آخر 10 مشاركات
الفجر الخجول (28) للكاتبة الرائعة: Just Faith *مميزة & مكتملة&روابط اخف* (الكاتـب : Andalus - )           »          أشعلي جمر الرماد (4) للكاتبة الرائعة: jemmy *مميزة & كاملهــ* (الكاتـب : حنين - )           »          126 - عاش لحظة - اميلي سبنسر .. ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          واهتز عرش قلبي (1) .. سلسلة الهاربات (الكاتـب : ملك جاسم - )           »          بين الماضي والحب *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : lossil - )           »          رواية ناسينها ... خلينا نساعدكم [ أستفساراتكم وطلباتكم ] (الكاتـب : × غرور × - )           »          لا تتركيني للأوزار (الكاتـب : تثريب - )           »          عيون الغزلان (60) ~Deers eyes ~ للكاتبة لامارا ~ *متميزة* ((كاملة)). (الكاتـب : لامارا - )           »          482-خفقات مجنونة -ميشيل ريد (كتابة /كاملة ) (الكاتـب : Just Faith - )           »          غريب الروح * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Heba aly g - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > منتدى روايات (عبير- احلام ) , روايات رومنسيه متنوعة > منتدى روايات أحلام العام > روايات أحلام المكتوبة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-09-17, 02:29 PM   #1

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
Rewity Smile 1 231-بقايا ليل - كيت والكر- احلام جديدة




الرواية رائعة ومنقولة للعلم ولينال كل حقه
شكرا لمن كتبها



رواية بقايا ليل
كيت والكر
روايات احلام
231

الملخص

ما كان حلما رائعا ليلة أمس ، انتهى كابوسا عند الصباح . .
الرجل الذى ألبس ليلى خاتم الزواج بالأمس ، يلقى عليها الآن كلمات الوداع . .
- لكن لا يمكنك أن ترحل . .
- يمكننى أن أفعل ما أريد . . حاولى فقط أن تمنعينى !
لم يكن هذا هو الرجل الذى أحبته ومنحته جسدها وقلبها منذ يوم واحد فقط ! خيل اليها أن رجلا غريبا أمسك بجسد رونان وانتزع منه روحه ، تاركا من ذلك الرجل الذى أحبت ، الهيكل فحسب .
أمس ، حسبت أنها ملكت العالم ، ووجدت الحب الحقيقى الذى تطلعت اليه طوال حياتها ، ولكن كل هذا مات عند الصباح . . .







محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي


ندى تدى likes this.

Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 28-09-17, 05:44 PM   #2

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

.
الفصل الأول

نظر (( رونان غيرين )) الى وجه المرأه النائمة فى السرير , فأوشك أن يعدل عن قراره . فقد بدت مسالمة بريئة ، ورائعة الجمال .. وكان من الصعب عليه أن ينسى الليلة التى أمضاها معها .. والمشاعر المحمومة المتوهجة التى تبادلاها .. ومع ذلك لا يشعر بوخزة ندم لما يعتزم القيام به .
لكنه عاد فتذكر (( روزالى )) تلك التى تماثلها جمال وبراءة ، فقسى قلبه وثبت عزمه ثم مد يده يلمس كتفها برفق ، قائلا برقة : (( ليلى ... ))

.


لم تجب فى البداية .. فقد كانت مستغرقة فى نوم عميق بعد ليلة حافلة لم يذوقا خلالها طعم النوم . ولأنه لم يشأ أن يعطى نفسه الفرصة ليعيد النظر فى الأمور أو الاستسلام لضعفه أمام منظر البراءة هذا ، هزها بخفة ، ونظر اليها وهى تتمتم بصوت خافت وتتقلب فى مرقدها وعيناها مغمضتان .
- صباح الخير ، يا زوجة .
( صباح الخير يا زوجة ) اخترقت هذه الكلمات سحب النوم المتراكمة حول ذهن ليلى لتصل الى أذنيها غامضة مبهمة مما جعلها تقطب جبينها ناعسة مشوشة . زوجة ؟
وتحركت بتثاقل فى الفراش المريح ، وفتحت عينيها الذهبيتين الداكنتين على اتساعهما لتلتقيا بنظرات الرجل الجالس على حافة السرير وأصابعه القوية مازالت على ذراعها .
- رونان ؟

.

- طبعا ! وكيف يمكنها أن تنسى ولو لحظة ؟ كيف يمحو النوم حقيقة أنها منحت هذا الرجل قلبها كليا ؟ هذا الرجل الذى ألبسها أمس فقط خاتم الزواج ، مقسما على أن يحبها ويحترمها بقية حياته ؟
- تمطت مبتهجة ، ثم استدارت تواجهه : (( صباح الخير ، يا زوجى )) .
- كانت غمزة جفنيها وابتسامتها المغرية الناعسة موجهتين مباشرة الى عينيه الزرقاوين ، وكانت خصلات شعرها الأشقر الطويل قد انتشرت بشكل مثير حول وجهها البيضاوى الشكل على الوسادة الناصعة البياض .
- لكنها دهشت اذ لم تجد الصدى الذى كانت تتوقعه لابتسامتها وغمزتها الداعية . وانما ، بدا لها رونان فاترا بشكل غريب مقلق . فقد ظهرت البرودة على قسمات وجهه الذى يعلوه شعر ناعم بنى داكن .. برودة لا تمت بصلة الى ذلك العاشق المتلهف المحموم المشاعر الذى عرفته الليلة الماضية .
- توهج وجهها احمرارا لذكرى تلك الليلة ، وبللت شفتها السفلى المستديرة بلسانها . وعندما رأت نظراته تتابع هذه الحركة الخفيفة ، سرى فى عروقها شعور بالانتظار الأنثوى .
- - زوجى .

.

عادت تتمتم بهذه الكلمة ، وهى تلفظ كل حرف من حروفها بلهفة .. عندما استرسلت البارحة فى النوم ، كانت واثقة أنها ستستيقظ لتجد نفسها بين ذراعيه القويتين ، تغمرانها وتشعلان النيران فى جسدها .
لذا تملكها الارتباك والقلق وهى تراه الآن جالسا بجانبها ، مرتديا ملابسه ، وقد بدت عليه البرودة واللامبالاة . وسألته وهى تتذكر الرحلة التى سيقومان بها هذا اليوم : (( كم الساعة الآن )) .
- حوالى التاسعة .
- مازال الوقت باكرا ، فماذا تفعل خارج السرير ؟

.

قالت ذلك وهى تنظر الى ملابسه باستنكار . فقد بدت غير ملائمة للرحلة الطويلة التى سيقومان بها الى جزيرة استوائية ليقضيا شهر العسل فيها ... والبذلة الرمادية الأنيقة الفاتحة اللون ، والقميص الناصع البياض ، وربطة العنق المتحفظة ، زادت من شعورها بالارتباك وانتابها احساس بالعزلة والبعد عنه ، فقالت باحتجاج : (( لن تقلع طائرتنا قبل الثالثة .. أمامنا متسع من الوقت )) .
ومدت يدها تلامس يده القوية ، الملقاة على غطاء السرير الأبيض ، وهى تتمتم باغراء : (( عد الى السرير ))
لكن جوابه الوحيد كان هزة نفى بالغة العناد من رأسه الملمع الشعر . استقرت نظراته الكئيبة على (( محبس )) الزواج الذهبى المتألق فى يدها .
فقالت له بصوت حاد غير مصدقة : (( لا ! )) .
أهذا هو الرجل نفسه الذى عرفته خلال الليل ؟ أهو رونان نفسه الذى عاملها بغاية الرقة والحب .
وقالت بصوت خافت محاولة اغوائه : (( ما الذى حدث ، يا حبيبى ؟ أتراك سئمت منى ؟ )) .
وكان لسؤالها هذا ردة فعل مختلفة تماما عما كانت تتوقعه . فقد رفع رونان رأسه بحركة مفاجئة لتلتقى عيناه بعينيها ، وتشتبك برودة نظراته بدفء العنبر فى نظرات ليلى . واذا بشئ فى أعماق تينك العينين ، شئ عكر صفاءهما وجعلها ترتجف توجسا .
- سئمت منك ؟ هذا محال .

.

وليثبت كلامه هذا ، أرفقه بنظرة اشتهاء ساخرة اهتزت لها . ولكن ما أن بدأت ليلى بالعودة الى تلك الأحاسيس الدافئة ، حتى تنبهت الى ما يحف تلك النظرة من برودة جعلت عينيه أشبه بكتلتين من الثلج . قال لها : (( وجودك وحده يشعل النار فى كيانى ، أيتها السيدة ، وأنت تعلمين ذلك . نظرة واحدة اليك تجعلنى أرغب فيك الى درجة أننى أشعر أننى سأموت ان لم أحصل عليك . لكن تلك كفارة على أن أتحملها ))
قال ذلك بصلابة مزعجة .
- كفارة ؟

.

تحول احساسها بعدم الارتياح الى موج كاسح من الاضطراب والقلق ، فتوترت أعصابها بشكل بالغ وهى تقول : (( لم أفهم ! )) .
لم تستطع اخفاء رجفة فى صوتها وهى تندفع جالسة بذعر : (( ما الأمر ، يا رونان ؟ )) .
- أريدك ، يا ليلى .
قال ذلك متجاهلا سؤالها . كانت كل كلمة من كلماته باردة الى حد أن ليلى أجفلت منها وكأنها قطع من الثلج تتساقط على عنقها وكتفيها العاريتين . ثم تابع قائلا : (( ولكننى لن ألمسك بعد الآن أبدا .. على الاطلاق . انتظرت فقط أن تستيقظى لأقول لك الوداع )) .
- الـــ .. الوداع ؟

.

هذا مستحيل . لابد أنها لم تسمع جيدا ، أو أنها نكتة مثيرة للغثيان .. نكتة لم تعجبها مطلقا .. ولكنها ما كانت لتصدق أن يكون رونان بمثل هذه القسوة .
- هذا ليس مضحكا ، يا رونان ؟
- مضحكا ؟

قال ذلك بلهجة لم تكن بحاجة لمزيد من الايضاح .. الا انه أراد أن يخبرها بالأمر باسهاب ودقة فلا يوفر عليها شيئا . فقد أرادها أن تعلم بالضبط ما يجرى ، وأن تفهم معنى الألم الحقيقى .
- هذه ليست نكتة يا عزيزتى ، صدقينى . لم أكن يوما جادا كما أنا فى هذه اللحظة ، لقد انتهى زواجنا . وسأرحل الى غير عودة .

.


- ونهض واقفا بخفة فصدمت وهى تقارن حركته السهلة تلك بالانفعال العنيف الذى يعتمل فى رأسها . وتابع كلامه قائلا : (( وسأدعك تقررين موعد تنفيذ اجراءات الطلاق )) .
- ولكن ..
- والآن ، اذا سمحت ..
وكان فى تصرفه المهذب هذا ما يثبت تصميمه على عدم الرأفة بحالها على الاطلاق .
- أمامى رحلة طويلة بالسيارة .
وعندما كان يجتاز الغرفة لم تستطع ليلى سوى التحديق اليه بذهول واضطراب . وعلى الرغم من أن عينيها الذهبيتين تسمرتا على ظهره ، كانت أفكارها مستغرقة فى أحداث اليوم السابق .. يوم عرسهما .. وحاولت أن تفهم السبب الذى حول سعادتها المتألقة ، الى مثل هذه المشاعر المرعبة الأن .
كيف أمكن لأعظم أحلامها الذى حسبته قد تحقق أن ينقلب ، بهذه السرعة ، الى كابوس ؟ لقد انهار ذلك الانجاز الآن حطاما عند قدميها .

.


ما الذى جعلها لا تشتبه بشئ ؟ من المؤكد أنه كان ثمة دليل ما .. فما ان رفع القناع عن وجه العريس السعيد الى يتطلع الى زواجه بنفس الاثارة واللذه اللتين تملآن قلبها ، حتى ظهرت مشاعره الحقيقيه , ولو كانت المشاعر التى ادعى أنه يكنها لها صحيحة ، لما تصرف بهذا الشكل .
الا أنه لم يبد عليه قط التصنع ، ولم يساورها الشك للحظة واحدة فى صدق مشاعره . فمتى تبددت يا ترى ؟

.


لا .. هذا مستحيل ! لابد أنها تحلم ! ولابد أنها الآن فى كابوس تتلهف للاستيقاظ منه .
وراحت تقرص يدها وذراعها ، داعية الله أن يساعدها على الاستيقاظ من الكابوس .. ولكن شيئا لم يحدث . فهى مستيقظة تماما ، وجهنم هذه حقيقية .
أمس حسبت أنها ملكت العالم ، ووجدت الحب الحقيقى الذى تطلعت اليه طوال حياتها .
كان يوم أمس رائعا ، ولم يثر شئ استياءها سوى شعر رونان .

*********************

.



- حسنا ، هل أنت مستعدة للقيام بأطول مسيرة فى حياتك ؟
- قال (( جورج هاليداى )) هذا لليلى ضاحكا ، ويده تضبط ربطة عنقه المزخرفة ، فوق القماش الحريرى .. كان وجهه المغضن قد لوحته شمس شهر نيسان غير المتوقعة .
- - أطول مسيرة ، يا عمى جورج ؟
- وابتسمت ليلى وهى تنظر الى الرجل الذى لم يكن عمها الفعلى ، ولكنه اكتسب هذا اللقب لطول عهد صداقتهما حين بدأت عملها كبائعة زهور .
كان جورج يبيع الزهور على منصة مجاورة لمنصتها . وقد ساعدها كثيرا عندما انتقلت للعمل فى حانوت صغير مستأجر ، فبقى أقرب الأصدقاء لها وأشدهم اخلاصا لسنوات . ومع اقتراب موعد زفافها ، لجأت اليه اذ لم تكن تعرف مكان أخيها المفقود وكانت بحاجة الى بديل له يرافقها الى المذبح .
- يقال انها أشبه بالمسيرة نحو المشنقة .

.


- لعل التقاليد أعطتها هذه الصورة ، يا عزيزتى . ولكن رأيى فيها مختلف . فتلك المسيرة بالذات هى نحو هدف معروف مسبقا وسريع الزوال . أما هذه ، فمختلفة تماما اذا يلزمك وقت طويل للتفكير . ومع كل خطوة تخطينها تتساءلين عما اذا كنت قد اتخذت القرار الصائب . يحبنى .. لا يحبنى ..
- وكان يتقدم نحو الأمام بخطوات بطيئة وقور مع كل جملة يقولها .
- - أواه ، يا عم جورج ! لست مضطرة الى التفكير ، فأنا أحب رونان أكثر من نفسى ، وهو يبادلنى الشعور نفسه .
- حسنا ، ما دمت واثقة من ذلك .. لكن أرى أنك تسرعت قليلا .
وأنبأها عبوسه بما يجول فى رأسه ، فأسرعت تبدد قلقه .

.


- لا ، أنا لست حاملا ، ان كان هذا ما تفكر فيه . فرونان يعلم أننى أفضل الانتظار الى ما بعد الزواج .
- ان كان الأمر كذلك ، فزوجك نادر من نوعه . أظن أن هذا يفسر سرعته فى عقد الزواج . فلو كنت أصغر بثلاثين سنة ، ولى خطيبة بمثل جمالك ، لأسرعت فى عقد الزواج ، اذ كل يوم أقضيه بعيدا عنها قد يبدو لى أشبه بالأبدية .
- عمى جورج !
وتوهج وجهها احمرارا من أسفل عنقها الرشيق الى منبت شعرها الذى كان يعلوه اكليل بلورى . ورفعت باقة الورد الأبيض فى يدها محاولة اخفاء احمرارها .
- لا تخجلى منى ، أيتها الشابة ! فأنت فى السادسة والعشرين وتدركين ما أعنيه . أتمنى أن يعى رونان أنه حظى بكنز ثمين .
- لا تقلق من هذه الناحية .

.


طمأنته ليلى وقد أخذت بعض الذكريات تبعث الاحمرار الى وجهها مرة أخرى .
قد يكون رونان وافق على رغبتها فى الانتظار الى ليلة عرسهما ، لكن هذا لا يعنى أنه أذعن بسهولة ، أو انتظر صابرا مسيطرا على مشاعره . فى الواقع ، كادا يعدلان عن قرارهما هذا أكثر من مرة فى الأيام الأخيرة ، وهى تحمد الله لأن فترة الخطوبة كانت قصيرة . فقد استغرقت الشهرين ، وهى فترة أكثر من كافية بالنسبة لليلى .
أعادت موسيقى (( مسيرة الزفاف )) التقليدية المألوفة انتباهها الى الواقع .. أخذت تسوى ثوب زفافها العاجى الأنيق ، بأصابع مرتجفة ، ثم رفعت رأسها عاليا وهى تلتفت الى مرافقها بابتسامة واثقة : (( فلندخل )) .
- ألن تعيدى النظر فى الموضوع ؟

.


- لا أبدا . كلامك صحيح يا عمى جورج . رونان فريد من نوعه ، ولهذا السبب بالضبط سأتزوجه .



كانت الكنيسة من الداخل أجمل مما توقعت ، اذ وضعت الورود العاجية اللون على عتبات النوافذ الملونة الزجاج ، والزنابق البرية عند طرف المقاعد . أما المذبح ، فكان هناك وردتان طويلتان شبيهتان بالشموع التقليدية التى توضع عادة فى الكنيسة .
الا أن الشموع الحقيقية غابت عن المبنى القديم هذا ، بعد أن أفصحت ليلى عن رغبتها هذه للكائن الذى تفهم شعورها تماما .
وفى اللحظة التالية ، اتجهت نظرات ليلى الى الرجل الطويل الواقف أمام المذبح ، وقد بدا ساحرا فى معطف الصباح الرسمى البالغ الأناقة فنسيت على الفور كل شئ آخر .. انه رونان ، خطيبها الذى سرعان ما سيصبح زوجها بعد قليل .

.


وأخذ قلبها يخفق بعنف وعيناها العنبريتان تلتهمان جسمه الفارع وكتفيه العريضتين . كانت قدماه راسختين على الأرض الحجرية ، وساقاه قويتين ثابتتين ، ولا أثر فيهما للرجفة العصبية التى اعترت ساقيها فجأه ..
وجعلت الشمس المنسابة من النافذة على رأسه مباشرة ، خصلات شعره اللامعة النحاسية تتألق فى العتمة الهادئة .
فى تلك اللحظة لاحظت التغيير فى مظهره !
شعره ! لقد قص رونان شعره الرائع الجمال الذى كان بالأمس كثيفا لامعا ، ذا تموجات طبيعية ، فأصبح الآن قصيرا يكشف عن رقبته السمراء .

.


اضطرت ليلى الى عض شفتها السفلى بشدة لتكبت خيبة أملها . فقد كانت تعشق لف خصلات ذلك الشعر الحريرى الأسود على اصبعها ، وتتلهف للقيام بذلك فى ليلة عرسهما .. بدا لها أكبر سنا وأكثر صلابة فى شعره القصير الذى أبرز أيضا ناحية القوة فى شخصيته فتلك القوة هى التى منحته لقب رجل أعمال لا يرحم والتى نادرا ما لمستها أثناء معرفتها به .
لكنها لا تستطيع التعليق الآن . فقد تقدم الكاهن الى الأمام بادئا المراسيم ، واستدار رونان نحوها . وأمسك يدها بيده القوية الدافئة ، فرأت نظرة الاعجاب فى عينيه وهو يتأملها من رأسها لأخمص قدميها .
فى تلك اللحظة بدت الكنيسة والمحتشدون فيها وكأنهم استحالوا جميعا الى سحابة ملونة ، فلم يعد هناك سواها وسوى رونان وعهود الزواج بالحب والوفاء والاخلاص لبعضهما البعض بقية حياتهما .
وطوال الاحتفال ، كان فى أعماق تينك العينين الزرقاوين رغبة تحترق ، هى من القوة والتلهف بحيث تبعث فيها أحاسيس محمومة لا تليق بهذا المكان أو بهذه المناسة الرصينة .

.


ولكن بعد انتهاء الطقوس ، وانتقالهما الى حفلة الاستقبال فى فندق مجاور ، لم تعد ليلى تستطيع أن تكتم خيبة أملها أكثر ، فالتفت الى رونان معنفة .
- لماذا قصصت شعرك ؟
- مبروك لك أيضا .
كان هذا جوابه السريع الساخر ، وقطب حاجبيه الأسودين المستقيمين قليلا وهو يتابع : (( ومهما حدث ، فأنا أحبك ، يا زوجتى العزيزة . وأنا سعيد جدا لأننى أصبحت زوجك )) .
احساسها بما وراء كلماته هذه ، التى لم تتوقعها ، جعلها تمسك نفسها عما كانت تنوى قوله ، لتردد بحذر ، جملته : (( أحبك يا . . يا زوجى العزيز )) .
هل هذا صحيح . أيمكن أن يكون رونان قد أصبح زوجها حقا ؟ بعد تلك الأيام الحافلة بالشوق ، والليالى الحالمة بهذه اللحظة ، بدا لها مستحيلا أن تتحقق تلك الأحلام أخيرا .
- وأنا سعيدة جدا لأننى أصبحت زوجتك .

.


- أحقا ؟
لقد أحست ، مرة أخرى بذلك التشديد المقلق على الحروف بحدة كانت عيناه نارا فضية وهى تستخلص الجواب من أعماق روحها .
- هل أنت سعيدة ؟ سعيدة حقا ؟
فارتجف صوتها لعنف هذا الاستجواب الغير منتظر : (( طبعا أنا كذلك . ما هذا يا رونان ؟ استنطاق أسبانى ؟ )) .
- أردت التأكد فقط .
- التأكد !
.



أرسلت رغبة رونان المفاجئة للاطمئنان فى كيانها موجة من البهجة والاثارة ، غمرت قلبها بمزيد من الحب . ففكرة أن يظهر رجل متميز وناجح ، مثل رونان ، ويتحدث بمثل هذه المشاعر العميقة جعل عينيها تغرورقات بدموع حارة .
- أواه يا رونان ! وكيف لا أكون متأكدة ؟ لقد تزوجت لتوى الرجل الذى أحب وأقسمت على ذلك أمام العالم أجمع . .
- قاطعها بصوت خشن : (( ماعدا ديفى )) .
- فأجابت بهدوء : (( نعم ، ما عدا ديفى )) .
سالت دموعها هذه المرة لسبب مختلف تماما . فسعادتها كانت لتكمل كليا لو كان أخوها حاضرا اليوم .
- ليتنى تمكنت من الاتصال به !
- وكذلك أنا .
.

قال رونان ذلك بحدة فنظرت اليه بدهشة : (( لم أكن أعلم أن أمره يهمك الى هذا الحد )) .
- حسنا ، فلنقل أننى كنت أفضل لو قابلت أخاك قبل هذا اليوم .
- وحول عينيه عنها محدقا الى الخارج عبر القاعة المزدحمة . أيقنت ليلى أنه لم يكن يحدق بالمدعوين المتألقى الملابس ، الذين كانوا يضحكون ويثرثرون ، عندما عاد ينظر اليها بملامح غامضة يصعب تحديدها . وتكلم مرة أخرى ، فتملكها شعور غريب بأن الموضوع الذى كان يشغل أفكاره لا يمت اليها بصلة .
- اننا انسانان راشدان وعصريان ومع ذلك لا نستطيع أن نستدعى ولو فردا واحدا من أقربائنا .
- أعرف هذا . .

.



وتنهدت بأسى وهى تفكر فى والديها اللذين قتلا فى حادث مأساوى وهى فى السابعة عشرة من عمرها ، وديفى الذى يصغرها بست سنوات . لو بقيا حيين لشاركاها سعادتها وهما يريانها اليوم عروسا . ولم يساورها الشك للحظة فى أنهما كانا سيوافقان على هذا الصهر الوسيم ذى القامة الفارعة ، الذى يعشقها .
من المحزن أن رونان كان أيضا وحده . . فعندما سألته عن أقاربه الذين سيدعوهم الى العرس ، رد عليها باقتضاب : (( ليس لى أسرة . . ولكن سأعطيك قائمة بأسماء أصدقائى ، ان شئت )) .
وعوض عدد أصدقائه عن الأقارب ، حتى أن بعضهم أحدث ضجة كبرى فى هذه المدينة الشمالية الصغيرة ستدوم فترة طويلة بعد انتهاء الزفاف . . فبصفته رجل أعمال واسع الثراء ، كانت له اتصالات بأشخاص يماثلونه ثراء وشهرة . وقد حضر معظمهم حفل الزفاف اليوم .
لكن هذا لم يعن أن الفرصة سنحت لها للتحدث اليهم ، فقد أبقاها رونان بجانبه طوال الوقت فلم تجد الفرصة للتعرف على ضيوفه .

.


وقطبت حاجبيها قليلا عندما شاهدت أحد أصدقاء رونان ، (( كونور فيت باتريك )) فى حفل الزفاف . ففى اليوم السابق للعرس ، بدا عليه الشرود عندما قدموها اليه ، وأخضعها لفحص شامل بعث فيها اضطرابا واضحا .
أما (( هانا )) ، صديقتها الحميمة واحدى وصيفات العروس ، فقد نجحت فى التقرب منه على حلبة الرقص ، بينما كان يمنحها ابتسامة واسعة لملاحظة أدلت هى بها .
- لم هذه النظرة السوداء ؟ .
سألها رونان ذلك وهو يرى تغير ملامحها .

.

- لدى احساس بأن (( كونور )) ليس راضيا عنى ولا يشعر نحوى بمودة .
لمعت تانك العينان الفولاذيتان بسرعة وهما تحدقان بصديقه ، وعاد من جديد ليقطب جبينه . لكن رونان عاد فالتفت اليها ورماها بابتسامة بددت مخاوفها الحمقاء ثم قال لها بنعومة : (( وما الذى لا يرضيه فيك ، أيتها الحمقاء الصغيرة ؟ الحقيقة هى أننى لم أكن ، قبل الآن ، من النوع الذى ينشد الاستقرار . ولكن ، حبنا هذا كان أشبه بزوبعة غرامية . . ولقد صرعنى حبك وأنا عاجز عن استعادة توازنى )) .

************************

.


فى تلك اللحظة طمأنتها هذه الكلمات . . وتملكت ليلى التعاسة وهى تعود مرغمة الى حاضرها لتجد نفسها تحدق فى الباب الذى خرج منه رونان لتوه . لكن تلك الكلمات كشفت الآن عن خداع بالغ القسوة والوحشية وهو يعلن أنه راحل من دون عودة .
دفعها صوت الباب فى الطابق الأسفل وهو يفتح ، الى النهوض . ما الذى تفعله بجلوسها هنا بهذا الشكل ، تاركة رونان يرحل ؟ انه زوجها ! لم يمض على زوجاهما أربع وعشرون ساعة بعد . فهل ستدعه يرحل من دون مقاومة ؟
قفزت من سريرها برعب ، واختطفت عباءتها عن كرسى بجانب السرير ، غير عابئة بقميص نومها المكوم على الأرض حيث ألقى به رونان فى حمى مشاعره . . ارتدتها وأحكمت شد الحزام على خاصرتها وهى تنزل السلم .
كان الباب الأمامى مفتوحا على مصراعيه ، وأشعه الشمس تتسلل من خلاله . . شعرت بغصة فى قلبها أمام الطبيعة المشرقة ، التى تتناقض مع الاحساس الأسود بالهلع الذى ينتابها .
- رونان !

.

كان قد خرج من المنزل ووقف بجانب سيارته يضع حقيبته فى الصندوق ، فأخذ قلبها يخفق وهى تدرك مصدومة أنه كان يعنى حقا ما قال .
لأنها حتى هذه اللحظة ، لم تفقد الأمل فى أن ينتهى هذا الكابوس .
- رونان ، انتظر !
لكنه تجاهلها ، وحول وجهه بعيدا عنها وقد بدا من تصلب جسمه أنه يرفض أن يلين أمام تضرعاتها . . هبطت الدرجات قائلة : (( أرجوك ، لا تفعل هذا . . لا يمكن أن تفعل بى هذا يا رونان ، لن أسمح لك بذلك )) .
لكن رونان أغلق غطاء الصندوق ببطء متعمد . وتردد صدى ارتطام الغطاء ، فى رأس ليلى ، وكأنه يذكرها بالأبواب الفولاذية التى صفقت فى وجهها ، وصوت الساعة تعلن ساعة الفراق المرعبة .
لم يكن هذا رونان ! لم يكن هذا الرجل الذى أحبته من كل قلبها ، ومنحته جسدها وقلبها منذ يوم واحد فقط ! فقد خيل اليها أن رجلا غريبا دخل الى البيت ، وأمسك بجسد رونان وانتزع منه روحه ، تاركا من ذلك الرجل الذى أحبت الهيكل فحسب .
.

لكن العينين كانتا مختلفتين . كانتا صلبتين وباردتين كالفولاذ ، مهلكتين كنصل خنجر ، ومنيعتين كمصراعى باب حديدى .
- لا يمكنك أن . .
حاولت الكلام ، لكن صوتها خانها .
قال متحدثا بسخرية ، وهو يلقى عليها نظرة فاترة كئيبة كأيام الشتاء القارسة البرودة : (( يمكننى أن أفعل ما أريد ، حاولى فقط أن تمنعينى )) .

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 28-09-17, 05:44 PM   #3

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

2 – تذكرى هذا !

لم تتوان ليلى عن القيام بأول شئ خطر ببالها .

ركضت نحو رونان ، غير عابئة بأنها لا ترتدى الا تلك العباءة الحريرية الخضراء ، وتشبثت بكم سترته بكل ما لديها من قوة .

- لن أدعك ترحل قبل أن تطلعنى على السبب ! أنت مدين لى بهذا على الأقل .

عادت هذه الكلمات فاختفت فى حلقها وهى ترى العدائية فى عينيه ، ثم أبعد يدها عن كمه باستخفاف مهين :

(( لست مدينا لك بشئ )) .

.

قال ذلك بأنفة وهو يسوى سترته على كتفيه قبل أن يفتح باب سيارته .

- وان كان هناك من ديون فأنت من عليها تسديدها .

- أنا . . آه . . لا . . لا ترحل .

واذ رأته على وشك الصعود الى مقعد القيادة ، عادت تندفع اليه محيطة خصره من الخلف بذراعيها . لكنها سرعان ما أدركت الغلطة التى اقترفتها عندما شبكت أصابعها فوق (( بكلة )) الحزام الجلدى الذى يحيط بخصره ، بينما التصق صدرها بصدره .
فى الليلة الماضية أمسكت به بهذا الشكل ، لكنه كان حينذاك أليفا دافئا ، لا غريبا عدوانيا كما هى حاله الآن . . كان حينذاك يرتدى روب (( الحمام )) وكان قد نهض أثناء الليل من السرير لسبب ما ووقف يحدق من النافذة فلحقت به وطوقته من الخلف بذراعيها كما تفعل الآن .

.

لكن الأمر ، حينها ، كان مختلفا كليا ، اذ تجاوب معها على الفور وكشفت ردة فعله عن شوقه اليها ، مما دفعها للانفجار ضاحكة ، تتأوه وهى تواجه دفء جسده .

وكان رونان قد تأوه هو أيضا مسرورا واستدار اليها يأخذها بين ذراعيه . ولكنها فى اللحظة الراهنة شعرت بطعنة ألم قاسية أوهنتها .

وهذا الوهن الذى شعرت به جعل من السهل على رونان أن يخلص نفسه منها بقوة قذفت بها بعيدة . فدارت حول نفسها ثم ارتطمت بعنف بجانب السيارة .

فقال بصوت خشن : (( أنا راحل يا ليلى ، ولن تردعينى مهما فعلت )) .
.

لم يكن من السهل عليه قول هذا ، فلمسة واحدة منها كفيلة بأن تجعل كل عصب فى جسده يضج بالشكوى والحب والتوتر ، ولكم هو متلهف الى تلك المشاعر الجميلة الى جمعتهما الليلة الماضية .

عندما بدأ يتصرف على هذا الشكل ، اعتقد أن بامكانه أن يعزل مشاعره عنه ، ولم يضع فى الحسبان رغبته الشديدة فيها ، تلك الرغبة التى قد تدمره ان لم يقاومها بعناد وقد تجعل خطته رمادا .

وبدلا من أن يلتفت اليها ويأخذها بين ذراعيه ليعانقها ويضمها بكل ما فى مشاعره من شوق اليها ، انتزع نفسه منها بكل قوته .

مزق اليأس قلب ليلى وهى تراه يستقر وراء عجلة القيادة ويدير المحرك ؛ يأس ممزوج بمشاعر تملكتها جعلت من الصعب عليها التفكير بوضوح .

.




لم تذق من حب هذا الرجل سوى ليلة واحدة . . ولم تحضنها ذراعاه سوى ساعات قصيرة . . لكن جسدها عرفه بشكل جعلها أشبه بجارية من الزمن القديم ، مدموغة بوشم سيدها . كان يكفى أن تلمسه حتى تقفز حواسها الى حياة نابضة متوثبة ، وحتى يلتهب كل عرق فيها بالحنين والحب واللهفة الى ما يبعثه حبه فى قلبها .

