آخر 10 مشاركات
العشيقة البريئة(82)للكاتبة كارول موتيمور(الجزء الثالث من سلسلة لعنة جامبرلي) كاملـــه (الكاتـب : *ايمي* - )           »          بروحي أشمُّ عطرك(81)(مميزة) _حصرياً_قلوب نوفيلا_للرائعة(bambolina) كاملة+الروابط (الكاتـب : bambolina - )           »          أهلاً بكِ في جحيمي للكاتبة الفاتنة: عبير قائد (بيـــرو) *كاملة & بالروابط* (الكاتـب : Omima Hisham - )           »          قيدك الماسي (7) -رواية غربية- للكاتبة المبدعة: Shekinia [مميزة]*كاملة &الروابط* (الكاتـب : shekinia - )           »          321- سهام من حرير - ميراندا لي (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          تائــهــة في عتمتـك (الكاتـب : نسريـن - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          91- بين ضفتي الحب -كيت والكر -عبير كتاب عربي (الكاتـب : Just Faith - )           »          A Walk to Remember - Nicholas Sparks (الكاتـب : Dalyia - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة

Like Tree35048Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-01-18, 12:35 AM   #6281

زرقاء اليمامة25
 
الصورة الرمزية زرقاء اليمامة25

? العضوٌ??? » 382206
?  التسِجيلٌ » Oct 2016
? مشَارَ?اتْي » 444
?  نُقآطِيْ » زرقاء اليمامة25 has a reputation beyond reputeزرقاء اليمامة25 has a reputation beyond reputeزرقاء اليمامة25 has a reputation beyond reputeزرقاء اليمامة25 has a reputation beyond reputeزرقاء اليمامة25 has a reputation beyond reputeزرقاء اليمامة25 has a reputation beyond reputeزرقاء اليمامة25 has a reputation beyond reputeزرقاء اليمامة25 has a reputation beyond reputeزرقاء اليمامة25 has a reputation beyond reputeزرقاء اليمامة25 has a reputation beyond reputeزرقاء اليمامة25 has a reputation beyond repute
افتراضي



انا كيييف نسيت الحقووووني ما قلت شيء تووووووبة انا بس تاتير النوم هو لي خلاني لخبط بالحكي غسووووقة على راسي حبيبت الكل.....
بس بيناتنا جزيل العطاء موو راح تكون احلى مفاجاة بالعالم ههه شكلي لساتني ما تبت هههههه
رايحة خلاص رايحة ههههه


زرقاء اليمامة25 غير متواجد حالياً  
التوقيع
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الضالمين

اللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعفو عنا
رد مع اقتباس
قديم 16-01-18, 12:39 AM   #6282

حلا المشاعر
 
الصورة الرمزية حلا المشاعر

? العضوٌ??? » 403837
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 481
?  نُقآطِيْ » حلا المشاعر is on a distinguished road
افتراضي

ماشاء الله على الحضور .. مبروك لكاتبتنا تستحق هذا الحضور وتزيد عليه .. فما تخطه أناملها الذهبية لا يقدر بثمن .. تسجيل حضووور مرة ثانية .

حلا المشاعر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-01-18, 12:39 AM   #6283

Zeinab Mohammed

نجم روايتي وابنة بارة بأمهاوحارسة سراديب الحكايات

 
الصورة الرمزية Zeinab Mohammed

? العضوٌ??? » 411575
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,178
?  نُقآطِيْ » Zeinab Mohammed has a reputation beyond reputeZeinab Mohammed has a reputation beyond reputeZeinab Mohammed has a reputation beyond reputeZeinab Mohammed has a reputation beyond reputeZeinab Mohammed has a reputation beyond reputeZeinab Mohammed has a reputation beyond reputeZeinab Mohammed has a reputation beyond reputeZeinab Mohammed has a reputation beyond reputeZeinab Mohammed has a reputation beyond reputeZeinab Mohammed has a reputation beyond reputeZeinab Mohammed has a reputation beyond repute
افتراضي

نعساااااااااااانة يا بناااااات في رايككككم اررح اناااام او انتظر الفصل؟!

Zeinab Mohammed غير متواجد حالياً  
التوقيع
وكيف لي ان انسااك وانت في اعماق قلبي؟!
رد مع اقتباس
قديم 16-01-18, 12:40 AM   #6284

ASOOMH
 
الصورة الرمزية ASOOMH

? العضوٌ??? » 407654
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 202
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
?  نُقآطِيْ » ASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond reputeASOOMH has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك fox
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

انا نعسانه ومع ذلك اقاوم الحاله طبيعيه ولا بزياده
متحمسه مره للقاء دجى وعودته للوطن وموقفه مع مطر
اووووه فيه حراايق في جزء اليوم
وزيزفون شكلها جالسه تشرشح إلينا هو اسمها كذا نسيته🙄🙄
بس تستاهل من كلامها واضح جايه متهمتها انها على علاقه مع وقاص
وضرار امسكووه لي بالله كذا ابي اسدحه واضرب راسه في الارض لين ابرد قلبي قااااهرني☠☠☠☠
وتيم وماريا ابغاه يشوفها متكشخه وحاضره الحفل ولا عليها وهو يدق عليها مطنشه تستاهل ما تعرف تشرح تكلم زي الاوادم اجل انا على علاقه مع فااه وتبغاها تصفق لك زين ما صفقتك 😒😒
وميين مطر اعترف بحبه لغسق لمين 😹😹
وااضح مبتلش بالرجال اللي يحبونها ويبغونها
والله انت اللي فرطت فيها وجالس تزيد حتى احسن
ياليت ترفع قضييه خلع حتى مو طلاق
خله يقعد 🙂👊🏻👊🏻
شكلي تحمست بزياده ما علينا
احبكم والله
الزبده
شكراً بحجم السماء لفيتو وميشوو


ASOOMH غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-01-18, 12:43 AM   #6285

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

منورين المتصفح يالغالين

دقائق وأنزل الفصل لكم

رجاء لا أحد يرد لما أنتهي من تنزيل الفصل كامل

الفصل طويل فوق الـ 400 صفحه بالوورد عندي




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 16-01-18, 12:52 AM   #6286

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الخامس عشر


المدخل ~

بقلم أنة غريب


°°°من تيم لشاهر°°°

ياأبتي قد كُنتَ ظَلوماً
أوتطلبَ مِنِّي الغفرانْ؟!..

قد عانيتُ زماني المرُّ
وسُقِيتُ بكأسِ الخذلانْ...

لن أنسى أياماً مَرَّتْ
أسرِقُ بالحقلِ الرّمانْ...

لمْ أفرحْ يوماً أو أمرحْ
لمْ ألعب مثلَ الصبيانْ...

ولأُمِّي مَنْ ماتتْ ألماً
كمْ عانتْ ظُلمَ الجيرانْ...

هلْ أنسى ظلماً من أهلٍ؟؟
أمْ أنسى حياة الحرمانْ؟..


******

°°°من شاهر لتيم°°°

ياولدي يكفيني عذابٌ
ماعدتُ أطيقُ الحرمانْ...

روحي في وطني ساكنةٌ
ولجسدي بقي الأحزانْ...

أُمُّك كانتْ نبضي وقلبي
كانتْ في جوفي الشريانْ...

قد أهملتُ حقوقي وسرتُ
ناداني حبُّ الأوطانْ...

أُمّكَ من دفعتني لأَمضي
ياولدي مِنكَ الغُفران...

فحياتي ذهبتْ في عَمَلٍ
كي يرجعَ بالوطنِ أمانْ...


******


اشتدت أصابعه على الهاتف فيها حتى كان سيحطمه بينها فهو

الرجل الوحيد في هذه البلاد من يحمل له ثأرا لن يرتاح إن لم

يوفيه ووحده من لن يضمن أن يكون عادلا فيما يخصه ويفهم

تقريبا لماذا اتصل به بل وهذا جل ما كان يخشاه ، قال بجمود

" أين الفتاة الثنانية ؟ "

وصله صوته المستفز فورا

" عندي طبعا "

يعلم بأنه لا يكذب فأمر اختفائها لم يشع بعد ولازال في حدود

قبائل ومدن الثنانيين وهذا سبب ذهابه لهم شخصيا وفي أسرع

وقت قبل أن يخرج الأمر عن السيطرة تماما ، لن يتعب نفسه

بإسماعه سيلا من المواعظ وبأنه يجر البلاد وقبائل صنوان

تحديدا للحرب فلن يجدي ذلك مع شخص أناني حاقد مثله وليس

هو ممن يحبذون إلقاء تلك الخطابات السخيفة لذلك قال وفورا

" والمقابل ؟ "

هو واثق من أنه يعلم بأنه سيتبع معه هذا الأسلوب وأنه لن

يهدده بمحاربتهم فهو يعرفه جيدا لم يصمت عن تلك الأفعال حتى

الآن إلا لأنه يرفض إراقة الدماء وهذا أكثر ما يراه يشجعه على

ما يفعل هو وأمثاله ويحاول الآن إمساكه من يده التي تؤلمه وهي

الحروب ودمار البلاد فحرب الثنانيين للعرب معناها دماء ستسفك

لأعوام طويلة خاصة أن الدول المجاورة ذات الحدود المشتركة

معهم تلك الجهة يسكنها قبائل ثنانية أيضا وسيدخلون في متاهات

ليس لها آخر والحالك والهازان ستنقسمان أيضا ومنهم من

سيشارك في الحرب حينها بسبب الأنساب وبسبب الحمية لأن

عدوهم ليس منهم كما يرونه ، ومنهم من سيقاتل صنوان أيضا

لأن الأمر لن يقف عند ذاك الحد بما أن بعضا منهم يتهمون

الحالك بالطمع في السلطة وبمقتل الزعيم شراع وهذا ما يستغله

ابنه وأتباعه أفضل استغلال وها قد حصلوا على سلاح قوي

لإضعافه .

أتاه جوابه سريعا

" غسق ... وامرأة بامرأة "

جوابا كان كافيا لإشعال من كان سمته البرود والجمود منذ قليل

بل وفي أغلب حالاته لكنه أخمد تلك النيران وإن كانت أنفاسه

الغاضبة لا تخفي اشتعال جوفه وأول ما ظهر أمامه صورتها وهو

يحملها بين ذراعيه ويخرج بها من المياه مبللة كليا يضمها له

بقوة ، قال من بين أسنانه

" تحترق البلاد ومن فيها وما سلمتك ظفرها ولا أي رجل في

الوجود ... غسق لي زوجتي ستعيش وتموت هكذا "

وتابع بسخرية يعلم بأنها ستصيبه في مقتل

" ثم لو كنت تعني لها شيئا لكانت هي من ذهبت إليك ومن أعوام

ولكنت استطعت جعلها تقبل بك "


تحولت نبرته للحدة وكما توقع وقد قال

" ولن تكون لك مثلما لن تكون لي لأنك من خسرها بكل غباء

وأنا من يعرف غسق جيدا وتربى معها "


قال بذات نبرته الساخرة القاتلة

" وأنا أعرف أفكار أمثالك جيدا وأنت تعلم بأنها لن تكون لك

وإن سلمتك إياها فجسدها لن يرضيك لأن قلبها لن تأخذه معك

فاختصر علينا الحديث "


شد قبضته ما أن سمع تلك الضحكة الواثقة وكما توقع قال

صاحبها فورا

" اليرموك ... معسكرها مطارها العسكري ومخازن الذخيرة فيها ...

أي باختصار اليرموك كاملة مقابل تلك الثنانية أو انسى أمرها تماما "

رمى الهاتف على الكرسي بجانبه بعدما قطع عليه الاتصال وأوقف

السيارة على جانب الطريق واتكأ برأسه للخلف على مسند الكرسي

مغمضا عينيه وضغط عليهما بأصابعه بقوة ... توقع ذلك وتوقعه

كان صائبا فهم بخسارتهم لها سابقا لم يعد يهتم لأمرهم وتركهم

لقبائلهم تتخلص منهم ما أن يكتشفوا حقيقتهم ويتعبوا من انفصالهم

عن البلاد بسببهم لكن دخول تلك الفتاة ووقوعها في قبضتهم دمر

كل شيء ولا يمكنه ترك الأمر للمصادفات على أمل أن يكون تهديده

ليس حقيقيا أو حتى تهديد الثنانيين فهو رجل حرب لا يعترف بشيء

اسمه ( قد يحدث عكس ما أظن ) وها قد حاصروه بمكر ولعبت

الظروف لصالحهم .

" مطر هل من مشكلة ؟ "


استقام في جلوسه بعدما وصله صوت الواقف في الخارج أمام

نافذته وشغل سيارته مجددا قائلا بجمود

" لا يا عمير وسنتابع سيرنا فكدنا نصل "

فقد أصر على أن يكون فيها لوحده بدون مرافقة لأنه ثمة من كان

عليه الاطمئنان عليها كل حين بل والانفراد بأفكاره كعادته دائما

يجد الحلول لمشاكله بانزوائه مع أفكاره فمنذ حكم الحالك قبل أكثر

من خمس وعشرون عاما وهو لا يجد حلولا لتعقيدات الأمور أفضل

من وقت قيادته لسيارته وحيدا مهما طالت المسافات لذلك لم يكن

يشعر بطولها ولا يتعب منها بسهولة وهذه المرة يحتاج فعلا لأن

يدور حول الأرض دورة كاملة ليجد لهذه المشكلة حلا ينقذ به

الجميع من الانزلاق في حرب أهلية أسوأ من سابقتها .


*
*
*

نقلت نظرها بين الواقف في الطرف الآخر للسرير والذي

حدق بها بدوره للجالسة عليه مكتفة ذراعيها لصدرها تنظر

للفراغ ملامحها جامدة خالية من أي تعبير وكأنها تسبح في

بعد آخر لا وجود فيه لأحد غيرها وهذا حالها منذ أفاقت

فقد خرجوا بها من المستشفى تحت إصرار كبير منها وبثيابها

التي دخلته بها فأول ما طالبت به كان تلك الثياب فالذي أخذها

إلى هناك طلب غسلها وكيها وكأنه يتوقع تماما بأنها ما أن

تفيق ستطلبها وهذا هو المتوقع فهي لن ترضى بلون آخر

فكيف إن كان أبيض ؟


تنهدت بعجز ونظرها لازال عليها ، لو تفهم فقط ما حدث

بينهما جعلها هكذا ! وما الذي تفكر فيه أيضا ؟

تحركت من مكانها ودارت حول السرير وسحبت الواقف هناك

معها خارج الغرفة وما أن أصبحا في الممر سألته بصوت منخفض

" ماذا حدث ؟ لما هي هكذا ! "


حرك رأسه نفيا وهمس أيضا

" لا أعلم "

قالت بضيق

" ومن سيعلم يا كاسر ؟ أنت من كنت هناك قبلي "


فرد كفيه قائلا بعجز

" أنا أيضا وصلت هناك بعد رسالة منه ولم يخبرني شيئا

سوى أنه عليا أن أكون بجانبها لأنه لا يستطيع إخبار رماح

ولا رعد ، كان مثلها شعره مبللا وقميصه أيضا ولست أفهم

فلا أمطار هنا ولا بحر أيضا ليكونا غطسا فيه "

حركت رأسها بعجز ونظرت للفراغ بتفكير قبل أن تنظر له قائلة فجأة

" الشلالات ... هي المكان الوحيد الذي توجد فيه المياه ....

هل كانت فيها ؟ "

قال بتفكير

" هذا محتمل فهي خرجت وحدها وبالفعل هناك فقط توجد مياه ...

لكن كيف علم ولما عاد وهو غادر بابنته صباحا وتيما حين اتصلت

بها قالت أنهما متوجهان للمدينة التي تسكنها عمتها ! "

كانت الواقفة أمامه ستتحدث لولا أوقفها الباب شبه مغلق قربهما

حين انفتح وخرجت منه التي كانت تلف حجابها ومرت من بينهما

في صمت وتوجهت جهة السلالم فتبادلا نظرة مستغربة قبل أن

يتبعاها كليهما فالمطمئن في الأمر أنها ببجامة حريرية ولن تفكر

في الخروج بها بالتأكيد ، نزلا خلفها للأسفل وحيث كان رماح

وعمته هناك فجلست معهما متجاهلة تماما نظراتهما المستغربة

والتي نقلوها فورا جهة النازلان خلفها ما أن كانا في الأسفل

ولن يستغربا ذلك فحالتها تلك تلفت أي انتباه فما بالك بمن

عاشوا معها !

حدقت الأعين جميعها بها حين نظرت ليديها في حجرها وهمست

ببحة تعب ظهرت بوضوح في صوتها

" كاسر نادي على رعد فورا ثمة ما عليا إخباركم به "

نقل الواقف خلفها نظراته بين الجميع قبل أن يغادر من هناك في

صمت فتحركت التي كانت تقف بجانبه ووضعت يدها على كتف

الجالسة أمامها وانحنت لها وقبلت خدها قائلة

" سأراك غدا ... عمتم مساء "

وغادرت ما أن أنهت جملتها تلك ووجهتها باب المنزل فحتى

إن تم التعامل معها بأدب كفرد منهم تعلم بأنه عليها أن تغادر فلا

شيء يخولها للاطلاع على خصوصياتهم .

خرجت مغلقة الباب خلفها لحظة خروج الكاسر من جهة الممر

الغربي ورعد يتبعه ولم تكن نظرته لها تختلف عنهم رغم علمه

المسبق بلحاق ذاك الرجل بها فتوقع حتى أن تضربه بأي شيء

في يدها على رأسه ما أن تراه بسبب إخباره .. أن تصرخ فيه

بغضب أن تلقي باللوم عليه .. أن تفعل أي شيء لكن أن يكون

رد فعلها هذا الهدوء الغريب فهذا ما لم يتوقعه أبدا ! وليس

يمكنه تسمية حالتها هذه بالهدوء مطلقا وكأن عقلها يعيش

حالة صدمة لم يفق منها بعد !!

جلسا كليهما معهم والصمت سلوك الجميع محدقين بالتي تملك

وحدها دفة الحديث والتي شدت أنامل يديها المقبوضة في حجرها

بقوة ونظرها عليهم قبل أن تقول بصوت منخفض

" سنغادر هذا المنزل "

تبادلوا نظرات صامتة مستغربة ورغم علم رعد المسبق بمكالمتها

تلك إلا أنه كان أول من علق قائلا

" غسق هذا منزلك لا أحد له الحق في إخراجك منه "

نظرت له وقالت بحزم

" لا ليس منزلي هو جزء من مبنى الجمعية ومتصل بها ، حتى

الأرض التي بني عليها تابعة لها وأنا لم أعد أريد شيئا من هذه

المدينة بعدما سلمت الدولة ملكية أراضيها جميعها فهذا المنزل

أيضا من ضمنها "

كان رعد أيضا من علق هذه المرة فوحده من اجتاز صدمته سريعا

قائلا بضيق " لا ابن شاهين ولا أي أحد غيره أجبرك على ترك

الجمعية ولا حتى تسليم العمران ، لم أعرفك انهزامية هكذا سابقا ! "

وقفت على طولها ونظرت له قائلة

" ها قد علمت بأني كذلك وفاشلة أيضا ، إن كنت ترفض أنت أو

رماح استقبالي في منزل أحدكما فسأعيش في منزلنا القديم وحدي "

أنهت عبارتها تلك وصعدت من فورها عائدة من حيث جاءت

ونظراتهم تتبعها فهمس رعد من بين أسنانه

" جنت هذه المرأة بالتأكيد "

قال رماح بهدوء

" هي امرأة راشدة وتعرف ما تريد فعله ولا تنسى وصية والدي

يا رعد "

وقف على طوله وقال بضيق

" وما أوصلها لكل هذا سوى كلمة راشدة وعاقلة ؟ لو كنا أشقائها

حقا لكانت تأخذ برأينا وليست تعلمنا بقراراتها فقط هكذا "

قال رماح فورا وباستنكار

" رعد ما هذا الذي تقوله ؟ غسق لم تعصي لنا يوما أمرا ولا

والدي أما ما يحدث الآن فأنت تعلم سببه جيدا ولا أحد يمكنه

لومها فيما تفعل ، يكفيكم وقوفا في صف ذاك الرجل "

تحرك من هناك دون أن يعلق وتوجه لغرفته ودخلها ضاربا الباب

خلفه ورفع هاتفه واتصل بمن ضن أنه سيجد حلا للأمر وليس

يعقده أكثر والذي أجاب عليه بعد وقت قائلا

" هل هي بخير ؟ "

قال بضيق

" تسأل إن كانت بخير ؟ إن كان يعنيك أن تكون بخير لكنت

أخبرتني من البداية "

وصله صوته الجاد فورا

" أنت تعلم عن وضعك وما كان الحراس ليتركوك تخرج ، الكاسر

لم يجب على اتصالاتي ولا ابنة خالته ولولا أنهم في المستشفى

أخبروني أنها غادرت لكنت عدت أدراجي "

قال بذات ضيقه

" أنا من أخذ هاتفيهما وإن كنت أعلم أنك ستستعين بالمستشفى

لكنت أخبرتهم بأنها ماتت ليزفوا الخبر لك "

تحولت نبرة من في الطرف الآخر للضيق أيضا وقد قال

" لا تكن طفلا يا ابن شراع وتوقف عن المزاح السخيف "

قال بحدة

" معك حق .. طفل لما كنت أخبرتك لتذهب لها والنتيجة عقدت

الأمور بدلا من أن تحلها "

وصله صوته فورا

" ماذا حدث ؟ "

قال بذات نبرته الحادة

" ماذا برأيك ؟ تريد تسليم منزلها أيضا ومغادرة العمران "

وصله صوته فورا

" لا بأس وما المشكلة في هذا ؟ "

شد شعره للخلف بقوة من لا مبالاته بجميع هذه الأمور قائلا بضيق

" لا مشكلة طبعا غير أنها تضيع أمامنا وجميعنا نتفرج عليها وها قد

انضممت أنت أيضا للموكب ، وحين ترفع عليك قضية طلاق وافق

هكذا بالله عليك "

خرج ذاك عن جموده مجددا قائلا بحدة

" رعد لما تحملون بشرا فوق طاقته ؟ لو كان الأمر بيدي

ما تركت حياتي وصلت لهذا المنحى أبدا ، الأمر أكثر تعقيدا

من أن أشرحه وأن يكون حله بين ليلة وضحاها ، وغسق لي

مرجعها لي رضي من رضي وكره من كره وإن كان المقابل

أن تتناحر القبائل "

نظر لهاتفه في يده بصدمة ما أن أغلق الخط بعد آخر عبارة له

وليس يفهم ما مناسبة ما قال وما سببه ومما غاضب هكذا !!

