آخر 10 مشاركات
رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          67 - زواج بالإكراه - فلورا كيد - ع.ج ( كتابة فريق الروايات المكتوبة/كـامله )** (الكاتـب : بنوته عراقيه - )           »          حقد امرأة عاشقة *مميزه ومكتملة* (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة (1) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          زوجة ساذجة (85) للكاتبة : سارة مورغان ..كامله (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          الزوج المنسي (10) للكاتبة: Helen Bianchin *كاملة+روابط* (الكاتـب : raan - )           »          رواية: ثورة مواجِع من عُمق الورِيد (الكاتـب : القَصورهہ - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          380 ـ وحيدة معه ـ سارة وود أحلام (كتابة /كاملة ) (الكاتـب : Just Faith - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree160Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-03-18, 12:18 AM   #491

Maysan
 
الصورة الرمزية Maysan

? العضوٌ??? » 368562
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 583
?  نُقآطِيْ » Maysan has a reputation beyond reputeMaysan has a reputation beyond reputeMaysan has a reputation beyond reputeMaysan has a reputation beyond reputeMaysan has a reputation beyond reputeMaysan has a reputation beyond reputeMaysan has a reputation beyond reputeMaysan has a reputation beyond reputeMaysan has a reputation beyond reputeMaysan has a reputation beyond reputeMaysan has a reputation beyond repute
افتراضي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


متشوووقين للفصول منال ربي يسعدك وييسر امورك .. عسى المانع خير بإذن الله 🌹..


Maysan غير متواجد حالياً  
التوقيع




رد مع اقتباس
قديم 01-03-18, 01:34 AM   #492

fatifleur12

? العضوٌ??? » 321973
?  التسِجيلٌ » Jul 2014
? مشَارَ?اتْي » 745
?  نُقآطِيْ » fatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond reputefatifleur12 has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

fatifleur12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-03-18, 06:29 AM   #493

apoaya

? العضوٌ??? » 344835
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 255
?  نُقآطِيْ » apoaya is on a distinguished road
افتراضي

روايه رائعه شكرا لكي تحياتي

apoaya غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-03-18, 07:44 PM   #494

imene88

? العضوٌ??? » 391804
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 189
?  نُقآطِيْ » imene88 is on a distinguished road
افتراضي

فصل راءعه بالتوفيق

imene88 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-03-18, 07:46 PM   #495

imene88

? العضوٌ??? » 391804
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 189
?  نُقآطِيْ » imene88 is on a distinguished road
افتراضي

فصل ممتعه أن شاء الله نهايه سعيده لي اسيف

imene88 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-03-18, 12:17 AM   #496

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9


الفصل الحادي والثمانون:

ظل تفكيرها مشغولاً بمحاولة تخمين هوية من يقف وراء تدبير حادثة الاعتداء عليهن، ليس الأمر عابرًا كما ظنت في البداية، لكن هناك شخص خفي أراد إلحاق الأذى الجسيم بهن، وهذا الشخص على معرفة وطيدة بهن، وتربص بتأنٍ وجودهن في السوق الشعبي لينفذ خطته الماكرة، هداها تفكيرها المتعمق إلى زوجة الجزار، فقد توعدتها بالانتقام الشرس قبل فترة، وربما هي من لجأت إلى هؤلاء النسوة لتلقنها درسًا عنيفًا، لم يخطر ببالها مُطلقًا أن تكون الجانية هي حماة أختها السابقة، انتهى مشوارهن التسوقي قبل أن يبدأ ليعاودن أدراجهن إلى المنزل منهكين على الأخير.
تعجبت نيرمين من عودتهن باكرًا، فتساءلت باستخفاف ساخر:
-خير إن شاء الله، السوق شطب بدري، ولا جبته ضلفه!
تنهدت عواطف بانهاك وهي تجيبها بضجر:
-لأ يا فالحة، ده احنا اتمرمطنا هناك!
لوت ثغرها متسائلة بعبوس قوي:
-ليه؟
أجابتها بإرهاق وهي تدلك عظام كتفها:
-احنا اتكتبلنا عمر جديد، شوية ستات منعرفش مين جوم هجموا علينا!
بدا الفضول واضحًا عليها لمعرفة التفاصيل أكثر، فسألتها باهتمام:
-وبعدين؟ كملي!
التقطت والدتها أنفاسها متابعة:
-ولولا ستر ربنا والست معرفة أختك بسمة كان زمانا روحنا في دوكة!
-أنا مش فاهمة حاجة!
قالتها نيرمين بامتعاض ظاهر عليها، ثم هتفت قائلة وهي تجذبها من ذراعها نحو الأريكة لتجلسها إلى جوارها:
-اقعدي كده وفهميني بالراحة إيه اللي حصل!
سردت لها مستخدمة ذراعيها كوسيلة للتوضيح ما دار بالسوق الشعبي، واستطاعت هي سريعًا أن تربط بين ما سمعته من تهديدات سابقة متوعدة بالاعتداء الشرس على عائلتها من حماتها اللعينة وبين ما حدث اليوم، هبت واقفة من مكانها هاتفة بلا وعي:
-بنت اللذينة عملتها؟
نظرت لها عواطف بغرابة متعجبة من تبدل أحوالها للانزعاج ونظراتها للحدة، فسألتها مستفهمة:
-قصدك مين؟
أجابتها بغموض وقد قست نظراتها على الأخير:
-مافيش غيرها، كانت ناوية على كده
ضجرت والدتها من الحصول على إجابة واضحة منها، فهتفت بنفاذ صبر وهي تربت على فخذيها بتعب:
-يا بت قولي مين؟!
تقوس فمها للجانب، وقطبت جبينها مبدية اشمئزازها الصريح قبل أن تنطق بنفور:
-الحيزبونة أم البأف اللي كنت متجوزاه!
لطمت أمها على صدرها هاتفة بصدمة:
-يانصيبتي!
-وربنا ما أنا سيباها
وقفت عواطف على قدميها لتمسك بابنتها من ذراعها، أدارتها نحوها قائلة بجدية وهي تحذرها:
-خلاص يا بنتي، اللي حصل حصل، مش هانفضل نعيد ونزيد معاها، هي ولية شر، الله يسهلها بعيد عننا، كفاية مشاكل بقى، احنا معدناش مستحملين!
-يا أماه دي....
-كفاية يا نيرمين!
اضطرت أن تستسلم لإلحاح والدتها، فزفرت قائلة باستياء رغم شراسة نظراتها:
-ماشي.. هي ليها يومها بردك!
لاحقًا اتفق جميع من في المنزل على تناسي تلك الحادثة وعدم ذكرها مطلقًا كي لا تتسبب في افتعال مشاجرات حامية من جديد.
.....................................
مرت عدة أيام انشغلت فيها أسيف بالتحضيرات النهائية لزفافها الوشيك، وعاونتها بسمة بكل حيوية ونشاط مستمتعة معها بدور وصيفة العروس، سعدت عمتها للتقارب الودي القوي بين الاثنتين، وتمنت لو كانت ابنتها الكبرى تشاركهن الفرحة، لكنها انعزلت عنهن و انخرطت – دون علمهن - في دوامة التحاليل الطبية والأشعة المختلفة لمعرفة أسباب مرضها المجهول، ومع ذلك لم تحصل على جواب كافٍ من طبيبها الذي كان يشك في مسألة ما.
تبقى لها وضع النواقص الشخصية في حقيبة سفرها لتصبح جاهزة، تنهدت بتعب بعد أن أعدت كافة متعلقاتها الخاصة، وقعت عيناها على أشياء والدتها الراحلة، فمدت يدها لتمسك بكل منهم على حدا، تحسست حافظة نقودها وقربتها إليها لتشتم رائحتها الجلدية، حدقت في هاتفها القديم، كم اشتاقت لسماع صوتها الذي كان يبعث على الدفء والراحة، نظرت إلى ما تبقى من أدويتها المسكنة، لم تتخلَ عنهم، بل احتفظت بهم لتذكرها بها، تحرك بؤبؤاها نحو مسبحة والدها، فتلمستها برفق وأغمضت عينيها لتستعيد صورته في مخيلتها، باتت ذكراهما بعيدة عنها رغم رحيلهما القريب، تجمعت العبرات في مقلتيها متأثرة بتفكيرها المشتاق لهما.
ولجت إليها بسمة مستغربة حالتها الواجمة تلك، فمررت نظراتها سريعًا على ما معها، تفهمت الأمر دون الحاجة إلى سؤالها، جلست إلى جوارها على طرف الفراش قائلة بهدوء:
-هما في مكان أحسن دلوقتي، ادعيلهم بالرحمة
مسحت تلك العبرات التي علقت بأهدابها وهي ترد:
-ربنا يجمعني بيهم في الجنة
ابتسمت بسمة مازحة محاولة تلطيف الأجواء:
-يارب، وبعدين في عروسة تعيط قبل فرحها، ده حتى فال وحش!
ردت عليها مبتسمة ابتسامة باهتة قائلة:
-حبيبتي يا بسمة، أنا مكونتش متخيلة إن احنا هنبقى قريبين أوي كده بعد المشاكل والخلافات اللي كانت بينا
-سبحان الله، ما محبة إلا بعد عداوة
-ربنا ييسرلك كل أمورك يا بسمة!
تبادلت الاثنتان أحضانًا ودودة للحظات، ثم تراجعت أسيف للخلف متسائلة باهتمام:
-المهم إنتي فكرتي في اللي عاوزاه؟

أجابتها ابنة عمتها بتنهيدة مطولة:
-لسه محتارة! مش قادرة أخد قرار، خايفة أوافق وأرجع أندم إني اتسرعت
ردت عليها أسيف بهدوء:
-خدي وقتك يا حبيبتي، وكلنا معاكي!
هي مدركة لحالة التخبط الشديد في أفكارها، لتلك الصراعات الدائرة بين عقلها وقلبها، وأي قرار متعجل قد يأتي بنتائج عكسية، لذلك من الأسلم حاليًا التأني في التفكير حتى تصل إلى قرارها الأخير.
.................................................. .
حالة من الخوف المستمر سيطرت على إداركه الحسي بصورة مقلقة حتى انعكست على أحلامه والتي ضمت كوابيسًا مفزعة فأرقت ليله الطويل بصراخ خائف، ناهيك عن نهاره الباكي المفعم بالهلع والرعب، لم يتجاوب مع والده وظل في حالة رهبة دائمة منه مما اضطره لتجنبه كي لا يثور عليه بعد أن فقد أعصابه لأكثر من مرة معه، ورفض الصغير الحديث مطلقًا عما يخيفه.
اعتقدت جدته أن للأمر علاقة بأعمال السحر، وساورتها الشكوك حول وجود مسٍّ سفلي به، باحت بهواجسها لزوجها الذي نهرها بتعنيف صارم:
-بطلي تخاريف يا ولية، جن ايه ده اللي هيركب الواد؟!
ردت موضحة بنبرة مرتعدة:
-يا حاج ده السحر مذكور في القرآن، وناس كتير حصلهم كده!
عبست قسماته بشدة، وهدر بها بانفعال طفيف:
-بأقولك ايه، بلاش جنان
أصرت على اعتقادها مضيفة بدلائل محسوسة:
-طب ماهو على يدك احنا جبناله الضاكتور وقال زي الفل، إنت مش شايف عامل إزاي، ده زي ما يكون اتلمس من اللهم احفظنا و...
قاطعها طه بصلابة:
-جليلة! مش عاوز كلام في الموضوع ده، الواد هيبقى كويس
مصمصت شفتيها قائلة بيأس:
-يا ريت، هو أنا أكره!

استمع إلى جدالهما بانزعاج ظاهر على تعبيراته، فرك فروة رأسه بحيرة وهو يتنهد بصوت مسموع، التفت برأسه للجانب قائلاً بإحباط:
-استغفر الله العظيم، أنا احترت ومش عارف أعمل ايه معاه!
احتدت نظراته أكثر وهو يكمل بغضب بائن في نبرته:
-بنت الـ........ زنقتني مع ابني، الواد خايف يبص في وشي، وأنا خلاص زهقت وقرفت!
رد عليه منذر بجدية مشيرًا إلى لحظات تهوره المعروفة:
-ما انت اتجنيت عليه أكتر من مرة!
برر دياب موقفه المتعصب قائلاً باستياء:
-من غلبي، هو مش مريحني
فرك منذر طرف ذقنه مضيفًا بريبة أزعجته هو الأخر:
-الغريبة إن ابنك رافض يشوف أمه!
رد عليه دياب بحدة:
-وده هيطير برج من نافوخي، منين هي وحته عليا ومنين هو مش عاوز حتى يخرج من الأوضة؟!
صمت الاثنان للحظات يفكران في حل لتلك المعضلة التي تجاوزت الحدود، طرأ ببال منذر فكرة ما، ظن أنها مناسبة إلى حد كبير، لذلك اقترح بلا تردد:
-طب أنا عندي حل جايز ينفعك
-ايه هو؟
-ما تكلم الأبلة بتاعته!
انعقد ما بين حاجبي دياب باندهاش وهو يتساءل:
-قصدك مين؟
غمز له منذر من طرف عينه مبتسمًا بعبث:
-بسمة!
ارتفع حاجبي الأخير للأعلى مبديًا اندهاشه من ذلك الاقتراح المثير، ربما لوجوده في وسط المشاكل لم يستطع التفكير بذهنٍ صافٍ، وحجب عن عقله الكثير من الحلول الميسرة التي تضمنتها بالطبع، غفل عنها غير متعمد، تابع منذر موضحًا بجدية:
-ابنك بيحبها ومتعلق بيها، وهي شاطرة مع العيال جايز تفهم منه ماله وترتاح!
تشكلت ابتسامة راضية على محياه هاتفًا:
-تصدق فكرة حلوة!
أضاف منذر بهدوء وهو يشير بيده:
-أنا رايح عند أسيف دلوقتي أجيب شنطها من هناك لهنا، تعالى معايا وكلمها!
-ماشي، هاغير هدومي على طول!
-وأنا مستنيك تحت!
وكأن الدنيا قد ابتسمت له من جديد بمجرد ترديد اسمها، شعر دياب ببريق الأمل يلوح في الأفق لكونها ستساعده بطريقة أو بأخرى، بالإضافة لكونها فرصة طيبة لتبادل الحديث معها بعد أن عزفت عنه لأيام عدة، فباتت لياليه طويلة جافة.
........................................
ألقت بهاتفها المحمول على الفراش بعد تلقيها موعدًا جديدًا من الطبيب المتابع لحالتها المرضية المجهولة، استاءت من كثرة طلباته ومن عدم جدوى علاجه المؤقت، لم يفارقها الصداع، بل على العكس كان يتزايد باستمرار حتى بات يؤثر على إبصارها، استمعت والدتها إلى صراخها المحتد، فولجت إلى الغرفة متسائلة بتوجس:
-مالك يا نيرمين
لم تجبها بل بدأت تنوح بصوت مسموع مما جعل قلق والدتها يزداد عليها، اقتربت منها متفرسة ذلك التبدل المريب في أحوالها، لفت أنظارها تلك التحاليل الطبية الموضوعة على الفراش، فسألتها بعدم فهم وهي تطالعهم بنظرات حائرة:
-دول ايه يا بنتي؟
أجابتها بنبرة مختنقة وهي تدفن وجهها بين راحتيها:
-أنا تعبانة ومحدش دريان بيا، خلاص قرفت من كل حاجة!
انقبض قلبها بقوة من جملتها تلك، وسألتها بتلهف:
-تعبانة، بتشتكي من ايه؟
أبعدت يديها لتكشف عن وجهها الباكي، ثم أجابتها بتذمر:
-مش عارفة لسه، وخلاص زهقت
احتضنت عواطف وجنة ابنتها بكفها قائلة بعتاب:
-طب مقولتيش ليه؟ هو أنا مش أمك؟!
أشفقت على حالها كثيرًا، وحاولت احتوائها لكن نبذت ابنتها عاطفتها هاتفة بسخط:
-هو في حد فاضيلي، ما كلكم ملبوخين مع الهانم اللي خدت كل حاجة مني حتى انتو!
أغمضت عواطف جفنيها للحظة محبطة من قسوتها المستمرة، لم يرق قلبها بعد نحو ابنة خالها الوحيدة رغم مرور الأيام، تنهدت مطولاً، ثم تابعت على مضض:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، طب استهدي بالله وشوفي عاوزة ايه وأنا أعملهولك!
أجابتها بغضب:
-عاوزة أخلص من الهم اللي وقعت فيه
سألتها والدتها باهتمام وهي تنظر نحوها:
-طب انتي المفروض هتروحي للضاكتور امتى؟
أجابتها بفتور مكفكفة عبراتها:
-كلموني من العيادة وقالولي النهاردة!
هزت عواطف رأسها هاتفة بجدية:
-خلاص هاجي معاكي
لوت ثغرها مرددة بامتعاض:
-مالوش لازمة، شوفي المحروسة اللي برا
أصرت أمها على الذهاب معها قائلة:
-انتي بنتي، ومش هاسيبك!
لم تعلق عليها بل اكتفت بالتحديق فيها بنظرات غامضة تحمل الحنق والسخط، هي مؤمنة بكونها تعيسة الحظ لم تنل من الحياة إلا القليل.
.........................................