وكما الآلة الموسيقية التى تتجاوب مع مهارة أداء صاحبها ، لم يكن عليها الا أن تشعر بدفئه ، وتشم رائحته ، وتشعر بخفقات قلبه تحت وجنتها ، لكى تضيع تماما ، وتؤدى اللحن الذى قرر أن يعزفه .

.

ولكن عليها أن تتصرف فى الحال ، قبل أن يرحل الى الأبد . لم تشك للحظة واحدة فى أنه كان يعنى ما يقول . فالاقتناع باد على وجهه ، ولو أنها لم تكن تعرف السبب .

مد احساس مفاجئ بالذعر أفكارها بفكرة يائسة ، فكرة جنونية . وقبل أن تمنح نفسها وقتا قد يفقدها جرأتها ، اندفعت نحو غطاء محرك السيارة تتسلقه جامعة حولها معطفها أثناء القيام بذلك .




فهتف بغضب بالغ : (( ليلى ! انزلى من هناك ! )) .




- حاول أن ترغمنى على ذلك !

.

واذ بصوت المحرك يدوى بعنف ، ويثير فيها الخوف من أن ينطلق بالسيارة وهى ما زالت جاثمة على الغطاء . وتصورت ، برعب ، هذه السيارة القوية وهى تنهب طريق المنزل ، متعرجة بوحشية فى سيرها لتجعلها تسقط ، فجمد الدم فى عروقها . وكانت أفكارها قد وصلت الى النقطه التى أخذت فيها تتخيل ما قد يحدث لها من ضرر ان هى وقعت عن هذه السيارة المسرعة ، على الطريق المرصوف بالحصى . . ولكن رونان رفع قدمه عن دواسة البنزين وتلاشى صوت المحرك . .

لم تكد ليلى تلتقط أنفاسها حتى انفتح الباب بعنف وخرج منه رونان مندفعا نحوها بخطوات واسعة ، وقد بدا الغضب على وجهه : (( ليلى . . )) .

وعندما وقف بجانبها أخيرا ، واضعا يديه على وركيه وعيناه تلتهبان غضبا .

- أنت لا تسهلين الأمور على .

قال لها ذلك مصرا على أسنانه .

- وأنا لا أريد أن أجعلها سهلة . . أريد أن أجعل هجرك لى بالغ الصعوبة . . لأننى . .

.

- ما بالك تتضرعين الى أن أبقى بينما أوضحت لك أن هذا آخر ما أريده فى هذا العالم ؟ فأنا لا أطيق رؤيتك ؟

- لكنك الليلة الماضية . .

- بات ذلك من الماضى . كانت غلطة مروعة . اضطرابا عقليا ، وهذا ما لا أريد أن يتكرر ثانية .

- لم يبد لى الأمر كذلك .

ولكن أى خبرة كانت لها فى هذه الأمور ؟ فقبله لم تعرف سوى علاقة واحدة عابرة خلت من العلاقة الفعلية . . كان حبها لكرستيان شيئا عاديا بالمقارنة مع النار التى أشعلها رونان فيها . . نار لم تكن تدرى بوجودها ، نار دمرت عالمها من شدة قوتها ، وجعلت زمام الأمور يفلت من يدها . فقد أصبحت بين ذراعى رونان امرأة أخرى . امرأة عاشقة محبة .

وانفجرت فيه قائلة : (( كانت رغبتك فى ذلك تضاهى رغبتى تماما . . )) .

- ليست النساء وحدهن قادرات على تزييف مشاعرهن .

رد رونان عليها بقسوة اضطربت لها أفكارها .

.

- آه ! علمت الآن أنك تكذب ، لان لا شئ فى ليلتنا الماضية كان زائفا .

لو صدقت كلامه ، لتدمر كل شئ . . كل ذكرياتها عن ليلة عرسها . . الليلة التى اعتقدت أنها سجلت فيها بداية أروع جزء فى وجودها . . الليلة التى أدركت الآن أنها لن تحصل على سواها فى حياتها الزوجية .

لم تكن تعلم شيئا عن المنزل أيضا ، فقد كانت مفاجأة أتحفها رونان بها فى آخر لحظة أيضا عندما غادرا قاعة الاستقبال واستقلا السيارة . لقد حسبت أنها سيقصدان المطار ومنه الى المكان الذى سيقضيان فيه شهر العسل . وبعد أن توارى عن الأنظار آخر الملوحيين بايديهم قال لها :

(( تغيرت الخطة ، ستقلع طائرتنا عند الثالثة من بعد ظهر غد )) .

- ولكن أين سنمضى ليلتنا ؟ .

فأجاب بابتسامة صغيرة غامضة : (( دعى الأمر لى ، لقد تدبرت كل شئ . سلمى أمرك لى وانظرى ماذا يحدث )) .

.

ارتجفت وهى تعود بأفكارها الى تلك اللحظة ، وتسمع تلك الكلمات مرى أخرى ، اذ أن شيئا ما فى الطريقة التى تكلم بها رونان جعلها تشعر بالغثيان .

فى الليلة الماضية ، أنهكتها أحداث النهار ونشوة التفكير فى أنها أصبحت (( السيدة رونان غيرين )) ، فلم تشعر بهذا الخطر المحدق .

- أتلهف لأكون معك .

تمتمت ذلك بحب وهى تداعب بيدها ذراعه وابتسمت عندما رأته يجفل بشكل غريزى . . فزجرها ضاحكا :

(( حاذرى من تصرفاتك ، أيتها الساحرة )) .

ولكنها تجاهلت احتجاجه قائلة :

(( طيلة الشهرين الماضيين وأنا أتوخى الحذر فى تصرفاتى مما زادنى احباطا )) .

.

- وذنب من هذا ؟ أذكر جيدا أنك أنت من أصر على التأجيل حتى يوم الزفاف .




- وها قد وصل يوم الزفاف ، وليس علينا ان ننتظر أكثر من ذلك . اننا الآن زوجان شرعيان وأستطيع أن أفعل ما يحلو لى . .

زادت من ملامستها له مبتسمة وهى تسمع صوت تنفسه .

- ليلى . . أرجوك . . كونى عاقلة .

- آه ، سأكون عاقلة .

لكن لهجتها منحت كلماتها معنى غير الذى كان يقصده .

- سأكون عاقلة جدا ، لا بل أفضل من عرفت من النساء . ولكن لم لا تضغط على البنزين ؟ أريد أن أصل فى أسرع وقت ممكن .

- سمعا وطاعة !

.

وانطلق رونان بالسيارة بسرعة البرق متجها الى ناحية الريف .

استحال دفء النهار ، الى مساء خانق غير مريح بينما كانت السيارة تعبر طريقا متعرجا لتصل فى نهايته الى مبنى فخم .

- أوه . . .

أخذت ليلى تحدق فيه بحيرة واعجاب بالغين .

كان المنزل مبنيا من حجر قد نعمه مر السنين ، وله مدخل أنيق مزين بالأعمدة ، ونوافذ يعكس زجاجها تألق الشمس المائلة الى الغروب ، أما نصف الواجهة الأمامية فكان مغطى باللبلاب المعترش الذى امتد فوق سطح مستنبت زجاجى من العهد الفيكتورى . .

- ما أروع هذا المكان ، لمن هو ؟

- بيتك .. وبيتى .

- بيتنا ؟

بلغ الذهول منها مبلغا فلم تلحظ الفاصل الواضح بين كلمتى رونان ، وتابعت قائلة : (( ولكن كيف ؟ )) .</b>

- لقد اشتريته . أليست هذه هى الطريقة المعتادة لاقتناء منزل .

.

- طبعا ، أعرف هذا .

وقرصته فى ذراعه مداعبة : (( متى . . )) .

- وقعت العقد الأسبوع الماضى ، آه ، أعرف . .

كان قد لاحظ التعبير على وجهها ففسره بدقة :

(( قال كونور انه كان على أن أستشيرك ، ولكن حالما رأيت البيت ، أدركت أنه سيعجبك جدا )) .

- وكنت محقا .

خفف واقع تفهمه لها من الوخزة الحادة التى شعرت بها وهى تخاله من الاستبداد بحيث يتخذ القرارات من دون الرجوع اليها .

- كانت شقتك تلك ستعوقنا عن الحركة . . اخترت هذا المنزل لأنه قريب من المدينة فتتمكنين من الذهاب يوميا لمراقبة عملك .

وبصفتك صاحبة أحسن متجر للزهور ، عليك أن تقطنى فى مكان أرقى من ذلك الصندوق ذى الغرفة الواحدة .

- كما أنه ليس بعيدا عن الطريق العام .

.

- والآن ، هل تأملته بما يكفى ؟ فالعاصفة على وشك أن تهب ، وان لم نسرع بالدخول ، فسيغرقنا المطر قبل وصولنا الى الباب .
وسرعان ما صح كلام رونان . . اذ ما أن أخرجا حقائبهما من السيارة ووضعاها فى الردهة ذات القرميد الأبيض والأسود ، حتى دوى الرعد وبدأت الأمطار تضرب على النوافذ .

- آه ، ما أقربه !

وقفزت بشكل مبالغ فيه ، والتصقت برونان .

- لا أظنك تخافين من الرعد ؟

نظرت الى وجهه المذهول ، ضاحكة : (( أنا لا أخاف منه ، ولكنه عذر ملائم لكى ألتصق بك )) .

.

وجذبته اليها ، وعانقته بعنف ، وهى تأمل خفية أن يستحثه هذا على التجاوب معها . لكنه لم يبادلها مشاعرها بل خلص نفسه من عناقها ، وأمسك بيديها الاثنتين قائلا :

(( هذا يكفى ، ألا تريدين أن ترى بيتك الجديد ؟ )) .

- ربما غرفة النوم .

وابتسمت بخبث : (( أما بقية المنزل فأراه فى وقت لاحق )) .

كان منزلا واسعا ، مليئا بالممرات القصيرة . وبينما كانا يتفحصان كل شبر فى المنزل ، أرخى الظلام ستاره ، وتحول الرعد الى زئير منخفض بعيد وتوقف البرق عن الوميض . خلف تراجع العاصفة موجة من البرد القارص . وعندما عادا الى غرفة الجلوس الأنيقة لم تتمالك ليلى نفسها من الارتجاف ، فقطب رونان جبينه قائلا :

(( هل تشعرين بالبرد ؟ هل أشعل المدفأة قبل أن نتعشى ؟ )) .

نظرت ليلى الى المدفأة الواسعة التى يعلوها رف خشبى ويحيط بها قرميد مزخرف ، وازداد ارتجافها الذى تحول الى خوف حقيقى ، ثم أجابت بسرعة :

(( لا ، شكرا )) .

.

- لكن البرد قارس ، والجلوس أمام ضوء لهب المدفأة يخلق جوا شاعريا .

لهب المدفأة . .

ووجدت ليلى نفسها تعود الى الماضى . . انها ترى الآن غرفة اخرى ، غرفة مختلفة تماما عن هذه الفسحة المطلية باللونين الأخضر والذهبى .
انها ترى الآن ذلك الأثاث المريح الرث ، وشجرة عيد الميلاد المنتصبة فى احدى الزوايا ، والزينة الورقية المعلقة على الجدران ، والمجسمات الصغيرة لبيوت وأشجار وبابا نويل .
وأمام اللهب ، وقف صبى صغير أشقر الشعر مادا يده الى شمعة ، ثم جمد مكانه عندما صاحت به محذرة . فى تلك اللحظة استطاعت أن تمنع ديفى . ولكن النيران اشتعلت فى ما بعد فجأة ، ووصل لهيبها الى الزينة الورقية على الجدران ومنها الى الستائر ، ليشتعل المكان ويتحول الى كتلة من النيران المضطرمة . .

- ليلى ؟

أعادها صوته الى الحاضر وهى تطرف بعينيها مشتتة الذهن لحظة . ولكنها ما لبثت أن أدركت أن الواقف أمامها ، هو رونان وأنه هو الذى تلفظ باسمها . عند ذلك ، أرغمت نفسها على الابتسام :

(( لا تشعل النار ، فالبرد ليس شديدا . كل ما أحتاج اليه هو شراب ساخت يدفئنى . . وذراعاك حولى )) .

يوما ما ستخبر رونان بقصة تلك الليلة المريعة . . فهى لم تتمكن من تحمل اخباره عن الحادث الذى تعرض له والداها .

ولكن ليس الليلة . . فلا المكان ولا الزمان يسمحان بذلك . قد يفسد هذا عليهما هذه الليلة الخاصة التى طال انتظارها لها .

- هل فى قصرك هذا طعام ؟

- طبعا ، سبق وأخبرتك بأننى تدبرت أمر كل شئ . . تعالى معى .

أخذها الى مطبخ ريفى واسع من دون أن يجولا فى المنزل . كان على المائدة المصقولة المصنوعة من خشب الصنوبر ، أطباق صينية فاخرة تحتوى على أنواع مختلفة من اطعمتها المختلفة .

- هيا ، تفضلى .

.

دهشت ليلى حين أدركت أنها تتضور جوعا . كانت من التوتر هذا الصباح بحيث لم تذق شيئا من الطعام . وأثناء الغذاء ، ملأت طبقا بمختلف أنواع الطعام وأخذت تأكل بنهم ، وهى تشكر رونان . وعندما انتهت هتفت قائلة :

(( كان الطعام لذيذا للغاية )) .

انتبهت فجأة اليه جالسا أمامها يراقبها عن كثب من دون أن يأكل شيئا . نظرت متسائلة فى تينك العينين الرماديتين اللتين بدتا الآن قاتمتين .

- ألست جائعا ؟ هذه الفطيرة لذيذة جدا . تناول بعضا منها . .

وناولته قطعة صغيرة منها ، ولكن بدلا من أن يأخذ الشوكة منها ، مال نحوها حتى أصبح وجهه على مقربة من وجهها ، وفتح فمه وكأنه طفل صغير . .

وضعت القطعة على لسانه باسمة ، واذا بها تشعر نفسها كالمسحورة ، غير قادرة على رفع نظراتها عنه وهو يمضع الطعام ثم يبتلعه بحذر ,من دون أن يحول عينيه عن عينيها .

سألته بصوت ازداد بحة وعمقا :

(( ماذا تريد أن تأكل بعد الخبر ؟ )) .

قطعة صغيرة محمصة مدهونة بالزبد ، تبعتها بقطعة جبن . لكن ليلى استعملت هذه المرة أصابعها فى اطعامه . وخفق قلبها وهى تشعر بفمه الدافئ ينغلق على أناملها .

- بعض السلمون المدخن . . والهليون . . و . .

أخذت تسرع فى انتقاء الأطعمة ، حتى لا تبعد نظراتها عنه . كانت عيناها تعودان بسرعة الى نظراته الثاقبة المصممة بينما أصابعها تتحرك وحدها فوق أطباق الطعام .

.

بدأت أنفاسها تتسارع ، وخفقات قلبها تشتد قوة ، وشعرت بجسمها يستحم بوهج الشمس الساطع بدلا من ضوء القمر الهادئ .

- آه ، وهذه حبات الفريز . .

تحرك هذه المرة بسرعة أكبر مما كانت تتوقع ، فاحتكت أسنانه بأناملها .

واذ برعشة تسرى فى ذراعها ، جاعلة اياها ترتجف . . شعرت بجفاف فى حلقها فأخذت تبتلع ريقها بحدة وتبلل شفتيها ببطء . وخفق قلبها بعنف وهى تراه يلقى نظراته الى وجهها المتوهج :

(( أتريد شيئا من القشدة على الفريز ؟ )) .

.

وغرفت القليل منها من الاناء ، مبعدة أصابعها سنتيمترات عن فمه .

ابتسم رونان ببطء واغراء ، ثم مال بحذر متعمد ، الى الأمام ، فالتهم الحبة بفمه الدافئ .

- رونان !

وعندما لم تستطع احتمال التوتر أكثر من هذا مالت اليه تعانقه .

وعندما ابتعدت عنه أخيرا لتلتقط أنفاسها ، كان صدره يعلو ويعبط ، وعيناه مشتبكتان بعينيها ، فقال بصوت أجش :

(( أظن . . أظن ، يا زوجتى ، أن الوقت قد حان )) .

ثم نهض واقفا ومد يده اليها ، مشبكا أصابعه القوية الصلبة بأصابعها البيضاء الرشيقة ، وهو يقول بلهجة حائرة بين الأمر والتوسل :

(( تعالى معى . . تعالى . . أريدك الآن )) .

.




استغرقت الرحلة الى غرفة النوم وقتا أطول مما توقعت ليلى اذ كان رونان يتوقف عند كل درجة ليعانقها بينما أنفاسها تشتد قوة ، ورأسها يزداد دوارا ، مما جعلها عاجزة عن التفكير أو النطق بكلمة مفهومة .

كانت تشعر فقط بكل عرق فى جسدها ينبض حياة .

قبل أن يصلا الى الغرفة ، رفس رونان باب الغرفة ليغلقه . ثم أخذها بين ذراعيه ، ويده تداعب شعرها الحريرى ، وأمسك رأسها يمنعه عن الحركة ، وأحنى رأسه الأسود ليقبلها معلنا بذلك ، بصمت ، عن عواطفه وحبه الذى لم يعد يقوى على اخفائه .

أما ليلى فقد تعلقت به وقد أطلقت العنان لمشاعرها بعد أسابيع من الكبت ، مبدية رغبتها فى أن تعرف كل شئ عن هذا الرجل ، كانت تعانقه بشوق أخذ يفتح الأبواب لطوفان من المشاعر العاصفة التى لن تغلق الأبواب أمامها بعد اليوم .

أحنى رأسه المزهو الى بشرتها الشبيهة بالقشدة وهو يتشمم بعمق شذا عطرها ثم أخذ ينثر القبلات على وجهها .

فمدت يدها تتخلل شعره البنى المحمر بأصابعها وتقربه منها أكثر وكان شوقها اليه قد جعل تحفظها يذهب مع الريح .

حملها واتجه بها نحو السرير ، وعاد يعانقها ثم اتكأ على كوعه وهو ينظر اليها وقد أظلمت عيناه بالمشاعر المحمومة :

(( الليلة ، يا سيدتى ، يمكنك أن تحصلى على كل ما تريدينه )) .

.

كان عليها أن تفكر بتلك الكلمات المراوغة ولكنها فى خضم هذه المشاعر القاهرة لم تشعر بخطر ما ، أو بأن هناك اشارة الى ما ينتظرها وراء سعادتها هذه .

- أى شئ . .

- ولكن أولا . .

واستدار مبتعدا عنها لحظة ، ثم تناول علبة صغيرة كان قد ألقاها على منضدة السرير الجانبية ، ثم فتحها .

- لسنا بحاجة . .

.

ولكنه أسكتها بوضع اصبعه على فمها برفق :

(( بل نحن بحاجة اليها ، لا أريد أطفالا فى الوقت الحالى . أريدك لى كلك ولأطول مدة ممكنة )) .

أرسلت هذه الكلمات فى كيانها فيضا من البهجة الخالصة .

- وهذا يناسبنى .

ومدت يدها لتداعب شعره القصير بأصابعها ، قطبت جبينها وتذمرت برقة قائلة :

(( لماذا قصصت شعرك ؟ )) .

.

- حسبت أنه لا يناسب وضعى الجديد كرجل متزوج .

- ولكن لو كنت تعلم كم حلمت بهذه اللحظة ، وكم كنت أتوق لمداعبته بأصابعى . .

وأرفقت كلماتها بالفعل .

وعندما رأته يجفل تحت لمسات أصابعها متشنجا ، ابتسمت ظافرة وهى ترى تأثيرها عليه .

- أيتها الساحرة . . أنت تبحثين عن المتاعب .

- أحقا ؟

وفتحت عينيها متصنعة الدهشة ، ثم تمتمت تقول :

(( أتعلم ؟ أظن أن هذا ما أفعله بالضبط )) .

.

وجالت أصابعها على كتفيه وكان حبها يتضاعف كل ثانية . وسمعت نفسها تقول ضارعة :

(( رونان . . أريدك . . )) .

عند ذلك فقط ، تقدم منها ، رأته يتردد ، ثم رأت شيئا يشتعل فى عينيه المظلمتين جعل قلبها ينتفض بخوف غريزى . لكنها ما لبثت أن نسيت كل شئ بعد ذلك بثانية واحدة .
ومع أنها كانت تهتف باسمه فى كل لحظة بصوت ممزق ، لم تسمعه يهتف باسمها قط . . ولم تسمعه بقول كلمة حب رقيقة تعبر عن البهجة التى كانت تمتلكه ، واكتفى بالقول :

(( تذكرى ! تذكرى هذا يا ليلى ! تذكرى ! )) .

تتذكر . . وكيف لها أن تنسى ؟ كيف لها أن تنسى ليلة عرسها الأولى بكل تفاصيلها ؟ كل لحظة منها انطبعت فى ذهنها ، ولن يمحوها شئ من ذاكرتها طالما هى حية ، طبعا فكل ما عرفته فيها لا ينسى أبدا .
.


.

ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ




Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 28-09-17, 05:46 PM   #4

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثالث
3 – العذاب . . رجل

لا ينسى . .
لسعت هذه الكلمة قلب ليلى ، فسرت البرودة فيها حتى العظم . . اذ وجدت نفسها تستيقظ على الكابوس وهو كل ما بقى لها من حياتها الزوجية . . ولكن كيف لها أن تعيش ومشاهد تلك المشاعر قد حفرت فى أعماق روحها ؟
لكنها اضطرت للخروج من هذه الذكريات لأن رونان قال شيئا لم تسمعه ، ولم تفهمه ، فطرفت بعينيها من دون أن تفهم :

(( من الأفضل أن نتكلم فى الداخل )) .


ونظرت اليه بارتياب ، وهى تردد : (( نتكلم )) .

لاح لها بصيص من الأمل . . وكأنه يريد فتح باب للنقاش ، بدلا من الاكتفاء بتوجيه انذار نهائى .

عليها أن تنزل عن السيارة ليدخلا معا الى المنزل . ولكن ان كان وضعها السخيف هذا يمنعه من الرحيل فلن تتخلى عن فرصتها الوحيدة . فأجابته بتوتر :

(( هل هناك ما نتحدث عنه ؟ قلت لى ان كل شئ انتهى وها أنت تقول الآن انه علينا أن نتناقش . . )) .

وسكتت بحدة وهى تراه يهز رأسه بغضب ، وقال بعناد :

(( لا مجال للمناقشة ، أردتك فقط الى أن تصغى الى )) .

- لن أتحرك من مكانى اذن ، يمكنك أن تتكلم هنا .

.


حاولت أن تصلح من جلستها ، لتواجهه . ولكنها ما ان تحركت على المعدن المصقول حتى كشفت العباءة غير المزررة عن جزء من جسمها . وكان يصعب عليها تدارك ذلك ، اذ كان عليها أن تبسط راحتيها على المعدن كى لا تنزلق على الأرض .

- آه ، بحق الله عليك .

لم تجد ليلى وقتا لتتكهن ما ينوى فعله ، واذ بها تطلق صرخة ذعر حادة عندما وضع ذراعا تحت كتفيها وأخرى تحت فخذيها ودفعها عن السيارة .
- رونا . . أنزلنى على الأرض .
لكن احتجاجها العنيف ذهب هباء ، لأنه زاد من ضغط ذراعيه الفولاذيتين حولها حتى لم تعد تستطيع الحراك . وسار بها نحو باب البيت وهو يتمتم قائلا :

(( لم أحملك عند العتبة وأنت عروس )) .
.

أثارت لهجة السخرية التى تكلم بها توترها . . رفس رونان بقدمه الباب ، ودخل الى غرفة الجلوس الأنيقة بلونيها الأخضر والذهبى ، ليلقى بها على كرسى كبير دونما اهتمام .
- والآن .. آه ، لا
وتحرك بسرعة وهو يراها تقف محاولة أن تهرب ، وقبض على كتفها بقوة ليعيدها الى الكرسى وثبتها عليه .
- أى نوع من المزاح هذا يا رونان ؟ الأمر ليس مضحكا ، صدقنى . .
- لست أمزح ، هل أبدو مبتهجا ؟
قال ذلك بلهجة خشنة خالية من المزاح ، تدل على رغبته بالانتهاء من هذه المسألة .
لم يتوقع منها قط أن تقاتل طويلا بمثل هذه الشراسة ، فقد حسب أنه فى مثل هذا الوقت ، سيكون بعيدا عن مدينة (( ادجرتن )) وقد أنجز رسالته ، تاركا حطام زواجه المزعوم خلفه ليلملمها (( ديفى كورنويل )) ، ان عاد الى الظهور .
ولكنه ، غير قادر على الابتعاد . وكأن ليلى أصبحت جزأ لا يتجزأ من حياته . والأسوأ من ذلك ، هو أنه بدأ يشعر بالأسف نحوها . . ولكن عليه أن يكبح مشاعره ، لأن الشفقة عى عاطفة لا ينبغى أن يدخلها فى حسابه .
- أخبرينى شيئا . . هل كنت صادقة عندما قلت انك أحببت هذا البيت ؟ .
.

أربكها تغييره المفاجئ للموضوع . . ومع أنها لم تعرف سبب هذا السؤال ، لم تستطع سوى قول الحق :

(( طبعا أحببته ، انه رائع الجمال ، ولكن . . )) .
- اذن فهو لك .
بدا لها وكأن الأرض قد زحفت تحت قدميها ولم يعد تحتهما شئ ثابت تقف عليه .
- ولكن لابد أنه كلفك كثيرا .
- فقال بعدم اكتراث :

(( تقريبا ، لكننى كنت أعلم أننى اذا تزوجتك فستتوجب على مسئوليات قانونية ، وتقبلت فكرة أن أدفع لك نفقة . . )) .
- لا أريد أموالك ! أنت تعرف أنها ليست سبب زواجى بك .
- حسنا ، هذا كل ما أستطيع أن أقدمه لك .
- ولكن لماذا ؟
وهزت رأسها بارتباك ، وقد أثار سلوكه حيرتها :

(( لماذا تزوجتنى اذا . . ؟ )) .

.

لم تستطع أن تكمل كلامها بعد أن سمرها فى مكانها بنظرة وحشية مفاجئة من عينيه الشفافتين . لكن وميض الخطر الذى ألجم لسانها تناقض مع اللامبالاة التى هز بها كتفيه وهو يقول محذرا : (( لا تسألى يا ليلى ، لأن الجواب لن يعجبك )) .
ولكنه لن يخبرها ، مهما كانت الشماتة التى قد يحصل عليها نتيجة اطلاعها على القصة بأكملها . فقد عاهد نفسه على أن يتكفل ديفى بالموضوع . ليواجه ما يعنيه تدميره لحياة أخته ، وتحطيمه لحياتها بسبب سلوكه الأثيم .
وردت ليلى بحدة : (( ليس الجواب هو الذى يقلقنى ، بل السؤال وحثك اياي على طرحه )) .
رباه ، ليته لا يرى تأثير تعليقه الأخير ذاك عليها !.
فأكثر ما آلمها هى تلك اللهجة العفوية الخالية من المشاعر ، وصوته الهادئ المسترخى .
هل هذا هو حقا الرجل الذى تعهدت أمام الكاهن بأن تحبه وتحترمه بقية حياتها ؟ أهو الرجل نفسه الذى قطع لها العهد نفسه أمس فقط ؟
دقت الساعة العاشرة والنصف ، وشعرت بطعنة سكين فى قلبها وهى تتذكر أنها فى مثل هذه الساعة من صباح أمس ، كانت عائدة مع صديقتها (( هانا )) من محل مزين الشعر وهما تضحكان والبهجة تملأ قلبها .

.

ولكنها كانت متوترة أيضا ، من المستقبل الذى ينتظرها . . فهى لم تقدم على الزواج عن طيش ، بينما رونان . .
منحها الغضب قوة لم تعهدها من قبل ، فأزاحت يده جانبا وهبت واقفة وقد التهبت عيناها .
- تعهدت أمس بأشياء معينة ، وأعنى تلك العهود المقدسة يا رونان ! (( أريد أن أحبك وأعيش معك وأحمل أطفالك )) . . العهود التى نطقنا بها عند عقد الزواج .
أتراها وصلت أخيرا الى أعماقه ؟ فقد لمحت تغييرا فى ملامحه . اذ أرجع رأسه الى الخلف بعنف وأسبل جفنيه على عينيه الفولاذيتين . .
فتابعت تقول :

(( وظننتك تعنى ما تقول . . فان لم يكن ذلك صحيحا ، وان جئت بى الى هنا بدعوى زائفة ، فأقل ما يمكن أن تفعله ، هو أن تعطينى تفسيرا . . انك تدين لى بذلك على الأقل )) .
- أنا لا أدين . . !
بدت لهجته المنخفضة هذه مخيفة ، لكنها لم تدع نفسها تتأثر بها ، لأنها كانت تجاهد فى سبيل حياتها التى حصلت عليها . .
- أريد جوابا ، يا رونان .


تحولت عيناه ، هذه المرة ، عن وجهها وقد عجز عن مواجهة نظراتها العنيفة المتألمة ، وانخفضت عيناها فجمدتا فجأة وكأنهما شلتا عن الحركة .
- رونان !
- تسترى .
- ماذا ؟
- قلت لك تسترى .

.


ولم تدرك أن عباءتها كانت تكشف عن جزء من مفاتنها الا بعد أن مد هو يديه يسويها ويضع جانبها الواحد فوق الآخر .
توهج وجهها بمزيج من الاضطراب والتوتر ، وهو يقول صارا أسنانه :
- ربما تمكنت من اغوائى ليلة أمس ، لكن هذا مستحيل الآن .
- وربما سمحت لك بأن تنقض علي بمخالبك حينذاك ، لكن ذلك لن يتكرر أبدا .
- هبت فى وجهه تتحداه وهى تنتزع نفسها منه مبتعدة عنه . وجاهدت لتمحو من صوتها آثار الكدر والجرح فى كرامتها ، وسرها أن تجعله هادئا كما كانت ترجو .
فقال بابتسامة قاسية :



(( لم تسميها مخالب الليلة الماضية ، حتى أنك تضرعت الى . . )) .
- حسبت الليلة الماضية أننا متزوجين !
فأومأ ببرودة : (( هذا صحيح . وهذا هو الأساس فى كل هذا ، أليس كذلك يا حبيبتى ؟ )) .
لكن لهجته كانت أبعد ما يكون عن التحبب .
- أتريدين حقا أن تعلمي لماذا تزوجتك ؟
لا . . توسل قلبها اليها أن تتفوه بهذه الكلمة ، وتصرخ أنها لا تريد أن تسمع كلمة مما سيقول . . فبصيص الأمل فى الخلاص الذى لاح لها فى الأفق ، عندما ركضت خلفه ، انطفأ الآن . .
لكن المنطق حثها على المطالبة بالسبب ، وبالرغم منها ومن توسلات قلبها واحتجاجه ، وجدت نفسها تومئ هامسة بشفتين جافتين :

(( نعم )) .

.


وجد نفسه عاجزا عن اخبارها الحقيقة ، خاصة وهى تنظر اليه بهاتين العينين الكبيريتين الذهبيتين ، وقد بدت ، أشبه بغزالة صغيرة تلاحقها كلاب الصيد . وأخذ يلعن بصمت أخاها الغائب ، آملا من صميم قلبه لو يستطيع أن يضع يديه حول عنقه ويخنقه .
لكن عليه أن يقول شيئا ، شيئا فظيعا يجعلها تتركه يذهب من دون اللحاق به . . وهذا لمصلحتهما معا .
- انها الطريقة الوحيدة للتقرب منك .
للوهلة الأولى لم تفهم تماما ما يعنيه ولكنه أضاف قائلا :



(( كنت أرغب فيك الى درجة اننى لم أتوان عن الزواج بك . . )) .
لكنه لم يكمل جملته اذ رفعت ليلى يدها من دون وعى منها ، لتنهال عليه بصفعة مدوية .
غص رونان بريقه ، ثم رماها بتلك الابتسامة القاسية وهو يقول :

(( قلك لك ان الجواب لن يروق لك )) .
- أيها النذل .

.


للحظة واحدة ، ظهر فى عينيه بريق خطر جعلها تخشى انتقامه . لكنه سرعان ما سيطر على نفسه وهز رأسه قليلا :



(( أظننى أستحق هذا . هل أنت مسرورة الآن ؟ )) .
- لا أظننى قد أكون يوما أسوأ حالا .
مضت لحظة لم تستطع فيها أن تفهم لماذا أحبته ، أو أقنعت نفسها بذلك . لابد أنها كانت مخطئة فكيف لها أن تحب رجلا كهذا ؟ ولكن رونان الذى عرفته ووقعت فى حبه كان مختلفا .
طردت هذه الفكرة الضعيفه من ذهنها الى الأبد . . فرونان الذى اعتقدت بأنها تحبه ، هو نفسه هذا الشيطان الذى يقف أمامها . . وان حاولت التفكير عكس ذلك ، فستضعف أمامه ، وتمنحه الفرصة للاساءة اليها من جديد .
- اخرج من هنا ، يا رونان .
قالت ذلك وقد أراحها أن تسمع صوتها هادئا منضبطا حتى لا يشك فى قوة اقتناعها بما تقول .
- اخرج واياك أن تعود ثانية .
- ان لم تخنك ذاكرتك ، فأنا من خطط لهذا منذ البداية . وأنت من أعادنى رغما عنى الى البيت .

.