رمى هاتفه حيث كان وخرج مجددا ووجد أي منهم لم يتحرك

من مكانه محدقين به وكأنهم يتوقعون ما كان ينوي فعله ،

أمسك خصره بيديه وقال ناظرا لهم

" ستنتقلون جميعكم لمنزلي في حوران "


*
*
*



التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 16-01-18 الساعة 02:58 AM
فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 16-01-18, 12:54 AM   #6287

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




وقفت سياراتهم أمام أحد بوابات أسوار تلك المدن والتي فتحت

أمامه لعلمهم المسبق بقدومه ونزل أولا وقد أشار لباقي مرافقيه

بيده فلحق به عمير فقط ودخلا من دون حراسة ولا حتى أسلحة

ومن دون أن يجتاز بسيارته تلك البوابة المفتوحة وسارا وسط تلك

الأعين المحدقة بهما بفضول من كل مكان وجهة وكما توقع حتى

دباباتهم وراجمات الصواريخ مجهزة فمن ضمن مطالب استقلالهم

كان عتاد حربي كامل لا يستخدمونه إلا في الحالات القصوى ولن

يلومهم في طلبهم هذا فهم كانوا بحاجة لما يدافعون به عن أنفسهم

حال أعاد الماضي نفسه واقتحم العرب مدنهم ليجبروهم على

الخضوع لهم مكرهين .

سارا في خطوات موحدة وكأنهما رجل واحد ووجهتهما الواقفين

على مسافة منهما وقد أغلقت الأبواب بعد دخولهما على الفور وها

هو يسلمهم نفسه بنفسه فإن أرادوا المقايضة به فلن يمنعهم شيء

عن أسره لديهم وهم لا يعلمون أن شقيقة زعيمهم ليست عند

رعد شراع وأنه لا يعلم عن مصيرها شيئا وأنها رهينة عند ألد

أعدائه ودخل لهم بدون حماية تاركا حرسه الشخصي وقوات الحماية

الخاصة خارج تلك الأسوار لأنه يعرف جيدا كيف يفكر هؤلاء الناس

ويعرفهم أكثر من أي عربي لأنه سبق وتعامل معهم لأعوام حين كان

زعيما لذاك القطر من البلاد ووحده من فتحت الأبواب أمامه بعد

عودته وهم من رفضوا الاندماج مع العرب أو استقبال أي منهم

بسبب ما عانوه في الماضي وقبل استلامه هو لزعامة الحالك

وابرام الاتفاقيات معهم والتي حقنت دمائهم وأعادت لهم حقوقهم

المهدورة كما ضمنت لهم حقهم كأفراد من ذاك الشعب وحتى بنود

الاتفاق التي تركها بعده ضمنت لهم تلك الحقوق حال قبولهم بالاندماج

مع تلك البلاد أو رفضهم فبقي مطر شاهين رمزا للعدالة والثقة لديهم

رغم اختفائه ومرور كل تلك الأعوام .

وصلا عند تجمع العشر رجال الواقفين في استقبالهم برفقة زعيمهم

وأشقائه الإثنين وتبادلوا السلام بالأيدي ولم تفته أبدا نظرات ساجي

وهو عقبته الأعظم إن تخطاها حدث ما يريد .

بعد أن تبادلوا السلام والعبارات الرسمية المختصرة قال مطر ناقلا

نظره بينهم

" هل أنفرد بزعيمكم وشقيقيه قليلا ؟ "

لم يبدوا على نظرات أولئك الرجال الرضا أبدا فقال

" الأمر يخص امرأة وهي شقيقتهم ولهم هم الحرية فيما يريدون

إخراجه فيما بعد "

بدا الاقتناع واضحا على أشقائها فتفكيره كان سليما تماما لكن

من حولهم لم يبدوا له أن جميعهم اقتنعوا بما قال وقد قال أحدهم

مشيرا برأسه للواقف بجانبه

" وماذا عن الذي دخل معك ؟ "

نظر مطر لعمير قبل أن يعود بنظره لهم قائلا

" هذا يكون رئيس مخابرات البلاد بأكملها ووجوده أمر طبيعي

بل وقانون لا نقاش فيه في هذا الوضع والحال وأثق فيه كما أثق

في نفسي فاستمعوا لي أولا ثم لكم ما تريدون "

تحدث سنمار حينها قائلا وقد أمسك بذراعه

" لك ما تريد فدعونا نقم بواجبكما أولا فالطريق كان طويلا

بالتأكيد والعشاء ينتظركم "

قال مطر من فوره

" دعونا نتحدث أولا ونصل لحل يرضي الجميع ثم نتناول عشائكم

فلن أزور مدنكم ولا أتناول طعامكم اللذيذ بالتأكيد "

ربت سنمار على ظهره وهو يحثه على السير معه وغادروا خمستهم
المكان رغم أنه موقن من أن ما يحمله سنمار في داخله لا يشبه

دواخل شقيقيه أبدا ولا حتى من تركوهم خلفهم فسنمار يشبه والدهم

تماما وكم سعد بأن تم اختياره الزعيم بعده فله ذكاء وحنكة وصبر

والده .


وصلوا لإحدى أبنيتهم التي تشبه الخيام في شكلها وألوانها والتي

يتفننون وحدهم في بنائها بتلك الطريقة وما أن تدخل لها تكتشف

بأنها تشبه صالة استقبال متكاملة وهذا ما يميزهم عن باقي البلاد

أنهم لا ينساقون أبدا خلف التطور المعماري بل يتمسكون بجذورهم

بقوة مهما استعانوا بالتقنيات الحديثة .

جلسوا جميعهم حول طاولة بيضاوية الشكل صنعت من خشب

الزان الثقيل وبدأ مطر حديثه أولا قائلا

" أود فعلا أن لا ينفض اجتماعنا هذا إلا وقد وصلنا لاتفاق يرضيكم

قبلي "

علق ساجي فورا وكما توقع

" لن يرضينا سوى دمها ودم ذاك الرجل معها أو كانت حربا لا آخر

لها "

" ساااجي "


كانت لهجة سنمار التحذيرية تلك ما طمأن مطر لكنها لم تؤثر بالذي

حاولت التحدث مجددا

" أنت .... "


فصرخ فيه هذه المرة

" اصمت ودعنا نستمع له أولا أو أخرجتك من هنا "


لاذ بالصمت وإن مكرها وقال مطر

" شقيقتكم ليست عند رعد شراع "

شخر ساجي بسخرية بينما كان جواب شقيقيه الصمت وهذا ما توقعه

فقال بجدية

" والدكم كان يثق بي وتعلمون ذلك جيدا "


قال اوسو هذه المرة

" كان يقول بأنك العربي الوحيد الذي يثق في يمينه وبأنك من إذا

قال فعل "

قال بجدية

" وأنا اقسم لكم بمن عرشه فوق السماء أنها ليست معه ولم تصل

له ولم يكن يعلم بهروبها إلا مني "

قال سنمار

" وماذا عمن قالوا بأنهم رأوه وكيف ستخرج وحدها ؟ "

نظر لعينيه وقال بجدية

" ذاك جوابه عند من قال هذا ويمكنكم معرفته بسهولة ، فكروا

في الأمر جيدا فحتى رعد شراع ما كان ليفتح لها الأبواب لتخرج

وحراسها رجالكم وأنا سبق وأقسمت لكم بأنه لم يراها "

تبادلوا نظرات صامتة علم فورا ما ورائها فهم يعلمون بالتأكيد من

مصدر ذاك الخبر وإن جهله هو ، قال ساجي وبجمود

" أين هي إذا ؟ "

قال ناقلا نظره بينهم

" سنتحدث في هذا لكن قبل ذلك ثمة ما علينا التفاهم فيه "

نظروا له ثلاثتهم باستغراب فتابع بجدية ملقيا طعمه الذي يعلم بأن

أيا منهم لن يرفض التقاطه

" حددوا مهر شقيقتكم ولكم ما تطلبون وأيا كان غير الحرب

والدماء وستنسون أمرها تماما "


*
*
*


لم تكن تتوقع يوما أن تعيش رعبا وتوترا كالذي عاشته اليوم

واللحظة ، كانت تشعر بجسدها يتعرق بأكمله ولم تعد تفكر فقط

في ذاك الذي يقود الطائرة ولأول مرة كما أخبرت والدته والدتها

بل وفي جميع تلك الأرواح من بلادها فأن لا تنزل عجلات الطائرة

جميعها تعد كارثة خاصة أنهم لجأوا لجميع الحلول في الحالات

المشابهة ولم تنجح فلم يستطع مهندس الطائرة فكها يدويا لأن

مفصلها كان عالقا بسبب فقدان الهيدروليك الرئيسي من الطائرة

وتبدد زيته بالكامل ولا حتى بنفضها في الهواء عن طريق جذبها

بطريقة معينة ضد الجاذبية علها تنفك بذلك فجهودهم جميعها

ذهبت أدراج الرياح ومما زاد ذعرها ذاك المهندس الذي نزع أيضا

سماعته من رأسه قائلا

" سلمت تلك الأرواح للرب "


مما جعلها تمسك قلبها لا شعوريا فأن يقول ذلك أحد المهندسين

الجويين فمعناه أن الحلول لديهم قد نفذت وسيعتمدون على مهارة

مساعد الطيار في الهبوط بها بشكل سليم موازنا بين عجلتي الطائرة
والجناحين فإغماءة كابتن الطائرة كان كارثة في حد ذاته فغالبا

ما تحدث هذه الحالات لأسباب عرضية أكثر منها مرضية وليست

تفهم حقا إن كان حقيقة أم أن ذاك الطيار يتهرب من مسؤلية

ما يجري أو بسبب سوء حظ مساعده فأن تفقد الطائرة الاتصال

الآلي بغرفة المراقبة ومدرج الهبوط يعد في حد ذاته مصيبة

فالهبوط الآلي يوجه الطائرة ذاتيا لمكان هبوطها وبدقة أما أن

يستعينوا برادار الهبوط فمعناه أن يكون هبوطهم يدويا بشكل

مطلق لا تدخل لأي أجهزة الكترونية حديثة فيه وهذا وحده يحتاج

لخبير في الهبوط وفوقها بثلاث عجلات فقط وليس أربعة أي إن

نجت الطائرة من الهبوط المدمر واستقرت على الأرض بشكل سليم

فلن تنجوا من خطورة السير على المدرج بشكل مائل واحتكاك

جناحها بالأرض ومن ثم تعرضها لخطر الانفجار بنسبة أكبر من

نجاتها .


نقلت نظراتها بينهم بتوتر وكان صوت المرحل الجوي وحده

ما يملأ صمت ذاك المكان يعطيه تعليمات الهبوط وبشكل متكرر

حتى كانت ستحفظها وليست تعلم كيف تكون الأجواء لدى من

يتلقى كل تلك المعلومات في الطرف الآخر فمن تكرار المهندس

الجوي لكلامه يبدوا أن الجالس خلف مقود الطائرة هناك يلوذ

بالصمت .

نظرت لموظفي ذاك القسم الذين دخلوا أيضا يراقبون الوضع

وهمساتهم المستجدية لله لا تتوقف والأعين جميعها محدقة

بتلك الشاشات التي ظهر فيها جسم الطائرة في السماء كنقطة

بعيدة لدخولها المجال الجوي للمطار فتوجهت جهة السماعات

في المقعد الشاغر ورفعتها ووضعتها على أذنيها تمسكها بكلتا

يديها وكما توقعت لا صوت لقائد تلك الطائرة الحالي ولولا إشارات

أزرار الأجهزة أمامها لاتصاله بهم لضنت أنه لا يسمعهم ولم يتلقى

أي معلومات منهم ، وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على أنه لم

يعد بحاجة لتلك المعلومات التي يكررها على مسمعه كالببغاء

وينقصه فقط أن يصرخ فيه ليصمت بل ما يحتاجه الآن فعلا هو

أن يشعر بأنهم يثقون في قدرته على فعل ذلك فهم يهملون هذه

النقطة لأنهم يرونه مجرد مساعد طيار لم يقد رحلة سابقا ويعولون

على الحظ أكثر من ثقتهم في مهارته وهذا ما عليها هي فعله فهو

بالتأكيد وكما يبدوا حفظ جيدا تلك الاحداثيات التي يكررها له منذ

وقت .

امتدت أصابعها ودون تردد لذاك الزر الأخضر أمام الكرسي الذي

تقف بجانبه وفتحت مجال الاتصال بتلك الطائرة وتحدثت هي هذه

المرة وبالعربية قائلة

" نحن هنا نثق بك كما الجميع في الطائرة وستنجح بالتأكيد "

كانت تعلم بأنه يسمعها ويفهمها عكس الموجودين حولها محدقين

بها باستغراب وكما توقعت لم يمنعها المرحل أو يطردها ليس لأنها

موظفة في قسمهم بل ولأنها تحدثه بذات لغته الأم وإن لم يكن يفهم

ما تقول فهوا يعلم بالتأكيد أنها تحاول فعل ما لم يفعلوه هم حتى

الآن وأثبت لها ذلك إيماءته لها مبتسما فبادلته الابتسامة فورا

ورفعت نظرها مجددا بتلك الشاشة المقابلة لها والطائرة التي

أصبحت تقترب من مجال الرؤية أكثر وتحركت شفتاها من جديد

أمام ذاك الميكرفون الأسود الرقيق الموصول بالسماعات على

أذنيها قائلة

" أنت ستفعلها اقسم بذلك ... أنا أثق بك "

انحسبت أنفاسها وتوقف قلبها عن الخفقان حين خرج ذاك الصوت

الرجولي العميق ضاربا أذنيها بنبرة باردة

" أستطيع حتى أن أقف بها على رأسك لو تصمتي قليلا "

ضربت براحة يدها على الطاولة تحتها تزم شفتيها الرقيقتان

بحنق من هذا البارد المتعجرف الذي باتت شبه موقنة من أنه

لم يكن يلوذ بالصمت كما توقعت .

قالت مجددا وبضيق هذه المرة

" أرني كيف ستقف بها على أرض المطار وليس رأسي وأريد أن

أراك واقفا على قدميك في مبناه وليس على حمالة لسيارة الإسعاف
جثة هامدة طبعا "

ونزعت بعدها فورا السماعات كي لا تسمع تعليقه رغم أنها تستبعد

ذلك واكتفت كالواقفين خلفها بمراقبتها تقترب على الشاشة تجمع

كفيها أمام شفتيها تدعوا الله هامسة وضربات قلبها تتصاعد تدريجيا

مع اقترابها أكثر حتى أصبح بإمكانهم رؤيتها كاملة في وضع الاستعداد

للهبوط التام وهمست وقلبها يكاد يتوقف

" يا رب لا تجعل ساندرين تسخر مني بتحطم طائرته وموته فيها "

مسحت دموعا تسربت من عينيها لا شعوريا مبتسمة بحمق على

أفكارها الغبية وقاومت بشدة كي لا تغمض عينيها مستجيبة لرأي

عقلها بالهرب من مشاهدة هبوط قد يكون كارثيا وانسابت دموعها

دون توقف ما أن أزال المرحل الجوي سماعاته وقال محدقا

بالشاشة في الأعلى

" فعلنا كل ما بوسعنا وسنترك الباقي لمهارة ذاك الطيار الصامت "


كانت الطيارة تقترب من المهبط تشعر بها وكأنها ستسقط على

جسدها وتسحقها معهم ، كان شعورا لم يضاهيه أي شعور وكأن

جميع من في تلك الطائرة يقربون لها ... وأليسوا هم كذلك ؟

من دمها من وطنها البعيد الغالي فكيف لا تشعر بكل ذلك اتجاههم ؟

كانت تعصر قبضتاها بقوة لم تعد تشعر ولا بألم اختراق أظافرها

للحم كفيها ونظراتها الدامعة تراقب عجلات الطائرة وهي تقترب

من أرض المهبط وتعالت تأوهات الفرحة ما أن حطت عليه

باتزان تام وقد وازن بالفعل في هبوطه بها بين وزنها وجناحيها

والثلاث عجلات التي ارتكزت عليهم بقوة اثنتان يسارا وواحدة فقط

يمينا لكن الخطر لم ينتهي عند ذاك الحد وجميعهم يعلمون ذلك وقد

هبطت الطائرة على جناحها الأيمن الذي انحرف جهة الأرض ولازالت

تسير على المدرج مصدرا صريرا عاليا واحتكاكا كبيرا بالأرض

أفقدها إياه وقد انحرفت عن مسارها فأغمضت عينيها وغطت وجهها

بيديها فلا يمكنها رؤية ذلك أبدا فإن انفجرت الطائرة سينفجر قلبها

معها بالتأكيد .

بقيت على ذاك الحال حتى سمعت صوت الصرخات والتصفيق الحار

من الموجودين قربها فأبعدت يديها ونظرت بعينين باكية وابتسامة

واسعة للطائرة المتوقفة بشكل مائل تحيط بها سيارات الإطفاء

والإسعاف من كل جانب وتم فتح أبواب الطوارئ لينزل الركاب

فالتفتت للواقفة خلفها وتبادلتا حضنا قويا تبكي وتضحك في آن

واحد فليست تصدق أبدا أن تلك الطائرة وصلت الأرض فعلا وأنها

توقفت بنجاح ودون أي أضرار ، بدأ الموظفين جميعهم بتهنئتها

وكأنهم يعلمون بأنها بالفعل في استقبال أحد الموجودين ضمن

تلك الرحلة لعلمهم فقط بأنها رحلة من دولة عربية .

بدأ المهندسون بالخروج من هناك فنظرت لشاشات العرض

وكانت الطائرة قد تم إخلاؤها تماما فخرجت أيضا راكضة من

هناك وتوجهت فورا حيث صالة الإستقبال الخاصة بطواقم الطائرات

وما أن دخلت وقفت مكانها تنظر للمضيفات والمضيفين يدخلون مع

طقم المهندسين الفنيين ووجدوا استقبالا رائعا في انتظارهم يهنئهم

الجميع بوصولهم بسلام في حادثة لم يكن لها سابقة أبدا وفرصة

نجاتهم منها كادت تكون صفرا .

كانت نظراتها تبحث من بعيد عن شخص لم تراه بعد وكانت

ستستطيع التعرف عليه من زيه المميز لكن لا أثر له على ما يبدوا

ولا حتى الطيار الآخر فهل أغمي عليه أيضا ونقلوهما معا بالإسعاف ؟!

هل يبدي كل تلك الشجاعة والثبات ثم يغمى عليه ... !مستحيل .

