شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   قلوب خيالية( روايات ونوفيلات متعددة الفصول) (https://www.rewity.com/forum/f525/)
-   -   غريبة بجوارك -بقلم Mona1977 *مميزة*كاملة& الرابط (https://www.rewity.com/forum/t389285.html)

Mona1977 08-09-17 02:52 PM

غريبة بجوارك -بقلم Mona1977 *مميزة*كاملة& الرابط
 
https://upload.rewity.com/uploads/1506984821131.gif


بسم الله الرحمن الرحيم

غريبة بجوارك
" كنت إلى جوارك قريبة .. غير أني كنت غريبة "







https://upload.rewity.com/uploads/1506984821173.gif


استيقظت وإذ بي في مكان .. كأنه الجنة ..
مرتخية فوق فرش من حرير ..
منه اكتسيت وعليه اتكأت وإليه دنوت ثم أدنيت كأسا ارتشفتها ..
كقطرات الندى لم أملها ..
رأيت وجهي يزهر مع كل رشفة ارتشفتها ..
ومع استفاقتي .. استفاق من حولي ..
لحن شجي .. شعاع مستور خفي ..
زهر الأقحوان .. زهر البنفسج الذي ملأ المكان بعطر فواح زكي ..
كنت كالأميرة ..
بل كنت حقا سيدة ذلك القصر المنيف ..
كاللؤلؤة المجوفة لا يرى باطنها ..
تهيأت للنهوض وإذ بهن ..
حِسان تنبسط الأرض طوعا لهن ..
اصطحبنني .. هيأنني .. لحظات وأصبحت بكامل زينتي ومستعدة للخروج ..
غلمان كالسماء الصافية كالنجوم النائية منهم ..
من أتى به .. من داعبه .. من ساقه إلي من خاطبه ..
مقلة بلون الذهب .. جناحان كاللهب ..
جوادي الذي امتطيته .. حلق بي نحو مكان مترع بالشهب ..
وفوق تلة خضراء اصطف عشاقي ..
فاليوم هو اليوم الذي سأختار فيه ..
من رفرف له القلب وحنا له الفؤاد ..
من تعلق بتلابيب روحه كامل أوداجي ..
مررت مرور الكرام ..
لم أمعن النظر ومالحاجة فقلبي من سيختار ومن أتخطاه ينكس رأسه خائبا من ثم يختفي ..
ولم أزل على هذا المنوال حتى بلغته ..
وأقسم لو أني رأيته الآن لعرفته ..
أمرد الوجه حنطاوي البشرة ..
مسترسل الشعر ذا غرة سوداء اكتنفت نصف وجهه دون استثناء ..
اختفى الكل ما عداي وعداه ..
دنا مني فاحمرت وجنتاي ..
قبلني فارتج خافقي وارتد صوت اليقين في داخلي ملحا أن بادليه الإحساس بالإحساس ..
استقبلته بجسدي الذي انقاد إليه طواعيه ..
بروحي التي لم تطرق الباب ..
باللحظات التي لم أرغب بها أن تنتهي حتى أنتهي ..
حملني وتحت ظل شجرة مكتظة بالألوان البراقة .. بالأصوات الندية .. بالثمار الفتية ..
أجلسني في حضنه ..
تسامرنا .. تضاحكنا من ثم غادرنا ..
عدنا إلى قصري .. إلى مخدعي ..
إلى غرفة بيضاء .. إلى الثلوج تهبط من السماء ..
إلي وقد اشتملت لحافا متذبذب الأطراف ..
إليه أتاني يسترق النظر .. يسرق قبلة أخرى على عجل ..
إلا أني باغته وهربت ..
لحق بي محاولا اصطيادي ..
راوغته .. ناوشته ..
ومن خلف عمودٍ إلى آخر ومن زاوية إلى أخرى ..
كاد أن يمسِك بي .. كِدت أن أقع بين يديه لأقفز ..
فوق سريري ليقفز ورائي ..
حاصرني بذراعيه ..
ولا حدود لناظري سوى ناظريه ..
لم تزل الثلوج على حالها تهبط بانسجام ..
ولم أزل متأملة بسكون تقاسيم وجهه التي بدت لي وكأنها أبيات شعر مرتلة ..
بانتظار كلمة ينطق بها أو حركة يقوم بها ..
تطفئ لهيب شوقي أو لهفة جوارحي ..
تمتم قائلا ..
ماذا تقول؟
أظلم وجهه .. أظلم المكان ..
وتكاثف من حَوليَ الدخان وأنا الآن ..
مقيدة في سريري والأرض تهتز من تحتي ..
سرعان ما انهارت سرعان ما هويت وإذ ..
بيدٍ باليةٍ تمسك بي ..
شعرت بخوف شديد دفعني .. أن أفلت بإرادتي يدي وحينها ..
هويت وحينها ..
استيقظت .. استيقظت هذه المرة لأجد بأني لم أزل حبيسة واقعي وبأن أميري ليس بجانبي سواك يا طائري العزيز .. أعلم أنك مللت ترديدي الحلم ذاته .. أرى ذلك من خلال عينيك وانتفاش ريشك تستعد لأخذ قيلولة ككل مرة تستمع بها إلي .. لا بأس .. فأن تنصت إلي يجعلني شاكرة لك باستمرار .. كانت تتأمله .. كيف يغفو وذبول أجفانه حينما نوديت:
هيا .. سنرحل الآن ..
ــ لقد حان الوقت إذن .. كنت صديقي الوحيد مذ أبصرت النور وكم .. تركت الباب مفتوحا لك كي ترحل ولكنك .. لم ولن تفعل أعلم ولذا .. كان علي فعل ذلك بيدي .. أمسكَته بعناية من ثم أردفت: لقد حانت لحظة الفراق .. ابحث لك عن أصدقاء أخَر غيري فأنا .. لن أكون إلى جوارك دومًا .. أفضل أن ترحل قبل أن أرحل أن تنشغل عني قبل أن أفعل ألا ترى .. بأني بت مؤخرا أهملك بسبب كثرة واجباتي وأنت .. كنت ولازلت من أهم واجباتي إلا أنه لم يعد باستطاعتي .. فعل ذلك على أكمل وجه بعد الآن ولذا .. عليك من الحين فصاعدا الاعتناء بنفسك .. لقد أصبحت راشدا لم تعد بحاجة إلي .. لم يزل ساكنا هادئا حتى إذا ما رفعته إلى السماء وأطلقته جعل يرفرف بجنون أمامها .. أغلقت النافذة سريعًا والتصقت بالزجاج: أيها الأحمق .. أنظر إلى نفسك كيف ترفرف بجناحيك ولا حدود لحريتك .. لو أني كنت مكانك لحلقت بهما بعيدا وللحقت بأحلامي أينما كانت .. التصق بالزجاج هو الآخر ينظر إليها عن كثب .. تساقط دمعها وهي ترى خوفه .. حزنه واشتياقه المسبق لها .. أسدلت الستائر ثم اعتصرتها: أرجوك .. لا تلحق بي ..

في ذلك الوقت من الزمان كانت الأرض حينها مقسمة إلى خمسة أجزاء ..كل جزء يكنى باسم الفصل الذي يغلب عليه وهي واقعة بمجملها تحت حكم ملك عادل ذا نفوذ وسلطان .. ذا عطاء لا حدود له وولاء ومحبة في قلوب رعيته وتابعيه لا ارتفاع له يدعى "الأبيض بن الأشهب بن سلام" وريث وريث أجداد أجداده .. عرفوا بالحكمة والاتزان .. بالعقل المستنير بالرأي الراجح .. بالحلم وقلة الكلام .. يعرف المختار منهم بأثر ولادته أثر الخاتم وسط سبابته .. ومن دون عقد مجلس للشورى فهو من سيتولى الأمر بغض النظر عن خلقه وطريقة نشأته .. وقد أفلح كل من عرف بتلك العلامة بحسن تدبيره وطلاقة علمه .. هو شيخ كبير تجاوز الثمانين من عمره وبالرغم من الشيب الذي يفتري جسده ولحيته .. حاجباه وشعره الذي يتدلى فوق أكتافه إلا أنه لا يزال محتفظا بقوته وصلابته .. رحلت" كندة" الفتاة التي بلغت عامها هذا سن الرشد بصحبة والدها "موسى" شيخ العطارين إلى العاصمة لعلاج الرمد الذي يعاني منه الملك هذه الأيام.

العاصمة وكونها المكان حيث يقطن الملك لابد من أن تكون الأجمل والأكثر روعة .. وهي كذلك حقا .. فهي المدينة التي تجتمع فيها الفصول الأربعة معا بنغم وتناسق دون تفاضل أو تدافع .. الربيع والصيف .. الخريف والشتاء .. هي مدينة تزهو بمبانيها بشوارعها .. بأسواقها بسكانها .. بأزهارها بأدق التفاصيل التي لا تخطر على بال .. حتى الحصى أدق الحصى مرسوم بإتقان وأنا لها .. أن تستمد كل هذا الجمال إلا ممن .. تمركز في المنتصف .. كاللؤلؤة المجوفة لا يرى باطنها ذا بريق أخاذ يسطع بالليل والنهار .. تفاجأت كندة لما رأته فهو أشبه .. بالقصر المنيف الذي تراه من حين إلى آخر في أحلامها .. ردهاته .. أرجاؤه أشعرتها بالألفة وكأنها تعرف هذا المكان .. وبينما هم في طريقهم حيث ينتظر الملك انحرفت عن مسارها دون علمهم أو شعور منها وسارت في طريق طويلة حتى بلغت باب غرفة .. علمت علم اليقين أنها بفتحها له ستتحقق أحلامها .. فهو الباب حيث كانا خلفه معا .. الكريستال المرصع .. الأجراس المحفورة .. النقوش المذهبة والنجوم التي ستضيء بلمسة منها .. ستدق الأجراس وستترنم النقوش وسيتحطم الكريستال إلى نثرات تطفو حولها فقط .. بلمسة منها .. إحساس قوي يدفعها .. ها هِيَ تجاريه ها هِيَ لتستيقظ فجأة على .. صوت الدليل يناديها .. سارت خلفه وتركت خلفها .. إحساسها المعطل مركون عند عتبة الباب هناك .. بانتظارها حتى تعود ..
ــ صاح المنادي: الملك الأبيض بن الأشهب ابن سلام .. الملكة نورهان ..
ــ أتى تمسك بيده تهديه الطريق حتى أسكنته عرشه وجلست هي عن يمينه ..لم يعد يرى جيدا بسبب الرمد الذي يكاد يتلف بصره .. تقدم موسى يعاينه فالتف الجند من حوله – وكان قد أحيط علما مسبقا بأن يؤدي عمله دون اعتراض – ارتعب وارتجفت أطرافه إلا أنه بذل جهده لدفع خوفه - أشار إلى ابنته بإصبعيه فأخرجت المقص وما كادت حتى تجمع بقية الجند من حولها فأوقعوها أرضا وأطبقوا عليه .. نهضت الملكة بامتعاض شديد رافقها بينما ارتجت القاعة بأصوات أثارت حفيظة الملك الذي سألها بصوته العميق: مالذي يجري؟
ــ مليكي ومولاي .. أعتذر فالخطأ خطئي .. لقد أتى هذا الرجل لقتلك لا لشفائك .. أيها الجند ألقوه في السجن وارموا برأسه غدا إلى الكلاب ..
ــ صرخت كندة تدافع عن أبيها وتستجدي الرحمة من الملك الذي استفهم من موسى بطبيعة الأب الحنون .. موسى الذي يرثى لحاله لم يتبق لأنفاسه أنفاس ينطق بها: شعر حاجبيك الطويل الذابل أعاقني فأردت التخفيف منه كي أكمل عملي .. تلك كانت حاجتي إلى المقص ..
ــ تلمس الملك حاجباه فابتسم .. أمر الجند فخرجوا ثم طلب من موسى بوجهه البشوش أن يكمل ما بدأ دون خوف وبارتياح تام .. تخلص موسى من الشعيرات التي استوقفته .. سأل ابنته أن تطحن له بعض الأعشاب التي مزجها بنفسه بقطرات من زيت زيتون نقي وبالمزيج دهنهما وبعد ساعة أزاله وأخيرا فركهما بمجموعة أخرى من الزيوت ثم ابتعد قليلا وسأل الملك أن يبصر الآن .. رفع جفنيه وجعل يتلفت يمنة وشمالا حتى استقر بصره أمام زوجته التي كانت تترقب ردة فعله التالية .. مد يده يلامس براحة كفه وجنتها: أين تلك التجاعيد التي كانت؟
ــ باستغراب: ماذا؟
ــ ضحك ملأ شدقيه: لا تجزعي هكذا .. إنه ذلك الرمد اللعين من جعلني أرى ما لا أود أن أراه في وجهك الجميل .. نكست رأسها خجلا: أيها العطار ..ما السحر الذي صنعته .. إني أرى الآن أفضل من ذي قبل؟
ــ سيدي ومولاي .. أنا لم أفعل شيئا .. ذلك صنع الله ..
ــ سنجزيك خير الجزاء وسنكرمك حتى لا يقال بعدك مكرم .. ذاك ما كان من أمر الملك أما الملكة .. فكفارة لفعلها .. اكتنفت كندة تحت ظلها مدة إقامته .. أن تجعلها كالأميرة .. أقرب المقربات إليها أن تعتني بها وكأنها ابنتها وقد فعلت .. لقد رأت كندة في الأيام القليلة التي تلت مالم تره فتاة في عمرها .. إنه عالم لا يقيده خيال .. لن يسعه النظر البعيد ولن يحتمله حلم صغير .. فهي المتعة والبهجة والترف بأنقى ألوانه وأرقى أشكاله.