- حسنا ، أفضل الموت على أن أعاود الكرة ، فجل ما أريد الآن هو أن ترحل من دون عودة .
- وهذا يناسبنى تماما . الوداع ، يا ليلى . ليتنى أستطيع القول اننا أمضينا وقتا طيبا .
وانحنى ساخرا قبل أن يستدير على عقبيه .
أخذت ليلى تنظر اليه بصمت أخرس ، وعندما اقترب من الباب توقف ، واستدار ببطء قائلا :



(( الحق معك ، يا حبييبتى ، فأنا نذل . ولكن عليك أن تسألى نفسك عما جعلنى كذلك )) .

- لا يهمنى ! ولا أريد أن أعلم . . لا أريد أن أعلم أى شئ عنك ! فكيف لى أن أميز بين الحقيقة والكذب فى حديثك ؟
- الحقيقة .
وأتبع هذه الكلمة بضحكة خشنة ساخرة بعيدة عن الهزل :

(( آه ، نعم . الحقيقة . حسنا ، ليلى ، حبيبتى ، ان كنت تريدين معرفة الحقيقة كلها ، فلن تجديها عندى . . ان ذلك الجواب الذى آلمك هو جزء بسيط فقط من الحقيقة . فان أردت معرفة القصة كلها ، فعليك أن تسألى أخاك . . هذا ان شاء ان يخبرك . . والآن ، سأرحل . . حقا )) .
تركته هذه المرة يرحل ، اذ ما بيدها حيلة .

.


وقفت تراقبه ، وهو يصعد الى سيارته ويشعل المحرك بهدير ينبئ بخروجه عن هدوئه وانضباطه .
عضت شفتها بقوة ، رافضة السماح لدموعها بأن تنهمر قبل أن يغيب رونان عن ناظريها .
كانت الساعة الثانية عشر . فى مثل هذه الساعة ، كانت تقف أمس على درجات الكنيسة باسمة سعيدة ، وعريسها الى جانبها . . بقيت زوجة له أربعا وعشرين ساعة بالضبط وها قد انتهى الآن كل شئ .
كانت الشمس ترسل أشعتها من السماء الزرقاء الصافية . انه يوم ربيعى رائع . . يوم رائع كان من المتوقع أن تبدأ فيه حياتها الزوجية . ولكنه تحول الى يوم وضع حدا لزواجها حتى قبل أن يبدأ .

***********************************
- اسألى أخاك . . اسألى أخاك .
بقيت هذه العبارة التى ودعها رونان بها ، تتردد فى ذهن ليلى طوال الأيام الأربعة التى تلت .
ذلك الجواب . . هو جزء بسيط من الحقيقة ، فان أردت معرفة القصة كلها ، فعليك أن تسألى أخاك . . هذا ان شاء أن يخبرك .
كانت ستفعل لو أمكنها ذلك ، ولكنها لا تعرف شيا عن ديفى .
عندما حددا ، هى ورونان ، موعد ذلك الزواج المنحوس ، بذلت جهدها للعثور على أخيها المفقود ، ولكن من دون جدوى .
منذ ثلاث سنوات وأخوها غائب عن حياتها . . فيوم عيد ميلاده السابع عشر ، عادت الى البيت لتجد غرفته مرتبة على غير العادة وخزانة ثيابه فارغة من ملابسه . واختفت فيثارته المحبوبة . فأدركت أنه لن يعود تقريبا .

.

ساورتها الشكوك أو الآمال ، لكن الورقة التى وجدتها على وسادتها بددتها كلها .
- أنا راحل لأجمع ثروة وأكتسب الشهرة . انتظرى ظهورى على شاشة التليفزيون قريبا جدا .


وختم الرسالة بالتوقيع الذى أصبح يستعمله ، محتقرا اسم أسرته ومعتبرا اياه صبيانيا بالنسبة الى نجم (( روك )) مثله .


جاءت فجيعتها فى هجر ديفى لها ، لتحل فى المرتبة الثانية بعد فجيعتها فى موت والديها المبكر . ومع مرور الزمن ، تحول ألمها لفراقه الى شعور بالخسارة ، فعاشت وهى تشعر بفجوة فى حياتها وحده يستطيع أن يملأها .
وعلاوة على سخرية الحياة المرة التى شغلت بالها نهارا وأرقتها ليلا ، أدركت الآن أن رونان هو الشخص الوحيد الذى كان على صلة بأخيها بعد أن ترك البيت .
- ان أردت أن تعرفى القصة بأكملها ، فعليك أن تسألى اخاك . .
كلماته هذه لا تعنى الا شيئا واحدا . أن ديفى . . العنيف والأحمق أغضب رونان بطريقة أو بأخرى وأشعل فى نفسه رغبة محرقة فى الأذى والتدمير . ولكن ما الذى فعله يا ترى فولد هذه الرغبة بالانتقام لدى رونان ؟
.

كان عليها أن تبدأ بالبحث عنه من
جديد ، وتقتفى كل أثر له . ولكن لبحثها هذه المرة ، أهمية أكبر بكثير بعد أن أضيفت اليه تلك الرغبة الساحقة فى معرفة مدى تورطه مع رونان .
منحت نفسها أسبوعا ، لتضمد جراحها وتذرف الدموع التى أقسمت على ألا يراها الناس .
وعندما انتهى ذلك ، لملمت شتات نفسها ، واستجمعت قواها ، لتصنع درعا تحيط به نفسها قبل أن تواجه العالم مرة أخرى .
لكنها من البشر وتحتاج الى من يساندها ، ويساعدها فى محنتها . فاتصلت تليفونيا بأفضل صديقاتها ، قبل أن تخونها أعصابها كليا .
- هذه ، أنا ليلى ، أحمل لك خبرا سيئا للغاية .
كل ما كانت ترجوه هو ألا يتداول الناس الموضوع لوقت طويل .
لكن ذلك الأمل لم يتحقق ، فبالرغم من مضى أربعة أسابيع على عودتها الى العمل ، بقيت المدينة تضج بخبر الزواج الذى فشل .
- هذا ليس عدلا !
قالت ليلى هذا شاكية لصديقتها هانا التى مرت عليها فى الحانوت بعد انصرافها من المدرسة حيث تعطى دروسا فى التاريخ .
- كان من المفروض أن يحدث شئ آخر يشغل الناس عنى .
- ولكن شيئا لم يحدث ، وجاء سوء حظك من السماء ليتسلى به الناس ، ولا يمكنك أن تلوميهم ، لأن مدينة (( ادجيرتن )) لم تشهد عرسا مثل عرسك . وعليك أن تعرفى بأن رونان مختلف عن رجال المنطقة .

.


- هذا صحيح .
وتنهدت ليلى باكتئاب وهى تتذكر شعورها حين وقعت لأول مرة عيناها على قامته الطويلة ، وتقاطيع وجهه الرائعة ، وعينيه الزرقاوين الفولاذيتين وشعره القاتم اللامع .
- وبما أنك تعملين فى ميدان تصميم الأزهار . .
- ما هذه المبالغة ‍
ردت عليها ليلى ساخرة . . ربما بشكل أقوى مما كانت تقصد اذ حاولت أن تصرف ذهنها عن المجرى المؤلم الذى أخذته .
سألتها هانا مؤنبة :

(( وكم عدد النساء فى هذه المدينة اللاتى دخلن دنيا الأعمال ، واكتسبن فى مدة ست سنوات شهرة أحسن منسقات للأزهار . . آسفة ، بل مصممات أزهار ، فى المنطقة ؟ )) .
أخذت ليلى تتذكر بتعاسة . انها تعرفت على رونان من خلال عملها . فقد طلب منها تنسيق الأزهار لعرس الابنة الوحيدة لأحد الصناعيين الأثرياء .
وبصفته شريك (( فرانك هودغسن )) فى العمل كان رونان من بين المدعوين . وبعد أن عرفتهما والدة العروس على بعضهما البعض دعاها الى الرقص .
- كنت محظوظة لا غير .

.


فشخر صديقتها ساخرة : (( محظوظة ؟ ليس للحظ علاقة بهذا يا ليلى ؟ انها الموهبة والعزيمة والعمل الشاق . فعلى الرغم من فجيعتك بوالديك ، وأنت فى سن المراهقة شقيت طريقك لتصلى الى النجاح ، كما أنك ربيت ديفى أحسن تربية ، وان كان هناك من يستحق السعادة ، فهو أنت . . وكنت أظنك وجدت ذلك مع رونان )) .
وتغيرت ملامح هانا ، واستحال وجهها الباسم بطبيعته قاسيا عدائيا :
- ليتنى أستطيع الامساك به . .
فردت ليلى عليها بسرعة :

(( هانا . . أرجوك )) .
- قد تحدثنا عن قصة رونان مرات ومرات ، ولم نصل مع ذلك الى نتيجة .
فى الأسابيع القليلة الماضية ، تعلمت ليلى أن تتكيف مع ما حصل لها ، فالجراح التى سببها رونان لها كانت أكثر عمقا وتعذيبا من أن تلتئم . ولكنها شغلت نفسها فى عملها لتصرف ذهنها عن آلامها .
- لا أريد أن أتحدث عن الموضوع ، حتى أننى لا أريد التفكير . .
ولحسن الحظ ، قاطعهما فى تلك اللحظة طرق على الباب ، ثم أطلت (( هيثر )) مساعدتها قائلة :

(( ثمة زائر لك ، يا ليلى ، يقول ان الأمر شخصى )) .
وقفز قلب ليلى من مكانه .

.


أيعقل ذلك ؟ لم تعرف ما اذا كانت راجية أم خائفة . . ما الذى قد يساورها من مشاعر ان كان رونان ؟ ما الذى ستقوله له ؟ وبينما كانت تجاهد لاستجماع شئ من ضبط النفس ، صدمت وقد بدا زائرها على عتبة الباب .
لم يكن رونان . . كان شعر الزائر مشوبا بلون فضى وقد انسدل على كتفيه بشكل عشوائى غير منتظم أما عيناه فهما بنيتان داكنتان . بدت وجنتاه بارزتى العظام ، فانقبض قلبها حزنا عليه .
- ديفى !
كان آخر شخص توقعت أن تراه . وعبر صوتها عن مدى افتقادها له خلال الثلاث سنوات الماضية .
شعر ديفى بذلك ، فالتوى فمه وهو يقف بارتباك أمامها .
- مرحبا يا أختاه ، هل دهشت لرؤيتى ؟
كانت لهجة تنطوى على شئ من الغرور الممزوج بالتمرد .
- أدهشنى . . أواه ، يا ديفى !
نهضت واقفة ، واندفعت اليه مفتوحة الذراعين لتحتضنه مرحبة . ولم تستطع أن تمنع نفسها من الارتجاف وهى تشعر بنحول جسده الرقيق .
مهما كان العمل الذى قام به ديفى ، الا أنه بدا واضحا أنه لم يحرز النجاح الذى حلم به . . وقد خيل اليها أنه لم يذق الطعام منذ فترة طويلة .
- لقد غبت فترة طويلة ، أين كنت ؟ اشتقت اليك كثيرا .
- وأنا أيضا اشتقت اليك .
- حان الوقت لتعود يا فتى . كادت أختك تجن قلقا عليك ، أما كان ينبغى عليك أن تتصل بها من وقت لآخر لتخبرها بمكانك ؟
- كنت . . . مشغولا جدا . والوقت يمر بسرعة .
- كم يستغرق الاتصال التليفونى من الوقت ؟


- فقالت ليلى بسرعة :

.


(( هانا ، انه هنا الآن ، وهذا هو المهم ، هل ستبقى ، يا ديفى ؟ )) .
- ان كان ذلك ممكنا .
وفجأة ، نظر اليها مباشرة وقد ضاقت عيناه وقال :

(( سمعت أنك كنت تبحثين عنى ، هل من مشكلة ؟ )) .
- مشكلة ؟
لم يمنع عبوس ليلى هانا من الكلام :

(( هذا أقل ما يقال بشأن ما حصل )) .


ولأول مرة ، بدا الاهتمام على وجه ديفى : (( ماذا . . . ؟ )) .

فقالت ليلى بسرعة وهى تراه أشبه بحصان على وشك الجموح :

(( كنت أبحث عنك لأننى أردتك أن تحضر حفل زفافى )) .

آلمها كثيرا ان تقول ذلك . . فكل كلمة كانت أشبه بطعن سكين فى قلبها المحطم . وتابعت قائلة :

(( ولكن من حسن الحظ أنك لم تحضر لأن الأمور لم تتم بالشكل الذى كنت أريده )) .
قالت هانا ساخطة :
.


(( آه ، لو أستطيع أن أضع يدى على رونان غيرين )) .
- رونان غيرين !
جفل ديفى وكأنه لمس لتوه سلكا كهربائيا .
- هل وقعت فى براثن رونان غيرين ؟
- وهل تعرفه ؟
أرغمت ليلى نفسها على النطق بهذه الكلمات ازاء الذعر الذى تملك ديفى .
- ومن لا يعرف رونان غيرين ؟ فهو يملك xxxxا لا تحصى ، ويلقبونه ب ( المحيى ) لأنه يفتش دوما عن الأعمال المتداعية فيشتريها رخيصة ثم يحولها الى أعمال ناجحة . . فاذا شملك باهتمامه ، فأنت . . .
وسكت يحاول أن يعثر بالضبط على الكلمات المناسبة ، مما أثار توتر ليلى . . فأرغمت نفسها على سؤاله :

(( ماذا حدث ، يا ديفى ؟ )) .
- غيرين يلاحقنى . أنا . .
ونظر الى هانا التى فهمت الاشارة :

(( حان وقت انصرافى ، الى اللقاء ليلى )) .
ولم تكد ليلى تلحظ خروجها ، اذ كان اهتمامها مركزا على وجه ديفى الشاحب . . فتقدم وجثم على حافة المكتب ، وأخذ يهز ساقه متوترا . .
- ماذا حدث .

.

فقال وعيناه تتجنبان عينيها :

(( كنت أعمل ساقيا فى ناد ليلى وذات ليلة ، لم يأت المغنى ، فغنيت مكانه . وحدث أن رونان كان موجودا فى تلك الليلة فسمعنى أغنى . وأخبرنى لاحقا عن مدى استمتاعه بأدائى وسألنى ان كنت أنوى امتهان الغناء . وعندما قلت له ان ذلك هو حلمى ، قال انه قد يساعدنى لكنه يريد أن يتأكد أولا من أنه لن يضيع وقته سدى . وعاد فى الليلة التالية مع مساعد له فى العمل . . وهو صاحب محل تسجيل . . وأخذ يتحدث معى عن عقد للتسجيل )) .
- هذا رائع !
ولكن الكلمات تلاشت على لسان ليلى عندما رفع ديفى رأسه ورمقها بنظرة مظلمة .
- أتظنين ذلك ؟ هذا ما اعتقدته حينذاك . شعرت بنفسى أطير فوق السحاب .
ورفع كتفيه النحيلتين نابذا تلك الأفكار الحمقاء الساذجة .
- ولكن سعادتى لم تدم .
- ما الذى أفسد الأمور ؟
أبعد ديفى خصلات شعره المتهدل عن وجهه بيد مرتجفة ، وتنهد بعمق . ثم حول عينيه عن الاهتمام البادى فى عينيها :

(( أنا من تغير وأفسد تلك الفرصة الكبرى )) .
- أخبرنى يا ديفى .
- اسمعى يا ليلى ، لم تكن هذه أول فرصة لى فى مجال تسجيل الاسطوانات . عندما وصلت فى البداية الى لندن ، قابلت رجلا ، ووقعت معه عقدا . ولكنه كان يأخذ الأرباح كلها . ولم يمض وقتا طويلا حتى أدركت أنهم تملكونى لبقية حياتى ، فخطر لى أن أهرب . . وبالفعل نقضت العقد ، وتركت كل شئ ، حتى أننى غيرت اسمى وانتهى بى الأمر بالعمل كساق .
ولوى فمه بضحكة ساخرة :

.


(( الا أنه لم يعد بوسعى عقد اى اتفاقيات أخرى ، ولكن أدهشنى رونان غيرين عندما عرض على أن يخلصنى من العقد القديم مقابل مبلغ من المال يدفعه للطرف الآخر . . انما بثمن )) .

عندما سمع صرخة ليلى الذاهلة ، أومأ لاويا شفتيه :

(( نعم . . لقد ذهلت مثلك تماما . . لكن شريكه أوضح أن مهنتى فى الغناء تصلح للاستثمار ، وجل ما يهم غيرين هو المال . . المال وليس الموسيقى . فكنت بالنسبة اليه مشروع عمل فاشل يريد احياءه )) .
وبدت لها لمحة من ديفى القديم عندما رفع رأسه ومنحها ابتسامة صغيرة متغطرسة .
- كان يؤمن ، استنادا الى مرجع خبير ، أننى مغن جيد . ولكنه أصر على توقيع عقود قانونية لا يمكن دحضها . . أواه يا أختى ، ليتك تعرفين مدى النجاح الذى حققته بعد ذلك . .

- ولكننى لم أسمع عنك شيئا .
- آه ، لم أكن قد بلغت الذروة بعد ، اذ كان على أن أبدأ أولا فى اكتساب بعض الشهرة فى النوادى فى جنوب البلاد . ولكننى . . فقدت صوابى قليلا . . فصعدت مرة الى المسرح ثملا . . فثار غضب رونان ، لأنه انفق على مالا كثيرا . ومما زاد الطين بلة اننى حطمت السيارة وأصبح المحرك طعمة للنار . ومع أننى كنت قد وعدته بأن أسجلها فى شركة تأمين ، لم أقم بذلك .
- آه ، يا ديفى .
- أعلم هذا .
وعبس للهجة التوبيخ فى صوتها وتابع وهو يتجنب نظراتها .
- أعلم أننى كنت معتوها تماما ، ولكن رونان أوثقنى بتلك العقود القانونية ، فلجأت الى الطريقة السابقة . . وهربت ، وتخلصت من كل شئ . الا أنى ، قانونيا ، محكوم بالعقد الذى بينى وبين رونان غيرين وهو يلاحقنى الآن بتهمة نقض الاتفاقية . . كما أنه أقام على دعوى للمطالبة بفوائد القرض الذى منحنى اياه بنسبة فاحشة . . انه يعلم جيدا أننى لا أستطيع تسديد ديونه ، مع ذلك لم يكف عن ملاحقتى ، بطلب دمى .

.

- ارتجفت ليلى وهى تفكر فى حقد رونان الذى لا يعرف الصفح . . ولو أنها لم تختبر ذلك بنفسها ، لظنت أن ديفى يبالغ فى كلامه . . لكن ذكرى قسوته فى انهاء زواجهما ، لم يدع لها مجالا للشك فى كلام ديفى .
- كان يتوقع أن يجنى من ورائى ثروة كبيرة ، فاذا بى أجعله يخسر الكثير من المال . . لقد خذلته فصمم على أن يجعلنى أدفع ثمن ذلك .
فقالت بلهفة :



(( ولكن ، لو تحدثت معه ، واعتذرت اليه ، لاصطلحت الأمور . لقد آمن بموهبتك وان قلت له بأنك كنت أحمق وأنك من الآن فصاعدا ستجد فى العمل وتعيد اليه كل فلس دفعه . . ألن يصغى اليك ؟ )) .
كان فى ارتعاش ملامح ديفى جواب كاف . واستحال وجهه الشاحب الى وجه رمادى اللون لمجرد التفكير فى جوابها هذا .
- الأمر أكبر من ذلك بكثير ، يا ليلى . . لن يمكننى أبدا تعويض ما فقده ، وأنا لا أجرؤ على مواجهته . انه يريد الانتقام ولا يرضيه غير ذلك .
الانتقام ، وبعثت هذه الكلمة مذاقا كريها لاذعا فى فمها جعلها تشعر بالغثيان . هل كان تودد رونان اليها مجرد جزء من انتقامه من أخيها ؟ وهل مهزلة زواجهما مناورة ليستغل مشاعرها فى سبيل النهاية القاسية ؟
أكان ذلك كله لأجل ( المال ) فقط ؟ وهل دوافع رونان وضيعة الى حد القيام بكل هذه الأمور . رغم أن المبلغ الذى يديت غيرين له كبير ، الا أنها لم تصدق أن رونان قد ينحط الى هذا المستوى .
تذكر ديفى أخيرا ، السبب الذى دفعهما الى هذا الحديث ، فسألها :
- ولكن ما قصتكما ، أنت ورونان غيرين ؟ قالت صديقتك . . .
- آه ، لا تهتم بكلام هانا
قاطعته بسرعة اذ يكفى ما لديه من هموم .

.

- لا تفكر فى الموضوع .
بعد أن رأت الارتياح على وجهه ، وقد استرخى فى مقعده ، سرها أن تخفى عنه الحقيقة مع ما فى ذلك من ضغط على أعصابها . وقال فجأه :



(( ما أجمل أن اراك مرة أخرى ، يا ليلى ! لم اعرف مكانا آخر اذهب اليه . لكننى كنت أعلم أنك سترحبين بى وتعتنين بى كما فعلت دوما . هل يمكننى البقاء معك فترة ، يا ليلى ؟ )) .
انقبض قلبها بمزيج من المرارة والحلاوة ، السرور والتوتر ، الخوف والتوجس . . منذ مدة طويلة وهى تحلم بعودة ديفى الى البيت مرددا لها هذه الكلمات . . كانت أحيانا تخشى ألا يعود قط . .لكنه الآن هنا . . معها .
وحده التفكير فى رونان وتأثيره المهلك عليها وعلى أخيها ، ألقى ظلالا سوداء على سعادتها .
- أرجوك يا أختى .
.

واذ أدركت فجأه أنها عابسة ، وأنه فسر عبوسها هذا بكرهها لعودته الى حياتها . . وهذا آخر ما تريده ، قالت بابتسامة مرغمة :

(( يمكنك أن تبقى بقدر ما تشاء ، يا عزيزى )) .
وجاهدت فى نبذ رونان عن ذهنها ، لأنها لا تريده أن يفسد سعادتها بعودة ديفى .
- سأحضر معطفى ونذهب معا ، سأخرج اليوم باكرا وأدع الموظفين يغلقون المحل . . هيا بنا الى البيت !

ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 28-09-17, 05:48 PM   #5

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الرابع

4- أحميك من نفسى

.

- هيا بنا الى البيت .
أخذت ليلى تقتلع الأعشاب الطفيلية بعنف لا مبرر له وتلك الكلمة التى قالتها ل ( ديفى ) تتردد فى ذهنها بعد ذلك بيومين .
لم يكن هذا بيتها . . ومع أنه أصبح ملكها قانونيا بعد أن أرسل لها رونان الأوراق التى تثبت ذلك ، لا يمكنها أن تعتبره بيتها بأى شكل من الأشكال .
ولو كان لها الخيار ، لما رضيت بالبقاء هنا . . فالمكان حافل بالذكريات المرة . . وكل ركن فيه يذكرها بتلك الساعات القليلة التى أمضتها مع رونان . .
كانت عاجزة عن نسيان كل لحظة فى تلك الليلة التى أمضياها هناك ، فى غرفة الجلوس أو فى المطبخ الفسيح يتناولان الطعام . .
لكنها بعد زواجها تخلت عن شقتها الصغيرة فى المدينة ، ولم يعد لديها مكان آخر تذهب اليه . فاما أن تبقى فى هذا البيت ، أو تمكث مع هانا .
لم يكن لدى ديفى أدنى فكرة عن الموضوع . فقد اعتقد أن البيت ملك لها ، وقد أعجب جدا بحجمه وأناقته عندما أحضرته اليه للمرة الأولى .

وصرخ هاتفا :




(( ما هذا ، يا أختاه ؟ يا له من منزل . لم أظن قط أن بيع الزهور مربح الى هذا الحد )) .

فقالت بشئ من الحدة :

.







(( هذا ليس من بيع الزهور . صحيح أن الحانوت أفضل من تلك المنصة فى السوق ولكنه مستأجر ، لم أبدأ بكسب الأرباح الا بعد أن دفعت النفقات والأجور كافة . . ولو أننى لم أبرع فى ميدان تنسيق الأزهار لأفلست . . )) .





- هل تجنين ما يكفى لتسديد ديون رونان غيرين ؟




سألها هذا مترددا ، متوقعا منها أن تهز رأسها نفيا ، ولكنها أجابته مشجعة :




(( سنحاول ذلك ، أنا واثقة من أنه سيقبل أن ندفع له المبلغ على أقساط )) .




- أظن أن الآوان قد فات !




- لم يفت شئ بعد .

.






بقيت هذه الكلمات تتردد فى ذهنها وكأنها تعنفها ، فتمنت لو أنها لم تقلها . فكيف لها أن تخبر ديفى أن الوقت قد فات حقا ، وأن رونان بدأ بتنفيذ خطته الانتقامية . ما الذى سيشعر به ان علم بأن عدوه مصمم على أن يسترجع منه أكثر مما يدين له من مال ؟ .





- أظنك اقتلعت كل الأعشاب الطفيلية . . الا ان كنت ، تنوين متابعة الحفر حتى تصلى الى استراليا . . أو لعلك تتمنين أن تحفرى قبرى .





كان هذا آخر صوت ( تريد ) سماعه . أو على الأقل هذا ما حدثها به عقلها . ولكن كل هذه الأفكار المنطقية لم تمنع قلبها من أن يثب من موضعه ، وأن تتحول خفقات قلبها الى رعد وأن يدور رأسها مسببا لها الغثيان والسبب سماعها ذلك الصوت المألوف خلفها .





لا يا الهى ، لا تجعل هذا حقيقيا . . أرجوك يا الهى ليته مجرد وهم . . ليتها مجرد تصورات وليدة الخوف ، من أن يعود رونان ويجد أن ديفى عاد الى (( ادجيرتن ؟ )) .





لكنها كانت كالغريق الذى يتشبث بقشة ، وهو يعرف ذلك جيدا . كيف لها أن تخطئ ذلك الصوت العميق المثقل بالسخرية والهزل ؟





.






أخذت نفسا عميقا وعيناها مسمرتان على حوض الزهور أمامها ، وقد أدركت أن رونان محق اذ اقتلعت الأعشاب الطفيلية كلها ، وأوشكت أن تقتلع الأزهار نفسها ، أيضا . . فتركيز ذهنها على أمر تافه كهذا ألهاها عن التفكير بالألم الذى كان يترصدها ، لحظة تستدير فيها لتواجه الرجل الواقف خلفها .





- مرحبا يا رونان .




قالت ذلك بحذر وبصوت خال من المشاعر . كان الوحل يغطى يديها فأخذت تمسحهما ببنطلونها الجينز .




- لم أكن أتوقع رؤيتك مرة أخرى . ما الذى جاء بك الى (( يوركشاير ؟ )) .




- الأعمال ، وأمور أخرى .




بدا عليه الارتباك وكأنما ردة فعلها لمجيئه خذلته . . فارتسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة لهذه الفكرة . . ان كان يتوقع منها الصراخ والصياح ، أو الانفجار فى بكاء هستيرى لمرآه ، فسيصاب بخيبة أمل مرة . . لقد حاولت ذلك فى صبيحة زفافهما ولم تنجح .




- الأعمال ؟

.






- ثمة xxxxات معروضة للبيع فى (( ليدز )) ، فجئت لرؤيتها .




كان رونان يعلم فى قرارة نفسه أن هذا جزء من الحقيقة . اذ كان بامكانه ، أن يزور (( ليدز )) فى يوم واحد أو يرسل أحد موظفيه لينوب عنه .




انتظر عدة أسابيع حتى وجد عذرا كهذا ليأتى الى الشمال . فمنذ أن ترك مدينة (( اجبرتن )) ونفض غبار هذا البلد عن حذائه ، أدرك أن من الصعب عليه التخلى عن زوجته ليلى غيرين .




فمن ذلك الحين وهى تشغل باله . ولم يكن لذلك تفسير فوجهها يتراءى له كل صباح من خلف عينيه المغمضتين . وصورتها لا تفارق خياله ، ومهما حاول التفكير فى شئ آخر تبقى فى ذهنه .




والأسوأ من ذلك أنها أيضا آخر ما يأتى الى ذهنه قبل النوم ليليا اذ تنسل الى أفكاره وتوقظ فيه جوعا يطرد النوم من عينيه ويتململ ساعات فى فراشه . وعندما يستسلم الى نوم خفيف ، تراوده أحلام تجعله يستيقظ لاهثا شوقا اليها بينما قلبه يخفق بين ضلوعه وأعصابه تحترق . .




لم يستطع أن يبعدها عن ذهنه . . حتى أرغم نفسه فى نهاية المطاف على الاعتراف بحاجته لرؤيتها ولو لمرة واحده . ربما يتمكن عند ذلك من اقناع نفسه بأنها لا تختلف عن سواها ، وأن تلك الليلة المميزة التى أمضياها معا قد خلقت منها ، فى ذهنه ، أسطورة رائعة لا تمت للمرأة الحقيقية بصلة .




كم حاول أن يقاوم تلك الفكرة ، كارها أن يرى نفسه ، هو الرجل العقلانى ، قد أصبح أسير رغباته . لكنه ، أدرك أخيرا ، أن ليس أمامه سوى الاستسلام .




وعاد يقول لها :




_(( خطر لى أنها فرصة ملائمة لأزور فيها زوجتى العزيزة وأسألها عن أحوالها )) .

.






أرغمت ليلى نفسها على ألا تجفل ازاء تهكمه الأسود بقوله ( زوجتى العزيزة ) ، واستدارت ببطء لتواجهه ، وقد سمرت عينيها على بقعة ما خلف كتفه اليمنى متجاهلة النظر اليه . . فهى مازالت عاجزة عن مواجهة نظراته . .




قالت أخيرا بلهجة رسمية :



_ (( حسبتك ترفض أن ترانى مرة أخرى )) .






فأجابها بخشونة :




_(( كنت أفضل ألا أراك ثانية أبدا لولا أننى أريد الآن أمرا مختلفا تماما )) .




كان كلامه مبهما فلم تفهم ما يعنيه . فلو فسرته على طريقتها ، لما كان تناسب مع سلوك رونان ، ومع كل ما علمته من صفاته منذ اللحظة التى وضع فيها خاتم الزواج فى اصبعها .




- حسنا ، اننى بخير كما ترى . . ويمكنك الآن العودة الى سيارتك ومتابعة طريقك .

.






ما الذى ستشعر به ان فعل ذلك ؟ حاولت أن توهم نفسها بأن هذا ما تريده ، متمنية لو انه لم يأت قط ، اذ لوث وجوده جو بيتها . . ولكنها ، فى أعماقها ، كانت




تعلم أن هذا غير صحيح . .

وجدت نفسها ضحية معركة متوحشة لاخفاء مبلغ تأثيره عليها . .






وكيف لها ذلك وكيانها متعطش لرؤيته وسماع صوته ، حتى أنها كانت تتحرق شوقا اليه خلال تلك الأسابيع التى غاب فيها عنها ؟ فما ان وقعت عيناها عليه حتى أدركت كم كانت حياتها فارغة من دونه .





ليس عدلا أن يتمتع بهذه الجاذبية المهلكة ، فعيناه الزرقاوان الفضيتان الفولاذيتان ، وقامته الطويلة القوية ، وشعره الامع الرائع ، كل هذا أثار فيها مشاعر أشبه ببركان متفجر .




وكان يفيض بملابسه العادية التى كانت عبارة عن بذله كحلية فضفاضة ايطالية الطراز وقميص رياضى ، رجولة وجاذبية مدمرة . . فلم يكن أمام ليلى سوى الاعتراف بأن كراهيتها له لم تمنحها المناعة الكافية ضد تلك الجاذبية .




وبالرغم من أنه أمضى ساعات طويلة خلف عجلة القيادة بقيت ملابسه أنيقة ، وشعرت بنفسها رثة الملابس أمامه ، ببنطلونها الجينز الكالح اللون وقميصها الأزرق المقفل المنقوش بأزها باهتة اللون .

وازداد ذلك الشعور سوءا وقد وقف رونان عاقدا ذراعيه فوق صدره ، مخضعا اياها لفحص شامل من قمة رأسها الى حذائها الملطخ بالوحل .

ثم قال لها :
.







_(( لقد لطخت خدك بالوحل )) .





كانت السخرية فى صوت رونان أكثر مما يمكنها احتماله وازداد الغليان فى أفكارها وهو يتقدم خطوة نحوها مادا يده اليها.




- لا !




وأجفلت مرتدة بحدة الى الخلف بحركة غريزية ، وقد مدت يديها الى الأمام بشكل دفاعى . . فان تركته يلمسها ، فستتناثر حطاما أشبه بشظايا كأس بلورية .




- أردت فقط أن أقدم لك هذه .




قال هذه الكلمات الباردة المقتضبة محاولا أن يخمد بها نيران غضبه ، بينما أصبح المنديل الأبيض الذى كان يحمله فى يده ، على وجهها فعلا .




- لا حاجة لأن تجفلي وكأن حية سامة تريد أن تلدغك . . ما كنت لأؤذيك أبدا .




ربما ليس جسديا . . اذ رغم قوته البالغة وقامته الفارغة ، لم تشعر قط بخوف فى حضوره ، كما لم تتصوره يوما قادرا على ايذاء شخص أضعف منه . . وحده التأثير العاطفى الذى يتركه عليها يخيفها .




