آخر 10 مشاركات
إحساس جديد *متميزة و مكتملة* (الكاتـب : سحابه نقيه 1 - )           »          كل مخلص في الهوى واعزتي له...لوتروح سنين عمره ينتظرها *مكتملة* (الكاتـب : امان القلب - )           »          نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (الكاتـب : الحكم لله - )           »          1022 - ألعاب النخبة - دايانا هاميلتون - د.ن (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          هائمون في مضمار العشق (2) .. سلسلة النهاية * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : أسماء رجائي - )           »          1018 -الحب المستحيل - بني جوردان - عبير دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          1017-درب الفردوس شيرلي كمب - عبير دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          عواقب إنتقامه (144) للكاتبة Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          1015- بعد شهر العسل - الكسندرا سكوت- عبير دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree160Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-01-18, 12:09 AM   #401

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9


الفصل الخامس والستون:

سردت له بالتفصيل ما له علاقة باكتشاف وجود (حجاب) ما أسفل فراشه أثناء مكوث أسيف وعمتها بغرفته، وكيف فزعت هي من مجرد التفكير في حدوث الأسوأ له بمجرد رؤيته، وتوجسها من كونه مرتبط بالسحر والأعمال السفلية، وتأكيد نيرمين لها صحة ذلك الأمر.
نظر لها منذر بامتعاض مستنكرًا تفكيرها الساذج والمحدود، ثم هتف من بين أسنانه بحنق واضح:
-بقى تصدقي التخاريف دي يامه، لأ ومن مين من البت دي؟!
زمت شفتيها مبررة:
-كنت هاعمل ايه طيب؟ أنا لاقيته تحت فرشتك وخوفت لـ....
قاطعها هاتفًا بعتاب:
-يا حاجة جليلة، ده انتي زرتي بيت ربنا، وعارفة إن ده اسمه كفر، هاقول ايه بس! مش عارف أرد عليكي!
ربتت على كتفه مرددة بحذر:
-اهدى بس يا بني، أنا مكانش قصدي، بس هاعمل ايه خايفة عليك انت وأخوك، و...
رفع منذر كف يده أمام وجهها مقاطعًا بانفعال:
-ده مش خوف يا أمي، وبعدين إيش حال أنا اللي جايبها بإيدي من دكانها، وجرتها بالعافية لحد هنا، لحقت تجيب أعمال امتى؟ مخاوية مثلاً؟
انفرجت شفتاها بذهول مما قاله، هي لم تنتبه لتلك الجزئية من قبل، وانشغلت بالتفكير فقط في كونها وجدت ذلك الحجاب.
تابع منذر حديثه بصرامة:
-شوفي! من الأخر كده، انتي ظلمتي أسيف، وهي لا بتاعت أعمال سفلية ولا حتى علوية!
أخفض والدته نظراتها حرجًا منه، فقد أخطأت في حقها، بينما استأنف حديثه مرددًا بسخط:
-الدور والباقي على قريبتها، دي محور شر متحرك!
دافعت عنها قائلة بحزن قليل:
-والله دي نيرمين غلبانة وتتحط على الجرح يطيب، الظروف بس اللي معاندة معاها!
عقد ما بين حاجبيه صائحًا بتهكم:
-دي حقنة! بلاش الله يكرمك الكلام ده عنها لأحسن أنا دمي بيفور لما بتيجي سيرتها!
أومــأت جليلة برأسها متفهمة، فلم ترغب في إثارة أعصابه بحديثها الغير مجدي عنها، تحرك هو خطوتين للأمام مرددًا بين جنبات نفسه بوعيد جاد:
-بس أنا بقى هاتصرف معاها! وبالعقل!
........................................

لم يستطع كبح جماح غضبه بعد معرفته بتورط الجزار في تدبير حادث السير الخاص بحبيبته، فشل في ضبط انفعالاته وفي السيطرة على نوبة الهياج العصبي التي تملكت منه، انتظر على أحر من الجمر انصراف والده وأخيه لينطلق بعدها في اتجاه محل الجزارة.
سلط أنظاره عليه حتى كاد يحرقه بتحديقه الشرس فيه، لمحه أحد العمال بالداخل، فاقترب منه متسائلًا:
-خير يا سي دياب؟ تؤمرنا بحاجة!
تجمدت أنظار الأخير على وجه العامل، ورد عليه بغموض مقلق:
-فين الكلب اللي مشغلك؟
فغر العامل شفتيه مندهشًا من تلك الإهانة الصريحة الموجهة لرب عمله، فصاح به دياب مجددًا بنبرة أشد غلظة وصرامة وقد برزت عروق وجهه النابضة:
-سمعتني
ارتجف العامل وهو يجيبه:
-المعلم روح من بدري!
أشـــار له دياب بسبابته متابعًا بصوت هادر:
-تتصل بيه وتقوله يجي دلوقتي بدل ما يلاقي الهلومة دي كلها كومة فحم!
هز رأسه بالإيجاب وهو يردد بخنوع:
-أوامرك يا سي دياب!
وضع كفيه على منتصف خصره مثبتًا أنظاره على اسم الجزارة، كانت عيناه تطلقان شررًا مخيفًا، لكنه أقسم ألا يجعله يهنأ أبدًا في ليلته، سيذيقه من الآلام ما يروي عطشه.
.......................................

مكث في مكانه لفترة لم يتحرك فيها قيد أنملة مترقبًا حضوره، وما إن رأه مقبلاً عليه حتى زاد شموخًا وقوة، دنا منه الجزار متسائلاً بتوجس:
-خير يا كبير الناس؟
لم يعلق عليه دياب بل استمر في حدجه بنظراته القاسية المنذرة بكل شر، ازدرد الجزار ريقه محاولاً الترحيب به، فهتف بود مصطنع:
-ده المحل نور، وربنا لو أعرف إنك جاي كنت....
أجبره على قطم عبارته بصفعه بشراسة على صدغه لاعنًا إياه بكلمات حادة:
-اخرس يا .......، يا ابن ......!
وضع الجزار يده على وجهه متألمًا بشدة، وسأله باندهاش عجيب:
-ليه كده بس؟ ده أنا.......
سدد له لكمة قوية في فكه ليمنعه عن الكلام وهو يقول بعصبية متشنجة:
-انت وقعت معايا!
قبض عليه من عنقه محكمًا أصابعه عليه، ثم هزه بعنف قبل أن يطرحه أرضًا بتلك الركلة القوية في ركبته، جثى فوقه، وجذبه من خصلات شعره وهو يضرب مؤخرتها بالأرضية.
صفعه مرة أخرى متعمدًا إيلامه أكثر وهو يقول:
-مش أنا منبه عليك قبل كده ملاكش دعوة ببنت الحاجة عواطف؟
رد عليه الجزار بصوت مختنق وهو يبصق دمًا من بين أسنانه:
-هو أنا جيت جمبها أصلاً
استشاطت نظراته أكثر، وباغته بضربة موجعة في عنقه صارخًا فيه بنبرة مغلولة:
-أكتر حاجة بأكرهها هي الكدب، موتي وسمي اللي يحور عليا، وإنت كداب!
سعل الجزار بشدة محاولاً التقاط أنفاسه، فقد اختنقت أحباله الصوتية بفعل قوة الضربة، وانزلق ريقه في قصبته الهوائية فسبب له اختناقًا مؤقتًا، لم يكترث له دياب أو يظهر نحوه أي نوع من الشفقة، بل زادت شراسته هادرًا:
-بس قبل ما تاخد الحكومة حقها، فيه حساب أولاني؛ حساب دياب حرب!
قفز قلبه في قدميه من نظراته المخيفة، وتيقن أنه وقع في مأزق كبير، لذلك توسله باستعطاف عله يرأف به:
-خلاص يا ريس دياب، أنا مستعد اعمل اللي تؤمرني بـ....
وضع دياب يده على فمه ليكممه، واقترب منه برأسه ليحدق فيه بنظراته المتوهجة بغضبها، كز على أسنانه هامسًا بنبرة عدائية:
-وقت التوبة خلص، ودلوقتي جه وقت الحساب!
كــال له من الضربات الموجعة ما أنهك به جسد الأخير، وجعل عظامه تتحطم، ثم نهض عنه ليجذبه بعنف من رقدته، جرجره من عنقه ناحية الخشبة المخصصة لتقطيع اللحوم -أو ما يعرف عنها بالمصطلح الشعبي الدارج "أورمة"- ليضع رأسه عليها.
شهق الجزار مذعورًا حينما التصقت رأسه بها، وتخيل أبشع ما يمكن أن يحدث له، ثبته دياب جيدًا، وانحنى برأسه عليه ليهمس له متسائلاً:
-تفتكر هاعمل فيك ايه؟
امتزجت الدماء بلعابه السائل، وخرجت منه فمه بغزارة لتزحف أسفل وجهه وهو يتوسله:
-توبت يا سي دياب! أنا محقوقلك!
ضغط الأخير أكثر بكوعه على فقرات عنقه مسببًا له ألمًا موجعًا، ومد يده الأخرى ليسحب "الساطور" قائلاً:
-اللي زيك لازم يتعلم عليه زي البهايم بالظبط!
قرب نصل الساطور القاطع من عنقه ليشعره بوخزه الحاد، فصرخ الجزار باكيًا:
-ماتموتنيش! حقك عليا، جزمتك على راسي، بس ماتدبحنيش، ده أنا عندي عيال و....
قاطعه قائلاً بصرامة:
-اسكت! مش عاوز أسمع حسك!

استشعر والده وجود خطب ما به، خاصة حينما صارت تعابير وجهه مشدودة للغاية، وتحولت نظراته للاحمرار، فادعى انصرافه ليراقبه من على بعد لكي يعرف ما الذي ينتويه، وصدق حدسه، فرأه مقبلاً على محل الجزارة عاقدًا العزم على ارتباك شيء متهور.
صــــاح طه بصوت جهوري صارم وهو يضرب بعكازه الأرضية:
-ديـــــــــــــاب!
توقف عما يفعل ليلتفت برأســـه نحو أبيه الذي كان يرمقه بنظرات نارية محذرة، أكمل قائلاً بصلابة:
-سيبه لحاله
احقنت نبرته وهو يرد:
-مش هاينفع يا حاج، انت مش عارف ده...
قاطعه والده بجمود صارم ضاربًا بعكازه الأرضية:
-دياب هي كلمة! سيبه وتعالى عندي!
أحس الجزارة بالقليل من الأمان لوجوده، بأنه سيحول دون حدوث الأفظع له، فهمس متوسلاً بصوته المبحوح المختنق:
-الله يكرمك يا حاج طــه، أنا واقع في عرضك، خليه يرحمني!
أومـــأ طه بعينيه متابعًا بصرامة:
-تعالي ورايا يا دياب!
على مضض كبير اضطر أن يرضخ لأمر أبيه، فتراجع عن الجزار، لكن قبل أن يحرره من قيده ركله بعنف مؤلم في جانبه، وطرحه أرضًا ليضربه بقسوة مرة أخرى، بصق فوقه باشمئزاز واضح، ثم هدر هاتفًا:
-حظك إن الحاج ظهر!
تكور الجزار على نفسه مخرجًا أنينًا مكتومًا من جوفه، وبكى لنجاته من براثنه، لقد كتبت له الحياة من جديد.
.....................................

اتجه به نحو وكالته لينفرد في حديثه معه، هو أوشك على اقتراف جرم ما بسبب اندفاعه الأعمى، ولولا مشيئة الرحمن وتدخله في الوقت المناسب لربما تحول الأمر إلى مذبحة جديدة.
لكزه طه في كتفه صائحًا:
-ممكن تفهمني ايه الجنان ده؟
ضغط دياب على شفتيه كاتمًا حنقه في صدره وهو يرد:
-خلاص يا حاج

لوح والده بيده أمامه متابعًا بحدة:
-بأنقولك الحتة في حكومة ولبش وقلق، وإنت زي التور الهايج رايح تهجم على الجزار وتدبحه!
برر له موقفه بتجهم شرس:
-ليه تار معايا، وكان لازم أخلصه!
عنفه طه بحدة:
-أخوك مش منبه عليك؟
لوى ثغره للجانب مبديًا عدم اقتناعه، فاستأنف والده قائلاً:
-الله أعلم كان ممكن يحصل ايه لو ماجتش في الوقت المناسب!
وضع دياب يده على رأسه ليمررها في خصلاته هاتفًا بامتعاض:
-يا أبا ده....
قاطعه مشيرًا بنظراته الصارمة:
-ولا كلمة، قدامي على البيت، ماشبعتش دم النهاردة!
لم يستطع إضافة المزيد، فصرامة أبيه غير قابلة للنقاش أو المجادلة، ولكن على أقل تقدير أفرغ به جزءًا من ثورته المشحونة.
................................

تمدد على فراشـــه محدقًا في سقفية الغرفة شاردًا في طيف وجهها المُشكل عليه، شبك كفيه خلف مؤخرة رأسه، والتوى فمه مبرزًا ابتسامة عذبة عليه وهو يستعيد في ذاكرته خجلها ورقتها المحببة إليه، أخرج من صدره تنهيدة عميقة حينما تردد في أذنيه صدى كلمات والدته بأنها من قد أقدمت بلا تفكير على مساعدته.
أرخى ساعديه ليلتف بجسده على الجانب، ثم رفع نصب عينيه خاتم خطبته ليشرد فيه مطولاً، زادت ابتسامته اتساعًا وهو يهمس لنفسه بثقة:
-استحالة أنهي الخطوبة دي إلا بجواز إن شاء الله!
.....................................

