيها وهي تنظر له وقالت

" ماذا قلت ؟ "

رفع سبابته وقال ونظره على طريق

" قلت وقت الإنصراف أجدكما قرب الباب .. "

وتابع بتهديد يشير بإبهامه للخلف بينما نظراته ترمقها جانباً

" لا أريد لما كان يحدث في الماضي حين اضطر لإيصالك أن
يتكرر وأقف أنتظر نصف ساعة لتخرجي لي "

لوحت بيدها قائلة بضيق

" ليس حباً في البقاء لكن للضرورة أحياناً "

نظر في المرآة أمامه وقال للتي لازالت تنظر للخارج حيث


نافذتها وكأنها ترى الشوارع والطرقات لأول مرة

" يمامة تخبريني بما كانت تفعل قبل انصرافكما اتفقنا "

وأتاه الرد سريعاً بصوتها الرقيق الباسم

" حسناً "

ابتسم بمكر ينظر للتي كانت ترمقه بضيق قبل أن تلتفت للخلف

قائلة للتي لا تظهر لها جيداً

" أنا من سيعلمك قول كلمة لا "

ضحك أبان وقال والسيارة تقف أمام بوابة المدرسة التي كانت

تدخلها الطالبات

" علمتها قبلك أن تطيع زوجها "

نظرت له وقالت بمكر

" ولا شيء أسهل من جعل الزوجة تتمرد على زوجها "

تجعدت ملامحه قال بضيق

" أنتِ في الثالثة عشر أم الثلاثين ! "

أشارت بسبابتها لصدغها تعني عقلها وضحكت بمكر فشد شفتيه

بضيق وما أن كانتا ستنزلان قال وهو يدخل يده في جيب قميصه

" انتظري يا يمامة "

وأخرج ورقة نقدية واستدار بنصف جسده نحوها ومدها لها

فنظرت لها دون ان تأخذها وفي صمت فلوح بها أمامها

وقال مبتسماً

" خدي هيا لتشتري ما تشائين "

فمدت يدها بتردد وأخذتها وهمست تشكره مبتسمة فغمز لها

باسماً ونظر لشقيقته والتي كانت تنقل نظرها بينهما في ذهول

وقالت ما أن استقر نظرها عليه تفرد أصابع يديها أمامه

" عشر جنيهااات ! "

رفع رأسه ضاحكاً قبل أن ينظر لها وقال

" من يراك لا يصدق أنك إبنة الشعّاب ! "

أمسكت خصرها بيد ورفعت سبابة يدها الأخرى أمام

وجهها وقالت

" لم تعطني يوماً قرشاً واحداً "

ابتسم بسخرية وقال يرمقها بطرف عينيه

" أوامر القيادة العليا "

تأففت في وجهه ونزلت وضربت الباب خلفها بقوة وتوجهت

ناحية باب المدرسة الحديدي الكبير المفتوح بخطوات غاضبة

ويمامة من خلفها مناديه

" بثينة انتظري "

بينما كانت ثمة حافلة كبيرة وقفت أمام الباب وأخفتها عنها

فوقفت تنتظرها عند البوابة حتى وصلت من بين جموع الفتيات

اللاتي غادرن الحافلة حتى وصلت عندها وقالت بأنفاس لاهثة

وملامح مذعورة

" ألا تعلمين بأني لا أعرف أحداً هنا ؟ "

وبخت نفسها وهي ترى التوتر والخوف على ملامحها الجميلة

فهي نسيت بأنه يومها الأول في المدرسة بل ورؤية كل هذا العدد

من الفتيات ومكان غريب عنها ، شدتها من يدها وقالت

تدخلان معاً

" كل هذا بسبب زوجك "

وتابعت بضيق وهما تجتازان الممر الحجري المقوس الواسع

" لا أعلم كيف سأتحمله عاماً كاملاً ذهاباً وإياباً "

بينما كانت نظرات يمامة تتفحص كل شيء حولها .. الساحة

الواسعة المليئة بالطالبات والأحاديث بين الضحك والصراخ

المنادي .. مبنى المدرسة الكبير المرتفع .. النافورة الحجرية

الضخمة المتوقفة وأحواض النباتات المحيطة بها وشعرت

بتوترها يزداد وتمنت أن عادت للمنزل الآن .

نظرت للخلف ولمكان سيارة أبان الخالي منها وخشيت أن تسخر

بثينة منها إن قالت ذلك وبأنها تريد المغادرة فتمسكت أصابعها

بيد بثينة أكثر وشعرت برغبة كبيرة في البكاء كطفلة تترك

والدتها وتذهب للمدرسة في يومها الأول تشعر بكل شيء حولها
مخيف والجميع حيوانات مفترسة مؤذية .

" بثييينة "

توقفت مع توقف السائرة معها شبه ملتصقة بها واستدارت معها

حيث الصوت الأنثوي الصارخ خلفهما وكانت فتاة في ذات طول

بثينة تركض نحوهم وقد صرخت لها وهما تحضنان بعضهما بقوة

استدارتا بسببها في مكانهما ضاحكتين ، وما هي إلا لحظات

ووصلت أخرى راكضة أيضاً وقفزت تحضنهما معاً وتداخلت

كلماتهن مع ضحكاتهن حتى ابتعدن عن بعضهن وكل واحدة

تضرب الأخرى على كتفها وتتبادلن الأسئلة والأحاديث

الضاحكة حتى قالت بثينة

" وأين هي البطريق لم تصل معكما ! "


نظرت الواقفة أمامها للخلف وقالت ضاحكة

" غادرنا الحافلة معاً ! "

وضحكن ثلاثتهن ما أن وجدن ضالتهن فتاة بدينة بزي مدرسي

كبير تمضغ وهي تحرك فكاها بقوة وتبحث عيناها الخضراء

الواسعة في المكان ورأسها يستدير مع تحركها للأمام بينما تمسك

في يدها رغيف خبز كبير ملفوف بورق قصدير ، وما أن وقع

نظرها عليهن حتى ابتسمت وركضت ناحيتهن بخطوات ثقيلة حتى

وقفت أمامهن وقالت لاهثة وبفم ممتلئ

" ظننت بأنكن في الداخل من دوني "

قالت بثينة تشير للرغيف بيدها

" ماذا ستأكلين في الفسحة يا شرهة "

ابتسم فمها الصغير بالمقارنة لوجنتيها الممتلئتان

والمتوردتان وقالت

" أحضرت معي اثنان "

ضحكن جميعهن وهي معهن عدا التي سحبتها بثينة من يدها

نحوهن وقالت

" أعرفكم بزميلتنا الجديدة يمامة "

ابتسمت بحياء وهي تبادلهن السلام بيدها وشعرت بلسانها انعقد

ولم تستطع ولا قول كلمة ترحيب واحدة تجاري كلماتهن السريعة

الباسمة التي غمرنها بها وقالت إحداهن تنقل نظرها بينهما

" وماذا تقرب لك يا بثينة ؟ "

وما أن كانت ستتحدث علا صوت الرنين المرتفع وكان مصدره

مبنى المدرسة فتحركن جميعهن حيث بدأت الطالبات بالتجمع

وقالت بثينة تسحبها معها راكضتين

" أسرعي لا نريد أن ننظف حمامات المدرسة كعقاب "



*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 21-07-21, 12:31 AM   #16453

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*

انتظر السكرتيرة التي مرت من أمامه تحمل أوراقاً في يدها حتى

خرجت وأغلقت الباب خلفها ونظر حينها لوالده والجالس خلف

مكتبه وقال ما هو هنا من أجله تحديداً

" ماذا ستفعل الآن بشأنها ؟ "

قال الذي لم يرفع نظره عن الأوراق يقلبها بين يديه

" لا خيار أمامي سوى إرجاعها للمصح "

نظر له بذهول لبرهة وقال

" لن يقبل وقاص بهذا وهو يربط الليل بالنهار من أجل القضية "

وحرك رأسه بيأس وتنهد بعجز حين لم يسمع منه أي تعليق وقال

" هل تحدثت معه ؟ "

جمع الأوراق ورماها جانباً قائلاً بضيق

" وهل بات بشراً يمكن التحدث معه ؟ "

تنهد مغمضاً عينيه ونظر له وقد فتح الدرج يفتش فيه وقال بصبر

" هو كان دائماً بمنزلة ابنك لا حفيدك "

رفع نظره له وقال بضيق يشير بيده

" كان ذلك حين كانت كلمتي لا ثانيه لها لديه وحين كان يدرك أن
ما أفعل وأقول يصب في مصلحته المُطْلقة "


كان سلطان من أشار بيده حينها لكن جانباً وهو يقول بجدية

" وتوتر العلاقة بينكما لن يوصلنا لأي حل وأخشى أن يتطور
الأمر لما هو أسوأ "

قال الذي لم يفارق الضيق صوته كما ملامحه القاسية وبعد أن

ضرب الدرج المفتوح بيده بقوة يغلقه

" أنا لست طفلاً لأتشاجر معه وإن باتت أفكاره كما أفعاله
تُنسب للأطفال "

قال الواقف أمامه والضيق يسيطر على نبرة صوته أيضاً

" لما لا تحترم قراراته وإن كانت ضد رغبتك فهو
لم يعد طفلاً ؟ "


وكان ذاك ما جعله يشتعل أكثر وقال بغضب

" كيف تحترم أمراً أنت تراه خاطئاً ! "

حرك رأسه بيأس منه وإن لم يتركه يسيطر على عزيمته وقال

بحدة يشير بيده بعيداً

" تلك الفتاة السبب في كل المشاكل بينكما أبي وأخذها للمصح
لن يزيد علاقتكما إلا فتوراً وأخشى أنّ رد فعله هذه المرة لن
يكون كالسابق أبداً "

وقف الجالس خلف مكتبه على طوله وقال بانفعال غاضب

" وتركها لحبل المشنقة هو الحل برأيك ؟ "

حرك رأسه برفض وقال والهدوء يعود لصوته تدريجياً

" وقاص يقول بأنه ثمة شخص ثا... "

قاطعه الذي صرخ يشير بيده له

" هذا ما يقوله وقاص لكن ما تقوله هي مختلف تماماً والقضاء
لن يترك اعترافها ليستمع لكلام ابنك "

رفع يديه جانباً وقال بجدية

" وماذا إن وصل للقاتل الحقيقي وإن كانت ترفض
ذكر اسمه ؟ "


وشد شفتيه بقوة ما أن قال الواقف خلف مكتبه بحدة

يشير لصدغه

" لا أفهم أي عقل تفكر به هذا يا سلطان "


فأشاح بوجهه بعيداً عنه أنفاسه تخرج بقوة وابتلع إهانته بينما

تابع ذاك صراخه المنفعل

" من هذا الذي دخل وقتل وغادر ولم يراه أحد وجميعنا سمعنا
صوت إطلاق النار وركض الحراس لتلك الجهة من فورهم ! "

نظر له حينها وقال بلهجة قوية يشير له برأسه

" ألا تصدق أنت ما يقول وقاص ؟ هو يملك أكثر من دليل
على وجود شخص آخر "

فصرخ وهو يشير له بسبابته قبل أن يرمي بها بعيداً

" سيكون أنت أو إحدى زوجاتك أو أبنائك حينها "

وتابع بحدة وسباته تحولت للطاولة تحته يضرب بها عليها

" والجميع أثبتوا مكان تواجدهم وحتى الخادمات والحرس
فمن سيكون ؟ "

" ماذا عن الأدلة ! "

قالها بقوة وثبات وانتظر بشغف تعليق الذي قال بحدة

" ولما تصمت هي عن قاتل تُقدم نفسها للسجن بدلاً عنه ! "

أسكتته عبارته تلك تماماً وإن مكرهاً أيضاً لأنها واقع وتابع

ذاك من فوره وبنبرة أشدُّ حدة وقوة

" نحن نرى الأشياء بمنظور مخالف لما ينص عليه القانون
وابنك يعلم ذلك جيداً وأكثر منّا وبأن القضاء لا تتحكم فيه
العواطف ولا يأخذ بغير الأدلة الثابتة "


أخفض نظره ينكس رأسه للأسف وقبضتاه تشتدان بقوة بجانب

جسده بسبب الحقائق التي لا مهرب منها ، وبالرغم من كل ذلك

رفعه مجدداً ونظر له وقال بإصرار

" سيطلب الاستئناف في كل مرة وسيجد القاتل أنا أثق
في إبني "


ونظر بأمل كسير للذي لم يهتم بكل ذلك وهو يضرب الطاولة تحته

بيده بقوة وصرخ قائلاً

" ليفعل ما يريد لكن بقاء زيزفون خارج المصح ليس في
صالحها وعليه أن يقتنع أو يوافق مكرهاً أنا لا أنتظر رأيه
ولا موافقته "

تنهد يحرك رأسه بعجز ويأس ويعلم جيداً عواقب كل هذا ويكره

الوصول لما يتوقع ويخشى فقال ودون يأس وبنبرة حاول أن

يجعلها أكثر اتزاناً

" لا أريد للأمور أن تصل لأن يترك القصر ويغادره للأبد
وأعرفه يفعلها "

وتنفس بضيق بسبب الذي عاد للجلوس على كرسيه الجلدي قائلاً

بلا اهتمام

" كل ما أريده أن تكون موجوداً واترك الباقي لي "

جعله ذلك يشد قبضتيه بقوة أكبر وكان يشعر بألمهما أهون من

كل ما يشعر به حينها وفي قلبه تحديداً وقال بصعوبة وكلمات

متأنية

" أنا لست على استعداد لأن أخسر ابن آخر من أبنائي "

وكما توقع فلم يهتم الجالس أمامه يقلب الأوراق التي أخرجها من

الدرج سابقاً لكل ما قال وهو يرفع يده نحوه دون أن ينظر له

قائلاً بجمود

" أترك الأمر لي يا سلطان وعليك العودة لمشروع
الجزيرة الآن "

لاذ بالصمت للحظات قبل أن يرفع رأسه وينظر له من علياء

وكأنه يثبت له قبل نفسه عزمه على ما يريد قوله وإن كان

لا ينظر له وقال بجمود

" عليك البحث عن غيري أنا لن أغادر مجدداً ولأي مكان "


رفع رأسه ونظر له حينها وقال عاقداً حاجباه بقوة

" غيرك من تحديداً تقصد ؟ "

قال ببرود

" لا أعلم ولا أهتم ولن أترك عائلتي وأبنائي مجدداً فهم أحوج
إلي من أي مشروع ومهما كانت ستكون إيراداته "

وكما توقع بل وكان متأكداً اشتعلت تلك العينان بغضب أسود

ظهر سريعاً في صوته الغاضب وقد أشار بيده جانباً وبحركة

قوية غاضبة

" بعد كل هذا الطريق الذي قطعناه والأموال التي قمنا بدفعها ؟ "


تمسك بجمود ملامحه وقال بذات البرود المعاكس لاشتعال

المقابل له

" يمكنك بيع أسهمنا في المشروع وستجد الكثيرين ممن
يرحبون بذلك "

صرخ ذاك مباشرة

" ويضيع كل التعب والجهد الذي بذلناه ؟ "

وتابع من فوره وبضيق

" كل هذا لعائلتك وأبنائك أيضاً أنا لن أعيش لأستفيد منه "

تنهد نفساً عميقاً وقال بألم

" وعائلتي التي تتحدث عنها لن نجد منها أحداً على هذا الحال
فرواح الوحيد الذي بات يُدير أعمالنا معنا ولن أستغرب أن يحذو
حذو وقاص قريباً "

قال الذي وضع يده بقوة على الأوراق التي لم تسرق اهتمامه

وبنبرة جادة قوية ينظر لعيناه

" وقاص كان يمتلك شخصية مستقلة منذ صغره ولم أستغرب
قراره حين اتخذ حياة عملية خاصة به ورغم كل ذلك كان بمثابة
المستشار القانوني لنا دائماً وإن كان يرفض تقاضي
مقابلاً لكل ذلك "

وتابع بذات النبرة الجادة يشير برأسه جانباً

" ضرار لازال صغيراً ودراسته ستنتهي يوماً ويجد ما يؤمن
مستقبله كما شقيقه رواح من قبله "

لكن كل ذلك لم يُقنع الذي همس والقهر يظهر بوضوح في عيناه

" ونجيب ؟ "
ولم يفته ملاحظة العينان التي اختفت خلف جفنيها وهو يسدلهما

عليها ينظر ليده فوق الأوراق تحته لكنه لم يتوقع ايضاً ما قاله

حينها بجمود وما أن رفع نظره له

" لا يحتاج الأمر أن أذكرك بأننا أعطيناه فرصة كبيرة وما
انتهى الأمر له "

فلاذ بالصمت مكرهاً يشد شفتيه بقوة يخفي ألمه وانكساره بينما

تابع والده جلده وبقسوة

" لم تنسى بالتأكيد الخسارة التي تسبب لنا بها وما كانت
نتائج أفكارك "

قال والأسى لازال يسيطر على عينيه وصوته

" أنت تعلم أكثر مني لما طلبت منك منحه تلك الفرصة ، وكان
محقاً حين قال بأنه المستثنى عن كل شيء "

قال ضرار بحدة

" لأنه كان فاشلاً في دراسته وفي كل شيء .. التجارة لا مكان
فيها للعواطف يا سلطان والدليل أتاك حين اتبعت عواطفك نحوه "

أبعد نظره عنه بسبب قسوة الحقيقة التي لا يمكنه تقبلها في كل

الأحوال بعد أن فقده وقال بحزن عميق ولازال يتجنب النظر له

" واستقصائه لم يكن حلاً البتة بل زاد الأمور تعقيداً واشتد
كرهه لشقيقه "

وأغمض عينيه ما أن صاح الجالس هناك بحدة

" الذنب عند السبب الأساسي في ذلك وليس أنا فلما لا تعيد
الأمور لمسبباتها "


رفع نظره له حينها وفقد السيطرة على انفعالاته أيضاً وهو يراه

يبرر لنفسه طوال الوقت وقال بحدة

" ولن نلوم والدته وحدها في هذا فموته جعلني أدرك الكثير
مما كنت أخطئ فيه وما اخطأنا فيه جميعنا "

ولمعت عيناه بأسى حزين ودموعاً رقيقة تملأهما واختنق صوته

هامساً بوجع يشير لنفسه

" تمنيت لو يرجع ليوم واحد للحياة لأعتذر منه على الأقل "

وأولاه ظهره يمسك عيناه بأصابع يده يمنع تلك الدموع من

التسرب منها يشعر بالعجز التام عن إقناع نفسه بما يقول والده

وكبحها عن الشعور القاتل بالندم فمسحهما بقوة واستدار نحوه

وقال بجدية

" لذلك لن أغادر من هنا مجدداً ولن أترك أبنائي ولن أفعل ما
يدفعهم للإنتهاء لنهايته أبداً "

قال الذي نظر له بقسوة

" وما معنى هذا ؟ "

قابل سؤاله القوي ذاك بقوة نظراته له حينها وبأن قال وبكل جدية

" معناه أن وقاص يحب ابنة عمه تلك وعليك تزويجها له بما
أن نجيب توفي "

ولم يستغرب النظرة المتسعة التي قابل بها الجالس هناك كلماته

بل وصرخ يشير له بيده

" ما هذا الجنون يا سلطان ! الفتاة تنتظرها ثلاث قضايا الآن
ولم تشفى نفسيتها بعد "

وكان ذاك ما جعله يشتعل أيضاً وقال بانفعال يدافع عن رأيه

" لكنه يريدها وعليك تزويجهما وإن ليوم واحد .. لا تتركها في
نفسه أبي "


وقال آخر كلماته بما يشبه الرجاء لكن الذي وقف على طوله

مجدداً قابل كل ذلك بأن قال بحدة يشير لرأسه

" لا أعلم إذا فهمت ما أقول أم لا تسمع البتة ! "

ابتلع إهانته مع ريقه الجاف وقال بجمود يخفي خلفه أي

مشاعر أخرى

" ليست حجة أبي فأنت زوجتها لنجيب وهي كذلك "

صرخ من فوره

" كان خطئاً ولن يتكرر مجدداً "

شعر بكلماته تذبح روحه وهو يرفض ما يعلم جيداً بأنه سيكون

سبب فقده لإبنه الآخر وقال بأسى وخذلان

" لو كانت إبنة عائلة أخرى لفعلت المستحيل ليوافقوا لكني لن
أترجى جده ليمنحه أول شيء يتمناه ويطلبه منه في حياته وهو
الذي لم يعصي له أمراً يوماً "


وما أن أنهى كلماته تلك أولاه ظهره وتحرك من مكانه مغادراً

فأوقفه صوته الآمر

" سلطااان "

فتوقفت خطواته قرب الباب ووصلته كلماته الحادة من خلفه

" لن تُحب وقاص أكثر مني وأنت والده "

استدار نحوه وما أن كان سيقول بأنه كان يظن ذلك لكنه اكتشف

العكس سبقه وقد قال بجدية

" هذه القضية ستفتح ملفات القضايا السابقة وستُجمع لها هنا
جميعها ولن يُسمح بمحاكمتها إلا هنا أو في بلادها هناك "

حدق في عينيه بصمت للحظات وكأنه يترجم ما سمع للتو وقال

ما أن استوعب كل ذلك

" أرجعها هناك إذاً وسنعمل بكل جهدنا وإن لتخفيف الحكم "


لكنه قابل اقتراحه ذاك بابتسامة ساخرة وهو يحرك رأسه وقال

" ما أسهل أن تتمنى ذلك لكن تطبيقه مستحيل "

نظر له بعينين تملؤها الحيرة وقال ذاك ما كان يعلمه بأنه ينتظره

منه وهو الشرح والتوضيح بينما لازالت نبرة صوته جادة قوية

" سيكون محكوماً عليها بالسجن المؤبد هنا وبالقصاص والموت
شنقاً هناك فأي الخيارات الثلاث تختار لها إن أضفت المصح
النفسي لهم ؟ "

كان سؤالاً التفكير فيه أقسى من الإجابة عليه فحرك رأسه في

حيرة وعجز يشعر بالضياع ولا يمكنه تحديد ما سيكون مجدياً من

عدمه ومن رأيه الصواب ومن المخطئ ! وهمس بأسى

" ما نفع ما يفعله وقاص إذاً ؟ "

قال بجمود

" أن لا يلوم نفسه مستقبلاً فقط "

كانت كلماته تلك كسكين حاد غرسه في قلبه جعلته يغمض عيناه

ويسحب الهواء بقوة لصدره وهمس يزفره بقوة

" لا يمكن هذا ... "

وفتح عينيه ونظر له وقال بأمل كسير

" لما لا نأمل في أن يفعلها ؟ "

وكانت النتيجة كسابقتها وهو يواجهه بالواقع المرير وبجمود

وكأنها ليست حفيدته ومن لحمه ودمه

" فشل الكثيرين سابقاً وهيئة محلفين كاملة أيضاً وللسبب ذاته

لأنها تصر على أنها الفاعلة "

ضرب كفيه ببعضهما يحرك رأسه بأسى بينما تابع ذاك يذكره بما

حاول نسيانه من أجل ابنه

" لن يحمي القانون مذنباً يعترف على نفسه يا سلطان "

فأومأ برأسه بحزن يبعد نظره عنه للفراغ أمامه واعترف مجبراً

وإن بينه وبين نفسه وإن لم يتقبلها قلبه وهي الحقيقة القاسية

فحتى الفاعل يوصيه محاميه بأن ينكر لآخر لحظة ليجد له ثغرة

ما ينقذه بها ، واستدار للباب مجدداً وإن بخطوات كسيرة وقال

وهو يفتحه

" أنا لست مسؤولاً عمّا سيصل له الأمر إذاً وسأتوقع كل
شيء منه "

وغادر مغلقاً إياه خلفه وترك الذي انهار جسده على الكرسي

تمسك يداه بطرف الطاولة أمامه وقد نظر للهاتف فوقها لوقت

قبل أن تمتد يده له ورفع سماعته قائلاً بجمود

" أوصليني بالدكتور ﻓﻴﺮﻧﺴﺒﻲ "


*
*
*

دخلت غرفتها مغلقة الباب خلفها ورمت حقيبتها الخاصة بعملها

وعلى الرغم من شعورها بالتعب خاصة وأنها تغادر المطار يوم

الإجازة بعد الظهيرة إلا أنها أخرجت هاتفها من جيب سترتها أولاً

قبل أن تستحم أو تنام ولا حتى أن تأكل ، جربت الاتصال به مجدداً

وما أن علا صوت المجيب الآلي رمته نحو السرير بغضب فها هو

يغلق هاتفه اليوم أيضاً مما يعني أنه خارج بلاده وسيكون في

رحلة بالتأكيد ولا تعلم هل من حسن حظه أن يختفي حتى يهدأ

غضبها مما حدث أم هو حسن حظها هي أن لا يظهر له اهتمامها

بحفل الزواج منه ؟

لكن هذا من حقها وكأي فتاة أخرى وإن حفل بسيط هنا في أحد

الفنادق تجمع فيه عائلتها وأصدقائها .

لكن كيف تحتفل الآن ورواح شقيقه ميت من أيام قليلة فقط ؟

حتى عمتها وعلاقتهم الشبه منقطعة بسبب خلاف والدها معها

تبقى عمتها وهو ابن زوجها أي لا احترام لذاك الرجل الذي يكون

نسيباً لوالدها بذلك ، ولا احتفال هناك أيضاً وكأنه لا يمكنهم

التأجيل لبعض الوقت !!

وشعرت بغضبها يزداد بسبب صمت والديها وعدم احتجاجهما

أو رفض أي أمر تقرره تلك العائلة وعادت للمربع ذاته والذي

لا مخرج منه ولا حل له .


تأففت تبعد كل تلك الأفكار من رأسها وتوجهت ناحية الحمام

لتتوقف خطواتها فجأة ونظرت ناحية باب الغرفة الذي فُتح بعد

طرقتين متتاليتين وقالت والدتها مبتسمة

" ساندرين هنا وتريد رؤيتك "

همست باستغراب

" ساندرين ! "

ونظرت للساعة على الجدار وكأنها تتأكد من الوقت ففي العادة

هي لا تخرج للتنزه أيام العطلة في هذا الوقت ولم تخرجا معاً منذ

وقت طويل ! قالت وهي تتجه نحو الخزانة

" سأغير ملابسي وأخرج لها "

لكن ذلك أيضاً لم يحدث بسبب التي دفعت الباب ودخلت قائلة

" لا .. لا تغيري ثيابك "

وابتسمت للتي كانت تقف عند الباب تنظر لها باستغراب وقالت

" شكراً لك يا خالة سأتحدث معها هنا "

فغادرت تلك من فورها مع التواء شفتي ساندرين وهي تنظر

لكنانة الواقفة تنظر لها ايضاً وقالت بعبوس

" بالرغم من أني غسلت قدماي عشر مرات قبل مجيئي ! "


فلم تستطع كنانة إمساك ضحكتها التي خرجت في قهقهة عالية

وأغلقت ساندرين الباب وقالت تنظر لها بضيق

" ما المضحك في الأمر؟ والدتك يبدو لا تحبني ودون أي
سبب منطقي ! "

قالت تلك من بين ضحكها الذي لم تعد تستطيع التحكم به

" كان عليك إخبارها بهذا "

رمقتها بحنق وقالت تمسك وسطها بيديها

" حمقاء أنتِ ووا... "

قاطعتها بتهديد

" هيه ساندي لن أسمح لك بإهانة والدتي "


رمت يدها نحوها دون اهتمام وقالت

" دعينا من كل هذا الآن وهيا سنخرج لأمر مهم "

حدقت فيها باستغراب وقالت

" وما يكون هذا الأمر الذي يلزم أن أكون فيه بثياب عملي ؟! "

نظرت للباب خلفها قبل أن تعود بنظرها لها وقالت

بصوت منخفض

" سنذهب لنورثود "

قالت واستغرابها يتبدل للذهول

" وماذا نفعل هناك ! "


قالت موضحة أكثر

" أقصد نورثود مقر البحرية الملكية هناك "

" ماذا !! "

اتسعت عيناها بصدمة وهي تهمس بتلك الكلمة وتابعت بصوت

مرتفع ما أن استوعبت ما سمعته

" ما الذي تريدينه من البحرية الملكية وكيف ستدخلين
هناك يا حمقاء ! "


همست لها بضيق وهي تحرك يدها

" أخفضي صوتك لا أريد أن تسمعنا والدتك وتخبر والدتي "


رمقتها بطرف عينيها متمتمه بشك

" ساندي .. ماذا ورائك هذه المرة ؟ "

أمسكت خصرها بيديها وقالت بحنق

" لا شيء ... ثم ما قصدك بهذه المرة ؟ "

قالت كنانة من فورها وبجمود تكتف ذراعيها لصدرها

" لأنه لك أفكار مجنونة دائماً ولا تفكرين في العواقب أبداً "

ابتسمت بسخرية وقالت بقهر

" وما معنى حياة الجبناء المملة ؟ "


حدقت فيها باستغراب قائلة

" ماذا تقصدين بهذا ؟ "

تأففت في وجهها وقالت بضيق

" ما بك كنانة كلما قلت شيئاً .. ماذا تقصدين "

وقالت آخر كلمتها تقلدها وهي تلوي لسانها متعمدة وما أن

رأت الضيق في عيني التي كان واضحاً أنها ستعلق على

ما قالت سبقتها قائلة

" علينا أن ندخل هناك لأمر مهم جداً كوينو "

قالت التي حركت رأسها بعدم استيعاب

" وما يكون هذا الأمر الذي يجعلك تفكرين في دخول ذاك
المكان ! "


ولوحت بسبابتها نحوها متابعة

" وما لا تعلمينه ساندي بأنه مقر للعمليات المشتركة بين قيادات
الأسطول البحري والقوات المسلحة البريطانية وقوة الناتو
الإقليمية أي أنه ليس معرضاً فنياً يدخله كل من يشاء "

حركت رأسها بسخط لتشرح بأنها تعلم عن كل ذلك واقتربت منها

بنصف دورة حول السرير وأجلستها عليه وجلست أمامها وبدأت

تحكي لها بشبه همس ما حدث وما تريد فعله بحماس تارة

وغضب واستياء تارة وحزن تارة أخرى وهي تستمع لها بمشاعر

متقلبة أيضاً بين الصدمة والدهشة والاستغراب حتى انتهت فقالت

بعدم استيعاب

" عمي شاهر قال ذلك فعلاً ! "

قالت من بين أسنانها المطبقة بغضب

" أجل وإن لم أفعل شيئاً فسأجن "

قالت التي لم يغادرها الاستغراب بعد

" وما الذي قالته ماريه وما قررت ؟ "

" لا أعلم ولم أسألها "

قالت تلك الكلمات بأسى وتابعت من فورها بحزن

" لم أستطع مواجهتها اليوم ولا النظر في عينيها ولم تغادر
هي الغرفة "

حدقت فيها وكأنها تراها لأول مرة في حياتها وهي التي تعرفها

وتعرف شخصيتها جيداً وهمست

" ولما ! "

قالت بغيظ وهي تمسك قميصها قرب ياقته وكأنها ستمزقه

عن جسدها

" أشعر بالخزي من تخاذلهم معها والسماح لذاك المتحجر بفعل
ما يريد وسأرى مصيري في عيناها ما أن أنظر لهما "

حدقت فيها بصمت لبرهة وقبل أن تتمتم ببرود

" لا تقارني رواح بتيم "

وكان ذاك ما أشعل فتيل غضبها فلوحت بيدها قائلة بغضب

" جميعهم متشابهون وإن شعر الرجل بأنه لا ظهر قوي يقف
خلفك سيعاملك معاملة بهيمة "

شدت شفتاها تطبقهما ونظرت ليديها في حجرها ولم تستطع قول

شيء ولا مجادلتها وهي تقارن نفسها بما قالت فها هما والداها

أيضاً يسيران على الطريق ذاته .. وشعرت بالألم في قلبها من

فكرة أن تواجه الظلم من ذاك الرجل مستقبلاً ولا أحد يقف في

وجهه ويساندها ضده ، رفعت عيناها التي سيطر عليها الألم

وقالت بأسى حزين تنظر لعينيها

" أتعلمين أين يكمن الخطأ ؟ "

وخفت صوتها المتأسي وهي تتابع

" في أن تقبل عائلتك بتزويجك لمن لا يناسبك اجتماعياً "


قالت بضيق

" نحن لم نجبر أحداً كنانة هما من تزوجانا رغم رفضنا لهما "

لكن ذلك لم يغير موقف التي قالت تواجهها بواقعها

" هل يمكنك إنكار أن عائلتك لا يناقشونه في أي أمر يريده
هو أو عائلته ؟ "

زمت شفتيها بقهر ولم تستطع نكران ذلك فكل ما يقوله زير

النساء ذاك لا يعارضانه فكيف إن تحدث والده أو جده ؟

واعترفت في قرارة نفسها بأنها محقة فإن كان الأمر معاكساً لكان

يهز ذنبه كالجرو ولا يجرء على قول شيء ، تنهدت بضيق تمد

شفتيها بعبوس ورغم ذلك قالت بكلمات سريعة جادة

" لكن ماريه تملك ثروة ضخمة وانظري ما يفعل بها كتلة
الغرور ذاك ؟ "

حركت رأسها بيأس منها وقالت

" رواح يحبك ساندي وهو لا يشبه تيم لتقارنيه به "

شخرت بسخرية قبل أن تتمتم

" يحبني !! "

وتابعت من فورها وبضيق تحرك يدها بعشوائية

" ابن عمتك ذاك يحب جميع شقروات الكرة الأرضية وهو على
استعداد لشراء ماكوك فضائي إن علم بأنه ثمة أخريات فوق
المريخ "




حركت رأسها بيأس مجدداً بينما تابعت التي لم ينتهي ما لديها بعد

" كل من تجري في عروقهم دماء الهازان خونة ومتعالين ، عليك
أن تحمدي الله أن زوجك من صنوان ووالدته من الحالك "

حدقت فيها باستياء وقالت

" وأنا من الهازان ووالدي وشقيقي أيضاً "

رمت يدها نحوها ببرود قائلة

" أنتِ امرأة وشقيقك لم نرى أفعاله بالنساء ... "

وتابعت تمسك ضحكتها وقد تغير مزاجها فجأة

" أما والدك فيبدو أن دمائه تطهرت من كثرة الغسل
بالماء والصابون "

ولم تستطع منع نفسها من الضحك رغم قولها معتذرة بسبب التي

أمسكت خصرها تنظر لها بضيق

" قسماً بأنه يستحق وساماً يا كنانة "

قالت تنظر لها باستياء ما أن أنهت ضحكها

" هذا لأنه يحبها وجميعنا كذلك فهي تعاني مرضاً يحتاج لمراعاتنا لا أن نكرهها أو نسخر منها "

تنهدت بضيق وقالت

" لم أقصد إهانتها لكنك تعلمين جيداً بأنها لا تحبني وما الذي
كانت تقوله عني "


قالت بعدم اقتناع

" كان ذاك في طفولتنا لكنها الآن لم تمانع يوماً صداقتي بك
ولا خروجنا معاً "

أمسكت خصرها بيدها وقالت تنظر لها بنصف عين

" هل طلبت منك يوماً دعوتي لمنزلكم بالرغم من أنني صديقتك المقربة ؟ اعترفي بالصدق كنانة "

تأففت وقالت ساخطة

" أنتِ هنا لتحللي شخصيتها ساندي ؟ "

تذكرت فجأة ما لم تنساه أساساً ووقفت وقالت

" بل لأذهب فوراً لنورثود فلا يمكنني انتظار يوم آخر والدماء
تغلي في عروقي هكذا "


رفعت نظرها معها وقالت بتردد

" هذا جنون ساندي أنا لا يمكنني الدخول إلى هناك "

شدت شفتيها بضيق وقالت تشير لجسدها بسبابتها

" إنزعي ثيابك لألبسها أنا إذاً وتولي أنتِ مهمة إشغال الحراس "

حدقت فيها بذهول وقالت

" وهذه اسوأ من سابقتها .. ثم البطاقة في السترة تحمل
صورتي فمن أين لك بالشعر الأسود ؟ "

قالت من فورها وبحزم

" لهذا أنتِ من عليها الدخول فأنا ابن عمك ذاك يعرفني
أما أنتِ لا "


قالت بتشكيك

" ومن أين تأكد لك بأنه لن يتعرف علي ؟ "

تنهدت بضيق وقالت

" هل لك أن تخبريني ما هي آخر مرة رآك فيها ؟ "

كورت شفتيها وقالت ببرود

" قولي ما هي الأولى لتكون هناك أخيرة فأنا لم ألتقي به منذ
رأيته ووالدي يحدثه قبل أربعة أعوام ولم يكن هو يراني حينها "

قالت مبتسمة

" ممتاز فهو لا يعرف من تكونين وإن رآك سابقاً "

نظرت لها بتفكير للحظة قبل أن تقف مقابلة لها وقالت

" أنا لست مقتنعة وعليك إيجاد طريقة أخرى لفعل ما تريدين "

عبست ملامحها وقالت

" لم أتوقع البتة أن تتخاذلي في مساعدة ماريه يا كنانة "

وتابعت من فورها بضيق

" اليوم هي والدور غداً على إحدانا "

تنهدت بحزن وقالت

" أنا لا أرفض مساعدتها بل وأريد ذلك لكن لا يمكنني منع نفسي
من التفكير في عواقب الأمر إن حدثت مشكلة ما هناك "

قالت من فورها تشجعها

" لن يحدث شيء فلا أحد يعرفك في ذاك المكان "


نظرت لها بضياع فأمسكت بيدها وسحبتها معها وقالت وهي تتجه

بها ناحية باب الغرفة

" ماريه تستحق كل هذا ولنثبت لأنفسنا قبل الجميع أننا قادرات
على الوقوف وحدنا "

*
*
*



وضعت آخر كتاب في حقيبتها وأغلقتها ثم لبستها حول جسدها

وأصبحت بهذا مستعدة لأول يوم دراسي هنا بل وفي حياتها كاملة

تقريباً فهي لم تذهب لمدرسة بشكل نظامي يوماً وكانت

الامتحانات فقط تخضع لها في مدارس تتغير كل عام وممنوع

عنها الإحتكاك بأي أحد ويتم امتحانها في مكان مستقل عن باقي

الطلبة كما ممنوع عنها الخروج إلا للضرورة ومرات قليلة جداً

تلك التي خرجت فيها للتنزه وكانت لأماكن ليست عامة ولا يوجد

فيها الكثير من البشر حتى اعتادت أن لا يكون هذا الترفيه نظاماً

في حياتها يفتقده عقلها ولا قلبها .

