شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات أحلام المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f203/)
-   -   213- لم أعد طفلة -بني جوردان -(كتابة /كاملة) (https://www.rewity.com/forum/t396735.html)

Just Faith 24-11-17 02:24 AM

213- لم أعد طفلة -بني جوردان -(كتابة /كاملة)
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

https://1.bp.blogspot.com/-zd3gc7Qm_...77513e4803.jpg

https://lh3.googleusercontent.com/kl...g=w130-h212-no


ازيكم أعضاء روايتي الحلوين والحلوات
اليوم مبارك بجد علينا وعليكم
عشرأعوام أكمل منتدنا من سنينه عشرة
قراءة ممتعة لكم جميعا



https://files2.fatakat.com/2010/11/12905283391206.gif



لم أعد طفلة
العدد :
213
للكاتبة :
بيني جوردان
الملخص :
لم أعد طفلة

على روزي ويندهام الزواج في غـــضون ثلاثة

أشهر أو تحل الكــارثة ! ومع أنها جميلة ومحبوبة ,

فحياتهــــا خالية من رجل جاهز للزواج بهـــا , فمــا

العمـــــل ؟

كان غارد جيميسن رجلاً نـــاضجاً وجذاباً . . .

وأعـــزب , فلما لا (( تطلب يده )) ؟ .

لم يكن هناك من سبب يدفع غارد للقبول وهو

الذي طالما اعتبرهـا طفلة مضحكة , ولكنه وافق ,

وموافقته تعني أن هناك ثمناً غالياً على روزي أن

تدفعـــه !


يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

الرواية منقولة شكرا لمن كتبها

Just Faith 26-11-17 07:23 PM

عدد الفصــول:
10
عناوين الفصول :
1 ـ
أريــد زوجـــاً !
2 ـ
بــأمــر عينيه
3 ـ
كيف يعامل الرجل المرأة ؟
4 ـ
الوجه الآخـــر للزواج
5 ـ
امـــرأة لا طفلــة !
6 ـ
لم تستطــع الهرب
7 ـ
بين عدوهـا وزوجهــــا
8 ـ
غـــارد والحب
9 ـ
آخـــر اللعبة . . . الندم !
10 ـ
نـــار من قلب الدموع
: : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : :

Just Faith 26-11-17 07:24 PM

1 ـ
أريــد زوجـــاً !
(( هل تتزوجني , غارد )) ؟ .

أخذت (( روزي )) تــــذرع أرض غرفتها , وقد توترت ملامحها ,

وانقبضت يداهـــا , كمـا أظلمت عيناهــــا الزرقاوان , الصريحتان فــي

العادة , وهي تكرر نفس الكلمات مرة بعد مـــرة بصـــوت خافت ومع

ذلك ما زالت غير واثقة من أنها ستتمكن من قولها بصوت عــال : (( هل

تتزوجني ؟ هل تتزوجني ؟ هل تتزوجني ؟ ))

ها أنها قالتها , وإن لم تبد الكلمات بالحزم والتأكيد المطلوبين .

على أي حال , اجتازت الآن الحاجز الأول , وبإمكانها إذن اجتياز

الآخــر . . . هكذا أخذت تحدث نفسها بشجاعة .

ابتلعت ريقها بصعوبة , ثم نظرت إلى التليفون القائم بجانب

سريرها : (( لا فائدة من التردد , ومن الأفضــل الانتهاء من هذا الأمر

الآن ! )) .

ولكن ليس هنا ! ليس وحدها في غرفتها المنعزلة بينما هي . . .

وحولت عينيها فجأة عن غطــاء السرير المزين بباقات الأزهار , بذوق

الفتيات الصغيرات . فقد كانت في الرابعة عشرة عندما اختارته , بينما

هي الآن في الثانية والعشرين تقريباً .

في الثانية والعشرين ! ولكنها ما زالت بالسذاجة والبساطة التي

كانت عليها . . . أو هكذا قيل لها .

شعرت بغصة في حلقها , وهي تتذكر من قال لها هذه الكلمات .

فتحت باب غرفتها , ثم أسرعت تهبط السلم . ستستعمل تليفون

الغرفة التي كانت مكتب أبيها وجدها من قبل . من الأفضل أن تقول

تلك الكلمات من غرفة المكتب تلك , فهذا يمنحها وزناً وكرامة .

رفعت السماعة ثم أخذت تدير الأرقام , توتر جسمها وهي تسمع

الرنين . ثم قالت للفتاة التي أجابتها من الطرف الآخر :

ـ أريد (( غارد جيميسين )) , من فضلك ! أنا (( روزي وندهام )) .

أخذت تنتظر الاتصال وهي تقضــم باطن شفتها السفلى

متوترة . . . وهذه عادة تملكتها منذ طفولتها وظنت أنها تجاوزتها .

ـ الأطفــال فقط يفعلون هذا , أمـــا النساء . . .

كان هذا ما حذرها منه غارد عندما كانت في الثامنة عشرة .

ثم سكت حينذاك ونظر إليها ساخراً , ما جعلها تســأله دون

تفكير : (( مــاذا تفعل النساء ؟ )) .

مال إلى الأمـــام وأشــار إلى شفتها السفلى المتورمة , ثم قال

بالسخرية نفسهـــا :

ـ النساء , يا روزي العزيزة البريئة , لا يكون هذا الأثر على

شفاههن إلا بفعل عــاشق . . .

لقد ضحك طبعاً لاحمرار وجنتيها . هذا هو غارد ! (( لو كان عاش

في الزمن القديم , لكان قاطع طريق أو قرصاناً . . . رجلاً لا يهتم

لأحد ويضع بنفسه قوانينه وأنظمته )) ! هذا ما كان يقوله جدها على

الدوام . جدها الذي كانت تشعر أنه يكن له دوماً نوعاً من العطف

رغم عدم اعترافه بذلك .

ـ مــاذا تريدين يا روزي ؟ ماذا حدث ؟

دفعتها خشونة صوته إلى تشديد قبضتها على السماعة مدركة أنه

ما زال يثير في نفسها الإضطراب . هذا رغم أنها تعلمت أثناء نضجها

كيف تتجاهل تعليقاته الساخرة التي ما زال يعذبها بها أحياناً .

لم يكن يتصرف على هذا النحو مع النساء الأخريات , بل كان

يفيض معهن إحساساً ودفئاً . لكنه , طبعاً , لا يعتبرها امرأة , وإنما

فقط . . .

ـ روزي هل ما زلت على الخط ؟ .

أعادها الضيق الذي بدا على صوته , إلى الواقع . تنفست بعمق :

ـ نعم , ما زلتُ هنا ! غارد . . . هناك شــيء يا غارد أريد أن

أســألك عنه الآن . . .

ـ لا أستطيع الكلام الآن , يا روزي ! إنني بانتظار مكالمة هامة .

اسمعـــي ! سأزورك هذه الليلة ونتحدث في ما تريدين .

شعرت روزي بالذعر , وقالت على الفـــور :

ـ لا ! لا !

تريد أن تســأله من مسافة بعيدة . إنها لا تريد أن تعرض عليه

الزواج وجهاً لوجه . وغصت بريقها , لكنه كان قد وضع السماعة فلم

تستطع إخباره بأنها لا تريد رؤيته .

عندما وضعت سماعتها , أخذت تحدق في أنحاء الغرفة بحزن .

أربعمائة عام من التاريخ تنام في هذه الغرفة من هذا المنزل الذي

أنشــئ هنا منذ وهبت الملكة اليزابيت الأولى قطعة الأرض لـ بيبرس

ويندهام , هدية مقابل خدمات أداها لها . هكذا قيل رسمياً , لكن

الشائعات حينذاك قالت إنها مقابل علاقة شخصية حميمة .

أطلق (( بيرس )) على المنزل اسم (( مرج الملكة )) اعترافاً منه بكرم

اليزابيت . لم يكن منزلاً فخمــاً , حتى ولا فسيحاً . لكنه في نظر روزي

كان فسيحاً للغاية بالنسبة إلى شخص واحد , أو حتى أســـرة

واحدة . . . خصوصاً عندما علمت أثناء عملها في الملجـــأ كم من

الناس دون مأوى وفــي حاجة ماسة إلى سقف فوق رؤوسهم .

آخر مرة طرقت هذا الموضوع مع غارد , قال لها ساخراً معنفاً :

ـ لو كان لك الخيار ماذا كنت ستفعلين ؟ تسلمينهم المنزل ؟ ثم

تتفرجين عليهم وهم ينتزعون خشب الجدران ليستعملوه حطباً في

المدفــأة ؟ تتفرجين عليهم وهم . . . ؟ .

احتدت حينذاك بغضب :

ـ هذا ليس إنصافاً ! أنت غير منصف . . .

حتى (( رالف )) , المسؤول عن الملجــأ , قال في أكثر من مناسبة

إنها غير واقعية , وإنها مبالغة في المثالية ورقة القلب , كما أن ثقتها

بالآخرين هي أكثر مما يجب . خُـــيل إليها أن رالف يميل إلى

احتقارها , إذ كان , منذ البداية , عدائياً نحوها , ساخراً من بيئتها التي

نــشأت فيها ولهجتها المميزة , مديناً ثروتها وأسلوب حياتها , مقارناً

كل ذلك بحياة أولئك القانطين في الملجــأ .

قال ذات مرة , هازئاً :

ـ إن قيامك بعمل إنساني يجعلك تشعرين بالرضى عن نفسك ,

أليس كذلك ؟ .

فــأجابت حينذاك بصدق :

ـ هذا ليس صحيحاً ! لأن أموالي , أو ثروتي كما تحب أن

تسميها , هي . . . تحت الوصاية , ولا يمكنني التصرف بها حتى لو

رغبت في ذلك . وأعتقد أنني إذا سعيت إلى عمل (( حقيقي )) , أي عمل

بأجر , أكون سلبت ذالك العمل من شخص بحاجة إليه ليعيش .

تحسنت الــعلاقة بينهما هذه الأيام كثيراً , رغم أنهما كانا شديدي

الكراهية لبعضهما البعض , والأحرى القول إن رالف هو الذي يكره
غارد , ذلك أن غارد لم يكن يعبر عن مشاعره تجاه أي كان . وفي

الواقع , كان الشك يساورها أحياناً في أن غارد قد عرف حقاً المشاعر

البشرية في حياته .

إنها تعلم مبلغ كراهية رالف الذهاب إلى غارد كي يطلب مساعدة

مالية للملــجأ , لكن غارد كان أغنى رجل في المنطقة , وأعماله أكثر

الأعمـــال رواجاً .

قال لها أبوهـــا ذات مرة :

ـ إنه مزيج نادر جداً ! إنه مقاول ناجح للغاية , كما أنه رجل نزيه

وذو مثل عليا !

أمـــا رالف فكان يدعوه (( بغلاً متعجرفاً )) .

ـ جذاب !

همست بذلك إحدى زميلات روزي القديمات في المدرسة

عندما جاء لزيارتها . كانت متزوجة , وقد سئمت زوجها على ما

يبدو . فقد نظرت إلى غارد بنهم مكشوف لم تجده روزي محرجاً

فحسب , بل مذلاً أيضاً . كانت سارا , بنظراتها المحرقة التي أخذت

تلقيها على غارد باستمرار , والتلميحات والإيماءات المكشوفـــة ,

وبعض الملامسات المتعمدة , تبرز , بشكل ما , عدم نضج روزي ,

مبررة بذلك ما اعتاد غارد أن يوجهه إليها من انتقادات ساخرة .

هي تعلم جيداً أن غارد يظنها ساذجة غافلة . . لا بأس ! فلتتحمل

تعليقاته وسخريته المربكــة , والمؤلمة أحياناً , لكنها سبق وعاهدت

نفسها منذ زمن طويل ألا تندفع في علاقة غرامية من خارج مشروع

الزواج , ومع رجل له مثل مشاعرها , رجل يحبها ولا يخجل من

الإعتراف بحبه , مــا يجعلها تتخلى معه عن تحفظاتها وتكشف له عن

الجانب العاطفي من طبيعتها .
إنها لم تقابل ذلك الرجل حتى الآن , وستعرفه عندما تقابله ,

لكنها غير مستعجلة , على كل حال . فهي ما زالت عذراء في الحادية

والعشرين . في الحادية والعشرين وعلى وشك عرض الزواج على

رجــل . . . ليس بالتأكيد من النوع الذي تطلبه !

نظرت إلى ساعتها , إنها الرابعة ! كانت تعلم أن غارد غالباً ما

يبقى في مكتبه فترة طويلة بعد مغادرة الآخرين . وهذا يعني أنه لن

يــأتي إليها قبل السابعة أو حتى الثامنة . كل تلك الساعات

للانتظــار ! . . . ولتهيئ نفسها لعرض الزواج ذاك ! واحمر وجهها

ضيقاً .

ماذا سيقول ؟ سيضحك منها دون شك ! كل ذلك كان ذنب

محاميها ! لو أن (( بيتر )) لم يقترح . . .

وسارت نحو النافذة وهي تتذكر آخر كلمات بيتر قبل أن يخرج :

ـ عديني بأن تسأليه , على الأقل , يا روزي .

حينذاك أجابته غاضبة :

ـ ولماذا أضحي بنفســي لأنقذ هذا البيت ؟ هذا غير ممكن حتى

ولو كنت أريده . . . أنت تعرف شعوري .

رد عليها بيتر معترضـاً :

ـ أنت تعلمين ما الذي سيحدث إذا ورثه (( إدوارد )) . سيهدمـه

بالتأكيـــد وهو يشعر بالسرور .

ـ وأيضــاً ليعود إلى منزل جدي . نعم , أعلم هذا .

كان إدوارد ابن عم أبيها . وقد تشاجر مع جدها قبل أن تولد

روزي بوقت طويل , شجاراً خطيراً بسبب سلوكه والمال , كان من

نتيجته أن منعه الجد من وضع قدمه في هذا المنزل مرة أخرى .

لكل أسرة نعجتها السوداء , كما يقال , وأسرتهم غير مستثناة من

ذلك . حتى وهو في منتصف عمره الآن , وبالرغم من مظهره المحترم

وزواجه , ثمة شــيء غير سار في شخصية إدوارد .

قد لا يكون تجاوز القانون في معاملاته المالية , ولكنه بالتأكيد

تجاوز حدوده تحت ستار الظلام غير مرة , كما اعتاد أبوها أن يقول

أبوهــا . . .

أشاحت روزي بوجهها عن النافذة , ونظرت نحو الـمكتب .

كانت صورة أبيها الفتوغرافية ما زالت فوقه . صورة أخذت له بالبذلة

العسكرية قبل موت أخيه الأكبر بوقت قصير .

لقد ترك الجيش , حينذاك , وعاد إلى البيت ليكون بجانب

أبيه . . . ولم يكن هو نفسه غريباً عن الموت منذ وفاة والدة روزي .

كان المنزل (( مرج الملكة )) يعني الكثير بالنسبة إلى أبيها

وجدها . كانت هي تحب البيت طبعـــاً ــــ ومن ذا الذي لا يحبه ؟ ــــ وإنما

دون شعــور بالتملك .

لم يكن ما شعرت به وهي تجول في حجراته , هو الزهو , وإنمــا

الشعــور بالذنب .

يا ليت الأمــور كانت غير ما هي عليه الآن ! يا ليت إدوارد غير ما

هو عليه ! إذن , لغادرت هذا المنزل بسهولة وسرور واشترت أو

استأجرت لنفسهــا شقة صغيرة في المدينة ومنحت كل وقتهـا واهتمامها

للعمل في الملجـــأ .

ولكن كيف بإمكــانها أن تفعل ذلك الآن ؟

لقد حذرهــا بيتر حينذاك , قائلاً :

ـ سيهدم إدوارد المنزل . سيجمع أولاً كــل ما يستحق البيع من

محتوياته ثم يهدمه حجراً بعد حجر , ثم يبيع الأرض لأحد أصدقائه

المقربين الذي سوف . . .

قاطعته محتجــة :

ـ كلا ! لا يمكنه القيام بذلك . المنزل مسجــل تراثياً و . . .

ـ حسب معرفتي بإدوارد , لن يصعب عليه أبداً العثور على من

يدعي أن البنائين أساوؤا فهم التعليمات التي أعطيت لهم . هل تظنين

أن هذا البيت سيصمد طويلاً عندما يهاجمه نصف (( دزينة )) من الرجال

مع (( بلدوزراتهم )) ؟ وطبعاً , لن تكون لإدوارد أية صلة بما حدث ! إنه

يكره جدك , يا روزي , وهو يعلم كم كان هذا المنزل غالياً عليه وعلى

أبيك .

قالت روزي متنهدة :

ـ كثيراً جداً ! لا , يا بيتر , هذا المكان أكبر من أن تسكنه أســرة

واحدة , مهما يكن مقدار جماله . . . آه ! لماذا لم يستمع جدي إلــي

ويسجله مؤسسة خيرية ؟ لماذا لم يفعل ذلك ؟ .

ـ أنت إذن لا تهتمين بما يحدث للمنزل ؟ إلا يهمك أن يرثه

إدوارد ويدمره . . . يدمـر أربعمئة عام من التاريخ ؟ .

قالت متبرمـــة :

ـ طبعاً يهمني ! ولكن ماذا بإمكاني عمله ؟ إنك تعرف شروط تلك

الوصية الحمقاء , التي تركها جدي , كما أعرفها : في حال وفاة ولديه

قبله , يذهب منزله ومزرعته إلى أقرب أقربائه بشرط أن يتزوج خلال

ثلاثة أشهـر من وفاته ويصبح قادراً على إنجاب وريث . لقد كتب تلك

الوصية منذ سنوات بعد وفاة عمــي توم , ولو أن أبــي لم . . .

سكتت حينذاك مختنقة بالدموع . لم تكن استوعبت بعد فكــرة

وفاة أبيها بنوبة قلبية قبل أسابيع فقط من وفاة جدها بعد إصابته

بغيبوبة توفي على أثرها . ثم قالت بــأسف :

ـ شروط تلك الوصية مكتملة جميعها في إدوارد . . .

قاطعها بيتر بهدوء :

ـ إنك أقرب أقــرباء جدك .

أجابته حينذاك , بجفــاء :

ـ نعم , لكنني لست متزوجة , ومن غير المحتمل أن أتزوج , على

الأقــل ليس خلال الأشهــر الثلاثة القادمة .

حينذاك قال بيتر بثقة :

ـ بل يمكنك عقد زواج مصلحة . زواج لغرض محدد يمكنك من

استكمال شروط وصية جدك . زواج يمكن إنهاؤه بسرعة وسهولة .

ـ زواج مصلــحة ؟

وحدقت به روزي باهتمام . بدا لها الأمر وكــأنه من إحدى

الروايات الخيالية التي تحب قراءتها . موضوع شــاعري جميل لكنه لا

يحدث في الحياة الواقعية .

ـ لا !

قالت ذلك بانفعال واستنكــار , وهي تهز رأسهــا بعنف جعل

خصلات شعرها السوداء تترامى على كتفيها . دفعتها عن وجهها

بضيق . كان شعرها آفة حياتها . . . أسود داكناً متمرداً يضج حيوية ؛

ولطالمـا دعاها جدها , وهو يدللها , بالغجرية الصغيرة . لكنها كلما

حاولت ترويضه وتنظيمه , كان يثور ويعود إلى شكله السابق , كومة

من الخصل الجعدة حالما ينغلق باب الحلاقة خلقها . وهكذا تخلت

في النهاية عن كل محاولة للسيطرة عليه .

ـ هذا مستحيل ! وحتى زواج المصلحة , يحتاج إتمامه إلى

شخصين . وأنا لا أعرف شخصــاً يقبل . . .

لكن بيتر قاطعها , حينذاك , قائلاً :

ـ أنا أعــرف .

أتراها سمعت نبرة شؤم في هذه الكلمات , أم أنها تخيلت ذلك ؟

سكتت وهي ترفع بصرها إلى وجه محاميها , بارتياب ثم سألته

بحـــذر :

ـ من ؟

ـ غارد جيميسن !

ما إن قال ذلك حتى انهارت جالسة على السلم وهي تقول

بحــزم :

ـ لا ! أبداً هذا غير ممكن ! .

لكنه تابع يقول بحماسة وكأنه لم يسمع اعتراضها :

ـ إنه اشخص الناسب تماماً ! وهو على أي حال , لا يخفي

رغبته في امتلاك هذا المنزل .

أجابت بجفاء وهي تتذكر كم من المرات كان غارد يزعج جدها

متوسلاً إليه أن يبيعه المنزل :

ـ أبداً ! إذا كان يريد هذا المنزل حقاً , يمكنه إقناع إدوارد ببيعه .

رفع بيتر حاجبيه :

ـ هيا , يا روزي ! أنت تعلمين أن ادوارد يكره غارد بقدر ما كان

يكره جدك تقريباً .

تنهدت روزي . كان هذا صحيحاً ! ذلك أن غارد وإدوارد عدوا

مصلحة قديمان . وكما قال أبوها في أكثر من مناسبة : لم تحدث بين

الرجلين مواجهة , إلا كان غارد هو الرابح .

قالت :

ـ نعم ! ومجرد معرفته بمبلغ حب غارد لهذا المنزل , يقوي رغبته

في هدمـــه .

ـ إن حديثنا يتناول فقط بعض الترتيبات العملية بينكما , أنتما

الاثنين . بعض الاجراءات الشكلية البسيطة التي تمكنك من استيفاء

شروط الوصية , وفي الوقت المناسب , يمكن فسخ الزواج . يمكنك

أن تبيعي البيت لغارد و . . .

فسألته بارتياب :

ـ في الوقت المناسب ؟ كم من الوقت يستغرق ذلك ؟ .

ـ سنة أو سنتين . . . لا أظن أن هناك شخصاً آخر تريدين الزواج

منه , أليس كذلك ؟ وإلا لما كان هناك مشكلة أو حاجة للزواج من

غارد .

قالت بحـــزم :

ـ لا يمكنني القيام بذلك , الفكرة كلها تبدو لــي كريهة منفرة .

ـ حسناً ! عليك إذن أن توطني نفسك لقبول حقيقة أن إدوارد

سيرث . لقد مضى على وفاة جدك شهــر تقريباً .

قالت متجاهلة قول بيتر :

ـ لا يمكنني القيام بذلك . لا يمكنني أن أطلب من رجـــل أن

يتزوجني , خصوصــاً غارد . . .

ضحك بيتر حينذاك :

ـ إنه عرض عملي , ليس إلا . فكـــري في ذلك , يا روزي . إننــي

أعرف تذبذب مشاعرك نحو المنزل (( مرج الملكة )) , لكنني لا أصدق

أنك تريدين أن تري إدوارد يهدمــه .

ـ لا ! لا أريد ذلك بالتأكيــد ! .

ـ ومــاذا ستخسرين إذن ؟قالت عند ذاك :

ـ حــــريتي !

عند ذلك ضحك بيتر :

ـ آه , لا أظن غارد سيتدخــل في هذا الأمر . إنه أكثر انشغالاً من

أن يهتم بما تفعلين . عديني بأن تفكري في الموضوع على الأقل , يا

روزي . إنني أفعل هذا لأجلك , لأنك إذا سمحت لإدوارد بهدم

المنزل , فلن يمكنك التخلص من الشعور بالذنب .

فسألته بجفــاء :

ـ هل تخدمني بابتزازي ؟ .

وإذ بدا عليه , حينذاك , شـــيء من الضيق , قالت :

ـ لا بأس . ســأفكــر في الأمــر .

وأخيراً , فعلت أكثر من مجرد التفكير في الأمر , كما اعترفت

روزي وهي تعود بأفكارها إلى الحاضر .

ـ المشكلة معك هي أنك أرق قلباً مما يجب أن تكونــي .

كم من المرات سمعت هذا الإتهام يوجه إليها على مر السنين !

مرات لا تحصى !

لكن بيتر على حق . لا يمكنها أن تدع إدوارد يدمر المنزل من

دون أن تحاول منعه , بتضحيتها بنفسها ! وارتسمت على شفتيها

ابتسامة حين التمعت في ذهنها فكرة ماكرة . يا لخيبة غارد لو أنه

تمكن من قراءة أفكارها ! كم من النساء يعتبرن , مثلها , الزواج منه

تضحية . . . ؟ لسن كثيرات . . . حتى ولا واحدة , على ما تعتقد .

