آخر 10 مشاركات
غيوم البعاد (2)__ سلسلة إشراقة الفؤاد (الكاتـب : سما صافية - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          الفرصة الأخيرة (95) للكاتبة: ميشيل كوندر ...كاملة... (الكاتـب : سما مصر - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          أميرها الفاتن (20) للكاتبة: Julia James *كاملة+روابط* (الكاتـب : ميقات - )           »          دموع على خد القمر (124) للكاتبة: Helen Bianchin (الجزء 2 من سلسلة عواطف متقلبة) كاملة (الكاتـب : salmanlina - )           »          رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          إلى مغتصبي...بعد التحية! *مميزة ومكتملة *(2) .. سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          و آن أوان قطافك * مميزة **مكتملة* (الكاتـب : ahlem ahlem - )           »          وشمتِ اسمكِ بين أنفاسي (1) سلسلة قلوب موشومة (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-05-19, 10:28 AM   #1

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 قد يأتي الخريف ربيـــعا / للكاتبة عائدة الخالدي ، فصحى مكتملة







بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقدم لكم رواية

قد يأتي الخريف ربيـــعاً
للكاتبة عائدة الخالدي





قراءة ممتعة للجميع.....



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 14-12-19 الساعة 05:59 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-11-19, 06:52 AM   #2

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

رابط لتحميل الرواية هنــــــــــــــــــــا




بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كيف حالكم إن شاء الله دائما بخير ؟




قد يأتي الخريف , ربيـــعا للكاتبة عائدة الخالدي




مساؤكم / صباحكم شوق ..

أعلم أنني تواريت خلف الستار لفترة ليست بالقصيرة
لكنني هنا الآن ..
أحمل في يدي قلبي , وفي الأخرى مجموعة قصص آمل أن تنال إعجابكم

لصديقاتي .. لكل صديقاتي في منتدى xxxxx أهدي هذه الرواية وقريبا ستلحقها أخريات ..


لكم كل الحب ..





التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 21-11-19 الساعة 10:44 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-11-19, 06:53 AM   #3

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


لحظة انعتاق

طائرة "أليتاليا" المتجهة إلى ميلانو ما زالت جاثمة على أرض المطار، والركاب ما زالوا يدلفون إليها.. الموسيقى الكلاسيكية الخفيفة تدغدغ مسامعي وأنا أنظر عبر النافذة.. التفتّ تلقائياً إلى الرجل الذي على وشك الجلوس على المقعد بجانبي.. يا إلهي كم يشبهك بشعره الأشيب!.
عاودت النظر عبر النافذة وانهمرت الدموع من عيني رغماً عني غزيرة ساخنة.
الطائرة تتهادى على المدرج والمضيفة ترحب بالركاب وتشرح لهم أمور السلامة مرفقة بحركات زميلتيها زيادة في الإيضاح: "… وسنهبط في ميلانو الساعة…".
لم أسمعها؛ فنحن سنهبط على أي حال في ميلانو في وقت ما، والطائرة الأخرى ستكون حتماً بانتظاري لأتابع السفر إلى ليلى.
لم تعد تحصى المرات التي طرت فيها على متن مختلف الخطوط.
جواز السفر.. بطاقة السفر، والحقيبة..
أنا دائماً أحزم حقيبتي وأسافر.. سياحة.. عمل.. أمور طارئة.. كمرض ابنتي الذي بسببه أسافر هذه المرة.
كم مرة وطئت قدماي أرض مطار جديد، وكم مرة عبرت الحدود، وكم مرة التقيت بحرس الحدود ببزات وسحنات ولغات مختلفة باختلاف البلاد؟!.
ما أسرع أن يمتلأ جواز سفري بالأختام فاضطر لتبديله قبل انتهاء مدته.. لم تعد تحصى فعلاً تلك المرات.
وأنت؟!.. تباً لك.. لا أريد أن أفكر بك الآن.
مسحت دموعي وربطت حزامي الذي نسيته ومددت يدي إلى الحقيبة بحثاً عن الكتاب.
عندما لمحت رواية تلك الكاتبة عند صديقتي سوسن شرعت أقلّب صفحاتها..
أثارت سطور الصفحة الأولى شهيتي للقراءة، فوضعت الرواية على عجل في حقيبتي وأنا أودّع سوسن قبل سفري.
الطائرة تسابق الريح وتنطلق بأقصى سرعتها وترتفع فجأة في الجو.. كم أحب لحظة الانعتاق هذه.
رفعت عيني عن الكتاب، ونظرت إلى السماء..
كانت زرقاء صافية.. وسماء سورية على الأغلب زرقاء صافية في الربيع.. في نيسان.
نيسان ثان، وربيع ثان..
في الربيع بدأت قصتي معك.. منذ سنة.



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-11-19, 06:54 AM   #4

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الربيع الأول:

سراب اسمه ضوء القمر



عدت أقرأ في الكتاب..

ما إن وصلت إلى الصفحة الرابعة حتى اكتشفت أن أحلام مستغانمي لا تروي لنا قصة بضمير "أنا-المرأة"؛ وإنما بضمير "أنا-الرجل".
إنها تتحدث بلسان رجل!.
رجل يروي لنا قصته ويفتح لنا نافذة نطلّ منها معه على ذكرياته من خلال حواره مع من كانت يوماً (أو ما زالت) حبيبته.
شعرت بالخيبة؛ فقد كنت أتوق لسماع رواية امرأة تتحدث بلسانها هي وتروي روايتها هي، علّها تتوازى أو تتقاطع في أحداثها مع قصتي أنا معك.. وقبلك وبعدك.
هل أخاطبك بضمير المخاطب أم بضمير الغائب؟.. فأنت دائماً غائب عندما تكون حاضراً، وحاضر عندما تكون غائباً!.
أقرأ في الكتاب كلاماً رائعاً: "لا تبحث كثيراً.. لا يوجد شيء تحت الكلمات. إن امرأة تكتب هي امرأة فوق كل الشبهات.. لأنها شفافة بطبعها. إن الكتابة تطّهر مما يعلق بنا منذ لحظة الولادة.. ابحث عن القذارة حيث لا يوجد الأدب".
ولذا سأكتب…
سأبدأ الرواية من هنا..
سأضيف إليها ما يستجد من أحداث ما زالت في الغيب، وأستذكر تفاصيلها الماضية..
معك..
أروي لك تفاصيلها أحياناً دون رابط زمني..
أرويها لك كما تأتيني عفو الخاطر..
***
في البناء القريب المخصص لسكن الطاقم الطبي أجلس في غرفتي الصغيرة التي استأجرتها فيه أستمع إلى الموسيقى وأكتب..
الجو ربيعي دافئ والطبيعة جميلة هنا في هذه القرية الصغيرة حيث المركز الطبي الكبير، حيث ابنتي ليلى تجلس على كرسيها المتحرك لا تقوى على الوقوف أو المشي..
لا تستطيع الكلام، ويداها المتشنجتين تؤلمانها فتضغط على راحتيها بأصابعها التي لم تعد تستطيع أن تمسك بها ملعقة أو قلماً.
تحتاج لمن يطعمها ويأخذها إلى الحمام.. تحتاج للمساعدة في كل شيء..
أما المدرسة فقد نسينا أمرها منذ أن فتحت أبوابها منذ أشهر.
يؤلمني منظرها كثيراً.. أحس كلما رأيتها برغبة في البكاء لكنني أتمالك نفسي أمامها وأنتظر حتى أغلق باب غرفتي على نفسي ثم أنفجر باكية.
ليلى.. ابنتي الصبية التي كانت تملأ حياتي فرحاً وحبوراً أصبحت معاقة إلى هذه الدرجة.
ليلى.. ابنتي الوحيدة التي أنجبتها بعد سبع سنوات من الزواج، وخمس سنوات من المحاولات حتى نفذ صبر الطبيب الشهير وقال لي ذات مرة متعجباً:
-غريب أمركما.. ربما يعاني زوجك من بعض الضعف؛ لكن المشكلة ليست صحية بحتة؛ بل مشكلة عدم انسجام فيزيولوجي!
زوجي لم يكن يرغب بالإنجاب.. كان يريدني رفيقة سفر لا يمنعها الحمل والولادة من المجازفة والترحال، ولكنني أقنعته أخيراً أن ذلك لن يكون عائقاً أبداً، وأصبحت حاملاً.. أخيراً؛ فأسرعت بكل فرحي أزف البشرى لحماتي عبر الهاتف.
-… ستصبحين جدة.
لأسمعها تجيبني ببرود:
-أوه.. أنت حامل إذن!
كانت ليلى تدهشني بأسئلتها الذكية وهي ما زالت طفلة صغيرة ونحن نطوف معها في أرجاء الدنيا.. كانت ترسم بشغف، وتركب الخيل بمهارة ثم فجأة أصابها هذا المرض العضال فلم تعد ترغب أو تقدر على القيام بشيء.
فرحة هي بوجودي معها، وأنا أقضي كل الوقت معها؛ فأنا جئت إلى هنا من أجلها فقط.. جئت لأعتني بها وأطعمها بدل المشرفات اللواتي كن يرجونني أن آخذ قسطاً من الراحة عندما يلمحن آثار الإرهاق على وجهي. في الليل عندما تنام ليلى كنت أعود إلى غرفتي لأشعر أني وحيدة.. وحيدة وقد جلبت معي أدوات الرسم والكتابة ولكن لا رغبة لي بذلك حتى الآن..
تمنيت لو أنك اتصلت ولو مرة.. ولو من باب المجاملة لتسأل عن حالها.. عندما كنت وحيدة هناك أنتظر. وحيدة أنتظر، والكوابيس تحرمني من النوم.. أبكي في نومي واستيقظ فجأة وأنا أشعر بشيء يطبق على أنفاسي، فأنهض وأمشي في الغرفة.. في العتمة.. وأبكي.
***
زوجي بيتر سافر عائداً إلى سورية؛ فنحن هنا بالتناوب من أجل ابنتنا.
لم نعد نلتقي إلا لأيام معدودة..
بيتر؟!
كيف أصبحت منذ البداية رفيقته؛ ولم أصبح أبداً حبيبته؟!..
أين هو هذا الشيء المفقود بيننا.. هذا الشيء الذي اسمه الشغف؟!
الشغف!
كيف أدعوه مفقوداً، وهو شيئاً لم يكن منذ البداية موجوداً؟!!
ذاك الحاجز اللعين غير المرئي الذي يفصل بيننا!.. أصبح مرئياً!!
كيف السبيل إلى تحطيمه؟.. وهل من أمل في ذلك بعد حوالي عشرين سنة؟!
كيف يمكننا أن نخلق عاطفة لم نعرفها أبداً؟!
إرادتنا الطيبة وحدها لا قدرة لها على خلق عواطف جديدة من العدم..
إنها قادرة فقط على خلق حياة مشتركة منسجمة بما يتيسر لها من العواطف.. من العواطف الأخرى.. ود وإلفة وعطف وحنان.
أنا وبيتر بنينا حياتنا المشتركة المنسجمة بالتفاهم والصراحة.. فلماذا أستشعر الآن، وأكثر من أي وقت مضى هذا الخلل الذي لم أكن أعيره تلك الأهمية من قبل؛ لكنه يبدو لي الآن على هذا القدر الكبير من الأهمية؟!
إرادتنا الطيبة لا تخلق عواطف جديدة من العدم..
والعواطف لا تأتي حسب الطلب..
تأتي تلقائياً..
تأتي رغماً عنا، ورغماً عن إرادتنا.
تتحدى المنطق وتفاجئنا، وقد خلقت فجأة في وقت ما، قد لا يراه العقل مناسباً؛ لكن القلب يباركه..
يخلق الحب فجأة.. من تفاعل كيميائي في لحظة خاطفة من عمر الزمن.
ألم يكن هذا هو تفسيرك، وأنت تمسك بيدي في السيارة وتضغط عليها برفق وكأنك تريد أن تؤكد لي بذلك مصداقية كلامك..
مصداقية كلامك؟!!!
***
عندما اكتشفت تلك "العقد" استفسرت عن جراح ماهر؛ فدلوني عليك، وليتهم لم يفعلوا.. ليتني اكتشفتها قبل رحيلي من هنا، وأجريت العملية هنا، ولم أتعرف عليك قط!.
كانت غرفة الانتظار تعج بالمرضى، ومعظمهم قرويون.. بسيطين.. فقراء.
كان نديم يسجل أسمائهم ويتلقى المكالمات الهاتفية التي لا تنتهي.
كنت أنت في مكتبك، وكنت أنا أنتظر دوري كالباقين..
جاءت سيدة أنيقة سرعان ما أدخلها نديم إلى الغرفة الصغيرة التي تتوسط ما بين مكتبك وغرفة الانتظار، ثم ما لبثت أن دخلت المكتب!.
استفسرت من نديم:
-هل المرضى عندكم طبقات؟!
ولم يدر المسكين بما يجيبني؛ فقال بسرعة:
-إنها دكتورة!
-يا سلام.. وأنا صحفية.. وماذا عن كل هؤلاء المساكين الذين ينتظرون دورهم؟.. كم من الوقت عليهم إذن أن ينتظروا؟!
كنت أنت في الداخل تسمع ما أقول..
لم أنتظر طويلاً جداً..
دلفت غرفة المكتب فاستقبلتني بابتسامة عريضة، ليس من وراء مكتبك؛ بل وأنت واقف قبالتي تمد لي يدك بالتحية وتدعوني باليد الأخرى للجلوس مشيراً إلى مقعدين متجاورين قرب النافذة..
قلت:
-عذراً.. فأنا لا أستطيع إدخال كل هؤلاء البائسين دفعة واحدة..
إن الاستماع إلى مشاكلهم يحتاج إلى صبر وطاقة كبيرة.. أحتاج لفترات راحة أستقبل فيها أناس آخرين!
عرفت أنك سمعت ما قلته لنديم، وعجبت كيف تحدثني بهذه العفوية وأنت تراني لأول مرة، ولست بالتأكيد بحاجة لتبرير أفعالك تجاهي.
ابتسمت وأنا أتأملك:
رجلاً أسمراً متوسط الطول.. شعرك فضي كثيف، وطويل نوعاً ما.. بحاجة إلى مقص الحلاق!.
قميصك مفتوح الصدر بلا ربطة عنق وبنطالك من الجينز الأزرق..
كنت تدخن سيجاراً أيها الطبيب!!
كان كل ما فيك غريباً جذّاباً، وكانت ابتسامتك وعفويتك أجمل ما فيك.
أحسست وكأني أعرفك منذ زمن بعيد؛ ولكني كنت مضطربة مع أني لم أكن كذلك قبل أن أدخل إليك.. كان شيئاً غريباً يتحرك في داخلي..
شيئاً لم أدرك كنهه في البداية؛ لكنه كان الحب!
كان الحب من النظرة الأولى!!
قلت لك:
-أنا آسفة.. ليس من حقي طبعاً أن أبدي ملاحظاتي لنديم.. أنا صحفية، والصحفية طويلة اللسان رغماً عنها!
وضحكنا معاً، ثم أخبرتك عن سبب الزيارة، وأريتك الصور، وتناقشنا في أمر العملية.. وشرعنا نتحدث عن أمور أخرى.
****
كنت مستلقية في السرير في غرفتي بالمستشفى عندما جئت في المساء تنظف لي الجرح وأنت تدندن..
شعرت بالفرح يدغدغني وأنا أسمعك، ثم باغتني سؤالك:
-من أين أتيت بهذا الرجل الوسيم؟!
(كنت تقصد زوجي الذي خرج لتوه لأمر ما..)
هذا السؤال..
كم سمعته يتردد على ألسنة الكثيرين؛ ولكن لماذا لم يرقني أن أسمعه منك أنت بالذات؟!
أجل.. رجل وسيم هذا الذي تزوجته.. وسيم، ويبدو أنه يصغرني بسنوات.. كبرت أنا ولم يكبر هو).
-… قولي لي يا كارمن.. عما تكتبين في المجلات؟
-إني أجري استطلاعات صحفية، وتحقيقات من بلاد العالم المختلفة التي أزورها، وأكتب عن انطباعاتي عنها، كما أني أكتب نقداً اجتماعياً وخواطر.
-هل لي بعدد من مجلة تكتبين فيها؟
فرحت جداً لطلبك، ورجوت باندفاع طفولي من زوجي أن يجلب لي أعداداً من البيت كي تختار واحداً منها.
(اخترت مجلة؛ ولكنك أضعتها فيما بعد بدل أن تقرأها.. قرأها نديم بدلاً منك!!.
قال لي نديم ذلك بحماس، وهو يذكر لي ما ورد في تحقيقي عن تلك البلاد البعيدة من معلومات وأخبار.
أما أنت، فقد اعتذرت بحجة أن نديم لديه متسع من الوقت أكثر!..
حقاً؟!!.. وهل كان يهمني أن يقرأ كتاباتي نديم أم أنت؟).
جئت إليك بعد أيام في العيادة لتفحص الجرح؛ فأخبرتني أنك مسافر إلى أمريكا الجنوبية، ثم فاجأتني مرة أخرى بسؤال خرج من بين شفتيك عفوياً للغاية:
-هل ترغبين بالسفر معي؟!
-ولمَ لا؟!… أود أن أكتب عن هؤلاء المغتربين هناك.
-وأنا يمكنني مساعدتك.. إن لي صلاتي الوثيقة هناك!
كانت فكرة مجنونة؛ ولكني تمنيت لو حدث هذا الجنون.. لو اتصلت بي ودعوتني حقاً لمرافقتك.. لم يكن لدي مانع، ولم يكن بيتر ليمانع.. بالتأكيد!!
كنت أجد دائماً سبباً ما يجعلني أزورك في العيادة، وكنت تفرح برؤيتي.. تقبّلني على الوجنتين مرحبّاً كصديق قديم وترجوني كلما نهضت مستأذنة بالانصراف أن أجلس قليلاً:
-إنك تنسيني الوقت؛ فاجلسي بعد ودعينا نتناول القهوة معاً.
عندما مرضت ليلى والتبس علي مرضها جئت إليك أستفسر عن طبيب أعصاب مختص فدللتني عليه، ورجوتني أن أوافيك إلى العيادة لأطمئنك، ولكني لم أفعل..
أردت أن أكبح جماح رغبتي برؤيتك..
أن أشغل نفسي عن التفكير بك.
****

