![]() | #11 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #12 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 9 ـ بين ذراعيك أمضت هارييت عدة أيام في متحف الفاتيكان روحت فيها قليلاً عن نفسها . ظنت أن استغراقها في العالم الذي كان دوماً يمنحها القوة , سيساعدها على نسيان (( كورزينا )) . لكن التعويذة فشلت هذه المرة . فقد كانت أفكارها تعود إلى ذلك الباب الذي أوشك أن يتفتح , ثم عاد فانغلق , الأمر الذي جرحها في الصميم . فماركو قد جرب الباب فقط ليرى إن كانت تركته مفتوحاً لأجله , ثم رفضها . أي رسالة أوضح من هذه ! أما في رحلة العودة , فما كان لحد أن يتبين شيئاً , إذا بدا كل شيء عادياً . ربما لم يكن هناك شيء بالنسبة له , شعرت بمرارة . عادت إلى البيت في اليوم الثالث لتجد لوشيا متلهفة إلى رؤيتها : (( اتصل أبوك وهو متشوق للغاية لرؤيتك . ونحن الثلاثة مدعوون للعشاء غداً مساء . حاولت أن أستدعيك أنت وماركو لكن هاتفكما كان مقفلاً . ولهذا قبلت الدعوة بإسمكما , فهل كان عملي صواباً ؟ )) . ـ ـ طبعاً . إنه أبي . كيف بدا صوته ؟ ـ مبتهجاً لخطبتك , وهو مشتاق إليك . بدا ودوداً جداً . آسفة يا عزيزتي , ولكن إذا كان جيداً معك فعليك أن تسامحيه . جاء ماركو ليتناول معهما العشاء فسمع القصة من لوشيا : ـ وهذا يجعل برنامجنا ضيقاً حيث أن علينا أن تستعد للسفر إلى البندقية لحضور العرسين . ولكن عندما اقترحت إرجـاء دعوة العشاء إلى ما بعد ـ رجوعنا , أصر بشدة على أن تكون الدعوة غداً . من الطبيعي أن يكون متلهفاً بهذا الشكل لكي يراك . ـ إن برنامجنا أضيق مما تظنين , يا أمي . كنت أنوي أن أنام في المكتب لأنهي أعمالي قبل السفر إلى البندقية . ـ أظن بإمكانك أن تطلب من عمك وغويدو أن يؤجلا عرسيها . قالت هارييت هذا لماركو بلهجة تقريع اعتادت أن تستعملها معه غالباً فقال وقد بدا أنه يفكر في الأمر جدياً : (( هذا صحيح . لكنهما كانا غير منطقيين بتحديد موعد عرسيهما من دون استشارتي )) . وابتسم لها ليريها أنه يشاركها النكتة . وتساءلت هارييت عما إذا كانت فعلاً تمزح . فهذه هي المرة الأولى التي تراه فيها منذ رحلتهما إلى (( كورزيتا )) , وكان قد أخبرها لتوه أنها بعد غد لن تراه مرة أخــرى لــعدة أيام . وتملكها الذعر وهي تكتشف أنها ارتاحت لهذا , ولكي تصرف ذهنها عن ذلك , أخذت تفكر في أبيها فقالت للوشيا ضارعة : (( أخبريني عما قاله )) . ـ ـ مجدداً ؟ لا بأس يا حبيبتي , فأنا متفهمة . لقد سأل عنك عدة مرات . هل أنت بخير ؟ هل أنت سعيدة بخطبتك , وهل بإمكانه أن يسلمك إلى ماركو بضمير مرتاح ؟ كل الأسئلة التي يلقيها أي أب محب . فقال ماركو ساخراً : (( والتي أمضى وقتاً طويلاً قبل أن يلقيها . أتســاءل عما يكمن خلف هذا الاهتمام )) . فهبت هارييت في وجهه : (( وهل اهتمام أبي يحتاج إلى توضيح ؟ )) . ـ اهتمامه المفاجئ يحتاج إلى ذلك . ـ ـ لأنني مخطوبة , ألا يكفي هذا ؟ ـ نعم , أظن ذلك . والآن تأخر الوقت ويجب أن أذهب . في المساء التالي , ارتدت هارييت ثوباً حريرياً أنيقاً أسود اللون محكماً على جسمها , وملائماً تماماً مع التاج الماسي الذي أهداها إياه ماركو والذي وضعه لها المزين على شعرها بعد أن رفعه إلى أعلى . تلمست أحجار الماس بالبرودة نفسها التي حاول بها إفساد سهرتها سلفاً , من خلال التشكيك بأبيها . قد يكون خشناً , عديم الإحساس , لكنها شعرت بأن تعمد ذلك رغبة منه بجرح إحساسها . توجهت هارييت ولوشيا معاً في سيارة خاصة إلى منزل عائلة دستينو , في حين كان على ماركو أن يوافيهما بعد عمله مباشرة , كان والد هارييت يعيش في أكثر مناطق روما حداثة قرب كنيسة القديس بطرس , وعندما وصلتا رأتا ماركو خارجاً من سيارته , فأخذ يتأمل روعة هارييت وأناقتها ثم أومأ برأسه : (( كنت أعلم أن التاج يلائمك . لا يمكن لأي امرأة أن تلبسه سواك )) . ـ وعندما اقتربوا من الباب الأمامي العريض المشرع الذي تنساب منه الأنوار على الحدائق , ظهر أبوها فاتحاً ذراعيه وهو ينظر إليها : (( هارييت , يا ابنتي العزيزة , مضى وقت طويل ! )) . عانقها بحرارة للمرة الأولى منذ سنوات . وكان يضع عطراً خانقاً فجاهدت كيلا تجفل . بدا أكبر من عمره وسميناً جداً . وأنبأها حدسها بأن هناك شيئاً زائفاً ومبالغاً فيه في استقباله لها . لكنه أبوها وقد طال شوقها إلى هذه اللحظة , لذا ابتسمت وحدثت نفسها عن روعة ذلك . ـ تدفقت ابتساماته للوشيا , وحيا ماركو وكأنه أخ قد فقده منذ زمن بعيد . وكان ماركو كعادته , مهذباً دمثاً , لكن تصرفاته كانت تنقصها الحرارة . فقد أثار اشمئزازه تذلل هذا الرجل وتزلفه , وأحست هارييت بذلك بالرغم أن أباها لم يحس به , ولا زوجته أيضاً . رأت هارييت أن زوجة أبيها الشريرة قد حلت مكانها امرأة نحيلة قصيرة , القامة , أصبحت فجأة متلهفة إلى إعلان نسبها من ابنة زوجها التي كانت سابقاً تحتقرها . وحدها أولمبيا تصرفت بشكل طبيعي . قبلت ماركو على وجنتيه وكأنها أخته الصغرى وعانقت لوشيا وهارييت ثم راحت تساير الجميع لتخرجهم من الشعور بالحرج . عندما ابتدأ بقية الضيوف يتوافدون , راح غويزيب دستينو يرحب بهم , فأخذت هارييت أختها جانباً , مقاومة محاولة أولمبيا الهرب . ـ عزيزتي . علي أن أستقبل الضيوف , أنا حقاً مشغولة جــداً . ـ يمكنك أن تقومي بذلك بعد أن تمضي بعض الوقت معي . لماذا يتصرف أبي وكأنه لم يعرف بخطبتي إلا الآن ؟ ـ لأن هذه هي الحقيقة . الرسالة الهاتفية التي تركتها له عند وصولك لم تصله قط . أمي ألغتها . ـ ـ لكنك عرفت ذلك في حفلة مانيللي . ألم تخبريه . . ؟ ـ لا , لم أخبره لأنني خفت أن يزداد جنونه مني كما حدث عندما عرف بأنني رفضت خطبة ماركو . إنه اللقب . كمـا تعلمين . ـ لكنه ليس لقب ماركو . ـ ـ يا عزيزتي إنه إبن أخ (( كونت )) . أبي رجل متكبر , وأمـي أسوأ منه . حقاً علي أن أذهب . هناك من يناديني . . . وأسرعت مبتعدة تاركة هارييت تستوعب ما قرأت بين السطور . أراد أبوها أن يكون ماركو في أسرته بصفته زوج أعز ابنتيه عليه , لكن أولمبيا لم تتكرم عليه بذلك . فتذكر أن هارييت هي أيضاً ابنته . وقد تقوم بذلك بدلاً من أولمبيا . حتى أنه رقاها إلى مركز الأبنة المفضلة الآن بعد أن أصبحت نافعة له . ـ كانت الحفلة في أوجها . وقد قام والدها بالكثير نحوها , والأكثر نحو ماركو . أحياناً كان يكرر السؤال نفسه عدة مرات عندما يخونه الوحي . بعد خيبة الأمل القاسية التي مُنيت بها هارييت في البداية وجدت نفسها تشعر بالشفقة عليه . كما أن خجلها ازداد عندما راح والدها يقدمها إلى الناس بصفتها ابنته المخطوبة إلى ابن أخ (( الكونت كالـﭭـاني )) . ظنت أنه لا يمكن للأمور أن تصبح أسوأ مما هي عليه لكنها مخطئة في ذلك . فقد أخذ غويزيب يتحدث عن روعة الوقت الذي ستمضيه ابنته الغالية في العرسين اللذين ستحضرهما في البندقية الأسبوع القادم , مكرراً قوله إنه سيفكر فيها وعليها أن تذكره عند الكونت كالـﭭـاني ( صديقه القديم العزيز ) . فشعرت هارييت بالخزي بعد أن خطر لها أن أباها يلمح إلى دعوته للعرس . ولعله السبب الأساسي الذي حال دون تأجيل هذا اللقاء . لم تكن تجرؤ على النظر إلى ماركو , لكنها عندما فعلت كان وجهه مجمداً بقناع من الأدب . عند أول فرصة ممكنة اعتذر وانسحب مبتعداً . وتمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها . ـ كان خلف المنزل حديقة زجاجية فسيحة مليئة بالنباتات جلس فيها عدد من الضيوف المسنين يتحدثون . وعندما رأى ماركو أمه , تقدم نحو المدخل حيث سمع صوتاً أنثوياً متغطرساً : (( إنها شابة غير عادية , وإنكليزية أكثر منها إيطالية , بالرغم من اسمها , بصراحة يا لوشيا أنا أعجب لاختيارك مثل هذه الزوجة لابنك , هارييت ينقصها الصقل ولن تكون واحدة منا أبداً )) . ساد الصمت عندما ظهر ماركو هناك , وراح يتأمل البارونة ألاري ذات الوجه النحيل والعينين الباردتين , وهي امرأة عوضت بالكبرياء والحقد ما ينقصها من كل شيء آخر تقريباً . اكتشافها أن ماركو قد سمعها جعلها تسكت , ولكن من الشعور بالضيق وليس الخزي . قال : (( أظنه لم يخطر ببالك , سيدتي , أن خطيبتي لا تحاول أن تكون واحدة منا . إنها امرأة متفردة , شجاعة , واستثنائية ذات تفكير متميز وذكاء نادر . وباختصار , هي بالضبط ما أتمناها أن تكون )) . منذ سنوات كثيرة لم يكلم أحد البارونة بهذه الحدة , ولهذا لم تجد جواباً فورياً ذكياً , فقالت بحدة : (( أظن من الطبيعي أن تدافع عنها , ولكن حذار من الدفاع عنها بشكل فظ , أيها الشباب . أعتقد أن زوجــي أحد أهم زبائنكم )) . ـ فقال غاضباً : (( زبائننا كلهم مهمون , وسامحيني إذا كنت لا أحبذ الحديث عن ذلك مع أحد غير زوجك . فإذا أراد أن ينقل أعماله إلى مصرف آخر , فهو سيعلمني بذلك دون شك . عن إذنك )) . وعندما خرج , نهضت لوشيا وتبعته متأبطة ذراعه : (( خيراً فعلت يا ولدي , فأنا لا أطيق تلك المرأة . إنها خاتمة سعيدة لسهرة غير سعيدة )) . فسألها : (( هل ستغادرين السهرة الآن ؟ )) . ـ نعم فأنا متعبة قليلاً . سيقلني السائق إلى البيت بينما تــأخذ أنت هارييت فيما بعد . ـ ـ أظنها بحاجة إلى التحدث معك فأنا واثق أنها رأت الحقيقة بالنسبة إلى هذه الليلة . ـ هذا أكيد . لقد أغمضت عينيها عن الحقيقة لأنها كانت تريد أن تشعر بحنان الأب , لكنها أكثر ذكاء من أن تستمر في إغماض عينيها . رجل فظيع متكبر ! لا أدري كيف تلد إيتا مثله , لكن الشخص الذي ستحتاج هارييت إلى التحدث إليه هو أنت . ـ ـ أمي , ماذا أستطيع أن أقول لها ؟ ـ يا ولدي , إذا كنت لا تعرف كيف تواسيها عندما تكون تعيسة , كل ما أستطيع قوله إن الوقت حان لكي تتعلم ذلك . ـ ســأبذل جهدي . فقالت بقلق : (( ماركو , كيف تسير الأمور بينك وبين هارييت ؟ )) . فهز كتفيه : (( لست أدري ! إنها أحياناً باردة وأحياناً متحمسة . أظنها ترفضني )) . ـ ـ كلام فارغ . وهل يمكنها ذلك ؟ فقال ضاحكاُ بشكل صبياني : (( هذا كلام الأم )) . وقبل خدها : (( تصبحين على خير يا أمي )) . شعرت هارييت وكأن السهرة لن تنتهي أبداً . وعندما ودعتهم لوشيا تمنت لو تذهب معها , لكن الوقت كان لا يزال مبكراً . ثم ظهر ماركو بجانبها حاملاً فنجان قهوة كانت هي بأشد الحاجة إليه : (( إصبري , وأعدك بأن أخرجك من هنا بأقرب وقت ممكن )) . ـ ـ هل تبدو قلة الصبر واضحة علي إلى هذا الحـد ؟ ـ يبدو عليك وكأنك اكتفيت . ـ آه , أرجو ألا أكون قد جرحت أياً ممن لهم علاقات هامة معكم في العمل . ـ لا , بل أنا الذي فعلت ذلك , ولكن لسبب وجيه . سأخربك بالأمر فيما بعد . ـ ـ ماركو , يا ولدي العزيز ! وكان هذا أبوها يربت على كتف ماركو : (( لقد ودعت لتوي أمك . إنها سيدة رائعة . فهمت طبعاً أنها تريد أن توفر طاقتها للسفر إلى البندقية الأسبوع القادم , فالأعراس مرهقة للغاية , خصوصاً الفخمة . أراهن على أنهم لا يستطيعون تذكر كل المدعوين . . . )) . لم تعد هارييت تستطيع التحمل , فابتعدت عنهما تاركة ماركو في قبضة أبيها . استاءت من نفسها لتصرفها هذا لكنها كانت على وشك الصراخ . وبعد ساعة وجدت ماركو بجانبها مرة أخرى , وقال : (( لم يكن ذك لائقاً جداً منك . لكنني لا ألومك . هيا بنا نخرج , إلا إذا أردت البقاء )) . فقالت بلهفة : (( بل أخرجني من هنا )) . استغرق التوديع ساعة أخرى , وسار أبوها معهما إلى السيارة وهو يتحدث دون انقطاع , حتى أصبحا أخيراً في طريقهما . لاذت هارييت بالصمت في مقعدها إلى أن خرجت السيارة من روما . وأخيراً انتصبت جالسة : (( كنت تعلم أليس كذلك ؟ أنت علمت حالما سمعت عن الدعوة . وهذا ما كنت تحاول أن تنبهني إليه الليلة الماضية )) . ـ تكهنت بأن هناك سبباً جعله يتذكر فجأة أنه أبوك . أنا آسف . كان ذلك منزعجاً بالنسبة لك . ـ بدت كلماته رقيقة لكنه لم يمسك بيدها وبقيت عيناه مركزتين على الطريق . وعندما توقفا خارج الفيلا قال : (( لن أدخل . علي أن أعود لإنجاز بعض الأعمال . تصبحين على خير )) . ـ تصبح على خير . ـ قالت هذا بصوت أجش , وثم ركضت إلى البيت وصعدت السلم . كانت تريد أن تنفرد بنفسها , وفي الوقت نفسه كانت بحاجة إلى أحد بجانها . لكنها لم تجد مواساة من ماركو و وكلما أسرعت في التخلص منه كلما كان ذلك أفضـل . ألقت بحقيبة يدها جانباً وأعادت تاجها الماسي إلى علبته , ثم وقفت عند النافذة في ضوء القمر , شاعرة بالوحدة والكآبة , لقد سلب منها هذه الليلة شيء علمت أنها لن تستعيده أبـداً . ربما كان هذا أملاً واهياً , لكنها تشبثت به , وقد انتهى كل شيء الآن . مر الوقت من دون أن تدرك المدة التي أمضتها واقفة عند النافذة , وإذا بها تسمع نقراً على الباب . وفي الخارج رأت ماركو , وكان قد خلع سترته وفك ربطة عنقه , وهو يحمل بيده إبريقاً وفنجاناً . قال ببساطة وهو يدخل الغرفة : (( أحضرت لك شيئاً أنت بحاجة إليه . شاي إنكليزي )) . جلس وسكب لها فنجاناً , وكان ممزوجاً بالحليب تماماً كما تحب . ـ هذه فكرة رائعة . شكــراً . ـ جلست على الأريكة وجلس بجانبها . نظرت في عينيه فرأتهما قاتمتين رقيقتين للغاية . فقالت : (( ظننتك ذهبت إلى شقتك )) . ـ لقد غيرت رأيي . دخلت البيت وانتظرتك أن تعودي إلى الطابق الأسفل . فكرت في أنك ربما كنت بحاجة إلى أن تتحدثي إلي . وعندما لم تعودي , حسناً . . . ربما ابتدأت أفهمك الآن . افترض أنك بحاجة إلى من يصغي إليك . إنني أصلح تماماً لهذا . فقالت برقة : (( شكراً لحضورك . ولكن ليس هناك ما أقوله . لقد استوثقت من شيء أظنني دوماً كنت أعرفه . وكان علي أن أواجهه منذ سنوات , وكنت أظن أنني فعلت ذلك . لكنني كنت مخدوعة )) . ـ أنت لن تعيري اهتماماً لما قاله أو فعله , أليس كذلك ؟ ـ لا , طبعاً . وعلى كل حال , كان يقول ما ينبغي أن يقوله , ويبالغ بالاهتمام بي , تماماً كما كنت أحلم دوماً . لكن . . . لكن . . . لم أكن أنا محط اهتمامه , وإنما أنت . إنه مدع . وحسب رأيه أنا أغريت إبن أخ كونت , وفجأة عدت فأصبحت ابنته مرة أخرى . ـ ـ هارييت , كفى . أنت امرأة ممتازة , جميلة , ذكية , وقوية . وقد بنيت بمواهبك حياة مستقلة . فأنت لم ولن تحتاجيه أبداً . ـ أعرف , أعرف . وهذا غباء , أليس كذلك ؟ وانهمرت الدموع من عينيها فجأة , فوضعت الفنجان من يدها بسرعة وقد فقدت السيطرة على نفسها : (( لماذا أرى للأمر أهمية الآن ؟ لم أعد طفلة )) . وانتهت بشهقة خشنة وإذا بذراعيه تحيطان بها , تضمانها إليه بعناق وحنان لم تره من أبيها قط . ـ ـ أظن أن طفولتك لم تفارقك يوماً في الحقيقة . فأشباحها تسكنك طوال حياتك . ـ تشبثت به , عاجزة عن التوقف عن البكاء . لقد تدفقت أحزان السنين ولم تستطع سوى الاستسلام لها . وقالت بصوت مختنق : (( هو لم يحبني يوماً )) . ـ كان يحبك في البداية . أتتذكرين ما أخبرتني به ؟ كنتما تحبان بعضكما البعض كثيراً . ـ لا , لم يحبني , وإلا لما طردني . فتنهد : (( لا أدري . بعض الناس يحبون بذلك الشكل . ويكون حينذاك حقيقياً تماماً . . . لكنه سطحي . وآخرون يقومون بذلك بشكل مختلف )) . وعاد يحتضنها قائلاً وقد فاجأته بنوبة بكاء أخرى : (( أنا هنا . . . أنا هنا )) . ـ حاولت أن تتكلم لكنها لم تستطع أن تنطق بكلمات مترابطة . فسألها برقة وهو يحيط وجهها بيديه ويرفعه لكي يراها بشكل أفضل : (( ما هذا ؟ أخبريني )) . ـ فقالت بصوت مختنق : (( لا شيء . أنا بخير الآن )) . ـ لا أظن ذلك وأخرج منديلاً نظيفاً أخذ يمسح به وجهها المبلل بالدموع . وكان شعرها ينسدل على يديه . سألته بصوت مرتجف : (( كيف أبدو ؟ )) . ـ كفتاة صغيرة عرفت لتوها أن أباها لا يحبها . لكنك لن تستسلمي لليأس . أنت تعرفين العالم ما زال يحمل لك الكثير . فقالت بصوت أجش : (( لا أدري ما الذي يحمل لي العالم لا أظنني الآن أهتم لهذا )) . فقال بهدوء : (( إياك أن تتحدثي بهذا الشكل مرة أخرى . فهذه طريقة الضعفاء , وأنت قوية يا عزيزتي . أنت ممن يصارعون الحياة حتى يهزموها )) . نظر إلى وجهها لحظة , ثم ضمها إلى صدره ليوقظها على حياة مفعمة باللهفة والشوق . وأخذت يداها تتحركان على ظهره متجاوبتين لعناقه . لم يكد يصدق ذلك , فتملكته لحظة شك كافية لأن تجعله يرفع رأسه ليلقي عليها نظرة مضطربة . لكنها مدت ذراعيها حول عنقه لتعيده إلى أحضناها مجدداً وقد شعرت أن هذا هو مكانه الطبيعي . عاد يعانقها برقة ويهون عليها حزنها . فرحبت بعناقه وأنبأتها لمساته أنه بحاجة إليها بقدر ما هي بحاجة إليه . فهي لم تعرف يوماً عناقاً ساراً إلى هذا الحد . أخذت هارييت نفساً طويلاً مرتجفاً . وشعرت كأن روحها أصبحت حرة . هو ذا الرجل الذي تريده . الرجل الذي يهز مشاعرها كالزلزال . ما كانت لتصدق أبداً أنه بهذه الرقة . لم يبدُ لها أنه الشخص نفسه الذي يسيطر على عالمه , بل كان أقرب إلى الرجل الذي كانت واثقة من أنه يعيش في داخله , وبإمكانها أن تقنع ذلك الرجل بالخروج . كانت واثقة من ذلك . حاولت أن تتلكم , لكن ماركو وضع إصبعه على شفتيها , وذراعيه حولها وهو يتمتم مطمئناً , وما لبث وهن بالغ أن حل بها حتى سقطت نائمة بين ذراعيه . ـ وعندما استيقظت في الصباح الباكر , أدركت أنها نامت من شدة التعب في الليلة السابقة وأنه وضعها في سريرها من دون أن يوقظها . * * * نهاية الفصل (( التاسع )) . . . : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #13 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 10 ـ أعراس البندقية بعد ثلاثة أيـام , سـافر الجميع إلى البندقية . توجهت هارييت ولوشيا من الفيلا إلى المطار حيث لاقهما ماركو . ـ هل أنت واثقة من أنك بخير ؟ أنت شاحبة جداً , كما أنك هادئة منذ يومين . ـ كل ما في الأمر أنني لا أحب ركوب الطائرة . بدت هادئة جداً , وذلك من اللحظة التي أدركت فيها أن ماركو تركها وحيدة وكأنه تخلص منها . لقد برأته من تهمة تعمد القسوة , فهي لن تنسى أبداً أنه عاد إلى البيت ليواسيها . وكم أبدى من التفهم ! لقد شعر معها كما لا يشعر بذلك سوى رجل حساس للغاية . وهي دوماً ستحبه لذلك . لكنه , من ناحية أخرى , تركها وحدها نائمة وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة ليرحل . ـ في اليوم التالي أخبرتها لوشيا بحماسة عن مواجهة ماركو مع البارونة ألاري وكيف أنه جازف بخسارة زبون هام دفاعاً عنها . هذا أيضاً نبه قلبها , لكنه عاد فهدأ عندما أدركت أنه لم يخبرها بذلك بنفسه . بإمكانها أن تفهم الحذر الذي جعله ينكمش عن الناس وهي تشفق عليه لهذا , لكنها لا تستطيع أن تتحمل المزيد . لذا قررت الرحيل بعد العرسين بأسرع ما يمكن . ذلك سيحطم قلبها , لكنها سرعان ما ستتعافى . ـ بعد اتخاذها هذا القرار , تجنبته إلى حين انتهاء العرسين , مصممة على ألا تفسدهما لأجل أي شخص . في مطار روما حيت ماركو بتحفظ هادئ , وبابتسامة لم تكشف أكثر مما كشفت ابتسامته . إنها أول زيارة لها إلى البندقية وهي تنوي أن تستمتع بها ومن ثم تحزن قدر ما تشاء . وصلوا إلى البندقية قبل يومين من الزفاف الأول . كان غويدو ودولسي ينتظرانهما في زورقين ليأخذاهم إلى البحيرة المالحة , وأحد الزورقين كان يقوده غويدو بنفسه . ـ أنت محظوظة أنه لا يحاول أن يأخذك في زورقه (( الغوندولا )) . قال دلوسي هذا وضحكت مشيرة إلى بداية تعارفهما عندما ظنته سائق الزورق وتركها هو تعتقد ذلك , ظناً منه أنه يوقعها , بهذا , في شباكه , بينما الحقيقة هي أنها هي التي أوقعته في شباكها . ـ كان قصر آل كالـﭭـاني تحفة تراثية نفيسة للغاية . وسرعان ما شرعت هارييت في اكتشاف نواحيه . جاء ليو في اليوم التالي , وقد بدا أقل إشراقاً مما عهدته هارييت . كانت هي و دولسي مولعتين به . وسرعان ما تكهنتا بما يزعجه . جلسوا معاً على أريكة كبيرة , كل منهما من جهة ثم ابتدأتا الهجوم : (( لقد وجدتها أخيراً )) . ـ قالت هارييت هذا , فتصنع الغبــاء : (( وجدتها ؟ )) . فضربته على كتفه : (( أنت تعرف من أعني . أعنيها هي )) . وتذكرت أنه كان في أعماقه راعي أبقار , فأضافت : (( المرأة التي أوثقتك بحبالها )) . ـ وسألته دولسي (( ما اسمها ؟ )) . فأجاب : (( سيلينا . لقد عرفتها في تكساس . مكثنا في المزرعة نفسها بعد أن تعرضت لحادث في عربتها )) . وسكت . فسألتاه بنفاذ صبر : (( وبعد ذلك )) . ـ تدربنا معاً للظهور في الحفلة الاستعراضية للفروسية التي يقيمها رعاة البقـر . ـ ـ وبعد ذلك ؟ ـ سقطت عن ظهر الحصان , وكذلك أنا . لكنها سقطت أثناء التدريب بينما سقطت أنـا أمام جمهور يعد بالآلاف . لكن كلينا سقط . فقالت دولسي برزانة : (( وهكذا اشتعلت نار الحب )) . فقال ليو : (( كان ذلك رائعاً )) . ـ وتنهد كرجل يتذكر أيام الهناء . لوت هارييت شفتيها وعيناها تتقابلان مع عيني دولسي بمرح . وقالت : (( كان عليك أن تحضرها إلى هنا لنتعرف عليها )) . ـ هذه هي المشكلة , لا أدري أين أجدها . فسألته دولسي : (( ولكن ألم تتبادلا الأسماء والعناوين ؟ )) . ـ نعم , ولكن . . . وأخذ يسرد المشاكل التي فصلته عن حبه الحقيقي , منهياً بقوله عباساً : (( وقد لا أراها مرة أخرى أبداً )) . ـ وإذا بالرجال ينادونه , فوقف مندفعاً ليلحق بهم . لم تنظر دولسي وهارييت إلى بعضهما البعض . لكنهما انفجرتا معاً بالضحك . فقالت هارييت وقد أنبها ضميرها : (( آه , ما كان لنا أن نضحك )) . فقالت دولسي بصوت مختنق : (( أعرف هذا . لكنني لم أستطع أن أمنع نفسي . هل سمعت من قبل مثل هذه القصة الجنونية ؟)) . فهزت هارييت رأسها : (( مسكين ليو . هذا لا يمكن أن يحدق إلا له )) . وفي اليوم التالي احتشد الجميع في كنيسة (( سانت مارك )) لعقد زواج الكونت كالـﭭـاني على حبيبته ليزا . وكان أبناء أخوة الكونت الثلاثة هم الشهود . بينما لليزا ثلاث وصيفات . بدت حفلة الاستقبال غريبة , إذ بالرغم من مركز ليزا الجديد , كانت تقوم بدور ربة المنزل بامتياز . فأمضت الأشهر الثلاثة الماضية في تنظيم عرس غويدو ودولسي الذي سيلي عرسها مباشرة . وكانت هذه مناسبة اجتماعية كبرى حضرها من المدعوين ما يكفي لملء كنيسة (( سانت مارك )) تتبعها حفلة استقبال فخمة في قصر ((كالـﭭـاني )) أصرت هي عل الاهتمام بكل تفاصيلها . ـ تباطأت في حفلتها مدة كافية كي يشرب عريسها الحبيب نخبها , ثم أسرعت إلى المطبخ لتلقي نظرة سريعة . وأخيراً استسلم زوجها الكونت إلى ما لا مناص منه وتبعها . وقالت دولسي بحيرة : (( لا أظنها تقدر حظها الحسن على الإطلاق . إنها تعامله بشكل سيء حقاً )) . فقال غويدو ضاحكاً : (( ربما هذا هو السر . بعد كل تلك النساء اللواتي عرضن أنفسهن لكي يلفتن انتباهه , المرأة التي أحبها هي التي جعلته يكافح هو للفت انتباهها )) . ـ بعد ذلك تفرق المدعوون أزواجاً . أخذ غويدو ودولسي يتمشيان بعيداً , ليو ولوشيا جلسا معاً واستغرقا في حديث طويل في الحديقة التي يغمرها ضوء القمر , بينما قال ماركو لهارييت فجأة : (( هل يمكننا أن نتحدث ؟ )) . بدت البندقية في الليل مدينة الأزقة المظلمة والأنوار الخافتة . وكانت أنغام الموسيقى البعيدة تصل إلى آذانهما , ممزوجة بصيحات سائقي زوارق الغندول التي كان يترجع صداها خلال الأقنية الصغيرة . سارا صامتين , متباعدين إلى أن قال ماركو : (( فكرت في أن علينا أن نتحدث )) . فوافقته : (( حان الوقت لذلك )) . ـ رؤيتي للعرس اليوم جعلتني أفكر كثيراً . وأنت أيضاً , كما أتوقع . فقالت متأملة : (( آه , نعم . كثيراً )) . ـ يقولون عرس واحد يتبعه دوماً آخر . ألا تدركين كيف ينظر إلينا الناس متوقعين منا تحديد اليوم ؟ ـ لاحظت النظرات الغريبة . ـ ـ قد يكون غداً يوماً مناسباً . فسألته بحذر : (( يوماً مناسباً لماذا . . . ؟ )). ـ لإعلان يوم زواجنا . لقد أمضينا وقتاً كافياً لكي نقرر . أنا اتخذت قراري . كنت حكيماً في ذهابي إلى لندن لأتعرف إليك . وأنت رومانية أصيلة كما يمكن للجميع أن يرى , حتى إن زبائنك يزدادون على الدوام , وعندما تنقلين عملك إلى هنا ستجدين الأساس حاضراً . سنكون ثنائياً مناسباً تماماً . فقالت متألمة : (( أظن الأمر صحيحاً إذا نظرنا إليه بهذا الشكل )) . فقال باختصار : (( هل بإمكاني إذن أن أخبر أمي بأن زواجنا قد تقرر ؟ )) . أهكذا تجري الأمور ؟ أهكذا يكون عرض الزواج في أزقة البندقية ذات الأضواء الناعمة , بينما النجوم تتألق فوقهما ويحيط بهما هذا الجو الشاعري ؟ ولم تعرف ما إذا كان عليها أن تضحك أم أن تبكي . وأخيراً قالت : (( لا أظن أن علينا أن نستعجل في القرار . أنت تقول إنني مناسبة لأنني رومانية أصيلة ولآن زبائني بدأوا يزدادون . وهذه مؤهلات لا تكفي لزوجة . كما أن هناك أشياء لم نذكرها قط بيننا , وربما ينبغي علينا ذلك )) . فقال : (( كنت أنتظر أن تتحدثي عنها . تلك السهرة التي أمضيناها معاً . . . كانت مفاجأة تماماً )) . ـ لماذا ؟ ـ ـ لأنك لا تثقين بالرجال وحسبما أعرف , معظمهم يضجرك . ـ صحيح . أكثر الرجال يسببون لي الضجر بعد فترة قصيرة , حتى أولئك الذين ظننت أنهم أعجبوني . كما أنهم ليسوا ممن يلحون على إقناعي بالبقاء معهم . ـ هل تلومينهم إذا شعروا باليأس عندما يدركون أنك تقارنينهم بالإمبراطور أوغسطس . ـ لا أظن ذلك . ـ تابعا السير فوجدوا نفسيهما في ساحة (( سانت مارك )) التي راحت تخلو من الناس بسرعة . خارج المقاهي كانت المقاعد مقلوبة على الطاولات وقد سكتت الأوركسترا عن العزف , ما عدا عازف كمنجة منفرد كان ما زال يعزف لراقصين ضائعين في بعضهما البعض . فقال : (( إننا متلائمان بشكل جيد , ألا تظنين ذلك ؟ )) . دفء أنفاسه على وجهها , وقربه منها , يثيرانها , والجنون الحار العميق يتملكها . . . بدا كل ذلك رائعاً . ـ وكانت المغنية تقول : ( خذني بين ذراعيك وارقص معي تحت النجوم ) , على وقع كمنجة منفردة . ـ فيما قال ماركو : (( أظن الأمور سارت بشكل جيد منذ يوم وصولك . أفضل يوم للعرس هو أول سبت في أيلول )) . وسكتت الكمنجة . ـ هل عينت التاريخ من دون أن تستشيري ؟ ـ لا , لكنني كنت أفكــر في تاريخ مناسب . فلدي أعمال مهمة حالياً . ـ كل أعمالك مهمة . قالت هذا متأملة وقد أرادت أن تطيل الوقت . ـ لكن هذه مختلفة فهي تزيد من مركزي لأنني سأكون شريكاً . ـ وهل هذا ما تريده حقاً أكثر من أي شيء آخر في العالم . أطلق ضحكة قصيرة مرتبكة : (( ليس هذا فقط . سأكون أصغر شريك اتخذه المصرف . ربما هو نوع من الخيلاء , لكنه يسرني . وهذا سيستحوذ على اهتمامي ووقتي خلال الأسابيع المقبلة . وعندما أتمكن من استعادة أنـفاسي سيكون شهر أيلول قد حل وانتهى الصيف إلا إذا اتخذنا قرارنا الآن )) . ـ لا . كفى يا ماركو . لا أريد العجلة . ـ ـ لكن الأمر منطقي . . . فقالت بقنوط : (( إسمع , هل تتذكر ما قلته لي في (( بيلا فيغرا )) ؟ قلت ( إن السيطرة هي أساس كل شيء ) لم أعرف حينذاك كم كان هذا صحيحاً . حتى بالنسبة إلي )) . ـ أنت تأخذين لذلك الكلام معنى أكثر مما يعنيه . على أحدنا أن يخطط لما أمـامنا . ـ أنت بالغت في التخطيط لأجلي . أنـا آسفة , لكنني لست واثقة بالنسبة إلى الزواج . ـ ـ لكنك قلت لتوك . . . ـ أحياناً يكون مجموع العلاقات غير كاف . . . ـ حسناً , ما الذي سيكون كافياً ؟ ـ لا أدري , لا أدري ما هي خطط مستقبلي . ـ راح يحدق في وجهها في الظلمة الخفيفة : (( أتعنين أنك تفكرين في المغادرة ؟ )) . ـ لن أغادر روما , بل منزلك فقط . هناك شقة جميلة في شارع . . . تنفس بحدة : (( هل كنت تبحثين عن شقة ؟ )) . ـ في الصحف فقط . فقال بهدوء : (( لقد جهزت كل شيء , أليس كذلك ؟ هل لي أن أسألك متى كنت ستخبرينني ؟ )) . ـ ـ ليس قبل رحيلنا من هنا , ثم إنني لم أقرر تماماً بعد . ـ يفترض بي أذاً أن أنتظر صدور قرارك . ربما هذا لا يعجبني ؟ ـ وربما أنا لا يعجبني أن أقبل القرار الذي وضعته أنت . هناك رأيان يجب أخذهما بالاعتبار يا ماركو , وليس قرارك فقط . ـ ابتعد عنها ومضى يسير ذهاباً وإياباً . وأحست هارييت بضيقة لفشل خطته , فقالت : (( ربما الناس الذين يتشاجرون بقدرنا , يجب ألا يفكروا في الزواج . فلندع الموضوع هذه الليلة , وإلا ساءت الأمور )) . ـ لا بأس , فلندع الموضوع الآن . ـ وعادا من خلال الأزقة التي كانت تعج بآلاف العشاق الذين يتهامسون بأجمل كلام الحب . لكنهما قطعاها من دون نظرة إلى الخلف . وعندما وصلا إلى المدخل الجانبي لمقر كالـﭭـاني , دخلا ثم ذهب كل في طريقه . * * * كانت الأضواء تنطفئ واحداً بعد الآخر على طول الـﭭنال الكبير . وفي الحديقة نهض ليو وساعد لوشيا على الوقوف . ثم قال : (( شكراً لإصغائك إلى حديثي المتشعب . وأخشى أن تكون دولسي وهارييت ظنتا أنني على شيء من التهريج )) . ـ حسناً . . . كانت حياتك مليئة بالتعقيدات . ولكن إذا كانت سيلينا هي المرأة المناسبة , فستجدها مرة أخرى , رغم أنني سأظنها , إذا لم تأت للبحث عنك , مجنونة تماماً . ـ فقال عابساً : (( ربما لا تريد أن تجدني )) . فقالت لوشيا بحدة : (( يكفي تشاؤماً ! إذا ما كتب لحبك أن يبصر النور , فسوف يبصره . والآن هناك عرس غداً , وسنستمتع جميعنا )) . * * * تبادل غويدو ودولسي تحية المساء أمام باب غرفتها , فهمس : (( ألا يمكنني الدخول ؟ للحـظة فقط ؟ )) . ـ ليس في الليلة التي تسبق الزفاف . هذا ممنوع . ـ ـ ممنوع ؟ دعي عنك هذا يا دولسي . لا , لا تضحكي بهذا الشكل , فهذا يعذبني , وقد أفقد كل سيطرة على نفسي . فقالت بحنان : (( إذهب إلى سريرك واحلم بي )) . ـ أنا دوماً أحلم بك . هل تحبينني ؟ ـ أكثر من الحياة . أكثر من كل الدنيا . ـ ما من كلمات تعبر عن مدى حبي لك . ليلة سعيدة يا حبيبتي . غـداّ ستكونين لي . ـ * * * قال الكونت فرانسيسكو لزوجته الكونتيسة الجديدة عندما ألقت نظرة أخيرة على المطبخ : (( والآن دعي العمل . حـان الوقت لكي تتوقف عروسي عن إهمالي )) . فهمست : (( عروسك ؟ بعد كل ذلك الوقت الطويل ؟ )) . ـ نعم , بعد هذا الوقت الطويل , يا حبيبتي . ـ وأمسك بيديها يحدق في وجهها غافلاً عن التجاعيد , متأملاً الصراحة الرائعة التي نظرت إليه بها منذ خمسة وأربعين عاماً . ـ بادلته ليزا الابتسام . وكان في نظرها أيضاً ذلك الفتى الذي أغرمت به ذات يوم في الأيام السالفة عندما كانت طاهية في منزله , حين كان أي تفكير في الزواج منه واهياً . ولكن خلال السنين الطويلة أحبها بثبات , وإن لم يكن بإخلاص على الدوام , ومن يلومه على ذلك إذا كانت دائماً ترفض عرضه ؟ أراحت رأسها على صدره : (( آسفة يا حبيبي , ولكن كيف أهمل التجهيز للغد ؟ إنه العرس الكبير )) . ـ فقال وهو يجذبها من المطبخ بحزم : (( آه , لا , اليوم كــان هو العرس الكبير . . . تعالي يا معبودتي . . . )) . * * * كانت دولسي عروساً متألقة في الحرير الأبيض المخرم , متحلية لأول مرة بلالىء أسرة كالـﭭـاني . بدت سعيدة للغاية , بينما بدا غويدو وكأنه , لأول مرة في حياته , يأخذ الأمور بشكل جاد , حسب قول ماركو . ـ كان ماركو وليو إشبيني العريس . وكان ماركو في ملابسه الأنيقة للغاية , بينما كان ليو يحل ربطة عنقه بين الحين والآخر . حفلة الليل الماضية اقتصرت على أقرب المقربين , حسب رغبة ليزا . أما هذه فهي حفلة فخمة متألقة , امتدت إلى معظم غرف ذلك القصر الفخم . كـانت الأنوار تشع من النوافذ والأبواب وتتألق في مجوهرات مئات السيدات . وقد اجتمعت هنـا نخبة المجتمع الإيطالي . ـ بالرغم مما قالته هارييت الليلة الماضية , فقد لبست خاتم خطوبتها , إذ أنها لم تشأ جذب الانتباه إليها اليوم . وأثناء رقصها بين ذراعي ماركو , مثلت دور الخطيبة السعيدة , وتدريجياً أدركت أن الأمر كان كما قال فقد كان الناس يبتسمون لهما ابتسامات ذات معنى . ـ ارتدت ثوباً حريرياً زيتي اللون , بالغ الأناقة والبساطة . قال لها ماركو : (( إنك تبدين رائعة ! أنا فخور بك )) . شعرت بالموسيقى تسري في عروقها , فراحت تتمايل وكأن لا مشاكل لديها على الإطلاق . الحمد الله أن انزعاجه الليلة الماضية لم ينتقل إلى اليوم . كان قد أدى واجبات العرس نحو المدعوات بظرف بالغ , مبتسماً خلال الرقصات القليلة الأولى , قبل أن يمد يده إلى هارييت بدعوة صامتة . كانت دولسي تراقبهما , فأشارت إلى الفرقة الموسيقية بأن تعزف أغنية شائعة تدعى ( أنظري كيف يحبك ) . وهللت الجموع ظناً منها أنها موجهة إلى العروسين اللذين كانا يرقصان معاً محتضنين بعضهما البعض , لكن دولسي أشارت بمكر إلى ماركو و هارييت . ـ رغم تصميمها على أن تكون متعقلة , وجدت نفسها تتجاوب مع قرب ماركو منها وهو يحيطها بذراعيه . آخر عناق لهما معاً كان ليلة تبعها إلى المنزل ليواسيها بعدما خيب والدها آمالها . وكان الرقص أشبه بصدى لتلك الأمسية . . . في هذه اللحظة , كان من السهل الاعتقاد بأن لا شيء آخر يهم إذ كان الوجه الوسيم بجانب وجهها , والعينان الداكنتان الرقيقتان اللامعتان تخبرانها بصمت بأنه هو أيضاً يشعر بها بقوة . . . عندما انتهى الرقص احتشدت حولهما الجموع . ـ هيا , قولا لنا . . . ـ ـ حان الوقت لتحديد موعد . . . ذراعه كانت ما تزال حول خصرها, فشعرت بها تشتد حولها فجأة . ثم قال : (( لقد قررنا الموعد وهو أول سبت من شهر أيلول )) . الشهقة التي صدرت عنها اختنقت بين صياح الفرح والتهليل . تقدم رجال الأسرة إلى الأمام يصافحون ماركو , بينما ابتسمت لوشيا واحتضنت دولسي هارييت وهي تهتف : (( كم أنا مسرورة , كم أنأ مسرورة )) . وصاح غويدو : (( ما أعظم هذا . أنا متشوق لهذا اليوم . أظن أننا مدعوون )) . ـ وذهل الجميع عندما رد ماركو عليه صائحاً : (( دولسي مدعوة فقط أما أنت فلا )) . تصاعد الضحك لهذه النكتة التي بدت أسبه بدعابة تصدر عن مصدر غير متوقع . وصرخ أحدهم : (( عانقها . عانق العروس !)) . شعرت هارييت بالأرض تميل تحت قدميها . منذ لحظة كانت سعيدة بين ذراعيه وإذا به فجأة يغضبها إلى أقصى حد . . . شعرت وكأن حرارتها قد انخفضت فجأة إلى درجة التجمد , وأنها أصبحت في عالم جديد , كئيب , حقود . تركته يعانقها . لم يكن لديها خيار أمام هذا الحشد . وما أرادت أن تقوله يجب أن ينتظر . لكن الانتظار يعني تحمل إصرار الكونت على إقامة العرس في البندقية في منزل الأسرة . ويعني النظر إلى لوشيا وليزا تخططان للعرس . ولم تعرف كيف مرت عليها الساعة التالية . ـ أصعب ما واجهها هو فرح لوشيا . أبدت بوضوح أنها تحب هارييت , ولا شيء يسعدها أكثر من أن تراها زوجة ابنها , وحاولت هارييت أن تلمح لها , فقالت بيأس : (( ما كان له أن يفعل هذا . أن يعلن ذلك العالم قبل أن يخبرك , ولكن ترين أننا لم . . . )) . ـ آه , يا عزيزتي , أنا متلهفة . لا يمكنك أن تلومي ماركو إذا كانت مشاعره قد غلبته . ثم لقد اخبرني الليلة الماضية . ـ أخبرك بماذا ؟ ـ قبل أن تخرجا معاً , قال إنه كان يفكر في يوم السبت ذاك . وسينهي الأمر معك . ـ فسألتها هارييت وعيناها تلتهبان : (( وماذا قال حين عاد ؟ )) . ـ كنت نائمة حينذاك , وطبعاً اليوم لم أجد فرصة لأخبرك فيها بمدى سروري , والآن كلنا سنكون سعداء . وقبلتها غير واعية إلى أنها ملأت قلب هارييت بالغضب والذعر . بعد أن قطع قالب الحلوى , عزفت الفرقة الموسيقية المقطوعة الأخيرة قال لها ماركو : (( يود عمي أن تلتحقي ببقية الأسرة لكي تودعي الضيوف . إنه يعتبرك واحدة منا )) . ـ نظرت إليه بعينين ملتهبتين : (( لن أؤذي مشاعر عمك . ولكن علينا , أنا وأنت , أن نتحدث )) . ـ سيكون لدينا وقت لذلك فيما بعد . أنـا أعلم كيف يبدو هذا الأمر , ولكن إصبري فقط . ووضع يده على ذراعها يحثها على السير معه . جعلها الكونت تقف بجانبه , بينما وقفت زوجته إلى الجانب الآخر . وكان هذا مكان الشرف . وعندما خرج آخر ضيف , نظرت إلى ماركو بحزم وقالت : (( والآن ! )) . تركها تقوده إلى غرفة بجانبهما ثم قال : (( دعيني أتكلم أولاً )) . ـ أنت تكلمت بما يكفي , والآن ستصغي . كيف تجرؤ على ذلك ؟ لقد أخبرتك الليلة الماضية أنني لست جاهزة لذلك . ألم تسمعني ؟ ـ بلى سمعتك , لكن قولك لم يكن معقولاً . هارييت , أنت تعلمين كمـا أعلم أنك في النهاية ستقولين نعم . كلانا يعلم ذلك منذ . . . حسناً , منذ بعض الوقت , فلماذا الخوض فيه ؟ لابأس , إننا نتشاجر أحياناً , لكننا أيضاً منسجمان معاً . ـ ـ نحن غير منسجمين , لأنني لن أستطيع أن أنسجم أبداً مع رجل لا يعتبرني ولا يأخذ برأيي . ـ ـ لا بأس , أنا آسف للطريقة التي فعلت بها ذلك , ولكن ألا يمكننا أن ننسى الأمـر ؟ ـ وبعد ذلك ماذا تفعل ؟ نتزوج ؟ ماركو , أنا أبعد عن الزواج بك الآن مما كنت على الإطلاق . أرجـوك أن تفكر في ذلك قبل أن تقوم بأي خطة أخرى دون أن تستشيريني . ثم ابتعدت عنه وصعدت إلى غرفتها . لم تعرف مثل هذا الغضب في حياتها من قبل . * * * | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #14 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 11 ـ لن أعيش بدون حب ! نظرت سكرتيرة ماركو بحذر إلى المرأة الحازمة التي وقفت أمامها : (( هل السنيور كالـﭭـاني بمفرده ؟ )) . ـ لا أدري مـا . . . ـ هل لديه أحـد ؟ ـ لا , ولكن لديه اجتماع مجلس إدارة عند الخامسة . . . ـ لا تخافي , لن أتأخر إلى ذلك الحين . ـ قالت لها هذا من فوق كتفها وهي تفتح باب مكتبه . كان مستغرقاً في شاشة الكمبيوتر , فرفع بصره إليها مجفلاً : (( ماذا حدث ؟ هل حدث شيء لأمي ؟ )) . ـ لا , جئت لأراك لأن هذا هو المكان الذي لا يمكنك أن تهرب فيه مني . إنك تتجنبني منذ عدنا من البندقية . ـ منذ يومين . أنت تعلمين أن لدي عملاً . . . ـ وأنت تعرف ما أريد قوله . سـأفعل ذلك بسرعة حتى لا تتأخـر عن اجتماعك . . . توترت شفتاه : (( هذا ليس بالوقت . . . )) . ـ كلمة وداعاً لا تستغرق الكثير من الوقت . ـ ـ هل يمكننا أن نتحدث عن هذا فيما بعد ؟ ـ لا . لقد خُدعت بهذه الكلمة مرة ولن أعود إليها . ثم ليس هناك ما نتحدث عنه . الوداع ! هذا يكفي . لا أستطيع أن أتزوجك . وهـذه الخطبة المزعومة انتهت . فقال بنفاذ صبر : (( لا تكوني سخيفة . لقد كادت بطاقات الدعوة تنتهي . . . )) . ـ وأنا أفسد الآن التنظيم . يا للجريمة الكبرى ! أنا آسفة . ولكن بعض الأشياء أكثر أهمية من المحافظة على سير الخطة الموضوعة . خرج ماركو من خلف مكتبه . بدا شاحباً لكنه قال بهدوء : (( إسمعي . كنت في مزاج غريب مؤخراً , وربما لم أكن متعاطفاً تماماً , وما كان علي أن أعلن خطبتنا بهذا الشكل . أنا آسف وسـأصلح من تصرفاتي في المستقبل )) . فصرخت : (( إستمع إلى نفسك . إنك تتكلم كرجل يدق على مفاتيح الكمبيوتر . الحياة لا تسير بهذا الشكل )) . أصدر صوتاً يدل على نفاذ صبر : (( هل هذه التفاصيل التافهة هامة ؟ )) . ـ إنها ليست تافهة . إنها مثلك . كل شيء مرقم ومعلب . لقد أخبرتك لتوي بأن خطبتنا انتهت . وأنت غاضب لأنني خرجت من علبتي على شكل شخص لا تعرف كيف ترقمه . ـ ـ أنا غاضب لأنني لا أفهم كلمة مما تقولين . لا شيء مما تقولينه منطقي . ـ هل من غير المنطقي أن أتزوج من شخص يهتم بي بشكل لا تفعله أنت ؟ تنفس بسرعة وبدا على وشك أن يقول شيئاً , لكنه راجع نفسه . وعندما تكلم كان هادئاً : (( أظننا استطعنا أن نزداد تقارباً . . . )) . ـ ليس إلى حد كافٍ . أنت متملك وتحاول أن تنظم كل خطواتي , لكن ذلك ليس حباً . وتنهدت : (( حسناً , ربما أنت على صواب وأنا كنت غير منطقية . كان على أن اهتم بالحب قبل الآن بكثير . أليس كذلك ؟ منذ اليوم الذي تعارفنا فيه . آسفة . لم أكن أعرف نفسي جيداً حينذاك . لكنني أعرفها الآن , وأرى أن الحب مهم )) . ـ الحب ؟ ـ نعم يا ماركو . تبدو وكأنك لم تسمع بهذه الكلمة قط . ليس هناك حب بيننا , أليس كذلك ؟ جمد مكانه الآن تماماً . وتوجه إليها بكل انتباهه وقال بهدوء : (( لا يبدو هذا . ما أغباني لأنني لم أفهم )) . ـ ـ إنه ذنبي , فقد ظللتك . جعلتك تظن أن بإمكاني أن أعيش بدون حب مثلك . نظر إليها ساخراً : (( ومتى أصبح هذا مهماً فجــأة ؟ )) . ـ مؤخر فقط . أتتذكر ليلة حفلة أبي ؟ فانفجر بها بشكل غير متوقع : (( وأنت ؟ )) . ـ أتذكرها بكل وضوح . لكن هذا سيء , أليس كذلك ؟ لا يمكنك أن تخلق ما هو غير موجود . حاولت أن أتصرف بطريقتك لكنني لا أستطيع ذلك . ـ ـ ربما أنت تستسلمين بسهولة . ـ ظننتك تفخر بنفسك لكونك واقعياً . فأنت لست واقعياً الآن . الأمور لن تتحسن يا ماركو . لقد فات الأوان على التغيير . ـ تأملت وجهه , متلهفة إلى رؤية بعض الليونة فيه . بإمكانه أن يبحث في قلبه ويكتشف أنه لا يريد أن يفقدها . خلف شجاعتها الظاهرة , كانت تعلم أن كلمة حب واحدة منه كفيلة بأن تلقي بها بين ذراعيه . ولكنه بقي صامتاً . ووجهه جامد كوجود الموتى . حتى بشرته أصبحت غبراء قليلاً , وبدت في عينيه نظرة غريبة ذاوية وكأن الحياة استنزفته . وأخيراً قال بلهجة متحجرة : (( نعم . لقد فات الأوان على التغيير . كنت أظن . . . حسناً , كنت خاطئاً . لا يمكن للإنسان أن يغير نفسه لمجرد رغبته في ذلك )) . وفي الصمت الذي تلا ذلك , تملكها شعور غريب بأنه ضائع , وهو شيء لم تعرفه فيه من قبل قط . ـ وأخيراً سألها : (( ما الذي سيحدث الآن ؟ )) . ـ ســأرحل حالما أتحدث إلى أمك . وعندما أعود إلى لندن . . . ـ لندن ؟ لكنك قلت إنك ستبقين في روما . تأملته ساخرة : (( أما زلت تتذكر ذلك الحديث ؟ ظننتك تناسيته كما تفعل دوماً إذا لم يناسبك الموضوع . كنت أنوي البقاء في روما لكنني أرى الآن أنني لا أستطيع . علي أن أبتعد عنك حالاً . وعندما أصــل إلى وطني سـأتدبر الأمر بحيث أعيد إليك دينك علي )) . ـ ـ لا داعي للعجلة , فقد وعدتك بشروط سهلة . . . ـ لا , أريد أن أسدده كاملاً دفعة واحدة . . . ـ لا يمكنك أن تدفعي هذا المبلغ جملة واحدة , كلانا يعرف هذا . ـ سـأتدبر أمري بشكل مـا . الأفضل ألا أكون مدينة لك . وفجأة زال الجمود عن وجهه , فالتوى بمرارة : (( أنت مستعجلة للتخلص مني أليس كذلك ؟ )) . ظلمها له كان كالسكين يغرز في قلبها , وجعلها تجيب بنفس مرارته لتغطي ألمها : (( ظننتك ستكون مسروراً لرحيلي بعد أن علمت أني أرفض عرضك . هيا دع عنك حيرتك وارتباكك ولا تضيع وقتاً على اتفاقية ميتة . تلك هي مبادئك لكنها مفيدة لي أنا أيضــاً )) . سمعته يأخذ نفساً سريعاً قبل أن يقول : (( يبدو أنني علمتك أكثر مما أدري . يمكنني أن أتذكر أوقاتاً كنت فيها أكرم نفساً من أن تقولي شيئاً قاسياً كهذا )) . ـ ـ ماركو . . . ـ أنت طبعاً على صواب , مهما كان رأيي في أهمية الحديث عن هذا الأمر . ـ لم يعد هناك ما يستحق التحدث عنه بيننا . لقد انتهى كل شيء . لم يعد هناك ما يقال , والأفضل أن تسرع فلديك اجتماع . وخرجت من مكتبه شبه راكضة , لا تدري هل تصرخ أن تقذفه بشيء . كيف يجرؤ على إثارة الاضطراب فيها بذلك الجو من الألم المكبوت الذي يحيط به ؟ إنها تعرفه جيداً ولا يمكنه أن يخدعها . ليس في الأمر أكثر من أنه يحتال عليها لكي يجعلها هي المخطئة التي تستحق اللوم . لكنها لا تستطيع مواجهة ذلك حالياً . ـ * * * أصعب ما في الأمر هو إطلاع لوشيا على ما حدث بالرغم من أن الأم كانت متفهمة . وتنهدت لوشيا : (( لطالما شعرت بأن هناك شيئاً خاطئاً . حتى في البندقية أحسست بذلك . لكنني افترضت أنني لا أرى سوى ما أريد رؤيته . ويبدو , مع الأسف , أن ماركو أخذ ذلك عني )) . واعتصرت يد هارييت : (( ماذا حدث )) . ـ الأمر بسيط للغاية . أنا وماركو عقدنا اتفاقية عمل , لكنني وجدت شروطها صعبة التنفيذ . لقد تعقدت كل مشاعري . والشيء الوحيد الذي اتفقنا عليه لن يحدث . ـ ـ لكنه يرغب بك كثيراً . . . ـ نعم , هو يرغب بي . كما يرغب في كل شيء يراه مناسباً له . لكن هذا لا يكفــي . ـ أتقولين إنك تحبينه ؟ ـ ليس الأمر بهذه البساطة . ـ قالت هذا بحذر متذكرة أن لوشيا لا بد ستخبر ابنها بكل هذا : (( كيف يمكنك أن تحبي رجلاً لا يحتاج إلى من يحبه ؟ )) . ـ كل رجل يحتاج إلى من يحبه , وربما ماركو أكثر من غيره , لأنه ينكـر ذلك بشدة . ـ نعم , لكنني لا أستطيع احتمال ذلك . لا أريد أن أمضي حياتي في الكفاح . ـ لا يمكنني أن أقول شيئاً يقنعك ؟ فهزت هارييت رأسها : (( أصعب شيء علي هو أن أتركك . كنت رائعة معي )) . فقالت لوشيا بلهفة : (( يجب ألا نخسر هذا . عديني بأنك ستستمرين بالاتصال بي )) . وعدتها هارييت بذلك . فعانقتها المرأة والدموع في عينيها تسألها بحزن : (( متى سترحلين ؟ )) . ـ ظهر الغد . ـ ـ سأرافقك إلى المطار . كانت هارييت تريد أن تترك الملابس التي اشترتها هنا , فقد بدا لها من غير اللائق أن تأخذ شيئاً من هذه المرأة التي خيبت هي أمالها فيها . لكن لوشيا أصرت أن تأخذ معها كل شيء دون استثناء , قائلة بجد : (( يا عزيزتي إيتا , سامحيني لقولي هذا , لكنني لا أستطيع أن أحتمل رؤيتك تعودين إلى المظهر الذي أتيت به عند وصولك إلى هنا )) . وأثناء العشاء , حاولت كل منهما أن تسلي الأخرى , من دون أن تعترفا بأن كليهما تنتظران ماركو . نظرت لوشيا إلى الساعة عدة مرات حتى قالت هارييت : (( لن يأتي )) . ـ ـ بل سيأتي . لن يدعك تذهبين من دون كلمة وداع . ـ ليس بحاجة إلى قول كلمة الوداع . فقد سبق وانتهى مني . ـ لا تبدأي بمثل هذا القول يا عزيزتي . رؤيته للعالم بذلك الشكل لا تجعله سعيداً . فتنهدت هارييت : (( لا أدري ما الذي يجعله سعيداً . ولكن ما يسعده ليس أنا على كل حال )) . ـ فسألتها : (( وأنت ؟ هل كان بإمكانك أن تكوني سعيدة معه ؟ )) . فكان جوابها : (( وهل يمكن لشخص أن يكون سعيداً مع شريك غير سعيد ؟ )) . ـ وغمرها ألم قوي وكـأن حجراً أثقل صدرها . وعندما انتصف الليل , واجهت حقيقة أن ماركو سيتركها تذهب من دون كلمة وداع . اتصلت لوشيا بماركو إلى شقته , ثم إلى هاتفه الخليوي , ولكن عبثاً . فقالت هارييت متوسلة : (( لا تحاولي أكثر من ذك فهكذا أفضـل )) . ومع ذلك , بقيت مستيقظة معظم الليل علها تستمع إلى صوت سيارته . وعندما لم يأت , كررت لنفسها أن ذلك أفضل , فهي تعلم أنها ستضعف أمامه وقد تلقي بنفسها بين ذراعيه وتعده بأي شيء مقابل أن تبقى معه فقط . وهذا سيكون كارثة , لأنها لن تشعر باحترام لنفسها إذا هي عاشت مع رجل يعلم أنها تخلت عن كبريائها لتعيش معه , استطاعت أن تنام ساعتين , استيقظت بعدهما والصداع يتملكها . لم تتناول فطورها , كذلك لوشيا , وكان عقرباً الساعة يزحفان نحو اللحظة التي تترك فيها هذه الفيلا إلى الأبد , وتترك ماركو إلى الأبد . فقد سبق وتركته فعلاً . وجـاء صوت سيارة من الخارج . فقالت لوشيا : (( لا بد أن السائق أحضر السيارة لتقلنا . آه , إيتا , يا حبيبتي تذكري وعدك لي بأن تبقي على اتصال )) . ـ فقالت هارييت بصوت أجش : (( أعدك )) . وتعانقت المرأتان , ثم شعرت بلوشيا تتصلب بين ذراعيها ثم تصرخ : (( ماركو ! )) . وقف عند العتبة وقد بدا شاحباً للغاية إنما متحكم في نفسه . وحبست هارييت أنفاسها . وقالت لوشيا بفرح : (( الحمد الله أنك جئت ! )) . ـ طبعاً . وهل ظننتني عديم الأخلاق لكي أترك ضيفتنا ترحل من دون أن أودعها ؟ سـآخذ هارييت إلى المطار بنفسي . راح قلبها يخفق . بسرعة منذ لحظة اشتعال الأمل في نفسها , لكنها أرغمت نفسها على الهدوء . . . انتظر ماركو في السيارة إلى حين انتهت من وداعها للوشيا , وعندما صعدت على جانبه كانت ما تزال تغالب دموعها . وتفحص ماركو وجهها بينما وجهه لم يكن ينبئ بشيء . ثم هبطت نظراته إلى يدها التي كانت خالية من الخاتم , فقالت : (( لم أكن أعرف أنك قادم , ولهذا سلمت الخاتم إلى أمك )) . فقال وهو يستدير بالسيارة : (( لقد آلم هذا أمـي كثيراً )) . ـ أعرف هذا . لكننا تحدثنا طويلاً , وأظنها تتفهم الأمر . ـ أكثر مني . ـ ـ وقد وعدتها بأن أبقى على اتصال بها . ـ هذا حسن . إذن أرجو أن أسمع بعض أخبارك . ـ نعم حسناً . . . سأتصل , بالنسبة إلى المال . . . ـ سبق وأخبرتك أن لا داعي للعجلة في هذا . يمكننا أن نقسط المبلغ . ـ لا , بل الأفضل أن أدفع المبلغ كاملاً . شتم بصوت خافت : (( أنت امرأة صلبة عنيدة )) . فكرت في أنها عنيدة حقاً . ولكن صلبة ؟ ربما هي تحاول أن تحيط نفسها بجدار يقيها من الألم لفراقه . وهذا سينجح في النهاية , كما حدثت نفسها , خصوصاً وهو يريها منه الناحية الأقل مودة ولطفاً . وفي المطار بقي معها إلى حين وقت التسجيل , فساعدها بأدب على التأكد من وجود التذكرة وجواز السفر . ـ قالت : (( سـأدخل مباشرة ولا حاجة بك إلى أن تبقى معي . شكــراً لإحضارك لي )) . ـ ما من إزعــاج . ـ حظــاً سعيداً في مشروع الشراكة . ـ ماذا ؟ آه , نعم . شكراً . حسناً , لن أضيع الوقت . وداعاً وحظــاً سعيداً . صافحها ثم ابتعد بخطوات واسعة من دون النظر خلفه . استقل سيارته وأشعل المحرك , ثم عاد فأطفأه ووضع رأسه بين ذراعيه على المقود . وبقي كذلك إلى أن دق شخص ما على زجاج النافذة ليرى إن كان بخير . * * * ـ لماذا أردتني أن أحضــر إلى هنا , يا ولدي ؟ وأجالت لوشيا نظراتها في أنحاء الشقة التي كانت تبدو أكثر تحفظــاً وتقشفاً من أي وقت مضى . ـ لقد مضى يومان الآن , لماذا لم تأت إلى البيت وتتحدث إلي ؟ فاقل بابتسامة مرهقة : (( أنت تعرفين مدى انشغالي حالياً يا أمي . هذه الشراكة . . . )) . ـ ـ لقد جعلت من ذلك عذراً لهارييت , لكنك لن تقنعني أنا . فسكت , وذهبت هي إلى المطبخ لتحضر القهوة . وعندما عادت كان ماركو جالساً , شابكاً أصابعه على ركبتيه وهو يحدق إلى الأرض . أخذ منها الفنجان بابتسامة شكر خفيفة . نظرة واحدة إلى وجهه كانت كافية لإعادتها إلى المطبخ لتعود أخيراً بطبق كبير من المعكرونة , ثم سـألته وهي تجلس أمامه : (( متى أكلت آخر مرة ؟ )) . ـ فهز كتفيه : (( في وقت ما . شكراً يا أمي )) . نظرت إليه بعطف : (( كنت أحمق للغاية )) . فأجفـل : (( أنا ؟ أنا الذي أردت أن يستمر زواجنا )) . ـ نعم , حاولت ذلك بكل مراوغة وإرغام . وماذا كانت النتيجة ؟ لقد فقدت كنة كنت شغوفة بها بشكل خاص . هذا لن ينفع . ـ ماذا تتوقعين مني أن أفعل ؟ لا يمكنني أن أرغمها على الزواج بي . ـ إذن أنت تعلمت هذا , أليس كذلك ؟ ـ من السهل أن تتكلمي يا أمي , ولكن لا يمكنك أن تتحدثي بالمنطق إلى هارييت , إنها تعيش في عالم الأحلام . ـ وشخر ساخراً : (( إنها تسمي نفسها سيدة أعمال . لكن سكان القمر يعرفون عن التجارة أكثر منها . تظن أن إدارة عملها مسألة حب لقطعها الأثرية والعثور لها على (( بيوت شغوفة )) )) . فتنهدت لوشيا : (( آه , هذه هي شخصية هارييت )) . ـ نعم , وكذلك طريقتها في إدارة المتجر . إنها الآن تتحدث عن إعادة المال الذي أقرضتها إياه , كله دفعة واحدة . كيف تظن بإمكانها أن تفعل ذلك ؟ إنها ليست بتلك الخبرة التي تظنها . ـ في الحقيقة , يا ماركو , ماذا تعرف عن مدى خبرتها ؟ قفز واقفاً وسار إلى خزنة سرية , تناول من داخلها القلادة الذهبية الأثرية : (( أترين هذه ؟؟ أخذتها إلى لندن وأريتها لهارييت في اليوم الأول لتعارفنا . أتذكرين كم كان أبي مزهواً بها , وكم كان يحكي الحكايات عن الحفريات التي اكتشفت فيها ؟ أخبرتني هارييت بأنها زائفة )) . ـ لكنها , يا ولدي العزيز , زائفة فعلاً . ـ ـ ماذا تعنين ؟ إنها أترورية حقيقية . ـ لا . القلادة الأصلية كانت أترورية . ولكن منذ سنين , عانى أبوك من مشاكل ماليه فباعها . وهذه هي نسخة صنعها مزيف خبير كان الأفضل في مهنته , ومن المهارة إلى حد لم يكتشف زيفها أحد طال السنين الماضية . حتى كشفته هارييت . أخــذ ماركو يحدق إليها صامتاً . * * * رفعت هارييت القلم للمرة الثانية , ثم عادت فوضعته . وقالت بحزن : (( الأمر يبدو منتهياً )) . ـ فأومـأ المحامي السيد بندري : (( البيع نهائي . ولكن سيكون من عدم الحكمة منك أن ترفضي عرض (( ألوم وجونزي )) )) . ـ ولكن لمن هذه الشركة ؟ ـ وهل هذا مهم ؟ لقد قبلت هذه الشركة دفع الثمن الذي طلبته من دون نقاش . بالإضافة إلى أنهم يريدونك أن تبقي لتديري المتجر . وبهذا لا تخسرين شيــئاً . ـ ـ ما عدا أنه لن يعود ملكي بعد الآن . ـ حسناً , إذا كنت حقاً لا تريدين أن تبيعي , يمكنك أن تسألي السنيور كالـﭭـاني إذا كان بإمكانك أن تدفعي له بالتقسيط . هل أتصل . . . ـ لا , شكراً . قالت هارييت هذا بحزم . لقد أقسمت على أن تقضي على كل ارتباط يجمعها بماركو . فهذه هي الوسيلة الوحيدة لإخراجه من حياتها , إن لم يكن من قلبها . وهي تفضل أن تموت على أن تطلب منه خدمة بعد الآن . وبسرعة , وضعت توقيعها ودفعت الورقة على المكتب . قال السيد بندري : (( والآن , هذه هي اتفاقيتك بصفتك المديرة لستة أشهر )) . توقفت هارييت مرة أخرى : (( لا أدري . أليس الانتهاء من هذا كلياً هو الأفضل ؟ )) . ـ لكن ليس هناك ما يدعى : (( الانتهاء كلياً )) . ألم تكتشف ذلك في الأيام الموحشة والليالي المؤلمة ؟ سألها السيد بندري : (( هل لديك خيار آخر ؟ )) . ـ لا . لا أظن ذلك . قالت هذا وهي تتناول القلم . ـ ـ أنت تستمرين في إدارة المتجر فقط , وأظن أنهم سيرسلون شخصاً ليراك , عاجلاً أو آجـلاً . بقيت مستيقظة طوال الليل , عالمة بأن توقيعها كان ناجماً عن ضعفها . لم تستطع أن تواجه إفلاساً آخر بعد الإفلاس الأول بمثل هذه المدة القصيرة . ستنهي العقد ثم تنفصل عن متجرها شيئاً فشيئاً . وللمرة الآلف منذ عودتها إلى لندن , أخذت تتساءل عما جعلها تتخذ مثل هذا الموقف العنيد ضد الرجل الذي لم تكف لحظة عن حبه . والحق يُقال إنها لطالما اعتبرت نفسها ضعيفة نوعاً ما , فما الذي جعلها تجد الأسلحة التي في يدها ؟ ماركو هو الذي أراها إياها . لقد أخبرها بأنها قوية وشجاعة ومستقلة , وكان ذلك صحيحاً . الإهمال والوحدة اللذان دمغا حياتها علماها كيف تكون وحدها , لكنها لم تعرف ذلك حتى كشف لها ماركو عن قوتها . لقد أراها أن بإمكانها أن تعيش من دون أبيها الذي تحن إليه دوماً , والخطوة التالية هي علمها أن بإمكانها أن تعيش من دون أحد . والآن , بإمكانها أن تعيش من دون ماركو , لأنه علمها كيف تفعل ذلك . ـ * * * وفي اليوم التالي تأخرت في النوم . وكان هذا اليوم هو عطلة مديرة المتجر السيدة جيلكرست فأسرعت هارييت إلى المتجر , سائلة الله ألا يدع شركة (( ألوم وجونزي )) ترسل ممثلها في هذا اليوم بالذات , وعندما وصلت وجدت الباب الأمامي مفتوحاً , فأدركت أن الله لم يستجب لدعائها . وشعرت بالهزيمة . لقد تأخرت . . . تماماً مثل ذلك اليوم . بإمكانها أن تتصور بالضبط ما كان سيقوله ماركو عن هذه المرأة . وكان ذلك ما قاله بالضبط و هو يخرج من ذلك القسم الخلفي من المتجر وهو ينظــر إليها ساخراً : (( تباً , يا هارييت ! ألا تأتين أبداً في الوقت الصحيح ؟ )) . ـ * * * نهاية الفصل (( الحادي عشر )) . . . : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #15 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 12 ـ كلا ! لم أندم ـ لا أصدق عيني ! قالت هارييت هذا وهي تضع حقيبة يدها جانباً وتواجهه : (( ماذا تفعل هنا ؟ )) . ـ ألم تفهمي بعد ؟ ـ (( ألوم وجونزي )) ؟ ؟ ـ شركة صغيرة سر أصحابها أن أستلم أعمالهم . ـ حتى ولو لم يسرهم ذلك , لاستلمتها على أي حال . ـ لا . كنت سأجد شركة أخرى . أنا بحاجة إلى واجهة . ما كنت لتبيعين لو أدركت أن الشاري هو أنا . ـ بعبارة أخرى , هذا نوع آخـر من ممارساتك للسيطرة . آسفة يا ماركو . هذا لن ينجح . ســأغير رأيي . أمسك بالعقد الذي وقعته في اليوم السابق والذي يُلزمها بإدارة المتجر لستة أشهر : (( وماذا بشأن هذا ؟ )) . ـ إرفع دعوى ضدي . ـ ـ سأفعل , إذا جعلتني اضطر إلى ذلك , لكنك لن تفعلي . فأنت امرأة تفي بوعودك , وهذا المكان بحاجة إليك . ولا يستطيع أحد آخر أن يديره . سنجعله مربحاً كما ينبغي أن يكون . ضحكت هارييت غير مصدقة : (( أتريدني ؟ أنا المرأة التي لم تستطع أن تعرف الزائف من الصحيح ؟ هذا غير ممكن )) . ـ وشعرت بالشماتة وهي ترى وجهه يحمر : (( ماذا تريدينني أن أقول ؟ إنني كنت مخطئاً ؟ لا بأس , سأقولها . كانت تلك القلادة زائفة . لقد باعت أمي القلادة الأصلية منذ سنين , وتقول إنك الوحيد التي لاحظت ذلك )) . فأشرق وجه هارييت : (( كيف حالها ؟ )) . ـ لدي تعليمات صارمة بأن أرسل إليها أخبارك . وسـأفعل ذلك فيما بعد . أما الآن , فعلينا أن نتحدث بشكل جاد . ـ حسناً , لن أحــاول أن أدافع عن حساباتي أمامك . . . ـ لا , لا تحتاج إلى دفاع . ـ ـ لأنك سبق وعرفت الأسوأ . أنت مجنون , أتعلم ذلك ؟ فلمعت عيناه : (( أنا لا أفعل شيئاً من دون سبب وجيه )) . ـ ما من سبب وجيه لوجودك هنا . ـ هذا أقرره أنا . لدينا اتفاقية , والقرض يُسدد بأقساط سهلة . بدلاً من ذلك اخترت أن تحرمي نفسك من كل ما تحبينه لكي تسدديه دفعة واحدة . وهذا يلقي علي مسؤولية معينة . ـ ليس لديك . . . ـ هل يمكنك أن تلزمي الهدوء أثناء حديثي؟ عندما أريد أن أسمع ما تريدين قوله سأسألك لدي مسؤولية تجاهك وعلي أن أواجهها . سأعلمك أن تكوني سيدة أعمال فطنة حتى ولو كان شبه مستحيل . وفي الوقت المناسب ستجمعين ما يكفي من المال لكي تسترجعي هذا المتجر بشرائه . وبعد ذلك لن يكون علي أن ألوم نفسي لأنني أذيتك . ـ فقالت بحدة : (( هل يمكنني أن أتكلم الآن ؟ )) . ـ إذا كان ذلك ضرورياً . ـ ما هذا الضمير الحي ؟ ـ الضمير الحي هو ركن العمل الجيد . والآن , أقترح أن تعدي الشاي وسنناقش مسألة شراء بضاعتك . بعض المواقع التي زرتها على الإنترنت تبدو مثيرة للاهتمام . ـ هل اطلعت على ملفاتي , وكيف ؟ ـ اخترقت رقمك السري طبعاً . ـ فتمتمت : (( طبعاً )) ـ لو وصلت في الوقت المحدد إلى عملك لكان ذلك أسهل . قال هذا باختصار وجعلها تدرك أن هذا الرجل هو الآن رب عملها , ومن الآن فصاعداً , عليها أن تتذكر ذلك . لقد استقر ماركو هنا ويبدو أنه جاء ليمضي فترة طويلة . فقد استأجر غرفة في فندق الريتز , وسيارة يصل بها إلى المتجر مبكراً ويغادر متأخراً . أعطاها برنامجاً مكثفاً للتدرب على إدارة المال , من دون اعتبار لما كان قد حصل بينهما . وعندما انتهى من تمزيق خططها العملية إرباً , راح ينتقد محاسبها : (( كان يهاب علمك الأكاديمي لدرج أنه تركك تنجين بأخطائك الفادحة في المحاسبة )) . ـ إنه رجل رائع . ـ ـ كان علي أن أدرك هذا . أنت لست بحاجة إلى رجل رائع , بل إلى من يعاملك بحزم . ما هذا ؟ وكان يشير إلى أرقام غريبة . ـ إنها شيفرتي السرية . فقال بحدة : (( فسريها )) . ففعلت وهي تغلي غضباً . فقال : (( حسناً , هذا واضح . ولكن ما كنت لأعلم معناها لو لم تفسريها لي )) . ـ أنا دوماً أكتب التفاصيل فيما بعد . ـ إفعلي ذلك الآن . ـ ـ لماذا تريد أن تتحكم بمن يعمل معك في كل شيء ؟ ـ أنت عالمة آثار نابغة , إلا أنك فاشلة في المعاملات التجارية . ـ أنا أعلم هـذا ! ســاد الصمت , وكان ماركو يتنفس بصعوبة , وقال بحدة : (( جميل جداً ! إذن فقد اتفقنا أخيراً على شيء . وهذه بداية جيدة )) . ـ ولماذا علينا أن نتفق على أي شيء ؟ هذا لم يحدث قط من قبل . لماذا لا تكلف المحاسب الجديد بمراقبة الأعمال عندما تعود إلى بلادك ؟ ـ لن أعود إلى بلادي قبل أن أعلمك كيف لا تفلسين مرة أخرى . ـ أنت تعني كيف لا أفلسك أنت ؟ ـ تردد لحظة , ثم قال : (( نعم . . . نعم . هذا ما عنيته )) . ـ ولكن ليس بإمكانك أن تبقي هنا . يجب أن تكون في روما في هذه اللحظة , مكافحاً للحصول على تلك الشراكة . ـ فهز كتفيه : (( لقد حسمت أمرها قبل أن أغادر )) . ـ إذاً , نلت ما تريد . ـ نعم . وكان يكتب شيئاً . ـ أنت أصغر الشركاء . . . كما أردت بالضبط . تهاني ! فقال باختصار : (( شكراً )) . لقد حصل على ما يريد : كل شيء منظم وتحت السيطرة . لقد نظم مهنته , وها هو الآن يسوي مسألة ضميره الصغيرة ثم يعود إلى بلاده ويتركها خلفه . ولكن هذا ما كانت تريده أن يفعل . لذا , ليس هناك ما تشكو منه . وإذا كانت واثقة من شيء فهو هذا . * * * سـألها ذات يوم : (( كيف تشترين القطع الأثرية ؟ لا يمكنك أن تستعملي دوماً (( الإنترنت )) )) . ـ ـ نادراً ما استعمله . الأفضل هو السفر في أنحاء البلاد . وفي اليوم التالي انطلقا إلى منزل ريفي في جنوب لندن , كان صاحبه قد وقع في ضيق فباع البيت إلى مجلس البلدية المحلي . وكان ينقل إلى قاعة قريبة لمزاد علني ما يستطيع نقله من محتوياته . قالت هارييت بأسف وهي تفحص تلك المجموعة الكئيبة من القطع الأثرية : (( لن يحصل على الكثير ثمناً لهذه . يا للرجل المسكين )) . ونظرت بعطف إلى صاحب القطع , وهو رجل بدين أبيض الشعر حزين الوجه . ـ سألها ماركو : (( هل وجدت أي شيء يهمنا ؟ )) . ـ حسناً , هذا الإناء يبدو . . . وسكتت وهي تتفحص الإناء الزجاجي . . . ورأى ماركو ومضة اهتمام سرعان ما كبحتها , بصفتها مهنية محترفة . سألها : (( ماذا )) . فقالت بهدوء : (( إنها قطعة أصلية صنعت في البندقية في القرن الثاني عشر . تستحق حوالي خمسين ألف دولار )) . ـ لكن السعر الأدنى المطلوب هو ألف دولار فقط . ـ أعلم هذا ولكن ليس لصاحبه فكرة عن قيمته . ـ إذن فقد وجدت صفقة حقيقية ؟ هذا جيد . ـ ضرب المنادي في المزاد العلني بمطرقته : (( سيداتي سادتي , تفضلوا بالجلوس )) . ـ حجز ماركو مقعدين في الصف الأمامي , ثم نظر حوله يبحث عن هارييت . وبعد لحظة رآها تتحدث بجد إلى صاحب الإناء بحضور منادي المزاد . وفكر ماركو في أنه لا يستطيع أن يصدق هذا . لا , لا يمكنه أن يصدق حتى ولا منها هي . وعاد منادي المزاد العلني يقرع بمطرقته : (( سيداتي سادتي , علي أن أعلن الآن أن القطعة رقم ( 43 ) يبلغ حدها الأدنى المطلوب خمسين ألف دولار . . . )) . علم ماركو من الاحتجاج الذي انبعث من خلفه , أن الآخرين علموا الشيء نفسه عن الإناء وبقوا هادئين . لكنهم ليسو هارييت , كما فكر ماركو بابتسامة خفية . نادت هارييت من عند الباب , مشيرة إلى أن عليهما أن يذهبا . وعندما انضم إليها قالت له : (( لا يهمنا شيء آخر هنا )) . ـ كلا ؟ ـ لا . لسنا مهتمين . ـ ـ أراك أخبرته . ـ كنت مضطرة لذلك , ذلك الرجل العجوز المسكين , كاد يبكي . قال إن ذلك سيكون ذا فائدة بالنسبة إلى تقاعده . . . ما الذي تفعله ؟ هتفت محتجة حين رأته يدفعها بعنف . ـ أدفعك إلى مكان آمن قبل أن يقتلك أحدهم لفعلتك هذه . ـ أوكنت أنت لتفعل ذلك ؟ لم يجب على ذلك إلا بنظرة . وعندما أصبحا في الخارج , واجهته بمزيج من الخجل والتمرد : (( لم أستطع أن أفعل غير ذلك ألا ترى ؟ إنه بريء للغاية فلم استطع أن آخذ المال بينما هو أشد الحاجة إليه . . . )) . ـ لكن يا عزيزتي المجنونة هارييت , الأعمال لا تسير على هذا النحو . ـ إذا كنت لا أحسن القيام بعملي . فالأفضل أن تطردني . فقال بابتسامة غريبة : (( لا , أنا مسرور بأنك أخبرته . لو فعلت أي شيء آخــر لما كنت هارييت )) . ـ * * * عادا إلى لندن في وقت متأخر من بعد الظهر . وقال ماركو : (( والآن نحن بحاجة إلى طعام . أظن أنه لا يمكنني أن أدعو نفسي إلى منزلك لتناول الطعام . ما دمت أنا رئيسك فهذا قد يكون (( تحرشاً )) )) . ـ سـأجازف بذلك . بعد أن تذوق طعامي , لن تستطيع أن تفعل شيئاً آخـر . ـ ـ سيدة ذكية . هيا أرشديني إلى الطريق . كان بيتها عبارة عن شقة صغيرة قائمة في القسم الرخيص من المدينة . وتساءلت هارييت كيف ستبدو لماركو الذي نشأ في رفاهية فيلا كالـﭭـاني . رأته ينظر في أنحاء الغرف الضيقة لكنه لم يقل شيئاً . حضرت هي المعكرونة , وكلفته بتحضير الصلصة . كان الحديث متفرقاً وممتعاً . ـ صممت هارييت أن تكون قوية , لكن كيف يمكنها ذلك بينما هو قريب منها ؟ رفعت بصرها ورأته ينظر إليها وإذا به يشيح عنها بوجهه من دون كلمة , تاركاً ذكرى تلك النظرة في عينيه . لا بد أن يكون هناك وسيلة تحمي بها نفسها من ذلك . . . ويا ليتها تعرفها ! ليس من العدل أن يزداد حبها له أكثر من أي وقت آخر , ولا أن يرحل الآن ويتركها تغالب تعاستها . بدت متوترة الأعصاب , تتساءل عما سيفعل ؟ وكيف ستكون ردة فعلها ؟ ولماذا هو هنا أصلاً ؟ ـ وفي النهاية , قام بشيء لم تكن تتوقعه على الإطلاق . فبينما كانت تضع الأطباق في حوض غسل الصحون , وقف خلفها ووضع يديه على كتفيها . وبعد أن بقي لحظة دون حراك , وضع ذراعه حول عنقها وجذبها إليه , ثم أحنى رأسه ووضعه برفق إلى جانب عنقها . شعرت بيديه تلمسان بشرتها بخفة , لكن حركته لم تكن محمومة ولا حتى عاطفية . بدا عليه الإرهاق ووهن العزيمة , وتذكرت فجأة ذلك اليوم , عندما وجدته نائماً في الحديقة , وكيف وضع ذراعيه حولها وأراح رأسه , وكأنه وجد فيها ملاذاً . وببطء , رفعت يدها تلمس يده , وبقيا على هذا النحو لحظة طويلة . ثم تركها وابتعد . وعندما ذهبت تبحث عنه وجدته قرب خزانة كتبها , يقرأ العناوين . ومن دون أن يبدو عليه التأثر . أعدت هارييت القهوة . وخلال شربها , تحدثا قليلاً عن العمل قبل أن يغادر ماركو شقتها , تاركاً إياها في حيرة وارتباك . * * * بعد تلك السهرة في منزلها لم يعد ماركو يأتي إلى متجرها يومياً , وافترضت أنه يخلص بعض الأعمال العالقة في روما . ذات صباح عندما كانت وحدها , دخلت خلف متجرها لتحضر الشاي . وعندما خرجت من مطبخها الصغير , رأت امرأة شابة تقف هناك . كانت ترتدي ملابس ثمينة وبدت في الثلاثين من عمرها تقريباً , داكنة الشعر والعينين , جميلة وحامل في الشهر السادس تقريباً . وعلى وجهها ابتسامة امرأة راضية تماماً عن حياتها . ـ هل أنت السنيوريتا دستينو ؟ كانت لكنتها إيطالية وتتكلم بحذر كشخص يتلمس طريقه في اللغة . ـ نعم , أنا هارييت دستينو . كيف لي أن أساعدك ؟ ـ آه , لا . أنا لم أحضر لأشتري بل لأتحدث . عن ماركو . . . ـ لم أفهم . ـ ـ إسمي هو أليساندرا . جئت لأخبرك أنه من المهم أن تتزوجيه . حدقت هارييت إليها , والكلمات الوحيدة التي خطرت ببالها هي : (( فلنشرب كوب شاي )) . وعندما جلستا , قال هارييت : (( هل لك أن تكرري ما قلته ؟ )) . ـ عليك أن تتزوجي ماركو , هل تظنينني مجنونة ؟ ـ لا , لا أظنك مجنونة لكنني أعجب لماذا يهمك أمر زواج ماركو ؟ ـ لماذا يجب أن أقلق على شخص عرفته في الماضي ؟ ربما أشعر بشيء من الذنب . منذ افترقنا سارت حياتي بشكل جيد , خلافاً لحياته . قال لي أصدقائي إنه تقوقع على نفسه , وابـتدأ يبتعد عن العالم وقد أكون أنا الملامة في ذلك . ـ ـ ليس ذنبك أنك غيرت رأيك . ـ ـ لا , ولكن كان علي أن أكون من الشجاعة بحيث أفسخ خطبتنا بصدق ونزاهة . ماركو حساس جداً , لكنه الآن يتصرف بشكل مختلف . لم يعد يشعر بشيء نحو العالم , لكن العالم لا يعرفه . ونظرت إلى هارييت بدهاء : (( لكنني أظنك تعرفين ذلك )) . ـ نعم . بعد ذهابي إلى إيطاليا سرعان ما شعرت بأنه يخفي شيئاً . حتى إنه يخفيه عن نفسه . ـ آه , هذا سيء للغاية . وهذا أيضاً ذنبي أنا . لم يكن قبلاً يخفي شيئاً . لقد دمرني بحبه . وتدريجياً أخذت أشعر بأنه أكثر مما أريـد . كان غيوراً , ومتملكاً . تملكني الضجر , ومات حبي له , أحببت رجلاً آخر لكنني لم اخبر ماركو . خفت مما قد يفعله . ثم إن هارفي كان متزوجاً . . . هزت أليساندرا كتفيها , ولاذت هارييت بصمت دبلوماسي . كانت على وشك أن تعرف المفتاح إلى قلب ماركو , ولم تشأ أن تجازف بخسارة هذه الفرصة لكي تظهر رأيها في هذه المرأة الأنانية . ـ ـ بعد ذلك بدأ ماركو يخطط للزواج . جـادلته لأجل تأجيله ولكن . . . أنت تعرفين كيف هو . فـأومأت هارييت . ـ بدا سعيداً جداً . . . حــاولت أن أخبـره بالحقيقة . . . لكنني أعترف بأنني كنت خائفة منه , إذ بإمكانه أن يكون رجلاً مخيفاً للغاية إذا ثار غضبه . كان إحساسه قويـاً , لكنه جاهد لإخفائه , لأن الناس إذا عرفوا بذلك سيعتبرون هذا ضعفاً منه ويستغلونه ضده . ـ ـ ماذا حدث بعد ذلك ؟ ـ ذات يوم عاد ماركو باكراً من رحلة عمل , وجــاء إلى شقتي من دون إنذار . دخـل مستخدماً مفتاحه الخاص . وكان هارفي معي . وأجفلت هارييت وأغمضت عينيها : (( وماذا قال ؟ )) . ـ ـ لا شيء . لم يتفوه بكلمة واحدة . بدا مصعوقاً ثم خرج . وكانت هذه آخر مرة رأيته فيها . ثم أرسل إلي ورقة يقول فيها إنه أخبر الناس أن الزفاف أبطل بموافقتنا نحن الإثنين . وطبعاً أنا وافقت على ذلك . وحينذاك علمت زوجة هارفي بالحقيقة فهربنا معاً إلى انكلترا ورُزقنا هناك بطفل . لا أحد في روما يعرف أني خنت ماركو أثناء خطوبتنا . الجميع يظن أننا فسخنا الخطوبة بالتراضي , وأنا مسرورة لأجل ماركو . فلو عرفت الحقيقة , لسببت الحرج لماركو . لقد قيل له إنني فتاة عابثة لكنه رفض أن يصدق . إنه رجل وفي مخلص . ـ ـ لم يعد كذلك . أظن أن كل ذلك مات , وهو الآن لا يعرف كيف يحب . فقالت اليساندرا : (( لا . ما من رجل يفقد قدرته على الحب , إنما يخفيها ويحاول أن ينكرها , لكنها موجودة دائماً . ويوماً ما كان سيقع في الحب مرة أخرى . أنا مسرورة لأنك أنت من أحب )) . ـ أنت مخطئة . ماركو لا يحبني . ـ ـ كلام فارغ , إنه يحبك طبعاً . ماذا تظنينه يفعل هنا منذ أسابيع , بينما عليه أن يكون في روما ليحصل على تلك الشراكة ؟ ـ لكنه حصل على الشراكة قبل أن يغادر . . . قالت هارييت هذا محتجة , فرفعت أليساندرا حاجبيها ما منحها شعوراً غريباً , فسألتها: (( أليس كذلك ؟ )) . ـ لا . أخبرني ابن عمي الذي يعمل هناك أن الشراكة كانت من نصيب شخص آخـر . وقد أُعلن هذا رسميـاً . كانت هارييت تسير في المكان , لكنها جلست فجأة وسألتها : (( لماذا جئت إلى هنا ؟ )) . ـ ـ لكي أريح ضميري وأصلح الضرر الذي سببته له . أنـا مدينة له بذلك . لا تتخلى عنه يا هارييت . لن يستطيع أن يتحمل ذلك مرة أخرى . * * * مر يومان من دون أن يظهر لماركو أي أثر . وأثناء تلك المدة تملكتها سلسلة من المشاعر , من السعادة إلى الأمل , إلى عدم التصديق إلى اليأس . بعد ما أخبرتها به أليساندرا أصبحت متلهفة إلى رؤية ماركو , لكي تنظر في عينيه وتكتشف إن كان يحبها حقــاً . ـ وأخيراً سمعت وقع خطوات لا يمكن أن تخطئها , ورفعت رأسها باسمة , لكن الابتسامة بهتت . كان هذا ماركو بشكله الرسمي الجاد للغاية , وقد ارتدى ملابس السفر يغطيها معطف . وبدا عليه وكأنه لم ينم طيلة الليل . سـألته : (( هل ستسافر ؟ )) . ـ أنـا عائد إلى روما . ـ لأيام قليلة ؟ ـ بل نهائياً . لن أعود إلى هنــا . هوى قلبها وتملكها الدوار : (( هكذا . . . ! )) . ـ وقبل أن أرحل , يجب أن أعطيك هذا . واخرج من حقيبة أوراقه مغلفاً , وناولها إيــاه . ـ فتحت المغلف وأخرجت ورقة وحاولت أن تقرأها . لكن الكلمات تراقصت أمام عينيها . تملكتها فكرة واحدة . إنه راحل . . . وفي لحظات قليلة ستنتهي حياتها . لا بد أن هنالك طريقة تمنعه من ذلك , لكن ذهنها توقف عن التفكير بشكل فظيع . وبدا وكأن خفقان قلبها ملأ العالم . قال بهدوء : (( إقرئيها )) . ـ حاولت أن تركز أفكارها على الورقة , وأفلحت هذه المرة في رؤية الأرقام . كانت الورقة إيصالاً بالمبلغ الذي دفعه ثمناً للمتجر . ـ هذه الورقة تقول إن المتجر ملكي , ولكن كيف يمكنني . . . ؟ بدت في عينيه نظرة حزن لا تحتمل : (( لقد سددت لي دينك . فقد أعطيتني أكثر مما تتصورين . أكثر بكثير مما أستحق )) . ونظر حوله : (( عندما أفكر كيف جئت إلى هنا لأول مرة , بـالغ الثقة بنفسي وبما يمكنني فعله , أشعر بقشعريرة اشمئزاز إزاء ذلك الرجل الذي كنته لقد ذهب الآن , الفضل يعود إليك . وهذا بدل قليل لذلك )) . وأشـار إلى الورقة : (( كنت أرجو أن أعيده إليك . . . حسناً . . . في ظروف أسعد . لكنني الآن لا أظن أن ذلك سيحدث . وأريدك أن تحصلي عليه بأي حال )) . ـ ولكن . . . تلعثمت محاولة أن تجد الكلمات : (( لا يمكنك أن تترك لي المتجر , سيفلس مرة أخرى )) . ـ ليس بعد كل ما علمتك إياه . ـ قال هذا بابتسامة باهتة , وهو يرد عن جبينه إلى الخلف خصلة متدلية من شعره . ـ لم أكن تلميذة ماهرة جـداً . ـ بل كنت الأفضل بين التلميذات . تلك التي علمت معلمها أضعاف ما علمها إياه و وسـأتذكر دروسك مدى الحياة . ـ فقالت بعنف : (( لكنني لن أتذكر دروسك , بل سـأنسـاها وأفلس . ومن ناحية أخرى , مـاذا حدث لرجل الأعمال الحاد الذهن ؟ لا يمكنك أن تعطيني كل هذا المال . فكر في الضريبة المريعة )) . فقال باستغراب : (( الضريبة ؟ )) . ـ أنت علمتني ذلك . بقي لحظة من دون أن يجيب . فهم الآن أنها تتبع وسيلة جديدة من وســائلها , وحــاول أن يفهم مــا تعنيه . ثم ســألها بهدوء : (( ماذا . . . تقولين ؟ )) . ـ ـ أنت تحدثت عن (( ظروف أسعد )) . ولا أدري لماذا أنت واثق بهذا الشكل من أن تلك الظروف لن تحدث . ربما استعجلت النتائج . لكنني أظن . . . بصفتها هدية الزفاف , ستكون مقبولة بشكل أفضل بكثير . نظر إليها لحظة طويلة قبل أن يقول ببطء : (( لكن السيدة التي أحبها لن تتزوجني , هكذا أخبرتني , وقد تكون على صواب . ليس من حقي حتى أن أحــاول إقناعها )) . لم تستطع هارييت أن تتنفس : (( ربما تغير رأيها , على الأقــل لـضمان دفع الضرائب )) . هز رأسه ببطء : (( هذا ليس بالسبب الصحيح )) . ـ كنت أمزح . ـ ـ أعرف هذا , لكن بعض الأشياء لا تحتمل المزاح . لأنها بالغة الأهمية . ـ العمـل ؟ ـ الحب . أنا أحبك يا هارييت . وإذا لم تستطيعي أن تقولي الشيء نفسه , دعيني أرحــل بسرعة . ـ يمكنني أن أقول هذا ألف مرة . ـ قالت هذا وهي تلامس وجنته , فأمسك يدها على الفور بلهفة بالغة . فقالت ضارعة : (( قل مجدداً إنك تحبني . أريد أن أسمعك تقولها )) . وأحاطت وجهه بيديها : (( أحبك من كل قلبي وروحي , ولن أكف يوماً عن حبك )) . وقبل أن تخرج الكلمات من فمه تماماً , كانت قد أصبحت بين ذراعيه يسحقها بعناقه . ثم قال بصوت أجش : (( ظننتني فقدتك . طوال الوقت الذي أمضيته في روما كنت أعلم أنني أفقدك يوماً بعد يوم من دون أن أعرف كيف أوقف ما يحدث . أحببتك لكني لم أستطع أن أخبرك , لم أكن أملك الشجاعة . أنا جبان وهذه هي الحقيقة وربما أن تعرفين ذلك أيضاً )) . ـ ماركو , حبيبي , أرجوك . . . ـ لا , لا تمنعيني من الكلام . أريد إطلاعك على الحقيقة قبل أن . . . فلمست شفتيه تسكته بلطف : (( أنا أعرف . تريد أن تحدثني عن أليساندرا . لقد جــاءت لتراني )) . ـ ـ هل كانت هنا ؟ في هذا المتجر ؟ متى ؟ ـ منذ أيام قليلة . حدثتني عن الشراكة التي خسرتها أنت . مع أنك قلت لي إنك حصلت عليها . ـ ـ اضطررت لذلك . ولو أخبرتك , لخسرت فرصة وجودي معك . كانت ستصبح أشبه بابتزازك . ـ لكن الشراكة تعني كل شيء لك . . . ـ لا . أنت التي تعنين كل شيء لي . . . ستكون هناك (( شراكة )) أخرى , لكنني أعلم أن هذه هي آخـر فرصة لي معك . فإذا فشلت في اكتساب حبك , فلن تكون هناك فرصة أخرى أبداً . وهذا ما لا أستطيع احتماله . وتردد قبل أن يقول بارتباك : (( ماذا حدثتك أليساندرا عني غير ذلك ؟ )) . ـ ـ كل شيء . هـل لديك مانع ؟ فهز رأسه : (( والآن بعد أن عرفت , أنا مسرور لذلك . كنت جباناً , لم أشأ أن أمنح امرأة أخرى الفرصة لتنال مني مرة أخرى , ظننت ذلك نوعاً من القوة , بينما كان في الحقيقة ضعفاً . لكنك جعلت كل شيء مختلفاً . كنت سعيداً للغاية معك , حاولت أن أطرد السعادة بالتعقل , لكنها تملكتني . حاولت أن أخبرك فلم أستطع . ثم حاولت أن أفهمك من دون أن أتكلم لكنني لم أستطع أن أتصرف بشكل مناسب . كنت أعلم أنني لا استطيع أن أتركك ترحلين , لكنني ظننت أن بإمكاني أن أحصل عليك بشروطي الخاصة . وتلك الأمسية في البندقية , عندما أخذنا نتمشى , كل كلمة قلتها أنت , بدت وكأنها تحذير لي بالنهاية . فأنت كنت قد خططت للرحيل , وهكذا حاولت أن أحشرك . . . وأرغمك على الزواج مني , وبهذا خسرتك تماماً . ولم أعرف كيف أستعيدك . كان ذلك أفضل ما استطعت التفكير فيه , لكنك بدوت بالغة الحذر مني . فكرت في أن أرحل وأحررك مني . وكان هـذا هو الشيء الوحيد لإثبات حب ظننت أنك لا تريدينه )) . ـ أريد حبك دوماً , فلا تتركني أبداً يا حبيبي . فقال وهو يضمها إلى صدره : (( أنت لا تعلمين ما تفعلين . ستندمين على ذلك )) . ـ أبــداً ! فتمتم يقول : (( أنا لا أقبل بأنصـاف الأمور . أريدك كلك , فأنا متملك جـداً . . . )) . ـ فهتفت بفرح : (( كلي لك )) . ـ سيكون عليك أن تحاربيني . . . عديني بأن تفعلي ذلك , وإلا سـتبدأين بكرهي وأنـا لا أستطيع أن أحتمل ذلك . فوعدته قائلة : (( سـأحاربك )) . فقال بجد : (( وسأتعلم منك , فقد علمتني الكثير . داومي على تعليمي وكوني مستشارتي . أبقيني آمنـاً )) . ـ وقبل يدها فهمست : (( آمنـاً في قلبي . . . يا حبيبي إلى الأبد )) . * * * تمت بحمد الله وشكره | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|