وفي ذات مساء .. خرجت الملكة بصحبة زخم من وصيفاتها إلى طرف المدينة إلى مكان يدعى .. "خانة البؤساء" شارع طويل يعبق بكل ذي حاجة إلى عطاء من الأمصار والأعراق المختلفة .. كانت تسأل كل شخص على حدة .. تصغي إليه باهتمام وانتباه .. تدون مطالبهم في كتاب للحاجات .. تمسح على رؤوسهم وتعدهم خيرًا بتحقيقها في أقرب وقت وبينما .. هي كذلك إذ بها .. تقف شاخصة العينين نحو الهزيل حافي القدمين المستند بظهره على الحائط المتكأ برأسه النائم على البائس بقربه .. ملابس ممزقة .. عمامة مهترئة وجسد مدعوك بالرماد .. حاولت إيقاظه فاشمأزت فبادرت كندة حالا .. أيقظته وبالكاد استيقظ .. أيقظته ليهتز عالمها بعد ذلك في لحظة .. اضطربت أمعاؤها وارتج خافقها وإحساسها المعطل المركون عند عتبة الباب ذاك أتي إليها .. يجري صارخا بكلمات لم تجد .. وقعًا حقيقيا في داخلها حتى إذا ما .. أحنى رأسه فسقطت عمامته فكشف لها المستور الذي أربكها .. وجهه الأمرد .. شعره المسترسل وغرته السوداء التي اكتنفت نصف وجهه دون استثناء .. التقاسيم ذاتها ممزوجة بقصة من الشقاء .. النظرات المتعبة التي تخلو من وجودها والصوت الخافت المستهزأ المرحب: آآآآآآآه .. أماه .. كيف الحال؟ مد يدا فارغة ترجو العطاء وبالأخرى ارتشف ما تبقى من شراب في زجاجته .. أمرت الجند أن يعيدوه إلى القصر على الفور فصنع فوضى لم تكن في الحسبان .. ساء الوضع فاقترحت كنده إرجاعه إلى القصر بنفسها فأمره على وشك أن يفتضح وليس من صالح الملكة أن تستمر في عنادها فقد يأتي ذلك عليها بما لا يحمد عقباه .. غادرت بعد أن تركتهما بصحبة حارسان طلبت منهما كندة ألا يلتصقا بهما كي لا يثيرا الشبهة .. سار مترنحا حتى ولج إلى السوق إلى مكان اكتظ بالألوان .. النساء بعباءاتهن اللاتي تميزن بهن .. تعرف الأرملة بعباءتها البيضاء .. المطلقة بالصفراء .. المتزوجة بالسوداء والبكر بلونها الزهري والرجل من فئتها بالعسلي .. وللباعة ألوان وللخدم ومن بلغ الحلم ومن دونهم ألوان .. أما الملك وأهله فقد اختصوا بعباءات من الذهب الخالص مطرزة بخيوط من فضة مرصعة بالزمرد بالياقوت بحبات المرجان .. توقف أمام محل للعطور .. سكب بعضها على ملابسه ولولا كندة .. لكان تناول أحدها توقف .. عند محل للملابس النسائية .. ارتدى هذه واتزر بتلك وتلك تصده تحاول منعه وهو غير عابهٍ بها قد .. تركها ثم سار في طريقه وهكذا .. يحطم هذا ويمزق ذاك .. يخرب يصرخ .. يرقص يغني ويهلوس .. يتصرف كالأمير في عالمه المجنون .. يجري هاربا فحشد من المطالبين خلفه مباشرة .. قبضوا عليه وألقوه داخل حلبة قريبة ليواجه مصيره .. الكل يهتف للضخم المتصلب كالحائط أن اقتص منه وامنحه ما يستحق .. مبتسما كان ولازال حتى بعدما رفعه إلى الأعلى وطرحه أرضا .. جعل ينظر إليه بطريقة أغاضته جعلته يرتمي بثقله عليه .. مد ساقيه وبقدميه العاريتين أصاب أعضاءه فسقط يتلوى من الألم يبكي فقد أصابه إصابة فجرت دماءه .. امتطى ظهره غير مهتم .. الكل صامت ما عداه وكندة الحائرة في أمرها لا تدري ما تفعل ..
ففارس أحلامها غريب عنها ..
من لم تؤمن يوما بأنها ستلقاه ..
التقته ولكن ..
هل هكذا يجب .. أن يكون اللقاء ..
تبعته حتى استلم جائزته حتى نثر النقود فوق طفل وانتزع دجاجته .. خلفه حتى بلغ مزرعة .. عاث فيها فسادا ثم هرب .. حتى نفذ إلى نادٍ .. ملأ جوفه بالشراب ثم خرج .. إلى حافة جبل .. أراد أن يفلت الدجاجة أن يلقيها من الهاوية فأفلتت .. لحق بها إلى غابة تكتسي بالثوب الأحمر كلما غربت الشمس وتتوهج كاللهب كلما اكتمل القمر .. يخشاها الناس كما الملك .. لا يتجرأ أحد على دخولها أو الاقتراب منها هي بقعة .. لا وجود لها خارج حدود سيطرة الملك .. توغل عميقا خلفها وكنده تحاول جاهدة ألا يغيب عن نظرها .. ارتطم بأحد الأشجار فأسرعت إليه .. احتضنت رأسه .. عاينته .. لم يصب بأذى لقد أغمي عليه فقط .. لم تشأ إيقاظه .. أن يكون وديعا مسالما هكذا .. أن تتملى منه دون أن تلهث خلفه .. أن تتلمس تلك التقاسيم التي لطالما عبثت بمخيلتها دون أن تخشى أحدا .. أن ينعم ببعض الراحة بعد كل الذي رأته سيجعلها تشعر بالراحة أيضا .. هي لم تصدق بعد .. ستستيقظ في أي لحظة هذا ما اعتقدته إلا أن الحلم يزداد غرابة فأطياف مضيئة كالقناديل المعلقة بأذيال من لهب تندفع خلف ثعلب يقضم بين فكيه دجاجة وزنها من ذهب .. لاحظها أحدهم فتقدم ببطء ناحيتها .. خائفة مذعورة ولكن ما باليد حيلة فهي لا تستطيع تركه .. حَملَه واستدعاء النجدة أمر لا يسعه مدى صوتها .. يكاد يلتقي بها بأرنبة أنفها .. تراجعت حتى التصقت بالجذع خلفها .. لم يلتفت لذعرها لم يستمع لنبضات قلبها بل .. لقد اقترب أكثر وبجرأةٍ حينما .. امتدت أطرافه ببطءٍ من الداخل تعبث .. بأمائرها بالخصلات المتناثرة على جبينها .. بخمارها .. اخترقت ثوبها إلى محيط صدرها إلى قلبها الذي تباطأت نبضاته .. ثوان والتصق وجه الطيف في وجهها وكأنه يقبلها والتفت أطرافه تعانقها .. لم تشعر بالوجع أو الألم بل بإحساس غامر بالمحبة بالدفء يحيطها ولم يفلتها إلا بعد أن ارتد طرف الراقد في حضنها .. دنا منه فتعكر مزاجه تعكرًا جعل اللهب يتطاول نحو مقدمته .. أطفأت بيدها العارية ما التهب .. احتضنت رأسه وبشجاعتها المتواضعة حاولت دفع ما اقترب .. أخذ الطيف يحوم حولها بانزعاج شديد وهي تصده تمنعه من الاقتراب ولم يزل حتى لاحت له فرصة .. أوشك فبرزت جذور الشجرة التي تظلهم وارتفعت تصنع قفصا ذا فتحات ضيقة اكتنفهم .. محاولات الطيف اليائسة جعلته يشتاط غضبا جعلته .. يقذف اللهب بلا مبالاة هنا وهناك.. تحرك الحصى ومن تحته انبرت من جحورها أقزام بحجم الفول ذات بطون ممتلئة تطفأ اللهب بالماء المندفع من أفواهها وما إن انتهت حتى .. عادت من حيث أتت .. تحولقت الأطياف حول صاحبها تمتص غضبه .. عاد الوضع إلى ما كان عليه .. دنا منها معتذرًا وبحزنٍ شديد بان عليه .. ودعها بطرفه التي لامس برفق وجنتها .. محيط وجهها و غادر .. غادر تاركا إياها بصحبة القمر الذي اكتمل شامخا رغم السحاب المكتظ الذي يبدو أنه يهابه .. سكب ضوءه بقوة وسط المكان .. بين الزوايا وفوق الأغصان .. فراشات لا لون لها وجنيات لا هم لها سوى توسط الضوء ونثره .. أسماك طائرة .. ضفادع ذات إزار وبلابل أفاقت تشهد الحال .. استحال العشب الأخضر وانتزع الشجر رداءه وتبدل لون الحصى .. لون الندى والأزهار .. الوهج الأحمر يكتسح المكان وهي ترى مالا يعقل ولا يخطر على بال .. أتى البلبل .. بلبلها .. فز قلبها لدى رؤيته .. إنه من تمنت من القلب رؤيته .. لقاء لثوانٍ انتهى حينما .. نثر رذاذا فوق عينيها فغفت وعند الفجر استيقظت .. أين القفص الذي اكتنفها .. الأجواء الساحرة والوهج الأحمر الذي اكتسحها بل .. أين هي الآن؟ لا تزال في الغابة إلا أنها .. قرب المدخل .. سحبته إلى الخارج .. استدعتهما .. من لَم يتجرءا مطلقًا على اللحاق بها .. من أخذا منها عهدًا ألا .. تخبر أحدا ..حملاه وقفلوا راجعين إلى القصر ..
عادت كندة إلى جناحها وارتمت فوق سريرها تفكر حائرة بين ..
الحلم الذي رأته ثم اختفى ..
وبين الحلم الواقع بين يديها الآن ..


https://upload.rewity.com/uploads/1506984821194.gif
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي



كان هذا هو الفصل الأول .. أرجو أن يحوز على رضاكم أن ألقى منكم التشجيع الذي يدفعني للاستمرار دون توقف أو تقصير ..




https://upload.rewity.com/uploads/150698482125.gif

Mona1977 13-09-17 04:40 PM

غريبة بجوارك "الفصل الثاني"
 
غريبة بجوارك
" كنت إلى جوارك قريبة .. غير أني كنت غريبة "
( الفصل الثاني )


