13-سيد احلامي - آن ستيفنز- كنوز احلام القديمة

[Just Faith]

10 - حب يتحدى المنطق

لحسن الحظ وجد ستيف ماركوري الكثير من العمل لجويس في الأيام التي تلت ولم تشاهد مايك كثيراً، كانت تتهرب من طريقه كي لا تره، وشغلت نفسها بالعديد من مهمات وظيفتها وعملت مع المحاسب، وفي تحضي زيارات خاصة للشاطئ للمهتمين بلعبة الغولف للرحلة القادمة.

وخططت لحفلات لاساتذة الفنون والرسم، ولتحضير الغرف لحفلة دراسات المحامين والتعليمات لحفلة وداع القبطان لآخر ليلة لهم في البحر.

العمل والتعليم لما يجب أن تفعل، كان خشية الخلاص لها فلو أنها بقيت مشغولة، فسيكون أمامها وقت للتفكير بمايك روبرتس، ولكنهالم تستطع الاستمرار في أن تكون مشغولة بمافيه الكفاية ، ووجهه كان أمامها ليل نهار.

من الأفضل لها لو أنها تبقى طوال يومها في مكتب إدارة الرحلة، ولكن مهامها المتنوعة كانت تصل بها إلى مختلف زوايا السفينة ، كانت تستطيع تجنبه في قاعة الطعام، ولكنها لم تستطع تجنب رؤيته وقد حول اهتمامه الى لينا ويبستر.

ورأته جويس مع لينا يلعبان التنس عند الصباح، ويضحكان ويتحدثان فيما بعد، ورأت ذراع لينا تلتف حول مايك بتملك وهما يسيران معاً نحو القاعة التي اختاراها لتناول العشاء، لون بشرتيهما أصبح قاتماً اكثر، على الأرجح لقضائهما أوقاتهما على أبعد الشواطئ الذي هو فخر الريفيرا الكاريبية، وكان مؤلماً لها أن تتذكر أكثر الإطراء الذي بدر عن أحد رفاق جويس على طاولة العشاء عندما خطأ مايك مع لينا إلى حلبة الرقص:

- أليسا زوجاً جميلاً؟ هذا الرجل الوسيم يعرف كيف يختار ، وهو بالتأكيد يختار الجمال!

وكان هناك شيء سعدت به جويس، فايدي بروك قبل اعتذارها وفهم لماذا كانت متوترة وغير منصفة له، وقال لها:

- كلنا نتوتر قليلاً في بعض الحيان.

- وخاصة عندنا يبلغنا شخص ما حقيقة لا نود سماعها.

صرف الدكتور النظر عن الموضوع بإشارة من يده، مكتفياً بأن يكون مجرد صدمة لها ، وكأصدقاء، سوف يزوران ماتبقى من الجزر على لائحة زيارت ( ملكة الكاريبي) معاً.

وبوجود الدكتور كمرافق لها، أنقذت جويس من الإذلال عندما شاهدها مايك تغادر السفينة، أو عندما كان يلتقي بهما وهو برفقة لينا في المحلات، والمطاعم الرائعة التي تشتهر بها منطقة الكاريبي الفرنسية، كبرياء جويس أُنقذ، فقد حظيت باهتمام أحد أبرع الاعضاء المميزين بين طاقم السفينة المحترفين.

ولكن ( إنقاذ ماء الوجه) لم يكن كافياً، ففي بعض الأحيان عندما كان من المستحيل تجنب لقاء مايك، كانت عيناه تحدقان بها بنظرة تلاحقها لعدة ساعات فيمابعد .

**********************

وكانت تستطيع تجنب النظر إلى وجهه، ولكنها عندما تخلو إلى نفسها في مقصورتها ليلاً، يبرز وجهه أمامها يبتسم.. وهاهي الان لينا دائماً إلى جانبه ، متعلقة بذراعه ، تداعبه، وتبتسم له وفتكت الغيرة بأفكار جويس وجسدها وغضبت من نفسها لإبعادها مايك وأغضبها التفكير بأنه قال لها إنه يريدها وقد أفسدت كل شيء ببضع كلمات لم تفكر فيها.

ومع أنها حاولت إخفاء مشاعرها عن ايدي ، إلا أن بؤسها لم يكن ليخفي، وفي إحدى الأمسيات، وفي بار البيانو فوق السفينة، راقب ايدي مايك ولينا يتبادلان الحديث في الزواية من زوايا الغرفة وربت على يد جويس قائلاً:

- لا تدعيهما يزعجانك، إنهما من نوع واحد،وربما يستحقان بعضهما.

- ولماذا يزعجاني؟

وهزت كتفيها بعدم اكتراث زائف، وكانت تعرف تماماً لماذا، والأسوأ أنها تعرف أن ايدي يعرف ايضاً.

يبدو أن هناك مايذكرها بمايك في كل مكان، فقد دعتها ايلين ويبستر إلى جناحها لتناول غذاء متأخر من فطائر ( الماندرين) والشراب المثلج، وبدت روحها المعنوية مرتفعة، ومع ذلك اعترفت لجويس بأنها لاتزال تعاني الصعاب من أفراد أسرتها.. فسألتها جويس:

- أين هما؟

وتظاهرت ايلين بالابتسام، وكأن الأمر سيان لديها:

- أوه..أنا متأكدة أن دان قد وجد له أرملة ليثير الصخب من حوله في البارات..ولينا؟ إنها لا تحضر إلى هنا سوى لتغيير ملابسها بين الموعد و الموعد مع جارنا الشهير.. جويس أنا لم أرها قبل الآن ملتصقة بأحد هكذا، عندما تخرج لاصطياد رجل، ممكن أن يتوقف العالم حيث هو دون أن نلاحظ هذا.

وأحست جويس وكأن قد غمر قلبها بالثلج، فقالت:

- إذا ابنتك تتمتع بوقتها، وهذا ماأردتيه لها عندما حجزتم لهذه الرحلة.

- أجل، أرتها أن تكون سعيدة، ولكنني اتمنى لو أنها تتورط مع شخص من عمرها، زوجي مقتنع أن السيد روبرتس سيكون له تأثير استقرار على لينا ، فهو يتأثر كثيراً بالرجال المتعلمين والأغنياء ، وهو يعرف تماماً أن أهله كانوا مزراعين فقراء، وربما يكون على حق .. لينا قد تكون محظوظة للزواج من رجل من طبقة مايك روبرتس، وربما تبدأ التصرف كراشدة.

