شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   قـلـوب رومـانـسـيـة زائــرة (https://www.rewity.com/forum/f258/)
-   -   حارة جهنم - رواية شرقية زائرة -للكاتبة الرائعة :داليا الكومي *كاملة & الروابط* (https://www.rewity.com/forum/t383519.html)

قلوب أحلام 12-07-17 12:47 PM

حارة جهنم - رواية شرقية زائرة -للكاتبة الرائعة :داليا الكومي *كاملة & الروابط*
 
https://upload.rewity.com/uploads/1499940627191.gif





اعضاء روايتي الرائعين
اليوم معكم برواية
لكاتبة كلماتها تقطر جمالا وتبهرنا بمنطقها
وسردها المميز المشوق
انها داليا الكومي وحارة جهنم
https://upload.rewity.com/uploads/149994062722.gif


مع الغلاف بيد ريشة مميزة كبرياء عنيدة

https://upload.rewity.com/uploads/14998548824810.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/1499940627223.gif

https://upload.rewity.com/uploads/1499859935791.jpg

إهداء الرواية

https://upload.rewity.com/uploads/1499860236081.jpg


https://upload.rewity.com/uploads/1499940627244.gif



الفصول متتابعة بداية من المشاركة التالية


https://upload.rewity.com/uploads/1499940627275.gif

روابط التحميل ككتاب إليكتروني
على مركز الميديافاير
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
على مركز الفورشيرد
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

https://upload.rewity.com/uploads/1499940627296.gif


قراءة ممتعة للجميع

أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه

https://upload.rewity.com/uploads/1499940627317.gif



Just Faith 12-07-17 01:21 PM




تحت ستارٍ من ظلام الليل أخذت تتلفَّت حولها بانتباه .. خوفها العنيف يهزُّها بقسوة .. أقل حركة خلفها تجعلها تنتفض بعنف، دعواتها الصامتة تتوالى باستمرار .. قلبها الضعيف يخفق كقرع الطبول، فمازال طريقها طويلًا والظلام يُلقي الرعب في قلبها المسكين .. تعثَّرت في الأحجار الكثيرة التي كانت تغطي الطريق المظلم وغير الممهد الذي سلكته رُغمًا عنها وجرحت قدمها الرقيقة بدون رحمة، لكنها نهضت وأكملت طريقها بإصرار .. "منذ متى كان لديها الخيار؟؟". وجهتها هي "غرزة حنفي" كما يُسميها مرتادوها .. اختار حنفي لغرزته بقعةً معزولةً في منطقة مسجلي الخطر، ويحيط بها الخراب والظلام من كل جانب .. المكان أشبه بالخرابة التي يسكنها شياطين الإنس وشياطين الجان فالطريق إليها مهجورة كليًّا وعلى جانبيها أبنية مُتهدِّمة وكان لعنةً ما أصابت تلك المنطقة وتركتها حطامًا ..

تلك الغرزة المقيتة يجتمع عندها طالبي المزاج والمتعة الحرام، ومن بينهم والدها " فرج " .. عم فرج السَّباك .. أشهر زبائن الغُرزة، وواحد من الوجوه الدائمة فيها، على الرغم من سنوات عمره الخمسين، وأبنائه الأربعة.

الرحلة اليومية للغرزة هي جزء من روتينه اليومي، واليوم ذهب أيضًا على الرغم من توسلاتها الحزينة ..
فهي توسلت له كثيرًا كي لا يذهب اليوم قبل الاطمئنان على والدتها المُلقاة أرضًا بعد سيل من اللكمات الغاضبة أصابت وجهها .. فكان نصيبها صفعة قوية ألقتها أرضًا هي الأخرى لتلحق بوالدتها ولتمتزج دموعهما بتراب الأرض ..
وعلى الرغم من ألمها الشديد نهضت بصعوبة وقالت بخوف:

- أبي أرجوك ابقَ فقط حتى تفيق أمي .. لا أدري ماذا أصابها، فهي لا تستطيع التحدث؟

على الرغم من رجائها الملتاع والذي كان أحرى بأن يلين قلبه .. نظر إليها بسخرية، وخرج إلى وجهته المشؤومة كعادته وكأنه لم يفعل أي شيء
بعد مغادرته ..