وقفت أمام المرآة تتأكد من حجابها وكانت ترتدي الزي الخاص

بمدرستها وكان عبارة عن سترة طويلة تصل لركبتيها وبنطلون

بذات اللون الرصاصي وذات القماش أيضاً وكان لها مجموعة

ازرار متقابلة في صفين تبدأ من الصدر نزولاً لخصرها وشريط

وردي اللون متصل بينها ينتهي بعقدة جميلة عند نهايتهم في

الأعلى وكانت السترة بحمالات عريضة ولا أكمام لها بينما تحتها

القميص المخصص أيضا وباللون الزهري وأكمام طويلة تنتهي

بثلاث ازرار تحمل لون الزي المدرسي وحجاب زهري

أيضاً أظهر جمال بشرتها ولون وجنتيها لتبرز العينان الواسعة

والمقلتان الزرقاء تحيطها رموش كثيفة كفراشة تطير فوق

زهرة برية جميلة .

فردت ذراعيها ونظرت لجسدها وكأنها تتأكد من أن الصورة هناك

مطابقة للواقع ولم يعجبها أن كان مبرزاً لتفاصيل جسدها هكذا ،

نظرت للمرآة مجدداً وتمتمت بعبوس

" يبدو أن هناك من اخطأ في تقدير قياسي قبل إرساله "

تنهدت بقلة حيلة وتوجهت لباب الغرفة وغادرتها فلا يمكنها

تغييره الآن ولا قوانين المدرسة تسمح بارتداء غيره وستتحدث

معهم عن الأمر اليوم ، ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها

ما أن وصلت بهو المنزل وقابلها صقر فارداً ذراعيه لها وقال

بابتسامة مرحة

" ما كل هذا الحسن ؟ "

لوحت بيدها نحوه قائلة وهي تسير يساراً وبعيداً عنه

" كله ثوب مدرسي .. يا لكم من منافقين أنتم الرجال "

وتابعت سيرها يرافقها صوت ضحكته وتعلم بأنه هنا لإيصالها

فبالتأكيد لن يرضى والدها بأن يصحبها أحد الحرس كما كان

ولايزال ، وصلت باب غرفة جدها وطرقت عليه قبل أن تفتحه فلا

يمكنها الذهاب دون رؤيته وإن كانت لن تتغيب سوى لساعات

قليلة وتمنت أن رأت والدها أيضاً لكنه يخرج من قبل أن
تشرق الشمس .

ابتسمت بحزن وهي تنظر لقفاه منشغل في فك المذياع القديم

هوايته المحببة التي طالما حكا لها عنها وأنها كانت ونيس

وحدته هناك قبل أن يسافر والدها وتتحول حياتهم لجنود يعملون

في الخفاء ، ما أن شعر بها ورفع رأسه والتفت ناحيتها ركضت

نحوه وحضنته من ظهره يلتف ساعداها حول عنقه وقبّلت خده
وقالت بحب

" صباح الخير "

قبّلت شفتاه إحدى يديها الملتفتان حوله وقال بهدوء

" صباح النور "

وتابع وقد عاد لما يفعل رغم أنها لم تبتعد عنه

" كيف الاستعداد لأول يوم دراسي ؟ "

ابتعدت عنه حينها قائلة

" جيد جداً "

وكورت شفتيها من ورائه فقد قالت ذلك كاذبة فهي لم تشعر بكل

تلك المشاعر التي كانت تتوقعها ولا بالتوتر الطبيعي الذي يرافق

ذهابها وللمرة الأولى لمكان لم تزره يوماً فلم يكن لديها ولا

صداقات ولم تختلط بالطلبة سابقاً ولا بفتيات في مثل عمرها .. لا

تعلم بسبب مربيتها تلك والتي غرست فيها أموراً كثيرة وكانت

نافذتها للعالم الذي لم تكن تختلط به أم لأن مشاعرها تبلدت

تماماً !

" لا أريد لمعدلك أن يكون ذات النسبة "

ابتسمت لعبارته التي قطعت أفكارها ولازال منشغلاً بما يفعل

وقالت تنظر لقفاه

" لا بالطبع فليس أقل من الإمتياز "

استدار نحوها مجدداً والتفت ذراعه حول ظهر الكرسي وقال

بشبه ابتسامة

" سيكون الأمر مختلفاً عن نظام دراستك السابق لكن وجود
الكاسر معك سيساعدك كثيراً "


ابتسمت وحركت كتفها ناحيته تنظر له من فوقه وغمزت له قائلة

" أنا ابنة الشاهين أم نسيت ؟ "

ضحك وعاد للأجزاء الصغيرة المتناثرة على الطاولة أمامه وقال

" لا لم أنسى بالتأكيد وقد يكون وجودك هو المفيد له "

ضحكت وقبّلت خده مجدداً وودعته مغادرة الغرفة وماتت تلك

الابتسامة ما أن أصبحت وحيدة تسير في الرواق القصير فهي

تعلم بأنها تُجبر نفسها على ذلك كما توقن بأن الجميع يشبهها في

هذا يحاولون فقط تخفيف ألم بعضهم بإظهار مشاعر مخالفة

لدواخلهم ، لذلك عليها أن تفكر فقط بأنهما بخير وأحياء أما أحلام

طفولتها تلك فقد تنازلت عنها وأعلنت هزيمتها في حربها مع

الواقع المرير وبات عليها التخلي عن تلك الأحلام الطفولية فلن

تغير أقدار الله حسب رغباتها وهذا هو قدرها الذي اختاره لها

وعليها القبول به .

وصلت حيث صقر واقف ينتظرها وينظر لساعته قبل ينظر لها

وقال مبتسماً يشير بيده ناحية الباب

" ليس لأنه مسموح لك اليوم بالوصول متأخرة تضيعي
الوقت في التنزه هنا "

مدت شفتيها بعبوس فضحك وحضن كتفيها بذراعه وقال وهو

يسير بها نحو باب المنزل المفتوح

" هيا يا مدللة العائلة فكلها ساعات قليلة وتكونين معه "

وما أن تجاوزا باب المنزل وأصبحا في الخارج قال صقر بضحكة

وهو يشير بيده للسيارة السوداء المتقدمة نحوهم

" ها هو سبب دلالك الآخر وصل "

ضربته بمرفقها محرجة وضحك هو وقال بصوت مرتفع للذي فتح

باب سيارته في الأسفل ونزل منها

" لو أنك أخبرتني عن نواياك الخبيثة ما كنت لأتعب نفسي "

فعاد المرفق الانثوي لوكزه مجدداً مما جعله يضحك مرة أخرى

بينما علقت نظراتها هي بالذي نظر لها فور نزوله وقد سند

ساعده بباب السيارة المفتوح وماتت ابتسامتها وهي تراه ينزل

بنظره لجسدها قبل أن تظهر علامات عدم الرضا على ملامحه في

لمحة صغيرة ما كانت لتنتبه لها لولا تركيزها عليه وقد تغيرت

للجمود فجأة وهو يرفع نظره للذي قال له يرمقه ببرود

" ولو أنك أنت أخبرتني ما أتيت "

نظر لها صقر حينها مبعداً ذراعه عن كتفيها ففغرت فاها بذهول

قبل أن تقول محتجة

" لا لن تترك الخيار لي بالتأكيد "

فضحك ورفع يده معلناً هزيمته قائلاً للواقف في الأسفل لازال

يسند ساعده بباب سيارته

" سألحق اجتماع الوزارة إذاً "

قال ذاك من فوره

" انتظرني هنا سنغادر معاً "

ولم يجد صقر وقتاً ليعلق بسبب صوت الدراجة النارية الذي ارتفع

بتدريج سريع وهي تقترب منهم وظهرت من بين الشجيرات على

الممر الحجري العريض بلونيها الأحمر والأسود تلمع تحت ضوء

الشمس وكأنها خرجت من مكان شرائها للتو حتى توقفت أسفل

السلالم أيضاً ونزع الجالس فوقها خوذته المشابهة لها في اللون

ونقل نظره بينهم قائلاً بابتسامة

" ما سر هذا الاجتماع هنا ؟ "

وغمز للتي ابتسمت له بحب خالطه الكثير من الاشتياق فشعورها

بارتباطها الروحي به لا يمكنها تفسيره ولا التعبير عنه ، ضحك

حينها صقر وقال وهو ينزل العتبات القليلة العريضة واتجاهه

للسيارة التي لازال يقف صاحبها خارجها

" يبدو أننا سنغادر الآن "

وتجنب نظرات قاسم الباردة التي تبعته وهو يدور حول سيارته

ويركبها ونظر بعدها ناحية الكاسر وقال بهدوء وملامح خالية
من أي تعبير

" لن أوصيك بالطبع "


فأشار له بإبهامه مبتسماً بينما جلس هو في كرسيه مغلقاً الباب

على صوت صقر الذي قال بضحكة

" الخاسران عليهما المغادرة معاً "

نظر له وقال ببرود

" أنا أقرب لها منك وهو أقرب لها مني "

ابتسم وهمس يرمقه بنظرة ماكرة

" قرابة الدم تقصد أم أمر آخر فهمته ! "

تجاهله وهو يستدير بسيارته بينما نظره على المرآة الجانبية

والنازلة عتبات السلم بخطوتين اختصرت فيها عتباته المرتفعة

حتى اختفت عنه لابتعادهم بينما وقفت هي عند دراجة الكاسر

قائلة بحماس

" سنغادر بها !؟ "

قال من فوره مبتسماً

" بالطبع ولن تتخيلي حجم المتعة "

ابتسمت بحماس قبل أن تختفي ابتسامتها وقالت

" وماذا عن الحرس ؟ "

أشار برأسه للمكان الذي جاء منه وقال مبتسماً

" سترافقنا سيارة تنتظرها واحدة مشابهة لها في الخارج جاءت
معي فكل ما عليك هو نسيانهم "


وتابع وهو ينزع خوذة اخرى ويمدها لها

" وهذه ستخفي ملامحك نهائياً "

أخذتها منه ولبستها وضحكت قائلة وهي تعدلها فوق رأسها

" إنها أخف مما تخيلت "

ضحك وقال

" لأنه علينا أن لا نحكم على ظاهر الأمور .. هيا اجلسي خلفي "

فعلت ما طلب منها على الفور وقال وصوت المحرك يعلو في

صمت المكان ما أن أعاد تشغيله

" تمسكي بي جيداً "


فأحاطت ذراعاها خصره وتحرك به من فوره وقال بضحكة

وصوت مرتفع لتسمعه وهو يشق بهما أحواض الحديقة المنسقة

" لو كانت والدتك هنا لقطعت رأسينا "

ابتسمت بحزن وملأت دموع رقيقة عينيها وعاد شعورها

بالاحتياج لها في هذا اليوم تحديداً ليكون آخر صوت سمعته

البارحة ونامت عليه هو صوتها وكلماتها المشجعة لها وأن تكون

أول شخص رأته اليوم وآخر شخص أيضاً وهي تودعها ، هي لم

تعد طفلة بالتأكيد لكن ثمة أمور كان يجب أن تجتازها وهي طفلة

بينما تعيشها الآن .


ازاحت كل تلك الأفكار عن رأسها بعدما همست بخفوت حزين

" أحبك امي "

واكتفت بها كرباط بينهما وإن كان من طرفها فقط رغم يقينها من

مشاعر تلك الأم ناحيتها وشهقت بضحكة ما أن قفزت بهما

الدراجة عند عتبة الباب النصف دائرية ووصلها صوت الكاسر

قائلاً بضحكة وهو يستدير بها نحو الطريق

" لم تري شيئاً من الحماس بعد "

وكان الأمر كما قال تماماً اجتياز السيارات بحركة سريعة وتخطي

مطبات الطرق دون تخفيف السرعة أمر حماسي وجنوني أيضاً
وفهمت لما ترفض والدتها أن يقوده ولما هو متأكد من أنها لن

تسمح لهما إن كانت موجودة في أحد المنزلين بسبب تهوره
في السرعة .

دخل بها بوابة المدرسة المفتوحة ما أن وصلاها وأوقفها داخلها

بحركة دائرية فنزلت حينها وأزالت الخوذة قائلة وهي ترميها له

" أنا التي لن أركب معك مجدداً "

ضحك وقال وهو ينزل أيضاً

" لم أعرفك جبانة هكذا ! "

قالت بضيق تعدل وضع حزام حقيبتها فوق كتفها

" لا لم أخف لكن الحرس سيخبروا والدي عن قيادتك

المجنونة بالتأكيد "
كان فناء المدرسة خالٍ تماماً فجميع الطلاب أصبحوا في فصولهم

منذ نصف ساعة تقريباً ، نظرت للمبنى القابع أمامها بطوابقه

الثلاث وشكله النصف دائري تتخلله أعمدة حجرية قد قسمت

عتباته لثلاث أقسام متجاورة وكان كما رأته في الانترنت البارحة

تماماً .

أبعدت نظرها عنه للذي تحرك نحوها وسارت باتجاه باب المدرسة

الداخلي وهو بجانبها وقال ببرود وهما يصعدان عتباته العالية

" كان عليهم استقبالنا عند الباب الخارجي عديمي الذوق "

لم تستطع إمساك ضحكتها وقالت

" هل ستدفع لهم مالاً أكثر من غيرك مثلاً ؟ "


نظر ناحيتها وهما يسيران نحو الداخل وقال بتعالي متعمد

" يكفيهم شرف أن يدرس حفيد شراع صنوان وابنة مطر شاهين
لديهم ... إنها شهادة شرف لمدرستهم ستجلب لهم طلبة أخرون "

ضحكت مجدداً وقالت

" واثق تماماً ! "

تمتم ببرود يسير معها في الاتجاه الذي سلكته

" ستري بعينيك "

وتوقف فجأة ونظر حوله وقال ما أن نظر لها وقد وقفت تنتظره

" هيه إلى أين تأخذيننا ؟ "


قالت تمسك ضحكتها بينما أشارت بيدها يساراً

" الإدارة من هنا "

حدق فيها ببلاهة قبل أن يقول بتملق

" وفي أي حلم رأيتها ! "

قربت وجهها منه وحركت رأسها قائلة

" في الانترنت يا ذكي "

اتسعت عينها قبل أن يتمتم ببرود

" يا لك من خبيثة "

أمسكت بذراعه وسحبته معها وسارا معاً قائلة

" وتريدنا أن نقف ننتظر من نسأله عنها أم نبحث في كل
هذه الممرات المتشعبة ؟ "

وصلا حينها لباب عُلقت بجانبه على الجدار لافتة مستطيلة الشكل

ذهبية اللون وصغيرة كُتب عليها بخط أسود أنيق ( الإدارة )

فتركت ذراعه وهمست مبتسمة وهي تجتازه

" أرأيت ؟ "

فلحق بها من فوره متمتماً ببرود

" هذا يومك الأول في المدارس أم أنا ! "

ودخلا لغرفة واسعة أرضيتها مغطاة ببساط أحمر اللون وعند

النافذة الكبيرة كان يوجد مكتب أسود كبير وخزانتان ضخمتان قد

غطتا الجدران الجانبيان إحداها زجاجية معتمة تماماً والأخرى

مليئة بكؤوس وجوائز وشهادات شرف وكان يجلس خلف طاولة

المكتب رجل فيما يقارب الستين من العمر أمامه تجلس امرأة

تجاوزت الأربعين عاماً وهما مدير المدرسة وزوجته ونائبته

واللذان وقفا معاً ما أن دخلا ملقيان التحية عليهما وقال الواقف

خلف مكتبه مبتسماً وإن كانت شخصيته لا تدل على تلك البشاشة

" تشرفت مدرستنا بأن تكونا من ضمن طلبتها "

ابتسما له بإحراج ووكزها مرفق الكاسر وهمس لها بخفوت

" أما كان على والدك أو عمه أو أحد أعمامي أن يكونا معنا
بدلاً من هذا الإحراج لنا ولهما ؟ "


وكزته هي بمرفقها هذه المرة ليصمت فارتفع حاجباه وهو ينظر

لها ما أن قالت مبتسمة

" نعتدر على قدومنا وحيدين فوالدي وعمي صقر في اجتماع مهم
وخالي رعد لا يمكنه التغيب عن جلسة البرلمان اليوم "

قالت الواقفة أمام مكتب زوجها مبتسمة

" لا يحتاج الأمر أن يتعبوا أنفسهم فقد وصل إخطار من وزارة
التعليم بتواجدكما هنا اليوم "

وتحركت من مكانها واجتازتهما قائلة

" تفضلا معي لأوصلكما لفصليكما "

وغادرت باب الإدارة وهما خلفها على بعد خطوات وهمس الكاسر

للسائرة بجانبه ببرود يقرب رأسه منها

" ليس ثمة شيء لا تفلحن فيه إلا حمل السلاح "

امسكت ضحكتها ورمقته بطرف عينيها وهمست بمكر

" لأننا لا نحتاجه لقتلكم "

نظر لها بصدمة وقال بعينين متسعة

" يا ويلي "

أمسكت ضحكتها بيدها بينما رفع هو رأسه عالياً كما كفيه هامساً

" حمداً لله ... اللهم أجرنا "

وصلت بهم بعد السير في رواق طويل بأبواب مغلقة لباب كُتب

على لوحته الذهبية ( أول ج ) ودخلت مع الكاسر بينما انتظرت

تيما في الخارج لأنه أحد الفصول المخصصة للذكور ، ولأن أمر

فصل المدارس بين الذكور والإنات كلٌ لوحده صدر مقربة بداية

العام الدراسي كان من الصعب تنفيذه هذا العام وتم تأجيله للعام

القادم لحصر عدد الطلاب في كافة مدن البلاد وعدد المدارس

والأساتذة والمعلمات كي لا يكون هناك أي خلل واكتفوا هذا العام

بفصلهم في الفصول الدراسية فقط ليدرس الإناث معاً والذكور معاً

بينما كان لهم فناء مشترك كما ساحات الرياضة والأماكن

الترفيهية .

وقفت تنظر من أحد النوافذ الكثيرة الممتدة على طول الممر

مقابلة لأبواب الفصول الموصده وكان مطلاً على ساحة رياضية

واسعة مضاءة بشكل ممتاز وانبهرت من وجودها هنا وكانت

بيضاوية الشكل وواسعة وعلمت حينها بأن مبنى المدرسة لم يكن

نصف دائري كما توقعت بل بيضاوي الشكل ومؤكد في كل طابق

تحتل هذه المساحة في المنتصف مكاناً مميزاً كهذا بينما النوافذ

محمية تماماً لتكتم أي أصوات تصدر من هناك وعلمت حينها لما

تأخذ كل تلك الشهرة في عاصمة البلاد .

التفتت للتي خرجت مغلقة الباب خلفها وقالت مبتسمة

" تأخرت ؟ "

حركت رأسها بالنفي هامسة

" لا أبداً "

وسارت خلفها وقد عادت بها من حيث جاءوا وسارت بها في

الاتجاه الآخر للطابق فعلمت بأن تلك الفصول ستكون جميعها

للذكور ، كانت عيناها تراقب اللوحات المعلقة في الأروقة التي

يمرون بها حيث كان نصف جدرانها السفلي مغطى بطبقة من

الخشب اللامع المضلع والنصف العلوي زينته لوحات بعضها

لنشاطات طلابية وأخرى لصور مباريات وتسلم جوائز وكل شيء

كان نظيفاً مرتباً حتى أكاليل الأزهار الاصطناعية المنتشرة في

الزوايا لا توجد بها ولا لمحة غبار ولا واحدة منها تحركت
من مكانها .


وصلا لممر مشابه للذي كانا فيه وكأنه نسخة عنه سوى في أن

مكان الأبواب والنوافذ معاكس له لتصبح نوافذ الجانبين متقابلة

ووقفت حيث توقفت مرافقتها أمام أحد الأبواب وطرقته بمفصلها

قبل أن تفتحه وتدخل وتبعتها هي بعد نظرة منها لها للخلف

مبتسمة ووجدت نفسها داخل غرفة لا تختلف عن تلك الممرات

التي سلكتها خلفها غير أنها احتوت على مقاعد خشبية جديدة

وفتيات بذات زيها وقفن على الفور جميعهن كما المعلمة التي

غادرت مكتبها الصغير عند الزاوية واقفة باحترام لنائبة المدير ،

كانت المقاعد عبارة عن ثلاث صفوف كل صف به ثلاث مقاعد

وكل مقعد تجلس عليه طالبتان عدا مقعد واحد كانت تجلس عليه

طالبة واحدة علمت بأنه مكانها الشاغر ، نقلت نظرها سريعاً على

أجساد الفتيات الواقفات وعلمت حينها بأنهم لم يخطئوا في تحديد

قياسها بل أرسلوه حسب تقديرهم لرغبات الطالبات

أو لم تفهم لما !

لفت نظرها واحدة كانت ترتدي حجاباً مختلفاً كان كبيراً يغطي

كامل صدرها من الأمام ويصل طرفاه لخصرها كما يغطي كتفيها

وذراعيها ولا يظهر منه سوى وجهها الدائري وملامحها التي

شعرت بارتياح غريب لها سريعاً ! كما أن سترة زيها لم تكن

تظهر تفاصيل خصرها .

نظرت للواقفة بجانبها والتي قالت تنظر للطالبات أمامهم بينما

أشارت يدها لها

" أعرفكم بزميلتكم هنا ابنة الزعيم مطر شاهين واسمها تيما "

ابتسمت لها أولاً ولاحظت أنها تجنبت قول اسمها كاملاً و يبد

احتراماً لاسم والدها وابتسمت أكثر وهي تنظر لهن وما أن

قالت إحداهن مبتسمة

" مرحباً بك بيننا ابنة زعيمنا "

حتى توالت عبارات الترحيب بعدها بكل أدب ودون فوضى كل

واحدة تنتظر السابقة لها أن تصمت وغادرت حينها مرافقتها التي

جلبتها إلى هنا معتذرة لتواصل المعلمة حصتها والتي نظرت لها

وقالت تشير بيدها ناحيتهن

" يمكنك اختيار مكان لك "

فنظرت ناحية المقعد الشاغر وكانت لتجلس فيه بكل تواضع دون

أن تغير شيئاً هنا بمزاجها ولا تجرح زميلتها وشريكتها فيه لكنها

تبعت اختيار قلبها ونظرت ناحية الفتاة صاحبة الحجاب المحتشم

والزي الواسع وقالت

" أنا أفضل المقاعد بقرب النافذة كما أكره أن اجلس في أول
الصف كي لا أُضايق من تكون خلفي وتستحي من قول ذلك "


وكانت بذلك قد اختارت مقعد تلك الفتاة دون أن تُحرج نفسها ولا

تجرح أحداً ، فابتسمت تلك برحابة ولأنها لم تكن تجلس في جانب

المقعد المحاذي للنافدة علمت بأن المعلمة ستنقل الجالسة بجانبها

وذاك ما حدث فعلاً حين قالت

" رجاء انتقلي هناك فضلاً "

فابتسمت التي قالت وهي ترفع كتابها

" إسمي نجلاء "

فضحكن الطالبات ضحكات مكتومة بينما ضحكت المعلمة قائلة

وهي تنظر لها وقد أخذت حقيبتها مغادرة المقعد

" سأحتاج لبعض الوقت لحفظ أسمائكن بالتأكيد "


تحركت حينها تيما من مكانها حتى وصلت للمقعد الذي اختارته

وجلست واضعة حقيبتها أمامها ونظرت للجالسة بجانبها

وقالت مبتسمة

" اعتذر إن أبعدت صديقتك "

ابتسمت صاحبة الملامح البريئة الجميلة وقالت

" لا أبداً فهنا لا أحد يعرف الآخر لأننا في السنة الأولى واليوم
الأول وكل واحدة ممن تريهن هنا جاءت من مدرسة مختلفة "

اومأت برأسها مبتسمة وهمست لها

" حقيقة الأمر أردت فقط الجلوس بجانبك "


شع وجهها بابتسامة حقيقية وأكثر عمقاً وهمست أيضاً

" أنا سعيدة حقاً بذلك ولن أتصور كيف سيكون شعور والدي
حين أخبره "

حدقت فيها باستغراب فتابعت مبتسمة

" كان متخوفاً جداً من هذه المرحلة الدراسية والمدارس
المختلطة بعد المرحلة الإعدادية ووالدتي هي من اختارت هذه
المدرسة وأصرت عليها "

همست باستغراب

" ولما التخوف ! "

وتبعت نظراتها التي أبعدت نظرها عنها ليديها على طاولة المقعد

قبل أن تنظر لها مجدداً وقالت

" والدي رجل متدين كثيراً كان يريد أن أدرس هذا العام في
المنزل حتى يتم تطبيق القانون الجديد بفصل الطلبة الذكور عن
الإناث في المدارس الثانوية "

ابتسمت لها بحب شعرت بأنه استوطن قلبها ناحيتها مما جعلها

تبتسم أيضاً وقالت

" ليس لك أن تتصوري سعادته بقرار الزعيم مطر وعودته وقد
قال حينها بسعادة : ها قد جاء من سيفرض شرع الله على
الجميع "

وتابعت مبتسمة بسعادة

" لقد كسر قاعدة أن الدستور الذي يحدده الشعب هو ما
يحكم البلاد "


ابتسمت لها بحب وشعرت بحسن اختيارها لها وبالفخر الكبير

لأنها ابنة ذاك الرجل وإن كان ثمة الكثير يعارضون التقيد بمبادئ

شريعتهم لتحكمهم لكن ثمة من هم أكثر منهم بكثير ينتظرون فقط

من يحقق لهم هذا كوالد هذه الفتاة ، كما تَفهم معنى وسبب

تخوفه فالمدارس الابتدائية كما الإعدادية لا اختلاط بها بالرغم من

أنه يفترض بأن يكون العكس إن مثلاً سُمح بذلك !

ولهذا يبد اختارت والدتها هذه المدرسة الأكثر انضباطاً كما

الأعلى تكاليفاً في البلاد .

نظرتا كليهما للمعلمة التي قالت مبتسمة تنظر لهما

" يكفيكما هذا التهامس كتعارف وعلينا أن نرجع لدرسنا "


فضحكتا بصمت كل واحدة تنظر للأخرى قبل أن تنظرا لها وما أن

كانت ستتحدث حتى علا صوت رنين جرس مصدره مكبر صوت

صغير معلق في أحد زوايا الفصل معلناً انتهاء تلك الحصة

فتوجهت لطاولتها قائلة بضحكة

" سنضطر لإعادة ذات الدرس في الحصة القادمة "

وقالت وهي ترفع كتابها وحقيبتها

" أريدكم أن تطّلعوا عليه في المنزل وسأكمل باقي الشرح
حصتنا القادمة "

وغادرت مغلقة الباب خلفها وكان لدى الطالبات حينها خمس

دقائق قبل دخول المعلمة الأخرى فوقفت واحدة تمسح اللوح

المليء بالأرقام وانشغل البقية بتغيير كتب الحصص والأحاديث

المتفرقة بأصوات منخفضة نوعاً ما بينما التفتت واحدة تجلس

عند اول مقعد في المنتصف ناحية تيما وقالت بابتسامة مشاكسة

تشبه شخصيتها الواضحة

" أنتِ حقاً ابنة الزعيم مطر أم مزحة هذه ! "

واتبعت عبارتها بضحكة تنظر للتي ابتسمت لها وتابعت بضحكة

" لأخبر عائلتي بهذا عند عودتي فلن يصدقوني أبداً "

اختلطت ضحكاتهن وقالت الجالسة في المقعد الخلفي لذات الصف

تنظر لها أيضاً

" لم أكن أتوقع أبداً أن تكوني هكذا ! "

نظرت لها باستغراب وقالت

" ماذا كنتِ تتوقعين ! "

غادرت مقعدها وقالت ضاحكة وهي تسير بين صفي المقاعد

رافعة انفها للأعلى

" توقعتك هكذا "

فعدن للضحك جميعهن وهي معهن وقالت

" ولما وجميعنا بشر ؟ لم يربني والدي على هذا "

وتابعت مبتسمة تنقل نظرها بينهن

" ثم كل واحدة منكن والدها مسؤول كبير وذو نفوذ بالتأكيد "

قالت الفتاة البشوش التي بدأت الحديث مبتسمة

" ليس الجميع فأنا عمي من تكفل بتكاليف دراستي هنا مع
ابنته وهي تسبقني بعام "

قالت الجالسة بجانبها

" أنا والدي عضو في البرلمان وهو يعرف خالك رعد جيداً "

ابتسمت مومئة لها برأسها وقالت

" سعيدة حقاً بمعرفتك "

قالت أخرى

" حدثتني ابنة عمي عن طالبة في صفهم ابنة وزير التربية "


وتجعدت ملامحها متابعة

" قالت بأنها مغرورة ولا تتحدث معهن وتشعرك بالمرض "

ضحكن على حديثها وقالت إحداهن تنظر لتيما

" قد تخجل من نفسها حين تراك "

وقالت الجالسة بجوار تلك

" أنتِ جميلة للغاية سمعت أن والدتك فاتنة كثيراً "

وضحكت وهي تتابع

" ستكونين حديث طلبة السنوات المتقدمة "

وضحكن جميعهن عداها وهي تبتسم بخجل وعلمت مدى الصواب

في قرار والدها وصدق مخاوف والد الجالسة بجانبها .

قالت المدعوة نجلاء تنظر لها باستغراب

" عيناك زرقاء ! "

نظرت لها ولم تعرف كيف تصوغ جوابها فلا يمكنها قول الحقيقة

وبأن جدتها خماصية فحتى والدتها وجدتها منسوبتان لقبائل

غزير في صنوان والتي تأخذ سمات الحالك ، تنفست بارتياح حين

علا صوت الجرس مجدداً وجلست كل واحدة منهن معتدلة وما

هي إلا لحظات ودخلت المعلمة الأخرى لتبدأ حصتهم الجديدة .


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 21-07-21, 12:34 AM   #16454

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*

دخل وأوقف الخادمة التي كانت تسير أمامه ومد لها حقيبته

وبعض الملفات بينما ترك الكيس البلاستيكي في يده قائلاً

" خذيها لجناحي "

فسارت من فورها ناحية السلالم وهو خلفها ، وبينما توقفت هي

رحلتها عند أول طابق وصلته تابع هو طريقه حيث السلالم الآخر

والمستقل عن سابقه وتوجه ناحية الممر الخاص بجناحها من

فوره يحمل كيس الطعام الذي أحضره من أجلها وبصعوبة وجد

وقتاً ليترك مبنى النيابة وكان عليه المجيء فلن يتركها حتى

المساء دون أن يطمئن عليها على الأقل فعقله مع قضيتها وهو

هناك بينما قلبه هنا، وإن أصبح هنا ترك عقله يفكر هناك فعليه

الاعتماد عليه وعلى نفسه وإن رفضت مساعدته فسيفعلها وإن

لزم الأمر أن يعود لموطنهم هناك ويبحث عن رؤوس الخيوط

والعقدة الأساسية في مكانها الأصلي .

أدخل رمز الباب ودخل ما أن فُتح أمامه ووقف ينظر لها حيث

خانت توقعاته وكانت تجلس على الأريكة تولي ظهرها للنافذة

الزجاجية المحمية والتي أبعدت ستائرها لتعطي لجلوسها نوراً

قوياً يلائم ما تفعله ومنشغلة به تماماً وهي تمسك دفترها وترسم

وقد أشعت خصلات شعرها التي دمجت لون الذهب بلون العسل

بريقاً جميلاً وإن كانت تجمعه للأعلى بمشبك كبير بينما كانت

عيناها يشوبها بعض الإرهاق الواضح وإن لم تنظر ناحيته إلا أن

بشرتها بدت أفضل حالاً ويبدو ساعدتها الحبوب على الاسترخاء

ونامت جيداً فحينما غادر في الصباح الباكر كانت نائمة ولم

تستيقظ بعد تلك المرة لأنه ترك الباب بينهما مفتوحاً طوال الليل

ولم ينم سوى لساعتين تقريباً بعد صلاة الفجر .

وضع الكيس من يده على الطاولة بينما نظره لم يفارقها كما لم

يستطع التحكم في الابتسامة التي ارتسمت على ملامحه قبل

شفتيه فهذا أيضاً لم يتوقعه فما يعلمه عن الفنانين وأصحاب هذه

الموهبة تحديداً لا يمكنهم الرسم في جميع أحوالهم مما يعني أنها

اجتازت ذاك اليوم بالفعل وعادت كما كانت ويعرفها بالرغم من أن

انصياعها السابق له وخوفها ولجوئها له تحديداً كان سيكون أمراً

ما كان ليتوقع الحصول عليه لكن ليس معها هي بالتأكيد فذاك كان

يعني بأنها ليست بخير البتة وبأن مرحلة فقدها قد بدأت

تدريجياً .

أخذته خطواته نحوها ووقف خلف كتفها ينظر لخطوط قلم

الرصاص ماذا صنعت بها من جمال واتسعت ابتسامته وهو يرى

الملامح المرسومة بوضوح لابتعاد يدها حينها وهمس

" هذه ماريه !! "

كان بإمكانه تمييزها سريعاً وإن كان الرسم غالباً يختلف قليلاً عن

الواقع لكن موهبتها الفريدة لم يرى مثيلاً لها فهي تصنع ظلالاً

بالخطوط وتعطي نتيجة مبهرة وكأنها رُسمت بأحد برامج الرسم

الحديث عبر أجهزة مخصصة لتكون الرسوم أقرب للواقع وليس

بقلم رصاص فقط !

لم يتوقع أبداً أن يسمع صوتها وهو يصله بهدوء غريب وكأنها

تحدث نفسها شاردة الذهن ونظرها لم يفارق الوجه المرسوم على

ورقة الدفتر بين يديها

" إنه الوجه الذي يعشق الفانون رسمه .. هكذا كان يقول
السيد ريليش "

نقل نظره لما يظهر له من ملامحها ولرموشها التي تظهر له

وعلم بأن ذاك سيكون من علّمها الرسم أو من صقل موهبتها

بخبرته الطويلة وعاد بنظره لذاك الوجه والابتسامة البريئة

وقال مبتسماً

" إنها فتاة لطيفة حقاً "

ونظر لها مجدداً وما أن همست بسخرية

" لم تشوهها أفعال البشر "

التصقت نظراته بما يظهر له من ملاحها وقال بشرود حزين

ارتسم على تقاطيع ملامحه الرجولية

" لا أوافقك الرأي فماريه عاشت طفولة تعيسة يتيمة الأبوين
مع عم قاسي "

وتنهد بعمق وقد نظر لرسمتها مجدداً متابعاً

" ثم تركها تيم ووالدته من قبله لتصبح وحيدة وعانت لأعوام من
نظرات الجميع لها كامرأة مشوهة وغير عفيفة وبالرغم من كل
ذلك لم تموت براءة قلبها التي انعكست على كل شيء فيها "

اغلقت دفترها بحركة واحدة واختفت تلك الملامح المرسومة

ببراعة وقالت ببرود

" أولئك لا يعنون لها شيئاً ولم تتأذى ممن أحبتهم ومن علّقت
آمالاً كبيرة عليهم حينها ستتلوث بسببهم وتصبح نسخة
أخرى عنهم "


تنقلت نظراته بين بشرة وجنتها ورموشها لشعرها اللامع الجميل

رجوعاً لعينيها التي لا تظهر له وقال بتأني

" وماذا عمّن تشوهت قلوبهم بسبب أفعال من لا يحبونهم ؟ "

وقفت واستدارت نحوه وكان يعلم بأنه أصاب حقيقة وضعها

حينها وما فهمته هي جيداً وأكدته كلماتها الباردة تنظر لعينيه

" ذلك لأنهم كانوا السبب في قتل من يحبون ، أفقدوهم كل
الأشياء الجميلة التي تربطهم بهم وللأبد وهذا ما لم
يحدث معها "

تنقلت نظراته بين زرقة عينيها الباهتة وقال ما لم يعد يمكنه

إمساكه أكثر من ذلك

" أنا لم أفعل كل ذلك يا زيزفون وتكرهينني ؟ "


" أنا لا أكرهك "

قالتها مباشرة وأبعدت نظرها عنه سريعاً وكأنها تهرب من كلمات

لسانها فشدّ قبضتاه بجانب جسده بقوة وقال

" ولا تحبينني .. فأين أكون مثلاً ! "

وانتظر بشغف أن تتحرك الشفاه الزهرية المطبقة أو حتى أن

تنظر له العينان المحدقة في الفراغ بعيداً عنه لعله يفهم ما يوجد

فيها لكن شيء من ذلك لم يحدث فأجبرته كلماته على الخروج

مجدداً وبنبرة عميقة

" موقن من أنك لا تملكين مناطق رمادية يا زيزفون ... "


وسحب نفساً عميقاً وكأنه يشجع نفسه على المضي وتقبل

الحقائق وتابع وهو يزفره

" إما أبيض أو أسود "

اشاحت بوجهها عنه هذه المرة واستدار جسدها نصف دورة

وكأنها تخفي شيء ما في تلك العينان الجميلة بينما تحركت

شفتاها اخيراً وهمست بجمود

" لن نعيد ما قلناه سابقاً يا وقاص "

شعر بقلبها تمزق لنصفين وتبدلت نظراته للحزن وأومأ

برأسه هامساً

" أنتِ امرأة لا تملك شيئاً تهبه لرجل "

نظرت لعينيه حينها نظرة طويلة لم يتوقعها كما لم يفهمها ؟

لم يستطع قراءتها ولا تفسيرها !