حسناً إنها فتاة غريبة إذن . . . وشاذة بحيث أنها , لسبب ما , لم

تستطع أن ترى فيه أية جاذبية كسائر النساء . إنها إذن حصينة إزاء

مواهبه التي تنهار أمامها النساء . . . تنضح أعينهن رهبة وهن يهذين

بشكله المثير وعينيه الملتهبتين . . . بفمه وكتفه وجسمه , وشخصيته

المهيبة وهالة الغموض التي تحيط به .

من الغريب أن آخر شــيء كن يذكرنه هو ثروته !

حسناً , لا يمكنها أن ترى فيه ما يجذبها عاطفياً . فهو بالنسبة

إليها خنزير ساخر متغطرس لا يسره شــيء أكثر من جعلها موضعاً

للهزل .

أثناء حفلة عشاء منذ شهر واحد فقط , قالت لها المضيفة إن ابن

عمها يرغب في الجلوس بقربها أثناء العشاء . مال غارد نحو روزي ,

وكان قد سمع الحديث , قائلاً بتهكم :

ـ إذا كان يرجو أن يجد امرأة تحت هذه الكتلة الشعثاء من

الشعر , وهذا الثوب المضحك الذي ترتديه , يا روزي , سيصاب دون

شك بخيبة أمل مرة , أليس كذلك ؟ .

ولما كان (( الثوب المضحك )) الذي أشار إليه عزيزاً جداً عليها , إذ

صنعته بنفسها من قطع قماش أحضرتها من المبرات الخيرية ,

فأصلحتها وغسلتها ونسقتها بكل فخر واعتزاز ــــ إذ كان الأمر كذلك ,

فقد رمقته بنظرة بالغة المرارة وهي تقول :

ـ ليس كل الرجال يحكمون على المرأة من خلال إغرائها , يا

غارد ! .

فكان أن أجاب حينذاك , دون اهتمام بمشاعرها :

ـ هذا من حسن حظك ! لأنك , حسب الأقاويل , ليس لديك

أدنى فكـــــرة عن هذا الموضوع ! .

احمر وجهها طبعاً , ليس فقط لما قاله فهي , على كل حال , لا

تشعر بالخجل لأنها غير مستعدة لإقامة علاقات عابرة ولكن للطريقة

التي كان غارد ينظر بها إليها . . . للسخرية البادية في عينيه , وأيضاً

للصورة المفزعة التي مرت للحظة في خيالها إذ تمثلته مع إحدى

عشيقاته المغـــرمات !

نبذت هذه الصورة من ذهنها على الفور , لائمة نفسها على

خيالها الخصب وتهويماتها المزعجة .

ذاك المساء , كانت قد تابعت الجدال مع غارد , قبل أن يغادر

المنزل مع شقراء رائعة الجمال والأناقة كانت بصحبته .

كانت قالت له و هي ترفع ذقنها الصغير تحدياً :

ـ على كل حال , من الأصوب هذه الأيام عدم إقامة علاقات

عاطفية .

أجابها بلطف موافقاً :

ـ من المؤكد أن الظروف الحالية مناسبة جداً للتهرب والاختباء ,

خصوصــاً . . .

ـ خصوصاً ماذا ؟

فقال متهكماً :

ـ خصوصاُ في مثل وضعك !

ومنعتها عودة صاحبته من قول أي شــيء آخر , حينذاك .

زواج مصلحة من غارد ! ستكون مجنونة إذا سمحت لبيتر أن

يقنعها بهذه الفكرة الحمقاء . لكنه كان قد أقنعها بذلك ولم يعد

بإمكانها التراجع الآن .

هل رغبة غارد بتملك منزل (( مرج الملكة )) تكفــي لكي يوافق ؟

ـ حسناً يا روزي , ما سبب مكالمــــتك إذا كنت تسعين إلى هبة

أخرى منــي لمؤسستك الخيرية تلك ؟ عليك أن تعلمـــي أنني , حالياً , لا

أشعر بأية رغبة في العطــاء . . .

أخذت روزي تنظر إليه صامتة وهو يدخــل الردهة . كان قلبها

يخفق بقوة وكــأنه على وشك أن يخترق صدرها .

لم تتذكر أنها شعرت من قبل بمثل هذا التوتر . . . حتى ولا

عندما علم جدها بتسللها خفية في إحدى الليالي لســرقة السمك من

مزرعته مع كليم أنجرز .

كادت تغرق في تداعياتها ولكنها ما لبثت أن عادت بأفكـــارها إلى

الواقع , بحزم .

حضر غارد مبكــراً أكثر مما توقعت . حضر ببذلته الأنيقة الغالية

الثمن , وقميصه القطني المنشى الناصع البياض , ولو لم يكن مألوفاً

لديها بهذا الشكل لوجدت ذلك مثبطاً جداً لعزيمتها .

لكن غارد قد يكون مثبطاً حتى في ملابسه العادية , على ما

حدثت نفسها . ولم يكن هذا بسبب طول قامته , حتى ولا عرض كتفيه

وعضلاته المشدودة التي طالما تأوهت صديقاتها لرؤيتها . بل كان

هناك شــيء يتعلق بغارد نفسه . . . شــيء معين لا تدركه الحواس . . .

هو الذي يجعله مختلفاً عن غيره من الرجال . . . هالة من القوة

والسيطرة , من . . . الرجولة الخالصة التي تعترف بها روزي نفسها .

كانت تشعر بها إنما لا تنجذب إليها , كما ذكرت نفسها بحدة . لا

يمكن أبداً أن تنجذب إلى غارد , فهو ليس نموذجها المفضل بين

الرجال . إنها تحب من الرجال الرقيق الدافــــئ العواطف . . الأليف ,

والأكـــثر . . . إنسانية , والأقـــل . . . الأقــل هوســـاً .

وتنحنحت متوترة . ســـألها بجفــاء :

ـ مــاذا حدث ؟ إنك تحدقين في كأنك تحدقين في كلب ! .

ردت عليه بحدة وألم :

ـ أنا لست خائفة منك ! .

ـ أنا مسرور جداً لسماع ذلك . علي أن أستقل الطائرة إلى

بروكسل عند الصباح , يا روزي , ولدي حقيبة يد مليئة بالمستندات

لأقــرأها قبل ذلك . أخبريني فقط ماذا تريدين , يا فتاتي الطيبة , إنما لا

تتراجعي الآن قائلة إن الأمر غير هام . نحن الاثنين نعلم جيداً أنك ما

كنت لتتصلي بي لو كـــــان الأمر عادياً .

قطبت جبينها قليلاً للسخرية البادية في صوته , لكنه كان ينظر

إليها بنفاذ صبر وهو يفك أزرار سترته ويحل ربطة عنقه .

وعندما ركزت نظراتها على حركات يديه , شعرت بالإنقباض في

قلبها يشتد .

ـ هيا , يا روزي ! لا أريد أية ألاعيب ! مزاجي , حالياً , لا يحتمل

هذا .

ذكــرها تحذيره الشفهي المصحوب بنظرته العنيفة الثاقبة , بزلتها

القديمة مع (( كليم أنجرز )) وعقابه القاسي لهما .

ابتلعت ريقها متوترة . فات أوان التراجع الآن .

استجمعت شجاعتها وجذبت نفساً عميقاً .

ـ غارد ! أريدك أن تتزوجــــني . . .


* * * * * *

: : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : :

Just Faith 26-11-17 07:26 PM

يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

Just Faith 26-11-17 07:29 PM


3 ـ

كيف يعامل الرجل المرأة ؟



ســألت روزي غارد , وهي تنهض وتسير لتقف عند نافذة المكتبة .

ـ هل من المفروض أن يكون احتفالاً كنسياً ؟

كانت قد فوجئت بحضوره منذ نصف ساعة . ذلك أن الساعة

التاسعة من صباح يوم السبت ليست وقتاً معتاداً لاستقبال الزائرين .

ـ زائرين ؟

قال غارد ذلك بلهجة مطاطة عندما أخبرته بذلك . وبسرعة ,

تخللت شعرها الجعد بأصابع إحدى يديها , بينما حاولت خلسة أن

تلعق ما سال على أصابع اليد الثانية من المربى .

في حياة جدها , كانت وجبة الفطور , خصوصاً أثناء عطلة نهاية

الأسبوع , أمراً شبه رسمي , يقدم في غرفة الطعام . ولكن , منذ أن

أصبحت وحدها , تعودت أن تأكل في المطبخ الواسع . كما أصبحت

السيدة (( فرينتنون )) تأتي مرة واحدة في الأسبوع بدلاً من الحضور

يومياً للتنظيف و المطبخ . ذلك أن روزي أخذت تشعر بالذنب

لاستخدامها امرأة في أعمال الطبخ والتنظيف بينما تستطيع أن تفعل

ذلك بنفسهـــا .

ـ عزيزتي روزي , نحن على وشك الزواج , والمفترض في نظر

الناس أننا غارقان في الحب . ليس الغريب زيارتي الباكرة , بل عدم

قضائي الليل بطوله هنـــا .

تملك روزي الضيق عندما شعرت بحمرة الخجل تصبغ وجهها .

قــال :

ـ برنامجي مليء بالعمل , وهناك أمور معينة علينا أن نناقشها قبل

أن يعلم سائر الناس خبرنا .

سألته غاضبة وهو يتبعها إلى غرفة المكتبة :

ـ ولماذا على الآخرين أن يهتموا بما نفعل ؟ أم أنك تعني بسائر

الناس صديقاتك العزيزات ؟

لكن النظرة التي رمقها بها سرعان ما أسكتتها .

كان غارد , مثلها يرتدي ثياباً عادية . لكن مشيته كان لها تأثير

مغناطيسي غريب . شعرت بالارتياح عندما جلس أخيراً على إحدى

كراسي المكتبة .

أجابها الآن عن سؤالها الأســاسي :

ـ نعم , هذا يهمُّهنَّ ! ما هو اعتراضك ؟ .

ـ حسناً ذلك فقط . . .

وهزت كتفيها بضيق , لا تريد أن تعرض نفسها للمزيد من

سخريته . فهي تشعر على نحو ما بأن من الخطـــأ , إجراء الزواج في

الكنسية , بينما يعلمان تماماً أن زواجهما هو مجرد مصلحة . قال يلح

عليها :

ـ ذلك فقط مــاذا ؟

ـ إنه فقط . . . أن العرس في الكنسيــة مربك , بــالغ الضوضـــاء

والتعقيد و . . .

احمر وجههــا أمام نظرته الباردة . في وضوح هذا النهار الصــافي

المــشــمــس , بدا مستحيلاً أن تكون هاتان العينان الباردتان هما نفس

العينين اللتين رأتهما الليلة الماضية تتحرقان رغبة وشوقاً . حولت

عينيها عنه بسرعة . كانت حدثت نفسها الليلة الماضية , بعد ذهابه ,

بأن مـا حدث بينهما من عناق لن يتكرر , غارد فعل ذلك بسبب

إدوارد , وبإمكانها أن تشكره على عمله . . . لكنه أمر لا ينبغي أن

يتكرر على الإطلاق .

ـ كفى مراوغة يا روزي . إنك لا تريدين الزواج في الكنسية لأنه

زواج غير حقيقي . هذه هي شخصيتك ومفاهيمك المشوشة عن

الحياة . حاولي أن تفكري في الأمور بمنطق , أنا وأنت , على اختلاف

طبعينا , لدينا مكانة معينة في المجتمع , سواء أحببت ذلك أم لا .

إدوارد لن يكون مسروراً لما ستقوم به , ونحن نعلم ذلك , ولا فائدة

من زيادة شكوكه . تفضلين احتفالاً صغيراً بسيطاً , ولا ضـــرورة لأن

يكون كنسياً , أليس كذلك ؟ أما بالنسبة للضوضاء والتعقيدات , دعي

ذلك لي . من الأفضل أن تطلبي من السيدة فرينتون أن تأتي إلى هنا

للعمل في البيت طوال النهار .

ـ لماذا ؟ إنني لا أستعمل سوى بضع غرف و . . .

ـ هذا صحيح . ولكن بعد الزواج علينا القيام بواجبات الضيافة .

لدي شركاء في العمل يريدون أن يتعرفوا إلى عروسي . فإذا لم تكوني

مستعدة لترك عملك في الملجأ لتبقي في المنزل طوال النهار . . .

تترك عملها في الملجأ ؟ وقالت بعنف :

ـ لا ! بكــل تأكيد ! .

ـ اتصلي إذن بالسيدة فرينتون أخبريها بأننا سنتزوج وبأنني

ســأنتقل إلى هنا واطلبي منها أن . . .

ـ تنتقل إلى هنا ؟

فقال ســاخراً :

ـ من الطبيعي بالنسبة إلى زوجين أن يعيشا تحت سقف واحد .

إلا إذا كنت تريدين الانتقال إلى شقتي . بالرغم من . . .

شقته ؟ أخذت روزي تحدق فيه . عندما عرض عليها بيتر في

البداية فكرة الزواج من غارد لم يخطر ببالها سوى ذاك الحرج من

مفاتحته في الأمـــر .

قالت بذعر :

ـ لكننا لا يمكن أن نعيش معاً !.

ـ لا يمكننا ماذا ؟ آه , هيا , يا روزي , كم تبلغين من العمر ؟ لا

يمكنك أن تكوني بهذه السذاجة ! لا يمكنك أن تقنعي الناس بأن هذا

زواج حقيقي إذا كنا نعيش في منزلين منفصلين . كوني عاقلة !

قالت بضعف وهي تسمع نبرة السخط في صوته :

ـ لم يذهب تفكيري , في الواقع , إلى ذلك الحد . أردت فقط

أن . . .

قاطعها بلهجة لاذعة :

ـ أرادت فقط إنقاذ البيت من إدوارد . أعلم هذا . إنك في الثانية

والعشرين من عمرك تقريباً , يا روزي . ألم يحن الوقت بعد لكي

تكبــــري ؟

أجابت ساخطة :

ـ إنني كبيرة . وأنا راشدة الآن , يا غارد و . . .

ســألها بنعومة :

ـ و . . . ماذا ؟ امرأة ؟ .

ـ نعم !

قالت ذلك بعنف وهي تنظر إليه يروح ويجيء في الغرفة , ثم

يرمقها بنظرة آمــرة :

ـ استديري وانظري إلى نفسك في تلك المرآة , ثم أخبريني بما

ترين .

فكرت في أن ترفض , لكنها عندما تذكرت مبلغ السرعة

والسهولة التي قهرها بها الليلة الماضية , امتنعت عن ذلك . وهكذا

اضطرت للقيام بما طلبه منا , وأخذت تحدق , ليس في صورتها في

تلك المرآة الضخمة , بل فيه هو .

كم هو طويل بالنسبة إلى قصر قامتها ! ومــا أقوى عضلاته

الواضحة من تحت قميصه الصوفي الرقيق ! أما هي فكان قميصها

فضفاضاً وفتحة عنقه واسعة , ما كشف بوضوح عن رقة عظامها

الهشة . أبرز القماش الصوفي الأسود الناعم , بشكل ما , بياض

بشرتها الشفاف , واستدارة صدرها .

قال ســاخراً :

ـ امرأة ! إنك تبدين فتاة صغيرة ! قد تصبحين امرأة بعد سنوات ,

يا روزي , لكنك ما زلت مختبئة خلف طفلة بمظهرها وسلوكها .

( ومد يده محاولاً ملامسة فمها , لكنها أمسكت بمعصمه تبعد يده

عنها , وقد أظلمت عيناها غضباً وذهولاً ) . لا أحمر شفاه , ولا أي

نوع من مواد التجميل .

أجابت باحتجاج :

ـ إنه صباح السبت .

أما ما لم تخبره به , أو ما لم تستطع أن تخبره به , فهو أنها

غادرت سريرها للتو , وأنها لم تستطع النوم في الليلة الماضية . . .

لأنها . . وأحست بأثر لمسته تحرق شفتها , فعضتها بحركة غريزية .

تابع غارد يقول بقســوة :

ـ لا زينة على الوجه ! وتتعمدين بملابسك هذه إخفاء معالم

الأنوثة . هل سبق لرجل أن لمســك ؟

ـ ليس علي أن أعتذر لك أو لأي شخص آخر لعدم رغبتي في

إطلاق العنان لنفسي في علاقات عابرة . وهذا لا يعني أنني غير

ناضجة , أو أنني أقل من امرأة .

ـ هذا صحيح . لكن احمرار وجهك , وهربك مني , وجهلك

الواضح بالجنس الآخر . . . كل هذا يقول إنك لست امرأة , يا

روزي . وسيقولون بالتأكيد إنك غير متزوجة .

قالت بحدة وهي تشيح بوجهها لئلا يرى احمرار وجهها أو الألم

الذي خلفته كلماته :

ـ حسناً , لا يمكنني فعل شيء بالنسبة لهذا الأمر . أليس كذلك ؟

إلا إذا اقترحت علي أن أخرج وأفتش عن مغادرة طائشة كي لا

أحرجك بنقص . . أنوثتي وخبرتي ! .

ـ يا إلهي ! لو رأيتك . . .

شهقت وهي تراه يمسك بها يهزها بعنف , ثم يتركها فجأة . لم

تجد وقتاً لتفتح فمها احتجاجاً على خشونته هذه , وهو يقول غاضباً :

ـ إننا لا نقوم بلعبة , يا روزي ! بل هي حقيقة . . . وحقيقة خطرة

للغاية ! هل فكرت في ما قد يحدث لي ولك إذا ما أقام علينا إدوارد

دعوى احتيال ؟

ـ إنه لن يفعل . . . لا يستطيع أن يفعل هذا .

ـ لقد رأيت مظهر وجهه , كما رأيته أنا عندما علم بأنه لن يرث

المنزل . أي تلميح إلى أن هذا الزواج زائف , يجعله يسرع إلى إرسال

محاميه إلينا . . .

قالت وهي ترتجف :

ـ لكنه لن يستطع أن يعلم . لا يمكنه إثبات شــيء .

ـ نعم , هذا صحيح إذا تمسكنا بالحذر , وطالما تتذكرين أننا

أصبحنا تقريباً زوجين , وغارقين في حب بعضنا البعض .

ابتلعت روزي ريقها متوترة . إن لديها مخيلة جيدة . . . مخيلة

جيدة جداً . . . لكن أن تحاول تخيل نفسها غارقة في حب غارد . . .

ثم تحاول أن تتصوره يبادلها نفس ذلك الحب !

ـ هل ثمة انتقادات أخرى ؟

قالت روزي ذلك بتحدٍ , مقاومة اليأس الذي أخذ يتملكها . ألقى

عليها غارد نظرة هبط لها قلبها , وهو يقول محذراً :

ـ لست في موقف أحسد عليه .

وفجأة , شعرت روزي بأنها نالت ما يكفي . فقالت :

ـ لا يتوجب عليك القيــام بــذلك , كمــــا تعـــلم . ليس هناك من

يرغمك على الزواج بي , كما أنني أنا أيضاً لا أريد الزواج بك .

إسمع , لماذا لا تنسى كل شيء , يا غارد ؟ لم لا . . . ؟

فقاطعها بعنف :

ـ لماذا لا تحاولين التفكير قبل أن تفتحي فمك الصغير الحلو

هذا ؟

ولسبب ما , بدا أكثر غضباً من ذي قبل , كما لاحظت روزي ,

بينما تابع يقول :

ـ هل نسيت شيئاً ؟ إدوارد يعلم جيداً أننا سنتزوج .

ـ ماذا في ذلك ؟ يمكننا الادعاء بأنه شجار بين عاشقين . وهذا

يحدث كثيراً . وكان عليك أن تعلم ذلك .

من الغريب أن تأثير تهكمها هذا عليه كان أقل من كلامهــا السابق

عن عدم الزواج . قال بجفاء :

ـ العاشقون يعودون فيتصالحون , على الأقل حتى ينفصلوا نهائياً

عن بعضهم البعض . كلا يا روزي , إننا ملتزمان الآن . فات وقت

تغيير الرأي .

ـ كان بيتر على صواب في شيء واحد على الأقل . وهو أنك

تريد هذا المنزل بأي ثمن , وهذا ما يجعلك تقدم على هذا الأمر في

سبيله .

وهزت كتفيها مقهورة وهي تدير له ظهرها , محاولة تجاهل

خيبتها عندما لم تفكر في مستقبلها المباشر . سمعته يقول برزانة :

ـ نعم , هذا صحيح ! وبالمناسبة , تحدثت مع الكاهن , واتفقنا

على أن احتفالاً بسيطاً وسط الأسبـــوع هو الأفضل .

ـ لماذا فعلت ! ولكن . . .

ـ أنت التي عرضت علي الزواج .

كــبحت روزي صرخة أوشكت أن تفلت منها . مهما قالت أو

فعلت , بإمكان غارد أن يتغلب عليها حيلة وخداعاً . حسناً , يوماً

ما . . . يوماً ما ستكون هي التي تتغلب عليه . تعهدت لنفسها بذلك .

ســألته بتهكم لاذع :

ـ هل عينتما يوماً , أنت والكاهن ؟ أم أنه مســموح لــي برأي في

ذلك ؟

قال متجاهلاً تهكمهــا :

ـ نعم , يوم الأربعاء الذي يتلو الأربعاء القادم .

ـ بهذه السرعة ؟ ولكن . . .

ابتلعت روزي احتجاجها وكبحت إحساساَ ثوياً بالخشية

والارتياب .

ـ لا فائدة من تأخير الأمور . ليس أمامنا سوى شهرين نحقق

فيهما شروط وصية جدك , وأمامي عدة رحلات عمل . وفي الواقع ,

علي أن أعود إلى بروكسل في اليوم التالي للزفاف , ما يعني أننا ,

لسوء الحظ , لن نتمكن من القيام برحلة شهر العسل التقليدية .

وعندما رأى ما ارتسم على وجه روزي , ضحك ساخراً وقال :

ـ نعم , فكرت في أن هذا قد يعجبك . كوننا سنتزوج بسرعة ,

يعني أننا لسنا بحاجة إلى دعوة أناس كثيرين , وليس منا من له أسرة

كبيرة . أما حفلة الاستقبال فسنقيمها في ما بعد . وكما قلت لك ,

يمكنك ترك كل الترتيبات لي , عدا شيئاً واحداً . . ثوب زفافك . .

نظرت إليه بارتياب , متكهنة بما هو آت :

ـ ثوبي ؟ إنني لن أضيع نقودي على ثوب زفاف .

ـ ماذا ستلبسين إذن ؟ لا أظنك سترتدين هذا الذي عليك الآن ؟

حملقت فيه تقول :

ـ لا تكن سخيفاً . سوف . . .

ـ اسمعي يا روزي . لن أضيع وقتي في الجدل معك . كــــان

لأسرتك , ولا يزال , مكانة جيدة في المجتمع , هي تعني الكثير جداً

بالنسبة لجدك . يعجبني فيك أنك فتاة عصرية تنفقين ثروتك الموروثة

في سبيل مبادئك . ولكن علينا أحياناً أن نصل إلى حل وسط بين

مبادئنا ومتطلبات الآخرين .

ـ أتعني أنك تريدني أن أرتدي ثوب الزفاف التقليدي كيلا أسبب

لك الخجــل ؟

ـ لا . ليس هذا ما أعنيه .

جعلها غضب صوته تنظر إليه مباشرة . رأت أنها أغاظته حقاً .

كان وجهه مكفهراً وشفتاه متوترتين تنذران بالشر . وحتى اقترابه منها

كشف عن نفـــاذ صبره .

ـ لا أهتم مثقال ذرة إذ أنت وقفت في الكنيسة مرتدية كيس

خيش , إذ يبدو واضحاً تماماً أن هذا ما تريدين . ما بك يا روزي ؟ هـــل

تخشين أن بعض الناس , شخصاً ما , لن يفهم تماماً الدافع وراء هذا

الزواج ؟ وأن ذلك الشخص قد لا يدرك التضحية الكبرى التي تقومين

بها ؟ حسناً , دعيني أحذرك الآن , يا روزي , حتى إذا أنت فكرت فــي

أن تخبري رالف ساوثرن بالسبب الحقيقي لهذا الزواج . . .

رالف ؟ ما هذا الذي يتحدث عنه غارد ؟ ولماذا تخبر هــــي رالف

بشــيء من هذا القبيل ؟ إنها تعرف مسبقاً ردة فعله إذا هي فعلت .

والازدراء الذي سيشعر به نحو رغبتها في حماية وحفظ المنزل . . .

تابع غارد يقول متجهماً :

ـ إذا ظننت أنــني . . .

هزت روزي رأسها وقد تبددت من نفسها كل رغبة في القتال :

ـ لا بأس , يا غارد . ســـأرتدي ثوب زفاف حقيقي .