- حسنا ، ألن تقدمى شرابا لزوجك ؟




أرادت أن تقول له :




(( مستحيل ! )) .

.







أرادت أن تخرجه من هنا نهائيا قبل أن يعود ديفى ، ولكنها لم تشأ أن يستنتج رونان أن ثمة ما تريد أن تخفيه عنه ان أبدت اللهفة للخلاص منه .




كان ديفى قد قصد المدينة عصر هذا اليوم فى سيارتها بعد أن أخبرها بألا تتوقع عودته قبل وقت الشاى ، وحسب خبرتها به ، لن يعود قبل السابعة .




- أرغب بفنجان قهوة ، فقد أمضيت ساعات طويلة على الطريق .




- فنجان قهوة . .




تمتمت هذه الكلمات وهى تتبعه صاعدة الدرجات متوجهة الى المطبخ .




لم تهتم بما اذا كانت تبدو قاسية القلب ، فهذا ما تشعر به فى الواقع ، عليها أن تقاوم اصرار ذهنها على أن تتناسب خطواتها مع خطواته أثناء السير . فقد كان من المستحيل ألا تتذكر ، بألم ، آخر مرة سارا فيها جنبا الى جنب فى ممر الكنيسة بعد انتهاء عقد مهزلة زواجهما الأسود .




- أعترف بأننى لم أتخيلك تحسنين العمل فى البستان .




أذهلتها لهجتة المسترخية للغاية . . كيف يمكنه أن يتصرف على هذا النحو ؟ كيف يمكنه أن يثرثر معها وكأنهما مجرد صديقين ؟ أو شخصين لم يتقابلا أكثر من مرة واحدة من قبل ؟



ألا يشعر مثلها بغصة فى قلبه لمجرد رؤيتها ؟ ألا يعى ذلك الصراع الذى يمزقها بين الكراهية المحرقة له التى تجعلها تتمناه بعيدا عنها مليون ميلا ، وبين الحنين والشوق اللذين يجعلانها تريده هنا بجانبها الى الأبد ؟

- لا أتصورك تلوثين تلك الأصابع الطويلة الرقيقة فى الوحل .



حثها كلامه على النظر الى يديها ، فلمح خاتم الزواج الذهبى تحت أشعة الشمس مثيرا فى نفسها شعورا كريها وكأن سكينا أغمدت فى قلبها .




- كما أننى لم ارك قط . .




فقاطعته بحدة :

.






_(( انك لم ترانى على الاطلاق والا لما . . )) .






وتوقفت عن الكلام ، وهى تصر على أسنانها حتى لا تنفجر فى وجهه . .





فمهما كانت رغبتها قوية فى أن تصيح وتقذف آلامها ولومها فى وجه ذلك المتعجرف الأسود الشعر ذى الوجه البارد الجامد فلن تفعل ذلك . لأنها لم تشأ أن يستمتع بالشماتة بها لما أحدثه انتقامه الوحشى ذاك .





لكن رونان لم يكن مستعدا ليتجاوز ما كانت ستقوله ، فسألها بسرعة :





- أتعنين أننى لما كنت تزوجتك ؟





فأجابت بسرعة :





(( عنيت أنك ما كنت لتدهش عند رؤيتى أعمل فى الحديقة . . لو عرفتنى بشكل كاف لعلمت أن أبى كان يملك بستانا صغيرا ، وقد ورثت عنه الاهتمام بالعمل فى البستان )) .





.






بذلت جهدا لتغير مجرى الحديث حتى تتجنب تكرار الحديث عما حدث بينهما ، فقد أرادت أن تسايره فى ثرثرته العفوية ، من دون الافصاح عن شعورها الحقيقى .





- اننى أعشق تنمية الأزهار والشجيرات ، وتمهيد التربة والزراعة والسقى والتشذيب ان اقتضى الأمر . وأظن أن المتعة التى يمنحها هذا العمل أشبه بالمتعة التى تشعر بها الأم عند رعاية الطفل .




- وهل سترعين الطفل بهذه الطريقة ؟ عندما تصبحين أما ، هل . . . ؟




- آه ، لا . . لا يمكنك أبدا أن تتمكن من السيطرة على الطفل بالطريقة نفسها .




كشف ردها العنيف هذا عن مبلغ الضيق التى تشعر به .





- كل ما يمكنك أن تفعله هو أن ترعاه وتمنحه حبك ، ثم تدعه يذهب . . عليك أن تعلمه الفرق بين الخير والشر ، وأن تطلق فى النهاية سراحه ليشق طريقة فى الحياة . .

.







وعندما وصلا الى المطبخ سألها :




_ (( وهل ستتمكنين من القيام بذلك ؟




ماذا لو أحسست بأنه لم يتعلم الفرق بين الخير والشر ، كما كنت ترجين ؟ )) .




وبدت نبرة غريبة فى صوته وهو يتابع :




_ (( ان كان الأب ، مثلا . . . )) .





واستدارت ليلى بينما كانت تملأ ابريق الشاى ماء وهى تقول :




_(( ما هذا يا رونان ؟ أتحاول أن تعرف ما اذا تركتنى حاملا عندما هجرتنى ؟ حسنا ، لا داعى للقلق ، فلم تثمر تلك الليلة عن أي نتائج غير مرغوب فيها ، وان لم تخنى ذاكرتى فقد حرصت على ألا يحصل ذلك ، وقد أعربت عن رغبتك بعبارات مختلفة كليا )) .

.







- أردت أن أحميك وأحمى نفسى .



قال ذلك بحدة أثارت فى قلب ليلى شعورا بالانتصار لأنها رأت تلك الملامح الهادئة الواثقه قد تبدلت . . ولعل التفكير فى أن كلماتها أصابته فى الصميم ، هون بعض الشئ من آلام ذكرياتها . وسألته :

_ (( وما الذى كنت تحمينى منه بالضبط ؟ )) .




ولكنها ندمت على طرحها هذا السؤال . . لم تكن تريد أن تعرف الجواب ، أو أن تسمع منه أنه لم يكن يرغب فيها على الاطلاق .




وتابعت تقول :




(( أذكر أننى قلت لك انه لا داعى للوقاية ؟ فقد حسبت أننى تزوجت الرجل الذى أحببته وأحبنى )) .




.





فسألها بحدة :




(( وماذا لو تركتك حاملا وأصبحت أنا أبا لطفل لا نريده ، نحن الاثنين ؟ )) .





هذا غير صحيح !

صرخ صوت ضئيل فى أعماق ليلى . . فبالرغم من كل شئ كانت تريد انجاب طفل منه .

لكن الاعتراف بذلك له سيكون قمة الحماقة ، اذ سيدرك مدى عمق مشاعرها نحوه ، و مبلغ الدمار الذى ألحقه بها عندما هجرها .
ولكنها عادت ، لتتساءل عما اذا كان هذا صحيحا . فقد دمرت قسوة رونان البالغة مشاعرها نحوه ، وحولت حبها له الى حطام وسببت لها جروحا لن تلتئم طوال حياتها .
- لماذا لم تستمر بالأمر اذن الى النهاية ؟ هل فقدت السيطرة على أعصابك ؟
فقطب رونان بارتباك :
.






_ (( فقدت السيطرة على أعصابى ؟ )) .





- لو تركتنى حاملا لاكتمل انتقامك من ديفى ، أليس كذلك ؟ فتتركنى حينها مرتبطة بمن يذكرني بك بقية حياتي . . لماذا لم تفعل هذا ؟ هل أردت أن تثبت لى أن فى قلبك رحمة ؟ هل تدعى بأن لجنون الانتقام حدودا ؟

- صدقى أو لا تصدقى ، فهذه هى الحقيقة .

بدا لها وكأن الكلمات تخرج من بين شفتيه مجرورة بكماشة حارة متجمرة ، بينما عيناه الفولاذيتان كانتا تنضحان بمشاعر لم تستطع تفسيرها ، لكن تعابير وجهه دفعتها الى القول بطيش :






_ (( على كل حال ، ان لم ترغب المرأة بأن تتم شهور الحمل يمكنها أن تجهض ، وكان بامكانى أن أتخلص بسهولة من . . هديتك الصغيرة التى قد تركتها لى )) .




دفعت هذه الكلمات رونان الى التأمل مليا ، فان لم يكن حذرا ، فسيجد نفسه يعطف عليها وينقاد الى طريق خطرة . ولكن ، ما ان بدأ يتساءل عما اذا كان قد أخطأ بحقها حتى نطقت بهذه الكلمات كبرهان على أنها أخت ديفى تماما .

.







وسألها من دون أن يزعج نفسه باخفاء الاشمئزاز من صوته :




_ (( هل كنت ستفعلين ذلك ؟ هل كنت . . . )) .




طبعا ما كانت لتفكر قط فى الاجهاض ، لكنه ظن أنها قد تفعل . . وكان فى الصدمة التى بدت على وجه ما جعلها تشعر بالارتياح .




- لحسن حظك أن هذا السؤال لم يعد ضروريا . وأظن أن الفضل يعود لك . .

- لست . .

كان على وشك اضافة شئ آخر ، لكن ليلى لم تترك له فرصة لذلك ، اذ ملأت فنجانا من القهوة ووضعته أمامه بعنف على المائدة قائلة :






(( القهوة التى طلبتها يا سيدى ! وسأكون شاكرة . . . )) .

.






وتعمدت أن تجعل لهجتها لاذعة وهى تكمل :




_ (( . . ان شربت قهوتك بسرعة وذهبت فى الحال )) .




تجاهل فنجان القهوة ، وأمسك بيدها يرفعها :




-(( أما زلت تلبسين خاتم زواجك ؟ )) .




- ولم لا ؟

وانتزعت يدها منه وكأن نارا لسعتها ، وأضافت :






_(( ما زلت زوجتك فى نظر القانون على الأقل ! )) .




فقال يذكرها بصراحة قاسية :

.







_ (( القانون فقط . ولكن من السهل التخلص من ذلك كما هى الحال بالنسبة الى طفل غير مرغوب فيه )) .





وتلقى شهقة الصدمة التى صدرت عنها بابتسامة صغيرة متجهمة ورفع فنجان القهوة ، وعيناها تراقبانها بامعان من فوق حافة الفنجان .




- هل من أخبار عن ديفى ؟




أفقدها تغيير الموضوع اتزانها وساورها الشك فى تعمده نطق كلماته بهذا الشكل . وقالت متوترة :




_ (( د . . ديفى ؟ لا ، لا شئ . انه . . )) .




ولكن للحظة قصيرة ، اتجهت عيناها نحو الباب من دون أن تتمكن من السيطرة عليهما ، ففضحت سرها . عندها ، وضع رونان فنجان القهوة على المائدة بعنف ، فاندلق السائل البنى الساخن فى كل اتجاه .

- انه هنا ، أليس كذلك ؟

والتهبت عيناها الذهبيتان المصعوقتان وهو يضيف :






_(( أخوك المجرم هنا ، أين يختبئ ؟ فى الطابق العلو ؟ )) .

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــ


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 28-09-17, 05:50 PM   #6

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الخامس


5 – جاذبية لا تقاوم

- كلا . . !
صرخت فى وجهه يائسة ، ولكن بعد فوات الأوان ، لأن رونان تركها وسار نحو الردهة ، ليصعد السلالم بلمح البرق ، ويصل الى الفسحة قبل أن تلحق به ليلى . ثم وقف يفكر أى بابا يفتح :
- كورنيل . .
وبوحى من غريزته ، توجه مباشرة الى غرفة ديفى ، ورفس الباب برجله على طريقة الأفلام البوليسية .
- كورنيل ! فى أى جهنم . . !
شعرت ليلى بالغثيان أمام الغضب الأسود فى ثورته الهوجاء . وكادت ساقاها تتهاويان تحتها ، ولكنها تمالكت نفسها وهى تقف بجانب رونان قائلة :

_(( كان هنا )) .

.



ما الفائدة من الانكار ؟ فالأدلة دامغة ، ولا مجال لانكارها . . أغطية السرير المعبرة ، وسراويل الجينز والقمصان الملقاة على الكرسى أو المتناثرة على الأرض بغير اكتراث . أما البرهان القاطع ، فكانت فيثارة ديفى الحبيبة التى لا يفارقها أبدا .

- أين هو ؟

بعث صوته الخافت المتوحش رعشة خوف فى جسمها ، وخيل اليها أن لهب الغضب فى عينيه قد حولها الى رماد .

أمسك بمعصميها بقبضة قاسية جعلتها تجفل مضطربة :

_ (( أين هو ؟ )) .

- لا . . لا أدرى . .

- لا تكذبى على ، أعلم أنه كان هنا ، وهو فى مكان قريب . فلو لم يكن ينوى العودة لما ترك فيثارته ، فاما ان أن تخبرينى واما . . .

- لا !

.

أطلقت شهقة تمرد مرتجفة . . فقد رأت الكراهية ، وشهوة الانتقام تحترق فى عينيه فتملكها الرعب من أن يصب غضبه على أخيها . وشعرت وكأنها مخلوقة يائسة تلقى بجسمها الضعيف بين براثن سفاك متوحش لتبعده عن أخيها الأعزل .

- أنا لن . .

وقبل أن تنهى كلامها سمعت ذلك الصوت الذى كانت تخشاه أكثر من أى شئ آخر . . وارتد رأس رونان الى الخلف بعنف وهو يصغى مثلها الى صوت سيارتها تتوقف خارج المنزل .

تسمرت ليلى مكانها من دون حراك ، بينما توترت قامة رونان الفارعة بجانبها وهو يتأمل ديفى من النافذة يصفق باب السيارة ثم يتوجه نحو البيت وهو يصفر دونما اكتراث .

- أواه ، يا ديفى !

وأغمضت ليلى عينيها بيأس وهى ترى أخاها يسير نحو المصيدة مبتهجا ، غير واع الى وجود السفاك المتعطش الى سفك دمه . . ليت بامكانها أن تفعل شيئا لتحذره !

- ليلى ؟

دخل ديفى الى الردهة وتناهى صوته يصل الى آذانهما .

- أين أنت ؟
.

نظرت ليلى الى عينى رونان بخوف وهى ترى فيهما وميض الانتصار وقد رأى فريسته على مقربة منه . . فهمس لها بحقد :

-(( ناديه ، دعيه يصعد الى هنا )) .

تمنت ليلى لو تهز رأسها ، رافضة الاذعان له . ولكنها وجدت نفسها عاجزة عن الحراك ، وعيناها تحدقان فى عينيه الشرستين ، كما يحدق حيوان صغير مذعور فى وهج أضواء سيارة قادمة نحوه ، وتكاد تدهسه .

- ناديه !

وزال فجأة الشلل الذى كان يلجم لسانها ، فرفعت رأسها وهى تغص بريقها . . كانت مجازفة منها ، ولكن ما باليد حيلة .

- ديفى !

صاحت تناديه بنبرة أشبه بصرخة تحذير حادة ممزوجة بالرعب ،
_ ديـــــ . . .

وماتت الكلمة على شفتيها عندما ضغطت يد رونان على فمها لتسكتها بقسوة ، بينما جذبها بيده الأخرى بعنف وأدارها لتواجه الباب وهو يشدها الى صدره بقوة جعلتها تشعر بدقات قلبه تحت وجنتها . .
.

كانت دقات بطيئة منتظمة . . فرغم ما تملكه من سرور متوحش لوجود فريسته بالقرب ، بدا هادئا مسيطرا على أعصابه تماما . . لكن قلب ليلى كان يخفق بشدة بين ضلوعها رعبا وخوفا .

- ليلى ؟

كان ديفى قد صعد الدرج ووصل الى الفسحة أمام باب غرفة النوم مباشرة . . ولكن ليلى لم تشأ ان تدعه يدخل كالحمل البريئ ، الغافل عن الذئب المتربص له .

فاستجمعت ما تبقى لديها من قوة ورفست ساق رونان بقوة ، ورمته شامتة متجهمة وهى تسمع أنين ألم عند اصطدام أصابع قدمها بكاحله :

(( تبا لك ! )) .

وماتت الكلمات على شفتيه عندما انفتح الباب فجأة ، ودخل أخوها الغرفة ليقف مسمرا مكانه وهو يرى آسرها .

- غيرين !

صرخ ديفى بصوت خشن أبح ، وقد اتسعت عيناه ذعرا .

- حسنا ، حسنا . . هو ذا السيد كورنويل المراوغ .
.

شعرت ليلى برعشة وهى تسمع كلمات رونان الساخرة ، والتزمت الصمت عاجزة عن الكلام . حاولت أن تظهر كربها فى عينيها ، متشوقة للوقوف بجانب أخيها ، ولكن ذراع رونان الملتفة حول خصرها أبقتها أسيرته .

قطع رونان الصمت الذى ساد الغرفة قائلا :

_(( اننى أبحث عنك منذ وقت طويل ، وكان لابد أن اصل اليك فى النهاية )) .

- أنا . .

فى وقت من الأوقات راود الشك ليلى فى مبالغة أخيها فى خوفه منه رونان وتهديده له ، الا أنها اعترفت الآن مرغمة بأن المسألة أبعد ما يكون من ذلك بمليون مرة .
كانت ملامح ديفى تنطق برعب لا مثيل له . فقد ازداد وجهه الشاحب شحوبا ليتحول أبيض بلون جلده . أما عيناه الواسعتان فبدتا قاتمتين من تأثير الصدمة .
انقبض قلبها عطفا عليه ، اذ بدا لها ضعيفا وعاجزا الى حد يدعو الى الرثاء . . وخيل اليها أن الزمن عاد نحو الوراء فجأه ليبعث مرة أخرى بتلك الأوقات المخيفة التى أعقبت موت والديهما . فقد كانت ردة فعل أخيها حينذاك مماثلة لردة فعله الحالية ، اذ كان يثير قلقها بعدم اكتراثه بشئ ، ورفضه الطعام واصابته بالأرق .
منذ عودته الى (( ادجيرتن )) وهو لا يأكل جيدا . والنوم يجافيه معظم الليالى . فقد كانت تسمعه يتقلب فى سريره أو يذرع غرفته بتوتر .

وعندما كان يسترسل أخيرا للنوم ، كانت تراوده الكوابيس المخيفة فيستيقظ صارخا طالبا النجدة ، وكأنما كل زبانية جهنم تلاحقه وليس فقط هذا الوحش الشرير القاسى القلب الذى يواجهه الآن .
كانت ليلى تعرف جيدا التصورات التى تصحب تلك الليالى المزعجة ، فهى تشبة تلك التى كانت تصحب لياليها هى أحيانا : طيف ألسنة النيران المتوحشة المندفعة من بيتهما ، ورائحة الدخان الأسود الخانق ، واللون القرمزى الذى أضاء سماء تلك الليلة .
.



واذ كانت تعلم ما يعانيه ، لم تستطع أن تسأله المزيد عن علاقته برونان فتركته لحاله وهى ترجو أن يستعيد هدوءه وراحة باله فيزول توتر أعصابه ويتعافى جسديا .
وفى هذه المواجهة بالذات ، كان ديفى هو الطرف الأضعف ، اذ من المستحيل مقارنة نحوله البالغ وشكله الهش الضعيف بذلك الجسم القوى الصلب الذى يشدها اليه بعنف .

- ديفى . .

هتفت صارخة وقد تمكنت من أن تتخلص من قبضة رونان لتندفع نحو أخيها تأخذه بين ذراعيها ، محاولة أن تخفف عنه وتطمئنه . لكن ردة فعل ديفى حيال تصرفها كان عكس ما توقعت .

فقد رفع رأسه كغزال جفلى ، وقبل أن تصل اليه استدار وخرج من الباب متجها الى السلالم ، وسمعت وقع قدميه المذعورتين تهبط مسرعة الى الطابق الأسفل حتى قبل أن تفهم تماما ما حدث .

- اللعنة .
.

خرقت شتيمة رونان الاضطراب الذى تملكها ، وبعثت الحياة من جديد فى قدميها اللتين شلتا بتأثير الصدمة . فلحقا معا بديفى الى الطابق السفلى ، وعندما وصلا الى الردهة سبقها رونان بخطواته الواسعة الى الخارج . ولكن الأوان كان قد فات اذ تملص ديفى من قبضة رونان ، وقفز الى سيارة ليلى ثم انطلق بها فى الطريق بسرعة انتحارية .

- اللعنة .

واذ توقف رونان بشكل مفاجئ ، اصطدمت ليلى التى كانت خلفه مباشرة بظهره العريض الصلب مما أفقدها اتزانها كليا . وكادت تسقط أرضا ولكنه استدرك الأمر فى آخر لحظة فأمسك بها يحميها من السقوط .

جعلها التوتر والذهول لا تحتمل امساكه لها ، خاصة أنها لم تنس بعد أسره لها منذ لحظات قليلة .

- دعنى يقشعر بدنى للمستك .

وضربت يده تبعدها عنها ثائرة وقد بلغ غليان مشاعرها حده ، فرماها بابتسامة ساخرة وهو يقول هازئا :

_ (( كم تغيرت الأمور منذ أن كنت لا تشبعين من لمساتى . . عندما كنت . . )) .

فهبت فى وجهه تقول :

_ (( حسنا ، لا تتفاجأ ان قلت لك اننى لم أعد أشعر بشئ نحوك ، هذا ما كنت تسعى اليه ، وقد حققت مبتغاك )) .

.

بدا رونان متعطشا الى افتعال شجار بعد الاحباط الذى أصابه بسبب افلات فريسته منه . فأراد أن يصب جام غضبه على أى كان . . وصودف أن كانت ليلى بالقرب منه ، فسألها ساخرا :

_(( أصحيح هذا ؟ )) .

لسعتها نبرة الشك فى صحة أقوالها ، فرحبت بموجة الغضب التى تملكتها لتطرد الذعر الذى أصابها منذ لحظة .

- هذا الأمر لا يقبل الجدل .

ونظرت اليه بحذر وهو يميل برأسه الى جانب ويتأملها بنظرات وقحة تنطق بالرغبة وهذا ما جعل الدماء تتصاعد الى وجنتيها .

- وهل تريدين أن تثبتى ذلك ؟

- لا سبيل لذلك !

لكنه لم يبال باحتجاجها بل قبض عليها وجرها نحوه بقوة لم تستطع مقاومتها أن تفعل شيئا ازاءها . لقد احتضنها بعنف يشدها الى جسمه الدافئ ، ولكن ذلك الآن كان مختلفا كثيرا .
وقبل أن تجد وقتا للتفكير ، او حتى للشك فى نواياه ، راحت شفتا رونان الدافئتان تجولان على وجهها برقة فائقة لتجد نفسها أسيرة الاغراء رغما عنها .

لقد أحسن رونان تقدير نقطة ضعفها التى تزول عندها دفاعاتها ، وما هى الا لحظة حتى كان يعانقها . وبعد أن كانت مسيطرة على نفسها أصبحت تشعر فجأه وكأنها تسبح فى فضاء مشرق متألم . فقد دفعها تأجج مشاعرها بعيدا عن كل حدود تعرفها ، ووضعها فى عالم غريب لا يمت الى الواقع بصلة .
كان رونان يماثلها شوقا ، وهذه المرة أخذ قلبه يخفق عاليا بين ضلوعه وتسارعت أنفاسه وتوهجت وجنتاه .
.

وارتجفت وهى تفكر فى الفرق بين رونان هذا ، وذلك الذى رأته قبل دقائق . . ذاك الشخص العديم الرحمة المصمم على الانتقام تحول الآن الى انسان تحرقه المشاعر الحارة .
ولكن هل هذا صحيح ؟
كانت صدمتها المفاجئة أشبه برشاش ماء بارد على وجهها ، لقد استعملها لمتعته الشخصية من دون اعتبار لمشاعرها ، ومن ثم نبذها دونما اكتراث ورحل . . فمن يقدم على تصرف مماثل ، لا يملك ضميرا ، وقد يعاود الكرة اذا دعت الحاجة ، فكم هى حمقاء لاذعانها مجددا لنزواته .
- ما الذى تبرهنينه الآن ، يا حبيبتى ؟

تمتم رونان ذلك فى أذنها ، وانفاسه الدافئة تلفح وجنتها .

- تريدين أن تبدي مبلغ كرهك لي . . أليس كذلك ؟ أخبريني ، هل يقشعر بدنك الآن يا حبيبتي ؟ أحقا تكرهين لمساتى ؟

- نعم ، أكرهها .
.



أطلقت صرخة يأس معذبة شقت جو هذا المساء المبكر بقوة جمدت الطيور على الأشجار وأسكتتها عن الزقزقة .

- آه ، يا الهي ، كم أكرهها ! وكم أمقتك .

ارتجف صوتها وهى تتلفظ بهذه الكلمات اذ أدركت مدى براعة رونان ودهائه فى التخطيط لايذائها . ولا شك أن انتظاره لما بعد الزواج للحصول عليها ما هو سوى مؤامرة خطط لها لايهامها باحترامه لمبادئها ، فلو أنه حاول استعجالها أو الضغط عليها لخافت منها وترددت فى الزواج به . ولكنه ، بدلا من ذلك ، كان حذقا بشكل بالغ الخبث .
لم يتوان قط عن استعمال خداع الذئب المحتال فى اصطياد فريسته ، اذ حام حولها وراقبها بهدوء ، يتحين الفرص ، عالما أن كل ما عليه فعله هو الوقوف مكانه وهى تقوم بما تبقى من دون عناء .

لقد أبدى لها عن مدى رغبته بها ، وتعطشه اليها . لكنه حاول أن يكبح مشاعره ويدوس عليها من دون رحمة الى أن تصبح جاهزة لمبادلته تلك المشاعر .
ولما كانت تشعر نحوه بنفس العاطفة التى حسته يكنها لها ، ولما كانت رغبتها فيه توازى رغبته الزائفة فيها ، أحست بذلك الحب البالغ اليه الذى جرفهما معا ورغبتها تلك هى التى جعلتها توافق على الزواج فى أقرب وقت ممكن ، وحبها له هو الذى جعلها تندفع اليه ليلة الزفاف حيث أصبحت ضحية الهجران الوحشى الذى أزال الغشاوة عن عينيها فى الصباح التالى .
لقد هجرها بعد أن استولى على روحها وجسدها . . ففى تلك الليلة حولها الى جاريته العاشقة وأصبحت عاجزة عن تحطيم تلك السلسلة التى قيد بها قلبها الضعيف الهش .
.

- قلت لى مرة انك تحبيننى .

تمتم رونان بذلك بصوت رقيق كريه هامسا به لأعصابها الحساسة فشعرت لذلك بصرير أشبه بلحن فيثارة ناشز .

لابد أن هذا أشبه بصوت الحية التى أغوت حواء فى جنة جدن . ورغم كرهها لرونان كان كفاحها للتحرر من سحره صعبا للغاية ، وردت عليه بعنف وعيناها الذهبيتان تتوهجان تمردا :

_(( هذا صحيح ، لكنك دمرت كل ذلك حين هجرتنى ، قتلت حبى لك ولم تترك مكانه سوى الفراغ )) .

- والآن ؟

ألقى هذا السؤال بنبرة غريبة مبحوحة وكأنه لم يستعمل صوته لفترة .

- والآن ؟

وابتسمت وهى ترى نظرة النصر فى عينيه اللتين كانتا تراقبانها :

_(( الآن قد منحتنى شيئا أملأ به ذلك الفراغ الذى خلفته ، لم يبق هناك فراغ الآن . . ذلك أن عقلي وقلبي قد امتلآ كراهية لك ، كراهية ساحقة لا تتغير ولا تلين )) .

.

- الكراهية ؟

لفظ هذه الكلمة وهو يطلق ضحكة مرتجفة .

- وهل ما حدث بيننا للتو نوع من الكراهية ؟

شعرت بالسخط لتشككه هذا ، فدفعت بشعرها الى الخلف رافعة رأسها ، ان كان قد شحذ السكين قبل أن يناولها اياها ، فستسعمله ضده بكل سرور .

قال ببطء ، وهى تتأمله بعينيها الملتهبتين بسخرية ، متعمدة أن تقلد نظرته الشهوانية التى كان يتأملها بها منذ فترة قصيرة :

- انك مثير للغاية ، يا رونان . ولابد أنك تعلم ذلك تماما كما تعلم أن الشرر ينطلق بيننا كلما تلامسنا .

سكتت تلتقط أنفاسنا ، ثم أخذت تنظر اليه باغراء وهى ترى عينيه تلتهبان تجاوبا . فتعمدت أن تستفزه ومررت لسانها الوردى على شفتها السفلى الممتلئة قبل أن تتابع قائلة :

_(( حتى الأحمق يلاحظ انجذاب واحدنا للآخر ، وأكون كاذبة ان حاولت انكار ذلك . صحيح أن عقلى وقلبى ينفران منك ، ولكن وجودك وحده كفيل بأن يضرم النار فى جسدى )) .
.

ازدادت ابتسامتها صلابة عندما ظهر بريق غريب فى عينيه الداكنتى الزرقة ، وتابعت :

_ (( ما منحتنى اياه فى ليلتنا الوحيدة تلك كان محيرا ، مثيرا . . متفجرا بالمشاعر . . انها خبرة اكتسبتها ولا مانع عندى من تكرارها مرة بعد مرة . ولكن من دون عاطفة ، أو مشاعر على الاطلاق )) .

ساد صمت بينهما لم يكن يقطعه سوى حفيف أوراق الشجر ، وحركة السير البعيدة وطنين النحل .

أخذ رونان يحدق متوترا ، وقد ضاقت عيناه الفولاذيتان بتأمل ، ثم أومأ برأسه ببطء موافقا وهو يلوى فمه الصلب بشبه ابتسامة ساخرة :

_(( لا يأس ، ان كانت تلك كراهية ، فهى تناسبنى تماما )) .

وعندما عاد يجذبها اليه بسهوله وكسل ، بدا وكأن الزمن قد توقف عن السير ، وكل ما استطاعته ليلى هو أن تنظر مصعوقة مخلوبة اللب الى وجهه الوسيم وهو ينحنى .

..........................................

.

لم يكن هذا مبتغاها على الاطلاق .

تملك ليلى الذعر وهى تدرك مذهولة أن خطتها فشلت .

كانت واثقة تماما من أنها ان بادلته مشاعره بمشاعر أقوى ، فقد يشمئز من وقاحتها وينفر منها ، أو يدرك أنه لم يعد له سلطلة عليها فيتركها لحالها .

لكنه ، بدلا من ذلك ، اعتبر كلامها تحديا ، أو ترخيصا له بأن يجعل علاقته بها جسدية ومبنية على الغريزة ، فيعفى بالتالى من القيود التى تكبله كالمشاعر أو الاهتمام بأحاسيس الآخر .
ولابد أنه ظن أن السعد قد واتاه وهو يراها تقدم له مبتغاه على طبق من فضة . فرجل مثله ، يحلم حتما بامرأة تشاركه نظرته اللاأخلاقية الى التقارب الحميم وتسمح له به متى أراد .

رجل مثير . . ينبض رجولة . .

أخذت كلماتها الحمقاء هذه تتردد فى ذهنها مرة بعد مرة ، فتشغل بالها وتجعلها تتأوه بصوت مرتفع لغبائها هذا ، ولما قال لها رونان ببطء :
_(( هذا ما أشعر به أيضا )) .
صدمت اذ أدركت أنه فسر تجاوبها معه بأنها لا تستطيع مقاومة تأثيره فيها .
- رونان . .
مررت لسانها على شفتيها اللتين جففهما الارتباك ، وقد أخذ رأسها يدور من القنوط والانفعال ، ودفعها الاضطراب الى فتح الموضوع الوحيد الذى خطر ببالها ، راجية أن يصرف ذهنه عنها :
.


_(( ولكن ماذا عن ديفى ؟ )) .
ونجحت فى ذلك ، فلو أنها قذفت فى وجهه دلوا من الماء البارد لما كان تأثيره أسوأ ، فقد رفع وجهه بكبرياء وضاقت عيناه بحدة .
جل ما كانت ترجوه هو أن تيسر لأخيها الهرب ، فلا بد أنه ابتعد عن المدينة أميالا عديدة .
- ديفى .
لفظ رونان اسم أخيها بغضب وقد أخذ يعنف نفسه بمرارة . ما الذى جرى له بحق جهنم ؟ انه يريد كورنيل ليجعله يدفع ثمن ما فعل ، فكيف سمح لنفسه بأن يقع فى الفخ الذى حاكته له ليلى بهذه السهولة ؟ ولكن هل سيدعها تحوله عن غرضه الذى كان يسعى اليه منذ ستة أشهر ؟
عليه ألا ينسى أبدا روزالى ومأساة شبابها . . يا الهى ! كم يؤلمه أن يتذكر ما حدث . . انه لا يكاد يصدق ذلك حتى الآن ولكن هذا هو السبب الأول لوجوده هنا لا بل السبب الوحيد الذى جعله يتورط مع أسرة كورنويل منذ البداية .
ولكنه لم يحسب قط أن تتعقد الأمور الى هذا الحد . . لم يخطر بباله أنه قد ينجذب الى أخت ديفى ، ناهيك أن تصبح هاجسا يقلق راحته . . فلو أنه علم أنها ستشغل أفكاره ، وتجعله عبدا لرغباته ، لابتعد عنها منذ البداية .
- فى الحقيقة نسيت مسألة ذلك السافل أخيك .
وعلى الرغم من أنها حققت مرادها الا انها شعرت بنوع من خيبة الأمل والاهانه وهو يرميها جانبا بعدم اكتراث ، وخشونة ليخرج من جيبه تليفونه الخليوى ويطلب رقما .
- جيرى ، لقد وجدت كورنويل لكنه أفلت منى . . انه . .
- وما الذى تفعله ؟
.