نظرة أنهكته تماماً انتهت بأن همست شفتاها بجمود

" ها أنت لم تنساه "

وتحركت مجتازة له ما أن أنهت كلماتها تلك وتركته واقفاً مكانه

كمنزل مهجور يقف شامخاً بينما تئن جدرانه شوقاً للدفء للحنان

للأضواء ولأصوات ضحكات من يفتقدهم ولا يجدهم ، وأغمض

عينيه ما أن سمع صوت باب الغرفة وهي تغلقه خلفه وتنفس

بعمق قبل أن يفتحهما ونظر ناحية الباب الموصد بحزن

وهمس بأسى

" وماذا لو كنت رجلاً يريدك بجميع حالاتك يا زيزفون ؟ "

حرك رأسه مستغفراً الله بهمس وتحركت خطواته أيضاً لكن

باتجاه الكيس الذي كان قد وضعه على الطاولة وأخرج قوالب

الطعام الموجودة داخله ووزعها فوقها لعل الرائحة الشهية

المنبعثة منها تجعلها تأكل ولو قليلاً فعليه الاستحمام والمغادرة

فوراً لأنه ثمة أمور كثيرة عليه الذهاب للندن للقيام بها .


*
*
*

وقفت بهما سيارة الأجرة عند بداية الشارع كي لا ينال سائقها

مخالفة لتوقفه قرب باب المبنى الذي يقصدانه وفتحت حينها

ساندرين الباب ونزلت وكنانة تبعتها قائلة بتذمر

" لا أفهم لما لم نأتي بسيارتك ؟ "

استدارت نحوها وقالت بضيق تشير بيدها جانباً

" لأني لن أجد مكاناً لأركنها فيه أم لا تري الشارع أمامك ؟ "

نظرت حيث الشارع الطويل خلفها ولا مكان لتقف فيه سيارة

بالفعل وعادت بنظرها لها ما أن قالت بضيق

" عليك أن تتوقفي عن التذمر يا كنانة أو عودي للمنزل وسأدخل
لذاك المكان وحدي وبأي طريقة كانت وإن سُجنت "

قالت باستياء مبررة

" ما كنت لأكون هنا لو أني أرفض هذا ومهما فعلتِ "

أمسكتها من يدها وسحبتها معها قائلة

" إذاً تحركي بسرعة وبدون حديث لا طائل منه لنعود سريعاً "

تبعتها منصاعة ولا خيار أمامها ، هي تريد المساعدة فعلاً لكنها

متخوفة ولا تستطيع إنكار ولا رفض هذا الشعور الذي لا سلطة

لها عليه وكان عليها الموافقة على مهمة الدخول لهذا المكان

لأنها لن تتمكن أبداً من إلهاء الحارسان كما ستفعل هي ولا تريد

فعلاً أن ترتدي بذلتها نيابة عنها كي لا يتم طردها من المطار إن

تسبب الأمر بمشكلة ما وأمسكوا بها رافضين وجودها في الداخل

وإن اجتازت الحراس .

ارتفع نظرها للبناء الشاهق الذي كانتا تمران أمام السياج

الحديدي المحيط به وذُهلت من ارتفاع طوابقه واتساعه حيث كان

بواجهة حجرية ورغم عبورها البوابة الحديدة خلف التي لازالت

تمسك بيدها وتقودها إلا أن نظرها لم يفارق ذاك الصرح الضخم

العالي حتى شدتها يميناً بخطوات سريعة وكادت تقع وهي تركض

خلفها في اتجاه لم تتوقعه ووقفت بها خلف أحد أشجار الزينة

المحيطة بالبناء وهمست ساندرين حينها تشير لها بسباتها للمكان

الذي يظهر لهما من بين الأوراق الخضراء

" ممتاز إنهما اثنان فقط .. هناك أرأيتهما ؟ "

حركت رأسها إيجاباً دون أن تعلق بشيء ونظرت لها ما أن قالت

تنظر لعينيها وبنبرة جادة

" سأنفذ الجزء الأول من الخطة وما أن ينشغلا تتسللين مسرعة
من هناك .. "

وتابعت تشير بسباتها

" تسيرين بمحاذاة الجدار من هنا وتصعدي العتبات من هذا
الاتجاه أيضاً وتدخلي اتفقنا ؟ "


نظرت لها ما أن أنهت حديثها وقد أومأت لها موافقة فقالت ببرود

تمسك خصرها بيديها

" عليك فعل ما قلت وفي الوقت المحدد فهمتِ يا كنانة أم تحركين
رأسك كالدجاجة فقط "

ضربتها على كتفها بالحقيبة في يدها هامسة بضيق

" فهمت يا أنثى الثعلب "

ولم تتوقع قط ضحكتها حينها وتحركت من هناك تغادر مخبأهما

قائلة بضحكة

" اتفقنا يا دجاجة "

فشدت شفتيها بضيق تراقبها وهي تقترب من هدفهما القريب

منهما وهي تصعد العتبات بكل ثقة وكأنها رئيس ذاك المكان !

أمسكت ضحكتها وهي تحارب تلك الأفكار وعليها أن تعترف بأنها

أشجع منها بكثير بل ولن تتخيل أن تراها جبانة يوماً وفي أي

موقف كان ، إنها لم تعرف واحدة مثلها ومنذ طفولتها متمردة

شجاعة وقوية ولها لسان يشبه الصبار مليء بالأشواك السامة ،

عادت لكتم ضحكتها بأسنانها تراقبها وقد وصلت لهدفها

وكالمتوقع تماماً أسرع الحارس لمنعها بمد يده وذراعه بينها

وبين الباب وكانا مسلحان كلاهما لكن سلاح كل واحد منهما مثبت

في مكانه ولن يستخدمه ضدها بالتأكيد وهي امرأة وعزلاء بل

سُيحاسب حساباً عسيراً على هذا .


عادت تمسك ضحكتها بيدها هذه المرة وهي تراها تتشاجر معه

رافضة الابتعاد وقد صرخت ما أن دفعها بيده وضربته بالحقيبة

في يدها بقفزة على رأسه وهذا ما جعل غضبه يزداد وفي كل

حركة منه كانت تصرخ به وكأنه يتحرش بها وتضربه مجدداً

فتَدَخل رفيقه حينها وازداد ضربها العشوائي بالحقيبة في يدها

وتداخلَ صوت صراخها مع صوتهما المرتفع بغضب وانسجمت

هي مع ما يحدث وكأنها تنتظر أن ترى ما سينتهي له الأمر قبل

أن تقفز من مكانها ما أن صرخت تلك من بعيد

" تحرك هيا أيها الأحمق "


فأسرعت خطواتها المرتبكة بسبب ضربات قلبها التي كانت تعزف

كطبول حرب وصعدت العتبات القليلة ملتصقة بالجدار وركضت

باتجاه الباب دون أن تفكر في النظر نحوهما ومعرفة إن شعرا بها

أم لا ولا وقت لديها لذلك فإن أمسك بها فستعلم حينها .

ولم تصدق نفسها حين وجدت قدماها تركضان داخل الممر الطويل

ببساطه الأحمر المحدد بخطوط ذهبية ولا أحد يركض خلفها ولا

يناديها أو رصاصة ما اخترقت ظهرها مما يعني أنها نجحت في

أول وأصعب جزء من المهمة ، أو ذاك ما كانت تتخيله وخطواتها

تتباطئ وهي تنظر حولها فالمكان عبارة عن ممرات متداخلة ولن

تعرف وجهتها المحددة حينها !.

اختبأت ملتصقة بأحد الأبواب ما أن سمعت بعض الأصوات وازداد

خوفها واضطرابها حين أدركت بأنهم قادمون نحوها ففتحت الباب

خلفها ودخلت دون تفكير فيما سيكون موجوداً خلفه فعليها أن لا

تقابل أحداً قبل أن تصعد لأحد الطوابق العليا فستكون أكثر أماناً

هناك من أن يجدوها هنا وتثير الشك حولها .

نظرت للورقة بين يديها وللرسم التوضيحي الذي كانت ساندرين

تشرحه لها طوال رحلة قدومهما إلى هنا وكيف يمكنها الوصول

لوجهتها المطلوبة ومدت شفتيها بعبوس فلا يبدو الأمر بهذه

السهولة على أرض الواقع مع معلومات مجموعة من الانترنت .


حركت سبابتها تتمتم بشفتيها وهي تحسب عدد الأبواب في

الورقة قبل أن تصل للمصعد وعدد الممرات واتسعت عيناها

بصدمة تلتها شهقة مكتومة ما أن اختفت الورقة من بين يديها

فجأة وارتفعت نظراتها الذاهلة للجسد أمامها باللباس الخاص

بضباط البحرية تشعر بكل شيء يدور حولها وجسدها تصلب

كتمثال خشبي مقلتاها فقط تنظرت للعينان الزرقاء أمامها تحفها

رموش بلون الذهب وحاجبان بنيان عابسان وابتلعت ريقها

بصعوبة ما أن اخترق صمت المكان والضجيج المرتفع في اذنيها

صوته الانجليزي الحاد

" ما الذي تفعلينه هنا ومن تكونين ؟! "

وتطايرت جميع الكلمات من قاموسها كما طارت أدراج الرياح

خطتهم البديلة في حال تم الإمساك بها هنا في الأسفل وأن تتحجج

بأنها مبعوث من المطار وسيفكر فوراً في الاتصال برئيسها هناك

بالتأكد فكانت تعلم بأن الآخر لن يقول بأنه لا يعلم بوجودها بل

سيلعب الدور الذي رسمته له وسيترك استجوابها حتى يكونان

معاً وذاك ما كانت تعرفه عنه طوال سنوات عملها معهم هناك ،

لكن الآن وهو يمسك الخارطة غريبة الشكل بين يديه فلن يفكر

أساساً في تصديقها ليتصل بهم ومن شدة حماقتها لم تتأكد بأن

الغرفة خالية فعلاً وانشغلت بمن هم في الخارج عن التدقيق فيما

أصبحت فيه .. يا لها من حمقاء وستنتهي للسجن بالتأكيد .

فتحت فمها وأغلقته عدة مرات دون أن يصدر عنها أي صوت

فهي لم تعطي لعقلها إجابة ليقدمها للسانها فما عساه سيقول !

كانت تجزم بأن نهايتها قد حانت فحتى قول الحقيقة لن يفيدها في

شيء وقد يعتقدون أنها جاسوس ما وهنا تكمن الكارثة ..

وشعرت برغبة كبيرة في البكاء كطفلة صغيرة تنقد نفسها بذلك

من كل موقف مشابه .

" هذه زوجتي وهي هنا من أجلي "

نظرت بصدمة وحركة سريعة من رأسها ناحية الواقفان عند

النافذة بعيداً بل وللذي تقدمت خطواته نحوهم يديه في جيبي

بنطلون بذلته الخاصة بالطيران وشعرت بأن تلك الرغبة السخيفة

بالبكاء تدنو منها أكثر فلم تكن تتصور أن يكون حجم الكارثة أكبر

من كل هذا ! لا بل قد تقوست شفتاها فعلاً كطفلة تنتظر طوق

نجاتها الذي خرج لها من العدم فجأة بينما كان نظره هو مركز

على الضابط الذي استدار نحوه قبل أن يقول بجمود ويده تشير

بالورقة فيها للتي أصبحت تقف خلفه

" هذه تكون زوجتك ؟ "

أغمضت عينيها بشدة تمسك فمها بيدها بينما كان جسد الواقف

أمامها يخفيها عن صاحب الصوت الجاد

" نعم وإجراءات الزواج تمت هنا ويمكنكم التأكد من هويتها
في محكمة لندن "

مد له الورقة في يده حينها واستدار نحو التي هربت بنظراتها من

عينيه التي حدقت فيها لوقت وكأنه يحاول تخزين ملامحها في

عقله لاستخدامها فيما بعد والتأكد منها كما حدق بتركيز في

اسمها الموجود في البطاقة المثبتة على جيب سترتها قبل أن

يتحرك مجتازاً لها وفتح الباب خلفها وغادر وتبعته خطوات أخرى

خرجت خلفه علمت بأنها للفرد الثالث في المكان بينما كانت

نظراتها ملتصقة بالأرض تماماً منحنية الرأس لم تستطع ولا رفعه

وتعلم جيداً ما ينتظرها وما قد يفكر فيه الواقف أمامها الآن .

أغمضت عينيها التي اخفتهما عنه غرتها الناعمة كما بعض

الخصلات من شعرها تعتصرهما بقوة وشتمت حظها وساندرين

معه ، كان عليها أن لا تثق في ذاك الحظ السيء الذي كان يوقعها

في المشكلات دائماً فكيف أن يجتمع هو وتلك المجنونة معاً ؟

حين طال الصمت ولم تكن تسمع سوى أنفاسها المندفعة من بين

شفتيها بقوة فتحت عيناها ببطء تبدل للإتساع سريعاً وهي ترى

الورقة التي كان يمدها لها .. الورقة التي سلمها له ذاك الضابط

قبل خروجه وها هو يعيدها لها ويبدو من دون أن يفتحها !

والأغرب دون تحقيق مسبق أيضاً !!


رفعت يدها ببطء وأخذتها منه وقبضت أصابعها عليها بقوة وهي

تُنزل يدها ورفعت نظرها لوجهه ولعينيه وتمنت لو قتلت نفسها

لحظتها فهي غاضبة ومستاءة منه طوال الوقت لكن ما أن يصبح

أمامها وتنظر لعينيه حتى تنهزم وتنهار جميع دفاعاتها وتكتشف

بأنها فقط تشتاق له ، اعتراف قاسي ومُهلك لكنها الحقيقة ولا

يمكنها خداع نفسها وإن خدعت الجميع .

أنزلت رأسها ونظرت للورقة المجعدة في قبضتها تهرب من عيناه

ومن نظراته بل ومن جميع تفاصيله كما يبدو لكنها سرعان ما

عادت ونظرت له حين قال بذات نبرته الرزينة والخالية من أي

تعبير قد تفهمه

" أين كانت وجهتك ؟ "

وانحبست أنفاسها وهي تجاهد لإخفاء صدمتها فهل يفعل هذا

ليثبت لها أنها كانت متسرعة دائماً في الحكم عليه والمواقف

تشهد ؟! فلن يكون هذا ثقة منه تصل لأن لا يسألها عمّا تفعل

هنا ! أم يعتقد بأنها مبعوث من عملها والدليل هي ملابسها التي

تؤكد بأنها من المطار قصدت هذا المكان فوراً ؟

كانت التساؤلات تدور حولها في حلقات متواصلة بينما تتقافز

الإجابات بعيداً عنها وتوصلت لقرار نهائي بأن تقول الحقيقة

كاملة وكان أول ما نطقت به منها هامسة

" الطابق الخامس "

ولم تستغرب نظرة التفكير التي غاص بها في عمق عينيها من أن

تكون وجهتها هناك تحديداً وقبل أن يفكر في أي سؤال أو

استفسار تتوقعه نظرت لجيب بنطلون بذلتها وهي تدخل يدها فيه

وأخرجت منه ورقة مطوية ومدتها له قائلة ما يتوقعه بالتأكيد

" لمكتب سكرتير الأميرال غيمسون "

وراقبت بتوجس نظراته على الورقة في يدها للحظات قبل أن يمد

يده ويأخذها منها وفاجأها مجدداً وهو يدسها في جيب بنطلونه

دون أن يفتحها ! فشعرت بموجة ارتياح غامرة فهي نجت من

الهلاك بأعجوبة ولمرتين متتاليتين هنا !

نجت من القبض عليها متسللة ومن الإنهيار التام لعلاقتها مع

من باتت زوجة له وتعلم بأن مشاعرها اتجاهه أعظم من أن

تساعدها على اجتياز خسارته ومهما أنكرت ذلك ولن تستطيع ولا

محو صورته من مخيلتها ما عاشت وستخرج الخاسر الوحيد

من اللعبة .


أخفضت رأسها تشد أصابعها بقوة ما أن اجتازها مغادراً من الباب

المفتوح خلفها ولم يضف شيئاً بل هو لم يقل شيئاً ليضيف !

استدار رأسها للخلف وتقوس حاجباها بحزن حين لاحت لها فكرة

أنه سينهي كل شيء بالصمت ذاته وتكون الضربة القاسية لها

والأقسى من غضبه ومن صراخه وحتى من معاقبتها .

تحركت خطواتها مسرعة وغادرت الغرفة أيضاً ونظرت في كلا

اتجاهي الممر الخالي تماماً قبل أن تتحرك في الاتجاه الذي جاءت

منه تكاد كفاها تتمزقان من غرسها لأظافرها فيهما بسبب قوة

شدها لقبضتيها وكأنها تفرغ كل انفعالاتها فيهما وفي الخطوات


القوية التي كانت تضرب بها الأرض بغضب ولم تنظر أو تكترث

لمن اجتازتهم عدة مرات بلباس البحرية الخاص فطريقها الآن هو

الخروج ولن يعترضها أحد بالتأكيد وتشُك إن كانت تهتم أساساً

إن فعلوا .

ما أن وصلت البوابة الرئيسية اجتازت الحارسان الموجودان

هناك ووجهتها الواقفة في الأسفل تنتظرها والتي أمضت الوقت

واقفة هناك في انتظارها وكلما نظر الحارس الذي هجمت عليه

ناحيتها أخرجت له لسانها فيمسك ضحكته ويشير لها بإبهامه .

بينما نزلت كنانة العتبات نحوها بخطوات شبه راكضة وتباينت

نظرات ساندرين لها بين الفضول والاستغراب حتى وصلت عندها

واختطفت الحقيبة من يدها اختطافاً وانهالت عليها ضرباً بها

مرددة بغضب

" تباً لك يا حمقاء يا فاشلة يا غبية "

بينما لم تستطع هي تمالك نفسها من الضحك تحاول صد ضرباتها

لرأسها وكتفها وحيث وصلتها الضحكة الرجولية المرتفعة بعيداً

مصدرها بالتأكيد الذي كانت تسخر منه طوال وقت وقوفها هنا

لأنه لا يستطيع ترك مكانه ولا ضربها بسلاحه وها قد انتقمت

القدرة الإلاهية له منها .


*
*
*


ما أن غادرت المعلمة حتى وقفت جميع الطالبات وبدأن في

مغادرة الباب الذي تركته خلفها مفتوحاً فوقفت هي أيضاً وبدأت

بجمع أغراضها ونظرت للجالسة بجانبها والتي كانت لاتزال

جالسة مكانها تجمع كتبها وقالت لها مبتسمة

" يعجبني حجابك كثيراً "

ابتسمت في خجل وقالت

" أنا لا أخرج إلا بشبيه له ولأي مكان "

اغلقت حقيبتها بحركة واحدة وقالت تبتسم لها

" سأشتري مثله إذاً "


ضحكتا معاً وقالت التي وقفت أيضاً

" أراك مستعجلة أثمة من ينتظرك ؟ "

قالت مبتسمة وهي تعلق حزام حقيبتها على كتفها

" أجل إنه شقيقي "

وغادرت ملوحة لها بيدها وعبرت الممر الطويل حيث الطالبات

اللواتي كنّ يخرجن من الأبواب المفتوحة وصوت الأحاديث

والضحكات تملأ المكان ، وما أن اجتازت باب مبنى المدرسة حتى

شعرت بالسخونة تتدفق من قدميها لرأسها ووجدت عالماً مختلفاً

تماماً عماّ تركته خلفها هناك بل وما وجدته وقت دخولهما صباحاً

حيث كان فناء المدرسة الواسع ممتلئ بالطلبة وليس الطالبات

فقط وبعضهم كان طويلاً جداً وتبرز معالم رجولته إن في

أجسادهم أو لحاهم المحددة بصيحات عصرية تشبه تسريحات

شعرهم الغريبة عند الأغلب أو حتى خشونة أصواتهم المتداخلة

من جهات مختلفة وعلمت بأن الأغلب منهم سيكونون طلبة

المرحلة النهائية وشعرت بالارتباك وهي تنزل العتبات القصيرة

للباب ليس بسبب التجمعات المتفرقة في كل مكان لطلبة أو

طالبات أو كلاهما معاً في بعض الأمكنة بل بسبب النظرات التي

كانت تتجه نحوها بالتتابع تليها الهمسات المتفرقة وتأكدت من أن


خبر وجودها هنا انتشر سريعاً والجميع بات يدفعه الفضول لرؤية

ابنة مطر شاهين التي ظهرت لهم من العدم فجأة .

شعرت بحرارة وجنتيها تلسع جلدها وبحياء فطري جعل الدماء

الحارة تندفع نحوهما بقوة وأدارت يداها حقيبتها في حركة لا

إرادية تخفي جسدها بها وشعرت وكأنها تسير عارية بينهم بسبب

النظرات التي كانت تلاحقها وهي تحاول إيجاد من لا تعرف أين

يمكنها إيجاده !

" تيمااا "

التفتت خلفها وشعّت ملامحها بابتسامة جميلة ما أن رأت الذي

ركض نحوها وقد حضن كتفيها بذراعه ما أن وصل لها وسار بها

باتجاه المقاعد الحديدية المخصصة للطلبة في الطرف الشرقي

حيث تغطيها عريشة مقوسة من النباتات المتسلقة ، وكان

الوضع ذاته في كل مجموعة يمران من أمامها بسبب نظراتهم فها

قد اجتمع حفيد شراع صنوان وابنة مطر شاهين .

نظر لها وقال مبتسماً ما أن جلسا

" كيف كان نصف يومك الأول ؟ "

قالت بضحكة

" جيد وأنتِ ؟ "

شبك أصابعه خلف رأسه واتكأ على يديه للخلف ينظر أمامه

وقال مبتسماً

" أنا معتاد على هذا ، ذات النظام وإن تغيّرت الأمكنة أنتِ
هي التي تخوضين هذه التجربة المريعة للمرة الأولى "

أبعدت نظرها عنه وحركت كتفيها قائلة

" وعندي لم يختلف الأمر كثيراً فأنا كنت أتابع دروساً عبر
الانترنت والنظام ذاته شخص يشرح وأنت تستمع له "

أدار عينيه فقط نحوها وقال

" لكن هنا يمكنك التحدث وليس الاستماع فقط "

أومأت برأسها موافقة وقالت

" لكن الدروس جميعها درستها في مرحلة سابقة ، النظام
مختلف من الناحية الزمنية "


أبعد يديه واتكأ بمرفقيه على ركبتيه منحني الظهر وقال ورأسه

ونظره نحوها

" بالتأكيد سيكون كذلك ولهذا عليك مذاكرة دروس متقدمة
سيكون أفضل من تضييع الوقت في انتظارهم "

قالت وهي تفتح حقيبتها

" بالتأكيد "

اعتدل حينها في جلسوه وبحركة سريعة وقال ينظر لحقيبتها

ويدها فيها بصدمة مصطنعة

" هيه ماذا تفعلين ! سأهرب وأتركك إن اخرجتِ طعام الفطور
من حقيبتك كالأطفال "


ضحكت كثيراً وقالت ويدها تتحرك داخلها ونظرها على ما تفعل

" لا بالتأكيد "

وتابعت مبتسمة وقد نقلت نظرها له

" ثم أنا لا أريد أن أكون مصدر تسلية للطلبة ولا طعام في
حقيبتي اطمئن "

أبعد نظره عنها وحرك شفتيه باستياء قبل أن يقول ببرود

" أردت دائماً المدارس العامة لكن الجميع رفض بحجة سلامتي "

أغلقت حقيبتها ووضعت يديها فوقها حيث تستقر في حجرها

ونظرت له قائلة

" وما الاختلاف مثلاً ؟ "

أشار بإبهامه خلف كتفه قائلاً

" أنظري خلفك لتفهمي "

نظرت ورائها فوراً وصُدمت لوجود اثنين من الحراس يقفان

خلفهما عند الجدار وقالت ونظرها لازال ملتصقاً بهما

" أكان أحدهما يسير خلفي حين وجدتني ! "

قال بضحكة ساخرة

" بالطبع يا ذكية "

ضحكت كثيراً وعادت برأسها للأمام فقال ينظر لها بضيق

" وما المضحك في الأمر يا بلهاء ؟ "


رفعت يدها لشفتيها وقالت ضاحكة

" ظننت أن الجميع علم بأني ابنة مطر شاهين لذلك ينظرون لي "

لم يستطع إمساك ضحكته التي خرجت مرتفعة وقال

" مؤكد سيعلمون ذلك ووجود ذاك المخيف خلفك أكد لهم هذا "

قالت مبتسمة ما أن هدأت موجة ضحكها

" وهل سيشكل هذا اختلافاً عن المدارس العامة ! "

حرك كتفيه وقال وهو يريح يده بطول ذراعه على ظهر

الكرسي خلفها

" لا لم أكن أقصد هذا لكن الأمر مختلف تماماً فأولئك الطلبة
يعيشون حياة بسيطة جداً وأيام الدراسة مليئة بالمرح
والمقالب والتسلية "

وتابع وهو يبعد يده وتشبك أصابع كلتا يديه مفرودة ليشرح

لها وقال

" إنهم متداخلون أكثر تيما تفهمين هذا ؟ "

أومأت برأسها هامسة

" نعم يبدو أنني فهمت "

تجعدت ملامحه ووضع يده على عنقه وقال ينظر لعينيها

" ستشعرين بالاختناق هنا إن لم تجدي صديقة تشبهك كثيراً فهذه
المدرسة لا يستطيع دفع أقساطها أيّا كان "

وتابع من فوره يشير برأسه أمامهما

" أُنظري لهذا "

نظرت للشاب الذي عبر من أمامهما حينها وكان يلبس الزي

المدرسي المخصص للذكور البنطلون الرصاصي الغامق

والقميص الأبيض الناصع بأكمام قصيرة وربطة عنق طويلة بلون

البنطال وكان من الكُثر الذين يتخذون تسريحة شعر غريبة

ووصلها صوت همس الجالس بجانبها بينما نظرها كان يسير مع

ذاك الشاب

" هذا إن فعلت أنا مثله ستعلق والدتك مشنقتي عند
باب المنزل "

وضحك ما أن أنهى عبارته تلك واكتفت هي بالابتسام بحزن ولم

تستطع الضحك على الرغم من أنه قالها بطريقة مضحكة فعلاً ،

وكان وكأنما شعر بما تشعر به بل ورآه في ملامحها ونظرتها فقد

وصلها صوته هدئاً بلمحة حزن

" عليك فقط أن تحبيها وتثقي بمشاعرها نحوك يا تيما أما حياتها
فوحدها من يملك حق أن تقررها .. "

وتابع بنظرة جمعت الحب والحزن معاً محدقاً بالأرض المعشبة

تحت قدميه

" هكذا عرفتها دائماً وعلى هذا ربتني "

حركت رأسها وهمست بحزن تنظر للبعيد بشرود

" آمنت واستسلمت "


فتنهد بعمق وقال يغير مجرى الحديث لأنه يعلم بأنها مثله تماماً

تحاول تسلية نفسها بجميع الأمور التي تبعدها عن التفكير فيما

حدث وما سيحدث

" ثمة مطعم صغير هنا هل تشعرين بالجوع ؟ "

حركت رأسها برفض وقالت

" لا أعتقد أنه يوجد وقت كافي أمامنا "

قال يمسك ضحكته بينما أشار برأسه خلفه بحركة خفيفة

" كنت سأخبر أحد الحارسان هناك بطلباتنا "


خرجت منها ضحكة سريعة وفتحت حقيبتها مجدداً قائلة

" لا تختلف عن صاحب التسريحة الغريبة ذاك إذاً ولولا
الخوف لفعلت مثله "

رمقها بطرف عينيه بضيق وتمتم

" يا لك من مجحفة "

قبل أن تتسعا بذهول وهو ينظر لما أخرجته من حقيبتها

وقال مجفلاً

" ما هذه الجريمة تيما ! "

نظرت له بصدمة وسرعة فقال

" الهواتف ممنوعة في المدارس وجريمتها خطيرة لديهم "

دسته سريعاً قائلة بارتباك

" لم أكن أعلم "

نظر حوله قبل أن ينظر لها قائلاً

" لا تخرجيه إذاً ولا ترفعي الصوت "

أومأت برأسها موافقة وهي تغلق حقيبتها فضيق عينيه وهو

يقول بشك

" لما تتفقدينه ها ؟! "

نظرت له نظرة من لم يعجبه ما فهمه وقالت ببرود تمسك

خصرها بيدها

" لأرى الساعة "

أشار لرسغها بعينيه يرفع حاجبيه وقال بابتسامة ساخرة

" ولما لم ترتدي واحدة في يدك يا فقيرة يا معدومة ؟ "

زمت شفتيها بضيق وقالت ولازالت تمسك خصرها النحيل بيدها

" لأني نسيت "

غمز لها ومرر أصابعه في شعره الناعم المصفف للأعلى بحركة

بطيئة وقال بمكر

" نسيتِ أم حجة ؟ "

قالت بضيق

" ماذا تقصد ؟ "


مال نحوها وهمس وقد غمز بعينه مجدداً

" أقصد حبيب القلب لم يتصل كما يبدو "

أبعدت نظرها عنه وتمتمت ببرود

" ما أسخف أفكارك "

قال باستغراب ينظر لعيناها ولمحة الحزن فيهما وهي تهرب

بهما منه

" ماذا بكما ؟ "

همست من فورها وببرود

" لا شيء "

قال ببرود أشد

" أسخف جواب عرفه التاريخ من البشر "

نظرت له وقالت بضيق

" لأنها الحقيقة "

حرك رأسه وقال بابتسامة متفهمة

" لا يبدو لي ذلك "

فأبعدت نظرها عنه وعلم بأنه قد أصاب هدفه واثبت ذلك أن

قالت بتنهيدة

" أنا لا أعلم حقاً "

وحركت رأسها بضياع وقالت تنظر للفراغ أمامها بشرود حزين

" أشعر أحياناً بأنه لا يثق في مشاعري نحوه "

لم يتحدث يترك لها المجال لتقول ما يعلم بأنها تكتمه في قلبها عن

الجميع واكتفى بالنظر لجانب وجهها حتى نظرت له وقالت

" لا أعلم إن كنت محقة أم لا لكنه تغير كثيراً بعد ما حدث
في المستشفى "

حرك رأسه متمتماً

" لا أعتقد ذلك "

وتابع بهدوء ما أن أبعدت نظرها عنه للفراغ أمامها مجدداً

" أنا أراه فقط يريدك أن تعيدي حساباتك وتفكيرك "

نظرت له سريعاً هامسة باستغراب

" ولما ! "

حرك كتفيه وقال

" لأنك صغيرة يا تيما ولازال أمامك الكثير وقد تشعرين يوماً ما
مستقبلاً بأنك تسرعتِ وبأنه ليس الخيار الصائب لك "

" ولماذا ؟ "

قالتها سريعاً وباستياء فحرك كتفه وقال

" وجّهي هذا السؤال لنفسك وليس لي أنا "

قالت بأسى تنظر لعينيه

" لو أنه شخص آخر ولم يكن من أنقذني من الضياع والموت
دون أن يعرف من أكون لكنت عذرته ، ما كان لأي رجل أن يفعل
ما فعل وقد أُصيب وكاد أن يموت من أجلي "


وسحبت نفساً عميقاً لصدرها وقالت بحزن

" ما الذي تبحث عنه المرأة في رجل تتزوجه ؟ "

رفع حاجبيه وقال يمسك ضحكته

" لا أعلم لست امرأة "

قالت بضيق وهي تقف مغادرة

" أنا الحمقاء أتحدث مع طفل "

وقف أيضاً وتبعها قائلاً بابتسامة

" انتظري يا كبيرة "

لكنها لم تتوقف وتابعت سيرها باتجاه مبنى المدرسة حتى وصل

لها وسار بجانبها وحضن كتفيها بذراعه وقبّل خدها قائلاً

" آسف أميرتي الجميلة وها هو اعتذار أمام الجميع "

دفعته عنها مبتسمة وقالت وهما يصعدان عتبات الباب

" سنكون مصدر للشائعات هنا يا أحمق "

ضحك وقال وهما يعبران باب المدرسة

" بنفسك قلتها سابقاً بات الجميع يعلم من نكون "

افترقت عنه ولوحت له بيدها مبتسمة وهي تتجه حيث كانت تسير

بعض الطالبات في مثل سنها وحيث القسم المخصص لهن من

الطابق لحظة ارتفاع صوت الجرس عالياً معلناً نهاية الدقائق

المحددة والمتعارف عليها في جميع المدارس ، وما أن دخلت

فصلها وجدت الفتاة التي تشاركها المقعد فقط هناك فلم يأتي

البقية بعد وكانت تقف عند حقيبتها فتوجهت نحوها مبتسمة وما

أن وصلت المقعد فوجئت بها تُخرج حجاباً يشبه الذي تلبسه من

حقيبتها وبذات اللون الزهري أيضاً ومدته لها قائلة بتردد يبدو

جاهدت كثيراً لتخفيه

" كنت أريد إعطائك إياه قبل خروجك لكنك كنتِ مستعجلة "

نظرت له بذهول بين يديها ولم تعرف ما تقول حتى قالت التي

رفعته نحوها

" هو جديد ولم ألبسه سابقاً ، اشترته والدتي من أجل تركه في
حقيبتي كاحتياط فقط إن احتجته ولا أُخرجه منها أبداً وأتمنى أن
تقبليه مني "

أخذته منها وشعرت بروعة قماشه بين يديها وخفة وزنه

وبرودته ، صفات لا تتوقعها وأنت تراه يغطي جسدها هكذا !

وقالت مبتسمة بإحراج

" شكراً لك يا شيماء هذه أجمل هدية أتلقاها "

ابتسمت وقالت بسعادة

" هي لا تصل لمستوى الهدايا ولابنة الزعيم مطر
شاهين تحديداً "

قالت وهي تنزع الحجاب الذي تلبسه

" بلى وأثمن من جميع الهدايا "

وما أن أبعدت حجابها عن شعرها حتى تحررت غرتها الناعمة

وخصلات قليلة لامست عنقها بنعومة ورفعت الحجاب في يدها

قائلة بضحكة صغيرة

" عليك مساعدتي ليكون جميلاً مثلك "

دارت حول المقعد من فورها وأمسكته منها قائلة بابتسامة

" بل ستكونين أجمل مَن لبست مثيلاً له "

وراقبتها وهي تبعد خصلات غرتها للأعلى قبل وضعه عليها تُمتع

عينيها بجمالها الذي ازداد كثيراً برؤيتها لشعرها الحريري

وذكرت الله بحركة خفيفة من شفتيها بالدعاء الذي علَماها إياه

والداها لتقوله كلما رأت شيئاً خشيت أن تضره دون قصد منها

لشدة افتتانها به ومدت يديها تساعدها في تثبيته بالدبوس تحت

ذقنها وقالت مبتسمة ما أن أبعدت يديها

" كم أنتِ جميلة به "

وراقبتها بسعادة وهي تنظر له على جسدها وتتفقد حوافه التي

وصلت لمرفقيها بينما نزل طرفاه لخصرها وقد قالت مبتسمة

" لقد أحببته كثيراً "

وتابعت وهي تنظر لجانب خصرها الذي لم يخفيه الحجاب الكبير

" كما سأطلب من الإدارة قبل مغادرتي تغيير قياس هذا الزي
لواحد متسع أكثر "


قالت التي جلست مكانها مع بداية دخول أول الطالبات للفصل

" هم فقط يفعلون ما يطلبه الأغلب فإن أرسلوا ما تتحدثين عنه
لأعادوه لهم ليعطوهم أصغر منه ، وبهذا بات تقديرهم للقياس
واحد "


جلست مكانها قائلة

" أنا لا أحب هذا ولن يوافق والدي عليه أيضاً "

قالت مبتسمة ونظرها لم يفارقها

" أنتِ فتاة رائعة يا تيما ولم أتوقع أبداً أن تكوني هكذا ! "

نظرت ناحيتها وقالت بضحكة صغيرة

" ماذا كنتِ تتوقعين ؟ "


قالت وذات الابتسامة الجميلة تزين شفتيها

" هم سبق وأخبرونا بأنك ستكونين هنا خلال الحصة وما أن
دخلتِ مع المديرة قلت في نفسي هذه وإن لم تكن ابنة الزعيم
مطر وحفيدة شراع صنوان ستغتر علينا بجمالها "

وضحكت ما أن عبست ملامح المقابلة لها وكأنها توبخها في

صمت وتابعت مبتسمة

" حين سألتك المعلمة أين تريدين الجلوس توقعت أن تختاري
مقعداً لك لوحدك وفي مقدمة المقاعد لكن حين اخترت الجلوس
معي تغيرت جميع أفكاري عنك "

قالت التي تقوست شفتاها الجميلة بعبوس

" هل بدوت مغرورة حقاً حين دخلت ! "


حركت رأسها نافية وقالت والابتسامة الصادقة لم تغادر شفتيها

" لا بل واثقة كثيراً وكأنها ليست المرة الأولى التي تدخلين
فيها هذا الفصل ! "

قالت بضحكة

" لم أشعر بهذا "

وضحكتا معاً قبل أن تعتدلا في جلوسهما لاكتمال عدد الطالبات

ودخول معلمة جديدة أغلفت الباب قبل أن تقول مبتسمة وهي

تتحرك لتقف منتصف اللوح المعلق على الجدار

" مرحباً يا فتيات ... أنا اسمي علياء وسندرس معاً

مادة الأحياء الطبيعية كما تعلمن "


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 21-07-21, 12:38 AM   #16455

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*

نظرت ناحية الباب الذي فُتح فجأة وللواقف أمامه والذي انتظرته

لساعات جالسة على الأرض تحت السرير تتكئ بظهرها عليه

وتحضن ركبتيها فبعد إفاقتها من تأثير تلك الحقنة تعلمت الدرس

جيداً وجلست هادئة ، وبعد عدة مطالبات برؤيته لم تُقابل بأي

أجوبة أضربت عن الطعام لأنها لن تنتظر رئيس البلاد أن يجد

وقت فراغ لزيارتها لأنه لن يجده قبل أيام إن لم يكن أسابيع .