في الصباح الباكر أستدعيت كندة من قِبل الملكة إلى جناحها الخاص .. استقبلتها دون أن تنهض من مكانها .. إنها تبدو تعبة ذلك ما دل عليه حالها .. أطرافها متدلية .. هامتها مسكوبة خارج حدود الأريكة التي تستلقي فوقها وكأنها سقطت للتو من السماء .. طريقة تنهدها واصفرار وجهها جعل كندة تسألها: سيدتي .. هل أنت بخير؟
ــ نورهان المرأة التي تكبر كندة بأكثر من عشرين عاما لم تعيقها السنين عن الاحتفاظ بكامل أنوثتها: وهل أبدو لكي أني بخير .. إني تعبة .. تعبة لدرجة أني لا أستطيع النهوض .. سيقضي علي ذلك الأبله الذي يدعي الجنون ..
ــ لقد علمتِ ..
ــ لقد علمت وذاك ما قض مضجعي وأثقل كاهلي وجعلني أستدعيك .. أنتي لم تر ولم تسمع شيئا وما جرى البارحة .. اصنعي له حفرة في أعماق أعماقك واطمسيه .. لا يجب أن يخرج أبدا .. هل فهمتي؟
ــ بجدية ببرود تام أردفت "نعم" .. قالتها كندة بارتباك ثم استأذنت: سيدتي هل لي بسؤال؟
ــ ماذا؟
ــ إن كان هذا هو سيدي "أبان" فمن يكون إذن هذا الذي يجوب بموكبه الطرقات .. من يحبه الفقراء ويعشقه الناس وتدق الأجراس احتفالا بقدومه؟
ــ اكتنفت بذارعها محيط عينيها .. بامتعاض شديد: آآآآآآآآآآآآآآآآه يا له من حديث مؤلم يهد الأبدان ..
ــ عذرا سيدتي ..
ــ لولا مكانتك في قلبي وواجبي تجاهك وثقتي بأنك ستكتمين السر لما كنت أخبرتك مطلقا ..
ــ هذا كرم منك لا أستحقه ..
ــ من تحدثتي عنه ليس أبان بل هو" أسامة" ابن رئيس الوزراء شبيه أبان .. تطوع مشكورا القيام بالأمور التي تخلى ذلك الأحمق عن تنفيذها منذ عام تقريبا .. فكما شهدت فأبان لم يعد مؤهلا لأداء واجباته .. ولا عجب في ذلك .. فإهمال أبيه وتدليلي المستمر له وخوفي الشديد عليه جعل منه شابا منطويا على نفسه .. مهزوزا .. مسلوب الشخصية و مع هذا .. فقد كان هادئا بعيدا عن المشاكل إلا أنه فجأة وقبل سنة تقريبا .. انقلب رأسا على عقب .. لقد تخلى عن هدوئه .. عقله .. عن حياته .. لقد ركن نفسه جانبا .. مدعيا الجنون .. سائلا الجميع أن يصدقوا ادعاءه .. وأصدقك القول أني مع مرور الوقت بدأت أصدقه ..
ــ سيدتي .. أستميحك عذرا ولكني أرى بأن علاج سيدي الأمير بزواجه ..
ــ ومن قال لك بأني لم أفعل .. في مقتبل تلك السنة الآثمة زوجته مرتين .. طلقهن في أقل من يومين .. لقد كدن يصبن بالجنون بسبب تصرفاته .. أخبرتني إحداهن أنه أمرها أن ترقد فوق سرير محشو بالأفاعي أما الأخرى .. فقد جنت بالفعل أتصدقين ذلك .. لقد بذلت الكثير الكثير من المال لسد أفواههن .. لقد احتار الملك في أمره وأنا لم أعد قادرة على السيطرة عليه أو حمايته .. ولولا كونه ابني الوحيد لكنت .. نفيته إلى أرض نائية بعيدا عني ولينشغل حينها .. بجنونه كيفما شاء ..صمتت كندة طويلا وبعد تفكير عميق نطقت بالعجب العجاب:
سيدتي هلا منحتني فرصة؟
ــ ماذا تقصدين؟
ــ أعتقد أني قادرة على إعادة سيدي أبان إلى رشده وجعله يستقر ..
ــ كيف؟ ــ بتردد طفيف: بالزواج منه .. ــ هه..
ــ كندة التي كان يبدو جليا أنها .. قد اتخذت قرارها أن .. ترضي فضولها وتصنع انطلاقة حقيقية لحلمها: لا أعلم سيدتي إلا أنه .. إحساس قوي ممزوج بشيء من الثقة أني .. أستطيع مساعدته وأكدت: سيدتي .. لا تلقى بالا لانخفاض صوتي وطبيعة جسدي فقوامي .. لا يكسر بسهولة وصوتي .. واصل وفاصل ولن .. أمل الصبر حتى يملني إلا أن ذلك لن يكون إلا .. بالاقتراب كثيرا منه وملازمته والزواج برأيي .. هو الطريقة الأمثل لتحقيق ذلك ..
ــ أعرضت عنها قائلة: لا أعلم ولكني أعلم أن .. أوان ذلك قد فات فهو .. لم يعد يرغب بالزواج إلا .. أن تكوني إحدى وصيفاته ..
ــ قالتها جزافا فتفاجأت بالإجابة التي عكست توقعاتها: لا بأس ..
ــ ماذا تقولين؟ هل أنتي مجنونة؟ أنتي حرة .. والحرة لا تباع ولا تشترى ..
ــ ولأني كذلك سأجعل من نفسي ملكا للأمير إن كان في ذلك علاجه .. سأحاول مليكتي فلا تحرميني هذه الفرصة أرجوك ..
ــ أدنت نورهان رقبتها .. تحدق بها:
ما قصتك يا فتاة .. لِم كل هذا الإلحاح وأنت بالكاد قد رأيتِه؟
ــ نعم إلا أني .. وحاشاي أن أكذب عليك فقد .. أحببته ولم أزل حتى اللحظة .. أفكر به وأرغب بشكل جاد مساعدته .. أن أكون لصيقة به أن أجعله يراني أن .. يراني كما أشتهي في عينيه .. تشهد السموات والأرض على كلامي هذا .. فلتأذني بذلك لي مولاتي ..
ــ اتكأت جانبا .. نظرت إليها مليا .. هزت رأسها: حسنا إذن .. لتكن المحاولة الأخيرة ..

اتفقت كندة مع الملكة أن تباع في سوق النخاسات .. أن تشترى بثمن غال كي تصبح "الصفية" والصفية هي أغلى الوصيفات ثمنا .. هي كالزوجة دون حقوق وكالأميرة من دون واجبات أو حق في الحكم .. لها أن تدخل على سيدها دون استئذان .. غرفتها هي غرفته ومائدتها مائدته .. تصطحبه في المناسبات وترافقه في المناقب .. في المواكب والاحتفالات .. يطيعها الخدم والغلمان ويأتمر بأوامرها الجند .. تعامل كحرة لا كعبدة مشتراة .. هي باختصار .. الظل اللصيق لسيدها حتى تأتي صفية تعلوها سعرا أو زوجة تمنحها الحرية.

ودعت كنده والدها بعد أن عقد قرانا وهميا يربطها بالأمير .. لقد حز في نفسها أن تشترك مع الملكة بكذبة انطلت عليه .. أنها باتت زوجته ولها من الحقوق ما يحفظ لها كبرياءها وكرامتها كامرأة حرة إلا أن .. ما أوجعها حقا هو .. اشتراط الملكة إعلان الزواج بطفل تنجبه .. لقد أغاظه ما قالت وآلمه كثيرا جواب ابنته بأنها راضية فهي تحبه .. هدأ قليلا بعد أن وعدته الملكة بأن الانفصال إن حدث فإنها لن ترمى هكذا وكأنها لاشيء بل .. سيعتنى بها أشد الاعتناء و ستجازى خيرا بما يحفظ لها حقها .. غادر محملا بالأكاذيب التي كان ختامها .. عربة تسبقه مترعة بالذهب .. مهرها الوهمي الذي تصدقت به على أهل قريتها.

أتى اليوم المرتقب .. عرحت كندة على الملكة قبل رحيلها فأوصتها الملكة بكلمات من باب حرصها وكونها أدرى الناس بابنها: تخلي عن خجلك عن ضعفك وإياك ومغادرة فراشك ففراش المرأة هو .. سحرها الذي لا يستطيع الرجل إبطاله وهو السجن الذي يتلذذ بظلمته مهما بلغ ضيقه .. وكلما سقطتي انهضي وحافظي على هدوئك مهما بلغت حدة جنونه واعلمي أن للرجل جانبان .. جانب يبرز فيه قوته وجانب مهزوز متخاذل محبوس في دهاليز إن استطعت التسربل من خلالها فقد تمكنت منه وإنما هو .. قلب واحد إن استحوذت عليه فقد امتلكته بالكامل.

احتشد الحشد الذي خلا من اسم رجل وبدأ العرض الذي انتهى سريعا فالفتيات كن ذواتا جمال أخاذ يسلب الألباب كانت آخرهن كندة التي .. برزت من بين الستائر ترتدي ثوبا شبه عار أظهر مفاتنها أبهر الحضور أثار الهمز واللمز ..
ــ صدحت النخاسة تطرب بصوتها قائلة:
سيداتي ..
أنظرن هنا .. ألا ترون ما أرى .. أم أنني الوحيدة التي ترى ..
فتاة لم يخلق مثلها بعد .. هبة السماء وثناء الأرض فتاة ..
انحنى لها الجمال وتفرق النجم ليفضي لها مكانا بينها ..
زهرة مضيئة لما تناثر على صفحاتها قطرات من الندى ..
يهزها النسيم برفق ..
فتنثر أبيات شعرها بلا حياء فتصيب بسحرها من تشاء ..
لعاعة لغوس .. شمس غموس .. فرس شموس ..
وجه كالقمر ..
عيون دعجاء ولآلئ سوداء ..
أنف من العاج وخدود من المرمر ..
فم منمنم وشفاه قرمزية وشعر مصقول ..
يتهادى حول خصر من حرير ..
بيضاء كالثلج .. كندف الثلج قد تساقطت للتو من السماء آآآآآآآآآآآآآآآه يا ويلي ..
ماذا عساي أن أقول بعد ..
جسد من عالم الأحلام وقوام جيد حسان ..
صوت يدغدغ الأذهان وسحر ليس من هذا الزمان ..
عروس بحر تاه رداؤها وحورية من السماء تبحث عن جناحها ..
من امتلكها فقد امتلك الفردوس .. أسرار البحار .. بهجة اليوم وشباب الأمس ..
من امتلكها ..
فالحق والحق لابد من أن يقال ..
أنه امتلك الفتنة بكامل بريقها وقد صدقت ..
فقد ارتفعت المزايدات حتى بلغت أوجها والنخاسة التي أدت الدور المرسوم لها بانتظار مبعوثة الملكة أن تعلن عن نفسها بسعر يلجم الأفواه .. ظلت صامتة حتى اللحظة الأخيرة: ألف ألف درهم .. استتب السكون وتمت البيعة.

وفي القصر استقبلت كندة من قِبل وصيفاتها اللاتي انحنين احتراما لها بخلاف "كهرمان" الصفية التي أستبدل مكانها والتي فعلت ذلك وكأنها مرغمة .. ألبسنها ..هيأنها وجعلنها تبدو أكثر جمالا بل أكثر فتنة واصطحبنها إلى غرفتها .. غرفة الأمير بل هو المكان حيث كانا معا .. ولجت إلى الداخل .. إنها الغرفة ذاتها .. اللون الأبيض الذي اكتنفها .. الأركان التي كانت تتوارى خلفها كي لا يمسك بها والسرير لما قفزت .. لما قفز خلفها .. كان نائما فجلست بقربه ولما .. تكون بقربه فهي لا تتمالك نفسها أن .. تتأمل وجهه أن تداعب برفق أنامِلها وجنته وأرنبة أنفه إلا أن .. تلك اللمسات الرقيقة أيقظته .. صرخ فيها: من أنت وماذا تفعلين هنا؟
ــ أجابته بارتباك لم تستطع السيطرة عليه: أنا هي الصفية الجديدة وأدعى كندة ..
ــ آآآآآآآآه .. إذن فقد فعلتها أماه حسنا .. ليكن لك إذن ما أردت .. قذفها خارجا فارتطمت بالجدار المقابل ثم سقطت أرضا .. نفش شعرها .. مزق ثوبها .. كهرمان تبتسم بخبث وهن شاهدات لا حول لهن ولا قوة .. اغترف براحتيه ما استطاع من تراب من الحوض بقربه وبعثره عليها ثم جرها من شعرها كالماشية تساق إلى حتفها وهو يضحك بشكل هستيري وهي تصرخ من شدة الألم لا سبيل لإيقافه فلا أحد يعترض طريقه ولا نفع يرجى من مقاومته فالألم يزداد كلما حاولت لتؤثر الصمت حينها عل الصمت .. يوقفه في حين لم ينفع الصراخ ومضى حتى .. توقف مقتحما جناح والدته التي كاد أن يغمى عليها .. سحبها حتى أصبحت تحت قدميها .. جثا بعدها على ركبتيه من شدة التعب مبتسما ينظر إليها كالمجنون وهو يلتقط أنفاسه .. لم يزل على حاله البائسة تلك حتى .. نهضت تنفض الغبار عنها .. استأذنت الملكة بعباءة تسترها ثم غادرت بسكينة نحو مخدعها .. تفاجأ بها بل .. بالملكة التي سمع لصرختها دوِي ارتجت له أبواب القصر كلها: أخرج .. اختفى أبان بعدها ..
انتظرت كندة عودة سيدها حتى ساعة متأخرة من الليل حين أتى .. محمولا غارقا في النوم لكثرة ما شرِب .. تذكرت وصايا سيدتها السبع فدنت منه حتى .. التصقت به ثم احتضنته.

