26-11-17, 07:34 PM | #11 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب
| 10 ـ نـــار من قلب الدموع ـ روزي . أجفلت روزي عندما سمعت غارد يناديها . كانت وصلت تقريباً إلى الباب الخارجي . هل يمكنها فتحه والهرب ؟ لقد عاد مبكراً هذا النهار . وأثناء الشهر الذي مر على زواجهما . كان يتأخر في عمله كل ليلة ما جعلها تحرص على أن تكون في الخارج حين يعود , تماماً كما فعلت ليلياَ في الأسبوع الماضي . عندما سألها رالف إن كان بإمكانها المناوبة ليلاً في الملجأ مع أحد المتطوعين , وجدت ذلك فرصة مناسبة , فتبرعت بالعمل عدة ليالٍ أخرى . رأت رالف يقطب جبينه وهو يسألها : ـ هل أنت واثقة ؟ ألن يعترض غارد ؟ أجابته صادقة : ـ غارد نفسه مشغول جداً . هل هو مشغول جداً بعمله . . . أم بتجنبها ؟! ابتسمت بمرارة . بدا وكأن دهراً مضى منذ كانت تشعر بالقلق لاضطرارها إلى مشاركة غارد غرفته . وكذلك عندما أخذ يغيظها , مازحاً , متحدثاً عن تأثير قربه منها على مشاعرها . لم يخطر لها قط ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ مبلغ صحة نبوءته هذه ومبلغ جهلها حينذاك , وغفلتها . والآن . مع استمرار بقاء إدوارد ومرغريت في المنزل , ليس لديها خيار سوى الاستمرار في مشاركة غارد غرفته . لكن غارد كان يحرص على البقاء في الطبق السفلي حتى يتأكد من نومها , أو يظن ذلك حين تتظاهر هي بالنوم . كانت تستلقي مغمضة العينين بينما يتنقل هو في أنحاء الغرفة , محاولة جهدها كبح مشاعرها التي كانت تسبب لها آلاماً رهيبة . حتى عندما كانت تتأكد من استغراق غارد في النوم , لم تكن لتفرج عن نفسها بالبكاء . لم تكن تجرؤ على ذلك . ماذا لو استيقظ غارد فجأة فوجدها تبكي ؟ . مرة أو اثنتين في الأسبوع الذي تلا تلك الليلة , أحست به يراقبها . وفي عدة مناسبات , شعرت وكأنه يوشك أن يقول شيئاً عما حدث . لكنها , كل مرة كانت تغير الموضوع خوفاً مما قد يقول . كانت روزي بكرت في الذهاب إلى السرير , مدركة أنها لن تستطيع النوم , لكنها أيضاً , لن تستطيع البقاء مع غارد في الطابق السفلي . وعندما دخل الغرفة , كانت تتظاهر بالنوم , ويبدو أن ذلك لم يخدعه , لأنه تقدم منها يقول بلطف : ـ أعلم أنك مستيقظة يا روزي ! يجب أن نتحدث قليلاً . رفضت حينذاك بذعر , متكهنة بما سيقول . يريد أن يخبرها بأنه يعلم مبلغ تعلقها به , لكنه لا يحبها . يريد أن يذكرها بشروط زواجهما , أن يبدد الوهم الذي يتملكها بعد تلك التجربة العاطفية الملتهبة . سيقول إن ما بدا لها لم يكن إلا من نسج خيالها . كانت قد أجابته بحدة وعنف : ـ لا ! لا أريد التحدث معك ً ليس هناك ما نتحدث فيه ! تراجعت قليلاً وهي ترى فكه يتوتر بغضب . لكنه لم يصر على الجدال معها , وإنما قال بصعوبة : ـ لا بأس , يا روزي , إذا كان هذا ما تريدين . لم تجب حينذاك . لم يمكنها ذلك , وإنما أشاحت بوجهها عنه متكورة على نفسها. ما كانت تريده حقاً هو حبه . كانت تريده حقاً أن يعانقها قائلاً إنه يحبها , وإنه لا يستطيع العيش من دونها . ـ روزي ! ناداها غارد مرة أخرى بحدة تنذر بالشر . فات أوان الهرب الآن ! وبعد أن أصبح في الردهة , سألته دون أن تنظر إليه مباشرة : ـ ماذا تريد يا غارد ؟ كنت على وشك الخروج لأنني أناوب في الملجأ هذا المساء . يجب أن أذهب وإلا تأخرت . قال بلطف : ـ لا ! إنك لن تعملي في أي مكان , الليلة , يا روزي ! لأن علينا أن نتحدث هذه الليلة . قالت بذعر : ـ لكنني لن أستطيع خذلان رالف ! إنه يتوقع وجودي ! ثم إنهم يعانون نقصاً في الموظفين بسبب كل تلك الاجتماعات التي يقوم بها رالف لتجديد عقد الإيجار . كانت مالك مبنى الملجأ أعلن أنه سيبيعه عندما تنتهي مدة العقد , فأخذ رالف يحاول العثور على طريقه يجمع بها المال ليشتريه , ولكن دون جدوى . حتى إنه طلب منها أن تقترح على غارد شراء المبنى لهم . وكانت روزي أجابته بضيق : ـ لا ! لا يمكنني القيام بذلك , يا رالف ! . كما أنها لم تستطع توفير المبلغ بنفسها لأن أموالها وديعة مجمدة ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ في البنك . قالت : ـ يمكننا التحدث غداً . قال ساخراً : ـ أحقاً ؟! هل أنت واثقة من أنك لن تجدي غداً موضوعاً أكثر أهمية ؟ لا يا روزي . أنا لست رجلاً صبوراً في العادة , ولكنني , أفهم أن الأمور ليست سهلة بالنسبة إليك . الهرب لا يحل مشكلة , كما تعلمين . عندما تزوجنا , عقدنا اتفاقاً ينص على أن يبدو زواجنا طبيعياً تماماً . لهذا , ليس من الطبيعي يا روزي , بالنسبة إلى زوجين في شهر العسل , أن يمضيا معاً وقتاً قليلاً بهذا الشكل . . . قاطعته بلهجة غاضبة : ـ أنت من يتأخر ليلاً على الدوام . ـ أحقاً ؟ وما أدراك بالوقت الذي أعود فيه ليلاً بينما أنت لست هنا ؟ أخذت روزي تحدق فيه . كانت تعرف الوقت لأن إدوارد حرص على أن يعلمها به , مستغلاً كل فرصة ليخبرها أن غارد لم يعد إلى البيت قبل الثامنة أو التاسعة . وعندما كانت تعود من عملها الساعة الحادية عشرة ليلاً , كان غارد بطبيعة الحال يعمل في المكتب . كرر غارد قوله متجهماً : ـ لقد عقدنا اتفاقي , لكنك لا تحـــاولين تنفيذهـــا , مفضلة قضـــــاء كل وقتك في الملجأ , أليس كذلك ؟ قالت بفتور : ـ يبدو أن هذا أفضل ما يمكن القيام به . سألها بانفعال : ـ ماذا ؟ أفضل ؟ أفضل بالنسبة لـــمــــن ؟ لــقــــد بدأ الناس يتكلمـون . بدأوا يتساءلـــون عن نـــوع هــــذا الزواج , حين نمضي معظم الوقت متباعدين ! يا إلهي , حتى إدوارد أخذ يتعاطف معي وينصحني محـذراً من أن الناس أخــــذت تتحدث عن مــقــدار الوقت الــــذي تمضينه مع رالف . يبدو أن إدوارد أيضــاً يظن بأن رالف يحــــاول إقناعك بتمويل الملجأ . سألته بحدة : ـ هل هذا . . . هل هذا ما كنت تريد أن تحدثني عنه ؟ ـ إنه شيء من أشياء . شيء من أشياء ؟ وما هي الأشياء الأخرى ؟ أخذت روزي تتساءل عن ذلك حزينة . أمس فقط أبدى إدوارد تعليقاً على مبلغ ما يبدو عليها من تعاسة واصفاً إياها بـ (( الحبيبة المهجورة )) , مظهراً شفقة زائفة , متظاهراً بالأسف لهجران غارد لها , قائلاً : ـ لا تتهــافتي عليه بهذا الشـــــكل . أمثال غارد يحبون المطاردة , الصيد , وأنت جعلت الأمر سهلاً جداً بالنسبة إليه ما جعله يسأم منك . سألها غارد برزانة : ـ هل طلب رالف مالاً منك يا روزي ؟ ـ إنه قلق من ناحية عقد الإيجار واحتياجات الملجأ . . . قاطعها بغضب : ـ احتياجات الملجأ ؟! أخبريني , يا روزي , هل فكرت يوماً مـــا بحاجات أخرى ؟ حاجات شخص آخر ؟ أم أنك عمياء حقاً بحيث لا . . . سكت فجأة عندما انفتح الباب ودخل إدوارد الردهة . ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ ـ آسف ! ( قـــــال ذلك بتكلف وهــــو ينقـــل نظراته بين وجه روزي الشاحب ووجه غارد الغاضب ) أتراني قطعت عليكما لحظة سيئة ؟ ـ هل كنت تريد شيئاً يا إدوارد ؟ سأله غارد ذلك بضيق دون أن يحول عينيه عن وجه روزي , متجاهلاً سؤال إدوارد . ـ نعم . أريـــــــد التكلم مـــعــك يــــــا غـــارد , إذا لـــم يكــــن لديك مانع . الولدان سيعودان من المدرسة تقريباً , ومرغريت متخوفة من عدم وجود أدوات إطفـــــاء الحــريق في الطــــابق العلوي , وأنا أوافقــها على ذلك . ولأجل الأمــــان , أظن أن علينا الانتقــال إلى الطـــابق الـــذي تحتنا أثناء وجودهما هنا . . . اتجهت روزي بسرعة إلى الباب , متجاهلة أمــر غارد لها بحدة : ـ روزي ! . . . انتظري ! . ركضت إلى سيارتها متوقعة أن يلحق بها , وفتحت بابها ودخلت . كــــان عليهـمـــا أن يتحدثا , لكنها لم تستطع . كانت متخوفة من أن تسمعه يقول بأنه لم يعد يستطيع الصبر , وأنه سيرحل . ولكن , ألا يمكن أن يكون هذا هو الأفضــل في الحقيقة ؟ إلى متى يمكنها الاستمرار في العيش قريبة منه بهذا الشكل , عالمة بمبلغ حبها له , عالمة بأن إدوارد يراقبهما كل لحظة , عالمة بأن الوقت الذي يمضيانه معاً يتناقص باستمرار , متخوفة من أن تفضحها مشاعرها , ومتوقعة في كل لحظة سماع قوله بأنه لا يريد حبها . . . في الملجأ , أمضت المساء بطوله قلقة متوترة , غير قادرة على التركيز في عملها . وتملكها الارتياح عندما انتهى واجبها وصار بإمكانها العودة إلى البيت . أول ما لاحظت حين أوقفت سيارتها خــارج المنزل أن سيارة غارد غير موجودة . انقبض قلبها وشعرت بالتعاسة رغم أنها حاولت إقناع نفسها بأن الأمر عادي . استولى عليها الصـــــداع طــوال المساء , وكانت قــــد تناولت حبتي أسبرين عندما أطل إدوارد . سألها بلهفة مصطنعة : ـ أتشعرين بوعكة ؟ ـ لدي صداع ! كرهت عــــادة ظهوره كلما شعرت بعدم الرغبة في رؤيته . بدا وكأنه يتجسس عليها . قال وهو يراقب ردة فعلها : ـ غارد خرج . ـ نعم , لاحظت هذا . أرادت مغادرة المكان لكن إدوارد أضاف بخبث : ـ تلقى اتصالاً تلفونياً . . . من امرأة . طلب مني أن أخبرك بأنه سيغيب طوال الليل . شعرت روزي بالدم يهرب من وجهها , مدركة بأن إدوارد رأى ذلك . ـ آه , يـــا روزي الـــمسكينة ! . . حــظـك سيء أليس كذلك ؟ عــاجـلاً أو آجلاً سيتركك ! نعم , سيبقى هنــا بـمـــا يكفي لتحقيق مأربه , ولكنه سئم منك الآن أليس كذلك ؟ شابة في عمرك , ربمـــا يتوقع منــــها أن تحمل مباشرة . . . هل أنت حامل يا روزي ؟ منذ فترة والشحوب يبدو عليك . . . شهقت روزي بغضب بالغ وقالت ثائرة : ـ هذا ليس من شأنك . ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ فقال بلطف : ـ بل هو من شأني , الأمر يهمني تماماً . كــما يهمني هـذا المنـــزل ! أرجو ألا تكوني حاملاً , يا روزي , لأنه إذا كنت كذلـك . . . حســنـاً , لنقل إن بقاءك في هذا المكان مخاطرة كبيرة لأنك بحاجـة إلى العنايـة البالغة , لعلك فهمت ما أعني . غارد لن يكون مسروراً إذا أنت فقـدت طفله . أليس كــــذلك ؟ سيكـــون مضطراً لتمديد إقامته معك للحصـول على طفــل , في الوقت الذي يفضل أن يكون مع امرأة أخرى . . . لـم يمضِ على زواجكــما شـهـــر حتى الآن وها قد مل منك , يا روزي ! اتركيه الآن فما زال أمامك متسع من الوقت . إنه لا يريد سوى المنزل , إنه لا يريدك ولم يرك قط ! شهقت روزي باكية وهي تندفع نحو غرفتها باحثة عن الأمان . الأمان ؟ وكيف تشعر بالأمان بعد كلام إدوارد المبطن بالوعيد ! لا بد أنه مجنون , مخبول ! لكنها تعرف أنه ليس كذلك . ارتجفت بعنف وهي تتكوم في منتصف السرير . ما المفروض أن تشعر به الآن لو أنها حامل ؟ الغثيان , الخوف , الكرب المــبرح ؟ حركتــهــا الغريزية لستــر بطنها بيدها أخبرتها بالجواب ! . لا يمكنها أن تستمـــــر بهذا الشكــــل ! حبها لغارد ورغبتـهـــا فيـه , ثم معرفتها بعدم حبه لها ! العيش بخوف من إدوارد وتهديده ! ولكن , إلى أين تذهب ؟ إلى الملجأ . وارتسمت على فمهــا ابتسامة مـــرة . . . هذا غير ممكن !. ـ أنت لا تأكلين فطورك . قال ذلك باختصار فأجابت بوجه شاحب : ـ لست جائعة . كان الوقت صباح السبت , وهذه المرة لم يكن لديه عمل هام يجعله يغيب عن البيت. لم يقل لها شيئاً بالنسبة لرفضها التحدث معه , ولم يقدم أي إيضاح لغيابه طوال الليل منذ أيام . كان غارد يقف عندما دخــل إدوارد غرفة الطعام . قال لها شارد الذهن : ـ علي أن أخرج بع قليل . . لا أدري كم سأغيب . ماذا ستفعلين أنت ؟ قالت دون أن تعني ذلك تماماً , متجنبة النظر إليه : ـ سأخرج للتسوق . قال إدوارد ساخراً , وهو يبتسم لهما : ـ آه , يا لهذه الزيجات العصرية ! لكنه , بعد ذلك بساعة , لم يكن يبتسم عندما صادف روزي على السلم بعد خروج غارد . قال ينصحها : ـ كفى تصعيباً للأمور على نفسك , يا روزي . اتركيه . إنه يريك بوضوح عدم اهتمامه بك , ومدى اهتمامه بها . ـ بها ؟! أفلتت هذه الكلمة التي كشفت عن عذابها بالرغم منها . قال بابتسامة متكلفة : ـ آه , هــيـــا . . لا يمكنك أن تكــــوني ســـــاذجة إلى هـذا الحــد ! إن زوجك يغيب الليالي بطولها , وليس هناك سوى تفسير واحـد , أليـس كذلك ؟ وهو وجود امرأة أخرى , بل عدة نساء , نظراً لسمعة غـارد . شعرت روزي فجـــأة بأنها لم تعد تحتمل . شـعـــرت بدمــــوعـها على وشك الانهمار . كل وخزات إدوارد , كــل قسوته , كل تهديداته , كـل ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ آلام حبها لغارد ومعرفتها بعدم حبه لها , كل هذا أصبح كثيراً عليها . خفضت رأسها وهربت إلى أمان غرفتها . الغرفة , غرفتها , والسرير الذي تشترك فيه مع غارد . تشترك فيه معه ؟ أغمضت عينيها بشدة على فيض دموعها الحارة . عندما انهمرت دموعها على وجهها , تناولت وسادة غارد تحيطها بذراعيها تدفن فيها وجهها , محاولة أن تشم رائحته الخفيفة وكأنها دواء يخفف آلامها . ـ روزي ! . . . روزي ما هذا ؟ ماذا تفعلين هنا ؟ غارد ! . . . لكنه خرج ! أجفلت روزي لسماعها صوته دون أن تجرؤ على الالتفات . سألها : ـ ماذا حدث ؟ هل تشعرين بمرض ؟ أخبريني . . . كان واقفاً الآن بجانب السرير , منحنياً عليها ويداه ممدودتان إليها . وبحزن بالغ , رفعت وجهها إليه . ـ هل تبكين ؟ جلس بجانبها على السرير , لكنه , كما لاحظت , ما زال بعيداً عنها . ـ ما هذا ؟ ماذا حدث ؟ ـ لا شيء !. ـ هل هو رالف ؟ الملجأ ؟ هل . . . رالف ؟ حدقت روزي فيه . ولماذا تبكي لأجل رالف ؟ قالت متبرمة : ـ رالف ؟ ليس لأجله طبعاً . بدت في عيني غارد نظرة جعلت قلبها يخفق . قال يلح عليها بهدوء : ـ حسناً , إذا لم يكن رالف , ماذا إذن ؟ أو بالأحرى من هو ؟ جلست روزي بعنف , مبتعدة عنه قليلاً وهي تقول : ـ قلت ستخرج ؟! قال بخشونة : ـ يمكن تأخير ذلك , أما هذا فلا . ما الأمر يا روزي ؟ ولا تقولي ( لاشيء ) . اللاشيء لا يجعلك تبكين .! تملكها الذعر وهو يمد يده يلمس وجهها الساخن المبلل بحنان . إنه حنان مخادع , تماماً مثل نظرته التي بدت في عينيه وكأنها اهتمام حقيقي ! من الخطأ الفادح أن تنخدع بذلك . أخذت تحذر نفسها بأن ذلك خطأ شنيع . لم تستطع أن تخـــبــره بالحقيقة . وكيف يمكنــهــا ذلك بينــــما . . . وانتفضت فجأة وهي تسمع صوت خطوات شخص في الممر . هتفت بذعر : ـ إنه إدوارد , يا غارد ! لا تدعه يدخل ! لا . . . ـ إدوارد ؟ عندما سمعت نبرة الاستفهام الحاد في صوت غارد , توهج وجهها . سألها وهو يمرر يده على وجهها برقة : ـ هل إدوارد هو سبب هذا . . . كل هذه الأمور ؟ عضت روزي شفتها , خـــائفة من الجواب , لكنها لم تستطع أن تغالب فيض الدموع الحارة التي كشفت عن مشاعرها . سألها : ـ أخبريني بكل شيء , يا روزي . أريد أن أعلم ما الذي يحدث هنا . ما الذي فعله إدوارد ليسبب كل هذا ؟ قالت بتعاسة : ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ ـ لا يستطــيع أرجــــــوك , لا ترغمـــني على ذلك , يا غــارد . أتمنى فقط أن يرحل عنا . ( وأخذت تبكي ) أكره أن أراه يراقبني , يتجسس علي ! إنه يعلم يا غارد , أنا أعرف أنه يعلم ! ثم إنه . . . ـ يعلم ماذا ؟ ـ أن هذا ليس زواجاً حقيقياً . . . إنه يقول ذلك ويهددني . قاطعها بحدة : ـ يهددك ؟! روزي , لم يعد بإمكانه أن يفعل شيئاً الآن . ولا ب أنك تعلمين هذا , مهما كانت أسباب الزواج ونوايانا فقد تلاشت قدرة إدوارد على تدميرنا وذلك منذ اللحظة التي تحول فيها زواجنا من الزيف إلى الحقيقة . لم يعد يمكنه القيام بشيء الآن , وليس له ملجأ قانوني يساعده . ـ لا . . . لا ملجأ قانونياً له . قطب غارد جبينه : ـ روزي , ما الأمر ؟ ماذا تريدين أن تقولي ؟ كانت ترتجف , وجسدها أصبح فجأة شديد البرودة , وشعرت بما يشبه المرض . قال محذراً : ـ روزي ! هزت رأسها بيأس , ثم قالت بهدوء : ـ إنه لا ينفك يقول بـــأن علينا إنهـــاء هــــذا الــــزواج . . . يقـــول إنك تـحــــاول أن . . . إنـه يــظــن . . . ( خفضت رأسها وقد توهج وجهها احمراراً , غير قادرة على أن تحمل نفسها على النظر إليه ) إنه يظن أنه إذا أصبــح لـــدينا طـفــل , سيكـــون حصولـك على البيت مضمونـاً . لقد تكهن بأن هذا هو سبب زواجنا , يا غارد . حتى إنه هددني . . . وابتلعت ريقها بصعوبة وابتسمت بابتسامة صفراء : ـ أخبرني أن في منزل كهذا , سيكون من السهل على أية امرأة أن تفقد جنينها . ـ ماذا ؟! ارتعبت روزي وهي ترى الغضب في عينيه وتسمعه يأمرها بحزم : ـ إبقي هنا ! . خرج لأقـل من نصف ساعة , ولمـا عـــاد شعرت روزي بالتوجس من الجمود والهدوء الباديين على ملامحه . ما الذي قاله لإدوارد ؟ والأهم من ذلك , ما الذي قاله إدوارد له ؟ أتراه أخبر غارد عن مشاعرها ؟ أتراه . . . قال بثقة وخشونة : ـ لق رحل إدوارد , يا روزي , ولن يعود . حــدقـت روزي فيه . كيف اسـتــطـــــاع غــارد أن يحمله على الرحــيل بهذه السهولة والسرعة ؟ كان إدوارد بالغ التصميم على البقاء , وكان غارد أخبرها بأن من المجازفة البالغة أن يطلبا منه الرحيل . ـ رحل ؟ وبهذه السهولة ؟ انهمرت من عينيها دموع جديدة , لكنها الآن كانت دموع الارتياح . ـ آه ! يا إلهي ! لا تبكي يا روزي ! اقترب منها , وبدا واضحاً أنه سيضمنها مواسياً , فانتفضت مبتعدة عنه وقد اتسعت عيناها لأسباب شتى مختلطة . ـ لا حاجة بك للابتعاد عني وكأنني نوع من . . . أنا لن ألمسك . ـ أعلم أنك لن تلمسني . قالت ذلك محولة وجهها عنه عندا شعرت بدموع جديدة ابتدأت تنهمر . ثم سمعته يسألها برقة : ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ ـ حسناً , إذا كنت تعلمين ذلك , لمـــاذا إذن . . . روزي . . . أنظري إلي . همست تـقـــول : ـ لا أستطيع ! . . لا أستطيع ! . ـ بل تستطيعين ! ارتجفت وهو يحيـــط وجهـهــا بيديــه ثم يرفعــه لــيرى عينـهــا المغرورقتين بالدموع . قال بهدوء : ـ والآن , إذا كنت تعلمين أنني لن ألمسك , لمــاذا انتــفضــت مبتـعـدة عني بهــذا الشكـــل ؟ حاولت روزي مغالبة دموعـــها بشــــدة , وارتــجـفت شفتـاهــا وهـي تفشل في ذلك , ثم اكتسحتها المشاعر حتى لم تعد تستطيع المقاومة , فقالت بصوت معذب متهدج : ـ لأنني أريدك أن تلمســـني . لأنني أحـــبـــك وأريـــدك ولا أستــطيــع أن . . . غارد . . . غارد . . . ! تبـدد احتــجــاجــها تــحــت وطـــأة عناقه . أخــذها بين ذراعيه بعنف جعلها تشعر بقوة دقات قلبه المماثلة لدقات قلبها . ـ روزي! . . روزي . لم تكد تميز في هذا الصوت العنيف المختنق صوت غارد الذي تعرفه . ودار رأسها . لا بد أنها في حلم ! . هل حقاً غارد الذي يحتضنهـــا بهـــذا الشكل . . ويخبرهـــا بمبلغ حبه لها , وكم كان يحبها على الدوام , وأنه كان يتلهف لسماع ما قالته لتوها . قالت وهي ترتجف , وتبعده عنها قليلاً لتنظر في عينيه , والخجل والارتباك باديان عليها : ـ ولكن لا يمكن أن تكون أحببتني . كنت دوماً تكرهني . . . ـ أواه , يا روزي ! أنت فقط تظنين ذلك . . أنت فقط من يستطيع أن يظن هذا . . . لماذا تظننني تزوجتك ؟ قطبت روزي جبينها : ـ لأنني طلبت منك ذلك , لأنك أردت المنزل . ـ كلا , يا روزي ! كنت أريدك و أرغب فيك , أردتك وسأريدك عل الدوام . قال ذلك وهو يعد الكلمات التي يقولها على أصابعها , ثم ينحني ليقبل كل إصبع منها بحنان فائق . شعرت روزي بكيانــها كله يهتز لردة فعلها إزاء الأحـاسيس التي تملكتها وهو يقبل أصابعها . شعرت بذلك حتى أخمص قديمها . ـ لكنك لم تكن تريد الزواج بي ! . أنا التي طلبت منك ذلك . ثم إنك قلت إنك بحاجة إلى وقت للتفكير . . . ـ ذلك لكــــي أتـــمـكـــن مـــن السيــطــــرة على نفـسي , والتدرب على التصرف ببراعة بالنسبة لما تطلبينه مني . كنت محظوظة جداً لأني لم أختطفك حينذاك . فقـط لأريك . بالضبط , رأيي فــي خطتك عــن زواج المصلحة ذاك . ربما هذا ما كان علي أن أفعله . لم تستطع روزي إخفـاء القشعريرة التي سرت في كيانها . والتوهج الذي أحرق بشرتها . ـ هل كنت ستحبين ذلك يا روزي ؟ ـ أنا . . . آه , ا غارد ! كيف أحببتني دون أن أدري ؟ ـ بإحباط بالغ وجهنم من الغيرة ! ـ أنت تغار ؟ وممن ؟ ـ من رالف , أولاً , ثم من بريسيه ثانياً . يا إلهي , عندما رأيته ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ يغازلك . . . اعتبرت نفسي دائماً رجلاً منطقياً رصـــيــنـاً , لكنني تلك الليلة . . . تملكتني رغبة عنيفة باختطافك وإرجاعك إلى البيت . . . بيت الزوجية . قالت بألم : ـ قال إدوارد إنك لا تحبني , وإنك لم ترغب بسوى البيت , قال . . . قال إن لديك امرأة أخرى فظننت . . . لماذا ما دمت تحبني يا غارد , لماذا لم . . . لماذا لم تقل شيئاً تلك الليلة , ليلة . . . ونظرت إليه ضارعة , فقال ساخراً من نفسه أكثر مما هو منها : ـ أواه , يا روزي ! ما أقل ما تعرفين ! كنت كارهاً أن أدع رغباتي ومشاعري تدمر سيطرتي على نفسي . بعد أن لجأت إلي خائفة مذعورة تطلبين المواساة والاطمئنان , لم أقصد قط أن . . . ظننتك غاضبة مني فلم تتحدثي عما حصل . همست تقول : ـ وأنا ظننتك غاضباً مني . وعندما استيقظت في الصباح ولم أجدك . . . ـ حسبت أنك لا ترغبين في رؤيتي ذاك الصباح ! نظرت إليه بحيرة ! ـ ولكن لا بد أنك أدركت . . . شعرت بأنني . . . ـ بأنك تجاوبت معي بعاطفة قوية ؟ نعم , أدركت ذلك . لكنك على الدوام مرهفة الإحساس شديدة العاطفة في كل ما تفعلين ! ـ لكنني كنت واضحة في الموافقة على أن نكــون معاً في غرفة واحدة ! ـ نعم , كان ذلك واضحاً , لكنني لم أجرؤ على التصديق , وتملكني أيضاً شعور بالذنب . ـ سألته مقطبة الجبين : ـ الشعور بالذنب ؟ لأنك معي , أنا زوجتك , في غرفة واحدة ؟ ـ هذا بالإضافة إلى أشياء أخرى . سألته بحيرة : ـ ما هي تلك الأشياء الأخرى ؟ أجاب وهو يتأملها بإمعان : ـ المـــوافقة على الــــزواج بـك بدلاً من محــــاولة مساعدتك بــــالعثــور على طريقة أخرى لتدبر حول الموضوع . ثم انتهاز فرصة قرار إدوارد بالإنتقال إلى هنا . . . ـ انتهاز الفرصة ؟ وكيف ؟ ـ بأن جعلتك تنامين في غرفتي . هل ظننت أنني لم أكن أستطيع الذهاب لإحضار ملابسك لو أردت أنا ذلك حقاً ؟ ـ لكنك لم ترغب في مشاركتي الغرفة . أنت قلت ذلك . ـ أواه , يا روزي ! طبعاً كنت أريد ذلك ! أردت ذلك أكثر ! أحاط وجهها بيديه وأخذ ينظر في عينيها . ـ هــل صدقت حقــــاً أنني لم أكـــن أستـــطيع التخلص مـــن إدوارد أو طمأنتك إلى أن ليس علينا أن نتشارك في غرفة واحدة إذا كان هذا ما أريده ؟ هل صدمتك بقولي هذا ؟ هزت روزي رأسها : ـ بل أدهشتني ! لم يكن لدي فكرة . قال برقة : ـ أظنني وقعت في غرامك ليلة العثور عليك متسللة لسرقة صيد جدك . فتاة صغيرة الحجم , شديدة الحيوية والانفعال . كنت لا تزالين صغيرة بالنسبة لأمور كثيرة . وفي أمور أخرى امرأة أو , على الأقل , ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ هذا ما حدثتني به مشاعري . أما عقلي . . . ( وهز رأسه ) كنت أعلم أن الوقت ما زال باكراً . كنت صغيرة جداً . حتى إنك لم تحبيني . . . وبقيت على عدم حبك لي , لكنك كنت تظهرين نحوي مشــاعر جعلتني أتعلق بالأمل في أنك يوماً ما . . . ربما يوماً ما . . . قاطعته برقة : ـ ســأغرم بك ؟ سألها بسرعة : ـ وهل هذا ما حدث , يا روزي ؟ هزت رأسها : ـ لا , لم أقع في غرامك يا غارد ! قالت ذلك بحزم , رافعة يدها إلى وجهه بحركة غريزية للتخفيف عنه بعد أن رأت الألم على وجهه : ـ الوقوع في الغرام هو للمراهقين , للفتيات , وأنا امرأة . أنا أحبك يا غارد . أحبك كما تحب المرأة الرجل . . . كلياً وإلى الأبد . لشد ما تأثرت وهي ترى الدموع في عينيه . مدت يدها تقربه إليها هامسة : ـ أواه , يا غار ! . . غارد . . . بعد لحظات كانت بين ذراعيه وهي تبتسم بحب , ثم قالت متعجبة : ـ هل كنت حقاً تغار من رالف ؟ ـ إلى أقصى حد ! وهذا ما استغله إدوارد لمنفعته الشخصية بكل نجاح . قالت : ـ لقد تلاعب بنا , نحن الاثنين . ماذا قلت له لكي يرحل , يا غارد ؟ أجاب وهو ينحني ليقبلها : ـ قلت له إنه إذا قال شيئاً يكدرك مرة أخرى , سأجعله يندم على ذلك بقية حياته . كما قلت له إذا لم يغادر المنزل ويخرج من حياتنا خلال نصف ساعة , سيد أموره المالية والعملية معرضة لنوع من الفحص والتدقيق يجعل كل أنواع الغش والتزوير تبدو , بجانب ما سيكتشفونه , أشياء عادية . ـ ظننت أنك سوف . . . ـ سوف ماذا ؟ هل كنت تفضلين قيامي بشيء آخر ؟ ـ لا . . . لا شيء !. قالت ذلك وهي تمد ذراعيها تعانقه . * * * ـ هل ما زلت تحبينني ؟ فتحت روزي عينيها بتثاقل كانت متكورة بجانبه يكاد يغلبها النعاس بعد فيض الحب الذي ملأ كيانها . أجابت : ـ أكثر من رأي وقت مضى , وأنت ؟ أجاب بهدوء : ـ نعم ! أكثر من كل ما مر علي في حياتي أو سيمر . إنك حياتي , يا روزي . حياتي وحبي . اليوم وغداً وإلى الأبد , أحبك !. النهاية قراءة ممتعة للجميع | ||||||||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|