قالت ذلك بجفاء . كانت تعلم أن عينيها امتلآتا بالدموع , ورغـــم

محاولتها لإشاحة وجهها , إلا أن غارد لاحظ دموعها . سمعته يشتم

بصوت خــافت ثم يقول بخشونة :

ـ لا بأس ! آســف إذا كنت سببت لك ألمــاً بــشيء قلته . إنما عليك

أن تدركــي أن . . .

قالت بغضب وهي تغالب دموعها :

ـ لا , إنه ليس . . . ليس بسبب شيء قلته . أنا أعلم مسبقاً رأيك

بي يا غارد . المسألة هي أنني كنت دائماً أتصور .

ورفعت رأسها غير مدركة مبلغ الضعف البادي عليها والتردد فــي

صوتهــا .

ـ أتصور أنني عندما أتزوج . . . عندمـــا أختار ثوب زفافي . . .

سيكون ذلك . . . ( وغصت بالدمع ) سيكون لرجل يحبني . . . لرجل

أحبــه .

رأت وجه غادر يتوتر . لعله ليس كما كانت تظن وتتصور . . .

ربما هو أيضاً , في أعماقه , تصور ذات يوم أنه سيتزوج لأجل الحب .

وعادت تقول , محاولة التظاهر بعدم الانفعال :

ـ ومع ذلك , أظن بإمكاني أن أفعل فــي . . .

أكمل غارد كلامها بخشونة :

ـ في المرة القادمة .

لم تعرف روزي ما الذي قالته فأغضبه بهذا الشكل الواضح .

انفجرت فيه تقول متحدية , متجاهلة الغريزة التي أوحت إليها بأن ما

تفعله هو شيء خطير :

ـ ربما تظنني غبية مثالية للغاية وشاعرية ساذجة . نعم أنا كذلك

حقاً , يا غارد ! ربما عندما أصبح في مثل سنك , سأشاركك الرأي بأن

الحب المتبادل ليس مهماً , وأنه شيء يثير السخرية . . . لكنني لا

أستطيع الآن منع نفسي من هذه المشاعر . ولأنك لا تشعر بالشــيء

نفـســه . . .

قاطعها بلهجــة لاذعة :

ـ أنت لا تعلمين شيئاً عـــن مشاعري الحالية , وعما سبق أن

شعرت به واختبرته . . .

أحست بحرارة تحرق جلدها وهي تلمس الحقيقة في ما يقول

وما لم يقل . كان غارد رجلاً بالغ الخبرة والجاذبية ومحترم المشاعر ,

ولا بد أن هناك نساء . . أو امرأة . . . في حياته , جذبته روحاً

وجســـداً . وبشــكل مــــا , نبههـــــا تجاوبه هذا , إلى هذه الحقيقة .

طوال مدة معرفتها به , كانت تشعر بأنهــــا مرغمة على محــــاربته

ومقاومة رغبته في السيطرة , لكنها الآن تراه مختلفاً . وبدلاً من أن

تسأله لماذا , بعد خبرته بتلك المشاعر , لا يزال عازباً , كبحت تلك

الرغبة في التحدي . سمعته يقول بعد أن أشاحت بوجهها عنه :

ـ دعيني أحذرك , يا روزي ! لا أريدك أن تبحثي عن الحب

الشاعري المثالي أثناء زواجك بي ! عليك أن تؤجلي هذا , مع

الأســف .

نظرت إليه غير واثقة . هذا النوع من الكلام كان يقوله عــادة

بسخرية لاذعة . إنما الآن لم يكن ثمة أثر للهزل أو السخرية في

عينيه . نادراً ما كانت تراه رزيناً إلى حد التجهم , كما هو الآن , ما

جعلها تتمسك بالحذر

ـ لاستمرار هذا الزواج , أمام الآخرين , أنا عاشقك وحبيبك بكل

ما في هاتين الكلمتين من معنى .

إن فتور صوته وبرودته سلبا كلماته كل إحساس . ومـــع ذلك ,

شعرت روزي بجلدها يلتهب , وتحركت مخيلتها , عدوتها اللدودة

عندما تصل إلى غارد , تستعيد الكلمات التي استعملها . . . العاشق ,

الحبيب . ارتجفت فجأة , محاولة أن تنبذ تلك الصور التي خلقتها

مخيلتها البالغة النشاط , صور شخصين , عاشقين , متعانقين بلهفة

بالغــة .

نبذت روزي تلك الصور من ذهنها بسرعة , وقالت غاضبة :

ـ لا حاجة بك للقلق . لن أعمل شيئاً يشوه صورتك المعروفة في

مجتمعك . أليس كذلك , يا غارد ؟ العاشق الأسطوري الشهير يتزوج

امرأة لا تريده . . .

رد عليها متجهمــاً :

ـ ليس صورتي , كمــا تسمينها , هي ما يهمني , وإنما سمعتي

المهنية وكذلك سمعتك . أنت تدركين أن ما نقوم به , أنا وأنت , جل

عملية غش واحتيال , أليس كذلك ؟ أما بالنسبة إلى زواجي من امرأة

لا تريدني كما تقولين . . . فأنت لست امرأة , يا روزي , بل طفلة ,

وأشك في أنني سأجد صعوبة في العثور على سلوى في مكان آخر ,

أليس كذلك ؟

لم يكن يضاهيه أحد في الغطرسة , كما أدركت ثائرة وهي تبتعد

عنها ويمـد يده إلى جيب سرته الداخلــي . قال بلهجة واقعية وهو

يناولها علبة مجوهرات صغيرة .

ـ ستكونين بحاجة إلى هذا .

فتحتها روزي بأصابع مرتجفة , وإذا بشهقة صغيرة تفلت من بين

شفتيها وهي ترى الخاتمين داخلها . خاتم الزواج كان عادياً بسيطاً من

الذهب . أما خاتم الخطوبة الذي يتلاءم معه . . وأخذت تحدق فــــي

حجر الياقوت الأزرق المحاط بأحجــار مربعة متألقة من الماس ! قالت

بدهشـــة :

ـ إنها . . . رائعــة .

كان حجر الياقوت كثيفاً داكن الزرقة , بنفس لن عينيها مـــا

أدهشها وهي تتأمله , قالت بتردد :

ـ لا أستطيع لبسه , يا غارد . . . إنه . . . إنه باهظ الثمـــن .

أجــاب بحـــزم :

ـ بل يجب عليك ذلك . إن هــذا ما يتوقعه الناس . . . ويتطلعون

إليه .

أخــذت تتساءل عمــا إذا كان اختيار لون الياقوت متعمداً , أم أنه

قرار عشوائي توصل إليه بسرعة وضيق دون أن ينتبه إلى الشبه بين لونه

ولون عينيها .

ـ أعطيــني يدك .

فعلت ذلك كــارهة , وهو يدخل الخاتم في إصبعها بحزم , ثم

قالت بأدب :

ـ إنه . . . إنه رائع جــداً . شكــراً لك .

ـ هل هذا أحسن ما بإمكانك صنعه ؟ صوتك أشبه بصوت صبي

يشكــر رجلاً يمنحه مزيداً من مصروف الجيب . من المتعارف عليه أن

تشكـر الخطيبة خطيبها على مثل هذه الهدية بطريقة أكثر حرارة .

كان ينظر إلى شفتيها وهو يتكلم . شعرت بالضيق للخجل الذي

تملكها . كان يتعمد ذلك , طبعاً . حسناً , إنها ستريه . رفعت رأسها

إليه مذعنة وهي تشد على أسنانها مغمضة العينين , ثم انتظرت . .

وانتظـــرت .

عندما لم يحدث شيء , فتحت عينيها وحملــقت فيه بغــــضب .

فقال ســاخراً :

ـ إذا كان هذا غاية ما يمكنك عمله , فالأفضــل إخفاء زواجنا عن

الأنظار . لمعلوماتك الخاصة يا عزيزتي روزي , المرأة المخطوبة

حديثاً , والمفروض أنها غارقة في نشوة الحب , لا ترفع وجهها

وتنتظر قبلة خطيبها وكأنها مرغمة على تناول ملعقة دواء .

قالت غاضبة :

ـ لكننا لسنا غارقين في الحب .

ـ ولكل الأسباب التي تحدثنا عنها , كم من المهم جــداً ألا يعلم

أحد بهذا الوضع . إدوارد ليس أحمق , يا روزي ! إذا اكتشف أن لديه

فرصــة , مهمــــا كانت ضئيلة , لمنازعتك حقك في هذا المكان , لن

يتردد في انتهازهـــــا .

فقالت بحدة :

ـ ماذا علي أن أفعــل إذن ؟ آخــذ دروساً فــي كيفية عناق رجـــل

وكأنني أحبه بينما لست كذلك ؟ كلا , شكراً , لست بحاجة ذك .

ـ لا , ليس هذه ما أريد ! عناق بين عاشقين ملتزمين لا يشبه

بشيء تصرفك العشوائي المرتبك !.

حملقت روزي فيه بمزيج من الغضب والارتباك . أرادت أن

تخبره بأنها تعرف تماماً ما هو الشعور الذي يرافق عناقاً مع رجل

تريده , لكنها كانت تعلم أن هذا غير صحيح . ذك أن الرجال الذين

عرفتهم حتى الآن , لم يحركوا فيها أي عاطفة . قالت له بدلاً من

ذلك :

ـ أنا لست ممثلة , يا غارد! لا أستطيع إظهــار عواطف محمومة

عند الطلب . . .

قال بنعومة :

ـ ربما حان وقت تعلمك هذا .

كان ما يزال ممسكاً بيدها . . . وقريباً منها بحيث أن كل ما عليه ,

لكي يملأ الفراغ الذي بينهما , هو التقدم خطوة واحدة . أجفلت روزي

متوقعة أن يأخذها بين ذراعيه , عالمة بأنه من القوة بحيث لا يمكنها

تحرير نفسها منه . لكنه لم يفعل سوى أن رفع يده ببطء وأخذ يزيح

شعرها عن وجهها برقة وهو يقول بهدوء :

ـ هكذا يعامل الرجل العاشق المرأة التي يريد الزواج بها , يا

روزي, إنها تبدو له من الضعف والهشاشة والرقة بحيث يخاف تقريباً

من لمسها . يخاف تقريباً من أن مجرد لمسها سيشعل فيه من العاطفة

ما لا يستطيع السيطرة عليه . إنه يريدها من كـــل قلبه وبشكــل طاغٍ ,

لكنه في نفس الوقت يريد أن يسير معها ببطء بالغ . . إنه مــوزع بين

هاتين الرغبتين , لهفته إلى امتلاكهـا , و رغبته في . . أن يمنحها كل مـا

يمكنه من بهجـة . . . وهكذا يلمس بشرتها برقة وربما بيـد غير ثابتة .

وأثناء ذك , ينظر في عينيها , يريد أن يرى فيهما أن عواطفه , رغبته ,

حبه , كل ذلك متبادل بينهما . يريدها أن تعلم وتفهم مبلغ الجهــد

الذي يبذله للسيطرة على نفسه .

بدت كالمنومة مغناطيسياً حتى إنها لم تطرف بعينيها عندما رفع

غارد يدها اليسرى إلى ذقنه . تحررت لحظة من مغناطيسية عينيه حين

لامست أناملها خشونة ذقنه الــخفيفة .

شعرت بحرارة أنفاسه تلفح وجهها . وانفتحت شفتاها قليلاً

لحاجتها إلى المزيد من الهواء . أذهلها ما شعرت به من فارق بين

خبرته وخبرتها .

كان عناقه من الخفة , كأنه غير موجود , وكان ينبغي له مثل

هذا التأثير عليها . . . ثم فجأة ازداد ضغط ذراعيه بقوة كادت تشلها .

هكذا يعانق الرجل إذن ؟ أخذت روزي تفكر في ذلك ورأسها

يدور . . .

كانت صدمتها أشبه بألم جســدي سرى في كيانها جاعلاً عينيها

تغرورقان بالدمع .

. . . ابتدأت ترتجف عندما غمرت كيانها المشاعر . . . تملكها

الحرج وهي تحاول أن تفهم السبب في أن عناق غارد له القدرة على

خداع حواسها . . . فاندفعت إلى الخلف مبتعدة عنه بذعر . لم ترَ من

قبل عيني غارد بهذا الشكــل . . . ثم بصوت ممزق :

ـ لا .

وما لبثت أن تنفست بارتياح عندما حررها ووقف بعيداً عنها . بيد

أنها ما زالت تشعر بالاحمرار يصبغ وجهها رغم جهودها في كبح

ذلك . حــاولت أن تقول شيئاً . . أية ملاحظة عابرة . . . لكن عقلها

رفض أن يفكــر .

حين ابتعد متجهاً نحو الباب , وجت نفسها تتساءل بصمت كم

من النساء مررن في حياته ليبعثن فيه حقيقة هذه المشاعر العنيفة التي

لمستها لديه . ولما وصل إلى الباب , استدار نحوها محذراً :

ـ لقد فات أوان تغيير الرأي الآن , يا روزي !

* * * * * *

: : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : :

Just Faith 26-11-17 07:30 PM

4 ـ

الوجه الآخـــر للزواج


ـ ماذا ستفعلين ؟

شعرت روزي بالتعاسة وهي تلاحظ الذهول والغضب في صوت

رالف .

مضى أكثر من أسبوع قبل أن تستطيع حمـل نفسها على إخباره

بزواجها . ليس لأنها كانت تتوقع منه ردة الفعل هذه , بل لأنها خافت

من أن يتكهن بالحقيقة .

كان بيتر ,مثل غارد , قد حذرها من الوضع الخطر الذي ستضع

نفسها فيه إذا ما تملكت الناس الشكوك في أن زواجها ما هو إلا حيلة

لترث المنزل , قائلاً :

ـ ربما نعلم , أنا و أنت , مبلغ ما تتضمنه دوافعك من إيثار وحب

للغير , ولكن الآخرين قد لا يعلمون ذلك .

ـ قال غارد إن إدوارد ربما يرفع دعوى احتيال ضدنا . هل هذا

صحيح ؟

قال بيتر حينذاك , بحــذر :

ـ هذا محتمل , ولكن عليه أن يقدم دليلاً كافياً يثبت زيف

الزواج . وأن يتمكن مثلاً من إثبات استحالة إنجاب طفل من هذا

الزواج . . .

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ

ـ لكنك تعلم أن هذا صحيح .

ـ أنا أعلم وأنت تعلمين , وكذلك غارد , لكن غيرنا لا يعلم

بذلك , ولا يجب أن يعلم .

تجنبت روزي إخبار رالف عن الزواج , خوفاً من أن لا يستطيع

تمثيل دور الزوجة الغارقة في الحب . ولكن , في النهاية , لم يكن

حبها لغارد ما سألها رالف عنه , وإنما حب غارد لها .

ـ بالله عليك يا روزي , ألا ترين مــاذا يهدف إليه ؟ إنه يريد الشيء

الذي يعلم أن أمواله لا يمكنها شراؤه .

ـ أتعني أنــا ؟

فقال متجهمــاً :

ـ كلا , بل أعني منزل (( مرج الملكة )) . رغبته الدائمة في ذلك

المنزل ليست سراً , وقد رفض جدك أن يبعه إياه .:

قاطعته حينذاك , متشاغلة بتسوية ثنيات ثوبها :

ـ أنا وغارد نحب بعضنا بعضاً , يا راف .

ـ آه يا روزي . . . ألا يمكنك أن تري ؟رجل مثل غارد لا يقع

في الغرام . .

سكت فجأة واحمر وجهه قليلاً .

ـ اسمعي , لا أريد أن أسبب لك ألمـاً , يا روزي . إنك فتاة

جذابة . . . فتاة بالغة الجاذبية . . . أمـا بالنسبة للخبرة . . . فأنت

وغارد كأنكمـا , تقريباً , من كوكبين مختلفين . لقد رأيت بنفسك , هنا

في الملجأ , ما يمكن أن تسببه العلاقات غير المتوازنة من تعاسة .

الألم الناشئ عن زواج غير متكافئ . هل ترين حقاً أنكمـا متماثلان

في كــل شيء ؟ أنك وهو . . . ؟

أخذت تكرر قولها :

ـ إننا مغرمان ببعضنا , و . .

فقاطعها قائلاً :

ـ وهو سيعلمك كل ما تجهلينه من أمر العلاقة العاطفية , كلام

فارغ! إذا كنت تعتقدين ذلك حقاً , أنت إذن لست الشخص الذي

أعرفه . إنه سيستمتع بالعبث معك عدة أسابيع , بكل تأكيد , ومن

الممكن , عدة أشهر . . . ولكن بعد ذلك . . . لا تقدمي على هذا

الزواج, يا روزي ّ لستِ بحاجة للزواج به , أنت . . .

ـ بل أنا بحاجة إلى ذلك .

نطقت بهذا الاعتراف الهادئ الحزين قبل أن تتمكن من منع

نفسها . خرجت هذه الكلمات رقيقة خافتة لدرجة أن رالف لم يتمكن

من سماعها .

رفعت بصرها إلى باب المكتب الذي انفتح فجأة واندفعت منه

امرأة مصحوبة بولدين صغيرين , طالبة التحدث إلى رالف . كانت

(( ليز فيليبس )) إحدى زبائن الملجأ المنتظمات . إنها غالباً ما تهجر

زوجها القاسي العنيف , معلنة بأن لا قوة على الأرض تجعلها تعود

إليه , لتعود إليه بعد أسابيع من تركه .

كانت روزي ترى ببراءة , وذلك في بداية عملها في الملجأ , أن

هذه المرأة تحب زوجها , ولذلك تعود إليه بعد كل خلاف . وكان

رالف يجيبها :

ـ نعم , كمـا يحب مدمن الكحول شرابه , ومدمن المخدرات

جرعــاته .

إنها مدمنة عليه . . على عنف علاقتهما , جزء منها يحتاج

ويشتاق إلى ما تراه إثارة في علاقتهما . ولكن مقابل كل (( ليز فيليبس ))

هنا , هناك مئة امرأة يرغبن بصدق في إنهاء علاقاتهن والبدء من

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــ

جديد , وهن بحاجة إلى مساعدتنا .

سألته ذات مرة بحيرة :

ـ وكيف تميز الفرق ؟

ـ بالخبرة . ككـل شيء آخــر .

ذلك الحين , ظنت أن رالف قاسٍ بغير حق . لكنها الآن أصبحت

أكثر حكمة . وها هي للمرة الأولى , تفكر في مشاكلها الخاصة أكثر

ممـا تفكر في الملجأ ونزلاته .

لم يبد السرور على غارد حين أخبرته بأنها ستدعو رالف إلى

حفلة زفافهما . لكن روزي أصرت على الأمر .

كان بيتر هو الذي سيحتل مكان ولي أمرها في الكنيسة , كما أن

المدعوون إلى الاحتفال يتجاوزون بضعة أشخاص .

بقي على موعد الزواج يومان , وبعد ذلك يصبحان زوجاً

وزوجة . كان هذا وضعاً لم تستطع مخيلتها استيعابه . هي وغارد . . .

زوج و زوجة . . . وهي وغارد مشتركان في حيلة إذا ما اكتشفها

أحــد . . .

هل كل العرائس يتملكهن مثل هذا الشعور ؟ أم برودة يـديها

وجمود ذهنها هما فقط بسبب ظروف زواجها غير العادية ؟ هكذا

أخذت روزي تتساءل بتوتر حين وقفت السيارة أمام الكنيسة وخرج

منها بيتر .

هذا الصباح , وهي ترتدي ثوب الزفاف وتقف أمام المرآة , بينما

السيدة فرينتون تساعدها وتعتني بها , تملكها من الغم والكرب

والشعور بالذنب ما أوشكت معه أن تمزق الثوب وتهرب . لكن بيتر

كان قد وصل حينذاك حاملاً الأزهـار التي أرسلها غارد إليها , ومـا

لبثت أن تطورت الأحداث على نحو تصعب مقاومته .

وها هي ذي الآن , تدخل الكنسية الشامخة , مارة بالنافذة الأثرية

الملونة , التي كانت هدية من أحد أسلافها , بثوب زفافها الساتان

العاجي اللون الذي كان لأمها من قبلها . ومع ذلك , كان عليها أن

تعصر نفسها , بالرغم مما فقدته من وزن في الأسبوع الأخير . . . فقد

كان خصر أمها بالغ النحافة . وما زال بين ثنياته أثر من عطر تذكرت

روزي أن أمها كانت تستعمله , وعندما تعطرت به شعرت وكأنها

تحمل جزءاً من أمها .

دفعت هذه الذكريات دموعاً حارة إلى عينيها أخذت تغالبها

بعنف .

كان خمارها أبيض , في ما مضى , لكنه بمرور الزمن , أصبــح

عاجي اللون , وقد ورثته عن جدتها . ارتداؤها لهذه الملابس التي

سبق وارتديت بحب كبير , جعلها تشعر بنوع من التعويض عن نقص

مشاعرها الحالية

زواج ؟ لم يكن هذا زواجاً وإنما اتفاقية عمل , وهذا كل شــيء .

إنه عقد . . .

شعرت بجو الكنيسة بارداً . برودة البلاط تحت قدميها تخللت

نعل حذائها الرقيق . كانت الكنيسة خالية بشكل كئيب . لم يكن سوى

الصفين الأولين من المقاعد مشغولاً . شخص مـا , لا بد أنه غارد ,

زين المكان بباقات ضخمة من الأزهار البيضاء والعاجية اللون , ما

أسبغ دفئاً خفف من عتمة المكان وصرامته .

عندما وقع نظرها على غارد , اضطربت خطواتها قليلاً . ومع أنها

كبحت آهة الضيق فلم يسمعها , إلا أنه التفت إليها . بدا شارد الذهن .

كان من الصعب التصور أنها على وشك الزواج به . ارتجفت , وسرها

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ

أن الخمار أخفى ما ارتسم على ملامحها . قال بيتر لها محذراً :

ـ إدوارد ! لم تكن روزي لاحظت وجوده في الكنيسة . لكنه رأته

الآن مصحوباً بزوجته وولديه . . . نسختين شاحبتين مقهورتين عن

أمهما . الشعر مسرح إلى الخلف , ويلبسان زيهما المدرسي ,

امتعضت روزي قليلاً وحولت عينيها عن أطول الولدين .

إنها تحرمه , بزواجها من غارد , من وراثة (( مرج الملكة )) .

ولكن , إذا ورثه إدوارد , فلن يكون هناك (( مرج الملكة )) كي يرثه هذا

الولد !

تعلقت بهذه الفكرة تلتمس فيها العزاء حين وصلت أخيراً إلى

جانب غارد .

أهـي جلجلة أجراس الكنيسة المبتهجة التي تشعرها بالغثيان , أم

لعلها صدمة تلك اللحظة عندما رفع غارد خمارها ونظر في أعماق

عينيها , بعد أن أعلنهما الكاهن زوجاً و زوجة ؟ أوشكت , لجزء من

الثانية , أن تنخدع بتلك المشاعر الرقيقة التي نطقت بها عيناه وهو

ينظر في عينيها , ظناً منها أنها حقيقة !

كانت هناك مجموعة من الناس تدور حولها . من أين جـاؤوا ؟

ميزت بينهم مجموعة من النساء قدمت من الملجأ , أناساً كانوا

يعرفون أباها وجدها . كلهم باسمون ضاحكون , يلقون بالتعليقات

المازحة عن فجائية هذا الزواج . كلهم ما عدا إدوارد .

توجسن روزي خيفة وهي ترى الحقد في عينيه . كانت تعلم

دائماً أنه لا يحبها . لكن ذلك لم يكن يقلقها قط , فهي لم تكن تحبه

أيضاً , لكنها الآن تدرك أن كراهيته لها مختلفة . إنها الآن تقف بينه

وبين ما يتوق إليه ويعتبره حقاً له , وتملكتها قشعريرة .

ـ ما هذا ؟ مـاذا حدث ؟

أجفلت دهشة لسؤال غارد . لم تكن تتوقع منه أن يلاحظ

قشعريرة التوجس الصغيرة التي تملكتها . إذ كان يبدو مستغرقاً في

حديث مع بيتر بحيث لا يدع له مجالاً للانتباه إليها .

ـ لا شــيء !.

أجابته بذلك , مدركـة أن إدوارد ما زال يراقبها , بل يراقبهما معاً .

قال لها أحدهم :

ـ ثوبك جميل جداً !.

أجابت شاردة الذهن :

ـ شكراً , إنه ثوب أمـي !.

ـ هذا ما توقعته ! .