--------------------------------------------------------------------------------



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-11-19, 06:54 AM   #5

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


لم يكتشف طبيب الأعصاب ما بها وهو يمعن النظر في الصور التي طلبها، وطلب مني أن أزور طبيباً نفسياً؛ فجئت ثانية إليك، وأنا أوهم نفسي أني أزورك لمجرد الاستشارة..
كتبت لي اسم الطبيب وعنوانه في دمشق على ورقة وطلبت مني أن أزوره في ذاك اليوم بالذات.. رجوتني أن آتي إليك بعد ذلك إلى العيادة، واقترحت علي أن توصلنا إلى البيت؛ فأنت مسافر إلى اللاذقية- كالعادة- مساء اليوم.
لم أستطع أن أقاوم هذه المرة رغبتي برؤيتك، وبرفقتك على الطريق؛ فدخلت العيادة..
كانت الساعة تشير إلى السادسة مساءً، وكانت قريبتك سناء تجلس في مكتبك..
تعرّفت عليها، واحتضنت ليلى باسمة وهي تقول:
-كم أحب هذا الاسم.
كان عدم الارتياح بادياً على وجهك عندما انصرفت سناء، وبادرتني قائلاً:
-في الحقيقة.. إنها ليست ابنة خالي؛ بل ابنة ابن خالي.
لم يكن الأمر يعنيني من قريب أو بعيد؛ فلم أجب.

-أتعرفين؟!.. لقد كنت في غاية الترقب أتساءل إن كنت ستحضرين أم لا.
-لقد وعدتك بالحضور، وليس من عادتي أن أخلف بوعودي.
كنت ترتب أوراقك استعداداً للذهاب، وتشاغلت أنا بتقليب الصحيفة ريثما تنتهي، وريثما تعود ليلى من المرحاض.. وجاءني سؤالك دون مقدمات:
-لاحظت أنه لا يوجد affection بينك وبين بيتر!!
فاجأني سؤالك الجريء جداً؛ فأجبتك بسؤال مغلّف بالسخرية محاولة إخفاء اضطرابي:
-هه.. هل علينا إذن أن نتعانق ونتبادل القبل علناً لنبرهن عكس ذلك؟!
(كنت أغالط نفسي، وأعرف ذلك.. ولكني أحاول أن لا أفضح نفسي أمامك).
-طبعاً لا.. ولكني أشعر أن لا شيء بينكما من هذا القبيل!!.
-…
(لم أحر جواباً.. أنا أعرف في قرارة نفسي أنك على حق.
أنا لم أشعر أبداً تجاه بيتر بالشغف.. بل بالمودة.. مجرد مودة؛ ولكن لا داعي لأن تعرف أنت بالذات ذلك).
عادت ليلى من المرحاض.. ضممتها إليك وقبلتها وأنت تريها صورتك في جواز السفر، ثم تضعه في حقيبة يدك الصغيرة قائلاً:
-هيا بنا.
لكن الهاتف ما لبث أن زعق، فسرت باتجاهه متذمراً:
-كثرت المكالمات اليوم، لأني قررت الذهاب باكراً.
أنهيت المكالمة بسرعة؛ فناولتك ونحن نهم بالخروج علبة كبيرة، وقلت لك:
-هذا الكاتو صنعته لك.. شكراً لك لاصطحابك لنا بسيارتك.
-سأحمله إلى أمي وآكله معها!
ما إن انطلقت السيارة حتى شعرت براحة يدك تلامس خدي برفق وأنت تقول:
-تبدين حزينة.
-لا شيء.. أنا شاردة الذهن قليلاً.
-لا.. هناك غلالة من الحزن على وجهك.. عيناك حزينتان.. وأنا أعرف لماذا!!
نظرت إليك بدهشة وبقيت صامتة..
(أيها الماكر.. إنك تنفذ إلى أعماقي وتقرأ ما بداخلي..
تعرّيني وتواجهني بالحقيقة.. هكذا.. بكل جرأة.. بجرأة تصل ربما حد الوقاحة، وأنا إن تفوهت فإني أخدع نفسي فقط!)
-حقاً؟!.. أتعرف لماذا أنا حزينة؟
كانت ليلى قد استلقت على المقعد الخلفي لتغفو قليلاً؛ فاستدرت إليها، وجذبت سترتك أغطيها بها..
وعدت تكرر:
There is no affection
أين هو؟!
وبسرعة، أمسكت يدي تشد عليها، وأنت تقول:
-… إنه هنا… بيني وبينك.. إنه هذه الكيمياء العجيبة التي لا يمكن تفسيرها أبداً.. هذا التفاعل الذي يحدث بين اثنين.. يحدث فجأة وبعفوية دون أن نعرف كيف ولماذا!.
-…
ارتحت للمساتك، ولم أمانع، بل تركت يدي ترتاح في يدك.
تأكدت عندئذ أن شيئاً خطيراً قد حدث لي.
شعرت بالحرارة، ثم بالعرق يتصبب مني.. يتصبب من مسامات جسدي كلها!
تمنيت لو أن الطريق يمتد إلى ما لا نهاية.. تمنيت أن لا تترك يدي تفلت أبداً من يدك..
كانت فيروز تشدو.. تذوب رومانسية، وتذيبني معها..
ونسيت من أنا، ومن أنت.. نسيت ابنتي..
نسيت كل شيء، ولم يعد يهمني إلا أني بقربك في هذه اللحظات بالذات.
-أنت لست جميلة يا كارمن!…
(يا للإطراء…) بقيت صامتة انتظر أن تكمل جملتك:
-… لكن فيك شيء غريب.. في وجهك شيء آسر يجذبني إليك.. طبعاً، لا بد أنك سمعت ذلك من غيري.
-بالفعل..
وتذكرته..
مازن.. ذلك الطيار الشاب الذي كان يلاحقني بالسيارة على طريق الجامعة..
تقدم مني مرة بجرأة وعفوية، وعرّفني على نفسه، ثم دعاني لتناول فنجاناً من القهوة، وعندما رفضت بلطف وأنا أبتسم لخفة دمه تبعني إلى مكتبة الجامعة، وظل جالساً بقربي وأنا أرجوه أن ينصرف كي لا يزعج الآخرين، ولكي أتمكن من المطالعة؛ لكنه أصر على البقاء حتى أذعنت لرغبته وتناولنا القهوة معاً في مقصف الجامعة..
تعرّفت على أهله، وتعرّف على أهلي.. كنت أجلب له من البلدان المختلفة هدايا صغيرة لطيفة، وكنا نلتقي بعفوية عندما يشعر أحدنا بالسأم فنشرب شيئاً ما ونحن نضحك ونتحدث، ثم نفترق دون وعود..
قال لي مرة أنه لم يتعرّف أبداً على فتاة مرحة وصادقة وعفوية مثلي، معترفاً أنه تعرّف على فتيات كثيرات، وكن بالطبع أجمل مني؛ لكنهن كن يفتقدن إلى جاذبيتي.. إلى هذا الشيء "الآسر" في وجهي!
عندما عدت من زيارة بيتر، وقد اتفقت معه على الزواج، كان مازن ينتظرني في المطار..
نظر إلي بحزن، وقال:
-ستتزوجينه إذن.
-أجل
-أتمنى لك التوفيق، وأرجو أن لا تبخلي علينا برؤيتك.
تمنيت في تلك اللحظة لو أنه قال لي شيئاً آخر..
لو أنه صرخ في وجهي وفاجأني بقوله:
-كارمن.. أنا أحبك!
لكنه لم يفعل، ولم أعرف لماذا تمنيت أنا ذلك؛ فليس بيننا وعود.. مجرد صداقة.
أيقظتني من خواطري وأنت تقول:
-أنت لم تمريّ عليّ مرور الكرام.. أقسم لك يا كارمن..
حدثيني عن نفسك.. انفتحي لي!.. ماذا تفعلين في الأمسيات مثلاً؟
-أقرأ وأكتب وأصنع أشياء جميلة داخل البيت، وأرسم في بعض الأحيان؛ فالرسم يتطلب وقتاً ومكاناً لا يمكن توفرهما غالباً إلا في الصيف عندما تكون ليلى في إجازتها المدرسية، ولا حاجة لتدريسها… عندئذ يمكنني أيضاً أن أسافر وأكتب تحقيقاتي الصحفية.. أما التلفاز؛ فأنا لا أشاهده إلا نادراً.
-وأنا أيضاً.
وتبسطت في الحديث معك، وأخبرتك أشياء وأشياء، وأخبرتني مثلها..
جذبت يدي فجأة إلى صدرك.. إلى قلبك وأنت تقول:

-أنا أحبك يا كارمن.. أحبك، فهل تحبينني؟!
-ربما أحبك.. ربما!
لم أدر كيف قبَّلتك بسرعة وأنا أقول:
-أنت شيطان!
-أنا؟!.. أنا إنسان مسكين..
انظري إلى هذه الأشجار تتراقص ظلالها في العتمة، وإلى هذا البدر الرائع يتلألئ في السماء، وينير لنا الطريق.. يا لها من أمسية ربيعية رائعة.. تعالي نجن معاً؛ فنحن لا نؤذي أحداً!.
-لا.. بل نؤذي أحداً بالتأكيد.. أرجوك كن عاقلاً ولا تفقدني صوابي!
لاحت مشارف المدينة من بعيد، وأتاني صوت ليلى وقد استيقظت للتو تسأل:
-هل وصلنا؟
أوصلتنا للبيت، ودعوتك من باب المجاملة للدخول وتناول القهوة، وأنا أتمنى ألا تفعل..
ولم تفعل؛ بل صافحتني مودّعاً.
فتح لي بيتر الباب وسألني عنك؛ فقد كان يتوقع أن أدعوك- حسب الأصول- لتناول القهوة.
قلت لـه أنك اعتذرت لأنك متعب، وتشاغلت بمساعدة ليلى للذهاب إلى الفراش كي تهدأ نفسي قليلاً، ولا يلاحظ بيتر مدى اضطرابي..
جلست في الغرفة أمام التلفاز مرهقة ساهمة.. أستعيد في بالي تفاصيل مشوارنا.. سألني بيتر:
-هل ترغبين بشرب الشاي؟
-نعم.. شكراً لك.