هدأت الأوضــــاع إلى حد ما بعد مشاجرة الأمس العنيفة، والتي ظل الجميع يتناقل أخبارها حتى الساعات الأولى من الصباح، بالطبع وصل إلى مسامع قاطني المنطقة إصابة مهدي بأزمة قلبية ونقله للمشفى متأثرًا بما حدث، حزنوا على مصابه، لكن لم يشفق أي أحد على ابنيه، فالاثنان يستحقان ذلك الجزاء القاسي.
جمعت الثياب الجافة من على المنشر متأملة الطريق بالأسفل بنظرات فاترة، لكن سريعًا ما ارتفع حاجباها للأعلى حينما رأته يلوح لها، تلفتت حولها بخجل بائن، وابتلعت ريقها بتوتر رهيب، أحقًا يشير لها علنًا؟
عبس وجه أسيف بشدة لتصرف منذر الجريء هكذا، فتراجعت مختبئة للخلف متحاشية النظر إليه، لكنه على عكسها ظل في مكانه يبتسم لها بإشراق، جمعت ما استطاعت من ثياب معًا دون طيها، واستدارت عائدة للداخل متمتمة بكلمات مبهمة.
فرك منذر مؤخرة عنقه باستمتاع ثم أكمل سيره نحو مدخل بنايتها، فيومه يبدأ بها، ويستمر معها.
توقعت أن يطرق الباب، فأسرعت بالاختباء في الغرفة متجنبة الالتقاء به، وحدث ما توقعته، سمعت قرع الجرس، فانتفضت في مكانها بتوتر ملحوظ، لا تعرف ما الذي أصابها لتصاب بتلك الحالة من الاضطراب، هي عادة لا تهتم به، لكن نبضات قلبها المتسارعة تحذرها من شيء ما تخشى الإقدام عليه، شعرت بأنفاسها تتلاحق، فتنفست بعمق لتضبطهم، أتاها صوت عمتها المرحب به عاليًا، وما هي إلا لحظات حتى ولجت إليها قائلة:
-خطيبك برا يا أسيف، اجهزي يا حبيبتي عشان تشوفيه
زفرت قائلة بانزعاج:
-أولاً مش خطيبي، انتي عارفة يا عمتي إنها تمثيلية أي كلام، وثانيًا بقى أنا مش طالعة!
ضربت عواطف صدرها بيدها مستنكرة رفضها الصارم وهي تقول:
-يعني الراجل يجي لحد عندنا ونطرده؟!
هزت كتفيها بعناد:
-ماليش دعوة، اتصرفي معاه!
-مايصحش يا بنتي، يقول علينا بس ايه؟ دي عيبة كبيرة أوي
ردت أسيف مبررة بعصبية طفيفة:
-هو فاهم كويس إني مش بتاعة الحركات دي، بس قاصد يحرجني!
دافعت عمتها عنه هاتفة:
-هو لحق عمل حاجة، ده احنا لسه بنقول يا هادي، وبعدين....
قاطعتها بإصرار:
-بلاش يا عمتي تضغطي عليا
-لا حول ولا قوة إلا بالله! اطلعي المرادي وفهميه ده بنفسك! أنا مش هادخل بينكم
-بقى كده!
ابتسمت لها قائلة بمكر:
-ايوه، انتو أحرار مع بعض!
....................................
على الجانب الأخر، أسرعت نيرمين بارتداء عباءتها الجديدة لتظهر أمامه في أحلى صورها، فإن خسرت جولة معه، لا يعني هذا خسارتها للمعركة برمتها، مازال لديها من الفرص ما يمكنها من استعادته، دلفت إلى غرفة الضيوف وعلى ثغرها ابتسامة عريضة، ثم انحنت واضعة صينية المشروب البارد والحلوى على الطاولة لتعتدل بعدها في وقفتها رامقة إياه بنظرات مشرقة، نظر لها منذر بتأفف واضح، وتعمد إظهار امتعاضه منها، أقبلت عليه لتجلس على الأريكة المجاورة له، ثم أمسكت بطرف كم عباءتها تعبث به وهي تستطرد حديثها:
-ازيك يا سي منذر؟ عامل ايه دلوقتي؟
عبست بوجهها لتظهر حزنها بسبب أثار الكدمات الواضحة على قسماته، ثم تمايعت بجسدها مضيفة:
-والله قطع في قلبي اللي حصلك، ده أنا كنت خايفة عليك موت من الجبان مجد، بس طول عمرك راجل يا سي منذر، مخدش في ايدك غلوة!
أرجع ظهره للخلف ليرمقها بنظرات جامدة، لم يحرك شفتيه لينطق بكلمة، فقط نفور واضح على تعابيره، تنهدت بصوت مسموع وهي تقول:
-مش تمد ايدك يا سي منذر، ده عصير طازة عملاه بايدي!
نظر لها باحتقار قائلاً بتمهل:
-مش جايز تكوني حاطة فيه عمل من بتوعك؟
اتسعت حدقتيها سريعًا، وشهقت مصدومة من رده المباغت الذي كان متعمدًا ليكشفها أمامه، شحب وجهها إلى حد ما، وحاولت لملمة نفسها، فخرج صوتها مترددًا:
-أعمال ايه بس يا سي منذر؟ ده.. ده.....
انتصب في جلسته محدجًا إياها بنظرات أشد قسوة وهو يقاطعها محذرًا بسبابته:
-أحسنلك تبعدي عن سكتي، وبلاش تلعبي في دماغ أمي بهبلك لأني فاهمه كويس، وبأحذرك تاني زعلي وحش!
ارتعد جسدها من نبرته المهددة، واستشعرت قوة انتقامه إن استخفت به، انكمشت على نفسها في جلستها، لكنه صاح بها بصرامة:
-امشي اطلعي برا، أنا جاي أقعد مع خطيبتي مش معاكي!
حطم أمالها تمامًا ليغلق الطريق نهائيًا أمام محاولاتها البائسة للتودد إليه، هبت واقفة من مكانها ناظرة إليه بغيظ بائن، واكتسى وجهها بحمرة غاضبة من اساءته لها، ضغطت على أصابعها بقوة مكورة إياهم بحنق حتى كادت تخترق أظافرها راحتها، ثم استدارت مهرولة من الغرفة كاتمة عبراتها بصعوبة.
شعر بالارتياح لتخلصه منها، ونفخ بعمق مخرجًا من صدره زفيرًا مزعوجًا منها، تراجع في جلسته منتظرًا بتلهف ولوجها إليه، وسريعًا ما تبدلت نظراته للإشراق، وتشكلت ابتسامة هادئة على ثغره حينما رأها مقبلة عليه، بحرج بائن عليها دخلت الغرفة منتقية أبعد أريكة لتجلس عليها.
نظر لها مدهوشًا من تصرفها العجيب، ثم وضع إصبعيه على طرف ذقنه مداعبًا بمرح:
-على فكرة في كنبة برا أوسع وأريح!
سيطرت بصعوبة واضحة على ابتسامة تتقاتل معها للظهور على شفتيها، زمت شفتيها قائلة بعبوس:
-أستاذ منذر، احنا اتفقنا إن الخطوبة دي صوري، يعني مافيش داعي للي بتعمله، أظن كلامي واضح
رد عليها بنبرة غير مبالية وهو يشير بيده:
-أنا مش سامعك على فكرة، الصوت مش واصل!
قطبت جبينها محدقة فيها بنظرات جادة وهي تقول:
-لأ، انت سامعني كويس، بس بتستعــ......
عجزت عن إتمام جملتها حينما رأت نظراته المحذرة من التطاول عليه بأي لفظ لا يليق، فعضت على شفتها السفلى بارتباك.
أخــذ منذر نفسًا طويلاً لفظه على مهل ليرد بهدوء:
-شوفي يا ست البنات، طبيعي تلاقيني عندك كل شوية، لأن الاتفاق بينا لسه مخلصش ............................. !!
..............................................

Layla Khalid and noor elhuda like this.

منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 31-01-18, 12:36 AM   #402

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9


الفصل السادس والستون:



حافظت على تلك المسافة الكبيرة بينهما، متعمدة الظهور بمظهر جدي أمامه، ورغم ما تفعله من مكابرة وعِند إلا أنه كان هادئ الطباع متأملاً إياها بتمعن، شددت من كتفيها لتعتدل في جلستها، ثم أدارت رأسها بخفة ناحيته متابعة بتشنج قليل:
-حضرتك الاتفاق هينتهي بمجرد ما نروح بيتي!
ضاقت نظراته حتى بدت مزعوجة من عزمها على إنهاء الخطبة نهائيًا، وما زاد من ضيقه هو تعاملها الرسمي معه، وكأنه شخص غريب، تمتم باستنكار قليل:
-مممم.. حضرتي!!!
تابعت قائلة بعصبية واضحة وهي ترمقه بنظرات حادة:
-بيتي اللي في البلد، أظنك فاكره؟ ده سبب الاتفاق من الأول، ولحد دلوقتي أنا معرفش حاجة عنه، ولا روحنا ولا .....
أزعجه تلميحها الصريح لكونه متقاعسًا عن تأدية مهمته، مع أنه يبذل ما في وسعه لراحتها وإسعادها، لذلك هتف مقاطعًا بنبرة جادة رغم ضيقه الواضح على تعابيره:
-وأنا متأخرتش، بس أكيد إنتي شايفة الظروف عندكم كانت عاملة ازاي؟ وإلا كان هيتقال عننا كلام بايخ! ده غير اللي حصل امبارح!
ردت بتجهم:
-ايوه، والظروف دي انتهت والحمدلله!
نظر لها بجمود، بوجه غير مقروء التعبيرات، متعجبًا من طريقتها، كيف يعقل أن تكون هي من عاونته في شدته بالأمس؟ وفي نفس الوقت ترغب في إنهاء ما بينهما في أقرب وقت؟ عبست نظراته، واكتسى وجهه بالحزن لمجرد التفكير في الأمر.
سلطت أسيف أنظارها عليه متسائلة بقلق:
-ممكن بقى نحدد ميعاد نروح هناك؟
صمت ولم يعقب عليها، هي تتعمد التعجيل بإنهاء كل شيء قبل أن يشرع في إشعارها بما يحسه نحوها، تريد أن تخمد جذوة حبه قبل أن يصرح بها، واصلت حديثها المنفعل حينما طال سكوته المريب:
-لو سمحت رد عليا، أنا أعصابي متوترة، وبيتي معرفش إن كان اتحرق ولا دي كدبة من خالي، ومحدش حاسس بالحيرة اللي جوايا ولا بالقلق و...
هب واقفًا فجأة من مكانه ليرد بصلابة تليق به:
-حاضر، جهزي نفسك وهنتوكل على الله بكرة، بس الأول لازم أسلمك حقك!
ارتجفت لوهلة من تصلبه، ورفعت أنظارها عاليًا لتحدق فيه مرددة بذهول:
-حقي؟
دنا منها قائلاً بضيق:
-ايوه، بقية اتفاقنا!
نظرت له بتفرس متأملة تلك الخدوش وأثار الكدمات الواضحة عليه، لم تكن رأتها عن قرب، فشعرت بنغصة في صدرها لمجرد تخيل ذلك الألم القوي الناتج عن الضربات العنيفة التي تلقاها، لم ينتبه لنظراتها المتطلعة إليه، حيث دس يده في جيب بنطاله الخلفي ليخرج منه ورقة ما مطوية، نظرت له باستغراب أكبر، اقترب أكثر منها حتى بات قبالتها، ثم ناولها إياه، تساءلت أسيف بحيرة:
-ايه ده؟
أجابها باقتضاب:
-عقد الدكان
فغرت شفتيها مدهوشة، وبحذر مترقب أخذته منه، وسريعًا ما فتحت الورقة لتتأكد من صحة ما يقول، هو بالفعل أعطاها صك ملكية الدكان ليغدو بالكامل لها.
أخرجها من صمتها المتعجب قائلاً بتريث:
-أنا اتنازلت ليكي عن حصتي بيع وشرا
لوهلة بدت في حيرة واضحة غير قادرة على إيجاد الكلمات المناسبة للرد عليه، شعرت بالإحراج منه، وأطرقت رأسها قليلاً، ثم ضغطت على شفتيها هامسة:
-بس احنا ....
أشاح بوجهه بعيدًا بعد دسه ليديه في جيبي بنطاله، ثم هتف بجمود:
-الاتفاق اتفاق.. يا بنت رياض!
انزعجت في نفسها من تبدل حاله من الارتخاء والابتسام للتجهم والعبوس، كانت متأكدة أنها وراء ذلك التحول السريع، هي خشيت أن تحيد عن هدفها الأساسي، وتنشغل بأمور أخرى فرعية لن تستمر طويلاً، لذلك الأسلم أن تلمح دومًا إلى قرب انتهاء ما بينهما.
أولاها منذر ظهره قائلاً بضيق وهو يتجه نحو الخارج:
-سلامو عليكم!
أحست بتأنيب الضمير لتعاملها معه بتلك الطريقة الجافة، هي كانت حذرة في كلماتها، لكنها لأول مرة تشعر بالضيق من تصرفها على الرغم من اقتناعها به، حدقت مجددًا في صك الملكية بنظرات شاردة، هي حصلت على مبتغاها، لكنها لم تكن سعيدة بالمرة، هناك شيء ناقص في فرحتها تلك.
أخفضت رأسها لتحركها بإيماءات مستنكرة، مازال يتكبد الكثير من أجلها، وهي تتعامل بجفاء قاسٍ، تنهدت بضجر واضح عليها، ثم أغمضت عينيها محاولة إجبار نفسها على عدم التفكير في أي شيء.
...............................

