شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   قلوب خيالية( روايات ونوفيلات متعددة الفصول) (https://www.rewity.com/forum/f525/)
-   -   ملكة الثلج ..بقلم أم حمدة ..مكتملة (https://www.rewity.com/forum/t388415.html)

سما نور 1 26-08-17 08:57 PM

ملكة الثلج ..بقلم أم حمدة ..مكتملة
 

https://upload.rewity.com/uploads/1503769942731.gif

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مساء الخير والبركة لكل رواد منتدانا و خاصة قصر الخيال
اليوم مع رواية مميزة لكاتبة ينبض قلمها بالتفرد
أم حمدة
مع رواية ملكة الثلج




المقدمة

ملكة الثلج
عالم جميل يعيش فيه الجميع بسعادة واستقرار....
عالم أنشئ على حب التحدي والاثارة.....
وبمغامرة واحدة، قلبت حياتهم!!
بسبب احدى الساحرات القدامى....
اختارتها لتكون خليفتها بالشر.
فطردت بسببها من مملكتها، لتتخذ الجبال ملاذها....
لكن هيهات أن تفر من مصيرها !!
وهل ما قيل صحيح؟؟... أن الحب دائما ينتصر؟؟

الغلاف

https://upload.rewity.com/uploads/1503769942752.jpg



تصميم : سما نور
كتابة : أم حمدة


الفصول
الفصل الأول بالمشاركة القادمة
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع و الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر والأخير

سما نور 1 26-08-17 08:58 PM

الفصل الأول .....
في احدى المملكات البعيدة في ألمانيا ( قلعة نويشفان شتاين ) المشيدة على تل مرتفع، تحيط بجوانبها الغابة ذات أشجار عالية وضخمة والتي تظهر كأنها منحدر حاد لمرتفع صخري، ويقودنا ناحية هذا القصر الشاهق ممر حجري يؤدي للقصر مباشرة ليسهل للحراس تفقد الداخلين والخارجين بكل يسر
و يملكها أحد الملوك العادلين.
كان شعب تلك المملكة يتنعم بالسعادة والرخاء، يعيشون كعائلة واحدة،وينتشر بينهم الأمن والسلام وتتكاثر بها الخيرات والملك لا يبخل عليهم بأي شيء، و لا يألوا جهدا للنهوض والرقي بموطنه وحمايته من كل عدو
وأحب الشعب ملكهم حبا كبيرا فانهالوا عليه بالدعوات بإطالة عمره وحفظ عائلته
من كل شر
***********

في أحد الغرف التابعة لهذا القصر العملاق كان الملك (أرستيد) يجلس مع مستشاره الوفي يدرسون أمور الدولة وأحوالها،
ليفتح الباب فجأة ويطلقائد الجيش الملكي(فابيان) وعلى وجهه علامة التجهم
أدى التحية بانحناءة رسمية ثم اعتدل وقال:
"مولاي!!... اعذرني لدخولي المفاجئ ومقاطعة سموك،لكن ما يبرر لي فعلتي الشنيعة هي تلك الأخبار التي أحملها إليك"
قطب الملك حاجبية،ورؤية ملامح قائد جيشه علم بأنه يحمل أخبارا غير سارة، وبإشارة من كفه أمره بالحديث:
"أخبرني بما في جعبتك قائد فبيان!!"
اقترب القائد منه بخشية والتفت يراقب الجدران بخوف كأنها ستستيقظ من جمودها وتحل عليهم لعنتها، استنكر الملك فعلته فمن أمامه ليس بذلك الرجل المقدام الذي لا يهاب الخوف بل هو شخص آخر.
تجلد بالصبر قبل أن يبدي رأيه بأفعاله الغريبة وانتظر ليعلم ما لديه لعلها تشفع له تصرفاته.
ولم يبخل عليه القائد فطفق يخبره بما لديه من أخبار، وكلما تعمق بحديثه كلما ازداد توهج وجه الملك بالغضب والشراسة لينتفض من جلسته ويصرخ بأعلى صوته:
"جهز الجنود، سنذهب لساحة المعركة!!"
"لكن سيدي....."
سكت قليلا ليزدري ريقه فما هم بصدده شيء لا يستهان به، كما أنهم لا يعرفون عن هذا العدو، عن مواضع ضعفه أو قوته، فهم يجهلونه تماما!!.
"لقد أخبرتك كل شيء ومع هذا تريدنا أن نخوض حربا ضده؟؟"
تأمل الملك الرجل القابع أمامه وشاهد الخوف بمقلتيه وسافرت ذاكرته لرجل آخر ذا عيون جامدة كأن لا حياة فيها، رجل يخشاه الجميع، رجل يهابه الناس فقط من ذكر اسمه،
لكنه رحل وغاب عن هذا العالم هو وابنه وتركه وحيدا يصارع أمور دولته لوحده دون سند ودون جدار يتكئ عليه.
عاد للنظر لقائده وقال:
"هل أنت خائف يا فابيان؟؟"
صدمه اعترته من كلمات ملكه وأصابته بالصميم، لتتوحش عيناه وينفض الخوف من داخله وضرب على صدره بقبضة من حديد وصرخ:
"أنا لها يا سيدي... ترددي فقط كان من أننا لا نعرف مع من نتعامل"
"إذا.. فلنذهب لنعرف من هو هذا العدو وماذا يريد؟؟"
وغادر الملك مودعا عائلته وأحبائه وشعبه مع جيشه لمحاربة الشر الذي يترصد موطنه.