تعرقت من كثرة المجهود الذي بذلته فقررت أن تستحم لتنعش جسدها من جديد، لم يخطر ببال بسمة مجيئه في تلك اللحظة تحديدًا، ولذا لم تتخذ حذرها حينما ولجت للمرحاض حاملة معها فقط مناشفها القطنية، قرع جرس الباب فتوجهت أسيف لفتحه، ابتسمت بخجل حينما رأته أمامها يطالعها بنظراته المتلهفة لها، أردف قائلاً بصوت خفيض متعمدًا مدحها:
-القمر بنفسه بيفتحلي!
رمشت بعينيها بحياء، وانتبهت لوجود أخيه خلفه فتجمدت الكلمات على شفتيها، شعرت بالحرج الشديد من غزله الصريح أمامه، وعضت على شفتها السفلى متحاشية النظر إليه، سألها منذر بهدوء دون أن يحيد بعينيه عنها:
-أخبارك ايه؟
تورد وجهها بخجل أكبر وهي ترد:
-الحمدلله، أنا خلاص جهزت كل حاجة، بس هابلغ عمتي إنك موجود
هز رأسه قائلاً:
-تمام!
استمر في التحديق بها بنظرات شغوفة متناسيًا العالم من حوله حتى شعر بلكزة خفيفة في جانبه، فتذكر حضوره معه، تنحنح بخشونة متسائلاً:
-بالمناسبة بسمة هنا؟ دياب كان عاوزها في خدمة!
استغربت من طلبه ذلك وهي ترد بإيجاز:
-اه، اتفضلوا!
تنحت جانبًا لتسمح لهما بالمرور وهي تشير بيدها للداخل، أسرع منذر في خطواته نحو غرفة الضيوف ليجلس بالداخل، بينما تباطأ دياب في سيره محاولاً التطلع خلسة حوله عله يلمح طيفها، لكن خاب أمله، كان المكان خاويًا منها، لم ينتبه لطرف السجادة فتعثر بها، وكاد يهيم على وجهه لولا تداركه الموقف، حلت عقدة رباط حذائه نتيجة تلك الحركة المباغتة، فانحنى للأسفل ليربطها.
في نفس التوقيت خرجت من المرحاض ملتفة بمناشفها لا يبرز منها إلا جزء من ساقيها، تنبهت حواسه لصوتها المدندن فرفع أبصاره في اتجاهها، خفق قلبه بدقات فرحة لرؤيتها، وزادت سعادته بانعكاس صورتها في عينيه، على عكسه تسمرت في مكانها مدهوشة حينما رأته محنيًا على الأرضية أمامها مبتسمًا لها ابتسامة عريضة.
اتسعت مقلتاها بصدمة، وشعرت بتلك السخونة المتدفقة إلى وجهها، هتفت بنزق:
-انت؟!
انتبه لكونها على أريحيتها، فأخفض بصره متحرجًا، ثم اعتدل في وقفته ليوليها ظهره وهو يقول بارتباك مشيرًا بيده:
-احم.. انتي شكلك كنتي مشغولة!
حدقت في نفسها فتفاجأت بخروجها على تلك الحالة المتجاوزة، خرج من جوفها شهقة مصدومة، ثم اختفت راكضة من أمامه شاعرة بحرج كبير للغاية،
جاهد دياب ليخفي ضحكاته الغبطة بخجلها، فقد تصادف دومًا رؤيته لها في مواقف عجيبة تشعرها بالحياء والحرج، وهو مثلها يتحاشى قدر المستطاع التطلع إليها في تلك الظروف رغم رغبته فيها، أراد ألا يتجاوز معها حتى بالنظرات في أبسط الأمور محافظًا عليها، رغم كون الموقف غير مقصود إلا أنه أخرجه من حالة الضجر التي كان يعايشها، استمتع لثوانٍ بعفوية أنعشت روحه المنهكة، تنفس بعمق، وولج إلى داخل غرفة الضيوف ليلحق بأخيه.
.................................................
ضربت جبينها بكفيها معاتبة نفسها على عدم اتخاذها حذرها أثناء استحمامها، وإلا لما وضعت في ذلك الموقف المخجل أمامه ليتكرر مشهد جديد يضاف إلى ذلك الذي عاصرته من قبل، لامت نفسها مرددة بحنق:
-غبية! ازاي تخليه يشوفك كده!
أسرعت بارتداء ثيابها مكملة عتابها القاسي لنفسها:
-دلوقتي يقول عني ايه؟ ولا يفكر فيا ازاي! متخلفة!
كورت قبضتي يدها بحدة ضاغطة على أصابعها بقوة مستشعرة الحرج الشديد منه، التهب وجهها بحمرة صريحة مستعيدة نفس المشهد في عقلها، انتفضت في مكانها بخضة حينما أطلت أسيف برأسها من باب الموارب هامسة:
-دياب عاوزك برا!
تضاعف ارتباكها وهي ترد بتجهم:
-اه ما أنا شوفته
سألتها أسيف باهتمام وهي تشير بعينيها نحو الخارج:
-طيب هاتطلعي تكلميه
هزت رأسها بالإيجاب مرددة:
-ايوه جاية!
ابتلعت ريقها مضيفة بجمود زائف:
-اديني دقيقتين بس أظبط نفسي
ابتسمت لها ابنة خالها قائلة برقة:
-براحتك!
استشعرت الأخيرة خجلها، واعتقدت أن ترددها الظاهر عليها يرجع لوجوده بالخارج، فأعطتها مساحة من الحرية لتختلي بنفسها وتستعد نفسيًا للحديث معه، فربما قد جاء لمفاتحتها من جديد في مسألة الارتباط الرسمي، بدت بسمة في حيرة واضحة بعد انصرافها، دق قلبها بعنف كبير حتى توجست خيفة من أن يكون قد أصابها مكروه ما، توترت أكثر للقائها به رغم كونه عاديًا، لكن مؤخرًا تغيرت كثيرًا، وصارت أكثر تحسسًا من وجوده حولها، تساءلت مع نفسها بتوتر:
-طب أطلع أقوله ايه؟ لالالا، أرفض، طب ما أنا قولتلها جاية!
زفرت بصوت مسموع قبل أن تكمل حديث نفسها المرتبك:
-خدي نفس يا بسمة واهدي، محصلش حاجة، وماشفش حاجة منك، عادي ياما بيحصل!
تنفست عدة مرات بعمق لتضبط انفعالاتها، لكن ما لم تستطع السيطرة عليه هي تلك الحمرة التي تصبغ وجهها، يئست من إخفائها فاضطرت أسفة أن تخرج من الغرفة على تلك الحالة.
.................................................

على قدر المستطاع تعمد أن يكون هادئًا جديًا معها كي لا يشعرها بالحرج، لكن عصفت بداخله حربًا هوجاء أرادتها بشدة، فرائحتها الزكية تثير أنفه وحواسه مما شتت تركيزه لأكثر من مرة، بذل مجهودًا مضاعفًا ليبدو ثابتًا أمامها، ابتسم قائلاً بحذر:
-أنا محتاج منك خدمة لو مكانش ده يضايقك
ردت بسمة بارتباك طفيف وهي تتعمد التحديق في أي شيء إلا وجهه:
-اتفضل، أنا سمعاك!
قص لها باختصار ما ألم بابنه فاستغربت كثيرًا لكون يحيى طفلاً طبيعيًا واجتماعيًا مع الأخرين، لذلك اعتبرت تبدل أحواله للنقيض أمرًا خطيرًا ومقلقًا خاصة حينما علمت أنه مصحوبًا بالصراخ والبكاء المتواصل، هزت رأسها قائلة بجدية:
-أنا هاتكلم معاه، وهاحاول أعرف ماله، يا رب بس يقولي!
تنهد قائلاً بتلهف:
-يا ريت!
استشعرت ذلك بقوة حينما التقت عيناها بعينيه وهو يضيف:
-أنا بجد محتاجلك!
رمشت بعينيها قائلة بتردد:
-بس.. ده عشان خاطر يحيى وبس
حافظ على ابتسامته رغم انزعاجه من جملتها تلك، وردد قائلاً:
-تمام، وأنا هاكون شاكر جدًا لتعبك ده
ابتسمت مجاملة وهي تقول:
-عادي
احنى رأسه نحوها ليحدق مباشرة في حدقتيها هامسًا بنبرة ذات مغزى:
-بس مش عادي بالنسبالي!
ارتجف بدنها من كلماته الموحية والمصحوبة بتنهيداته المعبرة عن حبٍ نمى بداخله، ربما طبع أثره في نفسها وسيزداد وضوحًا إن أعطته الفرصة للبروز.

راقبهما الاثنان من خارج الغرفة بعدما انسحبا منها ليتمكنا من الحديث على انفراد، ظلت أسيف صامتة، مقتضبة في حديثها مما دفع منذر للاسترسال معها، لكنها أعطته إجابات مختصرة، لاحظ تحديقها المستمر ببسمة، فاستشف معرفتها بأمر أخيه، لذا هتف قائلاً بمكر:
-والله لايقين على بعض، صح؟
التفتت نحوه هامسة وهي تهز كتفيها:
-يعني، ربنا يكتبلهم الخير!
تحرك خطوة للجانب ليحجب عنها الرؤية قاصدًا الحصول على انتباهها الكلي وهو يضيف بعبث:
-بس مش زينا بردك
مد كفه ليتلمس يدها المسنودة إلى جانبها، فسحبتها للخلف متجرحة من احتمالية رؤية عمتها لها، غمز لها عن قصد، فنظرت له محذرة، وقبل أن يتمادى معها سألته بجدية مصطنعة محاولة تشتيت انتباهه:
-منذر، ممكن أسألك في حاجة؟
وضع إصبعه على طرف أنفها ليداعب أرنبته قائلاً بهدوء وهو يرمقها بنظراته الحنونة:
-انتي تطلبي على طول
أرجعت رأسها للخلف قائلة بجدية:
-الدكان!
سحب يده إلى جواره متسائلاً بجمود مريب قد حل عليه من كلمتها المقتضبة تلك:
-ماله؟
تابعت موضحة باهتمام:
-هايفضل مقفول، أنا كان نفسي أوضبه وأعمل فيه مشروع صغير
ضغط على شفتيه بقوة بعد أن تنهد بصوت مسموع قائلاً:
-بعدين نتكلم في ده، دلوقتي احنا ورانا فرح وجواز وحاجات تانية أهم
ظنت أنه يتهرب من الإجابة عليها لرفضه العمل به من الأساس، فاحتجت على طريقته بحدة طفيفة:
-يعني إنت مش عاوزني....
قاطعها قائلاً بتريث عقلاني:
-يا حبيبتي قبل ما تظني السوء، نتجوز وبعد كده نتكلم في ده، مش وقته خالص
رمقته بنظرات مزعوجه من مماطلته، وقبل أن تواصل استرسالها جاءت إليها عمتها قائلة بحرج ظاهر في نبرتها:
-معلش يا ابني، ممكن نطلب منك خدمة!
استدار منذر ناحيتها هاتفًا بوجهٍ خالٍ من التعبيرات:
-اتفضلي يا ست عواطف
بدت مترددة بدرجة ملحوظة وهي تسأله بلطف:
-تودينا في سكتك عند عيادة الضاكتور ((............))
سألها مهتمًا:
-ليه؟ انتي تعبانة ولا حاجة؟ بتشتكي من..
قاطعته أسيف متسائلة بخوف:
-عمتي مالك؟
رأت الهلع في نظراتهما فقالت بهدوء لتبعث الطمأنينة عليهما:
-مش أنا، دي نيرمين بنتي، هي محروجة تطلب مساعدة من حد، وأنا مش هاسيبها لوحدها، قلبي مش جايبني أشوفها كده وأفضل أتفرج عليها
هتفت أسيف بلا تأخير:
-مش لازم نستنى، احنا نوديها على طول، ده شيء واجب
استجاب منذر هو الأخر لرجائها رغم امتعاضه من اصطحاب تلك السمجة معه حينما رأى عدم وجود أي معارضة من زوجته لها، فأضاف قائلاً بفتور:
-مافيش مشكلة، أنا هانزل استناكم تحت لحد ما تجهزوا
ردت عليه عواطف بامتنان كبير:
-كتر خيرك يا ابني، جميلك ده مش هننساه!
لوح لها بإصبعيه مكملاً بجمود:
-ولا يهمك! سلامو عليكم!
حدقت أسيف في عمتها بعد انصرافه قائلة:
-رغم اللي بتعمله معايا، والغل اللي بأشوفه في عينيها ليا بس أنا مش بأكرهها والله، دايمًا بأدعيلها، جايز تتغير معايا!
يومًا بعد يوم تثبت لها ابنة أخيها أنها ابنة بارة بأهلها وأقاربها، فربتت على ظهرها قائلة بود:
- تسلمي يا بنتي، ربنا يحنن قلبك دايمًا على عبيده!

خرجت بسمة من غرفة الضيوف صائحة بنبرة شبه مرتفعة لتلفت الانتباه نحوها:
-ماما، أنا هاروح مع دياب عند طنط جليلة!
نظرت لها الاثنتان بغرابة، فتابعت موضحة:
-ابنه في مشكلة ومحتاجين مساعدتي ضروري
سألته عواطف بتوجس:
-خير ماله؟
أجابها دياب قائلاً بابتسامة باهتة:
-اطمنوا مش حاجة خطيرة، بس هو عنده مشكلة في الكلام معانا، وجايز الأبلة تعرف تحلها
هزت عواطف رأسها بتفهم ومع ذلك ردت بحرج قليل:
-بس احنا كنا رايحين مع نيرمين للضاكتور
أدارت بسمة رأسها في اتجاه دياب الذي كان يرمقها بنظرات تحمل الرجاء، أخرجت تنهيدة قوية من صدرها مبدية حيرتها الطفيفة، لكن سريعًا ما لبث أن حسمت أمرها قائلة:
-طيب خدوا وقتكم معاها وأنا هاسبقكم على هناك!
تنفس الصعداء لاستجابتها لرجائه، وشعر بتقديرها الكبير للموقف مما عمق من مكانتها في قلبه، حتمًا هي تملك قلب أم حنون، تمنى لو قبلت بعرض زيجته لقدم لها الدنيا على طبق من ذهب فقط ليحظى بابتسامة صافية من على شفتيها.................................... !!
.............................................



Layla Khalid and noor elhuda like this.

منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 02-03-18, 12:19 AM   #497

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9




الفصل الثاني والثمانون:

طرق بأنامل كفه على المقود بحركة ثابتة، بينما استند بذراعه الأخر على حافة النافذة متأملاً بفتور المكان من حوله، هي أبلغته برغبتها في الصعود مع سليطة اللسان هذه إلى الطبيب خاصة حينما رأت لافتة تخصصه التي أثارت قلقها، تفهم منذر موقفها رغم اعتراضه على بقائها معها، لكن الظرف تلك المرة مختلف، فنيرمين في وضع مرضي ربما يكون هامًا، ووجود زوجته إلى جوارها ربما يكون ضروريًا نوعًا ما.
أخرج تنهيدة مطولة من صدره متابعًا تمرير أنظاره على المارة مترقبًا عودتهن ببال طويل، التوى ثغره بابتسامة خفيفة حينما شرد في وجهها البشوش الذي يتورد خجلاً من أبسط الكلمات، اتسعت ابتسامته تدريجيًا مستعيدًا في مخيلته تصرفاتها المفاجئة له والتي ملأته شوقًا ورغبة فيها، حدث نفسه باشتياق:
-هانت، معدتش فاضل كتير يا حبيبتي!
فرك رأسه بيده والتفت لليمين تارة ولليسار تارة أخرى وهو يدندن بصافرة خافتة.
...............................................
جلست ثلاثتهن على المقاعد الشاغرة بداخل العيادة الطبية في انتظار دور نيرمين التالي، حملت والدتها الرضيعة تلاعبها بيدها حتى غفت بين ذراعيها، بينما لم تتوقف هي عن حدج ابنة خالها بنظراتها المزعوجة منها، لن تصفو نيتها نحوها أبدًا، هي تحملها اللوم في تأزم الأمور معها مؤخرًا حتى سوء صحتها، أفاقت من شرودها وانتبهت لصوت الممرضة الهاتف بنبرة عالية:
-يالا يا مدام نيرمين، ده دورك
-طيب
قالتها بامتعاض وهي تنهض بثقل عن مقعدها ممددة ذراعيها نحو أمها لتأخذ منها رضيعتها، اعترضت عواطف قائلة:
-خليها معايا، خشي انتي بس للضاكتور
أعادت يديها إلى جانبيها متجهة نحو غرفته، استقبلهن الطبيب بابتسامة ودودة، ثم استرسل في حديثه بجمل مرتبة بصورة علمية غير مفهومة لهن مما جعل صبر نيرمين ينفذ وهي تسأله بتجهم:
-بردك مافهمتش حاجة! يعني ايه ده كله؟
سحب الطبيب نفسًا عميقًا، لفظه ببطء محافظًا على ثابته وهو يجيبها بتريث:
-شوفي يا مدام نيرمين، للأسف لما عملنا التحاليل والعينات اللي طلبتها أكدت إن...
صمت مجبرًا محاولاً إكمال الجزء الصعب من جملته، فسألته عواطف بخوف واضح على نبرتها وفي تعبيرات وجهها المشدودة:
-بنتي مالها؟ كمل يا ضاكتور الله يكرمك
نظر لها بإشفاق، دومًا يوضع أمثاله في مواقف كهذه حينما يتم إبلاغ المريض بحالته الصحية خاصة إن كانت في مرحلة حرجة، تمرس بحكم الخبرة في انتقاء كلماته كي يكون وقعها أقل تأثيرًا على المريض، لذلك ابتلع ريقه مضيفًا بهدوء :
-في ورم في المخ، وللأسف متشعب بدرجة كبيرة يخلي استئصاله صعب!
شعرت عواطف بارتخاء ذراعيها عن الرضيعة، بارتعاشة رهيبة أجفلت جسدها لمجرد سماع جملته المخيفة تلك، بذلت مجهودًا كبيرًا كي تحافظ على ثباتها رغم الدقات العنيفة التي عصفت بقلبها، مازالت لم تستوعب الأمر كليًا بعد، كتمت أسيف شهقة مباغتة خرجت من جوفها بيدها لتستدير برأسها في اتجاه نيرمين مجمدة عينيها اللامعتين عليها، هتفت الأخيرة بعدم تصديق:
-و...ورم
بدا وجهه خاليًا من التعبيرات وهو يكمل بجدية:
-احنا لازم نبدأ العلاج فورًا، و....
ضربت نيرمين بيدها بعنف على سطح مكتبه، ثم هبت واقفة من مكانها وهي تصرخ فيه بانفعال مهتاج:
-يعني ايه ورم؟ وازاي موجود وأنا ما حستش فيه؟
تفهم عصبيتها الزائدة، تكرر معه الموقف لأكثر من مرة مع مرضى مختلفين، فرد عليها بنبرة عملية:
-أكيد ماخدتيش بالك من أعراضه، لأنه في مرحلة متقدمة و...
قاطعته صارخة باهتياج:
-انت بتقول ايه! أنا كويسة وزي الفل، معنديش الهباب اللي بتقوله ده، هما شوية صداع وبرشامتين يضيعوه!
ترقرقت العبرات سريعًا في مقلتي أسيف تأثرًا بحالها، من الصعب عليها تقبل مثل تلك الحقيقة المفجعة، أن تكون تحت رحمة ذلك المرض اللعين الذي ينهش في الأبدان حتى يهلكها، من حقها أن تثور، أن تغضب، أن تخرج عن المألوف بالصراخ والعويل، فالخطب جلل بالتأكيد، لم يختلف حال عمتها عنها كثيرًا، كانت في حالة صدمة وشرود، ابنتها تساق نحو المجهول بكل قوة وهي عاجزة عن مساعدتها، بكت رغمًا عنها، وتتابعت شهقاتها المتحسرة عليها.