عادت بنظرها للفراغ أمامها ما أن دخل وعلمت بأنه لن يغلق

الباب فقالت بهدوء

" أريد العودة للندن "

وصلها صوته ونبرته الجامدة ما أن وقف مقابلاً لها

" لن تفكري في البحث عنه يا غيسانة فسيكون أغبى قرار
اتخذته في حياتك "

نظرت لحذائه الأسود اللامع المقابل لنظرها يحفه قماش بنطلون

بذلته السوداء الفاخرة وقالت ببرود

" لن أبحث عنه بالتأكيد أنا لا أريد أن أموت من أجل معرفة
أمثاله "


وأشاحت بوجهها جانباً وقالت ما لا يمكنها المجاملة فيه

ولا الكذب

" أنا لن أموت ولا من أجل كشف هويته فلست على استعداد
لتقديم تضحية كتلك ومن أجل أيّ كان "

وحين لم يصدر عنه أي تعليق ولازال واقفاً مكانه رفعت رأسها

ونظرت له هذه المرة ولعينيه تحديداً وقالت ببعض الهدوء

" أعلم بأنك تراها أنانية لكني لا أستطيع أن أكون مثلكم ، لا
يمكنني تقديم نفسي للموت ليعيش غيري "

نطق حينها وقال بجمود يشبه ملامحه ونظراته لها

" أعلم بمشاعرك نحوي بعد الذي فعلته "


أبعدت نظرها عنه لقدميها على الأرض ويداها تشتد حول ركبتيها

بقوة ولم تستطع التعليق على ما قال .. لا تبرأة نفسها ولا الإقرار

بذنبها بينما مارست هوايتها المعتادة وتهربت من الحديث عن

الأمر قائلة

" أنا لا يمكنني العيش هنا في بلد لا أعرفه وسأحتاج لأعوام
عديدة لأفهم لغتهم جيداً وحياتهم ويتقبلون وجودي بينهم "

وسحبت نفساً عميقاً لصدرها وزفرته قائلة

" أنا لا أشعر بالانتماء له لأقرر قراراً كهذا ولا تنسى بأنك من
وضع الخيار في يدي "

" لم أنسى "


رفعت نظرها له ما أن همس بذلك بجموده المعتاد وقالت بعد

صمت لحظة

" وهناك أمر أخر "

نظر لها بصمت فقالت مباشرة

" أريد أن أكون جيسي جديدة هناك كما وجدت نفسي هنا "

" لا "

قالها مباشرة وبحزم فوقفت على طولها وقالت بضيق


" ولما الرفض ؟ "
قال بضيق مماثل

" أنا لم أخبرك بكل تلك الحقائق لتطالبي بالتحرر مني بحكم أني
لا أقرب لك "

كانت ستتحدث معترضة لولا أوقفتها إشارة واحدة من سبابته

وهو يرفعها بينهما وقال بجدية

" أَفهمتك جيداً من يكون عدوك وأن اللعب معه يعني الموت
فكيف وأنتِ لا تعلمين هويته "

نفضت يدها قائلة بغضب

" وهل سأعيش هكذا طوال حياتي ! "

وأشارت له بسبابتها متابعة بحدة

" عليك أن تعلم إذاً بأن التمرد يسري في دمائي النجسة
وسيزداد الآن "


غادر جموده حينها وصرخ بحدة

" لا يحمل أحد النجاسة من أحد بل يصنعها بنفسه فقط "

وقاطعها ما أن كانت ستتحدث قائلاً بتهديد

" لا يمكنني تركك تبتعدين عن ناظري وإن كنتِ هناك وأنا هنا "

شدت شفتيها بضيق وخرج السؤال الذي أمضت ساعات تفكر فيه

ولا تجد جواباً مقنعاً له

" ولما تحميني وموتي كان سيكشف لك عدوك ! "


ولم تنتظر جوابه طويلاً والكلمات الباردة كالصقيع تخرج من

بين شفتيه

" سبق وأخبرتك أنها مسألة إنسانية وإنسانيتي لا تسمح لي
بالتضحية بدم بشر من أجل أي شيء "

أشارت لنفسها وقالت باستياء

" وأنا سأتحمل نتائج أفعالي فقط أُتركني أكون الإنسانة التي
أريد فقد تعبت من العيش في سجن قوانين أرفضها "

قال بضيق

" لن تتحمليها وحدك يا غيسانة فاكتشاف وجودك معناه خطر
سيحدق بعشرات الرجال هناك أرواحهم أهم لديا من نفسي ولن
نعيد كل ما قلناه سابقاً "

أشارت لنفسها مجدداً وصرخت قائلة باحتجاج

" لما أدفع أنا ذنب ذلك ! ما ذنبي إن كنت ابنته ؟ "


ولاذت بالصمت تتلقف أنفاسها وتبادلا النظرات الصامتة لوقت ..

الوقت الذي انتظرت فيه بشغف أي تعليق منه تعتبره أمراً

مصيرياً بالنسبة لها فإما أن تتحرر وتعيش الحياة التي كانت تريد

وتتمنى أو أن تُدفن هنا وللأبد ، وتحدث أخيراً ورحمها بينما أشار

لها بسبابته مهدداً

" سأتركك تفعلين ما تقولين عنه ، سأتوقف عن دعمك رغم أنه
وعد قطعته لوالدتك لكنك ستكونين مراقبة تماماً .. عليك معرفة
ذلك يا غيسانة والخطأ والتهور ممنوع "


قالت بضيق بالرغم من أنها وصلت لمبتغاها وحلمها منذ كانت

مراهقة صغيرة

" أخبرتك بأني لست على استعداد للموت من أجل أحد ولا
بسبب أحد "


لم يعلق كما توقعت تماماً وتعرف عنه ما لا يراه مهماً لا يهتم

للتعقيب عليه ولا يكلف نفسه عناء ذلك فقالت بجمود من بين

أنفاسها الغاضبة

" وثمة أمر أخر "

وفهمت من انعقاد حاجبيه العابسان أساساً بأنه سأم منها ومن

طلباتها بل وتواجده هنا مكرهاً بالتأكيد لذلك قالت دون انتظار

" أريد رؤية تيما قبل مغادرتي "
وعلمت الجواب سريعاً من ملامحه لذلك قالت من قبل أن

تسمع رفضه

" لن آكلها فأنت كنت تخاف عليها مني أعرف ذلك "

قال من فوره وبضيق

" وكنت محقاً "

حركت رأسها قائلة باستياء

" ماذا تقصد !! "

" تعلمين جيداً ما أقصده "

الجمتها كلماته كما نظراته الغاضبة المخيفة بينما تابع هو بغضب

دون أن ينتظر أي تعليق منها

" لا أعلم كيف أطاعك قلبك لدفعها للخطر من أجل نزواتك ؟ "

قالت من فورها محتجة وإن تبعثرت الكلمات منها

" ليست نزوات كان ... كنت ... "

ولاذت بالصمت حين علمت بأنها اخذت نفسها لما تهربت منه قبل

قليل وتكفل هو بذلك يذكرها مجدداً

" القرص "

أطبقت شفتيها وحاولت أن تهرب من نظراته القوية الغاضبة

لكنها لم تستطع وشعرت بها كأغلال قيدت مقلتاها وهمست نهاية

الأمر مستسلمة

" كيف علمت ؟ "

وشعرت بسبابته كرصاصة وجهت نحوها وهو يقول بحدة

" أخبرتك بأنك تحت نظري يا غيسانة وستستمرين "

نفضت يدها قائلة بانفعال

" لا أنكر أنني أخطأت لكنها كانت سبيلي الوحيد لاسترداده من
ذاك الرجل "

حرك رأسه مبتسماً بسخرية وكأنه يستنقص أسبابها فقالت برجاء

وإن صاحَبه الكثير من التردد

" هي المرة الأخيرة فاتركني أراها "

أشاح بوجهه عنها وهي المرة الأولى التي يفعلها منذ أصبح هنا

فعيناه كانت ترسل حممها الغاضبة نحوها طوال فترة وقوفه هنا

أمامها وفي جميع حالاته وانفعالاته وتعلم جيداً بأنه يتمنى خنقها

وقتلها بسبب ما فعلت لكن مبادئه تلك التي تحدث عنها تمنعه ،

لكن عليها الوصول لها فهي سبيلها لفعل ما تريد لأنها موقنة

بأنه لن يوافق عليه لذلك قالت مجدداً

" أرجوك يا مطر أتركني أراها لآخر مرة في حياتي "

نظر لها حينها ورفع سبابته أمام وجهه وقال بتحذير

" لن تعلم بأي حرف مما قيل ولا فحوى تلك الأوراق "

حركت رأسها سريعاً وقالت

" لا بالتأكيد "

لكن الأمر لم ينتهي عند ذاك الحد كما تظن وهو يهمس بجمود

وعيناه ترمقها بشك

" لماذا تريدين رؤيتها ؟ "

كورت شفتيها باستياء وكانت تعلم بأنه لن يثق بها وبصدقها أبداً

كما كان ولازال فكتمتها في نفسها لتحقيق غرضها وقالت باستياء

" لأعتذر منها ألا يحق لي ؟ "

أمال طرف شفتيه بابتسامة ساخرة متمتماً

" عن ماذا تحديداً ؟ "

شدت شفتيها بضيق فذنوبها كثيرة في نظره بالتأكيد وقالت ما لم
يعد يمكنها كتمانه ومهما كانت عواقبه

" أعلم بأنك لن توافق أن أرى والدتها لكنتُ طلبتُ ذلك لأقول
لها فقط بأنها حمقاء "

واتسع فمها بصدمة حانقة حين تركها وغادر وكأنه لا يريد سماع

المزيد وترك الباب مفتوحاً لتعلم أنها موافقة منه على خروجها

من هنا معه فسارت باتجاه الباب مسرعة لتدرك خطواته الواسعة

متمتمه ببرود

" حمقاء فعلاً فمن لا يخون وطن بأكمله لا يخون امرأة تكون
زوجته "


*
*
*

نظرت نحوها جالستان في المقعد الخلفي لسيارة الأجرة حيث

كانت تنظر من خلال نافذتها للخارج ولم تتحدث منذ غادرتا

البحرية الملكية ، وما أن نظرت نحوها حتى أمسكت نفسها عن

الانفجار ضاحكة فضربتها بالحقيبة على كتفها مما جعلها تلتصق

بالباب وقالت بضحكة متألمة تمسك كتفها

" يكفي كنانة إنه يؤلمني حتى الآن من كثرة ما ضربته بها "

أشاحت بوجهها عنها ونظرت للخارج مجدداً فقالت باستياء

" وما ذنبي أنا وما يدريني بأنه سيكون هناك ؟ "

لم تعلق كما لم تنظر ناحيتها فقالت تمسك ضحكتها

" أخبريني ما حدث مفصلاً على الأقل "

وما أن نظرت ناحيتها نظرة غاضبة ورفعت يدها والحقيبة فيها

مدت يدها قائلة

" لا بالله عليك لن أسأل ولن أضحك مجدداً أقسم لك "

وما أن عادت للنظر لنافذتها مجدداً حركت شفتيها بعدم

رضا وقالت

" كنانة أنتِ تعلمين بأنه لا ذنب لي في هذا وما كنت لأتوقع
ولا في أحلامي أن يكون موجوداً هناك "


وتغير مزاجها للابتسام فجأة وقالت

" ثم من الجيد أن وجدته فبسببه سارت الأمور كما نريد "

نظرت لها حينها وقالت بضيق

" أجل سارت كما تريدين والنتيجة أن أُصبح أنا مطلقة "

حدقت فيها بذهول وقالت

" ولما مطلقة ! ما الذي قاله لك ؟ "

تبدلت نظرتها للأسى قبل ان تنفض الحقيبة في حجرها قائلة


" الكارثة أنه لم يقل شيئاً .. وأنتِ تعلمين جيداً معنى الصمت في
المواقف المشابهة أليس كذلك ؟ "


نظرت لها بصمت للحظات وقالت ببساطة

" حسناً وأنتِ كنتِ تريدين هذا دائماً فما عليك سوى تقبل ذلك
بصدر رحب وعيش حياتك كما كانت وليرحل هو مع السلامة "

نفضت حقيبتها مجدداً قائلة بقهر

" وماذا أفعل بالغبي المسمى قلب ! "

كورت شفتيها وقالت ببرود

" إن كنتِ تحبينه فعلاً فتلك مشكلة حقيقة "

همست التي لمعت عيناها بحزن

" لم أحب يوماً رجلاً غيره ولن أحب مثله وبالرغم من إقناعي
الدائم لنفسي بأنه مكره على الزواج بي وبأني لا أريده وكبريائي
أهم من مشاعري إلا أنني فاشلة حقيقية واكتشفت اليوم ذلك بشكل أكثر وضوحاً "


شدت شفتها بأسنانها تراقبها وهي تبعد وجهها ناحية نافذتها

تمسح عيناها بظهر كفها بقوة تمنع الدمعة اليتيمة من

النزول وقالت

" أنا آسفة حقاً كنانة وسأعالج المشكلة كوني مطمئنة "

نظرت لها سريعاً وقالت

" لا رجاءً ساندي يكفي حتى هنا "

حدقت فيها بضيق وقالت

" حمقاء ماذا تقصدين ؟ "

وتابعت من فورها

" أنا لن أفسد الأمر بل سأصلحه "

اشارت بيدها وكأنها توقفها مكانها قائلة

" أُتركيني أنا من يفسد ما تبقى منه كي لا يقع اللوم عليك
بل على نفسي "

مدت شفتيها بعبوس وتمتمت تنظر للخارج حيث نافذتها وبصوت

لا يسمعه أحد غيرها

" بل سأجعله يندم أشدّ الندم إن هو طلقك .. فليفعلها وسيرى "

وما هي إلا مسافة قصيرة وكانت السيارة قد توقفت أمام منزلها

فنظرت لها وهي منشغلة مع حقيبتها التي كانت تفتش فيها وقالت

" هيّا ا نزلي معي "

مدت يدها ببعض النقود للسائق قائلة

" لم يعد يمكنني تحمل ثيابي على جسدي وأريد أن أستحم وأنام "

حدقت فيها باستغراب قائلة

" أي نوم هذا والشمس بالكاد شارفت على المغيب ! "

وتابعت من فورها وما أن نظرت لها

" ثم عليا أن أُثبت لوالدتي أيضاً بأننا كنا معاً فهي أسوأ من
والديك مجتمعان في هذا "


قالت معترضة

" أنا متعبة ساندرين ولم آكل شيئاً اليوم ولم أرتاح فارحميني
ووالدتك أنا من سأتصل بها وأخبرها بأننا كنا معاً "


كشرت في وجهها وقالت بتملق

" يا لك من ذكية ..! هذا وحده دليل كافي لاتهامي بأنه اتفاق
بيننا ولن أنجو من تحقيق مطول لعودتي هذا الوقت "


وتابعت من فورها متجاهلة نظراتها الحانقة

" ثم لا تستعجلي كثيراً على الانفراد بنفسك والبكاء عليه ..
أمامك الليل بطوله "


وارتدت للخلف ملتصقة بالباب بخوف تمثيلي ما ان صرخت
فيها بحدة

" ساندي لا تجعليني أغضب منك وأنت تعرفين غضبي جيداً "

تنفست بضيق وقالت

" كنانة حلفتك بالله انزلي قليلاً وسأوصلك بنفسي "

تأففت نفساً طويلاً ونظرت للعجوز الانجليزي الذي التفت لهما

للخلف وقال

" قررا بسرعة آنستاي رجاءً "

فتحت حينها الباب ونزلت مستسلمة وأغلقته بعدها ثم توجهت

لنافذته واعطته أجرة إيصالها من هنا لمنزلها وإن لم يوصلها

فيكفي أنه تحمل نقاشهما في صمت ولو كان أصغر سنناً لكان

رماهما خارج السيارة من وقت وقوفه .


وبعد إصرار كبير منها وقبوله للنقود غادرت سيارته التي كانت

كحاجز بينها وبين التي توجهت ناحية باب سياج المنزل

المنخفض قائلة ببرود

" لو كنت مكانك ما أعطيته نقوداً وهو لم يوصلني "

حركت رأسها بيأس منها وقالت ببرود مماثل تسير خلفها داخل

حديقة المنزل

" عليك أن تغيري من طباعك هذه ساندي فزوجك وعائلته
يمتلكون أموالاً لا تُحصى ولا تُعد "

التفتت نحوها ما أن وصلت باب المنزل وقالت تلوح

بيدها مبتسمة

" لا بل سنعود معاً حرّتين طليقتين نتسكع في شوارع لندن "

تنهدت بأسى ونظرت جانباً بحزن فمدت شفتيها بعبوس وهي

تراها تجاهد لتخفي ألمها لكنها سرعان ما عادت لطرد لومها

لنفسها من عقلها والتفتت ناحية الباب وقالت وهي تغرس

مفتاحها فيه

" ألحق عليك لا تريدين أن أتدخل وأشرح له الأمر "

وفتحت المنزل ووصلها صوتها من خلفها قائلة ببرود

" لا شكراً صديقتي فلن أترجاه ولا أي أحد ليستمر معي "

استدارت نحوها بحركة واحدة وقالت مبتسمة ترفع إبهامها لها

" رائع كنانة تعجبينني هكذا فمن يرحل تهبنا الحياة غيره "

ودخلت وهي تتبعها تحرك رأسها بيأس منها فبقدر ما تعجبها

شخصيتها فعلياً تشعر بالأسى على ابن عمتها الذي يحبها بصدق

وكل ما تسعى له هي وتريده هو الانفصال عنه !

كانت والدتها في استقبالهما وكما قالت وتوقعت ساندرين فقد

نظرت لها نظرة غاضبة تعلم كلاهما تبعاتها لولا وجودها الذي

جعلها تتغير سريعاً وابتسمت لها قائلة

" مرحباً كنانة ما هذه المفاجأة السارة ؟ "

ابتسمت من فورها قائلة بأدب

" شكراً لك يا خالة وأعتذر لأني كنت سبب تأخر ساندرين
لهذا الوقت "

قالت بابتسامة وهي تشير بيدها نحو الداخل

" لا بأس بنيتي وتفضلي بالدخول لا تقفي هنا "

فسارت تتبعها وتبادلت وساندرين نظرة صامتة قبل أن تسحب تلك

والدتها من يدها ناحية المطبخ وقالت بصوت منخفض

" كيف هي ماريه الآن ؟ "

تنهدت بأسى وقالت

" ليست بخير أبداً فكلما دخلت عليها وجدتها شاردة الذهن
وأكلمها ولا تجيب كما لم تأكل شيئاً اليوم "

أومأت برأسها في صمت وتركتها دون أن تعلق وهي تراقبها

باستغراب فلم تهاجم والدها كالسابق كما لم تعلق غاضبة وإن

بالدعاء على من تسميه بالتمثال الفرعوني وهذا غريب عليها !

حركت كتفيها ودخلت المطبخ بينما عادت ساندرين ناحية الجالسة

على الأريكة والتي وقفت وقالت ما أن رأتها

" أين هي ماريه أيمكنني رؤيتها ؟ "

ارتمت جالسة على الأريكة ذاتها وقالت ببرود

" لا بالطبع فهي ليست قرد في حديقة يأخذون الأطفال لرؤيته "

اتسعت عيناها بصدمة وأمسكت خصرها قائلة بضيق

" هي القرد أم أنا الطفل في نظرك ؟ "

نظرت لها فوقها وقالت باستياء

" بل هذا ما ستفهمه هي حينها "

وتبدلت نظرتها للجدية وهي تتابع

" أنتِ فعلتِ من أجلها ما هو أهم بكثير من رؤيتها كنانة "

تنهدت حينها وتغير مزاجها بالكلية وتمتمت آمله

" أتمنى ذلك بالفعل "

كان الضيق من نصيب ساندرين حينها وهي تهمس من

بين أسنانها

" بلى ولن يكون اسوأ مما هي فيه "

حركت رأسها موافقة لها وانحنت لحقيبتها ورفعتها من

الأريكة قائلة

" انتهت مهمتي إذاً وعليا الذهاب فبلغيها سلامي "

ولم تنهي عبارتها إلا وإميليا تتجه نحوهما قائلة

" أين يا كنانة لن تغادري دون عشاء "

نظرت لها باندهاش وقالت

" لا داعي لهذا يا خالة وعليا أن .... "

قاطعتها وهي تقف أمامهما

" لا أعذار مطلقاً وسأتحدث مع والدتك بنفسي وأخبرها ولن
يتأخر العشاء فهو شبه جاهز "

وما أن كانت ستتحدث معترضة تفكر في أنها ستبقى بهذه الثياب

ودون استلقاء لساعات أخرى سبقتها قائلة تمسك بذراعها

" لن ترديني يا كنانة وسيوصلك عمك الحارثة بنفسه فقلما نراك وتكونين معنا "

أحنت كتفيها وقالت مستسلمة بل وخجلة من ردها

" كما تريدين يا خالة "

وقفت حينها ساندرين وتحركت من مكانها وقالت مبتسمة تحرك

أصابعها بيد مرفوعة

" سأغير ثيابي وأعود "

فرمقتها كنانة بضيق بينما ضحكت هي وغادرت باتجاه ممر

غرفتها وسارت خلاله قبل أن تتوقف عند باب الغرفة التي عادت

ماريه لشغلها مجدداً وتنهدت نفساً عميقاً تتذكر ما قالته والدتها

قبل أن تتابع سيرها نحو باب غرفتها الذي فتحته ودخلت مغلقة

إياه خلفها وغيرت ملابسها سريعاً وتوضأت وصلت المغرب

وأخذت لباس الصلاة معها تضعه على ساعدها من أجل كنانة

وغادرت الغرفة وفوجئت حينها بباب الغرفة الآخر يُفتح ببطء

ونظرت للتي وقفت أمامه .. للملامح الحزينة الشاحبة وللعينان

المجهدة والبراءة الذابلة ولا تعلم حتى متى سيقتلون هذا القلب

الجميل بسبب الصدمات المتتالية والخذلان المستمر ؟.

كانت تنظر لعيناها اللامعة بدموع ترفض نزولها في مشهد هربت

طوال اليوم من رؤيته جعلها تكره الجميع وتغضب منهم بشدة

أكبر ولم تتحدث وليس لديها ما تقول للأسف تنتظر ما تتوقعه

جيداً وحدث بالفعل ما أن تحركت الشفتان الجافة ببطء ووصلها

الصوت الخفيض يشبه ذبول تلك الملامح الجميلة

" أريد ثوباً واحداً ولآخر مرة ساندي "

شعرت بحرقة شديدة في حلقها وكأنه تولى المهمة عن باقي

مشاعرها حينها وحركت رأسها وكأنها لم تستوعب ما سمعت قبل

أن تقول باسى

" ما الداعي لقول هذا ماريه بالله عليك ! "

وراقبت في حزن عيناها وهي تبعد نظرها عنها فتحركت نحوها

حتى وقفت أمامها وأمسكت بذراعيها وقالت بحزم تنظر للعينين

التي لازالت تبعدها عنها

" ستغادرين ماريه ولن يتحكم أي أحد منهم في مصيرك مجدداً
فقط اصبري لساعات قليلة "

وتابعت ما أن رفعت نظرها لها ورأت بعض الاهتمام فيهما

" لن يوافق والدي ولا والدتي خروجك الآن ولا مكان لتذهبي
إليه وجوازي سفرك لديه لذلك عليك الانتظار قليلاً فقط وسيحدث
ما تريدين "

أولتها ظهرها حينها وعادت للغرفة مغلقة الباب خلفها دون أن

تتحدث ولا أن تُعلق ولا حتى أن تسأل عن أي شيء مما قالت
وكأنها فقدت اهتمامها بكل ما يربطها بالحياة !

لم تتساءل ولا عن مصيرها المجهول درجة أن تفكر في الرحيل

ولا تعلم لأين فقط تبتعد عن جميع من خذلوها وتخلو عنها !

تنهدت بحزن وتحركت من هناك عازمة أكثر على تنفيذ ما خططت

له وإن كان ثمنه عقاب طويل الأمد من والدها فلن تهتم .


*
*
*

ما أن كانت في الخارج ركضت نحو السيارة التي ركبها وكأنها

تخشى أن ينسى أمرها ويغادر ويتركها ، فتحت الباب المجاور له

وجلست على الكرسي بتنهيدة ارتياح وقالت مبتسمة بانتشاء

" ما أسوأ أن تكون مسجوناً في مصح "

ونظرت للذي حركت يده يد السرعة وتحرك بالسيارة تتبعهم

سيارات المرافقين له بالتتابع دون أن ينظر ناحيتها ولا أن يعلق

على ما قالت ملامحه الرجولية الجادة و حاجبيه العابسان يحفان

عيناه السوداء المحدقة في الطريق أمامه بنظرة قوة وسيطرة كما

عرفته دائماً فأبعدت نظرها عنه تراقب كل ما يمران به وكتفت

ذراعيها لصدرها ولأن السيارة كانت تسير عبر طرق داخلية كانت

سرعتها بطيئة نسبياً فامتدت يدها لمسجل السيارة الحديثة

وحاولت تشغيله لكنها كانت مختلفة عن سيارتها سابقاً وأبعدت

يدها ما أن امتدت يده لأحد الأزرار وضغطه بسبابته متمتما ببرود

" لا اغاني انجليزية غيسانة "

فمدت شفتيها بعبوس تنظر له بينما عاد هو بنظره للطريق وأعاد

يده للمقود فعادت تكتف ذراعيها لصدرها ونظرت ناحية نافذتها

بينما علا صوت الموسيقى مالئاً صمت السيارة وكانت ستنظر

ناحيته شامته بابتسامتها لأن اختياره أيضاً أخذه للموسيقى

والغناء لكن ابتسامتها تلك ماتت في مهدها ما أن علا الصوت

الرجولي منشدا بنبرة هادئة رزينة

( موطني .. موطني ...
ﺍﻟﺠـﻼﻝ ﻭﺍﻟﺠـﻤﺎﻝ ..
ﻭﺍﻟﺴــﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺒﻬﺎﺀ ..
ﻓـــﻲ ﺭﺑــﺎاااﻙ .. ﻓــﻲ ﺭﺑـــﺎﻙ
ﻭﺍﻟﺤـﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﻨـﺠﺎﺓ .. ﻭﺍﻟﻬـﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺮﺟـﺎﺀ
ﻓــﻲ ﻫـــﻮﺍاااﻙ ... ﻓــﻲ ﻫـــﻮﺍﻙ ).


وعادت بنظرها لنافذتها متنهدة بعمق فهي تفهم الكثير من

الكلمات العربية لكثرة زياراتها لابنته سابقاً والتي كانت تفضل

الحديث بالعربية وكانت تُصر على تعليمها بعض الكلمات على

امتداد السنوات التي عرفتها فيها كما أن مطر الحقها بدورات للغة

العربية لأكثر من مرة وبسبب عنادها على عدم التعلم أعلن يأسه

نهاية الأمر .

أخذها عقلها للتركيز على الكلمات مجدداً بينما تراقب عيناها

المباني والأسواق التجارية


( هل أرااااك هل أراك ...
سالماً منعماً وغانماً مكرماً ...
سالماً منعماً وغانماً مكرماً ..
هل أراك ... في علاك ..
تبلغ سِماك ... تبلغ سِماك ..
موطنييي .. موطني )


وبدأت الكلمات ترتبط مع ما كانت تراه ومنظر الأبراج العالية

للمدينة تظهر مجتمعة في جانب واحد وتذكرت كلماته عن كل ما

فعله من أجل هذه البلاد وكيف كانت قبل أعوام وحاولت أن ترسم

لها صورة للمقارنة وتنفست بعمق تحرك رأسها فلا يمكنها تصور

الفارق بالتأكيد .

عاد الصوت الرجولي الهادئ الجميل لاختراق الصمت مجدداً

( موطنييي .. موطني ...
الشباب لن يكل .. همه أن يستقل ..
أو يبييييد .. أو يبيد ..
نستقي من الردى .. ولن نكون للعدى ..
كالعبيييد .. كالعبيد )


وتبادر لذهنها كيف أنه ورجاله يفعلون كل ما فعلوه من أجل

هؤلاء المارة وأولئك الجالسين عند المقاهي .. من أجل التلاميذ

الصغار الذين كانوا يتجمعون عند الإشارة الضوئية لاجتياز

الطريق ومن أجل ابتسامة كل امرأة يطل رأسها من أحد شرفات

الشقق العالية لتحدث أطفالها الموجودين في الأسفل يلعبون

ضاحكين ، وتساءلت هل يُقدر هؤلاء كل ما فعلوه ويفعلونه من

أجلهم ؟ هل هم على استعداد لحماية ظهر مطر شاهين حين

يحتاجهم أم سيكونون من سيطعنه فيه دون تردد وتضيع جميع

تضحياته أدراج الرياح ؟

حركت رأسها مجدداً وكأنها تجيب نفسها عن سؤال تتوقعه وهو

استحالة اتخاذها لقرار مشابه إن كانت مكانه ولن تقتل سعادتها

من أجل أناس قد لا يُقدرون حجم تضحياتها ، ولا أن تموت من

أجل أن تعيش أجيال لن تراهم .

أدارت رأسها ناحيته ولازالت تتكئ به على مسند الكرسي وقالت

تنظر لنصف وجهه المقابل لها

" هل أنت رئيس البلاد في الوقت الحالي ؟ "

" لا "

همس بها مباشرة وبجمود فاتسعت عيناها بذهول وهي تستوي

جالسة وقالت

" هي من دون رئيس !! "

قال من فوره وبجموده ذاته

" أنا آخذ مكانه فقط وبشكل مؤقت "

حركت رأسها وفهمت بأنه قد يترك الحرية للشعب أو أعضاء

البرلمان عبر الانتخابات لاختيار رئيس لهم .. لكن ثمة خيار ثالث

خطر لها فجأة فقالت بفضول

" هل ستقوم أنت باختياره ؟ "

نفا شكوكها جميعها سريعاً وبكلمات جادة بينما نظره لازال على

الطريق أمامه

" هذا لا يجدي نفعاً في بلاد لازالت تعاني التقسيم حتى الآن وإن
اختلفت المسميات وستكون نتيجة ذلك حرب مؤكدة "

قالت باستغراب

" لكن كان ثمة رئيس لها ! "

ولاحظت اشتداد فكيه بقوة قبل أن يهمس بما يشبه

الغضب المكبوت

" ذاك كان بمعاهدات حقيرة لن أتركها تتكرر "

حركت رأسها في حيرة ولم تفهم ما يعنيه أو لم تهتم لفهمه

وعادت بنظرها للطريق أمامها لكنها سرعان ما عادت ونظرت

له وسألت

" وسترشح نفسك لذلك ؟ "

" لا "

همس بها بجمود فقالت من فورها وباستغراب

" ولما ! "

لم يتأخر عنها جوابه متمتماً بها بالجمود ذاته

" لأني لا أريد "

رفعت يدها وقالت باستياء

" ولما وأنت فعلت كل ما فعلته لأجلها وأجلهم ! "

نظر لها ولأول مرة منذ مغادرتهما وحديثهما ذاك وقال بجدية

" لأني لا أريد أن أكون مسؤولاً عن رعيتي يوم الحساب ولن
أضمن أنه لن ينام طفلاً جائعاً أو مظلوم يعجز عن أخذ حقه "

حدقت فيه بعدم استيعاب للحظات وقالت بضيق تحرك يدها

" وما علاقة هذا بذلك ؟ "

قال ببرود وقد عاد بنظره للطريق أمامه

" لن تفهم هذا امرأة ترفض أن تكون مسلمة "

لوت شفتيها بضيق وسقط ظهرها على الكرسي خلفها ونظرت

للنافذة ولم تعلق على ما قال تفكر في إجاباته لعلها تصل لفهم

عبارته الاخيرة ولم ينجح الأمر واستسلمت لفكرة واحدة نهاية

الأمر بأنه أغرب رجل قد يعرفه التاريخ تأتيه الفرصة ليحكم بلاد

كاملة ويعيش السيد فيها ويرفضها !!

استقامت في جلستها مجدداً ولامست سبابتها ذات الزر الذي

لمسه سابقاً وعم الصمت التام المكان الضيق ما أن سكت الصوت

الرجولي الذي كان قد بدأ بسرد الأخبار المحلية ونظرت له وقالت

ما ترددت كثيراً في قوله

" أنا حقاً آسفة على ما فعلت .. وللمرة الأولى أقولها
في حياتي "

وقالت آخر عبارتها تلك ببرود فكان جوابه أن تمتم ببرود مماثل

" لا يهم "

حدقت فيه بضيق وقالت

" اعتذاري الغير مهم أم قولي لها ؟ "

لم يعلق بشيء ويبدو لم يهتم فتنفست بضيق وقالت بترقب

" لم أكن أتوقع أبداً أن لا تعاقبني بسبب ما فعلت ! "

ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه في أول تعبير تراه له

وتمتم مجدداً

" لأنه لن يفيد "

رمشت عيناها باستغراب تنظر لجانب وجهه وقالت

" لن يفيد فيما حدث أم لن يفيد معي تقصد ؟ "

تمتم ببرود يدير المقود

" كلاهما سواء "

شعرت بالغضب من عجزها عن فهم جواب له لا يكون يحمل عدة

معاني فلا تعرف كيفية الرد عليه ! ورغم ذلك قالت

ترمقه بتشكيك

" أخشى أنك تدّخر ذلك حتى عودتي للندن فلا تنسى
بأنني اعتذرت "


وحين لم يعلق على ما قالت بشيء شعرت بالخوف من تحقق ذلك

فقالت بأمل يحتضر

" لن تفعلها يا مطر أليس كذلك ؟ "

نظر لها هذه المرة وقال بضيق يغادر فيه جموده وبروده القاتلان

" لا .. لأني لا أريد عواقب سيئة جديدة "

نظرت له باستغراب فعاد بنظره للطريق وقال بضيق أشد يشير

بسبابته أمامه

" لأنك علمتني درساً قاسياً غيسانة وبأنه معاقبة النساء تعني
انتظار عقوبة أقسى من طرفها "

" عقوبة !! "


همست بها مصدومة تنظر للذي قال بحدة يحرك يده دون أن

ينظر لها

" بالطبع فحين عاقبتك على إرسال ابنتي للملهى الليلي بالعيش
مع شاهر كنعان كان ردك قاسياً جداً أم لا تذكرين أفعالك ؟ "

وحرك رأسه هامساً من بين أسنانه

" النساااء ... أنتن أسوء من الحروب "

رمقته بطرف عينيها تضيقهما حانقة ولم تعلق ، لو يعلم ما تخطط

له الآن بذهابها لمنزله ما سيقول ؟

تجاهلت كل ذلك وقالت

" هل تعتقد بأني سأسبب لك الضرر لمعرفتي لحقيقتك إن
عاقبتني ! "

وانتظرت بفضول كلماته التي كما توقعت خرجت جامدة

جمود الصخر

" لَما كنتُ لأتركك تغادرين البلاد حينها "

قالت من فورها

" أنا لست بتلك الدناءة بالتأكيد "

نظر لها في واحدة من المرات القليلة النادرة وقال بحزم

" أتمنى ذلك فعلاً يا غيسانة وليس من أجلى بل من أجل عشرات
الشبّان الموجودين هناك والذين أقبل الأذى لنفسي ولا أقبله لهم "


قالت باستياء

" لن أفعلها فارحمني من السجن والتقييد المستمر يا مطر رجاءً
أريد أن أتنفس "

وقفت السيارة عند الإشارة الضوئية حينها ونظر ناحيتها وقال

بتهديد رافعاً سبابته في وجهها

" هي فرصة واحدة غيسانة مفهوم ؟ "

وما أن كانت ستتحدث والضيق واضح على ملامحها سبقها يحرك

سبابته نحوها مهدداً

" الأولى والأخيرة يا غيسانة "

عادت لجلوسها السابق بحركة قوية غاضبة وتمتمت باستياء

" سحقاً لغيسانة "



*
*
*

كانت نظراتها المندهشة تراقب الطالبتان اللتان تقفان فوق

مقعدين متجاورين وترقصان على أنغام ضربات إحداهن بيديها

على أحد المقاعد وتصفيق البقية والغناء الصارخ وكان هذا

حالهم منذ بدأت الحصة التي تغيبت معلمتها وكانت الحصة

الأخيرة ليومهم الأول ذاك ولم يكن ثمة من يجلس مكانه عداها

وطالبة واحدة تجلس في كرسيها تمسك قلما وتكتب في كتاب

كبير مفتوح أمامها أما البقية مجتمعات حول تلك المقاعد

والفتاتان الراقصتان دون توقف .