وكعادة موظفي المصالح الحكومية التباطئ المتعمد لتعطيل سير الأمور، لكنها كافحت قدر استطاعتها لتنتهي من الحصول على ورقة رسمية تفيد بأحقيتها في عطلة مرضية نتيجة لتعرضها لحادث مفاجئ، بقي لها القليل، وعاونتها رفيقتها في إنجاز ما هو مطلوب من توقيعات وطوابع حكومية، وتبقى فقط الذهاب إلى مقر عملها لإعطاء تلك الإفادة لوكيل المدرسة.
استقلت بسمة مع رفيقتها سيارة الأجرة لتتجها إليها، وما إن توقفت السيارة حتى ترجلت هي منها مستندة على عكازها الطبي، هي مضطرة لاستخدامه في تلك الأونة الأخيرة حتى تتمكن من السير بصورة طبيعية.
تفاجأت به متواجدًا عند بوابة مدرستها مستندًا على سيارته، وعاقدًا ساعديه أمام صدره، اتسعت حدقتيها باندهاش كبير، وتحركت بخطى عرجاء نحوه متسائلة باستغراب:
-إنت بتعمل ايه هنا؟
اعتدل دياب في وقفته مرخيًا ساعديه، ثم رد عليها معاتبًا:
-مافيش سلامو عليكم، أهلاً وسهلاً، أي حاجة كده؟
لم تعبأ بما قاله بل واصلت استجوابها المتهكم:
-جاي هنا ليه؟ هو إنت بتطاردي ولا حاجة؟
حدق فيها بنظرات حادة، ثم أجابها متسائلاً بامتعاض بائن على محياه:
-إنتي ايه اللي نزلك من البيت؟
تعقد حاجباها بدرجة كبيرة وهي تسأله:
-افندم؟
تابع مبررًا وهو يشير نحو ساقها المصابة:
-مش لسه رجلك مخافتش، و...
قاطعته بحدة رافعة سبابتها أمام وجهه:
-ده شيء يخصني، ومعلش يعني سيادتك مش هاتنفعني لما أترفد من المدرسة ولا يتخسف بمرتبي الأرض!!
رد عليها بسخط:
-يا ستي اقعدي مرتاحة في بيتك معززة مكرمة وبعد كده ربك يسهلها!
لم تنتبه إلى رفيقتها التي ظلت باقية في الخلف منتظرة إياها لكي تفرغ من حديثها، لكنها استشعرت احتمالية امتداد الحوار بينهما، فهتفت قائلة بحرج:
-بسمة أنا داخلة جوا، عاوزة حاجة مني؟
التفتت برأسها نحوها، وردت بجدية:
-استني أنا جاية معاكي!
تدخل دياب في حوارهما قائلاً بصلابة:
-معلش يا أبلة هي مشغولة معايا، روحي انتي شوفي مصالحك، متشكرين مش عاوزين نعطلك!
تحرجت رفيقتها كثيرًا، فاكتفت بالابتسام وتحركت مبتعدة عنهما، انزعجت بسمة من تصرفه الوقح، فصاحت مستنكرة بعصبية:
-انت مالك ومال زميلتي؟ هو أنا وكلتك تكلم عني؟ ولا ناقصة لسان!
رد عليها مداعبًا:
-ما شاء الله إنتي عندك فائض فيه!
قبضت بيدها أكثر على عكازها هاتفة:
-لو سمحت أنا....
قاطعها قائلاً بجدية:
-ما أنا مخلصتش كلامي يا أبلة!
نفخت بصوت مسموع وهي تقول بعبوس جلي:
-انجز!
رفع حاجبه للأعلى ساخرًا:
-بقى دي كلمة يا أبلة تعلموها للعيال عندكم؟
ضجرت من ثرثرته الزائدة، فهتفت بنفاذ صبر:
-عاوز ايه؟
-انتي هايجيلك استدعا من النيابة
-ليه؟
وضع يده على طرف ذقنه يفركه بعصبية وهو يجيب على مضض:
-هما شاكين في الجزار إنه يكون ورا الحادثة بتاعتك!
تحولت نظراتها للشراسة، وتعابير وجهها للاحتقان، وبدأت خيوط حمرة الغرب تتجمع على وجنتيها، صاحت بنبرة مغلولة:
-الجبان الخسيس، قلبي كان حاسس إنه وراها!
ضربت بعكازها على الأرضية، ثم استدارت بجسدها متابعة بوعيد مغتاظ:
-والله ما سيباه
اعترض دياب طريقها متسائلاً:
-استني رايحة فين؟
كزت على أسنانها بقوة وهي تقول:
-هاعرفه مقامه!
أشار لها بكفه قائلاً بغموض:
-لأ خلاص، مفيش داعي، أنا ظبطهولك!
كورت قبضتها بعنف متابعة بحنق:
-أنا مخدتش حقي لسه منه، ومش...
قاطعها مازحًا وهو يشير بكفي يده:
-اهدي بس، ماتبقيش زي القطر واخدة في وشك ودايسة اللي واقف قدامك!
حدجته بنظرات مزعوجة، ثم ضغطت على شفتيها متسائلة:
-في حاجة تانية؟
ابتسم قائلاً:
-تعالي أما أوصلك البيت، مش انتي خلصتي اللي وراكي؟
تجهمت تعابير وجهها وهي تجيبه باقتضاب:
-اه، بس هاخد تاكسي
وضع يده على صدره قائلاً بغطرسة قليلة:
-تاكسي وأنا موجود؟ ده حتى عيبة في حقي!
ردت عليه بتهكم:
-هو انت قلبت عربيتك أجرة؟

نظر لها بضيق، ثم لوى ثغره قائلاً:
-شربات، لسانك بينقط عسل أسود!
-بايخة!
-إيش حال مابقينا نسايب ومعارف أكتر وحبال الود رايحة جاية بينا...
-استغفر الله العظيم يا رب
اقترح عليها قائلاً بهدوء علها تقتنع بحديثه:
-طب بصي اركبي ورا، وأهو نص العمى ولا العمى كله!
ردت قائلة باستغراب:
-إيه الحكمة اللي نزلت عليك فجأة
هز رأسه للجانبين قائلاً بهدوء:
-يهدي من يشاء بغير حساب!
أدارت وجهها للجانب لتخفي ابتسامتها من طريقته الطريفة، لكن سريعًا ما اختفت حينما تابع قائلاً بجدية:
-هاتي ايدك
هتفت مستنكرة وقد زاد انعقاد ما بين حاجبيها:
-نعم؟
تنحنح مرددًا بخفوت:
-قصدي عكازك!
سألته مستفهمة:
-ليه؟
أجابها مبتسمًا بتأكيد وهو يغمز لها:
-هاقعده جمبي يونسني!
ظهر شبح ابتسامة رقيقة على ثغرها، ثم أدارت رأسها للجانب لكنها كانت تلمحه من طرف عينها.
............................

احترقت كمدًا من وقاحته الفظة معها، أنهى بأسلوبه اللاذع أي بارقة أمل للتودد إليه، بل قضى على رغبتها في التعلق به، ولكن هذا ليس معناه أن تجعله يهنأ مع غيرها، مثلما جعلها تحترق غيظًا وحنقًا، ستحيل حياتهما إلى جحيم متواصل، حدقت في انعكاس صورتها في المرآة لترى شبح امرأة تنهشها نيران الحقد والغل، ولن تسمح للهيب غضبها أن يأكلها هي فقط.
همست نيرمين من بين شفتيها بتوعد مخيف:
-هاتشوفوا انتو الاتنين، مش نيرمين اللي يتعمل فيها كده وتسكت!
بكت رضيعتها حتى اختنق صدرها من كثرة الصراخ، لكنها لم تكترث بها، نظرت لها بقسوة مزدرية، اندفعت والدتها نحو الغرفة صائحة بتوبيخ:
-ايه يا بنتي؟ مش سامعة صراخها؟ حرام عليكي!
تحركت أنظارها نحو والدتها وهي ترد بفتور:
-تلاقيها عاوزة تغير ولا اتنيلت جاعت!
حملتها عواطف برفق بين ذراعيها لتهدهدها برفق، وربتت على ظهرها بحنو كبير، نظرت إلى ابنتها قائلة بضيق:
-راعي ربنا في الأمانة اللي معاكي بدل ما تروح منك!
ردت عليه نيرمين بصياح متشنج:
-يووه، أنا مخنوقة وجاية أخري، مش ناقصة حد يعتت في جتتي!
استاءت من تحجر قلبها نحو رضيعتها، من قسوتها الغير مبررة، فمصمصت شفتيها هاتفة بيأس:
-هاقول ايه بس غير ربنا يهديكي!
......................................

اعتدل في جلسته بعد أن أسند فنجان قهوته الفارغ، ثم وضع ساقه فوق الأخرى ليبدو مظهره أكثر صرامة، ابتسم له الشيخ إسماعيل بود لاستجابته لدعوته في ضيافته بمنزله، وهتف مرحبًا:
-شرفتنا يا سيادة المأمور، شوية والحريم هاينزلوا بالغدا و...
قاطعه المأمور قائلاً بجدية:
-مافيش داعي، كفاية القهوة!
ابتسم قائلاً بود مهذب:
-ليه بس جنابك؟ هو احنا كل يوم بيجيلنا مأمور المركز، ده الليلة عيد عندنا!
-كتر خيرك، دايمًا الدار مفتوحة بكرمك
-الله يخلي سيادتك، المهم بلدنا تكون عجبتك!
-مش بطالة، أنا بقالي شهرين هنا بس مبسوط من الناس
-إن شاء الله يبقوا سنتين
ضحك الاثنان بتكلف كنوع من المجاملة الودودة، لكن هدأت ضحكاتهما ليسترسل بعدها المأمور في حديثه الجدي قائلاً:
-شوف يا حاج إسماعيل، بما إنك من كبارات البلد هنا، فأنا حبيت أتكلم معاك بشكل ودي الأول قبل ما أخد خطوة تانية!
توترت تعابير وجه الأخير وهو يرد بحذر:
-اتفضل جنابك
انتظر المأمور للحظات قبل أن يكمل بغموض:
-موضوع حريق دار خورشيد، مش قضاء وقدر، ده بفعل فاعل!
ارتفع حاجباه للأعلى مظهرًا قلقًا أكبر عن ذي قبل.
تابع المأمور موضحًا:
-المعمل الجنائي قال في تقريره إن الحريقة مفتعلة، بمعنى إن في حد عمل زي قفلة في الكهربا عشان يولعه!
ازدرد الحاج إسماعيل ريقه بصعوبة، وجاهد ليبدو هادئًا في تصرفاته، لكن تأكدت شكوكه تمامًا، وخشي أن يفتح أمره أمام ذلك الضابط المخضرم في وظيفته.
أخرجه من تفكيره المتوجس صوته المردد:
-والسؤال هنا بقى بصفتك عارف كل كبير وصغير هنا، مين ليه يا حاج إسماعيل عداوة مع عيلة رياض خورشيد؟
تلعثم الحاج إسماعيل وهو يجيبه:
-احنا.. كلنا أهل في بعض، و...
أشار له بكفه معللاً:
-شوف أنا عارف الكلام د كويسه، بس لازم يكون في زي حاجة كده حصلت، شد بين رياض وحد من البلد، أو مراته جايز بنته و...
-المرحوم كان راجل طيب وفي حاله، ومراته اللي يرحمها كانت زي النسمة محدش بيكرهها!

ضاقت نظرات المأمور نحوه، ثم انحنى للأمام متسائلاً:
-وبنته؟
تردد في إخباره بالمشاجرة العنيفة التي دارت مع قريبها، هو لا يريد الزج بنفسه في مشاكل ما دون داعٍ بسبب اندفاع فتحي، فبدا مرتبكًا وهو يقول:
-والله هي سافرت عند.. عمتها، و...
تفرس في وجهه بنظرات غامضة، بدا حديثه غير مرتب وكأنه يحاول اختلاق الأعذار، فاستشف بخبرته وجود خطب ما، لكنه لم يرد إثارة ريبته، ابتسم هاتفًا بتنهيدة مرهقة وهو ينهض من مقعده:
-طالما عند عمتها يبقى مافيش مشاكل من ناحيتها، عمومًا أنا بأشكرك على القهوة دي، ومنتظرك تنورني في مكتبي!
.........................................

أعدت عدتها في ظهيرة اليوم التالي لتسافر بصحبته ومعها عمتها وبسمة، واستعان هو بسيارة أخيه كبديل عن سيارته المحترقة، انتظرهن بالأسفل بوجه جامد الملامح، نظراته فارغة إلى حد كبير، خفق قلبه لمجرد رؤيتها، فسحب نفسًا عميقًا ليضبط به انفعالاته قبل أن تتغير، هو تعمد عدم إظهار تأثره بها، يكفيه حاليًا حدتها المستمرة معه ليسمع منها ما يزعجه.
استقر الجميع في المقاعد، وانطلق بالسيارة نحو وجهته غير متوقع ما سيحدث هناك .................... !!
..........................................





Layla Khalid and noor elhuda like this.

منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 31-01-18, 12:48 AM   #403

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9


الفصل السابع والستون:

استوقفته بالإجبار عند ناصية الطريق حينما لمحها تشير له بيدها، فأخفض سرعة سيارته تدريجيًا حتى توقفت عن الحركة على مقربة منها، دنت منه وعلى ثغرها ابتسامة هادئة، ومررت أنظارها على الجالسات بالسيارة.
انحنت فاطمة بجسدها للأمام قليلاً لتتمكن من رؤية وجه أسيف بوضوح، واستطردت حديثها قائلة:
-الحمدلله إني لحقتكم! الأول مبروك على الخطوبة، وربنا يتمم على خير ويسعدكم
ردت أسيف بصوت رقيق لكنه خافت:
-الله يبارك فيكي
ردت عواطف باهتمام:
-تسلمي يا بنتي، ربنا يسعد قلبك ويفرحك!
سألها منذر بجدية واضحة على تعابيره:
- في حاجة جدت يا دكتورة؟ طمنيني؟
هزت رأسها بالنفي وهي تجيبه:
-لأ، بس أنا كنت عاوزة أشكرك على اللي عملته مع الـ....
ضغطت على شفتيها بقوة مانعة نفسها من ذكر اسم ذلك البغيض الذي اعتدى عليها بصيدليتها، فاضطرت أن تغلقها خوفًا من تكرار مثل ذلك الهجوم الوحشي عليها.
اعتذر لها منذر قائلاً بامتعاض:
-أنا اسف إني قصرت معاكي وقتها، بس والله ....
قاطعته قائلة بابتسامة ودودة:
-مافيش داعي للاعتذار يا أستاذ منذر، إنت ملكش ذنب، هو أصلاً بني آدم بشع، وده حصل فجأة و....
رد عليها معللاً:
-أنا عرفت باللي حصل كله بعد كده، وجيت عشان أشوفك، وأتعامل معاه، بس لاقيتك قافلة الصيدلية، والرجالة بلغوني إنك مش موجودة!
أوضحت قائلة بضجر:
-كنت مضطرية أبعد بدل ما يـ....
أجبرت نفسها على الصمت للحظة لتنفض تخيل الموقف المؤلم عن ذاكرتها، ثم ابتسمت مرددة بتكلف:
-يالا الحمدلله، أهو ربنا ريحنا منه، والبركة طبعًا فيك
رد عليها منذر بهدوء:
-أنا معملتش حاجة، هو خد جزاته!
أضافت قائلة بامتنان:
-ربنا يباركلنا فيك يا أستاذ منذر، وبأعتذر إني عطلتكم!
رد عليها مبتسمًا:
-خدي راحتك يا دكتورة!
لوحت فاطمة بيدها مودعة إياهم، وقبل أن يدعس على دواسة البنزين لتتحرك السيارة انتبه لصوت أخيه الصادح عاليًا:
-منـــذر! منذر!
استدار برأسه للخلف ليجده يركض ناحيته، فانعقد حاجبيه باستغراب كبير، ابتسم له دياب هاتفًا بصوت لاهث:
-استنى أنا جاي معاكو!
تعجب كثيرًا من قراره المفاجئ فسأله مهتمًا:
-ليه إن شاء الله؟
رد عليه بعد أن تنفس بعمق:
-عادي يعني، قولت أونسكم!
ثم سلط أنظاره على حبيبته الجالسه بالخلف التي كانت تبادله نظرات متعجبة من حضوره، داعبها بغمزة حذرة من طرف عينه، ثم استدار في اتجاه أخيه الذي بدا مزعوجًا من تواجده الغير مبرر.
أفسحت عواطف المجال له لتجلس بجوار الشابتين في المقعد الخلفي، بينما جلس هو إلى جوار أخيه الذي انطلق نحو وجهته فورًا.
...............................