انتبه لصوت الصراخ الأتي من الأعلى فارتفعت أبصاره نحو عيادة الطبيب، انقبض قلبه بقوة شاعرًا بوجود أمر مريب، أنبئه حدسه بالتحرك من مكانه والصعود إليها ليطمئن، فترجل من سيارته، وأسرع في خطاه نحو مدخل العيادة.

زاد جنونها ورفضت تصديق الواقع المؤلم، أنها باتت أحد المصابين بالأورام الخبيثة، حاول الطبيب امتصاص انفعالات مريضته قائلاً بحذر:
-أنا عارف إنه صعب عليكي تتقبلي الأمر، بس العلاج في الفترة دي مهم جدًا على الأقل عشان نمنع انتشاره ونقدر نتعامل....
هدرت فيه نيرمين بصراخ أشد دافعة ما على سطح مكتبه من أدوات مكتبية وملفات:
-أنا كويسة معنديش حاجة، إنت قاصد تقول كده عشان تحرق دمي وخلاص!
نهض واقفًا من على مقعده مشيرًا لها بيده وهو يتابع بنبرة عقلانية:
-يا مدام نيرمين، تقبل وجود المرض هي أول خطوات الشفاء بأمر الله!
لوحت بذراعيها هادرة بعصبية جامحة:
-واشمعني أنا ها؟ اشمعنى أنا اللي يجيلي الزفت ده!
استشاطت نظراتها على الأخير، والتفتت برأسها نحو عدوتها لتحدجها بنظرات نارية وقد اصطبغ وجهها بحمرة قوية، أشارت بسبابتها متابعة بحقد مغلول:
-ليه مش هي؟
ارتجف جسد أسيف لمجرد رؤية نظراتها التي كادت تحرقها في مكانها، كذلك هوى قلبها في قدميها بعد سماعها لعبارتها الناقمة تلك، هزت رأسها مستنكرة ما رددته وبكت بلا توقف، لم ترغب في الرد عليها لأنها كانت في حالة لا وعي بسبب ألمها.
صاحت عواطف بصوتها المختنق رافضة سخطها على مُصابها الأليم قائلة:
-استغفري ربنا ماتقوليش كده!
دنت نيرمين من غريمتها مهددة بالفتك بها وهي تواصل صراخها بجموح:
-ليه هي تاخد كل حاجة وأنا في الأخر أموت؟ ليه؟!!!
خافت من اقترابها المهلك، فتراجعت للخلف منكمشة على نفسها ترمقها بنظرات شبه مذعورة، تحركت عواطف في اتجاهها لتشكل بجسدها حائلاً وهي تتوسلها باستعطاف باكٍ:
-اهدي يا بنتي، مش كده!
امتزج صراخها ببكائها المرير وهي تكمل بازدراء ناكر:
-ليه أنا بختي قليل في الدنيا؟ ده أنا مطلبتش كتير!
تحرك الطبيب هو الأخر في اتجاهها محاولاً السيطرة على نوبة الهياج العصبي التي تملكت منها قائلاً بتريث عله يقنعها:
-مدام نيرمين من فضلك، التحاليل بينت إن المرض عندك بقاله أكتر من سنة، وده مالوش علاقة بشخص معين، هو.....
دفعت الطبيب بيدها بقوة عنيفة محاولة تجاوزه لتصل إليها وهي تصرخ بصوت محتد:
-إنتي السبب في اللي حصلي، ايوه إنتي اللي خلتي كل ده يجرالي!
تهدجت أنفاس أسيف بخوف مما تسمعه من اتهامات لا شأن لها بها، هي وقفت مكبلة الأيدي عاجزة عن الدفاع عن نفسها أمامها مصدومة من حالتها اللا عقلانية، هجمت عليها نيرمين بكل عنف وشراسة لتطبق على عنقها محاولة خنقها متابعة بجنون مخيف:
-إنتي اللي لازم تموتي مش أنا!
وضعت يديها على قبضتيها المطبقتين عليها لتبعدهما عنها قبل أن تختنق لكنها كانت تستمد قوتها من غضبها المشحون بداخلها نحوها، تابعت هادرة وهي تكز على أسنانها بشراسة:
-أنا ملحقتش أعيش حياتي، ماتجوزتش اللي بأحبه ولا لحقت أتهنى، طول عمري في غلب وقرف، أنا....
تحشرجت أنفاس أسيف حتى أوشكت على الاختناق من قبضتيها المحكمتين بقوة حولها، ولم يستطع الطبيب نزع يديها عنها بسبب هياجها المضاعف، تدخلت أمها هي الأخرى بعد أن أسندت الرضيعة التي انفجرت في البكاء بسبب الصراخ المهتاج على الأريكة لتبعد ابنتها عن أسيف هاتفة بتوسل شديد:
-سيبيها يا نيرمين، هاتموت في ايدك، هي مالهاش ذنب!
ردت عليها بانفعال مرعب:
-وأنا ذنبي ايه؟ قولولي ذنبي ايه؟
تعذر عليها التنفس فشحب لون وجهها، وتشنجت تعبيراتها معلنة عن دخولها مرحلة الهلاك إن لم يتم إبعادها فورًا، تمكن الطبيب من نزع قبضة واحدة عنها، فأتاح الفرصة لها لتلتقط أنفاسها، وكبل يدها للخلف هاتفًا:
-بالراحة يا مدام! لو سمحتي اهدي، اللي بتعمليه ده غلط!
نبشت نيرمين أظافرها في عنق ابنة خالها متعمدة خنقها وجرحها وهي ترد باهتياج:
-لازم هي تموت!
في تلك اللحظة اقتحم منذر الغرفة بعد سماعه للصراخات الأتية من الداخل، سلط أنظاره سريعًا على الزاوية المحاصر بها زوجته، واتسعت عيناه في هلع حينما رأى ما يحدث، اندفع كالأعمى في اتجاهها صارخًا بصلابة:
-ابعدي عن مراتي!
استخدم قوته بالكامل في تحريرها من براثنها ودفعها للخلف بعنف ليشكل بجسده درعًا ليحميها من بطشها، ترنح جسدها من إثر الدفعة، وفقدت اتزانها لتفترش الأرض، دنت منها والدتها محاولة السيطرة على اهتياجها، بينما سعلت أسيف بقوة نتيجة اختناق أنفاسها، واختبأت في أحضان زوجها، ضمها منذر بذراعيه ليحتويها مستشعرًا تلك الرجفة التي تعتريها، بلغ ذروة غضبه المنفعل، فسلط أنظاره على نيرمين صائحًا بحدة:
-انتي اتجننتي؟ هادفعك تمن اللي عملتيه ده غالي!
لم تشعر نيرمين بوجوده، ولم تعبأ بكلماته بل ظلت أنظاره مثبتة على عدوتها الوحيدة محملة إياها اللوم في كل شيء، ردت صارخة بعنف:
-انتي خدتي كل حاجة مني!
لم يفهم منذر سبب ثروتها، لكن حتمًا لن يمرر ما فعلته مع حبيبته على خير، أحست أسيف من نظراته بذلك، فتوسلته بصوتها المتحشرج:
-سيبها يا منذر!
رغم رجفتها وذعرها إلا أنها تشبثت به لتمنعه من الاقتراب منها أو حتى المساس بها هاتفة برجاء:
-ماتجيش جمبها عشان خاطري، كفاية اللي هي فيه!
التفت ناحيتها مستغربًا ردها العجيب الذي أثار ريبته رغم تحفظه عليه، ومع ذلك استجاب بصعوبة بالغة لنظراتها المتوسلة له، ضمت نيرمين ركبتيها إلى صدرها ودفنت وجهها في كفيها صارخة باستنكار:
-اشمعنى أنا؟ ليه!
جثت والدتها على ركبتيها أمامها محتضنة إياها بذراعيها متمتمة بصوتها الباكي:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، لطفك بينا يا رب!
تجمدت أنظار منذر عليهما متسغربًا ما يدور، لكنه بدأ سريعًا يخمن أن هناك شيء خطير بالموضوع لتتأزم الأوضاع بتلك الصورة المميتة.
..................................................
استقبلتها بترحــاب ودود بعد قدومها إلى المنزل رغم اندهاشها من وجودها بصحبة ابنها تحديدًا، أشارت ملامح وجهها ونظراتها إلى ذلك، هي توقعت مجيئها مع والدتها وأسيف لإكمال عملهن بالغرفة الجديدة، وقبل أن يدفعها فضولها للسؤال بطريقة قد تربكها، هتف دياب موضحًا:
-هي جاية النهاردة عشان خاطر يحيى، جايز تساعدنا
ردت قائلة بابتسامة لطيفة:
-اه وماله!
وضعت يدها على ذراعها لتمسح عليه برفق وهي تضيف برجاء:
-يا ريت يا بسمة تقدري معاه، الواد حالته صعبة أوي و...
قاطعتها الأخيرة هاتفة بهدوء وابتسامة صغيرة متشكلة على محياها:
-اطمني، إن شاء الله خير!
رفعت أنظارها للأمام متابعة بتساؤل جاد:
-هو فينه؟
أجابتها جليلة وهي تشير بيدها:
-قاعد في أوضته مع أروى
-طيب أنا هادخله
سألها دياب بجدية:
-تحبي أجي معاكي؟
التفتت برأسها للجانب لتجيبه بجمود جاد:
-لأ، خليك هنا، مافيش داعي دلوقتي!
نظر لها بتفهم وهو يحك مؤخرة عنقه قائلاً:
-ماشي
تحركت صوب غرفته لتبدأ في مهمتها مع صغيره، ظلت أنظاره معلقة بها حتى اختفت من أمامه فوضعت والدته يدها على كتفه هامسة:
-ربنا ييسر الأمور والواد ينطق معاها
تنهد هامسًا:
-يا رب
هتفت والدته فجأة بحماس عجيب:
-أما لو حصل، يبقى البت دي في ايدها الشفا!
استدار ناحيتها لينظر لها بغرابة مرددًا:
-كله من عند ربنا
ربتت على كتفه عدة مرات برفق متابعة بنبرة متضرعة:
-ربنا يجعلها من نصيبك
زفر دياب بصوت مسموع وهو يرد بحزن طفيف:
-ركزي في الدعوة دي يامه لأحسن معدتش عندي أمل خالص!
ردت عليه مؤكدة بتفاؤل واثق:
-بتيجي على أهون سبب
التوى ثغره للجانب قائلاً باقتضاب:
-على رأيك!
تنهد مجددًا مخرجًا من صدره الكثير من الهموم مع زفيره المشحون، هو في انتظار تلك اللحظة التي يرق فيها قلبها ويلين نحوه حتى وإن طال وقت تحقيقها، لكن وجود بارقة الأمل سيحمسه على الانتظار.
......................................
-ممكن أدخل يا حبيبي!
قالتها بسمة وهي تطل برأسها من خلف الباب راسمة على ثغرها ابتسامة لطيفة محببة، حدق يحيى فيها بأعينه الحزينة المرتعدة وهو عابس الوجه، لم ينطق بحرف واحد، لكن نظراته كانت تحمل الكثير، لجأت إلى أسلوبها اللطيف في إزالة الحواجز مع الأطفال قائلة بمرح:
-ينفع كده مش تيجي عندي ولا تسأل على المس بسمة؟ أنا هازعل منك!
احتوته أروى بذراعها معللة:
-هو تعبان أوي يا مس
عبست بوجهها قائلة بتبرم زائف:
-مين قال كده، ده يحيى زي الفل وكويس!
ولجت إلى داخل الغرفة تاركة الباب مواربًا قليلاً، ثم هتفت متسائلة:
-صح يا حبيبي مش إنت راجل قوي وشجاع؟
لم يعلق عليها رغم أنظاره المثبتة عليها، جلست على طرف الفراش إلى جواره واضعة يدها على خصلات شعره لتعبث بها برفق، انحنت على جبينه تقبله بحنو وهي تهمس له:
-مش عاوزاك تخاف من حاجة، أنا هنا معاك، ومش هاخلي حد يجي جمبك حتى لو كان مين!
رفع عينيه المفزوعة في وجهها باحثًا عن الأمان فيها، ورأه بالفعل من خلال ابتسامتها وضحكاتها ونظراتها الموحية، ابتعد قليلاً عن أروى ليميل نحوها، فلم تتردد في ضمه إليها، أحاطته بذراعيها متابعة بتأكيد:
-أي حد بس يفكر يجي جمبك أنا هاموته!
هز رأسه كاستجابة أولية لجملتها، تنفست الصعداء لظهور بوادر طيبة لتفاعله معها مما شجعها على الاستمرار في بث روح الطمأنينة والأمان له، تعجبت أروى من ثقته فيها، لكنها كانت فرحة بتجاوبه معها، نهضت من على الفراش متحمسة لإبلاغ أخيها ووالدتها بذلك الأمر، فركضت بتلهف للخارج.
مسحت بسمة برفق على ظهره متسائلة بحذر:
-بابا ضربك فإنت زعلان منه؟ ده لو عمل كده أنا هاقوم أضربه و..
هز رأسه نافيًا وهو يجيبها بهمس شديد:
-لأ
تنهدت بارتياح لكون الأمر بعيدًا عن الإيذاء البدني من قبل والده، لم تنتبه إلى تلك الأعين التي تراقبها في صمت منتظرة على أحر من الجمر نتائج بقائهما معًا، حرص دياب على عدم إصدار أي صوت أو لفت الأنظار إليه متصنتًا عليهما بخلسة، لكنه اطمئن إلى حد كبير بعد ما سمعه بأذنيه، تابعت بسمة متسائلة بحزن مصطنع:
-طب ليه يحيى مش عاوز يطلع من الأوضة، مامي زعلتك؟
أجابها وهو يهز كتفيه:
-لأ!
طوق عنقها بيديه متعلقًا في كتفها قائلاً ببراءة:
-أنا عاوز أروح معاكي، أنا خايف
ضمته إليها مواصلة الربت على ظهره بحنو مطمئن وهي تسأله بهدوء جاد محافظة على ثبات نبرتها:
-خايف من ايه؟
أجابها بغموض دافنًا وجهه في عنقها:
-هايطلعلي ياكلني!
ضاقت نظراتها وتأهبت حواسها من جملته المقتضبة تلك، وسألته بحذر:
-مين ده؟
اختنق صوته أكثر وارتعدت فرائصه هامسًا بهلع:
-العوو!
ابتسمت ابتسامة باهتة وهي تنفي مخاوفه الخيالية قائلة بثقة:
-مافيش عوو يا يحيى!
رد عليها بإصرار ظهر بوضوح في نبرته العصبية:
-لأ هو موجود
سألته باهتمام:
-فين؟
لف ذراعيه أكثر حولها وتمسك بها قائلاً:
-تحت السرير، أنا خايف أوي!
زادت من ضمها له، ثم طبعت قبلة أمومية قوية على رأسه قائلة بجدية:
-متخافش، أنا موجودة معاك!
حاولت أن تحل وثاق ذراعيه القابضين عليها لتنظر في وجهه متابعة بقوة:
-أنا هانزل أشوفه تحت
ارتعدت نظراته وهو يصيح بخوغ:
-لأ، هايكلك!
نظرت له مطولاً دون أن تبدل تعابير وجهها، ثم همست قائلة بمكر:
-طب بص أنا هاجيب العصايا معايا، وإنت هات المسدس اللعبة بتاعك ونشوفه سوا، ولو لاقيناه هننزل فيه ضرب لحد ما يموت!
استغرب مما قالته، فأكدت له مستخدمة الخيال في محاولة إقناعه بحرفية ماهرة، فتابعت بحماس:
-عارف احنا زي المحاربين، هنموت الأشرار ومحدش هايقدر يجي جمبنا لأن معانا كل القوة وهما ضعاف مش هيعرفوا يكسبونا!
ظلت تستخدم تلك العبارات المحفزة لمخيلته حتى استجمع شجاعته معتقدًا أنه مقاتلاً يدافع عن مملكته ويساعد الضعفاء، استسلم لطريقتها المشجعة قائلاً ببراءة:
-ماشي
غمزت له بطرف عينها، ثم انحنت عليه هامسة:
-بشويش عشان مايخدش باله
-حاضر!

جاهد دياب ليخفي ضحكاته الممتزجة بعبراته التي تجمعت رغمًا عنه عند طرفي مقلتيه تأثرًا بما رأه، هي تملك الكثير من الأمومة التي انعدمت في والدة صغيره الأصلية، لم تحتويه هكذا، لم يره منجذبًا إليها مثلما رأى اليوم، نعم فحبيبته استطاعت ببراعة أن تسحب ابنه المذعور إلى دفء حنانها فباح لها بما عجز هو عن الحصول عليه منه لتقضي رويدًا رويدًا على مخاوفه.
.................................................. .
خيم الحزن على الجميع بعد اكتشاف خبر إصابتها بذلك المرض الخبيث، وبالطبع لم يجرؤ منذر على الانتقام منها مشفقًا على حالها، هي في وضع لا تُحسد عليه، وتحتاج للكثير من الدعم والتشجيع لتجاوز تلك الأزمة، المؤلم في الأمر إنها مهددة بالموت بين لحظة وأخرى نتيجة تطور وضع المرض بداخلها، حتى التدخل الجراحي بات غير مجدٍ معها، أوصلهن إلى المنزل مؤجلاً زيارتهن إلى منزله تفهمًا لوضعها.
انهارت أسيف باكية عليها رغم ما فعلته بها، ظلت ترمقها بنظرات حزينة متعاطفة، ودت لو استطاعت مد يد العون لها لتخفف عنها ما هي فيه، لكن ليس باستطاعتها شيء، هي رافضة المساعدة من أي شخص، حبست نيرمين نفسها داخل غرفتها مجهشة ببكاء يقطع نياط القلوب، عكفت والدتها على الصلاة داعية المولى أن يهون عليها مصابها، اندمجت دمعاتها الغزيرة بصوتها المتوسل المتضرع حتى بدا كالأنين، فما أصعب أن ترى فلذة كبدك يموت ولا تستطيع مساعدته، ارتفع نحيبها خلال سجودها حتى فرغت من أدائها، التفتت بأنظارها إلى الرضيعة النائمة على فراشها محدقة فيها بأسف كبير، غمغمت بنواح متألم:
-يا رب اشفيها عشان بنتها!
تقطع صوتها واختنق على الأخير وهي تكمل بصعوبة:
-هي مالهاش إلا هي، أبوها مش سائل فيها، طب مين هايراعها لو.. أمها جرالها حاجة؟!
انخرطت في بكاء أشد حرقة عندما فكرت في مصير تلك الرضيعة المجهول.