ومدت ليلى يدها الى التليفون بذعر محاولة أن تنتزعه منه . . لكن رونان رفع يده بالتليفون عاليا كى لا تصل اليه ، تاركا اياها تقفز نحوه .
قال لها بوقاحة :
_(( سأعهد الى شخص آخر مهمة ملاحقة أخيك ، أكاد أجن لأننى تركته يفلت منى بهذا الشكل . لكننى كنت مشغول البال . . )) .
وبغمزة من عينه فهمت أن ما شغل باله راق له كثيرا .
- وأنا ممتن لك لأنك ذكرتينى بأولوياتى .
شعرت وكأنها تلقت صفعة على وجهها تركتها تشهق مصعوقة .
- لكن ديفى . . لا يمكنك أن تطلق سفاحيك فى أثره . . انه .
- سفاحى ؟
أدركت وهى ترى رونان متفاجئا ، انها استعجلت بالاستنتاج عندما تخيلت ديفى مطاردا وأسيرا يتعرض للأذى .
-جيرى ليس سفاحا ، صدقينى ! انه يساعدنى فى البحث عن أخيك . عليك أن تختارى اما أن أتصل به أو بالشرطة .
تركها أمام خيارين كلاهما مر ، فلم تستطع ليلى الا أن تهز رأسها بوهن حزين ، حائرة فى أمرها . فان استدعى الشرطة فسيتخذ الموضوع منحنى رسميا . وحتى وان لم يتعرض ديفى للأذى ، فلابد أنهم سيوجهون اليه الاتهام .
أيعقل أن يتهم بالغاء العقد فحسب ؟ أم انهم سيوجهون اليه تهمة سرقة الأموال ؟ وهل سيسجن أم سيغرم فقط ؟ ولكنه لن يتمكن من الدفع ، والله وحده يعلم الاتهامات الأخرى التى قد يقليها رونان عليه .
.


- آه . . كلا .
- هل ترفضين الاتصال بالشرطة أم بصديقى جيرى ؟
سألها ذلك وقد جعلتها نبرة الاهتمام الزائفة فى صوته تصر أسنانها .
- لا يمكن أن تستدعي الشرطة !
لم تبذل جهدا لاخفاء الخوف الذى ظهر فى صوتها . فقد عانى ديفى من الكوابيس هنا ، فى هذا المنزل المريح ، فماذا ستكون عليه حاله ان أمضى ليلة أو ليلتين فى السجن . وارتجف جسدها رعبا لمجرد التفكير فى الأمر .
- لا بأس . .
وقبل أن تعى ما يفعله ، أصدر رونان عبر التليفون بعض الأوامر المقتضبة ، ثم أقفله .
- سيتولى جيرى الاهتمام بالأمر .
شحب وجهها لهذه الفكرة . .
- آه ، لا يا رونان ، أوقف كلبك البوليسى . . !
اخترقت الجو ضحكته الخشنة ، فماتت الكلمات عند شفتيها .
- كلب بوليسى ! مسكين جيرى . سيجرح هذا الوصف غير المستحب كرامته . آه ، لا تقلقى يا حبيبتى . . .
.
وأخذ يتأمل وجهها الحزين بعينيه الفولاذيتين ، من دون أن يظهر شعورا بالرقة أمام عينيها الذهبيتين الذاهلتين ووجنتيها الشاحبتين .
- انه كفؤ جدا فى عمله .
ان كان يقصد تطمينها ، فهو لم ينجح ، فقد زاد كلامه هذا من توترها . وشعرت بساقيها ترتجفان ، وكادت تفضل أن يواجه أخوها الشرطة ، على مواجهة قسوة رونان .
- وما الذى ستفعله أثناء انشغال جيرى بعمله الذى يؤديه بتلك الكفاءة ؟
وأنبأتها ابتسامته الباردة الساخرة بأن جوابه لن يعجبها مثقال ذرة .
- آه . . أنا مصمم على البقاء هنا لبعض الوقت . . فبعد أن علم أخوك بمكانك ، أظنه سيحاول الاتصال بك مرة أخرى .
- لا تكن واثقا من ذلك . . عندما هرب ديفى فى المرة الماضية بقى ثلاث سنوات قبل أن أراه مرة أخرى .
ولكنها لم تكد تفرح بعودته حتى فقدته مرة أخرى . والذنب ذنب رونان ، انها نقطة سوداء أخرى تضاف الى قائمة جرائمه الطويلة .
قال رونان :
_ (( ولكنه لم يكن حينها يعلم بأنك تملكين كل هذه الثروة )) .
ودخل الى البيت وكأن الموضوع انتهى ولم يعد ثمة مجال لمزيد من النقاش .
لعل تحررها من تينك العينين الزرقاوين المتفحصتين ، وتأثيرهما المغناطيسى هو الذى شجعها على التفكير مليا بالأمور .
يحتاج ديفى الى مبالغ طائلة ليفى دينه لرونان ، مبالغ قد تفوق ما قد تستطيع جمعه طوال حياتها . لكنها لم تكن تنظر الى المشكلة من الزاوية الصحيحة ، اذ طرأت فجأة على ذهنها فكرة قد تحل المشكلة .
فارتفعت روحها المعنوية ، وشعرت بقلبها يرقص فرحا .
- انتظر لحظة !
.
استدار رونان بسرعة مجيبا نداءها ، مما جعلها تضطرب .
- أريد أن أسألك شيئا .
واذ شعرت بعنيه المتفحصتين مسمرتين عليها ، خانتها شجاعتها بعض الشئ وخاصة وأن فروغ صبره الظاهر جعلها تفقد بصيص الأمل الذى لاح لها منذ لحظات .
- قلت لى ان هذا البيت ملكى . هل هذا صحيح ؟
- طبعا .
وقطب جبينه :
_ (( ألم تستلمي أوراقه ؟ أنا . . ؟ )) .
- آه ، نعم استلمتها . ولكن هل تعنى حقا أنه ملكي ؟
أجاب ساخرا :
(( انه لك بأجمعه . . أنت مالكة كل ما ترينه أمامك )) .
- ولابد أنه يساوى مبلغا كبيرا من المال .
.


- هذا صحيح .
ونظر اليها بفضول :
_(( لكنني لا أرى . . )) .
- أرجوك ، هل لك أن تستعيد البيت والنفقة التى وعدتني بها . . وكل ما أعطيتني اياه ؟ أنا أعرف أنه ليس مالي ، وما أعيده اليك هو ملكك أصلا ، ولكن يمكن أن يوضع فى الاعتبار ، أليس كذلك ؟
حاولت أن تبتسم بتضرع وهى تنظر مباشرة الى هاتين العينين الداكنتين . لكن ابتسامتها سرعان ما تبددت عندما واجهت قناعا من الرفض .
- لابد أن ذلك يساعد على تسديد ديون ديفي ، وان شئت ، أوقع على تنازلى عن ذلك كله .
خذلها صوتها وهى ترى الرفض فى عينيه :
_ (( المال ! )) .
لفظ هذه الكلمة مشددا على حروفها ، مما جعل ليلى تجفل .
- أتظنين حقا أن ( المال ) يعوض . . أو يصلح ما فعله أخوك ؟ المسألة أبعد من ذلك بكثير !
- ولكن لا يمكن أن يكون الأمر كذلك ؟
وشعرت ليلى وكأن العالم انهار حولها . لقد سبق لديفي أن أخبرها بأن الأمور قد بلغت هذا الحد ولكنها لم تصدقه ، اذ كانت تأمل أن يصغى رونان الى صوت العقل . وللحظة فقط ، حسبت أنها وجدت طريقة للخلاص من الكابوس الذى وجدت نفسها فيه . لكن آمالها كلها ذهبت هباء وهو يقذف بتلك الكلمات فى وجهها .
.
- رونان ، أرجوك . .
كم يا ترى يريد هذا الرجل ؟ أيعقل ألا يخفف أى تعليل لخسارة المال التى سببها له ديفي من حقده ؟ لقد أخبرها ديفى أن رونان يضيف الفوائد المرتفعة عن كل يوم يمر ، مما يعنى أنه يدين له بثروة .
- ذلك لا يكفي !
أعلن ذلك بلهجة عدائية ، وقد التهبت عيناه كالفولاذ المنصهر . ثم ارتد على عقبيه مبتعدا عنها بخطوات واسعة ليختفى عن الأنظار .
- لا .
وهزت نفسها بحزم محاولة أن تفكر بوضوح . لن تدع ذلك يحدث ، لا يمكنها أن تتخلى عن ديفى . فصورة وجهه الشاحب الناطق بالرعب محفورة فى ذهنها تؤنبها ، وتحثها على التصرف . عليها أن ترغم رونان على القبول بالمنزل ، كجزء من الدين . بيد انها لم تكن تملك أدنى فكرة عما ستفعله بعد ذلك . . ولكن عليها أن تقوم بشئ ما .
لحقت رونان الى غرفة الجلوس حيث كان واقفا قرب النافذة وفى يده كوبا من العصير .
.
فقال لها وقد رآها واقفة عند الباب :
_(( شعرت بحاجة الى هذا العصير ، أرجو ألا تمانعى )) .
جاء تهذيبه البالغ ليتناقض بشكل مزعج مع لهجة التأنيب التى صاحبت كلماته ، فشعرت بعدم الارتياح :
_(( البيت بيتك )) .
- أظننا اتفقنا على أن هذا غير صحيح . المنزل ملكك ولا أريد أن تكون لى علاقة به .
قال لها ذلك بقوة أجفلتها .
- سأبيعه اذن وأعطيك النقود . عليك أن تدعنى أفعل هذا .
- على أن أدعك تفعلين ؟
ردد جملتها هذه بلهجة غامضة وهو يسكب لنفسه كوبا آخر من العصير . وشعرت بالراحة وهى تراه هذه المرة ، يرشف العصير بهدوء :
_(( لا شئ يرغمنى على ذلك )) .
.
- آه ، لكن . . أرجوك ! يجب أن أفعل شئ لأساعد ديفى ! عليك أن تدعنى أساعد أخى .
عليك أن تدعنى أساعد أخى .
واستعرت النيران فى عروق رونان وأثارت كلماتها غضبه ، حتى بات عاجزا عن التصرف بعقل أو منطق .
عليك أن تدعنى أساعد أخى !
ومن ساعد روزالى عندما جعل ديفى كورنويل جمالها يذبل ، وسلبها آمالها وطاقتها الكامنة ، ثم دمرها بحركة واحدة لا مبالية ؟ من ساعد والديها وقد حطمهما دمار فلذة كبديهما ؟ لقد خلف ديفى دمارا أسوأ من ذلك الذى يخلفه الاعصار ، وها هى تطلب منه العون لانقاذه .
اشتدت قبضته على الكوب حتى ابيضت مفاصل أصابعه فخاف أن تتحطم فى قبضته .
- رونان ، أرجوك . . أخبرنى فقط بما تريده ، ولن أتوانى أبدا عن تنفيذه .
ولم تدرك ليلى الفخ الذى وقعت فيه الا بعد فوات الأوان .
- أى شئ ؟
ألقى رونان هذا السؤال برقة شيطانية ، وهو يتأملها بوقاحة ويجول بعينيه الزرقاوين الفولاذيتين فى مفاتن جسدها .
غصت ليلى بريقها ، وبدا لها أنه يعلم مما ارتسم على وجهها ، أنها عاجزة عن خداعه أو الوفاء بوعودها .
ثم ضحك بوحشية قاسية جعلتها تجفل ألما ، وقال بلهجة مسمومة جمدت الدم فى عروقها .
- حتى لأجل عزيزك الغالى ديفي . . لا أظنك تقبلين بأن تحقري نفسك بلمسي مرة أخرى .
وشعرت بالكآبة تخيم عليها . ليته يعلم مدى تلهف فؤادها الخائن الى ذراعيه ، وحنينها الى ملامسات أصابعه القوية وكيف أن قلبها يشعر بالخواء والضياع من دونه . فلمسة واحدة منه تكفى لتحرك حواسها كلها .
وتابع رونان ، هامسا بحقد :
_ (( أخبرينى ، يا حبيبتى . لم تكنين لديفي كل هذا الحب ؟ )) .
- ألا يمكنك أن تفهم ؟ أليس هذا واضحا ؟ انه أخي وعائلتي الوحيدة . . ولكنك ، لا تفهم مثل هذه الأمور !
توهجت عيناه بنظرة جعلت قلبها يخفق خوفا . وظنت للحظة أنه سيقذفها بالكوب الذى كان يمسك به بحدة ، فأجفلت .
.
ولكنه أخذ نفسا عميقا وهو يجرع آخر فى محاولة واضحة لكبح جماح غضبه الذى كاد ينفجر .
- ربما ليس لدى أخ أهتم به ، مثلك .
قال ذلك وهو يشد على كل حرف ينطق به . . فارتجفت ليلى وكأنها تشعر بوقعها على جلدها الحساس .
- ولكننى أعرف أن حبك العميق لشخص ما يجعلك مستعدة للقيام بأعمال ما كانت لتخطر على بالك وأنت فى كامل عقلك .
سألته لتغير الموضوع :
_(( متى ستغادر ؟ )) .
نظر اليها نظرة ساخرة :
_ (( هل نسيت أننى باق هنا )) .
- لن يعود ديفى !
- ربما لدى أسباب أخرى للبقاء .
- هل ستخبرنى لو سألتك ؟ انك تخيفنى يا رونان . ليس من عادتك أبدا ألا تكون معتدلا فى تصرفاتك .
- وليس من عادتك أنت أن تكونى حمقاء بمثل هذا الحياء والحشمة ، كزهرة الزنبق التى تحملين اسمها .
قذفها بهذه الكلمات بوحشية ، لكن ليلى سرت وهى تراه يسير الى كرسى يلقى بنفسه عليه .
- والآن أخبرينى ، يا ليلى الحلوة ، ما الذى أخبرك اياه ديفي ؟
- بكل شئ .
.


- كل شئ ؟
قال ذلك وهو ينظر اليها غير مصدق على الاطلاق .
- وما زلت تساندينه متغاضية عما فعل ؟
ليلى تعلم أن ديفى أحمق وعديم المسئولية ، ويحتاج الى التأديب . أما ما لم يكن يستحقه فهو ملاحقة رونان له ، وتصميمه على الانتقام منه بقدر ما يستطيع ، مهما كلفه الأمر . فهو غير عابئ بالخوف الذى يتملك ديفى ليل نهار ، محولا لونه الى لون رمادى من الذعر لمجرد التفكير فى رونان غيرين .
- كن عادلا ، يا رونان .
وجلست على كرسى أمامه ، وجسمها النحيل مائلا نحوه وعيناها الذهبيتان تتوسلان اليه بأن يتفهم أخاها المشاكس العنيد .
- انه صغير السن . . لم يكن قد بلغ العشرين من عمره حين قابلته ، كما أنه على شئ من الحماقة .
- قولي هذا مرة أخرى .
قال ذلك وقد ازدادت ملامحه صلابة ، وخلت عيناه الفولاذيتان من الرقة .
- وهو الآن يشعر بالذنب .
- حري به أن يشعر بالذنب ! انه يستحق كل ما سيحدث له .
لم يكن فى عينيه العدوانيتين أثر للرحمة .
- ولكن الغريب فى الموضوع ، هو أنك لم تسألي عن دورك فى هذه القصة ؟
- آه ، هذا سهل معرفته .
.
تمنت ألا يكون ذلك صحيحا ، ولكن لم يكن أمامها من خيار سوى مواجهة الواقع القاسى . فقد وصلت الى تلك النتيجة المؤلمة فى ظلام الليل ، بعد ساعات طويلة من التفكير والتساؤل .
- سهل ؟
كانت لهذه الكلمة نبرة غريبة مقتضبة ، مع كل ما حدث من قبل .
- آه ، لا أظنك ستحاول الادعاء بأن ما أقوله غير صحيح . الأمر فى غاية البساطة ، أردت أن تصل الى ديفى من خلالى . فبعد أن يئست فى العثور عليه ، تحولت الي ، فسعيت لايذائي لعقاب ديفى .
وخيل اليها لبرهة أنه يشعر بوخز ندم . لكنها عندما عادت لتنظر الى وجهه ، لم تر أثر لشئ كهذا .
- وهذا ما حدث ، أليس كذلك ؟ كان الأمر نوعا من الثأر حيث تدفع الأسرة بأجمعها ثمن جريمة ارتكبها فرد منها . . ألحق ديفى الأذى بأسرة غيرين ، فاستحقت أسرته بأكملها العقاب ، أليس كذلك ؟
- نعم ، هذا صحيح .
لم يخفِ ديفى عنها شيئا اذن ، ودهش وهو يجد صعوبة فى تصديق ذلك . . عندما أكدت له أنها تعرف القصة بأكملها ، لم يخطر له أنه اعترف لها بما فعل ، اذ كان واثقا من أن شعوره بالخزى قد يجعله يخفى بعض الأمور .
ولكن يبدو أنه قلل من شأن الوفاء الأسرى بين هذين الشقيقين . . لم تكن ليلى على
علم بجريمة أخيها فحسب بل بذلت جهدها لمساعدته على الهرب من العدالة .
صمت رونان ، وتبدلت ملامح وجهه بعض الشئ ، مما جعل ليلى تتساءل عما اذا كان يراجع نفسه .
.
- أليس هناك ما يمكننى القيام به ؟
نظر اليها متأملا ، وعيناه قاتمتان .
- هل كنت حقا ستبيعين البيت ؟
- طبعا ‍! ولن أتوانى عن ذلك . . سوف . .
وسكتت متوترة عندما نهض رونان واقفا فجأة ، فتنبهت الى طوله الفارع ، وروعة جسمه القوى .
لقد جربت مرة كيف يكون الاستمتاع بهذه القوة ، شعرت بها تحتضنها برقة وتمسكها وتسندها . كم كانت بهجتها كبيرة وهى تشعر بالحب فى كل ذرة من كيانها .

مال رونان نحوها ووضع أصابعه القوية المربعة الأطراف تحت ذقنها يرفعها الى أن أرغمت عيناها الكهرمانيتان المتسعتان على مقابلة العنف المحرق فى عينيه .
ثلاثون ثانية ، أربعون ، خمسون مرت بصمت مطبق وهو يمسكها بهذا الشكل ، مسحورة غير قادرة على الحركة . لا تكاد تقوى على التنفس وهو يتفحص وجهها وكأنه يريد أن ينفذ الى روحها ليجد الجواب الذى يبحث عنه . ولأنها لم تكن تعلم ما يريده بالضبط ، بقيت جامدة وقد استجمعت كل ما لديها من شجاعة لتواجه تفحصها .
وفى النهاية ، أخذ رونان نفسا عميقا ثم آطلق آهة مرتجفة قبل أن يتركها ويبعد شعره الناعم عن وجهه ، وهو يتمتم بخشونة :
_ (( أظن أن أخالك لا يستحقك )) .
جعلت كلماته الخشنة والمفاجئة قلبها يخفق بوهن ، وأنها لمحت نورا فى نهاية ما يشبه نفقا مظلما لا نهاية له . . أيعقل أن يتصدع درعه الحصين ؟ ويصغى اليها ؟
عليها أن تحاول لآخر مرة . قالت ضارعة : (( اسمع ، ألا يمكننا أن نحل هذه المسألة بيننا نجن الاثنين ؟ ألا يمكننا . ؟ ؟ )) .
كان يقع أسير اغوائها . لكن التورط مع ليلى سيعقد الأمور ، لأنها ستقنعه بالتحول عن الطريق الذى صمم على سلوكه ، فينجو أخاها بفعلته ولا يدفع ثمن الآلام التى سببها .
- لا شئ شخصى بيننا . . وهذه المشكلى بينى وبين ديفى وحده .
نفذت هذه الكلمات فى كيانها كما ينفذ السيف القاطع .
- آه ، لا ، هذا ليس صحيحا !
واندفعت واقفة عندما رأته يهم بالابتعاد ليضع حدا لهذا الحديث ، ثم أمسكت ذراعه توقفه عن متابعة السير . نظر رونان الى يدها لحظة وقد بدا أنه سينفض ذراعه منها ، لكنه تركها مكانها بينما كانت تقول بصوت مرتجف : (( لكنك ورطتنى معكما ، وجعلت الأمر شخصيا عندما طلبت منى الزواج )) .
فأجابها ببرود : (( ولكننى كنت أعرف أنك أخت ديفى وهذا ما كان يهمنى )) .
ذهلت ليلى وهى ترى نفسها واقفة على رجليها مع أنه خيل اليها أنهما قد تتحطمان الى شظايا زجاجية صغيرة لدى أدنى حركة .
- ان كنت تعلم أننى . . لماذا . . لماذا اذن .
.



بذلت جهدا بالغا لتخرج هذه الكلمات من بين شفتيها البارديتين .
- لماذا تزوجتك ؟ أم لماذا طارحتك الغرام ؟
فقدت ليلى أعصابها عند سماعها كلماته تلك . . وأذابت حرارة الغضب الجليد الذى جمد مشاعرها .
- الحب ! اياك أن تصف ما فعلته معى بالحب ! كلانا يعلم أنه لم يكن كذلك !
- ما الذى كانت تتوقعه ؟ الشعور بالذنب ؟ أم الندم ؟ خاب أملها ، فى كلتا الحالتين . لكنها لم تكن تتوقع قط ، هذا الصمت الجامد ، وعدم التجاوب معها ، وكأن مصراعين من الفولاذ انغلقا على عينيه ، ساترين كل أثر للمشاعر .
- - أخبرينى اذن بالحقيقة ، لماذ طارحتنى الغرام ؟ لماذا لم تكتف بأن أحبك . . وأتزوجك ؟ لماذا لم ترحل تلك الليلة ؟
- لأسهل الأمور عليك ؟ آه ، لا يا جميلتى ! لم أشأ أن تقولى ان زواجنا لم يكن حقيقيت ، أو مكتملا ، وعليك الآن أن تتابعى اجراءات الطلاق التى تستغرق سنوات قبل أن تتزوجى رجلا آخر .
- لم يكن كلامه صحيحا تماما ، حتى أن نبرته بدت زائفة . لكنها لم تستطع أن تضع اصبعها على ما كان يقلقها بالضبط ، كما أن جمود ملامحه لم يساعدها على الاطلاق . . فملامحه خلت من التعبير ، وتحولت عيناها الى قطعتين من الفولاذ الامع تحت أهداب كثيفة سوداء .
وقالت متلعثمة : (( ولكن ان كان على أن أنتظر سنوات لأحصل على الطلاق ، فذلك ينطبق عليك أيضا )) .
فأجاب رونان بغموض ولهجة فاترة : (( نعم ، وعلى أيضا )) .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 28-09-17, 05:52 PM   #7

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السادس

6 – لا تقولى لا

- لقد أنذرتك بأن ديفى لن يعود .

مضى أسبوع تقريبا على هرب أخيها من بيتها . أسبوع كان على ليلى فيه أن تتكيف ببطء مع عودة رونان الى حياتها .
الا أنها لم تتكيف مع شئ ، بل تعلمت أن تتغلب على صعوبة وجوده فى بيتها ، وتعيش مع غليان مشاعرها وهى تراه مفروضا عليها يوميا .
والحق يقال ان الذنب ذنبها وحدها ، اذ أرادت أن تثبت عدم اكتراثها بعودته ، فارتدت الخطة عليها بشكل مؤلم .
عندما أعلن رونان ، فى البداية ، عن بقائه ، أرادت أن تقاتله كى لا يبقى هنا ، اذ لم تكن تحتمل وجوده قربها . ولكن خطر لها ، أنها لو عارضت وجود رونان بشدة ، لظن بأنها تهتم لأمره ، لأدرك أن شعورها مختلف عما ادعته ، وهذا آخر ما تريده .
لهذا السبب وجدت أنه من الأنسب لها ألا تكترث له حتى يتأكد ، أنه لم يعد جزءا من حياتها .
وعندما سألها عن الغرفة التى سيستعملها ، هزت كتفيها بعدم اكتراث :
.

_(( وهل هذا مهم ؟ انه بيت كبير وغرفه كثيرة ، وأظنك ستجد لنفسك غرفة مناسبة بين السبع غرف . اختر ما يحلو لك ، ويمكنك حتى أن تستعمل غرفة النوم الرئيسية الخاصة بصاحب البيت ، اذا شئت )) .

أنبأها عبوس رونان بأنه أدرك أنها تشير الى الغرفة التى أمضيا فيها ليلة عرسهما .

- ولكننى كنت أظن أنك . .

- أنام فيها ؟

وتكلفت الدهشة لهذه الفكرة .

- أبدا فى الواقع ، لن يدهشنى ان وجدت شيئا متعفنا تحت خشب أرضية الغرفة ، لأن رائحة قذرة تفوح فى المكان . وهذا هو سبب انتقالى الى احدى الغرف التى تطل على حديقة البيت الخلفية .
مضى أسبوع الآن على وجوده فى المنزل وهو أشبه بأسد جائع ينتظر فريسته بصبر ، بينما لا أثر لديفى .

- لقد جعلت أخى يفر خائفا ، فدمرت بذلك لعبتك الصغيرة القذرة . وان عاد ديفى ليضع قدمه فى هذا البيت ، فسأتفاجأ كثيرا .

فأجاب رونان دونما اكتراث ، وهو يقرأ الجريدة امام مائدة الافطار فى المطبخ الريفى الفسيح .

- لكننى لن أدهش . أظننى ، من هذه الناحية ، أعرف أخاك أكثر منك . انه بحاجة ماسة الى المال ، وهذا ما يجعله يلجأ الى أى شئ للحصول عليه .

- ليس عليه أن يحضر شخصيا .
.



توقفت ليلى عن الأكل ، وأخذت ترتشف قهوتها بدلا من ذلك . كان من المستحيل ألا تقارن بين مظهر رونان المسترخى ، فى بنطلونه الجينز وكنزته الرياضية الزرقاء ، ومظهرها الرسمى الجاف ، وهى ترتدى بلوزة بيضاء مخرمة وتنورة صفراء لطقم من أطقمها التى ترتديها للعمل . كانت تعى تماما أنها أشبه بزائرة غريبة فى هذا المنزل بينما رونان يتصرف فيه براحته .

- يكفى أن يتصل تليفونيا . . لتحضرى له ما يحتاجه من مال .

وأبعد رونان الجريدة من أمامه وأخذ يتأمل ليلى متفحصا .

- انك حقا رقيقة القلب الى حد مزعج .

بدا عطوفا تقريبا . وأثارت هذه الرقة غير المتوقعة فى كلماته توترها . سبعة أيام أمضتها بجواره لم تخفف من تأثير ملامحه الرائعة ولا من تألق عينيه المغناطيسيتين ، ولا من قوته البالغة .
ردت عليه بحدة ، تقاوم خفقان قلبها المفاجئ :

_ (( رقة القلب هى ضرب من الحماقة بالنسبة اليك )) .

رفع رونان حاجبيه دهشة ، وسألها باستهزاء :

_(( هل قلت أنا هذا ؟ ولكن فى مطلق الأحوال ، هذا لمصلحتى )) .

- كيف ذلك ؟

ونهضت عن المائدة وسارت نحو غسالة الأوانى تضع صحون فطورها فيها ، وتعيد اغلاقها بعنف كشف عن غليان مشاعرها .

- حسنا ، يبدو أن ديفى يحسن استغلالك . وعلى رغم من تواريه عن الأنظار حاليا ، أظنه سيخرج من مخبئه بعد فترة قصيرة ، ليجدنى هنا .
فأخذت ليلى تفكر بمرارة كيف سينقض عليه كالوحش الكاسر .
اختار رونان من بين كل غرف المنزل ، تلك المجاورة لغرفة ديفى ، ليتمكن من سماع صوت دخوله الى غرفته ان جاء متخفيا فى الليل . . وبما أنه نادرا ما يغادر المنزل أثناء النهار ، فلن تستطيع ان تمنع أخوها من الوقوع فى الفخ الذى نصبه له .
.

- أظنك قلت ان لديك عملا تقوم به أثناء وجودك هنا .
فأومأ رونان برأسه ببطء :

_ (( هذا صحيح ، المفروض أنها رحلة عمل و . . للعمل كما هى لل . . )) .

وبتر جملته ، ولم تستطع هى أن تضع كلمة مناسبة فى الفراغ ، وكلمة الاستمتعاع لا تناسب أى معنى رغم أن عليها أن تعترف أن رونان يشعر برضا حاقد فى لعبة انتظاره هذه .

- لقد قلت انه عليك معاينة المكان .

- نعم .

وافقها رونان الرأى وهو ينهض بكسل ويتمطى باستمتاع :

_(( انه ناد وحانة للرقص ، خطر لى أن أذهب الليلة لرؤيتهما حتى أحكم على نوع زبائنهما )) .

حولت ليلى نظراتها عنه بسرعة ، متجاهلة جاذبيته القوية . كان قميصه القطنى ملتصقا بعضلات صدره وبنطلونه الجينز شديد الالتصاق بساقيه الشامختين القويتين ، وقالت له فجآة :

_ (( لا يبدو لى أنهما من الأشياء التى تهمك عادة )) .

- هذا صحيح . ولكننى سمعت أنهما فى حالة مادية سيئة مما يعنى أنها صفقة جيدة فاذا وجدتهما كذلك ، فقد أشتريتهما .
.

هذا ما فعله مع ديفى بالضبط ، وأرسلت هذه الفكرة قشعريرة باردة فى كيان ليلى . أتراه سيقوم هذه المرة باحدى أعماله الشريرة ، محولا الوضع الى مصلحته ، تاركا أصحاب المكان فى ارتباك وضياع كما فعل مع أخيها ؟

سألته بلهجة لاذعة :

_ (( ما الذى تبحث عنه ، يا رونان ؟ شخص آخر تقلب حياته رأسا على عقب ؟ )) .

قابل رونان تعليقها اللاذع هذا بنظرة تأمل بطيئة زادت من الغليان الذى كانت تشعر به فى داخلها .

- دمر ديفى نفسه بنفسه ، يا ليلى . لم يكن بحاجة الى مساعدة منى .

- ولكن لا أحد سواه يدفع الثمن .

رغم أن رونان كان يتقدم فقط ليضع طبقه وفنجانه فى غسالة الأوانى ، الا أن ذلك استنفذ كل ما لديها من سيطرة على النفس للثبات فى مكانها بسبب قربه منها الى هذا الحد . بدا بجانبها مهيبا قويا الى درجة خطرة .

- أتعرف ما الذى تفعله بأخى ؟ انه لا يأكل ولا ينام . وان غفا دقيقة راودته الكوابيس ، كنت أسمعه يصرخ . .

وماتت الكلمات فى حلقها وقد رفع رونان كتفيه العريضتين يهزهما بعدم اكتراث ، وهو يقول :

_ (( اننى أعرف جيدا معنى الأرق . المعذرة ! )) .

.

بعد أن أطلق كلماته الأخيرة محذرا ، قفزت ليلى مبتعدة عن طريقه ، وعيناها تتحولان الى قامته الصلبة وهو ينحنى ليضع ما بيده فى غسالة الصحون .
بدا شعره الأسود الجميل تحت أشعة الشمس المنسابة من النافذة رائعا مموها بالذهب ، تتألق فيه خطوط نحاسية تتخلل دكنة شعره . كان قد طال عما كان عليه عندما قصه يوم الزواج فلم يعجبها ، وتشوقت أصابعها الى أن تداعبه وتشتبك به حيث يجمعه عند رقبته ناعما متألقا .

- ما رأيك ؟

أيقظها هذا السؤال من أحلام اليقظة بعنف فالتفتت لتلتقى عيناها الذهبيتان الفولاذيتان ، وطرفت بعينيها باضطراب وهى تدرك أنه يتوقع منها جوابا لسؤال لم تكن سمعته .

- هذا ممكن .

قالت ذلك مراوغة وقد تملكها ارتباك مؤلم وهى ترى أفكارها جعلت حلقها يجف بحيث خرج الكلام أبح متهدجا .

- سأمر لأخذك اذن بعد انتهائك من العمل ، فالنادى لا يغلق أبوابه قبل ذلك . .

- انتظر لحظة !

وهزت رأسها لتطرد منه تخيلاتها تلك .

- أى نادِ ؟
.

فتنهد باستسلام :

_(( الليدز )) .

لفظ الكلمة بتمهل ووضوح ، وكأنه يتكلم مع طفل بطئ الذكاء .

- ذلك الذى سأقصده هذا المساء . ذلك الذى وافقت لتوك على الذهاب اليه معى .

- لم أفعل شئ كهذا .

لكنها ما لبثت أن أدركت أن هذا هو السؤال الذى لم تسمعه . وقد فهم رونان من جوابها المراوغ أنها وافقت على عرضه عليها مرافقته . فعادت تقول :

_ (( لا أدري ما الذي جعلك تفكر فى أنني أريد الذهاب الى أى مكان معك ، اننى أفضل الموت على ذلك )) .