انزعجت من بقائها بمفردها في المنزل رغم اختيارها لذلك، هي رفضت التواجد معهمكي لا تثار أعصابها من تلك المشاعر المستفزة لها، ظلت تذرع غرفتها جيئة وذهابًا حتى شعرت بدوار خفيف، فتوقفت عن الحركة لتجلس على طرف الفراش، ضاقت نظراتها، وبدأت تفكر في طريقة ماكرة للإيقاع بينهما.
أخرجها من تفكيرها الشيطاني صوت دقات ثابتة على باب المنزل، فنهضت بتثاقل من مكانها لتتجه نحوه، ارتسم على تعابيرها علامات الاندهاش حينما رأت طليقها الأسبق واقفًا قبالتها.
انفرجت شفتاها مرددة بصدمة:
-حاتم! انت بتعمل ايه هنا؟
حدق فيها بجمود قبل أن يجيبها باستنكار:
-جاي أشوف بنتي، مش أنا أبوها، ولا ناسية ده كمان؟
نظرت له شزرًا وهي ترد بسخط:
-مش بعوايدك يعني، بقالك مدة قاطع رجلك، دلوقتي افتكرت إن ليك بنت، ده انت ما هان عليك حتى تبعتلها فلوس تشوف طلباتها ولا...
قاطعها قائلاً بغموض مريب:
-وأنا جاي النهاردة عشانها

نظرت له بازدراء قبل أن توليه ظهرها لتتحرك نحو الداخل قائلة باقتضاب:
-بس هي نايمة!
خطى للداخل بتمهل ممررًا أنظاره سريعًا على أرجاء الصالة، تقوس ثغره للجانب، فقد راقب المنزل جيدًا ليتأكد من خلوه من ساكنيه حتى يتمكن من الانفراد بها.
أضاف حاتم بامتعاض:
-طيب هابص بس عليها، وأديكي فلوس عشانها!
مصمصت شفتيها قائلة بتهكم صارخ:
-فلوس، ياما جاب الغراب لأمه!
استدارت برأسها نحوه لتسلط أنظارها على يده الموضوعة بداخل جيبه، لكنها لم تتخذ حذرها منه، فقد باغتها بتسديد لكمة عنيفة في عينها اليسرى ألمتها بشدة، تفاجأت من الضربة، وتراجعت للخلف مترنحة.
كرر لكمها في وجهها قائلاً بشراسة:
-بتفضحي أمي وأختي في الشارع، وربنا لأحرق قلبك وأوجعك!
تأوهت من الألم الشديد، وقبل أن تستوعب ما يدور معها، طرحها أرضًا بفعل ضرباته العصبية المتتالية على وجهها، فارتطمت بمؤخرة رأسها، غلف أعينها سحبًا ضبابية، وأوشكت على فقدان وعيها، قاومت بصعوبة واضحة عليها تلك الحالة الواهنة التي تمكنت منها.
لمحته بنصف عينٍ وهو يندفع نحو غرفتها ليأخذ رضيعتها بالقوة، مدت يدها محاولة منعه، لكنها لم تصل أبدًا إليه، بصق فوقها لاعنًا إياها:
-انتي ولية .......، بنت....... !
بكت الرضيعة من صوت صراخه، فلم يهتم بها، وأكمل باحتقار:
-وريني هاتخدي بنتك ازاي يا .......!
خرج صوتها متحشرجًا واهنًا وهي ترد:
-سيب البت، هاتها!
رمقها بنظرات دونية أخيرة، ثم تحرك مبتعدًا عنها تاركًا إياها في حالة لا وعي واضحة، جاهدت لتنهض من رقدتها لتلحق به، لكنها لم تستطع، خانتها قواها، ومادت بها الأرض، ففقدت وعيها في مكانها، وواصل هو هروبه بابنته.
............................................

لم يتوقف عن التحديق بها من خلال رؤية انعكاس وجهها في مرآته الأمامية، كانت تلتقي أعينهما بين الحين والأخر، لكنها سريعًا ما تخفض نظراتها متحاشية النظر إليه، فيزداد تورد وجنتيها خجلاً منه، هي تخشى من ترك العنان لمشاعرها للانسياق وراء شيق لا تضمن عواقبه، ربما هناك نوع من الاحترام، العرفان بالجميل له، لكنها لا تريد للأمر أن يزيد عن حده معه، بمعنى أدق تقاوم أي رغبة بداخلها لتصديق ما تراه بعينيها.
تمنى منذر لو تخلت للحظة عن عنادها المؤذي، وفكرت فيه فقط من زاوية أخرى، حتمًا سترى محبته الصادقة لها، ستدرك أنه متيم بها، يعشقها، واهتمامه بها نابع من قلبه، أخرج من صدره تنهيدة مطولة تحمل الكثير من أمنيات يحلم بتحقيقها لينتبه على صوت أخيه المتسائل باهتمام:
-على كده بلدكم حلوة يا أسيف؟
أجابته بتلقائية:
-ايوه، انت لما هاتشوفها هاتعجبك!
ابتسم مادحًا:
-كفاية إنك من هنا!
ثم وجه حديثه إلى معشوقته الجالسة إلى جوارها متسائلاً:
-ولا إيه رأيك يا أبلة؟
ردت عليه بسمة بعبوس واضح:
-أنا ماليش في جو الأرياف!
استنكرت أسيف عبارتها الأخيرة، فهي تحمل نوعًا من الإهانة – حتى وإن كانت غير مقصودة أو عفوية – فنظرت لها بعتاب قائلة:
-على فكرة أهلنا هناك طيبين، مش زي ما الناس مفكرة إنهم على نياتهم ولا......
قاطعتها بسمة معتذرة بهدوء:
-أنا مقصدش حاجة وحشة والله، بالعكس دول أحسن ناس، بس أنا اتعودت على العيشة بتاعتي، ليا لي نظام معين، فصعب أتأقلم بسهولة على أي حاجة جديدة!
سألها دياب بفضول:
-وايه هو نظامك يا أبلة؟
ضاقت نظراتها نحوه وهي ترد بفتور:
-هايفيدك في حاجة لما تعرفه؟
لكزتها والدتها في جانبها برفق مرددة من بين شفتيها بحذر:
-عيب يا بسمة كده!
رسمت على ثغرها ابتسامة متسعة قبل أن تستكمل حديثها:
-يا سي دياب بنتي دي تتحط على الجرح يطيب، بس لسانها يهدى شوية!
هز رأسه متفهمًا وهو يؤكد قائلاً:
-انتي جبتي الخلاصة يا ست عواطف!
اغتاظت بسمة من اتحاد والدتها معه، وكأنها تتعمد إحراجها أمامه، فأضافت بتبرم:
-متشكرة يا ماما، مافيش داعي إنك ....
قاطعها دياب متسائلاً بجدية:
-أومال هاتيجي الدرس امتى؟ الواد يحيى بيسألني عليكي كل شوية، معدتش بيفهم من حد إلا انتي!

نظر له منذر من طرف عينه غير مقتنع بما يقول، ولوى فمه قائلاً بصوت خفيض:
-يحيى برضوه!

أجابته عواطف بتنهيدة متعبة:
-إن شاء الله، تقف على رجلها، وهاتيجي
رد عليها دياب بحماس:
-وليه تتعب نفسها؟ ده أنا أجيبه لحد عندك يا أبلة، ولا إيه رأيك؟

زمت بسمة شفتيها هاتفة:
-نتكلم عن ده بعدين، خلونا مركزين في الطريق، احنا على سكة سفر!
أشـــار دياب بكف يده قائلاً:
-ماشي، شغلنا يا منذر حاجة كده تفرفشنا
ردت عليه بسمة بحدة طفيفة:
-بأقولك احنا على سكة سفر، انت عاوزنا نتقلب ونروح جهنم؟
حذرتها عواطف قائلة بحرج:
-خلاص يا بنتي، خليه يشغل الراديو، دي عربيتهم بردك!
أراد منذر استغلال الموقف قليلاً ليسترسل في الحديث مع خطيبته علها تتجاوب معه، فسألها بهدوء:
-ايه رأيك يا أسيف؟ تحبي نشغل حاجة معينة؟
ردت بفتور واضح:
-اللي يريحكم!
هتف دياب قائلاً بتحدٍ:
-أقولكم بناقص من الراديو خالص، أنا هاسليكم ببؤي!
تمتمت بسمة بامتعاض هامس مبدية انزعاجها منه:
-يا ربي على الصداع، جيتك معانا من الأول غلط!
...........................................

تهالك جسده ولم يقوَ على الوقوف مطولاً حينما أبلغه الطبيب بسوء الحالة الصحية لأخيه وأبيه، وخاصة الأخير الذي ربما تدهور حالته أكثر إن استمر وضعه النفسي هكذا، استند بكفه على الحائط، ونكس رأسه أسفًا على كليهما.
ربت الطبيب على كتفه قائلاً بهدوء:
-اجمد يا أستاذ مازن، وإن شاء الله هيبقوا أفضل
لم يعقب عليه، بل نظر له بأعين شاردة منكسرة، ففي لحظة اندفاع طائشة خسرت عائلته كل شيء، النفوذ، السمعة، المال، والقوة.
نظر له الطبيب بجمود ثم تركه في مكانه وانصرف ليتابع مرضــاه، رفع مازن رأسه للأعلى، وحدق في الفراغ مستعيدًا في ذاكرته ما ارتكبه خلال الفترة الماضية من حياته، كل ما أراده حدث حتى لو كان بالقوة والغصب، لم يعبأ يومًا بتبعات جرائره، فهو معتمد دومًا على عائلته، لكن لا أحد منهما الآن قادر على مساعدة نفسه، وما زاد من الطين بلة هو إبلاغ محاميه بوصول إخطار بقضية "خلع" أقامتها زوجته ولاء ضده في المحكمة، ليتزعزع بعدها كل شيء، خاف من أن تفضح أمره، وأن تكشف اعتدائه الوحشي عليها وما تبعه من إصابة بعاهة مستديمة، فحتمًا سيزج به في السجن، عجز عن التفكير بوضوح، وتهاوت قواه، لكنه تمالك نفسه كي لا يسقط أرضًا.
جرجر ساقيه حتى وصل إلى أقرب مقعد، فألقى بثقل جسده عليه دافنًا وجهه بين راحتيه لينتحب بأنين موجوع:
-كل حاجة كده راحت، طب ازاي هاقدر أرجع كله زي ما كان لوحدي؟ ازاي؟!!!
.......................................
أفاقت من إغماءتها المؤقتة لتجد نفسها بمفردها في منزلها ورضيعتها غير متواجدة به، جزع قلبها بقوة، الآن تذكرت ما حدث، جاء طليقها الأسبق، واختطف الصغيرة بعد أن ضربها بقسوة، أسرعت نحو غرفتها لتحضر عباءتها، ثم ارتدتها على عجالة فوق ثيابها المنزلية، ولفت حجابها حول رأسها لتهرول بعدها إلى خــارج المنزل.

بحثت سريعًا عن أقرب سيارة أجرة لتستقلها إلى منزل عائلته، فهو بالطبع سيذهب بها إلى هناك، هو صدق حينما ألقى على مسامعها تلك العبارة العدائية، ستعاني الأمرين معه ومع ذويه.
ترجلت من السيارة راكضة نحو بنايتهم غير مكترثة بباقي الأجرة هي تعرف ذلك المكان جيدًا، ذاقت فيه الكثير من العذاب والمذلة، وعانت من ويلات قسوته، وجبروت والدته، لكن ذلك لا يهم، فالأولى عندها هو أن تصل إلى رضيعتها، صعدت الدرج بخطوات متعاقبة حتى تقطعت أنفاسها فتوقفت لتتنفس ببطء، ثم واصلت صعودها الراكض إلى طابقهم.
احتقن وجه نيرمين بحمرة غاضبة، واشتعلت نظراتها على الأخير حينما سمعت صوت ضحكاتها الرقيعة المنبعثة من الداخل، تلك الضحكات التي كانت تستفزها وتحرقها حية حينما تملي على ابنها أوامره فينفذها دون نقاش، تأكدت الآن أنها وراء مخطف رضيعتها منها.
دقت الباب بعنف حتى كادت أن تخلعه صارخة:
-افتحوا يا عيلة مافيهاش راجل، افتحوا يا ولاد الـ.....، هاتولي بنتي يا .....!
فُتح الباب على مصراعيه لتظهر لها لبنى بوجهها المتجهم، فزاد غيظ نيرمين منها، اندفعت بجسدها نحوها، لكن صدتها الأخيرة بكفها قائلة ببرود مثير للأعصاب:
-رايحة فين يا روح أمك؟
أجابتها بصوت محتد:
-داخلة لبنتي!
دفعتها لبنى بقوة من كتفها للخلف وهي ترد بقسوة:
-مالكيش بنات عندنا، روحي ارمي بلاكي على حد تاني
أطلت شاهندة برأسها لتضيف هي الأخرى بوعيد صريح:
-كنتي مفكرة هنفوتلك اللي عملتيه بالساهل، اه بنتك عندنا، بس ابقي قبلينا لو شوفتيها تاني!
اشتدت تعابير وجه نيرمين عقب ما قالته، وبرزت مقلتيها من محجريهما بنيران مستعرة، فصرخت فيهما بغضب جم ملوحة بذراعها:
-لأ فوقي لنفسك منك ليها، ده أنا لحمي مر و....
قاطعتها لبنى قائلة بإهانة قاسية:
-على نفسك يا بنت الـ.......
صاحت شاهندة بنبرة عالية وهي تصفق بكلتا يديها:
-يا نسوان جت الحرباية اللي ما تتسمى، عاوزين نحفل على اللي جابوها!
تفاجأت نيرمين بوجود بعض النساء بالخلف يتشحن بالسواد، تعابير أوجههن تشير إلى شيء خطير على وشك الحدوث معها، في أقل من ثوانٍ معدودة كانت محاصرة من قبلهن، تلفتت حولها بذعر كبير، وقبل أن تجد مهربًا لنفسها منهن، انهلن سريعًا عليها بأيديهن وبالأحذية معتدين عليها بالضرب المبرح.
صرخت نيرمين مستغيثة:
-الحقوني، آآآه، حرام عليكم، هاموت في ايدكم يا......
هتفت لبنى قائلة بتشفٍ:
-ربوها، علموها الأدب بنت الأبلسة دي!
بينما أضافت شاهندة بحقد:
-جاية تخربي عليا يا خرابة البيوت يا مطلقة، ده احنا هنحرق قلبك وهنوريكي السواد كله!