اتجهت مجددًا تحاول إيقاظ "عواطف" والدتها المسكينة

والملقاة على الأرض والدماء تغطي وجهها وتذهب الباقي من ملامحها التي سبق وأجهز عليها زوجها من قبل ..


المشهد المعتاد يُكرَّر يوميًّا حتى بات من الطبيعي أن تراه ولكن الجديد اليوم كان إغماء والدتها .. كانت تقع أرضًا كل يوم بعد أن تنال نصيبها من غضب زوجها وضربه المبرح بدون أي سبب، أو بسبب تافه لا يستحق غضبه العنيف الذي يوجهه إليها ..

واليوم السبب في عنفه -الزائد عن الحد- كان طلبها منه أن تكمل ليلى تعليمها الثانوي ..

وترجَّته بيأس أن يلغي فكرة عملها كخادمة في أحد المنازل .. إحساس رهيب بالذنب تملَّكها .. فهي علمت أن والدتها لم تحتمل صدمتها عندما علمت ما خطط له والدها .. ونظراتها ترجت والدتها بيأس .. لكنها كانت تدرك جيِّدًا ما سينالها من عقاب إذا ما تجرأت وعارضتْه.. البطش لديه أسهل من إلقاء السلام ستكون مجرمة إذا ما تركت والدتها تواجه عنفه لمجرد أنها تجرأت وعارضته .. هل إكمالها لتعليمها يستحق أن تغامر وتجعل والدتها تتلقَّى اللكمات والصفعات .. أنها لن تكون بتلك الأنانية وتتركها لتتلقَّى نوبة من نوبات غضب والدها، فقط بسبب أنها تريد إكمال تعليمها .. ولكنها أيضًا كانت تعلم قلب الأم جيدًا وتعلم أنه لن يقبل, فحينما أخبرتْها أنها لا ترغب في إكمال تعليمها، وأنها لا تريد المزيد من المشاكل، وبأنها سوف تقبل بوظيفة الخادمة .. كان ردها يُبكي القلوب، والتي قالت بأسى:

- هو سيضربني على أي حال، فعلى الأقل دَعيه يقوم بضربي لأجل شيء يستحق، وأكملت باستنكار:

- هل تحمَّلت الهوان لسنوات من أجل أن تصبحي خادمة؟!

مُلِئت عيناها بالعزم والإصرار وهي تكمل:

- ستحصلين على شهادة جامعية .. ليلى أنتِ تستحقين أن تكوني طبيبة أو مهندسة، الآن أراكِ أمامي المهندسة الشهيرة ليلى السناري .. ابتسمت بأسى:

- أنني أدعو الله يا ابنتي مع كل صلاة أن يهبك زوجًا صالحًا لا يشبه فرج مطلقًا ..

الأسى تحوَّل إلى تهكُّم قاتل وهي تقول:

- سأدعوه من كل قلبي أن يجعل نصيبك الزواج من ضابط ليردعه، أو ربما ليضعه في السجن للأبد ويريحنا من شره ..
بعد زواج دام لأكثر من خمسة وعشرين عامًا ذاقت عواطف فيهم كل أنواع الأذى البدني والنفسي والعاطفي .. اعتادت على الضرب والإهانة كـ روتين يومي .. تقبَّلت مصيرها بصبر .. فأين ستذهب وتترك أربع أطفال أبرياء، كانوا أيضًا ينالون نصيبهم من العقاب .. عنف فرج غير المبرر ترك ندوبًا لا تُشفى في أرواح أطفاله .. ليلى كانت أصغرهم البنت الوحيدة على ثلاثة من الذكور .. الذين ما إن وصلوا لسن يستطيعون فيه الاعتماد على أنفسهم حتى تركوا المنزل .. أنقذوا أرواحهم وأجسادهم من الأذى ولكن ألمهم الأعظم كان تركهم لها ووالدتهم خلفهم .. شقيقها الأكبر سعد قال لها يوم رحيله:

- سأعود من أجلكم ..