وفي الصباح الباكر طرق الباب .. كان أحد الغلمان – والغلمان هم زينة القصر وبهجته .. مرفوع عنهم القلم حتى يبلغوا سن الرشد وحينها .. عليهم أن ينخرطوا في حاشية الملك ويتلقوا الواجبات الموكلة بهم – أتى يستدعي سيده لتناول الغداء بحضور الملك وزوجته ولما .. لم يجد استجابة منه تسلل إلى الداخل .. ثوان وعاد يصحبه صحبه الذين عاثوا في الغرفة خرابا: أخرجوا قالها دون أن يفتح عينيه إلا أن .. إزعاجهم الشديد جعله يفعل ذلك مرغما .. كتفها العاري ورأسها المخبأ بين أضلعه والتصاقها اللصيق به جعله ينهض فزعا:
ماذا تفعل هذه هنا؟
ــ لقد كانت هنا ..
ــ منذ متى؟
ــ لا أعلم لنسألها .. تجمع الغلمان حولها يداعبنها حتى استيقظت .. نظرت إليه بأجفانها الناعسة .. رؤيتها وإن كانت كلت من النوم فالنوم لم يملها .. تشفي الأعمش وتسكن الأرمش وتروي العطشان إلا أنه لم يرتوِ من ذلك الماء العليل الذي هو في متناوله بل ظل ساكنا ينظر إليها فزعا ومالبثت .. أن عادت إلى النوم: من أنتِ؟ ماذا تفعلين هنا ومتى أتيتِ؟ سيل من الأسئلة التي عجز الفضول عن حصرها: ماذا تفعلون هنا؟
ــ الكل يمرر الإجابة إلى صاحبه حتى أجيبت: الملك والملكة بانتظاركم على مائدة الغداء .. تمددت فوق فراشها وكل حركة تصدر منها تعبر عن أنوثة تلقائية تستطيع أن تلهب مشاعرك وجوارحك في لحظة ولكن مالفائدة وقد بدا .. كتمثال حجري لايرى لايسمع ولا يتكلم .. لهت معهم لبعض الوقت .. تعرفت على أسمائهم استمعت إلى أحاديثهم من ثم .. سارت باتجاهه فتنحنى عنها جانبا بشكل أوحى لها وكأنها وباء .. استأذنته للاستعداد ثم غادرت.
امتنع أبان عن تناول الغداء إلا أنه .. رضخ في النهاية فالغلمان أمروا بإحضاره وإلا .. فإنهم سيحرموا من الطعام والشراب لبقية يومهم .. وهذا ظلم لم يستطع تحمله ..

أتى متململا وجلس متململا والملك الذي .. اتقد بصره لما رآها جعل يسترق النظر إليها خلسة وأبان المستند بوجنته على لحاف المائدة يراقبه عن كثب وكلما .. التقت أعينهم غض الطرف منشغلا بتناول طعامه أما أبان فقد تحول على جانبه الأيسر ينظر إليها بلا مبالاة ثم إليه فوجد ما كان منه منذ قليل والملكة تدرس تحركاته .. عقلها لا يكاد يسعفها .. إحساس مشؤوم بأن أمرا أشد شؤما سيحدث وقد كان فقد نهض أبان .. أمسك بها بشدة من حاشية ثوبها ثم رماها في حضنه: سيدي ومولاي ..مالي هو مالك .. افعل بها ما شئت ثم ارمها للكلاب قال ذلك قفل بعدها .. راجعا إلى غرفته بالهيئة كما أتى .. شعرت بالإحراج وتجمع الدمع عند مآقيها ثم انسكب .. استأذنت الملك باللحاق به .. جذب يدها ومسح دمعها وواساها بكلمات ثم أذِن لها .. تفاجأت الملكة فهي المرة الأولى التي تراه يمسك يد امرأة غيرها .. أن يمسح دمعها أن يواسيها بكلمات .. أن يصبح طعم الطعام رديئا برحيلها ألا يكمِله .. أن يتركها عابسا دون كلمة طيبة كما اعتادت جعلها .. تقاوم بقوة بوادر شك لم تؤمن بحدوثه .. يوما مطلقا.

كان في طريقه إلى غرفته عندما تجاوزته إليها .. لم تخرج ذلك اليوم ولم يعد هو أيضا وعلى مأدبة العشاء التي أقيمت بمناسبة شفاء الملك لم يكونا حاضرين .. أمرت الملكة أحد الغلمان باستدعائهما إلا أن الملك اعترضها متبنيا هذا الأمر متعللا بِحجتي .. التجول في أرجاء القصر فهو لم يفعل منذ مدة والتقرب من أبان وإصلاح الوضع بينهما بأن يذهب إليه بنفسه .. استغراب بسيط لم يصحبه معارضة من جانبها إلا أنها .. ولما نهضت لترافقه ولما .. منعها فمن غير اللائق ترك الضيوف لوحدهم حسب قولِه .. استحال ذلك الاستغراب البسيط في لحظة إلى .. غربة لم تجد موطنا في داخلها .. تجول قليلا مبديا بعض التعليقات هنا وهناك ليصل في النهاية إلى الجناح حيث أبان .. أبان الذي لم يكن هناك .. دخل بعد أن استأذنها أحد الغلمان .. انحنت احتراما له: كيف حالك بنيتي؟
ــ بخير .. ما دمت بخير مولاي ..
ــ ابتسم لردها ثم جلس وأجلسها بقربه .. مسح على رأسها مواسيا إياها: أبان فتى طيب .. إن تحملته قليلا فإنه سيعود كما كان ..
ــ أتمنى ذلك ..
ــ ما هذا؟
ــ لا شيء .. تركت جذبة أبان لحاشية ثوبها أثرا أسفل عنقها .. أمر الملك بالعلاج فأحضرته كهرمان التي .. نسخت كل ما جرى بعد ذلك لتصبه في آذان الملكة .. لقد عالجها بنفسه .. ضمها إلى صدره ووعدها .. مدعيا أبوته وبأنها الابنة التي لطالما تمناها بأنه .. سيحميها وسيكون دوما إلى جانبها فلا تقلق ثم اصطحبها خارجا .. إلى حديقة القصر كي يجلب الأنس والسكينة إلى نفسها المتأرجحة .. كان هناك مستندا على جذع شجرة بدت مألوفة لكندة التي تكدر خاطرها فأركان حلمها هي ذاتها لم تتغير بينما الريق البارد لحلمها كي ينبض بالحياة ..
هو .. وليس هو ..
متذبذب مترنح بين مد عال وجزر .. أوشك على السقوط أرضا .. حاولت كهرمان ولكن كندة كانت الأسبق إليه .. أسندته على صدرها وأسدلت رأسه بين نحرها وعاتقها ..
ــ بضيق واضح نهره: أبان أبان .. ماذا تفعل هنا؟ هيا قم ..
ــ أبان الذي لم يكن في وعيه فقناني الشراب الفارغة التي كانت بمحاذاته لا تبشر بخير: آآآآه يالها من رائحة زكية وما أحسنه من وجه .. استغراب يسير تبعه هلع بحجم جنونه فقد انكب عليها محاولا تقبيلها ..محاولا الاعتداء عليها .. أن يصنع بها كما يصنع الزوج بزوجته .. لا خجل ولا حياء .. أمام أعين الجميع .. أمام والده الذي حيره أمره وأثار غضبه ..
ــ انتزعنه بصعوبة منها .. هربت بعيدا عنه واختبأت خلف شجرة أخرى .. صاح فيه الملك الذي كان قد كتم غيظه طويلا حتى ضجر: ألا تخجل من نفسك؟
ــ بوقاحة: ولم الخجل ..إنهن ملك يميني .. أفعل بهن ما شئت متى شئت .. من عليه أن يخجل حقا هو أنت .. ألا تستحي أن ترافق حريم ابنك دون إذنه ..
ــ يا هذا ألا تعلم من تخاطب؟
ــ بلى بلى .. أعلم من .. أنت أبي .. لا لا لست كذلك .. بل أنت مولاي .. لا لا لست كذلك .. بل أنت مليكي .. لا لا لست كذلك .. إذن فمن تكون أنت ومن أكون أنا؟ نظمها أغنية وجعل يترنم بها طوال الطريق إلى السجن الذي .. ألقِي به عقابا له على جرأته ووقاحته ..
عادت كندة إلى جناحها .. لم تسمح لهن بالتخفيف عنها تركنها لوحدها تفتكر في حالها الذي تبعثر إلى أشلاء إلى .. التيه الذي وقعت فيه بسببه إلى .. الفجوة التي تزداد عمقا فعمقا بين جرحها الذي علا صوته وبين خيبة الأمل التي تنازعها ..
هو يوم واحد فكيف لي .. أن أتحمل أيام .. حسرة وندم اجتاحت أحلامها تلك الليلة سلبت .. من تحت جفنيها .. سلوى النعاس .. جعلتها في أرق لم ينقطع بل .. استمر مغرظا حتى الصباح.

غادر الملك المأدبة مبكرا وترك للملكة استقبال الهدايا .. لم ينم تلك الليلة هو أيضا بل ظل .. بانتظار الصباح ولم يهنأ له بال إلا بعد .. أن تناولت الإفطار بصحبته والملكة تراقبه وترى .. اهتمامه البالغ بها وتكتم غيظها كتما كمن .. يبتلع لقمة هي أقسى في مرورها من فتات خبز يابس: ما بالك بنيتي؟ ألم يعجبك الطعام؟
ــ لا .. ولكني لست جائعة ..
ــ لابأس .. كلي القليل لأجلي ..
ــ مدت يدها وما عتمت أن عادت إلى موضعها: مولاي .. هلا أفرجت عن سيدي ..
ــ ضرب المائدة بيده فارتجت الأطباق: أضيقك هذا كـله سببه ذلك اللعين أبان ..
ــ ...............
ــ غمزت لها الملكة فانحت ثم غادرت: مولاي .. اهدأ قليلا .. إنه لا يستحق غضبك ..
ــ نظر إليها شزرا: إن تمادى أكثر .. أقسم أني سأقتله .. ذلك اللعين .. كيف قبلت به وسمحت له بأن يولد قالها أثناء نهوضه .. رحل هو الآخر فالمتعة وهناء البال كانا قد رحلا برحيلها ..
ــ أجابته بهمس شابه بقايا غيظ وغضب: أقتله .. وسأقتلكما معا ..


كان هذا هو الفصل الثاني .. وحتى لقاء آخر .. دمتم أحبائي بصحة وسعادة ..

سما نور 1 14-09-17 11:39 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح المسرة والرضا لك عزيزتي
أنرت قصر الكتابة الخيالية
بتمنى تتطلعي على قوانين القسم هنا https://www.rewity.com/forum/t220555.html

وبخصوص الغلاف ياريت تعطيني ملخص بسيط حتى نقدر نصمم لك ولو عندك صورة تناسب المحتوى بكون ممنونه

بين الورقة والقلم 17-09-17 03:11 PM

والله زماان عن القصص الخياليه بس روايتك مشوقه باسلوبك المتميز حبيت المقدمه اذهلني اسلوبك الممتع الحلم بالبدايه كثيير ابدعتي بوصفه بتابع معك باذن الله يا غاليه بحسب ظروفي واتمنا اني اشوفك باوائل صفوف الكاتبات المبدعات

Mona1977 17-09-17 08:55 PM

تسلمين يالغالية وشرف كبير لي إنك اتابعيني ..
ألف شكر لك ومنورة الرواية بوجودك ..

انت عشقي 18-09-17 01:55 PM

جميله جدا... اسلوب راقي وجذاب... ابارك لك بدايتك.. واتمني ان تتم علي خير...

Mona1977 18-09-17 03:32 PM

بإذن الله .. مشكورة يالغالية ونورينا أكثر بردودك الحلوة ..