كان هذا غارد! إلتفتت إليه بدهشة فعاد يقول :

ـ كان أبوك يضع صورتها على مكتبه وهي ترتديه , إنه يلائمك ,

ولونه ينسجم مع لون بشرتك . إن له نفس اللون الدافئ . .

قال ذلك وهو يلامس عنقها بأصابعه . نبهته بصوت خافت

مختنق :

ـ إدوارد يراقبنا !

ـ نعم أعرف هذا .

سـألته باضطراب :

ـ أتظنه يشك فـي شيء ؟

ـ إذا كان الأمر كذلك , فهذه ستوقفه عند حده .

ـ هذه . . . ؟

ورفعت بصرها إليه مستفهمة , ثم جمدت في مكانها وهي تراه

يأخذها بين ذراعيه ويعانقها بطريقة تظهر للمشاهدين رجلاً بالغ

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ

الشغف بعروسه إلى ح لم تمنعه نظرات المتحفظين المستنكرة من

إظهـار شعوره

وعلى غير توقع منها , ومن خلف جفنيها المغمضين , شعرت

بالدمع يحرق عينيها .

ليس هذا الوقت مناسباً للانفعالات العاطفية ! ليس وقتاً لمقارنة

مشاعر أمها , حين ارتدت هذا الثوب , بمشاعرها هي الآن . .

عندما ترك غارد روزي , تنهدت زوجة إدوارد بحسد , قائلة :

ـ آه ! يا لشاعرية هذا المشهد ! . . . يا ليت أبوك . . .

سمعت روزي غارد يقول بهدوء :

ـ كان جون يعلم بشعوري نحو روزي .

أقرت روزي في نفسها بصحة قوله , ولكن ليس بهذا المعنى

تماماً . إنها تتذكر ما قاله أبوها مرة بشيء من الحسد , عن أن بإمكان

غارد أن يحصل على المرأة التي يريد .

كانت روزي في السابعة عشرة حينذاك , فتصرفت تبعاً لذلك إذ

قالت لأبيها متحدية :

ـ إنه لا يستطيع الحصول علي ! .

ضحك أبوها , قائلاً :

ـ أنت لم تصبحي امرأة بعد , يا حلوتي . وأنا أشك كثيراً في أن

غارد سيرغب فيك , على كل حال , لأنه يعرف جيداً أي صغيرة

سليطة اللسان أنت أحياناً . . .

سمعت روزي إدوارد يسألها :

ـ أين ستذهبان في شهر العسل ؟ أم غير مسموح لنا بالسؤال ؟

أجاب غارد عنها :

ـ لسانا ذاهبين إلى أي مكان , ليس حالياً على الأقل . لدي اجتماع

في بروكسل بعد يومين لم أستطع التملص منه . سنذهب , أنا

و روزي , إلى هناك غداً صباحاً .

يذهبان إلى هناك ؟! نظرت روزي إليه , لكنه كان ينظر في اتجاه

آخـر يجيب زوجة الكاهن عن بعض الأسئلة . وهكذا كان عليها أن

تنتظر إلى أن يصبحا وحدهما في سيارة الزفاف , لتسأله بضيق :

ـ لماذا أخبرت إدوارد أننا سنذهب معاً إلى بروكسل ؟ سيشك فـي

الأمر عندما يكشف أنني لم أذهب معك .

همست بهذا السؤال رغم أن الزجاج بينهما وبين السائق كان

مغلقاً , وهي تفكر بتعاسة في عواقب الخداع . . إذ يبقى الشخص

حريصاً . . . حذراً . . . شاعراً بالذنب . . .

ـ لن يكون هناك ما يدعوه إلى الشك , لأنني عنيت ما قلته .

سألته ساخطة :

ـ أتعني أنك تتوقع مني مرافقتك إلى بروكسل حتى دون

استشارتي ؟ لكنني لن أستطيع ذلك . . . المفروض أنني سأكون في

عملي في الملجأ . . .

ـ لا تكوني سخيفة , يا روزي ! رغم أن رالف يكرس نفسه لعمل

الخير , إلا أنه لن يتوقع عودتك إلى العمل بهذه السرعة .

قالت بتحد :

ـ لكنني أنا أريد ذلك .

فقال محذراً :

ـ إذا فعلت ذلك , ستعرضيننا للخطر , الزواج يتطلب أكثر من

مجرد طقوس كنسية .

أشاحت بوجهها عنه بغضب . إنها تعرف جيداً ما هي متطلبات

إتمام الزواج . لكن زواجهما لن يتضمن ذلك الجزء المعين , وغارد

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ

يعلم هذا . تابع غارد بهدوء :

ـ إنه يتطلب درجة معينة من العلاقة الحميمة يقوم بها الأزواج .

لكن علينا , أنا وأنت , أن نعثر على طريقة أخرى , إننا بحاجة إلى

قضاء بعض الوقت بمفردنا لنثبت نفسنا في دورنا الجديد , يا روزي .

وعندما لم تجب , قال متصلباً :

ـ أنت التي أردت هذا الزواج , يا روزي ! . . .

قاطعته بغضب :

ـ لإنقاذ المنزل , وليس لأن . . .

في أعماقها , كانت تشعر أن غارد على حق , لكن آخر ما كانت

تريده هو أن تمضي معه وقتاً بمفردهما . إن هذا , في نظرها , يعقد

المشكلة بدلاً من أن يحلها . قالت بلهجة تنذر بالخطر :

ـ لا أريد أن أذهب معك , يا غارد! لا أريد أن أعود لأرى الناس

ينظرون إلينا . . . متفحصين . . . متخيلين . . . معتقدين . . .

قال رافعاً حاجبيه متحدياً :

ـ ماذا ؟

تمتمت متجنبة النظر إليه مباشرة :

ـ أنت تعلم ! .

ـ يظنون أننا كنا معاً في السرير ؟ وأن رحلة العمل ما هي إلا قصة

خيالية ؟

رأت من زاوية عينها كيف كان يطيل النظر إلى صدرها , فاحمر

وجهها على الفور . قال ساخراً :

ـ يا لهذا الخجل ! سوف تختبئين إذن لو أخبرتك كيف أريد أن

تتصرف معي زوجتي التي أحب !

فقاطعته :

ـ أنا أعرف كيف تحب أن تهزأ مني , يا غارد ! نعم , أنا أخجل

عندما تتحدث عن مثل . . . مثل هذه الأشياء الخاص جداً . صحيح ,

أن خبرتي لا يمكن مقارنتها بخبرتك , ولكنني أفضل أن أكون دائماً

كما أنا .

و عندما لم يحاول مقاطعتها أو السخرية منها , أضافت بشيء من

الثقـة .

ـ أفضل ألا أفعل .

ـ سؤال صغير فقط , يا روزي . لماذا لا تريدين أن تفعلي هذا ؟

أجابت بصوت متهدج :

ـ أنت تعلم السبب .

قال ساخراً :

ـ لأنك تدخرين نفسك لرجل أحلامك ؟ وماذا يحدث إذا لم

تعثري عليه , يا روزي ؟ ألم يسبق أن سألت نفسك هذا السؤال ؟

ألقى غارد عليها هذا السؤال بعنف بالغ غير متوقع , ما جعلها

ترتجف .


* * * * * *

: : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : :

5 ـ

امـــرأة لا طفلــة !


ـ لكن هذا ليس فندقاً !.

قالت روزي محتجة عندما صعد غارد بسيارتهما المستأجرة في

طريق خاص ثم أوقفها أمام مدخل قصر مهيب مبني بالحجر .

منذ أعلن غارد أنها ستذهب معه إلى بروكسل , أخذت روزي

تحتج وتجادل , ولكن من ون جدوى . ذات مرة انفجرت فيه

غاضبة :

ـ وما المفروض أن أقوم به أنا أثناء وجودك في الاجتماعات ؟

ـ لم يخطر ببالي قط أنك أنانية إلى هذا الحد !

حملقت فيه آنذاك بارتياب , وساورتها شكوك في دوافعه الخفية ,

وخيل إليها أنها تعلم جيداً ما هي . إنها ليست حمقاء . . . وكان

ردهـا :

ـ لست ذاهبة معك , يا غارد ! ولا أريد الذهاب ! .

ولكن , بطريقة أو بأخرى , لم تنفع كل احتجاجاتها . وها هي

ذي الآن هنا تنظر إليه بقنوط , ساخطة لقدرته على البقاء هادئاً في

حين كانت مشاعرها تضطرب اضطراباً شديداً .

لم تكن معتادة على أن لها زوج , وكرهت افتراض غارد بأنه هو

الذي يقرر ما يجب أو لا يجب عمله .

أجاب الآن بهدوء :

ـ لا , إنه ليس فندقاً . إنه بيت خاص . و (( المدام )) صاحبة القصر

هي سيدة فرنسية . وبدلاً من أن تبيع البيت بعد وفاة زوجها , قررت

أن تزيد دخلها بتأجير غرفه . ومثل أكثر الفرنسيات , هي ليست

طاهية ممتازة فحسب , وإنما مضيفة ممتاز وماهرة جداً في توفير

أسباب الراحة .

قطبت روزي جبينها . شيء ما في صوت غارد وهو يتكلم عن

صاحبة القصر ضايقها . ومن دون حاجة إلى مزيد من الوصف ,

تصورتها روزي على الفور إحدى تينك الفرنسيات الأنيقات دائمات

الشباب اللواتي تشعر , هي شخصياً , بالخوف منهن .

ـ لكن , قلت إن لديك عملاً في بروكسل , وهذا المكان يبعد

عنها أميالاً ! .

ـ ليس أكثر من ساعتين بقليل في السيارة . و هذا كل شيء !

وإقامتي هنا تعطيني عذراً لئلا أتورط في أحداث بروكسل السياسية .

فكرت في أنك ستحبين هذا المكان . كنت تقولين دائماً إنك تفضلين

الريف على المدينة .

ابتعدت روزي بنظراتها عنه . كان صحيحاً أنها تفضل الريف ,

وربما كانت ستستمتع بهذه الرحلة في أحوال عادية . لكنها , في

العادة , ما كانت لتأتي إلى هنا مع غارد , زوجة له .

في هذه الأثناء , كان غارد قد نزل من السيارة واستدار ليفتح لها

الباب . ورغم تفضيلها الكنزة والبنطلون عادة , إلا أنها كانت ترتدي

تنورة صوفية طويلة وصداراً مناسباً تحته قميص حريري بني اللون ,

وفوق كل ذلك سترة مناسبة أحضرتها معها تحسباً للبرد . كانت

ارتدت هذه الملابس لعلمها أنها تُظهرها نحيفة , ما جعلها مسرورة

عندما انفتح باب القصر وبرزت امرأة غارد الفرنسية .

كانت ترتدي السواد . . تنورة سوداء من الكريب اشتبهت روزي

في أنها من إحدى دور الأزياء , فوقها قميص بسيط من الساتان

ووشاح من الكشمير حول كتفيها . عقد اللآليء الذي كان يتألق حول

عنقها , والمؤلف من ثلاثة حبال , لا بد أنه حقيقي , وكذلك الخواتم

الماسية في أصابعها والقرطان في أذنيها . ولكن ليست أناقتها هي التي

أذهلت روزي , التي أخذت كارهة تصعد السلم خلف غارد , وإنما

عمرهـا .

لم تكن المرأة , كما توقعت روزي بين الخمسين والستين من

عمرها , وإنما أقرب إلى الأربعين . إنها أقرب إلى غارد في العمر

منها هي . أما لماذا شعرت بمثل هذا العداء نحو (( المدام )) فلم يكن

لديها جواب . وأما أنه شعور متبادل , فالأمر واضح !

التفتت (( المدام )) إلى غارد , متجاهلة روزي تماماً , لتقول له

ببرودة :

ـ آه , لم أدرك أنك ستحضر معك . . . صديقة !

قال غارد بحزم وهو يقدم روزي :

ـ روزي هي زوجتي .

أكانت صديقة أم زوجة , لم يشكل ذلك أي فرق بالنسبة إلى

(( المدام )) كان واضحاً أن وجود روزي لم يسرها .

ـ وضعتك في جناحك المعتاد .

أخبرت غارد بذلك وهي تقف بينهما بشكل جعلها تواجه غارد ,

مديرة ظهرها لروزي , ثم أخذت تتحدث إليه بلغتها الفرنسية .

لكن روزي تتحدث الفرنسية بطلاقة . كان لديها موهبة تعلم

اللغات , نمتها سنوات إقامتها في ألمانيا مع والدها . وفرنسيتها , في

الواقع , أكثر طلاقة من فرنسية غارد بكثير . كانت (( المدام )) تقول :

ـ وعلى كل حال , إذا كنت تفضل غرفة أخرى . . .

غرفة أخرى ! . . وخفق قلب روزي بضيق . كانت تفترض أن

إقامتها ستكون في فندق كبير , وفي غرفتين منفصلتين . كما

افترضت أن رغبة غارد في مشاركتها غرفة واحدة ستكون ضعيفة مثل

رغبتها هي .

قال غارد للمدام :

ـ لا ! جناحي المعتاد مناسب تماماً !

الردهة الواسعة , المعرضة لتيارات الهواء , جعلت روزي

مسرورة بتنورتها الطويلة .

كان منزلها (( مرج الملكة )) أكثر دفئاً بسقفه المنخفض والخشب

السميك الذي يغطي الجدران . لكن هذا المكان , بغرفة العالية

السقوف , وجدرانه الحجرية العارية , لا بد أنه يسكون كابوساً . . .

بالنسبة إلى الدفء . هكذا أخذت روزي تحدث نفسها , فيما كانت

المرأة تتقدمها صاعدة السلم الحجري .

كانت السجادة التي تغطيه , رغم أنها بالية تقريباً , مطرزة بما

افترضت روزي أنه شعار أسرة الزوج الراحل . وقفت تتفحصها عن

قرب , متسائلة عما إذا كانت ترجمتها صحيحة لما قرأته في ناحية

منها . ومفاده أن إحدى سيدات القصر كانت في وقت ما عشيقة

للملك وولدت منه طفلاً .

كانت (( المدام )) تصعد الدرج مع غارد , جنباً إلى جنب , معربة

بالفرنسية عن أسفها لأن وجود زوجته معه يعني أنهما لن يتناولا

العشاء بمفردهما . أجابها هو بالانكليزية بكياسة بالغة :

ـ مع الأسف ! لكنني واثق من أن روزي ستستمتع بتذوق طعامك

اللذيذ .

قوله هذا جعل روزي تحملق فيه . لم يكن ثمة حاجة لأن يتدرب

هنا على تمثيل دور الزوج المحب .

كادت تقول أن بإمكانهما , هو و المدام , أن يستمتعا بالجلوس

وحدهما قدر ما يشاءان من المرات , دون أي مانع من ناحيتها .

لكنها بدلاً من ذلك , قالت للمدام بابتسامة باردة ولغة فرنسية طليقة

بأنها , في الواقع , تتشوق إلى طعامها اللذيذ .

لم تقل المدام شيئاً , بل نظرت إليها بعينين ضيقتين , وزمت فهما

المصبوغ باللون القرمزي . ولم تعد تتحدث إلى غارد بالفرنسية , وهي

تقودهما خلال الممر ثم تقف أمام باب من الخشب الثقيل قائلة

لروزي بتكلف ودون قناعة :

ـ أنا واثقة من أن كل شيء سيكون حسب رغبتكما !.

وهذه المرة , جاء دور روزي لتكون شاردة الذهن غير متجاوبة .

عندما تركتهما المرأة , خطر في ذهنها أن العلاقة بينها و بين غارد

هي أعمق بكثير من تلك التي بين المضيفة والنزيل . لكن من الغريب

أنها لم تفصح عن شكوكها هذه , علماً أن تسرعها كان على الدوام

مدار مزاح في أسرتها . كانت تعلم , آسفة , أنها تميل إلى الكلام قبل

التفكير , ولكن بالنسبة إلى حياة غارد الشخصية , وخبرته مع النساء ,

لم يكن الإدلاء بتعليقات غير حذرة من شأنه أن يمنح غارد الفرصة

لتعييرها ببراءتها وجهلها .

لم تكن تشعر بمثل هذا الضيق مع الرجال الآخرين , وإنما

العكس تماماً . عندما تجاوزت غارد داخلة إلى غرفة الجلوس في

الجناح , شمت على الفور رائحة عطر المدام في الجو . أخذت

تتفحص ما يحيط بها بصمت . الأثاث المذهب , المرآة الضخمة

المذهبة فوق المدفأة , الأغطية المطرزة باليد , والستائر الحريرية

القديمة الطراز . كما أضفت زهريات تحتوي على زنابق بيضاء أناقة

على الغرفة .

أدركت روزي ذلك وهي تنظر إلى البساط (( الأوبيسون )) الذي

بهت لونه , مقطبة الجبين , شاعرة بالرهبة من هذا الجو القديم

المحيط بها .

ـ أنا عادة أستعمل غرفة النوم هذه .

سمعت غارد يقول هذا من خلفها وهو يفتح أحد البابين اللذين

يؤديان إلى خارج الغرفة .

ـ إن لها حمامها الخاص خلافاً للغرفة الأخرى . ولكن إذا كنت

تفضلين . . .

ما تفضله هو أن تكون الآن في بيتها وحدها , كما يعلم جيداً .

ـ هذا لا يهمني . ولكن أليس الأفضل لك أن تنام في الغرفة ذات

الحمام ؟ وبعد , أنا واثقة من أن المدام تتوقع أن تكون مستعداً

تماماً حين تنضم إليها لعشائكما المنفرد! .

ـ أتغارين ؟!

هذا اللوم الرقيق غير المتوقع , جعلها تصمت ذاهلة .

تغار . . . كيف يمكن أن تكون كذلك ؟ إن غارد لا يعني لها

شيئاً . المشاعر الوحيدة التي بينهما هي سخريته منها وبغضها العقيم

له . تغار . . . هذا مستحيل ! . . . إن غارد يعلم ذلك , فلماذا إذن

يرميها بالغيرة ؟

هزت رأسها غير قادرة على الإنكار . ولماذا تفعل وليس هناك ما

تنكره ؟ بدلاً من ذلك , أشاحت بوجهها عنه وهي تقول بغضب :

ـ لم أكن أريد القدوم إلى هنا , يا غارد .

ـ ربمــــــا هــــــذا صحيــح , ولكنك هــــنا الآن . أنت هنــا , وأثناء

وجودنا . .

عندما أخذت تبتعد عنه , توجه نحوها ساداً طريقها إلى باب غرفة

النوم .

ـ انظري إلي يا روزي . إنك لم تعودي طفلة لكي يُسمح لك

بالهرب من النقاش لإنقاذ ماء وجهك حين تعرفين أنك خاسرة .

فنظرت إليه بمرارة :

ـ النقاش ؟ وهل هناك من هو مسموح له بأن يناقشك , يا غارد ؟

إنك كُلي القدرة . . كلك رأي . . وكلك معرفة . استمر إذن . . ماذا

عن (( أثناء وجودنا هنا ))؟ يمكنني الجلوس كطفلة مطيعة بينما أنت

و المدام . . .

قال متجهماً :

ـ لا شيء بيني وبين الكونتيسة !

ـ ربما كلامك صحيح . لكنها تحب أن يكون ذلك .

استمر يقول متجاهلاً تعليقها :

ـ أكرر أن لا شيء بيننا . ولو كان هذا موجوداً . . .

فساعدته على إتمام كلامه , ساخرة :

ـ لكان ذلك ليس من شأني .

ـ ربما هذا صحيح . ولكنه ليس ما كنت أريد قوله . ما كنت أريد

قوله يا روزي هو أن عليك أن تحاولي وضع عداوتك لي جانباً ,

وتستخدمي المنطق والتعقل بدلاً من إطلاق مشاعرك . إن سبب

إصراري على إحضارك معي في هذه الرحلة هو أن نمنح نفسنا وقتاً

نعتاد فيه على وضعنا . . . الجديد . هل من التعقل إذن أن أفعل ذلك

ثم أحضرك إلى منزل عشيقتي ؟ ليس عليك أن تقلقي , يا عزيزتي ,

عندما ألح عليك بالمجيء معي في رحلة عمل , وإنما عندما أبداً

باصطناع المعاذير لئلا آخذك معي . . .

لأمر ما , كان يبتسم , وهذا ما أثار غضب روزي فصعد الدم إلى

وجهها . قال ساخراً وهو يلمس وجنتها بأنامل باردة :

ـ كثير من المشاعر المتوقدة وقليل من المنافذ لتصريفها !

أمرته قائلة بحرارة :

ـ كفى استعلاءً يا غارد ! أنا لست طفلة !

اختفت ابتسامته ليحل مكانها نظرة تقييم هادئة :

ـ لست طفلة ؟ ليت هذا صحيح !




ـ لا , شكراً , لا أريد مزيداً من الشراب !

رفضت روزي ذلك وهي تهز رأسها محاولة كبت تثاؤبها .

لم يبالغ غارد في مدح موهبة (( المدام )) في الطهي . لكن روزي لم

تستمتع حقاً بالطعام . فالطريقة التي تعمدت فيها المدام استبعادها من

الحديث , مقتصرة على غارد , جعلتها تشعر إزاءها بالتسلية أولاً , ثم

بالضيق بعد ذلك . وتوخياً للإنصاف , كان عليها أن تعترف بأن غارد

بذل وسعه لكي يوقف سلوك المدام السيء , محاولاً إدخال روزي في

الحديث , لكن روزي تعبت من هذه اللعبة وتمنت لو تعتذر ثم تهرب

إلى سريرها . قالت بهدوء :

ـ في الواقع , إذا لم يكن هناك مانع , أريد أن أذهب إلى النوم .

ثم وقفت قبل أن يتمكن غارد من قول شيء . حيت مضيفتها

بتكلف , مادحة الطعام . قال غارد بصوت هادئ غير متوقع :

ـ أظنني سآتي معك .

قالت باحتجاج :

ـ كلا , بل إبق هنا !

لكن غارد كان سبق وأمسك بمرفقها , مضيفاً شكره إلى شكرها ,

وهو يسير معها نحو الباب . عندما أصبحا في الردهة , قالت له بحدة :

ـ ما كان يتوجب عليك ذلك . كان يمكنك البقاء .

قال ساخراً :

ـ وأترك عروسي وحدها ؟

حملقت فيه مزمومة الشفتين وقالت غاضبة :

ـ لا حاجة للسخرية بهذا الشكل ! لست حمقاء على الإطلاق , يا

غارد ! أنا أعلم جيداً أنك . . .

عندما سكتت , قال بسرعة :

ـ أنني ماذا ؟

لكن روزي رفضت الجواب مكتفية بهزة من رأسها . ما الفائدة

من قول ما يعرفانه , هما الاثنان؟ أنها آخر امرأة كان غارد سيفكر في

الزواج بها , كما أنه آخر رجل كانت تريد الزواج به .

عادت تكرر اعتراضها السابق , وبانفعال هذه المرة :

ـ لا أدري لماذا أحضرتني إلى هنا ! ما المفروض أن أفعله بنفسي

حين تكون في بروكسل ؟ أطلب من المدام أن تعلمني الطهي ؟

ـ إنك لن تبقي هـنا , بل سترافقينني .

ـ مـاذا ؟!

ـ أظنك ستجدين السيد (( ديبوا )) على شيء من الأهمية . وحيث

أنه لا يتكلم الانكليزية , وفرنسيتي ضعيفة نوعاً ما , سأكون شاكراً

مساعدتك .

ماذا يعني غارد بقوله إنها ستجد السيد (( ديبوا )) مهماً ؟ إن عمل

غارد يتضمن تفاصيل معقدة جداً وبرامج على الكمبيوتر , وهو

موضوع لا تعرف عنه روزي إلا القليل , كما يعلم غارد جديداً . تابع

غارد يقول وكأنه يقرأ أفكارها :

ـ السيد ديبوا عالم خبير بالبيئة . وهو المتحدث باسم مجموعة

بالغة النفوذ في السوق الأوروبية المشتركة تطالب بمزيد من السيطرة

على فساد البيئة في الأرياف . وحيث أنني أعلم اهتمامك بهذا الأمـر ,

ستجدان الكثير لتتحدثا عنه .

ليس من عادة غارد أن يعطيها رأياً لا يتضمن نوعاً من السخرية ,

ما جعلها , لأول مرة , لا تعرف ماذا تقول .

ـ وطبعاً , وجودك معي سيوفر علي أجر مترجم .

نظرت إليه ساخطة . للمرة الأولى تخدع به فتظنه يعتبرها نداً

له . . . امرأة راشدة . تملكها حنق كاد يدفعها إلى رفض الذهاب

معه . لكن البقاء في القصر وحدها لم يكن شيئاً ساراً .