سعد -الشقيق الأكبر- ترك المنزل وسافر للعمل في السعودية كعامل بناء وسبَّاك .. الحسنة الوحيدة لفرج كانت مهارته المطلقة في مهنة السباكة .. في الأوقات القليلة التي كان يستطيع فيها الاستغناء عن الحشيش والشراب كان يُبْدع في عمله وسعد ورث عنه موهبته وإبداعه .. سنتان طويلتان كالجحيم مرَّتا، وسعد لم يفِ بوعده ولم يَعُد .. أخباره كانت شبه معدومة .. اللهم إلا رسالة وحيدة تطمئنهم عليه .. سنتان وهى في انتظار وعد سعد .. ومع ذلك لم تفقد الأمل أبدًا في عودته .. أنه وعدها وسوف يعود من أجلهم.
اقتربت كثيرًا من الغرزة .. تبقَّى فقط أمتار قليلة وتصل لوجهتها التي تخشاها لدرجة الموت ..
حنفي الحشاش اختار بالطبع أكثر بقعة مهجورة في الحارة لغرزته .. فهو مكان لمن يجرؤ فقط ولكن مع ذلك هي كانت مضطرة للذهاب إليها،

مع كل خطوة تقربها من الغرزة كان قلبها يتجمد من الخوف .. أصوات لضحكات خليعة وغناء هابط بدأت تتضح .. أخيرًا ظهرت الغرزة أمام عينيها ..


وبخطوات مترددة متوترة دخلت إليها .. أصوات الضحكات توقفت فور دخولها .. بعضهم راقبها بفضول، وأكثرهم أكلتها عيونهم بشهوانية، فليلى الفتاة الرقيقة الجميلة دخلت وكر الذئاب برغبتها ..
بحثت عيناها بخوف عن والدها .. وأخيرًا وجدته .. كان يجلس مع فتاة ترتدي ثيابًا خليعةً .. فتاة أقل ما يُقال عنها أنها ساقطة؛ نظرًا لطريقة ارتدائها لملابسها أو بالأحرى عدم ارتدائها لملابس تسترها .. وأمامهما كان يوجد أكوام من زجاجات الشراب الفارغة ..
"
بالفعل صدقن" .. كلمات زميلاتها في المدرسة رنَّت في أذنيها مع رؤيتها لمنظر زجاحات الشراب الفارغة .. اعتادت زميلاتها إذلالها على الدوام .. بدون أي سبب على الإطلاق، تبدأ إحداهن باستفزازها قائلة:

-" يا بنت أبو إزازة "..

يا الله كم تكره تلك الجملة.. لطالما كرهتها، فهي تلخص قصة حياتها البائسة في سطر واحد..
استجمعت شجاعتها واتجهت إليه .. نادته بصوت مرتعد ..

- أبي ..
استدار إليها وغضب عنيف يظهر في عينيه وصوته ينبئها أنها سوف تتلقى أبشع أنواع عقابه .. فرج الضخم جدًّا بكرشه المتدلي أمامه وصلعته المميزة التي تحتل منتصف رأسه فقط دون الأطراف، كان على الدوام مخيفًا جدًّا لليلى المسكينة وخصوصًا الآن وهو يرغي ويزبد .. ومع حجمه الضخم ذلك قفز واقفًا بخفة وأمسك معصمها بقوة لدرجة أنها شعرت أنه سوف يتحطم تحت ضغط قوته الغاشمة..