وذهب بيتر إلى المطبخ ليعد الشاي، وتركني لشرودي ومشاعري المضطربة..
****
كان شخير بيتر يرتفع فأربت على ساعده برفق كي يستدير إلى الجانب الآخر..
لقد استسلم للنوم بعد أن مسّدت له رأسه كالعادة، أما أنا.. فكيف أجد للنوم سبيلاً؟
عيناي تحدق في الظلمة.. أفكر بك وأتساءل:
أينبغي للمرء أن يكون متطلباً هكذا؟..
أنانياً هكذا؟..
أليست الحياة أولويات؟
شعرت بالرغبة أن أوقظك أيها الشرقي العابث من أحلامك الوردية وأحرمك من النوم الذي حرمتني منه؛ ولكني أشفقت عليك، وانتظرت ساعات حتى أتصل.
كنت بحاجة للتحدث إليك.. بحاجة لأن أضع النقاط على الحروف، وأبرر حماقة لم أرتكبها من قبل..
جاءني صوتك عبر الهاتف يغالبه النعاس.
(ماذا كنت أتوقع بحق السماء؟.. أن تساهر النجوم من أجلي؟!..
أقسمت لي أن لقائك بي لم يكن لقاءاً عابراً، وأنا أخشى أن يكون ضوء القمر مجرد سراب تلألئ في عينيك ذات مساء ثم.. اختفى!)
***
اتصلت بك ذات مساء:
-مساء الخير.. كيف حالك؟
-آ.. أهلاً بك كارمن.. كيف حالك؟
-بخير..
-ذاك المساء كان كالحلم.
-دعه يظل كذلك.
-ليتك ترافقيني كل مرة في ترحالي ما بين دمشق واللاذقية.
-غير ممكن، فإن لي التزاماتي.. أريد أن أتحدث إليك في أمر هام.
أدركت بسرعة ما الذي أود التحدث إليك بشأنه؛ فأجبتني:
-أراك إذن في العيادة بعد أيام.
-إلى اللقاء إذن.
-إلى اللقاء يا حبيبتي.
***
اتفقنا أن أزورك في العيادة الساعة الثانية عشر والنصف ظهراً.
كنت أشعر بالذنب…
أردت أن أوضح لك الأمور، وأقول إن ما حدث لم يكن سوى نزوة عابرة.
كنت أسرع الخطى قاصدة عيادتك عندما بدأ المطر ينهمر بغزارة؛ فأسرعت إلى أحد المتاجر لأشتري مظلة.. أردت أن أتصل بك لتعلم أني في طريقي إليك، ولكني نسيت رقم الهاتف وأعطتني عاملة الاستعلامات رقماً لم يكن رقمك!.
عندما وصلت العيادة كان الباب مغلقاً، وعدت إلى المنزل حانقة.
في المساء حزم بيتر حقيبة السفر وودعنا وسافر كالعادة..
سافر إلى بلاده لمتابعة عمله هناك.
ذهبت في اليوم التالي لأشتري بطاقة سفر إلى دمشق لأزور أمي بمناسبة عيد الأم.
ألقيت نظرة إلى الساعة في معصمي لأراها تشير إلى الحادية عشر.
إنه موعد قدومك إلى العيادة..
فكرت أن أزورك سريعاً وأعاتبك بشأن البارحة.
وفجأة.. التقيتك في الشارع، عند مدخل المبنى، وقد ترجلت لتوك من السيارة..
وقفنا نتحدث تحت المطر:
-لقد انتظرتك ولم تحضري… I miss you
-ولكني حضرت، وكانت العيادة مغلقة مع أني لم أتأخر سوى خمس دقائق عن الثانية عشر والنصف.. ألم يكن بوسعك انتظاري بضع دقائق إضافية؟
-كنت في هذا الوقت أجري عملية جراحية.. لقد انتظرتك حتى الساعة الثانية عشر إلا ربعاً.. ظننت أن موعدنا كان الساعة الحادية عشر والنصف!.
-لا بأس.. لقد أردت لقاءك لأقول لك أن علينا أن ننسى ما حدث.. إنها مجرد غلطة لا ينبغي أن تتكرر.
- كيف تقولين ذلك؟.. نحن لسنا أطفالاً.. إلى أين أنت ذاهبة الآن؟
-ذاهبة لأشتري بطاقة سفر؛ فغداً عيد الأم وعلي أن أزور أمي.
-لماذا لا ترافقينني على الطريق؟.. أنا ذاهب غداً الساعة الثالثة بعد الظهر، وليس في الصباح الباكر كعادتي.
-حسناً.. علي أن أتدبر أولاً أمر ليلى، ثم أتصل بك هاتفياً.
-ولم لا تتركيها عند والدها؟
-لقد سافر البارحة.
-انتظر مكالمتك غداً.. سأكون عند والدتي.. ها هو رقم الهاتف..
لقد أكلت الكاتو مع أمي ودعونا لك.. كان لذيذاً.. ليتك تأتين إلى القرية غداً!.
-لا أستطيع.. سأتصل بك لنتفق على مكان اللقاء.
-أتعلمين؟!.. من حسن الحظ أني لم ألقاك البارحة في العيادة.. سأحظى برفقتك غداً، وهذا أفضل.. إلى اللقاء إذن.
-إلى اللقاء.


--------------------------------------------------------------------------------



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-11-19, 06:56 AM   #6

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


اليوم يوم عطلة..
تركت ليلى في رعاية أم فادي؛ فهي لم تبد على أي حال حماساً للسفر معي، وهرعت إلى سيارة الأجرة.. ما إن ترجلت منها في المكان المتفق عليه حتى سمعت السائق يناديني؛ فقد نسيت من لهفتي بلقائك الحقيبة في السيارة!.
وقفت أنتظرك، وأنا أتخوف من أن تنسى الموعد وتنساني..
كان الجو ما زال مشبعاً بالرطوبة، والنسمة باردة..
الأرض مبتلة، والسماء ما زالت ملبّدة بالغيوم تبشّر بالمزيد من الأمطار.
لم يطل انتظاري؛ فقد لمحت سيارتك قادمة من بعيد..
كان يجلس بجوارك رجل سرعان ما ترجل من السيارة وجلس في المقعد الخلفي ليترك لي مكانه..
ابتسمت لي محيياً، وفتحت باب السيارة الخلفي لتضع حقيبتي فيها..
عند أحد المنعطفات ترجّل الرجل وودعك شاكراً.
(الحمد لله.. كنت أخشى أن يرافقنا طوال الطريق!).
وانطلقت السيارة بنا..
أنا وأنت.. لوحدنا.
شعرت بيدك تداعب وجنتي وأنت تسألني:
-كيف حالك؟
-بخير..
(وصمتّ.. لم أعد أرغب أن أطلب منك نسيان شيء لا أرغب أنا بنسيانه!).
-لا أعرف إلى أين أهرب بك يا كارمن.. كل العيون ترصدنا؛ فأين يهرب المرء بحبيبته في هذا البلد اللعين؟!
بقيت صامتة أبتسم لك.. فرحة بملامساتك الرقيقة.
ثم قلت لك:
-أتعرف؟.. لقد أوحيت لي بخاطرة كتبتها وجلبتها لك لتقرأها.
-اقرئيها لي.
-سأنفعل وأنا أقرأها.. اقرأها أنت.
-لا.. اقرئيها لي، فأنا أحتاج لنظارات من أجل ذلك.
-ها هي النظارات.. ضعها على عينيك واقرأ.
-يا لك من عنيدة.. هيا اقرئيها لي!
-نعم أنا عنيدة؛ ولكن لا بأس.. سأقرأها لك إن كنت مصراً على ذلك.
وقرأتها وأنا في غاية الانفعال.. صوتي مضطرب، والعرق يتصبب مني.. من جديد!
كنت تسمع وتبتسم وتلامسني بلطف.
غريب ولذيذ هذا الشعور بالأمان الذي يمنحني إياه الجلوس بقربك.. شعور لم أختبره من قبل، ولا أريد أن أفتقده.
كانت الشمس تغمر الأشجار على جانبي الطريق بأشعة الذهب، وقلبي تغمره مشاعر شتى.
كان يخفق بشدة، وكأنه يريد أن يخرج من صدري!.
مراهقة عدت أنا من جديد..
مراهقة كانت تجلس تحت شجيرة الياسمين لترسم وتكتب شعراً وتحلم..
كان يوم الغسيل هو أسعد أيامي!.
كنت أهرع إلى أمي أعرض عليها مساعدتي، وكانت أمي تتجاهل الأمر، وكأنها لا تعرف.
تتركني أصعد إلى السطح لأنشر الغسيل وأرى جاري الممشوق القامة يبتسم لي ويرشقني بزهرة فل ثّبتها بملقط الغسيل كي تصل السطح بسلام وترتمي عند قدمي؛ فالتقطها فرحة واحتفظ بها بين صفحات كتابي.
كان قلبي يخفق بشدة كلما رأيته، وكأنه سيخرج من صدري، وكنت يومها في السابعة عشر..
فما بالي اليوم تنتابني نفس المشاعر وقد بلغت الأربعين؟!!.
غربت الشمس وراء الأفق، واصطبغت السماء بلون أرجواني، ولاحت من بعيد سلسلة الجبال، وقد كستها طبقة رقيقة من الثلج، تلمع بلون فضي يعكسه بعض من ضوء النهار المتبقي قبل أن يحل الظلام.
كان الجو بارداً في الخارج، وقد دخلنا مدينة النبك.
قلت لي أننا سنتوقف هنا لنزور سريعاً أحد معارفك.
استقبلنا الرجل وابنته الجامعية بالترحاب، ودخلنا غرفة الضيوف وأنا أرتجف من البرد –وربما من الانفعال- في سترتي الصوفية الرقيقة، فخلعت سترتك ووضعتها على كتفي..
شعرت بالدفء وغمرتني السكينة، وأنا أجلس بقربك..
سترتك تلفني فأشتم منها بعضاً من رائحتك، وأتلذذ بالاستماع إليك وأنت تحاور صديقك.
كان الظلام قد أرخى سدوله، ونحن نتابع طريقنا.. قلت لي:
-خسارة.. لقد أوشكنا على الوصول وأنا لم أقبّلك بعد!
-لا بأس.. نؤجلها للمرة القادمة.. لقد تأخر الوقت ومنزل أمي ما زال بعيداً.
-وهل أنا حافلة نقل عام؟!

(فاجأتني عبارتك.. بل صدمتني.. ماذا كنت تقصد بقولك هذا؟!).
نظرت إليك باستغراب:
-طبعاً لا.. أنا آسفة.
والتزمت أنا بالصمت، وأنت تقود سيارتك حتى العيادة.
ترجلنا من السيارة وأنت تسرع في مشيتك.. تسبقني في السير..
تصعد الدرج وتفتح الباب، وأنا أتبعك صامتة وحقيبتي في يدي، وأنا أشعر أني لست أنا..
أحاور نفسي وأضع اللوم عليها.. كل اللوم:
"ماذا كنت تظنين إذن يا مجنونة؟!.. أنت وافقت على اللعبة، وعليك إتمامها".
أغلقت الباب دوننا، ثم احتضنتني بسرعة.
كنت مستعجلاً..
احتويتني بذراعيك القويتين، وغمرتني بقبلات محمومة.
عندما استعدت وعيي كنت تحضر لي فنجاناً من القهوة.. تساءلت:
-لمَ القهوة؟.. أنا لست من محبيها.
-كي تصحي!
-أنا صاحية من دون قهوة.. و..
قطع رنين الهاتف كلامي؛ فأردفت ساخرة:
-ألا تريد أن ترد على الهاتف؟.. هناك من يطلبك، وأنت مستعجل على أي حال.
كنت مدعواً للعشاء في إحدى السفارات، وتركتني أرتشف القهوة المرة وحدي، ودخلت إلى تلك الغرفة الداخلية ترتدي على عجل ثياباً أخرى تليق بالحفل!.