وقفت وبحثت بنظرها عن بثينة التي وجدتها تقف قرب باب

الفصل تصفر بأصابعها تنظر للعرض الراقص أيضاً وجسدها

يتحرك معهما تضع حجابها على كتفها كحال أغلب الطالبات هناك

، وتوقف كل ذلك الهرج والصراخ فجأة مع سماع صوت صفير

مرتفع قادم من الخارج وركضن جميعهن للجلوس مكانهن بينما

أخرجت بثينة قطعة معدنية لامعة من جيبها وانحنت برأسها

خارج الباب ونفخت فيها بقوة وارتفع صوت الصفير عالياً قبل أن

تدخل راكضة وجلست مكانها وشدتها من يدها لتجلس أيضاً قائلة

" اجلسي أحدهم قادم "

فجلست بحركة واحدة وما هي إلا لحظات ودخلت سيدة بلباس

رسمي أسود اللون كانت أكبر سناً من المعلمات اللاتي رأتهن

اليوم وتمتلك نظرة عابسة مخيفة تمسك عصا قصيرة في يدها

ضربت بها على اللوح بجانبها قائلة بحدة

" من أين كان يخرج كل ذاك الاحتفال ؟ "

نظرن لبعضهن وكأنهن يسألن بصمت عن شيء لا يعلمنه قبل أن

تقف إحداهن قائلة

" نحن أيضاً سمعناه استاذة ويبدو من الفصل المجاور "

حركت تلك رأسها بوعيد واضح ويبدو أنه الجواب ذاته تسمعه

من كل فصل دخلته واستدارت وقالت وهي تضرب الباب

بعصاها مغادرة

" لا أريد أن أسمع صوتاً أو طردت الجميع "

وما أن غادرت حتى انفجرن ضاحكات بينما نظرات يمامة كانت

تتنقل بينهم باستغراب وعلا صوت رنين الجرس عالياً حينها

فتعالت صرخات الحماس وهن يغادرن المقاعد باتجاه باب الفصل

ووقفت مع وقوف بثينة وحملت حقيبتها وسرعان ما انضممن

صديقاتها لهما وخرجن معاً .

كانت الوحيدة الصامتة بينهن وسط الممرات المليئة بالطالبات من

مختلف الأعمار والجميع وجهته باب مبنى المدرسة المفتوح

وخرجت معهن حيث الساحة التي كانت ممتلئة أكثر من وقت

الصباح والجميع يتحرك ناحية الباب الرئيسي للمدرسة في

مجموعات وفي أفراد .. البعض يسرع ليغادر والبعض الآخر

مستمتع بالأحاديث والضحكات حتى كانت خطواتهم بالكاد تتحرك

من مكانها ، وكان وضعها مع بثينة وصديقاتها مشابهاً فهن في

حديث وضحك مستمرين حتى وصلن للمساحة الواسعة أمام باب

المدرسة ورأت سيارة أبان حينها تقف عند الرصيف الآخر بينما

كان هو ينظر لأوراق في يده وابتسمت بسعادة دون أن تعلم أي

سبب لها سوى بأنها ستعود للمنزل وترى المرأة التي باتت تأخذ

مكان والدتها حتى في قلبها .

وقفت مع وقوفهن بسبب التي شهقت قائلة ونظرها عند

بوابة المدرسة

" بثينة شقيقك الوسيم هنا ليأخذك ! "

ضحكت المعنية بالأمر وضربتها على كتفها قائلة

" وسيكون هنا مرتين كل يوم "

وضحكت هي وصديقتاها الأخريين عليها ما أن أمسكت قلبها
وقالت بصدمة

" كل يوم ! "

قالت بثينة تنظر لها بمكر

" أجل لكن ثمة خبر سيء أيضاً فهو تزوج "

وانفجرن ضاحكات على ملامحها المصدومة سوى من يمامة التي

نظرت للأسفل يدها تنقبض بقوة على الورقة فيها تخشى أن تقول

بثينة بأنها هي زوجته ولا تعلم لما أيضاً ! هي لا تملك كل هذه

الجرأة التي يمتلكنها في الحديث حتى أنها لم تشارك بكلمة واحدة

في أحاديثهن منذ غادرن فصلهن الدراسي وتشعر بالخجل من

تعليقاتهن إن علمن بالأمر ، ولم تعد تسمع شيئاً مما يقلن ولم

تشعر إلا بيد بثينة وهي تسحبها معها قائلة بضحكة لمن تركتهن

خلفها ينتظرن الحافلة لتنقلهن لبلدتهن

" عليك البحث عن غيره فقط "

ووقفت بها بجانب البوابة وقالت تنظر لعينيها

" لن تخبريه بأننا أخذنا النقود واشترينا بها من مطعم المدرسة
لنا جميعاً يمامة اتفقنا ؟ "

نظرت لها بعدم اقتناع وقالت

" أنا لا يمكنني الكذب "

قالت بضيق

" لا تكذبي ولا تقولي الحقيقة لا شيء في ذلك "


نظرت لعينيها بتفكير وقالت

" وكيف يكون هذا ! "

سحبتها معها نحو الخارج ما أن علا صوت منبه سيارته عالياً

وبتكرار مزعج ينظر نحوهما وقالت تعبر بها الرصيف

نزولا للطريق

" أُصمتي فقط حسناً "

وركضتا تعبران الطريق المزدوج نحو سيارته وركبت كل واحدة

منهما مكانها الذي جلست فيه صباحاً وما أن أغلقت بثينة بابها

قربت وجهها من مكان التكييف قربها واغمضت عينيها قائلة

بانتعاش بينما انطلقت السيارة مسرعة

" كم هذا رائع "

وساد الصمت المكان فبينما انشغلت هي بإنعاش بشرتها كانت

الجالسة خلفها تنظر للورقة المفتوحة في يدها بحزن ولم ترفع

رأسها ولا نظرها عنها بينما الجالس خلف المقود كان ينظر

للطريق بشرود كل تفكيره وحواسه مع وجهته ما أن يوصلهما

وهي حوران ومبنى المحكمة تحديداً ، وذاك ما فعله ما أن نزلتا

أمام باب المنزل فأدار سيارته بقوة وحركة كاملة من المقود بيديه

وغادر مسرعاً فبالكاد سيصل وقت بدء الجلسة .


بينما دخلتا هما وخطوات بثينة الراكضة تصعد العتبات تتبعها

الخطوات البطيئة ليمامة والتي ما أن دخلت ونظرت للناحية التي

جاءت منها جوزاء نحوهما تنظر لها تحديداً ومبتسمة بحب حتى

ملأت الدموع عينيها وركضت نحوها وحضنتها وتغلبت عليها

عبراتها الباكية فقالت التي مسحت على رأسها باستغراب

" ما بك بنيتي هل كان يومك سيئاً هكذا ! "

ونظرت ناحية بثينة التي حركت كتفيها بتنهيدة عميقة وقالت

" لم تستطع رفع يدها وحل المسائل التي سألت عنها معلمة
الرياضيات من منهج العام الماضي "


وتابعت بحزن تنظر لها لازالت تبكي في حضن والدتها

" لقد كتبت الحلول جميعها في ورقة وحتى المسائل الصعبة التي
لم يستطع حلها الأذكياء منا "

وهمست تشير بعينيها ليديها

" إنها في الورقة لديها "

أبعدتها جوزاء حينها وأخذت الورقة منها تنظر بحزن للمسائل

المحلولة بنظام وترتيب وعلمت بأنها ستكون كتبتها بعد سؤال

المعلمة بوقت ، نظرت لابنتها وقالت بضيق

" ولما لم تقولي أنتِ للمعلمة بأنها تعرف الحل ؟ "

حركت كتفيها بقلة حيلة وقالت

" خشيت أن توقفها وتتوتر وتبكي فستُلصق بها الطالبات حينها
الكثير من الألقاب التي لن تتخلص منها أبداً "


تنهدت بقلة حيلة ونظرت للتي لازالت تمسح دموعها الرافضة

للتوقف ومسحت على رأسها المغطى بحجابها الناعم

وقالت مبتسمة

" لا بأس يا يمامة لا تحزني صغيرتي سأذهب في الغد للتحدث
مع معلماتك جميعهن "


ابتعدت حينها بثينة تضع يدها على جبينها تحرك حدقتاها في

حركة دائرية مصدومة مما سمعت فهي لازالت تذكر الأيام التي

كانت تزور فيها والدتها مدرستها في اجتماع الأمهات وما تعلمه

من معلماتها عن أفعالها وهذا العام يبدو ستكون هناك كل يوم .

بينما من تركتها خلفها هناك كان كل اهتمامها منصباً على التي

أصبحت هي من تمسح لها دموعها وقالت

" يكفي يا يمامة هذا أمر طبيعي فأنتِ تذهبين للمدرسة لأول مرة
في حياتك وسيصبح الأمر أقل صعوبة تدريجياً وستكونين أفضل
طالبة في البلاد بأكملها "

وراقبتها بحزن وهي تومىء برأسها قبل أن تغادر باتجاه السلالم

بخطوات بطيئة تنظر للأرض تحتها وتنهدت في حيرة هل قرار

إرسالها هناك كان صائباً أم لا ؟

وإن كان تركها لتدرس في المنزل وتتقدم للإمتحانات فقط هو

الحل الأنسب ؟

لكن بقائها هنا سجينة المنزل قرار خاطئ ولن يصقل ذلك

شخصيتها ويساعدها على أن تكون المرأة التي تريد لها

أن تكون .


غادرت من مكانها باتجاه المطبخ هامسة بحزن

" ليحفظك الله ويرعاك يا صغيرتي "

*
*
*

ما أن توقفت سيارته قرب باب المنزل فتحت بابها ونزلت تنظر

عالياً للمنزل الذي ما توقعته هكذا قديم الطراز !

صحيح أن عراقته تعطيه هيبة وجمالاً يأسر النظر والقلب لكنها لم

تتوقع قط أن لا يتخذ منزلاً عصرياً بما أنه يملك المال وأن يتمسك

بالعيش في منزل يبدو أنه احتضن ولادة كل فرد من عائلتهم

ومنذ جد الجد الأول !.

نظرت نحوه ما أن أغلق بابه وتحرك من هناك وتبعته تصعد

العتبات العريضة خلفه ونظرها يتفحص الباب المفتوح والذي هي

واثقة بأنه إن سقط على أحدهم سيقتله مباشرة بسبب ثقله

الواضح ! وما أن كانت في الداخل انشغل نظرها عن رؤية أي

تفاصل أخرى تحدق باللذين خرجا من أحد الممرات حينها

وعلمت عن هوية أحدهما سريعاً بكل تأكيد بينما كانت تجهل

الآخر والأصغر سناً ، وقابلت نظرات دجى بشيء من البرود

ولأنها لم تنسى اتفاقها مع مطر والذي منعها من محاسبته على

ما كان يخفيه عنها لم تستطع معاتبته بالطريقة الملائمة لها

ورغم كل هذا قالت نيابة عن ذلك وببرود قاتل

" لن أسلم عليك بالتأكيد ولست عماً لي من الآن وصاعداً "


كانت تتوقع أي رد فعل منه أن يضحك كعادة شخصيته أن يقول

عناداً بأنه لا يريدها ابنة شقيق له أيضاً أو حتى أن يتجاهلها لكن

ما لم تتوقعه قَط هو تعليقة وهو يكتف ذراعيه لصدره قائلاً

ببرود مشابه

" لا بأس فلستِ أول مشروع فاشل لي "

حدقت فيه باستغراب قبل أن تحرك يدها متنهدة تدير حدقتيها بعدم

مبالاة وتمتمت

" أعانك الله يا مطر "

وما أن أدار المعني بكلامها رأسه نحوها حتى ابتسمت وأبعدت

نظرها عنه وتقدمت خطوة حتى كانت بجانبه ونظرها هذه المرة

يتفحص الشخص الواقف بجانب دجى ورفعت حاجبها بتفكير قبل

أن تلامس ذقنها بسبابتها وإبهامها قائلة بعينين ضيقتين

" أنت من هذه العائلة بالتأكيد لك ذات النظرة الغريبة "

رفع المعني بالأمر حاجباه وأمال حدقتاه للواقف بجانبه والذي قال

" هذا قاسم ابن شقيقتي نصيرة وزوج تيما "

وقال آخر كلماته ونظره ينتقل منها لمطر والذي كان ينظر له

بجمود تام فكان رد فعلها أن فتحت فمها باتساعه تُعبر عن

ذهولها ونظرت ناحية مطر تميل رأسها للأسفل ولازال فمها

مفتوحاً بدهشة مبالغة بشكل متعمد ونظرتها له تقول

( ماااا هذااا )

وبينما أمسك دجى ابتسامة باتت شفتيه تشتاق لها فعلاً نظر قاسم

للأسفل وأمال شفتيه بامتعاض وكأنه يكره ما يتوقعه جيداً وهو

التعليق المعتاد لكل من علم سابقاً بزواجها لكن ما قالته حينها

كان مختلفاً تماماً عن توقعاته وهي ترفع سبابتها نحوه بحركة

كسولة وقالت ونظرها كما كلماتها موجهة لمطر

" أنا ترمي بي عند ذاك الذي تجاوز الأربعين من عمره وخط
الشيب في شعره وتزوج ابنتك من هذا الوسيم ! "

وكان تعليقه الوحيد أن حدق فيها ببرود وظنت بأنه تجاهلها حين

نظر ناحية الواقفان على مبعدة قليلاً منهما أحدهما لازال يحاول

التحكم في ضحكته بسبب تعليقها والآخر يحدق فيها بشيء من

الاستغراب والصدمة التي اتسعت معها عيناه حين قال مطر يشير

برأسه ناحيته

" أتوافقين على الزواج منه مثلاً ؟ "

فخرجت من شفتيها شهقة قوية وقالت بضيق

" لقد قررت أن لا أتزوج أبداً بما أن خياري الوحيد
عربي مسلم "

حرك رأسه بيأس منها ونظر نحوهما مجدداً وقال بجمود

" ألم ترجع تيما ؟ "


رفع قاسم يده ونظر للساعة فيها قائلاً

" ستكون غادرت المدرسة من نصف ساعة أي أنها على وشك
الوصول الآن "

نظر له دجى وقال عاقداً حاجبيه

" ولهذا أنت هنا ! تحسب وقت وصولها بالدقة لتغادر فيه ؟ "

وكان رده نظرة مصدومة بينما علت الضحكة الأنثوية الرقيقة

والتي قالت صاحبتها تحرك سبابتها نحوه وقد غمزت له

" ستكون ذا طالع سيء بزواجك من ابنتهم "

فتنهد يحرك رأسه وهو يبعد نظره عنها ولسان حاله يقول

( ما هذا بحق الله ! )

وقطع كل ذاك صوت الدراجة النارية الذي اقترب منهم حتى بات

واضحاً وما هي إلا لحظات ووصلهم الصوت الأنثوي الرقيق قريباً

من الباب

" سأنتظرك غداً .. وداعاً وبلغ الجميع سلامي "

ودخلت وعلى ملامحها الجميلة الابتسامة التي ودعت بها شقيقها

وقد شعت مع تورد وجنتيها بسبب حرارة الشمس الخفيفة قبل أن

تذبل وتختفي تدريجياً وهي تلتقي بأول نظرات شدتها كانت

للواقف بجانب جدها وهو قاسم وتذكرت نظرته صباحاً بينما

تنقلت نظراته الآن على حجابها فأبعدت نظرها كما وجهها عنه ما

أن نظر لعينيها وانتبهت حينها فقط للتي كانت تقف بجانب والدها

وقالت بدهشة وسعادة

" عمتي غيسانة !! "

وركضت نحوها مسرعة وتبادلت تلك الحضن معها قائلة ضاحكة

" اشتقت لك أيتها الفاتنة الصغيرة "

وأبعدتها عنها سريعاً وقالت وقد تبدلت ملامحها للإشمئزاز وهي

تنظر لحجابها

" ما هذا ! ما هذه الخيمة البشعة "

مدت شفتيها بعبوس قبل أن تتمتم بكلمات باردة

" كل مسلمة لا تريد أن يرى الرجال جسدها كما شعرها "

رفعت رأسها قائلة بتذمر

" آه يا إلهي ابنة والدك حقاً "

ورمقت بطرف عينيها المعني بالأمر والذي كان ينظر بعيداً عن

مكانهما وكأنه ينتظر مرور الدقائق بفارغ الصبر ليخرج بها من

هنا ويرميها بعيداً لكنها لم تأتي لأجل هذا ولن تغادر قبل أن يحدث

ما تريد وما يجب أن يكون ورغماً عنه ، نظرت للواقفة

أمامها وقالت

" أنا هنا لرؤيتك بالتأكيد لكن ليس هذا السبب الوحيد لقدومي
بل لأنه ثمة مكان علينا الذهاب له معاً والآن فوراً "


ونظرت خلفها فوراً ولقاسم تحديداً والذي كما توقعت كانت

نظراته توحي بأنه سيقفز عليها ويقتلها وكان سيعلق بالتأكيد

فقالت تشير بسبابتها نحوه

" أنت تصمت "

وتجاهلت نظراته الغاضبة ونظرت نحو مطر أولاً والذي كانت

نظرته كلها تهديد واضح وكأنه خمن أو يخشى أن تصدق ظنونه

فابتسمت له وقالت

" عليك أن تعلم بأني أحبك كثيراً يا شقيقي وممتنة لك بقدر
ما أنا آسفة "

وابتسمت له بحب وتجاهلت نظراته لها ونظرت للواقفة أمامها

تنقل نظرها بينهما باستغراب وقالت مسرعة كي لا يخنقها بيديه

حتى لا تكمل كلامها

" موعد المحاكمة اليوم يا تيما وعلينا أن نكون هناك "

" غيساناااااا "

نظر الجميع رغم صدمتهم بالخبر نحوه ما أن علت صرخته

الغاضبة تلك والتي حمد الله الثلاثة الباقين أنها لم تكن تخصهم

خاصة مع النظرات المشتعلة في عينيه وتشنج عضلات وجهه

بسبب الغضب المخيف المكبوت لكنها عكسهم تماماً وكما كانت

دائماً تجاهلته مجدداً ونظرت لتيما والتي نظرت لها بدورها نظرة

ضياع وكأنها تنتظر أن تتأكد مما سمعت ومنها تحديداً فحركت

رأسها تؤكد لها ما قالت فامتلأت العينان الواسعة والاحداق

الزرقاء بالدموع وهمست شفتاها بارتجاف

" اليوم ؟ "

أمسكت بذراعيها وقالت بجدية تنظر لعينيها الدامعة

" أجل وعلينا أن نكون هناك فثمة ما عليا قوله وعليك سماعه "

ونظرت سريعاً ناحية الذي كانت تجزم بأنه سيقفز عليها ويغرس

أنيابه في لحمها كنمر بري ثائر وقالت وإن كانت تدعي

القوة لحظتها

" لن تعترض يا مطر فالقرار لكلتينا "


تركتها نظراته التي صوبها كرصاصة قاتلة ناحية ابنته وقال بأمر

حازم وصوت قوي

" تيما اذهبي لغرفتك "

حدقت فيه العينان الدامعة تنطق انكساراً وحزناً بينما لم تتغير

نظرته تلك لها فأخفضت نظرتها ونكست رأسها وهي تستدير

بجسدها ببطء تشعر بأنها تدعس قلبها في كل حركة .

" عودي يا تيما "

توقفت خطواتها فجأة واستدار جسدها ناحيتهم مجدداً وعمّ المكان

صمت مخيف تلا صرخة دجى الآمرة تلك والذي قال بجدية عاقداً

حاجبيه ينظر لها متجاهلاً الذي يعلم نظرته له جيداً دون أن يكلف

نفسه عناء رؤيتها ولا التفكير فيها

" قولي ما لديك ولا تخشي أحداً "

زمت شفتاها المرتجفة ونظرت له من بين دموعها ثم للواقف

بجانبه هناك والذي كان يشيح بوجهه جانباً يقبض يداه بقوة

وتعلم بأنه يرفض التدخل تجنباً لغضبها فيما بعد وجيداً فعل في

نظرها ، قال دجى بلهجة قوية يسرق نظرها مجدداً

" لن يحرمك أحد حرية قول ما تريدين على الأقل "

وختم عبارته تلك ينظر لمطر والمحدق فيه بغضب نظرة يفهمها

كلاهما وكأنه يذكره بحديثهما البارحة بل وبكلامه تحديداً وبأن

القرار لها حين تكون في موضع اختيار فأبعد نظره منه لها

ولعينيها التي انسابت منها أول دمعة تشعر بها خرجت تسحب

روحها معها .. هي التي كرهت دائماً أن تكون موضع اختيار بين

اثنين من عائلتها ومن رفضت دائماً أن تشعر والدتها بأنها في

طرفه ضدها وهذا ما تكره أن يفهمه والدها الآن وبأنها في صفها

ضده وكان عليها أن تقول ما لديها هذا ما فهمته من نظرته رغم

قسوتها .

تحبه وفخورة به كما تحب التي حُرمت منها سنوات طفولتها

تراها في أحلامها كل ليلة ويئست فعلاً من تحقيق الحلم الذي

يجمعهم معاً كعائلة لطالما تمنتها وأرادتها لكن ليس أن تُحرم من

رؤية أحدهما مجدداً وللأبد وهذا ما هي موقنة منه .

تحركت شفتاها ببطء تنظر لعينيه بحزن وهمست بصوت مرتجف

" أريد أن أذهب "

وابتلعت غصتها وعَبرتها بل وحرقتها مع ريقها الجاف تنظر

بعينين دامعة لعينيه التي أسدل جفنيه فوقها يبعدها عنها وخشيت

أن يكون ما ترفض حدوثه تحقق وفهم بأنها تختارها عليه فقالت

بعبرة مكتومة

" أعلم بأنها لن تسمح أن أراها بعد اليوم فاتركني أتحدث معها

عن هذا فقط أبي أرجوك "


وامتلأت عيناها بالدموع مجدداً هامسة برجاء باكي

" هي غاضبة مني أريد التحدث معها فقط ولأخبرها .... "

وتوقفت كلماتها كما فارقت دمعة جديدة رموشها الطويلة حين

صرخ بغضب

" لو كانت تريدك وتحبك ما تركتك وهذا المنزل لها كما الجميع ..
هي لم تحترم أحداً ولا والدها لأنها في غنى عن الجميع هنا "

حركت رأسها برفض والألم والحزن يرتسمان في عينيها الدامعة

وما أن كانت ستتحدث معترضة سبقها قائلاً بأمر غاضب

يرفع سبابته

" أصمتي يا تيما وتوقفي عن الدفاع عنها "

ورمى بسبابته جانباً متابعاً بغضب أشد

" هي رفضت موت ابن شراع الذي تسبب في دمار حياتها مراراً
بينما لا تملك الشعور ذاته ناحيتكما ، غادرت مع ابن خالتها تاركة
حتى من اعتبروها شقيقة لهم ومنذ ولادتها ولم يغيرهم معرفة
حقيقة أنها لا تنتمي لهم "

وعاد وأشار بها للبعيد متابعاً بذات الصراخ الغاضب

" عبرت حدود مليئة بالجنود وقاطعي الطريق دون علمهم
واستقبلوها بكل حب ولم يحاسبها أحد منهم على فعلتها تلك ،
كانت السبب في خلاف طويل بين الابن الأكبر ووالده وأشقائه ولم
يلقوا باللوم عليها يوماً بل كان لومهم بأكمله عليه هو ، عاشت
بينهم طفلة مدللة وامرأة سيدة على نفسها بل وعليهم أيضاً وماذا
كان المقابل ؟ "

وصرخ بالحقيقة التي كانت أقسى من شرحه لها

" نحن ولسنا العائلة التي تستحق حبها واحترامها فماذا عنهم
هم ؟ إنها لا تتوقف عن ممارسة هوايتها المحببة وهي كسر
الرجال لتبث نفسها "

" وما الذي وجدته لديك ولدى الجميع ؟ "

كان صوت دجى الصارخ ما قاطع كل ذلك السيل الغاضب لعبارات

من كان الصمت التام تعليقه لأيام على ما حدث بل وأضاف

صارخاً بقوة وسبابته تشير له

" بل ما الذي فعلته لكليهما سوى الحزن والخيبات يا مطر "

صرخت تيما تنظر له بعينين دامعة

" لا جدي "

وما أن كانت ستتابع حديثها ويعلم جيداً ما سيكون قال بقسوة

" توقفي عن هذا يا تيما فأنتِ أكبر مثال على ما أقول "

وعاد لهجومه الغاضب نحو من لم يكتفي منه بعد كما يبدو

" من الذي وجدته غسق منهم ومنا حين كسرتها يا مطر
أجبني ؟ "

وتابع من فوره وبغضب أشد مهدداً

" لن أسمح لك بإيصال حفيدتي لذات المصير وإن أخذتهما
وسافرت بعيداً أحببت ذلك أم كرهت "

تحدث المعني بالأمر أخيراً وقال بجمود لا يشبه اشتعال مهاجمه

" أهذا ما لديك لتقوله ؟ "

لكن رده عليه كان صارخاً وبقوة يشير بسبابته في منحنى بينه

وبين البعيد

" نعم أو جميعنا سنلجأ للقانون الذي تحميه "

كانت كلمات قاسية صدمت الجميع رغم صمتهم سوى من التي لم

يستطع قلبها تقبل ذلك وقالت باكية تنظر له برجاء كسير

" لا جدي أرجوك "

كان المكان يعج بالضجيج رغم صمت أغلب الموجودين فيه فبينما

كان تعليق مطر الصمت التام نظراته لا تفارق العينين المشتعلة

تقذف شفتاه كل تلك الحمم المسمومة نحوه وكأنه يرد له ما قال

عن ابنته الند بالند كان صمت قاسم مختلفاً يشعر بالإحتراق في

جوفه ويجبر نفسه على الصمت بينما كانت نظرات غيسانة

ملتصقة بالواقف قربها تحديداً ورغم ذهولها كانت تنتظر بفضول

وقد عادت لها تلك الأفكار والتساؤلات مجدداً عن التضحيات

والتنازلات والهبات دون مقابل وماذا يكون الثمن غالباً ؟!

وكانت ترى الجواب أمامها ينطق في صمت .. الصمت الذي قطعه

دجى مجدداً صارخاً بحفيدته هذه المرة دون شفقة لدموعها

ورجاءاتها يذكرها بما قال تحديداً عن ابنته

" توقفي عن الدفاع عنه أيضاً يا تيما وقولي ما لديك وواجهيه
بحقيقة ما تريدين قوله دون مراعاة ولا خوف "

وكان ذاك ما جعل المعني بالأمر يشتعل غضباً وصرخ بقوة يشير

له بسبابته

" تذكر هذا اليوم جيداً عمي وما قلت فيه "

وتحركت خطواته نحو الباب قائلاً بحدة

" سيغادر مطر شاهين حياتكم إذاً لعلها تتحول للأفضل
من دونه "

" لا أبي "

كان صراخ تيما الباكي أيضاً ما كسر الصمت الذي خلفته كلماتهما

الغاضبة وخرجت خلفه باكية وبخطوات راكضة لم تهتم ولا

لنداءات جدها وكلماته الغاضبة تنزل عتبات الباب التي لا تنظر

لها أساساً نظرها على الذي بالكاد تراه من خلف دموعها وهو

يفتح باب سيارته ويركبها ومن تعلم جيداً بأنه إن غادر من هنا

لن يعود وبأنها ستخسره أيضاً وقد يكون للأبد .. بل وأي طعنة

قاسية سيحملها في قلبه وهو يرحل من هنا .

ركضت ناحيته كركضها الطويل المؤلم لأعوام نحو أحلام طفولتها

التي لم تتركها يوماً كما لم تنلها حيث المستقبل الذي انتظرته

بشوق تعد الأيام لتصل إليه ولم تنله حتى الآن ، وقفت أمام

سيارته التي كان يركبها ورفعت يديها جانباً دموعها تسقي

وجنتيها وكأنها تقول له

( عليك قتلي قبل أن تفعلها وتتركني )

كانت دموعها تنزل دون توقف وشهقاتها ينتفض معها صدرها كل

حين كتلك الطفلة التي عرفها قبل سنوات ووجد نفسه مجبراً على

رعايتها وحيداً .. الطفلة التي لم تفارقها حتى الآن لازالت تجلس

عند أحد زوايا قلبها تطالبها باكية بكل ما حلمتا به سوياً وبكل ما

بات مستحيلاً الآن فقد دمر الكبرياء أحلامهما البريئة تلك ومزقته

التضحيات دون أي رأفة بهما وبأمنياتهما الصغيرة .

انفتح باب السيارة ونزل منها واقفاً على استقامته وحرمتها

الدموع المتكدسة في عينيها تخرج دون توقف من رؤية تلك

النظرة في عينيه كما حُرمت لأعوام طويلة منها لا تراها بالرغم

من أنها كانت تحضنها كل ليلة حين كان يدخل غرفتها نائمة

ويجلس عند رأسها تلامس يده شعرها الناعم ينظر لما تركت له

محنات حياته وثمن الحلم الذي سلبه من نفسه ليهبه لشعب بلاد

كاملة تذبحه كلما نظر لها ليوقن في كل مرة بأن الثمن كان أعظم

مما قدمه ودفعه .

أغمض عينيه مبتسماً بألم ما أن ركضت نحوه وارتمت في حضنه

الذي استقبلها من فوره تشتد ذراعه حول جسدها يضمها لصدره

بقوة حيث انسكبت دموعها وعبراتها وقالت باكية

" يمكنني العيش من دون أي رجل في عالمي إلا أنت أبي "

واشتد نحيبها وهي تتابع دون أن تبعد ملامحها عن صدره

العريض ولا أن تنظر له

" أحبك أبي لا تتركني أرجوك لأني من دونك بدون ظهر
أستند له "

اشتدت ذراعاه حولها أكثر وأشاح بوجهه ونظراته الحزينة جانباً

وهمس متعوذاً من الشيطان أصابع يمناه تنقبض على قماش

حجابها بقوة يضم بكائها وكلماتها التي لا تتوقف عن ترجيه للعذل

عن قرار تعلم بأنه إن اتخذه فلن يتراجع عنه مهما طال الوقت

ومهما حدث .

*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 21-07-21, 12:41 AM   #16456

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*

أغلق الملف الذي بات يحفظ أوراقه عن ظهر قلب وكل سطر فيه

وبالترتيب من كثرة ما قرأها الأيام التي كان فيها سجين منزل

وزير العدل وها قد حان اليوم الموعود والذي لم يكن يتخيل أن

يشعر فيه بالتوتر هكذا ! مشاعر نسيها كمحامٍ ومنذ أعوام طويلة

حين اعتاد أن يدخل المحاكم ويترافع عن موكليه حتى أنه قام

بتدريب عدة دفعات في الجامعة لطلبة لم يدخلوا المحاكم من قبل

يشعر هو بهذا الشعور اليوم ! حتى أن الطرف الآخر في القضية

لن يكون موجوداً فلما يشعر بهذا التوتر ؟! أهي الرهبة منه حتى

في غيابه فقط لأن الأمر يخصه ؟ أم أنه الشعور المهلك لكل محامٍ

وهو الخوف من الفشل ؟!


رفع نظره للنافذة الطويلة أمامه وللسماء المطلة عليها حيث

محكمة العاصمة الكبرى والمكتب الذي وصلوه قبل ساعة تقريبا

وقبل أن ينفصل عنهم السيد عقبة ويغادر المكان قاصداً مكتب

رئيس المحكمة هنا وتركهما لصمت يرى بأنه السبب الرئيسي

في كل هذا التوتر .

نظر وللمرة الأولى منذ تواجدهما هنا للواقفة أمام النافذة البعيدة

تتكئ بكتفها على إطارها الخشبي بينما تهيم نظراتها الشاردة

للخارج تكتف ذراعيها لصدرها من يراها يظن بأنها تمثال شمعي

لامرأة جميلة حزينة النظرات لولا الشيء الوحيد الذي كان

يربطها بعالم الأحياء وهو الحركة الخفيفة لشفتيها وهما تشتدان

من حين لآخر قريب ليعبر عن مشاعر أخرى مختلفة في داخلها

تحاول للحظة السيطرة عليها بجمود ملامحها وشرود نظراتها ولم

يتمنى قط أن يعلم ما تفكر فيه الآن تحديداً .


أبعد نظره عنها وابتسم بحزن وشرود وهو يتذكر تلك السنوات

البعيدة .. الشوارع الترابية السماء الغائمة الفتية الراكضون

والطفلة الفاتنة ذات الضحكة الخلابة والشعر الشديد السواد يحف

كتفيها شديد النعومة واللمعان .. عينان كالبحر اتساعاً وكالليل

سواداً وأحداق كبيرة لامعة وبشرة ناعمة بلون الثلج وملمس

كالحرير .. كانت كالبدر كالملاك مركز اهتمام الجميع في لعبهم

ذاك وكان يشعر بقلبه يرقص كالحمامة التي تحررت من سجنها

فجأة حين كانت تختار الجلوس فوق كتفيه وقت ركضهم لأنه كان

أطول من وثاب ومن جبران حيث كان رماح ورعد أصغر منهم

سناً وكان يتلقى الضربات الموجعة المتعمدة منهما ويتحملها بل

ويضحك لا يفكر سوى بأنه محور اختياراتها ذراعاها الصغيرين

يحيطان برأسه وصوت ضحكاتها يشعر بأنه يسقط في قلبه

ويجعله يطرب فرحاً ، كما لم ينسى ذاك اليوم الذي عاد فيه

للمنزل بعد أعوام الثانوية والاشهر العسكرية الإجبارية حينها

كقانون ثابت لدخوله الجامعة في ذاك الوقت ووجدها هناك مع

شقيقته جليلة .. كانت الطفلة الصغيرة التي منعها شراع من

اللعب معهم منذ بلغت العاشرة من عمرها قد أصبحت شابة فاتنة

بل لا يجد أي كلمة لوصفها كما وصف شعوره حينها وهي تحييه

بيدها من بعيد عند باب غرفة شقيقاته وتجمدت عيناه عليها دون

استئذان منه حتى أنه لم يعد يشعر ولا يهتم بأي أحد عداها

وليكتشف بأن الحروب الضارية بين الفتية الثلاث سابقاً لا مجال

لمنعها من الظهور مجدداً وهم شبان فكانت محور مشاكله مع

شقيقه من والدته وثاب كما شقيقها الأكبر جبران والذي علم ومنذ

صغره بأنها ليست شقيقتهم واحتفظ بذلك في نفسه لم
يعرف به أحد .

ويالا سخرية الأقدار فالمرأة التي كانت محور شجاراتهم

وتنافسهم لأعوام ومنذ كانوا فتية صغار سلبها منهم رجل يعيش

في القطر الآخر من البلاد ليسرقها من بين أيديهم بكل سهولة لا

شجارات لا انتظار ولا نظر وحرمان ! ولا يمكنه وصف شعوره

في اليوم الذي علم فيه بزواجه منها ، بل والأكثر سخرية وما

جعلهم مدعاة للشفقة بالفعل اكتشافهم بأنها زوجة له منذ كانت

طفلة يتسابقون على حمل جسدها النحيل فوق أكتافهم يحلمون

بما هو حقيقة لغيرهم .