- ماذا تفعلين هنا يا بنت الكلب؟
خوفها العنيف من المكان وخوفها الأعنف من بطش والدها جعلاها أخيرًا تطلق العنان لعبراتها المكتومة .. دموع تحاول أن تكتمها منذ أن اكتشفت أن والدتها في حالة خطيرة ونقلتها إلى المشفى بين الحياة والموت، أجبرت نفسها على التماسك وقالت بنبرة توسل:

- أمي حالتها خطيرة جدًّا ونقلتها إلى المشفى العام بمساعدة الجيران لكنها تحتاج إلى عملية عاجلة ويريدون هناك توقيعك على إقرار بالموافقة على دخولها إلى العمليات، بدون ذلك الإقرار لن يوافقوا على إجراء العملية بسبب درجة خطورتها الكبيرة، هم يريدون إخلاء مسؤوليتهم ..
ذعرٌ شديدٌ احتل ملامحه، وفاجأها بلكمة عنيفة طرحتها أرضًا على الفور وصنعت دائرة زرقاء حول عينها اليسرى .. لكنها تحملت ألم جسدها ونهضت مرة آخرى وهو يصيح بها بقسوة:

- ماذا أخبرتِهم أيتها الفاجرة .. هل تقدمتِ بشكوى

ضدي؟؟
"
تتقدم بشكوى ضده؟!"، بالطبع لن تجرؤ ولن تفعل أبدًا, أجابته وسط دموعها الغزيرة التي أطلقت لها العنان ..

- أبدًا .. أقسم بالله يا أبي لقد أخبرتهم فقط أنها سقطت أرضًا وصدمت رأسها بالجدار .. وأمي في غيبوبة ولا تستطيع التحدث وحتى لو كانت واعية فهي لن تتقدم بشكوى مطلقًا فلو أرادت لكانت تقدمت بها منذ زمن ..

مع جملتها المعذبة صرخ بهستيرية لفتت انتباه الجميع إليه:

- أتمنى أن تموت وتتعفن في الجحيم .. بالطبع لن أوافق على إجراء أي عمليات، أريدها أن تموت، وأنتِ اختفي من وجهي وإلا حطمتُ عظامكِ.


عندما وصلت الأمور لتلك المرحلة قبلت طرده لها بلهفة .. خرجت من الغرزة تجري وكأن شياطين العالم كلها تلاحقها .. ركضت بقوة لم تكن تعرف أنها تملكها .. فهي كانت تريد التخلص من ذلك المكان الموبوء المثير للقرف بأي طريقة ..

لم تتوقف عن الركض حتى وصلت لحارتهم .. "حارة جهنم"


بديلها الثاني، والأصعب كان أن تبحث عن أحد أشقائها حسن أو سالم، فهي لا تعرف لهما عنوانًا .. منذ طردهما من الجحيم كانا يتواصلان مع والدتهما كل يومٍ على هاتفٍ نقالٍ أعطاه لها سالم سرًّا دون معرفة أبيهم خوفًا من بطشه إذا ما علم أنها على اتصال بهما لكن ذلك الهاتف النقال اختفى ..

بعد سقوط والدتها بحثت عنه كثيرًا ولا تدري أين ذهب ..