فتحت لي الباب بعد أن تأكدت من خلو الدرج من الجيران، وودعتني عنده:
Call me tomorrow!
-ربما.
وأسرعت أهبط الدرج.
طلبت سيارة أجرة لتقلني إلى حيث تقطن أمي، وتركت لدموعي أن تنساب في عتمة الطريق على خدّي دون حرج.
****
كان أخوتي مجتمعين هناك يتبادلون الأحاديث.. سألوني عن أحوالي؛ فأجبتهم باقتضاب، ولذت بالصمت، سألتني أمي:
-ما بك يا ابنتي؟
-متعبة.. متعبة يا أمي، لقد سافر بيتر، وليلى تتعبني، خاصة عندما يسافر والدها، ومعالجة الطبيب النفساني لم تعط نتيجة حتى الآن.
(كان هناك سبب آخر.. سبب مباشر لا أجرؤ على البوح به).
-إنها فترة ما قبل المراهقة، وعليك أن تتحلي بالصبر.
-أعرف يا أماه.. أعرف؛ ولكن طاقتي تنفذ أحياناً.
عاد أخوتي إلى بيوتهم..
فتحت أمي خزانتها لتريني ما أشترته من جديد الثياب، ثم سألتني بحذر:
-كارمن.. لماذا لا تتجمّلين من أجل بيتر؟.. أنت لا تهتمي بأدوات التجميل والعطور‍!
-إن بيتر لا يحبها.. إنه يسخر مني إن وضعت أحمراً للشفاه قد يراه فاقعاً.
-تجمّلي إذن من أجلك.. كما أفعل أنا.
-…
-.. كما أن ثيابك دائماً "سبور".
-أنا أحبها هكذا.
-ولكن يا ابنتي على المرأة أن تتجمّل من أجل رجلها.. إنه يحب أن يراها في ثياب جميلة.. في ثياب مثيرة!.
-عن أي رجل تتحدثين يا أمي؟!
بوغتت أمي المسكينة بردة فعلي المفاجئة، وبوغتّ أنا..
لقد أخرجتني ملاحظتها عن طوري، وقد عدت من عندك متعبة النفس..
قلت لها بصوت متهدج:
-إن بيتر لم يأبه أبداً لملابسي.. أتظنيني بلهاء ولم أحاول أبداً أن أثيره بملابس مثيرة؟!
كنت أرتدي الثياب وأقف أمامه أسأله رأيه.. وأنت تعلمين يا أمي أن قوامي كان وما زال جميلاً متناسقاً..
-نعم.. وماذا كان يفعل؟!
-كان يكتفي بأن يقول لي: جميل جداً، ثم يعود لينشغل بما كان به مشغولاً!
لقد حاولت كثيراً حتى مللت ورضيت بالأمر الواقع.. أنا لا أثيره أبداً.. آه يا أمي دعينا من هذا الحديث.
لكن أمي لم تدعني وشأني حتى عرفت كل شيء، وبدأت تعاتبني أني لم أخبرها بذلك منذ البداية…
منذ تسعة عشر عاماً، وقد كانت من قبل أمينة سري.
(هل كانت معرفتها بالأمر ستغيّر منه شيئاً؟!..
ربما كانت شجّعتني، وقد كان مفتاح التغيير في يدي وحدي؛ ولكني شغلت نفسي في مجالات كثيرة وجدتها أمامي: الدراسة والعمل والسفر، وكل تلك النشاطات والهوايات.. ربما لأني خفت..
خفت مما سيقوله الناس عني، أنا المعتدّة بنفسي، إن عدت لأهلي صبية مطلّقة).
أمضيت الليلة عند أمي أحاول أن أستسلم بصعوبة للنوم.
استيقظت متعبة، والهاتف بجانب السرير يذكّرني بك: Call me tomorrow
لا.. لن أفعل.
***
عدت إلى المنزل..
حاولت أن أشغل نفسي عن التفكير بك.. فلم أستطع.
حاولت أن أنسى كلامك.. فلم أستطع.
ماذا تظنني بحق السماء؟!.. لقد أزعجتني كلماتك واستعجالك.
لماذا لم تدرك أنني لو لم أحبك لما…
"أرأيت حب المرأة؟!.. إنها تحب بقلبها، والرجل يحب بشهوته؛ فحبها باق وحبه متحول"*
أردت أن أراك في العيادة..
كانت غرفة الانتظار تفيض بالناس ينتظرون حضورك، وقد وقف بعضهم خارجاً لضيق المكان.
طال انتظاري وأحسست بالاختناق؛ فخرجت إلى الشارع.
كانت ليلى برفقتي، تحدثني فلا أسمعها..
أنظر إلى واجهات المحلات فلا أراها.
وفجأة تناهى إلى سمعي صوت ينادي: ليلى.. ليلى.
التفتّ لأراها مقبلة نحونا تبتسم..
قريبتك سناء!
تحدّثنا، وأعطتني رقم الهاتف، وقالت إنها ستسعد بزيارتي لها في القرية.
(يا لها من فرصة سانحة..
سأزورها في القرية لأراك؛ فزيارتها ليست سوى حجة كي أزورك دون أن ينتبه أهلك أني جئت فقط لأراك.. ألم تكن تلحّ علي دائماً أن أزورك، وأرى عريشة الياسمين في حديقتك؟).
***
جاء العيد، وجاءت معه "الفرصة الذهبية".
كان بيتر مسافراً، وذهبت مع ليلى إلى القرية.
سألتني سناء:
-هل زرت الدكتور؟
-لا.. ليس بعد.
-بإمكاننا الاتصال به وزيارته.
-لا بأس.
كانت الساعة تشير إلى السادسة إلا ربعاً عندما اتصلت بك سناء:
-آلو.. مدام كارمن في زيارتنا وتود أن تزورك.
اقترحت علي سناء أن نزور سريعاً ابنة أختك لتعرّفها علي؛ فلم أمانع أن أتعرّف على ريما "الطويلة العريضة.. مرافقتك في رحلاتك ما بين دمشق واللاذقية.
كان لا بد من رفقة ريما وسناء حتى لا يبدأ الغمز واللمز لو جئت أزورك وحدي.. وكم كنت أتمنى ذلك!
حانت الساعة السادسة مساء..
كانت ليلى تلهو مع الأولاد في الحديقة فرفضت مرافقتنا عندما ناديتها، وكنت أحاول إخفاء اضطرابي ونحن نمشي بضعة أمتار تفصل ما بين بيت أختك وبيتك ونلج حديقتك الواسعة المهملة.
استقبلتنا في غرفة صغيرة لها شرفة تطل على البحر، ولحظت في عينيك أنك لم تستيقظ من النوم إلا منذ قليل…
ربما أيقظك من أحلامك هاتف سناء.
كنت ترتدي بيجامة رياضة وخفين، وتحمل بيدك فنجاناً كبيراً ترتشف منه ماءاً ساخناً!
تساءلت ضاحكة متعجبة؛ فقلت:
-لقد مللت من شراب الزهورات، والشاي والقهوة محظورة بسبب ضغط الدم، ولذا أشرب ماءاً ساخناً للتغيير!!
ابتسمت.. غمرني نحوك شعور من العطف والحنان.
جلت بنظري في أنحاء الغرفة الصغيرة أتأمل كتبك المصفوفة، وبعض القطع التذكارية، وصورة لبافاروتي.
-تفضّلي.
-مددت يدك بعلبة الحلوى.. لم أكن راغبة فيها؛ لكنك أصررت أن أتذوق حلوى العيد.
(لم أكن أرغب في الحلوى، ولا في القهوة.. كنت أرغب فقط أن تمر الدقائق ببطء شديد).
-كيف حال زوجك يا كارمن؟
-إنه مسافر.
-أيسافر، ويتركك في العيد وحدك؟
-…
(لم أكن وقتها وحيدة تماماً.. كانت ليلى ما تزال هنا).
كانت سناء تمسك بناصية الحديث معظم الوقت.. تثرثر وأنت تجيبها باقتضاب، وأنا صامتة، وكذلك ريما.
قلت لها فجأة:
-أريد ترميم المنزل قليلاً.. ربما بواجهة خشبية جميلة كما فعلت كارمن بمنزلها.. هل رأيته؟
-..ولكن ما جدوى ترميم منزلك؟.. إنه سيبقى بارداً لا حياة فيه طالما لا توجد فيه أنفاس امرأة تدفئه!
-…
بقيت صامتاً؛ فقد فاجأك كلامها.
أما أنا فقد شعرت بالحرج.. وشعرت بالحزن من أجلك.
لقد كان جوابها مباشراً وقاسياً جداً..
إنها على حق؛ ولكن صراحتها لم تكن أبداً في محلها، خاصة وأني أطأ عتبة منزلك للمرة الأولى.
(لم تخبرني عن تلك التي كانت زوجتك؛ ولكنني عرفت عنها وعنك وعن طلاقكما دون أن أتساءل، ودون أن أسأل..
كانت الصدفة فقط تجمعني بأناس يتحدثون عنك تلقائياً أمامي عندما يعرفون أني أسكن بالقرب منك..
اكتشفت أن معظم الناس الذين أعرفهم يعرفونك مباشرة..
ممرضة العمليات التي تعمل معك بنفس المشفى، والدكتور الذي يدرّس في الجامعة..
حتى معلمتي أيام البكالوريا حدثتني عنك عندما ذهبت أزورها بعد عشرين سنة.. تصوّر!)
قطعت دقائق الصمت بقولك:
-تعالوا نخرج إلى الشرفة.
كان الجو دافئاً وعابقاً بأريج أزهار الليمون، وشجرة غار نضرة باسقة تمتد فروعها إلى ما فوق الشرفة.. كانت آلة التصوير في حوزتي، ورأيت ليلى تعدو نحو بيتك فناديتها..
جلست سناء على حافة الشرفة إلى يسار ريما، وأمعنت النظر عبر العدسة إلى وجهك الحبيب، وأنت تقف ما بين ريما إلى يسارك وليلى إلى يمينك.. كنت تحيط ليلى بذراعك وتبتسم لي وتقول:
-كارمن فنانة.
انتهى وقت الزيارة بسرعة؛ فقد حسم الأمر وصول رجلين يريدان زيارة الدكتور..
قلت لك وأنا أهم بالخروج وأمد يدي بمغلّف أخرجته من حقيبتي:
-أرجو أن تقرأ هذا "التقرير الطبي" وتعطيني رأيك به!
لم يكن ذاك التقرير المزعوم –أمام سناء وريما- سوى رسالة..
رسالة كانت أولى رسائلي إليك.
فرحت كثيراً بزيارتك، ورغم ذلك كنت مصرّة على تسليمك تلك الرسالة..
ثمة أمور ينبغي إيضاحها.
****