في نفس الأثناء كان ناصر صاعدًا على الدرج ليقابل رفيقه حاتم بعد أن وجد صعوبة في الاتصال به، فرأى تلك المشاجرة الحامية بين النساء، اتسعت حدقتاه في اندهاش، وراقبها مستمتعًا، لكن شيطان رأسه وسوس إليه بالتدخل ليحظى بمتعة أخرى.
رسم على تعابيره الجدية والعبوس، ثم دنا منهن صائحًا باستنكار:
-عيب يا ستات اللي بتعملوه ده، مايصحش كده أبدًا!
استخدم ذراعيه ليمر بينهن حتى تمكن من الدخول وسطهن، فوجد نيرمين ملاقاة على الأرضية، منكمشة على نفسها، وشبه ممزقة لثيابها، انحنى عليها متعمدًا تلمس أجزاء محددة من جسدها وكأنه يحميها، لكنه نواياه معها كانت دنيئة للغاية، واصل صياحه هاتفًا بضيق زائف:
-هاتموت في ايدكم، كفاية كده! هي عملت ايه بس؟

شعرت هي بتلك اللمسات الحرجة على جسدها، بأيادٍ تستبيحها، لكنها لم تستطع سوى الصراخ المستنجد، على إحداهن ترفق بها، ورغم هذا ظلت الضربات متتالية عليها تنال كل جزء فيها.
ردت لبنى بقسوة وهي تشير بيدها:
-ملكش دعوة انت يا ناصر، دي حاجة تخصنا احنا!
رد عليها معاتبًا وهو يعتدل في وقفته:
-ليه بس يا أم حاتم؟ هاتزعليني والله!
التوى فمها للجانب وهي ترد بازدراء:
-متكلفش خاطرك وتزعل على بوز الإخص العقربة دي!
خشي من افتضاح أمره، فتحرك مبتعدًا عنها قائلاً بإصرار:
-عشان خاطري أنا!
نظرت له لبنى بجمود مستنكرة دفاعه عنه، فتابع موضحًا:
-مهما كان بردك، دي حاجة وحشة في حقكم، وجايز تموت هنا وتلبسوا مصيبة وانتو مش ناقصين .....

قاطعته قائلة ببرود:
-بأقولك ايه، سيبها وتعالى جوا استنى صاحبك لما يرجع، هو في الفرن وجاي!
حك ناصر مؤخرة رأسه، ثم خطى نحو الداخل مكتفيًا بما حظى به اليوم.

توقفت النساء عن ضربها بوحشية، فهمست نيرمين بأنين موجوع:
-بنتي يا ولاد الهرمة، بنتي هاتوهالي!
ردت عليها شاهندة بسخط واضعة يدها على منتصف خصرها:
-حوش حوش الأمومة بتنط منك، ده احنا دافنينوه سوا يا ....!
هتفت لبنى بامتنان مخرجة منديلاً مطويًا من صدرها:
-تسلم ايدكم يا حبايب، نجاملكم في الفرح يا رب!
انصرفن بعدها واحدة تلو الأخرى بعد أن أعطت زعيمتهن مبلغًا نقديًا تم الاتفاق عليه مسبقًا نظير القيام بتلك المهمة البسيطة، ثم انحنت عليها بجسدها على ضحيتها الملاقاة عند عتبة منزلها لتضيف بوعيد شرس:
-ولسه الدور جاي على أمك وأختك، ماهو لازم ينوبهم من الحب جانب!
صفعتها بظهر كفها على وجهها، ثم بصقت فوقها متعمدة الإساءة أكثر إليها قبل أن تتركها على تلك الوضعية وتصفق الباب خلفها بقوة.
بكت نيرمين بعجز مقهور، شعرت بتلك الوخزات الحادة تعصف بصدرها، بتلك الآلام الموجعة في أنحاء جسدها، لكن لا يقارن هذا أبدًا بإحساسها بفقدان رضيعتها الوحيدة، ففي تلك اللحظة تحديدًا تيقنت أنها لن تستطيع استعادتها بسهولة ........................... !!
................................................



Layla Khalid and noor elhuda like this.

منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 31-01-18, 12:51 AM   #404

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9

الفصل الثامن والستون:

كانت بالنسبة لها زيجة تقليدية بحتة، لم تكن قائمة على قصة حب أو حتى على معرفة مسبقة، بل وافقت عليه كي لا يفوتها قطار الزواج، أو حتى تحمل لقب "عانس" بين قريناتها، وهو تقدم إليها معتقدًا أنها تملك من الأموال ما سيحسن من وضعه المادي، لكن خابت توقعاته، وتأكد من مستواها المادي المتواضع، فقط أملاك لا تأتي إلا بالقليل من العائد المادي.
اندلعت المشاكل الفعلية بينهما منذ أول ليلة لزفافهما، واستمر الوضع على ذلك الحال بين شد وجذب، وافتعلت والدته الكثير من الخلافات بينهما، حتى خلال فترة حملها عانت من ويلات تسلطها، لم تحبها نيرمين مطلقًا، وبادلتها الأخرى نفس مشاعر البغض والكره، أرادت فقط إنجاح زواجها، لكن مع كل لحظة اكتشفت أنها تسرعت في قرارها، وأخطأت في اختيار حاتم زوجًا لها.
لم تتوقف عن البكاء المرير بعد تلك المهانة المذلة التي تعرضت لها، زحفت على مرفقيها لتصل إلى الدرابزون كي تمسك به حتى تتمكن من النهوض، ألمتها عظامها وكل قطعة في جسدها، التفتت برأسها لتحدق في باب منزلهم بأعينها المشتعلة كمدًا وغيظًا، ليس أمامها وسيلة متاحة لاستعادتها، هي في موقف ضعف، ستتحمل رغمًا عنها تلك الإهانة حتى تعيد رضيعتها إليها.
أخفضت نظراتها لتحدق في هيئتها المزرية، عباءتها ممزقة، ووجهها مليء بالكدمات والتورمات، ناهيك عن باقي جسدها الصارخ بألمه، سحبت نفسًا عميقًا لتضبط به نوبة بكائها، ثم كزت على أسنانها قائلة بصوتها المنتحب:
-بنتي هاعرف أخدها منكم، وغدركم بيا هارده، مش أنا اللي أسيب حقي!
اتجهت نحو الدرج هابطة عليه بتريث، لكنها تسمرت في مكانها مجبرة حينما سمعت صوت الباب يفتح من خلفها، أدارت رأسها ناحيته، فتفاجأت بكيس من القمامة – ذو رائحة نتنة – يُلقى في وجهها لتتناثر محتوياته الكريهة عليها.
شهقت نيرمين صارخة من هول المفاجأة، بينما رمقتها شاهندة بنظرات دونية وهي تقول:
-ده تمامك يا قذرة! اتفوو!
صفقت الباب بعنف في وجهها ليزداد حنقها وتشتعل في مكانها، أغرقتها القمامة كليًا، خاصة أنها كانت تحوي مياه كريهة، فعبأت عباءتها برائحة منفرة، ضربت بيدها المتكورة بعصبية على الدابزون، وصرخت من بين شفتيها بغل محتد:
-يا ولاد الـ.....، مش هاسيبكم، هاموتكم كلكم، وربنا لأردلكم اللي عملتوه فيا، وهاتشوفوا!
أكملت هبوطها على الدرج مطلقة وابلاً من السباب اللاذع منفسة عن غضبها المحتقن بداخلها.
.........................................

سرحت في الطريق بنظرات شاردة من نافذتها الملتصقة بها، مر ببالها لمحات سعيدة من حياتها مع أبويها الراحلين، ولمحات أخرى تعيسة حينما عايشت لحظات فراقهما، تنهدت بعمق مقاومة تأثير ذلك عليها، كم اشتاقت إليهما كثيرًا، هي بحاجة ماسة إلى أحضانهما الدافئة، تنهدت أسيف مجددًا لتضبط انفعالاتها قبل أن يلاحظ أي أحد حالتها المرتبكة تلك.
لكن على عكسهم تمامًا كان مراقبًا جيدًا لكل ما يخصها، بل متابعًا عن كثب لأقل شيء يصدر عنها، شعر بحزنها البادي على وجهها، استشف سبب ضيقها دون أن يخمن ماهيته، أراد أن يحتويها، أن يعوضها عما فات، لكنها لا تترك له الفرصة لفعل ذلك، يرغب في أن تثق به، تمنحه الفرصة ليعبر لها بصدق عن حاله، لكنها دومًا تصده، تختلق الأعذار لتبتعد عنه حتى وإن كانت تعمد لأسلوب الهجوم والفظاظة، عاد من تفكيره المتعمق إلى أرض الواقع على صوت بوق إحدى الشاحنات، فانتبه منذر للطريق وأكمل قيادة السيارة بحذر.
فرك دياب رأسه متسائلاً باهتمام:
-مفكرتيش ليه تشتغلي يا أسيف زي بقية البنات، ولا عندكم بيمانعوا في ده؟
انزعج منذر من استرسال أخيه في الحديث معها بأريحية تامة، فهو متحرج من مجرد اختلاق أي عذر لسحب الكلمات من على شفتيها، وهو لا يجد جهدًا في جرها نحو ثرثرته الزائدة عن الحد، تجمدت أنظاره على أعين أسيف حينما أجابت هامسة:
-عادي، بالعكس بابا الله يرحمه كان مرحب بالفكرة، بس.. مكانش حابب إني أتعب وهو موجود، فـ.. فأعدت في البيت
أضافت عواطف قائلة بنبرة أمومية:
-يا بنتي هي البنت ليها ايه غير بيت جوزها وتربي ولادها كويس، والستر و...
اعترضت بسمة على تفكيرها القديم قائلة:
-ماما، بلاش الأفكار دي، خلاص عفا عليها الزمن!
بدا دياب مهتمًا بمعرفة سبب رفضها لتلك المعتقدات، فسألها بجدية وهو يدير رأسه في اتجاهها:
-ليه يعني؟
حدقت في عينيه مباشرة، ثم أجابته بامتعاض وهي تشير بيدها:
-مش معقول بعد تعب السنين دي كلها في المدارس والكلية أقعد في البيت أطبخ وأغسل وأنشر، وأربي العيال
رد عليها دياب بضيق قليل:
-محدش قال كده، بس بيتك المفروض يكون ليه أولوية عندك
احتدت نظراتها وهي تصر على رأيها مؤكدة:
-ايوه، بس الكلام ده لسه بدري عليه، أنا قدامي مستقبلي، ومش بأفكر في الجواز خالص دلوقتي!

اشتدت قسمات وجهه حدة من رفضها الصريح لمسألة الارتباط، فأشاح بوجهه بعيدًا عنها متجنبًا افتضاح أمره، أتاه صوت عواطف في أذنه مرددة:
-بردك البنت في النهاية ليها الجواز، المدة طولت قصرت، مش هاتتهنى إلا مع جوزها!
التوى ثغر دياب للجانب وهو يضيف ساخرًا:
-فهميها يا ست عواطف، جايز تسمعلك ولو إني أشك في ده!
اغتاظ منذر من تحول مسار الحوار مجددًا للشد والجذب بينهما، فصاح بهما بضجر:
-بصراحة انتو الجوز مش مدين فرصة لأسيف انها تتكلم خالص
رد عليه أخيه قائلاً:
-ما انت اللي ساكت يا منذر، حد حاشك يعني عن الكلام!
رفع الأخير حاجبه للأعلى هاتفًا باستنكار:
-انت شايف كده؟
ابتسم دياب مضيفًا بمزاح:
-ايوه، خطيبك يا ست أسيف عاوز يشلني ذنبك، قوليله بؤين صبريه بيه!
لم يرغب منذر في فرض نفسه عليها، فصاح معنفًا إياه بقوة:
-ماتبقاش رخم، خليها على راحتها!
حدقت أسيف في وجهه المنعكس أمامها متأملة إياه بنظرات مرتبكة، فأمسك بها بعينيه، تورد وجهها خجلاً منه، وحادت ببصرها بعيدًا عنه
...................................
-إنتي اتجننتي، إزاي تعملي حاجة زي كده من غير ما تشوريني؟
صرخت شادية بتلك العبارة بعد تأكيد ابنتها خبر إبلاغ زوجها بقضية الخلع التي أقامتها ضده، نظرت لها بفتور، ثم سحبت الغطاء لتدفن رأسها أسفله وهي ترد بعدم اكتراث:
-يولعوا!
نزعت الغطاء عن رأسها هاتفة بتشنج:
-اصحي كده وكلميني، انتي مش متخيلة الزفت مجد ممكن يعمل فيكي ايه، ده أنا خدت منه مليون جنية، ولا أخوه لو فاق من اللي هو فيه هـ......
قاطعتها قائلة بانفعال:
-اتصرفي معاهم انتي، أنا خدتي قراري وخلصت!
ردت عليها شادية بهياج بائن في نبرتها وحركاتها:
-انتي غبية ومتسرعة!
-اه غبية عشان سمعت كلامك من الأول، بصي أهوو أديني خسرت كل حاجة في الأخر!
-يا ولاء الزمن ده عاوز الفلوس عشان تقدري تعيشي
-بس يا ماما، أنا تعبانة وعاوزة أنام!
قالتها بصوت متجهم وهي تعيد سحب الغطاء على وجهها مدعية وجود رغبة ملحة بها للنوم، نظرت لها والدتها بحنق كبير، هي حاصرتها في خانة اليّك، وحتمًا ستتواجه مع المقيت مجد الذي لا ينسى من استغله يومًا.
..................................