تقدمت بضع خطوات قبل أن تقف مكانها وعضت طرف شفتها

بقوة ترفع شعرها خلف أذنيها ما أن دخل ذاك الشاب المفقود من

البوابة والذي التفتت الأنظار جميعها له وقد بدأوا بمصافحته وحتى

طقم مضيفين الطائرة وقد تبادل الأحضان مع الرجال منهم فقط

وحتى موظفات المطار الثلاث صافحهن بيده فقط عكس من دخلوا

قبله لم يمانعوا استقبال تلك الأحضان بالترحاب وهذا أول

ما أعجبها فيه .

كانت تضع يدها على قلبها لا شعوريا تشعر به سيخرج من مكانه

ونظراتها تتنقل في تفاصيله ، كان بشعر بني ناعم ومصفف للخلف

بعناية لحية خفيفة بنية أيضا أبرزت بياض بشرته وعينان تبدوان
واسعتان كثيفتا الرموش لم تتبين لونهمابعد يعلوهما حاجبان

طويلان ... كان يلبس سترة الطيران الزرقاء بخطوطها الذهبية

المميزة وربطة عنق من ذات اللون تلتف حول ياقة قميص ناصع

البياض تحتها وكان يمسك بالقبعة تحت ذراعه ،كان رائعا وفوق

ما تخيلته ويبدوا شخصا واثقا من نفسه قوي عزيمة بالفعل ورجل

للمهمات الصعبة ولن تستغرب أن تكون له تلك الشخصية والثقة

فهو حسب ما قالت والدتها عائلة والده ذات نفوذ في بلاده ووالده

رجل أعمال كبير ومعروف زد عليه أن خاله يكون الأسطورة مطر

شاهين فما كان عليها أن تتوقع شابا أقل من هذا .


كاد يغمى عليها وتتوقف جميع أجهزة جسدها الحسية ما أن وقع

نظره عليها وتبادلا نظرة طويلة تشعر بأنفاسها توقفت بسببها

فلابد وأنه خمن أنها من تحدثت معه .. نظرته أثبتت ذلك جيدا

وزاد عليها تلك الابتسامة الجانبية التي زينت شفتيه وأمسك

قبعته ووضعها على رأسه لتكتمل تلك الصورة الرائعة وكأنه

يقول لها

( ها قد وقفت في مبنى المطار على قدمي )

فضحكت فورا وبصمت ورفعت إبهامها مبتسمة له ، وماتت

ابتسامتها ما أن وقف ذاك الانجليزي الطويل بينهما وأخفى رأسه

وجهه عنها فمدت شفتها بعبوس وسرعان ما عادت وعضت على
طرفها ما أن أحنى الواقف هناك رأسه ناظرا لها من خلفه وكادت

تقفز حينها صارخة بسعادة لولا أمسكت نفسها بصعوبة وليست

تعلم هل النساء جميعهن حمقاوات مندفعات هكذا أم هي التي سلب

عقلها ذاك الشاب ومن أول لقاء لهما ؟ لم تهتم أبدا بأن تبحث عن

إجابة لسؤالها هذا وقد وجدت قدماها تقودانها لا إراديا حيث ذاك

التجمع هناك ووقفت مباشرة أمام من لم يزح نظره عنها فأبعدت

نظرها عنه وكما توقعت قد نزل بنظره لجيب سترة بذلتها الخاصة

بعملها يبحث عن القطعة المعدنية التي تحمل اسمها كموظفة هناك

وكما باقي الموظفين لكنها كانت أذكى منه ونزعتها من قبل أن تصل

الطائرة لما كانت تذكرتها وقت انتظارهم المأساوي لهبوط طائرته ،
عادت بنظرها له ما أن ارتفعت نظراته لعينيها مجددا وابتسم من

فوره ابتسامة كادت تحولها لرماد فمدت يدها له قائلة بابتسامة

" كان هبوطا رائعا ... هنيئا لك "

صافحها مدمرا باقي مشاعرها المشتعلة وقال بابتسامة ونظره لم

يفارق عيناها البنيتان

" المهم أن المهبط بخير "

تغلبت ضحكتها عليها ودون شعور منها وقد فهمت مقصده فورا

وهذا ما توقعته فهو استطاع معرفتها سريعا وهذا طبيعي فثلاث

نساء فقط هنا واحدة منهن في الخمسين من عمرها واثنتان

شقراوتان ملامحهما انجليزية بحتة فلم يتبقى غيرها رغم أنها

تشك بأن يكون هذا هو السبب ولولا بحثه عن اسمها لكانت شكت

بأنه يعلم من تكون .


سحبت يدها من كفه ورفعت كتفيها قائلة بابتسامة

" بلى وطائرتك وقفت فوق رأسي بسلام ... نحن فخورين حقا بك "


نظر لعينيها مبتسما بصمت نظرة وابتسامه أنيقة أوصلتا قلبها

للجنون وقد علقت نظراتهما ولم يعد بإمكانها إبعادها عن عينيه

ولم تعد تعي شيئا حولهما ولا أحاديث وضحكات الموظفين والمضيفين

ليقطع كل ذاك الاتصال الصامت الذي رغم قصر مدته شعرت به

طويلا جدا بقدر روعته ،وقوف ذاك الجسد قربهما والذي سرق

انتباه الجميع ولم يكن سوى مدير المطار والذي صافحه فورا قائلا

" كنت رائعا يا بطل ... منذ قليل كنت على اتصال مع السفارة وسيتم

إرسال لجنة لإغلاق الملف من الناحية القانونية ما أن يتم فحص

الطائرة وأخذ شهادة الطيار "


ابتعدت حينها وقت انشغالهما بالحديث معا وقد أولاه كامل انتباهه

وأعطاها جانب وجهه وجسده فاكتفت بالمراقبة من خلف الزجاج

المعتم الفاصل تريح راحة يدها عليه تنظر مبتسمة لصاحب تلك

الابتسامة والوقفة الواثقة يده في جيب بنطلون بذلته والأخرى

يمسك بها القبعة التي نزعها مجددا فستكتفي بهذا القدر ولن تتركه

يكتشف من تكون خاصة أنه نال خمس نجوم بالنسبة لها وقلبها

يكاد يجن كلما تذكرت الطريقة التي نظر لها بها . اقتربت من الزجاج

الفاصل ملتصقة به تنظر مبتسمة بشغف للذي ما أن ابتعد عنه مدير

المطار جال بنظراته في المكان والموجودين حوله يبحث عنها ،

أولت الزجاج ظهرها واتكأت به عليه ترفع رأسها للأعلى مغمضة

عينيها بقوة وهمست بسعادة

" يا إلهي أهكذا يكون الحب ؟ أهو رائع بهذا الشكل ويحدث

أسرع من أي شيء ؟ "

كتمت ضحكتها تغرس أسنانها في طرف شفتها وغادرت من

هناك فعليها أن تبتعد عن أي مكان سيكون فيه .


*
*
*

أشاحت بوجهها جانبا وقالت بضيق

" لا أريد ... قلت أنني بخير لما تصرين دائما على معاملتي

كطفلة بل وجلبت ولي أمري معك هذه المرة "

تنهدت الواقفة فوقها بعجز والتفتت للواقف خلفها والذي بادلها

نظرة صامتة قبل أن ينظر للجالسة على السرير مكتفة ذراعيها

لصدرها ومشيحة بوجهها بعيدا عنهما وقال بهدوء

" زيزفون إن كنت متعبة نستدعي الطبيب لا تكوني عنيدة على

حساب صحتك ، ومربيتك ما كانت لتقلق لو كان هذا أمرا معتادا "

نظرت لها فورا نظرة فهمتها تلك سريعا فهذه ليست أول مرة تمر

بمثل تلك الحالة وهي تعلم ذلك جيدا لكنها الأولى التي تستعين

فيها به وهذا أكثر ما بات يزعجها فهي تراه يتقرب منها كثير

وهي مرحبة تماما بالفكرة رغم أنها شرحت لها مرارا بأنها لا

تريد مساعدة منه ولا من أي أحد ، كسر وقاص ذاك الجو

المشحون مجددا ونظره على التي لازلت تحدق في مربيتها بضيق

" حسنا لا بأس إن كنت تري أنك بخير فلا داعي لإحضار الطبيب "

أبعدت نظرها ليديها في حجرها ولاذت بالصمت فقال مجددا

" ماذا بشأن خروجكما من أجل حفل الليلة ؟ "

التفتت له التي خشيت أن تصطادها نظرات الجالسة أمامها قبل

أن تتحدث ولن تستطيع قول شيء حينها فقالت سريعا

" سائق المنزل قال بأنه مشغول ولن يرجع قبل أول المساء وأنا

لن أحتاج من السوق لشيء كنت أود فقط أن يأخذ ز... "

" خالتي ... "

أسكتتها تلك النبرة الآمرة المهددة فورا فأغمضت عينيها وسحبت

نفسا عميقا قبل أن تفتحهما مجددا محدقة بالواقف أمامها ومن

فهم سريعا نظرتها تلك فأومأ لها برأسه بهزة خفيفة فابتسمت

له وغادرت نظره يتبعها حتى خرجت مغلقة الباب خلفها فعاد

بنظره للجالسة على السرير أمامه وقال

" هي تحبك وتقلق عليك وهذا ما يدفعها لمساعدتك وأ.... "

قاطعته بضيق

" لا أريدأهتماما من أحد .... "

" اتركيني انهي حديثي يا زيزفون "

صرخته الآمرة تلك جعلتها تصمت تماما بل ونظرت له وإن كانت

نظرة تهديد لا مكان للرقة فيها فتابع بحدة متجاهلا نظرتها تلك

أو حتى رأيها هذه المرة

" هل أخطأت لأنها تحبك ؟ إن كانت تكرهك لوجدنا لك عذرا ،

هي تقلق عليك حقا وتلجأ لمن سيساعدك كان من يكن وإن

كان ألد أعدائك "

وتابع مشيرا للباب بسبابته

" حتى أني أجدها مرارا تقف عند باب غرفتك تستمع حتى

لأنفاسك وأنتي نائمة من خلف الباب وفي المقابل تعاملينها

كخادمة لديك "

قالت بامتعاض

" وما الذي تفعله أنت خلفه ؟ "

صرخ فيها فورا

" لا شيء سوى أني مغفل مثلها "

حدقت في عينيه بصمت لبرهة قبل أن تبتسم بسخرية قائلة

" جيد هذا يعني أنه بدأ صبرك ينفذ وسأرتاح من زياراتك قريبا "

همس من بين أسنانه

" أبدا "

حدقت في عينيه بضيق دون أن تعلق فتابع ببرود

" ليكن معلوما لديك يا زيزفون بأن صبري أطول من صبرها هي

عليك كل هذه الأعوام "

كانت ستتحدث فسبقها قائلا بأمر

" هيا سآخذك لتشتري ثوبا وكل ما يلزمك "

قالت بضيق

" لا أريد ولن أحضر حفلكم السخيف ذاك "

قال بضيق مماثل

" سخيفا كان أو رائعا ستحضرينه ولست أظن أنك ممن

يخلفون وعودهم للناس أبدا "

شدت على أسنانها بقوة تنظر له بغيظ فهو أمسكها من يدها

التي تؤلمها ونسيت أنها وعدت تلك المرأة اللحوحة المزعجة

بالفعل أن تحضر الحفل فهي لم تتركها أساسا حتى أخذت منها

ذاك الوعد أحبت ذلك أم كرهته ويبدوا أنها أخبرت هذا المزعج

الآخر أيضا ، رمت اللحاف عنها بقوة وغادرت السرير متمتمة

بكلمات غاضبة لم يفهمها فأمسك برسغها ما أن مرت بجانبه

ونظر لنصف وجهها المقابل له وقال بهدوئه المعتاد

" إن لم يكن حديثي من أجلها وليس نفسي لكنت اعتذرت

أتفهمين هذا يا زيزفون ؟ "

نظرت لوجهه القريب منها ولعيناه ومقلتاه التي باتت تحار

فعلا في لونهما فتراهما أحيانا بلون عسلي غامق وفي ضوء

الشمس خضراء وفي حالات غضبه النادرة سوداء مدمرة كما

تحار في لون شعره الذي يتغير للبني إن واجه ضوء أشعة

الشمس فتراه في كل مكان بملامح مختلفة ! حدقت في تلك

الأحداق بصمت شاركها فيه كما في النظر لحدقتيها السمائية

اللون الواسعة المستديرة قبل أن تشيح بوجهها عنه وقد

همست ببرود

" أنا إذا لم أعد أحدا بالخروج لشراء أي ثوب "

قال ونظره لازال على ملامحها

" تعني أنه يوجد لديك واحدا على الأقل ؟ "

تجنبت النظر له أيضا ولم تعلق ، تعلم من نبرة صوته وسؤاله

بأنه يتوقع العكس بل وواثق منه أيضا فهي لم تحضر حفلا يوما

ولم تخرج للسهر في أي مكان فلما كانت ستحتاج لها ؟ تحرك

تاركا رسغها حين لم تعلق وقال متوجها جهة خزانة غرفتها

الضخمة

" دعينا نرى إذا "

ركضت خلفه مسرعة ووقفت أمامه رافعة ذراعيه جانبا

وقالت بضيق

" لن تفتحها "

حدق فيها باستغراب رافعا حاجبه فتلقفت أنفاسها قبل أن تقول

" هذا أمر شخصي لن أسمح لك بأن تفتش أغراضي "

قال بجمود

" أنا لن أفتشها بل سألقي نظرة على الفساتين التي يفترض

أن تكون معلقة فيها "

شدت على أسنانها بغيظ فلا تستبعد أبدا أن تكون أخبرته

حليفته الجديدة تلك بأنها كانت تعيش في فيلا ريفية معزولة

فثقته تبدوا واضحة من نظرته ونبرة صوته ، قالت بإصرار

" وإن يكن لا تفتح خزانتي "

قال من فوره

" أخرجيها أنتي لأرى "

صرخت فيه بضيق

" وقااااص .... لما أنت مزعج هكذا ؟ "

ابتسم مميلا طرف شفتيه وقال

" ثوب واحد إذا لأتأكد "

تأففت بضيق قائلة

" ليس لدي ... هل سيخلصني هذا منك ؟ "

قال بذات ابتسامته

" لا بالطبع وستغادرين معي لتشتري ثوبا يا زيزفون إن بالطيب

أو الإكراه وتعلمين جيدا بأنك تحتاجين ذلك فتوقفي عن العناد "

أشاحت بوجهها عنه فترك رسغها وقال مكتفا ذراعيه لصدره

" هيا غيري ملابسك سنغادر الآن "

قالت ببرود ولازالت تتجنب النظر له

" اخرج أم سأغيرها وأنت هنا ؟ "

تحرك من مكانه حينها ووجهته الباب قائلا

" سأنتظرك قرب الباب لا تتأخري "

وخرج مغلقا إياه خلفه ووقف بجانبه مسندا كفه بالجدار ينظر

للأرض فليس يضمن أن لا تتهرب منه أبدا ، خزانتها تحوي

سرا ما تخفيه هو متأكد من ذلك ورد فعلها كان أكبر دليل لكنه

لن يستعجل وسيأخذ بنصائح طبيبها جيدا فعليه البحث بعيدا عنها

أولا وحين تحين فرصة مواتية سيرى ما تخفيه هناك .

غير وقفته واستند بالجدار ينظر لساعته كل حين يخشى أن

يصيب توقعه وتكون نائمة في سريرها وهو ينتظرها هنا !

وقف مبتعدا عن الجدار وما أن فكر في أن يطرق الباب ليفتحه

بعدها انفتح من تلقاء نفسه ووقفت أمامه التي خانت توقعاته

بالفعل وغيرت ملابسها استعدادا للخروج فقد ارتدت بنطلون

جينز أسود وسترة طويل مفتوحة بلون عيناها لها نقوش سوداء

عند ياقته الدائرية وأكمامها وقميص أسود ضيق مظهرا جسدها
النحيل المتناسق ولأول مرة تلبس غير القمصان القطنية

والبيجامات الحريرية فهي لا تخرج أساسا من غرفتها سوى

لغرفة الشاي تلك مؤخرا ووحيدة ، أما شعرها فتركته مفتوحا

واكتفت فقط بقوس شعر أسود رقيق رفعت به غرتها للأعلى

والتي كانت أساسا بقصة خفيفة ولم تكن كثيفة أبدا فنزلت

خصلات من ذاك الشعر على كتفها وصولا لخصرها النحيل

كما بعض الشعرات الحريرية على جبينها ... يحار هذه الرائعة

لما تكون عدوة للرجال ويمكنها أن تكسب قلب من تختاره من

نفسها ودون عناء وليس بسبب جمالها الخارجي فقط بل وقوتها

وذكائها .

ابتسم من سذاجة أفكاره التي لو علمت عنها لقطعت عنقه

باتأكيد وأشار لها بيده قائلا

" نغادر ؟ "

تحركت وقد سار بجانبها قائلة ببرود

" هل أعلم ما المضحك ؟ أنا أم أنت أم كلينا ؟ "

أطلق العنان لضحكته هذه المرة وإن كانت قصيرة ومنخفضة

وقال يجتازان الممر المؤدي لبهو المنزل

" بلى كلينا ولن أقول السبب كي لا ترجعي أدراجك "

حركت حدقتيها بملل ولم تعلق وما أن اقتربا من باب المنزل

توقفا بسبب اللذان دخلا منه وكانا رواح وضرار الجد الذي

نظر لكل واحد منهما في صمت وكان التعليق من الذي لا يمكنه

ترك أحد ولا شيء في شأنه قائلا بابتسامة ماكرة

" أرأيت يا ضرار سلطان ؟ لم ترحمني اليوم أبدا بينما حفيدك

الأكبر يخرج للتنزه مع ابنة عمه ! "

أشاحت الواقفة أمامهما بنظرها الذي لم تدع له المجال أساسا

للنظر لأي منهما بينما تنهد وقاص بضيق وكانت نظرات جده

مسلطة عليه تحديدا وقد قال بجدية

" أين ذاهبان ؟ "

نظر له وقال مباشرة

" لديا موعد في اكسفورد وسآخذ زيزفون في طريقي للتسوق

هناك من أجل حفل الليلة "

نقل نظره منه للواقفة بجانبه لازالت ترفض النظر ولا للجهة

الموجود فيها أصابعها تكاد تتمزق من شدها لقبضتيها قبل أن

يعود بنظره للذي قال له بجمود ومحدقا بعينيه

" لما لا تتصل بزوجتك ؟ "

كان الضيق من نصيبه هو هذه المرة فها هو يضغط عليه

مساوما بزيزفون مجددا ولن يسمح لهذا أن يستمر ويتكرر دائما ،

قال ببرود وإن كان الغضب بات يشتعل كالجحيم داخله

" أظننا تحدثنا عن هذا سابقا جدي "

قال ضرار بملامح مشدودة

" تعرف أنت أيضا ما تحدثنا فيه جيدا يا وقاص "

تنهد بحدة مغمضا عينيه وها هو كما توقع بل ويستمر بالضغط عليه ،

لم يكن يريد التحدث عن الأمر لا أمام رواح ولا زيزفون خاصة لكنه

من دفعه لذلك وعلى هذه المهزلة أن تنتهي ، قال بأحرف مشدودة

هذه المرة

" جدي قسما ترجع زيزفون لغرفتها وسأحضر لها أنا ما تحتاجه

ولن تلعب بي تلك اللعبة مجددا "

نظر له بتحد فبادله ذات النظرة يعلم كل واحد منهما عن عناد الآخر

جيدا وما الذي قد يصلان له بسبب هذا ، وما أن تحركت الواقفة

بجانبه لتغادر من هناك شد يدها بقوة مانعا إياها من تنفيذ ما تفكر

فيه بينما نظراته لم تفارق الواقف أمامه والذي ما أن كان سيتحدث

حتى سبقه رواح قائلا بابتسامة وحدها المخالفة لكل ذاك الجو

المشحون

" اوه حسنا لا تتشاجرا بسببي كنت أمزح فقط وزيزفون أنا

أيضا مستعد لأخذها حيث تريد وأينما تريد "

وتابع بضحكة وكعادته متجاهلا مزاج من حوله

" إنها الحفيدة الأنثى الوحيدة هنا ويفترض أن تكون مدللة من

قبل الجميع "

شدها وقاص من يدها وسار بها بينهما خارجان من الباب دون أن

يعلق أي منهما بشيء ولا أن يهتم برأي الذي رافقته نظراته

الغاضبة وهو يجتازه غير مبال بتهديده الصريح فلن يرضى بالتدخل

في شئونه مجددا يكفي أن تركه لعب في مصيره سابقا حين ربط

طلاقها من نجيب باستمرار زواجه من جمانة وللأبد فلا يتخلص هو

من تلك المرأة أو لا تتخلص هي من حفيده المنحرف ذاك .