قال لها وهو يفتح باب جناحها :

ـ لدي بعض الملاحظات أريد قراءتها . إذا كنت تريدين استعمال

الحمام أولاً . . .

أدركت أن عليها أن تشكر لباقته هذه , لكنها بدلاً من ذلك ,

شعرت بالانزعاج والارتباك كطفل أرسل إلى النوم لئلا يزعج وجوده

الكبار . هل ادعاء غارد بأنه سيقوم ببعض الأعمال , ليس إلا عذراً

للعودة إلى الطابق السفلي لموافاة المدام ؟

لو كان غارد يريد البقاء مع المرأة الفرنسية , لما كان بحاجة إلى

الكذب ! هكذا فكرت روزي بغضب , إنه حر تماماً من هذه الناحية ,

أو هما الاثنان كذلك .

لماذا إذن شعرت بالضيق حين رأيت فم المدام القرمزي يهمس

شيئاً في أذن غارد ؟

سبب ذلك , كما أخذت روزي تفكر باستياء , ليس سلوك المدام

المريب , و إنما هو استياءها من طعامها الدسم في معدتها .

عندما وافقت بيتر على القيام بمحاولة إنقاذ المنزل , لم تدرك

بالضبط ما عليها أن تواجهه . فكرت في هذا باكتئاب وهي تخلع

ملابسها وتنزل في حوض الحمام الضخم . كان ضغط أحداث

الأسبوعين الأخيرين أكثر مما توقعت . . ومما تريد أن تعترف به .

مضت لحظة , أثناء تناولها فطور يوم الزفاف , نظرت فيما حولها

إلى الوجوه المألوفة . فشعرت فجأة , بلهفة قوية إلى أبيها وجدها

ليخففا عنها . وإذ ملأت الدموع عينيها وخنقتها , أكبت فوق صحنها ,

آملة ألا يكون أحد قد لاحظ ذلك . كان غارد مستغرقاً في حديث مع

زوجة إدوارد , أو هكذا ظنت , ما جعلها تشعر بمزيد من الخجل

عندما دس في يدها منديلاً كبيراً نظيفاً , قائلاً بهدوء :

ـ أنا أيضاً أفتقدهما , يا روزي ! إنه , على الأقل , شعور مشترك .

اغرورقت عيناها الآن بالدموع , على غير توقع منها . أخذت

تغالبها غاضبة . ماذا حدث لها هذه الأيام ؟ لم تكن قط من النوع

الذي يبكي بسهولة .

قد تكون المدام سخية بالنسبة للطعام , لكنها بخيلة بالنسبة للماء

الساخن . أخذت روزي تفكر في ذلك وهي تغتسل بسرعة وتقفز إلى

خارج الحوض , لتلف نفسها بمنشفة كبيرة بيضاء ثم تبدأ بتنشيف

جسمها بسرعة لتبدد بذلك ذكرياتها غير المرغوب فيها .

عندما ارتدت قميصها القطني بالصورة الكاريكاتورية المطبوعة

عليه من الأمام , نظرت في المرآة وعبست .

اعترفت بأن أحداً لن يصدق أنها عروس سعيدة إذا ما رأى

صورتها على هذا النحو .

عندما يتزوج غارد , أو إذا تزوج , لا يمكن أن يكون ذلك بفتاة أو

امرأة ترتدي ليلة عرسها قميصاً قطنياً وملابس داخلية عادية , التقطت

ملابسها التي كانت خلعتها , ثم توجهت إلى غرفتها منادية عندما

دخلتها :

ـ انتهيت من الحمام الآن , يا غارد ؟

سكوت ! أتراه سمعها ؟ قطبت جبينها وهي تعض باطن شفتها ,

ناقلة نظراتها بين باب غرفتها المغلق وبين السرير . . . آخر ما كانت

تريده هو أن يوقظها طرق غارد على بابها ليعرف أين هي .

تأوهت بصوت خافت ثم سارت إلى الباب تفتحه . كان غارد

جالساً إلى المكتب أمام النافذة , ورأسه فوق أوراق منشورة أمامه .

أخذت تراقبه لبضع ثوانٍ. كان شيئاً نادراً , بالنسبة إليها , أن تتمكن

من مراقبته دون أن يلحظها . يا له من رجل بالغ الوسامة ! اعترفت

لنفسها بذلك وقد خفق قلبها . رجل تتمنى معظم النساء الزواج منه .

لكنها ليست واحدة منهن . . عندما تتزوج . . .

ـ ماذا حدث , يا روزي ؟

ألقى بهذا السؤال الهادئ من دون أن يرفع رأسه أو ينظر إليها ,

موضحاً بذلك أنه لم يكن غافلاً عن وجودها . وأضاف متجهماً :

ـ إذا كنتِ ستخبرينني بأنك لا تستطيعين النوم من دون دميتك ,

إذن فأنا آسف . . .

أظلمت عيناها غضباً . إنها لم تنم مع دميتها منذ سنوات . حسناً ,

فقط أثناء الأسابيع الأخيرة , عندما حطمها فقدها لأبيها وجدها .

قالت له بكبرياء :

ـ جئت لأخبرك بأنني خرجت من الحمام .

ـ أتريدين فنجان قهوة قبل النوم ؟

فاجأها سؤاله . اتسعت عيناها قليلاً واحمر وجهها عندما وضع

من يده الأوراق التي يدرسها ثم التفت إليها . شعرت بأنها تحب

أن تتناول فنجان قهوة , لكنها كانت خجلى من كونها في قميص

النوم .

قالت بضيق :

ـ الأفضل . . . الأفضل أن أذهب لألقي علي رداء آخر . . .

أنا . . .

أجفلت عندما وقف , رافعاً حاجبيه الأسودين بسخرية وهو يتقدم

نحوها .

ـ هذه حشمة بالغة يا روزي ! لكنها غير ضرورية . أظن لدي ما

يكفي من السيطرة على مشاعري فلا أستسلم لإغراء منظرك بقميص

النوم . ثم إن قميصك هذا ليس شديد الإغراء , أليس كذلك ؟ إنه ليس

قميص عروس , بالضبط كما . . .

ـ أظنك عندما تذهب إلى سريرك ستلبس بيجاما حريرية .

دافعت روزي عن نفسها بهذا القول متذكرة رواية كان البطل فيها

يرتدي تلك الملابس . وتابعت تقول :

ـ ولكن لمعلوماتك الخاصة . . .

سكتت فجأة عندما أخذ غارد يضحك . لم تكن رأته يضحك من

قبل إلا نادراً . ولأمر ما , سبب ضحكه هذا , لها , طعنة مؤلمة في

صدرها .

سألته بارتياب :

ـ ما هذا , ولماذا تضحك ؟

قال يهز رأسه والمرح بادٍ في عينيه :

ـ لا يا روزي ! أنا لا أرتدي بيجاما حريرية . أنا , في الواقع لا

أرتدي شيئاً على الإطلاق .

قال جملته الأخيرة , وهو يحدق فيها بإمعان .

لم تستطع روزي منع وجهها من الاحمرار خجلاً وارتباكاً . ليس

فقط لما قاله , حتى ولا لضحكه هذا , وإنما للصورة المفزعة التي

تمثلته فيها عارياً .

غصت بريقها , وقد منعتها صدمة مشاعرها من ملاحظة كيف

تحول الهزل في عيني غارد إلى تفحص دقيق . قطب جبينه لما بدا

على وجهها من شحوب وألم .

سمعته يقول لها فجأة :

ـ اذهبي إلى سريرك , يا روزي ! لقد عانيت كثيراً من التوتر

والإجهاد , مؤخراً تصبحين على خير . . .

شعرت روزي بأن كل هذا كثير عليها , فقالت بصوت خنقته

الدموع :

ـ أنا لست طفلة , يا غارد . أنا امرأة . . راشدة , وقد حان

الوقت لأن تدرك هذه الحقيقة وتعاملني على أساسها .

غالبت بغضب دموعها التي كانت تحجب عنها الرؤية , وإذا بها

تسمع صوت غارد يقول محذراً :

ـ لا تغريني , يا روزي ! لا تغريني ! .

* * * * * *

: : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : :


Just Faith 26-11-17 07:31 PM

6 ـ

لم تستطــع الهرب


ـ إذن , فقد تزوج غارد أخيراً ! لا يبدو أنني أستطيع لومه !

قال السيد (( ديبوا )) هذا لروزي وهو يصافحها بعد قيام غارد

بواجب التعارف بينهما . ثم سأل غارد بإنكليزيته الحذرة :

ـ متى تزوجت , يا صديقي ؟

ـ منذ فترة قصيرة .

قال السيد (( ديبوا )) لروزي معتذراً :

ـ لا بد أنك غاضبة مني جداً , يا سيدتي . ولكن ليس بمقدار

غضب غارد , كما أظن . لكنه الوحيد الذي أثق به للقيام بمثل هذا

العمل الهام لنا . من المهم جداً , عندما نعرض قضيتنا على

السلطات , أن يكون لدينا كل المعلومات . . . الواحد منا , هذه

الأيام , لا يكتفي بالمعلومات والبلاغة , بل عليه أن يقدم وقائع ,

وأرقاماً , ورسوماً بيانية . عليه أن يتعلم الكمبيوتر , أو يتحمل

العواقب . هل أخبرك غارد شيئاً عن أعمالنا ؟

سأل روزي هذا وهو يدعوهما إلى مكتبه الفسيح المشرف على

مركز الأعمال في المدينة .

ـ بعض الأشياء .

أجابته بذلك , معترفة لنفسها على كره منها , بأنها مستمتعة ,

نوعاً ما . شعرت بالسرور لاستعمال عقلها وقدراتها اللغوية , وأكثر

من ذلك شعورها بأنها ماهرة في شيء لا يستطيع غارد أن يماثلها فيه

تماماً .

وكما سبق أن قال غارد , كانت إنكليزية السيد (( ديبوا )) محدودة

جداً . كثير من الاصطلاحات التقنية التي كان يستعملها وهو يشرح لها

بحماسة احتياجات مؤسسته , غير مألوفة لديها , رغم أنها

تمكنت بسرعة من تفسير معانيها .

أثناء متابعة غارد لحديثهما . استطاعت أن ترى من تقطيبة

لجبينه , بأنه يجد صعوبة في ذلك . ودون أن تعلم السبب , وجدت

نفسها تسكت السيد (( ديبوا )) بلطف , ثم تلتفت إلى غارد بسرعة لتشرح

له ما كانا يقولان , غير منتبهة أثناء ذلك لجو السلطة والثقة بالنفس

الذي بدا في صوتها أو للنضج الذي أسبغه ذلك عليها .

عندما نظر السيد (( ديبوا )) في ساعته أخيراً , هتف مدهوشاً للوقت

الطويل الذي أمضوه . دهشت هي أيضاً لسرعة مرور الوقت , ولمبلغ

استمتاعها بما كانت تفعل , رغم أنها كانت تزعم دائماً أمام أبيها

وغارد أنها لا تحب الكمبيوتر وملحقاته , ويسعدها جداً أن تدع

الأمور كما هي .

عندما نهضا للخروج , التفت السيد (( ديبوا )) إلى غارد , قائلاً :

ـ أنا وزوجتي سنقيم حفلة عائلية صغيرة هذا المساء , احتفالاً

بتخرج ابنتنا الكبرى من الجامعة . و يسرني جداً أن تكونا معنا إلا إذا

كان لديكما خطط أخرى . . .

أجاب غارد بسرعة :

ـ كلا على الإطلاق ! متى تريدنا أن نكون هناك ؟

حالما أصبحا بمفردهما , التفتت روزي إليه محتجة .

ـ لا يمكنني الذهاب إلى حفلة , يا غارد . لم أحضر معي ملابس

لائقة بالمناسبة

قال بجفاء .

ـ ليست بروكسل قائمة على كوكب آخر ! إن فيها متاجر جيدة

جداً , على ما أعتقد . كما علي أن أحذرك , يا روزي , من أن السيد

(( ديبوا )) رجل تقليدي . وأظن أن تقديره البالغ لك سيصدم بشكل ما إذا

أنت لبست ثوباً في حفلة ابنته سبق واشتريته من الحوانيت الخيرية ,

وربما سيعتبر ذلك إهانة .

التفتت إليه روزي غاضبة وقالت بحدة :

ـ لست بحاجة إلى أية محاضرة منك , يا غارد , بالنسبة لما ألبس

أو لا ألبس .

كان لديها في بيتها ثوبان أسودان قصيران اشترتهما خصيصاً

لتلبسهما عندما كانت تخرج مع أبيها أو جدها في المناسبات

الاجتماعية المختلفة . ربما كانت تفضل البنطلون المريح , أو الأثواب

المخملية و الحريرية التي تلتقطها من التنزيلات والأسواق الخيرية .

لكنها ما كانت , بأي شكل لتُحرج أيا منهما بارتدائها ثوباً تعلم أنه

يشعرهما بعدم الارتياح .

لكن غارد كان شيئاً مختلفاً تماماً .

لقد أحبت , على كل حال , السيد (( ديبوا )) , وأدركت بنفسها ,

دون حاجة إلى معلومات غارد , أنه من النوع التقليدي .

قال غارد وهو بنظر إلى ساعته :

ـ لسوء الحظ , لدي اجتماع آخر عصر اليوم , وإلا لذهبت معك

إلى السوق !

قالت له باختصـــار :

ـ لا داعي , شكراً .

إن آخر ما تريده هو أن يقف غارد معها في متجر أزياء ليخبرها

بما عليها أن تشتري . سألها :

ـ ما رأيك بتناول الغداء ؟

أجابت كاذبة :

ـ سلت جائعة .

تبددت الآن تلك الغبطة التي كانت تشعر بها . لم يجعها غارد

غاضبة فقط بتعليقاته على ملابسها , وإنما . . . وإنما ماذا ؟ جرح

كرامتها ؟ آلمها ؟ هذا مستحيل . لا شيء مما يقوله غارد يمكن أن

يحدث فيها بهذا الأثر . ذلك لأن ليس له عليها مثل هذا التأثير .

ـ إذا كنت بحاجة إلى نقود , يا روزي . . .

لكنها هزت رأسها نفياً قائلة بغضب :

ـ بمقدوري شراء ملابسي , يا غارد .

ـ نعم , أعلم هذا ! اسمعي , يا روزي ! عندما تعثرين أخيراً على

رجلك الكامل الرائع , أرجو أن تتذكري كم ما زلنا , نحن الرجال ,

رجعيين , من طراز ما قبل التاريخ .

سألته بارتياب :

ـ ماذا تعني ؟

ـ أعني أنه , بالرغم من أنني لا أكره شيئاً كما أكره المرأة التي

تلتصق بالرجل كالنبات المتسلق , إلا أننا , نحن الرجال , ما لنا

تستمتع بكوننا نستطيع تدليل نسائنا وإطلاق العنان لهن .

ـ بمكافأتهن على حسن سلوكهن ! بشراء أشياء تلقونها إليهن

كما تلقون بقطعة بسكويت إلى الكلب ؟

قالت متحدية , وعيناها تنضحان ازدراء وغضباً وهي تتابع :

ـ الرجل الذي أحب , ينبغي أن يعاملني معاملة الند للند يا غارد ,

في كل شيء . آخر شيء يريده هو أن أشعر نحوه بالامتنان لأي شيء .

ما سيعطيه الواحد منا للآخر , يعطيه إياه مجاناً .

سكتت فجأة مقطبة جبينها وهي ترى كيف كان غارد ينظر إليها :

ـ ما هذا ؟ ماذا حدث ؟

سألته ذلك مترددة . لم تره قط من قبل ينظر إليها بهذا الشكل ,

ويحدق إليها بمثل هذا التركيز العنيف . أجاب بخشونة :

ـ لم يحدث شيء ! ولكن , يوماً ما , يا روزي , سيكون عليك أن

تنضجي وتختبري الألم الذي يرافق مثل هذه المثالية . وعندما يحدث

ذلك أرجو أن يكون بجانبك من يلملم حطامك . . .

تمتمت بتمرد , بصوت منخفض :

ـ على أن لا تكون أنت ذلك الشخص .

* * *

مضت ساعة تقريباً منذ أنزلها غارد في منطقة التسوق في

المدينة , لكنها حتى الآن لم تجد شيئاً يعجبها . أخذت روزي تفكر

في ذلك وهي تقف بجانب متجر صغير , تتفرج على الثوب المعروض

في واجهته , والمصنوع من المخمل الأسود والتافتا . كان قسمه

الأعلى من المخمل الأسود , بينما انحدرت فتحة العنق قليلاً عن

الكتفين , هذا إلى كمين طويلين ضيقين . كان المخمل محكم

التفصيل حول الخصر بينما كانت التنورة التافتا تتسع من فوق الوركين

مباشرة .

القماش النفيس واللون الأسود منحا الثوب مظهراً رصيناً . لكن

التنورة جعلته ثوباً للفتيات لا يلائم امرأة كالمدام الكونتيسة , مثلاً .

دخلت روزي المتجر مملؤة بعزم . قالت البائعة متشككة عندما

سألتها روزي عن الثوب :

ـ إنه قياس صغير جداً . . . ولكن , نعم قد يلائمك !

أضافت الجملة الأخيرة بعد أن خلعت روزي معطفها لتجرب

الثوب . وأخذت تتأمل صورتها في المرآة .

كان سواد المخمل يبرز لون بشرتها العاجي , وخصلات شعرها

التي تلامس كتفيها المكشوفين تُضفي عليهما شيئاً من النحول ما

جعلها تقطب جبينها قليلاً .

قالت البائعة بحماس :

ـ إنه مصنوع لك خصيصاً .

أجابت مترددة :

ـ ولكنه غالي الثمن .!

كان عليها أن تشتري حذاء جديداً يلائم الثوب . وفي النهاية ,

كانت عادة غارد في السخرية من ملابسها وذوقها , هي التي جعلتها

تحزم أمرها بينما البائعة تؤكد لها أنها لن تندم على شرائه وهي تلفه

لها , قائلة :

ـ إنه ثوب كلاسيكي لا يبطل طرازه .

وتابعت روزي طريقها إلى متجر الأحذية الذي سبق ومرت به .

وعندما وافاها غارد , في ما بعد إلى المكان المتفق عليه , كان الشيء

الوحيد الذي قاله :

ـ إذن , فقد وجدت شيئاً يعجبك !

كانت تحمل عدة أكياس أخرى بالإضافة إلى الثوب . . حذاء ,

حقيبة يد صغيرة للسهرة تلائمهما , وشاحاً ناعماً من الكشمير لتلبسه

فوق الثوب , صندوقاً صغيراً مزخرفاً من طراز القرن الرابع عشر

وجدته في حانوت للتحف اشترته هدية لابنة السيد (( ديبوا )) .

في الطريق إلى الحفلة , أخذت تفكر في أنه ربما كان من

الأصوب لو اشترت شيئاً عادياً , لكن هذا الصندوق كان رائع

الجمال .

ـ تباً لي !

قال غارد ذلك فجأة , ما جعل روزي تنظر إلي مستفهمة وتابع

مفسراً :

ـ كنت أريد أن أطلب منك شراء هدية لابنة السيد (( ديبوا )) لكن

الوقت فات الآن و . . .

قالت وهي تلتفت إلى المقعد الخلفي تتناول اللفافة التي سبق

ووضعتها هناك :

ـ لكنني اشتريت لها هدية , فعلاً .

ثم فتحت اللفافة تريه الصندوق المزخرف . عندما لم يقل شيئاً ,

هبط قلبها قليلاً , يبدو أنه لم يعجبه ! تملكها الغضب . لا بأس , فقد

أعجبها هي . . .

ـ أتعلمين يا روزي ؟ إنك تدهشينني أحياناً . تتظاهرين بعدم

اهتمامك بالأشياء القديمة , وتعلنين أن من الإجرام تقريباً الاحتفاظ

بمكان مثل (( مرج الملكة )) منزلاً خاصاً , ومع ذلك تذهبين لتشتري

شيئاً كهذا . . .

ـ إذا لم يكن يعجبك . . .

قالت ذلك بتحد , لكن غارد سارع إلى القول :

ـ كلا , لا أقصد . . . إنه رائع الجمال !

جعلها مديحه غير المتوقع لا تدري ما تقول . رفعت بصرها إليه

فباغتتها نظرته , لكأنه . . كأنه . . وتملكها شعور غريب غير مألوف .

ـ روزي ! . . .

لماذا تشعر الآن بقشعريرة لنطقه باسمها , وهي التي طالما سمعته

يتلفظ به من قبل ؟ لماذا تذكرها طريقة لفظه لها بالماء الرقراق في

النهر ؟ باحتكاك المخمل الناعم بالبشرة ؟ بهمس العاشق لحبيبته . . . ؟

اندفعت تتكلم بسرعة , محاولة التخلص من هذه الأفكار

الخطرة :

ـ حتى إنني تذكرت شراء ورق ملون , يا غارد , وبطاقة . أتعرف

اسمها ؟ كان يجب أن أسأل عنه السيد (( ديبوا )) . أرجو ألا تظننا

متطفلين , فهذه حفلتها وهي لا تعرفنا .

ـ أعتقد أن اسمها (( هلوزا )) . لا أظنها ستكره حضورنا .

قال ذلك وقد ران عليه هدوء مفاجئ .

لم يتكلم بعد ذلك إلا حين وصلا , فقط ليقول إنهما , ما داما لم

يتغديا , ولا بد أنها جائعة , لهذا سيسأل المدام عما إذا كان ممكناً أن

يتناولا الغداء في جناحهما .

ـ آه ! هذا حسن ! أنت جاهزة إذن , سنكون هناك في الوقت

المناسب , ولكن . . .

أحست روزي بالارتباك حين سكت غارد فجأة وراح يتأملها .

أخذت تنظر إليه مترددة من باب غرفة النوم المفتوح .

في المتجر , كانت واثقة من حسن اختيارها للثوب , لكنها الآن ,

فجأة , لم تعد واثقة .

صمت غارد , والطريقة التي ينظر بها إليها . . . استجمعت ثقتها

بنفسها وقالت :

ـ ماذا حدث ؟ إذا لم يكن الثوب مناسباً . . .

هز غارد رأسه وهو يسير إلى حيث سترته فيرتديها :

ـ بل هو ممتاز . . .

بدا صوته متوتراً على غير عادة , أبح قليلاً , فانصرفت بذهنها عن

مظهرها هي إلى حركات عضلاته تحت القميص الأبيض , شاعرة

بجفاف في حلقها .

فجأة أصبحت أحاسيسها مرهفة بشكل غير عادي , ما جعلها تشم

رائحة جسده رغم بعد المسافة بينهما . تسارعت خفقات قلبها . احمر

وجهها , واستدارت بسرعة عائدة إلى غرفتها وهي تقول بصوت عال :

ـ وشاحي ! . . . كدت أنساه في هذا الجو البارد . . .

هل استطاع غارد أن يسمع الارتباك والاضطراب في صوتها كما

سمعته هي ؟ لم تكن تشعر أبداً بالبرد , ولكن أي تفسير آخر يمكن أن

تقدمه لارتجاف جسدها ؟

ـ هل تشعرين بالبرد ؟

سألها هذا وهو يتبعها إلى غرفة نومها , مقطباً جبينه . أجابت

وهي تضم الوشاح حولها بإحكام .

ـ كنت كذلك ولكنني الآن بخير . ظننت . . . ظننتك تريد

الخروج . لا أريد أن نتأخر .

أجاب بجفاف :

ـ كذلك لا نريد أن نصل باكراً . ثم إننا , على كل حال ,

عروسان . . .

عندما أخذت تنظر إليه بحيرة , فسر لها الأمر متجهماً :

ـ استعملي ذكاءك , يا روزي ! نحن عريسان من المفترض أنهما

غارقان في الحب . ولو كان الأمر كذلك حقاً , لما سمحت لك

بالخروج من هنا بسهولة , ولما كنت تقبلين بالخروج !

كان صوته انخفض إلى حد الهمس , مشبهاً التنويم المغناطيسي ,

وأطلق رجفة محمومة أخرى في كيان روزي , بينما تابع يقول :

ـ لو كنا حقاً عريسين مغرمين لكان ثوبك الصغير هذا مُلقى على

الأرض وأنت بين ذراعي .

صرخت وهي ترتجف :

ـ أسكت , يا غارد , أسكت ! نحن لسنا مغرمين ببعضنا البعض .

نحن لسنا . . . ليس الأمر بهذا الشكل . . و . .