كانت رجفة الاشمئزاز التى صدرت عنها القشة الأخيرة التى قسمت ظهر البعير . فطوال الأسبوع الماضى وهو يجاهد فى سبيل السيطرة على مشاعره نحو ليلى . وكأنه يحاول عبثا وضع غطاء على فوهة بركان على وشك الانفجار ، أو اعراض تدفق حممه البركانية بشبكة صيد سمك صبيانية .
بعد ليال طويلة من الأرق ، محاولا أن يتجاهل ردة فعله ازاء مرآها ، ورائحتها ، ورنة صوتها ، عيل صبره ، وأصبحت رغبته فيها جامحة الى حد أنه لم يعد يهتم لما قد ينتج عن استسلامه لها .
حتى ليلى لم تكن أحسن حالا ، اذ بعد تعبيرها الفظ عن مشاعرها نحوه ، بدت وكأنها تراجعت منكمشة على نفسها . ولكنه أخذ يفاجئها وهى تتأمله من حين لآخر ، دون أن تدرى بأنه يراها ولأنه كان يشاركها شعورها كان يدرك مبلغ ما فى عينيها من شوق اليه .
لم يعد من سبيل لانكار شوقهما نحو بعضهما البعض . فقد كان أشبه بوميض البرق يتلاعب حولهما فى ليلة عاصفة ، يتطاير فيها الشرر فى الجو ويزيده اختناقا مع كل دقيقة يمضيانها معا .
لقد نال قسطه من التوتر ، وآن الوقت للحد من ذلك والا ستكون نتيجة الانفجار بقوة قنبلة ذرية ولكن النتيجة هذه المرة ستكون عاطفية لا مادية .
لم تستطع احتمال قبوله رفضها ، وتجاهله ردها الساخط العنيف ، اذ جاء التأثير معاكسا لما كانت تتوقع ، مما جعلها تعيد التفكير فى الأمور للحظة قصيرة .
.



وقال لها :

_ (( سأذهب لوحدي )) .

- وماذا لو عاد ديفى ؟

ما الذى تفعله ؟ ان ذكرته بسبب وجوده هنا فسيغير رأيه ويتخلى عن فكرة الذهاب الى النادى ليبقى منتظرا عودة أخيها .
لكن الدهشة تملكتها وهى ترى رونان غير منزعج لهذه الفكرة :

_ (( على أن أجازف . وعلى كل حال ، جيرى يتولى اقتفاء أثره ، وأخوك اللعين ليس السبب الوحيد لوجودي هنا )) .

- طبعا ، فأنت تحاول أن تزيد ثروتك بغرس مخالبك فى ضحايا أخرى لا تستطيع رؤية مراميك الخفية .

قذفت هذه الكمات اللاذعة فى وجهه المظلم المنضبط .
فقال يثبت كلامها بعدم اهتمام :
.

_ (( لا شك فى ذلك . ولكن لدى أسباب أخرى شخصية ، فنحن زوجان .

قال ذلك موضحا بينما أخذت وهى تحدق اليه بارتباك قبل أن تنفجر قائلة :

_(( وكلانا ، يعلم أن ذلك لا يعني شيئا على الاطلاق ! )) .

فرماها بابتسامة بطيئة خطرة وهو يتقدم ببطء نحوها جاعلا اياها تتصلب فى رفض غريزى ثم يتمتم بنعومة وبصوت أجش :

_(( ربما ، ولكنه زواج شرعى ، يا حبيبتى ليلى ، و . . قد أتممناه بشكل رائع ، فأنت زوجتى وتحملين اسمى )) .

- كان ذلك ملائما لهدفك ، لكن سبق لى أن رتبت أمر زواجنا المهزلة ، ولن أزعج نفسى باعادته الى ما كان عليه .

لكن صوتها الاهث دمر صورة الانسانة المنضبطة التى حاولت أن ترسمها لنفسها ، فلمجرد اقترابه منها ثارت كل خلية فى جسمها مطالبة به ، ومتعطشة اليه فكيف يمكنها أن تخفى عنه ذلك ؟
قال لها بنعومة :

_(( من المؤكد أنه ملائم جدا . . )) .

نسج صوته المنخفض الأبح حول أحاسيسها سحرا أيقظ كل منهما .
راح يقترب منها حتى لفحت أنفاسه وجهها وتغلغلت رائحة عطره القوية فى أنفها .
.

- بامكاننا الآن أن نتابع ما بدأناه .

- أبدا .

ولكنه تجاهل ردها وراحت أصابعه تلامس وجنتها برقة فائقة . ونزلت اصابعه البطيئة الى ما تحت فكها الناعم اللين ثم الى عنقها الرشيقة .

- أنا . . لا أريد . .

- كاذبة . .

قال هذا بنعومة واصابعه تجول على عنقها ، فنشب فى داخلها صراع حاد بين عقلها ورغباتها هدد بتمزيق كيانها .
كانت تريد ذلك ، تريده الى حد جعلها تتألم من مدى الاثارة التى تملكتها ، فمنذ ليلة عرسهما وهى تحترق شوقا اليه .
خلال تلك الساعات الطويلة الرائعة المليئة بالمشاعر ، فتح رونان لها باب منجم من الأحاسيس لم تعرفها قط ، ولقد فتح ذلك الباب تلك الليلة وعندما رحل أخذ المفتاح معه وبذلك لن تتمكن من اغلاقه فى وجهه مرة أخرى حتى ان حاولت ذلك . . فوحده هو قادر على اشباع الرغبة والشوق اللذين أيقظهما فيها حينذاك .
.

- لا أريد . .

حاولت التملص منه مجددا ولكن دروعها سقطت أمام عناقه ، وعادت تلك الابتسامة الشيطانية الى شفتيه وهو يفك عقدة شعرها ويتركه مسترسلا على كتفيها ، ليجر بعدها رأسها برقة الى الخلف ويرغمها على مواجهة نظراته الهادئة المتأملة .

- أنا لا أصدقك ، يا حبيبتى . . فما جمعنا تلك الليلة كان أشبه بحريق هائل خرج عن السيطرة ، وبات من الصعب على شئ تافه كالتفكير العقلانى أن يخمده . وأظن أن الجمر مشتعلا ، ولا يحتاج الى أكثر من لمسة أو قبلة .

وانحنى ذلك الرأس المزهو ، وكأنه يريد تقبيلها ، لكن ابتسامة التوت ، وتحولت الى عبوس عندما أبعدت رأسها عنه بعنف . فتابع كلامه قائلا :

- ولكن ان لم نسيطر عليها فستحرقنا معا . أما اذا كبحناها ، فقد نصاب بالجنون ، فلم لا ننتهز اذن فرصة وجودنا معا ، يا زوجتى الجميلة ؟ لماذا لا نعترف بأن كلينا يتلهف لذلك ؟

- ألن يعيق ذلك طلاقك منى ؟

قالت ذلك بصوت أبح ، محاولة أن تتمسك بالحجة الوحيدة التى طرأت على ذهنها ، اذ رأت أنها قد تقنعه ليحررها من هذا العذاب . فان لم يطلق سراحها فتضيع حتما ، فهى عاجزة عن مقاومة حبها المدمر له أكثر من ذلك .
وتملكها الذعر حين جاء جوابه على خلاف ما توقعت :
.

_(( ومن قال اننى أريد الطلاق ؟ فعندما ذقت طعم الحياة الزوجية فتحت شهيتى للمزيد . أريد ان أتذوق المزيد والمزيد منها )) .

أغمضت ليلى عينيها لبرهة وكلماته الساحرة الهامسة تداعب أحاسيسها . لكنها عادت ففتحتهما حتى لا تذهب بعيدا فى أحلامها .
لكنها كانت تسمع صوت تنفسه بوضوح أكثر وتسمع خفقات قلبه المدوية كالرعد .

- تريد استغلالى لقضاء رغبتك الأنانية فحسب .

لم ينكر ذلك . حتى أنه لم يظهر لمحة خجل أو ارتباك ازاء هذا الاتهام العنيف له ، بل أومأ وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة كريهة :

_(( والأمر سيان بالنسبة اليكِ ، فقد قلت انك توقفت عن حبى )) .

هتف صوت عميق فى داخلها : كنت أكذب ! يا الهى . . ! كنت أكذب ! فأنا أحبه ولن أتوقف يوما عن حبه ، فحبه يبعث فى روح الحياة .

- ربما حبك مات ، ولكنك لا تستطيعين الادعاء بأن مشاعرك تجاهى قد ماتت مع حبك .

تابع رونان يقول بعناد وقد بدت العزيمة على ملامحه :

_ (( لا يمكنك الادعاء انك لا ترغبين بى لأن ذلك كذب ، وكلانا يعلم ذلك ، انه مكتوب على جبينك وفى عينيك . ولا يسعك انكار تجاوبك معى ، والشوق الذى تشعرين به ، والطريقة التى . . )) .

واستقرت أصابعه الطويلة على أسفل عنقها ، تحت ياقة قميصها ، فكور شفتيه بانتصار لما شعر به هناك .
.



- كلما لمستك خفق قلبك كعصفور متوحش مع أنك تقولين انك لا تحبيننى . اذن أنت تعانين مما اتهمتنى به للتو . انها عبارة عن رغبة محمومة من دون احساس ، لذة جسدية من دون مشاعر .

ثم تابع يقول هامسا وقد أحنى رأسه بعزم راسخ :

_ (( أواه ، يا جميلتى ، ياله من سحر ! ويالها من مشاعر عنيفة )) .

كان ينهى كل جملة بعناق سريع ، يعتصر الفؤاد ألما من شدة رقته . عناق يمزق القلب بوعود الحب الكاذبة ، والمشاعر التى لم تساوره قط .

- فلم يهمنى ان كنت هدفا لاشباع رغباتك ، فلم تتذمرين أنت ؟ فكلانا راشد ، وكلانا يعانى من ذات الحمى .

فقدت رشدها ، وأخذت تتجاوب مذعنة من دون أن تدرى ما تفعله اذ لم تقو على السيطرة على نفسها ، ولا على كبح مشاعرها الجامحة .

لم تكن تستطيع غير تسليم نفسها الى ذراعيه القويتين . . لم تكن تستطيع سوى التنهد معبرة عن السعادة التى يرفرف لها قلبها لأنه يعانقها بهذا الشغف .
فى غمره ذلك ، شعرت به يرفعها عن الأرض وينقلها الى الأريكة ، ليمددها على الوسائد المخملية الخضراء ويستلقى بجانبها وهو يحتضنها قائلا :

_ (( هذا ما يجب أن يكون بيننا ، وهذا ما كان على الدوام وما سيكون مرة أخرى ان لم تقاومينى . تعلمين أن هذا ما تريدينه ، يا حبيبتى ليلى ، وتذكرى ليلة عرسنا الرائعة فلا تقاومى اذن . لا تفكرى فى شئ ، بل اتركى لقلبك العنان )) .
.

تذكرى . . ! وفى الهوة المظلمة التى غرق فيها عقلها ، تردد صدى صوت رونان يقول هذه الكلمة من قبل ، وبطريقة مختلفة تماما .

ففى ليلة عرسهما غلظ صوته وهو يوصيها بشماتة بألا تنسى أبدا ( تذكرى ! ) قائلا ( تذكرى جيدا . . ) .

وكيف لها أن تنسى ؟ كيف لها أن تمحو من ذهنها تصرفه معها يومها وانجرافها فى تيار الهجوم الذى شنه عليها ؟ كيف لها أن تنسى خوفها لحظة تبدد الوهم فى نهاية تلك الليلة الخادعة ، والحقيقة المخيفة التى دمرتها أحلامها الحمقاء بالسعادة ، وحولتها فتاتا فى لحظة واحدة ؟

- لا .

وفى عذاب اليائس ، انتزعت نفسها مبتعدة عن عناق رونان الآثم ، ويداها تدفعان بعنف صدره الصلب عنها . قالت بصوت ممزق :

_(( لا أشك أبدا انك قادر على جعلي أستمتع بما تفعله ، كلانا يعلم أنه ان لم ترافق ذلك مشاعر قوية ، فلا يعتبر سوى شهوانية بدائية تجعلنا بمستوى الحيوان )) .

أخذت أنفاسها تتسارع وهى تعي بأن رونان قد تسمر بجانبها ، وأوقف هجومه العنيف على حواسها .

- يمكنك بالتأكيد أن تؤثر في ، وأنا لا أنكر أن ذلك . .

اهتز صوتها توترا وهى تتصارع بين الرغبة فى صده ، وبين عنف المشاعر التى تدفعها الى الاستمرار . وانتابها احساس قوى بالألم ، وكأن جسدها قد أصبح كتلة من الرضوض .

- بامكانك أن تقبلني ، فأبلغ النقطة التى أفقد فيها القوة على التفكير ، حيث تهزم رغبات الجسد ، رغبات العواطف ، حيث لا أعود بشرا بل مجرد انسانة مخبولة جائعة .
.

تعمدت أن تكرر كلماته هذه ، بلهجة لاذعة :

_(( كومة من الأعصاب والهرمونات ، آه ، نعم . يمكنك أن تجعلنى ( أستمتع ) بهذا ! )) .

سمعت رونان يتنفس بصوت أشبه بالفحيح ، ولكنها لم تجرؤ على رفع نظراتها الى ذلك الوجه الذى لم يكن يبعد عنها سوى انشات قليلة .

- ولكن كن واثقا ، يا رونان ، أنه ان قررت المضى قدما ، فسيزداد مقتي لك مع كل لحظة استمتاع أعيشها . ان شئت استغلالي لأغراض جنسية ، ودفعتني الى أن أعاملك بالمثل ، فسأكرهك الى آخر عمري لأنك جعلتنى أنحدر الى هذا الدرك .

ساد صمت عميق مثقل بالخطر شعرت به مطبقا عليها يكاد يخنقها .

تحرك أخيرا رونان مبعدا شعره بيده الخشنة عن وجهه فأظهرت هذه الحركة مبلغ التوتر الذى تملكه .

- قد يستحق الأمر العناء .

تمتم ذلك بخشونة ، جعلت ليلى تجفل خائفة ، وهى تنظر الى وجهه بعينيها الواسعتين ، لتجده وقد عاد الى جموده وانغلاقه . ولكن ما ان التقت أعينهما حتى تغير مزاجه وأطلق سيلا من الشتائم بصوت منخفض :
.

- اللعنة عليك ، يا ليلى !

قذف هذه الكلمات فى وجهها وهو يقفز عن الأريكة بحركة واحدة عنيفة :

_ (( أنت تحسنين اثارة غضبي ، لم يكن من داع لتشبيهي بأحط أنواع الأحياء التى زحفت لتوها من قوقعتها . . كان يكفى أن ترفضي لأفهم غرضك )) .

- أحقا ؟

رماها بنظرة سوداء مليئة بالازدراء عبرت كل التعبير عن مشاعره . فجاء هذه المرة دورها لتشعر بنفسها وكأنها أحط أنواع الحيوانات . . وهو شعور لم يعجبها على الاطلاق .

- حسنا ، سأتذكر ذلك فى المستقبل .

قالت ذلك وهى تنهض واقفة .

- لا تنسي أن تفعلي ذلك .


كانا أشبه بقطين متخاصمين ، وهما يتبادلان النظرات بحذر ، رافعين رأسهما ، وقد تصلبت أكتافهما عداء . لم تشأ ان تكون أول من يحول عينيه ، ولكنها أرادت تسوية ملابسها المشعثة ولم تعرف كيف تخترق هذا المأزق الصامت .
الا أنه وبعد أن أخذ يسيطر ببطء على تلك الدوامة الهائلة التى كانت تغلى فى داخله لرفضها له ، وجد نفسه يتحول من شعور الى آخر من دون أن يعلم أى منهما عليه أن يستقر .
كان الشعور بالاحباط هو الذى استولى عليه أكثر من غيره . احباط محرق مؤلم ، حوله الى انسان غاضب خائر القوى . لكن المشكلة هي أنه لم يعلم ما اذا كان غاضبا على ليلى ، أم على نفسه ، أم على هذا الوضع المعقد الذى وجدا نفسيهما فيه .
اللعنة على ديفى كورنويل ! حول تفكيره الى الشخص الملام لورطته هذه . ليت ليلى لم تكن شقيقة ديفى ! ولكن لو أنها لم تكن شقيقة ديفى ، لما التقيا منذ البداية . فهو سعى لحضور عرس صديقه (( هودغسن )) بغية التعرف اليها .

وعادت نظراته تتفحص شعرها الأشقر الرائع وشفتيها المكتنزتين .

انه متعطش اليها ، بحق السماء . . انه متعطش الى تلك العواطف المشبوبة التى تبادلاها ليلة عرسهما ، ولا يمكنه أبدا أن يذعن ! ويدعها تفلت منه بهذه السهولة .
عليه أن يبذل جهده حتى يجعلها تأتى الى فراشه بكامل ارادتها ، عاجزة عن كبح عواطفها .
لكن ذلك يتطلب اعتماد وسائل جديدة ، ثمة أكثر من طريقة لسلخ هذه القطة . فقد كانت ليلى أشبه بقطيطة صغيرة غاضبة منها بحيوان مكتمل النمو . لذا ، عليه أن يعالج معها الأمور باللين .
.

- هل أفهم من ذلك انك لن ترافقينى الى نادى (( الليدز )) أيضا ؟

نظرت اليه ليلى بارتياب ، مستغربة هذه الرقة المفاجئة فى صوته ، والابتسامة المتألقة التى رماها به . ما الذى يا ترى ، غير مجرى الريح ؟
فتحت فمها لتؤكد له أنها لا ترغب بمرافقته ، عندما طرأت على بالها فكرة جعلتها تبدل رأيها .
سيذهب رونان الى (( الليدز )) لمعاينة بعض الأملاك ، فان أعجبته ، فسيضع يده عليها ، كما فعل مع ديفى تماما . وكانت تخشى أن يلقى اصحاب تلك الأملاك المصير نفسه الذى لقيه أخوها ، وتمنت لو تستطيع مساعدتهم . فان ذهبت معه الليلة ، فقد تتمكن من تحذيرهم ، حتى لا يرتكبوا أى حماقة .
فاندفعت تجيب :

_ (( لا )) .
واذ تغيرت ملامحه ادركت أنه فسر جوابها برفضها مرافقته ، فعادات تصحح له بسرعة :

_(( أعنى أننى سارافقك الى الليدز )) .

اذ وكما سبق له أن أدهشها ، جاء دورها لتفاجئه . فقد طرف بعينه لبرهة وعاد بعدها الى توازنه وهو يسألها :

_ (( هل يمكننى أن أسالك لماذا ؟ )) .

فهزت كتفيها بعدم اكتراث :

_ (( لم أرافقك الى أى مكان منذ دهور . قد لا يكون الليدز مكانى المفضل ، ولكن ان كان هذا ما تعرضه علي ، فسيسرني قضاء ليلة فى الخارج )) .

فأجابها قائلا :
.

_ (( انك غمرتينى بعطفك لتشريفك لي بالقبول . سنغادر البيت فى السابعة ان كان ذلك يناسبك )) .

لأول مرة منذ عودته ، شعرت ليلى بأنها تمكنت الى حد ما من السيطرة على الوضع . لقد أثبتت ذاتها ، وخلقت لنفسها احساسا بالارتياح حثها على رميه بابتسامة واسعة متألقة :

_(( هذا يناسبنى تماما )) .

ولم تدرك الا في ما بعد ، سبب نظرة الرضا والارتياح فى عينيه ، تلك النظرة التى رأتها قبل أن يشيح بوجهه عنها مباشرة .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 28-09-17, 05:58 PM   #8

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



7 – أمواج الحب

- هل أنت مسرورة ؟
همس بصوت دافئ فى أذن ليلى ، بينما كان رأسه منحنيا قرب رأسها ، وأنفاسه الدافئة تداعب جلدها .
- هممم . .
كانت تشعر بالسرور حتى الآن بالنسبة الى السهرة ، مع أنها لم تتوقع قط أن تشعر بالمتعة . ولكن منذ اللحظة التي ظهرت فيها عند أسفل السلم عند الساعة السابعة بالضبط ، بدا وكأن الليلة ستكون مميزة .
كانت قد أمضت وقتا طويلا تفكر في ما ستلبسه قبل أن يستقر رأيها على ثوب بلون الشفق تصل تنورته الى ما فوق ركبتيها مباشرة ، زينته بقرطين فضيين وعقد ملائم . أما حذاؤها العالي الكعبين فمنحها مزيدا من الثقة بنفسها وهي تبدو من الطول بحيث تمكنت من النظر الى وجهه لترى تأثير مظهرها عليه .
ولكن ما رأته فى عينيه سرها وأخافها في آن معا .
- جميل جدا .
قال ذلك ببطء ، وقد أثرت البحة فى نبرته على أعصابها وجعلتها تأخذ نفسا عميقا وتطلق شهقة صغيرة مرتجفة .
- ولا بأس بملابسك أيضا .
وأرغمت نفسها على المضي فى تقويمه مرورا بقامته الفارعة الضامرة في بذلته الرمادية الفضية الايطالية الطراز ، وقميصه الأبيض . وأخذ قلبها يخفق غريزيا وهى تشعر بانجذاب قوي نحو هذا الرجل الواقف أمامها .
بدا لها جذابا في ظل أشعة الشمس المائلة للغروب التي أحالت خصلات شعره النحاسية الى لهب برونزية وكشفت عن رجولته البارزة .

.
وبالرغم من جهودها الشاقة للحفاظ على هدوئها ، الا أن جاذبيته المغناطيسية كانت تشيع الدفئ في كيانها لتجعلها بالغة الضعف ازاءها .
لعلها ربحت المعركة بشكل عام ، ولكن الحرب بينهما لم تنته بعد .
وان ساورها الشك في الأمر ، فقد حصل ذلك هنا وجسم رونان قريب منها ، ونظراته مسمرة على وجهها ، وقد ارتسمت ابتسامة غريبة على شفتيه المعبرتين .
كان يريح يده على كتفيها العارية مذكرا اياها بشعورها عندما كانت هذه اليد تضمها . لم تستطع البقاء جامدة ، عليها أن تفعل شيئا والا سقطت بين ذراعيه .
فتململت في مكانها عاجزة عن التخلص منه أو تجاهله .
- فلنرقص مرة أخرى .
فتأوه باحتجاج :
- أريد أن أشرب شيئا .
- انك ضعيف وجبان .
قالت ذلك بحدة لتتخلص من ذلك الاغراء
الذي حدثتها به نفسها ، ومن دون أن تعي ما تفعل ، أمسكت بيديه القويتين قائلة :
- هيا ، لا يمكننا الجلوس هنا طوال الليل بهذا الشكل ، فقد جئت معك لأستمتع بوقتي .

.
وجذبته نحو حلبة الرقص الخشبية الصغيرة ، شاقة طريقها بين الجمع المزدحم . ثم راحت تتنقل على الأنغام محاولة كبح جماح أفكارها أكثر منها التجاوب مع الموسيقى .
وكم دهشت وهي ترى رونان يرقص برشاقة طبيعية غريبة بالنسبة الى حجمه فابتسمت مسرورة ، وهي تحاول أن تحول أفكارها الى شئ أكثر امتاعا .
كانت خطواتهما منسجمة ، وجسداهما يتمايلان متجاوبين مع موسيقى الفيثارة والطبل من المسرح .
- انهم يجيدون العزف .
وأشارت برأسها الى الفرقة الموسيقية المحتشدة في زاوية والمؤلفة من أربعة فتية لا يكادون يتجاوزون سن المراهقة ، يفتقدون الى الهندام الحسن ولكن يعزفون بشكل حيوى ومناسب لليلة كهذه .
- يستحسن أن يستمروا بالعمل هنا ان قررت شراء هذا المكان .
جاهدت لترفع صوتها فوق دقات الطبل واذا بها تشهق وهو يمسك بيدها ويديرها نحوه :
- أتظنين ذلك ؟ .
ألقى هذا السؤال وشفتاه تكادان تلمسان أذنها ، ما جعلها تتصلب متوترة الأعصاب .
- حسنا ، لقد أحببتهم . ولكننى لست خبيرة في هذا الميدان .
- أنت أخت ديفي وكان عليك أن تعلمي شيئا . من المؤكد أنه ليس الوحيد الذي يملك موهبة موسيقية في أسرتك .
ما أن ذكر اسم ديفي ، حتى تبددت البهجة التي كانت تشعر بها .

.
فذكرى أخيها وأحلامه الضائعة ، تلك الأحلام التي كانت تراوده منذ الصبا ، أعادتها الى واقعها ، وذكرتها بذلك الوضع الصعب الذي فرضه رونان على أخيها ، وحوله الى انسان يائس مدمر . وتغير مزاجها فجأة ، وتسمرت قدماها وكأنما قيدتهما فجأة بثقل من حديد ، فوقفت وسط حلبة الرقص دونما حراك ، غافلة عن الأجساد التي تدور حولها .
فأخذ رونان يعنف نفسه : (( يا لى من أحمق غبى ! ما الذى جعلنى أذكر اسم ديفي ؟ بعد أن بدأت تسترخي وتستمتع بالحفلة ، اذ بى أذكرها به . . )) .
وكان ما وجده مع ليلى أشبه بدوامة من المشاعر تارة تعلو وطورا تهبط .
ولكنه ، اذا حدث وفكر فى التخلى عنها ، فما عليه الا أن يتذكر مظهرها وهي ترقص . فصورتها وهي تتمايل على وقع الأنغام مبتسمة ، تكفي لتضرم شوقه وتلهفه اليها . ذلك الشوق الذي تحول هاجسا في الأيام الأخيرة .
نظر الى وجه ليلي الجامد ، ورأى التعنيف المر في عينيها ، فتغير مزاجه على الفور .
- نعم ، أنا أخت ديفي ، ولهذا علي أن أحذر أولئك الفتيان من التعامل معك . لأنك لن تكتفى بموسيقاهم ، وموهبتهم ، وانما ستدمر حياتهم وتمتص دماءهم وتقبض على أرواحهم .
- لا أريد الانتقام من أحد غير ديفي .
رد عليها بذلك ببرودة ، والقناعة التامة في صوته .
أرسل الحقد الأسود الذى شاب كلماته قشعريرة خوف باردة فى جسمها الذي كان يتوهج حرارة ، مما جعلها ترتجف متشنجة . عليها أن تبتعد عنه الآن والا أصيبت بنوبة عنيفة من القئ ، هنا فى وسط حلبة الرقص .

.
- . . يجب أن أذهب الى غرفة السيدات .
قالت ذلك وهي تشهق مرتجفة وتقفز مسرعة قبل أن يستوعب ذهنها تماما التواء فمه الساخر لعذرها الكاذب .
وفي غرفة السيدات ، غسلت وجهها بالماء البارد واضعة معصميها تحت صنبور الماء لتهدئ من تسارع نبضها . ليتها لم ترافقه ! انها تكره رونان ، تكرهه وتعشقه فى آن معا . وقد يرتد ذلك عليها سلبا ان اشتعلت شرارة أخرى في جسمها حين يقترب منها .
انها تكرهه الآن أكثر من أى وقت مضى ، لأن هذه الهدنة القصيرة التى سادت بينهما الليلة جعلت معالجة الأمور بينهما أصعب وأكثر استحالة .
فعند عودتهما الى حياتهما العادية ، ستشعر بأنها أشبه بساندريلا عندما دقت الساعة الثانية عشرة . ولكن الأسوأ هو أن عربتها والحصانين قد تحولت الى يقطنة وزوج من الجرذان ، وحتى الأمير الجميل نفسه تحول الى الجرذ الأكبر بينهما .
بقيت في غرفة الاستراحة لبعض الوقت ، ولم تخرج منها الا بعد أن تأكدت من أنها لو تأخرت لحظة أخرى فسيحطم رونان الباب ويخرجها بالقوة . كانت تتوقع تماما أن تجده منتظرا فى الخارج لينقض عليها حالما تخرج ، وكم كانت دهشتها بالغة وهي تراه واقفا عند المقصف بكل هدوء .
- ظننتك اما هربت من النافذة .
قال لها ذلك بنبرة هادئة ، فأذهلتها بدقة تكهناته لأفكارها . وتابع يقول :
- واما أنك أقفلت الباب على نفسك .
- أنا . .

.
وأخذت تفكر في جواب مناسب . لكن رونان لم يكن يصغي . بل أضاف يقول :
- علينا أن نذهب ، حان الوقت لتغيير المشهد .
وحان الوقت لمواجهته بجرأة ، فرفعت رأسها بعزم وقالت :
- وماذا لو أنني لم أشأ ذلك ؟ .
- أتريدين البقاء هنا ؟
وأشار بازدراء ، الى حلبة الرقص الضيقة المزدحمة ، والديكور القذر والجو الخانق بالدخان .
عندما نظرت ليلي حولها ، اذا بفتى في آخر البار يغمزها بعينه بشكل فاسق رافعا كأسه ليشرب نخبها متفوها بكلام بذئ . ولحسن الحظ كانت الموسيقى مرتفعة جدا بحيث طغت على الكلمات البذيئة التي قذفها في وجهها .
- أنا . .
حاولت الكلام ولكنها لم تستطع أن تكمل جملتها .
فقد أطبق رونان على معصمها بقبضته بقوة أجفلتها ، ثم جذبتها بعنف مرغما اياها على أن تتبعه متعثرة وهو يغادر المكان بخطوات واسعة جعلتها تهرول مرتبكة لتجاريه في السير .
- دعني ، يا متوحش .
لم تكن واثقة ان كان يسمعها . لكنه وقف فجأة فاصطدمت بظهره العريض .
وعندما استعادت توازنها ، عادت تقول :
- دعني أذهب .
واستعملت يدها الطليقة لتضرب بعنف ذراعه التي تمسك بها ، شاعرة بقوة عضلاته تحت قماش سترته الحريري .
- كيف تجرؤ على معاملتي على غرار رجل الكهف
الذي كان يجر امرأته من شعرها ؟
- لو كنت أعلم أن هذا ما تفضلينه . .
تعمد رونان جرحها بهذه الكلمات . كانت واثقة من ذلك رغم أنها لم تحب الطريقة التي أخذت يده غير الممسكة بيدها تلامس شعرها الذهبي المنسدل على ظهرها . ولم يتركها الا عندما أخذت تصفر ضيقا ، فابتسم ساخرا وهو يقول :
- أردت ابعادك عن ذلك المكان . لا أريد أن أقف وأتفرج على حثالة البشر يتوددون الى زوجتى . . .
انفجرت تقول :
- زوجتك ؟ أنا لست زوجتك . . ! أنا . . .

.

ولم تستطع أن تكمل جملتها لأن رونان أمسك بيدها اليسرى ورفعها حتى أخذ (( الخاتم )) الذهبي العريض الذي وضعه فى اصبعها منذ أكثر من شهر ، يلمع فى ضوء مصباح الشارع .
- انك تلبسين خاتمي .
قال ذلك بثقة بالغة فى النفس ، دمرت سيطرتها على نفسها . فهبت في وجهه قائلة :
- انه دمغة التملك التي دمغتنى بها . . .
ونزعت الخاتم من اصبعها وأمسكت به مضيفة :
- انه ليس خاتم زواج . . دليل حب وعهود . انه أداة للتعذيب ، وطوق العبيد وضعته في رقبتي . شأنك في ذلك شأن المستبدين القساة الذين لا يعرفون سوى التملك والتدمير .
ودفعته اليه بعنف فكاد يصيب وجهه :
- خذ ! لن ألبسه بعد ذلك لأنه ياوثنى ! .
لم يحرك رونان ساكنا ليأخذ الخاتم منها ، ولكنه أخذ ينظر اليها بثبات وقد تحولت عيناه الى قطعتين من حجر .
- لا تريده ؟ حسنا سأريك رأيى فيه !
واستدارت ، لتواجه قناة الري التي تمر بمحاذاة موقف السيارات ، وقذفت الخاتم في مياهها التي بدت سوداء مخيفة في ضوء القمر . ثم راحت تنظر اليه يتقلب في الجو قبل أن يندفع ساقطا بعنف نحو سطح الماء المصقول كالمرآة . ولكن عندما سمعت صوت ارتطامه بالماء شعرت بالألم وكأن يدا وحشية اعتصرت قلبها بقسوة .
مضت لحظة مفزعة ظنت أن رونان سيعاقبها بعنف على ما فعلته . فقد ازداد توتر كل عضلة فى جسمه ، وتقبضت يداه وهو ينظر فى عينيها بعينين ملتهبتين . فاستجمعت ليلي شجاعتها لمواجهة الانفجار الذي كان على وشك أن يحدث .
- ربما كان هذا للأفضل ، أو ربما للأسوأ .
تمتم ذلك بغموض ، تاركا ليلي عاجزة عن فك رموز الكلمات الخفية ، فقالت غاضبة :
- بل للأسوأ ، وان كنت لا أدري كيف يعقل أن تسوء الأمور أكثر مما هي عليه الآن .
- تريدين الذهاب الى البيت ؟
أدهشها هذا السؤال الى حد مضت ثوان لم تستطع فيها أن تستوعبه .
البيت . . ذاك البناء الذي سيجمعها مع رونان في سكون الليل . . حيث ستذهب الى فراشا وهي تعلم بانه على مقربة منها ، كما كان يحصل في كل ليلة من الأسبوع المنصرم ، فتسمع أصوات تحركاته وهو يستعد للنوم .
وفجأة ، بدت لها الأصوات المجهولة في النادي أفضل كثيرا .