سار بها حتى وصلا السيارة البنتلي السوداء المركونة قرب الباب

وفتح لها بابها فجلست في كرسيها الجلدي المريح بصمت فأغلقه

ودار حولها وركب كرسيه وغادر من هناك فورا وبدأت تلك السيارة

الحديثة في ابتلاع الطريق كقرش عملاق ليس بسبب سرعتها المميزة

فقط بل وغضب الجالس خلف مقودها والذي استشعرته الجالسة

بجانبه بسهولة فهذا الشاب يصعب تعكير مزاجه والعبث بأعصابه

كما لاحظت عليه مرارا لذلك فاستيائه يمكنك أن تشعر به وإن كان

يخفيه خلف صمته .

كتفت ذراعيها لصدرها ونظرت جهة نافذتها فهذه هي نتائج عناده

وإلحاحه فليتحملها ... لكن لما قال ما قاله لجده ! هو حاول الضغط

عليه ليتصل بزوجته ويبدوا أنها هي ذاك السلاح لكن ما كانت السابقة

التي تحدث عنها ؟ ولما يضغط عليه بسببها ! بل ولما يرضخ هو له

من أجلها ؟

نظرت له ولنصف وجهه المقابل لها تحاول تفسير وفهم ما حدث ؟

إذا هذا هو سبب تحريرها من سجنها في الأعلى وكأنها سجين

سياسي خطير حتى النوافذ مؤمنة بالكامل وكاتمة للصوت والباب

لا يمكن فتحه إلا بكلمة معينة ؟ لكن ما كان المقابل ! أيخص

زوجته تلك ؟ بالتأكيد سيكون كذلك والدليل أنه قال تلك اللعبة

مجددا أي أن السابقة تشبهها .

" لا تحاولي تفسير ما حدث كثيرا فهو ليس مهما ولك خاصة "

زمت شفتيها بحنق واستوت في جلستها مكتفة ذراعيها

لصدرها وقالت ببرود ناظرة للطريق أمامها

" أتعلم بأنك أكبر مغفل في التاريخ "

شقت ابتسامته تلك الملامح العابسة المتجهمة وسرق نظره

لها قبل أن يعود به للطريق مجددا فهذه الفتاة لا يهنئ لها بال

إن لم تقلب مزاجه وكيفما كان ، يعلم بأنها استطاعت فك وفهم

خبايا حديثهما بسهولة بينما عجز رواح عن فعلها لذلك لم يكن

ينوي قول ما قال لولا استفزاز جده له وليس لسبب يخصه

بل لأنه يرفض أن تجمع سلبيات أكثر عن جدهما ناحيتها لكنه

لا يراه إلا يصر على إتساع الفجوة بينهما وكأنه يتعمد أن

يزيد من معدل كرهها المرتفع له .

رن هاتفه فأخرجه من جيبه ووضعه على الوضع الصامت

ما أن نظر لاسم المتصل وأعاده لجيبه وتجاهل بعدها جميع

اتصالاته حتى بات رنينه مزعجا بالفعل فأجاب عليه هذه

المرة قائلا باختصار

" مرحبا "

ولم يستطع ذكر اسمه احتياطا بسبب الجالسة بجانبه فقال من

في الطرف الآخر وبضيق

" تكلفني بالبحث عن قضية عمرها ثمان سنوات أكثر تعقيدا

من حياتي ثم أتصل ولا تجيب ؟ "

نظر بطرف عينه للجالسة بجانبه قبل أن يعود به للطريق قائلا

" يمكن للقضية أن تنتظر قليلا سأتصل بك أنا حين يكون لدي وقت "

وصله صوته فورا

" حسنا يبدوا الوضع غير مناسب لديك نتحدث لاحقا ... وداعا "

ابتسم ممتنا لذكائه وأعاد هاتفه لجيبه وما هي إلا لحظات

وتحدثت الجالسة بجانبه مجددا وببرود ساخر هذه المرة

" لست أفهم لما يعتمدون في قضاياهم عليك "

كتم ضحكته غارسا أسنانه في شفته السفلى وحرك رأسه

مبتسما فهذه الفتاة تصر على الانتقام منه اليوم ولا يفهم

لما فغضبها غامض كمزاجها تماما ! مرر أصابعه على قفا

عنقه قائلا

" لو كانوا لا يثقون بقدراتي ما لجئوا لي أساسا "

لم يتأخر تعليقها اللاذع المستفز أبدا وقد نظرت له قائلة

" كان عليهم أن لا يعتمدوا على محام مهمل مثلك يركن القضايا

على الرف حتى وقت لاحق "

نظر ناحيتها سريعا فأشاحت بنظرها عنه جهة نافذتها ، فهم الآن

سبب استيائها منه !آآخ منك يا حفيدة ضرار ، عاد بنظره للطريق

وقال

" المحامي الناجح يعمل بصمت بعيدا حتى عن موكله أحيانا وعليه

أن يثق دائما به يا زيزفون "

نظرت له فورا وكما توقع وقد قالت بحدة

" ما تعني بكلامك هذا ؟ "

قال بلامبالاة ولم يبعد نظره عن الطريق

" لم أعني شيئا فما الذي فهمته أنتي أغضبك هكذا ؟ "

نظرت جهة نافذتها مجددا هامسة بحنق وصله بوضوح

" مغرور "

فابتسم واستمر في القيادة في الصمت فالنتيجة حصل عليها وأوصل

لها ما يريد إيصاله وردود أفعالها الغاضبة لا تعنيه بل اعتاد عليها

وألفها فإن لم تستقبله وتودعه بها في يوم ما سيكون عليه عرضها

على الطبيب حينها .

دخلت سيارته شوارع لندن بعد ساعة ونصف تقريبا من خروجهما

ولم يتبادلا فيها غير ذاك الحديث ولم تبعد الجالسة بجانبه نظرها عن

نافذتها ولا بسبب شوارع لندن المزدحمة ، بما أن موعده سيكون في
ذاك الشارع فسيكون وصل بها للمكان المناسب فهو أشهر شارع
أوروبي للتسوق وستجد الخيارات أمامها مفتوحة .

ركن سيارته عند مركز تجاري خاص بمتاجر جون لويس المشهورة

ثم فتح باب السيارة ونزل في صمت ففتحت بابها ونزلت أيضا وتبعته

حتى كانا في الداخل ونظرت حولها بملل .. ليست ترغب فعلا في

التواجد هنا لكنها ما كانت لتتخلص من هذا المزعج إن لم تأتي

معه ثم هي بحاجة لثوب فعلا ولن تخرج لهم ببجامة نوم بالتأكيد .

وقف والتفت لها فوقفت لوقوفه ما أن كانا حيث محلات الملابس

والماركات المشهورة وقال ناظرا حولهما

" هنا ستجدين أفضل وأنسب ما ستبحثين عنه "

وتابع وقد عاد بنظره لها

" وبعض الأسعار خيالية أيضا فكم بحوزتك من مال ؟ "

أدارت مقلتيها الزرقاء بعيدا عنه وقالت ببرود

" ومن أين لي بالمال وأنا والجدار في منزلكم سواء ؟ "

ابتسم وأخرج لها بطاقته قائلا

" في نظر نفسك فقط يا زيزفون "

وتابع من قبل أن تعلق مادا لها إياها

" هذه بطاقتي يمكنك شراء ما تريدينه ومهما كان ثمنه "

نظرت لها في يده ثم لعينيه فأمسك يدها ووضعها فيها قائلا

" اقسم أنه مالي ولا علاقة لجدي به فأنا لا علاقة لي بأعماله سوى

في استشارات قانونية ولست آخذ أتعابا عليها أيضا "

تنهدت بضيق وقبضت أصابعها عليها وأبعدت يدها وقالت ناظرة

يمينا حيث حركة الناس والمحال التجارية مصطفة بواجهات زجاجية

وكأنها محل واحد مشترك

" أتعني أنك ستتركني هنا ؟ "

نظرللساعة في معصمه وقال

" عليا زيارة صديق لي هنا وأعدك أن لا تأخر "

وتابع وقد عاد بنظره لها

" ثم أنا لن ازعجك بوجودي في اختيارك لما ستشترين وأريدك حقا

أن تأخذي كل ما ترغبين به ويمكنك الخروج والتجول في باقي الشارع

إن لم يعجبك شيء هنا "

نظرت له وقالت ببرود

" وكيف ستعرف أين سأكون في هذا المكان ؟ "

مرر أصابع في شعره ناظرا للبعيد ولم يعلق .. أجل كيف نسي هذا

الأمر فهي لا تملك هاتفا والبحث عنها في مبنى بسبع طوابق أمر خيالي

فكيف في شارع طوله يقارب الكيلو مترين وبين نصف مليون شخص !

إنه أمر أصعب من المستحيل عينه حتى أن سيارته لا يمكنها أن تكون

علامة لها فلا يمكنه تركها هنا فركن السيارات ممنوع حتى أن دخول

السيارات الخاصة مخالفة يحاسب عليها القانون لولا صلاحيات مركزه

التي تخوله لذلك ، نظر حوله ممررا أصابعه في شعره يريد حلا سريعا

للأمر .

" الأفضل أن تعود بي للمنزل "


نظر لها وأمسكها من يدها وتحرك بها قائلا

" لن تخرجي من هنا إلا بما جئنا من أجله ، سأركن السيارة في

الموقف ثم نرجع هنا معا "

ولم يترك لها مجالا لا للرفض ولا للنقاش تتبعه منصاعة وإن

مكرهة تحاول فقط تجنب الاصطدام بأحد المارة بسبب إسراعهما تكاد

لا تستطيع مجاراة خطواته ، وقف بها فجأة حتى كادت تصطدم به

ونظر جهة أحد المتاجر بعيدا عنهم قليلا قرب المخرج وابتسم فورا

وهو ينظر للموجودة داخله فها هو وجد الحل المناسب .


*
*
*


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 16-01-18, 12:57 AM   #6288

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




نظرت لها ما أن أعادته للبائع وقالت بضيق تمسك خصرها بيدها

" ماريه لن ندخل متاجر اكسفورد جميعها حتى يغمى عليا من السير

فقط لتجدي هاتفا يعجبك "

رفعت تلك حزام حقيبتها لكتفها وقالت ببرود

" لن أشتري شيئا لم يعجبني ، ثم لنغادر أنا لا مانع لدي "

قالت بذات ضيقها

" قولي هذا منذ البداية فأنتي تتهربين من شراء هاتف جديد وليس

لأنه لم يعجبك شيء يا جبانة "

نظرت لها بضيق فتابعت دون اكتراث

" أنتي أجبن من أن تتركيه يتصل ولا تجيبي أليس كذلك ماري ؟ "

قالت بحنق

" ماريه "

قالت بعناد

" بل ماري "

خرجت حينها بخطوات غاضبة وهي تتبعها قائلة بحنق

" سيكون علينا العودة للمنزل وقت العصر كي لا تفوتنا الصلاة ونتلقى

عقابا لن يعجبك أبدا من أمي وها قد أضعنا النهار بطوله هنا ولم

نزر مما خططنا له شيئا لا ميدان بيكادلي ولا متاحف ولا أي شيء ...

فستان لففنا بسببه نصف هذا الشارع الطويل لنرضي دوقك كونتيسة

ماريه "

تجاهلتها وخرجت من المحل فتبعتها حتى سارت بجانبها لا تتوقف

عن التذمر وتذكيرها بما أضاعاه من وقت .

" مرحبا ساندرين "

وقفتا مكانهما والتفتتا فورا لصاحب ذاك الصوت الرجولي المتزن

العميق بينما نظرت ماريه له باستغراب لجهلها لهويته وتحدثه

بالعربية وقالت الواقفة بجانبها بصدمة

" وقاص... ! "
قبل أن تنقل نظرها للواقفة بجانبه تتفحصها نظراتها المندهشة

وقالت ما أن عادت بنظرها له

" تزوجت من أخرى !! "

وتابعت بحماس من قبل أن يعلق وقد قالت بضحكة ملوحة بقبضتها

في الهواء

" فعلت الصواب أخيرا يالك من رائع "

نظر لها ضاحكا بينما اكتفت الواقفة بجانبه بالتحديق بها بصدمة

وقال هو

" لا لم أتزوج هذه زيزفون ابنة عمي "

لوحت بيدها متمتمة بضيق

" سحقا لك ظننتك تخلصت من تلك الباردة ال.... "

قطعت حديثها وقد فغرت فاها قائلة بصدمة

" قلت ابنة عمك !! "

نظر للواقفة بجانبه وقال

" أجل وسبق والتقيتها في منزلنا أم نسيت ذلك ؟ "

أشارت لها بسبابتها وقالت بصدمة ونظرها لازال عليه

" رباه الخرساء تكون هذه ! لم أراها يومها جيدا بسبب حالتها تلك "

وتابعت تنظر لها بدهشة

" يا قلبي ليتني أصاب بالخرس أنا أيضا "

لم يستطع امساك ضحكته فنظرت له ولم تنتبه للتي ابتسمت من

كلامها وقالت ناظرة له بضيق

" تضحك يا غبي ؟ أهذه تكون زوجة شقيقك النذل ذاك وتلك زوجتك

أنت ! متى بالله عليكم ستضعون كل شخص في مكانه المناسب ؟ "

حرك رأسه مبتسما وقال ناظرا للواقفة بجانبه

" زيزفون هذه تكون ابنة قريب لنا من جهة والدة رواح وأسمها

ساندرين "

نظرت له قبل أن تنظر لها وقالت بابتسامة خفيفة مجاملة

" سررت بمعرفتك "

ولم تستطع امساك ابتسامتها أمام تلك النظرات المصدومة قبل

أن تتحول لضحكة صغيرة مكتومة ما أن اقتربت منها تنظر لشفتيها

وقربت أذنها منها وكأنها تتأكد من أن الصوت خرج منها فعلا !

بينما نظرات الواقف بجانبها التصقت بضحكتها تلك وبملامحها

التي تغيرت جذريا بسببها وإن كانت تعد شبه ضحكة فهذه أول

مرة يراها تضحك فيها ، من قال أنها جميلة سابقا ورآها الآن

فسيشك بمقدرته على تقدير الجمال بالتأكيد !

بينما نظرات ساندرين لازالت تراقبها باندهاش ثم نظرت للذي كان

ينظر لها ضاحكا وقالت

" هي تتحدث !! "

أومأ برأسه بنعم مبتسما وقال

" وتسمعك أيضا "

شهقت بصدمة قائلة بعدها بضيق

" وتتركني أتحدث هكذا عنها وعن زوجتك تلك ! "

قال بذات ابتسامته

" مر على ذاك الموقف عامان ولازلت تكرهين جمانة بسببه

حتى الآن ؟ "

قالت باشمئزار

" أنا لم أحبها يوما "

نظرت بعدها للواقفة بجانبها وقالت

" آه أجل نسيت أن اعرفكما بهذه المزعجة "

وتابعت باشمئزاز

" هذه ماريه زوجة ابن خال شقيقك الأحمق زير النساء ذاك "

ضحك ولم يعلق على كلامها بل مد يده للواقفة بجانبها

قائلا بابتسامة

" أنتي هي زوجة تيم إذا ؟ سررت بمعرفتك ماريه "

مدت يدها لها وصافحته هامسة

" شكرا لك ... وأنا سررت بلقائك "

وتولت ساندرين باقي مهمة تعريفهما ببعض

" وقاص يكون شقيق ابن عمة زوجك من والدته ولا تحاولي فهم قرابة

العائلتين لأنك ستصابين بالجنون حينها فزوجك ذاك سبب مشكلة كبيرة

في تشابكها حين ولد بين العائلتين "

نظر الواقف أمامهما للساعة في معصمه ثم لها وقال

" عليا المغادرة لأمر مهم فهل تساعدا زيزفون لاختيار ما تحتاجه

من هنا ثم أصل لها عن طريقك فلا هاتف لديها "

قالت ساندرين باستغراب

" من هنا ؟ "

حرك كتفيه وقال

" من حيث تحبان "

قالت بحماس

" رائع إذا لشارع بوند ستريت فورا ماذا تفعل ابنة عائلة ثرية

مثلكم هنا ؟ "

قال مبتسما

" جيد فأنا كنت أنوي أخذها له فعلا لكن خشيت أن ترفض بسبب

أسعاره ولتشتري منه ما تريد ولا تهتموا للسعر أبدا ، هو قريب من

هنا يمكنكم الوصول له سيرا أو أوصلكم له بنفسي "

أمسكتها من يدها وسحبتها معها قائلة

" لا شكرا فقط خذ معك هذه المملة للمنزل وحقق لها امنيتها "

وغادرت بها خارج المبنى ونظره يتبعهما قبل أن ينقله للتي بقيت

واقفة أمامه تنظر لمكان اختفائهما وقال مبتسما

" يمكنني إيصالك حيث تريدين "

حركت رأسها بالرفض وقالت ناظرة للأكياس في يدها

" سيارتي هنا شكرا لك ، عليك فقط إيصال تلك المجنونة للمنزل

فيما بعد "

وتابعت مجتازة له

" أنا اشفق على ابنة عمك منها حقا "

وغادرت جهة المخرج أيضا نظراته تتبعها مبتسما ثم غادر من

هناك فقد تأخر عن موعده وتلك ليست عادته .


*
*
*

دخل غرفته في الفندق ووضع حقيبته على السرير وفتحها

وأخرج منها ملابسه ليستحم ويصلي فاليوم كان مرهقا بالفعل

ففوق أنها رحلته الأولى اضطر فيها ليكون الطيار الأساسي ..

لا وهبوط كارثي كاد يذهب ضحيته أكثر من مئة شخص ، أي

اختبار قدرات متلف للأعصاب هذا ؟ ومن الجيد أن خاله مطر

على علم مسبق بأخذه لمهمة مساعد الطيار وساعات خبرته

أقل منه بكثير لكان أصبح في مشكلة كبيرة قد لا يجد ولا هو

حلا لها إن تأخر خاصة في هذه البلاد ، وها هو لم يخن توقعاته

فلم يسمح ولا بالتحقيق معه والنظر لملفه السابق وتلك هي النقطة

التي إن تأخر عنه فيها لكان تعرض لمسائلة قانونية وما كانوا

ليهتموا بما فعل وأنجز .

أخرج بنطلونا مريحا واستقام في وقفته ونظر جهة باب الشرفة

الزجاجية المطلة على أهم معالم تلك العاصمة ففندق هيلتون من أحد

أهم وأفخم الفنادق القريبة من مطار هيثرو حيث هبطت طائرته وقد

تم اختياره حسب جدول رحلتهم ، تحرك نظره مع الطائرة التي

حلقت في السماء بعيدا وزينت ابتسامة غامضة شفتيه ما أن تذكر

ذاك الوجه والابتسامة ، لم تجذبه فتاة سابقا وليس يفهم ما السر

في تلك ! عفويتها وابتسامتها و جمالها الرقيق تسحرك بسهولة

وبساطة لا بل هو من انشد لها ما رآها من بعيد فما أن دخل مبنى

المطار كان لديه فضول غريب لرؤية تلك العربية التي كل ما فكرت

فيه هو دعمه معنويا وإشعاره بأنها تثق بقدرته على إنجار ذلك رغم

أنها لا تعرفه ورغم أنه مساعد طيار مبتدئ في مواجهة كارثة قد يعجز

حتى الطيارين عن اجتيازها ، لا وبل تحدته أيضا ليقف على الأرض

سالما وكأنها ليست تلك !