قال بجفاء :

ـ لا ! من المؤكد أننا لسنا كذلك . هل أنت واثقة من أنك تريدين

هذا الوشاح ؟ تبدين متوهجة تماماً . . .

قال ذلك وهو يفتح لها الباب . حملقت روزي فيه وهي تهم

بالخروج

إنه يعلم جيداً ما الذي سبب احمرار وجهها بهذا الشكل . تباً له !

عندما أسرعت تهبط السلم , تملكتها رجفة أخرى , أكثر حدة

هذه المرة , مصحوبة بالألم , ما جعلها تعض شفتها بحدة لتكبحها .

خافت من أن تشعر بالاستغراب والضيق بين أناس لا تعرفهم , أو

أن تكون ابنة السيد (( ديبوا )) كارهة دعوة أبيها لهما . مخاوفها تلك

سرعان ما تلاشت , ليس فقط أمام حرارة ترحيب السيد (( ديبوا ))

وزوجته , وإنما من الاستقبال الحماسي الذي تلقياه من (( هلواز ))

نفسها , وسرعان ما رأت روزي نفسها وسط مجموعة من الشابات

والشبان , بينما بقي غارد يتحدث إلى مضيفه ومضيفته .

كانت (( هلواز )) وأصدقاؤها مجوعة ذكية مليئة بالحيوية من شبان

وشابات أخذوا يتحدثون عن آرائهم ومعتقداتهم بصراحة , مازحين مع

روزي قليلاً لما رأوه من استنكارها مفهوم المواطنية الأوروبية . لكنها

سرعان ما اكتشفت أنهم , مثلها , يهتمون كثيراً بأحوال البائسين , ثم

وجدت نفسها مستغرقة في حديث مع أحد أصدقاء (( هلواز )) عن

المشكلة المتفاقمة لمتشردي المدن .

رغم أن هذا الفتى , واسمه (( رينولد )) , لم يكن يشبه , رالف

شكلاً . . . إذ كانت بنيته أكثر صلابة , شعره كثيفاً جعداً بني اللون ,

وكذلك لون عينيه اللتين كانتا تطفحان حرارة وإعجاباً كلما نظر

إليها . . . إلا أنه كان يشارك رالف كثيراً من مثله العليا التي يغلفها

بروح مرحة تنقص رالف .

قال يخاطبها بحماسة وهو يفصلها عن الآخرين ليتمكن من

التحدث إليها على انفراد :

ـ يخيل إلي أن هذه المشكلة عامة في كل البلاد . يبدو لي أننا

جميعاً سنستفيد كثيراً من تبادل الآراء والخبرات , ومشاركة بعضنا

بعضنا ما نتعلمه .

قالت مازحة :

ـ أتعني أن نقيم مؤتمراً ؟

ـ ربما نتدبر شيئاً أقل تمسكاً بالشكليات من المؤتمرات . إنني

أذهب إلى انكلترا أحياناً لإداء بعض الأعمال , وسيهمني أن أزور

الملجأ , إذا كان ممكناً ترتيب هذا الأمر .

أجابت بحماسة :

ـ أنا واثقة من إمكانية ذلك , وأعلم أن رالف سيهتم جداً بالتعرف

إليك .

ـ لكنك تعيشين خارج لندن كما أخبرتني . هـــل هنالك

فندق . . . ؟

قالت بسرعة :

ـ آه , لن يكون ثمة ضرورة لذلك . يمكنك أن تقيم معنا .

فقال برقة :

ـ إنني الآن أتطلع بشوق إلى ذلك .

قالت (( هلواز )) لها مازحة وهي تنضم إليهما بعد ذلك بعشر

دقائق :

ـ لا تنظري إلى رينولد بجد أكثر من اللازم . إنه مغازل

رهيب . . .

قال رينولد محتجاً , دون أن يخجله كلاهما :

ـ أنت غير منصفة , يا (( هلواز )) . أنا جاد تماماً في ذلك .

كان الثلاثة ما زالوا يضحكون عندما جاء غارد لينضم إليهم بعد

عدة دقائق . قال لروزي موضحاً للآخرين :

ـ آسف لأن الوقت حان لذهابنا . علينا أن نستقل الطائرة في

الصباح الباكر .

ـ أهكذا سريعاً ؟!

قالت روزي ذلك باحتجاج , غير قادرة على إخفاء دهشتها حين

أخبرها غارد عن الوقت . وعندما صارا في السيارة متجهين إلى

القصر , قال :

ـ لا حاجة لأن أسألك إن كنت استمتعت بالحفلة .

كان في صوته نبرة لم تفهمها روزي . لم تكن غضباً أو ضيقاً

بالضبط , إنما . . . , شيء ما . . .

ـ يبدو أنكما , أنت والفتى (( رينولد بريسيه )) وجدتما الكثير

لتتحدثا عنه .

الفتى رينولد . . . ؟ قطبت روزي جبينها . كان رينولد أخبرها ,

في غمرة الحديث , أنه احتفل لتوه بعيد ميلاده الخامس والعشرين ,

وهذا ربما يجعله أصغر سناً من غارد , لكنه طبعاً لا يجعله يستحق

نبرة الاحتقار الغريبة في صوت غارد . قالت بلهجة المدافع :

ـ كان يحدثني عن اشتراكه في مشروع ملجأ مماثل لملجئنا . بدا

عليه الإهتمام البالغ بعملنا . وأنا . . . أنا دعوته لزيارتنا والتعرف إلى

رالف عندما يذهب إلى لندن لقضاء أعماله .

أسرعت بكلامها متجنبة النظر إلى غارد أثناء كلامها .

أما لماذا تملكها شعور بأنها أخطأت بعض الشيء . . وأنها ,

بشكل ما , أغضبت غارد ؟ فهذا ما لم تجد له تفسيراً واضحاً .

قال غارد باستفزاز :

ـ وهل هذا سيكون غرضه الوحيد من زيارته ؟ أن يتعرف إلى

رالف ؟

ارتاحت روزي لجو السيارة المعتم الذي أخفى احمرار وجهها .

فقد تضمن صوت غارد شيئاً من التوتر عزز شكلها السابق . قالت :

ـ طبعاً , أي سبب غير هذا يجعله يحضر ؟

ـ هيا , يا روزي ! حتى أنت لست بهذه السذاجة ! كان واضحاً

تماماً أن (( رينولد بريسيه )) أكثر اهتماماً بتفحص سريرك منه بتفحص

أسرار الملجأ .

قالت محتجة :

ـ هذا ليس صحيحاً , حتى ولو كان ذلك . . .

سكتت فجأة وهي تدرك أن الادعاء الذي كادت تتفوه به , وهو أن

هذا ليس من شؤون غارد , هذا الادعاء لم يعد صحيحاً تماماً . أدركت

أنها نسيت تقريباً علاقتهما الجديدة . سألها بصوت خشن :

ـ حتى ولو كان ذلك , ماذا ؟ أنك غير مهتمة به ؟ ليس هذا ما

لاحظته .

ـ كنا نتحدث , وهذا كل شيء .

قالت ذلك وهي تفكر . . . ما الذي حدث لغارد ؟ كان يبدو تقريباً

وكأنه . . . وكأنه ماذا ؟ كأنه يغار ؟ هذا مستحيل ! ورغم ذلك , فإنها

لم تفعل شيئاً يستحق غضبه . ابتدأت السعادة , التي شعرت بها في

الحفلة , تتبدد . أشاحت بوجهها عن غارد وأخذت تنظر من النافذة

إلى القلعة .

شعرت برجفة خفيفة وهي تتذكر ما كان بيتر قاله لها عندما سألته

كيف سينهيان , هي وغارد , (( زواجهما )) ! , قال لها , آنذاك , محذراً :

ـ سيكون عليكما البقاء معاً سنة على الأقل ! أي مدة أقل من تلك

يمكن أن تثير الشكوك بالإمكان في البداية , اختيار الانفصال وبعد

ذلك تتجهان نحو الطلاق .

سنة على الأقل ! بدل لها ذلك مدة طويلة . . . طويلة جداً . سمعته

يقول متوتراً :

ـ لا فائدة من العبوس والصمت , يا روزي ! إنك تعلمين ما هو

الوضع . . الدور الذي وافقت عليه , واخترت القيام به . إنك عروس

جديدة . و العروس الجديدة لا تتجاهل زوجها لتعبث مع رجل آخر .

قالت بغضب :

ـ إذا كنت تعني رينولد , أنا لم أكن أعبث معه . كنا نتحدث

فقط .

سكتت والتفتت إيه بعينين ملتهبتين . كان يركز اهتمامه على

الطريق , وعيناه مسمرتان أمامه وقد توتر فكه . قالت له برعونة :

ـ ربما لست قادراً على التحدث مع امرأة من دون أن تعبث

معها , يا غارد ! ولكن ليس كل الرجال مثلك , والحمد الله !

قال بخشونة :

ـ هذا صحيح ! أشك في أن عزيزك الغالي رالف , مثلاً , أوه

(( رينولد بريسيه )) , مستعد للمجازفة بسمعته في زواج احتيالي , فقط

لأجل . . .

وعندما سكت ألحت عليه بالقول :

ـ فقط لأجل ماذا ؟ لأنني طلبت منك ذلك ؟ إنك غير منصف , يا

غارد . إننا , نحن الاثنين , نعلم بالضبط لماذا وافقت أنت على هذا

الزواج . إنك تزوجتني لأنك تريد المنزل .

شعرت روزي , وهي تقول هذه الكلمات , بغصة في حلقها حين

اكتسحتها موجة عنيفة من الشعور بالوحشة .

لم تكن تريد زواجاً زائفاً . . زوجاً لا يكن لها حتى نوعاً خاصاً

من المودة , وليس الحب . آخر شيء كانت تريده هو أن تعيش حياة

ملؤها الكذب والخداع . . أن تعيش مع رجل لا يشعر نحوها بسوى

الاحتقار ويسخر منها على الدوام .

كل ما تقوم به هو ضد مبادئها . لا عجب إذن من شعورها بعدم

الرضا عن نفسها , ومع كل هذا التوتر والتعاسة . كانت حمقاء إذ

أصغت إلى بيتر , وظنت أن . . .

ـ وطبعاً , فإن الرجال أمثال رالف ورينولد في هذا العالم هم غاية

في الكمال والتعقل ليفكروا بشيء كهذا . هل هذا ما تظنينه ؟ لا

تخدعي نفسك , يا روزي ! لو أنك ألقيت بأوراق ملكية (( مرج الملكة ))

طعماً أمام رالف , لما فكر مرتين بما يتضمنه مثل هذا الزواج أخلاقياً .

أما بالنسبة إلى رينولد , لا أدري إذا كان فكر في أن يخبرك , أثناء

مثابرته على مغازلتك , أن أسرته وأسرة (( هلواز )) متفقتان منذ سنوات

على أنهما , هو وهي , سيتزوجان في النهاية ؟ إنهما قريبان تربط

بينهما أمور معقدة متعلقة بالأملاك والعمل . . . والزواج بينهما سيحل

كل هذه الأمور بشكل حسن جداً بالنسبة إلى الأسرتين . وإن كان هذا

لا يمنعه من أن يغازلك .

ـ أسكت ! . . . أسكت .

أخذت روزي تصيح به وهي ترتجف , رافعة يديها تغطي بها

أذنيها وهي تسأله بعنف :

ـ لماذا تنتقدني دوماً وتسخر مني ؟ لماذا تفسد كل شيء بالنسبة

إلي ؟ إنني لست حمقاء على الإطلاق يا غارد , مهما كان ظنك بي !

وإذا كنت أختار وأفضل أن أرى محاسن الناس , فهذا لا يعني أنني

قليلة الحذر .

وعندما أخذت تغالب دموع الغضب التي أوشكت على الانهيار ,

أشاحت بوجهها عنه وهي تقول بصوت منخفض متألم :

ـ لا بأس ! ربما كان رالف سيوافق على الزواج مني لو أنني

قدمت إليه (( مرج الملكة )) . لكنه , على الأقل , ما كان ليأخذ البيت

لنفسه , وإنما . . .

قاطعها غارد بخشونة :

ـ لكان دمره تماماً مثل إدوارد ! إكبــري , يا روزي ! هـــــل تصدقين

حقـــــاً أن رالف كان سيهتم مثقال ذرة بالمنزل وتاريخه ؟ وأنه ما كان

ليسحب أخشاب الجدران , ببالغ الســــرور , ليغطي بها السلم إذا وجد

ذلك ضرورياً لمؤسسته الخيرية ؟ هل تعلمين ماذا كان سيحصل (( لمرج

الملكة )) في مثل تلك الظروف ؟ إذا كنت تظنين أن أي شيء . . أي

شيء , على الإطلاق , من المنزل الأساسي كان سيبقى مألوفاُ لأبيك

أو جدك في الوقت الذي ينتهي فيه رالف وجماعته منه , أنت إذن

حمقاء .

قالت غاضبة :

ـ إنك لم تحب رالف قط , أليس كذلك ؟ كنت دائم السخرية

منه . حسناً , لا تظنني لا أعلم السبب , يا غارد . . .

سكتت روزي فجأة وهي تلتفت إليه لترى تأثير كلامها هذا عليه .

لم يبد عليه ما توقعت . لا الغضب البالغ ولا السخرية . . .

كان فكه متوتراً وكأنه يحاول السيطرة على نفسه. رأت النظرة

التي بدت في عينيه وهو يلتفت إليها . تملكتها رجفة لا إرادية وهي

تسمعه يقول بنعومة :

ـ استمري , يا روزي . . .

آه , كم تمنت لو أنها لم تبدأ هذا الحديث قط ! لكن فات أوان

التراجع الآن ! . . قالت تتحداه بشجاعة :

ـ إنك تكره الحقيقة أنه ليس مثلك , إنه لا يهتم بالمال أو المادة ,

لأنه . . .

أجفلت حين أخذ غارد يضحك , وتملكها الاضطراب لردة فعله

غير المتوقعة هذه التي نبهتها وحذرتها أكثر مما لو كان ثار غاضباً

منها مستنكراً مزاعمها . قال معنفاً :

ـ رالف لا يهتم بالمال ؟ لماذا إذن يزعجني على الدوام بطلب

التبرعات للملجأ الغالي ؟

ـ هذا أمر مختلف . إنه لا يريد المال لنفسه . إنه . . .

ـ لا ؟ هل هذا ما تظنينه حقاً يا روزي ؟ لا بأس . أنا أوافقك على

أنه لا يطلب المال لينفقه على نفسه , وعلى شراء أملاك لنفسه , لكنه

حتماً يريد المجد الذي يعرف جيداً أنه سيحصل عليه بتحويله ذلك

المكان الحقير المثير للشفقة إلى مبنى أفخم وأكبر حجماً وأهمية .

عضت روزي شفتها وحولت نظراتها عنه . رغم ما في كلام

غارد من قسوة , إلا أنه كان يحتوي على بذرة من الحقيقة هي أكثر

نزاهة وصدقاً من أن تنكرها .

شعرت بالارتياح وهي تدرك أنهما وصلا إلى مدخل القصر .

ولعل المدام تنتظرهما في الردهة , أو بالأحرى تنتظر غارد .

ـ ماذا . . ؟ لا شيء تقولينه عن نفسك , أو تدافعين به عن عزيزك

رالف ! ولا أدري سبب ذلك.

قال غارد ذلك ساخراً وهو يوقف السيارة أمام القصر . لكنها لم

تهتم بأن تجيبه . وما الفائدة , على كل حال ؟

أخذت روزي تخلع ثوبها , متعبة . لم تكن المدام في انتظارهما ,

ولكن عندما وصلا إلى جناحهما , أعلن غارد أن لديه عملاً عليه

إنجازه . ثم جلس خلف المكتب متجاهلاً إياها كلياً وهذا بالضبط ما

تريده هي . أما لماذا جعلها هذا متضايقة سيئة المزاج , فلم يكن لديها

أي تفسير . لا يمكن أن يكون السبب هو خسارتها نقاشاً معه , حتى

ولا شعورها بالغم من عبء هذا الدور غير المألوف ولا المرغوب

فيه .

قطبت جبينها عندما تعطل سحاب ثوبها . تملكها الضيق

وحاولت إصلاحه .

بعد عشر دقائق , وبعد أن آلمتها ذراعاها فيما لا يزال السحاب

معطلاً , اعترفت بالهزيمة , مدركة أن ليس أمامها سوى خيارين . . إما

أن تنام بثوبها هذا , وإما أن تلتمس المساعدة من غارد .

سارعت على كره منها إلى باب غرفتها تفتحه ثم تقف في العتبة

تنظر إلى غارد مترددة , بينما هو منكب على عمله . كان ظهره

نحوها . بدا منكباً على عمله بحيث ترددت روزي في مقاطعته . . .

ربما إذا هي حاولت مع السحاب مرة أخرى . . .

ـ نعم , يا روزي ! ماذا تريدين ؟

قفزت نظرات روزي المجفلة لتقابل نظرات غارد الذي وضع

القلم واستدار نحوها .

ـ إن السحاب في ثوبي معطل و . . .

ـ الأفضل أن تأتي إلى هنا وتقفي في الضوء لأتمكن من روية ما

أقوم به بشكل صحيح .

قال ذلك مشيراً إلى وسط الغرفة .

ـ ربما أنت تكبرين رغم كل شيء .

قال ذلك بجفاء وهو يمسك بكتفيها ليتمكن من فحص ظهر

ثوبها .

سألته متصلبة :

ـ ماذا تعني ؟ .

حاولت أن تستدير , شاعرة بأنه أخذ يسخر منها مجدداً , لكن

غارد كان يمسك كتفيها بشدة منعتها من الحركة .

تملكها شعور غريب لإحساسها بأنامله على بشرتها , ولرؤيتها

صورتهما معاً في المرآة التي تعلو المدفأة . صورتهما معاً في وضع

حميم كان يمكن أن يكون لعاشقين . .

أحست بقشعريرة خفيفة , وتنبهت إلى أنها ترى غارد , ليس كما

تراه دائماً , وإنما بصفته رجلاً ! . . ماذا لو كان غارد هو الذي تعرفت

إليه في الحفلة هذه الليلة , مثلاً , وهو الذي مدحها وغازلها ؟ . .

خفضت نظراتها إلى الأرض , شاعرة بشيء من الخجل لاتجاه

أفكارها على هذا النحو . سألها برقة :

ـ متى حدث هذا , يا روزي ؟ متى أصبح إصلاح ثوب أهم لديك

من عدائك نحوي ؟

قالت كاذبة :

ـ لا أدري ماذا تعني ! .

هل هو دليل نضج لديها أن تفضل طلب العون من غارد على

تمزيق ثوبها ؟ إذا كان الأمر كذلك , فقد بدأت تتمنى لو أن قرارها كان

أقل نضجاً .

إنها تشعر الآن بالتوتر يزحف على امتداد جسمها فيما غارد

يتفحص السحاب , مزيحاً شعرها من طريقه .

كانت قرأت في الروايات عن أنفاس الحبيب , لكنها كانت تسخر

من ذلك معتبرة إياه مبالغة كبرى . أما الآن . . . ابتلعت ريقها

بصعوبة , مكورة أصابعها بشكل قبضتين صغيرتين مرتجفتين بينما

تلفح حرارة أنفاس غارد ظهرها . قال بغيظ :

ـ اهدئي , يا روزي !

قوله هذا جعلها تدرك ما كانت تفعل . كانت لا إرادياً تميل

بظهرها إلى الخلف لتلتصق به وكأنها . . .

قالت محاولة الإبتعاد عنه :

ـ آه , دعه , يا غارد !

تملكها الذعر إذ انتبهت إلى أن هناك شيئاً مريباً جعل المشاعر

تشتبك في كيانها .

ـ اهدأي ! يمكنني أن أرى المشكلة الآن . هناك قطعة صغيرة من

القطن مشتبكة بالسحاب . أظنني سأتمكن من نزعها .

ـ أين ؟ دعني أراها . . . ربما يمكنني نزعها بنفسي .

قالت روزي ذلك محاولة الابتعاد عن غارد والاستدارة , في

الوقت نفسه , لتنظر من فوق كتفها . ولكن عندما تقدمت إلى الأمام ,

كان غارد تمكن من إطلاق السحاب , تاركاً المخمل اللين الناعم

ينزلق عن كتفيها والقسم الأعلى من جسمها .

تمسكت روزي بذعر , بالمخمل , متسمرة مكانها من المفاجأة

وقد التهب وجهها بينما أخذ غارد يتفحصها بنظره .

ـ كفى , يا غارد , كفى ! لا تحق إلي بهذا الشكل !

انفجرت تقول بصوت يماثل جسدها ارتجافاً . أرادت أن تستدير

هاربة , لكنها , لسبب ما , لم تستطع أن تتحرك . بقيت جامدة في

مكانها بينما نظرات غارد تتجول فوقها . قال برقة :

ـ بأي شكل ؟ إنني , على كل حال , زوجك يا روزي . في

الحقيقة . . .

عندما تقدم خطوة نحوها , حملقت فيه بعينين واسعتين ذاهلتين

وهي ترتجف , غير قادرة على سلخ نظراتها عنه . تابع يقول برقة :

ـ وفي الحقيقة , هل لديك فكرة عما تفعلينه بي في هذه اللحظة ,

وأنا أراك بهذا الشكل ؟ لو أنك تعمدت هذا العمل , لما تمكنت من

اختيار وضع أكثر إثارة , هل تعلمين ذلك ؟ لو كنت حقاً زوجك , يا

روزي , ما وقفت هكذا أتحدث إليك !

عندما سمعها تصدر شهقات صغيرة متتابعة , قال معنفاً :

ـ ماذا حدث ؟ من المؤكد أنك لست بريئة ساذجة إلى هذا

الحد . . .

ـ لا! . . . لا ! . . .

صرخت روزي باحتجاج وهي تستدير هاربة إلى غرفتها ثم تصفق

الباب خلفها وتستند إليه , بينما جسدها يرتجف كمن به حمى ,

وقلبها يخفق بعنف أشعرها بالغثيان . دموع العذاب التي انهمرت على

وجنتيها من بين أجفانها المغمضة لم يكن لها علاقة بالحرج البالغ ,

أو الغضب من غارد لما فعل .

منذ لحظة واحدة فقط , كانت تستمع مسحورة إلى رقة صوته !

الصدمة , الشعور بالحرج , بالذنب , بالخوف . . . كل ذلك

شكل لها نوبة من الذعر والألم الغامض .

ابتعدت روزي عن الباب ببطء وهي ترتجف من رأسها إلى

أخمص قديمها , شاحبة الوجه من تأثير الصدمة .

ما الذي يحدث لها ؟ ما الذي حدث لها ؟

اغتسلت بسرعة ثم خرجت من الحمام واستعدت للنوم , رافضة

النظر إلى صورتها في المرآة .

توهج وجهها احمراراً , لا بد أن شيئاً غير عادي حدث لها إذ

تتصور غارد يغازلها برقة وهي تستجيب له ! .

إنه فقط خداع مخيلتها , كما أخذت تطمئن نفسها , وغداً ستتغير

مشاعرها وتعود إلى حالتها الطبيعية .

* * * * * *

: : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : :

Just Faith 26-11-17 07:32 PM

7 ـ

بين عدوهـا وزوجهــــا


ـ ماذا حدث يا روزي ؟ لا أظنك ما زلت مستاءة لأنني أفسدت

عليك الغزل مع رينولد , أليس كذلك ؟

سألها غارد هذا بجفاء . التفتت روزي إليه بحذر , وهي تمد يدها

إلى حزام الأمان عندما أعلن المضيف في الطائرة أنهم على وشك

الهبوط .

هــــــل نسي غارد , حـقـــــاً , مــــــا حـــــدث تلك الليلة ؟ مـــا قـاله لها ,

والطريقة التي نظر بها إليها ؟ كان مقطباً جبينه قليلاً وهو يربط حزامه ,

وشيء من نفاذ الصبر يوتر فمه .

هذا الصباح , بدا غارد مختلفاً تماماً . من المستحيل أن يكون هو

نفسه ذاك الرجل الذي نبهها إلى ذاته , وإلى نفسها بشكل مثير .

أتراها بالغت فــــي ردة فعــلـها إزاء ما حدث ؟ هل ضخمت الأمور

أكثر مما هي عليه ؟ وهل كان ضرورياً بقاؤها مستيقظة معظم الليل ,

خائفة من مواجهة غارد في الصباح , ومما قد يقوله ؟

وعندمــــا لم يـشـــــر في الصــــباح إلى مــا حدث , شعرت بما يشبه

الخيبة . ليس هذا فقط , وإنما عاد يعاملها وكأنها طفلة مزعجة أكثر

منها . . .