نفخ مستاءً من عدم مقدرته على تهدئتها بعد أن اعتصرها الألم حزنًا على ابنة عمتها، حاول التهوين عليها قائلاً:
-خلاص يا حبيبتي مش كده
وضعت يدها الممسكة بالمنشفة الورقية على طرف أنفها قائلة بنشيج:
-صعبانة عليا أوي؟ الموضوع مش سهل عليها!
رد بهدوء وهو يمسح على ذراعها بلطف:
-دي مشيئة ربنا
نظرت نحوه متابعة ببكاء:
-أنا عارفة، بس صعب إننا نشوفها كده و...
قاطعها قائلاً بجدية:
-المهم هي تاخد خطوة في علاجها، جايز يجيب نتيجة معاها!
تهدجت أنفاسها قائلة برجاء كبير:
-يا رب!
صمت للحظات مترددًا في الحديث معها في حفل زفافهما، بالطبع هو متفهم للظروف الطارئة التي جدت على العائلة، وإقامة الحفل في ذلك التوقيت ليس بالأمر المحمود، فالأفضل حاليًا تأجيله حتى تهدأ الأوضاع، تنفس بعمق ثم جمد أنظاره نحوها قائلاً بتريث:
-أسيف أنا عارف إنه مش وقته نتكلم في ده، بس لو حابة نأجل الفرح بتاعنا ف أنا مقدر ده و...
قاطعته قائلة بحزن وهي تكفكف عبراتها بظهر يدها:
-سامحني يا منذر، إنت عارف كويس إني مش هاقدر أعمل حاجة ونيرمين في الوضع ده، ازاي هايجيلي قلب أعمل كده وهي.....
عجزت عن إتمام جملتها لتبكي مجددًا متأثرة بها، وضع يده على كتفها قائلاً بهدوء:
-يا حبيبتي أنا فاهم ده كويس!
نظرت له بأعينها الباكية هامسة:
-ربنا يخليك ليا
حافظ على ثبات نبرته وهو يقول:
-أنا معملتش حاجة، اهدي انتي بس عشان أرتاح، ماشي؟
حركت رأسها بإيماءة واضحة دون أن تجيبه، فابتسم لها بعذوبة ماسحًا بإبهامه عبراتها المنسابة على وجنتها.
............................................

خرج من الغرفة ممسكًا بقبضتها وهو يبتسم لأول مرة بعد تلك الأيام العويصة، نظرت بسمة إليه بسعادة متابعة سيرها معه، وما إن رأتهما جليلة حتى أطلقت زغرودة كتعبير رمزي عن فرحتها، هرولت إليه لتحتضنه قائلة بتلهف:
-يا ضنايا، حمدلله على سلامتك
رد الصغير بخجل طفيف:
-تيتة
انهالت عليه بالقبلات لتغرق وجنتيه بهما مشبعة اشتياقها له، خرج دياب من غرفته مصدومًا حينما رأى ابنه يقف على قدميه، تسارعت دقات قلبه فرحًا، وتحرك نحوه هاتفًا:
-يحيى!
رفع الصغير أنظاره إليه مرددًا بتوجس:
-مش تضربني بابي!
-تتقطع ايدي قبل ما تتمد عليك يا حبيبي!
قالها وهو يجثو أمامه محدقًا فيه بنظرات أبوية صادقة، جذبه إليه ليضمه في أحضانه، فأرخى ابنه قبضته عن بسمة ليحاوطه بذراعيه، حمله ناهضًا من مكانه لينظر في اتجاه محبوبته هامسًا لها بامتنان كبير:
-مش عارف أقولك ايه
ابتسمت له بلطف وهي تقول بصوت خفيض:
-ماتقولش حاجة! ربنا يباركلك فيه
بلا وعي منه مد يده ليمسك بكفها بأنامله، فتفاجأت من حركته الجريئة تلك، خاصة أنها أمام والدته، رفعه يدها إلى فمه ليضع قبلة صغيرة على ظهر كفها متابعًا بتنهيدة حارة:
-ربنا يخليكي ليا، ويديمك في حياتي!
خجلت كثيرًا من تصرفه الذي وضعها في موقف حرج للغاية، واكتست تعابير وجهها بحمرة قوية، شعرت بتدفق الدماء في عروقها مظهرة ارتباكها من تأثير ذلك عليها، سحبت يدها من بين أصابعه بسرعة رامشة بعينيها، استشعرت قوة نبضات قلبها التي كانت تتسابق داخل صدرها، عضت على شفتها السفلى متحاشية النظر نحوه، لم تقف جليلة كالمتفرج كثيرًا، فأحاطتها من كتفيها مضيفة هي الأخرى بكلمات ذات مغزى:
-ربنا يكرمك يا بنتي، كلنا بنحبك هنا، وعاوزينك تفضلي دايمًا معانا!
تحرجت مما يحدث حولها ولم تستطع الرد، فاكتفت بتنكيس رأسها حياءً منهما، لكن على الأرجح تأكدت من شيء ما قاومته حتى استنفذت كل طاقتها وهي ترفض تصديقه، عليها فقط أن تثق في قرارها وتفكر بتروٍ قبل أن تسمح لنفسها بالمجازفة................................ ......... !!
.............................................


Layla Khalid and noor elhuda like this.

منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 02-03-18, 12:23 AM   #498

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9


الفصل الثالث والثمانون:

انهارت باكية حزنًا على أختها بعد معرفتها بخبر مرضها الصادم، ولجت إليها لتحتضنها رافضة تركها بمفردها فهي بحاجة إلى دعم قوي ومستمر ممن حولها خاصة في تلك المرحلة الحرجة لتتجاوز الأزمة، لكنها لم ترغب في تلقي ذلك النوع من المشاركة الوجدانية، نبذت إحساسهم بالشفقة نحوها، فعمدت إلى استخدام أسلوب الشدة والقسوة مع الأقرب إليها، ورغم معاملتها الجافة معهم إلا أن الجميع تفهموا موقفها العدائي.
حرصت أسيف على المتابعة الهاتفية اليومية مع الطبيب المتابع لحالتها المرضية كي تتبع نصائحه خلال الرعاية المنزلية، وبسطت الأمور لعمتها ليسهل عليها الفهم، كانت أهم توصياته هي البدء الفوري في مرحلة "العلاج الكيماوي" كي يتم وقف انتشار المرض، خاصة أنه في مرحلة متقدمة تتطلب اهتمامًا كبيرًا، وأصرت نيرمين على عدم الإصغاء لأي منهم مدعية أنها بخير، ومرت الأيام على ذلك الوضع المتأزم دون حل جذري، الجميع مُتلف الأعصاب، وهي تزداد عنادًا بمرور الوقت.
أعدت عواطف صينية مليئة بالأطعمة الصحية، وأسندتها على طرف الفراش حيث تتمدد ابنتها، ابتسمت لها بود، ثم قدمت صحن الحساء لها، فمدت يدها نحوه لتمسك به، لكنه انزلق من بين أصابعها بسبب ارتجافتهم، أردفت عواطف قائلة بحذر:
-حصل خير يا بنتي، ولا يهمك.....
صرخت نيرمين بعصبية زائدة مقاطعة إياها:
-مش عاوزة حد يساعدني، أنا لسه بصحتي، مش عشان الطبق وقع مني أبقى خلاص بقيت عاجزة!
أشارت لها أمها قائلة بتريث محاولة امتصاص ثورتها المنفعلة:
-اهدي بس يا نيرمين، مالوش لازمة الزعيق!
وضعت كلتا قبضتيها على رأسها ضاغطة بقوة عليها في محاولة بائسة منها لمنع استمرار ذلك الصداع الذي يفتك بها، ثم صاحت بزمجرة متشنجة:
-سيبني لوحدي يا أمي
رأتها والدتها وهي تقاوم الألم الشديد، فزادت وخزات قلبها نحوها، أليست ابنتها البكرية؟ أليست قطعة من روحها؟ هي تلقي بنفسها في التهلكة مستخدمة سلاح العند، وهي لن تسمح لها بذلك، تحركت خلفها واضعة يدها على كتفها وهي تتوسلها بصوت شبه مختنق:
-يا بنتي، إنتي ليه بتعملي في نفسك كده؟
أزاحت يدها عنها لتبتعد عدة خطوات وهي ترد بإحباط:
-وأنا من امتى بقيت أفرق مع حد، كلكم بتكرهوني وعاوزين تخلصوا مني، وأهي جتلكم الفرصة، ارتاحوا!
لمعت مقلتاها بشدة تأثرًا بكلماتها الموجعة، وردت بنبرة أقرب للبكاء:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، والله إنتي غلطانة، كلنا بنحبك وزعلانين عشانك، بلاش تقولي كده!
نظرت نيرمين لأمها بجمود رغم تأكدها من صدق كلماتها، لكن سريعًا ما زاد حنقها حينما تابعت:
-حتى أسيف أجلت فرحها عشانك و...
صرخت فيها مقاطعة وهي تسد أذنيها:
-مش عاوزة أسمع اسمها، أنا بأكرهها!
سألتها بصوت حزين متعجبة من كم الكراهية والعداء نحوها:
-ليه بس؟ دي بتحبك جدًا
صاحت بنفاذ صبر وقد قست نظراتها:
-بلاش الكلام ده، وقفلي على سيرتها
خشيت والدتها أن تثور من لا شيء، فاختصرت في حديثها مضطرة وهي ترد:
-ماشي اللي يريحك!
....................................
بذلت معها جهدًا كبيرًا محاولة التأثير عليها عل رأسها المتيبس يلين وتحكم عقلها وترضخ للعلاج الطبي، لكنها رفضت الاستجابة لها مكابرة ومعاندة بشراسة لم تتخيلها، جلست مستاءة على طرف الفراش مستندة برأسها على مرفقها، أخرجت تنهيدة حزينة من صدرها وهي تقول:
-راكبة دماغها، أنا مش عارفة أقنعها، بتموت نفسها بإيدها
ردت عليها أسيف بإيماءة موافقة إياها الرأي:
-عنيدة بشكل رهيب!
زفرت مجددًا بحزن أكبر وهي تضيف:
-أنا احترت، وحاسة إني متكتفة ومش قادرة أعملها حاجة!
رفعت بصرها للسماء لتتابع بأعين تترقرق فيها العبرات:
-يا رب اهديها وتوافق تبدأ العلاج، يا رب مش هانستحمل يجرالها حاجة!
لم تستطع الصمود أكثر من ذلك فتركت العنان لعبراتها بالانسياب، وأجهشت ببكاء موجوع عليها، مسحت أسيف على ظهرها برفق متفهمة حالتها تلك، هي لم تختلف عنها كثيرًا رغم العداوة الغير مبررة بينهما، لكن لا شماتة في المرض، فهي لا تملك أمر نفسها، وما هي فيه ماهو إلا ابتلاء من المولى ليمتحنها، ساد صمت ثقيل بين الاثنتين لبعض الوقت، فكلتاهما تفكران في وسيلة تمكنهما من إقناعها بالتخلي عن عنادها المهلك والعدول عن رأيها الخاطيء والبدء فورًا في خطة العلاج المكثفة خاصة أن الوقت بات حرجًا، وكل لحظة تمر دون علاج تشكل تهديدًا حقيقيًا عليها.
طرأ ببال أسيف فكرة ما بها مجازفة قليلة، لكن ربما خلفها يكمن الحل، سحبت نفسًا عميقًا أخرجته من صدرها بتمهل وهي تقطع حاجز الصمت الإجباري :
-أنا عندي اقتراح، بس مش متأكدة إن كان ينفع ولا لأ
بحثت بسمة عن بارقة أمل من أجلها، فكفكفت عبراتها متسائلة بتلهف:
-ايه هو؟
ضغطت أسيف على شفتيها مرددة بتوجس ظاهر:
-بس يا رب هو يوافق!
قطبت الأخيرة جبينها متعجبة من تلك الجملة المريبة، والتي بدت غير مريحة إلى حد ما خاصة من طريقة نطقها لها، فسألتها باهتمام:
-مين ده؟!
حدقت أسيف في عيني ابنة عمتها مباشرة، بدا على وجهها الهدوء الذي يسبق العاصفة، انتظرت لثانيتين قبل أن تجيبها بجدية شديدة:
-منذر!
ارتفع حاجبي بسمة للأعلى غير مصدقة ما قالته توًا، ظنت أنها تتوهم اسمه، فرددت باندهاش عجيب:
-بتقولي منذر!
أومـــأت برأسها مؤكدة وهي تشرح لها ببساطة ماهية فكرتها الغير عقلانية ليزداد معها استغرابها، رمشت بعينيها عدة مرات، ولم تستطع التعقيب، هي على الأحرى لم تتوقع شيئًا كهذا منها هي تحديدًا، نظرت لها ببلاهة لبعض الوقت، ثم ردت بصدمة:
-مش ممكن اللي قولتيه ده!
......................................
واجه صعوبة كبيرة في التأثير على صغيره لكي يمتثل لطلبه ويعود لمدرسته بعد فترة غياب ليست بالقليلة، ومع ذلك اعترض ابنه على رغبته ورفض الإصغاء إليه، فاضطر دياب - رغمًا عنه - ألا يضغط عليه ويجبره على ذلك كي لا تسوء حالته كما كانت من قبل، جلس بشرفته محدقًا في الفراغ أمامه يفكر بحيرة فيما سيفعله معه، شعر بصخب كبير في رأسه المزدحم بالأفكار نتيجة إنهاكه بالتفكير المتواصل، ولجت إليه والدته وهي تحمل صينية بها فنجاني قهوة هاتفة بلطف:
-اتفضل يا حبيبي، عملهالك مظبوط
تناول منها فنجانه قائلاً بامتنان:
-تسلم ايدك يا أمي!
أسنده على حافة السور، وشرد مجددًا في الفراغ نافثًا ما تبقى من سيجارته بفتور، تفرست جليلة في ملامحه بضيق واضح عليها، هي تعلم ما يجيش في صدر ابنها من أماني وأحلام يتمنى حصولها على أرض الواقع، لكن شتان بين الحلم والحقيقة، تنهدت بعمق متسائلة باهتمام أمومي:
-مالك؟ سرحان في ايه كده؟
أجابها بضجر وهو يطفيء عقاب سيجارته:
-شايل هم الواد ده، مش راضي يروح مدرسته، وأنا مش عاوز أشد معاه!
أشارت له بيدها محذرة:
-خده بالراحة يا ابني، على مهلك عليه، هو بردك غلبان
أجابه بتشنج طفيف:
-ما أنا مطول بالي على الأخر، هاعمل ايه تاني؟
أومــأت له بعينيها متابعة برجاء:
-معلش اصبر، وربنا هيدبرها من عنده
أخرج زفيرًا قويًا من صدره متابعًا بتساؤل مزعوج:
-نفسي أعرف جراله ايه؟!
ردت عليه والدته:
-الحمدلله إنه رجع زي الأول، هو احنا كنا طايلين
صمت ليشعل سيجارة أخرى، وأخذ يستنشق دخانها لافظًا إياه بحرقة واضحة عليه، فكرت في الاستعانة ببسمة لمساعدته، فالصغير يحبها كثيرًا وهي تجيد التعامل معه، لذلك هتفت بلا تأخير:
-بأقولك ايه، ما تقول لبسمة توديه المدرسة
التفت ناحيتها متوقفًا عن تدخين سيجارته لتتحول نظراته للحدة وهو يردد بعتاب:
-ده كلام، ما كفاية المصيبة اللي عندهم!
تابعت محاولة تدعيم رأيها:
-ربنا يشفي كل مريض، وأنا مقدرة اللي عندهم، بس...
توقفت للحظة عن الكلام لتلتقط أنفاسها، ثم أضافت بعدها بجدية:
-بس يا ابني انت بتقصدها في حاجة بسيطة، اسألها مش هاتخسر حاجة!
أشاح بوجهه بعيدًا وهو يرد باقتضاب:
-ربنا يسهل!
كان متحرجًا بدرجة كبيرة من طلب أي شيء خلال تلك الفترة العويصة، هو متفهم للظرف الطاريء بالعائلة، ولكن ما بيده حيلة، كل الطرق تؤدي دومًا إليها، وكأن مفتاح حل مشاكله معها هي فقط، احترمت والدته صمته، فتابعت بابتسامة لطيفة:
-طب يا حبيبي، اشرب قهوتك وأنا هاروح أعلق على الأكل
هز رأسه دون أن يستدير قائلاً:
-براحتك!
لفظ مجددًا دخان سيجارته مرددًا لنفسه بامتعاض:
-مش عاوزها تقول تماحيك!
ارتشف ما تبقى من قهوته جرعة واحدة ليتابع تحديقه الشارد في الفراغ مفكرًا بتأنٍ في اقتراحها، ربما حقًا الحل معها، ابتسم لنفسه ابتسامة باهتة محدثًا نفسه:
-وليه لأ؟
...........................................
-صعب أعمل كده!
قالها منذر بصلابة متعصبة بعد أن أخبرته زوجته بخطتها في استدراج نيرمين بحذر نحو دائرة حبها المستحيل له، وبالتالي سيكون ما تفعله بغرض الحصول على رضائه الذي ستناله إن رضخت للعلاج، هي تعلم بمشاعرها نحوه، ومتيقنة أن شيء كهذا سيكون له أكبر الأثر في إقناعها بالأمر.
تفاجأت برفضه الصارم للمسألة برمتها، فتوسلته قائلة:
-عشان خاطري أنا، ماينفعش نسيبها تموت نفسها ونسكت!
بدا مزعوجًا من اقتراحها، فرد رافضًا بجدية:
-ماينفعش، أنا مش كده!
ردت موضحة بنبرة مستعطفة:
-أنا عارفة، بس دي خدمة!
زم فمه قائلاً بإصرار معترض:
-أسيف، أنا...
وضعت يدها على كف يده الموضوع على مسند الأريكة لتحتضنه براحتها هامسة برجاء رقيق وهي مسبلة لعينيها:
-أرجوك يا منذر، هي محتاجة لينا، وكلامك معاها جايز يفرق ويخليها تبدأ العلاج
أخفض نظراته ليحدق في كفها الممسك بيده، شعر بلمساتها الرقيقة التي تذيب جبال الثلج في داخله، بتلك الحماسة المتدفقة في عروقه النابضة، سيطر على مشاعره الطامعة في تذوق طعم الحب معها قائلاً بامتعاض:
-استغفر الله العظيم، بلاش....
قاطعته متسائلة وهي تعمق نظراتها إليه محاولة التأثير عليه بسلاحها الأنثوي الذي تجيد استخدامه:
-مش إنت بتحبني؟
أجابها بلا تردد:
-ايوه
سألته بعتاب لطيف:
-طب ترضى أزعل منك؟
التوى ثغره للجانب مرددًا بضيق:
-أنا مايهونش عليا زعلك، بس مش كده يا أسيف!
سحب يده من كفها مديرًا وجهه للناحية الأخرى، شعرت بالذنب لفشلها معه، لمعت عيناها بالعبرات، وبدأت تنوح لقلة حيلتها، التفت ناحيتها متعجبًا من ذلك الحزن الجسيم الذي انعكس على تعبيراتها، وهتف محذرًا بصلابة:
-بلاش تعيطي، أنا مش بأحب كده!
دفنت وجهها بين راحتيها لتنخرط في البكاء، فنفخ عاليًا وهو يقول على مضض:
-خلاص، هاعمل اللي انتي عاوزاه، ماتعيطش بقى!
رفعت وجهها لتنظر إليه وقد اعتلى ثغرها ابتسامة متفائلة، مسحت دمعاتها العالقة في أهدابها بظهر كفها، ومدت كلتا يديها لتمسك بكفيه قائلة بامتنان حقيقي:
-ربنا يخليك ليا!
أغمضت عينيها للحظة قبل أن تفتحهما وتضيف بتنهيدة عميقة:
-أنا بأحبك أوي
ضغط على يديها بأصابعه، وابتسم لها قائلاً بلطف:
-وأنا أكتر يا حبيبتي!
.......................................
بدأ الجزء الثاني والأهم من تنفيذ الخطة، وهو الاستعانة ببسمة لكي تبلغ أختها بذلك الطلب الغريب، كان عليها أن تبدو أكثر جدية وهي تخبرها بهذا حتى لا تظن أن في الأمر ملعوبًا ما وتكشفه، استجمعت رباطة جأشها، ورسمت قناع الجدية على وجهها وهي تلج إلى غرفتها هاتفة بجمود:
-منذر عاوز يقابلك
اندهشت كثيرًا من جملتها، ورغمًا عنها نطق لسان حالها بتنهيدة تحمل الأشواق والاشتياق:
-سي منذر!
انتبهت نيرمين لما قالته، فلملمت سريعًا نفسها، وشدت من تعابير وجهها قائلة ببرود مصطنع:
-ليه يعني؟
-معرفش، بس هو قال عاوزك إنتي بالذات
انعقد ما بين حاجبيها باستغراب مرددة:
-أنا!!
حركت بسمة رأسها بالإيجاب مؤكدة بهدوء:
-ايوه، ومستنيكي برا، ومصمم يشوفك!
داعبت تلك الكلمات المنتقاة بعناية أوتار قلبها الحساسة، ولمست في روحها جزءًا كبيرًا، هي تمنته حتى بات حلمها المستحيل، وبالرغم من قسوته ناحيتها ورفضه العنيد لحبها، إلا أن قلبها يحمل له الكثير من المشاعر التي تثور من أجله مع أقل تلميح، هتفت غير مصدقة:
-يشوفني أنا
قرأت في عيني أختها تأثيره عليها، وتيقنت أن ابنة خالها محقة، فالحب يفعل المستحيل، له مفعول كالسحر لا يمكن لبشر أن يتصوره، تساءلت نيرمين بسخط وهي تشير بسبابتها:
-بس مش هو جاير للفقر مراته؟
أصابها بالضيق إهانتها لصاحبة القلب الحنون التي تبذل قصاري جهدها من أجلها، وفي المقابل تتلقى توبيخات مهينة لشخصها، ومع ذلك حافظت على جمود تعابيرها وردت موضحة:
-لأ ليكي إنتي مخصوص!
دق قلبها بعنف بعد تلك العبارة التي تضم كلمات موحية بالتفرد والاهتمام، تحمست كثيرًا لمقابلته، وتهللت أساريرها المتشنجة وهي تقول بتلهف واضح:
-طيب أنا هاغير هدومي وطلعاله، قدميله إنتي حاجة ساقعة على ما أوضب نفسي
ردت عليها بسمة بنبرة جادة:
-اطمني هاقوم بواجب الضيافة معاه، بس انتي متتأخريش!
نظرت نيرمين سريعًا لانعكاس وجهها في المرآة، تأملت شحوبها وذبولها المخيف بضيق، أرادت أن تخرج إليه في أبهى صورها، متأنقة فتخطف أنظاره وليس على تلك الحالة الواهنة التي تبعث على الشفقة والإحسان، زاد حماسها، وأسرعت نحو خزانة ملابسها لتختار أفضل ثيابها فترتديه، فمن بالخارج يستحق الأفضل فقط.
..............................................
تعثرت في خطواتها وهي تلج إلى غرفة الضيوف حيث ينتظرها، كاد صوت نبضاتها المتلاحق يصم أذنيها من شدة قوته، تورد وجهها لمجرد رؤيته، ولمعت عيناها حينما رأت عينيه تستديران نحوها، هتفت بنعومة:
-سي منذر!
لم يكن متفاجئًا من تصرفها لعلمه المسبق بمشاعرها التي نبذها، كان في حالة صراع كبير بين قلبه وعقله، أراد ألا يخدعها، لكنه وعدها أن ينفذ طلبها وإن كان منبوذًا، رسم بصعوبة ابتسامة باهتة على ثغره وهو يسألها باقتضاب:
-ازيك
أخرجت تنهيدة ثقيلة من صدرها وهي تجيبه بيأس:
-أهي ماشية!
أشار لها بيده متابعًا بجدية:
-ممكن تقعدي، أنا عاوز أقولك كلمتين
جلست إلى جواره على الأريكة هاتفة بتلهف متحمس وهي تسبل عينيها نحوه:
-كلمتين بس، خليهم عشرة يا سي منذر!
شعر بالنفور من طريقتها التي لا يستسيغها على الإطلاق، لكنه مضطر لتحملها حتى يدفعها نحو العلاج، للحظة تنفس بعمق، ثم رفع رأسه نحوها، وجمد أنظاره على وجهها قائلاً بثبات:
-شوفي يانيرمين
شردت في عينيه البنيتين متأملة حدقتيه باشتهاء واضح، رأت انعكاس وجهها فيهما، شعرت بدفء ينبع منهما، همست لنفسها متوهمة:
-هــاه، نيرمين، قالي اسمي كده عادي، للدرجادي أنا مهمة عنده!
كان مستشعرًا نظراتها الهائمة نحوه، وقاوم قد الإمكان إظهار علامات النفور منها كي لا تفسد خطته، هو أوشك على إنهاء الجزء الأخير المتبقي، فلا داعي للتعجل، واصل استرساله مشددًا:
-وبنتك محتاجاكي، واللي بتعمليه ده مش كويس عشانها، ترضي هي تخسرك؟
أفاقت من خيالاتها الحالمة على صوته الذي أضاف بجدية:
-أنا عاوزك تبدأي تاخدي العلاج، لو فعلاً بتحبي بنتك و...
سألته بتنهيدة حارة وهي تحدق فيه بنظرات والهة:
-و.. ايه يا سي منذر؟
جاء إلى تلك الجزئية التي كرهها كثيرًا، لكن لا مفر منها، الخطة في الأساس تعتمد عليها، وبالتالي هو مجبر على اللجوء إليها كي يضمن خنوعها، ابتسم لها ابتسامة زائفة وهو يقول عن عمد:
-وبتحبيني، يبقى تخفي عشانا!
هتفت بنزق ودون تفكير:
-أيوه أنا بأحبك يا سي منذر وانت عارف ده كويس!
أغمض عينيه للحظات مسيطرًا على ضيقه الذي تسلل إلى تعابير وجهه، خاف من افتضاح أمره لأنه يرفض تلك المشاعر بكل قوة، فقلبه لم يخفق إلا من أجل واحدة فقط، هي تلك التي عاهد نفسه ألا يحب سواها، عاود فتح عينيه مضيفًا بهدوء:
-وهو ينفع اللي بيحب حد يموت نفسه؟
توترت من كلمته تلك، وزادت تخبطًا حينما وضع يده على كفها مؤكدًا:
-عاوزك تتعالجي يا نيرمين!
أخفضت عينيها لتنظر بعدم تصديق في يده مرددة بصدمة:
-الكلام ده ليا سي منذر؟
هز رأسه بإيماءة خفيفة وهو يقول بحذر متعمدًا اختيار كلماته:
-ايوه، خدي علاجك عشان نفسك الأول وعشان بنتك، وبعد كده عشان الناس اللي بتحبيهم!
ارتسم على محياها ابتسامة متلهفة وهي ترد:
-أنا مستعدة أعمل أي حاجة انت تطلبها مني
سحب يده بحذر من على كفها قائلاً بجدية:
-ده طلبي الوحيد!
رمشت بجفنيها عدة مرات وهي تتأمل كفها الذي كان يلامس كفه قبل لحظات، لم يكن وهمًا أو حلمًا عابرًا، بل واقعًا ملموسًا شعرت به وملأ روحها وأنعشها من جديد، رأى تأثيره عليها فهب واقفًا ليقول باقتضاب جاد:
-هاستأذن أنا بقى
وقفت هي الأخرى تسد عليه الطريق بجسدها مرددة بتنهيدة حارة:
-ما لسه بدري، ده...
قاطعها بهدوء:
-معلش، ورايا شغل في الوكالة!
أرادت أن تستفزه، أن تلعب على وتره الحساس كي ترى ردة فعله، لذا سألته بنزق:
-ومراتك؟!
رغم انزعاجه مما يحدث إلا أنه حافظ على ثبات نبرته وهو يرد بجدية:
-أنا جايلك انتي وبس!
برقت عيناها بوميض شديد غير مصدقة عبارته الأخيرة التي اخترقت قلبها بسهم نافذ لتلقى حتفها صريعة حبه، رددت بابتسامة عريضة قد تشكلت على ثغرها:
-أنا بس؟
وقبل أن يترك لها الفرصة لتسرح في خيالات وردية لا يحبذها، جمد نبرته وهو يقول باقتضاب:
-سلامو عليكم
تنحت للجانب ليمرق من جوارها، فأغمضت عينيها لثانية مستنشقة عبيره الرجولي ليكتمل المشهد ويحفر بالكامل في ذاكرتها، فتحت عينيها لتتابعه فرأته يخرج من الغرفة، تنهدت مرة أخرى بحرارة، وتعلقت أنظارها به وهي تسير خلفه لتوصله إلى باب المنزل، شعرت بانتفاضة كبيرة في روحها بعد حديثها معه، رغبت في تنفيذ مطلبه على الفور، يكفيه أنه قد جاء خصيصًا اليوم من أجلها، راقبتها الاثنتان من على بعد بدقة شديدة، مالت بسمة على ابنة خالها هامسة:
-الظاهر منذر أقنعها
اعتصر قلبها ألمًا لرؤيتها معه تبث إليه مشاعرها بأريحية تامة على مرأى ومسمع منها، لكن ذاك كان اختيارها، وتعهدت لنفسها أن تتحمل تبعاته حتى يأتي بثماره، ردت بنبرة مختنقة نسبيًا:
-ماهو واضح عليها!
التفتت بسمة ناحيتها قائلة بإعجاب:
-أنا مصدقتش إنك انتي تفكري في حاجة زي كده!
ابتلعت غصة مريرة في حلقها وهي ترد:
-كان لازم أساعدها حتى لو على حساب نفسي
رغمًا عنها لفت بسمة ذراعيها حولها لتحتضنها بقوة، هي خالفت كل توقعاتها، تجبرها يومًا بعد اليوم على إبداء ندمها لظنها السوء فيها ومعاملتها بفظاظة وجفاء من قلب، كان الأكثر رقة، الأكثر رفقًا بغيرها، هي تملك من الرحمة والحب ما لا يقارن بغيرها، قبلتها من وجنتيها متابعة بامتنان صادق:
-انتي قلبك طيب يا أسيف، وربنا هيجازيكي خير عن اللي بتعمليه في غيرك!
ردت بتضرع واثق في قدرة المولى على تدبير شئون خلقه:
-يا رب، هو اللي عالم باللي فينا، وقادر يزيح عنها البلاء ويشفيها!
.................................................. ....
تحفزت حواسها بعد كلماته الباعثة للتفاؤل على الشروع في خطة علاجها، ولجت إلى داخل غرفتها لتلقي بجسدها على الفراش، حدقت في السقفية مستعيدة صورة وجهه الرجولي المحبب لها في مخيلتها، تنهدت نيرمين قائلة:
-بأحبك يا سي منذر!
تقلبت على جانبها متابعة بنبرة متمنية:
-آه لو تحس بيا وتفكري فيا شوية!
أغمضت عينيها مجبرة عقلها على تكرار مشهد حديثهما سويًا مضيفة عليه الكثير من مخيلتها لتنتفض مشاعرها من جديد وبقوة.
..................................................
كان مدركًا لكونه سلاح ذو حدين، اللعب على مشاعر الأخرين، ورغم نبل غرضه إلا أنه كان ممتعضًا من منحها فرصة للتعلق به من جديد بعد أن حطم آمالها، رأى منذر انعكاس ذلك على حالها خاصة حينما أبلغته أسيف بتحديدها موعدًا مع الطبيب، اكتفى بتمني الشفاء لها، واقتضب في زياراته لزوجته كي لا ينكشف أمره لكونه مزعوجًا من تلك المسألة.
لاحظ والده عبوسه المستمر فاستطرد قائلاً:
-هاتفضل مسهم كده كتير؟
رد عليه بتبرم:
-غصب عني، مش عاجبني الوضع!
تفهم موقفه، ومع ذلك حاول تهوين الأمر عليه، فبرر له:
-انت قاصد خير، مالوش لازمة تحاسب نفسك كل شوية، اللي حصل حصل!
رد عليه متسائلاً بضيق:
-وبعدين يا حاج؟ أخرتها ايه؟!
هز رأسه هاتفًا:
-كل خير، قدم المشيئة وربنا عليه جبر الخواطر!
ولج إلى داخل مكتبهما أحد العمال قائلاً بارتباك واضح عليه:
-حاج طه، في.. برا...
قطم عبارته مترددًا في إكمال الباقي، فصاح به طه بجدية:
-ما تتكلم يا ابني، في ايه برا؟
اقتحم المكان أخر فرد يمكن توقعه، قدم قدمًا وأخر الأخرى وهو يقول بحذر:
-أنا يا حاج طه!
ارتسمت علامات الصدمة الممزوجة بالاندهاش على وجهيهما، فقد كان الابن الأصغر لغريمهما اللدود، سريعًا ما تحولت قسمات منذر للشدة، ونظراته للعدائية والشراسة، فهب واقفًا من مكانه ليكز على أسنانه هاتفًا بحنق:
-مازن............................ !!!
.................................................. ..




Layla Khalid and noor elhuda like this.

منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 02-03-18, 12:41 AM   #499

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9


الفصل الرابع والثمانون:

اندفعت دمائه الغاضبة في عروقه سريعًا حينما رأى وجهه المقيت أمامه، لم يتحمل وجوده في نفس المكان معه، ملامحه تذكره بوجه أخيه المقيت الذي تعرض له ولزوجته، تشنجت قسماته كليًا، ومنع نفسه بصعوبة من إطلاق السباب النابي احترامًا لوالده، ومع ذلك ثار فيه هادرًا:
-جاي ليه؟ انت مش اتحرم عليك انت وأهلك تعتبوا المكان هنا ولا....
قاطعه والده محذرًا:
-اهدى يا منذر، مش كده!
رد عليه معترضًا بشراسة وهو يحدج غريمه بنظرات مخيفة:
-لأ يا حاج، هما الظاهر نسيوا اللي عملوه!
كز على أسنانه مضيفًا وهو يلوح بيده مهددًا:
-وأنا ناري لسه مابردتش!
ابتلع مازن مرارة الإهانة مجبرًا، فهو مضطر للقبول بأي شيء حتى يحقق مطلب أبيه الأخير، رد عليه مطأطأ الرأس مكسور النظرات:
-أنا محقوقلك مهما قولت، ولو عاوز تشتم براحتك!
وضع يده على مؤخرة عنقه متابعًا بانكسار بائن:
-أنا راضي ورقبتي تحت جزمتك، بس هاستسمحك في حاجة!
نظر إليه طه بإشفاق، هكذا تتداول الأيام بين الناس، فتارة تظن نفسك في أعلى عليين، وفي أخرى تجد نفسك تهوي في أسفل القاع، تمتم بتعجب:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، سبحانه المعز المذل
بدا منذر أكثر جمودًا وصلابة عن أبيه، لم ينسَ للحظة عنفهم وتجبرهم على الضعفاء، بطشهم الذي طال مداه عائلته – وخاصة أخته الصغرى – ناهيك عن مشكلاته مع أخيه، بالإضافة إلى أسيف والتي كان لها واضعًا خاصًا مع البلطجي مجد، زاد وجهه تعقيدًا وهدر متسائلاً بانفعال:
-عاوز ايه؟
ازدرد مازن ريقه قائلاً بتلعثم:
-لو.. ينفع.. أفتح المطعم..و...
قاطعه صائحًا بعصبية وهو يكاد يهجم عليه:
-إنت بتحلم؟!
استشف مازن احتمالية رفضه لطلبه، فتابع مستعطفًا:
-مش عشاني والله، بس....
هدر فيه منذر بنفاذ صبر:
-على جثتي إن ده حصل!
استشعر طه اندفاع ابنه الأهوج الذي ربما يودي به إلى مشكلة ما، خاصة أن طريقته الموحية تؤكد نيته في الاعتداء عليه، لذلك تدخل في الحوار قائلاً بنبرة عقلانية:
-إديله فرصة يتكلم يا ابني، ماتبقاش ظالم، وتجور عليه!
زفر ضاغطًا على أسنانه بعصبية:
-استغفر الله العظيم!
رد مازن بنبرة ذليلة:
-أبويا بيحاسب على أخر أيامه، وأنا مش عاوزه يموت بقهرته بسببي أنا وأخويا!
حدق فيه الاثنان بجمود جدي، فأضاف متوسلاً عل قلبيهما يرقان نحوه:
-فإذا سمحت يعني تخليه يفتح المطعم، شقى عمره فيه!
رد عليه منذر بتهكم ساخر وهو يحدجه بنظرات مهينة:
-ومافتكرتش ده ليه وإنتو عاملين عصباجية علينا؟
لوح طه بذراعه قائلاً بجدية:
-اهدى شوية
سلط منذر أنظاره على عدوه ليرمقه بنظرات احتقارية دونية وهو يرد بتشنج:
-بلاش كلام مجانين!
ابتلع مازن من جديد مرارة الإهانة والذل، هو من جنى على نفسه بذلك،يستحق من التوبيخات والمهانة أضعافًا مضاعفة، فهو أضاع نفسه ووالده بغبائه المستحكم، فلا يلومن الآن إلا نفسه، طأطأ رأسه ذليلاً أمامهما متوقعًا الرفض، ها قد خسر أخر محاولة لإرضاء أبيه، لكن أعاد إليه الأمل طه حينما هتف بهدوء:
-سيبنا نفكر في الموضوع وروح لحالك دلوقتي
اشتعلت عيناي منذر أكثر عقب جملته المحفزة لانفعالاته المتعصبة، فاستدار ناحية والده ليسأله بصوت محتد يحمل حنق صريح:
-إنت بتديله فرصة يا حاج
رفع عكازه بيده هاتفًا بصرامة:
-منذر!
اضطر أن يصمت قسرًا احترامًا لشخصه المهيب، فكظم غضبه في نفسه لكن نظراته عكست ما بداخله، تساءل مازن بحذر وقد برقت عيناه:
-هاترد عليا طب امتى يا حاج طه؟
أشار له طه برأسه قائلاً بجمود:
-قريب، اتوكل على الله!
رد عليه مازن بابتسامة باهتة وهو يتراجع للخلف:
-كتر خيرك، ومعروفك ده مش هنساه أبدًا وهايفضل دين في رقبتي لحد ما أموت!
انتظر على أحر من الجمر اختفائه من أمامه ليصيح بعصبية في أبيه معاتبًا بغيظ:
-إنت بتديله فرصة يا حاج
عاود والده الجلوس على مقعده، ثم سحب نفسًا عميقًا زفره على مهل قبل أن يجيبه بحكمة اكتسبها من تجارب الزمن:
-ربنا مايحكم عليك ظالم، أبوهم مالوش ذنب في عمايل ولاده، وجيته هنا النهاردة أكبر دليل على ذلهم وكسرتهم، ولما احنا نسمح بفتح المطعم الناس هتقدرنا بزيادة، وهيتكلموا عنا بالخير، وبعدين مين قالك إني هاسيبه يفتحه من غير ضمانات وشروط!
كان غير مقتنع بما قاله، فجلس بعصبية خلف مكتبه هاتفًا بامتعاض:
-اتصرف إنت يا حاج طه، لأن أنا جايب جاز مع العالم الـ....... دول!
.............................................