حرك رأسه مبتسما وتحرك جهة الحمام فاستوقفه صوت رنين هاتفه

وكان سيتجاهله فهو بحاجة لأن يستحم فعلا لكنه تراجع عن ذلك وعاد

ناحيته ورفعه ناظرا للاسم فيه ثم جلس على طرف السرير وفتح الخط

مجيبا فوصله صوتها الباكي فورا

" غيهم بني أنت بخير ؟ قل أنك بخير يا قلب والدتك "

ابتسم وقال

" بخير أمي لما البكاء هكذا ؟ لو أنك تعلمين أني لست بخير

ما كنت اتصلت بي "

" ما كان ليطمئن قلبي إن لم أسمع صوتك ، اقسم إن حدث لك

مكروه أو خسرتك ما كنت لأسامح نفسي أبدا "

مرر أصابعه في شعره قائلا

" أمي ما هذا الذي تقولينه ! من هذا الذي يمسك قدر الله أو

يحركه غيره ؟ "

وصله صوتها المختنق بعبرتها

" ونعم بالله لكن ثمة فرق بين أن يموت شخص بسببك أو من دون

سبب ، هذه آخر رحلة لك ولن تركب طائرة مجددا "

قال بضيق

" أمي بالله عليك ألست من أصر على هذه الرحلة وعلى أن أكون

طيارا ؟ هل هي لعبة تشتريها لي ثم تأخذينها مني لتعطيني غيرها ؟

هذه أعوام ودراسة وتدريب ولن أبدأ من الصفر مجددا وأنا سأبلغ

السابعة والعشرين بعد أيام "

وصله صوتها فورا قائلة بسعادة وحماس وكأنها ليست من قررت

أنها آخر رحلة له منذ قليل

" خالك مطر قال بأنه سيقام احتفال لك وقت استقبالك وسيتم منحك

شهادة طيار للانجاز الذي قمت به ، اقسم أني يوم رأيتك ببذلة الطيران
كان يوما لم يضاهيه يوم في حياتي ولا حين ولدت لأن هذا ما كنت
أريدك أن تكون عليه "

وتابعت قبل أن يعلق

" اعتني بنفسك جيدا بني فسيتم منحكم فترة راحة قبل رحلة عودتكم ،

أنافخورة بك وليس ثمة أم أسعد مني في الوجود ... رزقك الله كل ما

يحبه قلبك لطاعتك لي ووالدك منذ كنت صغيرا "

ابتسم ونسي همومه وتعبه مما مر به حينها فرضاها عنه هو ما كان

منغرسا في قلبه دائما ولا يستطيع النوم ليلا إن كانت مستاءة منه ،

لن ينسى أبدا ما قاسته حين أخذوهما منها طفلين أحدهما حديث

ولادة والآخر عمره عام واحد فقط بل ورفضت الزواج وهي شقيقة

زعيم الحالك وقتها وتطلقت صغيرة في السن وطالبيها كثر كي لا

يغضبا منها وعلى أمل أن يبحثا عنها يوما ما فقط ليس ولا حتى أملا

في رجوع والدهم لها ، ورغم حزمها وشدتها معهم غالبا إلا أنها أكثر

النساء حنانا وكل ذلك كان من أجل مصلحتهم فقط .. كانت ترفض أن

تربيهم على الدلال وعدم تحمل المسؤلية وحين كبر علم معنى ذلك وهو

يرى نماذج حقيقية أمامه لمن تحدثت عنهم فشعر بالفخر لأنها والدته

وربتهم على التمسك بدينهم وأخلاقهم فحتى أبان ورغم عناده المتوارث

منها وعدم اهتمامه لما يلقيه لسانه إلا أنه كان ناجحا متفوقا دائما وها

هو طموحه لم يتوقف عند شهادة محاماة بامتياز ولم يكن له علاقة بأي

فتاة من قبل والفضل بعد الله لها فوالدهم أكثر لينا منها ورغم ذلك لم

يعارض أسلوب تربيتها لهم يوما فقد كان أشبه بزائر ليل بسبب أعماله
ومنذ صغرهم وهذا أكبر ما يواجه من هم في مكانه تأخذهم أعمالهم من

شيء وليس يلومه فهو ما فعل كل ذلك إلا من أجلهم ولم يحرمهم أي

شيء في حياتهم ومهما كان مكلفا .

تنهد بعمق وقال بهدوء

" وليحفظك لي أمي حياتنا من دون وجودك لا معنا لها وأنا من يفخر

بأنه ابنك "

وصله صوتها الحنون فورا

" شكرا بني .. سأتركك لتنام وترتاح ولا تنسى حفل الليلة في منزل

السيد ضرار فهم يصرون على حضورك وسيرسلون لك سيارة لتقلك

لمنزلهم في بريستول وعليك أن تلتقي بكنانة هناك يا غيهم فقد اتفقت
ووالدتها .. لا تضعني في موقف محرج معهم "

اتكأ بجبينه على راحة يده ناصبا مرفقه على ركبته ينظر للأسفل ومرر

أصابعه في شعره وتنهد هامسا

" حاضر امي "

قالت من فورها " لا حرمني الله من سماع هذه الكلمة من شفتيك يا

عينا والدتك ... وداعا بني "

رمى الهاتف جانبا ما أن قطعت الاتصال ووقف ليدخل الحمام فأوقفه

هذه المرة صوت الطرق على باب الغرفة فتوجه نحوه وفتحه فكانت

إحدى الموظفات تجر معها عربة خشبية أنيقة من طابقين مليئة

بالأطعمة فابتعد فاتحا لها الباب أكثر وأدخلتها وقال ما أن بدأت برفع
أول طبقين لتضعهم على الطاولة الزجاجية
" يمكنك تركها سأهتم بالأمر بنفسي "

أعادت الطبقين مكانهما وقالت مغادرة من فورها

" كما تريد سيدي وأعلمنا وقت تريد أن نخرجها من هنا "

أغلق الباب خلفها ودخل ونظر لكل تلك الأطعمة التي سيحتاج ليوم كامل

ليأكلها ثم تحرك جهة الحمام ليوقفه صوت رنين هاتفه مجددا فرفع

رأسه وتنهد مستغفرا الله ثم عاد ناحيته ونظر لرقم المتصل فكان والده

وهذا شخص آخر لا يمكنه تجاهل اتصاله ، رمى ملابسه على السرير

ورفعه مجيبا

" مرحبا أبي "


*
*
*


ابتعدت عن حضنه دافعه إياه من صدره وقالت بحدة

" توقف عن هذا فأمثالك لا يعتذرون إلا من أجل المستقبل وليس

الماضي "

كانت تنظر له تتلقف أنفاسها وكأنها تفقدها ببطء تنظر لعيناه السوداء

المحدقة فيها بصمت .. تعلم جيدا بأن كلمة آسف لديه معناها جرح آخر

وصدمة جديدة فأمثاله لا يعتذرون عبثا ، لم تستطع التحكم في دموعها

التي عادت لملئ حدقتيها السوداء الواسعة تنظر لعينيه المحدقة بها

بهدوء ... لملامحه المسترخية ... لشعره ولحيته المبللتان بالماء

ليعكس ضوء النهار سوادهما الشديد .. بل لتقاسيم وجهه التي عشقتها

يوما وبجنون وتملك وبشغف ولم تكن تتخيل أن عواطفها تلك ستواجه

بتلك القسوة منه بأن يقتلها ويطعنها حيث دفنته وحيث احتفظت به ،

همست بأسى ودمعتها تتدلى من بين رموشها

" ليتك قتلتني بطريقة أخرى يا مطر .. ليتك فقط اخترت سلاحا آخر

تخرجني به من حياتك "

أمسك وجهها ورفعه له أكثر وقال بجدية ناظرا لحدقتيها السوداء

الواسعة

" أنصفيني يا غسق واجعلي مكانا لي في عقلك مرة واحدة فعواطفك

لن تنصفني أبدا "

تلاحقت أنفاسها وقد همست بسخرية أقرب للألم

" أعتقد بأن أربعة عشرة عاما كافيه ليتخذ عقلي جميع قراراته

أما عواطفي فقد قتلتها وقت رحيلك "

غرس أصابعه أكثر في خصلات شعرها المبلل وقال بتصميم

" اتركي عقلك يخبرك يا غسق .. استمعي لحديثه مرة واحدة فقط "


شدت ذراعيه على ركبتيها أكثر تدفن وجهها فيهما وانسابت تلك

الغرة الحريرية متدرجة على بشرة ساعديها الثلجية تشد ذراعيه

بأناملها بقوة درجة أنها تركت علامة حولهم وكل تلك الكلمات تنهال

على قلبها بحجم الوجع الذي عاشته لأعوام


(هذا مكانك يا غسق .. خلق لك أتفهمين هذا ؟(

)بل لم أخنها مع أي امرأة ... ولن تستحق امرأة في الوجود أن تأخذ

مكانها(


(ومطر شاهين يحبك ... يحبك يا ابنة دجى الحالك ... يحبك يا ابنة

دجى الحالك)


أشتدت أناملها على ذراعيها أكثر وسقطت الدمعة اليتيمة في حجرها

وسيل ذكريات الماضي البعيد يختار له مكانا في ألمها أيضا


(امرأة داس على كرامته وتنازل من أجلها ... عشقها تسمعين ؟

عشقها هي وحدها ليكتشف أنها لغيره .. أنها باعته بأرخص منه ..)


(لي أنا ليست له حتى دمائها التي تجري في عروقها ملكي)


(غسق فكري في أمر واحد فقط .. رجل كمطر شاهين لما سيقول ما

قاله وأمام وسائل الإعلام ليهز صورته بذاك الشكل أمام الرأي العام

وهو يحتاج لتلك الصورة أكثر من أي وقت مضى ؟ غسق شقيقتي ليس

ابن شاهين من يكشف عن عيوبه وأخطائه وللعلن وأنتي من يعرفه

أكثر من الجميع بالتأكيد)


)أنصفيني يا غسق واجعلي مكانا لي في عقلك مرة واحدة فعواطفك لن

تنصفني أبدا(




رفعت رأسها ومررت أصابعها في غرتها للأعلى تنظر للفراغ وهمست

وأنفاسها تتقطع في حلقها وجفناها متوهجان بشدة من حبسها لدموع

ترفضها بتاتا

" لن أسمح له بأن يغفر لك يا مطر .. لن أبحث لك عن أعذار وإن

توضحت أمامي ... لن اسامحك على ما فعلته بي أبدا "

مسحت عيناها بظهر كفها بقوة حين طرق أحدهم باب غرفتها ولم يترك

لها المجال ولا لأن توافق أو ترفض دخوله وقد انفتح سريعا وظهر لها

رأس الكاسر الممدود منه ونظر لها مبتسما وقال

" أمي أنتي لم تنامي بعد ؟ "

أبعدت غرتها للأعلى مجددا وجمعت شعرها على كتفها الأيمن قائلة

بصوت منخفض تتجنب النطر له

" سأنام الآن "


دخل وأغلق الباب خلفه متجاهلا ما قالت واقترب من سريرها قائلا

" المهم أنك لم تنامي بعد "

قالت بجمود تنظر له وهو يجلس أمامها

" إن كنت تريد التحدث عن مغادرتنا المنزل والمدينة فلا تتعب نفسك "

قال مبتسما

" لا فأنا حقا سأكون سعيدا بانتقالنا لحوران لأن تيما حينها لن تحتاج

لقطع كل هذه المسافة لتكون معنا وسأراها كل يوم وأزورها إن لم تأتي

هي لزيارتنا بل وسأدرس في مدرستها ذاتها ولن أرحمها مني أبدا "


ابتسمت بحزن على حماسه وتعلقه بشقيقته التي لم يعرفها سوى من

وقت قريب حتى أنه لم يهتم لمغادرته المدينة التي عاش فيها صغيرا

ودرس وله أصدقاء كثيرين يعيشون فيها وباتت تيما بالفعل عالمه

الجديد ! تفهمه جيدا فهو حرم الأشقاء كما الوالدان وعاش وتربى

ولعب وحيدا بينهم كتيما تماما كانت طفولتها وحيدة ولن تعرف هي

معنى هذا لأنها عاشت مع أربعة أشقاء عاملوها كالأميرة المدللة ولم

يشعروها يوما بأنها تختلف عنهم لأنها فتاة ولم يجعلوها نسخة ذكورية

عنهم أيضا فحتى وقت لعبهم وركضهم تكون على عنق أحدهم يركض

بها كفريق ولم يعلموها خشونة أن تواجههم وحدها مطلقا حتى أنهم

كانوا يقولون بأنها الفائزة في أي لعبة يلعبونها كي لا تبكي فلم تكن

ترضى بأقل من الفوز .

مسحت بكفها على طرف وجهه وقالت بحنان

" وتيما لن يزعجها ذلك بل وستكون أسعد منك به "

أمسك يدها وقبل باطن كفها وقال ما أن سحبتها منه

" لقد التقيت اليوم بمطر شاهين في المستشفى "


عبست ملامحه ما أن أشاحت بنظرها عنه وقد ارتسم الضيق على

ملامحها فقال بهدوء حذر

" هو من طلب مني أن أكون قربك هناك و.... "

غصت الحروف في حلقه فهمسها بصعوبة

" وأن أناديه أبي "


نظرت له فورا نظرة لم يفهم كانت نتيجة لصدمتها مما قال أم بسبب

رفضها له فتابع بحزن متجاهلا ما ستكون عليه رد فعلها

" كنت أتمنى دائما أن أنطق هذه الكلمة ، أنتي لم تتركيني أحتاج

لحنان أمي ولم أشعر بفقداني لها قط لكني تمنيت والدا لي ومنذ

كنت طفلا كنت أشعر بأني يتيم الأب فقط "

لم تستطع مقاومة الدموع التي ملأت مقلتيها ومدت يدها له

هامسة ببحة

" تعالى بني "

اقترب منها فورا ونام في حضنها فقبلت رأسه ومسحت على

شعره ودموعها وجدت سبيلها للنزول متقاطرة من رموشها

الطويلة ، إن كانت هي تفقد والده وشقيقها الوحيد ولازالت

عيناها تبكيه حتى اليوم فكيف به هو من حرم حتى من رؤيته

ومن أن يعيش مع والديه وإن لأعوام قليلة فقط ، تنسى دائما

بأنه لازال في الخامسة عشرة وتريده رجلا قبل أوانه ولا

تساعده حتى ليكون كذلك ، كيف فكر ذاك الرجل في هذا ؟

لن تعدها حسنة له لكنها حقا تعترف بأنه أصاب فيما فعل

وهذا هو حاله دائما لا ينسى أحدا من عدله وإنصافه إلا هي

وابنتها من بعدها وكأنهما تدفعان ثمن بطولات مطر شاهين

وثمن عدله وإنصافه للجميع .

مسحت دموعها ما أن ابتعد عن حضنها ونظر لعينيها قائلا

" أمي إن أنتي ذهبت للعيش معه فلن أكون إلا معكما "

نظرت له باستهجان فقال سريعا قبل أن يسمع منها تعليقا

يعرفه جيدا

" لن أكون سعيدا إلا بوجود عائلة لي أمي ... والدان وأشقاء

لن يمنحهم لي أحد ولا أعمامي أو عمتي جويرية "

قالت بضيق ما أن أنهى كلامه

" كاسر أنا لن أغادر لأي مكان وسنبقى معا ولا تتحدث عن

هذا أمامي مجددا "

قال باستياء

" أمي أ... "

قاطعته بأمر

" كاااسر "

تأفف قائلا

" إن فرضنا مثلا ... وها أنا قلت إن فرضنا فسأكون معك "

وتابع بنظرة حزينة

" أنتي لن تتركيني أمي أليس كذلك ؟ "

حضنته مجددا وقبلت رأسه هامسة بحزن

" لن أفعلها يا كاسر لن يأخذني منك ولا أي رجل في الوجود

أنت ذكرى شقيقي الوحيد ومن دونك لا يمكنني العيش بني ولن

أبتعد عنكم كن مطمئنا "

ابتعد عنها وقبل رأسها وقال مبتسما ومغادرا السرير

" الآن يمكنني النوم ... تصبحين على خير "

وغادر الغرفة نظراتها الحزينة تتبعه حتى أغلق الباب خلفه

ثم نظرت لهاتفها على الطاولة بجانب السرير ورفعته واتصلت

بمن هي لن تستطيع النوم الليلة إن لم تتحدث معها فما أن

تغادر منزلها تشعر بأنها أخذت روحها معها وتعترف بأنها

تخطئ حين تلقي باللوم عليها في أمور لا يد لها فيها ، أجابت

سريعا وقد وصلها صوتها المتلهف قائلة

" أمي ؟ "

ابتسمت بحزن قائلة

" هل أزعجت نومك صغيرتي "

وصلها صوتها فورا

" أبدا أمي فأنا لم أنم بعد "

همست باستغراب

" ألم تنامي حتى الآن ؟ "

وصلها صوتها الحزين

" لم أستطع النوم ولا الاتصال بك خشية أن تكوني نائمة ، أمي

سامحيني لم أكن أعلم أنه سيغضب وسيلقي ... "

قاطعتها بهدوء

" لا بأس حبيبتي أنا من عليه الاعتذار كنت مستاءة وما كان

عليا قول ما قلت "

وصلها صوتها فورا

" لا بأس أمي أنا لم أغضب منك أساسا ولن يحدث ذلك يوما ...

أنتي ووالدي أثمن ما أملك في هذه الحياة ولن افكر يوما في

أن أغضب من أحدكما أبدا "

تنهدت بعمق ممررة أصابعها في شعرها فهي فعلا كما قال

تضعهما في كفتا ميزان واحد لا تغضب من كليهما ولا تحب

أحدهما أكثر من الآخر وبالتالي لن تكون سعيدة بوجودها مع

أحدهما دون الآخر .

قالت مقاطعة لأفكارها تلك

" والدي أخذني فقط من أجل زيارة عمتي جوزاء وأنا في منزلها

الآن بينما غادر هو لمدن الثنانيين "

قبضت أناملها دون شعور ما أن تذكرت رعد وما حدث معه ، لم

تكن تتصور يوما بأن هذا سبب رفضه للزواج وكان عليها أن

تتوقع ذلك فأبناء هذه العائلة لا يختارون سوى النساء

الممنوعات عنهم ولا تفهم لما تتعقد حياتهم هكذا ! .

قالت بشبه همس

" هل سيقضي الليلة هناك ؟"

لا تعلم كيف خرج منها ذاك السؤال ولا كيف قالتها لكن عقلها

ودون شعور منها فكر في تلك الثنانية التي دفعته للرقص معها

في الماضي وشعرت بذات تلك الجمرة تتقد في داخلها ، غطت

عيناها بكفها تتنفس بعمق ... سحقا له هو السبب لم يترك لها

مجالا ولا لتتخلص منه داخلها ... جعلها تعيد اختبار ملمس

شفتيه وحضنه وكلماته الهادئة الرزينة حين يعنيه حقا أن

يشرح أمرا ما لمن يحدثه وكأنه اختار قتلها قبل أن تقتله فيها

لكنها لن تستسلم لعواطفها مجددا ولن تسمح له ولا لها بهزيمتها

فمطر شاهين عليه أن يموت داخلها وإن قتلت نفسها معه .

قاطعتها قبل أن تجيب على سؤالها

" هل سيطول بقائك هناك ؟ "

وصلها صوتها فورا

" لا أمي سأغادر صباحا لحوران "


تنفست بعمق قبل أن تقول

" ونحن سننتقل هناك للعاصمة قريبا "

وكما توقعت وصلها صوت شهقتها المختلطة بضحكة سعادة

قبل أن تقول

" حقا أمي !! يا له من خبر رائع ، بل هو أجمل خبر سمعته

وسيكون بإمكاني زيارتك كل يوم ... "

سكتت قليلا قبل أن تقول باستغراب وكأنها تذكرت لحظتها فقط

أن تفكر في ذاك الأمر

" لكن لماذا أمي ! هل من مشكلة ؟"

تنفست بعمق قائلة

" لا شيء من ذلك أنا فقط عليا تسليم المنزل أيضا فرئيسة

الجمعية الجديدة ستكون الأحق به ولأن منزلا رعد ورماح في

حوران سيكون علينا الانتقال هناك فلن يرضى أيا منهما بأن

أشتري منزلا بعيدا عن هناك خاصة رعد فهو كان يريدنا

دائما معه خصوصا بعد حادث رماح ووضعه الحالي فهو

يضطر لزيارتنا دائما من أجله "

وصلها صوتها الهادئ فور أن أنهت حديثها

" لم أكن سعيدة أبدا بقرار تركك الجمعية والعمران ، لقد كنت

الجزء المكمل لها فعلا لكني أحترم قرارك أيضا أمي وأريد أن

أكون مثلك تماما امرأة تقرر بنفسها وتعلم أين تضع قراراتها

السليمة "

ابتسمت بحزن ولم تعلق على ماقالت فها هي التي تفهمها فعلا

ورغم كل شيء رأت بأنها تتخذ قرارات سليمة وأرادت أن تكون

مثلها رغم تناقض أرائهما خاصة فيما يخص والدها وعودتها له !

قالت بهدوء مماثل " تصبحين على خير إذا صغيرتي ونامي جيدا

فرحلتك ستكون طويلة غدا "

وصلها صوتها فورا

" رحلتي ستكون بالطائرة وما كنت لأشبع من التحدث معك

أبدا لكن أنتي من عليها أن تنام وترتاح ... أحبك أمي وأشتاق

لك من الآن "

همست بحزن وحنان

" وأنا أحبك بنيتي اعتني بنفسك جيدا "

" حسنا أمي .... تصبحين على خير "

وما أن فصلت الخط ضمت الهاتف لحظنها بقوة مغمضة

عينيها وقد تقاطرت منها الدموع التي حاربتها لساعات ،

ليته فقط لم يحرمها منها ... من احتضانها طفلة ومن

مراقبتها تكبر شيئا فشيئا أمامها .. تحبوا ثم تقف فتمشي ...