حسن ترك المنزل وذهب للإقامة مع أحد أصدقائه ولا تعرف عنوان صديقه هذا .. يتبقى سالم .. أخوها الذي يكبرها مباشرة .. الثالث في الترتيب بعد سعد وحسن ..
رابطها الوحيد بسالم هو "قهوة العربجية" التي اعتاد الجلوس عليها كل ليلة بعد أن ينتهي من عمله .. منذ أن ترك سالم المنزل وهو يعمل كنقاش حر ويعمل لحساب نفسه فقط , بعد نجاته من الجحيم لم يكن ليسمح لأحد بأن يكون له سلطة عليه بعد اليوم .. على الرغم من انتمائهم لأبٍ فاسدٍ مثل فرج وظروفِ المنزل القاسية والبيئة الفاسدة التي ترعرعوا فيها إلا أن جينات فرج الخبيثة لم تنتقل لأي من أبنائه .. الأبناء جميعهم ورثوا نقاء عواطف .. حسن ورث ضعفها، أيضًا بالإضافة إلى نقاء قلبها، وهى ورثت جمالها ونقائها .. فهي وبكل المقاييس كانت جميلة جدًّا وجمالها واضح على الرغم من سنوات عمرها الستة عشر .. أما سعد فنال نصيبًا وافرًا من القوة والعزيمة لا تدري من أين حصل عليهما .. حب عواطف الجياشُ علمهم معنى كلمة الحب وحماهم من صبغ قلوبهم بالسواد .. كان تحدٍّ صريحٍ لصمود الحب في وجه القهر, ميراث عواطف الوحيد لأبنائها كان حب الأخوة لبعضهم وترابطهم, ولحسن الحظ كان أكثر من كافٍ.
خطواتها الآن أصبحت متسارعة على عكس خطواتها للغرزة .. على عجل وصلت لقهوة العربجية الشهيرة .. المقهى المتهالك بطاولاته الخشبية القديمة ذات الرائحة المميزة، ومقاعده التي تتحمل وزن الزائرين بصعوبة كانت تشعر فيه بالراحة على عكس قبضة القلب والكآبة التي وجدتهم في الغرزة .. رائحة الشيشة الخالية من المخدرات فقط المعسل الوطني الصنع كانت تتغلغل إلى عقلها .. المكان كله صورة لمقهًى شعبيٍّ مصريٍّ من الدرجة الأولى يرتاده فقط أولاد البلد والعمال الكادحين .. نصبة الشاي وموقد الفحم والعامل البسيط الذي يضع إناء غلي القهوة في الرمال الساخنة ليقدم مشروبًا يعدل المزاج من شدة اتقانه .. تلك الصورٌ جلبت لها الراحة الفورية والطمأنينة ولم تشعر بالغربة أو بالوحدة، كانت وكأنها ترى سالم يجلس بينهم، فالمكان لوحة زيتية تجسد رجولة أبناء البلد أشباه أشقائها وتختلط رائحة العرق النظيف برائحة القهوة والشاي .. لكن لسوء حظها لم تجد سالمًا هناك كما كانت تتمنى .. وباستحياء سألت عنه بعض الجالسين .. فأجابوها باهتمام حقيقي .. "سيأتي قريبًا" .
الإشفاق على وضعها المتوتر كان جليًّا على ملامح رجل كبيراستنتجت أنه صاحب المقهى لأنهم كانوا ينادونه بالمعلم ..

ووافقت فورًا عندما عرض عليها الجلوس وانتظار أخيها .. فأرجلها لم تعد تستطيع حملها بعد الآن.
-
يا ولد!! ضع مقعدًا نظيفًا وطاولة للآنسة بجوار الجدار ثم أحضر لها العصير ..

هزَّت رأسها بامتنان وقالت:

- شكرًا .. لا أريد أن أشرب أي شيء .. فقط كوب من الماء.

ردد باستنكار:

- كيف ذلك؟؟ أنتِ ضيفتنا .. ثم أكمل باهتمام أبوي واضح..

- ما الخطب يا ابنتي؟ عيناكِ منتفختان من أثر البكاء والحزن يقطر من ملامحك؟
الدموع غلبتها مرة أخرى واستسلمت لحزنها العميق .. حنان المعلم واهتمامه الواضح أثَّرا فيها، ليتها يومًا شعرت بحنان الأب حتى ولو لدقائق، قالت وهي تبكي بحرقة:

- والدتي في المشفى وحالتها خطرة للغاية وأحتاج إلى أخي سالم فورًا كي يوقع على إقرار دخولها إلى غرفة العمليات لأنها ستجري جراحة خطيرة ويحتاجون إلى موافقة أحد من أسرتها، لم أستطع إيجاد أشقائي فقلت لربما سالم يكون هنا بالصدفة ..
المعلم قال بتفهم:

- سيأتى إن شاء الله , إنه يجلس هنا يوميًّا .. اطمئني

واشربي عصيرك وسأجد أحدًا يعرف رقم هاتفه النقال وسنتصل به إن شاء الله ..

الاهتمام الحقيقي يلمس الروح، شكرته بامتنانٍ نابعٍ من القلب .. كان يقدم لها الحل باهتمامٍ أبويٍّ واضحٍ ..

- شكرًا.