*******************
وبعد عدة أيام.....
تجري بأسرع ما تستطيع به قدميها الصغيرتين وتهرول بكل طاقتها، أنفاسها هادرة تكاد لا تستطيع التقاط الأكسجين لإيصاله لرئتيها، تلتفت للخلف وتتطلع لملاحقها ثم تعود بأنظارها للأمام للبحث عن مخرج لتصل إليها زمجرته الغاضبة من عدم قدرته للحاق بفريسته، لكنه يحاول قدر استطاعته بجسده الضخم بذل المزيد من الجهد للوصول إليها .
حركت رأسها دون هوادها تبحث و تبحث لتلتقط عينيها شجرتان قريبتين من بعضهما لتتجه ناحيتهما وترتكز بقدمها اليمنى ثم تقفز ناحية الجذع الآخر لتثبته بقدمها اليسرى ولم تتوقف بل تابعت ملتفته للجهة بقدمها اليمنى ثم اليسرى وهكذا إلى أن وصلت لقمة الشجرة
لتجلس على خصن الشجرة الضخمة تلتقط أنفاسها الصاخبة تحاول أن تهدئ من وتيرة تنفسها، وأخفضت عيناها لترى الدب الضخم يقف على قدميه يحاول تسلق الشجرة، لكن جسده الكبير يمنعه، ولو كان أصغر حجما لكان عليها أن تعود للبحث عن طريقة لتحافظ على حياتها.
رفعت عيناها للأعلى لترى القصر شاهقا من بعيد، يشع من توهج أشعة الشمس الساقطة عليه، كان منظرا مهيبا أسر عيناها لمدى جماله وروعته.
عادت نظراتها للدب وتذكرت رحلتها السرية ناحية الغابة، دائما ما كانت تتسلل من القصر للخارج تنشد الحرية والتحرر من القيود المفروضة عليها بذلك المنزل الكبير، كانت دائما ما تكون رحلتها عادية، لكن اليوم اصطدمت بالدب ولا بد بأنه اعتقد بأنها ستسرق العسل الخاص به فقد كانت بالقرب من خلية النحل فبدأ باللحاق بها
وقفت على الغصن برشاقة بعد رحيل الحيوان اليائس من الامساك بها وبدأت بالتحرك من غصن لغصن إلى أن وصلت لبر الأمان، وتسللت بخفة من الباب السري الموجود بأحد الجدران للقصر، فهذا المكان يملك الكثير من الأسرار والممرات والأبواب التي لم تكتشفها بعد، فتمني نفسها بالصبر وستعرف أسراره واحدا واحدا.
دخلت بخفة ونفضت التراب من ملابسها وخرجت باتجاه الحديقة كأن شيء لم يكن، واتخذت مقعدها لتباغتها شقيقتها بعد أن شعرت بوجودها.
"أنظري هيلينا، لقد صنعت عقدا من الزهور"
وضعت الاكليل فوق شعرها وقالت ملتفته لشقيقتها بابتسامة مشرقة:
"ما رأيك؟؟.... ألست جميلة ؟؟"
ابتسمت لها بحبور وأجابتها :
"أنت دائما جميلة ماري "
هيلينا وماري ابنتا الملك..هيلينا تبلغ من العمر 13، وماري 9 سنوات
تملك هيلينا شعر طويل مثل أشعة الشمس الصفراء، فتجدله بضفيرة طويلة لتصل حدود وركها، ووجه بيضاوي، وعيونها زرقاء حادة تضاهي زرقة البحر الصافي، وبشرتها بيضاء نقية خالية من الشوائب ذات طبع هادئ ومسالم، لكن ما لا يعرفه الجميع أن بداخلها قوة كبيرة، وعزيمة لا يستهان بها، محبة للتحدي، ماهرة باستخدام القوس والنشاب و المبارزة بالسيف وهي رياضية ماهرة، كما علمها والدها فنون القتال وكيفية التفكير السريع أثناء تواجدها بساحة المعركة .
أما ماري مختلفة عنها بشعرها الأسود يشبه حلكة ليلة مظلمة في عاصفة رعدية، ووجهها مكتنز من شدة حبها لتناول الحلويات والمعجنات، وعيونها زرقاء واسعة وكبيرة، وأنفها صغير تناثرت عليه حبات من النمش وهي عكس شقيقتها عنيدة مشاكسة تشبه بتصرفاتها الصبيان، تكره القوانين فتحاول قدر استطاعتها عكس ما يريدونه منها، كما تكره اجبارها على النوم.
لكنهما اتفقتا وتشاركتا على حب بعضهما البعض .
حركة بجانب الغابة جذبت انتباههم، وبسرعة البرق اتجهت
هيلينا باتجاه شقيقتها الصغرى لتحميها من أي عدو، فماري أبت تعلم فنون القتال واكتفت فقط بمراقبة شقيقتها والتهام الطعام والتشجيع.
دفعتهاخلفها وسحبت قوسها وحددته باتجاه الصوت الصادر من خلف الحشائش بقلب صلب، وأصابع جامدة، وحاجبين معقودين وتساؤل...
هل تبعها الدب إلى هنا؟؟.
أما ماري فكانت ترتجف من الخوف، ودموعها تهطل أنهارا على خدها، و تدعوا بصوت عالي بالرغم من أن شقيقتها أمرتها بالسكوت إلى أنها كما العادة تكره الأوامر لهذا عاندتها وبدأت تصلي:
"أرجوك يا إلهي احمني!!.. ما زلت صغيرة ولم أكبر بعد، ولم أشبع من تناول الطعام، أرجوك لا تدعه يقتلني الآن!!... أرجوك ... أرجوك!!"
"هشششششش أصمتي!!"
ثواني... دقائق... والحشائش تتحرك وحفيفها يزداد مع كل تقدم،
عيونها الحادة تلتقط كل حركة صادرة دون رهبة أو خوف ممن يكون متربصهم؟؟.
ليخرج من بين الشجرات ويرفع رأسه نحوهما حتى تجمد بمكانه ما أن مر السهم منطلقا بالقرب من أذنه مخلفا صوت الرياح الهادرة ضجت بطبلته الداخلية، ليحط رحاله بجذع الشجرة.
ظل على جموده لثوانوتطلع إليها ما أن عاد قلبه للعمل وضجت أوردته بالدماء حتى نطق بدهشة:
"لما فعلت هذا؟؟... كان من الممكن أن أموت!!"
أشاحت بالقوس ووضعته بمكانه المعتاد خلف ظهرها، وقالت مجيبة على سؤاله:
"هذا لأنك أخفت شقيقتي.... ولا!!... لم تكن لتموت"
تحركت باتجاه بوابة القصر تاركة فتى يستشيط غضبا وحنقا منها وهمس بغل:
"مغرورة!!"
ليشعر بعدها بوجع على قدمه وأخذ يقفز على قدم واحدة إلى أن وقع على مؤخرته وصرخ بألم :
"ماري.. لما ضربتني؟؟"
"هذا لأنك دعوت شقيقتي بالمغرورة"
رفعت أنفها بتكبر وتركته مغادرة هي الأخرى مقلدة شقيقتها بمشيتها، لكن هيهات أن تصل لرشاقتها، فجسدها يماثل الكرة المستديرة أما شقيقتها فهي كالغزال الرشيق.
"تبا.. هذا ما كان ينقصني!!.. أن تضربني تلك الحمقاء السمينة بقدمها الضخمة "
وبدأ يئن من الألم ثم أخذ يحجل بقدم واحدة بالاتجاه الذي سلكته الشقيقتان.
دمتري ابن رئيس المستشار الخاص بالملك،وسيم، ذا بنية قوية لممارسته للرياضة، مغرور ومتكبر، أناني ويستغل منصب والده ليصل لغايته، لكن أحيانا تظهر بعض الطيبة في مواقف خاصة.
يبلغ من العمر 14 عاما يغار من هيلينا كثيرا لتفوقها عليه بكل فنون القتال بالرغم من أنها تصغره سنا إلا أنها كانت ماهرة جدا، كأنها ولدت كقائدة حرب، أو ملكة بسب رجاحة عقلها.
دخل للمطبخ وصرخ بالخدم الموجودين ليحضروا له الكرسي للجلوس وأن يطلبوا له الطبيب ليعاينوا قدمه المصابة، لينطلق صوتها القوي والناعم كهمس الربيع :
"أرجوك!!.. أنت تصنع الكثير من الضوضاء من أجل لا شيء"
ناظرها بغضب وهي تشرب العصير بهدوء وبملوكية تربت عليه منذ نشأتها وقال يطحن أسنانه بغيض:
"تلك البقرة حطمت قدمي وأنت تقولين بأنها لا شيء؟؟"
حدجته بنظرات حارقة وقالت ببرود اعتاده منها كثيرا فهي قلما تظهر مشاعرها الثائرة:
"إياك وأن تنعتها بالبقرة وإلا ستندم!!"
لتنطق خلفها ماري وقد انتهت من اكمال بسكويتها المفضل دون أن تولي كلمته الجارحة أي اهتمام.
"نعم.. عليك عدم نعتي بتلك الصفات وإلا شقيقتي ستبرحك ضربا مبرحا، كما أنني عندما أكبر سأغدو جميلة مثل أمي، أخبريه يا هيلي"
التفتت ناحية شقيقتها وبراءة الطفولة تغلف وجهها المكتنز وأجابتها بتأكيد:
"هذا صحيح حبيبتي ستصبحين فتاة جميلة جدا"
هزت رأسها بسعادة وعادت لتأكل طعامها بشهية مفتوحة .
حركت رأسها باتجاهه وسألته :
"بالمناسبة.. ماذا تفعل هنا؟؟... أليس من المفترض أن تكون في المدرسة؟؟"
خبط على رأسه كمن تذكر شيء ما
"آه أجل!!... لقد نسيت سبب حضوري"
"أنت هارب من المدرسة، سيغضب والدك منك!!"
انكمش وجهه بضيق وقال بعيون مضيقه باتجاهها:
"سيغضب إن علم "
رفعت كتفيها بلا مبالاة وعادت ترتشف عصيرها لتشعر بعدها بنهوضه واقترابه والجلوس بجانبها كأنه سيسر إليها بسر خطير.
"هل سمعت بآخر الأقاويل؟؟"
تركت كوبها على الطاولة دون الاستعجال وقالت ببرود جعلته يرغب بضربها لعدم اهتمامها بما يقول فعاد يزفر ويقرر اخبارها دون أن تسأله فهو سينتظرها طويلا ريثما تتكرم بسؤاله عما يريد.
"يقال بأن هناك ساحرة بالبلدة"
"حقا !!"
لتنطق بعدها ماري بعد أن انتهت من أكل بسكويتتان وتقرر بعقلها عملية حسابية هل ستستطيع أكل البسكوته الثالثة وتتناول طعام العشاء؟؟
"وما الأمر المثير بالأمر؟؟... فالساحرات كثيرات في المملكة!!"
هز رأسه نافيا ليبتسم بمكر بعد أن خطرت بباله فكرة ليرد لها ضربتها المؤلمة.
"أنت مخطئة!!... هذه مختلفة تماما عن الباقيات"
انتظر ليجذب اهتمامها بالموضوع، وتعلقت عيناه البنيتان بعينيها وقال مضخما صوته :
"يقال عن هذه الساحرة بأنها تختطف الفتيات الصغيرات وتلتهمهم وهم أحياء"
ليرتجف جسدها الضخم بجزع وضرب قلبها بقوة فقالت تحاول التحلي بالشجاعة فخذلها صوتها المهزوز والخائف :
"أنت... أنت تكذب...هي... لا تفعل هذا!!"
"بل تفعل.. أو تعرفين شيء آخر؟؟"
عاد وأكمل حديثه وهذه المرة بهدوء وبصوت هامس جعلت أوصالها ترتجف:
"هي تفضل نوع واحد من الفتيات لتأكلهم"
صمت ليزيد جرعة الرعب بداخلها ليقول أخيرا وقد أدرك مبتغاه:
"الفتيات السمينات... "
لتصرخ بعدها وتتحرك من مكانها مختبئة تحت الطاولة ممسكة برأسها بكلتا يديها وهي تنادي بوالدها كي ينجدها.
كان يقهقه بصوت عالي فقد رد لها الصاع صاعين، وأخذ بحقه ولم ينتبه لوجود شقيقتها التي ما أن شاهدت ماري المرعوبة حتى هبت من مكانها واتجهت ناحية صنبور الماء وملأت دلو الماء بالمياه الباردة وتحركتحاملة الدلو المملوء باتجاهه وسكبته على رأسه ليصرخ من شدة برودتها:
"تبا... تبا ... لكي .. هذا.... هذا بارد"
"تستحق هذا فقد حذرتك من أن تسخر من شقيقتي!!"
اصتكت أسنانه من برودة المياه.
"أنا... لـ... لم... أكن أسـ... أسخر كانت... الحقيقة أو ... هذا ... ما قيل"
ضيقت بعينيها تراقب إن ما كان يكذب وهمست:
"أنت لا تكذب علي صحيح؟؟... وإن فعلت ستتحمل غضبي!!"
كان قد اقترب منه أحد الخدم يجفف الماء من على رأسه وجسده وقال متدخلا بالحديث:
"في الحقيقة يا مولاتي ما يقوله سيدي صحيح، فقد تزامن اختفاء عدة فتيات من عدة قرى متجاورة بعد قدوم هذه الساحرة"
سحب المنشفة منه بقوة وزجره صابا كل حنقه على هذا الخادم المسكين.
"هل سمعتي!!...أنا لم أكذب عليك"
"وماذا فعل نائب والدي ليستكشف الموضوع؟؟"
رفع كتفه دلالة عدم المعرفة.
"لا أعرف..."
التفت يمنه ويسرى ثم اقترب منها وبدى عرجه واضحا وهمس بصوت خفيض كي لا يسمعه أي أحد ويفسد ما يريد:
"ما رأيك بالذهاب إلى هناك واستكشاف الأمر؟؟"
"انسى الأمر..."
"لكن لماذا؟؟.. هذه لم تكن المرة الأولى التي نفعلها"
"هذا مختلف..."
"وما المختلف بالموضوع؟؟.. فقط سنذهب ونرى إن كان حقيقي أم لا، وبعدها نعود كما كل مغامراتنا السابقة"
أدارت جسدها ناحيته بعد أن كانت توليه ظهرها وقالت :
"ذلك الأمر مختلف، كنا فقط نتسلل للنزول للسوق أو الذهاب للغابة للهو فقط، أما هذا الأمر أشعر به مختلف جدا!!"
سكتت قليلا وقد ساورها شعور غريب بأن شيء ما سيحصل، وكان دائما ما يكون حدسهاصائبا.
تحركت تبعد هذا الهاجس الخفي وقالت تنهي الموضوع:
"عد إلى منزلك يا دمتري ودع الأمر على حاله"
" جبانة !!"
توقفت بغتة بعد كلماته تلك، كم تكره تلك الحروف التي تشكل كلمة تمقتها كثير والتفتت تحدجه بنظرات عينيها وقد تحول لونها للغضب الكاسح كبحر هائج ينذر بالوعيد والعقاب لمن حاول اثارته.
"أعد ما قلته؟؟"
يعلم بأنه يلعب بالنار، لكن لا مجال للعودة، فرغبته الكبيرة والحمقاء بالذهاب غلبت خوفه منها وأعاد كلماته :
"أنت جبانة!!"
وقفت بمحاذاته تكاد تلتصق به ليبتلع ريقه بصعوبة من رؤيتها بهذا القرب المخيف، هي رائعة الجمال بل يقسم بأنه لم يرى واحدة بمثل جمالها الخلاب وعندما ستكبر ستغدو آية من الروعة، وما يخيفه هي عيونها كأنها تخترق دواخلك وتقرأ أفعالك حتى أنه يكاد يشعر بأنها احدى الساحرات .
"حسنا... سنذهب"
ارتاحت أساريره واسترخى جسده المشدود، لكنه ما انفك وعاد للتصلب من جديد.
"لكن أقسم إن لم أجد هناك ما هو غريب ستنال عقابك القاسي!!"
ودارت على عقبيها بقوة وسرعة لتتطاير جديلتها ملتفة حول رقبتها كما أفعى صفراء اللون.
"الليلة... الساعة التاسعة سننطلق"










ام الولاد 26-08-17 09:38 PM

عزيزتى ام حمدة شوقتينى لمعرفة ما سيحدث مستقبلا تعجبنى شخصية هيلين سلمت انامللك

Jih 30-08-17 05:11 PM

تسلمي علي رواية ساكون في متابعتها موفقه باذن الله

سما نور 1 02-09-17 11:49 AM

الفصل الثاني......