أكثر منها ماذا ؟ امرأة ؟ تملكها انقباض مؤلم في صدرها , وسرت

في وجهها وجسمها حرارة أشعرتها بالضيف .

عندما استقرت الطائرة على المروج , قال غارد لها :

ـ هيا , يا روزي ! ليس علينا أن نرجع بمظهر يدل على أننا

متخاصمين .

أجابته بتكلف :

ـ أنا لست مستاءة , أنا . . . متعبة فقط هذا كل شيء .

ـ متعبة . . . بعد رحلة عمل دامت يومين ؟ هذا غريب !

قال غارد ذلك ساخراً , متجاهلاً احمرار وجهها خجلاً , ثم تابع ,

ـ سأوصلك إلى (( مرج الملكة )) وبعد ذلك علي أن أذهب إلى

مكتبي لمراجعة بعض الأمور , ثم إلى شقتي . هل طلبت من السيدة

فرينتون أن تهيئ لنا غرفة .

هـــــــزت روزي رأسها . هي تعلم أنها تتصرف كالنعامة . لكنه حتى

الآن لم تستطع أن تحمل نفسها على مواجهة النواحي العملية التي

يفرضها الزواج .

ليلة زفافهما , كانت رقدت في الغرفة التي تحتلها منذ طفولتها ,

بينما رقد غارد في واحدة من غرف الضيوف . لكنها تعلم الآن أن لا

سبيل للحفاظ على مظهر زواجهما إذا استمرا في النوم في غرفتين

يفصل بينهما ممر طوله نصف ميل تقريباً .

ـ أنا . . . فكرت في أن هناك غرفتين للضيوف يصل بينهما باب

داخلي ؛ فإذا نظمت الفراش بنفسي , عند ذلك لا يمكن للسيدة

فرينتون أن . . .

فقاطعها :

ـ لا يمكن للسيدة فرينتون ماذا ؟ لا يمكنها أن تعلم أننا نرقد في

غرفتين منفصلتين ؟ هذا رائع يا روزي ما دامت لا تعلم . أما إذا انتشر

الخبر بأننا نرقد في غرفتين منفصلتين , فيمكنك أن تثقي بأن محامي

إدوارد سرعان ما يطرق بابنا . . .

ارتبكت روزي , فسألها :

ـ ألا توجد غرفة نوم بسريرين ؟

ـ هناك غرفة المخزن , وسيبدو الأمر غريباً شاذاً إذا رقدنا

فيها .

قال بلهجة مطاطة :

ـ هذا صحيح .

وفي طريقهما إلى البيت , قال ساخراً :

ـ ابتهجي ! . إنها سنة واحدة فقط . ثم , من يدري ؟ ربما

سيعجبك ذلك في النهاية .

قالت باستنكار وتحد :

ـ أبداً .!

لكنها , على الفور , تذكرت ما شعرت به الليلة الماضية , فاحمر

وجهها .

ألقى عليها نظرة جانبية وهو يقول محذراً :

ـ حذار , يا روزي ! فقد يعتبر الرجل هذا الكلام تحدياً ويحاول

أن يثبت لك أن . . .

وفيما كانت روزي تشعر بالتشنج , رافضة كلام غارد , انعطف

بالسيارة صاعداً في طريق البيت , وإذا به يقطع كلامه فجأة ليسألها :

ـ أليست تلك سيارة إدوارد ؟

أجابت بفتور : (( بلى ! )) .

ـ . . . أتساءل ما الذي يفعله هنا . أتظنينه يقيم لنا حفلة ترحيب

بالعودة إلى البيت ؟ يا له من إنسان حساس يهتم بالآخرين !

قالت متجهمة الوجه :

ـ ما كان إدوارد يوماً حساساً . كانت له دوماً دوافعه الخفية .

ـ . . . وليس هناك مكافآت لمن يتكهن بها هذه المرة , أليس

كذلك ؟

عندما نظرت روزي إليه مستفهمة , قال مفسراً :

ـ المنزل , يا روزي , المنزل ! .

ـ لكن فات أوان ذلك , هو يعلم الآن أننا متزوجان .

أخذت تتساءل بقلق عما يفعله إدوارد في البيت . إنه يعلم مقدار

كراهيتها له وعدم رغبتها في وجوده .

نبهها غارد وهو يفتح الباب الثقيل :

ـ ابتسمي يا روزي , ابتسمي !

عندما أمسك لها الباب لتمر , كان عليها أن تحتك به في

مرورها , فبدا وكأنه يلفها بذراعيه وعندما التفتت إليه لتقول إن آخر

شيء تفكر فيه هو الابتسام , نظر إليها متمتماً :

ـ وضعك هذا جيد جداً , وإذا ازددت اقتراباً مني وفتحت فمك

قليلاً ربما يظن الناظر أنك تريدينني أن أقبلك . . .

أن يقبلها ! بدا السخط في عيني روزي . وقبل أن تقول شيئاً ,

أسرعت السيدة فرينتون إلى الردهة , تستقبلها بقلق بادٍ على وجهها :

ـ آه , يا روزي ! . . أعني يا سيدتي . . .

ـ يمكنك مخاطبتي باسمي , يا سيدة فرينتون , يبدو عليك

الاستياء ! مـاذا حدث ؟

قبل أن تجيب المرأة , سمعت روزي شخصاً يهبط السلم ,

وعندما رفعت بصرها رأت أنه إدوارد يبتسم لها ابتسامة التسامح

الزائفة .

ـ آه , روزي . . . وغارد !

هتف بذلك , ثم تبددت ابتسامته وهو يهز رأسه باكتئاب :

ـ آسف للخبر السيئ ! اكتشفنا الأسبوع الماضي أن العيب الذي

كان ظهر في بناء بيتنا وكنا نظنه بسيطاً , وهو في الواقع خطر جداً .

لذلك لم نجد أمامنا سوى الانتقال إلى هنا أثناء قيام العمال

والمهندسين بعملهم . وقد تملك مرغريت القلق بشأن انتقالنا إلى هنا

من دون إعلامكم بذلك . لكنني وبختها على هذا العناء , وإلا ما فائدة

القرابة إذا لم يساعد الأقرباء بعضهم بعضاً عند الحاجة ؟ وإلى أين

نذهب ؟ كان من المستحيل علينا الانتقال إلى فندق بكل أوراقي

السرية , كما أن الضجيج سيصيب مرغريت بالصداع الرهيب الذي

يعادوها في مثل هذا الحال . ثم عندما تبدأ العطلة الدراسية ويعود

الولدان . . . قلت على الفور إن علينا الانتقال إلى هنا . ما زالت

مرغريت في البيت تشرف عل نقل آخر الأمتعة . لكنها سرعان ما

تصل . لقد سمحت لنفسي بإعطاء السيدة فرينتون الأمر بتجهيز جناح

الجد لنا . علينا طبعاً أن نحضر سريرين من غرفة المخزن . إننا نفضل

هذا النوع من الأسرة هذه الأيام , لأن مرغريت لا تستطيع النوم

جيداً . . .

ساد صمت مطبق أخذت روزي أثناءه تحدق في إدوارد , غير

مصدقة ما سمعت .

ـ أنا مدرك طبعاً أنكما عريسان , لكنني أتعهد لكما بأنكما لن

تشعرا بوجودنا هنا , كما ستجدين في مرغريت عوناً لك في شؤون

البيت , يا عزيزتي روزي . إنها معتادة على إدارة البيوت الواسعة ,

وتنظيم الحفلات , وسائر الأمور المشابهة .

جذبت روزي نفساً متقطعاً , وفتحت فمها ثم عادت فأقفلته , غير

واثقة مما عليها أن تقول . بدلاً من الكلام نظرت إلى غارد متوسلة .

الحمد الله أنه معها ههنا . إنه يعرف كيف يتعامل مع إدوارد وكيف

يحمله على مغادرة المنزل . لكنها ذهلت وهي تراه , بدلاً من أن يأمر

إدوارد بالمغادرة على الفور , يقول له بلهجة عادية :

ـ جناح جد روزي ! أظن أنه الجناح الرئيسي في المنزل !

فقال إدوارد بلطف :

ـ نعم , هذا صحيح !

ثم أضاف بهجة اهتمام بدت لها زائفة :

ـ آه , عرفت من السيدة فرينتون أنكما , أنت و روزي , لا

تستعملانه . يبدو أنها , في الواقع لا تعلم أين ستنامان . . .

أخذ ينقل نظرات الثعلب بينها وبين غارد , ثم عاد يقول :

ـ وطبعاً , الحمام الملحق بالجناح الرئيسي . . .

ـ ولهذا السبب , مع الأسف , عليك أن تختار غرفة أخرى .

هكذا قاطعه غارد بهدوء بينما اتسعت عينا روزي ذاهلة غير

مصدقة . ما الذي يقوله غارد ؟ لماذا لم يخبر إدوارد بأن عليه المغادرة

فوراً ؟

أجفلت حين مد غارد ذراعه حولها , وجذبها إليه . تصلب جسدها

رافضاً بغضب وهي تحملق فيه , بينما يتابع :

ـ كنا , أنا و روزي , نتحدث لتونا أثناء رحلة العودة عن تجديد

ذلك القسم من المنزل . إنني , في الواقع , أنوي الاتصال بالمهندس

غداً . لأكون صادقاً معك , يا إدوارد , أعتقد أنك ستجد غرف الطابق

العلوي أكثر ملاءمة . . . خصوصاً , مع قدوم العطلة المدرسية

وحضور الأولاد . وطبعاً , لأننا عريسان جديدان نرغب في العزلة ,

كما قلت بنفسك .

ثم التفت إلى روزي قائلاً برقة :

ـ أليس كذلك , يا حبيبتي ؟

لم ينتظر جواباً منها , لحسن الحظ , وكذلك إدوارد . قال إدوارد

بحذر :

ـ أفهم من كلامك عن الطابق العلوي أنك تعني غرفتي النوم في

طابق الأمتعة القديمة , طابق الخدم . . .

ـ هذا صحيح ! والآن , نرجو المعذرة , يا إدوارد , لأن علينا القيام

ببعض الأمور . وبما أنك لست ضيفاً ههنا , فإنك لا تتوقع منا البقاء

معك احتفاءً بك , آه , كما أظنك لن تستطيع استدعاء السيدة فرينتون

لمساعدتكم . آسف لأنني أتصرف بشكل تدعوه روزي تزمتً تقليدياً !

يا إدوارد . . . أنا أعلم أنك لن تتأثر بما سأقول ؛ و حيث أننا سنعيش

تحت سقف وأحد , أعرف أنك ستتفهم رغبتي في عدم دخولك أنت

أو أسرتك إلى المكتبة و المكتب بما أنني عريس , أحب أن أمضي

كل ما أستطيعه من وقت مع عروسي , وهذا يعني أنني سأعمل , قدر

الإمكان , في المنزل .

ثم أضاف مبتسماً في وجه روزي الساخط :

ـ ليس عليك أن تقلقي من هذه الناحية , يا حبيبتي , سأقوم بكل

الترتيبات مع الفنيين بخصوص الفاكس والكومبيوتر وغير ذلك .

آه . . . هذه أنت سيدة فرينتون ؟ أنا و روزي قادمان من رحلة متعبة .

هلا أحضرتِ لنا غداء خفيفاً إلى غرفة الجلوس الشتوية ! لن أدعوك

للغداء معنا , يا إدوارد , لأنني أعلم كم أنت مشغول . . . آسف

لحظك السيء ! أعني بالنسبة إل تصدع بيتك .

أضف غارد ذلك بينما أخذ إدوارد ينظر إليه بحذر .

كان ضغط أصابع غارد المؤلم تقريباً على ذراع روزي هو الذي

منعها من أن تنفجر غاضبة قبل أن يصلا إلى الصالة الشتوية الصغيرة

المبطنة جدرانها بالخشب . ولكن عندما أصبحا هناك , انغلق الباب

خلفهما بأمان , نفضت نفسها بعيداً وسألته بغضب والدموع تنفر

من عينيها :

ـ لماذا لم تطلب من إدوارد مغادرة البيت ؟ لماذا تركته يظن أن

لا بأس في بقائه هنا ؟ إنك تعلم أنه لن يستطيع البقاء . لا أريده هنا! لا

أصدق أنه لا يملك مكاناً آخر يذهب إليه . إنه يفعل هذا فقط

لأجل . . . لأجل . . .

قال غارد متجهماً :

ـ استمري . لأجل ماذا ؟

اندفعت تقول غاضبة :

ـ لأنه يريد أن يتجسس علينا , لأنه . . .

قال غارد عابساً :

ـ لأنه يرتاب فينا !

حولت عينيها إلى ناحية أخرى . لقد بدأت تدرك معنى وجود

إدوارد في هذا البيت والغرض منه . ظنت في البداية أنه انتقل إلى هنا

ليغيظهما فقط . لكن غارد جعلها تعلم أن إدوار ذو غرض أشـــــد لؤماً

وخطورة . وهذه الخطورة جعلت الدم يهرب من وجهها مخلفاً شحـوباً

بالغاً وتوتراً .

ـ تقول إنه يرتاب في أننا لسنا . . . أن زواجنا . . . ولكنها مجرد

تكهنات منه .

قالت ذلك وهي تذرع أرض الغرفة متوترة الأعصاب , ثم اقتربت

من غارد تنظر إليه متوسلة كأنها تطلب الموافقة على كلامها .

أجاب مسلماً بقولها :

ـ في هذه المرحلة , نعم . إنما لا تقللي من شأنه يا روزي . إنه

رجل خطر للغاية .

ـ إذا كنت تظن ذلك حقاً , لماذا إذن تركته يبقى هنا ؟ كان عليك

أن تطلب منه المغادرة .

ـ وأجازف بتقوية شكوكه ؟ لا . . . لا أستطيع القيام بذلك . كنت

أنذرتك أن شيئاً كهذا ربما يحدث , وذلك منذ البداية .

ـ لا , أنت لم تخبرني . إنك لم تقل شيئاً عن انتقال إدوارد

للسكن معنا , أو . . .

ـ ليس بالضبط . لكنني أشرت لك إلى المجازفة التي نحن

مقدمان عليها . وكذلك حذرتك من أنني لن اسمح أبداً بتعريض

سمعتي , الشخصية والعملية , للخطر بهذا الزواج . لا تخدعي

نفسك , يا روزي , لن يكون المنزل وحده ما سنواجه خسارته لو أن

إدوارد استطاع رفع دعوى ضدنا . . . الناس يواجهون أحكاماً بالسجن

لأمور أقل من هذه .

وسكت وهو يهز رأسه . شحب وجه روزي ذهولاً , وهمست :

ـ السجن ! . . لا ! . . لا! . . إنك تحاول إخافتي فقط .

توترت روزي وقطب غارد جبينه عندما سمعا طرقاً على الباب .

دخلت السيدة فرينتون حاملة صينية واسعة , فهدأت روزي

قليلاً . . لكن توترها سرعان ما عاد إليها نظرت مديرة المنزل

إليهما بقلق , ثم انفجرت تقول :

ـ لا أريد أن أقول شيئاً ليس من شأني , لكنني اشتغلت عند جدك

مدة طويلة . . . وقد بدأ السيد إدوارد يلقي علي كثيراً من الأسئلة .

سألها غارد بهدوء :

ـ أي نوع من الأسئلة , يا سيدة فرينتون ؟

أخذت روزي تتسائل : كيف يستطيع الاحتفاظ بهدوئه في مثل

هذه الحال ؟ ألم يخبرها لتوه أن الوضع دقيق وخطر ؟ ! . . . السجن ! . .

هذا مستحيل ! . . .

ـ حسناً , أراد أن يعلم أي غرفة ستستعملانها أنت و روزي .

مثلاً , قال إنه لا يريد أن يزعج أي شخص بأخذ الغرفة التي يريد .

وقال إنه لاحظ أن أشياء روزي ما زالت في غرفتها . . .

شهقت روزي ثائرة . كيف تجرأ إدوارد على دخول غرفتها ؟ لو

كان جدها ما زال حياً , لما سمح مطلقاً . . .

لو كان جدها ما زال حياً لما حدث أي من هذه الأمور , ولما

كانت احتاجت إلى الزواج من غارد . لما شعرت بحاجة إلى الكذب

والخداع . شعرت بالدموع الحارة تتجمع في مآقيها .

ـ قلت له إنني لا أعرف أية غرفة ستستعملان , لكنه ظل يلح علي

بالأسئلة . سألني عن الغرفة التي بتما فيها بعد الزفاف . . .

واحمر وجه السيدة فرينتون خجلاً و هي تنظر إليهما .

قال غارد يطمئنها بسرعة :

ـ لا بأس , يا سيدة فرينتون . كنا , في الحقيقة , سنتباحث معك

في أمر غرفة النوم , لأنني واثق من حسن تفهمك . هناك غرفة معينة

لا تريد روزي استعمالها , وذلك لأسباب عاطفية . غرفة أبيها , مثلاً ,

وكذلك غرفة جدها . وقد سبق وأخبرتها بأنني لا أستطيع مشاركتها

غرفتها الحالية .

قال غارد ذلك بلطف , جاعلاً روزي تنظر إليه ساخطة . ذلك

أنهما لم يتحدثا في مثل هذه الأشياء . وإذا كان يظن أنه يتظارف . .

فمن الواضح أن مديرة المنزل تعلم أن ليس بإمكانهما استعمال تلك

الغرفة , خصوصاً أن ليس فيها سوى سرير فردي .

ـ كنا فكرنا في القيام بجولة في أنحاء البيت لنختار غرفتنا رغم

أنني أعتقد أن أية غرفة نختارها ستكون مؤقتة , إذ أن أغلب الغرف

ينبغي تحديثها . أنا شخصياً أفضل الحمامات الواسعة , وذلك لأسباب

مختلفة .

أضاف غار ذلك بمكر ناظراً إلى روزي , ما جعلهما , هي

ومديرة المنزل , تحمران خجلاً . وتابع يقول :

ـ لكن روزي تصر على شراء أحدث طرازاً , وأعترف أنني

سأفتقد الدوش القوي الذي في شقتي . . .

انتظرت روزي حتى خرجت مديرة المنزل , ثم هزت رأسها

غاضبة عندما سألها غارد عما إذا كانت تريد أن تأكل شيئاً , متسائلة

كيف يمكنه أن يأكل الفطائر بمثل هذا الهدوء وكأن شيئاً لم يحدث .

انفجرت تقول :

ـ إنك تعلم أننا سبق وقررنا أي غرفة سنستعمل . . .

قاطعها قائلاً وهو يضع صحنه جانباً ثم ينتصب واقفاً :

ـ هذا في الماضي . أما الآن , فقد تغيرت الأمور يا روزي , ولهذا

عليك أن تنامي في غرفتي طوال مدة وجود إدوارد وأسرته ههنا .

ـ في غرفتك ؟ وأين ستنام أنت ؟

كانت قد تكهنت بالجواب مسبقاً , والنظرة التي رمقها بها أكدت

أسوأ شكوكها . قالت بسرعة :

ـ آه , كلا . لا , لا . . ليس ذلك ! لن أشاركك غرفتك . . يا غارد ,

وأنام في نفس . . . لا , لا أستطيع !

قال متجهماً :

ـ ليس دينا خيار آخر . إما أن تشاركيني الغرفة و الفراش , يا

روزي , وإما تشاركي شخصاً آخر في أحد سجون المملكة المتحدة .

قالت مستنكرة :

ـ لا , لا ! إنك تحاول إخافتي فقط .

ـ ماذا ؟ أتظنينني حقاً متلهفاً إلى أي امرأة فألجأ إلى إخافتك كي

تنامي معي ! اكبري , يا روزي ! ليس هذا الأمر ما يقلقني حالياً , وإنما

جريمة الإحتيال .

قال غارد ذلك ساخراً , بينما أخذت تعض شفتها قلقة . ثم سألته

بهدوء :

ـ هل تعني هذا حقاً ؟ هل تظن حقاً أن إدوارد يرتاب في أمرنا .

صدرت عنها رجفة خفيفة وبدا الخوف في عينيها , وهي تتابع :

ـ إننا لن نذهب حقاً إلى السجن , يا غارد , أليس كذلك ؟ أعني ,

ليس الأمر وكأننا . . .

ـ وكأننا ماذا ؟ وكأننا ارتكبنا ذنباً في تآمرنا معاً لحرمان إدوارد

من إرثه ؟ أشك في أن المحكمة ستتساهل في أمر كهذا . هذا طبعاً إذا

اخترت أن تتجاهلي نصيحتي و تجازفي . . .

ـ لا !

سارعت روزي تنفي ذلك . كانت قد بدأت حقاً تشعر بالخوف .

قال :

ـ إنني لست أسعد منك بهذا الوضع . وافقت أن أتزوجك , يا

روزي , لا لأنام معك . وصدقيني إذا كان هناك طريقة أحمل بها

إدوارد على مغادرة البيت دون أن أزيد من شكوكه , لما تأخرت

باستعمالها .

لم يكن غارد يريد أن ينام معها , أن يشاركها سريره ! قطبت

روزي حاجبيها مشككة في كلامه .

وهذه المشاعر الضبابية الغريبة التي تملكتها , هل هي خيبة أمل

وجرح في الكرامة لهذا الرفض ؟ لا , بكل تأكيد !

* * *

ـ وهكذا . . يبدو أن هذه الغرفة هي الأكثر ملاءمة . إلا إذا كنت

تفضلين واحدة من الأخريات !

هزت روزي رأسها بصمت . لقد أمضيا لتوهما ساعة كاملة

يتفحصان الغرف !

كانت روزي توقفت لحظة قصيرة أمام الغرفتين المتصلتين اللتين

سبق وتحدثت عنهما , لكن غارد أمسك بذراعها يجرها بعيداً , وهو

يتمتم متجهماً :

ـ اعتبري نفسك محظوظة لتمكني من دفع إدوارد بعيداً عن

طابقنا , وإلا كنا رأيناه في الغرفة التالية متلصصاُ علينا , مسجلاً بلهفة

كل صوت . . .

عندما رأى تغير ملامحها , عبس ساخراً :

ـ أتجدين هذا كلاماً منفراً ؟ حسناً , صدقيني أنه لا شيء يذكر

بالنسبة لما قد تسمعينه في المحكمة . . .

كانا الآن يقفان في غرفة واسعة في الطرف المقابل من البيت ,

من الغرف التي كانوا , هي وأبوها و جدها , يحتلونها . وقفت روزي

صامتة تتأمل السرير الضخم ذا الأربعة أعمدة .

هذه الغرفة , بسريرها الواسع المريح , وخشبها الدافئ الذي

يبطن الجدران , و مدفأتها , حتى الأريكة العميقة تحت النافذة . . .

هذه الغرفة ربما كانت في وقت ما ملجأ لامرأة أخرى تشعر فيه

بالراحة والسلام , وربما بمتعة الحب . . . لكنها , هي روزي , لا

يمكنها أن تراها بهذا الشكل . عضت شفتها بعنف , محاولة صد ما

تشعر به من كرب .

أدركت , لأول مرة في حياتها تقريباً , أنها تشعر بالخوف ! ليس

من غارد , مهما بلغ تهربها من مشاركته الغرفة . . والسرير . .

لا , ما كانت تخافه هو الخطر الذي كشف لها عنه . سألته بصوت

خافت وقد جفت شفتاها :

ـ نحن لا يمكن . . . إننا لن نذهب حقاً إلى السجن , أليس

كذلك ؟

ـ ماذا تريدينني أن أقول لك , يا روزي ؟ أن أكذب عليك بكلمات

حلوة لأخفف عنك ؟ إنك أنت التي تصرين على أنك امرأة ولست

طفلة !

ـ ولكن إذا اعتقد إدوارد أننا ننام مع بعضنا البعض , أننا متزوجان

حقاً , أتظنه سيتوقف إذ ذاك عن الارتياب فينا ؟

ـ من المؤكد , عندئذ تصبح شكوكه واهية الأساس إنما لا

تقللي من شأن إدوارد , يا روزي . إنه كاذب خداع . ومثل كل

الكذابين الخداعين , يعرف تماماً كيف يميز هذه الخصال في

الآخرين .

ـ لا أظن أحداً نام في هذه الغرفة منذ حفلة عيد ميلاد جدي

السبعين .

قالت روزي ذلك بصوت متوتر , متجاهلة كلام غارد , ثم تقدمت

نحو أوسع نافذتي الغرفة .