والأسوأ من كل ذلك أنه ما أن علم بخبر طلاقها وعودتها لصنوان

ترك جامعته وركض يسابق منافسيه مجدداً كالأبله واختار أن

يتحدث معها هي نفسها هذه المرة وفي الوقت الذي كانت تحتفل

فيه البلاد بتوحيدها وتنصيب شراع صنوان رئيساً لها وفترة

ظهور مملكة النساء للعلن ولا يمكنه وصف ذاك الشعور حين

قابلت طلبه بما هو أشد قسوة من الرفض وقد اختارت مواجهته

بالحقيقة التي نطقت بها عيناها قبل كلماتها

( أنا لم أعد متاحة لأي رجل يا قائد .. أنا امرأة بلا قلب يمكن
أن تهبه لأي كان )

ولم ينتهي الأمر عند ذلك بل واجهته بالحقيقة الأشد صعوبة

وقسوة على كليهما حينها لتقطع أمله ونهائياً وهي تتابع ذبح

نفسها قبله

( لا أُجزم بأنه بإمكاني تجاوز تلك الأشهر القلية يوماً ما )

ولمعت عيناها بحزن حينها وقرأ فيها حبها الشديد لذاك الرجل ..

الحب الذي لا يمكنها وهبه لسواه بل ورأى في تلك النظرة مالم

يراه فيها طوال سنوات معرفته لها وهو جرح القلب الغائر وألم

الحب الذي لا يموت وعلم حينها بأن انتظارها أو تعليق الآمال

عليها ليس سوى تضييع للوقت كما خوض المنافسات

والشجارات لأجلها غباء لا طائل منه فودعها بعينين حزينة وهي

تتركه مبتعدة قبل أن توجه له آخر عباراتها ونهاية أمله الكسير

بها وتركت لكلماتها حرية تمزيق قلبه ودون رحمة

( لو كان ذاك بإمكاني ما اخترت غيرك يا قائد لكن القلوب حمقاء
لا أحد يمكنه التحكم بها )

أجل معها حق القلوب حمقاء تعلم جيداً الطريق الخاطئ
وتقودك له !
تعرف مسبقاً مصيرك المحتم وتغامر بك !

وعاد وسخر منهم ذاك الرجل مجدداً وأشعل ناراً بين من يجهلون

بأن من يتسابقون مجدداً للفوز بها لم يحررها منه أبداً ولم يتركها

لهم ولا لأي أحد بعده ليس فقط لأنه وفي الخفاء ثمة اتفاق مع

والدها يمنع زواجها بل ولأنها كانت زوجة له طوال الوقت ،

فانسحب بصمت حينها وأشغل نفسه ببناء المحامي الناجح

والرجل القوي وأقنع قلبه قبل عقله بأنها شيء لم ولن يكون له

بسبب اعترافها ذاك والذي خصته به لوحده وكأنها ترفض أن

يتعلق هو تحديداً بالأمل الكاذب ، وبالرغم من كل ذلك رفض أن

يخوض المغامرة مع امرأة أخرى كي لا يكتشف لاحقاً بأنه لا

يستطيع وهبها مشاعراً تنتظرها وتتمناها منه بينما سيقف هو

بذهول أمام قلبه الذي واجهه وبكل واقعية بحقيقة أنه لا يمكنه أن

يُحب أي امرأة مجدداً ، فعاش وحيداً كل تلك الأعوام يُفضل أن

يكون كذلك على أن يظلم امرأة ما معه وبسببه ويكون مصيره

كمصير شقيقه وثاب الذي تزوج لثلاث مرات انتهت بالطلاق

جميعها أو كجبران الذي خسر الجميع من حوله بسبب حربه

الطويل من أجلها .

وحتى في هذه اللحظات ورغم ما يحدث وبقرار منها لازال يرى

ما تخفيه خلف ذاك الجمود في عينيها الجميلتين وبأنها لن تجتاز

مشاعرها ناحية الرجل الذي جعلها تغفر له ما أن عاد لواقعها

مجدداً وتتخطى وحدتها وألمها وكبرياؤها لتركه لها كل تلك

الأعوام ، كما أنه من الحمق أن يفكر أي رجل في هذه البلاد

كاملة أن يضع نفسه نداً له فلا أحد يشبهه لا كان ولن يكون ..

يعترف بهذا دون جُبن أو تحايل ولا خداع لنفسه قبل غيره .

نظر ناحيتها ما أن تحركت من مكانها ولأول مرة منذ وجودهما

هنا ، وما أن انفتح باب المكتب علم سبب حركتها تلك وبأنه لم

ينتبه مع دوامة أفكاره العميقة بأن مقبضه تحرك وأن قفله أصدر

صوتاً واضحاً ودخل السيد عقبة حينها وأغلق الباب خلفه ونقل

نظره بينهما قائلاً

" القاعة الخاصة جاهزة ومحامي الطرف الآخر وصل لحوران "

قبل أن يستقر نظره عليها تحديداً وقال بهدوء حذر

" لازال بالإمكان إيقاف كل هذا بكلمة واحدة منك يا غسق "

لكنها واجهت كل ذلك بثبات وإن كان يصعب قراءة أي شيء في

نظراتها أو كلماتها حين قالت

" لم أفعل كل هذا وخسرت من خسرت لأتراجع "


فأنزل قائد نظره كما رأسه بينما تنهد الواقف أمامها قبل أن

يتحرك من مكانه قائلاً

" إذاً اتبعاني لنصل لها مباشرة دون لفت أي انتباه "

وغادر تاركاً الباب مفتوحاً بعده وكانت هي أول اللاحقين به تبعها

الذي كان ينتظر بفارغ الصبر أن ينتهي هذا اليوم العصيب يتنمى

من الله في قرارة نفسه أن لا يكون أطول من توقعاتهم .


*
*
*

أخرجت مفاتيح باب المنزل من حقيبتها وفتحته تتمنى أن لا تجد

أحداً في انتظارها بالرغم من أن اتصال والدتها قبل مغادرتها من

هناك يعني أنها ستكون في استقبالها بكل تأكيد وينتهي اليوم

الرائع بكارثة أخرى سبهها ساندرين فلم تسمح لها هي ووالدتها

بالمغادرة كلما حاولت الوقوف وكان عليها تناول العشاء والحلوى

وشرب الشاي وتناول الفاكهة حتى اتصلت والدتها تذكرها بأن لا

تتأخر أكثر من ذلك ، وعلى الرغم من أنها ممتنة لهم لإشغالها

بعيداً عن وحدتها في غرفتها والتفكير والحزن لتكون هنا منتصف

الليل منهكة تحتاج لأن تنام فقط إلا أنها كانت متعبة وبحاجة لأن

تستحم فهي من المطار لمقر البحرية لمنزل عائلة ساندرين

مباشرة .

دست مفتاحها في حقيبتها وأغلقت الباب بهدوء وما أن استدارت

بكامل جسدها وجدت من كانت تتوقع رؤيتها جالسة على الأريكة

وقد وقفت من فورها والغريب في الأمر أنها كانت تبتسم لها

محطمة جميع توقعاتها ! فأقل ما كانت تتوقعه وفي أفضل الحالات

عتاب قصير لتذكرها بأنه عليها أن تعتذر مبكراً في المستقبل

مهما كانت مُحرجة منهم !.


انحنت لحذائها ونزعته ولبست الآخر المخصص لها من أجل

المنزل وتوجهت نحوها وقبلت وجنتها هامسة بتعب

" مساء الخير أمي "

وابتعدت عنها لكن تلك لم تتركها بل أمسكت بذراعيها وقالت

بحنان ونظرة محبة

" أسعدك الله بنيتي في كل وقت ومكان "

حاولت أن تبتسم ابتسامة تعبر عن امتنانها لما قالت لكن

ابتسامتها كانت متشنجة مرتبكة ولم تستطع منع الاستغراب من

السيطرة على نظرتها وهي تحاول قراءة العينان المقابلة لها

والنظرة فيهما ! لما تتمنى لها السعادة وتنظر لها هكذا وكأنها

تودعها أو تريد تخفيف فاجعة ما عنها ؟!

لكنها كانت ستكون تبكي الآن وليس تبتسم هكذا إن كان ثمة

مكروه أصاب والدها أو شقيقها !

وانتفض قلبها بقوة حين فكرت بأنه قد يكون سبقها خبر تركه لها

باتصال منه أو أنه جاء بنفسه وأخبر والديها ولهذا هي تحاول

إيصال رسالة لها مفادها أنها ذاتها في قلوبهم لم تتغير محبتهم

لها ولتستقبل الخبر بأقل قدر من الصدمة ! تعالت ضربات قلبها

حتى بلغت حنجرتها وابتلعت ريقها بصعوبة تنظر لشفتي والدتها

التي تحركت أخيراً ورحمتها وقد أبعدت يديها عنها قائلة

بابتسامة لم تتوقعها

" ثمة زائر ينتظر في غرفتك "

لو كانت ترى وجهها في المرآة حينها لدخلت نوبة ضحك

هستيري على شكلها الذي ستراه فيها وهي تفتح فمها ببلاهة ،

وكان لها ذاك فعلاً فقد ضحكت والدتها قائلة

" إنه هنا منذ وقت العشاء وينتظر في غرفتك من أكثر
من ساعتين "

" لماذا ؟! "

كان ذاك فقط ما استطاعت أن تهمس به ولا تعلم عن ماذا كانت

تسأل تحديداً ! ولا يبدو لها أن والدتها علمت عمّا حدث اليوم ولا

أنه أخبرهم بقرار انفصاله عنها فهل يتركها مفاجأة يخصها

بها لوحدها ؟

قالت التي مسحت على ذراعها مبتسمة

" آسفة بنيتي مؤكد منزعجة من رؤيته لك مجدداً بثياب عملك
لكننا لم نكن نعلم بمجيئه أبداً "

حركت رأسها بطريقة آلية متمتمه

" لا بأس أمي "

وابتسمت بقهر فهو رآها هكذا منذ منتصف النهار وانتهى ،

انتبهت من شرودها للتي دفعتها من ذراعها برفق قائلة بابتسامة

" هيا كنانة ما بك واقفة هكذا فهو ينتظر منذ وقت طويل
ويريد التحدث معك "

تحركت من مكانها وسارت بخطوات مترددة لازالت تستغرب

تصرف والدتها كما مجيئه وبقاؤه لهذا الوقت ليتحدث معها !

فهل حان الوقت الحقيقي للمواجهة وقول الحقيقة وتلقي

التوبيخ والعقاب ؟!

وقفت أمام باب الغرفة ونظرت جانباً حيث الممر الذي لا وجود

لأحد فيه غيرها قبل أن تعود بنظرها للخشب البني المحروق

أمامها وتنفست بعمق تشجع نفسها وأمسكت مقبضه وأدارته

ببطء حتى سمعت صوت طقطقة انفتاحه وحينها انتهى وقت

التردد فهي أعلنت عن وجودها ويكفيها تصرفاً كالحمقاء فكل ما

عليها فعله هو قول الحقيقة تَقبلها أم لم يفعل تلك ليست

مشكلتها .. ستبكي وتتعذب وتكتئب لأيام مهما كانت طويلة

ثم تعود كما كانت وتجتاز كل هذا وانتهى كل شيء .

دفعت الباب نحو الداخل ما أن انتهت دُفعة تشجيعها لنفسها والتي

تلاشت للأسف وكالسراب ما أن وقع نظرها على الذي كان

يجلس عند طرف سريرها المواجه للمكتبة الصغيرة التي تحتفظ

فيها بكتبها المفضلة والضرورية لعملها إن كان الآن أو حين

كانت تعمل كمضيفة سابقاً يمسك كتاباً منهم في يده ومنشغل به

قبل أن ينتبه لها وينظر نحوها .


كان ما يزال بلباس الطيران الخاص به ويبدو أنه من مقر البحرية

جاء إلى هنا مباشرة ليكتشف أن رحلة تسكعها لم تنتهي بعد .

أنزلت نظرها ما أن أطال التحديق في عينيها ونظرت ليديها التي

أمسكتها ببعضها في توتر وألقت السلام بهمس لم تصدق بأنه

وصله حتى سمعته يرد عليها وهو يضع الكتاب من يده ، وندبت

حظها تشعر بالتعاسة فها هو يجعل الأمر أكثر صعوبة عليها

مستقبلاً بتركه لذكراه حتى في الغرفة التي تنام فيها .

رفعت رأسها ونظرت له ما أن وقف وتحرك نحوها واجتازها

وأغلق الباب أولاً قبل أن تلتف أصابعه حول كفها لتشعرها

بقشعريرة تسري في جسدها بأكمله وهو يسير بها نحو الداخل

أكثر وترك يدها ما أن كانا قرب سريرها ووقف أمامها ونظر

لعينيها مباشرة وشعرت بالثواني القليلة تمتد لأعوام طويلة وهي

تنتظر أن تتحرك شفتاه المحفوفة بشارب ولحية خفيفتان

ورحمتها أخيراً وبالكاد استطاعت سماع صوته المنخفض الرزين

مع صوت طبول قلبها التي كانت تضرب في أذنيها

" سنغادر من هنا غداً يا كنانة "

اتسعت عيناها بدهشة ما أن استوعبت ما قال فهو لم يقل شيئاً

من السيناريوهات العديدة التي قامت مخيلتها بتأليفها وصدقتها

هي وكأنها حقيقة !

لكن ما قاله أيضاً لا يمكن استيعابه بسهولة فكان أول ما جادت

به شفتاها هو همس خافت خرج معه صوتها بصعوبة

" نغادر إلى أين ؟! "

فهي فعلياً لم تستطع فهم ما يعني ولما وأين يغادران وفي هذا

الوقت القياسي وكأنهما هاربان ! وازدادت دهشتها ما أن حرك

يده جانباً قائلاً بنفاذ صبر

" لموطنك ومنزلي بالتأكيد أين سيكون "

" لا "


قالتها سريعاً مندفعة وتداركت نفسها ما أن رأت الغضب يبحث

عن طريقه في عينيه وملامحه وقالت بتوتر

" أعني لما الإستعجال هكذا فأنا أ.... "

ولم يتركها تنهي حديثها وهو يمسكها من ذراعها ويسحبها نحو

النافذة وأبعد الستارة قليلاً وقال

" أنظري لطرف المبنى الأرجواني المغطى بالقرميد هناك "

انصاعت له وإن كانت لا تفهم شيئاً ونظرت من خلال الشق

الضيق بين قماش الستار السميك وطرف النافذة المعدني تتمنى

فقط أن يبتعد عنها قليلاً لتعرف ماذا ترى وأين فوجوده بقربها

يوترها بشدة فكيف أن يكون ظهرها يكاد يلتصق بصدره بينما

تحيطها ذراعه لإمساكه بطرف الستارة بجانب وجهها تشعر

برئتيها تشبعت بعطره الفاخر حد الثمل تكاد تسقط في حضنه

طواعية لولا سندت نفسها بيدها على الجدار المحاذي للنافذة

تماماً ، وكتمت أنفاسها ما أن شعرت بحرارة أنفاسه قرب أذنها

وجانب وجهها وهو يهمس

" هناك بجانب المبنى تماماً عند جذع الشجرة "

تنفست بعمق ونهرت نفسها عن كل هذا الحمق فما يتحدث عنه

يبدو مهماً ، شهقت بصدمة ما أن رأت ما كان يتحدث عنه وأنزل

الستار حينها فالتفتت إليه وقالت هامسة بصدمة وكأنه يسمعهما

من كل تلك المسافة

" من ذاك ! "

دس يديه في جيبي بنطلونه وحرك كتفه قائلاً

" شخص وضع لمراقبتك بالتأكيد "

اتسعت عيناها بذهول وقالت

" كيف ولما ! "

تنهد بضيق وأخرج يده من جيبه وقال يشير بها جانباً

" كيفْ هذه تعلمينها جيداً .. ولما لأنه ثمة دائرة حمراء حولك
الآن بسبب تواجدك في نورثود اليوم "

قالت والدهشة لم تفارق ملامحها كما صوتها

" لكن ماذا فعلت ؟! "

قال بضيق أشد

" أنا من أريد أن أسألك ما الذي فعلته "

شعرت بمأزقها يزداد سوءاً ولم يعد يوجد في قاموسها أي

عبارات أخرى تشتم بها ساندرين ولا نفسها معها فقالت

معترفة بتوتر

" إنها الورقة التي أعطيتك إياها هي .... "

قاطعها قائلاً بجدية

" أعلم ما الموجود بها كما أن ذاك الضابط لم يراها فما الذي
تحويه الورقة الأخرى التي وجدها لديك ؟ "


ارتجف صوتها وقالت وتوترها يزداد

" إنها ... إنها خارطة مبسطة لوصولي للطابق الخامس "

ضرب جبينه بكف يده ومرر أصابعه في شعره الناعم للأعلى مما

جعلها تشد شفتها بأسنانها تشعر بقلبها توقف من الخوف وأتاها

الدليل حين قال بضيق ويده قد استقرت عند قفا عنقه

" لا تعلمين حجم الكارثة التي توقعين نفسك بها كنانة "

ارتفعت يدها لصدرها وقالت بذعر

" لماذا !! كل ما في الأمر أني ساعدت صديقة لنا و .... "

قاطعها قائلاً بحدة

" هل نسيتِ أنتِ زوجة من وخاله من يكون ؟ "

وتابع بضيق يضرب كف يده بظهر الأخرى وكأنه يشرح لها

والورقة في يده

" تحملين خارطة داخل مبنى لمقر البحرية البريطانية وذاك
الضابط علم عن اسمك ومن تكونين بالنسبة لي "

اختنق صوتها وحركت رأسها قائلة بضياع

" أنا لا أفهمك ! "

قال من فوره وبجدية

" إنها شبكة كبيرة وخطيرة كنانة تحارب البلاد وما حدث اليوم
جعلهم يشكون بك "

فقدت الكلمات كما فقدت صوتها بسبب الصدمة وهمست

بصعوبة وذهول

" لكنك كنت هناك ! "

رفع يده جانباً وقال

" كنت هناك لأنه تم استدعاء طاقم الطائرة التي هبطت ذاك اليوم
جميعهم وليس وحدي "

أمسكت جبينها بأصابعها ونظرت للأرض تغمض عيناها بقوة

تشعر بأنها تعيش في صدمة ودوامة كبيرة لا تستطيع الخروج

منها وقالت بضيق ما أن عادت ورفعت نظرها له

" لِما أخبرته عنا لَما كان سيعلم بأني زوجتك "

حرك رأسه وقال بنفاذ صبر

" وأتركهم يمسكوا بك كنانة هذا ما تريدين ؟ ستصيبينني
بالجنون "

قالت بتلعثم

" لكن ... لكني .... "

وامتلأت عيناها بالدموع وهمست بصعوبة

" وعائلتي ؟ "

قال من فوره

" سيكونون بخير "

حدقت فيه باستغراب قائلة

" كيف وهم يراقبون المنزل ويشكون بي ! "

قال من فوره

" سيختفون باختفائك أو سيراقبونهم لأيام ثم يغادرون لأنه
لا صلة لهم بأحد مهم "

وما أن كانت ستتحدث قاطعها قائلاً بضيق

" كنانة يكفي أسئلة فلن أسمح أن تنتهي حياتك برصاصة منهم "

" لما ! "

همست بتلك الكلمة في صدمة تنظر لعينيه فتنهد بضيق وقال

" هل سأعيد كل ما قلت لتفهي لما ! "

سحبت الهواء لرئتيها وقاومت دموعها باستماته كي لا تضعف

أمامه وقالت بكل ما استطاعت من قوة وثبات ونبرة جامدة

" بل لما لا تريد وأنت ستتخلص من اختيار والدتك بهذا "

نظر لعينيها بصمت حتى اعتقدت بأنه لن يجيب أبداً وخانتها

توقعاتها ما أن قال بنبرة تشبه نبرتها بل أكثر جموداً وقوة

" هل تسمح لك إنسانيتك بتركي أموت وأنتِ لا تريدينني ؟ "

ابتلعت ريقها الجاف بصعوبة وضربات قلبها تعدو في سباق طويل

وأرادت أن تقول : أنا لا يمكنني ولا التفكير في هذا لأفعله ليس

بسبب إنسانيتي بل لأني أحبك ، وتألمت من فكرة أن يكون تفكيره

عنها بأنها لا تريده وكبرياؤها لا يسمح لها بتغيير تلك الصورة

في عقله لأنه لا يبادلها ذات المشاعر وباعتراف منه ، لمعت

عيناها بأسى وهمست بما لم يعد يمكنها التحكم في خروجه بسبب

أفكارها تلك تنظر لعينيه

" لازلت تراها ؟ "

" من هي ؟! "

همس بها أيضاً وباستغراب ، ولم يترك لها قلبها الجريح أي

فرصة لتستوعب أن صاحب تلك الكلمات نسي تماماً ما يكون

ذلك وقالت باستياء

" حبيبتك السابقة .. من تكون مثلاً ؟ "

ارتسم الضيق على ملامحه وقال يشير لصدغه بأصابعه

" كنانة حلفتك بالله تبعدي هذه الأفكار من دماغك فهذا
ليس وقتها "

زمت شفتيها توبخ نفسها أكثر من استيائها منه وحماقتها لسؤاله

عن هذا الأمر وهي أصبحت زوجته فكل ما عليها فعله أن تجعله

ينساها لا أن تذكره بها طوال الوقت كالبلهاء ، نظرت لعينيه

بصمت وقد قال بجديه

" علينا المغادرة فقط وفي أسرع وقت تفهمين هذا ؟ "

همست والحزن يرتسم في عينيها

" لكن ... "

وتوقفت كلماتها ما أن قاطعها سريعاً

" لا تقلقي بشأنهم يا كنانة سيكونون في مأمن ومراقبين من
رجال خالي مطر أيضاً ولن يصيبهم أي مكروه بابتعادك "

شعرت بكلماته تسحق قلبها بدلاً من أن ترسل الاطمئنان له

وهمست بصعوبة تقاوم السؤال ليخرج

" وخالك من طلب مغادرتي ؟ "

" نعم "

قالها مباشرة وعيناه تبحث في عينيها عمّا لم تفهمه أو لم تجد

مشاعر لتستوعبه وهي تشعر بقلبها يُسحق مجدداً وبقسوة

وهمست بحزن

" أي أنك ...."

ولاذت بالصمت تكتم كل ذلك في قلبها ما أن قاطعها قائلاً

باستعجال ويداه تمسك بذراعيها

" أي أنه عليك أن تكوني جاهزة فجراً ولا تأخذي معك سوى ما
هو ضروري واتركي كل ما يمكن شراؤه بالمال "

سحبت أنفاسها بصعوبة ولازالت مشاعرها الحمقاء تخونها كلما

اقترب منها أو لمستها يداه تشعر بملمسهما على ذراعيها وكأنه

ليس ثمة قماش يفصلهما عنها وكرهت المشاعر التي ظهرت

واضحة في عينيها حينها فسارع كبرياؤها لقولبتها وقالت بترقب

تغطي كل ذلك

" هل أخبرت والداي بما يحدث ؟ "

أبعد يديه حينها ورحمها قائلاً

" لا ولا فائدة من معرفتهم سوى قلقهم وتوترهم "

ولم تكن تلك الرحمة سوى مؤقتة فقد أمسك هذه المرة بوجهها

مما جعل مشاعرها تهوي للقاع وتجمدت كتمثال حجري وأسرتها

عيناه وقد قرب وجهه منها وقال بتأني

" كل شيء سيكون على ما يرام كنانة أعدك "

ووجه لها الضربة القاضية حين قبل شفتيها قبلة واحدة سريعة

وغادر باتجاه الباب وكأنه لم يفعل شيئاً تاركاً ورائه جسد وقلب

يرتجفان كسعف نخيل في مهب الريح وغادر بخطوات واسعة

ثابتة مغلقاً الباب خلفه وما أن وصل بهو المنزل نظر ناحية

الواقفة بعيداً في الظلام فابتسم وغمز لها بعينه يؤكد لها ما كانت

تشك في مقدرته على فعله وهو إقناع ابنتها بالذهاب معه خلال

ساعات قليلة فقط فابتسمت من فورها وامتلأت عيناها بالدموع

هامسة تراقبه وهو يغادر باب المنزل الذي أغلقه خلفه بهدوء

" ليحفظكما الله "

*
*
*

كانت سيارته تجتاز الطريق الطويل الممتد بين لندن وبريستول

بسرعة كبيرة يشبه مسارها الممتد وسط الظلام أفكاره المتشابكة

وكلمات الذي قابله هناك لازالت تسيطر على عقله

( تسَترها على القاتل له سبب قوي بالتأكيد وتفكيرك سليم تماماً
في أنه سيكون له صلة بما حدث في الماضي ومفتاح اللغز قد
يكون في ذاك الشخص وفي حال كان من تشك به فهذا لن يلغي
اتهامها بالجريمتين السابقتين ووجود هذه القضية الآن أمر لا
يصب في صالحك ولا صالحها لأنك وإن أغلقت ملف مقتل شقيقك
بتقديم القاتل الحقيقي للعدالة أو تنازلت عائلتك عن حقها فسيبقى
أمامك جريمتان عادتا للطفو للسطح مجدداً وستنال الحكم فيهما )


ضرب المقود بكفه بغضب يشد أسنانه بقوة وأداره يميناً حيث

الطريق الذي اتبعه وسيوصله لقصرهم لدخوله المدينة الآن يشعر

بجميع الأبواب تُغلق في وجهه فهو بنى آمالاً كبيرة على لقائه

بذاك الرجل وبالرغم من أنه وافقه على وجود قاتل حقيقي لشقيقه

غيرها إلا أنه قتل أمله الوحيد في أن تكون الثغرة التي يمكنه

إبطال باقي القضايا السابقة بها وتبرأتها بشكل كلي .

لكنه لن يتوقف ولن يستسلم لليأس أبداً ولآخر لحظة أو لن يكون

المحامي الذي استحق مركز وكيل نيابة في أهم المحاكم وهو في

هذا السن وإن اضطره الأمر للعودة للوطن هناك والبحث عن أي

شيء قد يساعده لأنه يؤمن بالمعجزات كما يرفض مبدأ الاستسلام

للأمر الواقع .

عبرت سيارته بوابة المنزل التي فُتحت أمامه وشق نورها القوي

طريقه فوق الصفحات المظلمة للممر الحجري قبل أن تصبح تحت

الأنوار المعلقة على امتداد الطريق لباب قصرهم وأوقفها قرب

سيارة رواح كعادته ونزل مغلقا بابها يحمل حقيبته في يده يشعر

بالتعب كما الكثير من الضيق والاكتئاب ويحتاج لحمام وساعات

نوم قليلة قد تجود بها عيناه عليه ليكون مستعداً ليوم آخر في

حربه التي لم يشهد مثيلاً لها في القضايا سابقاً .

كان دماغه يرتب أولوياته التي سيقوم بها ما أن تصل قدماه

للسلالم القابع في الظلام لكنه فوجئ بمن غيّر كل ذاك المخطط

وخطواته تتباطأ وهو ينظر لخيال والده الواقف قرب باب مكتب

جده والذي قال وهو يستدير ويدخل له

" تعالى يا وقاص "


فتحركت خطواته في ذاك الاتجاه دون أن يترك له عقله مجالاً

للتفكير أو اتخاد أي قرار مخالف مستغرباً مناداة والده له ليكونا

هناك ! ترك حقيبته على الطاولة قرب الباب قبل أن يدخل المكان

الشبه مظلم سوى من أنوار الجدران الصفراء الخفيفة وكانت

شكوكه في محلها وهو يرى جده واقفاً بجانب والده أمام مكتبه

واستغرب أيضاً اجتماعهما وانتظاره ! بينما لم يترك له جده أي

مجال ليفكر أو يحلل ولا حتى يسأل وهو يقول مباشرة وبجدية

" علينا إرجاع زيزفون للمصح "


شعر بالضيق في أنفاسه وانقباض قوي في قلبه حاول إخفاءه بكل

جهد كي لا يظهر على ملامحه وقال بجمود

" هو أخذ رأي أم أمر ؟ "

وكما توقع قال جده من فوره وبنبرة أكثر جدية

" بل أمر ولا أريد أي مشكلات يا وقاص "

" لاااا "

صرخ بها في وجهه برفض غاضب مما جعل الغضب يرتسم في

ملامحه أيضاً وكان سيتحدث لولا أوقفه الواقف بجانبه وقد قال

رافعاً يده

" انتظر يا أبي "


ونظر لابنه يحاول جاهداً إخفاء الأسى في نظراته كما كلماته وهو

يواجهه بالواقع الذي استسلم له نهاية الأمر ومهما كرهت نفسه

" مؤكد تعلم وأكثر منا يا وقاص بأن ملفها السابق سيُفتح أمام
القضاء الآن وهو إجراء لا يمكنك إلغاؤه ولا تغييره وستتم
محاكمتها هنا وتسليمها فقط لدولتها فيكون مصيرها إما السجن
المؤبد أو القصاص بالموت فالأمر لا يقبل عناداً ولا تهور "


ولاذ بالصمت ما أن أنهى كلماته تلك فتركته عيناه ونظر لجده

تحديداً وكأنه سمعها منه هو وقال بضيق

" والمصح النفسي ماذا يكون ! حرية ؟ "

تولى والده مهمة الشرح أيضاً يريد للأمر أن ينتهي بأقل خسائر

ودون خلافات طويلة الأمد وبكل ما استطاع من هدوء

" حل مؤقت على الأقل فحينما تعلم المحكمة أنها فيه وقت بداية
المحاكمة سيكون أقل ضرراً من معرفتهم بأنها لازالت خارجه
وهي بذاك الماضي وأنت أعلم مني بالقانون يا وقاص "


وجه كلماته له هذه المرة صارخاً

" لن تدخل زيزفون المصح وأنا حي أتنفس "

خرج ضرار عن صمته حينها وصرخ بغضب

" وتدخل السجن وتُعلّق مشنقتها لابأس ؟ "

نظر له بغضب رافض أنفاسه تخرج من صدره كالإعصار الذي

يشعر بأن مصدره قلبه وليس رئتيه وما أن كان سيتحدث قاطعه

والده الذي قال بجدية يرفع يديه

" الصراخ والغضب لن يُقدم لنا أي نتائج ولن نصل لأي حل "

ونظر لابنه وقال

" وقاص لازلت أكرر الأمر ليس عناداً وعلينا اتخاذ الحل
الأنسب لها "


فصرخ حينها نافضاً يده

" أنا لست مغفلاً أبي أو لم أدرس القانون جيداً لتخدعاني بهذا
وأعلم تماماً معنى أن نُقدم تقريراً للمحكمة بأنها في المصح
النفسي فمعناه أن لن تخرج منه وللأبد وبأمر من المحكمة نفسها
هذه المرة بل وقد يتم إحالتها لمشفى السجن العسكري "


لاذ ضرار بالصمت الغاضب بينما حدقت فيه عينا ابنه بدهشة

للأمر الذي سمعه للتو ولم يعلمه منه بينما تولى وقاص الحديث

مجدداً وبذات صراخه الغاضب

" يمكنكم قتلي قبل فعل ذلك لأني لن أسمح به أبداً "

رفع ضرار يده حينها يفرد أصابعه السبابة والوسطى والبنصر

بينما يمسك خنصره بإبهامه وقال بحدة ناظراً لعينيه

" أمامك ثلاث خيارات إذاً وعليك أن تختار بينها فأيها الأفضل
بالنسبة لك ؟ المصح أم تكون بين المجرمين لباقي سنوات عمرها
أم تموت شنقاً ؟ "

وصرخ عند آخر كلمة قالها ينظر لعينيه بغضب فشد قبضتيه

بجانب جسده بقوة وعاد الألم يعتصر قلبه وقال بكل ما استطاع

من قوة

" بل ما علينا فعله هو إيجاد حل يجعلها تنجو منها جميعها لا
تسليمها لأحد المصائر السوداء الثلاث "

كان يسرد ما تتمناه نفسه وقلبه ويسعى بكل ما لديه من قوة لفعله

وتحقيقه لكن الواقف هناك واجهه بالحقيقة القاسية مجدداً

قائلاً بضيق

" لو كان ثمة حل لكان قد تم اتباعه طيلة الأعوام الماضية
ومقتل نجيب الآن واعترافها بالأمر أوصلنا لطريق مسدود تماماً
ولا خيارات أخرى أمامنا "

احمر جفناه وصرخ بانفعال جمع الغضب والحزن والقهر في

مشهد لا يمكن وصفه سوى بقهر الرجال

" لما أحضرتها إلى هنا إذاً لماذا ؟ كنت تركتها في المجهول الذي كانت فيه "

واجهه بالصراخ المماثل وإن لم يتخلله أي مشاعر أخرى غير

الغضب يشير له بسبابته

" حفيدتي وكانت مخفية عني لأعوام كان من حقي أخذها
وبالقوة ولن أسمح لك بتقديمها لحبل المشنقة يا وقاص أتفهم ؟ "

فرفع سبابته أيضاً يوجهها نحوه وصرخ

" ليكن معلوماً لديك إذاً بأن مصيري هو مصيرها ذاته وحيث ستقرر أن تكون "

خرج سلطان عن صمته حينها صارخاً

" وقاص هل جننت ! "

لوح بيده نحوه قائلاً بانفعال

" اعتبره ما تريد أبي فهو قرار لا تراجع عنه "

ونظر لجده وأشار له بسبابته مجدداً قائلاً بحدة

" ولعلمك فقط جدي بأن عودتها للمصح النفسي سيكون فيها
ضرراً كبيراً على نفسيتها وهو ما لن أسمح به أبداً "

وغادر وتركهما ضارباً الباب بقوة وهو يفتحه وما أن كان والده

سيتبعه أمسكت ذراعه يد الواقف بجانبه والذي قال بجمود ونظره

على الباب المفتوح

" أتركه سيستوعب هذا حين يدرك بأنه التفكير السليم "

نظر له بأسى وما أن كان سيتحدث محتجاً سبقه قائلاً بحزم

ينظر لعينيه

" إن كان لا يريدها أن تنتهي لمشفى السجن العسكري فسيفعل ما
قلت لأن وجودها هنا هو ما سيكون السبب في حدوث ذلك "

نفض يده قائلاً بحدة

" وسجنها في المصح الخاص بأمر من القضاء هو المصير ذاته
أبي .. جميعها نهايات مأساوية "

وتركه وغادر بخطوات مسرعة غاضبة ناحية الباب المفتوح

وغادر من هناك أيضاً ولفت نظره الحقيبة التي وجدها على

الطاولة قرب الباب فعلم بأنه لم يصعد للأعلى فتحركت خطواته

نحو الباب الرئيسي وما أن كان في الخارج حتى اشتدت قبضتاه

بقوة ينظر بألم وحزن للواقف عند سيارته يتكئ بساعده على

طرف سقفها بينما يخفي عيناه ووجهه فيه فشعر بقلبه يتمزق

آلاف القطع ونزل عتبات الباب وتوجه نحوه وأمسكت يده بكتفه

وقال بهدوء

" وقاص عليك أن تفكر فيما فيه مصلحتها والأقل ضرراً عليها "

وأبعد يده عنه ما أن استوى في وقوفه لازال يوليه ظهره وفتح

باب السيارة قائلاً بجمود

" إذاً سيسري الحكم ذاته عليا معها "

وجلس وأغلق الباب بقوة وقام بتشغيلها ولم يستمع ولا الذي قال

بحزم ينظر له من خلف زجاج النافذة المغلق

" هذا التفكير لن يوصلنا لحلول يا وقاص فتعقل "

وابتعد للخلف خطوة ما أن تحركت السيارة يراقبها وهي تستدير

بقوة صرير عجلاتها يصم الأذان قبل أن تغادر من الطريق الذي

دخلت منه وكأنه يهرب من سماع أي كلام آخر فتنهد
بقوة هامساً

" لا حول ولا قوة إلا بالله "

وعاد أدراجه ناحية المنزل مغموماً يخشى أن يفقد ابن آخر من

ابنائه أمام عينيه وهو واقف يتفرج وهذا ما بات يراه قريباً .

دخل ووجهته السلالم ولم يرجع لباب المكتب الذي لازال مفتوحاً

ولا كلمات يقولانها فقد أدى مهمته وتبقى أن يثق في ابنه وفي

رجاحة عقله ويوكل الأمر لمدبر الأمور فلا هو بيده أن يساعده

كمحامٍ ولا أن يزوجها له كوالد لذلك عليه أن يجتاز الكثير من

الصعاب وحيداً ليفوز بحلمه ويثبت استحقاقه له .

وصل باب الجناح الخاص بالزوجة التي قرر سلفاً أن يكون معها

لتجتاز صدمتها وما أن أدار مقبضه لم يُفتح له وكان مقفلاً فتركه

بحركة عنيفة غاضبة فهذا يعني رفضها لنومه معها ، تحركت

خطواته ناحية الممر الغربي متمتماً بحنق

" أنت من اختار هذا بنفسك يا أسماء وحمداً لله "

وابتعد عن المكان الذي ظهرت من بدايته من كان يظن بأنها في

الداخل تتبعها جمانة فالتفتت لها وقالت هامسة بابتسامة انتصار

" تخلصنا من كلاهما "

نظرت لها بارتباك وهمست

" ماذا إن عاد وقاص ؟ "

تنهدت بنفاذ صبر من طباعها وجُبنها وهمست بضيق

" أنتِ بنفسك قلتِ بأنه حين يخرج غاضباً هكذا لا يعود قبل
اليوم التالي "

همست مشككة مجدداً تشد يداها بتوتر

" وهل سيتركها وحدها ؟! "

قالت الواقفة أمامها بهمس واثق

" ستفي تلك الخادمة بالغرض وتبلغنا حال عودته "


حركت رأسها موافقة وقالت بالرغم من ذلك

" هل أنتِ واثقة من أمانة تلك المرأة ؟ "

ابتسمت بسخرية هامسة

" كل الثقة فالمال يجعل كل شيء سهل المنال منهن "

أومأت لها برأسها مجدداً فأمسكت بكتفها وهمست بجدية

تنظر لعينيها

" سنجتمع أسفل السلالم المؤدي لجناحها بعد ساعة ليكون
الجميع نيام حينها اتفقنا ؟ "

حركت رأسها مطيعة وهمست

" ألن نجرب الباب إن كان يُفتح أم لا ؟ "

قالت المقابلة لها بجدية

" لا بالتأكيد فهي فرصة واحدة سندخل فيها فقد تكون تلك القاتلة
مستيقظة الآن "

حركت رأسها إيجاباً فدفعتها من ذراعها قائلة

" هيا غادري وموعدنا بعد ساعة ولا تنسي إحضار ما
اتفقنا عليه "

تحركت من مكانها هامسة

" بالتأكيد "

وابتعدت بخطوات مسرعة نظراتها تراقبها حتى اختفت وابتسمت

حينها بسخرية هامسة

" من الجيد وجود أغبياء في هذا العالم "

وتوجهت ناحية باب جناحها وفتحته بالمفتاح الذي كان معها

ودخلت مغلقة إياه خلفها فعليها انتظار الموعد المحدد لتنفيذ
خطتها .