في البداية نظراتُ الحضور لها كانت تحمل الكثير من الاهتمام والرغبة الصادقة في المساعدة ولكن عندما أدركوا أن المعلم تولَّى زمام الأمور انصرفوا إلى ما كانوا يفعلونه .. صوت النرد وهو يرتطم بالصندوق الخشبي جعلها تتمنى أن تشاركهم لعبهم، ولولا حالتها النفسية السيئة لكانت انتشت من وجودها في هذا المكان .. واعتبرتها تجربة مميزة ..
جلست تتأمل الجميع بدون خوف .. كانت تشعر أنها محمية .. ربما ذلك المقهى البلدي العتيق هو أشرف مكان في الحارة كلها؛ لأنه يضم الرجال الحقيقيين وليس أشباه الرجال .. بعد مرور نصف ساعة من الانتظار والدعاء في صمت، لمحت سالم يجري في اتجاهها والرعب ارتسم على ملامحه في أقصى صوره:

- ماذا بها أمي يا ليلى؟

أجابته فورًا:

- إنها ترقد في المشفى .. لديها نزيف في المخ ولا بدَّ وأن تُجري عملية جراحية فورًا وإلا ستموت ..
عيناه غامت بتعابير مخيفة وسألها بغضبٍ عنيفٍ أخافها:

- ماذا حدث بالتحديد؟

حاولت تهدئته فما الفائدة الآن من الكلام!!!

- هذا لا يهم الآن .. فقط وقع الإقرار فالوقت ليس في صالحها.
وهو فهم على الفور، بالتأكيد يعلم من هوالمسؤول عن إصابتها كما توقع منذ البداية .. تاريخه الأسود يجعله المتهم الأول .. غضبه وصل عنان السماء وقال بقسوة:

- أقسم برب العزة أنه سيدفع الثمن .. سننتهي من المهم أولًا ثم سأجعله يدفع الثمن غاليًا .. صدقيني لقد آن الأوان الآن ليسدد فاتورة أفعاله.

*****

- مِن هنا .. السريرالرابع في العنبر بجوار الجدار ..

العنبر الذي تركت والدتها فيه في ذاك المشفى الحكومي كان مكتظًّا عن آخره .. شهقات بكاء مرافقي المريضات الأخريات كانت تعزف سيمفونية بؤس دامية.
سالم فتح باب العنبر بقوة وقلبه يرتجف من الخوف ومن الغضب معًا ..

- أين هي يا ليلى؟؟ السرير فارغ ..
وهي أيضًا تطلعت بدهشة إلى سرير المشفى الخالي .. تساءلت هي الأخرى والرعب يقتلها:

- لقد تركتها هنا .. هل من المعقول أن يكونوا قد أدخولها إلى العمليات بدون إقرار؟

هما بحاجة إلى المساعدة, أشار سالم إلى ممرضة تدوِّن بعض الملاحظات عند محطة التمريض وقال لها بلهفة:

- يوجد ممرضة هناك دعينا نسألها .. من فضلك، المريضة عواطف سليمان .. كانت على السرير رقم أربعة .. هل تعلمين أين هي الآن؟
الممرضة قالت بروتنية:

- توفيت .. البقاء لله.
شهقاتهما ودموعهما اختلطتا .. البقاء لله .. كلمة روتينية بالنسبة للممرضة، والتي اعتبرتها جزءًا من مهام عملها، ربما لأنها اعتادت على قولها للأهل يوميًّا ولكنها كانت خنجرًا مسمومًا مزق قلبيهما، صرخت بانهيار

وصرخاتها تمزق نياط قلب سالم ..

- لقد تأخرنا يا سالم .. توفيت وحيدة بدوننا.
"
وكأنه لا يعلم ما تقوله ليلى".. أخذها في حضنه في حنان غامر .. شعرت بكلماته تقطر حقدًا وغلًا:

- أعدك يا ليلى .. سيدفع الثمن وقريبًا جدًّا.
دموعها تواصلت بلا انقطاع:

- أرجوك يا سالم .. لا تفعل ذلك ..
سالم تحمل فوق طاقته .. تحمل حملًا يفوق بكثير سنوات عمره الأربع والعشرين..