تمنت جويس لو أنها لم تسمح أصلاً للحديث عن مايك أن يبدأ وتمنت أيضاً بأن لا يظهر عليها الحسد عندما سألت:

- هل الأمر.. جدي هكذا؟ وهل تظنين السيد روبرتس ..هل طلب من لينا ..أن .. تتزوجه؟

- لا أعلم إنها لا تثق بي.. ولكنهما يمضيان كل ساعات يومهما معاً ، وقد بدأ الامر يبدو..جدياً، مع والدها أو معي.. ولكنني لم أرى لينا مصممة هكذا من قبل على الحصول على رجل.

وتابعت ايلين تتذكر يوم كانت تشابه ابنتها، وكان الرجال يرمون بأنفسهم عند قدميها، ثم عادت لسرد قصص نجاحات ابنتها مع الرجال ، وسرت جويس للخلاص، بعد أن تحججت بعمل شاق ينتظرها في المكتب.

**************************

فيما بعد أخذت جويس تنظر إلى خزانة ملابسها، وتخيلت نفسها مرتدية أحد ثوبيها المخلصين لها وهي تراقب دخول لينا مرتدية ثوباً كلفها ماقد تكسبه جويس في شهرين، ولينا كانت دائماً جميلة، وهي ترتدي ثوبها الأبيض المطرز، وتجعل مايك دائماً فخوراً بأن يكون مرافقها إلى أفخم حفلات العشاء.. وربما كان يشعر بالإحراج لدخوله مع جويس.

ولم تقل لايدي كيف أنها تشعر وكأنها قديمة الطراز أمام لينا ويبستر، ولمنعها اخبرته عن حديثها مع والدتها ، فقال ايدي:

- ربما يعطي هذا لوالدها إحساساً بالأهمية، لأنه يفسد ابنته.

- ولكنها تملك ذوقاً رائعاً.

- في اللباس أجل.. ولكن في الناس، لست واثقاً من هذا.

ولم تعلق جويس على كلامه، فهو يساعدها على التذكر بأنها أفضل بكثير أن تكون لوحدها بدون مايك روبرتس الذي يقودها نحو تحطيم قلبها، ومالم تستطع أن تخبره به، هي الحقيقة: أن مايك نادراً مايغادر أفكارها.

وكم كان عذاباً لها أن تعلم أن مايك سيزور ( سانت توماس) أول مرفأ تزوره السفينة في جزر ( فريجيني) مع لينا! ورؤية ( شارلوت امالي) عاصمة الجزر، مع ايدي سيكون مبعث سعادة لها، ولكنها ستمضي اليوم وهي تفكر كيف كانت سنمضيه مع مايك، كما فعلت عند زيارة ( سانت جوان).

وكان ايدي متشوقاً كي يريها جزر ( فيرجين) وأخذها إلى قمة ( فلاغ هيل) بواسطة القطار الهوائي، حيث أشرفا من فوق أحد المواقع على انسجام اللونين الأزرق و الخضر تحتهما، بعد ذلك إنضما إلى العديد من السواح من ملكة الكاريبي وعدة سفن سياحية اخرى، في التسوق من المحلات الجميلة في ( شارلوت امالي ).

وبينما هما يتجولان من محل إلى محل، ويتمتعان برؤية الأبنية على الصفين من الطراز الدانمركي والهولندي والإسباني والفرنسي، اكتشفت جويس، على الرغم من أن البضائع أرخص بكثير مما هي في موطنها ، فإنها تقدم إلى السياح ممن يستطعيون تحمل مصاريف رحلة بحرية كهذه، وليس إلى الموظفين من أمثالها.

وتركها ايدي بعد قليل ليشتري علبة ( توباكو ) لأحد مرضاه، أوصاه عليها، ثم عاد للانضمام إليها بعد وقت قصير.

- لم أجد ما أريد..إذا كنت اكتفيت من التسوق، سنستدعي سيارة تنقلنا إلى خليج ( ميغان).

خليج ميغان، كما عرفت جويس ، هو واحد من أجمل الشواطئ في العالم ولم يكونا قد جلبا معهما ثياب الاستحمام، ومع ذلك فقد شعرا بفرحة وهما جالسان على مقاعد، يتفرجان على القوراب ، ويتحدثان بسهولة حول مواضيع مختلفة، وفجأة حبست جويس أنفاسها لرؤيتها مايك يركض عند حافة المياه الذهبية ، ووراءه تماماً تركض لينا لتحلق به.

ولم يسع ايدي سوى أن يلاحظهما ، ولكنه تظاهر أنه لم يفعل ، وقبل أن يستدير مايك ولينا ليركضا إلى القسم الذي يجلس ايدي وجويس فيه، التفت إلى جويس وقال لها:

- أنا ميت من العطش، هل ترغبين في تناول شراب في أحد أماكني المفضلة؟

و آلمها أن تعرف أنه يشعر بالأسف عليها، فهل كانت ردة فعلها لرؤية مايك واضحة جداً؟ وبعد أن تناولا المرطبات ، نظر إلى ساعته وقال إن لديه موعد مع مريض، ويأمل أن لا يخيب أمل جويس إذا عاد إلى السفينة.

*************************

كيف عرف ايدي أنها تريد الهرب إلى مقصورتها، وأن ترمي نفسها على سريرها وتبكي إلى أن لا يعود هناك من دموع في عينيها؟

من الواضح أنها غرقت في النوم ، واستيقظت على صوت قرع على الباب وعرف الطارق عن نفسه بأنه الخادم وقد جلب لها علبة وقال إنها وصلت من أحد المحال في المدينة، ولم يكن معها بطاقة ولم تعرف من أرسلها أو ما فيها.

بعد نصف ساعة ، وقفت أمام المرآة وهي مسرورة بالثوب الرائع بأكمامه التي تشبه الفراشة، نفس الثوب الذي أبدت إعجابها أمام ايدي، واتصلت لتقول إنها تستطيع قبول هذه الهدية الثمينة.

- ستجدين شيئاً مناسباً لي يوماً ما.. وسأبدأ باعطائك بعض التلميحات ، أنا أجمع الخرائط القديمة، وأجن بالكريستال الهولندي ، هل الثوب مناسب لمقاسك؟ لقد قلت إنه مقاسك، ولكنك لم تجربيه.

- أوه ايدي .. كيف تفعل شيئاً كهذا؟

- لأني سأرافقك إلى حفلة القبطان، وأريد أن تبدو أجمل فتاة على السفينة أجمل مما هي بكثير.