ضحكاتها الصغيرة كلماتها الطفولية المتقطعة وزيها المدرسي

الصغير بل وجميع ثيابها التي كانت تكبر معها رويدا رويدا ...

ليته قتلها به فقط وما اختار طعنها مرتين متتاليتين ليرجعها

لها فتاة ناضجة تكاد تساويها في الطول ستحتاجان لعمر آخر

لسد الهوة الواسعة بينهما ولتفهم كل واحدة منهما الأخرى

وتعتاد وجودها في حياتها فبأي قلب وعقل ستسامح ذاك الرجل ؟

أجل هي غبية ولن تفهم أبدا معنى ما قال وحاول شرحه لها

عند الشلالات ولن تسمح لعقلها بالتفكير فيه مجددا فلا مسوغات

أبدا لذبحه لها مرارا وتكرارا وأمام الجميع .


*
*
*


Dodo Diab and جولتا like this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 16-01-18, 12:59 AM   #6289

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



وصل المنزل مقربة الفجر وركن سيارته أمام بابه ونزل فالمسافة

من مدن ثنان غرب الحالك حتى حوران أخذت منهم مقربة الأربع

ساعات هذا غير الوقت الذي قضوه هناك وإصرار زعيمهم على

أن يتناولوا العشاء معهم .

لا يصدق أن مطر قدم لهم كل ذلك ! كل تلك التنازلات من

أجل امرأة ! رغم أنها كانت ستسبب حربا بينهم وبين العرب

بل وقدمها مهرا لها ! والمفاجأة الأعظم كانت ما قاله وأمامهم

بعدما عقدوا اتفاقهم ذاك بأنه كان سيمنحهم كل ذلك في جميع

الأحوال ( العربي والثناني سواء في جميع حقوقهم في البلاد كما

تمنح الجنسية لهم بالإجماع ، تبنى لهم مدن جديدة في أماكن

أخرى من البلاد ولا تكون الحدود مكانهم الأساسي والوحيد

وكأنهم جزء خارج بلادهم ، لغتهم تصبح أساسية في البلاد

وتضاف لجميع اللافتات وتدرس في المدارس لمن رغب من

العرب وشرط أساسي للثنانيين ، شرط زواجهم من العرب

الإسلام كما أنه يمنع اعتناق ديانتهم على العرب وهذا أكثر

ما نوقش وكانو يرفضونه حيث أن الثناني سيسمح له بدخول

الإسلام بينما العربي لا يرتد عن دينه وكان شرطا إلزاميا رفض

مطر التراجع عنه أو تغييره وكان على استعداد لأن يلغي

اتفاقهم بأكمله من أجله )

يعلم بلقاء مطر السابق بهم وطرحهم لمجموعة مطالب

لانضمامهم لباقي أطياف البلاد لكنه لم يكن يتوقع أن يقدم

لهم أكثر مما أرادوا ! وليس يعلم ما ستكون ردود الأفعال

عليه داخليا وخارجيا أيضا ؟ يعلم بأنها ستكون الإيجاب خارجيا

لكن داخليا ... ؟ هنا ستكون المعضلة وليس يفهم كيف سيدمج

ثقافتين وشعبين مختلفين تماما ! يثق جيدا في قدرات وأفكار

مطر شاهين ويقف في صفه من حيث أن تلك القبائل ظلمت

بالفعل وفي كل بلاد تكون فيها فيكفي أنه لا وطن لهم ينتمون

له .. لا هوية .. لا جنسية ومطرودين للحدود في بلدانهم جميعها .

أغلق باب المنزل خلفه بهدوء ودخل بخطوات سريعة فبالكاد

سيجد وقتا ليستحم ويلحق الصلاة في المسجد ويبدأ بعدها

يومه الشاق المعتاد .

" عمير "

وقف مكانه عند أول السلالم والتفت لصاحبة ذاك الصوت

والتي خرجت فجأة من ناحية المطبخ أو أنها كانت هناك

ولم ينتبه لها ! نظر لها باستغراب وقال

" بثينة لما أنتي مستيقظة حتى الآن ؟ "

نظرت للأسفل ولم تستطع قول الحقيقة فقالت بصوت منخفض

بالكاد سمعه

" اشتقت لطفلاي ولم أستطع النوم "

أنزل رأسه مبعدا نظره عنها ما أن نزل شعرها على وجهها

بسبب حجابها الموضوع على رأسها بإهمال وقال

" ذاك حقه يا بثينة لا يمكنني نقض الاتفاق معه "

رفعت رأسها ونظرت له قائلة

" وأنا لست أطالبك بنقضه يا عمير "

قال بهدوء ولازال على وضعه السابق

" تريدين العودة له ؟ "


انفتحت عيناها من الصدمة وقالت فورا

" لا بالطبع "

قال ولازال يتجنب النظر لها

" بما يمكنني مساعدتك إذا ؟ "


عبست ملامحها وقالت
" ليس هذا ما أردت التحدث معك فيه "

قال ونظره على مفاتيحه في يده

" فيما إذا ؟ إن أردت أي شيء أخبريني "

نظرت له بحزن وقالت

" عن صدودك عني هكذا أتحدث يا عمير ، أنت تتجنب حتى

النظر لي وتشعرني بالذنب مضاعفا على ما حدث في الماضي "


دس مفاتيحه في جيبه وقال ونظره على عتبات السلالم أمامه

" ليس الأمر كما تتخيلين يا ابنة عمتي فأنتي في عدة الآن وأنا

رجل لا أحل لك في جميع الأحوال "

قالت بأسى ونظرها معلق بوجهه الذي يوليها جانبه

" لكنك لم تكن هكذا في الماضي وكنت وقتها مجرد خطيبة

لك بل وقبل خطبتك لي لم ... "

قاطعها قبل أن تنهي حديثها قائلا بجمود

" ذاك حين كنت في بداية العشرين من عمري وأغلب

تصرفاتي خاطئة "

شعرت بسكين غرس في قلبها وآلمها بشدة وأول ما حاول

عقلها فعله أن حارب فكرة أنه يعني مشاعره السابقة نحوها

أيضا فقالت بأمل كسير

" أعلم بأنك غاضب مما حدث ولست ألومك فأنا أيضا كنت

أتصرف وأفكر بطيش حينها "

قال مباشرة

" لا لم تكوني كذلك "

شقت ابتسامة أمل ملامحها الحزينة المحبطة لكن ذلك لم

يدم طويلا وهو يحطمها متابعا وقد نظر لها هذه المرة

" كان قرارك بعدم انتظاري صائبا يا بثينة فأنا ما كنت

أتوقع أن تطول سنوات غيابي عن البلاد لكل هذا الحد فلو

أنك انتظرتني ما كان ابنك في العاشرة من عمره الآن ،

علاقتنا كانت خاطئة من أساسها ولم نكن متوافقين أبدا

وكنت أتغاضى عن اختلافاتنا بسبب مشاعر كانت ستوقعنا

في حياة بائسة وللأبد "

وتابع متجاهلا نظرتها المصدومة له

" أنتي تستحقين رجلا أفضل مني يا بثينة وعليك أن تشكري

الله أننا لم نخض تجربة الزواج لأنها كانت ستكون

فاشلة بالتأكيد "

وصعد السلالم ما أن أنهى كلامه ولم يسمع ردها أو تعليقها

ولم يهتم لذلك فهو لن يتركها تعلق آمالها عليه بسبب ماض

لم يعد يعنيه في شيء ، ليس لأنها تزوجت ولا أنجبت أبناء

فكان سيقبل بها الآن ولن يهتم لكنه استفاق لما كان سيقحم

نفسه فيه فكم تجاهل سابقا عيوبها حين كانت تطالبه بمنزل

أحلامها ومهرا يكفي لإعالة عائلة كاملة في ذاك الوقت

ولأعوام ولم تفكر في وضع البلاد وتدني الوضع المعيشي

وقتها ووضعه في عائلته فلم يعتمد على والده قط لكنها

أنانية ولم تفكر سوى في نفسها وكل ما كان يعنيها وقتها

أهوائها ورغباتها ، إن كانت تحبه لنفسه لكانت ضحت بكل

شيء ليكونا معا وإن ناما على بساط بالي في غرفة واحدة

ولكانت انتظرته على الوعد بينهما مثلما فعلت تلك الثنانية

التي لم تعرف ابن شراع سوى فترة شهرين فقط وليس

أعواما مثلهما ، ومثلما أنكرت زوجها ونفرت منه ما أن

مر بانتكاسة مالية ستفعل ذلك معه أيضا حين تزول مملكته

الحالية ولأي سبب كان وإن بانقلاب ضد مطر شاهين

وإزاحتهم من الحكم جميعهم .

دخل غرفته وتوجه لغرفة الملابس فورا ليخرج ثيابا له

ويستحم سريعا مبعدا تلك الأفكار من رأسه فهو يستقبلها

هنا احتراما لعمته فقط ولأنها قريبته وتحتاج إليه أما أكثر

من ذلك فليست تعنيه في شيء فهو أيضا قرر الخيار السليم

المناسب لحياته ولن يترك عواطفه تتحكم في قراراته مجددا ،

صحيح أنه انجذب لتلك الفتاة حين التقيا أول مرة وما أن

وقع نظره عليها لكنه ترك لعقله مهمة القرار فيما بعد فإن
رفضها ما كان ليتبع عاطفته ناحيتها أبدا .

رمى عنه السترة والقميص وأخذ ثيابه من هناك ودخل الحمام

هامسا بابتسامة

" ولن أجعل طريقي للوصول لك طويلا أبدا يا ابنة صنوان "


*
*
*


توقعت أن تكون مرافقتها هذه المرة أسوأ من ماريه وستجوبان

شارع بوند ستريت كاملا لتجد ما يعجبها رغم أنه الشارع الأفخم

في انجلترا .. شارع الأناقة والجمال وآخر صيحات الموضة

العالمية والأفكار المبتكرة ولا يرتاده سوى الأثرياء وتلك الحمقاء

ماريه رفضت أن تزوراه لتشتري منه وتعرف لما فعلت ذلك لأنه

ما يربط شارع اكسفورد بميدان بيكدلي وهي لا تريد أن تذهبا

هناك بل أن تعودا للمنزل لذلك رفضت لكن هذه الشقراء الجميلة

خانت توقعاتها ولم تجتازا أكثر من محلات ريس وباروني ولم

تصلا ولا لمحلات بازلر الأرقى في ذاك الشارع كما كانت تريد ،

حتى أنها لم تأخذ رأيها أو رأي أي من العاملات اللواتي لا يتم

قبولهن في تلك المتاجر إلا ولهن خبرة في الموضة وعالم

الأزياء بل تصرفت باستقلالية تامة وكأنها زائر دائم لتلك

الأمكنة فنظرت للمعروضات أمامها بصمت واختارت واحدا
ولم تلتفت ولا لحديث العاملة التي كانت تنصحها بواحد أقصر

منه بسبب طول شعرها وقوامها النحيل بل ورفضت حتى أن

تختار مجموعة ليقمن عارضات الأزياء بعرضها أمامها لتختار

من بينها كما يفعلون هناك لجذب الزبائن ، ورغم أنه ترك

بطاقته لها وحسابه مفتوحا إلا أنها لم تشتري سوى الفستان

وملحقاته ! لو كانت مكانها لخرجت من هنا يداها مليئتان

بالأكياس وما استطاعت مقاومة اغراء كل تلك الثياب والماركات

العالمية لكنها تبدوا كماريه تماما لا تقدر قيمة المال الذي تملكه .

رفعت غرتها في مواجهة النسيم ونظرت عبر نهاية الشارع

تقفان على الرصيف وقالت مبتسمة

" ها هي سيارة نائب المدعي العام الوسيم قادمة من هناك "

نظرت الواقفة جانبها حيث كانت تنظر وللسيارة البنتلي السوداء

التي تشق الشارع نحوهما ولم تعلق وتابعت ساندرين وكعادتها

لا تهتم إن بادلها الطرف الآخر الحديث أم لا قائلة باشمئزاز

" لست أفهم متى سيتخلص من تلك البلهاء ... بل لست أفهم أين

وجدت ساحرة ساندريلا التي زوجتها به بل وجعلته يتزوجها "

قالت الواقفة بجانبها وقد ابتعدت بنظرها لمحلات الشارع المقابل

" لو لم تكن تعجبه ما تزوجها "

قالت من فورها

" لا أنتي لا تعلمين عن القصة كاملة فهو حتى لم يراها بل جده

اقترح عليه تلك العائلة وهو وافق دون أن يهتم "

نظرت لها وقد وقفت سيارته مقابلة لهما جهة الرصيف الآخر

قائلة ببرود

" لا أراه يهتم بمظهرها الخارجي ونظرته للنساء تبدوا مختلفة

عنك ولست أرى هذا عذرا لتكرهيها "

مطت شفتيها باشمئزاز وقالت بضيق

" مغفلة وعقلها كجسدها مليء بالشحوم فقط ، لن أنسى ما فعلته

بي سابقا تلك البلهاء ... هو أكبر مني بإثنى عشرة عاما وكنت

حينها في الخامسة عشرة ولست أراه سوى كشقيق أكبر لي

لكن كرشها المنتفخ طبعا وليس عقلها من أوحى لها بأنني

معجبة به ! هل تضن بأني كنت سأتركه لها لو أنه اهتم

لأمري حقا ؟ ما كنت لأتركه لها لتتزوجه حينها فهو الجزء

الحي الوحيد في تلك العائلة والذي يملك قلبا وعقلا ..

طبعا إن استثنينا والدة زير النساء ذاك "

نظرت له وهو يسلك الشارع نحوهما نظره على حركة السيارات

والحافلات فيه وقالت بابتسامة جانبية

" إن كنت تتحديثن عنه هكذا أمامها فمن الطبيعي أن تضعك

في خانة أعدائها ؟"

لوحت الواقفة بجانبها بيدها قائلة بلامبالاة

" أنا لست أمدحه بل أذمهم وأنا لا يعنيني رأي أحد لأني أقول

ما لديا وأمام الجميع فهم بالفعل عائلة غريبة أطوار وأغلبهم

كريهين إن كان نجيب ووالدته أو ضرار ووالدته أيضا وذاك

الوقح المدعو رواح بل ووالدهم معهم طبعا "

وصل حينها عندهم الذي مرر أصابعه في شعره حتى قفى

عنقه قائلا بابتسامة

" هل تأخرت عليكما ؟ حاولت أن أخرج من عنده سريعا "

لم تعلق الواقفة أمامه بينما قالت الأخرى

" لا لم تتأخر ابنة عمك الجميلة هي التي لم تتعبنا في البحث "

قال مبتسما

" وأنتي أيضا يا جميلة شكرا لك وسأوصلك حيث تريدين"

لوحت بكفها وقالت مغادرة

" شكرا لك أريد زيارة معرض الفنون لأشتري غرضا من هناك "

ووقفت بعد مسافة قليلة والتفتت له وقالت رافعة كيسا صغيرا

في يدها

" وشكرا على الهدية التي اشترتها لي من مالك ... أراكما الليلة "

وتابعت طريقها حتى اختفت خلف شارع فرعي فأمسك حينها

بيد الواقفة أمامه وسار بها عابرا الشارع المزدحم حتى وصلا

السيارة وفي صمت ، أخذ الكيس منها وفتح لها الباب وما أن

جلست أغلقه خلفها ثم وضعه في المقعد الخلفي وركب أيضا

وغادرا من هناك .

ظنت أن رحلتهما انتهت عند ذاك الحد فكلاهما فعل ما جاء

من أجله لكنه خان توقعها وقد ركن سيارته في مكان قريب بدلا

من أن يغادرا تلك الشوارع بل والمدينة بأكملها ، خمنت بأنه

يريد النزول من أجل أحدهم أو شراء غرض ما إلا أنه مد يده

لصندوق السيارة جهتها وقال وهو يضع فيه مجموعة أوراق

" هيا انزلي "

نظرت له باستغراب ففتح بابه ونظر لها وقال

" ثمة مطعم رائع هنا فخم ومميز "

قالت ببرود

" ومن قال أني أريد أن آكل ؟ "

قال من فوره

" أنتي لم تأكلي شيئا اليوم وأنا لم أسألك إن كنت موافقة "

قالت بضيق

" لا أعلم أهي الثرثارة أم أنت الذي تتدخل فيما لا يعنيك فعلا ؟ "

قال بحزم

" بل كلانا نهتم لأمرك يا زيزفون "

قالت بضيق أشد

" هذا ليس اهتماما وأكره معاملتي كطفلة .. أنا أعلم جيدا

ما يصلح لي وأكثر من أي شخص آخر "

تنفس بعمق مغمضاعينينه ثم نظر لها وقال بهدوء

" أنتي ابنة عمي يا زيزفون وتعنيني مصلحتك حقا فقد أرى

أي امرأة في الوجود تتصرف كطفلة لكن أنتي لا ، وأن

تتناولي كل تلك الأدوية من دون طعام جيد فمعناه أن تقتلي

نفسك بالبطيء وهذا ما لن أسمح لك به أبدا "

حدقت في عينيه بصمت قبل أن تشيح بوجهها عنه فتنهد ببطء

وفتح بابه ونزل فعلى الأقل لم ترمه بتعليق من تعليقاتها الرائعة

تلك ، أغلق بابه ودار حول السيارة وفتح لها الباب فتنهدت

بضيق ونزلت لأنها تعلم جيدا ما نتائج العناد مع هذا الرجل .

كان المطعم في الطابق الأربعين من برج هيرون والمطعم

الأعلى في المملكة المتحدة فهو بذلك يوفر إطلالة زجاجية

على جميع أنحاء المدينة وكان بأثاث عصري مميز وأرآئك

جلدية بالإضافة للمقاعد والطاولات الخشبية البيضاء المميزة

والحركة فيه كانت تدل على أنه يفتح أبوابه على مدار الساعة .

ما أن جلسا حتى تقدم منهما النادل متجتازا باقي الطاولات يقصد

طاولتهما تحديدا وما أن وقف عندهما قال للجالس مقابلا له ومبتسما

" مرحبا سيد وقاص "

أومأ له مبتسما فقال ذاك من فوره

" الأطباق البحرية كالعادة ؟"

قال من فوره

" أجل ولا تنسى التعليمات المعتادة "

قال مبتسما

" بالتأكيد سيدي فالشيف مارتن ما أن يذكر اسمك يختار أطباقك

بنفسه ويعدها أولا "

وتابع ينقل نظره بينهما

" هل سيكون الطبق الرئيسي من اختياره كالعادة أم لديكما

طلبات محددة من القائمة ؟"

نظر للجالسة أمامه ملتهية بتغيير ترتيب مجموعة السكاكين

والملاعق الفضية اللآمعة والموضوعة فوق منديل مطرز فخم

ومميز وبطريقة أنيقة وملفتة للنظر ، هو يعلم أن هذه الأجواء

لن تستهويها أبدا وهي من عاشت حياتها منزوية ومعزولة

عن الناس وعن مظاهر الحياة ورغم ذلك لم يستغرب أن لا

تتصرف كشخص يدخل لعالم غريب عنه فخم ومميز لأول مرة

في حياته بل كانت وكأنها تزوره كل يوم ليس لأنها اعتادت هذا

بل لأنها بالفعل مختلفة في كل شيء تعلم كيف تتصرف كامرأة

نبيلة ثرية متى أرادت وهذا ما توقعه أيضا وأصاب فيه بالنسبة

لشرائها لما تحتاجه من ذاك الشارع الذي لا يرتاده سوى الأثرياء

فلم تأخذ وقتا طويلا لتبحث عما يناسب ذوقها وما عاشت وتربت

عليه ولم تشتري أكثر مما تحتاجه للحفل رغم تركه لحسابه مفتوحا

لها ، عاد بنظره للواقف قربهما وقال

" فليكن طبق سمك فالبعض لا يفضل جميع المأكولات البحرية "

أومأ برأسه مبتسما وغادر فورا وعاد هو بنظره للتي قالت

ونظرها لازال على طبقها الفارغ وملحقاته

" بشأن الميدالية الذهبية التي اشتريتها لساندرين فأ...."