سماء تصرخ بغضب كاسح فترسل فرسانها متشحين بسواد كلجة الليل الظلماء، كأنها تعلم ما سيحصل بهذا اليوم من شؤم، وتنذر من يحاول التدخل بالأقدار، فما قدر قد كتب في سجل ولا مجال للتراجع،لكن لا بأس من المحاولة بالتحذير لعله يصيب .
عادت السماء تصب لعناتها وهديرها ما أن شاهدتهم يتسللون بعتمة الليل بعد اجتياح جنودها لتنفيذ أوامرها .
فجن جنونها وأرسلت أتباعها المخلصين كزخات المطر العاصفة احتجاجا على خروجهم دون النظر لما تريد اخبارهم به .
*****************
تجلس على كرسيها المفضل بغرفتها وبيدها يلمع النصل الحاد لأحد سهامها، كانت تتفقدهم قطعة... قطعة ثم أعادتهم لمخدعهم، وسحبت سيفها البتار وعيناها تلمعان لبريقه الخاطف للبصر، كان أطول من جسدها،ذا معدن ثقيل،لكن ومع هذا كان خفيفا كما الريشة بين أصابعها الماهرة .
نهضت من قعدتها وتوسطت غرفتها شهيق وزفير وحركات متقنة أجادتها بفن ومهارة .
أشاحته يمنه ويسرة، ثم أدارته دوره كاملة وراقبت فضيته تشع على ضوء الانارة، فالبدر اليوم قد اختفى بين السحب السوداء الداكنة التي تنذر بليلة عاصفة هوجاء ستطيح بأي مخلوق يخرج ويعاديها.
راقبت الجو المهيب من نافذة غرفتها وأصابتها رعشة غريبة وهي تنظر للسماء التي ظنت وللوهلة الأولى أنها تراقبها وتحادثها.
ضيقت بعينيها ناحيتها واقتربت تكاد تلتصق بزجاج نافذتها وهي تحدق بتركيز للسماء وقد أقسمت أنها ترسل إليها رسالة ما تخبرها عن سر خطير. اقتربت أكثر وفتحت النافذة تريد الاستماع لما تقوله وما كادت تلتقط شيء من همسها حتى فتح الباب بغتة لتفز منتفضة ساحبة سيفها بوجه من
قاطعهما،ليتراجع دميتري بخوف من رؤية نصل السيف يكاد يلامس عنقه، ورفع كفيه مهادنا إيها وقلبه قد توقف عن نبضاته.
الجميع يعلم عن هذا السيف البتار الحاد، فقد صنع خصيصا من أجل ولي العهد الذي كانت تحمله الملكة بأحشائها، فهذا ما قالته العرافة للملك، بأنه سينجب ملك يشهد عليه الجميع بقوته الجبارة وصلابته، وسيكون حكيما وذات شأن عظيم في المستقبل، كما أنه سيكون ملك الملوك، وسيوحد الشعوب.
لقد سر الجميع بهذا الخبر لكن الملكة وضعتها أنثى، حزن الشعب لهذا الأمر، ولكن الملك أرستيد أدهش الجميع بفرحه الكبير وحملها للأعلى ونطق بكل ثقة:
" فتاتي ستصبح ملكة عظيمة، وقائدة جيش جبارة، لن تخشى أحدا، بل الجميع سيخشاها وسترون هذا"
وبالفعل هذا ما حصل، فقد برهنت عن قدرات تختلف عن باقي أقرانها... لعبت بالسيف بدل الدمى، تغذت من نبع المعرفة وانهالت تتشربه كما العطشان الذي وجد نبع ماء وأخذ يرتوي منه دون أن يشبع .
عاد لواقعه وهو يرى بريقه الخاطف للبصر يلمع بشوق كأنه ينتظر سفك الدماء وقال يزدري ريقه ويقهقه بخواء:
"اهدئي إنه أنا... أنا دميتري،هل تتذكرينني؟؟"
رفعت سيفها للأعلى وقالت:
"تبا لك دميتري، كدت أن أطيح برقبتك على بلاط غرفتي!!"
"أهذا ما تفكرين به؟؟.. اتساخ غرفتك وليس قتلي!!"
رفعت كتفيها بلا مبالاة، وأغمدت سيفها بغمده واعتدلت بوقفتها.
"والآن ما هو الشيء المهم الذي جعلك تدخل غرفتي بهذه الطريقة الفجة؟؟"
مسح على شعره بارتباك وأخفض رأسه وقال بتوتر:
"أنا... أنا.. جئت لأعرف إن كنا سنغادر أم سنبقى بسبب الطقس..."
كتفت ذراعيها وناظرته من رأسه لأخمص قدمية بتهكم .
"خائف !!"
ازدرد ريقه بصعوبة وأجابها بتوتر:
"لا... بالطبع لا، هو... هو فقط الطقس "
"إذا فلنغادر"
وتحركت باتجاه الباب ليوقفها ممسكا ذراعها:
"لما لا نتركه ليوم آخر عندما يهدئ الجو"
أعطته تلك النظرة النارية ليفلت ذراعها وتراجع مشيحا برأسه لتتحرك فاتحة الباب وخرجت دون أن تنتظره، فما كان منه سوى اللحاق بها مجبرا، وغادرا القصر دون أن يشعر بهما أحد.
خرجوا تحت جنح الليل، والمطر يهطل عليهم بغزارة يعيقهم من الرؤية، وذرات الطين الموحلة تجمح أقدامهم من التقدم، لكن هذا زادها ثبورا على قبول التحدي .
واصلا المسير ووصلا لحدود القرية وبدآ بالدخول عليها مخفيين رؤوسهم تحت قنسوولة المطر، ولم يكونا بحاجتها فالجميع أبى الخروج بهذا الجو الهائج.
تحركا بخفه ناحية المكان المنشود ألا وهو منزل الساحرة .
تخطوا منازل القرية واقتربا من الجهة الجنوبية القريبة من الغابة، فهناك يقع منزل الساحرة على طرف الغابة .
وقفا قليلا يلتقطان أنفاسهما، والرعد فوقهم يصهل، والبرق يعمي الأبصار، والمطر يغرقهما،كان يحذرهم، يمنعهم من الاقتراب أكثر، فما هم مقدمين عليه ليس بالهين،لكن هيهات أن تمنع فتاة عشقت التحدي، وتشربت روحها حب المغامرة،ولم تعلم بأن لكل شيء حدود .
"هل أنت مستعدة ؟؟"
حادثها دميتري صارخا لتسمعه فهزت رأسها بالموافقة وتقدما للأمام، لحظات والتفتت تنظر خلفها كأنها استشعرت عينان قاتمتان باردتان تراقبانها وتترقبانها ....
تجولت مقلتيها بالظلام تبحث عمن يتربص بها، وكل ما طالعها هو ثقب أسود خال من الحياة .
"ما الأمر هيلينا؟؟ "
"لا شيء ديميتري.... لا شيء "
تحركا ليقتربا من منزل الساحرة، وسارا على أطراف أصابعهما منعا من حدوث أي صوت.
اختبآ خلف جذع شجرة عملاقة وأطلا برأسيهما ينظران بترقب، ثوان ليفتح الباب وتطل منه امرأة عجوز بشعة الوجه، ذات أنف معكوف وكبير، وعيون كبيرة وجاحظة للأمام، وفم فقد كل أسنانه ما عدى سن وحيد.
التفتت يمنه ويسرى ثم وقفت تحت زخات المطر ورفعت قنينة لتدخل حبات المياه الساقطة لقاع الزجاجة إلا أن امتلأت للنصف ثم بدأت تدندن بكلمات غير مفهومة كأنها أشبه بالطلاسم وهي تدير القنينة وتضع عليها بعض القطرات من شيء ما لا يعرفانه.
كانا يراقبانها بشغف وذهول، إلا أن زادت وتيرة صوتها وعلا معها صوت الرعد معلنا عن غضبه الصارخ، لينزل وهج مزرقبشكل صاروخي داخل القنينة مع آخر كلمة نطقتها،لترتج القارورة بيدها وتتمازج المواد مع بعضها مشكلة لون أزرق مشع ومبيض، يشبه الزجاج بشفافيته مع لون عاكس من الزرقة .
لتقهقهة العجوز بسعادة بعد أن نجحت تركيبتها الخارقة.
قبلت الزجاجة بفرح ثم عادت تتلفت من جديد، وأخفت ما ليدها تحت طيات ملابسها الواسعة، وأسرعت عائدة لداخل منزلها وسط صدمتهم.
"هل رأيتَ ما رأيته؟؟؟"
"هل شاهدتِ ما شاهدته؟؟... هل هو حقيقي؟؟"
"تعال لنقترب ونرى ما ستفعله بذلك الشيء العجيب"
تقدما ووقفا عند نافذة المنزل يراقبان ما تفعله إلا أن......
"ماذا تشاهدان؟؟"
استلت هيلينا سيفها ودميتري فعل المثل أخرج سيفه رافعا إياه للأعلى باستعداد لمن باغتهم.
فرعدت السماء معلنة عن انفجار سحبها لتهطل بفرسانها البواسل تخترق بهم من شدة قوتهم الصخر، وبرقت تبدد الظلمة لما حولهم فانقض سيف ديميتري بحركة ارتدادية اعتادها لسرعة بديهيته بالتدريب وما كاد يشق خصمه لنصفين حتى قاطعه سيف آخر بقوة أرجعته للخلف لخطوات اثر الأرض المبتلة وصراخ باسمه ليتوقف.....
"توقف يا ديميتري.... انها ماري... شقيقتي!!"
تجمد بمكانه والسيف ظل معلقا بالهواء ليلمع البرق من جديد موضحا الرؤية أمامه.
"ماري!!"
سكت قليلا يستوعب الأمر ثم غلت براكينه ليصرخ مزمجرا :
"ماري أيتها الغبية الحمقاء!!.. ما الذي أحضرك إلى هنا؟؟؟"
طالعتهم للحظات ثم رفعت كتفيها بلا مبالاة وقالت :
"أردت أن أرى بعيني كيف تأكل الساحرة الفتيات"
تقدمت هيلينا ووضعت كفيها على كتفي شقيقتها وقالت:
"عزيزتي.. لقد أخبرتك بأن تبقي بالمنزل!!"
ظلتا تتطلعان لبعضهما لبعض الوقت ثم كتفت ماري ذراعيها ورفعت حاجبيها لتضرب هيلينا رأسها وقالت بصوت بدى مرتفعا قليلا :
"ماري.. هذا ليس بوقت العناد!!.. وما فعلته بقدومك الآن ليس بلعبة، هنا توجد حياة أو موت!!"
"لا يهمني!!... أردت أن أخرج لأرى بنفسي إن كان ما يقوله هذا الأحمق صحيحا أم لا؟؟"
اقترب ديميتري وهو يمسح قطرات الماء المتساقطة على وجهه وقال بحدهاعتادتها منه دائما:
"أنا لست بأحمق، وأنت عليك العودة للقصر، فأنت مثل الكارثة المتحركة "
طالعته باستفزاز وأجابته:
"إن عدت للمنزل سأخبر أمي بما تفعلانه كل ليلة بتسللكما خارج القصر"
وابتسمت بمكر عند رؤيتها لتجهم وجه ديميتري، فاقترب منها ينوي الشر، وأمسكها من ذراعها يدفعها للأمام صائحا بوجهها :
"أنت فتاة حقودة !!"
"وأنت فتى وقح ومغرور!!"
بدأ الاثنين يدفعان بعضهما البعض، ويقذفان التهم للآخر،فتقدمت هيلينا تبعد الاثنان وما أن فتحت فمها حتى.......
"مهلا... مهلا... مهلا أنظروا ماذا حذفت لي السماء من غنائم، يا له من صيد وفير"
ضرب الرعد والبرق بآن واحد موضحا الصورة أمام الثلاثي المتفاجئ من الصوت المخيف، ليتصلبوا بمكانهم وهم ينظرون إلى ذلك الشيء المخيف الذي يقف أمامهم وقد كشفت وجودهم.
لحظات هي أو ثواني ليصدح صراخ ماري مخترقا صوت الرعد بقوته،وبحركة يد سريعة من الساحرة وبضع همهمات وجهتها ناحية ماري وفجأة أخرست تماما....
رفعت ماري يدها ناحية رقبتها ثم فمها واتجهت أنظارها لشقيقتها ودميتري اللذان ناظروها بذهول ثم بدأت مرحلة الهلع والخوف وبدأت تدور حول نفسها تحاول الصراخ بأعلى صوتها لكن لا فائدة !!.
استلت هيلينا قوسها بسرعة كبيرة ووجهت سهمها الحاد ناحية المرأة العجوز وصرخت بها :
"ماذا فعلت بشقيقتي؟؟... هيا أعيدي لها صوتها وإلا قتلتك !!"