*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 21-07-21, 12:48 AM   #16457

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*


كانت تحرك ما في القدر بالملعقة الخشبية في يدها بينما نظرها

شارد في الفراغ بحزن ومنذ البارحة وهي لا تتوقف عن التفكير

فيما قال بالأمس حزينة على فراق صديقة طفولتها فجر وعلى

حالها في آن معاً ، لا بل سبب تعاستها الأساسي هو ظنونه بها

والتي لم تتغير بالرغم من كل ما قالت ودليل براءتها لدى والدة

أويس لكنه لازال يتجنب حتى النظر ناحية المكان الموجودة فيه !

لذلك باتت تتجنبه أيضاً ولم تدخل الغرفة البارحة حتى تأكدت بأنه

نام وغادرت قبل نهوضه فجراً ووضعت له الطعام في الغرفة

وقت وجوده في الحمام ولم تدخلها أبداً حتى غادر .


ارتجف جسدها بقوة وأفاقت من شرودها بسبب صوت الكرة التي

اصطدمت بالجدار المقابل لها خلف الموقد فغطت القدر جيداً

ووضعت الملعقة من يدها وخرجت من باب المطبخ وقالت بأمر

للطفلين الموجودين هناك بينما سبابتها تشير ناحية باب الغرفة

" هيا بسرعة ولا تلعبا هذا الوقت والشمس في كبد السماء "

رفع عَنان كرته يمسكها بيده وتوجه ناحية الغرفة في صمت بينما

استمر شقيقه في الركض بها شعره الحريري الأسود يلمع تحت

الشمس ببريق لامع ويتحرك مع خطواته ودورانه ملابسه

كشقيقه تماماً وكما اعتادا طقم مكون من قميص قطني قصير

الأكمام باللون الاخضر المصفر طبعت عليه صورة سيارة بعجلات

كبيرة وشورت قصير أسود اللون وصورة مصغرة للسيارة ذاتها

عند الفخذ الأيمن .

توجهت نحوه ورفعت الكرة التي عادت نحوها ما أن اصطدمت

بجدار المنزل ونظرت للذي مد شفتيه بعبوس قائلاً برحاء طفولي

" قليلاً بعد مارين أرجوك "

أمسكت الكرة بين جسدها وساعد يدها بينما أمسكت باليد الأخرى

خصرها وقالت

" هل تريد أن يغضب شقيقك يمان منك ؟ "


حرك رأسه برفض حركة قوية تحرك معها شعره شديد النعومة

وركض باتجاه الغرفة مسرعاً وراقبته بحزن فكلما رأتهما شعرت

بالألم وتذكرت والدتها التي رحلت وتركتها وتتألم فوق ألمها

وشعرت بما يشعران به وسيشعران مستقبلاً غير أن وضعهما

مختلف عنها فهي تركتها لشقيق سافر وتركها وآخر رماها في

الشارع دون رحمة وغادر أما هما فقد تركتهما لشقيق هي أكيدة

من أنه سيحرم نفسه من كل شيء من أجلهما وينام جائعاً ليأكلا

ويبات في العراء إن كان السقف لا يتسع لهم جميعاً .


مسحت عيناها والدموع التي تشربتها رموشها قبل أن تنزل

وتوجهت ناحية الغرفة أيضاً وضعت الكرتان فوق الخزانة قائلة

" هيا للحمام لتغسلا أيديكما وتتناولا الطعام "

قال جاد ينظر لها فوقه

" ألن يأتي يمان ! "

قالت متوجهة نحو الباب

" لقد تأخر ويبدو أنه سيتناول الطعام مع العمال .. هيا بسرعة
لتناما قليلاً "

وابتسمت ما أن قفزا واقفين وبدأ سباق الركض المعتاد لدخول

الحمام بينما توجهت هي ناحية المطبخ وسكبت الطعام وغادرت

باتجاه الحمام أولاً وأخرجت اللذان لن يتوقفا عن غسل أيديهما

قبل وقت طويل ، وما أن عادت ناحية المطبخ سمعت صوت باب

المنزل يُفتح فقبضت يديها بتوتر تسمع خطواته قبل أن تسمع

صوت إغلاقه لباب الحمام فرفعت الصينية وخرجت مسرعة وهي

تجد فرصتها المناسبة وستترك له ملعقتها وتغادر قبل خروجه

فهي باتت تتجنب مقابلته لأنها أرحم من شعورها بالرفض منه

فتجنبه لها يؤلمها بطريقة باتت تعجز عن وصفها .

وضعت لهما الطعام وغادرت الغرفة بعد تحذيرها المعتاد لهما كي

لا يأكلا قبل انضمام شقيقهما لهما وعادت ناحية المطبخ لحظة

سماعها لصوت باب الحمام يُفتح وكانت قد وصلت في الوقت

المناسب تماماً وجلست على الأرض مكانها المعتاد مؤخراً تتكئ

برأسها على الجدار خلفها تنظر للسقف المليء بالشقوق بحزن

وتعجز عن اتخاد قرار واحد وإن قول الحقيقة كاملة له وبكل

شجاعة لأنها تخشى أن يزداد الأمر سوءاً وبدلاً من غضبه بسبب

وجودها في أرض الغيلوانيين ليلاً تصبح مدانة بالكذب وتوريطه

في الزواج منها بالحيلة والخداع والمكر وستنتهي للشار
ع لا محالة .

مسحت عيناها والدموع التي تسربت منها دون أن تشعر ووقفت

على طولها ما أن علا صوت الطرق على باب المنزل الحديدي

وتحركت نحو باب المطبخ وعادت للداخل بتوتر فهذا الباب لم

يُطرق سابقاً إلا لجلب مصيبة ما .

استغفرت الله بهمس واقتربت من الباب ما أن سمعت خطوات

يمان وهو يغادر الغرفة متجهاً ناحيته وأمالت رأسها جانباً تحاول

سماع أي شيء ما أن انفتح الباب وابتعدت مسرعة حين وصلتها

أصوات رجال متداخلة لم تفهم منها شيئاً وشعرت بقلبها سيخرج

من مكانه وبدأت تتمتم بالدعاء يدها على صدرها وعادت لها تلك

المخاوف من فقدها إياه .

توقفت عن الدوران ووقفت مكانها حين وقف يمان أمام باب

المطبخ مقابلاً لها وقال سريعاً وهو يغادر

" ابقي مع الطفلين ولا يغادر أحد الغرفة "


اتسعت عينها بذهول وبدأ جسدها بالارتجاف تخشى أن يصيبه

مكروه ما أو تكون مشكلة مع الذين تعلم بأنهم لن يتركوها

وشأنها وتحركت خلفه مسرعة وكانت تريد اللحاق به وسؤاله

عمًا يجزي لكنها لم تستطع فعل شيء غير ما طلبه منها وهي

لازالت تسمع الجلبة والأصوات ناحية باب المنزل فركضت

مسرعة باتجاه الغرفة ترفع فستانها الطويل بيدها كي لا يدخل

ويجدها مكانها وأغلقت الباب ونظرت ناحية الطفلان اللذان كانا

يجلسان أمام صينية الطعام دون أن يأكلا منها ويحدقان فيها

باستغراب بينما كان سمعها مع ما يحدث في الخارج وأصوات

الخطوات والأحاديث وانتفض جسدها بقوة بسبب الصوت القوي

الذي اهتزت له الجدران وكأن قذيفة ما سقطت عليهم لحظة أن

صرخ الطفلان وهما يركضان نحوها وتعلقاً بساقيها فجلست على

الأرض وحضنتهما تحاول طمأنتهما وقلبها ذاته يرتجف بشدة .


*
*
*

امتلأت عيناها بالدموع وحضنت نفسها تحدق في الفراغ بشرود

حزين وملامح فاقت مراحل التعاسة بكثير وانسكبت الدمعة اليتيمة

فوق وجنتها ببطء وارتسمت على شفتيها ابتسامة بائسة تنعي

حالها والذكريات تعود بها للماضي البعيد الذي لم يهجرها يوماً

وكأنها تسمع صوته في رأسها وأذنيها الآن

" مع من تتحدثين ! "

نظرت الطفلة الحاضنة لركبتيها جالسة على حجر طوب يستقر

على الأرض للفتى الذي أصبح يقف فوقها يمسك خصره بيديه

وقد أخفى ظله جسدها الصغير وقالت ببرود تنظر له من بين

خصلات شعرها البنية المتطايرة أمام وجهها

" مع صديقتي "


نظر حوله قبل أن ينظر لها تحته وقال عاقداً حاجبيه

" وأين هي صديقتك هذه لا أراها ! "

تجاهلته ونظرت للأسفل قائلة ببرود

" أنت لا تراها أنا أراها "

وصلها صوته الساخر سريعاً

" آه جميل .. وعن ماذا تتحدثان ؟ "

رسمت دائرة مفتوحة بالعود الصغير في يدها على التراب الرطب
تحتها وقالت

" عن صديقها "

رفع حاجبيه متمتماً
" حقاً ! "

كان نظره على قمة رأسها المنحني للأسفل شعرها البني المجموع

للخلف في جديلة تتطاير خصلات منه حول وجهها وما أن رفعت

رأسها حتى أبعدتها عن عينيها بحركة واحدة من يدها الصغيرة

المفرودة وقالت بضيق تنظر له فوقها

" أجل فكلانا تخبر الأخرى "

ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه وقال

" عن صديقها ؟ "

نظرت ليدها وللخطوط التي عادت ترسمها متوازية وقالت

" أجل "

قال ببرود ولازال يمسك وسطه بيديه

" وعمن تخبريها أنتِ ؟ "

ابتسمت شفتاها العابسة فجأة وقالت بصوت طفولي رقيق ولازالت

تنظر لحركة يدها والخطوط المتعرجة التي تصنعها

" عنك "
ارتفع حاجباه وقال بابتسامة جانبية ينظر لما يظهر له

من ملامحها

" وماذا تخبرينها عني ؟ "

وقفت حينها ورمت العود من يدها ونظرت لعينيه قائلة باستياء

" إنها أحاديث فتيات ما شأنك أنت بها تسأل ؟ "

ضيق عينيه وتمتم بضيق

" ولما أخبرتني بكل هذا إن كانت أحاديث فتيات لا علاقة
لي بها ؟ "

تجاهلته تنظر خلف كتفه متمتمه

" أنت سألت "

وصرخت بضحكة ما أن أمسكها من خصرها ورفعها ووضعها

جالسة فوق الحاجز المصنوع من الطوب يفصل به عمها نبات

النعناع عن أشعة الشمس ناحية الشرق وتمسكت يداها بكتفي

قميصه قائلة بخوف

" لا تيم أنزلني من هنا أرجوك "

ابتعد عنها مبعداً يدها عنه وتراجع خطوة للوراء ورفع رأسه لها

وقال ببرود وقد عاد يمسك خصره بيديه

" ستخبريني أولاً "

كانت يداها الصغيرتان تمسك بطوب الجدار بجانبي جسدها ومدت

شفتيها بعبوس وحين يئست من إنزاله لها ولن تفكر في القفز

بسبب خوفها قالت باستياء تشير برأسها خلفه

" لا وجود لها ألا ترى المكان خالٍ أمامك ؟ "

ضيق عينيه متمتماً

" يا لك من ماكرة "

ابتسمت تتجنب النظر له فقال

" تكذبين إذاً ؟ "

نظرت له وقالت بابتسامتها الطفولية الجميلة

" إن أنزلتني أخبرك "

نظر لها بطرف عينيه بتفكير قبل أن يمد يديه لخصرها وتعلقت

ذراعاها بعنقه وهو ينزلها وتركته ما أن أنزلها ونزلت قدماها

للأرض وقال

" ماذا الآن ؟ "

ضحكت وقالت

" لا صديقة لدي أنت صديقي فقط "

نظر لها بضيق فعبست ملامحها وقالت بحزن

" حين قلت ابتعدي عني يا مزعجة اتيت إلى هنا وتخيلت صديقة
لي كي لا أكون وحيدة "

رفع أصبعه الصغرى وقال

" سنقطع وعداً آذاً ماريه "

نظرت ليده باستغراب قبل أن تنظر لعينيه وما أن قال

" لن يكذب أحدنا مجدداً مفهوم ؟ "

رفعت أصبعها الصغير أيضاً تقبض البقية وقالت مبتسمة

تنظر لعينيه

" ولن تتركني من أجل صديقة أخرى "

خرجت منه ضحكة صغيرة لا تراها إلا نادراً وقال

" لن أفعل .. أعدك "

قالت بسعادة

" وأنا أعدك "

أمسك أصبعها بإصبعه وقال ينظر لعينيها

" عديني أيضاً لن يكون هناك صديق آخر "

شع وجهها بابتسامة جميلة وقالت

" بلى أعدك " .

نزلت دموعها تباعاً وتعالت شهقاتها الباكية فها هو أوفى بوعوده

وأخلفت هي ولن يغفر لها وإن علم الحقيقة فلن ينسى كذبها

وتخليها عن اتفاقهما إن في الماضي أو الحاضر وهو من اختار

أن يكونا معاً وصارحها بحقيقة مهمته تلك وعمله وحين سألته

لما أخبرها بأمر حساس كهذا قد يكون فيه موته قال بأنه من أجل

الوعود القديمة فهو يقصد ذاك اليوم وتلك الوعود بالتأكيد ، فهو

احترم وعود طفولتهما كما رفض أن تتألم بسببه دون ان تعلم

وأن تنتهي لمصير والدته مع والده .. وبماذا كافأته ؟.

أغلقت أذنيها بكفيها ونحبت باكية تحرك رأسها بقوة تحاول أن

تطرد منه صوته الذي لم يفارقها صراخه أبداً وكأنها تسمعه الآن

( تخونين زوجك معه وتتحججي بأنه كان رغماً عنك ؟ )


( سأقتلك وأقتل نفسي ما أن أستوعب حقيقة هذا ماريا قسماً )

( اذهبي لمن خنتِ زوجك من أجله ماريا لا أريدك )

انفتح الباب ودخلت منه ساندرين راكضة نحوها وجلست أمامها

وحضنتها بقوة وهي لازالت في نوبة صراخها الباكي تحاول

تهدئتها قائلة باسى وقلق

" ماريا يكفي أرجوك "

وملأت الدموع عينيها تحضنها بقوة تشعر بقلبها يتمزق مع

بكائها الموجع ورغم خور قواها واستسلام جسدها لحضنها لم

تبعد يديها عن أذنيها كما لم يتوقف نحيبها الموجع والذي قالت

من بينه باكية

" ليتني أموت .. ليتني أموت "

أبعدتها عنها وأمسكت ذراعيها وقالت بحزن

" ماذا حدث ماريه أخبريني ؟ "

تركتها وغادرت السرير ووقفت مقابلة لها وقالت ببكاء

" أريد الرحيل فقط لا يمكنني البقاء هنا .. لا أريد رؤيته أبداً "

وقفت أيضاً وأمسكتها من ذراعيها وقالت بحزم

" لا تذهبي معه حين يأتي ماريه وفي أي وقت ولأي
مكانٍ كان "

حركت رأسها وهمست باكية

" لن يأتي .. لن يأتي أبداً "

نظرت لها باستغراب فقالت برجاء باكي

" أريد الرحيل ساندي أرجوك "

ارتفعت يداها لوجهها وأمسكته قائلة تنظر لعينيها الباكية

" انتظري حتى يأتي السا... "

وتوقفت كلماتها فجأة تسمع صوت رنين هاتفها من خلال الأبواب

المفتوحة فتركتها وركضت نحوه وعادت خلال لحظات تحمل

فستاناً وسترة خفيفة مفتوحة قد جهزتهم سابقاً من أجلها

واعطتها إياهم ودفعتها نحو باب الحمام قائلة

" أسرعي ماريه غيري ثيابك السيارة تنتظرك في الخارج "

ولم تترك لها مجالاً لقول أي شيء وهي تدفعها داخله وتغلق

الباب خلفها ووقفت تنتظرها تفرقع أصابعها بتوتر وهي تتحرك

أمام الباب الذي طرقته تستعجلها ما أن سمعت صوت منبه

السيارة المرتفع مع سكون الليل في الخارج فانفتح الباب وخرجت

منه التي كانت تلبس السترة بحركة واهنة وكأنها تعجز عن بذل

أي مجهود ومهما كان بسيطاً فقررت مساعدتها ونظرت مصدومة

لكتفها المتورم والكدمة في ذراعها لأن الفستان كان من دون

أكمام وعلمت حينها سبب عجزها عن ارتدائها لها وقالت بذهول

تلمسه بأطراف أناملها

" ما هذا ماريه كتفك لا يبدو بخير ! "

ابعدته عن يدها سريعاً وهمست ببحة

" هو أفضل الآن "

نظرت لعينيها وقالت بأسى حزين

" يا إلهي كيف تحملتِ كل هذا الألم ! لما لم تخبريني ؟ "

امتلأت عيناها بالدموع وهمست بعبرة مكتومة

" لم أشعر به فثمة ألم كان أقسى منه بكثير "

شدت فكيها وأسنانها بغضب من الجميع وحزن عليها ذات الوقت

ومدت يديها خلف عنقها وأخرجت لها شعرها من تحت

السترة قائلة

" سينتهي كل هذا "

فنظرت لها ويداها تعدل ياقة سترتها وقالت ببحة وحزن

" أين سأذهب ومن الذي سيأخذني من هنا ؟ "

أبعدت يديها عنها ونظرت لعينيها قائلة بجدية

" للمكان الذي لا سلطة لأحد منهم عليك فيه فلا أحد منهم كان
كفؤاً للأمانة "

وأمسكتها من يدها وخرجت بها من الغرفة قائلة

" هيا ماريه السيارة ستكون متوقفة أمام المنزل "

وسحبتها معها ناحية الباب الخلفي للمنزل وفتحته لها ووقفت

تحضنه تنظر لها بحزن وهي تسير بخطوات مترددة مترنحة

تلتفت لها كل حين وكأنها تخشى أن تأخذها لمجهول أقسى من

حاضرها وماضيها ، وأدمعت عيناها ما أن اختفى جسدها عنها

خلف الظلام وهمست بحزن

" بقاؤك هنا لن يزيدك إلا انكساراً ماريه لذلك عليك ترك
جميع من خذلوك "


*
*
*


أبعدت الهاتف عن اذنها وتأففت وهي تعيد الاتصال قبل أن تضعه

عليها مجدداً وقالت مندفعة بضيق ما أن انفتح الخط

" وأخيراً أجبت "

وصلها صوته المرتخي الخشن

" ألا ساعة لديك لتري الوقت ؟ "

نظرت باتجاه الساعة المعلقة على الحائط ولوت شفتيها قبل أن

تقول متجاهلة ملاحظته تلك

" علينا أن نلتقي غداً يا زين "

وكما توقعت قال مباشرة وبلامبالاة مدروسة

" ما الجديد سيدة مشكلات ؟ "
حركت يدها الحرة بضيق قائلة

" أنت تعلم جيداً ما الذي فعلته لأكون في ذاك الحفل ولم أجدها فيه لذلك علينا تغيير مخططنا "

تكاد تقسم أنها تراه وهو يعدل الوسادة تحت رأسه حين وصلتها

تمتمته الباردة المستفزة

" قولي ما لديك ها أنا أسمعك "

عبست ملامحها وقالت

" عليك أن تتوقف عن معاقبتي هكذا فأنت تعلم جيداً لما اتخذت
هذه الخطوة "

تنهد قبل أن يقول ببعض الجدية

" نعم أعلم "

قالت مباشرة

" سأراك غداً "

لاحظت تجنبه للإجابة وهو يسأل مجدداً

" هل ثمة جديد ؟ "

قالت من فورها متحمسة

" نعم وسنتحدث ما أن نلتقي "

ليتلاشى ذاك الحماس تدريجياً وما أن وصلها صوته الجاد الحازم

" عليك نسيان أمرها يا دانيا "

قالت من فورها وبإصرار حين علمت بأنهما سيرجعان

لنقطة البداية

" لا بالطبع .. بل وعليا إيجادها بأي طريقة كانت "

كانت تنهيدته اليائسة واضحة قبل أن يقول بصوت مرتخي

" حسناً سأنتظرك "

ابتسمت كطفلة تواجه محدثها بالحقيقة القاسية التي عليه

تقبلها قائلة

" لا يمكنني الذهاب إلى هناك فالمسافة بعيدة "

وصلها صوته المتضايق سريعاً

" وأنا لا يمكنني ترك المنزل لوقت طويل تعلمين ذلك جيداً "


قالت باستجداء رقيق

" هيا زين .. يمكنك تدبر من يأخذ مكانك لبعض الوقت "

سمعت تنهيدته الأشبه بالتأفف قبل أن يقول مستسلماً

" أمري لله "

ابتسمت وقالت بثقة وكأنها تتحداه أن ينكر

" بالطبع .. ومن ثم بيدي "

قال ببرود سريعاً

" سُحقاً لثقة النساء الحمقاوات "

ضحكت وقالت

" سنلتقي غداً واتصل بي ما أن تصل للندن ... وداعاً "

دست هاتفها في جيب بنطالها الواسع الأنيق والمصنوع من

الكتان أسود اللون مع خطوط بيضاء طويلة رقيقة جداً وتزين

أطرافه من الأعلى ثلاث أزرار كبيرة باللون الأبيض وقد غطت

أطراف خصره الطويل بلوزة بيضاء من القماش الناعم بأكمام

قصيرة وأزرار سوداء صغيرة .

تبدلت ابتسامتها للحزن تدريجياً حتى اختفت نهائياً وتنهدت في

صمت ما أن تذكرت غضبه الشديد حين قررت المجيء إلى هنا

ورفضها لأمر الطلاق الذي وضع مطر قراره بيدها ورغم كل ذلك

لم يستطع إلا إجبار نفسه على مسامحتها وتفهم أسبابها .

غادرت المطبخ تطرد كل تلك الأفكار من رأسها ونظرها على باب

الشقة المغلق تتساءل عن الذي غادره منذ الصباح ولم يرجع

حتى الآن !

من عادته أن يتغيب لساعات طويلة لكنه يزور المنزل لمرة نهاراً

ولا يتأخر لمنتصف الليل هكذا !

ما أن كانت ستتحرك باتجاه غرفتها وقفت مندهشة حين استدار

القفل فجأة وانفتح الباب وظهر جسده الطويل مطأطىء الرأس

قليلاً ينظر لما تفعل يداه وكأنه خرج من أفكارها !

تبعته بنظرها وهو يستدير ويغلق الباب بالمفتاح وذاك طبعه منذ

عرفته هنا ، وما أن أغلقه تحرك من هناك ودون أن ينظر لها

بالرغم من سيره في اتجاهها بينما كانت عيناها تتفحص ملامحه

المرهقة والمتجهمة باستغراب قد زادته شكوكها بتأخره فقالت

بقلق شديد

" هل كل شيء على ما يرام ؟ "

لم يعلق كما لم تزح نظره عن الفراغ الذي كان يسير فيه وكأنه

في عالم وحده الموجود به !

وتبعته نظراتها وهو يجتازها نحو باب المطبخ هامساً

بصوت خشن

" تعالي أريدك في أمر "


حدقت في مكانه باستغراب لوقت وشعرت بضربات قلبها تتعالى

وخشيت مما يحمله وهو بتلك الحالة ويريدها في أمر ما تجهله !

تحركت عند تلك الفكرة ودخلت المطبخ خلفه فكان جالساً أمام

الطعام الذي غطته بأوراق القصدير حين يئست من قدومه قبل

نومها وسحبت الكرسي وجلست أيضاً ونظرها المتوجس لم

يفارقه بينما كان ينظر لمفاتيحه في يديه التي كان يضعها على

الطاولة وقال بصوت بدى فيه التعب بشكل واضح

" أريدك أن تتحدثي مع ماريه وتحاولي إقناعها للانتقال
والعيش معنا هنا "

حدقت فيه باستغراب قليلاً قبل أن تهمس

" هي تعيش مع تيم ! "

حرك رأسه وهمس ولم يرفعه ولم ينظر لها

" لا هي في منزل قريب والديها الآن "

اضطربت ضربات قلبها بشكل أكبر وخشيت أن يكون مكروهاً قد

أصابه وقالت تحاول إبعاد تلك الأفكار عن رأسها وتجنب توقع

المزيد منها

" تركت شقته ! "

تبعت نظراتها المفاتيح التي رماها على الطاولة مصدرة رنيناً

جعل توترها يزداد كما الأجواء المشحونة حوله قبل أن تعود

بنظرها له ما أن قال ونظره عليهم

" شيء من هذا القبيل ورفضت طلبي لذلك قد تنجحين في
إقناعها "

ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة تشبه صعوبة خروج الكلمات من

شفتيها ولازالت تحدق فيه بريبة وتوجس

" ما الذي حدث معه ؟ وهل هو سبب عدم عودتك
لهذا الوقت ؟ "

أشاح بوجهه جانباً وقال باكتئاب

" كنت أبحث عنه ولم أجده "

ارتفعت يدها لصدرها وانقبضت أصابعها على قماش بلوزتها في

حركة لا إرادية وهمست بصعوبة

" هل هو بخير ؟ "

نظر لعينيها هذه المرة وقال بصوت مرتخي

" سيكون كذلك بالتأكيد "

شعرت ببعض الارتياح واستطاعت التنفس بشكل طبيعي أخيراً

فهو على الأقل يبدو واثقاً مما يقول ، كان التعب واضحاً على

ملامحه وخطوط وجهه الرجولية العميقة كما التجهم المخيف وقد

قال ببعض الهدوء الممزوج بالجدية

" اتركينا الآن من ذلك وأريدك أن تزوريها غداً وتتحدثي معها "

تغيرت ملامحها فجأة وابتسمت وهي تجدها الفرصة المناسبة

لمقابلة زين فهي كانت تفكر في حجة تقدمها لخروجها غداً دون

أن يمانع وقالت بابتسامة متسعة

" لا تقلق بهذا الشأن وسأحضرها معي إلى هنا وإن مرغمة "

ظهرت أول ابتسامة تقاوم تجهم ملامحه الرجولية وإن كانت أقل

من أن يقال عنها ابتسامة وهمس بصدق

" شكراً لك "

لم تستطع منع الاستغراب من التسلل لنظراتها وهي تراه يهتم

لوجودها هنا أكثر من اهتمامه لاختفاء ابنه !

كانت تلحظ أموراً غريبة تحدث مؤخراً من قدومه وماريه معه قبل

أيام وبكاءها الشديد حينها وملامحها التعيسة ثم طلبه منها إيصال

تلك الورقة لها في شقتهما لكنها كانت ولازالت لا تستطيع

السؤال ولا التدخل فيما يرفض هو الإفصاح عنه وكي لا يتحول

الأمر لمشكلات إن تدخلت هي فيه كما كانوا يصفونها لأعوام ،

مدت شفتيها بعبوس بسبب تلك الأفكار فالبشر لا يمكنهم نسيان

مغامرات طفولتك مطلقاً وإلصاقها بك .

تبعه نظرها وهو يقف فجأة ويخرج هاتفه الذي علا رنينه مجتاحاً

صمت المكان بنغمته التي صممتها الشركة المصنعة له دون

تغييرها كعادة اغلب الرجال ولم يهتم ولا لسقوط الكرسي خلفه

بسبب وقوفه السريع وأجاب من فوره قائلاً

" ماذا حدث معكم ؟ "

وهذا ما جعلها تقف على طولها أيضاً وملامحها تتبدل من

التوجس للخوف ما أن قال بصوت غاضب ومصدوم في آن معاً

" ماذا !! "

ارتفعت يدها لصدرها دون شعور منها وعلمت بأن الأمر يخص

ابنه ويبدو ثمة من يبحثون عنه أيضاً معه ! وما زاد وضعها

سوءاً مغادرته باتجاه الباب صارخاً بغضب هذه المرة

" هل أصاب الجنون عقله ! "

وركضت خلفه ما أن غادره باتجاه باب الشقة قائلاً بأمر حازم

" اتصل برواح فوراً وأنا قادم "


ووصلت معه للباب وما أن ضرب جبينه بيده متأففاً عادت راكضة

قبله ناحية المطبخ وأخذت المفاتيح بسرعة من الطاولة وعادت

بخطوات راكضة نحوه فاقترب وأخذهم منها بينما قالت بنفس

لاهث تنظر له وهو يستدير للباب ويفتحه

" ما الذي يحدث لا تتركني أ... "

لكنه قاطعها وهو يضع المفاتيح في يدها التي أمسكها بيده

الأخرى وشد عليها مؤكداً بحرص ينظر لعينيها

" أغلقي الباب ولا تفتحيه لأحد دون علمي ومهماً قال لك فقد
لا أعود الليلة "


وخرج مغلقاً الباب خلفه وتركها لهواجسها .. لألم قلبها ولنظرة

الضياع في عينيها فأغلقت الباب كما طلب منها وعادت نحو

الداخل متمتمه بحزن تتذكر تلك الغائبة

" ليرحمك الله .. إنهما لازالا يتعذبان بعدك ، لو كنتِ موجودة
الآن لربما .. "

وقاطعت نفسها واستغفرت الله باكتئاب وهي تتوجه ناحية المطبخ

لتضع الطعام الذي لن يأكله أحد في الثلاجة وقلبها يناجي كما

شفتيها بدعاء هامس حزين شملهما معاً هو وابنه .

*
*
*


وقف أمام باب سيارته في الشارع المكتظ بالسيارات كما المارة

والهاتف على أذنه وقال لمن يحدثه في الطرف الآخر

" كل شيء بات واضحاً يا أبان "

وتابع وهو يفتح الباب ويجلس على الكرسي بينما قدمه الأخرى

لازالت في الخارج

" هو من قتلهما لكنه أخطأ وقتل الرجل الذي وضعناه لمراقبتها
بدلاً من الذي دخل المنزل وهذا كان سبب اختلاف ملابسه "


وصله الصوت المحبط مباشرة

" سيكون وضعه سيئاً إذاً فالقتيل رجل مخابرات "

فتح الدرج أمام الكرسي بجانب كرسيه منحنياً له وقال وهو يضع
الأوراق التي جلبها معه فيه

" وضعه سيء في جميع الأحوال وإن كان القتيل زوجته فقط "

قال محدثه مباشرة

" كنا سنجد له عذراً لتخفيف الحكم بحجة خيانتها مع رجل آخر
كما بدا له "

استوى في جلوسه وأغلق بابه قائلاً بهدوء

" ما فهمته من لجنة الإدعاء أن التفاؤل أمر صعب للغاية "


وأدارت يده مفتاح السيارة بينما تمتم بضيق

" لقد أفسد كل شيء وكنا سنمسك بذاك الرجل وتلك المرأة معه
وستنكشف لنا حقائق كنا نجهلها "

وصله صوته متنهداً

" أقدار لا يمكن تغييرها "

حرك رأسه موافقاً وهمس وسيارته تدخل الطريق الرئيسي

" بالفعل "

قال ذاك مباشرة

" سأتولى توكيل محامٍ ممتاز يدافع عنه لعل الحكم يكون مخففاً
ولا أريد أن يعلم يمان مطلقاً لأنه سيرفض بكل تأكيد ويعتبر أتعابه
ديناً في عنقه "
قال بضحكة

" لهذا الحد ! "

قال بضيق

" وأكثر يا رجل إنه معقد ولا يمكنك فهم طريقة تفكيره "

قال مبتسماً ويده تدير المقود والسيارة تدخل شارعاً أكثر اتساعاً

وأقل ازدحاماً

" لو أنك مكانه ما كان سيكون هذا رأيك وستتصرف مثله تماماً "

قال والضيق لم يفارق صوته بعد

" أنا لست غريباً عنه بل صديق طفولته وزوج شقيقته لكنه
يملك دماغ بغل في رأسه "


ضحك ولم يعلق وأبعد هاتفه ينظر لشاشته حين صدر عنه صوت

تنبيه لمكالمة أخرى ونظر باستغراب لاسم عمته فهي لا تتصل

به في العادة وسيكون ثمة امر دفعها لهذا فالوقت ليس ليلاً

لتتصل للاطمئنان عليه ! قال سريعاً وهو يقرب الهاتف لشفتيه

" سنتحدث لاحقاً يا ابان ثمة اتصال لدي .. وداعاً الآن "

وفتح الخط لها ووضع الهاتف على أذنه فوصله صوتها سريعاً

" هل أنت هنا في حوران يا عمير ؟ "

غضن جبينه باستغراب وقال ونظره على المرآة أمامه والسيارات

التي تتبع سيارته منذ خروجه

" أجل وكنت سأغادر للتو ... ماذا هناك عمتي ؟ "

وصله صوتها سريعاً

" تابع طريقك بني جليلة متعبة قليلاً سنطلب لها طبيبة
وستكون ... "

قاطعها باستغراب

" تعب ماذا وما بها ؟! "

قالت بعد صمت لحظة

" تقيئت كثيراً ولا يمكنها السير تبدو لي تشعر بدوار
أو ما شابه "

اشتدت أصابعه على المقود بقوة وأداره بحركة قوية قائلاً بضيق

" كل هذا وتريدين أن أغادر ! لما لم تتصلي بي حتى
الآن عمتي ؟ "

واتخذت سيارته طريقاً فرعياً بينما أشار بالضوء الخلفي الأحمر

للسيارات التي تابعت طريقها بسبب إشارته تلك مغادرين من

دونه بينما وصله صوتها القلق

" لقد أخذت لها الخبز والعصير صباحاً وكانت بخير ، قالت فقط

بأنها تشعر بوهن الشديد رغم نومها لوقت طويل ويبدو أن

حالتها زادت سوءاً الآن "

همس ينهي الاتصال معها

" حسناً أنا قادم عمتي "

ورمى هاتفه جانباً بحركة غاضبة وزاد من سرعة سيارته التي

كانت تجتاز السيارات الأخرى بطريقة جنونية ولا يتوقف عن

لوم نفسه فما حدث مع شقيقها ثم إهمالها لطعامها كان السبب ،

لو أنه وضع عقلاً في رأسه ولم يخبرها عمّا حدث ما كانت لتعلم

وتَحْمل الكارثة في قلبها وحدها والجلسة كانت ستكون سرية ،

حتى الرقم الذي أرسل لها تلك الرسائل لم يكن تجاوزها لأمره

بالهين بالتأكيد ، وعاد شعوره بالغضب يتعاظم أكثر فهو لم

يتوصل ولا لهوية صاحبه ولم يستطيعوا تتبعه لأنهم لم يتمكنوا

من الاتصال به وتقرير شركة الاتصالات عنه بأنها ملك لأحد

العمالة الوافدين وقد سافر لبلده منذ وقت أي سيكون باع

الشريحة لمجهول فقط ليحصل على ورقة نقدية ولعبها ذاك

السافل ببراعة .