قاطعها قبل أن تنهي حديثها

" أنا لم ولن أسألك عن هذا يا زيزفون وحين تركت بطاقتي لديك

أخبرتك أنك تستطيعين التصرف فيها كيف تشائين "

نقلت نظرها جهة الإطلالة الزجاجية للمطعم تراقب معالم المدينة

ولم تعلق ، لو أنها من طلبها أو لمح لذلك ما اشتريتها لها ،

لقد كان واضحا ذلك على نظراتها وسألت البائع عن ثمنها

وكانت تحصي ما لديها دون أن ينتبه أحد ومن ملامحها المحبطة

كان واضحا أنها كالحلم بعيد المنال بالنسبة لها لذلك أرادت

تحقيقه لها وإن لم يكن من مالها فالذنب ذنبه وليس ذنبها هي ،

تابع مبتسما حين لم تعلق

" ثم هي تستحق ذلك فهي صديقة طفولة بالنسبة لعائلتنا ، لابد

وأنك استمتعت برفقتها فهي فتاة مرحلة بمزاج جيد طوال

الوقت تقريبا "

نظرت له وقالت

" بل صريحة وواضحة لا تعرف منافقة أحد وليست تهتم لرأي

الناس بأرائها فيهم "

وتابعت وقد عادت بنظرها للأسفل

" حتى أنها تدم شقيقك المفضل أمامك دون أن تهتم "

قال مبتسما يراقب ملامحها وجفناها المسدلان للأسفل وذاك الشعر

الحريري المتدلي بانثنائة مميزة على كتفيها كستائر فاخرة

" هي ورواح كالزيت والماء دائما ومنذ طفولتهما ولست ألومها

فذاك المزعج السبب رغم أن مشاعره نحوها لا تشبه مشاعرها

أبدا فبعض الرجال قد يتخذ أساليب غريبة بل ورهيبة ليعبر عن

مشاعره للطرف الآخر "

رفعت نظرها له وقالت

" تعني أنه يحبها ؟ "

حرك كتفيه وقال ونظره يراقب النادل الذي بدأ بوضع أطباق

المقبلات والسلطة أمامهما

" اجزم بذلك رغم أننا لم نتطرق للحديث عن الأمر سابقا فهو

من ورائها لا يتوقف عن ترديد أنها رائعة ومدهشة وشهية "

نقلت نظرها منه للطبق تحتها وتمتمت بضيق

" يبدوا أنك بت تخلط بين الطعام وشقيقك "

اكتفى بضحكة صغيرة ولم يعلق وتجنب إحراجها أكثر فاللوم يقع

على عاتقه وليس يعلم كيف خرجت منه تلك الكلمة ! قال وهو يملأ

طبقه من الأرز الموزع حول سمكة الكافيار المشوية وزينه بقطعة

كبيرة منها

" هذا مطعمي الانجليزي المفضل وستفهمين ذلك ما أن

تتناولي هذا "

ورفع طبقها واضعا طبقه مكانه وبدأ بملئه لنفسه فرفعت

الملعقة وقالت ببرود تحرك الأرز بها

" أتقيد نفسك بالطعام البحري فقط لتكون في مطعم انجليزي

مشهور ؟"

حرك رأسه مبتسما فهذه المرأة تغذي نفسها بإهاناتها له

بالتأكيد لكنها لم تعرفه جيدا على ما يبدوا رغم كل ما علمته

عنه ، قال بليونته المعتادة وهو يضيف لطبقه بعض السلطة

" بل أرتاده وقت اجتماعات العمل وبرفقة أصدقائي في مكتب

المدعي العام أو أحد المحامين فقط وغير ذلك فالمطاعم العربية

هي وجهتي يوميا فأنا لا أغادر لندن وقت الغداء أغلب الأحيان "

وتابع مبتسما وقد رفع نظره لها ومن قبل أن تعلق

" وطبعا جلبتك له وأنتي لست انجليزية لأني أحب هدوئه

وإطلالته الرائعة "

لم تعلق وغرفت بملعقتها وأكلت وما أن بدأت بمضغ ذاك الأرز

مع السمك اكتشفت بأنه مميز بالفعل فلم تتذوق طعاما كهذا من

قبل بكل ذاك النضج والليونة وتناسق المكونات فانسجمت في

الأكل بصمت لا تقاوم الملعقة بعد سابقتها وإن كانت تأكل ببطء

ولباقة وساد الصمت بينهما فكان نظرها ينتقل بين طعامها

وتلك المناظر التي يطل عليها المطعم من كل جانب بينما نظر

الجالس أمامه انحصر عليها لا يستطيع أن يوقف عقله عن

التفكير في خبايا جريمة ماضيها تلك ، حين كانت في العاشرة

كانوا هم هنا لم يسافر أحد منهم لبلادهم أبدا كان عمره حينها

أربعة وعشرون عاما وكان على خط النجاح والشهرة في عمله

كمحام بينما كان جده يعقد أهم صفقة في تاريخ تجارتهم وكانت

مملكتهم في أوج ازدهارها بينما هي أين ؟ في ماض تحول لمأساة

لجرائم متراكمة ولطفلة عانت المرارة حتى أنها دخلت المحاكم

وقضت باقي سنوات حياتها في مصح نفسي .. ماتت جدتها

أمام عينيها ثم والدتها ومحترقة أمامها وما خفي كان أعظم

ويلومونها على حقدها عليهم ؟ ماذا يتوقعون منها وهم عاشوا

متجاهلين وجودها وما عانته وتعانيه بينما من حقها أن تكون

كأي واحد منهم فلم تجد ولا شخصا يوفر لها الحماية والطمأنينة ..

أبسط متطلبات الحياة .

أخرجه رنين هاتفه من بحر أفكاره العميق ذاك فنظر له على

الطاولة أمامه قبل أن يرفعه مجيبا ودخل في حديث مطول مع

أحد وكلاء النيابة العامة في محكمته عن آخر دعوى جزائية

وما أثرت به على سير عملهم وآخر قضية أثارت جدلا واسعا

اليومين الماضيين وشغل نظره بكل شيء عدا الجالسة أمامه

والتي لاحظ أن نظرها واهتمامها بات منصبا عليه وعلى ما يقول

وهذا ما لم تفعله سابقا ولا حتى في مكالماته في طريقهما للندن ،

ما أن أنهى مكالمته تلك أعاد هاتفه مكانه وعاد لتناول الطعام

نصف تركيزه مع التي شغلت نفسها بشرب المشروب ونظرها

قد أصبح شاردا في الفراغ لا يفهم ما تفكر فيه تحديدا لكنه

متيقن من أنه يدور في مربع واحد ( ماضيها وجريمته .. القضاء

والدعاوى الجنائية ) فالقضية التي ناقشاها نهاية المكالمة كانت

تشابه في بعدين منها لقضيتها ( القتل العمد مع توفر الأسباب

وصمت المتهم عن الدفاع عن نفسه ) كانت قضية هزت الرأي

العام كاملا الأسبوع الماضي وليس النيابة العامة فقط خاصة

أن الجاني زوجة رجل سياسي يشغل مقعدا في البرلمان الحاكم

والمجني عليه هو الزوج نفسه .

" أيدافع المحامي عن مذنب فقط من أجل المال والشهرة ؟"

استقام في جلسته ونظر لها فها قد وصل لأعمق نقطة في

بحرها الغامض العميق وحرك سكون عواصفه أخيرا ولن يضيع

هذه الفرصة أبدا لأنها لن تتاح له دائما بل يشك بأن تتاح له

مجددا بسبب تكتمها الشديد عن ذاك الجزء من ماضيها حتى

أمام القضاء ومحامي الدفاع عنها في لجنة المحلفين سابقا فأن

تثق به وإن للحديث حول الأمر من نقاط بعيدة قليلا أمر لن يتكرر

وعليه أن يستغله بذكاء ، قال ونظره لم يفارق عيناها

" تقصدين بوجه عام أم السؤال موجه لي خصيصا يا زيزفون ؟"

غابت بنظرها للشوكة التي حركت بها طبق السلطة بجانبها قائلة

" اعتبره كليهما "

ابتسم وقال فورا

" ثمة محامين وكبار أيضا يترافعون عن مجرمين وهم متأكدين

من إدانتهم ويزجون أبرياء بالمقابل في السجون للدفاع عن رجل

سياسة أو أعمال أو مافيا لكن أنا لا قطعا ولا من أجل أي مبلغ

مهما كان ضخما "

رفعت نظرها له مجددا وقالت

" وإن كان المدان شخص يصعب أن ... ؟ "

غضن جبينه وتصلب ظهره ليس بسبب نظراتها التي ارتفعت

فوق رأسه فور قطعها لحديثها الأهم في حوارهما ذاك بل وبسبب

اليد التي لامست ظهره تلاها ذاك الصوت الأنثوي الرقيق

" وقاص أنت هنا ؟ "


نظر للأعلى حيث تلك العينان الخضراء العشبية والابتسامة

الأنيقة ووقف على طوله مبتسما بتكلف لا يعرف أيضحك أم

يسخر من قدره حين جلب له من قطع طريقه للوصول لماضي

تلك المرأة الدفين !

قال بابتسامة مقتضبة

" مرحبا إيلينا "


ابتسمت تلك من فورها وأراحت يدها على كتفه قبل أن ترفع

جسدها على رؤوس أصابعها وطبعت قبلة صغيرة على خده غير

مبالية بصدوده المعتاد وهو من حذرها سابقا من التمادي في

علاقتهما وتحت أي مسمى كان وبأن ما هو عادي لديهم كقبلة

التحية تلك هو غير ذلك لديه ويرفضه لكنها تجد عذرا في كل

مرة كالصداقة والتعود والنسيان ولم يرى ذلك في غير محله كما

اليوم .


قالت مبتسمة ونظرها معلق في عينيه

" لم أرك من فترة ولا تجيب على اتصالات سوى بتلك المراسلات

المملة بأنك مشغول ... اشتقت لك وقاص "


فرك جبينه بأصابعه خافضا رأسه للأسفل قبل أن ينظر للتي كانت

تنظر لطبقها تحرك الملعقة فيه بعشوائية وتنفس بعمق وقال وقد

عاد بنظره لها

" كنت مشغولا بالفعل الفترة الماضية في مبنى النيابة وبالكاد

أزور المنزل وقت النوم ... ما أخبارك أنتي ؟ "

أمالت رأسها قائلة بابتسامة

" اشتقت لك فقط "

فضل ألا يعلق مجددا لأنه خمن سبب تصرفها ذاك وقال معرفا

إياها بالتي أخذتها أفكارها بعيدا بسبب وجودها معه

" هذه زيزفون ابنة عمي "

نظرت ناحيتها بصدمة هذه المرة عكس الطريقة التي نظرت لها

بها وقت دخولها ورؤيتها معه وقالت وقد عادت بنظرها له

" أهذه ابنة عمك الخرساء ؟! "

تنهد بقوة قائلا

" زيزفون ليست ... "

وقطع حديثه ذاك الصوت الذي رن مرتفعا بسبب ضرب الجالسة
أمامهما لملعقتها على الصحن في إشارة فهمها فورا رغم أنها

كانت لاتزال تشغل نظرها عنه للأسفل ، إن تجاهلها وادعى عدم

الفهم يعلم ما ستكون النتيجة وأي فكرة تلك التي ستأخذها عنه

خاصة بعد حديثها الأخير عن أنها حبيبته ونكرانه لذلك وكأنها

تقول له أثبت ذلك الآن ، قال مشيرا بيده

" تفضلي اجلسي معنا إيلينا "

سحبت الكرسي بجانب كرسيه فورا وجلست فتنهد بقلة حيلة

وجلس أيضا متجنبا النظر للجالسة مقابلة لهما فمهما شرح

وفسر عن حدود علاقته بإيلينا لن يفهمه أحد ، لا ينكر أن ما

تحمله له يعاكس تماما ما يشعر به ناحيتها لكنها فتاة عاشت

طفولة مشتتة ورأت نوعا ما فيه ذاك الشيء الذي سيجمع

شتاتها فأصبحت تحيك حوله أحلاما وردية بالاستقرار والعائلة

والحنان المفقود وكانت صدمتها بزواجه عنيفة اجتازتها بازديادها

تعلقا به ثم وفاة جوش شقيقها المقرب فأصبحت تكتفي وإن بالقليل

كالصداقة الصورية ومشاعر مكبوتة لا تمانع في إخراجها للسطح

غالبا متجاهلة حتى ردود أفعاله الرافضة رغم اقتناعها تماما

بمشاعره نحوها إلا أنها لازالت تردد بأنه ثمة أمل في أن تتغير

نظرته لها .

رفعت يدها معتذرة حين رفع الطبق أمامها ليسكب لها الطعام

فيه ونظراتها كانت مركزة هذه المرة على الجالسة تأكل صلصة

السمك بتأني لا تنظر جهتهما وكأنهما ليسا موجودين تبعد

بيدها الأخرى شعرها الذي انساب متمردا على قوس الشعر

منحن فوقه كي لي يضايقها وهي تأكل أو ينزل على أطباق

الطعام تحتها .

" خرسها دائم أم عرضي وثمة أمل أن تشفى منه ؟ "

نظر لصاحبة السؤال والتي كانت تحدق به قبل أن يعود بنظره

للتي كانت تنظر له أيضا هذه المرة وحركت الملعقة قرب

وجهها تنظر له بتحد فهم مغزاه سريعا فزينت ابتسامة خفيفة

شفتيها وقال ونظره لم يفارقها

" بلى ثمة أمل "

ضربت حينها بقبضتها على الطاولة قائلة بضيق

" لا ليس عربية أخرى يا وقاص "

نظر لها باستهجان فسبقته قائلة بأسى قبل أن يعلق

" أعلم بأن زوجتك في منزل والدها من فترة وكنت متأكدة

من انفصالكما القريب فلن تفعلها وتقتلني مرة أخرى وبعربية

أخرى يا وقاص "

قال بضيق

" إيلينا أنا لم .... "


قاطعته بأسى

" أعلم أنك لم تعدني بشيء لكن قلبي يرفض الاقتناع وأنت

تقتله مرارا وتكرارا من قبيحة غبية لخرساء مريضة وتتجاهلني

وكأني لست موجودة "

قال بضيق من انفلات مشاعرها هذه المرة وعلى غير العادة

" إيلينا تعلمين جيدا بأن زيزفون متزوجة ومن شقيقي أيضا

وأنا متزوج ... "

قاطعته بضيق

" لكنه يضربها ورجل سيء جدا وأعرفك لن تتركها زوجة له

أبدا ، كنت أرى جيدا نظراتك ل...."

" إيليناااا .... "

صرخته بإسمها جعلتها تصمت رغم بحر الدموع الذي طفا فوق

مقلتيها الخضراء بل وجعلت الرؤوس حولهم تلتفت جهتهم

بفضول فدفعت زيزفون كرسيها ووقفت ونظرت لها مباشرة

فمرر الجالس أمامها أصابعه في شعره متنهدا بعجز فهو

يعرف جيدا هذه القطة البرية ويعلم ما تعنيه نظرتها تلك وما

ستكون تبعاتها ولم تخنه توقعاته أبدا وقد أهدتها تلك الابتسامة

الساخرة بل والقاتلة وقالت

" قال لك بأنه متزوج وأنك خارج مخططاته إن كان البديل

أنا أو أي امرأة أخرى فهي ليست أنت بالتأكيد ... ألا كرامة لديك ؟ "

وتابعت دون اكتراث لنظراتها المصدومة

" ثم الخرساء المريضة لا تهتم لأمر حبيبك هذا ولا شقيقه فابحثي

عن غيري تلصقي فشلك العاطفي به "

أنهت عبارتها تلك وغادرت فوقف وقاص فورا وتبعها مسرعا

ينادي باسمها تاركا تلك النظرات الفضولية تنحصر جهة

الجالسة مكانها ودموعها قد وجدت سبيلها فوق وجنتيها

فصرخت تفرغ غضبها في المجهول

" انظروا لأطباقكم "

وأخفت وجهها في يديها مجهشة بالبكاء ولم تشعر ولا بالذي

جلس مكان من غادر منذ قليل حتى أحاطها بذراعيه فنامت في

حضنه باكية .. من نسيت تماما أنها كانت برفقته منذ قليل وأنها

تركته ينتظرها عند تلك الطاولة وحيدا .

قبل رأسها وقال يضمها لحضنه أكثر

" إيلينا عليك إخراج ذاك الرجل من قلبك فها هو أمامك الآن

غادر خلف تلك الفتاة وتركك رغم أنها من أهانتك وأمام الجميع ،

لو كان يحبك لبقي ليعتذر منك على الأقل ولو كان الموقف

معاكسا لبقي معها هي وتركك تغادرين وحدك بالتأكيد "

ابتعدت عن حضنه بعنف صارخة في وجهه

" أنت لا شأن لك في هذا أتفهم ؟"

ثم وقفت وغادرت المكان بخطوات غاضبة بعدما مرت بحقيبتها

عند طاولتهم السابقة .


*
*
*


جولتا likes this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 16-01-18, 01:08 AM   #6290

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,433
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




أشار بإصبعه على الورقة الكبيرة المفرودة على الطاولة

بينهما وقال

" من هنا مد خط الأنابيب سيكون مستحيلا ، ستتعرض للأضرار

المستمرة بسبب حركة السيارت وإن حفر لها عميقا بعض الشيء

فكثر يتجاهلون هذه النقطة خاصة أن الطريق ليس معبدا وهو

زراعي رخو أغلب أيام السنة بسبب الأمطار القوية ومثلما

جرفت المياه الطريق الشمالي سابقا فقد تفعلها هنا أيضا

خاصة مع عبث البعض بخط سيرها الطبيعي وقت نزول الأمطار

ليستفيدوا من ري الأراضي في خط عبورها "

وتابع وقد حرك إصبعه للجهة الأخرى

" هنا خط أنابيب الدولة الرئيسي وقطعه والامداد منه كما يفعل

الكثيرين معناه مخالفة محتجزة لوقت لا أراه سيكون بعيدا ولن

يغفل ابن شاهين عن مشاكل الجنوب طويلا فهو ذاته لن يتغير

فتجنبها سيجنبكم مساءلات قانونية أنتم في غنى عنها مستقبلا

وتعويضات للأهالي وغرامات ومشاكل لا حصر لها ، ولست

أنصحكم باتباع فكرة الآبار وسحب المياه الجوفية لأن فعل ذلك

بدون انتظام وإذن مصرح ورسمي وكميات محددة ستكون

جريمة أسوأ من سابقتها "

كتف الجالس مقابلا له ساعديه على الطاولة مستندا بها وقال

ناظرا له

" وكيف سنوفر المياه للمشروع إذا ؟ لست أنكر أن تفكيرك

منطقي وسليم بل وذكي لكنك سددت جميع السبل أمامنا هكذا "

سحب ورقته وقال وهو يلفها

" ثمة من يلجأون لتنقية مياه الصرف الصحي كبدائل ومن ثم

استخدامها في الري لكنه أمر مكلف إن لم تكن الدولة داعما

له فخسائركم ستكون أكبر من أرباح المشروع خاصة مع الحاجة

الدائمة لصيانة المصافي والمضخات "

وتابع وقد وضعها جانبا

" ومع مشكلة عدم المساواة في مد أنابيب الري وعدم اتفاق

أهالي هذه البلدان بشأن ذلك وتضرر الأراضي من الأمطار

أكثر من استفادتها منها فالحلول محصورة بل شبه مستحيلة

إلا بفكرة جديدة غير تلك جميعها "

قال باهتمام

" أجل هذا ما كنت متأكد منه أنك لم تلحظ كل هذه الثغر القانونية

إلا ولديك حل للمشكلة وأنا واثق من أفكارك وذكائك "

قال فورا

" ثمة حل سينهض بشركتكم ليس هنا فقط بل وفي جميع أنحاء

البلاد لأنه سيكون حلا ليس لكم وحدكم فقط بل ولجميع أهالي

الجنوب ، سيحتاج فقط لصبر وجهد وتعاون وموسم الأمطار

القادم يكون التطبيق الفعلي للمشروع وأنا على استعداد لشرح

فكرتي والاختراع الذي سيتم به التنفيذ وأنت لك أن تقبل أو

ترفض ذلك "

أومأ ذاك برأسه قائلا

" قل ما لديك وأنا متأكد من أني لن أرفضها إلا إن وقفت قبيلة

غيلوان ضد فكرتك فلا شيء يحدث هنا خارج موافقتهم "

أومأ له بحسنا وبدأ بشرح فكرته والاختراع الذي يأمل أن

تتبناه هذه الشركة فهو اضطر للمبيت هنا ليلة البارحة ليلتقي

بمديرها لأنه لم يكن موجودا يوم أمس وقد لا يجد فرصة أخرى

مواتية كهذه لأنه لا يزورها إلا أياما معدودة في الشهر تاركا

إدارتها لنائبه وكان يريد التحدث معه مباشرة ليس أن ينقل

له ذاك الرجل أفكاره فذاك لن يجدي .