بعد برهة وصل منذر بالسيارة إلى مشـــارف بلدتها الريفية، تأهبت حواسها حينما اشتم أنفها تلك الرائحة التي اشتاقتها، أخفضت نافذتها لتستنشق نسمات الهواء المنعشة متمنية بين طياتها أن يخبئ لها القدر ما يمكنها تحمله، سألها منذر بجدية:
-بيتك فين؟
أدارت رأسها في اتجاهه لتجيبه بتوتر قليل:
-قدام شوية، هاقولك تمشي ازاي
رد عليها بنبرة ذات مغزى:
-وأنا متابع معاكي لحد الأخر!
اتبع توجيهاتها حتى وصل إلى رأس الطريق المؤدي إلى بيتها، وهنا بدأت تتوتر أكثر، هي مرت بنفس الأماكن من قبل، رأت تلك الوجوه المكدة في عملها بالحقول، تعلقت أنظارها بتلك الأيادي المشققة من فرط اجتهادها حتى تحصد ثمار تعبها في نهاية المطاف، فبدأ قلبها يخفق بقوة، لكن تلاحقت نبضاته بسرعة كبيرة حينما ظهر طيف منزلها، ترقبت بأعصاب مشدودة رؤيته، دعت الله أن يكون ما أبلغها به قريبها مجرد أكذوبة مخادعة، لكن خاب رجاؤها، وصدق في إدعائه، لم يظهر أمامها سوى أطلال بيت محترق.
توهجت عيناي أسيف بلمعان قوي، هزت رأسها باستنكار كبير رافضة تصديق ما رأته حدقتيها، انهمرت العبرات منهما دون سابق إنذار حسرة عليه، ونهج صدرها من قوة قهرها على هيئته، أهكذا تحول ذلك البناء الحجري الذي ضم أهم لحظات حياتها إلى بقايا محطمة؟ وضعت يدها على فمها لتكتم شهقة صارخة من صدرها الملتاع، تهدجت أنفاسها، وزادت لوعتها ..
أشفقت بسمة على حالها، فلفت ذراعها حول كتفيها لتضمها إليها، فالفاجعة صعبة عليها بالتأكيد، همست لها مواسية:
-حبيبتي يا أسيف، ده بيتك! لا حول ولا قوة إلا بالله!
لطمت عواطف على صدرها هاتفة بصدمة:
-يا نصيبتي، ده بقى كوم تراب، قدر الله وماشاء فعل! احتسبي عند الله يا بنتي! ربنا يعوض عليكي!
زاد بكائها المتحسر على ذكريات حياة بأكملها انتهت في لحظات وتحولت لمجرد ركام متهالك.
رأها منذر وهي تبكي فشعر بنغصة عنيفة في صدره، أراد ضمها إليه، أن يحتوي حزنها، ويلملم بقوة ضعفها الوشيك ليشعرها أنه معها في أصعب لحظاتها، لكنه عجز عن فعل ذلك، شدد من قبضتيه على عجلة القيادة حتى كاد يعتصرها، هو توقع حدوث صدمة لها حينما تراه، وود لو كان وقعها أخف عليها، لكن حال ما تبقى من المنزل لا يبشر بأي خير.

أوقف السيارة ببطء منتظرًا ترجلها منها، وبأيد مرتجفة فتحت بابها لتطأ بقدميها تراب قريتها، رفضت أن تمسك بها بسمة أو عمتها، وخطت نحوه بمفردها، ولم تعترض الاثنتان على تصرفها، هي بحاجة إلى مساحة من الحرية، تباطأت أسيف في خطواتها، بل الأحق أن يُقال أنها عجزت عن السير وهي تتجه إليه، كان الأمر غير قابل للتصديق، لم يبقَ أي شيء من ذكرياتها سوى أنها احترقت بالكامل معه.
لحق بها بخطوات متعجلة متأهبًا لتقديم أي دعم لها في حال انهيارها، وقفت هي أمام منزلها تبكي بلا توقف، تركت العنان لنفسها لتنعي ما مضى من حياتها.
لم يقاطعها أي شخص، واكتفوا بمواساتها بتلك الكلمات المحفوظة عن ظهر قلب والتي تردد بصورة تلقائية في مثل تلك المواقف، أحاطتها عمتها من كتفيها وضمتها إلى صدرها لتبكي في أحضانها، وظلت تربت على ظهرها عدة مرات محاولة تهدئتها، بينما تراجع دياب خطوة للخلف ليقف إلى جوار أخيه، ثم مال برأسه عليه متسائلاً بجدية:
-هاتعمل ايه؟ الموضوع طلع بجد مش مقلب من قريبها الرخم
رد عليه منذر بنبرة جادة وقد ضاقت نظراته:
-المفروض نروح قسم الشرطة اللي هنا ونشوف التفاصيل، الحريقة دي حصلت ازاي جايز يفيدونا!
تلفت دياب حوله مضيفًا بهدوء:
-ماشي، بس الأول نسأل على لوكاندة هنا قريبة عشان الجماعة اللي معانا يرتاحوا، وخصوصًا خطيبتك!
اتجهت أنظاره نحوها حتى باتت لا ترى سواها، ثم أخرج تنهيدة مشحونة من صدره قائلاً باقتضاب:
-ماشي، هاشوف!

انتبه الجميع إلى صوت أحد الرجال صائحًا بنبرة عالية:
-سلامو عليكم
استدار منذر ناحيته ليطالعه بنظرات مدققة متأملة هيئته، كان شيخًا طاعنًا في السن ممسكًا بدراجته القديمة، ومرتديًا لجلباب ملطخ ببقع طينية، رد عليه بهدوء:
-وعليكم السلام!
سألهم زكريا باهتمام وهو يمرر أعينه بين وجوههم الغريبة:
-عاوزين مين يا حضرات؟
كفكفت أسيف عبراتها، وأبعدت رأسها عن صدر عمتها لتحدق فيه، ثم أجابته بنبرة مختنقة:
-دي أنا يا عم زكريا!
ضاقت نظراته نحوها، وهتف بنزق بعد أن تعرف إليها:
-الله بنت الحاج رياض!
هزت رأسها بالإيجاب، فدنا منها ساحبًا دراجته خلفه، ثم أضاف بنبرة حزينة وهو يشير بيده الأخرى:
-والله ما ليكي علينا حلفان، حاولنا نلحق البيت، بس الله أكبر النار مسكت فيه من كل حتة، و...
قاطعته عواطف قائلة بحزن لتمنعه من الاسترسال في عباراته كي لا تنخرط ابنة أخيها في البكاء من جديد:
-قدر الله وماشاء فعل، الحمدلله على كل حال!
تساءل منذر بجدية وهو يومئ بعينيه:
-متعرفش مين يا وراها يا حاج؟
عقد زكريا ما بين حاجبيه مسلطًا أنظاره عليه، ثم رد عليه متسائلاً:
-انت مين يا بني؟
اشتد كتفيه حتى بدا اكثر شموخًا وهيبة، ثم أجابه وهو يشير بيده نحوها:
-أنا منذر حرب خطيب الآنسة!
ثم أدار رأسه في اتجاه أخيه متابعًا:
-وده أخويا الصغير دياب، ودي الحاجة عواطف عمتها، ودي بنت عمتها!
مرر أنظاره عليهم سريعًا قائلاً بنبرة ودودة:
-يا أهلاً وسهلاً بيكوا، نورتوا البلد!
سأله دياب باهتمام:
-قولنا يا حاج متعرفش ايه اللي حرق البيت؟
أجابه زكريا بصوته المتحشرج:
-المأمور اللي هايقدر يفيدك أو الحاج إسماعيل!
-والحاج فتحي؟
هتف بها منذر قاصدًا شيئًا محددًا من وراه سؤاله الغامض ذلك..
........................................

أسرعت بالعودة إلى منزلها – رغم الألم الذي يجتاحها - لتبدل عباءتها المتسخة بأخرى نظيفة كي تهرول إلى أقرب مخفر شرطة لتبلغ عن اختطافهم لرضيعتها عنوة، لن تتركها لهم حتى وإن كانت تتعامل معها بجفاء، لو كانت متيقنة للحظة واحدة أنهم سيقدمون لها المحبة والود لاطمئن قلبها، لكنها متأكدة من قسوتهم وشراستهم، ستعاني الرضيعة معهم ولن يعبأ بها أحد، بل على الأرجح سيتركوها تبكي حتى تفيض روحها الملائكية إلى بارئها.
طرأ ببالها أن تلجأ للحاج طه أولاً ليأتي معها إليه، كي يدعمها بمعارفه، فغيرت وجهتها، واتجهت نحو وكالته.
صاحت بصراخ مستنجد قبل أن تخطو للداخل:
-الحقني يا حاج طه، خطفوا بنتي مني، الحقني يا كبيرنا!
هب الأخير واقفًا من مقعده، واتجه نحو الخارج على إثر صراخها المنفعل، نظر لها مدهوشًا وهو يسألها بقلق:
-خير يا بنتي؟ في ايه؟
لوحت بذراعيها في الهواء وهي تجيبه بصوت صارخ ممزوج بالبكاء:
-تعالى معايا يا حاج طه القسم، الله ينتقم منه طليقي السابق اتهجم عليا في بيتي وأنا لوحدي وضربني وخطف مني بنتي، ولما روحت أجيبها من عند أمه ضربوني وبهدلوني!
صمتت للحظة لتلتقط أنفاسها قبل أن تتابع بعويل:
-أنا عاوزة بنتي يا حاج، أبوس ايدك انجدني وتعالى معايا القسم، أنا لوحدي ومافيش حد في ضهري!
لوح لها بعكازه قائلاً بصوت جاد:
-طب اهدي وأنا هاتصرف
لطمت على صدغيها مواصلة نواحها الباكي:
-أهدى ازاي طيب؟ دي بنتي اللي اتخطفت، حتة من لحمي و...
قاطعها بصرامة:
-قولتلك هاتصرف يبقى تبطلي المندبة دي!
وضعت يديها على فمها لتكتم صرخاتها، فاستدار برأسه للخلف صائحًا بنبرة متصلبة:
-خلي بالك من الوكالة يا بني عقبال ما أرجع!
رد عليه أحد العمال من الداخل:
-أوامرك يا حاج
أشار لها برأس عكازه متابعًا بصرامة:
-تعالي يا بنتي
ردت عليه نيرمين بتوسل مستعطف:
-ماتسبنيش يا حاج، أنا ماليش حد بعد ربنا إلا انت
-اطمني، بنتك هاترجع وهتبات في حضنك
-يا رب!
......................................

بدت متأففة للغاية وهي تبدل للرضيعة حفاضها بعد اتساخه، فنظرت لها باشمئزاز، ثم تركتها مسجية على الفراش بغرفة أخيها دون أن تكمل لها ارتداء ثيابها، فبقي جسدها مكشوفًا ومعرضًا للفحات الهواء الباردة،
سارت شاهندة نحو المطبخ لتلج إليه صائحة بتذمر في وجه أمها:
-أنا مش هابقى الخدامة بتاعتها، شوفيلك صرفة مع البت دي، أنا مش كل شوية هافضل أغير لها و....
قاطعتها لبنى بتبرم:
-ده انتي المفروض عمتها!
ردت عليها بقسوة:
-بلا عمتها بلا قرف، أنا عاوزة افوق لنفسها، طالما جبتيها هنا تبقي انتي المسئولة عنها!
ضربتها والدتها في كتفها هاتفة بسخط:
-خلاص اتكتمي، وخليني أشوف القهوة لصاحب أخوكي الملأح برا
-ماشي، وأنا هاعمل لنفسي سندوتش!
............................

في نفس التوقيت، انتبه لصوت صراخها الباكي الأتي من غرفته، فتلفت حوله بريبة ليتأكد من عدم متابعة أي أحد له، نهض من مكانه متجهًا صوبها، ثم وقف عند العتبة ليحدق في الرضيعة رنا، بكت بحرقة حتى احمر وجهها من كثرة صراخها المتوسل للرحمة والحنان، راقبها بنظرات مطولة، ثم عاود الالتفات خلفه.
تسلل ناصر إلى الداخل على أطراف أصابعه محدقًا فيها بنظراتٍ مريضة، وقبل أن ينخرط في تفكيره المنحرف تدارك نفسه حينما سمع صوت لبنى بالخارج، فلملم نفسه، ورفعها بذراعيه إلى صدره يهدهدها كي تصمت.
خرج بها من الغرفة حاملاً إياها ومعاتبًا بضيق زائف:
-مش حرام تسيبوها كده، ده البت نفسها اتقطع من كتر العياط!
أشارت له بظهر كفها قائلة بامتعاض:
-سيبها عندك، شوية وهتسكت لوحدها
أخفض نبرة صوته وهو يرد بغموض ماكر:
-وهي دي تتساب بردك ............................ !!

Layla Khalid and noor elhuda like this.


التعديل الأخير تم بواسطة rola2065 ; 14-03-18 الساعة 04:09 PM
منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 31-01-18, 01:01 AM   #405

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9


الفصل التاسع والستون:


تناولتها من بين يديه برفق لتضعها على كتفها، وقامت بهدهدتها كي تستيكن الرضيعة وتغفو بعد صراخها المتواصل، فنظر لها ذلك الشيطان البشري بأعين شبه نادمة على ضياع تلك الفرصة الثمينة هباءً، لكن إن تهور أكثر من هذا، لربما فُضح أمره، ونال ما يستحقه، تنفس الصعداء لتريثه، ثم عاد للصالة مجددًا ليتخذ من أقرب أريكة مقعدًا له.
ولجت لبنى بالرضيعة رنا إلى داخل غرفة نوم ابنها لتدثرها في فراشه، وتأكدت من إحاطتها بالوسادات كي تضمن سلامتها في حال وقوعها إن غفت عنها.
أحضرت شاهندة صينية تحمل القهوة مرددة بفتور:
-اتفضل يا أستاذ ناصر، حاتم زمانته على وصول
التفت ناحيتها برأسها مبتسمًا بهدوء مريب:
-براحته!
انحنت أمامه لتضعها على الطاولة، فجمد أنظاره على منحنيات جسدها بوقاحة جريئة، لكنها لم تنتبه لنظراته الخبيثة، واكتفت فقط بالابتسام مجاملة له، قبل أن تكمل تحركت مبتعدة عنه، فأخرج تنهيدة حارة من صدره دون أن يبعد نظراته عنها.
انتفض في مكانه مفزوعًا على إثر صوت فتح الباب، فجف حلقه، وارتبك بشدة، شعر بتلك السخونة المقلقة تنبعث منه حينما سأله حاتم باستغراب:
-ناصر! انت هنا من بدري؟
ازدرد ريقه قائلاً بتلعثم طفيف:
-اه يا سيدي، فينك من بدري... غلبت أطلب عليك وانت مش بترد!

أسند ما معه من أكياس بلاستيكية على الأريكة معللاً:
-معلش، كنت بأجيب طلبات للبت رنا
فرك ناصر ذقنه برفق متنحنحًا بخشونة:
-احم.. ربنا يخليهالك!
صمت للحظة ليجمد أنظاره عليه قبل أن يستأنف قائلاً:
-بس فاتك كتير!
حك حاتم مؤخرة رأسه متسائلاً:
-هو حصل ايه؟
........................................