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-11-19, 03:22 PM   #7

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

في الصباح التالي، والساعة لم تتجاوز الخامسة صباحاً رن جرس الهاتف..
كان يوم السبت، وقد ولّى العيد..
كنت مستيقظة أنا وليلى، فاليوم يوم امتحان وما زال ينبغي على ليلى قراءة بعض الدروس قبل ذهابها إلى المدرسة.
هرعت ليلى إلى الهاتف ورفعت السماعة:
آلو.. آلو؟!
لم تسمع ليلى جواباً، فأعادت السماعة إلى مكانها.
-من المتكلم؟
-لا أدري يا ماما.. لقد أغلق الخط!.
عرفت أنه أنت.. تضايقت لأني تركت ليلى تسبقني إلى الهاتف، وانتظرت دون جدوى أن تعاود الاتصال.
حلّ المساء، وتبعه مساء آخر، ولم أعد قادرة على الانتظار..
في المساء الثالث اتصلت بك..
كنت مرهقة ومريضة.. لقد أمرضني التفكير بك!.
-آلو؟
-مساء الخير.. أنا كارمن.
-مساء الخير.. كيف حالك؟
أنا متعبة.. بل مريضة.. مريضة بسببك.. هل قرأت الرسالة؟.. لقد كتبتها لأني غاضبة منك.
-آه.. لقد قرأتها، وأؤكد لك أنك مخطئة مائة بالمائة.
-ليت ذلك يكون صحيحاً.
تهدّج صوتي.. كنت على وشك البكاء.
-أنت فعلاً متعبة وغاضبة جداً، ومن أجل ذلك لا بد أن نلتقي ونتحدث.
-أرجو ذلك.. إلى اللقاء.
-إلى اللقاء يا حبيبتي!
***
اليوم المشمس أغراني بالخروج إلى الحديقة لاقتلاع بعض الأعشاب وتقليم بعض الأغصان، وإذ بالهاتف يرن.. أسرعت أرفع السماعة؛ فجاءني صوتك:
-.. كيف حالك؟.. سأزورك بعد قليل.. أنا عند جيرانك!
وقفت لحظات لا أدري ما أفعل..
كنت مذهولة من الفرح أحادث نفسي: سيأتي.. سيأتي لزيارتي.
جمعت بسرعة أدوات الحديقة المبعثرة وغسلت يدي، وقد بدأت قطرات من المطر تنهمر..
رائحة الأرض منعشة، والمطر الربيعي ينهمر خفيفاً من السماء..
ينهمر في قلبي تفاؤلاً..
تجاوزت الساعة الرابعة عصراً ولم تحضر كما وعدتني..
بدأ القلق يساورني؛ لكن الهاتف ما لبث أن عاود الرنين:
-أين أنت؟
-لقد نسيت حقاً أين تسكنين، وعندما سألت بعض الصبايا عن منزلك لمحت في عيونهن الكثير من الفضول، وهن يشرن إلى الزقاق: هنا بيتها؛ لكن زوجها مسافر!.
ولذا لم أجرؤ على الحضور خوفاً من أن تلوكك الألسنة، وتابعت طريقي.
-أين أنت الآن؟
-في منزلي.. في القرية.
-يا إلهي.. تعود إلى منزلك وتتركني أنتظرك دون جدوى.. كان بإمكانك أن تتصل بي هاتفياً من المطعم القريب وتسألني أنا عن المنزل لأدلك عليه.
-آسف.. سأحاول الحضور غداً.
آوت ليلى إلى فراشها..
استلقيت على الأريكة أستمع إلى الموسيقى، وعيناي ترقبان باستمرار حركات xxxxب الساعة..
الساعة الثامنة والنصف.. التاسعة إلا ربعاً..
"سيتصل بي في التاسعة".. كنت أخاطب نفسي، وصدق حدسي..
حوالي التاسعة مساء رن الهاتف:
-إني مدعو للعشاء.. سآتي فور انتهاء الزيارة.. حوالي العاشرة.
-حسناً.. سأنتظرك عند مفترق الطريق، كي لا تتوه مرة أخرى!.
ليلى تنام في فراشي، كالعادة عندما يسافر أبوها..
دخلت لأطمئن عليها.. كانت مستسلمة لأحلامها الطفولية.
ارتديت سترتي اتقاء لرطوبة حملها المساء معه، وخرجت انتظرك عند المفترق.
لمحت ضوء سيارتك القوي من بعيد.. كان قلبي يقفز بين ضلوعي كمراهقة في موعد حبها الأول. وما لبثت أن لمحتني.. بالأفارول الأبيض، ينعكس بياضه ويدلّ علي رغم العتمة.
-هنا العنوان أيها التائه!
قلت لك، وأنت تشير لي أن أسبقك كي لا ينتبه أحد.
أوقفت السيارة عند ناصية الطريق وتبعتني عبر الزقاق.
أمسكت بيدي وقبلتها وأنت تقول: أحبك، ثم مددت لي يدك الأخرى بقرنفلة حمراء داكنة قطفتها لي على عجل من حديقة منزلك.
-تفضل.. أهلاً وسهلاً بك.
-لقد وصلت البارحة إلى هنا.. إلى مدخل الزقاق، ولكن لم يخطر ببالي أن بيتك الجميل مختف في نهايته.
-إنه فعلاً مختف، ولا يمكن رؤيته من الشارع العام حيث أوصلتني في تلك الأمسية.. قل لي: ما هي الموسيقى التي تود الاستماع إليها؟
-كما تشائين.. اختاري لنا على ذوقك.
-فلنستمع إذن إلى موسيقى كلاسيكية.. نستمع إلى شهرزاد.
التفتّ إليك.. كنت ما تزال واقفاً:
-تفضل بالجلوس.. أريد أن أتحدث إليك..
ولكنك جذبتني إليك.. أحسست بحرارة وجنتيك وأنت تعانقني.. وبحرارة أنفاسك تمتزج بأنفاسي وأنت تقبلني، وتقول:
-نتحدث فيما بعد!
جذبتك من ذراعك لتجلس على الأريكة بجانبي، لكنك لم تقتنع بجدوى الكلام!.
وأنا لم أعد قادرة على الكلام..
أحسست أني أطير..
تبخّرت كل كلمات العتاب التي هيأتها لك ولم يعد يهمني سوى أن تضمني ولن أبالي إن مت بعدها..
أجل!!.
في ذاك المساء عندما جئت لتغمر بالفرح وجودي وتهديني قرنفلة كانت عندي أغلى من كل الورود، تمنيت لو أن الزمن يتوقف فلا تقل لي أنك تأخرت وعليك الذهاب.. ثم تتركني وحدي أضم بين ذراعي تلك الوسادة الحريرية الزرقاء وأنا جالسة في نفس المكان الذي جلست فيه أتلمس بأناملي مواضع أناملك على جسدي.
قلت لي:
-أحب رائحتك.. أنت سيدة نظيفة يا كارمن!.
-أعرف!!
(أي نظافة كنت تعنيها؟.. نظافة الروح أم نظافة الجسد؟!.. أنا امرأة نظيفة قلباً وقالباً، وأنت تعرف).
قلت أني متوترة.. وكم تمنيت لو لم أكن كذلك، وكم تمنيت لو تشاء الظروف فنلتقي ثانية في مكان وزمان آخر، وأمنحك ما تشاء دون توتر ودون ترقب لما لا تحمد عقباه..
(لكن الظروف لم تشأ؛ لأنك لم تشأ، وكنت تنساني في أحضان امرأة أخرى لا تتوتر ولا تترقب..
امرأة "محترفة" تعرف كيف ترضيك أكثر!)
-سأطمئن سريعاً على ليلى وأعود إليك.
-أرجوك اجلبي كوباً من الماء.. أشعر بالظمأ!.
جئتك بكوب الماء وفتحت لك النافذة.. كنت تشعر بالحر أيضاً!!.
جلست بقربك سعيدة جداً، ومددت ذراعك تضمني إليك وتعاتبني:
-كيف تكتبين لي هذه الرسالة الغاضبة؟!
-لقد أزعجتني حقاً.. ماذا تظنني إذن.. وماذا تظن نفسك حقاً يا صاحب المرسيدس؟!
-لعن الله المرسيدس!.
-وأصحابها أيضاً!.
-وأصحابها أيضاً!!.. أتعرفين؟.. لقد اتصلت بك صباح السبت..
-في الساعة الخامسة.. أعرف.
-لكن ليلى رفعت السماعة، فأغلقت الخط.
-وما الضير في ذلك؟.. كان يمكنك أن تطلب منها أن تناديني.
-لم أجرؤ.
-أحبك.
-وأنا أيضاً أحبك.
ودعتني عند الباب بقبلة، ونظرت إلى عينيك..
أدركت أنك لن تطرق بابي ثانية.. كان حدسي يقول لي ذلك، وحدسي لا يخطئ أبداً.
***
جئت أزورك في العيادة..
مددت لك يدي بوردة قانية عطرة من حديقتي..
وبصورتي التي أردت الاحتفاظ بها عندما كنا في النبك، وقلت لي أني أبدو فيها "مثيرة"..
وبقصاصة الورق.. ضحكت:
-إن الأدباء حقاً مجانين!.
-نعم.. أنا مجنونة!
ابتسمت وأنت تقرأ:
"جئت كانهمار المطر، وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح.. لم يعد للكلام المخبوء في صدري أي معنى؛ فقد كان حضورك هو كل الكلام".
مددت لي يدك بوردة من كأس على طاولتك، وأردفت:
-وأنا أيضاً أهديك وردة.
-لكن وردتي أذكى عطراً.
-بل رائحتك هي الأذكى!!.
-شكراً.
-لقد سعدت كثيراً بزيارتك ذاك المساء.
-كاذب!!
-كيف تقولين لي ذلك، وأنا أكبر منك سناً؟!.
(قلت لك عفوياً أنك كاذب.. كأني كنت أعرف أنك ستنكر يوماً تلك الزيارة!).
-إن ذلك لا يغيّر من الحقيقة شيئاً!.. فأنت لم تتصل بي أبداً طوال الأسابيع الفائتة.
-اعذريني يا كارمن؛ فأنا مشغول دائماً.
وقفت أريد الانصراف، فاقترحت أن توصلني للبيت، ولم أشأ إزعاجك؛ لكنك أصررت.
خرجنا إلى الشارع حيث تقف السيارة، ومعنا نديم الذي سيترجل على الطريق عند بيته.
كان وجهك يبدو متعباً جداً وأنت تقود السيارة وتتثاءب باستمرار..
قلت لك:
-تبدو متعباً للغاية.
-فعلاً.. لقد وصلت البارحة في ساعة متأخرة جداً، ولم أنم إلا بضع ساعات.
وصلنا إلى مفترق الطريق؛ فأوقفت السيارة فجأة، وقلت لي:
-أنا آسف.. لا أستطيع المتابعة!.
-ماذا تقول؟.. ألن توصلني للبيت؟!
-لم أعد قادراً أن أفتح عينيّ.. أرجوك.. سيوقف لك نديم سيارة.
نظرت إليك غاضبة:
-ألم أقل لك يوماً أني لا أحب المجاملة.. لا أحب المجاملة، واقتراحك لم يكن ضرورياً.
-لكنني كسبت رفقتك على الطريق قليلاً!.
خرجت أصفق باب السيارة ورائي دون أن ألتفت إليك؛ لكنني لمحتك تتحدث إلى نديم الذي ترجّل من السيارة، ثم تنطلق بها إلى بيتك.
"يا له من مجنون.. مجنون"!.
كنت أفكر، بينما نديم مقبل نحوي.. يحاول أن يمتص غضبي بتبرير موقفك، والاعتذار مني نيابة عنك، وهو يمد ذراعه مشيراً لسائق السيارة أن يتوقف.
ناول نديم السائق أجرته دون أن يترك لي فرصة للاحتجاج، وهو يقول:
-هكذا أوصاني الدكتور.
أيها المجنون الذي لا يعرف كيف يكون لبقاً.
لا أريدك أن تجاملني ثم تضعني في موقف مزعج كهذا أمام نديم.
نظرت إلى وردتك في يدي وفكرت: "كان ينبغي أن أرميها لك وأنا أترجل من سيارتك".
الوردة منك.. لن أرميها.. لأني أحبك!
****
تأملت وردتك في المزهرية، وأنا أفكر بك أيها المتعب..
أريد أن أتصل بك هذا المساء..
رفعت السماعة أهاتفك إلى دمشق:
-مساء الخير.. كيف حالك؟
وصلني صوتك مرحاً (أنت إذن غير غاضب مني).
-أهلاً.. مساء الخير.. لقد تعطلت السيارة.. لعن الله هذا المعتوه.. لقد فعل.. إنه.. و.. و..!!!
-هذا جزاؤك من الله لأنك أغضبتني، ووضعتني في موقف محرج أمام هذا الذي يعمل عندك.. نديم.. الله يلعنك!.
ضحكت وأنت تقول:
-طظ في نديم!.
وضحكنا معاً وتحدثنا، ثم ودعتني بأحلى كلمة وأنت تقول:
-مع السلامة يا حبيبتي.
(كم أحببت سماعها منك مرة أخرى).
****
جاءت سوسن تزورني..
أشعلت كل واحدة منا لفافة، وملأت الكأسين على المنضدة الواطئة أمامنا، وجلسنا نتحدث.. سوسن لم تتزوج، ولم تعرف الحب حقاً!
بادرتني بالحديث بعبارة أقرب إلى التساؤل واللهفة لمعرفة إن كانت على صواب:
-إني لن أتزوج إلا إذا وقعت في الحب، وأصابني جنونه.
-أجل.. لا تتزوجي إلا إذا وقعت فعلاً في الحب وأصابك جنونه.
صمتّ في محاولة لمغالبة أحاسيسي، ثم أردفت:
لا تتزوجي إلا استجابة لنداء قلبك، ولا تتزوجي أبداً استجابة لنداء عقلك.. مثلي؛ لأن ثمة ثغرة ستبقى أبداً في حياتك لا يمليها إلا الحب!.. إني أصارحك بالحقيقة لأول مرة؛ لأنك صديقتي.
لا يهم أبداً إن لم يكن من اختاره قلبك "كامل الأوصاف" في نظر الآخرين؛ فلا المركز ولا المال ولا الوسامة تهم عندما يختار القلب، والسعادة لا تكون إلا فيما اختاره القلب.. إنها في هذا الجنون الذي يجعل منك إنسان يولد من جديد!!.
بعد أيام التقيت بسناء.. قالت لي:
-لقد تعبت من الحب.. أتوق للاستقرار، وقد تجاوزت الخامسة والثلاثين.. إلى الارتباط برجل يريحني!
يتعب الإنسان عندما تنفذ طاقته..
يتعب الإنسان حتى من الحب، لأن طاقته تنفذ إن لم يكن حباً متبادلاً.
ويبقى السؤال..
لماذا نتزوج؟!..
هل من أجل الحب وجنونه، أم العقل ومنطقه؟!.. (ألا يمكن أن تجتمع هذه الصفات في رجل واحد، وفي امرأة واحدة تلقاه؟!!).
هل نتزوج من أجل الاستقرار وراحة البال، أم من أجل غريزة حب البقاء؟!!!
****
ألحّت جارتي عليّ أن أشرب عندها فنجان قهوة؛ فدخلت أجاملها دون رغبة حقيقية بزيارتها..
كانت النسوة مجتمعات يثرثرن.. تساءلت أم جورج لماذا لم يتزوج فلان مع أن "حالته المادية جيدة"!
وتحدثت منيرة عن فلانة وحظها العاثر، وعن هم أهلها الذين ينتظرون عودتها..
فقد خطبت الفتاة لابن عمها، وسافرت مع أسرته إلى حيث الإقامة في بلاد المهجر.. وبعد مرور سنوات وهي في كنف عمها، قررت العودة بعدما تبين لها أخيراً أن زوج المستقبل كان يخضع منذ زمن لعلاج لم يجد نفعاً!
تأوهت النسوة حزناً وهن يضربن كفاً بكف!
لا يصارحها.. عسى أن يشفى، أو يضعها يوماً ما أمام الأمر الواقع، وهي تنتظر لتكتشف تلك الحقيقة بعد سنوات.
ربما كانت أحبته أكثر لو أنه صارحها منذ البداية.. إذا كانت فعلاً تحبه!
إذا كانت فعلاً تحبه؛ فإن عودتها ستكون فقط مبرراً لخداعه لها، وإن لم يكن للحب دخل؛ فما عساها تفعل هناك؟!..
ستعود.. والمهم، كما أردفت الراوية، أن لديها شهادة مصدقة من الطبيب تثبت أنها ما تزال عذراء!
هنيئاً لها حصولها على الشهادة: "شهادة حسن سلوك"!
القصة تفتقد إلى المنطق وفتيات هذه القرية يتزوجن على الأغلب من أجل المال، وليس من أجل عيون الحب.. ماذا كانت تفعل هناك طوال تلك السنوات؟!.


****************


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-11-19, 03:27 PM   #8

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



الصيف الأول:

الاعتراف بالحب.. فضيلة !