نظر لهاتفه ما أن علا رنينه وللاسم الظاهر على شاشته ورفعه

لاذنه فوصله صوته مباشرة قائلاً

" لما قطعت طريقك يا عمير هل ثمة مشكلة ما ؟ "

قال وسيارته تعبر آخر منعطف قبل الشارع الموجود فيه منزله

" تابعو طريقكم سألحق بكم "

قال بِشر من فوره

" أبلغ القوات الخاصة لا تغادر سيارتك لوحدها يا عمير "


همس بحسناً وهو يدس هاتفه في جيبه وكانت سيارته حينها أمام

باب المنزل الذي فُتح له بالتعرف عليه آلياً ، وخلال جزء من

الثانية كانت السيارة تقف أمام باب المنزل ونزل منها ضارباً بابها

بقوة وصعد العتبات بخطوات راكضة لم تتغير وهو يدخل ويصل

السلالم المشترك ويصعد درجاته كل ثلاثة منها في خطوة واحدة

نظرات من كانت في الأسفل تتبعه وقد لوت شفتيها بضيق قبل أن

تختفي مجدداً بينما وصل هو للأعلى لم يكن يراها وإن وقفت في

طريقه وأسرع ناحية باب غرفتهما المفتوح وما أن أصبح في

الداخل نظر للنائمة على السرير ووقفت عمته من فورها حيث

كانت تجلس بجانبها بينما كانت عيناها هي مغمضتان وتنفسها لا

يدل على نومها فتوجه نحوها وجلس حيث كانت تجلس عمته

ووضع يده على جبينها ثم وجنتها المحمرة بشدة وكانت حرارتها

منخفضة فرفع نظره لعمته التي لامست كتفه تحاول إخفاء القلق

الذي كانت ترى أعظم منه في ملامحه ونظرته تلك هامسة

" ستكون بخير لا تقلق بني فالطبيبة ستصل قريباً "

وقف وقال وهو يبعد اللحاف عن جسدها

" لن أنتظر أي طبيبة سآخذها للمستشفى "

لكن الواقفة بقربه كان لها رأي آخر وهي تمسك بذراعه قائلة

" اتركها تراها أولاً إنها تقيم هنا ولها عيادة قريبة فقد لا يحتاج
الأمر لنقلها وإحداث بلبلة أنت في غنى عنها يا عمير "

قال بضيق يشير بيده للنائمة قربهما

" صحتها أهم عمتي وعليها أن تخضع لكشف عام وتحاليل
شاملة ، ما الذي ستفعله تلك الطبيبة ؟ "

قالت ولازالت متمسكة برأيها

" أخبرتك بأنها تمتلك عيادة أي أنه يمكنها فعل كل هذا من دون
نقلها لأي مكان والتحاليل والكشوفات يمكن إجراؤها في أي وقت
ومكان هي ستكشف عليها فقط "

أومأ برأسه وإن لم يبدو عليه الاقتناع ونظر ناحيتها سريعاً ما أن
وصله صوت أنينها وعاد للجلوس مجدداً وتخللت أصابعه شعرها
ناحية اذنها وصدغها قبل أن يطبطب على وجنتها هامساً

" جليلة "

ففتحت عيناها قليلاً وازداد عمق أنفاسها وانحنت عمته نحوها

حينها قائلة

" جليلة ما الذي تشعرين به ؟ ماذا يؤلمك ؟ "

تحركت شفتاها الجافة هامسة بتعب

" أريد ماء عمتي "

فنظرت لابن شقيقها قبل أن توليه ظهرها قائلة

" سأجلبه أنا "

وغادرت الغرفة بينما ساعدها هو على الجلوس بتمرير يده تحت

رأسها ورفعها بخفة ويده الأخرى تمسك بساعدها وأحاطت كتفاها

ذراعه فسقط رأسها على كتفه وعاد جفناها للإنسدال ببطء

فضرب وجنتها بيده قائلاً

" جليلة افتحي عينيك "

فارتفعا مجدداً وببطء أشد ودخلت عمته تحمل كوب ماء في يدها

وناولته إياه ما أن مد يده لها ووقفت تراقبها بحزن وهي تحاول

الشرب منه بينما كان هو يميله لشفتيها على دفعات صغيرة كي لا

ينسكب الماء منه ومده لها مجدداً ما أن أبعدت رأسها تنزله

للأسفل ومررت أصابعها في غرتها ترفعها للأعلى بحركة بطيئة

فقالت التي كانت تمسك الكوب بكلتا يديها

" يبدو لي أنها استعادت وعيها "

حاول رفع رأسها وكفه وأصابعه تحيط بوجنتها وفكها وقال

" ما الذي يؤلمك يا جليلة ؟! "

رفعت رأسها حينها وبشكل أكبر وغطت عيناها بظهر يدها وخرج

همسها متعباً

" أشعر بالدوار وألم في معدتي "

واشتدت شفتاها بسبب تألمها الذي كانت تصفه فنظر لعمته وقال

مندفعاً وكأنها تعيش معها

" ما الذي أكلته اليوم ؟ "

حركت رأسها في حيرة وقالت

" لقد جلبت لها العصير الذي نعده
بأنفسنا كل صباح والخبز أيضاً وجميعنا أكلنا منه !! "

نظر لها ما أن سقط رأسها على كتفه مجدداً ومسحت يده على

شعرها وأدنى شفتيه من جبينها وقبّله بنعومة قبل أن يحضنها

بكلتا ذراعيه ودفن شفته وذقنه في شعرها فابتسمت عمته بحياء

وغادرت الغرفة حين أدركت بأن وجودها بات لا حاجة

ولا داعٍ له .

وما أن وقفت خارج الغرفة نظرت ناحية السلام وللتين صعدتا منه

واحدة منهما ابنتها والأخرى ستكون الطبيبة المنتظرة بالتأكيد

والتي كانت في منتصف الأربعين تقريباً ممتلئة الجسد قليلاً

بشرتها شديدة البياض تلبس حجاب بني ناعم لم يتجاوز طوله

كتفيها وتضع نظارة شمسية كبيرة مثبتة فوقه ويبدو على

شخصيتها ومشيتها كما ثقتها بأنها طبيبة بالفعل كما كانت تحمل

حقيبة في يدها وتسير مسرعة نحوها فأشارت لها بيدها على

الغرفة التي دخلتها فوراً دون طرق ولا وقوف للاستئذان وكأنها

في أروقة مستشفى !

وما أن أصبحت في الداخل حتى خرج ابن شقيقها من ذات الباب

وأغلقه خلفه نظراتها تراقبه وهو يقف مواجهاً له يدس يديه في

جيبي بنطلونه نظره يرتفع مع رأسه للأعلى ويرجع للباب أمامه

كل حين وكأنه يحصي الدقائق بنفاذ صبر .

كانت نظراتها له تحمل القلق والحزن في آن معاً قلقة على الفتاة

الطيبة الرقيقة وحزينة على حال ابن شقيقها الذي لم يكن يخفى

توثره وانفعاله كما قلقه الشديد لا في وجهه ولا تصرفه ، بينما

كانت نظرات الواقفة بجانبها مختلفة تماماً فكانت كلها نظرات

غضب واستهجان ولم يعجبها قط قلقه الواضح للعيان وكانت

تشعر بالمكان يضيق بأنفاسها حد الاختناق فهمست لوالدتها

" سأنزل للأطفال أمي "

وغادرت باتجاه السلالم دون أن تنتظر تعليقها ولا أن ترى إيماءة

رأسها موافقة فهي كانت تنتظر فقط خروج تلك الطبيبة ليطمئن

قلبها على النائمة في الداخل ونظراتها تنتقل من الباب الموصد

لابن شقيقها والذي باتت رؤيته للساعة في معصمه طقس جديد

من طقوسه ونظر لها حين نفذ الصبر منه كما يبدو وقال بضيق

مشيراً بيده لباب الغرفة

" ما بها نامت في الداخل هذه ؟ "

قالت في تفهم واضح

" علينا لانتظار لتقوم بعملها فلن يعجبك بالتأكيد أن تخرج
خلال خمس دقائق "

تأفف نفساً طويلاً ومرر أصابع يده في شعره وصولاً لقفا عنقه

وتركها هناك وبدأ يشتت نظره في أماكن عده فمدت يدها

لكتفه وقالت

" ستكون بخير يا عمير لما كل هذا القلق ؟ "

نظر لها وقال

" ما كان عليا تركها تهمل نفسها وطعامها هكذا "

قالت في حيرة

" لقد تأكدت بنفسي من تناولها لطعام العشاء البارحة كما
الفطور اليوم "

أبعد يده عن عنقه منزلاً إياها وصولاً لنحره وحرك رأسه في

حيرة مماثلة دون أن يُعلق وانفتح باب الغرفة حينها فتحرك نحوه

مباشرة وهي تتبعه ودخلا حيث التي كانت تجلس على ظهر

السرير هذه المرة تحاول بأصابع مرتجفة إغلاق الأزرار الأخيرة
في بيجامتها القطنية تقف قربها التي كانت تجمع أغراضها في

حقيبتها وأغلقتها ونظرت نحوهما مبتسمة قبل أن يستقر نظرها

على عينيه تحديداً والتي كان ينقل نظراتها بينهما وقالت باسمة

" لا داعي للقلق فكل ما في الأمر أن زوجتك حامل "


*
*
*

وقفت تنظر حولها قبل أن تتحرك مسرعة في اتجاه الممر الآخر

حتى كانت أمام التي فتحت باب جناحها وخرجت منه فقالت

هامسة تنظر لعينيها

" لقد غادر رواح ! أين سيذهب في هذا الوقت ؟ "

قالت بلا اكتراث

" لا يعنينا هذا ومغادرته أفضل من بقائه "

ونظرت تراقب المكان حولها قبل أن تنظر ناحيتها وقالت هامسة

" هل جلبتِ ما طلبته منك ؟ "

حركت جمانة رأسها من فورها ورفعت يدها التي كانت تحمل فيها

زجاجة معتمة بكتابة طبية طبعت على ورقة صفراء ملصقة عليها

ورفعت اليد الأخرى والممسكة بقوة بحقنة مملؤة بسائل أحمر

فاتح اللون فاتسعت ابتسامتها وسارت أمامها وهي تتبعها حتى

اجتازتا الممر الطويل وكانتا أسفل السلالم المؤدي لهدفهما

وهمست ملتفته لها حينها

" علينا أن نُسرع "

وصعدتا بأقدام حافية كما اتفقتا مسبقاً ومنذ مغادرة جناحيهما

وتسارعت خطواتهما وهما تصعدان السلالم القصير نسبياً حتى

كانتا في الأعلى وتسارعت الخطوات أكثر نحو هدفهما تسير

الأولى بكل ثبات وعزم يغذيه حقدها الأسود بينما كانت ضربات

قلب السائرة خلفها تتعالى تدريجياً كلما اقتربتا من هدفهما وما

زاد وضعها سوءاً الظلام والسكون من حولها وأقرت معترفة

لنفسها بأنها إن كانت وحدها لعادت أدراجها منذ وقت فكانت

تلتفت في جميع الاتجاهات وهي تحاول الالتصاق بالسائرة أمامها

قدر الإمكان حتى أصبحتا أمام الباب الذي وقفتا ناحية الصندوق

المعلق بجانبه وأخرجت أسماء هاتفها من جيبها وفتحته ونظرت

له وهي تضغط الأزرار الكثيرة المتعاقبة نظرها ينتقل بينهما بينما

تردد شفتيها كل رقم تنقله بأمر لسبابتها حتى سمعتا صوت

طقطقة خفيفة تلاها صوت ضجيج كهربائي خفيف رافقه ابتعاد

الباب المؤمن ببطء مما جعلهما تنظران لبعضهما وبينما كانت

إحداهما تبتسم بانتصار كانت الأخرى تبتسم بدهشة وتحركت ما

أن همست لها

" هيا لنسرع "

فتبعتها من فورها تحاول أن تكون بجوارها تماماً وهما تجتازان

الباب لتنتقلا من مكان مظلم لآخر أشد منه ظُلمة فأنارت أسماء

هاتفها تحركه في المكان الساكن الدامس تظهر معالمه في بقعة

الضوء المتحركة أمامهما حتى استقر ناحية باب الغرفة المغلق

فهمست جمانة

" ها هو هناك "

حركت رأسها وما أن تحركتا خطوة للأمام توقفتا مكانهما بسبب

الصوت الذي صدر من الجانب الآخر خلفهما وكأنه شيء ما ثقيل

يتم سحبه على الأرض فنظرتا لبعضهما أولاً وكأن كل واحدة

منهما تتأكد من أن الاخرى قد سمعت ما سمعته هي فتلك الجهة لا

أبواب فيها !

التفتتا معاً ما أن تكرر الصوت وعلا قليلاً وتوجه نور الهاتف نحو

مصدر الصوت عند الأرضية وضربات القلوب تصل الحناجر

والتوجس والريبة تجعل الحركة تسير كفيلم سينمائ بطيء

واتسعت العينان حين ارتفع الضوء ليستقر على الجسد الضخم

الطويل والشعر المشعث المليء بالغبار فصرختا معاً بقوة

تحضنان بعضهما حيث سقط الهاتف والنور معه نحو الأرض .


*
*
*

ركن سيارته عند الطريق المقابل لوجهته ونزل وأغلق بابها

ونظر لباب المحكمة الضخم المفتوح في الجانب الآخر يخرج منه

ويدخل إليه جميع تعابير الوجوه وما يمكن قراءته فيها ونظر

للملف الموجود في يده فها قد حانت اللحظة التي لا ينكر بأنه كان

يتمنى أن لا يصل لها بعد أن اطلع عليه ، لا يعلم ما ستكون تبعات

كشف ما يحتويه وما ستنتهي له تلك الساعات التي سيقضيها

هناك في الداخل فهو لا يقف أمام أي قاضٍ بل أمام وزير العدل

ذاته كقاضي وحيد في أول جلسة يعرفها لا يكون فيها ثلاث قضاة

يتشاورون في الحكم وعلم بأن مهمة الجميع في تلك القاعة لن

تكون بالهينة ولا ينكر بأنه يخشى من خسارة كلا الطرفين ولن

يبتهج بفوز المنتصر منهم بالحكم ومهما كان الحكم الذي سيتم

النطق به وخلال جلسة واحدة !

سحب نفساً عميقاً لصدره وتحرك نحو هدفه يجتاز السيارات

السائرة ببطء لازدحام المكان ببذلته السوداء ذات القماش الفاخر

لا يحمل أي حقيبة في يده كأي محامٍ يدخل ذاك المكان بل ملف

وحيد يراه يحمل ما تعجز عنه عشرات الحقائب وملايين العقول

والقلوب .


اجتاز الطريق المزدوج بخطوات شبه راكضة تباطأت ما أن كان

أسفل سلالم الباب الذي يتسع لأكثر من عشرة أشخص يدخلون

معاً وصعد عتباته بخطوات ثابتة وإن كان التردد والتوتر لهما

منه النصيب الوفير والذي ازداد حدة ما أن اجتاز الباب المتسع

حيث المكان الأكثر منه اتساعاً في مساحة شاسعة تتحرك فيها

الناس بعشوائية .. أبواب مفتوحة وأخرى موصده وأروقة

وممرات تصلها بأجزاء أخرى منها وتقدمت خطواته الواسعة

الثابتة يفكر في هدفه هنا فقط وهو تأدية المهمة التي وكلت له

على أكمل وجه وأن لا يهتم لتبعاتها وإن كرهتها نفسه .

" أباااان "
وقف متسمراً مكانه منتصف طريقه المستقيم وظن للحظات أنه

تخيل ذاك الصوت القادم من خلفه ! تلك البحة الرجولية والصوت

العميق الآمر والذي ميزه من بين كل ذاك الضجيج حوله والذي

تحول للصمت فجأة لا يعلم لأنه لم يعد يسمعه أم أن الجميع سمع

ما سمع ولاذوا بالصمت التام !

وتجلت له كل تلك الشكوك والخيالات ما أن استدار بجسده ووقع

نظره على صاحب الصوت ذاته حقيقة لا توهم فيها كما كان يظن

وعلم لما تسلل الصمت للمكان حينها تباعاً بينما تحركت خطواته

نحوه وكأنه منوم مغناطيسياً ولم يبعد نطره عن العينان بالنظرة

الصقرية الحادة لم ينتبه ولا للجسدين الأنثويين خلفه حتى كان

أمامه مباشرة وانتقل نظره حينها ليده التي مدها له وعاد ورفعه

لعينيه بصدمة حين وصله صوته الجامد جمود الصخر

" هاته وغادر لمنزلك "

فتح فمه وأغلقه وحاول أن يقول ما لا يعلم ما سيكون ولم يصدر

عنه أي صوت وعقله يحاول استيعاب ما يحدث !

ونجح الأمر أخيراً وهو يسمع صوته يخرج من جوفه

" هل ألغيت الأمر ؟ "

" لا "

كان جواباً منطقياً أوصله للا منطقية فكيف يكون هذا وتستمر

القضية بعمود ناقص !

رفع يده والملف فيها وقال ببرود

" يمكنك أخذه بالتأكيد لكني لن أغادر "

أخذه منه قائلاً بحزم

" ستعتبره أمراً يا أبان وتغادر "

لو كان رجلاً آخر يقف أمامه الآن وإن كان هو وفي مكان غير

هذا المكتظ بالناس لكان صرخ مصرحاً برفضه فهو من اختاره

لهذا لما يطرده ؟

كان يقاوم الكلمات كي لا تخرج منه مرغماً وانطفأت شعلة

غضبه تماماً ما أن انتبه لصاحبة العينان الحزينة خلف كتفه

الأيمن تلاه انتباهه لأخرى تقف يمينها لا يعرفها ولم يراها يوماً

تكبرها سناً ! لكن ثمة أشياء غريبة في ملامحها تجعله يشك

باختلاط دمائها بأخرى غير عربية كما ملابسها !

عاد بنظره لعيني الواقف أمامه تمسك أحد يديه الملف الذي أخذه

منه والأخرى يدسها في جيب بنطلون بذلته كحلية اللون يبتعد

بسببها طرف سترتها المفتوحة مبرزة الجسد المنحوت بطريقة

رجولية لا تخفيه تفاصيل القميص الناصع البياض وقال

بصوت منخفض

" حسناً كما تريد مطر شاهين "


وغادر مجتازاً له بل لهم ثلاثتهم ووجهته كما نظره ثابتاً وهو

الباب الذي دخل منه بينما من تركه خلفه استدار حينها لمن

أصبحتا في مواجهته ورفع يده والملف فيها ومدها نحو التي

نقلت نظراتها المصدومة بينه وبين عينيه وخرج صوته حازماً

كأمر لا نقاش فيه يشبه قوته .. تلك القوة المنبعثة من عينيه كما

تفاصيله جميعها

" أنتِ من سيقرأ هذا أمام القاضي يا تيما "

فانفرجت شفتاها بذهول وامتلأت عيناها بدموع رقيقة دمجت

الصدمة والفزع معاً في مزيج غريب وتحرك رأسها في ايماءة

رافضة والدموع تتجمع أكثر في الأحداق الواسعة وانتفض

جسدها ما أن صرخ فيها بأمر

" أمسكي يا تيما "

فارتفعت يدها له وأخذته منه ليس بسبب غضبه فقط بل والصوت

الانثوي الذي همس قربها

" لا تبكي أمام الناس يا حمقاء كوني قوية لو أردتها
أن ترجع له "

فأمسكته كلتا يداها تشهق الهواء كالغريق لصدرها تراقب من بين

دموعها سجينة الرموش الكثيفة الذي أولاها ظهره وسار

بخطوات ثابتة بينما عجزت هي عن التحرك من مكانها تشعر

بالتجمد في جميع أطرافها لولا اليد التي أمسكت بيدها وسحبتها

معها خلفه مجتازين التجمعات التي وقفت تراقب ما تراه ولا

تفهمه ، ولن يستغرب أحد هذا فلم يتوقع أيّاً منهم هذا الرجل هنا

يجهلون ما يحدث والأنظار جميعها تتبع الجسد الرجولي الطويل

والسائر بخطوات واسعة واثقة وشموخ وكبرياء عرفوه عنه من

قبل أن يروه حقيقة أمامهم وليس صوراً عبر شاشة مضيئة وإن

كانت حية ، وزاد كل ذلك السائرتان خلفه الفتاة بزي المدرسة

صاحبة الجمال الطفولي الواضح والعينان الدامعة الحزينة تسحبها

من يدها المرأة ذات القوام الممشوق والسيقان الطويلة يغطيهما

بنطلون مشدود وقميص ضيق بأكمام قصيرة تناثرت فوقه

خصلات الشعر الطويل المموج تسير بأريحية وثقة وكأنها

عارضة أزياء تعتلي المنصة لا ترى سوى هدفها وهو الرجل

السائر أمامهما والحرس من حولهم يجعلون مسافة محددة بينهم

وبين جميع الموجودين هناك .

**********

المخرج :~

بقلم / Hanita

♥من مطر إلى غسق♥

تظنين أني لا أملك قلباً و إنما حجراً صوان!!

ويحكِ هلّا فكرت قليلاً و أنصفتني يا ابنة صنوان؟!!

من ذا الذي أهداك مدينة بأكملها؟! من أهداك مدينة العمران؟!!

من ذا الذي يدفع عمره ثمناً ليحميك من كيد غيلوان؟!!

أنا من هجرني الوسن كبحر قد هجر الشطآن...

أنا من بات عالمي مظلماً خالياً من جمال الألوان...

لكنني لست نادماً و لن أكون قادراً على النسيان...

كيف سمحتِ لنا بأن نكون ضحيتي غيسانةٍ و جبران؟!!

بعد ما قمتِ بفعله لا تندمي فلستُ أملك فضيلة الغفران..

أكملي دربك ليس هناك طريق عودة فقد فات لكلينا الأوان...


نهاية الفصل ..




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 21-07-21, 12:53 AM   #16458

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,436
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1709 ( الأعضاء 294 والزوار 1415)
‏فيتامين سي*, ‏منـال مختار, ‏حياة سهلة, ‏أميرة الوفاء, ‏ماريا تيم, ‏عنق البجعه, ‏Arwa ozil, ‏يونشية, ‏عبير نيسان, ‏Ayoosh3, ‏كيانن, ‏راء قاف ميم, ‏هديل مجاهد, ‏مغرمه بميت, ‏SORAYA M, ‏سوار النور, ‏ساره العامري, ‏Sobo, ‏امولة احمدد, ‏"جوري", ‏سيف ال, ‏زينه٩٣, ‏رمرومة تونس, ‏فرحة شيماء+, ‏ৡOosary, ‏ملكةالقمر, ‏قـره عين, ‏مصسراء, ‏deyina, ‏قيقي, ‏ghdzo, ‏فضل من الله, ‏lolololy909, ‏Hamedh, ‏حنين سليمان ع, ‏برد المشاعر, ‏غرام النهار, ‏علي9, ‏لبنى البلسان, ‏ضلالة الامل, ‏سما 23, ‏~وردجوري~, ‏Albnderi, ‏اغلى ناااسي, ‏ام جواد, ‏sara97, ‏Shams A, ‏Ouseima+, ‏رقيةرقية16, ‏Lola bissou, ‏مِسك, ‏زهورات العربي, ‏فراولة بالنوتيلا, ‏بيبووووو, ‏الغربه, ‏هبة الله., ‏ريمو اسماعيل, ‏meloka, ‏ام عدي ريان, ‏رندوش9, ‏Mon abdou, ‏Om noor2, ‏لبابةة, ‏Lamamr32, ‏ساسية, ‏زرقاء اليمامة25+, ‏رحاب كمال, ‏kamsed, ‏romysa, ‏dodoalbdol, ‏ام آية وهداية, ‏افنان23, ‏ولع السعوديه, ‏Anabeth 21, ‏ساره ناانا, ‏girl lost, ‏محبة النجوم, ‏نورة502+, ‏آمال العلي, ‏remasa997, ‏هناء حسن, ‏سلمى عامر, ‏جويرية عمر, ‏فطوم لكوم, ‏Mnal ##, ‏dalia22, ‏اثيراللعتيبي, ‏bella snow, ‏غاليةياية, ‏Nesrine Nina*+, ‏أم البنيين, ‏Electron, ‏منارًً, ‏shlydia, ‏Fezoo, ‏خزامى هامي, ‏طيف بسمه, ‏أميرة المكفوفين, ‏meeth__22, ‏لــوولي+, ‏Ti_, ‏نهى اليا, ‏حكايــه+, ‏مينو ويزي, ‏Marwa Nassma+, ‏لؤلؤة جدة, ‏فاطمه محمد على, ‏Light dream, ‏سودوكوو, ‏bas bas, ‏إسرَاء, ‏عآئشـة, ‏لامارا*+, ‏Roon.11, ‏الهد هد, ‏سلمي يوسف حلمي+, ‏هانا مهدى, ‏ميار111, ‏الشهد ا, ‏الق الزمرد, ‏kokoaia+, ‏فووووووز, ‏Momo m, ‏time up+, ‏احب القراءه, ‏ريهام زهير, ‏عطعوطة+, ‏Samaa Helmi, ‏جنى مالك, ‏Meem*, ‏Ax.49, ‏ShadanNaif, ‏روان الحلوة, ‏mont_8, ‏الحظ العاثر, ‏منالب, ‏Shaima Esam, ‏اميرته العنود, ‏عسلية العين, ‏انيوشا الانمي, ‏لينن علي, ‏ملامح باهته+, ‏بش خير, ‏feedback, ‏sam_202, ‏الاميرة..., ‏حورررررر, ‏العجل يا صاحب الزمان, ‏الأنيقه, ‏اردنيتي هويتي, ‏اسمهانوا, ‏Oneع٣, ‏بفاريا, ‏غصة في روحنا, ‏ام الانصاري, ‏Amal Essam, ‏HUDA1995, ‏badriamohammed, ‏بنت الورد, ‏Om nada.aly, ‏ابعد من اقرب شيئ, ‏بزوغ فجر جديد, ‏فرحندي, ‏khadidz+, ‏همس الضلال, ‏MY.ArIn, ‏Ayaibrahim, ‏راوين, ‏وفاء المرادي, ‏ام هجرس, ‏سرو هانم, ‏احمد ابوصلاح, ‏n0on11, ‏ويبقى الأثر2002, ‏ذهب, ‏اهة رحيل+, ‏هاجر جوده+, ‏قمر صفاء, ‏ام زينبو, ‏Sozaco, ‏2Ran, ‏غيداء غيدة, ‏lolowalaa, ‏سمراء جنين, ‏رياح التلال, ‏مسره الجوريه+, ‏افنان عمر, ‏ام يوساب, ‏chouchou23, ‏هبة محمد سعد أحمد, ‏أميرة مملكتي+, ‏Emmy87, ‏ريمةمف, ‏زهره ابي, ‏اسماء عبده, ‏انا فقط, ‏ميررر, ‏hibba+, ‏Mos3ad, ‏ارميتاج, ‏Glories1, ‏سجى النور, ‏غدير الحياة, ‏نونا لبنان+, ‏ام عبد القادر, ‏Yaw yaw, ‏مريم القائد, ‏princess blonde, ‏ريماس ياسر, ‏بنت وطن, ‏Zohaerl, ‏قطرالندى حسن, ‏دعاء مصطفى, ‏Farah.H, ‏الجوزاء●°, ‏ديالاا, ‏نسيبة جميل, ‏ام رفيدة, ‏شمس عمر, ‏Alanoud., ‏مايرينا, ‏دعاء عبدالصمد, ‏مليكةوجداني, ‏fofolamia, ‏Qhoa, ‏نغم فارس, ‏ردينه حسن, ‏أم زوزي, ‏دانه عبد, ‏لميس رضا, ‏samah khattab, ‏deegoo+, ‏شجنّ العُذوب, ‏فاطمة الزهراء طلحة, ‏nona.94, ‏انايا, ‏shimazead, ‏زينة الدنيا+, ‏سلام مصطفى, ‏sira sira, ‏futur medecin, ‏أم جنات, ‏اسراءالرسول, ‏Reanh, ‏كارديجان, ‏meme 22, ‏سمية المقبلي+, ‏سالي تاتا, ‏عنقااء, ‏*Ay gul**, ‏Wafon, ‏جكيل مرحبا, ‏ذرة أكسجين, ‏رتوجججة, ‏Ra Na, ‏منار سعد, ‏ورقة الخريف, ‏سماالنور, ‏دانه السبيعي, ‏Mariia_, ‏darling, ‏الزهره البنفسجيه, ‏جواهر الخليج, ‏Sarah seven, ‏Meme salam, ‏Hyn, ‏Sara.mhmd+, ‏أم أنس, ‏dododandash, ‏ربا العلي, ‏ام ريماس حشيش, ‏شفق قطبي, ‏Warda123, ‏Wagnat❤❤, ‏micdrop, ‏Ebrahim khattab, ‏fatma r, ‏بابيدو+, ‏أم عواااش, ‏اميرة مارس, ‏نجود فايف, ‏Arw2, ‏Hazar Maani, ‏خريف عمري, ‏ثمرة الخاء, ‏بشرى الخيرات, ‏ساره شوقي, ‏فريال اسبر, ‏اسيل سلمى, ‏هبة الله العواد+, ‏سمية١٢٣, ‏أية ناصر, ‏Hohoo, ‏هدى هدهد



أحلى سلفي مع حبيبتنا برد المشاعر

قراءة ممتعة لكم .......... وردود ممتعة لنا ........... ولكاتبتنا الغالية ................

Nesrine Nina and bosy mamdouh like this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 21-07-21, 12:59 AM   #16459

أميرة الوفاء

مشرفة منتدى الصور وpuzzle star ومُحيي عبق روايتي الأصيل ولؤلؤة بحر الورق وحارسة سراديب الحكايات وراوي القلوب وفراشة الروايات المنقولةونجم خباياجنون المطر

 
الصورة الرمزية أميرة الوفاء

? العضوٌ??? » 393922
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 11,306
?  نُقآطِيْ » أميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond repute
افتراضي


مساء الخير جميعا
دخلت فقط من أجل
تسجيل الحضور
وأخد سيلفي معكم
أما قراءة الفصل
صعب الآن
غدا إن شاء الله



..

Nesrine Nina likes this.

أميرة الوفاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 21-07-21, 01:01 AM   #16460

أميرة الوفاء

مشرفة منتدى الصور وpuzzle star ومُحيي عبق روايتي الأصيل ولؤلؤة بحر الورق وحارسة سراديب الحكايات وراوي القلوب وفراشة الروايات المنقولةونجم خباياجنون المطر

 
الصورة الرمزية أميرة الوفاء

? العضوٌ??? » 393922
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 11,306
?  نُقآطِيْ » أميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond reputeأميرة الوفاء has a reputation beyond repute
افتراضي



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1767 ( الأعضاء 306 والزوار 1461)

أميرة الوفاء, ‏sam_202, ‏سنيورا سارون, ‏سمية١٢٣, ‏Wafaa elmasry, ‏فضيلة زناش, ‏ام نواره, ‏آمال العلي, ‏Sobo, ‏Hyn, ‏شذى الحربي, ‏بقايا هم, ‏مهاجرة إلى الله, ‏Mariia_, ‏فوفونان, ‏كادىياسين, ‏سوار النور, ‏سلام مصطفى, ‏Güzal, ‏Salomah, ‏أم البنيين, ‏يونشية, ‏منـال مختار, ‏فنديا, ‏رقيةرقية16, ‏إسرَاء, ‏علي9, ‏ৡOosary, ‏المتفائله بالله, ‏راء قاف ميم, ‏Jijel, ‏Şirin, ‏رقيشا, ‏Ayoosh3, ‏lolowalaa, ‏Arwa ozil, ‏Ouseima, ‏كريمه عبد الرحمن, ‏Wafon, ‏أم عواااش, ‏ماريا تيم, ‏"جوري", ‏برد المشاعر+, ‏بيبووووو, ‏عنق البجعه, ‏omhamzamizo, ‏عبير نيسان, ‏كيانن, ‏مغرمه بميت, ‏SORAYA M, ‏حياة سهلة, ‏هديل مجاهد, ‏ساره العامري, ‏امولة احمدد, ‏سيف ال, ‏زينه٩٣, ‏رمرومة تونس, ‏ملكةالقمر, ‏قـره عين, ‏مصسراء, ‏deyina, ‏قيقي, ‏ghdzo, ‏فضل من الله, ‏lolololy909, ‏Hamedh, ‏حنين سليمان ع, ‏غرام النهار, ‏لبنى البلسان+, ‏ضلالة الامل, ‏سما 23, ‏~وردجوري~, ‏Albnderi, ‏اغلى ناااسي, ‏ام جواد, ‏sara97, ‏Shams A, ‏Lola bissou, ‏مِسك, ‏زهورات العربي, ‏فراولة بالنوتيلا, ‏الغربه, ‏هبة الله., ‏ريمو اسماعيل, ‏meloka, ‏ام عدي ريان, ‏رندوش9, ‏Mon abdou, ‏Om noor2, ‏لبابةة, ‏Lamamr32, ‏ساسية, ‏زرقاء اليمامة25, ‏رحاب كمال, ‏kamsed, ‏romysa, ‏dodoalbdol, ‏ام آية وهداية, ‏افنان23, ‏ولع السعوديه, ‏Anabeth 21, ‏ساره ناانا, ‏girl lost, ‏محبة النجوم, ‏نورة502, ‏remasa997, ‏هناء حسن, ‏سلمى عامر, ‏جويرية عمر, ‏فطوم لكوم, ‏Mnal ##, ‏dalia22, ‏اثيراللعتيبي, ‏bella snow, ‏غاليةياية, ‏Electron, ‏منارًً, ‏shlydia, ‏Fezoo, ‏خزامى هامي, ‏طيف بسمه, ‏أميرة المكفوفين, ‏meeth__22, ‏لــوولي, ‏Ti_, ‏نهى اليا, ‏حكايــه, ‏مينو ويزي, ‏Marwa Nassma, ‏لؤلؤة جدة, ‏فاطمه محمد على, ‏Light dream, ‏سودوكوو, ‏bas bas, ‏عآئشـة, ‏Roon.11, ‏الهد هد, ‏سلمي يوسف حلمي, ‏هانا مهدى, ‏ميار111, ‏الشهد ا, ‏الق الزمرد, ‏kokoaia, ‏فووووووز, ‏Momo m, ‏time up, ‏احب القراءه, ‏ريهام زهير, ‏عطعوطة, ‏Samaa Helmi, ‏جنى مالك, ‏Meem*, ‏Ax.49, ‏ShadanNaif, ‏روان الحلوة, ‏mont_8, ‏الحظ العاثر, ‏منالب, ‏Shaima Esam, ‏اميرته العنود, ‏عسلية العين, ‏انيوشا الانمي, ‏لينن علي, ‏ملامح باهته, ‏بش خير, ‏feedback, ‏الاميرة..., ‏حورررررر, ‏العجل يا صاحب الزمان, ‏الأنيقه, ‏اردنيتي هويتي, ‏اسمهانوا, ‏Oneع٣, ‏بفاريا, ‏غصة في روحنا, ‏ام الانصاري, ‏Amal Essam, ‏HUDA1995, ‏badriamohammed, ‏بنت الورد+, ‏Om nada.aly, ‏ابعد من اقرب شيئ, ‏بزوغ فجر جديد, ‏فرحندي, ‏khadidz, ‏همس الضلال, ‏MY.ArIn, ‏Ayaibrahim, ‏راوين, ‏وفاء المرادي, ‏ام هجرس, ‏سرو هانم, ‏احمد ابوصلاح, ‏n0on11, ‏ويبقى الأثر2002, ‏ذهب, ‏اهة رحيل, ‏هاجر جوده+, ‏قمر صفاء, ‏ام زينبو, ‏Sozaco, ‏2Ran, ‏غيداء غيدة, ‏سمراء جنين, ‏رياح التلال, ‏مسره الجوريه, ‏افنان عمر, ‏ام يوساب, ‏chouchou23, ‏هبة محمد سعد أحمد, ‏أميرة مملكتي, ‏Emmy87, ‏ريمةمف, ‏زهره ابي, ‏اسماء عبده, ‏انا فقط, ‏ميررر, ‏hibba, ‏Mos3ad, ‏ارميتاج, ‏Glories1, ‏سجى النور, ‏غدير الحياة, ‏نونا لبنان, ‏ام عبد القادر, ‏Yaw yaw, ‏مريم القائد, ‏princess blonde, ‏ريماس ياسر, ‏بنت وطن, ‏Zohaerl, ‏قطرالندى حسن, ‏دعاء مصطفى, ‏Farah.H, ‏الجوزاء●°, ‏ديالاا, ‏نسيبة جميل, ‏ام رفيدة, ‏شمس عمر, ‏Alanoud., ‏مايرينا, ‏دعاء عبدالصمد, ‏مليكةوجداني, ‏fofolamia, ‏Qhoa, ‏نغم فارس, ‏ردينه حسن, ‏أم زوزي, ‏دانه عبد, ‏لميس رضا, ‏samah khattab, ‏deegoo+, ‏شجنّ العُذوب, ‏فاطمة الزهراء طلحة, ‏nona.94, ‏انايا, ‏shimazead, ‏زينة الدنيا, ‏sira sira, ‏futur medecin, ‏أم جنات, ‏اسراءالرسول, ‏Reanh, ‏كارديجان, ‏meme 22, ‏سمية المقبلي, ‏سالي تاتا, ‏عنقااء, ‏جكيل مرحبا, ‏ذرة أكسجين, ‏رتوجججة, ‏Ra Na, ‏منار سعد, ‏ورقة الخريف, ‏سماالنور, ‏دانه السبيعي, ‏darling, ‏الزهره البنفسجيه, ‏جواهر الخليج, ‏Sarah seven, ‏Meme salam, ‏Sara.mhmd, ‏أم أنس, ‏dododandash, ‏ربا العلي, ‏ام ريماس حشيش, ‏شفق قطبي, ‏Warda123, ‏Wagnat❤❤, ‏micdrop, ‏Ebrahim khattab, ‏fatma r, ‏بابيدو, ‏اميرة مارس, ‏نجود فايف, ‏Arw2, ‏Hazar Maani, ‏خريف عمري, ‏ثمرة الخاء, ‏بشرى الخيرات, ‏ساره شوقي, ‏فريال اسبر


ما شاء الله
حضور مميز
دليل الوفاء
والإخلاص والولاء
ميشو
تستاهلين أكثر

أحلى سيلفي
مع أروع متابعين
لأجمل رواية

..

Nesrine Nina likes this.

أميرة الوفاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:21 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.