ولم يكن أمامها إلا أن تشكره..كيف عرف انها لم تعد تطيق الظهور ثانية في واحد من ثوبيها؟

وبعد أن علقت الثوب الأصفر بعناية في خزانتها ، تمنت جويس لو أن احب ينقاد وراء الذوق السليم بدلاً من القلب.

فمن المؤسف أن لا تستطيع أن تحب ايدي، فهو واحد من الاشخاص الألطف و أكثر مراعاة لشعور الغير، ممن قابلتهم في حياتها.. ولكن ..الحب .. الحب يحدث هكذا بكل بساطة.. ولا يمليه المنطق ابداً..

كان يجب أن تفكر بايدي عندما جربت الثوب ثانية عند المساء.. لم تمتلك في حياتها شيئاً يماثله، ولم تظهر بشكل أفضل أبداً ، ومع ذلك فعندما نظرت إلى نفسها في المرآة معجبة لم تكن تفكر بالدكتور.. بل كانت تتخيل نفسها تدخل غرفة الطعام ، في الليلة الأخيرة من هذه الرحلة ، وتصورت عينا مايك وهما تنظران إليها بإعجاب، أوه ولكن لن تضاهي امرأة في السفينة منظر لينا وهي تدخل قاعة الطعام بذلك الثوب الابيض المطرز، ولكن ألم يقل مايك يوماً بأنها جميلة؟ وقد ينظر إليها هكذا ثانية ، وقد يتبادلان الحديث، وقد تحاول التفكير بالكلام المناسب لتقوله له، ربما مجرد ربما...

وأعادت الثوب إلى الخزانة، ستكون شاكرة لأيدي للأبد، أما الآن فامامها ليلة للانتظار، ليلة قد يلاحظها مايك فيها قبل أن يغادر السفينة، وقبل أن يسير خارجاً من حياتها ومن أحلامها إلى الأبد .

وقبل أن تغفو ..اشتاقت ذراعاها إلى الرجل الذي تعلم الآن علم اليقين بأنها تحبه.. حتى أنها تركت نفسها تحلم بأنها بين ذراعيه، تسمعه يقول إنه بحاجة لها ويريدها وعليه أن يمتلكها.

لقد كان حلماً غبياً، وعلى الرجح حلم لا أمل فيه، ولكن الثوب الأصفر بأكمامه الشبية بالفراشة جعل الأمر بطريقة ما، حلماً رومانسياً ، ربما .. من المحتمل .. أن يصبح حقيقة.

*******************************

[Just Faith]

11- زيارة عند منتصف الليل

باكراً في الصباح التالي، وملكة الكاريبي تشق عباب الكاريبي الأزرق في طريقها إلى ( نورتولا) في جزر ( الفرجيني) البريطانية ، شاهدت ايلين ويبستر مستلقية على كرسي طويل تحت الشمس، وكانت لوحدها تتأمل في البحر، وعيناها بعيدتان عن الكتاب الذي في يدها.. وابتهجت لرؤية جويس ودعتها للجلوس على المقعد مجاور لها.

- دقيقة واحدة فقط، أعلم كم أنت مشغولة.

وسألتها ايلين عن أعمالها وذكرت بعض شكاويها المعتادة حول زوجها، ولكنها كانت قلقة في كلامها عن ابنتها.

- لينا حساسة جداً من قلة النوم، حتى انك عندما تقولين لها ( صباح الخير) تصيح في وجهك..أوه ياجويس أعلم أنها غارقة من رأسها إلى قدميها بحب ذلك الرجل.. ولايمكن أن يكون هو جاد في الاهتمام بها.

- ولماذا تفترضين بأنه لا يمكن أن يكون جاداً؟ إنهما .. بالتأكيد يبدوان .. أعنى يمرحان معاً.

- يمرحان اجل.. ولكنه ليس من النوع المتقلب السطحي، انه رجل جدي في الحياة، وفي عمله وقيمه، ولينا طفلة متهورة, وليست شخصاً قد يرغب في تقديمها إلى اصدقائه في مهنته.

وضربت على الكتاب الذي تمسكه، وتابعت :

- تستطعين أن تشعري بالإعجاب بهذا الرجل عندما تقرأين كتابه هذا.

الحب والإعجاب أمران مختلفان ، وجويس ترفض أن تترك أي انسان يعرف بأنها تحب مايك، وهي تريد أن تعبر فوق واقع أنها قد انفصلت عنه لأنها لم تكن معجبة به كاكاتب، فقالت:

- انطباعي من الكتاب أنه معجب بنفسه كثيراً، ولقد كرهت ذلك الجزء منه عندما صور نفسه كفارس يبرق في سلاحه الكامل، في مواجهة أكثرية لا يمكن التغلب عليها.. ثم ، بالطبع .. تأتي المحاكمة...

- اية محاكمة؟

- محاكمة الشاب المتهم بجريمة القتل، وتلك الإشارات المثيرة للشفقة عن أمه المسكينة، إنها تبدو كرواية تلفزيونية، حيث تعلمين فيها أن البطل سينتصر في النهاية..

وكانت جويس قد بدأت تقتنع بأنها محقة في انتقادها لمايك.

- أنا لم أقرأ الفصل كله، ولكنني أستطيع تخيل أن والدة الشاب رمت بذراعيها حول رقبة المحامي الذكي شاكرة إنقاذه حياة ابنها البريئ.

- ولكن هذا لم يحدث؟

- ماهو الذي لم يحدث؟

- إنه لم يبرئه.. لقد خسر السيد روبرتس القضية..

*************************

- خسر.. القضية؟

- لقد حصل على حكم بالسجن المؤبد، ولكن الزبون كان مذنباً..لقد غضب يوماً وتحول إلى العنف، وأخذ يشتم محاميه بكل كلمة بذيئة معروفة واعترف بأنه قتل ذلك الرجل المسكين ، وكان أمر معذب للسيد روبرتس، كان يظن نفسه منقذاً ، ولكنه علم كم يعرف القليل عن الناس، وكيف أن احكامه تصبح ضبابية عندما يظن أنه كان بطلاً .. نهاية ذلك الفصل أبكتني يا جويس.. لقد بدا المسكين أحمقاً أمام أنظار كل اصدقائه، لقد شوهد على التلفزيون، في قاعات المحكمة وردهاتها، وأم الزبون تصرخ في وجهه.. وفي كتابه كتب أنه تلقى درساً في الإذلال.

- الإذلال!