تركت ذلك الكهل يصطحبهم إلى أرض قريبها الزراعية رغم معرفتها بمكانها، فهي لم ترغب في الذهاب إليه بمفردها، خشيت من تطاوله عليها، فاحتمت بوجودهم حولها، استمر عقلها في التفكير في جملته الغامضة، وطرح عقلها العشرات من الأسئلة التي جعلت أفكارها تتخبط أكثر وتزداد حيرة.
وصلوا إلى الحقل المملوك لفتحي، فأوقف منذر سيارته على الجانب، نزع زكريا خفيه، ووضعهما أسفل ذراعه متجهًا نحوه بعد تركه لدراجته القديمة، تبعه الأخرين سائرين بحذر، فرأوه يجلس كعادته أسفل تلك الشجرة العريضة يستظل بها، تباطأت أسيف في خطواتها بوضوح حينما وقعت عيناه عليها، وبدت علامات التوتر مسيطرة عليها، لم تنسَ المصادمة الحامية بينهما، ولا ما حدث مؤخرًا في المنطقة الشعبية، وكذلك كان الحال معه، لم يغب عن عقله لثانية تلك المذلة التي تلقاها بسببها.
ارتبك للحظة من وجودهم، فظن أنه ملعوبه قد كُشف، لذا عمد إلى استخدام الأسلوب الهجومي ليصرف الانتباه عنه، فعبس فتحي بوجهه قائلاً بتبرم:
-خير يا زكريا، جاي ليه؟
أشار له بيده موضحًا:
-الجماعة بيسألوا عليك
نظر لهم شزرًا وهو يقول:
-استغفر الله العظيم، نعم، جايين ليه؟
رد عليه منذر معاتبًا بتجهم ظاهر على محياه:
-دي سلامو عليكم بتاعتك يا حاج فتحي، ولا خلاص نسيت الأصول والواجب؟!!!
أضـــاف دياب بامتعاض:
-باين عليه شايل من المرة اللي فاتت، مع إنه هو اللي جه علينا!
رمقهما فتحي بنظرات مشتعلة، فكلاهما تعمدا تذكيره بما مضى عله يفكر مرتين قبل أن يتفوه بأي حماقات، لكنه خالف توقعاتهما ولجأ لطريقة أخرى، فصاح عاليًا ليلتفت الانتباه:
-جايبالي الافندي ده هنا ليه يا بنت حنان؟ ردي!
ارتجف جسدها من نظراته المهددة، وانكمشت على نفسها مرتعدة منه، رأها منذر على تلك الحالة المذعورة، فتقدم بجسده أمامها ليسد عليه الطريق هاتفًا بانزعاج:
-كلامك معايا أنا يا حاج فتحي!
رمقه فتحي بنظرات احتقارية وهو يسأله:
-بصفتك ايه ياخويا؟
أجابه تلك المرة دياب بتفاخر واضح:
-ده خطيبها يا عم الحاج، وقريب هايتجوزوا!
لوى فتحي فمه للجانب مرددًا باستهجان:
-أها، قولتيلي بقى، والمطلوب مني ايه؟ أبارك وأهني، ولا أحط راسي في الطين وأسكت!
اغتاظ منذر من طريقته التهكمية التي تحمل بين طياتها إعلانًا صريحًا بسوء النوايا والظن، فصاح به بانفعال كبير وهو يهدده بيده:
-ما تتكلم عدل يا حاج، هو انت شايفنا عاملين الغلط؟
أرادت أسيف أن تسيطر على الموقف قبل أن يسوء بينهما ويتطور إلى مشاجة أخرى، هي تعلم جيدًا نهايات مثل تلك الخلافات، فهتفت بنبرة مرتجفة:
-أنا جاية اسألك عن بيت بابا واللي حصل فيه! فلو سمحت ....
قاطعها فتحي قائلاً بحدة:
-ولع، وخلصنا!
خرج من جوفها شهقة قوية متأثرة، هي لم تلملم جراحها بعد، ورؤية المنزل محترق مازالت متجسدة أمام أنظارها، وهو يضغط على جرحها بقسوة مفرطة وكأنه يتلذذ بتعذيبها.
بدا غير مقتنع بما قاله من مبررات مبهمة، فرد عليه منذر بحنق واضح في نبرته وفي عينيه:
-كده من الباب للطاق؟
لوح فتحي بذراعه أمام وجهه صارخًا فيه:
-روحوا المركز اسألوا، حد قالوكم إن أنا بأشتغل مأمور أخر النهار، الحكاية دي متخصنيش!
صاح فيه دياب بنفاذ صبر:
-ازاي يعني، مش البيت ده بتاع قريبتك، والطبيعي إنك....
قاطعه فتحي قائلاً بتهكم مسيء وهو يسلط أنظاره على أسيف ليصل إليها مقصده الصريح:
-أنا ماليش قرايب مفضوحين وجايبلنا العار!
فهم منذر تلميحاته الموحية بسوء السمعة، فهدده بشراسة بادية في نبرته:
-نعم، ما تحترم نفسك يا جدع انت!
أجهشت أسيف ببكاء أشد مستنكرة ما يقول، وقبل أن تنفرج شفتاها لترد، تدخلت عمتها هي الأخرى في الحديث، فلم يرقَ إلى مسامعها اتهامه الباطل لها، فهتفت مدافعة عنها بعصبية:
-لأ عندك، اقف عوج واتكلم عدل، اللي بتغلط فيها دي بنت أخويا المرحوم، الراجل اللي كنت واكل معاه عيش وملح، ولا نسيت!
هب من مكانه واقفًا ليحدجهم بنظرات نارية، ثم هتف من بين أسنانه المضغوطة:
-انتو جايين تتخانقوا بقى!
انتصب منذر بجسده أمامه، وبدا متحفزًا للهجوم عليه، قرأ فتحي هذا بوضوح في عينيه، فعمد إلى التمسك بما يردده، فربما نجاته تعتمد على ذلك الادعاء الزائف:
-بس أنا ماليش كلام مع واحدة زيها، الله أعلم إن كانت غلطت في الحرام ولا ....
لم يقوَ على احتمال المزيد من حماقاته المتهورة، خاصة أنها تمسها تحديدًا، فقاطعه بانفعال جلي مهددًا بإنهاء حياته:
-شكلك عاوزني أدفنك في أرضك!
منعه من الهجوم عليه ذراع أخيه الأصغر وتشبثه به بقواه الجسمانية ليمنعه من الاشتباك معه، نظر له فتحي بأعين محتقنة، ثم هتف ساخرًا:
-خش عليا بالفتونة والعضلات، لأ انت هنا وسط أهلي وعزوتي، وبكلمة واحدة مني هتترجموا كلكم، ده أنا الحاج فتحي يا سبع البرومبة!

نظرت له بسمة بازدراء وهي تهمس لنفسها:
-الراجل ده زبالة، شكله مش مريحني، وناوي على حاجة!
هدر فتحي عاليًا وملوحًا بذراعيه في الهواء ليجذب الأنظار إليه:
-تعالوا يا أهل البلد، اتجمعوا يا ناس وشوفوا الفضايح اللي بتحصل هنا

بدأ الأنظار تتجه صوبهم بعد صياحه المثير للفضول، وتجمع معظم المتواجدين بالأراضي الزراعية ليتابعوا باهتمام ما يحدث، لم تصدق أسيف ما يفعله، وتلفتت حولها بذعر بائن، هو حتمًا سيحدث فضيحة لن تمحى بسهولة من الذاكرة، وأمام أهل قريتها الذين يعرفوها عن ظهر قلب.
هتف دياب مصدومًا:
-الراجل اتهبل في عقله!
رد عليه منذر بحنق:
-ده مش طبيعي أصلاً!

أحاطت عواطف ابنة أخيها التي كانت ترتجف بذراعها علها تبث إلى روحها الأمان، ووقفت إلى جوارها بسمة تمسح على ذراعها بود لتؤازرها.
لمح فتحي من على بعد الحاج إسماعيل، فهتف عاليًا وهو يشير إليه:
-تعالى يا حاج إسماعيل انت كمان اتفرج على المسخرة اللي بتحصل هنا!
انتبه له الأخير، وسار بخطوات متمهلة نحوه، خاصة بعد أن عرف أغلب الأوجه الواقفة أمامه، وفي أقل من دقائق احتشد الجميع لمتابعة الموضوع باهتمام، تابع فتحي صراخه المتنمر:
-شوية الواغش الفلتانين دول جايين يصيعوا عليا، يرضيك ده يا حاج إسماعيل؟!
استنكر منذر طريقته المستفزة، فهدر به معلنًا بعدائية:
-ماتخلنيش أتهور عليك، أنا جبت أخري!
أمسكه دياب جيدًا ليمنعه من الانقضاض عليه مضيفًا باستنكار:
-لم نفسك يا حاج، مش عاوزين نتجن عليك!
وبدهاء ماكر أبعد فتحي الشبهات تمامًا عنه ليوجه تفكيرهم نحو أمر لا يخطر على الأذهان مطلقًا .....
...........................................

-هما ساكنين هنا!
قالتها نيرمين وهي تصعد على الدرج بخطوات أقرب إلى الركض محاولة الوصول إلى ابنتها والانتقام منهم بعد اعتدائهم العنيف عليها، حررت محضرًا رسميًا ضد عائلة طليقها الأسبق بمساعدة الحاج طه، واتهمت فيه والدته وابنتها بتدبير مكيدة لاستدراجها، واصطحبت أفراد الشرطة معها لكي تأتي بابنتها، حاز البلاغ على الاهتمام بسبب تلك التوصيات المعروفة من الوسطاء الهامين من ضباط الشرطة ذوي الرتب العالية، فتحرك فورًا للتحقق منه.
كورت نيرمين قبضة يدها، ودقت بعنف على باب المنزل صارخة بعصبية هائجة:
-افتحوا يا حرامية! افتحوا يا خطافين العيال يا .....
حذرها الضابط المسئول قائلاً:
-بلاش تغلطي يا مدام، كده انتي هتوقعي نفسك في مشاكل
ردت عليه بحدة وهي تلقي بطرف حجابها لخلف كتفها:
-يعني أسيبهم يا حضرت الظابط ....
قاطعها طه قائلاً بصرامة قبل أن تتهور:
-خلاص يا نيرمين، اسمعي كلام الباشا!
ضغطت على شفتيها مرددة على مضض:
-حاضر يا حاج طه!
فتحت لبنى الباب غير متوقعة تلك الطلات الرسمية أمامها، فاتسعت حدقتيها بتوتر قليل، لكن فسرت الأمر بديهيًا حينما رأت نيرمين تدفعها مقتحمة منزلها وهي تصرخ بقلب ملتاع:
-وسعي من وشي، هاتولي بنتي!
صدتها لبنى بكل قوتها هاتفة بزمجرة مغتاظة:
-مالك داخلة كده ليه هجم عليا
استخدمت نيرمين كفيها لتدفعها بشراسة أكبر وهي تقول باهتياج:
-اوعي، بنتي، هاتوهالي!
صاحت لبنى بقلق قليل:
-يا حاتم، تعالى يا سيدي شوف النصايب اللي جاية علينا!

أتى ابنها من الداخل ممسكًا بمنشفته ليجفف بها يديه المبتلتين ممررًا أنظاره سريعًا على أوجه المتواجدين، فتوجس خيفة منهم، ثم تمتم بحذر:
-يا ساتر، خير يا باشا؟
رد الضابط بهدوء جدي:
-المدام مقدمة فيكو بلاغ بتتهمكم فيه بخطف بنتها!
لطمت لبنى على صدرها مرددة باستنكار تام:
-والله عيبة في حقنا، بقى احنا نخطف بنتنا! إخص على كده!
أضاف حاتم قائلاً بارتباك طفيف:
-يا حضرت الظابط، أنا أبوها، ودي ستها، والبت خدتها من عندها تقضي اليوم معانا، ازاي هاكون خاطفها؟
تفاجأت نيرمين من إدعاءاتهما الباطلة، وكأنهما يدبران لها شيئًا ما، فصرخت بجنون:
-يا عالم يا ظلمة، ده انتو ضربتوني وعدمتوني العافية هنا
رد عليها حاتم ببرود حذر:
-محصلش، أنا لسه جاي من برا، وبأغير هدومي!
اشتعلت نظراتها، وغلت الدماء في عروقها من أسلوبه المستفز، وهدرت فيه بصوتها الذي بح من كثرة الصراخ:
-ده صاحبك ناصر كان واقف و....
قاطعها قائلاً بتجهم:
-بطلي تتبلي على الناس، صاحبي أصلاً مسافر!
استشاطت نظراتها على الأخير، فرفيقه الوضيع كان يضع يديه النجستين على جسدها، وشعرت هي بجرأة لمساته عليها، فاختنق صوتها وهي تنفي كذبته:
-كدب، ده كان.. كان ......
قطمت عبارتها مجبرة كي لا تشير إلى فعله الفاضح معها فلا يظنوا بها السوء، لكن تهدج صدرها بأنفاسها المضطربة بداخلها، أخرجها من صمتها المجبر صوت لبنى القائل بتلهف:
-يا باشا، وما ليك عليا حلفان أبدًا!
ادعت البكاء متابعة بحزن مصطنع:
-بنتنا وحشانا، وهي حرمانا منها، كلمتها واسترجتها تجبهالي كام ساعة أملي عيني منها، ووافقت على ده، وبعتلها ابني ياخدها، تقوم هي تعمل فينا محضر، شايف الجبروت والافترا
صرخت فيها بلا وعي غير مصدقة كذبها الملفق:
-أما إنكم عالم ولاد كلب فاجرين لا ليكم ذمة ولا عندكم ضمير، أنا عملت كده يا ضلالية؟
أشارت لبنى بيدها للضابط قائلة بامتعاض كبير:
-شايف يا باشا بتغلط فينا ازاي، سجل عندك، أنا عاوز أعمل فيها محضر سب وقذف!
رف الضابط كف يده أمام وجه نيرمين محذرًا بجدية تامة:
-اهدي يا مدام!
صرخت قائلة ببكاء:
-والله كدابين، هما مدوا ايدهم عليا، طب شايف الزرقان اللي في وشي ولا الضرب اللي على جسمي!
نظرت لها لبنى شزرًا قائلة باستهجان:
-يا شيخة روحي ارمي بلاكي على ناس تانيين!
تجمدت أنظار الضابط على وجهها مرددًا بتساؤل جاد:
-أنا في القسم سألتك إن كان عندك شهود وإنتي أكدتي بدل الواحد في عشرة!
ردت عليه لبنى بتلهف:
-شهود مين، احنا أعدين في حالنا كافيين خيرنا شرنا، وهي اللي جاية علينا، حسبي الله ونعم الوكيل، منك لله يا مفترية!
هدرت فيها نيرمين بجموح:
-بتحسبني في وشي، ده بنتك إلهي ايدها تتقطع كانت معاكو و....
قاطعتها لبنى هاتفة بحدة:
-بنتي، اتقي الله شوية، هي راحت مع أهل عريسها من بدري، مش موجودة في البيت!
ثم التفتت برأسها ناحية الضابط لتكمل حديثها بثقة:
-وتقدر يا حضرت الظابط تكلمهم وتتأكد!
ضربت نيرمين فخذيها بقوة صائحة بسخط:
-منكم لله، ربنا يولع فيكم!