Mona1977 20-09-17 12:56 PM

غريبة بجوارك (تم إضافة الفصل الثالث)
 
غريبة بجوارك
" كنت إلى جوارك قريبة .. غير أني كنت غريبة "
( الفصل الثالث )


مضى يومان وأبان لايزال قابعا في حبسه والملك لم يلتق بكنده بعدها ذلك أن الملكة .. استطاعت إقناعه ألا يحتك بها كثيرا من ناحية فالألسن .. قد بدأت ترتفع بما لا يحب سماعه .. ومن ناحية أخرى فقد .. دفعت بها للحاق بسيدها ليس حبا بها بل للتخلص منها لبعض الوقت ولتحصل على بعض الراحة فتفكيرها لم يهدأ منذ آخر لقاء تم بينهما .. حملت طعاما وسارت إليه .. تناهى إلى سمعها صوت صراخه: أنا رجل .. أنا رجل رغما عنك أسمعت .. أنا رجل وأثناء تقدمها التقت بشاب في عمر أبان يتمايز عنه باللحية والشارب .. قوة العضل وحدة النظرات .. بابتسامة عابث أكمل طريقه دون أن يلق بالا لها لا لصرخات أبان التي لا تنفك .. تعلو وتعلو كلما ابتعد .. ما أن رآها حتى استدعاها سألها سؤال متلهف: أنا رجل أليس كذلك؟
ــ انتظر قليلا .. أمرت الحارس أن يتركهما لبعض الوقت:
عذرا سيدتي ولكني مضطر لإقفال الباب ..
ــ لابأس .. ما أن التفتت إليه حتى عاد فسألها بإلحاح: أنا رجل أليس كذلك؟
ــ إن لم تكن رجلا .. فكيف يبدو الرجال؟
ــ لطخ وجهه بالرماد صانعا لحية وشاربا: بل هكذا يجب أن يبدو الرجال هكذا ولكن .. ما ذنبي أنا أن .. يأتي من يدعي أن لي .. بشرة ناعمة أني كالنساء .. لا ذنب لي أني ولدت هكذا ولا شأن لذلك بحقيقتي .. أنا رجل رغم أنف الجميع .. أنا رجل أليس كذلك أخبريني؟
ــ أومأت له برأسها تشفق عليه بنظراتها فقد كان يتحدث بطريقة يائسة تجلب الأسى ومع تلك الإيماءة .. اندفع نحو الباب وجعل يهز قضبانه بقوة صارخا: أنا رجل .. أسمعت .. أنا رجل ومع هذا .. خفت وتيرة صوته إلى ما هو أقرب إلى .. دعاء يبكي وهو يرتجي: قد تكون محقا وقد أكون مخطئا .. قاغفر لي ذلك وعد أرجوك .. سأغدو ما تريد وسأفعل أياما أريد فقط .. لا تتركني وحيدا وعد .. عد أرجوك عد .. وجعل يكررها حتى .. بح صوته وكل جسده .. هوى أرضا فتداركته .. هدأته بكلمات ومسحت دمعه .. قلما يبكي الرجال .. بل إنهم حين يفعلون ذلك فلأمر جلل قد ألم بهم: هل خفتي يوما أمرا أحببته في نفس الوقت .. لم تجبه فقد كان سؤالا ينم عن لؤم لا يلتئم معه ألم ولو لم يكن هذا مقصده وبدلا من الإجابة أدنت الطعام إليه ومدت يدها بلقمة إلى فمه .. نظر إليها متعجبا لتلتصق اللقمة بعدها بالجدار .. ناولته أخرى فبصقها في وجهها .. قدمت له الماء فنثره عليها .. كررت ما بدأت ليبتلع أنفاسها محملقا بها مثيرا الرعب في نفسها: هل أبدو لك مثيرا للشفقة إلى هذا الحد؟ حطم أحد الأطباق فتفاجأ بها تحطم الآخر .. صرخ بها فصرخت به: كفى .. علمت كندة أن التخاذل والاستسلام للحظات ضعفها لن يكون في صالحها عليها أن تكون صارمة أن تتحدث بجدية كي يستمع إليها وإن لم يكن هذا طبعها فهو أمر لابد منه ليقف عند حده: أتظن أنك بصراخك بإثارة الرعب في نفسي هكذا ستصبح رجلا كلا .. لقد أخطأت .. فكما يرتوي الأسد من زئيره فكذا الرجل .. يرتوي من صراخه وتسلطه كمخلوق خلقت المرأة منه والحقيقة أنه .. فكما البخار يأتي من الماء فالماء لا يأتي إلا منه فكذلك .. هو الرجل وكذلك هي المرأة .. سواء استشاطت القوى أو تنافرت العقول .. فإن الحال يبقى هكذا .. وما جعلت القوامة إلا رفقا بها وحفظا لها .. فلماذا يطغى الرجال وقد رفعت الأقلام وجفت الصحف .. لا تريدني بجوارك قلها فأبتعد .. ألا يكفي أنك مدع كبير .. نفضت بقايا الطعام عنها ثم انزوت في الركن المظلم المقابل له .. لم ينبس ببنت شفه .. استلقى هو الآخر ومضت الساعات: سيدي .. استيقظ لقد أفرج عنك .. أين هي سيدتي؟ فأشار إليها: سيدتي الملك يطلبك حالا ..
ــ سارت إلى حيث أبان .. اعتذرت منه عما بدر منها ثم وبابتسامة حلوة تطيب لها الخواطر استأذنته باستعادة عباءتها التي كانت تغطيه دون علمه: وأين هو الملك؟
ــ إنه في المكتبة ..
ــ سأذهب إليه بعد أن أستعد ..
ــ لا .. إنه يريد رؤيتك الآن ..
انطلقت بصحبته وأبان الذي كان يقفو أثر نعليها حتى اختفت .. اعتصر قلبه بيده:
يالك من قلب مريض ..
تحب من لا يجب عليك أن تحب وتكره ..
من وجب عليك حبه ..

كان الملك هناك جالسا يقرأ كمن لا يستطيع القراءة .. بدا متوترا وهو يجول المكتبة جيئة وذهابا يبحث كمن لا يعرف عماذا يبحث فلما .. أتت وبان محياها الطلق .. انطلقت ابتسامته الرثة ولتهجت ثنايا صفحته البالية بأهازيج الشباب الذي ولى مدبرا يأبى أن يعود .. ضمها إليه .. حزها إلى صدره .. كادت عظامه الواهية أن تفتت قوامها الغض والملكة التي كانت تختلس النظر .. أتت بعد أن علمت بواسطة كهرمان أمر التقائها به .. شهدت .. كتمت .. تكاد تنفجر .. أنفاسها لا تجاري كومة الشرور التي تندفع إلى السطح بكامل طاقتها .. يسمع لاحتكاك أسنانها صرير ولقبضتها أزيز ..
ــ معاتبا إياها: يومان .. يومان دون أن أراكي .. أهكذا تصنع الابنة بأبيها ..
ــ تمالكت الوجع قائلة: أعتذر سيدي ولكنك لم تستدعيني .. فكيف آتي دون أذن منك ..
ــ لا أرى بقولك هذا علاقة الابنة بأبيها بل علاقة المأمور بآمره .. أهكذا يكون جوابك وأنا الذي أفرجت عن ذلك الأبله لأجلك فقط كي .. لا يتكدر خاطرك ويصفو بالك ..
ــ الشكر الجزيل لك مولاي ..
ــ تلك الكلمات لن تبهجني كما ستصنع قبلة على وجنتي .. ألا أستحقها ..
ــ بارتباك: ولكنك الملك .. كيف لي أن أجرؤ ..
ــ لست الملك الآن بل أنا بمثابة والدك ألا يستحق هو الآخر مكافأة له جراء إبهاجه لك .. هيا لا تستح .. أعلم أنه خجلك لا جرأتك ..
ــ دنت منه ببطء .. بتردد يتطاول في البنيان: كندة أين كنت .. لقد بحثت عنك طويلا .. طأطأت رأسها احتراما: مولاي ثم استأذنته باصطحابها فهي تحتاجها لأمر جلل .. كندة التي شعرت بالراحة لحقت بها بدت كمن أفلت للتو من قبضة آسره .. حاولت مسايرة خطوات نورهان ولو أنها فعلت لكانت احترقت بالسموم المنبعث من ناظريها .. ولجتا إلى غرفة نائية في الركن الشرقي من القصر .. جعلت الملكة تحوم حولها كالمتحسرة تفرك يدا بيد .. حاولت كبت ضيقها الذي انفلت مزمجرا: هل أنت حمقاء؟
ــ ماذا؟
ــ ألا ترين أنه يريدك لنفسه ..
ــ من تقصدين؟
ــ حمقاء حقا أنتي أم أنك تدعين .. إني أتحدث عن ذلك الذي لو كنت قبلتيه لكان تمادى إلى ما هو أكثر من ذلك .. إنه الأبيض وأنا أكثر الناس معرفة به .. يدعي الطيبة وهو أقسى من الصخر ..
ــ سيدتي .. إنه بمثابة أبي فأنا حليلة ابنه ..
ــ بتأفف أعرضت عنها: إنه ليس من صلبه .. الأبيض عقيم .. ولكي يثبت دعائم ملكه كي لا ينتزعه منه انتزاعا أبناء عمومته .. زوجني سرا من رجل طلقني منه بعد أن ظهرت بوادر الحمل علي لأعود إليه ..
ــ ياإلهي .. وهل سيدي على علم بذلك ..
ــ لسوء الحظ .. نعم .. كان حينها قد بلغ الخامسة عشر .. كرهه للأبيض نابع من كره الأخير له فلأنه ليس من صلبه .. لم يعامله يوما كابن حقيقي له .. يكونان معا فلا يبدي اهتماما به .. يحتقره ويقلل من شأنه باستمرار بل .. وقد أبعدني عنه بحجة غيرته الشديدة منه هذا .. وأمام الملأ .. وجه آخر .. فهو ابنه المدلل المحبب إلى قلبه .. لا يرضى للشوكة أن تشاك بها قدمه .. يمهد له الطريق ويبسط له كل النعم في حضرته وعليه .. عاش أبان .. معظم الوقت وحيدا متخبطا دون إجابات وافية مني .. تشفي حيرته فلما علم السبب وراء ذلك الكره الدفين .. انطوى على نفسه أكثر .. أصبح مهزوزا .. متخاذلا بل تائها حتى .. أتى أسامة صديقه المقرب بل صديقه الأوحد أسامة الذي .. استطاع أن يخرجه من عزلته لبعض الوقت ليعتريه .. جنون لاحدود له بعد ذلك .. لقد أقسم الأبيض أمامي أنه إن تمادى أكثر فإنه .. سيقتله وقد أقسمت بعد رحيله إن قتل فإني .. سأقتلكما معا ..
ــ سيدتي .. أنك تخيفينني ..
ــ وهذا تماما ما أريده .. وبوحشية تبرأ منها لسانها أردفت وهي تمسك بقم ثوبها: إن لم تكون كفؤا للمهمة التي أوكلت لك فإياك ثم إياك والظن .. مجرد الظن أنك تستطيعين تركه بسلام والرجوع إلى قريتك .. سأقتلك لأنه حتما سيجري خلفك فذلك المتصابي يبدو أنه يعشقك .. ابتعدي عنه وانشغلي بمهمتك .. واعلمي أن لي أعينا تراقبك فاحذري .. أفلتت يدها برعونة وخرجت ..
تقرفصت كندة فوق السطح الأملس الذي اندلقت من أعلاه مشاعر دافئة كانت تحميها .. أطرافها التي ترتجف وقلبها المتعب الحزين جعل دمعها يختلج .. جعل البريق المشع من خلالها يتوارى خلف الجنون الذي أصاب الجميع ..
فهناك من يعشقها بجنون ..
من يريد قتلها بجنون ..
وهناك المجنون الذي يدعي الجنون ..
"كنت أسعى خلف حلمي .. لم أكن أعلم أني أجر نفسي .. نحو كابوس مريع"