- أجل الإذلال ، لقد أمل أن تجعله تلك الغلطة ، الفشل، حكماً أكثر تمييزاً للشخصيات، ولكن الأكثر من هذا، أنه أمل أن تجعله هذه التجربة شخصاً أفضل، ولايمكن للينا أن تفهم مثل هذا الرجل، ولايمكن له أن يهتم بها جدياً.

وطغى شعور من الغثيان على ضمير جويس ، لقد تصفحت بضع صفحات.. وحكمت.. حكماً ظالماً غير دقيق، فلا عجب أن تنكر لها مايك.

فقالت معترفة:

- أنا.. لم أقرأ الكتاب بعناية..

- لقد كدت انتهي من قرائته، وأتمنى أن تقرأه لينا أيضاً، ولكنها مهتمة فقط بأن تعرض على أصدقائها الصورة على الغلاف، ولم يقل لها أحد إن هناك اشياء كثيرة حول السيد روبرتس أكثر من وجهه الوسيم.

وبقيت جويس مشغولة بمساعدة ستيف إلى أن حلت ساعة العشاء، وشعرت بأنها غير جائعة ، فاستلقت في سريرها، وبقيت صاحية إلى أن قرأت الكتاب من أول الغلاف إلى آخره.

كانت الساعة قد قاربت منتصف الليل عندما أغلقت الكتاب.. هل يكون ايدي في مطعم عشاء منتصف الليل؟ إنه عادة يكون هناك، وهي بحاجة إلى نصيحته، فهو أيضاً قد اساء الحكم على مايك، وربما فعل هذا انطلاقاً من الغيرة الشخصية.

وارتدت جويس بسرعة واستقلت المصعد إلى (الكهف الذهبي) حيث ستقدم الوجبة المتنقلة هذه الليلة، ووجدت ايدي يحمل طبقه متجهاً إلى طاولة منعزلة، وحضرت لنفسها طبقاً من مختلف أنواع الأطعمة ، وانضمت إليه ودخلت رأساً في الموضوع:

- لقد قلت أشياء فظيعة لمايك، وكنت مخطئة، وأنا مدينة له بالاعتذار.. ولكن ليس لديّ الجرأة أن أسير إليه هكذا وأقول له إنني آسفة ، فقد أموت لو أنه ...وجهني لصد بصدٍ بارد، ماذا افعل؟ لقد كنت غير عادلة معه أبداً!

ونظرت عينا الدكتور الزرقاوان في عينيها للحظات ، ثم قال:

- أنت حقاً تحبين هذا الرجل.

الوقت أصبح متأخراً للإنكار.. فهزت جويس رأسها ببؤس معترفة ، والدموع تنهمر من عينيها، وقال لها الدكتور:

- محل الهدايا مقفل في هذه الساعة، لذلك لن تستطيعي شراء بطاقة لتتأسفي له بواسطتها، ولكن بإمكانك أن تتحدثي مع الساقي وترسلي لمايك زجاجة شراب إلى جناحه، واكتبي على المنديل ، ثم انتظري مخابرة منه.

**********************

- ماذا لو كان برفقة شخص آخر؟ ولو أنه قرأ الرسالة و.. عاد إلى النوم ؟ سأشعر بالإذلال..

- الرسائل المكتوبة على المناديل ينظر اليها عادة باهتمام ، انهي عشاءك واذهبي من هنا.. فأنا أقبض أجراً مضاعفاً للنصيحة بعد الثانية عشر.

ولم تمضي عشر دقائق حتى عادت جويس إلى مقصورتها، وفجأة أصبح رنين الهاتف أهم شيء في الدنيا لديها، فلو أن مايك في جناحه لقرأ الرسالة الآن ولكن قد يكون في إحدى قاعات الجلوس، وقد يكون يرقص مع لينا، وقد يكون نائماً ، وقد وجد زجاجة الشراب والرسالة أمر غير مرغوب فيه، ماذا لو أنه لم يتصل أبداً؟

ولكنه فعل .. وأجفلها صوت الرنين الذي كانت تأمل بأن تسمعه والتقطت السماعة ، محاولة أن تبدو رابطة الجأش :

- آلو؟

وجاءها صوت مايك العميق الرنان:

- لديّ مشكلة .. سيدة جميلة فاجئتني لتوها برسالة مؤثرة وزجاجة شراب فاخرة.

- وهل هذه مشكلة؟

- إنها مشكلة إذا لم يشاركني بها أحد ، إذا كنت لا تمانعين بالشراب من أكواب عادية، فأنا مستيقظ ومرتد ثيابي.. هل يمكن أن تأتي .. لتتحدثي معي؟

- في مثل هذه الساعة؟

- انتهاز الفرصة كما يقولون ، ممكن أن آتي لرؤيتك ، ولكن المكان هنا أوسع.

بعد فترة قصيرة كان ثوبها البيج مزين بوشاحها الجديد، ومكياج جديد وشعرها ممشط ، وأصبحت جاهزة ، ماعدا زيارتها البرئية لايدي بروك، لم تمضي من قبل أي وقت مع رجل في غرفته، وشعرت جويس بالتوتر، ولكنها تعرف أنها لو رفضت ، فلن يتصل بها مايك ثانية.

وقابلها مايك عند الباب، وقد ارتدى روباً حريرياً فوق بيجامته، وابتسم لها معجباً بثوبها الطويل، وقال :

- لوكنت أعلم أن هذه ستكون مناسبة رسمية لكنت ارتديت غير هذا.

وهنأها مايك على ثوبها الجديد الجميل، وهو يرافقها إلى داخل جناحه.

- ولكنني ارتديت هذا الثوب مرات ومرات من قبل.

- أنا في الواقع لا ألاحظ الثياب.

وأشار مايك إلى أحد المقاعد فجلست جويس عليه، هديتها له كانت على الطاولة وأمامها كوبين عاديين لشرب الماء وجلس مايك الى جانبها وهو يقول:

- أنا عادة أكون مشغولاً بالنظر إلى الوجوه فلا ألاحظ الثياب، وأنظر إلى العيون، وأهتم بالهدية أكثر من غلافها.

وفتح مايك الزجاجة وصب الشراب في الكوبين ، وقال:

- أتعلمين كم كنت سعيداً بتلقي رسالتك؟ كنت أفكر بأنك ربما تكونين على حق، فيما قلتيه ذلك اليوم عند الشاطئ ، ربما كنت أحاول إثبات شيء ما لنفسي.

- أنت لن تحاول إقناعي بأنك لا تشعر بالأمان.