تأملتها العجوز بعيون حادة مدققة لتشتعل بعدها مقلتيها بلون فحمي وابتسامة شعت على شفتيها لتظهر لثتها الخالية من الأسنان وقالت مع انحناءه بسيطة برأسها:
"اعذريني يا صاحبة السمو، لكن صراخها آذى أذني الضعيفتين لهذا قمت بإسكاتها "
وبحركة أخرى بعصاها ملوحة اياها بالهواء عاد صوتها لتتراجع بعدها ماري بجزع خلف شقيقتها متمسكة بشدة بملابسها.
تأمل ديميتري ماري وما حدث لها ليزدري ريقه وعاد يتأمل العجوز وقد شعر بأطرافه ترتجف من الخوف، ويده بدأت ترتجف وتهتز وقد كاد السيف أن ينزلق من يده.
فتقدمتهم هيلينا دون خوف وحادثتها بصلابة تحسد عليها .
"من أنت؟؟... وماذا تفعلين هنا بمملكتنا ؟؟؟"
"أنا أعيش هنا يا مولاتي"
فسألتها دون مواربة أو تأجيل للموضوع:
"هل صحيح ما سمعته عن أنك تقتلين الفتيات الصغيرات؟؟؟"
سكتت قليلا ورعدت السماء وبرقت تنير كل ما حولهم ووقفتا كل منهما بمواجهة الأخرى بتحدي.
ابتسمت الساحرة لقوتها وهزت رأسها للأعلى والأسفل وهي تهمهم:
"نعم.. هي أنت.. أنت المختارة"
"لا أفهم ما تقولين؟؟؟.."
"لا عليك يا مولاتي، ستفهمين فيما بعد "
"كفي عن مناداتي هكذا!!.. فأنا لست الحاكمة "
"ليس الآن،ولكن ......"
بترت جملتها وأكملت مغيره حديثها:
"لما لا ندخل للمنزل، فالحديث بالداخل أفضل من أن نظل بالخارج، فأنا أشعر أن عيونا تترصدنا"
قالت جملتها الأخيرة بهمس ورأسها يتحرك يتطلع للظلمة.
"هل جننت!.. أنت تريدين أكلي.. صحيح؟؟"
صرخت فيها ماري المرعوبة، فناظرتها العجوز بغموض وقالت :
"أجل أنا آكل الفتيات الصغيرات وبالأخص السمينات، وابتلعهم دفعة واحدة"
انكمشت ماري خلف شقيقتها ورفعت هيلينا سهمها بوجه العجوز بانتظار هجومها عليهم بعد تصريحها العلني بحقيقة ما قيل، لحظات هي لترفع العجوز كتفيها بلامبالاة ثم أدارت ظهرها إليهم متجه لمنزلها وقالت:
"أنا لا أستطيع البقاء بهذا البرد القارص فأنا عجوز، وعظامي لا تحتمل البرد، وأنتم إن أردتم الدخول فيمكنكم هذا، وإن أردتم الرحيل فلكم ذلك أيضا"
فقال ديميتري متوجسا ما تفعله:
"أتقصدين بأنك لن تلتهمي ماري ؟؟"
"ديميتري أيها الغبي!!.. لما تقول لها هذا؟؟... أنت تريد التخلص مني "
أطلت برأسها من خلف ظهر شقيقتها وقالت مزمجره بغضب للساحرة:
"ما رأيك بشاب مغرور يكون وجبة للعشاء؟؟"
"ماري أيتها الغبية..."
"ديميتري أيها الأحمق..."
احتد النقاش بينهم إلا أن صرخت بهم هيلينا :
"كفى كليكما !!"
تحركت مبتعدة عنهما متوجه لداخل المنزل، لينظر الآخران لبعضهما ويبتلعان ريقهما من دخولها خلف العجوز ثم ضرب الرعد بقوة لتصرخ ماري وتهرول تتبع شقيقتها ولحق بها ديميتري ولم يلحظا تلك العيون اللامعة وسط الشجيرات العالية، ولا للبريق الخاطف لمقلتيها الذي كمن وجد فريسته الضالة .
توقف الجميع مذهولين مما يروه أمامهم، توقعوا كل شيء إلا هذا....
فقد كانت الغرفة جميلة ومرتبة بزهور جميلة متفتحة البتلات تتوسد طاولة ذات مفرش مطرز بورود جميلة جدا، وأريكة تناديك لتغوص بدفئها، وبجانبها طاولة صغيرة وضعت فوقها سلة عبئت ببكرات من الأصواف ذات ألوان مختلفة.
فكان المنزل لا يمت بأي صلة بأي من تلك القصص التي سمعوا عنها، بكيف يجب أن يكون منزل الساحرة بقدرها الضخم، والموقد العملاق، وأشياء مذبوحة ومتناثرة هنا وهناك، والحبال المعقودة بالشعوذة، والقوارير والمحاليل وغيرها من الأمور.....
لكن هذا شيء غريب وقد ظهرت على ملامحهم الاستغراب ففهمت ما يدور بخلدهم وقالت:
"أحب أن يكون منزلي مرتب ونظيف، كما أنني مختلفة عن باقي رفيقاتي وبالأخص في مسألة اللحوم"
فغمزت ناحية ماري لتتراجع مرعوبه ويدها تلوح بالفراغ باحثة عن درعها الواقي لتقهقهة العجوز بنغمة مرتفعة وأكملت :
"اهدئي يا صغيرة ولا تخشي شيء، فأنا نباتية "
تقدمت هيلينا متسائلة .
"إذا... ما هو سبب تلك الاشاعة التي انتشرت، مفادها أنك تأكلين الفتيات الصغيرات؟؟"
وهنا توحشت عيناها ونطقت بغضب أشعلت النيران بمقلتيها وقالت بفحيح أرسلت الرعب لأوصال الجميع:
"تلك الملعونة هي السبب بما يحدث، تريد مني أن أعود لمجموعتها وأنا رفضت ذلك فانقلبت ضدي"
عقدت هيلينا حاجبيها دون أن تفقه ما تثرثر فيه هذه الساحرة وهمست متسائلة :
"ومن هي تلك الملعونة ؟؟"
"هي......."
قطع حديثها وصرخت السماء بندائها الأخير معلنة عن حدوث الكارثة التي تنبأتها اليوم.
ضرب الرعد بشدة فأصمت آذانهم، وصعق البرق بقوة ليسقط صاعقه على احدى الأشجار القريبة لتشعل فيها النيران.
أظلم المكان، وجن جنون الأشجار بحفيفها والحيوانات مصدرة أصوات عالية، وصدح عواء الذئب منذرا بالويل والثبور.
رج المنزل كأن زلزالا أصابه، وتساقط الأثاث، وارتعدت قلوب الجميع ما عدا اثنتين، استلت سيفها من جديد وعيناها توهجت بالصلادة والترقب لأي هجمة وسحبت شقيقتها خلفها وصرخت بدميتري:
"استعد... فهناك من يهاجمنا !!"
تجمد بمكانه يحاول أن يستوعب الأمر ومع عودة صريخها أخرج سيفه ووقف على أهبة الاستعداد بانتظار عدوهم .
ثانية..... ثانيتان... ثم .....
فتح الباب على وسعه ليرتطم بالحائط من شدة الضربة وينشطر لنصفين،
ووقفت هناك تحت الظلال متوارية خلف الظلام الذي أحاط بالمكان ليحل السكون فجأة ما أن ظهرت، فقط أصوات لهاثهم هي ما تسمع .
"أزميرالد..."
"خيمينا..."
صمت ثم...
"ألن تدعي صديقة قديمة للدخول لمنزلك؟؟"
أشاحت خمينا بيدها بالهواء لتشتعل الشموع وتنير المكان المظلم ويظهر العدو الخفي، لتعلوا الشهقات من رؤيتهم لتلك المرأة....
كانت مخيفة الشكل بلباسها الأسود القاتم الطويل الذي يصل لكاحليها، ويتوسد جيدها قلادة سوداء اللون رسم عليها شكل أفعى ملتفه حول شيء ما، ورفعت شعرها الأسود بتاج ملكي قاتم اللون يشبه سواد قلبها، وكحلت عيناها بلونها المفضل كحال سواد الليل المظلم، وخطت شفتيها بلون يشابه حقدها ورغبتها بالخلاص من الجنس البشري، وبشرتها تشبه بياض الأموات، كانت تلك هي أزميرالد ملكة الساحرات .
"ماذا تريدين؟؟"
سألتها خيمينا ترغب بإشغالها عن ضيوفها، لكن ذهب سؤالها أدراج الرياح،
فعيناها كانت تتفحص الجميع واحدا واحدا إلى أن حطت نظراتها عليها، تلتهم تفاصيلها وتكويناتها، تدرسها بعيون متشربة لكل ملامحها، إلى أن ظهرت على ثغرها ابتسامة ظفر، لم يفقه لها أحد سوى خيمينا التي ما أن شعرت بأنها تعرف من هي حتى تحركت بسرعة الضوء مشيحه بيدها ناحة أزميرالد حتى صدتها تلك الأخرى بكل سهولة، تحرك الجميع وعلا الصراخ
بالمكان.
جرت ماري بعد أن أمرتها شقيقتها بالاختباء تحت الطاولة وسحبت هيلينا قوسها بسرعة الرياح وقذفت سهمها كالصاروخ ناحية المرأة حتى تحركت للناحية الأخرى مبتعدة عن السهم وهمهمت ببعض الكلمات ويدها تتحرك بالهواء دون هوادة مكونة زوبعة من الهواء الأحمر الغريب اللون، وبدأ صوتها يعلوا والكرة تتلون بشكل واضح ثم رمتها بكل قوتها ناحية دميتري. تجمد بمكانه ولم يعلم ما يفعله، فهو لم يتدرب بكيفية صد هجمات الساحرات. أغمض عينيه باستسلام ما أن شعر بأن نهايته قد أوشكت وانتظر الألم والشعور بتمزق جسده، لكن.....
فتح عيناه ليشاهد هيلينا ممسكة بسيفها البتار تصد تلك الكرة الملتهبة وصرخت بكل قوتها وهي تدفعها ناحية الملكة التي صدمت لما فعلته ولم تفقه بأن الكرة تتجه لها سوى بعد أن شعرت بها تكاد تخترق أضلاعها،
وبحركة سريعة وكلمات أسرع هدأت الكرة لثواني ثم انفجرت متحولة إلى وريقات ملونه .
ظلت عيناها مصوبة لهيلينا والذهول ما زال مرتسما بمقلتيها إلى أن تغير وتحول لشيء من الانبهار ثم للنصر وهسهست:
"نعم... أنت هي من أريد "
"لا!!.... أتركيها بحالها !!"
"تأخرتِ عزيزتي."
وفعلا كانت حركة خمينا بطيئة مقارنة مع الملكة، تحركت بسرعة كبيرة باتجاه هيلينا ودارت خلفها ثم همهمت بكلمات أخرى و استلت سكينها التي ظهرت كما السحر وعلا صوتها ورعدت السماء وانفجرت معلنة عن نهاية العالم، ليتساقط المطر بقوة يخترق الصخر،وبرقت السماء بنور مشع غاضب وناقم لما حدث من تعدي واختراق قانون الكون .
ثوان هي أم دهور لا يعرفون كم هي المدة التي حصل فيها كل شيء بسرعة خيالية .
سكنت الغرفة للحظات وهدء كل شيء من حولهم، وما أن اقتربت خمينا منها حتى رفعت أزميرلداخنجرها للأعلى ومع دوي الرعد الشديد حتى علت صرختها التي اخترقت طبقات ذرات الهواء وحملتها الرياح ليسمعها الجميع معلنة عن قروب نهاية العالم .
اختفت الملكة ما أن أنهت مهمتها وخلفت خلفها ضحكتها المخيفة.
اقتربت الساحرة الطيبة وأمسكت هيلينا المضجعة على الأرض تتلوى من شدة الألم الذي بدأ يفتك بجسدها الصغير، وما كادت يد الساحرة تمسك بالخنجر المغروس بصدر هيلينا حتى اختفى وتناثرت ذراته .
"يا الهي... يا إلهي... لقد انتهى الأمر ماذا أفعل؟؟... ماذا أفعل؟؟"
ظلت العجوز حائرة ما تفعله وهيلينا تصرخ وتئن من الألم ودموعها تهطل دون ارادتها وجلدها بدأ يتغير ويتلونوعيناها برقت بلون أحمر قاني كلون الدم.
دقائق وينتهي الأمر، دقائق وينتهي العالم بتغير تلك الفتاة الصغيرة.
فكرة لمعت بوسط المعمعة وحركة من يدها لتتحرك القنينة المشعة ناحيتها فتحتها و.......