عادت كندة إلى غرفتها لتجد أبان على غير عادته رابضا عند الباب مستندا مكتف الذراعين مطأطئ الرأس منشغلا بأفكاره وكأنه ينتظر .. لما رآها دخل إلى الغرفة وكأنه يطلب منها اللحاق به وبالرغم من حالها المزرية فقد لحقت به .. أمرها أن تقفل الباب أن تجلس فجلست عند طرف السرير بينما تحرك هو جانبا حتى أصبح خلفها مباشرة .. بهدوء لا سابق له: قلتي سابقا بأني مدع كبير ..
ــ نعم .. بثقة مترنحة بين الطمأنينة والذعر ..
ــ وكيف استنتجتي ذلك ..
ــ من تصرفاتك وردود فعلك .. فهي أقرب ما تكون إلى مدع منها إلى مجنون ..
ــ وما الفرق بين الجنون ومدعيه قالها وهو يرمق بأسى الحشود المجتمعة خارج أسوار القصر ترحب بعودة أميرها المحبوب منتصرا من أحد المعارك .. المزيف الذي يلوح لهم من شرفة غرفته ..
ــ إن الفرق بينهما هو خيط رفيع متى انقطع .. فإن التمييز بينهما سيكون واضحا وضوح الشمس .. ــ إذن فالفرق هو خيط رفيع .. ــ أجل ..
ــ وللتمييز بينهما لابد من قطعه ..
ــ امم .. دون أن تلتفت إليه ..
ــ آه .. لقد فهمت جيدا الآن .. صمت لثوان حمل بعدها .. كرسيا ضخما وعلى حين غرة منها .. ألقاه برعونة محطما زجاج النوافذ التي اكتنفت الجدار المحاذي له .. تفاجأت .. تشنجت من عظم ما رأت فأنا .. لأحد أن يتنبأ بمكنونات أبان أو أن .. يحسب خطوته القادمة .. ذلك صعب جدا حتى لأقرب المقربين إليه .. صعد النوافذ .. أدمى راحتيه .. قدميه .. جذب انتباه الحشود إليه: كيف حالكم .. أنا أميركم هنا .. انظروا هنا .. كيف الحال .. كان مستمتعا غير عابه بكونه متأرجحا قد يهوي في أي لحظة لا .. بالدماء التي كانت تسيل وما من مستجيب .. لم تهتم للزجاج المتناثر وأسرعت إليه .. أمسكته من الخلف لم تستطع جره خشية أن تؤذيه .. سألته برجاء أن يتوقف إلا أنه .. لم يفعل إلا بعد أن أتى الجند الذين اقتحموا الباب المقفل .. بطريقة ما استطاعوا تكتيف ذراعيه .. تثبيته فوق أرضية السرير .. لم يزل يقاوم .. يضحك ضحكات هستيرية يتحدث بلغة كوكبية حتى .. أتت الملكة يحملها حنقها الذي انفلتت رباطة جأشه .. وقفت تنظر إليه كالأبله يداوي بلهه بمزيد من الخبل .. صفعته .. أوجعته وبدلا من أن ينطق الألم نطق حاله المستبد منذ الأزل .. ضحكات .. صرخات .. هلوسات .. أرادت صفعه ثانية فكادت أن تقضم يدها وجعل يصك على أسنانه .. مرة تلو المرة في حركة دائرية لا متناهية وهكذا إلى أن اقتحم المكان .. جند لما رأتهم تهاوت فوق أقرب كرسي منها .. وجهها الذي تغشته راحة كفها .. تغشاه ما تغشاه من سوء حظها وقلة حيلتها .. ارتفع الهمز واللمز وكندة التي لا تعلم مالذي يجري حولها تتساءل:
من هؤلاء؟
وماذا يصنعون؟
قد قيدوا حركته بلفافة سوداء .. إنهم يحملونه فوق أكتافهم ولكن إلى أين؟
وما بال الملكة؟
لا تبدي حركة .. وكأنها أسيرة استسلام تام ..
علمت بعد أن استفسرت أنه منقاد إلى دهليز أسفل هذا القصر المنيف .. لا أحد يعلم مدى عمقه أو الطريق المؤدية إليه .. لا يحمل إليه إلا الأشقياء ومن يخرج منه فهو إما .. مفارق للحياة أو .. راغب في فراقها .. لجأت إلى الملكة وبهلع توسلتها أن تنظر في أمره ولما .. لم تجب نفضتها: هذا ما جنته يداه وأردفت: لقد حذرته مرارا وتكرارا إلا أن ذلك الأحمق ظل .. كالحجر الأملس ينزلق من فوق سطحه كل شيء .. لقد خرج الأمر من يدي إنه بيد الأبيض الآن .. ــ أرجوك حدثيه ..
ــ الآن ..لا أستطيع .. إن اقتربت منه سأحترق بنيران غضبه .. سأنتظره حتى يهدأ ..
ــ حينها قد يكون أبان قد فارق الحياة ..
ــ وقد لا يكون قالتها بيأس مشفق جعل كندة .. تنهض من مكانها مسرعة تقصد الأبيض دون مخافة أن .. يكون في ذلك نهاية أجلها ..
قد تنتهي الآجال فوق الفرش ..
قد تنتهي وقد كان معها هناء الحال وراحة البال ..
ولكن أن يكون أجلي قبل أجلك ..
ألا أراك ..
أن أعيش بقية العمر على رمض الذكريات ..
ذلك استنزاف للطاقات ..
وهدر للراحات ..
فأي هناء يأتي من بعدك ..
بل هو العناء ..

كان الملك حينها جالسا فوق عرشه الذي بدا مشعا .. تلك النيران التي تغلي من تحته وأسامة .. عند رأسه واجما يقف حذرا عندما ولجت كندة .. جثت تحت قدميه .. بدموعها المنهملة .. بتوسلاتها المبتهلة بخافقها الذي يبكي صارخا مسنتجدا .. حالها ونطق لسانها جرعات مضاعفة من الوجع ..شحذت سكين غضبه دون هوادة .. صرخ فيها: ما بالك؟ لم تفعلين كل ذلك؟ أمن أجل ذلك الأبله؟
ــ هزت رأسها: نعم من أجله سيدي .. أرجوك اعف عنه .. فأنا أحبه ولا أستطيع مفارقته ..
ــ آآه .. قالها متذمرا: ألم تعلم أن الحب أعمى وقد .. يجر صاحبه إلى التهلكة فاحذر ..
ــ أنا عمياء .. بكماء خرصاء لابأس ولكن .. أن أشعر بوجوده ذلك يكفيني ..
ــ لحظات كفصل الشتاء مرت ببطء وهو .. ينظر بسخط إليها انحنى بعدها إليها .. أدنى ذقنها إليه وبلطف تكبد عناءه قال: حسنا إذن .. اتركيه وسأتركه ..
ــ صمتت طويلا .. طويلا ترمقه بتشتت أصابها بذهول أربكها جعلها .. تفتكر في كلمات نورهان .. لقد صدقت ..إنه يريدني لنفسه .. ماذا عساي أفعل الآن؟ ففي تركه نهاية حلمي وفي البقاء معه .. نهايته .. نهض الأبيض بعد أن مل طول الانتظار مبتعدا عنها ناحية جناحه ولم تزل .. تلاحقه بنظراتها حتى نادته قبل أن يختفي بقليل مجيبة: سيدي حسنا .. سأترـ...
ــ ستتركين لهوك هذا وستبدئين من جديد .. ابني بأمس الحاجة إليك ولن تتركيه الآن وهو في مفترق الطريق .. أليس هذا ما كنت تودين قوله؟
ــ لم تجبها ولم يلق الأبيض بالا لها فبمجرد أن قاطعتها .. كان قد غادر:
سيدتي ماذا فعلت؟كنت أوشك على انقاذه ..
ــ وتدميري في نفس الوقت .. بدأت حقا أصدق بأنك حمقاء .. هه .. أحمق وحمقاء .. أعرضت عنها: أخرجي .. رؤيتك تتعبني ..
ــ ولكن .. سيـ .. حدجتها بنظرة حارقة خرجت على إثرها فلا مندوحة ترجى من بقائها خرجت .. تجر خلفها أذيال خيبتها تسير بلا هدى وسط فسحة جوفاء .. القصر الممتلأ أصبح فارغا فجأة كما القلب الندي الذي كان يقظا منذ لحظة .. تداعت الأركان من حولها وتقلصت الجدران .. أنفاسها تضييق وعقلها من قلبها حيران:
أهو العشق يا فتاة أم هو الهيام ..
كلاهما يجلب السأم ويقطع لذة الوئام ..
أم هي الأحلام التي نجري خلفها كالأيتام ..
تلقي بنا حيث الظلمة دون نظرة منها أو اهتمام ..
اهربي ..فالهروب سمة الأبطال ..
من خلفوا وراءهم ..
متاع الحب الزائل واكتناز الأوهام ..
وبينما هي تسير هكذا إذ بأحد الغلمان يشدها من يدها لتسير خلفه .. غرف .. دهاليز وممرات .. مسافات طويلة ومتاهات إلى أن توقف أمام جدار رخامي .. أبيض أملس كحال كل الجدران التي تكتنف قاعة أخرى لا تختلف عن كثير من أخريات يصول الصمت فيها ويجول: من هنا رأيتهم يدخلون .. انتظري قليلا علهم يخرجون .. قالها بارتباك انطلق كالهارب بعدها.

ظلت الملكة قرب أسامة .. ترمق عن كثب .. شبابه .. وسامته .. شهامته وابتسامة المتواضع التي يلوح بها للجمهور الغفير خارج أبواب القصر .. أفكار مجنونة خطرت ببالها بددتها حالا وتمنيات ودت لو تحققت .. وبعد رحيل الجموع جلست فسألها: سيدتي أتعلمين؟
ــ ماذا؟ ــ للمرأة أعداء ثلاثة .. الشيخوخة .. سوء حظها مع الرجال والقلق .. أما الشيخوخة فلا طريق لها إليك وجمالك يرتوي جمالا مع الأيام .. أما الرجال فقد حزت أفضلهم .. خوفي .. جل خوفي ممن يأتي عاريا ليخرج مشتملا .. حسنك .. لياليك وراحة بالك ..
ارتاحي أرجوك ولا داعي للقلق سيدتي .. سيعود أبان أفضل مما كان عليه أعدك ..
ــ أبان .. عمن تتحدث .. لم يعد لهذا الاسم وجود ..
ــ لم يفت الأوان بعد .. اذهبي وتحدثي إليه .. إنه يستمع إليك ..
ــ كان ولكن .. مذ نفذت تلك الحرباء بجلدها المرقط لم يعد .. يصطبغ إلا بألوانها ..
ــ من تقصدين؟ ــ ومن غيرها .. الشمطاء التي جثت عند قدميه .. تدعي حب أبان تدعي .. تركه لأجله ولولا تدخلي .. لاكتمل آخر فصل من عرضها البالي ..
ــ أطرديها إذن فهي ليست سوى جارية ..
ــ لا أستطيع .. فالأمر أكبر مما تظن ثم شاحت ببصرها عنه مردفة: إنك لا تعلم شيئا ومن الأفضل .. أن تظل هكذا .. لا تشغل رأسك بأمور أنت في غنى عنها .. يكفيك ما تصنع لأبان ..
ــ إذن .. ابتسمي سيدتي فأمرك يهمني ولا يعجبني رؤيتك في تكدر هكذا ..
ــ مدت يدها تداعب غرته إلا أنها .. توقفت سردت حديث يدها قائلة: هه .. كلماتك قد تأسر بها أي امرأة ومع هذا .. أعجب من قلب يرى حسنك وشبابك .. يستمع إليك ويهتم بكلماتك فلا ينتفض ويراه .. فيرتجف .. الحب أعمى بل .. هو أحمق وأنا حمقاء أخرى ..
ــ سيدتي لم أكن أقصد ما تعنين ..
ــ لا بأس .. دعني أعش السعادة لبعض الوقت حتى .. ولو كانت مجرد وهم أو خيال ..
غادرته بعد أن ودعته .. علها تستطيع التحدث معه الآن .. استغربت لما ولجت منظر غرفتها .. أثاث مبعثر .. بقايا تحف منتثرة والخدم المنتشر في الأرجاء يبحث عن حاجة للملك .. سألت فهمست لها إحداهن .. طلبت من الجميع المغادرة ثم توجهت إلى درج رفيع أسفل مرآة ضخمة: أهذا ما كنت تبحث عنه مولاي ..
ــ انتزعه من يدها انتزاعا وما لبث .. أن لجمها دون رحمة به ..أدمى طرف وجنتها .. حافة كتفها .. صرخت فصرخ بها: اصرخي .. أشعري بالألم كي لا تتدخلي مرة أخرى فيما لا يعنيك ألا تعلمين من أنا .. ــ أعتذر سيدي .. ــ سألتك أتعلمين من أنا؟
ــ نعم أعلم من أنت .. أنت سيدي ومولاي .. أنت قلبي وروحي التي لا تستطيع التحليق إلا بك .. أنت ابتسامتي ..
ــ باستهزاء مبطن: ابتسامتي .. أيهمك حقا رؤية ابتسامتي؟
ــ فهزت رأسها مجيبة: أجل ..
ــ لو كان هذا حقا لما كنت قاطعتها .. لكنت تركتها .. لو أنك تركتها لكانت تركته ولكنت أبتسم لك الآن .. عاد فصرخ بها: كاذبة .. كاذبة .. السوط في يده والغضب المستعر أفنى حلمه وأشعل جسده .. ارتعاش بين خافقيها وخوف يدك ساقيها .. حاولت الهرب إلا أن طرف سوطه كان الأسرع إليها .. ارتمت فوق ظهر السرير وسرعان ما انهالت الضربات فوقها .. كتمت صرخات الألم التي اقتحمت حنجرتها وهي تنظر بأسى إلى طيورها التي فارقت الحياة اعتصرتها لجاجة قبضته: مذ علمتي رغبتي بها .. لم يهدأ لك بال .. منحتك الفرصة تلو الأخرى علك تستوعبين حجمها إلا أنك .. لا تنفكين تبعدينها وتملئين رأسها بوساوسك .. لم يقرع باب قلبي أحد قط .. فلما فعل .. أتيت تفرضين سلطانك على مملكتي .. تزجين بأباليسك لإغلاق باب غرفة لم يلجها أحد .. أمن أجله أم لأجلك .. لايهم .. فكلاكما لا يهم المهم .. أنا ..
ومن أنا ..
نسيت من أنا ونسيت من أنت ..
أنا الأبيض بن الأشهب بن سلام وأنت .. حشرة أستطيع دوسها متى شئت ..
وبعد عدة ضربات توقف مكملا .. بنيران لم تنطفئ بعد:
لولا كونك فرض علي .. لن يتم ملكي إلا به لكانت .. أفعالك سببا في هلاكك ..
وبصرامة أثارت قلقها .. قلقلت أمنها ونفضت الغبار عن حقد لن يستقر إلا باستقرارها:
الزمي مكانك وإلا ..
كانت الملكة ..
وكنت الجارية ..