عاونتها في غسل الصحون المتسخة بالمطبخ لينتهيا سويًا في وقت قليل بعد ترتيب المنزل، واستغلت كلتاهما الوقت في الثرثرة المعتادة لكن لم ينتبها إلى المتنصتة عليهما، عاودت عمتها فتح الحديث في ذلك الموضوع الحرج الخاص بزوجها وابنتها، ورغم إقتناعها بنبل نواياها إلا أنها كانت رافضة لتلك الوسيلة، جففت أسيف يديها في المنشفة القديمة متنهدة بإرهاق وهي تقول:
-ماشي أنا موافقاكي يا عمتي، جايز أكون خاطرت بعلاقتي مع منذر، بس أنا واثقة فيه!
ردت عليها بغموض مبدية انزعاجها:
-أنا عارفة ده، بس بصراحة مش عارفة أقولك ايه، ربنا يستر بقى
توجست ابنة أخيها خيفة أن يكون وراء ما فعلته أمر خطير لم تحسب تبعاته جيدًا، فسألتها بقلق:
-عمتي ايه اللي مخوفك بس؟
تنهدت بعمق وهي تجيبها:
-أسيف إنتي طيبة وكل حاجة، ومقدرة والله كل اللي عملتيه، ايوه نيتك خير مع نيرمين، بس أنا خايفة لما هي تعرف إنه كان ملعوب منكم عشان هي ترضى تتعالج تقلب الدنيا!
لم تعلق عليها وأصغت بانتباه تام لكل كلمة تقولها، فتابعت عواطف مضيفة بتساؤل مريب:
-طب ايه الحل ساعتها لو مشاعرها اتطورت مع جوزك؟
تجمدت أنظار أسيف عليها حائرة في إيجاد الرد المناسب عليها، كانت محقة في تلك الجزئية الحساسة، أضافت عمتها بجدية شديدة:
-نيرمين... تقريبًا بتحبه!
لم تكن مندهشة من تصريحها، لكن خفق قلبها بتوتر رهيب من مجرد التفكير في ذلك الأمر من منظور عمتها، شعرت بجفاف حلقها، فمدت يدها لترتشف الماء من الصنبور، وقفت عواطف خلفها مكملة حديثها العقلاني:
-وكمان إنتي مش ملاحظة إنه اتغير من ساعة الموضوع ده، معدتش بيجي زي الأول ولا بيتكلم معاكي، فكرك هو راضي باللي حصل؟!

شحوب مخيف غطا تعبيرات وجه نيرمين بعد سماعها للحقيقة الصادمة مصحوب بانقباضة قوية اعتصرت قلبها بعد اكتشافها مصادفة أمر تلك الحقيقة المرة التي لم تطرأ ببالها أبدًا، كانت هي بطلتها بجدارة، إشفاقًا على حالها أقدمت ابنة خالها على اختلاق كذبة المشاعر لتغرقها من جديد في أحلام لا أمل منها، كتمت بيدها شهقة كانت على وشك الخروج من جوفها لتفضح أمرها.
تابعت أسيف موضحة أسباب لجوئها لتلك الوسيلة:
-يا عمتي محدش جرب زيي إنه يخسر حد عزيز عليه في لحظة!
اختنق صوتها وهي تضيف متأثرة:
-إنه يختفي فجأة من حياته، وإنك تبقى لوحدك!
بدت على وشك البكاء وهي تكمل بصعوبة:
-أنا جربت مرارة اليتم والوحدة، ومش عاوزة بنت نيرمين تجربها، ومش عاوزاكم انتو كمان تحسوه!
وضعت عواطف يدها على ذراعها لتمسح عليه برفق وهي تقول بحذر:
-ربنا ما يجيب حاجة وحشة! احنا عشنا ده مع جوزي الله يرحمه والبنات جربوا إحساس الوحدة واليتم، ومش هاقولك إيه اللي حصلنا بعد كده، بس ربنا عوضنا، وأنا عملت اللي عليا عشان أعوضهم عن غيابه!
صمتت للحظة لتلتقط أنفاسها ثم استأنفت محذرة بجدية:
-أنا خوفي كله من ردة فعل نيرمين، جايز متقدرش اللي عملتيه عشانها، وإنتو الاتنين بينكم مصانع الحداد، وهي مش بالساهل تسيب حاجة عاوزاها، وخصوصًا إن ده... منذر.. جوزك!
زادت مخاوفها من احتمالية خسارة زوجها بسبب حسن نيتها، فهتفت بقلق كبير:
-أنا غرضي كان خير والله!
-مش كل الناس بتفكر زيك!

تراجعت مسرعة قبل أن تكتشف إحداهما أمرها، هرولت إلى غرفتها موصدة الباب خلفها، ومحدقة أمامها بأعين دامعة، وضعت يديها على رأسها ضاغطة عليه بقوة:
-كانوا بيضحكوا عليا، بيستغفلوني عشان أنا....!
قطمت عبارتها لتهدج أنفاسها باضطراب ملحوظ، شعرت بهبوط حاد في معنوياتها المرتفعة، وبتثبيط رهيب في مناعتها، بألم قاتل يجتاح رأسها حتى كاد يفتك به، استنزفت مشاعرها مجددًا، وخبت أحلامها تمامًا، وانهار كل شيء في لحظة، زادت حدة الألم واشتدت قسوته، فعجزت عن الصمود، ترنح جسدها، وسقطت على ركبتيها لتبكي متألمة:
-طب ليه؟ اشمعنى أنا؟
غلت الدماء في العروق المغذية لخلايا عقلها، فشعرت بنيران متأججة تحرقه، لم تتحمل المزيد من الضغوطات المميتة، فصرخت بوجع حقيقي:
-ليه أنا؟ لييييييييه؟
........................................
امتثلت لرغبته الملحة في رؤيتها بسبب حاجته لمساعدتها في إقناع صغيره في مسألة عجز هو عن إقناعه بها، انتظرها بجوار مقر عملها ليحدثها على انفراد، فخرجت إليه متهادية في خطواتها، ابتسم لرؤيتها وهو يعتدل في وقفته بعد أن كان مستندًا على باب سيارته الجانبي، استطرد حديثه قائلاً بهدوء:
-أنا عارف إني بأتقل عليكي بس محدش قدامي إلا انتي، ويحيى بيحبك وبيسمع كلامك
ردت عليه بابتسامة صغيرة:
-اتفضل، أنا تحت أمرك!
حك مؤخرة رأسه متابعًا بحذر:
-هل ينفع أطلب منك توصليه للمدرسة؟
قطبت ما بين حاجبيها مرددة باندهاش:
-المدرسة؟!
أضاف موضحًا بضيق ظاهر في نبرته:
-هو مش عاوز يروح خالص
مطت بسمة شفتيها قائلة باستغراب:
-غريبة، طب ليه كده؟
أجابها بامتعاض:
-مش عارف، وأنا مش حابب أضغط عليه عشان مايكرهش المكان!
سألته باهتمام وهي ترمش بعينيها:
-طيب مش سألته إيه اللي مضايقه؟
أجابها دياب بتهكم مزعوج:
-مابخدش منه عقاد نافع
حدقت فيه بنظرات فارغة تفكر مليًا فيما قاله، بينما طالعها هو بنظرات عميقة محاولاً سبر أغوار عقلها، التوى ثغرها بابتسامة واثقة وهي تقطع حاجز الصمت المؤقت:
-اوكي، سيب الموضوع ده عليا، وأنا هاتصرف
شعر بالارتياح لتجاوبها معه، واستشف احتمالية وصولها إلى حل ما، فردد بتفاؤل ممتن:
-أنا مش عارف أقولك ايه!
أشارت بكفها قائلة بهدوء:
-ماتقولش حاجة!
لم يكن ليفوت الفرصة هكذا دون أن يضع لمسة خاصة به، فهمس مداعبًا عن قصد:
-ربنا يخليكي ليا وتفضلي في حياتنا احنا الاتنين على طول!
تحرجت من غزله المتواري، فأخفضت رأسها متجنبة النظر إليه وقد شعرت بسخونة طفيفة في وجنتيها، اتسعت ابتسامته وهو يكمل:
-تحبي نوديه دلوقتي؟ مش هأخرك، هي ساعة بالكتير
ردت باقتضاب وهي ترمش بعينيها:
-ماشي!
........................................
لاحقًا، توجهت معه إلى منزل عائلته حيث انتظرتهما جليلة التي كعادتها رحبت بها ترحيبًا ودودًا معبرة عن فرحتها بمجيئها، ولجت بسمة إلى غرفة الصغير يحيى، فقفز من على فراشه ليحتضنها هاتفًا بمرح:
-مس بسمة!
ضمته هي الأخرى إلى صدرها حاملة إياه على ذراعها، ثم دغدغته بلطف لتعلو ضحكاته اللاهية معها كتمهيد حذر قبل أن تسأله بخفوت:
-ايه رأيك أنا هاوصلك المدرسة!
عبس سريعًا، وحل الوجوم على تعبيرات وجهه البريئة قائلاً بتذمر:
-مش عاوز
سألته مستفهمة محاولة تخمين أسباب ذلك التحول المريب في تصرفاته للنقيض تمامًا:
-يعني مش عاوز تروح معايا يا يحيى؟
أجابها بصوت خفيض:
-لأ عاوز أفضل معاكي، بس المدرسة لأ!
جلست على طرف الفراش ووضعته في حجرها متسائلة بجدية ومحافظة في ذات الآن على ابتسامتها الودودة:
-طب ليه؟
هز كتفيه معترضًا بعبوس:
-كده!
تابعت قائلة بجدية وهي تعبث بخصلات شعره:
-طيب أنا هاقعد معاك في الكلاس، ايه رأيك؟
صمت ولم يعقب عليها، فأكملت وهي تداعبه برقة:
-يعني مش هامشي ولا هاسيبك، هافضل طول اليوم معاك!
شعر الصغير باطمئنان طفيف في كلماتها، وبأمان شديد ينبعث من نظراتها، فردد بجدية:
-بجد؟
أومـــأت برأسها بالإيجاب وهي ترد:
-اه يا حبيبي، خلاص موافق؟
تعلق الصغير بعنقها متابعًا ببراءة:
-ماشي، بس مش تمشي وتسيبني!
مسحت على ظهره برفق قائلة:
-لأ، أنا معاك، نقوم نلبس بقى!
.............................................

اتفق دياب مع ناظرة رياض الأطفال على استضافة صغيره مجددًا لبعض الوقت دون الالتزام بالجدول الدراسي ليعاود الاندماج مع زملائه تدريجيًا بعد حالة النفور الغريبة والممزوجة بالخوف والتي سيطرت عليه من المكان، ووافقت هي بصدر رحب على ذلك الأمر لكونه يخدم مصلحة الصغير ويراعي نفسيته المهتزة ويؤدي في الأخير إلى تبديد خوفه الغير منطقي.
ظل يحيى جالسًا في أحضان بسمة التي كانت جالسة بجوار والده متحرجة من الأمر برمته، لمحتهما مصادفة طليقته السابقة وهي تتجه إلى محطة الوقود، فرأت ثلاثتهم سويًا كأسرة واحدة، اشتعلت بها نيران الغيرة والغضب، تمتمت بحنق واضح وقد اصطبغت أعينها بحمرة حارقة:
-ده مكاني مش هي!
عمدت إلى ملاحقتهم لتفسد عليهم لحظاتهم الخاصة، فضغطت على دواسة البنزين لتتجاوزهم، ثم أوقفت السيارة فجأة أمامهم لتسد عليهم الطريق، مما أجبر دياب لاستخدام المكافح بصورة فجائية وحرفية ليمنع ارتطام حتمي، اندفعت أجسادهم للأمام كردة فعل طبيعي للتوقف المباغت.
سريعًا ما تحولت أنظاره للشراسة حينما رأى ولاء ترمقه بنظرات مغتاظة، ترجل من السيارة مندفعًا نحوها بعصبية وهو يصرخ:
-انتي اتهبلتي يا........!
ترجلت من سيارتها لتنظر لها بحدة وهي ترد بتشنج:
-عاوزة ابني اللي راميه في حضن واحدة تانية!
إهانة قوية تلقتها بسمة وكتمتها في نفسها، وتابعت بأعين نارية ذلك الصدام الحامي بينهما، دفعها دياب من كتفها هادرًا فيها بصوت جهوري غاضب:
-الواحدة دي جزمتها القديمة برقبة 100 من أمثالك!
أحست بسمة بالفخر لكونه يدافع عنها بضراوة معيدًا لها كرامتها قبل أن تتطاول أكثر عليها وتسيء لها ببشاعة، فتشكل على ثغرها ابتسامة راضية، وعلى العكس تمامًا كانت تحترق ولاء في مكانها من مدحه لأخرى، وخاصة هي، فضغطت على شفتيها مرددة بتشنج:
-أتكلم كويس ماتنساش أنا أبقى أم ابنك و....
قاطعها هادرًا وهو يرمقها بنظرات احتقارية:
-أمه على الورق وبس، ده أخرك!
خافت بسمة من تطور الأمور بينهما خاصة أن الصغير يراقب الوضع معها بنظرات متوترة، لذا بحرص شديد طلبت منه الجلوس في الخلف، وساعدته على الانتقال إلى المقعد الخلفي، ثم أعطته هاتفها المحمول وزودت به السماعات ليضعها في أذنيه، فاستمع الصغير للموسيقى المرحة مدندنًا معها، وأدارت هي رأسها في اتجاه دياب لتتابعه عن كثب.
زادت نظراته المهينة لطليقته قوة حينما تأمل ثيابها الفاضحة التي تزداد عُريًا مع الأيام، لم تكن ترتدي سوى ثوبًا قصيرًا يبرز كتفيها وساقيها ويغطي فقط عنقها، بالإضافة إلى كم مساحيق التجميل المبالغة التي تلطخ وجهها بها، تابع مكملاً باشمئزاز صريح:
-بصي لمنظرك الأول قبل ما تكملي معايا، إنتي بقيتي شبه الـ....... !
فغرت ولاء شفتيها مغتاظة من إساءته لشخصها، وما زاد من غضبها هو أنه أهانها أمامها، فهتفت بنزق:
-بقى عامل الشويتين دول عشان تترسم قصاد دي! خلاص فهمت الدور!
رد عليها محذرًا بعدائية مهددًا بصفعها بظهر كفه:
-اخرسي ما تجبيش سيرتها على لسانك!
تلك المرة لم تتحمل بسمة الإهانة، فترجلت من السيارة مندفعة نحوها بتحفز رهيب، تأبطت سريعًا في ذراع دياب ليتفاجيء هو من فعلتها، سلطت أنظارها الحادة عليها لترمقها بنظرات دونية وهي تقول ببرود مستفز:
-بتكلمي مع خطيبي ليه؟
ارتسمت علامات الذهول على وجه دياب وتبدلت في لمح البصر إلى فرحة غامرة، لم يستطع التعبير عن مشاعره لكنه كان كمن بلغ عنان السماء بجملتها تلك، صفعة قوية تلقتها ولاء في قلبها لتظل متسمرة في مكانها مصدومة مما سمعته، أفاقت من صدمتها الكبيرة على صوت دياب القائل بجفاء:
-خدي بعضك وامشي من هنا، الأشكال اللي زيك مايشرفناش نتكلم معاها
احتقنت الدماء بداخلها، شعرت بفوران محتد يشتعل بداخلها، فهدرت منفعلة:
-وأنا مش هاسيب ابني لوحدة زي دي تربيه، هاخده منك وغصب عنك، وابقى وريني هاتعمل ايه!
نظر لها متحديًا وهو يرد بشراسة مهددة:
-أعلى ما في خيلك اركبيه، وأنا هاطلعلك القديم كله، وخلي يحيى يعرف أمه كانت ايه!
ابتلعت ريقها بخوف من كلماته المهددة، هي تعلم جيدًا أنه لا يعبث معها، وأنه لن يسمح لها بأخذ صغيرها رغمًا عنه حتى ولو بحكم القانون، نظرت له بغيظ مكتوم، ووضعت يدها على قبضة باب سيارتها لتركبها وهي تصيح بعصبية، لكن لم ينتبه دياب لها بل وضع يده على قبضة بسمة ليضغط عليها بأنامله وهو يبتسم لها بإشراق، ورغم تحرجها منه إلا أنها حافظت على ثباتها حتى تنصرف تلك البغيضة من أمامهما، وما إن ابتعدت حتى سحبت يدها مرددة بحرج:
-سوري إن كنت قولت....
قاطعها بتلهف وهو ينظر لها بحنو كبير:
-يا ريته يكون بجد، أنا نفسي في كده والله، اديني بس فرصة وأنا...
قاطعته بسمة مجددًا متنحنحة بخجل:
-احم.. احنا اتأخرنا كده، يالا بينا
كان سعيدًا بظهور بوادر طيبة في علاقتهما الغير معلومة المصير، وأثر عدم الضغط عليها كي لا يفسد تلك اللحظة الحميمية التي قلما تحدث، هز رأسه مرددًا:
-ماشي، براحتك..!
........................................