سما نور 1 14-09-17 11:58 AM

الفصل الثالث..........
تمر الأيام، وتمر الشهور، وتقبل السنون، فيمضي العمر وتتفتح العقول ويكبر الادراك، وكل صغير مصيره أن ينمو ويكبر ليغدوا رجل قويا ذا شأن عظيم يقدره الجميع ويهابه الأعداء .
والفتاة تغدوا أنثى فاتنة،رقيقة، محبة، عطوفة، يتهافت الرجال لنيل رضاها، فتقع بالهوى، ويكون محظوظا من تختاره لتنجب أطفاله.
العالم يدور بفلكه، وكل شيء يحيا ويتنفس ويتغير، لكن هناك عند شخص واحد أو بالأحرى عند امرأة واحدة توقف عندها الزمن، وطواه الدهر، لكن ما يزال حيا بذاكرتها لم تنسه أبدا ولن تنساه.
فكيف لها أن تزيله من عقلها وهو ينبض ويشع بداخلها، تشعر به يسري بكامل جسدها،برودة تطغوا عليها، فتنسل بين الحينة والفينة من أصابعها موجات متكاثفة من البرودة متشابكة متراصة لتظهر كهيأة الثلج محولة ما تسلط عليه لجليد أو لكثبان من الثلج.
اعتزلت الجميع ونأت بنفسها خوفا من افلات زمام الأمور من يدها
فيحدث ما لا يحمد عقباه .
ككل مرة منذ ذلك اليوم المشؤوم تقبع في ملجئها في أحد الأنفاق التي اكتشفتها في القصر، كان المكان شاسعا بأحد سراديب القلعة العملاقة، اكتشفته في أحد رحلاتها لسبر أغوار هذا المكان الضخم، كان في ما يبدوا مكان لتعذيب أسرىسجناء الحرب منذ قديم الزمان، فأكل عليه الدهر، ودارت السنون، وتناقل القصر من ملك لآخر إلى أن احتل هذا المكان جدها الأكبر، ليعيد المجد والأمان لهذا البلد،واستقر الحال عليه كملك متوج ليتوارثه من جيل لآخر .
فما كان منها سوى أن حولت المكان لساحة قتال خاصة بها، لتتدرب بسرية وتتقن كل فنون القتال بعد أن امتنعت الاختلاط بباقي الناس خوفا من كشف ما تخفيه من خبايا، فواظبت للتعلم لوحدها، وأنشت لنفسها مكتبة احتوت على كل أنواع الكتب، تبحث وتكتشف أشياء لم يدر بخلدها أنها ستقرأ عنها في يوم من الأيام، ومعلومات غريبة عجيبة عن عوالم لم تعلم بوجودها من قبل، انهالت ترتشف من نهر المعرفة وتغرق نفسها هربا من ذكريات الماضي الأليم .
ترفع سيفها للأعلى وتحط به على الدمية الخشبية بكل قوتها فتعود وتكرر الأمر عدة مرات،راغبة بالشعور بالحرارة، راغبة بالشعور بالعرق يخرج من مساماتها، لكن هيهات أن يحدث هذا... فكل ما تشعر به الآن هو..... لا شيء .
فحيح اخترق أسوارها الجليدية تاركا ندوب عميقة ابتدأت منذ ظهور تلك الملعونة لتخلف خلفها دمارا لم تستطع إلى الآن احتواءه:
"لا تحاولي..... لن تقدري"
اشتعل الغضب بمقلتيها وثارت براكينها فها قد عادت من جديد.
هوت بسيفها بضربات متلاحقة وسريعة وصور تتهافت عليها دفعة واحدة،
ثارت حممها وشددت على سيفها بقوة وتردد صوتها المقيت:
"لا تحاولي ثني غضبك، أتركيه يخرج.."
فصرخت هيلينا وهي تنفض رأسها بجنون :
"أخرجي من رأسي.... لن أفعل ما تريدينه!!"
"ها.. ها... ها.. ها... ستفعلين عزيزتي، فأنت تنتمين إلي وقريبا جدا "
وتلاشا صوتها كما ظهر بعد أن تركت فتاة تكاد تفتك بمن حولها.
صرخت بأعلى صوتها، ونادتها لتخرج وتعلن عن نفسها، فكان أن ذهب صوتها أدراج الرياح.....
فما كان سوى أن أطلق زناد جنون غضبها الكاسح من عقاله، وفلتت الأمور من يدها، ليتحول سيفها البتار لبلور شفاف،وعيونها اشتعلت بفضية لامعه، وشعرها توهج ببياض ناصع كبياض الثلج، فتحولت لكتلة من البلور الشفاف، وأحاطتها موجهة كثيفة من الهواء البارد ومن شدة برودتها حولت نقطة ارتكازها لزجاج تنعكس صورتك عليها.
أشاحت بسيفها بعشوائية بدأته ببطء وازدادت سرعته مع كل نفس تخرجهوصورةالساحرةالملعونة تتشكلأمامها، فقست عيناها، وتوحشت ملامحها
ولم تتوقف سوى بعد أن شطرت خيال الساحرة لنصفين ووقعت ضحية خيالها دمية خشبية.. وكم تمنت أن تكون حقيقية .
ظلت تلهث مخرجة هواء باردا وعيناها لم تحد عن السيف البتار المتحول.
"اهدئي يا بنيتي، لن يفيدك الغضب بشيء "
صوت من بعيد ينتشلها من براثن جليدها، الرؤية مشوشة، وأذن صمت عن سماع كلمات تخرجها من تخبطها، وقلب أحيط بأسوار عالية شيدت بجبال بيضاء تمنع شرها من التدفق للخارج، ولم يعلموا أن تلك الثلوج البيضاء التي تبدوا كنقاء القلوب الصافية تقتلها وتقتات من روحها المتشبثة بجسد صار غريبا عليها .
النداء مرة أخرى بهمس باسمها يسحبها من قوقعتها المشحونة بالخوف والرغبة بالخلاص.
التفتت للخلف تتطلع لزائرهابرؤية غير واضحة، لكن لم يمنعها من مشاهدة رجل يقف بكل هيبة وشموخ بالرغم من اللون الأبيض الذي خط شعره .
ناظرته بعيون جامدة فضية لدقائق ثم وكما السحر انطفأتلتعود على ما كانت عليه بالسابق بعيونها الزرقاء كالسماء الصافية بيوم ربيعي، وشعرها الأشقر عاد كما هو يلمع كأشعة الشمس الدافئة، باختلاف أن عيونها قد تجمدت الحياة بداخلها.
تأمل ابنته بحزن، كم يرثي لحالها وعلى ما وصلت عليه، يعلم بأنها تقاوم الرغبة بالصراخ والبكاء، فكبرياءها وشموخها يمنعها السقوط، فهي أقوى من أن يكسرها ما حدث .
أغمض عينيه ثم فتحهما يمحي تلك اللمحة بداخلهما فأبدا لن يبدي ألمه أمامها، فهو يريدها أن تتغلب على مشكلتها، وضعفه لن يساعدها أبدا.
اقترب منها على مهل وهمس بحنان ودفئ :
"قاوميها عزيزتي، فأنت أقوى من تلك اللعنة الغبية،فأنت ملكة تُوِجت على امتلاك العالم"
"لكني لا أريد امتلاك العالم!!"
همستها بحرقة وألم دفين قلبها الفتي، وتحركت مشيحه بوجهها عن والدها متجهة ناحية النافذة لتتطلع للخارج بعيون غائمة مشتاقة للخروج، وتعلن عن وجودها.
ترى على ملامح الجميع البهجة والسرور، يتضاحكون ويتسامرون، يعيشون حياتهم بعرضها وطولها دون أن يمنعهم شيء ما.
حولت عيناها عن الجموع بعد أن لمحت فتاة تجري بكل رشاقة، شعرها الغجري الأسود يتطاير خلفها، ووجهها ينم عن الفرح والمكر، تنظر من فوق كتفها للخلف لترى متتبعها يجري وراءها فتزيد من سرعتها كي لا تقع بين يديهفيسرع بخطواته كي ينال منها.
كان رجلا ونعم الرجولة، بملامحه الحادة، وعيونه الصقرية الغاضبة،وشعره الكثيف يتطاير من شدة جرية، وجسده النحيل والمرن ساعده بالاقتراب من فريسته وما كاد أن يمسكها حتى باغتته بحركة سريعة مخفضة رأسها والتفافة على جانبها مغيرة وجهتها وتعود منطلقة من جديد هاربة منه.
كانت ضحكاتهم تصل إليها عبر الهواء كأنه يغيظها ويخبرها بأنها لن تكون مثلها أبدا، كم تحسدهما!!.. فهما حران طليقان لا يقدهما شيء، ولا تغلغلهما لعنة تمنعهما من الاقتراب من أي شخص، بالرغم من أنهم عاشوا معها تلك اللحظات القاتلة والمفزعة إلا أنهم تابعوا حياتهم وكأن شيء لم يحدث، كأنهم لم يخوضوا معها تلك المعركة التي سلبتها حريتها وحياتها،وكأنهم لم يتواجدوا أبدا بذلك المكان، بل كانوا بِأَسرتهم يتنعمون بدفئها ونعومتها.
خرجت آه من أعماق قلبها لتجبرها ذكرياتها للعودة للماضي الذي أرادت أن تتناساه، بل كيف السبيل لنسيانه وهي تحاول أن تتعايش مع شذرات مخلفاته، بل تأبى أن تتركها تعيش سنين عمرها الثمانية عشر، لقد مرت أكثر من خمس سنوات على ذلك اليوم المهيب الذي غير حياتها وللأبد .
تتذكر ذلك الألم الذي كان ينهش عظامها ويطحنها كأن مطرقة عملاقة تدق بقوة فتفتتها وتحولها لقطع صغيرة.....
صرخت وناجت تنادي باسم والدها أن ينجيها من عذابها، بكت وناحت وتلوت على أرضية الغرفة وماري ودميتري يتطلعون إليها ممسكين ببعضهم ودموعهم تجري دون أي خجل على وجنتيهم،والخوف يجتث من قلوبهم الصغيرة التي ترى وتشاهد حدث أكبر من أن تدركه عقولهم البريئة.
شعرت بشرايينها تنصهر كأن حمم لاهبة تجري بداخلها، وقلبها يتسارع بوتيرة غير طبيعية يكاد يحطم أضلاعها جعلت أنفاسها تتقطع غير قادرة على سحب الهواء لإدخاله لرئتيها المطالبة بالأكسجين.
فازرقت شفتيها، وشحب وجهها ليشابه الأموات، وزاغ بصرها، وتسلل إليها احساس بأنها النهاية، وأن روحها على وشك الرحيل، فهمست باسمه ببارقة أمل أخيرة :
"بابا..."
والتفتت بعيناها ناحية الباب تنتظر ظهوره كفارسها ليحميها من الأخطار كما وعدها دائما، بأنه سيكون متواجدا بجانبها، فقط عليها أن تناديه ليلبي النداء.
تدحرجت دمعة تندب حياة لم تختبرها بعد، وجفون تقاوم اغلاقها، وعيون مسلطة شاخصة للخارج بأمل......
وكأنه سمع نداءها، فقد ظهر أمامها يشهر سلاحه أمام من يبغي الشر بفتياته،
ابتسمت بوهن ولكن كان قد فات الأوان.....فقد شعرت بنار تحرقها، تلتهم جسدها بالكامل لتصرخ بعواء موجع ومتألم فيشاطرها الرعد بما تعانيه كأنه يبكي حسرة على ما سيحل بعد أن ينتهي الأمر وتكتمل اللعنة.
اقترب الأب بخوف ولهفة لصغيرته الغالية ورمى سيفه دون أن يبالي بالخطر المحدق بهم.
احتضنها يعتصرها بقوة يحاول أن يخفف من معاناتها وصرخ بقلب موجع للساحرة يهدد بقتلها :
"عليك اللعنة!!.. ماذا فعلتي بها؟؟......"
قاطعه صراخ ابنته لتعود عيناه تتأملها ويديه مقيدة غير قادر على ازاحة الألم،وهمس بعدها برجاء لم يعتده أبدا بحياته :
" أرجوك!!.. ما الذي فعلته بها؟؟.... اسمعي... سأعطيك كل ما تريدين، فقط أزيلي ما فعلته"
صراخ آخر يقطع نياط القلوب المتحجرة، واكتمال أوشك أن ينتهي ليصرخ برجاء آخر :
"أرجوك!!"
لتجيبه الساحرة بحسرة:
"مولاي!!... لا أستطيع فعل شيء لها، فما فيها أقوى من قدراتي"
رفع ناحيتها عينان غائمتان بدموع أب يرى موت ابنته على ذراعيه.
"أني أتوسلك أن تنقذيها !!"
" يا مولاي... أستطيع أن أوقف ما يجري....."
قاطعها بحماس:
"أجل ... أجل، افعلي وسأكافئك بسخاء"
"لكن..."
بهت الملك من تلك الكلمة، فخلفها معاني كثيرة، وانتظر بألم أن يسمع ما ستقوله، وعيناه الحزينتين تتأملان ابنته فانصت بحزن لما تقوله الساحرة وأطبق جفناه عندما نطقت بما كان يخشاه .
"أستطيع أن أوقف ما يحدث، لكن هذا لا يعني انتهاء المشكلة، أنا فقط سأحتوي هذا الشر الذي استوطنها وأمنعه من الظهور" .
فسألها بجمود:
"وما سيكون الثمن؟؟"
"لعنة أخرى...."
هز رأسه موافقها فما من سبيل غيره وهو يراها تلفظ أنفاسها الأخيرة.
اقتربت الساحرة وفتحت القارورة لتسكبها بفمها ويسري بجسدها كالنار مثل الهشيم.... برودة سرت بأوردتها تطفئ اللهيب المشتعل، فدارت معركة حامية الوطيس، معركة الخير والشر، دارت حربهما عبر الزمن والعصور .
انتفاضات عنيفة هزت جسدها الغض، ومحاولات عقيمة من الأب الملكوم أن يحتوي رعشاتها، فكانت الغلبة لقواها التي تسحقها من الداخل بحرب غير مرئية تكاد تقتات من البقية الباقية من أنفاسها .
الجميع ينظر إليها وهي تهتز وتشهق، وجسدها يرتفع وينخفض،لحظات هي كأنها الدهر إلى أن شهقت بقوة اعتقد الكل أنها أزهقت روحها، واستكانت بعدها بهدوء مريب.
اقترب منها الأب بخوف وهلع لرؤية سكونها المخيف، ووضع رأسه على صدرها يستمع لدقات قلبها الرتيبة ليهلل بفرح ويحتضنها بسعادة مقبلا اياها على جبهتها، التفت للخلف ليخبر الجميع بأنها على قيد الحياة فهاله منظر الصغيرين وهما يتشبثان ببعضهما البعض، ووجوههم قد جفت دمائها، ويرتجفان كعصفوريين صغيرين يرون الوحش بأنيابه الحادة أمامهم.
تطلع للساحرة برجاء آخر لتهز رأسها بالموافقة، فاقتربت منهما وبهمهمة غير مفهومة وكلمات غريبة سكبتها عليهم، ورفعت يدها لتضعها على رأسيهما وبثوان كانا قد غابا عن الوعي دون أن يشعرا بتلك التي كانت تراقب ما يجري ومن ثم أغلقت عيناها برحلة لوادي الأحلام عن عوالم وأشخاص لم ترهم بحياتها أبدا، لتستيقظ بعدها على فراشها الوثير، استغربت الأمر في بادئ الأمر، ولمست جسدها تستشعر نفسها إن فارقت الحياة أم لا.
عقدت حاجبيها دون فهم وتساءلت بحيرة إن ما حدث هو محظ كابوس أم حقيقة؟؟.
فنهضت من سريرها وارتدت ملابسها على عجل وخرجت من غرفتها مهرولة باحثة عن شقيقتها لتجدها بالمطبخ كما العادة تأكل بنهم، فصاحت تناديها بسعادة واقتربت منها تحتضنها بشوق لرؤيتها بخير، أبعدتها ماري بصعوبة صارخة بوجهها :
"هيلينا...أنت تخنقينني، ماذا دهاك؟؟"
عادت لطعامها دون أن تبالي بشقيقتها المجنونة وتطلعت تلك الأخرى لشقيقتها دون فهم لما يجري، ليفتح الباب ويدخل ديميتري فصرخت هيلينا:
"الحمد الله، أنت بخير يا دميتري"
ناظرها باستغراب وقال :
"طبعا أنا بخير، وكيف لا أكون، وإن كنت تتساءلين عن قدمي فقد أصبحت بخير"
فضيق عيناه ناحية ماري المنشغلة بأكلها وأكمل :
"فقط علي الابتعاد عن الأفيال الضخمة "
لتجيبه ماري دون مبالاة :
"أنت محق، عليك الابتعاد عني و إلا......"
كانت تنظر إليهم بذهول، وتراجعت دون أن تفهم ما يجري، أمسكت برأسها، تشعر بأنها قد جنت وأن ما يحدث ما هو إلا خيال، بل هي ما تزال نائمة وتحلم.
مشت بضياع تأخذها قدميها لمكان تعرف إلى أين سيؤدي بها وتوقفت عند باب غرفة والدها لتفتحه وتطلعت للمكان وهمست برجاء:
"اني احتاجك يا أبي !!"
"وأنا هنا من أجلك يا ابنتي"
لتتوسع عيناها بصدمة رؤيته أمامها فقد كان برحلة لخارج البلاد، ولم يحن بعد وصولهم، لم تهتم كثر رغبتها بوجوده بقربها، فجرت ترتمي بأحضانه تنشده الأمان والراحة ليربت على ظهرها بأبوه وحنان، وهدهدها بكلمات رقيقة لتشعر بعدها بالاسترخاء وتبتعد عنه ولتبدأ بعدها معاناتها فقد أخذ والدها يسرد إليها ما حدث بالتفاصيل .
عادت لواقعها على لمسة حانية على كتفها، يعلم ما تعانيه،وكم يتمنى لو عاد الزمن للوراء لعاد بسرعة قبل أن تسبقه تلك الساحرة اللعينة التي بسببها خرج لقتالها ليصدم بالسكون الذي غلف المنطقة التي قدموا إليها، لم تكن هناك حياة، فكل ما شاهدوه هي أرض جرداء خالية وكمن استشعر الخطر عاد لوجه السرعة لقصره ليعلم من أحد خدمه أن ابنتاه قد خرجتا لاستكشاف منزل الساحرة .
تنهد بحرارة وكم تمنى لو أنه أسرع لكان قد منع تلك الشريرة من سلبه ابنته.
"أنت قوية يا ابنتي، تشجعي ولا تتركي تلك اللعنة تتغلب عليك وتفسد حياتك"
سكت قليلا يلتقط أنفاسه واستطرد :
"يكفي بعدا عن الناس، اخرجي وأريهم من أنت... أنت الأميرة هيلينا، أنت المحاربة الشجاعة والمقدامة، سترين كيف ستنتصرين على نفسك "
"أنا خائفة يا أبي!!... أخشى أنني لن أقدر على السيطرة على قدراتي، وأن أوذي أشخاص أبرياء"
وضع كلتا كفيه على كتفيها وأدارها ناحيته وناظرها بقوة يبثها عزمه وشجاعته.
"بل تستطيعين... فقط لا تفكري بها، أنت فتاة غير عادية، قادرة على فعل المستحيل، فقط ركزي بالنقاط الأساسية وانسي قدراتك تلك"
حل الصمت بالغرفة ينتظر اجابتها وهي تفكر بكلمات والدها لترفع رأسها بهامة، وشمخت بأنفها، وشعت عيناها ببريق التحدي والرغبة بالنصر، فأبدا لم تهزم بحياتها ولن يأتي هذا اليوم الذي ترى نفسها منكسرة، وهتفت لوالدها:
"نعم أبي... أنا لها"
ليأخذها بأحضانه ثم يبعدها ويهز رأسه بالموافقة .
**************

حل يوم المباراة العالمية التي تشهدها البلاد،ففي كل سنة يقيم الملك مباريات بكل أنواع الأسلحة.. ليس فقط من أجل التسلية، بل من أجل اخراج قدرات الرجال القتالية كي يستطيعوا بوقت حاجتهم أن يعلموا من سيكون عونا لهم،
فيتوافد إليها الجميع من أقاسي البلاد لنيل شرف الفوز، ورفع شأن بلادهم فالفوز ليس فقط من أجل نفسه، بل هو من أجل وطنه فبانتصارهم يعني الازدهار لبلادهم بالأمورالسياسية والاقتصادية على حد سواء.