.
- ظننتك جئت الى هنا في عمل .
شعرت بالزهو لعدم الاكتراث الذي تمكنت من اظهاره ، مسرورة لأنها لم تكشف عن المشاعر التي كانت تساورها فعلا .
- لا أريد أن أعيقك . على كل حال ، ما زال الليل في أوله .
- أتريدين متابعة السهر ؟
- لا أريد أن أعود .

تجنبت بحذر النطق بكلمة ( البيت ) .
- ومن يعلم ؟ بما أننى لم أعد مدموغة بطابع ملكيتك . .

لوحت بشكل استفزازى بيدها الخالية من الخاتم تحت انفه ، مركزة نظراتها على شرارة الغضب التي كانت تتطاير من عينيه .
- لعلني أتعرف الى شخص يجعلنى أقضى وقتا طيبا !
كان المكان الثاني
الذي اصطحبها اليه مختلفا عن النادي الذي غادراه للتو ، وشعرت ليلي بفرحة كبيرة لرؤية نفسها آمنة داخل هذه الحانة الصغيرة القديمة الطراز ، حيث الجو مريح هادئ بعكس جو النادي الصاخب والمثير .
وصلا الى الحانة بعد رحلة قصيرة في السيارة ، لم ينطق خلالها رونان بكلمة واحدة .
سألها باختصار عندما أصبحت داخل الحانة :
- أتريدين شرابا ؟ .
- مياها معدنية ، من فضلك .
كان عليها أن تشرب شيئا لتهدئ أعصابها بعد تلك الرحلة المفزعة في الشوارع المظلمة . لكنها رفضت أن تدع رونان يشعر بالانزعاج الذي سببه لها .
كان رونان يقف أمام المقصف عندما شعرت بيد تلمسها برفق .
فالتفتت بحدة ، لترى امرأة شابة طويلة القامة شعرها أسود ومفاتنها بارزة ، فابتسمت لها بتوتر قائلة :
- عفوا ، ولكن هل أنت مع السيد غيرين ؟ .
عندما أومأت ليلي بحيرة ، بدت ابتسامة الفتاة أكثر ثقة :
- اسمي (( آلي غوردون )) . يدير والداي هذا المكان .
قالت ليلى :
- يدهشني أن يريد أبوك البيع .
- آه ، انه لا يريد البيع ، ولكنه مرغم على ذلك .
وبدا الأسى في عينيها الزرقاوين الواسعتين .
- أردت التحدث اليك عن هذا الموضوع . ان أبي مريض . لقد اكتشفنا لتونا أنه يعاني من (( ألزهايمر )) ، ويحتاج الى رعاية دائمة ، ولا تستطيع أمي رعايته وادارة هذا المكان فى آن معا . ان المال ينقصنا .

.
كان رونان عائدا فتمتمت ليلي بسرعة :
- سأرى ما بامكاني فعله
قبل أن تذهب (( آلي )) مسرعة .
ماذا ستفعل الآن ؟ كيف ستقنع رونان بأن يشتري الحانة بثمن يفي بمتطلبات أسرة غوردون ؟
- حسنا ، ما رأيك ؟
قطع سؤال رونان غير المتوقع عليها أفكارها وجعلها تقول بعفوية :
- عليك أن تشتري هذا المكان .
فأجاب ساخرا :
- ألهذه القناعة المفاجئة علاقة بما قالته لك الآنسة غوردون ؟ آه ، نعم .لقد رأيتها تسرع مبتعدة عنك ، ألا تخشين أن آخذ منها كل شئ ثم أستنزفها حتى الجفاف ؟

.
كان لهب الغضب في عينيه يتلاءم مع الابتسامة المظلمة التي أنبأتها بأنه واع تماما للارتباك الذي سببه لها سؤاله الساخر . وضحك متجهما بصوت خافت وهو يتابع قائلا :
- اسمعي ، سأدعك تحضرين المناقشات ، وان رأيت أنني أخدعها ، فكوني صريحة معى . . لم هذا الارتياب يا حبيبتى ؟ أعدك . . بأن أشطب البنود التي لا تعجبك عن عقد البيع .
- لكننى لا أعرف شيئا عن . .
- أنت لست غبية يا ليلي ، وتميزين بين العدل والظلم . فكرى فقط فى ما تتمنيه لديفي ، وطبقيه هنا .
( فكرى فى ما تتمنيه لديفي )
بدا لها وكأن صدى هذه الكلمات يتردد في أنحاء القاعة ، حاملا في طياته معان خفية .
- رونان . . ؟
لكنه تركها وتوجه الى البار حيث كانت تقف غوردون . ولوت ليلي يديها معا في حجرها وقد ملأتها الرهبة وهي تفكر في الدور الذي ستلعبه في مستقبل هذه الفتاة وأسرتها .
ولكن من اللحظة التي دعا فيها رونان الفتاة الى مائدتهما ، وقدم لها شرابا قبل أن يبدأ في تقديم عرضه ، أدركت ليلي أن ما من داع للخوف . فلم يكن في كل ما قاله ما يمكنها الاعتراض عليه ، على الرغم من عدم خبرتها في المعاملات التجارية .
- حسنا ؟

.
سألها رونان بعد أن انتهت المفاوضات ، وتركتهما آلى وحدهما وعلى وجهها ابتسامة واسعة مبتهجة .
- أليس لديك ما تقولينه ؟ لم أتوقع أن تلزمي الصمت .
- ليس لدي ما أنتقده ، انك أكثر كرما مما كنت أتصور .
اعترفت ليلي بذلك صادقة فقال :
- هذا ما حصل عليه ديفي .
وقطب جبينه عندما نظرت اليه بارتياب :
- آه ، بحق الله ، يا ليلي َ! هل اعتقدت حقا أنني قدمت لهذه الفتاة عرضا أفضل مما قدمته لأخيك ؟ فقط لأنها أنثى رائعة الجمال ولها قوام فينوس .
- لـــ . . لا .
لم تشعر بالارتياح وهى تدرك أن الشعور الذي أخرس لسانها لم يكن سببه تعليقاته عن أخيها . بل الغيرة المرة من وصفه لفتاة الأخرى بالرائعة الجمال والمثيرة .

.
حاولت ، بسرعة ، أن تغير الموضوع قائلة :
- أدهشتني الليلة في ذلك النادي اذ لم أحسبك قط معجبا بموسيقى الروك .
- أنا أحب كافة أنواع الموسيقي .
- أتحب الاستماع اليها فقط أم أنك تؤلف قطعا موسيقية أيضا ؟ هل تعزف على آلة موسيقية أيضا ؟
- يا ليت ! لكنها مهارة لم أستطع اكتسابها .
ألقت ليلى رأسها الى الخلف وقد اتسعت عيناها وارتسمت ابتسامة على شفتيها الممتلئتين .
- رونان غيرين العظيم يعترف بالفشل ! انك تدهشني فعلا .
- جيد .
وتراقصت عيناه ، وأضواء الصالة تضفى عليهما بريقا ذهبيا .
- أعرف أن لديك تصورات خيالية عني وأحب ان أحررك منها .
مست كلماته وترا حساسا وهو يشير الى ملاحظة كان قد أدلى بها عن ديفي منذ لحظات ، مدمرا بذلك الوئام الذى نعما به .
- أتقصد مسألة أنك لم تحببني قط ؟ آه ، لا تقلق ! فأنا لم أعد أكافح في سبيل ذلك الوهم ، فأنت حررتني منه تماما .

.
فرد عليها رونان بحدة :
- وهل ادعيت يوما أنني أحببتك ؟ .
هل فعل ذلك ؟ وعادت بذكريتها الى الأسابيع القصيرة التي سبقت زواجها . فقد قال لها ( أريد أن تكوني لي ، عليك أن تتزوجيني ! ) ولكنه لم ينطق قط كلمة عن الحب .
وعلى غرار أي فتاة ، أعمت المشاعر قلبها فضاعت في أحلام السعادة والهناء . وسدت حاجتها الى تلك الكلمات وهي توهم نفسها بالاعتقاد بأنها سمعتها منه فعلا . وقالت تعترف ببطء :
- لا ، لا ، لم تفعل .
أومأ راضيا بعبوس اذ أصبحت الدعوة واضحة ولم يعد ثمة مجال للنقاش .
- والآن . .
لكن ليلي لم تستطع الاحتمال أكثر من ذلك . لن تجلس مكتوفة اليدين وهي تعي مبلغ تفاهة ما كانت تعنيه بالنسبة اليه ، واستغلاله لها بأنانية بالغة لأجل هدفه القاسي .

.
فهبت واقفة دافعه كرسيها الى الخلف ، محدثة بذلك صريرا مزعجا :
- أنا متعبة ، أريد أن أذهب الى البيت .

لكن (( منزل بيلفدير )) لم يعد في نظرها بيتا . فمنذ اصطحبها رونان اليه يوم زفافهما ، فقد معناه . ولم يعد يمثل لها الملاذ الدافئ وها هى تنظر اليه وكأنه من نسج يدي رونان .
- هل تشعرين بالبرد ؟
وكان رونان قد رأى رجفة الحزن التي تملكتها .
- قليلا . . لقد برد المطر الجو .
على الرغم من ان انهمار الأمطار صحبه صقيع ، كانت ليلي تعلم أن احساسها بالبرد هو نفساني أكثر منه جسدى .
- سأشعل النار حتى تدفأ الغرفة بسرعه .
لم تستطع احتمال الرعشة التي سرت فى كافة أنحاء جسمها .
- لا حاجة لذلك .
- لن يستغرق ذلك طويلا . .
زاد اصراره من توتر أعصابها ، ففي كل ليلة كانت تصعد الى غرفتها ساعة تشاء ، من دون تعليق أو احتجاج . لكنه الآن يحاول أن يبقيها ليطيل السهرة .
- قلت لا حاجة لذلك ، انني متعبة وسأكون أكثر دفئا في السرير .
- وحدك ؟
- طبعا وحدى !

.
لكن جسدها الغادر أخذ يخزها مستعيدا ذكرى الأحاسيس التي ساورتها ورونان معها .
- لماذا أنت حريصة على الصعود الى غرفة نومك فجأة ؟
ضاقت عيناه وهو يدور بهما في أنحاء الغرفة وكأنه يبحث عن شئ ما :
- هل عاد ديفي ؟ هل رأيت . . .
- ديفي ؟ لا !
ارتعش صوتها وهي تنطق بهذه الكلمات . لقد كادت تنسى هذه الليلة مسألة ديفي ، وترصد رونان له بالانتقام . وللحظات قليلة تملكتها الرغبة في أن تعود علاقتها مع رونان الى سابق عهدها ، خالية من التعقيدات . وأثناء السهرة ، غالبا ما كانت ترفع عينيها لتجد عينيه مسمرتين عليها بشكل غريب .
وكانت في نظراته المحرقة ، الحدة في المشاعر التي لم يحاول قط أن يخفيها .
حتى عندما غضب منها بقى ذلك التيار الكهربائى يقدح شررا بينهما ، جامعا اياهما معا بمغناطيسية هى أقوى من أن تنكرها .
ربما حري بها أن تستغل ذلك الشعور لمساعدة أخيها .
- رونان . . أرجوك . . بالنسبة الي ديفي .
- لا أريد أن أسمع شيئا عن أخيك المجرم .
قال رونان ذلك وقد استشاط غضبا ولكنها أرغمت نفسها على أن تلح عليه رغم الشراسة في نظراته اليها ، والوعيد
الذي تخلل كلماته .
- ولكن عليك أن تصغي الي . لماذا لا تستعيد هذا المنزل أو تدعني أبيعه حتى أعطيك ثمنه مقابل ما يدين لك أخي به ؟

.
- فتخسرين بيتك بعد أن تخليت عن شقتك ، وأين ستعيشين عندها ؟
- سأتدبر أمرى .
ركزت ليلي انتباهها على ردة فعل رونان وقد أدركت بأن اهتمامه برفاهيتها وسعادتها كان صادقا وغير متحفظ ، مما جعلها تشعر بقلق غريب .
- لا أريد أن أسمع شيئا عن الموضوع . ولا أريد مناقشته بعد اليوم ، أريد أن أنسى كل شئ عن ديفي وآثامه ، هذه الليلة . . أريد أن أتحدث عنا ، نحن الاثنين .
- سبق أن قلت لك انه ليس من شئ يجمع بيننا .
ولكنها ادركت وهي تتكلم ، مدى كذبها . فما قالته مجرد درع هش ضد تأثيره على عقلها وقلبها ، ولو استطاع رونان أن يرى مدى هشاشة درعها هذا لأزاحه جانبا بحركة ازدراء من يده أو بالكلمات المناسية .
- بلى . . فقط ان أنت سمحت بذلك .

.
أحاطتها رقة صوته كالبخور العطري الدافئ مما جعلها تحاول مقاومة تأثيرها المغري بينما هو يتابع :
- ونحن هنا معا . .
فقاطعته بقولها :
- انها مجرد صدفة ! فالسبب الوحيد الذى جمعنا معا هنا . . . .
ولم تجرؤ على أن تذكر ديفي مرة أخرى حتى لا تجازف بأن تعرض السلام الضئيل الذي حل بينهما ، للزوال .
- فبسبب وجودك هنا يجعل ذلك مستحيلا .

- ليس من المنطق أن ننكر .
- نحن . . ننكر . . أنا لست !
لم تستطع أن توضح بالكلمات ما كانت تخشى أنه يعنيه .
- لقد عدت تكذبين على نفسك ، يا عزيزتى .
لم يحرك رونان ساكنا ، ولم يتقدم خطوة نحوها . بل ساد صمت عميق بينهما وكأنه السكون الذي يسبق العاصفة . . وتوقعت أن تسمع في أى لحظة هزيم الرعد وترى لمعان البرق . وأدركت أن حياتها كلها على المحك .

.
- لا شئ يقف بيننا سوى ذلك الرجل الذي لن نذكر اسمه ، وهو ليس هنا الآن ، فما الذي يمنعنا من قضاء بقية الليل معا ؟
ما يمنعنا هو أننى أحبك وأنت لا تحبنى .
كانت واعية تماما لضخامة بنيته وهو يقف بجانبها . فكل عصب فيها تنبه الى رائحة عطره ، وقد سقط شعره الامع على جبينه فوق عينيه المتألقتين . كان من المستحيل ألا تتذكر البهجة التي شعرت بها عندما رقصا معا ، وتلك السعادة التي كانت تشعر بها كلما لمسها .
لم تقل رغبتها في هذا الرجل عن ليلة عرسها مثقال ذرة ، فيومها ، كانت لا تزال بريئة جاهلة بكل ما له علاقة بالحب ، وكل ما جرى بينهما من ذلك الحين ، لم يغير شيئا .
عندما سمعت هانا عن هجر رونان لها قالت لها ببساطة :
- لا عليك ، ثمة الكثيرون سواه .
لكنها لم تكن تريد شخصا آخر . كما أنها لم تكن تريد الا أن يحضنها بين ذراعيه وينهال عليها قبلا ويغرقها في بحر السعادة .
( ما الذي يمنعنا من قضاء الليلة معا )) .
وأخذت نفسا عميقا ، وهي
تعلم أن ليس لسؤاله هذا سوى جواب واحد :
- لا شئ .
سمعت صوتها يقول ذلك قبل أن تكتمل هذه الفكرة في رأسها .
- لا شئ ؟
ردد رونان كلامها بنبرة مختلفة تماما . ولكنه رغم ذلك لم يحرك ساكنا ، اذ كانت ليلي واثقة من أنه يبادلها الاحساس بالارتباك . فحركة واحدة خاطئة وتهرب الى غرفتها الآمنة كطائر مذعور رأى قطا جائعا .

.
ولكن كل لحظة تمكثها هنا ، تزيد من شوقها اليه وهذا الشوق ينهشها الآن من الأعماق . حتى أنها شعرت بالمسافة الضئيلة بينهما ، وكأنها هوة بالغة الاتساع .
- أتعرفين ما تقولين ؟
أتعرف حقا ؟ لم تستطع أن تفكر . . كانت كتلة من المشاعر المخضبة بالشوق ، انها متلهفة اليه وخائفة من تملكه لها .
- أظن أنه من الأفضل أن أغادر الغرفة .
قال ذلك وهو يتوجه نحو الباب . ولكنها هتفت ، من دون أن تعي ما تقوله :
- كلا ! .
- أتقصدين أن وجودي غير مرغوب فيه أم أنك تريدين أن أذهب ؟
- أنا . .
شعرت بغصة في حلقها هددتها بالاختناق ، حتى أصبحت عاجزة عن النطق بكلمة . ولكنها كانت مضطرة الى أن تتكلم فان هو خرج من الباب فقد تموت :
- أنا . . .
ورفعت يديها بيأس أمام وجهها باشارة تنم عن الخوف ، والدفاع :
- ليلي . .
وتقدم رونان نحوها يمسك بيديها ويخفضهما الى أسفل بسهولة جعلت مقاومتها له عبثا . . ورفعت اليه وجها شاحبا منهكا وعينين ذهبيتين واسعتين متألقتين ، فقال بخشونة :
- أنا لا أحب هذه المشاعر أكثر مما تحبينها أنت ولكن ليس بيدنا حيلة ، فالنيران مشتعلة يا ليلي شئنا أم أبينا ، وتتأجج كلما اجتمعنا معا ، ومن الجنون أن نتجاهلها أو نحاول كبحها ، لأنها تقتات من ذاتها وتزداد حدة أكثر مما نتصور .
- أعرف . . هذا .

.
ألم يسبق أن حاولت تجاهلها هي نفسها ، فأخذت تزداد تجذرا في أعماقها مع كل نفس تتنفسه ، وازداد الشوق مع كل دقيقة تمضيها في صحبة رونان ؟ لكن تلهفها اليها يغذيه الحب الذي تكنه له ، بينما رغبته هي مجرد رغبة بحتة خالية من المشاعر كما اعترف بنفسه منذ فترة .
- ولكن ماذا بامكاننا أن نفعل ؟
- يمكننا أن نتوقف عن مقاومتها ، يا جميلتي ليلي . أن نستسلم الى ما نشعر به ، فنطلق له العنان حتى يدمرنا ، ثم ندعو من أعماقنا بأن يخف ، مع الوقت ، ويتبدد .
واقترب منها ووضع ذراعه حول خصرها يشدها اليه لتشعر بخفقات قلبه التي تدوى بين جنبيه .
- يمكننا أن نفعل هذا . .
وضغطت شفتاه المشتعلتان على خدها وحول ذقنها :
- هل هذا ما تريدينه ؟ .
أخذ قلبها يخفق بعنف الى حد أن وقعه في أذنيها كان أشبه بالرعد .
فراحت تطلق أصوات متقطعة :
- سأريك . . .
كان وجهه قريبا من وجهها الى حد خطر ، لكنه ما زال ممسكا عن معانقتها متعمدا بذلك تعذيبها ، وهاتان العينين القاتمتان العميقتان تراقبانها بعنف وهى تئن محتجة .
- ليلى ، كلمة واحدة منك هى ( نعم ) ام ( لا ) تكفى . ولكنني أريد أن أسمعها ، اخبريني هل تريدين هذا أم . . ؟
لكن صبرها نفد وقد خرجت مشاعرها عن السيطرة ، وشعرت أنها ستموت ان لم يعانقها الآن فقالت بصوت خافت :
- نعم .
لكنها خافت ألا يكون سمعها جيدا فكررت بلهفة :
- نعم ، نعم ، جوابى هو نعم .
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 28-09-17, 05:59 PM   #9

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


8 – الأمان الضائع




لم يصعدا الى غرفة النوم بل حملها بين ذراعيه الى الأريكة المخملية الخضراء ومددها واستلقى بجانبها ، من دون أن يبعد نفسه عنها .
وتحولت ليلي الى كومة مرتعشة من الأعصاب . وعيناها نصف مغمضتين ، وأنفاسها ممزقة ، فتشبثت به بيدين عنيفتين تحتضنه بشدة وتتلهف الى معانقته وحبه .
- هذا ما تريدينه ، أيتها السيدة .
أخذ يتمتم مزمجرا بكل شوق جاذبا اياها نحوه . فتاهت عن دنياها وغرفت في بحر متلاطم ، بحر لا قرار له .
مضى وقت طويل طويل قبل أن تعود الى واقعها . ولكن وهي تستفيق من بين هذه الأمواج الحارة التي اجتاحت كيانها ومشاعرها ، حاولت جاهدة أن تتعلق بضباب الأحاسيس التي غلفت أفكارها ، ولم تشأ أن تواجه حقيقة أن البركان
الذي تفجر بينهما كان كل شئ وأن لا مشاعر أخرى تبنى عليه .
.
لم يكن ذلك يعني شيئا ، فعاجلا أم آجلا ستنتهي هذه الملحمة ولن يبقى لها منها سوى الذكريات . لكنها ، حاليا ، لن تشغل بالها بهذه المسألة لأنها حصلت على كل ما تريده ، وستواجه الحقائق في حينها ، والى ذلك الوقت ، ستتظاهر وكأن شيئا لم يكن .
.....................
أخذت ليلي تتقلب في فراشها وهي تتثاءب ، وتتمطى باستمتاع ، ثم تسمرت مكانها من دون حراك .
رأت بجانبها مساحة خالية ، مساحة كان جسم رونان الدافئ القوي يشغلها ، ولكنها الآن خالية وباردة .
واذ لاحظت أن الشمس تتوهج من خلال الستائر نظرت الى الساعة بذعر .
- العاشرة والنصف ! ولكن هذا غير ممكن .
كانت تحدق في ساعتها ، مذهولة عندما انفتح الباب بعنف ودخل رونان الغرفة يحمل صينية بين يديه .
- صباح الخير ، يا صاحبة عيد الميلاد ، هو ذا الافطار .
- الافطار . . لكنني لا أستطيع . . أنا . .
- عودي الى الفراش !
وضع الصينية على منضدة الزينة ثم أمسك بها بحزم عندما ألقت عنها اللحاف وهمت بالنهوض من فراشها .
- رونان ، لا أستطيع . انظر الى الساعة . كان على أن أذهب الى العمل منذ ساعات علي أن . .
وسكتت مرة أخرى عندما هز رأسه نفيا .
- ليس عليك أن تفعلي شيئا سوى العودى الى فراشك وامتاع نفسك .
.
وعندما حاولت أن تتلوى لتخلص نفسها من تلك اليد الحازمة على كتفها أضاف قائلا :
- اثبتي مكانك ، يا امرأة ! لا أحد ينتظرك . فلقد اتصلت بهم وأخبرتهم بأنك لن تذهبي الى العمل اليوم .
- ماذا ؟
وتملكها الذهول وعادت تستند الى الوسائد وهي تحدق اليه بارتباك واضح :
- ولكن لماذا ؟ .
وتنبهت فجآة الى ما قاله رونان حين دخل الغرفة فتأكدت من أن ما سمعته صحيح .
- كل شخص يأخذ يوم عطلة في عيد ميلاده . وفضلا عن ذلك ، وضعت برنامجا لهذا اليوم ، لا يشمل مجموعة من بائعي الزهور .
- أوووه !
أظهرت ليلي بذلك اشمئزازا ضاحكا وعادت لتسأله وذهنها مشوش :
- كيف علمت أنه عيد ميلادي ؟
وضع الصينية على حجرها بقوة دلت على أن مزاجه قد تغير الى الأسوأ ،
وقال بصوت متوتر :
- كنت حاضرا حين قدمنا طلبا للحصول على رخصة الزواج ، وكان علينا ، حينذاك ، أن نذكر تاريخ ميلادنا .
.
هذا صحيح . وتنهدت ليلي وهي تمد يدها لتثبت فنجان القهوة الذي كاد ينقلب عندما وضع الصينية بخشونة . كان عليها أن تتذكر ذلك لكن ادراكها بأن زواجها لم يكن مهما اليه جعلها لا تتوقع أن يتذكر أي جزء منه ، خاصة التفاصيل الصغيرة مثل تاريخ عيد ميلادها .
قال لها بلؤم وهو يلقي اليها بمجموعة من البطاقات الملونة المهنئة بعيدها :
- انها لك . . لا شئ من ديفي ، لقد تفحصتها .
راحت ليلي تجمعها وهي تفكر بتعاسة في أنه لو وجد بطاقة من ديفي لتفحص دمغة البريد واتصل بمخبره الخاص ليعلمه عن مكان ديفي .
وشعرت ليلي بالمراره وهى تدرك أنه ، حتى في هذا اليوم ، لم ينس ثأره من أخيها .
فقالت له :
- لم نكن نعر أعياد ميلانا اهتماما .
والحقيقة هي أن والديها لم يعيشا ليحضرا عيد ميلاد ديفي الحادي عشر .
وبعد وفاتهما لم تسمح لها أوضاعها المادية بشراء الهدايا أو الاحتفال بالمناسبات .
.
- لقد اعتادت روزالى أن تقول : (( على كل شخص أن يشعر بأهميته وان ليوم واحد في السنة )) .
كانت ليلي تهم بفتح احدى البطاقات ، فلم تلاحظ صمته المطبق الى أن طالت مدته . واذ شعرت بانزعاج للتوتر المفاجئ الذي ساد حولها ، رفعت راسها وهي تقطب جبينها متسائلة :
- روزالى ؟ .
سألته قلقة للتغير الذي أصابه وهي ترى الدفء في عينيه يتحول الى كآبة .
- فتاة كنت . . أعرفها .
وكان صوته يوازى عينيه كآبة .
- أهي فتاة مميزة بالنسبة اليك ؟
بدا جليا أنه كان يحبها ، وذلك واضح . فالطريقة التي ذكر فيها اسمها أزالت شكوكها .
وقال هو باختصار :
- مميزة جدا . . .
كان واضحا أنه لا يريد أن يسهب فى جوابه ، ولم تجرؤ ليلي على الضغط عليه . لعل روزالي هذه كانت حبيبة سابقة ، وهذا يفسر عدم رغبته بالحديث عنها الا أن مجرد الظن في أنه قد أحب تلك المرأة أكثر مما أحبها هي ، جعل عينيها تغرورقان بدموع محرقة حاولت أن تغالبها بشدة .
- تناولى فطورك قبل أن يبرد .