كان هذا هو الفصل الثالث .. أتمنى من القلب أن يحوز على إعجابكم ورضاكم ..

Mona1977 27-09-17 10:23 PM

غريبة بجوارك (تم إضافة الفصل الرابع)
 
غريبة بجوارك
" كنت إلى جوارك قريبة .. غير أني كنت غريبة "
( الفصل الرابع )


في الصباح الباكر .. أرسل الملك أحد الغلمان ليأتيه بكندة فأجابه بأنها لم تزل منذ البارحة مستلقية قرب جدار في أحد القاعات الشمالية المطلة على النهر .. لحظات أصدر الملك بعدها .. الأوامر بإطلاق سراح أبان خوفا .. أن يكون سببا في قتله أن .. يكون سببا صريحا لابتعادها عنه .. تحرك الجدار .. فتحت البوابة .. أيقظوها إذ كانت تعترض طريقهم.. تفاجأت لمشهد لم يخجل وهو .. يستقطب ما تبقى من نور يستسقي منه وجهها الذابل .. خرج محمولا فوق الأكتاف .. لم يعد متوشحا بالسواد فقط بل .. باللون الأحمر الذي انبرى من كل جزء بان لها أو لاح .. منسكب الرأس .. متورم الوجه .. هيئة مشرف على الهلاك ونظرات مودع ربما .. لم يعلم بوجودها وهو ينظر إليها فوعيه هو الآخر يبدو أنه .. قد تلطخ بالدماء بألوان العذاب التي .. شهدها في بؤرة الجحيم تلك التي يبدو .. أنها لم تشبع بعد من زوارها .. تفاقم همها: أبان أجبني وطفقت إليه تهزه .. تناديه دون إجابة منه تنجيها .. أبعدوها فعادت .. أبعدوها فكادت لولا إحداهن أمرتها .. أن تلحق بها فالملكة تريدها حالا ولما رفضت .. أمرت الجند فأرغموها وإلى حيث المكان المنشود ألقوها وبعد .. دقائق كالساعات كالثلج ينماث وما من شمس تختصر لحظات انتظارها أجابتها .. من خلف ستار ساتر فجروح البارحة لم تشف بعد: ما رأيته البارحة جعلني أجزم أمرا .. شككت فيه منذ البداية .. أنك اللعنة التي كنت أتلقى صفعاتها مرة تلو المرة مذ اقتحمت بخبث عالمي .. جررت ابني إلى الهلاك وزوجي إلى الجنون وتحاولين شل حركتي بكل ما تملكينه من شرور ولكنه ..
إما أنا أو أنت .. فاختاري ..
ــ سيدتي عن أي اختيار تتحدثين .. أنت سيدتي وأنا خادمتك طوع بنانك .. محال أن أخدعك .. أن أجازي إحسانك بالإساءة محال ..لا على هذا تربيت إلا أنه ..لا ذنب لي حقا .. فيما يختلج الملك من مشاعر لم أشعر بها مطلقا ذلك أني .. أحب ابنك لا غيره وأفعل لأجله أي شيء .. أحدثك وقلبي معه .. روحي تصحبه وخوفي .. لو تعلمين حجم خوفي عليه .. لقد رأيته .. ليتني لم أره .. كأنه يودعني كأني لن أره .. لحظات انتظاري تشتعل وخوفي .. يرتجي كلمة رضا منك تريحك من همك .. تبعد قلقك .. تقربني منك وإليه ..
ــ لحظات من الصمت ويكأنها الدهر حتى نطقت: حسنا إذن .. لنفترض صدق ما تقولين من أنك .. لا شأن لك بكل ما يجري هنا .. أنك ضحية لهوس زوجي وجنون ابني ومع هذا .. لابد لي من اختبار أتبين فيه حقيقتك .. فإن كنت تحبينه حقا .. حبا لا يهاب الموت فأمامك من الشراب كأسان أحدهما مسموم .. لن تخرجي من هذه الغرفة إلا ..باختيار أحدهما إما هذا وإما .. أن أنفيك إلى مكان لا يعلم الجن حتى بأمره وتذكري .. أن كل ثانية تضيعينها بالتفكير بينهما إنما .. تطيلين بذلك لحظات انتظارك .. ومع كل ثانية يسلب نفس .. وهو شخص يهمك أمره كما تدعين فهل .. يرضيك أن تنقضي أنفاسه دون أن يراك وحالا .. التقطت كأسا .. تناولتها بالكامل ثم نهضت تهم بالخروج فاستوقفتها .. كبرى الوصيفات: دعيها فلقد اختارت وهيه كندة .. إن كان السم من اخترت فالموت .. قد اختارك ..
أجابتها ببرود: لا بأس سيدتي .. هلا أذنت لي الآن بالمغادرة أرجوك ..
أذنت لها ليتفاجأن بها .. قد انطلقت كما الريح التي تجري .. لم يثنيها طول الطريق وكثرة التواءاته .. لم يثقلها حجم الغيم وعظم مساحاته .. لم يهزها لون الغبار وتكاثف سحاباته انطلقت .. لم تهتم ..
بما سيجري لها ..
إن كان سيكف عن اللحاق بها ..
إن كانت ستنتهي معاناتها .. لا يهم ..
كل ما كان يهم ..
هو الآن ..
أن أراك الآن ..
ــ سيدتي إنها صادقة .. ــ أعلم ذلك ..

عند وصولها كانت اللجنة الطبية المشرفة على علاجه قد خرجت للتو من عنده .. وقفت عند رأسه .. تأملته لثوان سألت بعدها - بأنفاس متقطعة – كهرمان التي كانت تشرف على رعايته فترة غيابها فأجابتها .. بضيق كاد ينخر أنفها: بخير ولكنه .. بحاجة إلى بعض الراحة فهلا .. تركته يرتاح لقد بت المسؤولة هنا فلا داعي لوجودك وبضيق أشد: وعودي من حيث أتيت .. كان ينظر إليها بطرف عينه دون أن تلحظه إلى أن .. صدت عنه فصد عنها إلا أنها .. وعند الباب توقفت وما لبثت أن .. خفت الخطى نحوه .. استدارت حول السرير لتندس بقربه أسفل لحافه .. كهرمان التي تفاجأت كما أبان الذي .. لم يتوقع حدوث أمر كهذا جعلها .. تفقد السيطرة على نفسها جعلها .. تشتعل .. نهرتها من دون خجل وأمرتها .. بالانسحاب حالا فلما .. لم تجد الكلمات معها نفعا ..حاولت بقوة جذبها نزعها منه بكل ما أوتيت من طاقة إلا أنه .. لا طائل يرجى من محاولاتها فقد كانت .. متشبثة بفراشها تشبث الأم بطفلها .. التفت إليها .. اعتصارها .. مكابدتها للتشبث به بالرغم من كل ما كان ينولها وكأنها .. في صراع من أجل البقاء من أجل أن .. تبقى بقربه جعله يأمرها .. كهرمان بالخروج وخصوصا .. بعد أن بدأت بشد شعرها .. أمرها صارخا بها: أخرجي ..
ــ تدحرجت صخرة من أعلى الجبل لتسقط تماما فوق رأسها .. فغرت ثغرها .. حاولت المماطلة بإسم الأوامر التي تلقتها إلا أنه .. ألجم لسان سخفها بصرخة أخرى منه جعلتها .. تهرول خارج الغرفة هاربة .. فلما خرجت .. أرخت كندة دفاعها لينسل أبان منها .. ليركن نفسه بعيدا عنها عند الزاوية .. أسدل جفنيه يبتغي شيئا من الراحة والهدوء وإذ بذاك الذي .. يتأبط ذراعه .. يدس أرنبة أنفه بين نحره وعنقه .. يهمس إليه سرا كهمس الندى فجرا: لا تسألن الابتعاد عنك .. فابتعادي لن يزيدني إلا التصاقا بك .. أنت تعب وأنا كذلك .. انسي وجودي لهنيهة ودعني .. أشعر بوجودك لبعض الوقت .. أرخت رأسها فوق كتفه غير عابئة لردة فعله .. تمتمت بصوت نعس: لقد تجرعت السم لأجلك فهلا .. تجرعت قليلا من الصبر لأجلي ..
كلمات .. لم يدر معناها حروفها ..قد نفذت بصعوبة عبر ممر ضيق .. تسير بتؤدة نحو القلب الذي .. تغلفه بعمق .. حراشف هي أقسى من الصخر .. أذابت بعضها باليسير الذي حملته بالبعض الذي .. ألزمه مكانه .. جعله يجيبها لما سألت ومع هذا ..
فهو لم يستطع ..
نسيان وجودها كيف وهو ..
كلما ابتعد اقتربت وكلما اقتربت ..
شعر بوجودها ..