تابع طه الموقف برمته دون أن يبدي أي تعليق، لكنه فهم أنها مكيدة دنيئة وضعت بإحكام لتلقين نيرمين درسًا قاسيًا، وهي كالمغفلة وقعت فيه بسذاجة، شعر بتلك النيران التي تآكلها بسبب الظلم والتجبر، فوضع على عاتقه رد حقها لاحقًا، لكن بتعقل شديد ودون تمهل.
تنحنح بصوت خشن موجهًا حديثه للضابط:
-معلش يا حضرت الظابط، احنا عاوزين البت لأمها، ميرضكش يفضل قلبها متشحتف كده عليها!
نظرت له نيرمين بأعينها الدامعة غير مستوعبة أنه الوحيد الذي وقف إلى جوارها في تلك المحنة العويصة، نشج صوتها وهي تقول:
-هاتولي بنتي، أنا مش هاتعتع من هنا إلا وهي في حضني
ردت عليها لبنى بسماجة مستفزة:
-وهو احنا هنموتها، دي لحمنا!
تابع الضابط محذرًا وهو يشير بسبابته للجميع:
-يا ريت أي خلافات أسرية تحلوها بشكل ودي يا إما تلجأوا للمحكمة!
رد عليه حاتم بقلق خفيف وهو يحك فروة رأسه:
-إن شاء الله يا باشا، أنا بس عشان خاطر الفضايح هالم الليلة، استني هاجيبلك البت!
استند طه بكفيه على رأس عكازه، ثم ابتسم للضابط مرددًا بامتنان:
-تعبناك معانا يا باشا
رد عليه الأخير على مضض:
-حاج طه لولا التوصيات والمعرفة اللي بينا كان ممكن يتقلب الوضع ضدها ويبقى بلاغ كاذب، و ....
قاطعه طه قائلاً بعشم:
-يا باشا انت بنفسك شايف وشها عامل ازاي، يعني أكيد مش هاتعمل كده في نفسها
-بس معندهاش اللي يثبت
-عندك حق، كتر خيرك على مجيتك واهتمامك!
-ده واجبنا

خفق قلب نيرمين بقوة حينما رأت رضيعتها بين يدي طليقها السابق، هرولت ناحيته لتأخذه منه، ثم ضمتها إلى صدرها بقوة وهي تبكي:
-رنا، بنتي!
انهالت على وجهها كله بالقبلات الأمومية، هي ابتعدت عنها لساعات لكنها كانت كافية لتدرك أهميتها، ضمتها مجددًا إليها، ثم رفعت أنظارها في وجه طليقها وأمه، نظرت لهما شزرًا، وهمست بتقزز:
-عالم ولاد.....، اتفووو!
صاح بها طه محذرًا قبل أن تتهور:
-نيرمــــــــــــــــين!
تحركت ناحيته لتنظر إليه بامتنان وهي تقول:
-تسلملي يا حاج طه، والله من غيرك ما كنت هاعرف أتصرف ازاي ولا أرجع بنتي!
أشار لها بعينيه قائلاً بصرامة:
-قدر ولطف، يالا بينا من هنا!
أسرعت في خطواتها محكمة ذراعيها حول رضيعتها لتلج خارج المنزل متمتمة بكلمات خافتة لكنها تحمل السخط نحوهما، انصرف أفراد الشرطة في إثرها ومعهم الحاج طه، فأوصد حاتم الباب خلفهم.
نظر إلى والدته بانزعاج قائلاً:
-عاجبك كده يامه، كان ممكن نروح في داهية!
تغنجت بجسدها مرددة بعدم اكتراث:
-عدت خلاص، بلاش نبر بقى!
تابع حاتم موبخًا والدته:
-ياباي! هو حد فيكم أصلاً كان طايق البت ولا أمها عشان تقولوا لحمنا وعرضنا!
بررت فعلتها قائلة بغيظ:
-أنا كان غرضي أحرق قلبها وأمرمطها، وأديني عملت اللي أنا عاوزاه وزيادة، بس لسه ناقص شوية عشان أرتاح خالص!
ألقى حاتم بثقل جسده على الأريكة مرددًا بإنهاك:
-ربنا يستر من نيتك السودة يامه!
....................................

عَمِد إلى حشد أكبر عدد من المارة والعاملين بالحقول المجاورة لأرضه الزراعية ليؤجج من انتقام أخر لاح في عقله، أراد فضحها، إذلالها بطريقة مهينة تعجز عن الرد عليها، ويستعيد عن طريقها اعتباره الذي خسره من قبل، تيقن منذر أن ذلك الرجل ينتوي شرًا، لن يقدم على استدعاء كل هؤلاء الأشخاص من أجل لا شيء، هو يفكر في أمر ماكر وخبيث، لم يحد بنظراته عنه، بل ظل مثبتًا إياهم عليه مهددًا بوعيد شرس إن تجاوز المعقول.
هتف فتحي بنبرة جهورية:
-شوفوا يا ناس، الهانم بنت الأصول، دارت على حل شعرها وفجرت على الأخر، وجاية تقولي يا خال انجدني بعد ما ريحتها فاحت!
جحظت أسيف بعينيها في ذهول تام، وصدرت عنها شهقت مصدومة من افتراءه الباطل، ناهيك عن خفقان قلبها في قدميها من هول كلماته المفجعة، هو يعلن صراحة أمام الملأ عن فحشها، عن ارتكابها للأفعال المشينة، أي شيء سيصدق بعد إدعائه ذلك؟!
وضعت عواطف يدها على صدغها غير مصدقة كذب ذلك العجوز، ونظرت إلى ابنة أخيها بأبصار شاخصة، لم يختلف حال بسمة عنها كثيرًا، فالكل مصدوم بتصريحه المهلك.
بلغت عصبية منذر الذروة، لم يعد يتحمل المزيد من أكاذيبه الباطلة، خاصة ما يتعلق بها، ودون تريث دفع أخيه بعنف ليتجاوزه، واندفع ناحيته بعصبية مشحونة على الأخير ليمسك به من تلابيب ياقة جلبابه، هزه بعنف رامقًا إياه بنظرات نارية قاتلة، ثم هدر صارخًا فيه بجموح مدمر:
-إنت راجل ناقص، وأنا مش سايبك النهاردة!
أدار فتحي رأسه للجانب مستغيثًا بفزع:
-حوشوه عني يا ناس! هايموتني عشان بأقول كلمة حق
سبه منذر هادرًا بغضب جم:
-كلمة حق يا .......!
تدخل الناس سريعًا للفض بينهما، لكنه رفض إفلاته، بل ظل متشبثًا به، عاقدًا العزم على ضربه نظير افتراءاته الكاذبة عليها، وبصعوبة واضحة تمكن أكثر من خمسة أشخاص من جره بعيدًا عنه مقيدين حركته، لكنه كان يقاومهم بكل ما أوتي من قوة ليعود إليه، وشكل أخرون حاجزًا حول فتحي ليحموه منه، فاستغل الفرصة ليضيف بعبث متقن:
-بيستقوى على راجل أد أبوه، شايفين!
صرخ فيه منذر بصوت متشنج:
-كلمة زيادة غلط وهاطير رقبتك!
رد عليه أحدهم بحدة:
-تطير رقبة مين، إنت مفكر نفسك مين يا جدع انت؟
وأضاف أخر مهددًا:
-ده احنا نفدي الحاج فتحي برقبتنا!
بينما أشــار أخر إلى أسيف بيده معلنًا بكلمات موحية:
-الدور والباقي على اللي مالهاش أهل يلموها

أجهشت هي ببكاء مرير صارخة بحسرة موجوعة:
-حرام عليكم، أنا معملتش حاجة!
ضمتها عواطف أكثر إليها وكأنها تحميهم من بطشها هاتفة بتأثر:
-انتو عالم ظلمة، دي بنت أخويا، وأعدة معايا وفي بيتي ووسط بناتي!
رد عليها فتحي بإهانة:
-ده أنا أول مرة أشوفك يا ست انتي، أل بيتها أل!
لم تتحمل بسمة هي الأخرى ظلمه البين، فصاحت بانفعال مستنكر:
-انت تعرف ربنا، انت حاج انت؟!
نظرت له أسيف بأعينها المغرورقة بالعبرات هاتفة بصوتها المبحوح، والممزوج ببكائها الذي يقطع نياط القلوب:
-حرام عليك يا خالي، ليه بتقول عني كده؟
ثم رفعت رأسها لتوجه حديثها إلى من حولها قائلة بعتاب أكبر:
-ده أنا بنتكم، ومتربية وسطكم وعلى إيديكم، وعمري ما عملت حاجة تغضب ربنا ولا ...
قاطعها فتحي بازدراء قبل أن تستجدي قلوب الأخرين:
-وأنا ايش دراني، هو أنا كنت قاعد معاكي، وشايفك!
سيطر دياب على أخيه بمجهود كبير مانعًا إياه من التهور، فقد خرجت الأمور عما هو مألوف، وأصبح الوضع يشير إلى تبعات مخيفة، وظل الأخير يقاوم بشراسة أذرعهم المكبلة له ليفتك به، راقبه الحاج إسماعيل بتوجس كبير، وأدرك أن الوضع قد تفاقم وتأزم كثيرًا، فهتف عاليًا مبديًا محاولة بائسة في فرض شخصيته على الحضور:
-خلاص يا حاج فتحي، مش كده! اعملي اعتبار! ولم الليلة شوية!
رد عليه بعبوس مظهرًا عدم اقتناعه:
-ماشي يا حاج إسماعيل، بس يكون في معلومك إن حل الحكاية دي في ايد المحروسة، هي تثبتلنا إنها بختم ربها وقصاد نسوانا!
ارتفع حاجبي الحاج إسماعيل للأعلى مستنكرًا ما لفظه توًا وهو يردد مصدومًا:
-نعم؟ قصدك ايه؟!!
اتسعت حدقتي منذر على الأخير عقب فهمه لمقصد ذلك الدنيء، هو أدار ببراعة الدفة ناحيته، لتنقلب الأمور في صالحه، ويجبر الجميع على ظن السوء في تلك البريئة اليتيمة، وبالتالي لكي تثبت طهرها وعفتها عليها أن تتجرد من ثيابها أمام عدة نساء لتتولى إحداهن فحصها حتى تتأكد من نقائها.
تجمدت العبرات في مقلتي أسيف محاولة استيعاب ما يريده منها، فخرجت أنفاسها لاهثة وهي تجاهد عقلها لتفسير الأمر، كان عسيرًا عليها أن تصدق أنها في موضع الاتهام، أنها تعامل كالعاهرات العابثات.
التوى ثغر فتحي للجانب متابعًا بخبث:
-هو ده اللي يخليني أصدق انها زي ما هي!
تساءلت بسمة بعدم فهم وهي توزع أنظارها بين أوجه من حولها:
-هو قصده ايه بالكلام ده؟
لم يجبها أحد، وظلت الأنظار كلها متجهة إلى أسيف التي كانت في موقف حرج؛ فإن رفضت طلبه وعاندته، فسيثبت للجميع صدق كذبته الباطلة، وستسقط في أنظارهم، وستنبذ فورًا من بلدتها لكونها ساقطة لعينة، وسيلحق العار بعائلتها وبنسلها من بعدها، ستحرم من الكثير من حقوقها، أما إن قبلت بتلك المهانة، وأباحت لغيرها بالإطلاع على أكثر الأمور قدسية لها، فستخسر ثقتها بنفسها، وستتدمر معها نفسيتها كثيرًا، شعرت بنظراتهم المتهمة لها تخترقها وتؤكد دعمهم له رغم صمتهم، أدركت أن خيارها بات إلزاميًا، وقبل أن تحرك شفتيها المرتجفتين لتعلن عن قرارها النهائي، هدر صوت منذر بصرامة غير قابلة للنقاش:
-مش هايحصل، محدش هايقرب من مراتي ولا يشوفها .......................!!
..........................................



Layla Khalid and noor elhuda like this.

منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 31-01-18, 01:04 AM   #406

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9 الفصل السبعون

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي

Layla Khalid and noor elhuda like this.

منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 31-01-18, 09:14 AM   #407

Msamo
 
الصورة الرمزية Msamo

? العضوٌ??? » 366128
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,821
?  نُقآطِيْ » Msamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond repute
افتراضي

واخيرا اسيف ومنذ هيتجوزو المفروض منذر يحاول يلعب على اسيف صح وكل شيء مباح في الحب ههههه
ناصر ده انسان مريض وللأسف أخبار الحوادث بتاكد وجود أمثاله في الواقع
شكرا على الفصول الجميلة وتتابعها وشكرا على مجهودك


Msamo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-01-18, 12:21 PM   #408

ام محمد آمين

? العضوٌ??? » 353296
?  التسِجيلٌ » Sep 2015
? مشَارَ?اتْي » 705
?  نُقآطِيْ » ام محمد آمين is on a distinguished road
افتراضي

فصل ممتع جدا شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

ام محمد آمين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-01-18, 12:40 PM   #409

ban jubrail

? العضوٌ??? » 276280
?  التسِجيلٌ » Nov 2012
? مشَارَ?اتْي » 680
?  نُقآطِيْ » ban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond reputeban jubrail has a reputation beyond repute
افتراضي الرد على فصول رواية الدكان

شكرا للكاتبة منال سالم . كاتبتي العزيزة انت كتبت فصول ولا اروع من رواية الدكان . لا ادخل في تفاصيل الشخصيات لكن اقول لقد اجدت برسم الشخصيات بصورة مبهرة قلبا وقالبا . هذه الرواية الرائعه تصلح أن تكون مسلسل تلفزيوني أو فلم سينمائي ناجح جدا أتمنى لك المزيد من التقدم والتوفيق في مسعاك لأنك تستحقين الأفضل .

ban jubrail غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-01-18, 02:37 PM   #410

rasha shourub

? العضوٌ??? » 267348
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 1,873
?  نُقآطِيْ » rasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond reputerasha shourub has a reputation beyond repute
افتراضي

تسلم يديكي فصول رائعة

rasha shourub غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:49 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.