تقف عند نافذتها تتطلع للجمع الغفير وقد أتوا لنيل شرف تقديم أنفسهم للملك المبجل، زفرت هواء باردا ليتشكل ضباب على الزجاج، ناظرته لبرهة ثم كتبت اسمها عليه ولمعت عيناها بتصميم، وابتعدت متجهة للخروج وأمسكت أكرة الباب وتمهلت، فهذه ستكون المرة الأولى لخروجها من عزلتها، فمنذ ذلك اليوم وهي تمنعت عن الظهور حتى عن شقيقتها فقد خشيت أن تؤذيها بلعنتها تلك، ففي البدء لم تستطع السيطرة على قواها فطفقت تنشر جليدها بكل مكان، فالخوف أصبح رفيقها فأبت إلا أن تحافظ على حياة الجميع من خطرها .
سارت بخطى واثقة، وعيون مصوبة لهدفها، سيفها يتوسد خصرها، وقوسها يرتاح على كتفها، وسهامها الحادة تنتظر على أحر من الجمر الانطلاق،
شعرها الذهبي مجدول بعقدة طويلة خلف ظهرها، وملامحها جامدة، وبفم مشدود، وعيونها تنطق ببريق خاطف وغامض.
وقفت تنظر إليهم تبحث باشتياق عنها وهناك وجدتها تقف مع مثيلاتها من الفتيات، لانت ملامحها وتغيرت بحب ناحيتها لقد تغيرت شقيقتها وأصبحت رائعة الجمال تشبه والدتها كما تيقنت من قبل.
وكأنها استشعرت من يراقبها التفتت تبحث عمن يرسل إليها بسهامه لتلتقي الأعين، وتطرق القلوب، وناظرتها بشوق لا مثيل له، لقد احتاجتها طوال خمس سنوات ولم تجدها، تركتها للوحدة والفراغ، ولم تعد تجالسها أو تتحدث معها كما السابق، تطرق بابها ليجيبها صفير الرياح، كانتتستمعلنداءشقيقتهامنخل فالأبواب،تهمسإليها بتوسلأنتخرجإليهاتطوقلأحضا نهاوراغبةبالشعوربالأمانبج انبها،ولمتكن تعلم أن خلفها فتاة تبكي فراقها تطوق للحرية التي منعت عنها قصرا فما بيدها من حل سوى أن تكون شبحا غير مرئي.
تأملت ماري شقيقتها.. لقد تغيرت واختفت عن الأعين، لا تعرف ما أصابها أو ما حل بها، كل ما تريده الآن هو رغبتها بالارتماء بأحضانها والبكاء.
وما أن ابتسمت لها حتى سارعت لفعل ما أرادته دوما، وانطلقت كما الصاروخ تندس عند اضلاعها باحثة عن نصفها الآخر .
استبقتها للحظات تتمتع بهذا الحضن الدافئ ثم أبعدتها لتمسح دموعها السخية، لتهمس ماري:
"اشتقت اليك..."
وأجابتها بعيون غامت بالكثير من المشاعر:
"وأنا أيضا حبيبتي..."
"أنت لن تتركيني مرة أخرى صحيح؟؟"
سكتت هيلينا واحتارت فيما تقوله، لا تستطيع أن تعدها بشيء تخشى أن لا تفي به، فغيرت مجرى حديثها قائلة :
"وااااااااو... أنظري إليك، فاتنة !!"
دارت ماري حول نفسها بابتهاج تعرض نفسها أمام شقيقتها الكبرى ثم توقفت لتلتف تنورتها الواسعة حول ساقية، ووقفت بحركة مسرحية لتبتسم لها هيلينا بحبور فتتقدم منها ماري مصرحة هي الأخرى :
"أنت أيضا تغيرت، أصبحت رائعة الجمال "
"شكرا حبيبتي "
تلفتت تبحث عن والدها لتراه يقف مع مجموعة من عليات القوم يتباحثون بشيء ما، حركت رأسها تتأمل الغفر الهائل لتراهم منشغلين اما بالرقص أو بالطعام أو بإظهار مواهبهم الفذة للتفاخر ولإيقاع الفتيات.
سخرت من سذاجة الفتيات ليأتيها صوت من خلفها جعلها تلتفت لتواجه محدثها:
"تبدين رائعة الجمال كما العادة هيلينا"
التفتت على عقبيها وهمست باسمه :
"دميتري..."
"مضى وقت طويل.... هيلينا"
تأملته بإعجاب، فقد تغير وأصبح رجلا معتد بنفسه والكل يطلب نصائحه بعد أن اختفت هي، فقد كان في المرتبة الثانية بوجودها ومع اختفائها احتل المرتبة الأولى وكم كان مسرورا بابتعادها عن الساحة ليخلوا له الجو ويكون ذا شأن .
تأمل جمالها المبهر والوحشي من شعرها الذي يضاهي أشعة الشمس، ولملامح وجهها البري، وجسدها الرشيق والممتلئ بالأماكن المناسبة كانت امرأة بحق، يتقاتل الرجال من أجلها.
لطالما تساءل بداخله عن سبب اختفائها المفاجئ!!.. منذ ذلك اليوم عندما أرادا أن يخرجا لاستكشاف منزل الساحرة، ولم يذهبا!!.
يشعر بأن هناك شيء بذاكرته قد اختفى أو اقتطع منه، وبعدها يجري الوقت وتعدوا الأيام، لكن هي لا وجود لها بينهم .
"هل أعجبك ما رأيت؟؟"
كانت تقف وكفيها على خصرها النحيل وأحد حاجبيها قد تقوس للأعلى، سعل يجلي حنجرته وشعث شعره وقال:
"هل ... هل أنت مستعدة؟؟."
أشار للساحة أمامهم لتتبع عيناها اشارته وقال مستكملا:
"سأفوز كما كل سنة وسأعلق وسامي بالقرب من أشقائه هنا..."
ناظرت صدره المتوج بأوسمة فوزه بالسنوات الماضية وقالت :
"فزت لأني لم أكن متواجدة "
كانت حقيقة وتركته لوحده يقف والوجوم قد بلغ مكمنه من جملتها تلك، فضرب الأرض بغضب ولعن بصوت عالي ليأتيه صوت من خلفه معاتبا:
"لا... لا... لم الغضب؟؟"
صمتت قليلا واقتربت منه لتقف بجانبه وتأملت شقيقتها بفخر واعجاب لشخصها و استطردت كأنها وجدت المعضلة لحنقه:
" لا تحزن حبي لفوزك بالمركز الثاني "
طحن أسنانه بغيض من هذه المتطفلة وقال يغالب نفسه من امساكها وضربها على قفاها :
"لم يبدأ السباق بعد لتجزمي بخسارتي!!"
"أممممم...... لا داعي لبدئه، وأنا أعرف مسبقا من سيفوز"
زفر كتنين هائج وصرخ فيها بخفوت :
"ماري... ابتعدي عن ناظري وإلا ستنالين عقابك!!"
رفعت كتفيها دون مبالاة لغضبه وابتعدت بعد أن حدجته بنظرات متهكمة واستفزته قبل رحيلها بكلمات أصابته بمقتل:
"أنت لن تستطيع هزيمة شقيقتي وأنت أدرى بهذا "
واختفت بين الحضور، ولو بقيت لوقت أطول معه لدق عنقها .
"سنرى من سيفوز... سنرى "
وتحرك بسرعة لمكانه بعد أن دقت الطبول، وعلت الأبواق، تعلن عن بداية أول مسابقات التحدي، القتال بالعصي، القوس والنشاب، ركوب الخيل، وغيرها من فنون القتال ......
رمى بوسامه للمركز الثاني وهو يلعن ظهورها الغير متوقع، لقد فازت بكل المباريات، واحتلت المراتب الأولى كما هو متوقع.
حمل دلو الماء ورماه أرضا لينسكب الماء، ورمى محتويات الطاولة بعد أن قلبها، لطالما تفوقت عليه بكل شيء وأخذ يردد....
"تبا... تبا.... لك، لما ظهرت الآن؟؟... لما؟؟... لما؟؟"
هدء بعد ثورته تلك وأعاد تمسيد شعره للخلف، وترتيب ملابسه ليعود كرجل متحضر، وخرج وعلى وجهه ابتسامة مشعة وبداخله يشع المكر والرغبة بالفوز مهما كان الثمن.
المرحلة الأخيرة من المسابقة،"القتال بالسيوف" الجمهور وقد اعتلاه الانبهار وأخذوابالصياح والصراخ بعد أن سرت بداخلهم روح الإثارة والحماس، صرخوا باسم فائزهم يطالبونه بالفوز الأخير، واسمها يصدح على مدرجات الجمهور:
"هيلينا.... هيلينا .... هيلينا....."
أطاحت بكل خصومها واحدا تلو الآخر وبقي الأخير، دميتري خصمها الأوحد، لطالما كره وجودها، وكم تمنى أن يكون هو الأفضل، تأسفت لمعتقداته، ولم يكن بيدها حيلة لمهارتها ولا تستطيع أن تتنازل من أجله، فبداخلها يبرز حب الظهور والتألق ولا تقدر عن الزود عنه.
جبهتان قويتان كل من الآخر يرمي بخصمه بسهم التحدي،ونصل سيوفهم تلمع لحدتها، يدوران وعيناهما لا تحيد عن خصمه، فأي غفلة أو رمشة عين يكون الأوان قد فات .
"هل تعتقدين بأنك الأفضل؟؟"
"وهل تظن بغير هذا!!"
"أنت فقط محظوظة لأنك ابنة الملك لهذا تفوزين"
"أنت تعتقد أن الرجال الآخرون قد تساهلوا معي لأفوز؟؟..أممممممم، وأنت هل ستتساهل معي أم أنك... رجل ضعيف"
استشاط الغضب بداخله، وصرخ لإهانتها وتقدم رافعا سيفه بوجهها لتصد ضربته بسيفها البتار بكل سهولة.
أعاد رفع سيفه وهوى به بحركة ماهرة لتصدها أيضا بكل يسر، ضربات متلاحقة منه وأنفاسه قد هدرت كثور هائج وصدى صوت التحام المعادن يتردد صداها بالخلاء الواسع، والجميع يحبس أنفاسه للمعركة القوية التي تدور بين اثنين من أقوى المحاربين.
وقفا يتطلعان لبعضهما وصدرهما يرتفع وينخفض بوتيرة سريعة، والعرق يتنسم جبهة دميتري أما هيلينا فتشعر بشيء غريب يسري بداخلها، وتوهج يشعل جسدها، ورغبة قوية بالفتك بخصمها، ويدها تطوق لفعلها، لكن عقلها يحجم رغباتها وكما قال والدها :
"لا تفكري... فقط ركزي بمن هو أمامك، ولا شيء آخر"
وبمحاولة أخيرة منه لاستفزازها ونيل فرصة ولو ضئيلة لإستغفالها فقال دون أن يعلم بتبعات كلماته :
"أعرف سرك الدفين..."
ترددت تلك الكلمات برأسها كصدى ارتداد صوت ما في مكان سحيق ليصلها خفيضا.
ارتجفت يدها، وسرى الرعب بداخلها من انفضاح سرها الذي حافظت عليه على مر أعوامها الخمس، وتقاذفت عليها الأسئلة مشوشة تفكيرها ليستغل دميتري بعد أن أدرك غفلتها لينقض عليها بسيفه فاستطاعت باللحظة الأخيرة استدراك الوضع والمكان الذي هي فيه، ولكن بعد أن أصابها بجرح بذراعها وهنا فلتت الأمور من يدها، فقد لمعت عيناها ببريق فضي مخيف،وتحول شعرها لبياض يشابه الثلج، وخرج من فمها بخار هواء بارد.
رفعت سيفها بوجهه ليتحول لجليد وصراخ باسمها يأتيها من بعيد، لكن هيهات أن تسمعه وقد دخلت مرحلة اللاعودة!!
وقف الجمهور مبهور ومصدوم مما يراه أمامه، وقد أخرستألسنتهم عن افصاح حرف واحد مما يختلج بداخلهم من رهبة للصورة التي تتوضح أمام ناظريهم.
نهض الملك بعد أن صرخ باسمها ليستحوذ على انتباهها، لكن لا رد وهو يراها تقترب من دميتري وقد تحولت ولا ترى أمامها سوى الدماء.
تحرك من مقعده بسرعة وخلفه ماري التي تخشبت من رؤية شقيقتها بهذا الشكل وبهبوط والدها من كرسيه حتى عادت حواسها للعمل وأسرعت خلفه، أما هيلينا فكانت بعالم آخر، وصوت يهمس بأذنيها يناديها بسفك الدماء.
غامت عيناها، ولم تعد تسمع سوى هسهسة بحروف تأمرها وتطالبها بالتقدم وفعل ما ترغبه ألا وهو... القتل.
وبحركة ماهرة بسيفها حركته باتجاه عدوها ليخرج رذاذ جليدي ناحيته، ظل واقفا متجمدا للحظات ولولا عناية الأقدار لكان قد تحول لتمثال جليدي، فقد مال بنفسه بآخر لحظة، ووقع على الأرض ينظر بجمود لما حدث أمامه وكأن بسقوطه قد أيقضها من غفوتها المؤقتة لتنظر ناحيته ثم تحركت عيناها لترى جليدها وقد حط على الشجرة محولا إليها لكرستال من البلور اللامع.
هزت رأسها وتطلعت للجميع بخوف ورهبة وهمست :
"لم.... لم.. أقصد فعلها"
ليصرخ بعدها صوت من بعيد مخرجا الجميع من صدمتهم:
"ساحرة..."
لينطق شخص آخر :
"ساحرة .... أقتلوها...."
"لا .... لا...."



hellen 14-09-17 12:42 PM

جميلة جدا سلمت الأيادي .. متابعة معكم انشاءالله ..»