كان علي الذهاب إلى دمشق لأمر ما..
تعمّدت أن يكون ذلك قبل اليوم الذي تسافر فيه عادة إلى اللاذقية..
أعددت قالباً من الكاتو، واتصلت بك لأخبرك أني سأزورك مساء الغد؛ فرحبت بزيارتي.
كنت أتمنى رفقتك، وقد صنعت الكاتو من أجلك..
أعطيه لك عندما توصلني للبيت وأدعوك سريعاً لشرب فنجان من الزهورات!
كانت العيادة مزدحمة، وكانت حجتي كي أراك أني جلبت لك تلك الصورة التي التقطتها في شرفتك يوم العيد.
تأملت الصورة، وقلت لي:
-يا الله.. انظري كم كبرت!
-أنت ما زلت شاباً وسيماً.. هل أنت مسافر غداً إلى اللاذقية؟
-آ.. في الحقيقة أنا ذاهب إلى بيروت!
كنت تكذب.. لم تعد ترغب برفقتي.
كان صوتك المتردد يشي بك!
في الصباح الباكر أغراني الهاتف قرب الفراش بمنزل أمي أن أتصل بك..
كنت مغتاظة منك، وأردت إغاظتك، وكانت الساعة السابعة صباحاً عندما سمعت صوتك الناعس:
-آلو؟!
-"تضرب بهالكسم" أنت ومن يأتي لزيارتك!!..
لكنني أشفقت عليك لأني أيقظتك؛ فأردفت بسرعة:
-آسفة.. أرجوك عد للنوم.
-كم الساعة الآن؟
-السابعة.. مع السلامة.
-مع السلامة.
عدت إلى المنزل وحيدة، وكان القالب بانتظاري!
بيتر مسافر، وأنا لا أرغب بأكله..
لقد صنعته لك.. ولأمك!
.. سأجلبه لك غداً.
اتصلت بالعيادة..
كنت أتوقع سماع صوت نديم:
-آلو .. هل الدكتور موجود؟
-لا.. ليس هنا!
كان الصوت الضاحك هو صوتك!
-آ.. إنه أنت سآتي إليك لدقائق معدودة.. فقالب الكاتو ينتظرك.
***
قلت لك:
-صنعته من أجلك؛ إذ ظننت أني سأرافقك إلى اللاذقية.
-رائحته لذيذة.. أود أن آكل منه قطعة!.. أنا آسف.. لقد بحثت عنك بعد خروجك، ولم أجدك!
-آ.. هل غيّرت رأيك، ولم تذهب إلى بيروت؟.. أين بحثت عني يا ترى في ذلك المكان الصغير جداً الذي يسمونه دمشق؟!
هذه أيضاً رسالة لك.. لم أكن أنوي أن أراك اليوم.. كنت أريد ترك الكاتو ورسالتي الثانية لك عند نديم؛ ولكنك أجبت على الهاتف، ولم يعد من اللائق أن لا أراك.
-سأقرأها الآن.
استرسلت في القراءة وأنت تبتسم وتقول:
-كلام جميل يا كارمن.. شكراً لك.
(كنت أرجوك أن تتصل بي كما أتصل بك.. إن كنت حقاً أعني لك شيئاً).
اقتربت منك، وأنت جالس خلف طاولة المكتب، لألمس شعرك الفضي وأشدّه برفق، وأنا أهمس:
-لماذا ابتلاني الله بك؟!
ابتسمت، ووضعت الرسالة في محفظتك وسألتني:
-متى يعود زوجك؟
-الأسبوع القادم.
-تبدين غير متحمسة لعودته.
-…
-إنه إنسان لطيف.
-أجل، إنه إنسان لطيف وطيب القلب.. علي الذهاب الآن؛ فقد تأخر الوقت.
-انتظري.. سنخرج معاً.
خرجنا معاً إلى الشارع.. شددت على ذراعي برفق، وودعتني بمودة وأنت تعتذر أنك لا تستطيع أن تقلني بالسيارة إلى المنزل، لأن ثمة أموراً عليك إنجازها.
كنت أعرف تلك الأمور التي كان عليك إنجازها مراعاة للتقاليد، وأعرف أنك لم تكن تكذب هذه المرة!.
***
عاد بيتر من السفر، ورن الهاتف في نفس اليوم..
كنت أنت على الطرف الآخر:
-مرحباً.. كيف حالك.. هل جاء بيتر؟
-أهلاً بهذا الصوت الجميل!!.. أنا بخير لقد جاء.
-حمداً لله على السلامة.. بلّغيه تحياتي.
-"الله يسلمك".
-لقد عدت تواً من بيروت، وفكرت أن أتصل بك.. يمكنك مشاهدتي على شاشة التلفاز في نشرة الأخبار.
-حقاً؟!.. سأجلس فوراً أمامها.. تفضل لزيارتنا، واشرب عندنا فنجان قهوة.. أقصد فنجان ماء ساخن!
ضحكت أنت للدعابة، وضحكت أنا.. ضحكت من قلبي، ثم تسمّرت أمام الشاشة أتابع بترقب كل نشرات الأخبار في المحطات اللبنانية والسورية.. لم أشاهدك؛ ولكنني كنت فرحة جداً في ذلك اليوم.. فرحة بهاتفك، وبسماع صوتك.
فرحت أنك تفكر بي.. أنك تتصل في نفس اليوم لتجعلني أدرك أني أعني لك شيئاً.
***
عاد بيتر من السفر في حزيران..
عاد، كما يعود كل مرة ليحدثني عن متاعبه مع أهله:
-آه.. أنا سعيد أننا جئنا للعيش هنا.
كان يجلس على السجادة.. يمسك الكأس بيده، ويحتسي منها جرعات صغيرة ويتكلم:
-أمي.. إنها ليست سوى أفعى تنفث السم…
كنت أهز رأسي أوافقه على كلامه دون رغبة مني بالمشاركة..
لقد مللت..
مللت من الشكوى.. أسمعها منذ عشرين سنة، وحتى أتخلص منها وافقته على العودة إلى بلادي منذ ست سنوات (فالوقت مناسب وقد بلغت ليلى السادسة من عمرها، ويمكن تسجيلها مباشرة في المدرسة)..
جئنا لنعيش هنا؛ لكن الشكوى لم تنته.
كنت شاردة الفكر.. وقد عاد بيتر.
عاد بيتر ليكتفي كالعادة بقبلة يطبعها على وجنتي، ولا شيء سواها.. لا شيء.
لم يحاول مرة أن يفاجأني بقبلة شوق.. بعناق حار.
أن يحتويني بين ذراعيه ويمارس الحب معي في وقت أو مكان لا أتوقعه..
على السجادة مثلاً!
فجأة.. توقف بيتر عن الكلام؛ فقد لاحظ أني لا أعير كلامه كل اهتمامي:
-ما بك؟.. لماذا أنت شاردة الذهن؟
-لا.. لاشيء.. إنني فقط أفكر بما تقوله، وبليلى.. إنها تتعبني كثيراً، خاصة عندما تسافر.
-أعرف.. ولذا من الضروري أن تفكري بنفسك؛ فأنا هنا الآن، وقد جاءت العطلة المدرسية، ويمكنني المكوث وحدي مع ليلى.. سافري إلى المغرب كما اتفقنا.
"طبعاً سأسافر.. فالأمر عندك سيان، لأنك لا تفتقدني كما يفتقد رجلاً امرأة"..
(لم أقل له ذلك؛ بل فكرت به فقط).
***
قبلة واحدة..
قبلة "تصبح على خير"، ويدير كلا منا ظهره للآخر.
بيتر يغط سريعاً بالنوم في هذا الفراش المشترك لأول ليلة بعد عودته..
لماذا أردناه سريراً مزدوجاً؟!!
مددت يدي إليه أمسّد ظهره برفق، وأداعب شعره بأناملي علني أوقظ فيه شيئاً ما!
استجاب للمستي.. استدار ليطلب المزيد.
المزيد من تمسيد الشعر!!
ارتفع غطيطه.. نام.
نام، وأنا لا يغمض لي جفن.. تتنازعني مشاعر شتى وأشواق غامضة..
لا.. إنها ليست أشواقاً غامضة:
أتذكر تلك الذراعين القويتين، وأشتاق إليهما رغماً عني.. أشتاق إليك.
أشتاق لصدرك تضمني إليه بقوة..
لأول مرة أشعر بقوة رجل.. أتلذذ بعناق يكسر ضلوعي!
أشتاق إليك.. لرائحتك..
رائحة رجل تشتهيه امرأة، وأنا امرأة..
امرأة ملعونة!
يؤنبني ضميري وأخاطب نفسي:
ما بالك أيتها المجنونة؟.. هذه مجرد أمور تافهة.. أنت تريدين رجلاً يحترم عقلك ويعاملك كإنسان وليس مجرد أنثى.
هو هكذا.. ليس كازانوفا؛ ولكنه يحترمك ولا يكبّلك.. يمكنك أن تروّضي جسدك؛ ولكن لا يمكنك أن تلغي عقلك!
لا.. هذا هراء.
أنا لا أريد أن أروّض جسدي، ولا أريد أن ألغي عقلي.. إنهما أنا ولا يمكنني فصل أحدهما عن الآخر!
إنها الليلة الأولى.. بعد غياب أشهر.
يغيب ويعود، وتكون كل ليلة أولى بعد عودته كمثيلاتها!
ولكن؟!!
ترى هل كنت سأستجيب لو أن المبادرة كانت في هذه الليلة مبادرته؟!.. لا أظن!
أية مبادرة أتحدث عنها؟!
عندما أتذكر مبادراته أشعر نحوه بالشفقة أحياناً، وبالاشمئزاز أحياناً أخرى..
أجل.. بالاشمئزاز.
أشعر بالاشمئزاز من نشوة لا يمكنه بلوغها معي.
كان ذلك يجرح أنوثتي، وأتمنى في أعماقي لو أصفعه!
لكنني كنت أسيطر كل مرة على انفعالاتي وأكز على أسناني..
أدير ظهري وأغمض عيناي أو أحدق في الفراغ..
قد تنحدر من عيني دموع لا يشعر بها إلا إذا فقدت السيطرة على انفعالاتي، وسمع نشيجي المكتوم؛ فيلمس عندئذ ظهري بيده معتذراً بلا كلمات.
استيقظ بيتر؛ فتذكرت أنني أبكي..
لم يسألني؛ فهو يعرف السبب.
السبب؟
إنه لم يعد سبباً واحداً؛ بل سببين..
السبب الأول الذي يعرفه بيتر كما أعرفه أنا سبق وتناقشنا فيه كثيراً.. أما السبب الآخر؛ فهو أنت!
سيحين وقت الاعتراف، والاعتراف بالذنب فضيلة.
ولكن.. هل حبك ذنب؟!
***
جلسنا، بعد أن غفت ليلى، نحتسي الشاي ونتحدث في شرفة الشقة التي استأجرناها بدمشق..
استأجرناها كي تذهب ليلى إلى مدرسة خاصة لعل نفسيتها تتحسن؛ فقد أتعبتنا كثيراً.
تأملني بيتر طويلاً وأنا شاردة الذهن ثم سألني:
-كارمن.. بماذا تفكرين؟
-إني أفكر.. بوضع ابنتنا طبعاً.
-طبعاً، ولكن ثمة أمر آخر يقلقك.
-لا شيء.
عاد يتأملني، وأنا أتجنب النظر في عينيه مباشرة مخافة أن ينفذ إلى أعماقي ويعرف أني بك أفكر؛ فعيناي مرآتان تعكسان له فوراً ما بداخلي.. خشيت أن يراك فيهما؛ لكنه كان قد رآك منذ زمن!
-كارمن.. أرجوك أن تنظري إليّ في عيني مباشرة.
ونظرت في عينيه مباشرة وانهمرت دموعي:
-أنا آسفة.. آسفة جداً.. لم أشأ أبداً الإساءة إليك.. لكن الأمر رغم إرادتي.
-آه يا كارمن.. أعرف أن الأمر رغم إرادتك.. وأنا أدركته منذ البداية.. من وجهك الذي يشع فرحاً، وابتسامتك التي تحاولين بها إخفاء ارتباكك كلما تحدثت عنه.. وكثيرة هي المرات التي حدثتني فيها عنه.. لا بأس عليك؛ فأنت على الأقل لا تجيدين الكذب، وهذه فضيلة!
(أنا فعلاً لا أجيد الكذب، ولم أجد أبداً سبباً واحداً يدعوني للكذب طوال تسعة عشر سنة زواج.. كان الصدق هو دائماً الطريق الأسلم).
-تعرف؟!.. وتتجاهل، وكأن الأمر لا يعنيك أبداً.
-بل يعنيني.. ولكن ماذا علي أن أفعل؟!.. هل تتوقعين مني أن أفقد صوابي وأشتم وأصفعك؟.. لقد أحببته رغماً عنك؛ فنحن بشر لا يمكننا التحكم بعواطفنا!.
أنا أجده لطيفاً ومحبوباً ومحترماً!.. ومن الأفضل أن تذهبي إليه وتتأكدي من عواطفه، وعندئذ سيكون شرطي الوحيد أن نبقى أصدقاء.. هذا هو شرطي الوحيد!!
حملقت فيه غير مصدقة، ولم أحر جواباً.. لقد صدمني هدوئه وهو يتحدث عنك، وعني، وكأنه يتحدث عن امرأة أخرى ليست زوجه.
حيّرني موقفه.. هل أفرح لأنه أوجد لي مبرراً يحررني من الشعور بالذنب؟.. أم أنقم عليه لأن أمراً خطيراً كهذا لا يخرجه عن طوره؛ فيغضب ويغار ويحاول أن يدافع عن حقه.. فيّ!!
إنه يتنازل عني بكل سهولة!
هل هو بمنتهى النبل، أم بمنتهى النذالة؟!..
ذكّرني موقفه برواية ألبرتو مورافيا "الاحتقار".. فهل أحتقره؟!
لا.. أنا أشفق عليه.
أنا لم أكتشف شيئاً جديداً، فهو لم يكن أبداً زوجاً.. بل صديق.
مجرد صديق.
بقيت ساهمة أفكر..
هل أجرؤ حقاً أن آتي إليك وأخبرك عن هذا كله؟!
*****



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-11-19, 03:28 PM   #9

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


اتصلت بك هاتفياً..
كان تجاهلك لي منذ تلك الزيارة اليتيمة يغيظني.
أخبرتك على الهاتف أني اعترفت بذنبي؛ لكنك اكتفيت بضحكة مرتبكة قصيرة تناهت إلى سمعي..
خمنت أن زواراً كانوا لديك عندما اتصلت؛ فجئت أزورك في العيادة..
استقبلتني بقبلة على الوجنتين، وسألتني عن أحوالي..
أخبرتك أني مسافرة إلى المغرب.. فسألتني بلهفة:
-هل انفصلتما؟
-بالطبع لا!..
حاولت بجوابي أن أبدو لا مبالية.
كنت عصبي المزاج.. تذرع الغرفة جيئة وذهاباً:
هل.. هل اعترفت له حقاً.. هل قلت له أننا…؟
خفت عليك من ضغط الدم.. فكذبت رغم أني أكره الكذب:
-أجل؛ ولكنني لم أقل له أنه أنت.. اطمئن!
-كيف تصارحيه بأمر كهذا؟!.. It is too hard
-أنا لا يمكنني أن أكون كاذبة، وكل إنسان مسؤول عن تصرفاته، وعليه أن يتحمل العواقب.
-وماذا قال لك؟
شعرت بالخجل وأنا أجيبك:
-لا ما نع لديه شرط أن نبقى أصدقاء.
-هكذا هم هؤلاء الأجانب!
حاولت أن أخفي اضطرابي، وأنا أستفسر منك بحذر:
-هل تظنني أجاملك عندما أدعوك لزيارتنا؟
-طبعاً، لا!
-لماذا لا تزورني إذن؟
-الحق عليك.. ما كان ينبغي أن تصادقي هذه الثرثارة.. سناء!
-أصادقها؟!.. هل تظن حقاً أني أقضي طوال الوقت أثرثر معها؟!

ألا تدرك أنني أشعر بالوحدة.. أنا بحاجة لأحد أتكلم معه، ولو ببعض السخافات.
أحسست برغبة في الخروج من هذه القرية المنعزلة التي أقطن فيها، والتي لا يحب أهلها الغرباء، وكأنهم هم أنفسهم غرباء عن عاداتنا، ولذا زرت سناء مرة أو مرتين فقط لا غير..
-أصبحت سناء تعرف أني زرتك.
-وما الضير في ذلك؟.. كثيرون هم الذين يزوروننا.
-ولكني لست كباقي الناس، وزوجك ذكي بما فيه الكفاية ليعرف!
(طبعاً يا عزيزي.. إنه ذكي بما فيه الكفاية.. ذكي ليعرف أنه أنت ولا أحد سواك!!).
-ولكنني مشتاقة إليك، فماذا أفعل؟!
-يا كارمن.. you are not free
-…
وقفت أصافحك مودعة في غرفة الانتظار، عندما دخل اثنان كانا على موعد معك.
قلت لي مستدركاً:
-أقسم لك يا كارمن أن لا وقت لدي.. لا أعرف متى يكون لدي وقت.. اتصلي بي الساعة السادسة من مساء الغد.
(لا وقت لديك؛ لكنك ببساطة لا تريد أن يكون لديك وقت.. ورغم ذلك، سأتصل بك غداً).
عندما اتصلت بك بادرتني تقول:
-آه منك يا كارمن.. أنت دائماً عاتبة.. سافري وعودي بالسلامة وسوف أستقبلك بالأحضان؛ فهذه ليست نهاية العالم.