أوقف سيارته عند مدخل بوابة المدرسة الرئيسية، وترجل منها منتظرًا نزول ابنه وبسمة، ارتجف الصغير رغم إحاطتها له لتبث فيه إحساس الأمان، لكن زاد يقينها أن ما يمر به مرتبط بمكروه قد تعرض له داخل ذلك المكان، التفت يحيى ليدفن رأسه في حضنها هاتفًا بخوف:
-عاوزة أروح البيت، مش عاوز هنا!
انحنت عليه لتقبله من رأسه هاتفة بحنو وهي تربت على ظهره بلطف:
-ماتخفش يا حبيبي، أنا جاية معاك ومش هاسيبك، وبابي كمان معانا!
هز رأسه معترضًا:
-مش عاوز، خلينا نمشي!
كان دياب على وشك الصياح فيه لكنها أشارت له بعينيها محذرة ليتراجع مجبرًا عن تعنيفه له، داعبت خصلات رأسه مرددة بلطف:
-ماشي، هاندخل نجيب الهوم ورك ونمشي، اتفقنا
رد مصرًا:
-لأ
زفر دياب بانزعاج كبير شاعرًا بالضجر لعناد ابنه الذي يزيد من غضبه، لكن استمرت بسمة في استخدام أسلوب الرفق واللين معه، وبعد محاولات مضنية لإقناعه بشتى الطرق وافق بصعوبة على الدخول، كانت كمن يجره لحتفه رغم حدسها الذي ينذرها بذلك، لكنها أرادت معرفة سبب خوفه الحقيقي.
صادف وقت وصولهم لفناء المدرسة وقت الفسحة الخاصة بطلاب المرحلة الابتدائية، وكان هو بشخصه المقزز ضمن معلمي الإشراف، تحرك بؤبؤي الصغير بعفوية نحو شيطانه المهلك حينما سمع صوته يصيح في الطلاب:
-محدش يوقع زميله!
ارتعدت فرائصه وزادت رعشته، شعرت بسمة بيده ترتجف داخل قبضتها، فالتفتت برأسها نحوه متسائلة بتوجس:
-مالك يا يحيى؟
ترقرقت العبرات في مقلتي الصغير، وتجمدت الكلمات على طرف لسانه فبدا كمن فقد النطق، لكن بقيت أنظاره مثبتة عليه هو فقط، رفعت بسمة وجهها للأمام لتدير رأسها نحو الزاوية المحدق بها، فشخصت أبصارها هلعًا هي الأخرى حينما وقعت أنظارها عليه، لقد عرفته فورًا، لم تنساه للحظة، ولم يغب عن عقلها ذكرى ليست بالسارة على الإطلاق....
..........................................

عادت بذاكرتها لفترة مضت، ظنت أنها نسيتها وطوتها مع ما يطوى من ذكريات مشينة، إنه ذلك الوقح الدنيء الذي كان متواجدًا في ليلة زفاف أختها، على ما تذكر كان رفيق طليقها الذي كان ملازمًا له، رأت نظراته المسلطة عليها ولم ترتح لها أبدًا، وتحاشت على قدر الإمكان الاقتراب منه، واهتمت بمتابعة الضيوف الحاضرين.
تعمد في لحظة ما أثناء انشغالها بالحفل الالتصاق بها من الخلف لتشعر بشيء ما يلامس جسدها فانتفضت لأكثر من مرة مستنكرة ذلك الإحساس المرعب الذي جعل ساقيها يتحولان كالهلام، في البداية ظنت أنها تتوهم ما تشعر به، ولكن حينما استدارت للخلف رأته يرمقها بنظرات شهوانية مخيفة أجفلت جسدها، أخفض بصره ليشير إلى منطقة ما محظورة، فاتسعت حدقتاها برعب، وقبل أن تفتعل فضيحة كبيرة همس لها بلؤم متمرس مهددًا إياها:
-جربي تفتحي بؤك وهاقول إنك إنتي اللي.....
غمز لها بثقة ليؤكد لها عدم اكتراثه بما ستفعله، فاكتفت بصفعه بقوة قبل أن تتوارى عن أنظاره لباقي الحفل حتى انقضى اليوم وانقضت معه تلك الذكرى التي عاهدت نفسها على عدم ذكرها، ولم تلتقِ به بعدها بالإضافة إلى رفضها الذهاب إلى منزل عائلة طليقها كي تتجنب الالتقاء حتى به ولو مصادفة.
..................................................
تلك الانتفاضة المخيفة أنعشت ذاكرتها من جديد فشحب وجهها سريعًا، وتذكرت ابتسامته الوضيعة التي كانت تبرز بثقة من خلف أنيابه، انكمشت على نفسها، وضمت الصغير عفويًا إليها لتحميه، شعر دياب بوجود خطب ما بها، وتفرس في تعابيرها المتحولة للارتعاد والذعر متسائلاً:
-في ايه؟
بقيت أنظارها عالقة على وجه ذلك الحيوان القذر، لم تحد عنه، فأدار دياب رأسه في اتجاهه ليرى بوضوح ما الذي تحدق فيه، تجهمت قسماته وهو يسألها بنفاذ صبر:
-بتبصي على مين كده
لا إراديًا همست بصوت شبه مختنق:
-هو.. هو!
لم يفهم مقصدها فسألها بضيق:
-مين ده؟
تساءلت بلا وعي وهي تحاوط الصغير بذراعيها:
-يحيى ده عملك حاجة؟
أجابها بصوت مرتجف وهو يتشبث بها أكثر:
-ده العوو، أنا عاوز أمشي من هنا قبل ما ياكلني ويموتني!
لم يفهم دياب كلماتهما الغامضة فوزع أنظاره عليهما متسائلاً بعصبية:
-في ايه يا بسمة؟
أجابته بتلعثم وهي تتراجع للخلف:
-دياب، أنا.. ده..
أمسك بها بقبضته من ذراعها ليجبرها على التوقف وهو يهتف بزمجرة:
-ركزي معايا، في ايه؟
استجمعت شجاعتها لترد بنبرة تحمل الكثير من الحنق والغضب وهي تشير بسبابتها نحو ناصر؛ صاحب الوجه الذي لم تنساه أبدًا:
-الحيوان ابن الـ........ شكله عمل حاجة في ابنك........................................ !!
.................................................. ...............


Layla Khalid and noor elhuda like this.

منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 02-03-18, 12:49 AM   #500

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9


الفصل الخامس والثمانون:

توهجت أعينه المحتقنة بنيران مشتعلة عقب جملتها التي تقشعر لها الأبدان لمجرد تخيل ما يمكن أن يفعله ذئب كهذا في طفل بريء لا يفهم من الدنيا إلا القليل، جمد أنظاره عليها متسائلاً بشراسة مخيفة:
-نعم؟ بتقولي ايه؟
ضمت الصغير إلى أحضانها لتحميه وهي تجيبه بغل واضح:
-الكلب ده أكيد اتعرض لابنك!
احتدت نظراتها وهي تضيف بتشنج مريب:
-أنا عمري ما أنسى الشكل الزبالة ده أبدًا!
لم تعرف أنها بكلماتها المخيفة تلك تزيد من نيرانه المستعرة بداخله، خاصة أنها لم تكن تشير إلى فلذة كبده فقط، بل إليها هي الأخرى، فهم مقصدها سريعًا، وأدرك أنه ربما تطاول باليد عليه، إن لم يكن الأمر قد وصل إلى الاعتداء الجنسي، الآن فسر سبب رهبة صغيره وخوفه المستمر، كان على قدر من الغباء ليغفل عن وجود ذئب بشري وسط هؤلاء الصغار ليعثو معهم دون رقيب أو عتيد، بلغ قمة غضبه في أقل من ثوانٍ معدودة وهو يتخيل الأسوأ، هدر آمرًا فيها من بين أسنانه المضغوطة بعصبية:
-ارجعي العربية حالاً
بدت شاردة وكأنها لم تنتبه لأمره الصريح، فقط نظراتها المشمئزة مسلطة على وجه ذلك الحيوان المريض، كانت تود الهجوم عليه ونبش أظافرها في عنقه لتنهش لحمه النتن حيًا فتمزقه إربًا، اغتاظ دياب أكثر من جمودها، فرفع كف يده ليضعه على فكها، وأدار وجهها ناحيته فحدقت في عينيه بتوتر كبير، رأت علامات تؤكد وجود رد قاسٍ على ما سمعه منها، رد لن يقبل فيه بالسماح مطلقًا أو التهاون في حقها أو حق صغيره أو حق أي مظلوم كان من ضحاياه، ضغط بأنامله على فكها صائحًا:
-سمعتيني، استني في العربية!
هزت رأسها ممتثلة لأمره بخنوع كبير، أرخى أصابعه عنها لتتحرك بارتجافة طفيفة للخلف وهي ضامة للصغير يحيى في أحضانها، تابعها بترقب حتى ابتعدت نسبيًا، فاستدار برأسه ناحية ذلك الوضيع القذر ليرمقه بنظرات مهلكة، دس يده في جيب بنطاله ليخرج هاتفه المحمول، انتظر للحظة قبل أن يأتيه رد أخيه قائلاً:
-في ايه يا دياب؟
أجابه بنبرة تحمل الوعيد:
-عاوزك تجيب رجالتنا يا منذر وتجيلي عند مدرسة يحيى دلوقتي
سأله منذر مستفهمًا خاصة أن طلبه يشير إلى وجود أمر مريب وخطير في نفس الوقت:
-حصل ايه؟ الواد ماله؟
أجابه بانفعال وهو يجاههد لإخفاء نبرة صوته:
-عرفت مين اتعرضله!
سأله منذر بنبرة حادة:
-اتعرضله! قصدك ايه؟ أنا مش فاهمك! في ايه يا دياب؟
سحب نفسًا عميقًا ليضبط أعصابه قبل أن ينفجر من كثرة ما يكتمه في صدره، ثم هتف بشراسة وهو يضغط على شفتيه:
-ابن................ لمس ابني، سامعني يا منذر، لمسه! وأنا هاخد حقي منه!
رد عليه محذرًا:
-اهدى، وامسك أعصابك لحد ما أجيلك، واحنا هانفخ اللي جابوه، وهانطلع....................!!!
لمح دياب مصادفة أخته الصغرى أروى بالفناء وهي تلهو مع رفيقاتها، فانتفض قلبه فزعًا عليها خاصة أن أنظار ذلك الوضيع الغير بريئة كانت مسلطة على أغلب الفتيات، فقد أعصابه وهو يحدث أخيه:
-وجايز يكون جه جمب أختك واحنا نايمين على ودانا ومش عارفين!
سمع صوته الهادر يخرج من الهاتف قائلاً بوعيد:
-مش هانسيبه، اصبر عليا لحد ما أجيلك!
صر على أسنانه هاتفًا:
-ماشي!
أنهى معه المكالمة ليتقدم نحو الفناء هاتفًا بنبرة عالية متعصبة:
-أروى!
استمر في خطواته المتحركة نحوها متابعًا بصياح هادر:
-أروى، بت يا أروى!
انتبهت لصوته فتهللت أساريرها قائلة:
-أبيه دياب!
اقترب منه أحد المشرفين متسائلاً بجدية:
-ايوه يا فندم، في حاجة؟
نظر له دياب بازدراء وهو يرد بتجهم:
-جاي لأختي!
هز المشرف رأسه متابعًا بجدية وهو يشير بيده:
-تمام، حضرتك لو عاوز تاخدلها إذن تقدر تكلم الوكيل و....
قاطعه متسائلاً بصوت شبه متشنج:
-هاخدها، بس قولي مين الأستاذ اللي هناك ده؟
نظر إلى حيث يشير فأجابه ببساطة:
-إنت تقصد أستاذ ناصر، مدرس الصيانة؟!
ضاقت نظراته حتى صارت أكثر حدة، وأردف متسائلاً بامتعاض:
-أيوه، هو بقاله كتير هنا؟
رد عليه المشرف موضحًا:
-لأ منقول قريب، بس في حاله، محدش يعرف عنه كتير!
التوى ثغره للجانب مرددًا بسخط:
-ما هو باين!
أضاف المشرف بجدية:
-ممنوع حضرتك تتواجد في.....
قاطعه دياب وهو ينظر له بحنق:
-خلاص فهمتك!
أدار رأسه ناحية أخته الصغرى متابعًا بصرامة تفهمها جيدًا:
-اطلعي فصلك يا أروى هاتي شنطتك وتعاليلي، أنا هستناكي هنا، وإياكي تكلمي أي حد! سمعاني!
هزت رأسها بالإيجاب وهي ترد:
-حاضر!
ظلت أنظاره مثبتة عليها حتى اطمئن لدخولها دون أن يمسها ذلك الوضيع الحقير بنظراته، فتحرك نحو مكتب وكيل المدرسة ليحصل على إذن بالانصراف مبكرًا قبل انتهاء اليوم الدراسي.
......................................
على الجانب الأخر، جلست بسمة بالسيارة محتضنة الصغير تمسح على ظهره محاولة امتصاص حالة الخوف التي سيطرت عليه، منحته عشرات القبلات الأمومية الحانية التي ساعدت على التهدئة من روعه، تلفتت برأسها للجانب بين لحظة وأخرى لتحدق في بوابة المدرسة متوقعة خروج دياب، لكنه لم يأتِ، فدار في رأسها عشرات السيناريوهات لما يحدث، أغمضت عينيها بقوة لتنفض صورة هذا الدنيء عن عقلها، لكن ابتسامته المقززة كانت تبرز لها بوضوح لتنغص عليها سكونها، اشتدت تعابير وجهها حدة، وتمتمت بخفوت:
-ربنا يولع فيك وفي اللي زيك!
حاولت بحرفية استدراج الصغير يحيى لمعرفة إلى أي مدى قد تطاول عليه وتلمس جسده، اقشعر بدنها وأصيبت بالنفور والتقزز لمجرد فقط تصور ذلك الأمر يحدث معه أو مع غيره، تنفست بعمق لتضبط انفعالاتها، فقد شعرت بغلو دمائها، وبحرارة متأججة في صدرها تحثها على الترجل من السيارة والفتك به، هي خاضت ذلك الإحساس المرعب من قبل، فماذا عن صغار ضعفاء عاجزين عن الفهم أو التفسير؟
رسمت ابتسامة مصطنعة على ثغرها وهي تسأل يحيى بهدوء:
-قولي يا حبيبي، العوو ده حط ايده على جسمك!
أجابها ببراءة وهو يدفن رأسه في صدرها:
-ده عاوز يموتني!
مسحت على رأسه برفق، وأبعدته عنها لتنظر إلى وجهه ببشاشة مطمئنة إياه وهي تتابع بحذر:
-متخافش، مش هيقرب منك، بابي هايضربه زي ما احنا عملنا مع الأشرار، مش هايقرب منك خالص، مش إنت بتصدق مس بسمة!
هز رأسه بإيماءات متكررة، فابتسمت لتجاوبه معها، تابعت متسائلة بجدية شديدة وهي تشير إلى جزء محدد من جسده:
-ها حط ايده هنا؟
أجابها باقتضاب وهو عابس الوجه:
-لأ
أخفضت يدها لتشير إلى الجزء السفلي من جسده دون أن تلمسه وهي تسأله بهدوء رغم توترها:
-طب هنا؟
رد نافيًا:
-لأ
تنهدت بارتياح لعدم المساس به، إذًا فأمر الاعتداء الجسدي الصريح بات مستبعدًا، تابعت متسائلة بتريث وهي محافظة على تلك الابتسامة الودودة:
-أومال عملك ايه؟
استخدم يحيى الصغير يديه وهو يجيبها ببراءة:
-خانقني كده، وكان بيبوس بنت كده، وهي بتعيط!
اتسعت حدقتاها بهلع فقد استشفت من كلماته المقتضبة اعتدائه على طفلة أخرى وقعت كضحية في طريقه الشيطاني، ضمته إلى صدرها، ومسحت عليه برفق لتزيد من إحساسه بالعاطفة الأمومية المطمئنة، ثم طبعت على وجنته وجبينه قبلات صغيرة وهي تقول بخفوت:
-حبيبي، احنا كلنا جمبك، متخافش
هتف يحيى بعبوس قليل:
-يالا نمشي، أنا عاوز أروح البيت
ردت عليه بصوت خفيض:
-هنمشي، بس بابي يجي من جوا!
مرت الدقائق طويلة عليها إلى أن رأت دياب يلج من البوابة ممسكًا بيد أخته الصغرى، نست أمرها تمامًا، وانقبض قلبها بقوة، خافت أن يكون قد نال منها بصورة أو بأخرى، شحب وجهها وهي تنظر إلى وجهها الضحوك، تحركت أعينها نحو وجهه المكفهر، فشعرت بما يعتريه من مشاعر مشتعلة، أشار لها بيده قائلاً:
-اركبي ورا!
أزاحت بسمة الصغير عن قدميها، وأرجعته بحرص للخلف لتترجل من السيارة متسائلة بتوجس:
-حصل ايه؟
رمقها بنظرات نارية وهو يرد بتشنج آمر:
-ماتنزليش من العربية
زاد قلقها من طريقته الهجومية فسألته بخوف:
-في ايه يا دياب؟ إنت كده قلقتني، هو قرب من أروى؟
رد بغموض أكبر وهو يجبرها على دخول السيارة:
-متسأليش، اركبي!
اعترضت على أسلوبه الحاد معها قائلة:
-بس...
هتف مقاطعًا بصلابة:
-بسمة، أنا فاضلي تكة وهاولع في أم المدرسة باللي فيها، اركبي وانتي ساكتة
ردت باحتجاج متذمر وقد اكتسى وجهها بحمرة منفعلة:
-من حقي أعرف عملهم ايه الـ...... ده! أنا عارفاه من أيام أختي و....
لم يكن بحاجة إلى تلميحها الضمني لكونه قد أساء لها لتلهب ثورته وتشعل بركان غضبه الذي يهدد بالانفجار توًا، زفر صائحًا بنفاذ صبر:
-بسمة بلاش تستفزي أعصابي، اسكتي دلوقتي
استشعرت حالة العصبية المسيطرة عليه، فتراجعت عن عنادها مضطرة وهي ترد بامتعاض:
-حاضر يا دياب!
اختنق صوتها وصار أكثر حدة وهي تكمل بصعوبة:
-بس الكلب ده ليه تار معايا، ومش هاهدى إلا لما أشوفه متعلق!
نظر لها بجمود رغم اشتعال نظراته، كان حديثها يعكس الكثير، لكنه كان كافيًا لإعطاء إشارة لقتله، ركبت السيارة فصفق الباب خلفها متطلعًا أمامه بنظرات حادة تحمل الكثير، لم يفارق الهاتف أذنيه فقد كان بين فنية وأخرى يهاتف أحد ما، حاولت هي تخمين هوية المتصل، لكنها لم تعرف، وزال فضولها حينما رأت منذر مستقلاً إحدى شاحنات النقل التابعة له وبصحبته عدد من عماله، هنا أيقنت أن الأمر لن يمر على خير.
تعلقت أنظارها بدياب الذي أسرع ناحية أخيه، لم يختلف حاله عنه كثيرًا، خرجت من تحديقها المتمعن بهما على صوت أروى المتسائل بفضول:
-هو احنا مستنين ايه يا مس؟
استدارت برأسها نصف استدارة لتجيبها بحذر:
-مش عارفة!
عاودت التحديق في دياب وأخيه فرأتهما يتبادلان إشارات غاضبة باليد، ونظراتهما تحملان الوعيد بالرد القاسي، حاولت قدر الإمكان فهم ما يقولان ووصل إلى مسماعها تهديدات بالانتقام الشرس، التفت دياب ناحيتها ليجدها محدقة فيه فعاود النظر لأخيه ليضيف شيء ما، ثم لوح له بيده وهو يتحرك عائدًا نحوها.
لم ينطق بكلمة واحدة وهو يفتح الباب ليجلس خلف المقود، فسألته بجدية:
-حصل ايه؟
أجابها بغموض دون أن يلتفت نحوها:
-هتعرفي دلوقتي!
ابتلعت ريقها متوقعة الأسوأ، هي تعرف تلك التعبيرات جيدًا، وقرأتها من قبل حينما يوشك على رد الصاع صاعين لمن يتجرأ عليه، التزمت بالصمت تفكر مليًا فيما سيفعله بالوضيع ناصر، هو يستحق الشنق لا محالة لتجرأه على الصغار ممن يغتال برائتهم، فلا يستطيعون البوح بما يتعرضون له سرًا ورغمًا عنهم.
ظل منذر واقفًا بجوار الشاحنة متطلعًا إلى بوابة المدرسة ومن حوله عماله، كانوا على أهبة الاستعداد، أدار بصره في اتجاه أخيه ليرسل له إشارة ضمنية ليبدأ بعدها في إدارة محرك السيارة، شعرت بسمة بالخوف فتساءلت:
-انتو هتعملوا ايه؟
لم يجب عليها، بل وجه سؤاله لأخته الصغرى وهو يحدق بها عبر مرآته الأمامية:
-أروى، مدرس الصيانة ده جه جمبك؟
سألته أخته باستغراب وهي قاطبة لجبينها:
-مش فاهمة يا أبيه؟
التفتت برأسها للخلف لتحدق في وجه أروى الحائر، وقبل أن تتفوه بكلمة سألها دياب بحدة قليلة:
-مد ايده عليكي؟
توترت بسمة من نوعية الأسئلة التي يطرحها عليها، بينما أجابته أروى ببساطة وهي تهز رأسها نافية:
-لأ
تابع مضيفًا بحدة:
-ضربك قبل كده أو...
تلك المرة قاطعته بسمة مرددة بقوة مستنكرة طريقته في استجواب أخته وكأنه متهمة ما:
-دياب!
رد بانفعال وهو يقبض على مقود السيارة بأنامله:
-نعم؟ مش أختي معاه في المدرسة ولا مش واخدة بالك؟
حاولت أن تمتص غضبه قائلة بحذر وهي توميء له بعينيها:
-بس مش كده؟
سألها بنفاذ صبر وقد اشتدت تعابيره:
-أومال ازاي؟
أشارت له بقبضتها محذرة:
-بالراحة شوية!
ضغط على شفتيه مرددًا باقتضاب:
-ماشي!
تنفس بعمق ليخرج بعدها زفيرًا قويًا، ثم تابع متسائلاً بتريث:
-أروى اللي اسمه ناصر ده هزر معاكي قبل كده ولا مع حد من أصحابك؟ ضايقكم يعني؟
هزت رأسها نافية وهي ترد:
-لأ يا أبيه، مستر ناصر مدخلناش إلا مرة، وأنا غبت عشان فرح أبيه منذر و...
شعر بالارتياح لكونها كانت في منأى عن نجاسته، فرد باختصار:
-تمام!
اكتفى مما سمعه فضرب بيده على المقود متابعًا
-أنا نازل أجيب أمه!
انقبض قلبها بقوة خوفًا عليه، فسألته بتلهف:
-دياب إنت رايح فين؟
رمقها بنظرة أخيرة دون تعليق قبل أن يخطو نحو أخيه متسائلاً بحزم:
-جاهز يا منذر؟
هز رأسه بالإيجاب وهو يرد:
-ايوه، هاته برا واحنا هنتصرف معاه!
كور دياب قبضته متابعًا بوعيد مهلك:
-ابن الـ............ مش هاسيبه !!
.............................................