نولا ٢٠٠٠ 26-09-17 12:39 PM

الفصول التى نشرت حتى الان جميله. اتمنى لك التوفيق واتمام الروايه على خير كسابقاتها.

نولا ٢٠٠٠ 26-09-17 12:41 PM

متي موعد تنزيل الفصول؟

سما نور 1 26-09-17 07:23 PM

الفصل الرابع .......

هل تعرفون تلك المعركة التي تدور رحاها بداخلك تشعر بها تطحنك بعنف ثم تقذفك لوادي سحيق تخبرك بأنك قد انتهيت تماما، وأنك قد خسرت أول معاركك قبل أن تبدأها؟؟.
هل أحسست يوما بالفراغ يحيط بك، ويلتف حولك كأفعى الكوبرى تعتصرك بكل قوتها تمنع الهواء الوصول لرئتيك فتكاد تنفجر من فرط كتمك لأنفاسك؟؟...
وصفير الرياح تعصف مثيرة زوابع إنما دلت على شيء واحد ألا وهو خلا جانبك من عائلتك؟؟.
سرى بداخلها خواء رهيب طفق ينتشر بسرعة على كامل خلاياها،وعقلها يخبرها ويجبرها على تذوق طعم الخسارة لأول مرة وكان طعمها كالعلقم المر.
تطلعت لما حولها وهي ترى الحشود الغاضبة والراغبة بالنيل منها، وتصرخ بكل قوتها للخلاص من ساحرة تتمنى سحق أمان بلادهم.
كيف استطاعوا نطق تلك الكلمات؟؟.. هل نسوا من هي؟؟... وابنة من تكون؟؟.
الجنود يحاصرونها من كل الجهات، ورماحهم مصوبة إليها، وبعيونهم ترى لغة الدم ولن يذودوا عنه أبدا.
فتحت فمها لتخبرهم بإيقاف جنونهم، لكن نصل سيوفهم المدببة تخبرها باستحالة ردعهم.
سماء تنذر بهبوب عاصفة هوجاء ستقتلع كل من يقف أمامها، وسواد يكتسح برعونة سلاما كان يحتضن العالم بين يديه ليظلله مخفيا إياه تحت شر مطلق يكاد يخرج من قمقمه، فقط يحتاج احتكاك بسيط وبعدها .........
"أخبرتك من قبل بأنك لا تنتمين إليهم"
هزت رأسها تنفض صوتها البشع الذي يتلاعب برأسها كما العادة وصرخت بها :
"ابتعدي عني، واتركيني بحالي!!"
رفعت عيناها لتشاهدها تقف أمامها ببجاحه وتخبرها بكل حقارة بأنها..
"أنت تنتمين إلي وليس لهؤلاء الحثالة"
"لا... دعيني وشأني، ما الذي تريدينه مني؟؟"
ابتسمت بظفر لوصولها لمبتغاها وهي ترى الضعف قد استبد بها لتخبرها بكل سعادة واعتزاز :
"أريدك أنت..."
و كأن بابتسامتها تلك استمدت منها طاقتها لتشتعل نيران الغضب بأوردتها، وثارت حممها الباردة، فلتلعنها السماء إن هي ظلت صامتة.
رفعت عيناها للسماء المتشحة بلباس الحداد تنعي ما يخترق لقوانين الطبيعة من جرم لم يحترمه أي مخلوق .
غامت السماء بجنودها المقاتلين، فقوة خارقة قد استدعتهم ليكونوا تحت طوع بنانها، متى ما أرادت...فقط تطلبهم ليأدوا واجبهم .
صرخوا صرخة بدأ المعركة، وانطلق الجنود يلبون النداء....
أمطار مسننة، وصواعق قاتلة، ورعود مزمجره معلنة أن الحرب قد دارت أوزارها، وظلام تشبع به الجو من حولهم، جعل الرؤية شبه معدومة.
امرأتان تقفان بوجه الإعصار وكل منهما ترمي الأخرى بنظرات قاتلة وينتظرن أن تبدأ الأخرى أول أشواط المعركة...
رفعتهيلينا يدها بحركة سريعة أردتها ناحية أزميرالداوهي تصرخ:
"لا.... أنت تحلمين"
تحركت أزميرالدهمقهقهةبصوت عالي شامته بها:
"أخطأت عزيزتي التصويب، تحتاجين للتدريب أكثر"
"تبا لك، سأقتلك!!... سأقتلك وأتخلص منك"
حركت يدها مرة أخرى بموجة باردة كثيفة باتجاهها فأخطأت ثم ثانية وثالثة ورابعة ولم تستطع ادراكها لسرعتها الفائقة التي تضاهي سرعة البرق.
وقفت تلهث بصعوبة بعد مرور بعض الوقت،وعيناها تبحث عنها من خلال ستار الظلام ترغب بالفتك بها، لتسمع فحيحيها خلف أذنيها تخبرها بشيء لم تفهم ما هو مقصدها منه.
"عزيزتي هيلينا... أنظري ما جنته يداك الباردتان!!"
همست دون أن تفقه لقولها متسائلة:
"ما الذي تقصدينه بقولك ؟؟"
"أنظري جيدا عزيزتي إلا ما فعلته قواك "
التفتت هيلينا لتنظر أمامها وشهقت بصوت عالي وتوسعت عيناها بصدمة لهولالمنظرالبشع...لجنود وقد تحولوا لتماثيل من الجليد .
تراجعت للخلف بخطوات مرتجفة ورأسها يرفض المشهد الذي التقطته عيناها، ولسان حالها يردد بالرفض .
"لا... لا... مستحيل!!... كنت أصيبك أنت، وليس هم!!"
حالة من الرعب تملكتها وهي ترى والدها وشقيقتها يقتربون منها بعد أن تبدد غشاء السواد ليريها ما صنعته يداها.
تراجعت للخلف بخطوات وئيده خوفا من أذيتهم، وحركت كفيها تنفي التهمة التي رأتها بعيونهم لترى نظرة الهلع بمقلتيهم وشقيقتها تختبئ خلف والدها ليحيطها الآخر بحماية من شر ابنته الغير مقصود .
شهقت بألم... ووجع استبد بجوفها من رؤيتهم بهذا الشكل، فبعد أن كانت هي حاميتهم وملجأ أمانهم، صارت موطئ خطر وعليها البعد من أجلهم.
خطوة للخلف تتبعها عدة خطوات، ليتقدم والدها يمنعها من الإقدام فيما تفكر فيه فمدت يدها ترغب بلمسه أخيرة،ودفئ لن تجده في جليدها، فقوطعت نظراتهما وسقطت أيديهما، لوقوف الجنود كدرع واقي لحماية ملكهم المبجل من الساحرة التي تترصد قتل قائدهم العظيم.
فهمست بحرقة جعلت دمعة تهطل على وجنتها الباردة لتتجمد بمكانها كما تجمدت حياتها منذ ذلك اليوم .
"بابا..."
"توقفي أيتها المشعوذة الساحرة، ولا تقتربي وإلا قتلناك !!"
فهتفت تنفي اتهامهم:
"أنا لست ساحرة!!... أنا.... أنا هيلينا... أنظروا إلي فقط"
تطلع الحراس إليها مستنكرين قولها ثم التفتوا يحدجون بعضهم فصرخ واحد منهم :
"هل تسخرين منا أيتها الشمطاء؟؟...أنظري إلى نفسك قبل أن تكذبي علينا"
"أنا لا أكذب أن......."
سقطت عيناها على الأرض تتأمل نفسها من خلال انعكاس جليدها الذي تحول لمرآة مصقولة، فشاهدت امرأة أخرى غريبة عجيبة، تختلف كليا عما هي عليه، فتلك التي تشاهدها تملك شعر أبيض، وعينان فضيتان، ووجه شاحب، رفعت أصابعها تتخلل شعرها ثم امتدت لوجهها....
قاطعوا استكشافها لقرينتها وهم يزمجرون بغضب لاكتساحها بلدتهم الآمنة.
"والآن أخبرينا أين ملكتنا؟؟... أين هيلينا؟؟"
فرددت دون اقتناع:
"أنا هيلينا.... أنا هيلينا..."
صرختها بألم، قالتها بوجع، فها هي الآن تدافع عن حقها الشرعي بنفسها،لكن هيهات أن يستمعوا إليها وهي بهذه الهيأة.
لتصرخ بهم وقد بلغ التوتر مكمنه من اقترابهم الخطر منها،والخوف استعر بداخلها وتملكها بالكامل.
"لا تقتربوا مني...."
وعندما لم تجد استجابة لطلبهاصرخت آخر صرخة حياة موجه صوتها للسماء تناجيها بمحنتها، تهمس لها بألم، تطلب منها رحمةً لم ترها بين أحبائها، فوجودها معهم يعني هلاكهم، وحبها لهم يفوق أنانيتها بالبقاء بالقرب منهم، فاتخذ القرار،ووقعت على سجل موتها بنفي نفسها للبعيد.
لتبكيها السماء مرسلة دمعات بيضاء خفيفة هشة، تراها للوهلة الأولى يا لجمال لونها ويال برودتها المنعشة على بشرتهم،ولم يفقه الجميع أن الخطر يكمن تحت براءة أشكالها رامين بسر تكوينها وأن كلما زاد الشيء عن حده انقلب ضده .
ركضت تبتعد، أسرعت تبكي، مخلفة وراءها وجوه متألمة، وعيون باكية، تبكي رحيلها..
جرت وصوتها الخشن يتبعها يناديها:
"نعم... أجل... أسرعي إلي... فأنت لي... تنتمين إلي.."
وضحكتها المقيته تتبعها لتخترق أذنيها.
حاولت اخراس قهقهتها المنتصرة ولم تستطع سوى العدو بأقصى سرعة هاربة من مصيرها المحتم .
"هيلينا.... هيلينا.."
توقفت فجأة!!...تنصت باهتمام، فهذا الصوت لا يشبه الساحرة الشمطاء، ليتبادر لذهنها بأنها تهذي فيستحيل أن تكون هي، وإن أرادوا تتبعها لن يكون سوى للتخلص منها.
تقدمت خطوة للأمام ثم خطوة أخرى لتتجمد بمكانها وقد علمت لمن هذا النداء.
التفتت تنظر للخلف لتراها من بعيد، تجري باتجاهها، تترجاها أن تعود، لم تدع لها المجال للاقتراب أكثر من هذا، ومشهد الجنود يتماثل أمامها، ورفض لرؤية شقيقتها كتمثال جليدي.
فنطقت بكلمة حملتها الرياح توصلها للطرف الآخر:
"وداعا ماري.... وداعا !!"
وعادت تجري بسرعة كبيرة، بل الأحرى أنها كانت تطير تسابق الرياح بسرعتها لتختفي عن أنظار ماري وتتوقف غير قادرة على التقدم أكثر من هذا، وهي ترى شقيقتها كنقطة بيضاء وسط السواد لتبتلعها الفجوة وتختفي تماما .
ظلت واقفة تحاول أن تستوعب الأحداث التي انهالت عليها دفعة واحدة دون أن ترحم صغر سنها، فللتو كانت تجلس بمقعدها الوثير، تنظر لشقيقتها وهي تخرج خصومها واحدا تلو الآخر من دائرة التحدي، وبقي آخر مقاتل وقد كان ........
حمم بركانية تفجرت بداخلها، وكره انطلق يشيع بداخلها غضب مستعر تملك حواسها، وانطلقت ساقيها عائدة للمكان الذي تركته و بالخصوص لشخص معين كان السبب بما حصل.
ركضت وعقلها يدور بألف سيناريوا بما قد ستفعله برأس ذلك المغرور. وصلت للساحة تحاول التقاط أنفاسها الهادرة، ودارت مقلتيها تبحث عنه ووجدت الكل بحالة استنفار...
الجنود منتشرين بالمكان، والجمهور قد غادر البعض منه ملتجأ لأمان منازلهم والبعض الآخر ما زالوا على مقاعدهم ينظرون بشيء من الرهبة للثلج المتساقط الذي بدأ يغطي جزء من الأرض، والأطفال يتقافزون فرحين بهذه الظاهرة الغريبة التي تحل على بلادهم قبل وقتهاويتقاذفون بالثلوج فيما بينهم.
ارتعش جسدها من برودة الجو، ونظرت للسماء الملبدة بغيوم تخبرهم بأنها لن تنقشع أبدا وأن الشمس قد غابت لوقت غير معلوم.
أحاطت جسدها بذراعيها تحميه بغريزة استشعرت بها الخطر المحدق للبلاد،
فالشتاء قد حل قبل أوانه، وهم لم يستعدوا لهذا التغيير المفاجئ،فمازالوا بفصل الربيع والوقت طويل ليجعلهم مستعدين لدخول موجة البرد القارصة التي تدخلها البلاد في كل عام.