بكل ثبات أنهى إجراءات تصريح الدفن .. ودموعه متحجرة في عينيه، منذ أن تفتَّحت عيناه على الدنيا وهو يعيش في العذاب .. المعيشة مع أبٍ مدمنٍ قاسٍ هي كعذابِ جهنم .. كان فقط يفرغ عنفه فيهم لمجرد التنفيس .. لم يكن يحكي كثيرًا هو أو أشقاؤه عمَّا كان يحدث معهم في غرفة الذكور من تعذيب وضرب وإهانة للروح قبل الجسد .. فرج تفنن في اختيار أنواع ضربه لهم، هو وإخوته أخفوا الكثير عن ليلى وعن والدتهم .. لكن فاض الكيل واليوم هو يوم الحساب ..

*****

- سالم .. إلى أين سنذهب؟ أرجوك أريد أن أبكي بمفردي ..
تجاهل إجابة سؤالها .. واستمر يراقب الطرقات من نافذة سيارة الأجرة التي كانت تقلهما إلى وجهتهما .. أخيرًا توقفت السيارة عند مبنى كتب عليه "قسم شرطة الدرب الأحمر".
صرخت برعب:

- سالم .. لا.
تلك الليلة كانت أطول ليلة في حياتها كلها ..
منذ أن بدأت من ساعات طويلة وحتى ساعات الصباح الأولى .. الليلة الكارثية لم تنتهِ بعد، فها هو سالم يواصل عذابها الأبدي ..

- سالم هل فعلًا تريد مني إخبار السلطات عمَّا حدث بالتفصيل؟ هل ستبلغ عنه ؟؟
أجابها بقسوة أخافتها:

- نعم يا ليلى، وهذا أمر نهائي لا فصال فيه .. يكفي الآن، دم الغاليه لن يذهب هدرًا، هل تتذكرين ذلك اليوم المشؤوم الذي غادر فيه سعد المنزل؟ ليلى أجيبيني هل تتذكرين؟ هل تتذكرين لماذا غادرنا نحن أيضًا؟
دموعها الغزيرة كانت تتساقط مثل الأمطار الاستوائية، شهقاتها كانت متلاحقة، نعم كانت تتذكر جيدًا، تتذكر يوم كان كأي يوم عادي في بدايته، يوم مثل كل يوم عاد فيه فرج من مشوار مزاجه المعتاد، وبدون أي سبب بدأ في ضرب زوجته المستسلمة لمصيرها بسبب أولادها ..

لسنوات وسنوات تحملت عائلة فرج بطشه وعنفه في صمت، ولكن في ذلك اليوم بالتحديد طفح كيل سعد، دائمًا كان يحاول إيقاف فرج بالكلمات، بالترجي، ولكن فعلًا في ذلك اليوم طفح الكيل، لأول مرة في حياته يتقدم سعد ويمنع لكمه موجهة لوالدتهم، بكل عزمٍ وتحدي أوقف اللكمة في الهواء، وضغط على قبضة والدهم بقوة مدمرة كادت تسحقها سحقًا، قوة الشباب في سعد انتصرت على لكمة فرج الهزيلة ومنعتها من إيجاد هدفها، لكمته كانت مهزوزة بسبب السن، ولكن الأهم مرتعشة بسبب الشراب، يومها لم يجد فرج أمام قوة ابنه التى اعلنت عن نفسها بوضوح إلا أن يتظاهر بالاستسلام حتى يرخى قبضته ويحرره، و بعدها اتجه إلى والدتهم كي يطمئن عليها، حينها بادره فرج بطعنة خسيسة في كتفه من مدية صغيرة كان يحملها في جيبه ..