وقفا كليهما ما أن انتهى وصافحه شاكرا له وممتنا لله أن رآى

نظرات الرضا في عينيه وهو يخبره بأن يقدم له تقريرا

بفكرته كاملة بعد دراسة للمكان مع المهندس الجيلوجي للشركة ،

وما طمأنه أيضا بأنه قال بأن اسمه سيوثق في كل خطوة

يقومون بها وإن نجح اختراعه يضمن بذلك بأنه سيحمل

اسمه وللأبد .

خرج بعدها من مبنى الشركة ووقف أمام سيارته الحوض التي

اشتراها من هنا ويتركها حيث المنزل الذي استأجره كلما غادر

ونظر لمبنى تلك الشركة الذي يأخذ سقفها شكلا منحنيا مائلا

وهي أشهر شركة زراعية في جنوب البلاد وفرصة عمله فيها

لا تعوض وما كان يستطيع تضييعها فلن يساعده والد أبان في

هذا كل مرة فوحدهم من يمكنهم تبني اختراعه بل وتحقيقه

أو سيبقى حلما منسيا كباقي أحلامه .

رفع نظره عاليا للسماء تتبع نظراته هدير الطائرة المدنية التي

وصله صوتها بعدها وابتسم بألم فكأنها مرت من هنا والآن

تحديدا لتذكره بواقعه الأليم ، ما كان لأمثاله أن يحلموا بما لا

يمكنهم أن ينالوه يوما فحتى إن لم يعترض والده ما كان

ليستطيع تحمل تكاليف كلية الطيران فهذا بالنسبة له كحلم

الدجاجة بالطيران ، لكن من هذا الذي يمكنه التحكم في أحلامه

وطموحاته ... لو تركه والده فقط يحاول تحقيقه كان سيحرث

الأرض ليخرج بالمال وينهي دراسته بدلا من أن يضيع ذكائه

ومستقبله في دراسة الهندسة الزراعية كما اختار هو له أحب

أم كره ذلك وكأنه يملك نصف أراضي البلاد ليجبره على دراستها !
فكل ما فعله حين تخرج أن قال له ( أرضنا تنتظرك إذا )

وهل كانت تلك الأرض تحتاج لدراسة الهندسة الزاعية !!

تنهد مستغفرا الله وفتح باب سيارته وركبها وغادر فلا أحد

يعلم الخير والشر في الأمر إلا الله وعساه يكون خيرا له ،

المهم الآن أن يستقر هنا فلن يسمحوا له بالعمل دائما ليومين

في الأسبوع فالمهلة التي أعطوه إياها تكاد تنقضي ولا يمكنه

ترك يمامة حتى يضمن أنها وصلت لمنزل زوجها فمن يعلم الغيب

وما خفي فيه .

شقت سيارته الطريق الترابي وسط حقول الشعير التي كانت

كبساط أخضر متموج تحت أشعة شمس الصباح الباكر فمن كان

يتوقع أن يعيش يوما في جنوب الحالك وهو من الهازان !

هل درس الهندسة الزراعية فقط ليحمله قدره إلى هنا ؟

ترى ما تخفي له تلك البلدة التي لم يفكر في زيارتها يوما ؟

خفف سرعة سيارته ينظر باستغراب لتجمع بعض العمال والصراخ

المريب عند طرف أحد الحقول فأوقف السيارة ونزل منها وركض

جهتهم وما أن وصل عندهم وقف ينظر بصدمة للشاب الذي كان

يفترش الأرض وساقه تنزف وأحدهم يمسك له الجرح بعمامته

بقوة وهو يصرخ متألما فقال

" ما به ؟"

التفت له الجالس قربه وقال رافعا رأسه له

" جرحته آلة التسطير "

قال بصدمة

" ولما هو هنا ؟ علينا أخذه للمستشفى حالا "

قال أحدهم

" ذهب شانجو لإبلاغ أصحاب الأرض وليجلبوا من يأخذه

لمستشفى القرية "

أشار بيده قائلا بضيق

" وتنتظرونه حتى يذهب ويجلب أحدهم ؟ وأين يكون أصحاب

الأرض هؤلاء ؟"

قال الآخر بامتعاض

" في الطرف الآخر من البلدة حيث مزارعهم المثمرة "

صرخ فيه بصدمة

" وذهب لهم على قدميه ؟"

نظروا لبعضهم ولم يعلق أحد منهم فأشار للمرمي على الأرض وقال

" وتتركوه هنا حتى متى ؟ "

لم يعلق أي منهم أيضا فقال

" هيا علينا نقله للسيارة سآخذه للمستشفى "

وقف الجالس عند رأسه وقال

" لا نستطيع "

نقل نظره بينهم وقال باستغراب

" كيف لا تستطيعون أتتركونه يموت هكذا ؟ "

قال أحدهم بقلة حيلة

" مالكي الأراضي لا يسمحون بذلك وسيأتي أحدهم لأخذه فهم

يمرون هنا من وقت لآخر وإن وصل لهم شانجو قبل ذلك

سيرسلون معه سيارة "

صرخ فيه بحدة

" والتي معي سيارة أيضا فقد لا يصل الذي تتحدثون عنه ،

وإن وصل سيكون بعد أكثر من ساعتين ، أي عبودية واستبداد

هذا الذي ترضون به ؟ بأي حق يهملون حقوقكم هكذا؟"

قال أحدهم بقلة حيلة
" هذه إحدى أراضي شعيب غيلوان وأشقائه وهم لن يعجبهم

أبدا أن نخالف أومرهم ولن يعطوا المال لأي منا هذا الشهر إن ... "

قاطعه بضيق

" من أجل حفنة نقود تسلمونهم أعناقكم بل وتتخلون عن بعضكم !

هيا احملوه للسيارة أنا من سيأخذه بنفسي وليفعلوا ما يحلوا لهم "

حملوه ووضعوه معه في السيارة وغادر به من هناك وحيدا فلن

يرضى أي منهم بزج نفسه في العقاب كما يسمونه ، بأي حق

يعاملوهم هكذا فقط لأنهم عمال لديهم ؟ أمازلنا نفكر ونتصرف

بعنصرية وكأننا لم نجتز عصور الجاهلية والأسود عبد للأبيض

وخادم لديه ! ما ذنبهم إن قادتهم الحاجة لمغادرة بلدانهم وأهلهم

للعمل لدى من هم ليسوا أفضل منهم في شيء فالأرزاق رب العباد

كما يعطيها يأخذها والسيد يجعله عبدا بين ليلة وضحاها .

كان ينظر له كل حين وهو يئن من الألم ممسكا فخذ ساقه

المصابة ويحاول أن يسرع قدر استطاعته فهو لا يعلم منذ

متى اصيب وكم نزف من دماء وقد يغمى عليه في أي وقت

ويبدوا جرحه بليغا وهذا هو المتوقع من تلك الآلآت الزراعية .

وصل مستشفى البلدة الذي لا يقل عن باقي مبانيها المتواضعة

غير أنه وضع أساسات المستشفى الجديد حديثا بعث الأمل في

قلوب ساكنيها بتحسن وضعها الصحي كي لا يضطروا لنقل

مرضاهم دائما لمدن أخرى أقرب لهم وأكثر كثافة وتعداد سكاني

فأصحاب الأراضي هنا لا يمكنهم تركها والعيش في المدن

وكان على الدولة أن لا تهمل حاجياتهم الأساسية هكذا فحتى

المدارس تقتصر على المراحل الابتدائية فقط وهذا ما يتم معالجته

حديثا أيضا ببناء مدرسة كبيرة وحديثة وجلب الأطباء والمعلمين

وهو ما يرى مطر شاهين عازما عليه بل وبدأ بتنفيذه أيضا فقد

أعطى أمرا ببناء مئة مستشفى ومئتي مدرسة في المدن الريفية

في البلاد والمشاريع يجب إتمامها قبل نهاية العام وها هو العمل

عليها على قدم وساق وكان من الرائع أن يلتفت لاحتياجات هذه

المناطق للصحة والتعليم وبسرعة هكذا ، ولازالت الناس تأمل بأن

تحل باقي مشاكلهم العالقة ويراه يبدأ بالأهم فالأهم فكم من نساء

هنا تموت هي أو مولودها أو كلاهما معا بسبب التأخر في

إيصالها لمناطق بعيدة بسبب المسافة أو وعورة الطريق

خاصة في وقت الأمطار الغزيرة وكذلك الأطفال المصابين

بالحمى ولدغات الأفاعي والحوادث الخطرة والجلطات الدماغية

وغيرها الكثير يموت الناس هنا طوال العام بسببها ويصابون

بعاهات مستديمة لأنه لا يتوفر لديهم مستشفى مجهز تجهيزا

كاملا وكوادر طبية مختصة ، وكذلك بالنسبة للمدارس فالجهل

متفشي في هذه المناطق لرفض الكثير من الأباء إرسال أبنائهم

أو الانتقال خارجها لاجتياز مراحل ما بعد الابتدائية وخاصة

الفتيات ، وحسب ما سمعه سيكون التعليم هنا إلزاميا يحاسب

عليه القانون وسيتم مراقبة دراسة الأطفال من خلال ملفاتهم في

الدولة أي لا أحد يستطيع إخفاء أحد أبنائه أو حتى إجباره على

عدم الدراسة ، وبما أن أبان من قال هذا فهو ليس محض

شائعات وكم تمنى لو يلتقي بذاك الرجل مطر شاهين ليقبل

رأسه على صنيعه هذا بل ليته فعلها قبل أعوام لما كانت شقيقته

حرمت من دراستها وبقيت حسرة في قلبه حتى يموت ، ولن

يستغرب هذا منه فحسب ما تحدث عنه أبان في آخر لقاء لهما

بأن والدته توفيت وهي تنجبه ولم يستطيعوا إنقاذها بسبب الأمطار

والصحة المتدنية أيام الحرب الأهلية في البلاد ولم يتركه والده

يذهب للمدرسة رغم مقدرته وقتها على ذلك ووجودها فهو

عانى مما يعاني منه الكثيرين هنا ويعلم معنى احتياجهم لكل

هذا ولم يهمله أبدا حين اعتلى عرش السلطة وترفع عن مشاكل

من هم أقل منه ، وحتى الثنانين المهملين المهمشين في أي بلاد

يكونون فيها رفع حقوقهم لمستوى باقي أبناء البلاد من قبل أن

يغادرها ، وحربه الشرسة الآن ضد القانون ذاته واقفا في صف

من لم تنصفهم القوانين الوضعية السابقة أبدا وأصحاب الحقوق

المهدورة وعلى رأسهم اللقطاء والأيتام وضحايا العنف الأسري

والزواج القسري والتحرش الجنسي فالعظيم يبقى عظيما

والشريف يبقى شريفا لا يغيره جاه ولا مال .

وآخر مفاجأاته كانت قوانينه الجديدة فيما يخص سن زواج الفتيات

وهو يلغي قانون تحديد سن الزواج وضاربا بيد من حديد في ذات

الوقت كل من تسول له نفسه استغلال تلك النقطة فكل من تتزوج

تحت سن السابعة عشرة القانون من يحدد مهرها ويسلم لها

قانونيا وكذلك مؤخرها وحدد لها نفقة خاصة حال طلاقها

أو ترملها وتعويضا ماليا خياليا لمن تطلق منهن إن بطلب منها

أو من الزوج وطلاقها لا يتم إلا بجلسات محاكمة لإتباث حقها

أو إسقاطه ، ونفقتها لا تسقط حال الطلاق وأبنائها نفقتهم تحدد

حسب راتب الزوج وليس بالمتعارف عليه في المحاكم وحضانة

أبنائها من حقها كما أن قضاياهم تتكفل البلاد بنصف أتعابها أي

أنه كل من يفكر في أن يتزوج قاصرا سيكون عليه التفكير ألف

مرة في عواقب فشل زواجه ذاك وتحت أي سبب كان .

وصلا المستشفى ونزل وحده وركض للداخل وما أن اجتاز بابه

الحديدي قال لأول ممرضة قابلته

" ثمة عامل مصاب في سيارتي أريد من يساعدني في نقله "

تحركت من فورها مسرعة وقالت راكضة في الممر

" اركن سيارتك قرب الباب هنا "

فخرج مسرعا وقربها أكثر فهي لم تكن بعيدة أساسا وما أن

نزل منها خرجت ممرضتان بكرسي متحرك وهذا ما توقعه

شح الإمكانيات في هذا المكان فكيف سيستقبلون حالات الحوادث

الخطرة والمميتة ؟ ساعدهما في وضعه على الكرسي وأدخلتاه

وهو يتبعهم ووقف في الممر فعليه إعادته من حيث أحضره بعد

أن يخيطوا له الجرح كي لا يعاقب من أسياده أولئك طبعا ...

قبائل غيلوان والمدعو شعيب عبد المجيد غيلوان تحديدا

وعائلته بات لا يسمع ويعلم عنهم إلا السيء والأسوأ وكم

يخشى من فكرة تأجيره ضمن أراضيهم لكنه يثق في أبان

وفي ثقته في صديقه أويس ذاك وبلسانه قال له

( لا تقارن أي فرد في تلك القبيلة أو العائلة به فهو رجل

شريف تأذى منهم كل الأذى فلن يكون شبيها بهم أبدا )

أخرجه من أفكاره دخول ثلاث ممرضات للغرفة التي أدخلوه

لها وجلس هو في الخارج ينظر لساعته كل حين فهو أيضا

لا يريد التأخر في العودة لمنزلهم وما يطمئنه أن والده في

هذا اليوم من كل أسبوع يخرج من قبل أذان الفجر لسوق

الخضروات الرئيسي في غرير ولا يرجع حتى أذان العصر

وسيكون وصل قبله إن لم يعطلوه هنا كثيرا فلن يلحظ غيابه

لا البارحة ولا اليوم وزوجته ستظنه كان معه .

بعد لحظات من جلوسه بدأت الممرضات بالخروج تباعا من تلك

الغرفة وبدأ البحث عن واحدة اسمها فجر وقد بات اسمها يتردد

على طول ذاك الممر بل وتم استقبالها من باب المستشفى

ونظراته تتبع حركتهم وقد عادوا لتلك الغرفة مجددا فيبدوا بأن

جرح ذاك الرجل بليغ وثمة تمزق في الأوردة وحالته لا يقدر

عليها أحد غير تلك الممرضة .



*
*
*

وقف على طوله ما أن خرجت التي دخلت خصيصا لتخيط جرحه

فهو جالس هنا ينتظر من ساعتين تقريبا ، قال قبل أن تغادر

التي يبدوا لم تنتبه أساسا لوجوده أو لم تهتم

" عذرا يا آنسة "

وقفت والتفتت له وتنقلت نظراتها في ملامحه فورا من عيناه

الرماديتان بلون الفضة النقية وبياض بشرته الذي كان عكس

قبائلهم بياض تشوبه حمرة خفيفة ومميزة وصولا لشعره المائل

للكستنائي ، هذا ليس من الجنوب ! ابتسمت ابتسامة واسعة

جعلته ينظر لها باستغراب وليس يعلم بأنها أدخلته حاليا

لحاسوب عقلها ويتم فحصه والتأكد من باقي بياناته فلم تهتم

بوجوده سابقا وظنت بأنه أحد مالكي الأراضي أحضره إلى هنا ،

قالت سريعا

" أنت جلبته ؟"

أومأ برأسه بنعم وقال

" كيف هي حالته ؟ هل يمكنني إعادته لمكان عمله ؟"

حركت رأسها برفض قائلة

" مستحيل فجرحه بليغ ولولا إحضارك له سريعا لكان سيفقد

ساقه ولا يمكنه الحركة قبل ست ساعات ثم نقله لمكان يرتاح فيه

ولا يتحرك حتى يلتئم الجرح نسبيا "

وتابعت قبل أن يعلق

" أنت لست من هنا أليس كذلك ؟ "

قال مومئا برأسه

" نعم وعليا إعادته من حيث جئت به قبل أن يتسبب له مالك

الحقل بمشكلة "

رفعت كتفيها قائلة

" أنت من قد يصبح في مشكلة فما فهمته منه أنه يعلم في

أراضي عائلة غيلوان "

قال بضيق

" وما الذي كنت لأفعله مثلا أتركه ينزف حتى يموت هناك ؟

فليفعلوا ما يحلوا لهم وإن قتلوني فعلى الأقل أموت مرتاح الضمير ..

ما هذ الاجحاف هل هم عبيد لديهم ؟"

سرت أساريرها وقالت بسعادة

" وجدتك أخيرا "

نظر لها باستغراب فقالت مبتسمة ببلاهة تدس يدها في جيب

معطفها وقد أخرجت منه ذاك الشيء الحديدي اللامع

" وجدت المشرط الذي كنت أبحث عنه منذ وقت وحمدا لله في

الوقت المناسب تماما بل وبدل الضائع "

كانت نظراته المستغربة تزداد حيرة وشعر للحظة بأنها مجنونة

لا محالة ، لوحت بيدها قائلة

" بما أنه وصل هنا فيستحيل إخراجه ثم أنت في مشكلة في

جميع الأحوال إن أعدته أو تركته لذلك سيكون بقائه أفضل له

وواجه أنت قدرك "

قال بضيق مغادرا من هناك

" فليفعلوا ما يحلوا لهم ، ما كل هذا الاضطهاد والجهل ؟"

راقبته نظراتها المتفاجئة وهو يبتعد حتى خرج من باب المشفى

ثم ضمت يديها لصدرها قائلة بسعادة

" هذا هو منقذك يا مايرين سقط علينا من السماء أخيرا "


*
*
*

فتحت باب المنزل ببطء مطمئنة بأن سيارة أويس ليست في

الخارج رغم أنها تخشى قدومه في أي لحظة فهي تدخل هنا

لوالدته من دون علمه كما أنها تأتي من دون علم والدتها

وأشقائها ، فقط شقيقتها فيحاء من تعلم بمجيئها لها كما لم

تخبرها بأن أويس لا يعلم كي لا تمنعها من المجيء .

دفعت باب الغرفة ونظرت داخلها وابتسمت بحزن ما أن وقع

نظرها على النائمة على فراش أرضي بدون حتى غطاء مسبحتها

لازالت في يدها وسجادة الصلاة مفرودة قربها فاقتربت منها وسحبت

اللحاف الملقى تحت قدميها على جسدها وقبلت رأسها وجلست عنده

تنظر لها بحزن ، هذه ليست عمتها فقط بل ووالدتها التي أرضعتها

صغيرة مع ابنها الذي بات ينكر حتى الحليب الذي رضعاه سويا ...

ومن يستطيع لومه في ذلك ؟


في صغرها رفضت حليب والدتها بينما فيحاء قبلته فأرضعتها

عمتها الوحيدة كي لا تموت جوعا ، ابتسمت ما أن تذكرت في

طفولتهم حين كانت تمازحها قائلة

( يالك من شقيقة رجال فما قبلت حليبي إلا لأنه بمشاركة مولود ذكر )

مسحت على شعرها الذي بالكاد ظهرت فيه شعرات بيضاء رغم

أنها في الخامسة والخمسين من عمرها تنظر بعينان دامعة

لملامحها المسترخية وجفناها المحمران من تأثير العلاج أو

ليست تعلم قد يكون البكاء وكأنها لم تبكي كل تلك الأعوام

حتى فقدت بصرها ، كم يتقطع قلبها ألما عليها فإن كان

أشقائها لم يرحموها فمن كان سيرحمها ؟ حمدت الله أن كان

لها ابنا بارا كأويس حتى بقائه هنا وفي منزلهم وأرضهم

من أجلها فقط بل ويحرم نفسه حتى من أن يضع سريرا أو

كرسيا في المنزل كي لا تتأذى أثناء حركتها فيه خاصة إن

كان خارجا ، بل حتى أرضهم حول المنزل هو من يعمل فيها

بيديه نزولا فقط عند رغبتها لأن والده حين كان طفلا كان يقول

لها ويده الصغيرة تمسك بسبابته

( هذا هو الذي سيحمل أرضي بعدي ويزرعها ويحرثها )

من بكت على فراقه حتى فقدت نور عينيها .

مسحت دموعها بقوة ووقفت وتأكدت أولا من أن ابريق الماء

ليس فارغا ثم غادرت الغرفة وتوجهت جهة المطبخ ووجدت

كوب الحليب الذي تركته لها البارحة فارغا وصحن التمر أيضا

أي أنها تناولت فطورها ، خرجت بعدها من المنزل فلا يمكنها

البقاء أكثر من ذلك بما أنها نائمة .


*
*
*

جولتا likes this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:23 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.