فهمست بخفوت وأسنانها بدأت تصتك من البرودة، فما ترتديه لا يتلاءم أبدا مع هذا الجو المثلج.
"رحماك يا إلهي!!"
التقطت عيناها طريدتها تقف بخيلاء تحكي ما حدث معها..
عاد الدم يفور كغليان الماء على النار، وسارت بخطوات واثقة وغاضبة من هذا المخلوق الأناني، والذي لم ترى فيه غير ما ينطق سوى بحب الذات، وكلمة الأنا التي دائما ما يرددها.
اقتربت منه دون أن ينتبه الآخر لانشغاله بإخبار رفاقه عن المرأة المتحولة وماذا حدث واستثنى ما قاله لها لاستفزازها.
"دميتري..."
وما كاد يجيب محدثه، حتى بادرته بلكمة قوية أعادته عدة خطوات للخلف فقد بوغت بالضربة دون أن يعطى مجالا لأخذ حذره، وصرخ بمهاجمه:
"عليك اللعنة يا هذا... هل جننت أم ماذا؟؟"
"تستحق هذا أيها الحقير!!"
صرخت به وهي تمسك بقبضتها المتألمة من الخشونة التي تعرضت إليها
"ماري..."
قالها دون تصديق!!... بأنها هي من لكمته، وظل ينظر إليها وهي تقذفه بأبشع التهم، نعم هو يعترف بأنه كان مفتاح تحولها لكنه لم يكن يعرف بما فيها أو ما يحصل معها، فلعن بداخله وهمس:
"كيف له أن يعرف بأن هيلينا تملك لعنة؟؟ "
وهنا لمعت بذهنه فكرة ما، وتساءل بتأكيد:
"لا عجب بأنها كانت متفوقه على الجميع..."المخادعة !!"
قاطعه ألم استعر بكتفه، فتطلع للأصابع الجميلة الممتدة إليه، وتتبعت عيناه ذراع ثم وصلت مقلتيه لوجه غاضب ذات وجنتين محمرتين، وعيون تشتعل ببريق أزرق كبحر عاصف تتلاطم أمواجه، وشفتين تشبه لون الكرز بحمرته، وشعر تناثرت خصلاته الغجرية بشكل ساحر وفاتن أسر عيناه، وتراقصت أصابعه راغبة بالسباحة بين خصلاتها الفاحمة، وحادث نفسه المنبهرة بما تراه من جمال خلاب:
"متى تحولت ماري لامرأة فائقة الأنوثة؟؟"
خرج من هذيانه اثر صراخها والذي أتاه من بعيد، فعقله مازال يدور بموجة استكشافه لشيء لم يعطه أدنى اهتمام، فأبدا لم ينظر لماري كامرأة أو فتاة فهي بتصرفاتها الرعناء ورأسها العنيد وسلاطة لسانها جعلته يبتعد عنها. وبسبب وسامته تهافتت النساء حوله وتناسى وجود ماري.
"أنت السبب بما حدث لشقيقتي!!"
"ماذا؟؟"
"نعم أنت!!... ما الذي فعلته لها لتصبح هكذا؟؟... لا بد بأنك قد سحرتها وحولتها بسبب غرورك ورغبتك بالنصر عليها؟؟"
سكتت قليلا تستجمع أنفاسها ثم تابعت تمطره بسيل كلماتها اللاذعة دون أن تعطيه فرصة للدفاع عن نفسه .
وعندما انتهت الكلمات من قاموسها بحثت عيناها عن شيء آخر لتجد ضالتها بالقرب منها، التقطته أصابعها وأشاحته بوجهه فصرخ جزعا مما تفعله:
"اتركي السيف من يدك يا ماري!!"
"لا!!... سأتخلص منك مثلما تخلصت من شقيقتي"
"ماري... اهدئي سوف تؤذين نفسك !!"
"لا...."
ظلت تشيح بالسيف بصعوبة لعدم اتقانها استخدامه مثل شقيقتها فهي انكفأت تتابع ما يخص الفتيات وتركت أمور القتال لهيلينا.
وعندما يئست من اصابته لتفاديه بمهارة لطشاتها، اتكأت بالسيف على الأرض تلهث بصعوبة وهمست بحرقة نابعة من أعماق قلبها لخسارة أعز مخلوق لقلبها.
"لم أعرف بأنك تكرهها كثيرا لدرجة أنك تحولها لهذا..... لهذا ..."
لم تعرف كيف تصوغ الكلمة التي تريد قولها، كيف ستنعت شقيقتها بهذا "الشيء الفظيع" فقط لم تستطع، لم تقدر، لتتهدل كتفيها بحزن، وأخذت ترتجف ببكاء صامت ليتحول بعدها لشهقات عالية، ودموعها تنحدر كشلال ماء متساقط، ولسانها يردد بشكل متقطع اسمها، تناديها لعلها تسمعها وتعود...
لتشعر بعدها بحضن دافئ ولم تفعل سوى أن تشبثت فيه كحبل انقاذها من الغرق.
احتضنته بقوة، ودموعها تبلل قميصه، وذراعيه القويتين تطوقها بكل حنان لم يعرف بأنه سيكنه لتلك الكتلة الشيطانية.
تركها تفرغ ما بداخلها وشعور غريب تسلل لكيانه، وتوق غريب باحتوائها وكفكفة دموعها التي تؤلم قلبه.
انزوى حاجبيه بتكشيرة متسائلا...
"منذ متى وقلبه يطرق لامرأة؟؟.. وبالتحديد لطفلة صغيرة لم يراها سوى كعلقة".
لم يعرف كم مر عليهم من الوقت وهي بأحضانه، وعند ابتعادها شعر بالبرودة تسري بأحشائه، واحساس غريب بالفقد.
مسحت دموعها المنسكبة وتطلعت لدميتري بخجل من وجودها بين ذراعيه والغريب بالأمر، شعورها بالأمان بالقرب من ضربات قلبه العاصفة تحت أذنيها، كأنها ترنيمة سحرية للاسترخاء، وشعور بالراحة تخلل كيانها بوجوده بقربها، والحاح شديد يخبرها بالبقاء هناك هكذا للأبد.
"أنا.... أنا.. "
لم تعرف ما تقول أو تبرر فعلتها بالارتماء عليه طلبا بصدر يضمها ويخبرها بأن كل شيء على ما يرام.
أنقذها من تلعثمها قدوم أحد حراس والدها الشخصي ينقل لها أخبارا سيئة
"أنستي... الملك!!"
انقبض قلبها بخوف بنطقه اسم والدها وقالت تسأله تعاند ما تسلل إليها من أفكار خبيثة:
"والدي!!.... ما به ؟؟"
"آنستي.. والدك، أقصد الملك قد سقط ونقلناه لجناحه وهو يطلبك على جناح السرعة"
كانت قد تحركت بعد سماعها كلمة سقط، وقلبها يطرق بشدة يكاد يحطم أضلاعه، ودعوات انهالت بأن لا تخسر والدها أيضا .
*************
فضاء شاسع وواسع،وياردات من الأراضي الممتدة على مد البصر.
تقف وتنظر إلى لا شيء، ولا يطالعها سوى الفراغ، احساس فضيع عانقها، وبرودة انسلت من أطرافها لتقذفها بالهواء بعد أن استعصى عليها أن تتمالك نفسها، وهي ترى نفسها وحيدة بعيدة عن جداران قصرها الدافئ ومشاغبات شقيقتها وعيون والدها الحارسة.
قذفت بالكرة بكل قوتها لتطير بالهواء ثم تنفجر متحولة إلى نتف من الثلج الأبيض يتطاير كريشتتقاذفها نسمات الرياح العليلة ثم تحط رحالها على الأرض،فتتشربها التربة وتختفي تلك النثرات.
عادت الكره مرة أخرى وهذه المرة بقذيفة أكبر، لترميها للأعلى وانتظرت انفجارها الهائل وتأملته بإعجاب .
نظرت لكفيها وشعور جميل سرى بوجدانها، وسرور طغى على وجهها، رفعت اصبعها السبابة وأخذت تديره ليتشكل حول اصبعها دوامة صغيرة، أسرعت بتحريك اصبعها ليتوسع مدار اعصارها لشيء أكبر وبعدها تركته ليطير ويحط على الأرض وهو يدور ويدور مخلفا خلفه كثبان من الثلوج....
أعجبها ما فعلته بقدراتها العجيبة، فلطالما أرادت معرفة امكانياتها وعلى أي مدى تستطيع أن تفعله بها، لقد كتمتها خوفا من أن تؤذي أحدهم، وخوفا من كشفها أمام أعين الناس لكن الآن لا يهم، فالكل يعلم ولم يعد عليها أن تخفيها .
أغمضت عيناها ومن ثم فتحتها لتأمر أصابعها بفعل تعويذتها السحرية لتتحرك وهذه المرة باتجاه الأرض، وتوجه جليدها ينسكب بكل سلاسة من أصابعها لحظات هي لتكتمل مهمتها وتطلعت لعملها بانبهار وهنأت نفسها لهذا الاتقان.
"وااااااااو.... مدهش"
رفعت قدمها ترتقيه فتطلعت لحذائها وبحركة سريعة استطاعت أن تستبدله بما يناسب ثم سارت على الجليد بخفة ومهارة، تحركت هنا وهناك تختبر ما صنعته وبعد عدة احماءات بدأ استعراضها بالتزلج على الجليد، لطالما تزلجت بالبحيرة التي بجانب قصرهم في فصل الشتاء، ولسخرية القدر.. لطالما شعرت أن الجليد يعطيها طاقة غير نافذة، وحرية تنطلق منها تخترق دواخلها وكيانها، فتكون كروح حرة أبية لا تخضع لحكم أحدهم، فهي كأنها ولدت كملكة متوجة على عرش العالم .
أغمضت عيناها وتركت نفسها تأخذها لحيث أرادت، فهنا الحرية، هنا لا مكان للقيود، فالسلاسل قد كسرت وانطلق الصقر حرا لا تحكمه أي قضبان.
تردد صدى نغمات صوتها الضاحكة والسعيدة بالخلاء، وهي تدور دورات سريعة حول نفسها لتتوقف بعدها بحركة مسرحية فاتنة، لحظات هي فقط بأولى خطواتها نحو الحرية لتشعر بعدها بدخيل يشاركها باحتفالها، ورائحة كريهة تدنس نقاء الجو من حولها، فتحت عيناها وتتطلع لرفاقها بالسهرة، كانوا أربع يشاركونها بحلبتها للتزلج، كانوا صحبة من نوع آخر صارت تكره وجودهم بالحياة، ورغبة كبيرة بالفتك بنوعهم فهمست بلعنة خافتة :
"اللعنة على الساحرات!!"
توقفت بمكانها ليقفوا هم أيضا متحلقين حولها وعلى وجوههم نظرة اعجاب لم يخفوها، بل امتدت للتهليل لما يرونه من جمال فاق الوصف.
"رائع.. لم أرى بحياتي كلها شيء كهذا!!"
لتهمس الأخرى موافقة على كلمات رفيقتها وهي تحدق بشعرها الأبيض المسترسل على ظهرها، ولعيونها الفضية اللامعة، ولبشرتها الشاحبة التي تتلألأ كمياه البحر الصافية التي تنعكس عليه أشعة الشمس.
لتقترب احداهن متحدثة كأنها تحمل رتبة أعلى منهن:
"مرحبا بك، أنا غويل والباقيات..."
أشارت ناحيتهن ثم أشاحت بيدها:
"غير مهم معرفتهن"
"ماذا تردن؟؟"
"نريدك بمجموعتنا، فأنت أصبحت واحدة منا "
"أبدا !!"
قالتها بقوة وحزم.
"لكن...."
"قلت أبدا!!.. وأخبري من أرسلك بأنها لن تستطيع أن تجعلني مثلها"
"هل هذا اختيارك؟؟... بانتظارك مستقبل مشرق بيننا، كما أنه يمكنك السيطرة على العالم بالقوة التي تملكينها"
قبضت على أصابع يدها تشدهم بقوة كأن العالم بين يديها وتضعه تحت سيطرتها،فتطلعت هيلينا إليها ببرود، وطغى الجمود على ملامحها ونطقت بكلمة يتيمه تنهي هذا الأمر المقزز لنفسها:
"لا..."
وتحركت مبتعدة عنهن لكن الطوق الذي أنشأوه لم ينفرج، بل ازداد تماسكا وقوة بعد كلمتها تلك، وعيونهم المخيفة توحشت بمكر وتصميم لنيل مبتغاهم ليهدر صوت خشن من خلفها :
"أنت من اختار...."











الساعة الآن 04:27 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.