*************************

- لقد مضيت وقتاً معك ياجويس ، ثم حصل بيننا سوء التفاهم ..على كل ، أنا سعيد لأنك غيرت رأيك بي، لم يبق أمامنا وقت طويل ، ففي الأسبوع القادم سأعود إلى عالم الواقع، وأريد أن أتذكر هذه الأوقات ، أريد أن أتذكر وقتي معك.

ومد ذراعيه لها فانزلقت بينهما بسهولة ، غير واثقة من أن ما يحدث هو حقيقة.

- إن ما تفعله صواب، ولا حاجة لنا أن نخاف من بعضنا..

وبدا أنهما لا يستطيعان أن يقتربا من بعضهما مافيه الكفاية، وسبحت مشاعر جويس في بحر من الأحاسيس الدافئة، لم تكن تعرف من قبل أنها موجودة في داخلها ، وقالت لنفسها: لن اشعر بالأسف فيما بعد، فأنا احبه ، وانا أكثر امرأة محظوظة في العالم.

ورن جرس الهاتف، مما أزعج مزاجهما، وتركها مايك وهو يقول:

- في مثل هذه الساعة؟ لابد أنها بعد الثانية صباحاً.

ورن الهاتف من جديد قبل أن يصل إليه ويلتقط السماعة قائلاً:

- نعم ..أجل.. أعرف أنها فرقة موسيقية عظيمة، لقد سمعت عنها.. ولكنني لا أشعر برغبة في الرقص الليلة.. لا.. لست تعباً .. أنا مشغول.. لدي زائر.

وتساءلت جويس عن ردة الفعل عند الطرف الآخر.. فمن يتصل ، وهي تقريباً تعرف انه ليس مجتمعاً بزملائه القانويين في مثل هذه الساعة من الفجر، وسمعته يقول:

- لا، أخشى أن لا استطيع .. لا مجال.. لا أعلم ماذا يحدث في الغد .. قد أذهب في جولة مع المحامين من كاليفورنيا، لقد أمضيت وقتاً قليلاً معهم والرحلة تكاد تنتهي ، أجل ..أكيد.. أجل إذا نجح الأمر هكذا.. سأتصل .. متعي بنفسك .. ولا تنتهي أن غداً يوم آخر مختلف.

ولم يذكر مايك اسم المتكلمة، ولكن لم يكن هناك شك في أنها لينا ويبستر.

- الفتاة المجنونة ، تريد أن أذهب إلى نادي الرقص.. أنا لم أعد مراهقاً ، لقد شعرت برغبة لأقول للينا إنني بالكاد تحملت العشاء هذه الليلة.

وابتسم مايك ثم عاد إلى مكانه قرب جويس:

- كم أنه توقيت سيء للاتصال.

ومد يديه ليستعيدها إلى ذراعيه ولكنها ابتعدت عنه:

- هل هناك شيء ياجويس؟

- أشعر بأنني أزعج أمسيتك.

- لقد مضيت أمسيتي مع كتاب جيد، هادئة ولكن مملة إلى أتى الساقي يدق بابي، جويس لا يمكن لك أن تعرفي مدى سعادتي أن أراك ثانية.

بالنسبة لجويس، بطريقة ما ، هذه المكالمة أخذت كل ما كان يغمرها من مشاعر منذ بضع دقائق، بدا لها وكأن لينا معهما في الغرفة، كم مرة زارت هذه الغرفة ياترى؟ لقد أمضى مايك معظم ساعات صحوه مع لينا خلال الأسبوع الفائت، وربما في هذه اللحظات تشعر بالغضب، وبصدمة الصد، ماكان على مايك أن يقول لها إن لديه ( زائرة..هل هذا جزء من لعبته، تشجيع النساء ، وجعلهن يغرن من بعضهن ، واستغلالهن؟

***********************

ربما كانت مخطئة حول غرور مايك وتصرفاته تجاه الناس.. وتجاه نفسه، ولكنه لا يستطيع الإنكار بأنه شجع اهتمام صائدة رجال في التاسعة عشر من عمرها، ووقفت على قدميها، فقال مايك:

- لست ذاهبة؟

- الوقت متأخر. وأنا لست مراهقة أيضاً.

وحاولت أن تكون طبيعية معه، حتى لا تغلق الباب من جديد بينهما، وغداً قد تشعر بشكل مختلف، ونهض مايك ورافقها حتى الباب:

- آسف ياجويس، ولكنني كنت أقصد حقاً أن نجلس هنا ونتحدث، ولكنك لا تسهلين الأمور عليّ..أنت جميلة جداً و.. واقعية ، ولو أنني كنت مندفعاً قليلاً، فأنت ملامة أيضاً.

واطرقت جويس برأسها، فهي لا تستطيع الإنكار بأنها تريده بنفس القدر وقال لها دون أن يظهر عليه أنها جرحت مشاعره:

- سنتحدث غداً، سمعت أن ( تورنولا) مكان رائع.. وسنمضي يومين هناك ، مارأيك أن نستأجر قارباً ونبحر به إلى بعض الجزر الأصغر حجماً؟ كنت اقرأ عن جزر ( الغوردا) والبرك الطبيعية التي يسمونها ( الحمامات) سنتاول غداءنا في مكان قرأت عنه يدعي ( نادي يخوت البيتراندا) هل يبدو لك أن هذا سيكون يوماً جميلاً؟

واعرفت لنفسها بأنه يبدو هكذا، ولكنها مع ذلك سألت:

- هل أنت واثق أن لا خطط أخرى عندك؟ أنا واثقة أن لينا قد تكون معتمدة عليك..

وقطب مايك جبينه، ثم ابتسم:

- هل ألا حظ دلائل الغيرة؟ لو أنني فكرت لحظة أنك قد تبدين مثل امرأة غيورة ، فقد أصاب الهذيان.

كيف يستطيع أن يمزح بخصوص امتلاكه القوة لجعل النساء يغرن؟ وقالت:

- كنت أحاول أن أكون منصفة، على كل .. لقد أعطيتها فكرة بأنك ...

- أعطيتها فكرة بأنني آسف عليها جداً.

- آسف عليها.

- طبعاً.. والدها الحديث الثراء جلف لا يحتمل.. تصوري فتاة شابة متألقة تحشر في جناح مع والديها طوال الوقت ؟ أية فتاة شابة في مثل عمرها ستكون بائسة.

- لم ألا حظ أنها تمضي وقتاً كبيراً ( محشورة ) مع والديها.