شعرت أني مجرد طفلة صغيرة، وأنك تلاطفني فقط.. مجرد ملاطفة كي لا أنفجر بالبكاء.
***
سافرت إلى المغرب أحمل معي صورتك..
أضعها قرب السرير وأناجيك..
ثلاثة أسابيع لم تغب عن بالي يوماً واحداً.
أصبحت مجنونة بك، وتمنيت لو أن الجنون أصابك أيضاً؛ فتركت المرضى ينتظرون وجئت إلى المطار في اللحظة الأخيرة لترافقني قبل أن تقلع الطائرة.. كما في الأفلام!!
أتذكّر كلماتك: You are not free
كيف تكتشف فجأة أني لست حرة، وتقولها لي بكل بساطة.. بعد فوات الأوان؟!
تمسك يدي وتشرح لي عن ال affection والتفاعلات الكيميائية، ثم تقول لي You are not Free
أرسلت إليك من المغرب.. بطاقة عتاب وبطاقة شوق، وعدت من السفر، ليسافر بيتر من جديد!
عدت أنتظر أن تتصل بي؛ فأنت تعرف حتماً موعد قدومي.
هل تعرف حتماً موعد قدومي؟
هل أنا مهمة جداً بالنسبة إليك حتى تتذكر ذلك؟!.. وكم من الأمور الهامة تنساها بشهادة أقربائك؟!!
.. كان انتظاري دون جدوى.
فجئت إلى العيادة أحمل هدية صغيرة من المغرب تركتها لك عند نديم.
وبقي الهاتف رغم ذلك أخرساً..
في التاسعة صباحاً حدّثني حدسي أنك ما زلت في القرية رغم أنك في مثل هذا اليوم، وفي مثل هذه الساعة تكون عادة في دمشق.
اتصلت بك، وجاءني صوتك جافاً جداً.. كنت تغلي غضباً!!
أغضبتك كلمات العتاب.. ألا يحق لي أن أعاتبك؟!
هل كانت كلماتي قاسية إلى هذا الحد؟.. لا أظن.
قررت أن ألقاك..
كان لدي بعض الأعمال في دمشق، لكنني أنهيتها بسرعة، وكان بإمكاني العودة ظهراً إلى اللاذقية، إلا أني أجّلت موعد السفر خصيصاً من أجل أن أراك مساء في العيادة.
جئت مبكرة جداً، ومتوترة جداً.
جاءني سكرتيرك "المؤقت" علي بفنجان قهوة، فسألته:
-متى سيحضر الدكتور؟
-إنه عادة يتصل في الخامسة والنصف، ويسأل إن كان ثمة من ينتظره.. وإلا فإنه يأتي في الساعة السادسة.
-اتصل به إذن، وأخبره أن ثمة مريضة تنتظره بحالة مستعجلة!
جلت بصري في المكتب؛ فوجدت بطاقتي المرسلة من المغرب موضوعة على الطاولة.
لم تكن البطاقة الأولى "العاتبة"؛ بل البطاقة الثانية.
فاجأتك رؤيتي في العيادة.. نظرت إلي غاضباً، فأسرعت نحوك أقبّلك على الوجنتين.. أعتذر وأعدك ألا أكتب مرة أخرى.
لم أستطع أن أفهم كل هذا الغضب بسبب بضع كلمات عتاب.
-شكراً أنك تحتفظ ببطاقتي.
-لكنني مزقت الأولى إرباً!!
-ولكنني أريد أن أعرف.. من حقي أن أعرف.. هل تحبني؟
-لو لم أحبك لما زرتك!
دنوت منك، وضممت رأسك إلى صدري.. أقول لك: أحبك.
وعدت أجلس على الكرسي حيث كنت، مخافة أن يدخل علي فجأة:
-هل وصلتك الهدية، أم أنك كسرتها في ثورة غضبك؟!
-أية هدية؟!
-هديتي لك من المغرب.. لقد تركتها لك في العيادة عند نديم.
-نديم مجنون.. وهذا أيضاً!!
وأشرت إلى علي الذي دخل للتو حاملاً إليك كوباً من الماء.
نظر إلي علي وكأنه يقول: "أترين؟.. إنه يتحامل علي أيضاً"!
انتظرت الفتى حتى خرج ثم بادرتك بسؤال مباشر وصريح:
-قل لي بحق السماء.. هل تريدني حقاً كما أريدك؟!
لا بأس.. لن أغضب منك إن صارحتني وقلت لي "أنا آسف.. كنت أتسلى معك"!
عندئذ سأخرج من هذا الباب كما دخلت منه، ولن تراني بعد ذلك أبداً.
وجاءني جوابك.. جواباً فورياً؛ لكنه ليس حاسماً كما كنت أتمنى:
-نبقى أحباباً؛ ولكن انتظري الوقت والمكان المناسب.
لم أسألك متى يحين ذلك؛ فقد كان دخول إحدى المريضات إيذاناً بانتهاء الزيارة.
كنت أعزي نفسي وأنا أحث الخطى نحو الحافلة:
"انتظري، واعذريه –ربما- فأنت في مجتمع شرقي يحصي عليكما كل شاردة وواردة".
كان بائع اليانصيب يجلس القرفصاء عند الحافلة ويمد يده بالبطاقات.. قلّبت الأوراق بحثاً عن رقم أتفاءل به، ووجدته.. رقماً فيه سنتي ميلادنا متجاورتين؛ فاشتريت البطاقة، ولم تربح!
مزقتها ورميتها، ثم ابتسمت إذ تذكرت المثل القائل: "خاسر في اللعب، رابح في الحب"!!
***
أنا في الحب –كما في اللعب- خاسرة معك..
انتظر الوقت والمكان المناسب.. أنتظرك.
وأنت تعللني بالآمال على أمل أن أدرك يوماً كذبها، وأرحل عنك..
لكنني أعرف منذ زيارتك اليتيمة أنك لم تعد ترغب بي؛ فقد اعترفت لك بحبي.
وهل من شيء يخيفك أكثر من ذلك؟!
لم أعد أثيرك؛ فقد حصلت علي، وانتهت اللعبة.. لعبة المطاردة!
الرجل يطارد المرأة، وعليها التظاهر باللا مبالاة.. "بالتقل".
عليها أن تخادعه ولا تخطئ!!
فإن أخطأت وباحت، وربما أباحت انقلبت الموازين، وخسرت اللعبة!
لعبة شرقية سخيفة لم أستطع أن أفهمها، ولا أريد أن ألعبها.
طالما تساءلت عن جدوى إخفاء الوجوه وراء الأقنعة..
الأقنعة تمنع الهواء النقي وتفسد الوجوه.
أو ليس من الأفضل أن نواجه أنفسنا بمشاعرنا ونعترف بنقاط ضعفنا؟
لماذا لا يركض المرء باتجاه الآخر بدلاً من الركض ورائه، ثم معاودة الركض في الاتجاه المعاكس؟!
أما أنت..
فهل أتقنت اللعبة حتى الثمالة، ولم تعد تر في المرأة سوى شفتيها ونهديها ومؤخرتها وساقيها؟
ألا يعنيك رأسها وقلبها البتة؟!
كان القدر يخبئك لي بعد عودتي من الغربة؛ فأحببتك رغم كل ما سمعته عنك، ومنحت قلبي المتمرد فرصته الأخيرة، رغم تحذيرات عقلي، ولم أستطع أن "أتقل"!.. لكنني لم أكن أبداً مبتذلة معك؛ لأن الابتذال يحوّل الحب إلى شيء آخر لا أريده أبداً.
الحسناوات السخيفات المبتذلات حولك هنا، وفي بيروت، وأنت.. ربما لا ترغب أبداً بوجود صنف آخر من النساء.
ذاك الصنف المتعب!
هل كنت واهمة إذ ظننت أنك أنت المتعلم المثقف المسافر مثلي ستبادلني حباً بحب واحتراماً باحترام، وأنك ستهتم لعقلي وجسدي وقلبي معاً؟
وهل أنت رغم أسفارك وشهاداتك ونشاطاتك لست سوى شرقياً يهوى المطاردة؟!

***

جلسنا، بيتر وأنا، نحتسي الشاي ونتحدث في أمورنا..
ونتحدث عنك أيضاً..
قلت لبيتر:
-… لقد فكرت بالذهاب إليه.. أريد أن أراه ليس من أجلي؛ بل من أجل ليلى.. من أجل عمل فحوصات شاملة لكل عضو من أعضائها في المشفى الذي يعمل فيه.. عساه يساعدني، ويسهّل علي الأمر؛ فقد أصبحت أشك في أن يكون مرضها مجرد مرض نفسي، إذ أني لا أرى أبداً أية بوادر تحسن؛ بل على العكس من ذلك تماماً.
-أوافقك الرأي.. لا بوادر تحسن، وهو إنسان نبيل لن يخذلك، أو يبخل عليك بالمساعدة.
(عجباً.. كل منكما يمتدح الآخر أمامي، وأنا حائرة بين من عشت معه عشرين سنة؛ فكان صديقي الذي يفهم جنوني، وبين من زلزل كياني، وأيقظت رجولته أنوثتي الغافية!.. بين من فشل أن يكون زوجاً، ومن خاف أن يصبح حبيباً!!).
لم أذهب إليك؛ فقد كنت مسافراً، وقرر بيتر أن يسافر مع ليلى إلى بلاده ويجري لها الفحوصات الشاملة هناك.. وخيراً فعل بقراره هذا.


****************



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-11-19, 03:29 PM   #10

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الخريف الأول:
أضاع الياسمين شذاه