ولج مجددًا إلى داخل المدرسة مدعيًا وجود موعد مع معلم الصيانة، تجول في الفناء باحثًا عن هدفه، لم يجد صعوبة في إيجاده، فقد كان واقفًا بالقرب من صنابير المياه يأمر الطلبة بتنظيف الفناء مما به من أوراق متناثرة، احتدت نظراته نحوه وهو يتحرك صوبه مباشرة، هتف بصوت قاتم:
-إنت ناصر؟
التفت الأخير نحوه ينظر له شزرًا لكونه يناديه مجردًا دون أي ألقاب كوسيلة للتحقير من شأنه، رد بتجهم واضح عليه:
-اسمي مستر ناصر، أو أستاذ ناصر يا كابتن؟
لوح بيده متابعًا بازدراء:
-إنت مش داخل سويقة، دي مدرسة محترمة، فاتكلم كويس!
رمقه بنظرات مهينة وهو يرد بتهكم:
-وماله يا محترم!
زادت نظرات دياب حدة وهو يكمل بغموض مريب:
-حيس كده بقى أعرفك بنفسي يا أبو الماستر!
أطال ناصر النظر نحوه وهو يسأله باستخفاف:
-هاتكون مين يعني؟
دنا منه حتى تقلصت المسافة تمامًا، ثم لف قبضته حول عنقه ليطوقه منه وهو يجيب بنبرة عدائية:
-قضاك يا ابن الـ............... يا............... !!!
تفاجأ ناصر من كم الإهانات اللاذعة التي تلقاها دفعة واحدة بالإضافة إلى محاولة إعتداء باليد عليه، وقبل أن يفيق من صدمته أو حتى يقاومه ويرد عليه، جذبه دياب ناحيته مكملاً بشراسة:
-مش هاتفلت باللي عملته يا ابن الحرام! إنت وقعت معايا أنا بالذات
وضع ناصر ذراعه محاولاً صده وهو يرد بحنق:
-في ايه؟ ماسمحلكش، ده أنا...
قاطعه دياب صائحًا بإهانة حادة:
-أنا اللي هاطلع................ بذنب ابني وابن كل واحد نجسته بقذارتك يا.................!
ارتجف ناصر للحظة مما صرح به، وخشي أن يكون أمره قد فُضح من قبل إحدى ضحاياه، فازدرد ريقه الجاف متسائلاً بخوف كبير:
-انت.. بتقول ايه؟
رد عليه دياب بصوته المحتد:
-فكرك محدش كان هيعرف يا نجس؟!
ابتلع ريقه مجددًا وحاول أن يتملص منه لكنه عجز عن الإفلات من قبضتيه المحكمة عليه، هتف بصوت شبه مذعور:
-ابعد ايدك عني، أنا مدرس محترم هنا!
رد دياب بعدوانية صارخة غير مكترث بتبعات تهوره:
-انت تخرس خالص بدل ما أدبحك في قلب الحوش!
استشعر خطورة تهديده فحدق فيه بهلع، لم يكن دياب بالشخص المازح أو الذي يردد عبارات عابثة، بل كلماته موحية بشر دفين، تابع دياب محذرًا وقد لوى عنقه أسفل ذراعه:
-من سكات معايا لبرا
حاول أن يحرر عنقه من أسفله مرددًا بتوتر كبير:
-انت فاهم غلط يا أستاذ أنا،.....
قاطعه بقوة وهو يضغط على فقرات عنقه:
-وماله، عاوزك تفهمني الصح يا.................!!
توسه مستعطفًا:
-يا أستاذ اسمعني بس
جرجره خلفه هاتفًا بحنق متوعد:
-هاسمعك بس مش هنا!

نظر بعض المتواجدين على مقربة من بوابة المدرسة باستغراب لهما، ولكن كان دياب الأسرع في الخروج قائلاً:
-عندي كلمتين مع الأستاذ شوية وراجعين
لم يقوَ أحد على اعتراضه وإلا فضح أمره علنًا وخسر كل شيء، فاضطر ناصر أن يهتف بخوف:
-ده قريبي وهاكلمه برا، وراجع تاني!
كانت نبرته مهتزة رغم وضوحها لكنها أعطت المجال لحارس البوابة لكي يفسح لهما ليمرا، وما إن تأكد من عدم إتباع أي أحد له حتى هدر عاليًا وهو يلوح بذراعه المتحرر:
-منذر
انتبهت بسمة لصوته المألوف ورأت بصحبته ذلك الدنيء النجس، رمقته بنظرات متقززة، وتابعت ما يحدث باهتمام، أشار منذر لعماله هاتفًا بصرامة:
-الدبيحة جت يا رجالة!
حدق ناصر في عدد الرجال المحاوط به ليقيدوا حركته تمامًا وهو يتساءل بتوجس مذعور:
-في ايه؟
حدجه منذر بنظرات مظلمة متأملاً وجهه المقيت، باغته برفع كفه عاليًا في الهواء ليهوى بظهره على صدغه بصفعة قوية مؤلمة، صرخ الأخير مصدرًا أنينًا موجعًا، شعر بخيوط الدماء تخرج من بين أسنانه فزاد هلعًا مما هو مقبل عليه، أمسك به من فكه يعتصره متابعًا بتهديد:
-هاندمك على اللحظة اللي فكرت بس فيها تمس ابننا!
قفز قلبه في قدميه من فرط الرعب وهمس مستجديًا بصوت متقطع:
-أنا، مـ....
لم يمهله الفرصة لطلب الرحمة بل صاح آمرًا في عماله:
-خدوه
قيده العمال وسحبوه جرًا نحو الشاحنة ليلقوه بداخلها، واندفعوا فوقه يكيلون له من اللكمات والضربات ما جعله يصرخ مستغيثًا، لم يعبأوا بصراخه فهم مكلفين بمهمة محددة وهي تلقينه درسًا قاسيًا طوال الطريق حتى يصلوا إلى المستودع حيث ينتظره جزائه.
عاد دياب إلى السيارة ليقودها، بدت أنفاسه مضطربة نتيجة انفعاله، راقبته بسمة عن كثب متجنبة الحديث معه، لكنه بادر قائلاً بصوت متعصب وشبه لاهث:
-احنا طالعين على المخزن
سألته باهتمام:
-ليه؟
-هاخد حق ابني من الكلب ده!
التفت ناحيتها معمقًا نظراته وهو يتابع بجدية:
-وحقك إنتي كمان!
رمشت بعينيها بتوتر مستشعرة تلك السخونة الطفيفة التي تنبعث من وجنتيها كدليل على توردهما بشدة، هو سيعيد لها حقها المسلوب، سيذيق أمثاله من الحقراء ألوانًا قاسية من العذاب، تقوست شفتاها بابتسامة باهتة لكنها راضية عما سيفعله، وضع دياب يده على كتفها مضيفًا:
-زي ما ابني يهمني واللي يدوسله على طرف أشقه نصين، انتي كمان ليكي وضعك معايا!
أدارت رأسها بعيدًا عنه متحاشية النظر إليه بعد خجلها من جملته الأخيرة، كان مطمئنًا نوعًا ما لكونها لم تنبذ مشاعره مثلما تفعل، بل على العكس كانت تلين نحوه، وقلبها المتيبس يرق من معسول كلماته الصادقة المصحوبة بأفعاله الشهمة، لم يطل التحديق فيها طويلاً، والتفت أمامه ليدير محرك السيارة منطلقًا نحو المستودع التابع للوكالة.
.................................................. ........
تعذر عليها الوصول إليه لتبلغه بتدهور حالة ابنة عمتها واضطرارها لنقلها للمشفى بصحبة عمتها التي انهارت كليًا حينما رأتها على تلك الوضيعة الحرجة، وضعت بالعناية المشددة، وتم حظر الزيارة لها نهائيًا ريثما يصدر الطبيب المتابع لوضعها الصحي تقريره الأخير، جلست الاثنتان على أحد المقاعد المعدنية بالممر تدعوان الله أن يخفف عنها ألمها، احتضنت أسيف رضيعتها برفق وهي تهدهدها، فهي الأخرى لم تكف عن البكاء وكأنه تشعر بما في والدتها.
هتفت عواطف قائلة بصوتٍ باكٍ:
-أنا خايفة عليها أوي، يا رب اشفيها عشان خاطر بنتها!
ضمت الرضيعة إلى حضنها بذراع وباليد الأخرى لفتها حول كتفي عمتها قائلة:
-ربنا موجود يا عمتي، هو قادر على كل شيء
مالت برأسها نحوها وهي تبكي بقلب موجوع:
-آه، يا ضنايا يا بنتي! يا رب خد بإيدها!
مسحت على كتفها متابعة بصوت خفيض:
-اهدي يا عمتي، إن شاء الله هتقوم بالسلامة، نيرمين جامدة ومش هاتستسلم للمرض!
كفكفت عبراتها بظهر كفها لتدعو بتضرع:
-يا رب قويها على اللي هي فيه، يا رب اشفيها، إنت اللي عالم بحالنا، مالناش غيرك يا رب!
خــرج الطبيب من غرفة العناية متوجهًا نحوهما قائلاً بنبرة رسمية:
-لحظة من فضلكم!
هبت الاثنتان تنتفضان من مكانهما لرؤيته، تساءلت أسيف بتلهف:
-ايوه، خير يا دكتور؟
ردت عواطف هي الأخرى بنبرة شبه مرتعدة:
-طمنا يا ابني، بنتي جرالها حاجة؟
استصعب التمهيد لهما لكونه يرى الجو العام لحالتهما النفسية، لكن لا مفر من الحقيقة، ففي كل الأحوال هو مضطر للتطرق إلى وضعها الصحي، تنفس بعمق مستجمعًا شجاعته ليستطرد حديثه بحذر، وضغط على شفتيه قائلاً بتمهل مدروس:
-للأسف الحالة متأخرة جدًا، وحتى العلاج مش...
وضعت أسيف يدها على فمها لتكتم شهقتها قبل أن تخرج من جوفها، بينما صرخت فيه عواطف بفزع:
-ماتكملش الله يكرمك، قول انها هتفوق وتبقى كويسة!
لم يكن بيده حيلة، هي فقدت مناعتها وتفشى المرض اللعين في خلايا جسدها بضراوة ليفني جسدها، طأطأ رأسه قائلاً بهدوء مفتعل:
-دعواتكم ليها، عن اذنكم!
تراخى جسد عمتها إلى حد ما من أثر الصدمة، وخشيت أسيف أن تفقد وعيها متأثرة فأسرعت بإسنادها بذراعها الحر، وتشبثت بالرضيعة جيدًا كي لا تسقطها، هتفت بتلهف مرتعد:
-عمتي!
كانت في حالة لا وعي حزنًا على ابنتها البكرية، وهتفت بقلب مفطور:
-بنتي! نيرمـــين!
...............................................
رأتهم وهو يسحلوه أرضًا نحو المستودع فأثلج المشهد صدرها بقوة، هو يستحق الأبشع من ذلك، فقط لحظة واحدة اختبرتها معه أصابتها بالتقزز والاشمئزاز، فماذا عمن اختبر أكثر من ذلك بكثير خاصة إن كان صغيرًا عاجزًا؟ تمنت لو اقتصت بيدها منه، وأشبعته ضربًا حتى تروي رغبتها في الفتك به حيًا، استدار دياب ناحيتها متأملاً نظراتها الغريب نحوه، فشعر بالغيرة لكونها تنظر لغيره، لكنه يعلم جيدًا أن نظراتها تلك تحمل الشراسة والكره له، لمح تلك التشنجات الطفيفة في بشرتها، ورأى ذلك الزفير المشحون الخارج من صدرها، هتف متسائلاً بجدية:
-دلوقتي هاعرف عمل ايه في ابني، تحبي تجي معايا؟
هزت رأسها دون تردد وهي تجيبه بإيجاز:
-ايوه، بس يحيى و....
قاطعها قائلاً بهدوء:
-واحد من رجالتنا هيوصلهم البيت، ماتشليش هم!
ضغطت على شفتيها هاتفة:
-طيب!
أشار لها بيده وهو يترجل من السيارة:
-تعالي!
أراد أن يصطحبها معه لتنتقم هي الأخرى منه عله يمحو تلك الذكرى البغيضة من مخيلتها رغم كونه متأكدًا أنها لن تصمت عن حقها.
..............................................
امتعض من اتصالاتها المتكررة على فترات وهو مشغول في مسألة ذلك البغيض، فاضطر أن يتجاهل مكالماتها عمدًا ريثما يفرغ منه، تمتم منذر مع نفسه بضجر:
-مش وقتك يا أسيف!
التفت للأمام صائحًا في عماله بصوت آمر:
-خدوا الكلب ده ورا!
رد عليه أحدهم بصلابة:
-حاضر يا ريس منذر!
سحلوه بقسوة على الأرضية الصلبة ليجرح جسده ويتأذى بعنف، لكن ذلك لم يجعل نيرانه تهدأ، فمجرد التفكير في تلمسه لأخته أو حتى لابن أخيه يجعل الدماء تحتقن في لحظة في عروقه وتؤجج غضبه وتزيد من حدته فيدفعه لقتله دون تردد، لحق بهم بخطوات متعجلة لكنه تهادى في مشيته حينما رأى أخيه مع بسمة، فهتف متسائلاً باستغراب:
-جايبها ليه معانا؟
أجابه بغموض وهويشير له بعينيه:
-ليها حق عند الكلب ده!
بدت نظرات منذر قاسية للغاية تنتوي كل شر له، فذلك الخبيث المنحرف تجرأ على الكثير دون أن يهاب ممن يمكن أن يردعه يومًا، وها قد حانت نهاية أمثاله...................................... ............. !!!
.................................................. .




Layla Khalid and noor elhuda like this.

منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:22 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.