- حسناً ، كنت أساعدها على شغل وقتها ، إنها تلعب التنس ببراعة وتستطيع أن تكون مسلية ، وأنا في إجازة.. وتعب من الحديث عن قاعات المحاكم،وعندما قررتي أنني لست الصنف الذي تحبين أن تعرفيه، أنا .. لقد اتجهت إلى مكان آخر أستطيع أن أجد فيه رفيقاً.

- لا أظن أن لينا تفكر بالأمر بطريقة ! لقد أوضحت لها هذا تماماً ، وأنت لازلت تجعلينني أبدو كالرعد ياجويس.. لقد كنت منصفاً معها ، وقلت لها الأشياء نفسها التي..

- التي قلتها لي.. وها أنا هنا معك.

***********************

وصرف مايك هذه الفكرة بالضحك ، ثم غمرها بين ذراعيه وقال:

- وهل تقارنين نفسك بهذه الطفلة المجنونة المعقدة؟ جويس لو ان شخصاً آخر غيرك وقف في وجهي في مشاجرة مرتين، كما فعلت، فسأكون غاضباً بالتأكيد، وهل تعلمين لماذا أنا لست غاضباً ؟ أوه ، لقد خاب أملي.. أن لا استطيع التفكير بك مثل واحدة من هولاء.. اللواتي يتكلم عنهن الناس، وأريد أن أعرفك بشكل أفضل ، أن أعرفك لوقت طويل.

وللحظة فكرت جويس بأن تقول له أنها قد غيرت فكرها، ولكن حدساً ما قال لها بأن من الأفضل أن تغادر الآن ، فهي مرتبكة جداً لتفكر بقرارت مهمة، في لحظة تعبد هذا الرجل، وفي اللحظة التالية ، لاتثق به، وتشك في إخلاصه، وكل ما تعلمه، أكان سيئاً هذا أم لا، إنها تحبه، وأي تحليل لمشاعرها لن يجعلها تنسى الحرارة التي تشعر بها وهي تتذكر عناقه ، بعدما افترقا.

**********************************

[Just Faith]

12- معاً ..وليس دائماً

أول نظرة ألقتها جويس على ( تورتلا) في الصباح التالي، كانت تجربة لن تنساها أبداً.. انطلاقاً من المياه النركوازية والرمال البيضاء المشعة، ترتفع الجزيرة إلى ألف قدم، وبركانها المرتفع مغطى بالغابات الكثيفة، وشاطئها تحدده أشجار جوز الهند المتمايلة والشجيرات المزهرة ،واليخوت القديمة الطراز تملأ الميناء ، وتبدو كاللعب بالمقارنة مع ( ملكة الكاريبي).

تفكيرها بأنها سوف تستكشف هذا الفردوس مع مايك جعل الأمر مضاعف الإثارة، لقد قال شيئاً حول لقاء مع زملائه في الصباح، ولم يكونا قد تواعدا، ولكنها الآن تنتظره بأمل.

مزاجها الفرح لم يعمر طويلاً.. فعندما توقف بها المصعد عند الطابق الذي يقيم فيه مايك و آل ويبستر ، صعد إليه شخص واحد ، لينا وبستر، وتحية جويس لها قابلتها بهزة رأس باردة.

محاولة جويس الثانية لأن تكون ودودة معها كان لها ود أكثر برودة، فقد ذكرت لها حفلة القبطان المقررة في الليلة التالية ، وقالت:

******************************

- قال لي والدك إنك تملكين ثوباً رائعاً جداً لهذه المناسبة.

- وربما ذكر لك أيضاً ثمنه..

وكان في صوتها سخرية مزدرية وهي تقول إن الثوب الجديد ( هو محتشم كأي شيء تجدينه خارج باريس.. وإذا كنت سترتدين ذلك الثوب البيج ثانية، فماذا ستضعين مايناسب معه من اكسسوار؟ والدتي لديها مايناسب فساتينها ، ولكنها ستضع شيئاً جديداً.

وشكرتها جويس على نصيحتها حول الأزياء، وعندما وصلتا إلى السطح انتظرت جويس أن تخرج لينا ، وسألتها :

- هل ستأتين إلى الأفطار؟

- لا فأنا سألتقي بشخص ماعلى السطح.

وتمنت لها جويس يوماً ممتعاً في ( تورتولا ) وخرجت من المصعد، ومن على السطح الأزرق التقطت عيناها منظراً أكثر إبهاراً للجزيرة، وتوقفت لتطيل النظر الى المنظر الساحر أمامها.. وانضم إليها إيدي بروك، وشعر بالسرور لردة فعل جويس لمنظر الجزيرة.

- عليك بالاقتراب منها جيداً لتتمتعي بها أكثر ، إنها كباقة زهور كبيرة متنوعة.. ولم أتغلب أبداً على الإثارة التي حدثت لي لدى رؤية أشجار ( لسان النار) وهي مزهرة بلون البرتقال بتماوج فوق أوراقها الخضراء القاتمة.. أعتقد أن لديك خططاً هذا اليوم؟

- خطط غير نهائية.

- وهل نجحت الخطة؟ وتصالحت مع مايك؟

وشكرته جويس على اقتراحه عن زيارتها لجناج مايك، مؤكدة له أن زيارتها كانت قصيرة :

- لم ترغب في أن تبقى ساهرين ، ونفوت رؤية الجزيرة.

- أتمنى أن يكون قد استيقظ من نومه باكراً ، مع أنني أعتقد أنك يجب أن تعرفي أنك لم تكوني آخر زائرة لجناحه ليلة أمس .

- ولكنني واثقة، لقد كانت الساعة قد جاوزت الثانية.

- وكانت الساعة الثالثة والنصف عندما استدعيت إلى جناحهم، وكانت ايلين مصابة بصداع حقيقي، ووصل زوجها من سهرته عندما كنت هناك وعندما تركتهما التقيت بابنتهما في الخارج.

- وهل كانت عائدة من الملهى؟

- لم تكن عائدة للجناح.. كانت ترتدي ثوباً شفافاً وخليعاً، وكانت تقرع على باب صديقك المحامي.

- لقد سمعت مايك يتحدث معها في الهاتف، ولكنه لم يقل لي..

- بالطبع لم يقل لك إنه يتوقع قدومها ، ولايمكن أن تقرع بايه دون أن ينتظرها، لقد أسرعت بالاختفاء من هناك بسرعة، ولست متأكداً إذا كانت قد لاحظتني.