جاهدت ليلي لتذعن لطلبه ، لكنها غصت بالطعام فلم تستطع ابتلاعه .
ما الذى حدث بين رونان وروزالى تلك ؟ أكانت هي من أنهى علاقتهما ؟
اذ يبدو أنه يكن لها مشاعر قوية . . أم . .
صعقتها هذه الفكرة المزعجة فلم تستطع التنفس . أترى روزالي هذه ، كانت هي ضحية كراهية رونان السوداء لديفي ؟ أيعقل أنه تخلى عن الفتاة الأخرى ليتزوجها هي ، ليلي ؟ أيعقل أنه عند انتهاء زواجهما المهزلة هذا سيحرر نفسه منها ليعود الى حبيبته السابقة ؟
وقطع صوت رونان عليها أفكارها .
- انك تحدقين فى تلك البطاقة منذ أكثر من دقيقة .
فقالت وهى مجفلة :
- كنت . . أقرأ الشعر .
.
قالت ذلك وهي تدرك بأنه لم يقتنع بتفسيرها من خلال النظرة الساخرة التي ألقاها على أبيات الشعر الأربعة التافهة تلك . ولكي تصرف ذهنها عنه ، تناولت البطاقة الثانية .
كانت هذه من رونان نفسه وقد ظهر عليها خطه المعبر عن قوة ثقته بنفسه . فأخذ قلبها يخفق بعنف وهي تفتح المغلف .
مضت ثانيتان غامت أثناءهما عيناها فلم تستطع التركيز على الصورة التي على البطاقة ، ولكنها استطاعت أن تميز نسخة عن لوحة سبق أن قالت له أنها تحبها .
- انها رائعة . . شكرا .
ماذا كنت تنتظرين ، يا غبية ؟ أن يشتري لك بطاقة شاعرية مزخرفة تقول :
- الى زوجتى الحبيبة مع كل حبي ؟ .
فبالرغم من عيوب رونان ، الا أنه ليس منافقا ليكذب بهذا الشكل .
- والآن ، ماذا تحبين أن تفعلي اليوم ؟
- ظننت أن لديك برنامجا .
- وضعت برنامجا للسهرة . خطر لي أنك تريدين أن تختاري بنفسك كيف ستمضين نهارك ؟
- هل يمكننا الخروج الى البراري ؟
- أينما شئت .
ونزل عن السرير ، آخذا معه البطاقات المطروحة .
- ما رأيك لو تفكرين في الأمر بينما ترتدين ملابسك ثم تخبريني بما استقر عليه رأيك ؟ فرغباتك اليوم أوامر .
ليتها تستطيع فقط أن تصدق هذا ! ليتها تستطيع أن تخبر رونان بما يدور في رأسها وقلبها ! ولكنه ، لو لم يذكر اسم (( روزالى )) لأفضت له بمكنونات قلبها .
فمجرد التفكير في ردة فعله ان أخبرته أن ما تتمناه أكثر من أي شئ ، هو أن يغدق عليها حنانه ، أن يستلقي بجانبها ويحتضنها بشدة ، ويغرقها بحبه الى حد ينسيها روزالي تلك . . أو ديفي ، أو أي شي آخر .
.
اغتسلت وارتدت ثوبا أخضرا منقوشا بالأزهار وفتحت باب غرفتها لتنزل الى الطابق السفلي واذا بجرس التليفون يرن فنزلت السلم مسرعة واختطفت السماعة في الوقت الذي ظهر فيه رونان عند عتبة الباب .
- آلو ؟
وخفق قلبها عندما لفظ صوت مألوف للغاية اسمها .
- آه ، ديفـــ . . .
فعادت تصحح قولها بحذر ورونان يراقبها بحدة :
- ديزي ، ما أجمل أن أسمع صوتك ! .
فرد عليها أخوها بحيرة واضحة :
- ديزي ؟ ليلي ، ما الذي . . ؟ .
- انها (( ديزي مارتنت )) يا رونان .
وتعمدت نطق الاسم بوضوح :
- انها صديقة من أيام المدرسة .
فقال ديفي بصوت يائس مزق قلبها :
- ألا يزال عندك ؟ أهذا ما تحاولين قوله ؟ .
فأجابت متصنعة المرح :
- نعم . لابد أن ذلك كان في السنة الماضية . . كلا ! .
صرخت برعب وقد فوجئت برونان يختطف السماعة من يدها . لابد أن نظراتها أو لهجتها هي التي كشفت أمرها . أما رونان فأخذ يحدق في السماعة وكأنه يعتقد أنه ديفي نفسه .
- لا ، يا رونان !
تمنى رونان لو كان بوسعه أن يلوي عنق ديفي ، فهذا الوغد يعلم أن اليوم هو عيد ميلاد ليلي ، وكان حري به أن يراعي شعورها ولو مرة واحدة .
لم يخف عليه شحوبها المفاجئ حين سمعت صوته ، ودموعها التي تلألأت في عينيها المتألقتين ، فكانت خير برهان على الكدر الذي شعرت به . لا تستحق ليلي أخا مثله ، كما أنه لا يستحق أختا مثلها .
.
أخذ رونان يصر على أسنانه ، محاولا أن يكبح غضبه البالغ ، فمنظر ليلي لوى قلبه بعنف ، وذكره بما شعر به يوما تجاه ديفي كورنويل . فقد أعجب بهذا الذي لا يستحق أن يذكر اسمه ، وشعر بالعطف نحوه وصمم على أن يزيل من أمامه كل العوائق ، واذا بكل شئ يرتد عليه شؤما .
ولكن هل من الممكن أن تجد تفسيرا لما حدث ؟ لو أن ذلك الأحمق يأتي الى البيت ، لتوصلا الى تسوية بشأن هذا الوضع الجهنمي ولانتهى الأمر . كان عليه أن يخبره . .
ولكن عندما نظر الى ليلي أزالت تعابير وجهها كل فكرة عقلانية :
- كورنويل !
أرسل صوته رجفة في جسم ليلي ، وتصورت شعور ديفي وهو يسمعه :
- الى أي جهنم لعينة ذهب . . !
- وماذا توقعت غير ذلك ؟
كان صوت ليلي متوترا وساقاها ترتجفان ، فمدت يدها الى حاجز السلم تستند اليه .
- ماذا حدث يا رونان ؟
تابعت كلامها وهي تراه يضع السماعة بعنف وقد أظلم وجهه :
- هل أفلتت فريستك منك مرة أخرى ؟ .
وتنبهت الى النظرة الشرسة التي بدت في عينيه وهو يلتفت اليها ، وكأنه أشبه بنمر جائع تملكه الاحباط بعد افلات فريسته منه .
- هل كنت تأمل أن تشغله بالحديث حتى يصل اليه المخبر السري الذي استأجرته لاقتفاء أثره ؟ أتراك وضعت آلة للتصنت على هاتفي أم أنهم يسجلون لك كل مخابراتي ؟
فرد عليها بحدة :
- لا تكوني غبية ، أنا لا أفعل شيئا كهذا .
- حقا ؟ حسنا ، انني لا أستخف بقدراتك ، فحين يتعلق الأمر بديفي ، تأكلك الكراهية فلا تعود تفكر بشكل مستقيم . ولكن يقال ان الانتقام يرتد عليك فتصبح نكدا فظا على خلاف ما تتوقع .
- - اسأليني أنا عن ذلك .
قال ذلك بصوت خافت غامض لم تستطع تفسيره .
وأخذ يتساءل متأملا . ما الذي حدث لقوة قناعته التي ساقته منذ البداية ؟ يبدو أنه أضاع ذلك في مكان ما أثناء الطريق ، وحل محله شعور بأن الأمور لم تكن بالوضوح الذي كان يظنه .
- أراك تنظرين الي وكأنني شيطان مريع ، خاصة في ما يتعلق بأخيك الغالي . هل هذا يعني أنك ألغيت رحلة هذا اليوم ؟
- هذا صحيح .
ولكن ما ان سمعت ليلي نفسها تتلفظ بهذه الكلمات ، حتى اضطرت لمراجعة نفسها . هل هو حقا من النذالة والشر كما جعلها ديفي تعتقد ؟ وبالرغم عنها ، عادت بالذاكرة الى تلك الليلة في الحانة ، عندما أبدت رأيها في الشروط التي قدمها الى آلي غوردون ، فقال : ( انها شبيهة بما حصل عليه ديفي ) . لكنها حينذاك ، لم تهتم بما قاله اذ أن عنف علاقتهما محى من ذهنها كل الأفكار الأخرى . وها هي الآن تجد نفسها مرغمة على أن تفكر فيها بارتباك ، فقالت له ببطء :
- لم تشتر المكان الآخر .
قطب رونان جبينه بحيرة لتغييرها الموضوع فجأة ، لكنه عاد بعد ثانيتين فأدرك ما
الذي تتحدث عنه .
.
- النادي ؟ ليس فيه شئ غير عادى .
مع مرور الوقت أصبحت ماهرة في قراءة ملامحه ، فأدركت أن تعليقاته العفوية تخفي أشياء لم يقلها ، ولا يريد أن يقولها .
- وهل كان في ديفي شئ غير عادى ؟
بدت عينا رونان غائمة عاصفة ، تكشف أكثر مما يريد ، فأجابها برزانة :
- نعم ، كان في ديفي شئ غير عادى .
- أخبرتى . .
فقال بغضب :
- ليس الآن ! ربما تفسدين عيد ميلادك بالحديث عن أخيك . ولكنني ، بصراحة ، سئمت من سماع اسمه . كان من المفروض أن يكون هذا النهار مميزا بالنسبة اليك . ولكنك أوضحت أنك لا تريدين الخروج ، وتفضلين الموت على الذهاب الى أي مكان معي . ولكن ألن تقبلي هذا أيضا ؟ .
ولم تدرك ليلي الا بعدما رفع يده اليسرى أنه كان يحمل علبة صغيرة مربعة ملفوفة بورقة فضية رائعة الجمال .
- ما هذا ؟
لم تقوى على كبح فضولها .
- هدية عيد ميلاد .
قال ذلك بشبه ابتسامة جانبية .
- لي أنا ؟
.
- طبعا لكِ . فعادة في أعياد الميلاد يقوم الأقارب والأصدقاء ، والأزواج أحيانا ، بتقديم هدايا لصاحب العيد .
ومد يده بالعلبة يغريها بها ، مداعبا ، وعيناه القاتمتان مسمرتان على وجهها :
- ولكن اذا كنت تظنين أن قبولك لها يشبه بيعك لروحك . . .
واذ بها تصعق ويتملكها الذعر عندما ألقى فجأة بالعلبة في صندوق القمامة فسقطت محدثة صوتا مكتوما ينذر بالنحس ، وهتفت محتجة بشكل آلى :
- رونان ! هذا غير معقول ! .
لكنه هز كتفيه بلا مبالاة قائلا :
- اشتريته لك ، فان لم تقبليه ، فهو . . .
- آه ، بل أقبله !
خرجت هذه الكلمات من فمها قبل أن تفكر في عواقبها . فقد كانت ممتنة لأنه خرج واشترى لها شيئا .
- كنت أعلم أن ما من امرأة تقاوم سحر الهدايا .
.
تجاهلت السخرية اللاذعة في صوته هذا وهي تستعيد العلبة من صندوق القمامة . لكنها رفعت بصرها لتلمح الابتسامة الهازلة التي لم يستطع كتمها وهو ينظر اليها .
وخطر في بالها فجآة أنها كانت هدفا لخطة بارعة صرفت ذهنها بعناية عن القضية التي بين يديها ، وبهذا لا يكون عليه أن يجيب عن أسئلة غريبة .
ولكنها قررت حفاظا على السلام بينهما ، أن تترك الأمور على حالها .
عليهما أن يستمتعا بهذا اليوم رغم كل شئ .
فنبذت من ذهنها كل ما يقلقها بينما كانت تمزق الورقة الملفوفة بها العلبة .
- آه ، يا رونان !
كانت تتوقع زجاجة عطر ، أو حلية ثمينة ، ولكنها ذهلت حين وجدت كتابا قديما مغلفا بالجلد يتعلق بهندسة الحدائق ، ويتضمن رسوما يدوية رائعة لكل أنواع الأزهار . كانت هذه الهدية الذي تتمنى شراءه لنفسها لو كان بامكانها دفع ثمنها .
- انه رائع الجمال .
وتهدج صوتها . لابد أنه أمضى وقتا طويلا في البحث عن الكتاب ، فجاء اختياره له بالغ العناية الى حد لم تتوقعه قط .
- لا أدرى كيف أشكرك .
- سأفكر في طريقة لتشكريني بها .
وتبخر شئ من سرور ليلي ، فنظرت اليه بحذر ، والتقت عيناها بعينيه القاتمتين بشئ من الريبة ، فضحك قائلا :
- آه ، يا ليلى ! كم أنت شفافة . هل هذا هو الشئ الوحيد الذي تظنين أننى أريده منك ؟ ثمة أشياء أخرى في الحياة .
فسألته بخشونة :
- مثل ماذا ؟ .
صحيح أن في الحياة اشياء كثيرة ، ولكن بدا أن كل ما يريده منها أن تطارحه الغرام .
- ما رأيك لو نعلن الهدنة اليوم وننسى كل شئ عن أخيك ، ونستعيد ذكرى الأيام الأولى لتعارفنا .
لكنه يومها ، تعمد البحث عنها ، بعد أن رسم خطة الانتقام بكل تفاصيلها ، بينما هي كانت بريئة ساذجة وفريسة سهلة لاغرائة . رباه كم هي بحاجة الى تلك الهدنة ، وان ليوم واحد فقط ، كما قال . فقضاء أربع وعشرين ساعة معه من دون خصام هي أجمل هدية قد تتلقاها في عيد ميلادها .
.
وعندما لم تجب ، اندفع يقول :
- ليلى ؟ .
حثتها نبرة العنف التي نطق بها اسمها ، على أن تسرع بالقول :
- لا بأس ، اننى موافقة .
بعد أن أعلن رونان الهدنة ، بذل جهده لارضائها وتسليتها . وفي المساء بعد أن غيرت ملابسها وارتدت ثوبا مخمليا برونزي اللون يعكس لون عينيها ، اصطحبها لتناول العشاء في الخارج .
ولكن الشرخ الصغير الوحيد الذي عكر صفو استمتاعها ، ذكرها مكرهة بأن الأمور ليست بالكمال الذي تبدو عليه . فالمطعم الذي اختاره رونان لم يكن المفضل لديهما في المنطقة . اذ أنه لم يستطع أن يأخذها الى ذلك المكان حيث عرض عليها الزواج . وعند نهاية الأمسية ، التفتت ليلي اليه تقول بصدق :
- لم أحظ منذ سنوات بعيد ميلاد رائع كهذا يا رونان ، أشكرك كثيرا ، فقد استمتعت حقا بكل شئ . . .
لكنه لم يصغ اليها اذ كان انتباهه متجها الى شئ غير مرئي وراء ظهرها . وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة غريبة خفية ، وأخذت العينان الفولاذيتان تلتمعان .
- رونان ؟ ماذا . . . ؟
أثار صوت خافت فضولها فالتفتت لترى قالب الحلوى في يدي النادل ، تحف به الشموع المشتعلة ، فتجمدت رعبا .
وبهر عينيها اللهب الذهبي المتراقص اذ كان قريبا منها الى حد أنها شعرت بحرارته على جلدها ، وسمعت الفحيح الخافت وهسيس النيران ، وشمت رائحة الدخان المتصاعد .
- لا !
وخنقها الذعر ، وأخذت دقات قلبها تتسارع وتصاعدت الدماء الى وجهها وأخذ رأسها يدور وشعرت بالغثيان .
- عيد ميلاد سعيد ، يا ليلي .
في خضم تلك الفوضي ، سمعت صوت رونان وكأنه آت من بعيد .
ولكنها عجزت عن الحراك أو الاجابة أو حتى الافصاح عن خوفها .
- ليلي ؟
.
كانت عيناها متسعتين جامدتين برعب بالغ ، وتصلبت أعضاؤها بفعل الخوف والرفض ، ورفعت يدها تغطي فمها الذي كان مفتوحا بصرخة صامتة . فقد تحول شعاع الشموع الرقيق في رأسها الى نيران هائجة ، تحرق كل ما هو عزيز وغال على قلبها .
- لا !
أطلقت صرخة عالية غريبة ، بصوتها الذي وتره الذعر ، وذلك بعد ثوان من الاضطراب .
- لا ، لا ، آه ، يا الهي . . لا ! أبعده من هنا .
اخترق صوت هادئ دوامة الرعب في رأسها وقفز رونان واقفا وهو يدفع النادل جانبا بيده القوية :
- خذ هذا الشئ اللعين من هنا . . الآن .
ووقف بينها وبين اللهب المخيف قامة فارعة قوية ، وصدر رحيب .
اختطفتها ذراعان قويتان تواسيانها وترفعانها وتضمانها الى حرارة جسده ، فوضعت رأسها على صدره حيث كانت خفقات قلبه المتسارعة .
- ليلي ، حبيبتي ، لا بأس عليك . أنت آمنة . . آمنة تماما .
آمنة
، أخذ صدى هذه الكلمة يتردد داخل رأس ليلي في محاكاة مزعجة لصرختها المذعورة .
ولكن حتى خلال الرعب ، والذعر وألم الذكريات التي أيقظها منظر اللهب ، برز احساس آخر . . احساس دمرها كليا .
شعرت بموجة من السرور والبهجة في اللحظة التي أخذها فيها رونان بين ذراعيه ، احساس رائع بالأمان هو أشبه بالعودة الى الديار بعد رحلة طويلة متعبة .
.
لكن الحقيقة المرة هي أن احساسها بالأمان بني على أساس زائف ، فحركة واحدة خاطئة وتنهار معها علاقتهما الشامخة الى الحضيض ، لأن رونان لا يكن لها الحب بل مجرد رغبة حسية كما قال بوضوح تام .
كان قادرا تماما على استغلالها لمتعته الخاصة ليرحل بعدها بهدوء من دون أن يؤنبه ضميره . فقد سبق وفعلها مرة ، وهي تعلم أنه مستعد تماما لمعاودة الكرة .
حري بها اذن أن تواجه الخطر الذي هو أكبر من ذلك الذي يحدثه اللهب ، فخطر المشاعر التي تتعرض له أسوأ بكثير من أي خطر جسدي ، ولهذا لن يمكنها أن تكون آمنة مرة أخرى أبدا بعد اليوم .
ـــــــــــــــــــــــــ ـ


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 28-09-17, 06:01 PM   #10

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



9 – الأمس يصنع اليوم


- أتشعرين بأنك مستعدة للحديث عن ذلك ؟
كان قد مضى حوالى الساعة ونصف الساعة منذ قذف بها مرأى الشموع على قالب حلوى عيد ميلادها الى حفرة الخوف السوداء التي لم تستطع أن تصعد منها الا بعد جهد بالغ . وبقيت أثناء ذلك متشبثة برونان الذى كان صخرة من القوة .
فقد أخرجها من المطعم بعد أن ألقى برزمة من الأوراق المالية على المائدة ثمنا لوجبتهما التي لم يكملاها ، واصطحبها الى سيارته لينطلق بعدها متوجها الى البيت من دون أن ينبس ببنت شفة الى أن استلقت على الأريكة في غرفة الجلوس وسكب لها كوبا من عصير الليمون .
- اشربى هذا .
- لا أحب عصير الليمون .
فنظر اليها ساخطا :
- اشربيه ! .

.

فانصاعت لأوامره وراحت ترتشف العصير وهي تنظر اليه يسكب لنفسه كوبا من العصير ، ثم تهالك على كرسي أمامها ، مادا ساقيه الطويلتين أمامه . ولكن بعد أن ارتشف جرعة واحدة من كوبه وضعه جانبا واستقام في جلسته ، مشبكا يديه معا ومريحا ذقنه عليهما . وأخذ ينظر اليها متأملا بحدة وسألها :
- اتريدين التحدث عن الموضوع ؟ .
- ماذا تريد أن تعرف ؟
- كل شئ . لماذا تصرفت بتلك الطريقة وكأن العالم انتهى فقط بسبب . .
أخفت الحدة في صوته شعوره الحالي . ما كان ليستطيع أبدا أن يصف ما أحس به عند رؤيتها تنهار أمامه ، وقد غمر الرعب والحزن عينيها . لقد أراد أن يأخذها بين ذراعيه دون أن يتركها أبدا وأن يعدها بأنه سيجعلها آمنة من الآن والى الأبد .
لكن هذا النوع من الوعود لا يصدر الا عن شخص يحبها وتبادله هي الحب . وفي تلك اللحظة بالذات ، لم يكن يعرف ما يشعر به .
- أبسبب تلك الشموع ؟
وضعت ليلي كوبها بعنف على المنضدة ودهشت اذ أنه لم يتحول أشلاء .
- نعم ، لأن تلك الشموع ذكرتنى بأسوأ يوم في حياتي ، اليوم الذي ذهبت فيه حياتي بأكملها طعمة للنار . وفقدت كل ما كنت أحبه . اليوم الذي مات فيه والداي حرقا في بيتهما !

.

لم يتوقع ما قالته لذا بدت الصدمة عليه وهو يلقي رأسه الى الخلف بينما عيناها العاصفتان تحملقان فيه وكأنها صفعته على وجهه .
- ماذا حدث ؟ هل تشعرين بأنك مستعدة للحديث عن ذلك ؟
أنبأها تكراره الواضح لسؤاله السابق بمثل هذه اللهفة ، بطبيعة شعوره . فرؤية رونان المتعجرف الناجح الواثق من نفسه ضائعا لا يجد ما يقوله ، حثتها على استجماع شجاعتها .
جلست منتصبة وهي تسوي خصلات شعرها الأشقر المتشابكة ، باحثة عن الكلمات المناسبة .
- كان ذلك ليلة رأس السنة . وكانت الزينة موزعة في كافة أنحاء الصالة ، لأننا لا ننزلها الا عندما تحين الساعة الثانية عشرة ليلا . . ربما لو كنا . .
وتلاشى صوتها وهي تجاهد في استجماع ذكرياتها . و انتظر رونان صامتا ريثما تستعيد الكلام .
- كان لدينا في غرفة الجلوس ، مدفأة قديمة الطراز يعلوها رف خشبي .
وكانت والدتي تحب أن تزينه بالشموع والأجسام الصغيرة وتنثر بينها القطن ، حتى يخال للناظر اليه بأنه أمام مشهد ثلجي . هل تعرف ما أعني ؟
ورفعت بصرها الى رونان لترى ان كان قد فهم قصدها ، واذ بها تتسمر مكانها ازاء الوهج العنيف في عينيه المتفحصتين الساكنتين . كان تركيز مشاعره من القوة بحيث مضت ثانيتان قبل أن يومئ برأسه مجيبا .
- كان ديفي صغير السن ، ومفتونا بالشموع ، ويحاول دوما أن يشعلها بنفسه ، اما بالكبريت ، واما باشعال ورقة من المدفأة . . .

.

أخذت الذكريات السوداء تخفق في ذهنها كأجنحة قوية ، وهي تجاهد في ابتلاع غصة في حلقها . واذ لاحظ رونان كربها ، فضل الانتظار بصمت الى أن تستعيد سيطرتها على نفسها وتتابع كلامها .
- ليلة رأس السنة ، سهرنا جميعا لنستقبل السنة الجديدة ، وبعد أن أرهقنا السهر خلدنا الى الفراش . ومع أن أبي كان يحرص دوما على وضع السياج أمام المدفأة قبل ان يصعد للنوم ، الا أنه في تلك الليلة ، تطاير بعض الشرر الى الستائر ، أو سقطت بعض الزينة ، لم يستطع أن يعرف . .
وتوقفت عن الكلام وهزت رأسها بيأس وهي ترفع يدها لتمسح دموعها .
- واحترق المنزل بأجمعه . استيقظت على أبي وهو يخبط على باب غرفة النوم صارخا لي بأن أنهض من فراشي ، وأثناء ذلك كانت غرفة الجلوس قد اشتعلت . .
وأظلمت عيناها وهي تتذكر ذلك الاحساس .
- أخرجنا أبي أنا وديفي من نافذة غرفة النوم ، ولكن أمي بقيت لتبحث عن شئ ، فعاد ليحضرها ولم أرهما بعد ذلك . . . كان الدمار هائلا . علمت بعد ذلك أن السلالم انهارت وعلق أبي وأمي في الطابق الأعلى .
تحرك رونان فجأة فأخذ كوبه وارتشف ما تبقى فيه جرعة واحدة ، اذ لم يجد أمامه خيارا آخر حتى يمنع نفسه من احتضانها ، لأنها ما كانت لترحب بمثل هذا التصرف منه خاصة . فلديها ما يكفيها لمواجهته ولا ينقصها المزيد من الضغوطات .
سألها بصوت أبح :
- كم كان عمرك حينذاك ؟ .
- سبعة عشر .
- وديفي ؟
- احدى عشر سنة ، وصادف عيد ميلاده بعد دفن والدينا بيوم .

.

كانت الكلمات وحدها صعبة بما يكفي . لكن ما زاد الطيب بلة هو وقوف رونان على الحياد ، حتى أنه لم يتحرك من مجلسه لمواساتها أو احتضانها والتخفيف عنها .
وكم كانت تتوق ليأخذها اليه ويحيطها بذراعيه القويتين ويهمس في أذنها كلمات تواسيها .
ولكن الحقيقة القاسية صفعتها بقوة مضيفة جرحا آخر الى جراح قلبها .
فرونان لا يهتم لأمرها وقلما يكترث لحزنها . صحيح أنهما خلال الأيام الماضية ، كانا يقطنان معا تحت سقف واحد ويتطارحان الغرام الا أن الأمر كان يقتصر على ذلك فحسب .
شعرت ليلي ، فجأة ، بالانهاك ، فارتمت على الوسائد خلفها .
- وماذا حدث لكما ؟
وضعونا في نزل حيث أمنوا لنا المنامة والفطور . ولكن كره ديفي ذلك ، ولم يستطع أن يتكيف على العيش مع أناس كثيرين ، خاصة وأن بعض الغلمان الأكبر منه سنا كانوا يحاولون اخافته .
- هل هذا سبب مبالغتك في حمايته ؟


بدا في عينيها لمحة من التمرد وهي ترد عليه بحدة :

- أنا لا أبالغ في حمايته ! فديفي يصغرنى بكثير وشعرت بالمسؤولية نحوه ! كان خائفا ضائعا ويفتقد أبوينا كثيرا ، وخلال وقت قصير ، وجدت لنفسي عملا واستأجرت شقة سكنت فيها مع ديفي .

- ومن كان يرعاكما ؟
كان هذا آخر سؤال توقعته ، نظرت الى عيني رونان بحدة . فدهشت وهي ترى مبلغ شحوبه وانهاكه . فقد بدا وكأنه فقد كل لون .
- كنت الأكبر سنا . والأهم أنه لم يكن علي أن أعيش مع ذلك الرعب
الذي كان يتملك أخي .
ضاقت عيناه بحدة ، واخترقتها نظراته بكل قوة أشعة الليزر :
- أي رعب ؟ .

.

- ظن نفسه مسؤولا عن موت والدينا . فقد اعترف لي بأنه لم يستطع أن ينام في تلك الليلة فنزل الى الطابق الأسفل ولم يستطع
أن يقاوم رغبته في اشعال الشموع مع أنه كان ممنوعا من ذلك وقبل أن يعود الى فراشه نفخ عليها وأطفأها . لكنه لم يكن واثقا تماما من ذلك .
لأول مرة في حياتها تكشف عن ذلك الرعب الذي كان يعاني منه أخوها طوال السنوات الماضية . كان هذا هو الظل الذي يرافق ديفي يوميا ، ويسبب له الأحلام السوداء التي تدمر سكينة نفسه في الليل .
- مسكين ديفي .
ودهش رونان وهو يرى نفسه يشعر بالأسف لأجله :
- هل هذا ما يسبب له تلك الكوابيس ؟ .
أذهلها تعاطفه هذا ، ولم تستطع سوى أن تومئ ايجابا وقد أغرورقت عيناها بالدموع . ثم عقدت ذراعيها على صدرها بضعف وكأنها تزود نفسها بما تحتاجه من مواساة .
- انه . . انه يحلم بالنار .
وفرت دمعة من جانب عينها منعتها التعاسة والانهاك من أن تمسحها .
- وهذا ما يصيبني أنا أيضا ، عندما تهزمني الظروف ، تنتابني الكوابيس . .

.

- أواه . . يا ليلي !
تحرك أخيرا رونان وأسرع يأخذها بين ذراعيه ويشدها الى صدره الدافئ القوي ، ومزقت مبادرته هذه آخر خيط في سيطرتها على نفسها فانهارت عليه ، ويداها تتشبثان بقميصه وهي تشهق بالبكاء .
احتضنها ببساطة وشعرت بقوة ذراعيه حولها ، وسمعت صوته يهمس لها مواسيا ، مخففا عنها حتى مرت العاصفة واستعادت هي بعض الهدوء وتحولت شهقاتها الى لهاث غير متزن . عندها تلوت بين ذراعيه ، رافعة وجهها اليه بحركة غريزية وكأنها طفلة مجروحة تلتمس العزاء .
لم تتوقع منه هذا التردد ، لكنه تسمر مكانه ثانية أو اثنتين ، قبل أن يقبلها كما تحب ، ماسحا بملامساته الخفيفة آثار دموعها . أثارت لمساته في قلبها شوقا عميقا ، رغم ادراكها أن المواساة التي يقدمها لها كانت ضعيفة الأساس .
فما أظهره لها لم يكن اهتماما عميقا لرجل يحبها ومستعد للقيام بأي شئ ليخفف عنها آلامها بل مجرد مبادرة من رجل لا يمكنه أن يجلس متفرجا على دموعها من دون أن يفعل شيئا .
لكنها ستكتفي بهذا القدر من العطاء ، فهي بحاجة ماسة الى التعزية والاحتضان . وستدع حرارة المشاعر التي يثيرها فيها بسهولة تبعد عن ذهنها أفكارها التعسة الأخرى . فبين ذراعي رونان لا تفكر سوى بالشوق الذي يلتهب في داخلها اليه ، وجل ما عليها أن تفعله الآن هو أن تستمتع بهذه البهجة لتنسى كل شئ آخر .

.

ولكنها صعقت عندما أخذ رونان يشتم بعنف مبعدا نفسه عنها ، بقوة جعلته يقفز الى منتصف الغرفة ثم يقف ناظرا من النافذة الى ظلام الليل ويداه في جيبيه . وأخيرا تنهد ورفع يده ليبعد خصلات شعره عن وجهه وقال بصوت غير ثابت :
- علينا أن نتحدث ، يا ليلي .
يتحدثان . . هذا آخر شئ تريده . ولكنها عندما فتحت فمها لتحتج ، تحول ذلك الاحتجاج الى تثاؤب واسع مؤلم ، اذ شعرت بعد أن رفع رونان ذراعيه من حولها بالارهاق ، فعادت تستلقي بضعف على ذراع الأريكة ، غير قادرة على كبح تثاؤب آخر . فتابع رونان كلامه بهدوء :
- ولكن ليس هذه الليلة ، فأنت متعبة ويجب أن تخلدي الى النوم .
معك ؟
أرادت ليلي أن تسأله ذلك ، ولكنها لم تجرؤ ، اذ ظهر شئ جديد مقلق في طباع رونان ، شئ وضع مسافة كبيرة بينهما ، ولم تعرف كيف تجتازها .
يمكنها أن ترى حواجز ولافتات تقول بوضوح ( ابقي خارجا ممنوع الدخول ) .
واستسلمت مكرهة الى لمساته الباردة وهو يساعدها على النهوض عن الأريكة ، ليسندها في صعودها السلم الى غرفة نومها .

.

وكان هذا خير دليل على تغيره ، فكل ليلة كان يبقى بعيدا عن غرفتها فلا يدخل اليها ، او لا يفتح بابها . لكنه قادها الليلية اليها مباشرة ثم أجلسها على حافة السرير وهو يقول :
- أظنك بحاجة الى النوم .
بينما كان يهم بالخروج خطر لها أنه يعني ذلك حقا . ولكنها لم تجد الكلمات لتطلب منه العودة . خفق قلبها ببعض الارتياح عندما رأته يتردد ، وقد بدت عليه الرقة ، ثم قال لها :
- هل بامكانك أن ترتاحي ؟ ماذا بشأن تلك الكوابيس ؟ .
ولكنه في هذه اللحظة بدا وكأن العفاريت السوداء تسكنه . كانت عيناه غائمتين متبلدتين وقد حفرت حول أنفه وفمه خطوط واضحة .
- ثمة طريقة واحدة لابعاد الكوابيس .

وربتت على جانب السرير تدعوه . وعندما لم يستجب رمته بابتسامة باهتة ، وشعرت بالخوف عندما لم يبادلها ابتسامتها وانما أخذ يحملق فيها ببرودة .

- لا .
قال ذلك بصلابة وعناد .
- رونان ، أرجوك !
كانت تعلم أنها ستذوق الأمرين ان هو تركها بهذا الشكل . فالرعب سيقض مضجعها حتى يجافيها النوم .
- لا .

.

وكانت هذه المرة أكثر اصرارا من السابقة ، رغم أنه لم يرفع صوته .
- لكنني خائفة يا رونان ! خائفة من الانفراد بنفسي ، لن أستطيع أن أنام . .
تنهد باذعان وهو يعود فيتخلل شعره بأصابعه :
- لن تكوني وحدك ، سأنام هنا .
وأشار الى الأريكة القديمة الطراز القائمة عند النافذة .
- لكنك لن ترتاح هناك أبدا .
- سأتدبر أمرى .
- رونان . .
- لا . اما أن توافقي أو أخرج وتنامين وحدك . ماذا تختارين ؟
لم يكن أمامها سوى الموافقة ، حتى لا تواجه
رعب قضاء الليل وحدها .
ففي تلك الليالي التي أمضتها بين ذراعي رونان عرفت السلام الحقيقي ، والنوم المريح ، ولم تعد تطيق فكرة العودة الى مواجهة الكوابيس وحيدة . لذا لم يكن أمامها سوى الاكتفاء بوجوده المريح .

.

في نهاية المطاف ، استرسلت لنوم عميق مع أنها تعذبت في البداية وهي تراه قريبا بعيدا . وخافت أن تعاني من الأرق طوال الليل . ولكن الانهاك ما لبث أن تغلب عليها فنامت ملء جفونها ولم تستيقظ الا متأخرة صباح اليوم التالي على صوت المطر على زجاج النوافذ .
رأت رونان متكورا على الأريكة ، مستغرقا في النوم ، وقد تساقطت خصلات شعره على وجهه . أما غطاؤه فقد تداخل في بعضه البعض وسقط منه ، منبئا بأنه أمضى ليلة متعبة .
ارتدت عباءتها المنزلية الخضراء ثم نهضت عن السرير مجتازة الغرفة حافية لتجثم على جانب الأريكة .
تحرك رونان قليلا وأخذ يتمتم أثناء نومه ، وكأنما أحس بنظراتها . ثم ، فتح عينيه فتشابكتا مع عينيها الذهبيتين .
للوهلة الأولى ، شعر رونان بالسرور وراح يتمطى كهر كسول يستمتع بدفء الشمس . فخفة وزن جسمها على ساقيه ، واحتكاك شعرها الذهبي بصدره ، وعطرها المتوهج دفعه منجرفا مع تيار دافئ متألق .
واذ تحركت قليلا كشفت عباءتها عن جزء من ثناياها ، فاستيقظ فيه شوق عنيف شعر به أشبه بسكين حادة تخرق كل عصب فيه ، وجعله يريد أن يجذبها اليه .
لكن ذكرى أحداث الليلة الماضية كانت أشبه بصفعة على الوجه من كف متوحش ، وشعوره القوي بالذنب الذي تلا ذلك كان من القوة بحيث قاوم أكثر الاغراءات . فقد بقي مستيقظا ساعات طويلة ، بعد أن استسلمت ليلي الى النوم ، وهو يعيد حساباته ليصل الى النتيجة التي لا يمكن انكارها .

.

لا يمكن أن يجمعه المستقبل مع ليلي ان لم يصارحها ويخبرها كل شئ .
والمشكلة أنه يخشي فى أعماقه من تأثير الحقيقة عندما تنكشف . ولعل الخوف من ألا يجمعهما المستقبل ، هو ما أبقاه مستيقظا حتى الصباح .
انما عليهما ، أولا ، أن يتحدثا . فأسبغ على ملامحه قناعا من الهدوء هو أبعد ما يكون عما يشعر به ، ورسم على ثغره ابتسامة باهتة :
- صباح الخير .
لم يستغرق ذلك سوى ثانيتين . لكن ليلي رأت تبدل ملامحه السريع ، مما أثار قلقها . فقد بدا لها أن ما أبعده عنها الليلة الماضية ، بقى مستحوذا على أفكاره حتى الصباح .
- هل نمت جيدا ؟
- نعم ، تماما .
جاء جوابه جافا غير ثابت . وقد أحست أنه ، عاد مثلها بأفكاره الى يوم زواجهما الأول ، عندما استيقظت لتراه ينظر اليها وهي نائمة كما تنظر هي الآن اليه .
- وماذا عنك ؟

.

كان يبدو مخيفا ، وكأنه لم يذق طعم النوم الا مع طلوع الفجر . وأخذ يتمطء ببطء ، متجهما وهو يتلمس عضلاته التي تصلبت بتأثير نومه على الأريكة .
- سأعيش !
ألقى تلك الكلمة بلهجة عفوية خالية من الحماسة ، ولكن ليلي لم تجد الوقت لتفكر في مضمونها اذ أضاف قائلا :
- بالنسبة الى الليلة الماضية ، اعلمي أنني لم أكن أعرف شيئا عن الموضوع . لم يتفوه ديفي بكلمة عن والديكما وحادثة موتهما ، ولو كنت أعلم ما كنت عانيته . . .
- لما تزوجتنى ؟
فأجابها بصوت فاتر خالِ ِ من المشاعر :
- هذا صحيح . ما كنت تزوجتك قط ، وأنا آسف لذلك .
هل علم كم آلمها بقوله هذا ؟ وارتفعت يدها الى فمها تكبح نشيجا حزينا كاد يفلت منها .
- لا يمكنك أن تتصوري كم ندمت عليه .
أحسست وكأن سكينا حادة أغمدت في قلبها ، ولكنها استجمعت مكرهة شجاعتها لترد عليه بحدة :
- لكنك أردت الانتقام ، ووجدت في شخصا يسدد ديون ديفي.
- ديون ؟
ردد كلماتها بسخرية :
- لا يمكن لأحد أن يعيد ما أخذه أخوك مني .
تنفست ليلي بعمق ، وقالت له مرددة على مسمعه ما سبق وأكدته له :
- أرجو منك أن تصدقني ، سأسدد كل قرش حتى آخر قطرة من دمي .

.

صعقها صمت رونان الفجائى ، وأحست وكأن يدا باردة تعتصر قلبها ، ثم قالت وهي ترتجف :
- لم يكن ذلك مالا ، أليس كذلك ؟ .
لم تترك الشراسة التي هز بها رأسه لديها مجالا للشك في ما فكرت فيه .
- وما يجرحني أكثر هو ما ظننته بي . هل تعتقدين حقا حقا أنني من ذلك النوع من الرجال الذين يسعون للانتقام من أجل ( المال ) ؟
- لا . .
بالرغم من كراهيتها له لطالما أحست بأنه ليس حقودا ، وقاسيا الى هذا الحد .
ابتلعت ريقها بصعوبة ، ثم أرغمت نفسها على مواجهة نظراته الثاقبة كأشعة الليزر ، رافعة الرأس مستقيمة الكتفين وكأنها تعد نفسها للمواجهة الصعبة .
- أعلم أنك لم تربط ديفي بذلك النوع من العقود كما يدعي ، وهذا يعنى أن أخي كذب علي منذ البداية . فلماذا لا تخبرني عما حدث حقا ، يا رونان ؟ لماذا لا تخبرنى بالحقيقة ؟

ـــــــــــــــــــــــــ


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:34 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.