بعد سفر ليلى وبيتر لم يكن لدي الوقت أو الرغبة للتفكير بذاتي..
ليلى ومرضها وشفاؤها ومستقبلها هي همومي التي طغت على ما سواها..
كنت في حالة ترقب وانتظار..
أنتظر هاتف بيتر..
أنتظر موعد السفر..
خطر ببالي أن أزورك.. ألم يقل بيتر أنك إنسان نبيل، ولن تخذلني أو تبخل علي بالمساعدة؟!!
مضى ثلاثة أشهر لم أرك فيها..
ثلاثة أشهر منذ زيارتي لك بعد عودتي من المغرب في أوائل آب..
فكرت أن أزورك هذه المرة من أجل ليلى فقط..
****
هل تذكر عندما جئت إليك من أجلها في صباح خريفي مشمس من صباحات تشرين الثاني، وقد عدت لتوك من السفر؟
كنت قد حضرت في اليوم السابق وبقيت أنتظرك في حديقة منزلك حتى الحادية عشرة وأنت ما تزال تغط في نومك بعد عودتك من تلك الرحلة الطويلة، فتركت لك رسالة وذهبت على أمل لقياك في اليوم التالي قبل أن تذهب إلى العيادة.
الرسائل كانت وسيلتي الوحيدة للتحدث إليك بكل صراحة، والبوح بما لا أستطيع أبداً البوح به عندما نلتقي لقاءاتنا القصيرة جداً..
وجدت أني أكتشف فيها نفسي من جديد.. أنزع عنها كل تلك الأقنعة التي اختبأت وراءها طويلاً.. لم يكن دافعي لكتابتها أنت.. فمنك لم تصدر أبداً أية بوادر تشجيع لي لأبوح؛ بل بوادر إحباط..
رسالتي الأولى حملتك إلى بيتي لتعتذر مني بطريقتك الخاصة، ورسالتي الثانية ذكّرتك برقم هاتفي.. لكن ردة فعلك السلبية بعد كل رسالة بعدهما كانت تصيبني بالإحباط؛ فأبكي وألملم من جديد أجزاء نفسي المبعثرة.. أعيد حساباتي لأجد أني ما زلت أحبك.. أحبك!
كان حبك.. بل الحب، بحد ذاته، هو دائي ودوائي ودافعي للكتابة؛ فلو لم أحب لما اكتشفت نفسي من جديد..
جئت إليك وتركتني عمداً أنتظرك طويلاً في غرفة الاستقبال..
كنت غاضباً من رسالتي، وكان صوت المذياع يتناهى إلى سمعي من الطابق الثاني وأنت تستمع إلى نشرة الأخبار من محطة إذاعية ما، وقد خرجت لتوك من الحمام!.
كنت مستندة على الباب المؤدي إلى الحديقة أتأملها وأشفق عليها من الإهمال..
كنت متوترة بعد ليلة لم أغفو فيها إلا قليلاً.. ليلة أمضيتها قريباً جداً منك.. في منزل سناء.
فكيف لا أتوتر؟!
كانت سناء قد دعتني للاحتفال مع أصدقائها بعيد ميلادها، وامتدت السهرة حتى الثالثة صباحاً، وعندما خلا المنزل من المدعوين خرجت إلى المسجد الصغير حيث ضريح والدك؛ فوضعت على نافذته زهرة قرنفل وشكوتك له.
صحوت باكراً جداً فخرجت من المنزل بهدوء والجميع نيام ومررت بجوار منزل أمك فنادتني المرأة التي تقوم على خدمتها، وقد عرفتني غريبة لتسألني بفضول من أكون.
ومررت قرب بيتك وأنت تغط في النوم ثم مشيت حتى غاب عن أنظاري فجلست على صخرة أتأمل هذا البحر المتوسطي الممتد حتى الأفق وأنتظر أن تحين الساعة التاسعة.
جلب لي جهاد، هذا الشاب البليد الذي يعمل عندك، فنجان القهوة وتركني أنتظر ربع ساعة إضافية قبل أن يخطر بباله أن يخبرك عن قدومي!
ثم سمعت خطواتك وأنت تهبط الدرج لتمد يدك مصافحاً فقط، وتبخل علي بقبلة على الوجنتين اعتدت عليها منك.
شممت رائحتك.. شممت عطرك الذي وضعته بعد الحلاقة ووددت رغم كل شيء أن أدنو من وجنتيك وأطبع عليهما قبلتين!
لكنني تمالكت نفسي، ككل مرة، وبادرتك بالتحية:
-صباح الخير والحمد لله على السلامة.
-الله يسلمك.. كيف حالك؟
-زفت!.. وأنت تعلم.
-نظرت إلي مستغرباً وكأنك لا تعرف.
-ألم تقرأ الرسالة؟
-لا.. لم أقرأها.
-بل قرأتها!
-ما هو المطلوب إذن؟!
-أنت تعرف من الرسالة.. تعرف أن ليلى تخاف من الأطباء وتخاف منك أنت بالذات، أولاً لأنك طبيب، وثانياً لأنها لم تكن غافية تماماً بالسيارة ذاك المساء.. لقد أخبرتني أنها رأتنا… أنت تفهم ما أعنيه.
-لا!!
-بل تفهم.. أريدك أن تكتب لها أنك تحبها.. بضع كلمات فقط تهدئ من روعها وتشجعها.. أرجوك.
لقد أوهمتها أنها كانت نائمة وكانت تحلم.. إنها ابنتي، ولا أريدها أن تكرهني.
كانت ليلى قد سافرت مع والدها إلى بلدها الثاني ولم يمض شهر على دخولها المدرسة الجديدة.
كم بكيت ليلة سفرها.. عرفت أن ليالي طويلة مريرة ستكون بانتظاري.. وانتظرت.. انتظرت أياماً طويلة وأنا أتحدث مع بيتر بالهاتف، وليلى ما تزال تنتظر دورها لدخول المشفى والمكوث فيه لإجراء كل الفحوصات اللازمة.. كنت أنتظر فقط يوم دخولها المستشفى لأطير فوراً إليها.
كان خوف ليلى من الأطباء والمشفى والحقنة يصل إلى حد الرعب، ولذا جئت إليك، لأنك طبيب و.. "صديق"؛ فقد تشجعها بعض كلمات رقيقة منك أنت بالذات أضيفها إلى كل بطاقات ورسائل الحب التي جمعتها من الأهل والأصحاب لأرسلها لها.
لم تشأ أن تكتب لها؛ فأنت غاضب من رسالتي، وأنا لم أعد قادرة إلا على كتابة الرسائل.. لم أعد قادرة أن أستجديك من جديد وأسحب منك اعترافاً كاذباً بأنك تحبني.
كنت غاضباً جداً وأنت تقول لي:
-ولا كلمة!
-ولا كلمة؟!.. ماذا أريد أنا منك حقاً؟.. لا شيء البتة.
-أصبحت التراكمات كثيرة يا كارمن.. ما كان يجدر بك أن تصادقي سناء، ولا أن تتعرفي على أسرة أختي حتى لا تلوكك الألسنة.. هذا لصالحك.. أم أنا؛ فلا يهمني!
كنت عصبي المزاج للغاية وأنت ترافقني حتى الباب وتشتكي:
-يا إلهي.. أنا لم أشأ سوى صداقة.. صداقة فقط.. إن النساء العربيات فعلاً معقّدات!!.
(هذه السناء… قريبتك..
لاحظت امتعاضك لوجودها بالصدفة هناك عندما جئت إليك كما تواعدنا لأرافقك إلى اللاذقية ذاك المساء.. لماذا؟‍!
لماذا لم تقل لي مذ زرتها لأول مرة أنك لا تحبذ ذلك؟ كنت تجنّبتها من أجلك، ولم أزرها بعد ذلك…
كيف كنت تريدني إذن أن أكون كي لا أكون "معقّدة".. ألست أنت حقاً من هو في منتهى التعقيد؟!!).
لم أعد أدري ما أقول، ومددت يدي بأزهار ياسمين قطفتها من شجيرتك عندما كنت أنتظرك…وضعتها على الطاولة:
ـ إن ياسمينك لا رائحة له!
نظرت إلي ببرودة نفذت إلى قلبي، وبقيت صامتاً..
أردفت وكأني أحاول الوصول إلى طوق ما للنجاة أخشى أن يفلت مني:
ـ ماذا.. ماذا أعني أنا لك حقاً؟!
ـ لاشيء… لاشيء البتة‍ .. إن صداقتنا ليست سوى صفر.. صفر‍
اختنقت الكلمات في حلقي.. ماذا أقول بعد؟… لاشيء، فقد انتهى الكلام.
عند الباب.. وأنا على وشك الذهاب إلى منزل أختك، وأنت على وشك الذهاب إلى بيت أمك قلت لي فجأة:
ألست ذاهبة إلى دمشق؟
ـ أجل..
ـ اتصلي بي إذن من هناك!
ـ متى؟!
قلتها بلهفة وبلا وعي ثم استدركت:
ـ لا… لن أتصل بك.. فما جدوى ذلك؟!..
بقيت صامتاً.. وتابعت سيرك، وتابعت سيري، والدموع التي انحبست في حضورك بدأت تترقرق في عيني.
(يا إلهي ما أشد قسوتك.. كيف تكون فظاً هكذا وتردد على مسامعي: "صفر.. صفر"، دون أن يرف لك جفن ودون أن تسمع قلبي وهو يتفتت؟.. كيف تجرؤ أن تكون بارداً هكذا فلا تعطيني على الأقل قبلة الوداع؟!.. ثم تطلب مني فجأة أن أتصل بك في دمشق؟!… آه منك، ربما لا تعرف حقاً ما تريد.. بل من المؤكد أنك لا تعرف)…
ما إن وصلت إلى منزل أختك حتى كانت الدموع تنساب على خدي دون حرج.. أما هم: أختك وزوجها وابنتها، فقد شعروا بالحرج عوضاً عني..
قالت لي أختك:
ـ إنه طيب القلب ولن يلبث أن يصالحك..
ـ لا.. إنه لن يفعل.. لن يصالحني أبداً..
****
مكثت شهراً في دمشق.. شهراً في تلك الشقة التي استأجرتها.. شهراً، أنتظر أن تتصل بي، ورقم الهاتف كتبته لك على مظروف تلك الرسالة التي وضعتها في صندوق بريدك…
كان لابد من الكتابة؛ ففي حضورك أنسى دائماً ما أود قوله، ثم تتدفق في رأسي عند غيابك كل الكلمات التي كان يبنغي أن أقولها لك.
أتساءل إذا كنت قد قرأتها… تلك الرسالة المجنونة (بل تلك الرسالتين؛ فرسالة واحدة لم تكن كافية).
رن جرس الهاتف المشترك بيني وبين المؤجّر الذي يقطن في الطابق العلوي.. خفق قلبي بشدة؛ فاليوم هو اليوم الذي تسافر فيه مساء إلى منزلك الآخر في اللاذقية.. وقد تكون أنت تريد أن تكلمني وتصالحني وتطلب مني أن أرافقك..
كنت أسمع أبو ناجي العجوز بصوته المرتفع يخاطب المتكلم:
".. نعم…نعم.. رقم الهاتف صحيح، ولكن مع من تريد أن تتكلم؟".
ازداد خفقان قلبي.. لابد أنه هو: أرجوك.. قل له أنك تريد التحدث إلي!
لكن المتكلم على الطرف الآخر أغلق الخط..
يا إلهي..كيف غاب عن بالي أن أكتب لك أن الهاتف مشترك؟.. لابد أنك تفاجأت من هذا الصوت الذكوري وظننت أني أقطن ربما مع أهلي فلم تجرؤ أن تطلبني.. كما لم تجرؤ مرة أن تطلبني عندما اتصلت بي فجراً وأجابت ليلى على الهاتف بدلاً مني.. هل تذكر؟
عدت وحيدة إلى اللاذقية في نفس اليوم، واتصلت بي سناء لتخبرني أن يوم خطبتها سيكون في الأسبوع القادم ودعتني للحضور وأكّدت لي أنها لم تدعك؛ فهي أيضاً غاضبة منك.
في يوم الخطبة اتصلت بي سناء صباحاً لتسألني عن آلة تصوير للفيديو وتخبرني أنك ستحضر!…
تظاهرت بعدم الاكتراث؛ لكنني كنت مشتاقة لرؤياك.
قالت لي في حفل عيد ميلادها أنك أيضاً من نفس البرج.. برجها؛ فتذكرت فجأة ذاك الكتيب عن الأبراج الذي اشتريته منذ زمن بعيد على سبيل التسلية هناك ولم أقرأه..
بحثت عنه طويلاً وقلّبت صفحاته لأقرا فيه أن برجينا منسجمان جداً ويجمعهما "الحب من أول نظرة"‍‍!!
الحب من أول نظرة؟!
هل أصدق كلام الأبراج؟!!..
ضحكت، وأعدت الكتيب إلى مكانه..
****
في الساعة الثامنة تماماً كنت عند سناء كما اتفقنا.
كانت صديقاتها الكثيرات يجلسن في غرفة الاستقبال الواسعة التي تم تغيير ترتيبها لتتسع أكثر، وقد وزعت في زواياها طاقات الأزهار.
وما لبثت ريما ـ ابنة أختك ـ أن دخلت مع والديها، فأقبلت علي فرحة.. قالت لي وهي تهم بتقبيلي على الوجنتين:
ـ "تبدين جميلة وأنيقة يا ملعونة"!..
(ليتك كنت أنت من يقول لي ذلك)..
قبّلتني أختك وسألتني عن أحوالي، وسلّم علي أخوك بلطفه المعهود كلما رآني، ثم انصرف إلى "زاوية الرجال" كما انصرفت أختك إلى "زاوية النساء"؛ وجلست أنا قبالتها بعد أن جذبتني ريما من ذراعي لنجلس هناك في زاوية "البين بين"!..
كنت أجلس مترقّبة وعيناي تنظران تلقائياً إلى الباب بين فينة وأخرى.. أتوقع دخولك في كل لحظة. في الساعة التاسعة جئت.. أحسست بحضورك قبل أن أراك، فالتفتَ لألمحَ سترتك الجلدية وشعرك الفضي. التقت نظرتنا بسرعة، فأومأت لي بالتحية ثم جلست.. جلست في الزاوية في الصف المقابل؛ لكنك حوّلت أنظارك عن الجهة التي أجلس فيها وانغمست مباشرة في الحديث مع أحد المرشحين في الانتخابات التي اقترب موعدها كنت ألمح من الزاوية التي اخترت الجلوس فيها جانباً من وجهك فقط، والسيجار بين أصابعك، وكأس الشراب الموضوع أمامك ترشفه على مهل..
خشيت أن تحين منك التفاتة مفاجئة لتراني أتأملك، ولذا آثرت تغيير المكان في نفس اللحظة التي كانت فيها أختك تدعوني للجلوس بقربها بعد أن أصبح المكان شاغراً؛ فلبيت طلبها ممتنة وجاءت ربما لتجلس إلى جانبي الآخر.
جلست مابين أختك وابنتها مخفية عن أنظارك لا يظهر لك مني سوى جزءاً من ساقي الموضوعة على الساق الأخرى!
همست ريما في أذني:
ـ أريد تدخين سيجارة..
ـ فلتدخني إذن.
ـ لا أجرؤ على ذلك أمام أهلي.. أرجوك تعالي معي إلى المطبخ…

ونهضت معها لتلبية رغبتها في التدخين، ورغبتي في الحركة وتغيير المكان.
قريباً من باب المطبخ كنت واقفاً تتحدث مع شقيقة سناء وأنا لم أنتبه أنك تركت زاويتك.. فاجأني وجودك فلم أدر للحظات إن كان علي التراجع إلى مكاني أم دخول المطبخ.
لعنت ريما في سري.. لقد وضعتني في موقف حرج، فربما تظن أني جئت كي أتحرش بك.
لكن عودتي إلى مكاني لم تكن مناسبة أيضاً وقد رأيتني، ولذا خطوت باتجاهك ومددت لك يدي مصافحة. جلست على الكرسي في المطبخ أسترق النظر بطرف عيني عبر الباب إليك وأنت منهمك بالحديث غير مهتم بأمري.
سحبت سيجارة أدخنها وأنفث معها بعضاً من همومي، وألتفت مرة أخرى إليك فلم أجدك.. لقد اختفيت من المكان وعدت من حيث أتيت لتكمل حديث السياسية.. أما ريما؛ فقدعادت إلى مكانها مذ رأتك وتركتني أدخن عوضاً عنها!…
عدت إلى مكاني وأنا ما أزال أصب لعناتي على ريما وعليك أيضاً.. قد مددت لك يدي بالتحية، فلم لم تنتهز الفرصة لتتحدث إلي؟
حوالي الحادية عشر مساءً أومأ لي يوسف ـ صديق سناء وخطيبها ـ ودعاني للجلوس حيث يجلس بجانب الخطيبين.. مدّ لي يده بالشراب وقد اكتسى وجهه بابتسامته الطفولية.
لم أكن بحاجة للشراب؛ ففي رأسي من الدوار مايكفي خاصة عندما رأيتك تقترب نحو الخطيبين.. ونحوي!…
مددت يدك إليهما مصافحاً ومهنئاً ومقبِّلاً ثم.. كان لابد من أن تتلامس يدينا مرة أخرى في مصافحة سريعة للمجاملة وأنت تستأذن بالانصراف، أنت وأختك وزوجها دفعة واحدة.
لم أعد أرغب بالبقاء وقد ذهبت أنت، ولاحظت ريما وجومي فاقترحت علي أن نذهب إلى منزلها لشرب المتة وتغيير الجو. وافقت.. ليس لأني من محبي المتة؛ فأنا لا أشربها إلا مجاملة؛ بل آملة أن أراك.. توقعت أن تكون قد ذهبت لمتابعة السهرة في منزل أختك.
لكنك لم تكن هناك..
كانت أختك وزوجها يجلسان أمام التلفاز عندما دخلنا حجرة الجلوس؛ لكنهما سرعان ما استأذنا وذهبا للنوم، أحضرت ريما الإبريق وكأسي المتة وجلسنا نتحدث..
بدأت ريما تتحدث عنك..
كم أحب الحديث عنك!..


*****


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:24 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.