وشعرت جويس بالضيق، لماذا أخبرها ايدي بهذه القصة، ليذهب بشعلة السعادة لتصالحها مع مايك؟ وتوجه استياءها نحو ايدي، ثم ادركت أن مايك هو من يستحق الغضب، هل هو الشخص الذي ستقابله لينا عند السطح هذا الصباح؟ وإذا كان كذلك، فهو سوف يتخلى عن اجتماعه مع المحامين الآخرين على مائدة الإفطار ، وربما سيزوران ( تورتولا) معاً، إذاً مايك لم يكن صادقاً معها، ولن تترك له فرصة أن يؤلمها ثانية، أو أن يجعلها تغار... وقال لها ايدي:

- اتمنى أن لاتكون هذه المعلومات قد أزعجتك، لقد حاولت أن لا أكون أنانياً الليلة الماضية ياجويس، تمنيت أن تعود الأمور إلى مجاريها معك.

*************************

- لا بأس ..بصراحة كنت ..منزعجة قليلاً لأنني لا احب أن يكون بيني وبين الركاب أي سوء تفاهم.. لقد عقدنا نوعاً من الصلح.

- ولا زلتما أصدقاء.. جيد.

وقالت جويس، وهي تستمر بالتظاهربأن مايفعله أو لا يفعله مايك لا يهمها:

- إذا كنت ذاهباً إلى الشاطئ يادكتور ، وليس لديك آية خطط أخرى، هل تمانع في إزعاجي لك اليوم؟

- رائع ..سوف تتمكنين من قطف أول ثمرة لك من المانغا وسنسبح عند الشاطئ ( بينا كلاداس).

وساد وجه ايدي تعبير ساحر ولطيف، وتمنت جويس مرة أخرى لو أنها تستطيع أن تنظر إليه كأكثر من صديق.

كان هناك أوقات، خلال تناول الوجبات ، لم يكن ايلين ودان ويبستر يتبادلان خلالها الكلام، ولكن هذا الصباح كان الامر مختلفاً، وبدا أنهما يتجاهلان الموجودين على الطاولة معهما، وحوارهما كان مسموعاً وصاخباً ، ولم يكترثا بأن الموجودين يسمعون مايقولانه ، حتى إنهما لم يتحركا عندما قدم أحد ضباط السفينة ليطلب من الدكتور الذهاب فوراً إلى مكتبه.

وبذهاب ايدي لم تعد جويس منشغلة ، ولم تستطع سوى أن تسمع ماكان آل ويبستر يقولان، وقالت ايلين:

- أنت لم تقل لها كلمة واحدة يادان، لقد تصرفت وكأنها تستحق أن ان تهنئها لتصرفاتها الجيدة!

- وماذا تريديني أن أفعل؟ أن امنعها من الخروج خلال باقي الرحلة؟ أنا ..أنا أشعر بالأسف على هذه الطفلة..لم يكن من حقه أن يخرجها بهذه الطريقة.

- أظن أن له مطلق الحق، كان من الممكن أن توصله إلى موقف حرج، وماذا بشأننا يادان؟ ألم تتمنى الموت عندما دخل السيد روبرتس إلى جناحنا بعد منتصف الليل وهو يجر لينا من ذراعها، ويلقى علينا محاضرة..حول.. حول الانتباه أكثر لابنتتا المدللة المزعجة؟

- وكيف تظنين أن لينا شعرت؟

- لقد سببت هذا لنفسها.. تصورها وهي تقرع باب رجل في مثل تلك الساعة، تعرض عليه نفسها ، لقد كان نائماً كما قال ، ولم يكن مهتماً بها سوى للعب التنس.. يجب عليك أن تتحدث طويلاً مع لينا ، وبعد تناول الإفطار مباشرة!

وارتشفت جويس بقية قهوتها بسرعة، واعتذرت لتنسحب ، لقد استطاعت الآن أن تفهم تصرفات لينا الباردة نحوها.. ، وسرت أنا لم تفعل مشكلاً آخر مع مايك.. لماذا تكون دائماً مستعدة لتصديق كل ماهو سيء عنه؟ هل لأنها تعتقد أنه أفضل منها؟

واتجهت نحو مقصورتها لتغتسل، كانت تشعر بالبؤس لأنها صدقت وشاية ايدي، مع أنه لم يكن قد قال لها هذا بدافع انتقامي، ولكنه أساء فهم الموقف، ولا تستطيع لومه ، بل ستلزم نفسها لعدم ثقتها بمايك، ألم يقل لها إنه لا يهتم بلينا سوى كصديقة؟ والأسوأ من هذا أنها ستقضي هذا اليوم مع رجل تحترمه بدلاً من الرجل الذي تحبه، فهي الآن لا تستطيع سوى التأسف، لو طلب منها مايك أن تزور معه آخر ميناء تزوره السفينة قبل ميناء سان جوان ثانية.

***************************

وعندما دخلت إلى مقصورتها وجدت رسالة على طاولة الزينة، وقبل أن تفتح المغلف، رن جرس الهاتف، وكانت المتصلة ممرضة ايدي، تقول لها إن الطبيب سيكون مشغولاً طوال الصباح وإنه آسف، ولكن حصل حادث للمساعدين في المطبخ، ويتمنى أن تستطيع جويس الانضمام إلى احدى المجموعات الذاهبة إلى الشاطئ.

وبعد لحظات من إعادة السماعة إلى مكانها ، كانت جويس تستلم رسالة مايك...

" عزيزتي جويس....

أنا مرتبط باجتماع على مائدة الإفطار حتى العاشرة، أتمنى أن تتمكني من انتظاريـ وأن تلاقني في المكتبة أنا أنتظر بشوق اليوم الرائع ، وأتمنى أن تكوني كذلك...

وكانت جويس واثقة أن صيحة الفرح التي صدرت عنها سمعت في المقصورات الأخرى على طول الممر، وقرأت الرسالة مرتين، ثم حضرت ثوب سباحتها الملون، ومنشفة شاطئ كبيرة، وشالاً خفيفاً للسهرة ، ووضعت كل شيء في الحقيبة القش التي اشتراها لها مايك خلال يومهما الرائع في ( كوراكار) وارتدت بذلة زرقاء، ووصلت إلى مكتب ستيف بعد دقائق، لتعلم بارتياح أن يومها سيكون حراً كي تتعرف إلى ( تورتولا).

عدة مرات خلال النهار فكرت جويس لو أن من عادتها كتابة مذكراتها ، لأشارة إلى هذا اليوم بأنه ( كامل) فبعد جولة، يداً بيد، في عاصمة ( نورتولا) الرائعة ( رود تاون) ركبت مع مايك قارباً من مرفأ ( فيلاج كاي مارينا) وزارا الجزيرة الصغيرة ( كوبر) .