في الصباح التالي استيقظت كندة على أثر صوت شخص يهز كتفها بطرف سبابته ويأمرها أن تخرج بلهجة رديئة .. خرجت بعد أن أومأ لها أبان أن تفعل .. تركتهما معا أبان وأسامة الذي بدا منزعجا قد خالط انزعاجه شيء من الضيق تحرر برحيلها .. وبعد دقائق عدة خرج وكعادته كلما خرج من عنده .. ابتسامة خبيث ونظرات عابث مستيقن وصرخات أبان تناديه باسمه .. يحاول النهوض .. اللحاق به والتعب يقعده .. كندة التي كانت تنتظر .. كم رغبت بشدة اللحاق به والتحدث معه إلا أنها .. لم تفعل بل .. لم تستطع .. نفذت حالا وإليه تنظر أمره .. كالبئر المطموسة .. صرخات يائس يختنق .. وظلام يغمر لاحظيه .. تخبطات يديه .. دمعه الذي انسكب .. قوامه الذي يكاد يفنى شيئا فشيئا وروحه التي .. شعرت بها تنتزع بلا رحمة لتقدم فوق طبق من ذهب .. رؤيته هكذا أدمت فؤادها فما كان منها إلا أن .. عانقته بشدة عله يشعر بحبها عله .. يهدأ حينها فيرتاح .. حاول الإفلات منها فشدت قبضتها ليتذكر كلماتها: " لا تسألني الابتعاد عنك .. فابتعادي لن يزيدني إلا التصاقا بك .. " لحظات استسلم بعدها قائلا .. يعيد على مسمعها سؤالا .. كان قد طرحه عليها منذ البداية:
هل خفتي يوما أمرا أحببته في نفس الوقت؟
ــ نعم .. أنت وأردفت .. بعد هنيهة تسرد أسباب وجودها واستمرارها في عالم مجنون كهذا:
لقد كنت أعيش في سلام ضمن حدود واقع كنت فيه على خير ما يرام .. قانعة .. راضية تمام الرضا حتى اقتحم .. ذات ليلة ليالي طارق لم يستأذن بالدخول ولم .. أمنعه من ذلك بل منحته المفتاح ليزورني كل ليلة .. كنت أظن كأغلب الظن أن .. الأحلام ما هي إلا تصاريف لعقلنا الباطن حتى .. تجسدت أمامي حقيقة في لحظة أراك .. وأرغب بشغف تصديق ذلك .. فالكل يرغب مني فعل ذلك إلا أنه .. وحتى اللحظة وأنا .. أعانقك لا أزال أعتقد بأنك حلم وأن حلمي .. قد تمادى كثيرا ولابد وأستيقظ ..
ــ إذن استيقظي ..
ـ بطرف ثوبها مسحت شفته المجروحة .. أجابته تتحدث بالنيابة عنها جراحها: لا أريد أن أستيقظ .. أريد معرفة النهاية ورؤية ما سيجري هل ..
سنكون معا سويا تتساقط علينا الثلوج من السقف ..
أم أن الأرض ستتصدع من تحتي ليبتلعني القاع كما يحدث دائما وأكملت .. بأسى بنظرات تحوم حوله دون أن تلتقي به وأناملها من قذته .. وجنته .. شفته .. مقدمة ثوبه إلى راحة يده: أستغرب تعاستك وقد كنا معا تغمرنا السعادة .. أسترخي فوق أحضانك فتداعبني بقبلاتك .. تحملني فوق ذراعيك وتلاحقني بابتساماتك .. القصر ذاته .. الغرفة ذاتها .. أركان حلمي تجسدت واقعا حيا ملموسا أمامي إلا أن الأساس لذلك أن يتم .. لا يبدو أنه يشعر بوجودي وأنا التي .. بعت حريتي لأجل قلبي المثغم بهواه كي .. يقترب كي .. تلين خفقاته فيلتفت إلي إلا أن .. جواره لم يزدني إلا غربة وهنا .. التقت به مردفة: فكلما اقتربت ابتعد .. كلما اقتربت ابتعد .. لقد بت أشعر بالإرهاق بالتعب ومع هذا .. لا بأس .. لا تنظر إلى قلبي إن لم يكن يهمك أمره ولكن .. ألا ينهي هذا الجنون ومدت يدها إلى راحته وساقتها إلى وجنتها: حرير يفتقدك وشفاه .. تشتاق لك وجيد ينتظرك ثم .. أرخت كفه فوق صدرها: وأنفاس .. تلهج باسمك .. أمنيتي .. أن تشعر بهذا القلب الذي يرتجف كلما رآك أن .. تراه كما يراك ومع هذا .. فلا بأس .. فإن لم تكن تهواني فهلا .. رأيتني كامرأة تهواك لا ضير عندها .. من بذل سبب رخيص كالجسد من أجل أن تبقى معك .. من أجل أن تستيقظ كل يوم لا ..
لرؤية الشمس بل ..
كي تراك ..
ومن لديه حيلة فليحتال إلا أنها ..
لم تكن حيلة ولا تمت صلة .. بأي نوع من أنواع كيد النساء ..
لقد كانت تتحدث بصدق ..
بالصدق الذي لا يضمر كذبا ..
يالكذب الذي تكاسل متعمدا ليمنح الحقيقة بعض الوقت ..
إذن فهو الوقت ..
والترقب لحدوثه ..
والأمل ألا يطول ..
إجابة شافية منه قد ..
تنهي هذا الجنون وقد ..
تجعله يتمادى ..
كانت ترتدي ثوبا من الدمسق الموشى .. مزموم الوسط .. مسجى الأكتاف حينما .. وبتردد مد يده وبأطراف أنامله كشف .. الستر عن أحد الأكتاف ثم ابتعد .. غض البصر وما عتم أن عاد محدقا .. فالقليل الذي انكشف أزال الستر عن قليل من كثير .. لم تصله الأيادي بعد ولم تنعم بالنظر إليه .. أعين مجتليه كيف وهو ..
الصيد المحرم اصطياده ..
والندى الذي يصعب التقاطه وهو الحسن .. قد تأسى بها حسنا فهي الحسناء ..
من تهواها الأشجان ويستميت لامتلاكها اللحن ..
لخلق أغنية لم يسمع بها ..
تناجي الأرواح منها قبل البدن ..
لقد منحته الحق لأن يفعل بها ما يشاء ويشتهي ..
أن يسترق السمع إلى أشجانها وأن يمتلك دون عناء أعذب اللحن ..
إنها تناجيك من دون البشر فهلا .. ناجيتها فهلا ..
اجتذبتها إلى صدرك .. فلا تفارقه ..
وإلى قلبك المقبور .. فتؤنسه ..
وإلى كلماتها التي نطقت بها وفي كنهها .. مذلة وندم ..
هلا أشعرتها .. أن بذلها لم يذهب هباء ..
تجرأ أخيرا بعد طول عناء .. مد يده ثانية بحذر .. نحو المكان حيث اللحن .. ينتظر بتلهف وقع أنامله ليكتمل الشجن الذي .. أنا له أن يتكون أو يكون وقد .. قاطعهم ثلاثة من الغلمان يحومون حولهم كالغربان .. ينظرون بفضول إليهم .. يتدافعون بينهم .. مفسدين تلك اللحظة التي لو تمت لربما .. تبدل الحال .. بضيق نهرتهم .. أمرتهم بالخروج فأبو فالملك قد أمرهم بإحضارها بعد أن تتهيأ رغبة منه .. لاصطحابها معه خارج القصر في جولة حول المدينة .. لم تنصع لرغبته وطالبتهم بالخروج حالا .. تظاهروا بعدم سماعها وجعلوا يكررون عليها "هيا .. هيا .." يتغنون بها ويعيثون في المكان كما اعتادوا فسادا كلما .. عصى أحد كلامهم مسببين إزعاجا .. لا منطق ولا مطلق له فهم .. محصنين من أي أذى إلا .. بأمر من الملك أو الملكة .. فلما طال الأمر وتعدى حدوده وأصبح لا يطاق .. تحدث أبان الذي كان قد صمت طويلا خجلا وطلب منها .. أن تذهب مستطردا قائلا قبل أن يستقر بمشقة فوق سريره: إن كان بذلك لجسدك سبب رخيص فبذله لأجلي .. سبب أرخص ..

أثناء طريقها أحست كندة بالدوار فأولت ذلك إلى الجوع الذي .. لا يوال ينهش معدتها منذ البارحة .. طلبت من الغلمان أن يذهبوا لإحضار بعض الطعام إليها على .. أن تنتظرهم هنا فلما عادوا .. لم تكن هنا .. لقد هربت .. اختبأت بعيدا عنهم .. لقد باتت تخشى الاختلاء بالملك معتبرة بقاءها معه .. خيانة لأميرها ومضرة له وهو .. من القرب منها ما بات وشيكا في ظنها بالرغم .. من كلماته الأخيرة التي أوحت عكس ذلك ربما .. أنها أسندت يقينها ذاك على اللحظة تلك التي .. كانت بينهما .. بحثوا طويلا عنها حتى إذا ما يئسوا .. عادوا إلى الملك فأخبروه .. كان حينها يستعد للخروج فرحا .. فهاهو يتطيب ببحر من العطور .. يشذب لحيته وينتقي أسورته .. أجواء فاخرة من الترف هدت فالخبر كان صاعقا جعله يفقد اتزانه .. حالا أمر الجند بإيجادها إلا أنه لا أثر .. فما كان منه إلا أن أشرف على عملية البحث بنفسه فكان أول مكان يتفقده هو حيث أبان .. أبان الذي كان مستلقيا يداعب بنظراته الذابلة لون الغروب تفاجأ .. بالكم جالب الهم من اقتحم عليه تأمله وسكينته .. جدوا في البحث حتى انتهوا عند مليكهم ألا أثر حينها سأله .. بشرر يستعر بنيران من فمه كالشرار المستعر: أين هي؟
ــ بلامبالاة لم تبال حال محدثها لا لرنين غضبه: من؟ ــ كندة أيها الملعون ..
ــ آه .. إنها لحظات الانتصار التي تأتي بعد طول انتظار .. ابتسامة معبرة قد تكفي لإحداث ضرر دائم بالمرارة مادامت النشوة ولذة الانتصار: لا أعلم ثم كانت تلك الابتسامة التي فجعت قلبه الأرعن ..
ــ جذبه من قم قميصه هزه بعنف مكررا: أين خبأتها؟ أين هي؟
ــ إلا أنه لا ينفك يلوح له بتلك الابتسامة حتى حانت لحظة ودعته بها إليه تحمل بين طياتها اعتذارا مغلفا يتعتع غدرا وخيانة: سيدي لقد وجدناها ..
ــ سأل مبتسما فرحا باستقرارها بغيابها عن محياه: أين؟
ــ في السقيفة أعلى مخزن المؤونة .. سيدي .. لقد وجدناها مغميا عليها فهي .. لم تأكل منذ البارحة حسب قول أحد الغلمان .. إنها في الطريق إلى هنا الآن مولاي ..
ــ لا .. بل خذوها إلى جناحي فأبان تعب ولا أريد .. أن أرهقه أكثر سأعتني بها بدلا عنه .. قالها يتصنع إشفاقا قد تبلور ضاحكا استخفافا به وسخرية منه ثم ..
تركه ..
أبان الذي حاول جاهدا ألا يشغله أمرها ..
لم يستطع الادعاء أكثر وتصنع اللامبالاة ..
فلو أن كل شيء من حوله تداعى ..
كل شيء بال ..
ربما تكون هي ..
قطرة الندى تلك التي ..
احتفظت بالضوء داخلها من ثم تجمدت ..
تنتظر اللحظة ..
حين تكون بين يديه ..
كي تنماث وتغمره بنورها ..
حاول النهوض واللحاق بها إلا أن صرخات أوجاع عظامه أقعدته جعلته يستقر في مكانه مجددا بلا حول منه أو قوة.

وهناك .. كانت اللحظة التي اشرأبت لها أعناق العاشقين بجنون أمثاله لا حدود لرغباتهم ولا أمل من شفائهم .. اقترب منها بحذر فاقتنصته أنفاسها .. رائحة عطرها ووجهها الأزهر الوضاء .. كانت الملكة في الطريق إلى حيث هي .. قد تناست آلامها .. تتدارك أمرها .. تمشي على عجل .. تخشى أن الأوان قد فات وأن قطعة فخارها الأثرية تلك قد سرقت وللأبد .. لما ولجت شهقت بصوت مكتوم وكادت أن تقع .. لم يشعر بها فقد .. كان غافلا يتكفكف طريقه بالأثر المتناثر من سحرها وقد تمادى فهاهو قد مد أرنبة لسانه دانيا من شفاهها .. لم تتحمل أكثر فخرجت .. كبدها يتفتفت وقلبها يحترق .. عقلها في دوامة وشبابها الدائم قد .. فقد ديمومته إنه .. يشيب باستفاضة مع كل انتفاضة يهتز لها جسدها .. ما أن وصلت حتى سألت كبرى وصيفاتها: كم تبقى لها؟
ــ القليل سيدتي القليل .. لا تخشي شيئا .. فقد غمستهما بالسم غمسا وملأتهما به ..

طرق الباب .. لقد أتى الطبيب الذي قطع على الملك خلوته وجعله يتراجع ويبتعد .. اسيقظت لتفز بعدها مذعورة إلا أنها سرعان ما انهارت فجسدها الهالك من الجوع والسم الذي .. يسري داخله دون رحمة جعلها تتداعى مجددا .. بادرها الطبيب بمشروب سكري وببعض الحقن .. في بضع أجزاء من ذراعها وشيئا فشيئا بدأت .. تستفيق حتى استعادت شيئا من طاقتها .. استأذنت الملك حينها بالرجوع إلى جناحها شاكرة إياه إلا أنه رفض .. وبلطف سألها بصيغة أمر مبطنة بأن .. تستريح قليلا كي ترافقه هذا المساء في جولة حول المدينة .. انصاعت للأمر مرغمة وعند المساء .. مفغمة بالهم والضيق غادرت بصحبته .. حاول الملك إمتاعها .. تجاذب أطراف الحديث معها بما يملكه من مخزون شعري وقصصي .. إثارة إعجابها بردة فعل الجمهور وهتافاته إلا أنه .. عاد خائب الظن مغتاظا فقد كانت .. شاردة الذهن معظم الوقت في واد .. غير واديه تراقب الوقت وتترقب .. حين الأيبة ظاهرها .. معه وقلبها مع من .. ما أن وطأت قدماها أرضه حتى .. أسرعت إليه خفقاتها .. قبل نظراتها تبحث عنه .. لقد غادر هو الآخر بعد هنيهة من مغادرتها .. غادر بصبحة أسامة الذي اصطحبه إلى جناحه ليرعاه.

شعرت كندة بالحرج والتقصير فهي من كان عليها أن ترعاه .. لقد قررت تعويضه .. سألت فتحلقن من حولها همسن لها فتفاجأت واحمرت خجلا .. رفضت بداية لترضخ في النهاية .. جميلة هي الفكرة إلا أنها .. بحاجة إلى كمية وافرة من الجرأة للتنفيذ ..
لقد قبلت أن تكون الطعم للصياد الذي .. عليه أن يرأف نتفة بحالها شرط أن ..
تعشقني ..
هذا كل ما أريد ..
اعشقني مرة فقط ..
ثم انسى أمري بعدها ..

كان هذا هو الفصل الرابع ولا أعلم ..
هل أحداثي لاتزال مثيرة للإعجاب أم أنها .. باردة كالثلج القاسي ..
لا تحرموني من ردودكم وتشجيعكم ..
دمتم بصحة وسعادة حتى موعدنا القادم ..

انت عشقي 28-09-17 03:41 PM

جميل جدا.. الاحداث جذابه ممتعه وتشد القراء وبقوه... استمري بنثر سحرأبداعك وأنا معك لأخير..


الساعة الآن 12:17 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.