طعنه بقوة، طعنه بغدر، ومن شدة الطعنة سقط على الدتهم المصدومة غارقًا في دمائه ..
تذكرت وتذكرت .. لقد كان يصرعلى إحياء ذكرياتها المريرة كي يقتل أي تردد بداخلها، يوم طعن سعد كان اليوم الفيصل في حياتهم، لم يقم أيٌّ منهم بالإبلاغ عن فرج، وعولج سعد سرًّا كي لا يتم سؤاله عن كيفية حدوث الطعنة، تحمل مخاطرة إنقاذه من قبل جارهم الممرض فتحي ولم يذهب إلى أية مستشفى .. تحمل مخاطرة أن تكون الطعنة أصابت شريانًا رئيسيًّا .. تحمل مخاطرة أن يتلوث جرحه .. تحمل بسبب دموعها، فهو لا يستطيع أن يكون المتسبب في دمعة واحدة تذرفها .. فدموعها غاليه جدًّا لا تقدر بثمن، عواطف ترجَّته وسط شهقاتها ودموعها كي لا يبلغ الشرطة عن الحادث .. استغرق شفاؤه أسابيع أطول من المعتاد في مثل حالته بسبب طريقة معالجة الجرح البدائية ولكن نظرة الامتنان في عينيها كانت تساوى أكثر من ذلك بكثير .. حمل الندبة على كتفه للأبد لتذكره دائمًا بمن هو والده وبتضحية والدته.. سعد أخوها الحبيب .. مثال للرجولة والأخلاق، كان حنونًا بدرجة لا توصف، ووسيمًا بدرجة تخطف العقول، لطالما تهافتت عليه الفتيات، لكنه كان كالصخرة لا يلين تحت إغرائهم، وعانى لأسابيع بسب جرحه، لكنه ما إن استرد بعض صحته حتى قرر ترك المنزل، الظروف أجبرته لترك المنزل، والدته اضطرته لترك المنزل،
وأخبرته بألم من وسط دموعها ونزيف قلبها:

- سعد أنت بالتأكيد تعلم أنكم أغلى شيء في حياتي وإن كنت قد منعتك من الإبلاغ عنه فذلك لأني أخاف أن توصموا للأبد بوصمة العار .. إنكم تحملون اسمه شئتم أم أبيتم، أما هو فلا يساوي شيئًا البتة، لكن لأجل خاطري اترك المنزل، فأنا أخشى عليك أن تفقد أعصابك وتقتله في يومٍ ما، إنه لا يستحق أن تضيِّع حياتك بسببه، هو أحقر من ذلك بكثير، دعه للذي خلقه فأين سيهرب منه؟

آهٍ يا أمي الحبيبة، أنها فضلت أن يتركها سعد لمصيرها تواجه الضرب والإهانة على أن تراه يسبب لنفسه ضررًا لا راد له ..
يومها أيضًا ترك حسن وسالم المنزل .. " حسن وسالم " .. كانا أضعف وأصغر من سعد .. رؤيتهما لعذاب والدتهم وإهانتها المستمرة كانت تدمرهما .. لكن بعد إلحاح منها ترك كلاهما المنزل ليبدأ من جديد ..

فقط هي بقت، ولكن والدتهم تطوَّعت لأخذ نصيبها من العذاب ..

عذابها كان مضاعفًا، فهي كانت تحميهما بجسدها بعدما اطمئنت على أشقائها برحيلهم عن ذلك الجحيم، ولكنها أخيرًا ارتاحت من العذاب، ماتت وحيدة وغريبة وسط عنبر مشفًى حكوميٍّ، ولم تتمكن حتى من وداع أبنائها، الآن ستوارى تحت التراب الذي سيكون أرحم عليها من دنياها القاسية، عند هذا الحد رفعت رأسها بتصميم وقالت:

- حسنًا يا سالم .. دعنا ننتهي من هذا الأمر فورًا.



انتهى الفصل

روايات شرقية زائرة

تصدر عن

منتدى قلوب أحلام

شبكة روايتي الثقافية

Just Faith 12-07-17 01:23 PM


https://upload.rewity.com/uploads/1499854658212.jpg


يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

Just Faith 12-07-17 01:30 PM

يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

Just Faith 12-07-17 01:31 PM

https://upload.rewity.com/uploads/1499854658234.jpg

يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

Just Faith 12-07-17 01:39 PM


يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

Just Faith 12-07-17 01:53 PM


يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

Just Faith 12-07-17 01:56 PM



يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

Just Faith 12-07-17 01:58 PM



يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

Just Faith 12-07-17 02:00 PM


يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي


الساعة الآن 12:03 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.