وسبحا في إحدى البرك- الزرقاء، الخضراء- يضحكان ويرشان بعضهما وعندما مد مايك يده يخرج جويس من المياه ، جذبها رأساً إلى ما بين ذراعيه، وفكرت جويس كم كانت قريبة من خسارة هذا الرجل المثير، وتعلقت به وكأنها تغرق وأثارها أكثر عندما همس لها:

- جويس.. أو ياجويس.. لماذا طال بي الزمن هكذا كي أجدك يا حبيبتي؟

تشوقت لسماعه يقول لها إنه يحبها، ولكنها كانت تعلم أن الوقت لم يحن بعد ، ومع ذلك ، فمع كل نظرة ، كل كلمة ، كل عناق، كل لمسة يد ، ألم يقل لها ماتريد أن تسمعه؟ هل هذا هو الحب حقاً؟ حب متشارك ؟ يجب أن يكون! وبدا لها أن هذه الأرض الساحرة، وهذه المياه الكريستالية الحلقات المتساقطة كالشلالات من الزهور الرائعة، إنما خلقت لأجلهما فقط.

فيما بعد وهما يسيران عبر هذا الفردوس المثالي، وأصابعهما متشابكة، ساد بينهما فترات صمت طويلة، كان الاتصال الوحيد بينهما يأتي عبر ضغط يد مايك على يدها، واستحوذت عليهما رهبة مايحيط بهما من خمائل الزهور ، فصمتا، ولكن دائماً كان هناك اتصال يقول لجويس بأن هنا مكان لوجودهما دوماً ..معاً.

وانفجرا بالضحك معاً عندما حاولت جويس التقاط موزة عن شجرتها، واتسخت ثيابها باللون البرتقالي البني.

فقال مايك:

- مماقرأته في مكان ما إن لطخات الموز صباغ متعذر إزالته، ولن أستطيع محوه، آسف ياجويس..فانت جميلة جداً في هذا الثوب.

************************************

- علي الآن أن أعود إلى السفينة لأغير ملابسي.

- لا..لن تفعلي هذا، وإذا لم يغطي الشال الذي معك هذه البقع سأجد لك شيئاً ترتدينه من أحد المحلات، وستكونين أجمل سيدة خرجت معها إلى العشاء ، مهما كنت ترتدين.

وعلى الرغم من حصرهما على تجنب الأماكن المكتظة بالسواح، فقد كان من المستحيل أن لا يلتقيا بركاب آخرين من ( ملكة الكاريبي) وكانت مجموعة ضخمة منهم تحتل المطعم الذي اختاره مايك لتناول العشاء، وكان هو أول من لاحظ أن عائلة ويبستر مع المجموعة ، وكان دان يلتقط الصور للموجودين، وايلين تشرب عصير الفاكهة الذي يشتهر به ذلك المطعم ، ولينا متجهمة وغاضبة، تجلس إلى جانب امها ، مشغولة بعشائها دون أن تتكلم مع أحد ، ولم تنظر باتجاه مايك حتى بدت أنها تتجنب النظر اليه.

وشعرت جويس بالأسف الحقيقي على الفتاة والأكثر أن احترامها لمايك تزايد عندما فكرت بأنه لم يقل لها كلمة ، وربما لغيرها ايضاً عن الحادثة مع زائرته غير المدعوة في ساعات الصباح الأولى، وإذا كانت الإشاعات قد بدأت تجوب السفينة حول تصرفات لينا، فلم يكن مايك هو مصدرها.

وعندما عادا إلى ( ملكة الكاريبي) كانت مرهقة من السعادة ، فقد تشاركا في يوم طويل مثالي، ولم يكونا في مزاج لأن يسهرا في احتفال أو رقص ، ولكنهما كانا كارهين لأن يفترقا ووقف مايك لفترة طويلة قرب الحاجز وذراعه حول خصر جويس.

كانت ليلة دافئة والهواء معطر برائحة أزهار ( تورتولا) يحملها النسيم الذي يهب من فوق تلك الجزيرة الجميلة باتجاه البحر، ولم تكن النجوم قد شعت بأكثر من هذا البريق من قبل، وانعكاسها قلب الكاريبي إلى سجادة مخملية مرصعة بالماس، ومرة أخرى ران عليهما الصمت لسحر هذا الجمال، هل كان مايك يفكر بما تفكر به جويس، بأنهما مساء الغد سيكونان في سان جوان ، وأن السفينة من هناك سوف تعود مباشرة إلى ميامي؟ جوان، وأن السفينة من هناك سوف تعود إلى بلده..وهل ستراه جويس ثانية؟ أم أن هذه مغامرة أخرى ستنتهي، كما تنتهي كل المغامرات الرومانسية الصيفية، عندما تنتهي العطلة؟

ولكن ليس هناك مجال للمقارنة بين مايُدعى ( الحب الأول) وبين ما تشعر به جويس الآن لمايك..ومع ذلك فقد تملكها شعور بقرب وقوع الخسارة..فعلى الرغم من اهتمام مايك بها، وعلى الرغم من المشاعر التي تتدفق منه عندما يمسك بها بين ذراعه، كتدفق البركان الذائب، فقد كان عليها أن تتذكر أنه لم يقم بنفي ذلك التحذير الأولى بأنه ليس مهتماً بعلاقة جدية مع أية امرأة ، ولم يتفوه أبداً بتلك الكلمات التي كانت تتحرق شوقاً لسماعها.

ربما يكون التعب الجسدي هو الذي سبب لها هذا الشعور بالانقباض وشعرت بأنها قريبة من الدموع عندما أوصلها مايك إلى باب مقصورتها وودعها.

التعب؟..أم علمها أنها تحب مايك بكل ذرة من كيانها، وأن هذه اللحظات التي تشاركا بها، قد تصبح عما قريب مجرد ذكرى..! وتساءلت جويس عما إذا كانت الأفكار التي تراودها هي نفس الأفكار التي يفكربها مايك، وعانقها طويلاً..طويلاً ليس كما يتعانق الاحباء عند محطة قطار أو المطار، بل هي لمسة رقيقة تبادلاها وقد ادركا أنهما لن يعرفا بعد الآن يوماً أو ليلة كهذه، وأن هذه هي لحظة الفراق...

****************************************

[Just Faith]

محتوى مخفي

يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي

[Just Faith]

محتوى مخفي

يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي

[سايج@]

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

[سايج@]

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

[Libra Sky]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

[فراولة ناضجه]

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

[رارا84]

شكررررررررررررررررررررا