كان المخمل الذي يغطي الأريكة قديماً باهت اللون كالستائر

وغطاء السرير , لكنه ما زال سميكاً ناعماً ينطق بالترف ولا يماثله أي

نسيج عصري , في شهر العسل . . .

أجاب غارد بهدوء :

ـ نعم . أعلم هذا !

كان في صوت نبرة لم تسمعها منه من قبل . بدا وكأنه يشعر

نحوها بالعطف . . . بالشفقة . . .

ـ روزي , أنا أعلم أن هذا ليس أمراً سهلاً بالنسبة إليك . . .

تصلب جسم روزي وهي تلاحظ تقدمه نحوها من الخلف .

تحولت عن النافذة مندفعة في الحديث :

ـ إننا بحاجة إلى ملاءات نظيفة و . . . مناشف . هنالك بعض

الملاءات , كما أظن , كبيرة الحجم . . . إنها إرلندية وكانت جزءاً من

جهاز جدتي إنه سرير كبير الحجم جداً . . .

ـ نعم , سرير كبير الحجم جداً , أكثر اتساعاً مما نحتاجه وكذلك

عليه وسادتان مستطيلتان .

ـ وسادتان مستطيلتان ؟

ـ نعم , وسادتان مستطيلتان إنك تضعينهما على طول السرير

فتقسمانه إلى قسمين . في وقت ما , لم تكن أي رواية عاطفية تخلو

من (( وسادة خالية )) . . . أو هذا ما سمعت عنه !

قال ذلك هازلاً .

قالت بابتسامة باهتة :

ـ لا يمكننا استعمالهما رغم وجودهما . ربما يراهما إدوارد !

تهدج صوتها فجأة والدمع يفيض من عينيها ثم صرخت بتعاسة :

ـ لم أتصور قط أن الأمر سيكون بهذا الشكل . كل ما فكرت فيه

هو حماية المنزل , هذا كل شيء !

ـ نعم , أعرف هذا . هيا ابكي ما شئت , هذا يخفف عنك .

قال غارد ذلك وهو يجتاز الغرفة ويأخذها بين ذراعيه بحنان

غريب .

لم يكن لديها وقت للاحتجاج أو الرفض . كان رجلاً مختلفاً .

أدركت ذلك وهي تستكين إلى صدره وذراعيه الدافئتين . أشعرها

بمبلغ ما كانت تحس به من وحدة . . . لقد رحل أبوها وجدها ولم

يعد لها أحباب تلجأ إليهم لتشكو أحزانها ومشاكلها .

هذه الأفكار جعلت دموعها تفيض بغزارة مبللة قميص غارد

القطني الأبيض . قالت محتجة وهي تشهق مع الكلمات :

ـ لم أكن أقصد هذا .

ـ أعرف .

بدا صوت غارد حنوناً مغرياً في أذنيها , بنفس الحنان الذي تشعر

به بين ذراعيه .

ـ أنا خائفة يا غارد . ماذا سنفعل ؟

اعترافها الهامس هذا جعل ذراعيه تشتدان حولها قليلاً . لا بد أن

غارد خائف هو أيضاً , كما أخذت روزي تفكر , وإلا لما ضخم من

خطورة موقفهما بهذا الشكل .

ـ حسناً , هناك طريقة واحدة يمكننا بها التخلص من إدوارد !

انتفضت روزي ورفعت رأسها عن كتفه تحدق فيه غير مصدقة :

ـ أتعني أن نخبره بالحقيقة ؟ نعترف بأننا تعمدنا خداعه ؟ لا . . .

لا يمكننا القيام بذلك !

أحبطت عندما تركها غارد فجأة مبتعداً عنها بجفاء وفتور , ثم

وقف مديراً لها ظهره وهو يقول بصوت خشن :

ـ الحق معك ! لا يمكننا القيام بذلك ! اسمعي , علي أن أذهب

إلى المكتب الآن وسأحاول العودة بأسرع وقت ممكن . أما إدوارد ,

فسيكون مشغولاً بنقل أوراقه السرية , وسيكف عن مطاردتك أثناء

غيابي .

ماذا حدث للتناغم الذي كان بينهما منذ لحظات فقط ؟ أين ذهب

كل ذلك ؟ ولكن , كان عليها أولاً أن تسأل نفسها من أين جاء ذلك ,

كما حدثت نفسها والتعب يتملكها , وعما إذا حدث ذلك فعلاً أم أنها

كانت مجرد تخيلات . . . هكذا أخذت روزي تتساءل بقلق بعد

خروج غارد .

لم يحدث بينهما تقارب عاطفي قط , من قبل . . . ومع ذلك ,

يمكنها أن تقسم أنها شعرت , حين أخذها غارد بين ذراعيه , بأنه يريد

أن يواسيها من كل قلبه , أن يطمئنها , أن يتقرب منها . .

غارد يريد أن يتقرب منها ؟! ها هي ذي الآن تسمح لمخيلتها بأن

تذهب بها بعيداً .

لا شك أنه , في الواقع , يلعن اليوم الذي وصلت به الحماقة إلى

القبول بالزواج منها .

ـ كل ما أجروه هو أن تقدر ما نفعله لأجلك .

همست بذلك للمنزل وهي تلمس الجدار, عندما فتحت باب

غرفة النوم .





ـ ما أجمل فرش السرير اللائق بالملاءات !

هتفت السيدة فرينتون بذلك راضية وهي تتراجع إلى الخلف

لتبدي إعجابها بما أنجزته مع روزي .

السرير ذو الأعمدة الأربعة , وكذلك كل قطعة من الأثاث في

الغرفة , بما في ذلك خشب الجدران . كل ذلك صُقل ولمع , وغسلت

النوافذ . صنابير المياه النحاسية في الحمام دُعكت حتى أصبحت

كالذهب , وأخيراً , فُرش السرير بالملاءات والبطانيات والغطاء

التقليدي المطرز باليد .

نظراً لاتساع السرير , احتاج فرشه إليهما معاً . واستاءت روزي

داخلياً عندما قالت مديرة المنزل إن الأسرة العصرية تجعل الحياة

أسهل :

ـ إنك تتعبين كثيراً في العثور على غطــاء لسرير بهذا الحجم

يكفي اتساعه لنوم الأسرة كلها , أليس كذلك يا روزي ؟

أُسرة ! . . ومرت أمام عيني روزي سحابة صغيرة وهي تنظر

السرير .

تملكها شعور بالفـــراغ . . إحســـاس مؤلم بالوحــدة البالغة , بعدم

وجود شخص حميم يشاركهما حياتها , إنه شعور لم تعرفه من قبل .

شعور تملكها , لأول مرة , عصر هذا اليوم , بعد أن أبعد غارد من

حولها ذراعيه . وتملكتها قشعريرة أقلقتها .

عندما كتب جدها وصيته , كان يريد أن يبقى البيت ضمن

الأسرة . أن يعيش أحد فيه . أن يحبه أحفاده . ثم أخذت روزي تحدث

نفسها بثقة : غارد سيحبه ويعيش فيه ! سيحمي المنزل ! وفي النهاية ,

سيعيش فيه أولاده .

تملكها الذعر لعنف الشعور بالوحشة الذي اكتسحها , خصوصاً

وهي لا تعلم نماماً سبب شعورها هذا . . هل هو التفكير في أن أولاد

غار لن ينشأوا في (( مرج الملكة )) , كما نشأت هي , أم التفكير في أن

أولاد غارد هم الذين سينشأون فيه ؟

ومع ذلك , لم يحدث قط أن شعرت نحو المنزل بنزعة التملك .

لا نحو المنزل ولا نحو غارد , وإنما العكس .

القشعريرة البسيطة أصبحت رجفة عنيفة عندما أخذت الأفكار

والتصورات تُلهب مخيلتها , فحاولت إخمادها بالحديث إلى مدبرة

المنزل , محدثة نفسها بأن وجود إدوارد في البيت هو وحده مصدر

قلقها وتعاستها .


* * * * * *

: : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : :

Just Faith 26-11-17 07:33 PM

8 ـ

غـــارد والحب


ـ حسناً , والآن أظنكما تريدان أن نترككما بمفردكما .

الابتسامة الوحيدة التي منحها إدوارد لروزي لم تزدها إلا

اشمئزازاً .

ـ ليس عليك أن تبقى هنا , يا مرغريت !

أمر زوجته بذلك , بعد أن اختفى ظرفه المصطنع , وهو يشيح

بوجهه عن روزي ويحدق في زوجته عبر مائدة العشاء , متابعاً :

ـ ما زال هناك أشياء كثيرة عليك أن ترتبيها , لا أدري كيف تبقين

جالسة عديمة النفع بهذا الشكل !

استاءت روزي بغضب لأجل مرغريت , عندما احمر وجه المرأة

الشاحب الهزيل ونهضت على الفور طائعة تلبي أوامر زوجها .

حاولت روزي مساعدتها بشكل آلي , دافعة كرسيها إلى الخلف

وهي تقول لها بسرعة :

ـ لماذا لا تؤجلين ذلك إلى الغد , يا مرغريت ؟ لن أذهب إلى

العمل في الملجأ قبل العصر , وبذلك يمكنني مساعدتك , وأنا واثقة

من أن السيدة فرينتون لن تمانع في مساعدتنا كذلك . . .

ـ الملجأ ! . . ( ارتفع حاجبا إدوارد وهو يقاطع روزي بغلاظة ) يا

إلهي ! . . كنت أظن غارد وضع حداً لذهابك إلى هناك . بالنسبة إلى

تلك الحثـــالة من الناس القانطين في الملجأ , لا أدري ماذا

بإمكانك . . .

قاطعته روي غاضبة :

ـ إنهم ليسوا من حثالة الناس ! ليس منهم من كان يريد أن يكون

شريداً دون مأوى , يا إدوارد . . . ليس منهم من كان يريد أن يعتمد

على الآخرين , على الدولة للحصول على صدقات و . . .

نفرت عندما أمسك غارد بيدها . أرادت أن تنتزع أصابعها من

قبضته , لكنها لم تجرؤ تماماً على ذلك . عملها في الملجأ كان على

الدوام موضوع جدال , خصوصاً مع جدها الذي كانت وجهه نظره

تنزع إلى الطراز القديم . كذلك , اشتبهت روزي في أن غارد يشارك

إدوارد رأيه , وسرعان ما سمعته في فكرها يقول بحزم وجهة نظره بأن

ما كانوا يحاولون إنجازه من وراء هذا الملجأ ما هو إلا تبديد للوقت

والمال .

ـ روزي على صواب تماماً , يا إدوارد ! وهــؤلاء الناس لا

يستحقون عطفنا فقط وإنمــا مساعداتنا العملية كذلك . وبمعزل من

موقفي الخاص , وحتى لو كنت أخالفها الرأي , فليس من حقي

التدخل في عملها . هي زوجتي , ونحن متماثلان في الحقوق . إنني

احترم حقها في تقرير ما تفعله وما لا تفعله . وعلى كل حال , إذا لم

يكن هناك احترام وثقة متبادلين بين الزوجين , كيف يمكن أن يكون

هناك حب ؟

استدارت روزي تنظر إلى غارد ذاهلة ! لم تتوقع منه قط أن يعبر

عن مثل هذه الآراء ! أتراها بعيدة إلى هذا الحد عن غارد ؟ غارد الذي

كانت تظن نفسها تعرفه ؟ غاد الذي طالما اعتبرته دوماً متغطرساً

مستبداً !

بطرف عينها , رأت وجه مرغريت بملامحه الكئيبة التعسة .

مسكينة مرغريت ! كم هي مأساة أن تتزوج رجلاً مثل إدوارد ! وكم

تكون المأساة أكبر لو أنها أحبته ذات يوم !

هذه الحادث الصغيرة استقرت في ذهنها , وعندما أصبحت هي

و غارد بمفردهما أخيراً , استدارت نحو تسأله بتشكيك :

ـ هل كنت تعني حقاً ما قلته ؟ من . . . عن اعتقادك بأن . . . بأن

حبك لشخص بمعنى الاحترام له والثقة به ؟

النظرة الفاحصة التي رمقها بها جعلتها تتمنى لو أنها لم تثر هذا

الموضوع . سألها بجفاء :

ـ إنها المرة الأولى , أليس كذلك , التي تكتشفين فيها أن لدي

أفكاراً ومشاعر بدلاً من . . . ؟

ـ بدلاً من ماذا ؟

هز رأسه ببساطة , ثم قال بهدوء :

ـ نعم ! أنا أعتقد حقاً أن الاحترام والثقة يسيران مع الحب جنباً

إلى جنب . . . الحب الحقيقي وليس ذلك الحب الشائع المبني على

الشهوة . الذي يحب شخصاً ما , يعني أنه يحبه كما هو لذاته , يريده

أن يكون هو نفسه بدلاً من محاولة تغييره إلى الصورة المسبقة التي

رسمها في خياله . هذا يعني أنه يحبه لما هو عليه وليس بالرغم مما

هو عليه . . .

وإذ لاحظ عليها شيئاً من الاضطراب , قطب جبينه وسألها برقة :

ـ ما هذا ؟ ماذا حدث ؟

أجابت تلقائياً :

ـ لا شيء ! لا شيء أبداً !

لم تجرؤ على النظر إليه مباشرة لاحتمال أن يرى المشاعر في

عينيها فيتكهن بتأثير كلماته عليها . هل يمكن أن يحبها شخص ما

بهذا الشكل ؟ بمثل هذا الصدق ؟

أذهلها أن غارد هو , من بين جميع الناس , الذي وصف لها

الحب كما تتصوره وتتمناه بالضبط . غارد الذي لو كانوا سألوها عنه ,

لما ترددت في القول إنه لا يستطيع فهم هذه المبادئ ولا المشاركة

فيها .

سمعته يقول لها :

ـ يبدو عليك التعب لماذا لا تذهبين إلى سريرك قبل أن يقرر

إدوارد فرض صحبته علينا ؟ ربما نال كفايته من إرهاب مرغريت !

لم تستطع مقاومة سؤال ألح عليها , فقالت بهدوء :

ـ أتظنها أحبته يوماً مــا ؟

هز رأسه قائلاً بلهجة حاسمة :

ـ لا ! أبداً ! أما أنه الرجل الذي انخدعت بأنه يحبها , أظن

نعم ! . . . ويا لتعاسة تلك المرأة ! .

ـ لا أدري لماذا تبقى معه وهو يعاملها بهذا الشكل الرهيب .

ـ لعله دمر احترامها وتقديرها لنفسها إلى درجة لم تعد تستطيع

معها الرحيل . ثم هناك طبعاً ولداها .

ـ إنه شخص رهيب يتلذذ بإرهابها وتعذيبها . . .

قال غارد محذراً :

ـ نعم ! وهذا لا شيء بالمقارنة بما قد يريده لنا إذا ما اكتشف

الحقيقة عن زواجنا .

ارتجفت روزي قليلاً , وهي تقول متوسلة والخوف في غينيها :

ـ لا تقل شيئاً , يا غارد !

قال يطمئنها :

ـ لا بأس ! ليس ثمة سبب يجعله يكتشف الحقيقة ما دمنا , نحن

الاثنين , حذرين . . .

همست قائلة :

ـ لم يخطر لي قط أنه سيفعل شيئاً كهذا , ينتقل إلى هنا . . .

ـ كفى قلقاً لهذا الأمر ! ولا تنسى أن عليك الظهور بمظهر عروس

في غاية السعادة !

منحته روزي ابتسامة شاحبة :

ـ هذا صحيح ! وأياً ما كان الأمر , لا سيما إذا كنا نحب بعضنا

بعضاً , فإن وجود إدوارد أو أي شخص آخر هنا , هو شيء غير

مرغوب به .

قال موفقاً :

ـ غير مرغوب به على الإطلاق .

شيء ما في نظرته و نبرة صوته , جعل قلبها يخفق ووجهها يحمر

قليلاً . قالت بصوت أبح :

ـ الحق معك ! يجب أن أذهب إلى فراشي . إنني متعبة . . .

ـ أما أنا فسأتأخر ساعة أو نحوها علي أن أنجز بعض الأمور .

ـ هذا حسن ! تصبح على خير إذن .

تمتمت روزي ذلك بلهجة غريبة , متجنبة النظر إليه عندما فتح

لها الباب .

كانت في منتصف الممر عندما سمعت إدوارد يناديها . انقبضت

على الفور و أخذت نفساً عميقاً قبل أن تلتفت .

سألها إدوارد ساخراً عندما وصل إليها :

ـ أذاهبة أنت للنوم في هذا الوقت المبكر ؟

استطاعت روزي , بشكل ما , أن تمنع نفسها من الرد عليه

بالطريقة التي ترغب بها وقالت بهدوء :

ـ كانت مرغريت بدو متعبة جداً أثناء العشاء , يا إدوارد ! لا بد

أن الأمر كان مرهقاً جداً لها , أعني الانتقال إلى هنا بتلك السرعة .

ـ لا عليك , إنها تحب تضخيم الأمور . هذا هو طبعها . أين

غارد ؟

ـ لديه بعض الأمور الخاصة .

نظرة إدوارد إليها أشعرتها بمزيج من الغضب وعدم الارتياح .

قال ساخراً بشكل مهين :

ـ إنه لم يسأمك , أليس كذلك ؟ عليك أن تراقبيه , يا روزي ! إن

رجلاً بمثل سمعته . . .

قال غاضبة :

ـ لقد اختارني غارد زوجة له ؛ وإذا كانت لديه علاقات ماضية

فهي بالضبط من الماضي . . . يا إدوارد .

شعرت بالزهو لجوابها هذا الذي بدا أنه هز إدوارد حتماً . ثم

قالت له بلهجة ازدراء واستنكار :

ـ ما الذي تفعله هنا في هذا الطابق ؟

ـ كنت في طريقي لأحضر أشياء وضعتها في الكاراج . يجب أن

أدخل أمتعتنا بسرعة , وهذا سيستغرق ساعتين على الأقل . أتعلمين ,

يا روزي , كان عليك التفكير ملياً قبل الاندفاع إلى الزواج من غارد ؟

إنها مجازفة كبرى منك ! .

شعرت روزي بخفقات قلبها تتسارع , فقالت متحدية , راجية ألا

يرى في عينيها إحساساً بالذنب :

ـ ماذا . . . ماذا تعني ؟

ماذا ستفعل أو تقول لو أخبرها بأنه يعرف سبب زواجها من

غارد ؟ . لماذا تركته يحاصرها بهذا الشكل في غياب غارد ؟ لماذا

جاءت . . . ؟

قال إدوارد بلطف :

ـ إنك تعلمين ماذا أعني . نعم , يمكنني أن أفهم سبب وقوعك

في غرامه . من المؤكد أن غارد يعرف كيف يعامل النساء . طبعاً لكثرة

تجاربه . . . ولكن هل سألت نفسك يا روزي لماذا تزوجك ؟

أجابت على الفور :

ـ لأنه يحبني .

للحظة واحدة فقط , ظنت أن إدوارد تكهن بالحقيقة . وحتى لو

لم يحدث ذلك , فمن الواضح أنه يشتبه في شيء ما . سلمت روزي

بهذه الفرضية وهي تستدير على عقبيها وتتركه .

بهذا النور الخافت بدت غرفة النوم الفسيحة مريحة حميمة بشكل

مدهش . لعل السبب هو السرير !

بدا السرير وكأنه . . .

حولت نظراتها عنه بسرعة . حسناً , لا يبدو على هذا السرير أنه

صُمم لينام عليه شخص عازب وحيداً , وإنما العكس تماماً . . .

خرجت روزي من الحمام متباطئة , وتناولت منشفة لفتها حول

جسدها . لقد أمضت وقتاً طويلاً وهي مستلقية في الحوض , متنعمة

بتلك الرفاهية البالغة , والمياه الدافئة المعطرة التي جعلتها تشعر

بالنعاس .

سارت مبتسمة إلى غرفة النوم , وإذا بها تقف فجأة وقد اختفت

ابتسامتها . تذكرت أن قميص نومها , فضلاً عن بقية ثيابها وملابسها

الداخلية ما زالت في غرفتها السابقة .

أثناء انشغالها بتجهيز هذه الغرفة , وقلقها من انقضاض إدوارد

المفاجئ عليهما , نسيت تماماً نقل أمتعتها .

نظرت إلى باب الغرفة بحيرة وهي تعض شفتها . هل يمكنها

المجازفة بالركض في الممر وهي على هذه الحال لإحضار ملابسها ,

أم عليها أن تعود وترتدي ثيابها السابقة خوفاً من أن يراها إدوارد ؟

كانت ما تزال واقفة تقلب الأمر في ذهنها , عندما انفتح الباب

ودخل غارد .

حدقت فيه روزي , وهي تتأكد من التفاف المنشفة حولها

بإحكام .

ـ أظنك قلت إنك ستمضي ساعتين في العمل !

ـ هذا صحيح ! لكم إدوارد كـــــان هــنــــاك بتعليقاته الساخـــرة حول

العرسان والعرائس المهجورات . . .

ـ هل ما زال هناك ؟

ـ نعم . يبدو أن لديه بعض الأمتعة التي يريد نقلها إلى الطابق

العلوي هذه الليلة . لماذا ؟

عبست روزي بضيق قائلة :

ـ نسيت نقل حاجياتي من غرفتي القديمة .

هز غارد كتفيه بعدم اهتمام :

ـ يمكنك نقلها عند الصباح . إذا قال لك شيئاً قولي له إنك لم

تجدي وقتاً لنقلها قبل الزفاف .

قالت مستنكرة :

ـ لا , إنك لم تفهمي قصدي , ليس . . . ليس لدي شيء . . لا

شيء مطلقاً ! ملابسي الداخلية , قميص نومي , كل ذلك ما زال في

غرفتي القديمة ! وكذلك الحقيبة التي أحضرتها من بروكسل .

قالت ذلك بانفعال , ثم هدأت قليلاً أمام نظرة غار الباردة

وتابعت مدافعة عن نفسها :

ـ نسيت كل شيء عندما فوجئت بحضور إدوارد , ثم انشغلت

بعد ذلك بإعداد هذه الغرفة . علي أن أذهب وأحضرها .

فقال غارد بحدة :

ـ لا !

قالت بذعر :

ـ لكن علي أن أحضر قميص نوم ! ليس لدي ما أنام به ! أنت

لديك كل أشيائك !

ذلك أنها سبق وأفرغت , مع السيدة فرينتون , الحقيبة التي

أحضرها غارد من شقته وفيها بعض الملابس . آنذاك , قال لهما

ساخراً إنه لم يتوقع منهما القيام بذلك , قال لها الآن :

ـ العروس يا روزي , لا تترك غرفة عريسها لتذهب وتحضر

قميص نوم ! ثم إن هذا العمل لا حكمة فيه بالنسبة إلى وضعنا

الحالي , خصوصاً وأن إدوارد ما زال يجول في أنحاء البيت . أظن أن

عليك , لهذه الليلة على الأقل , أن تنامي . كما أنت . . .

أخذت روزي تحدق فيه , ثم قالت بصوت مختنق :

ـ لا ! لا أستطيع . . .

ـ تستطيعين طبعاً ! فأنا أفعل هذا على الدوام .

أخذت تنقل نظراتها بذعر بينه وبين السرير الضخم .

ـ لن أنام إلى جانبك في هذا السرير إلا إذا كان أحدنا . . بل

نحن الاثنين , مرتدين ثياباً !

سألها بهدوء :

ـ وما المانع؟

أخذت تحدق فيه باضطراب . ما الذي يعنيه بقوله ( ما المانع ) ؟

أليس الأمر واضحاً ؟ قالت باستنكار :

ـ لأن هذا غير مناسب !

رفع غارد حاجبيه :

ـ أحقاً ؟ يخيل إلي أن لديك فكرة غريبة جداً عن الزواج , يا

روزي ! أؤكد لك أن هذا هو المناسب بالضبط .

سكت وأخذ ينظر إليها فيما الخجل يلهب جسدها من الرأس

حتى القدمين . ثم قال ممازحاً :

ـ ما هذا , يا روزي ؟ أتخافين من أن تفقدي السيطرة على نفسك

وأنت معي ؟!

كانت تعلم أنه يمزح وبدلاً من الشعور بالارتياح لمحاولته

تلطيف الجو , شعرت بشيء من الانقباض .

ابتلعت ريقها بصعوبة وأزعجتها مشاعر لا تجرؤ على تسميتها .

لم تعرف ماذا تقول , وبدلاً من ذلك تناولت وسادة وقذفت بها

غارد بغضب .

تلقى الوسادة بيديه وهو يضحك منها استخفافاً , ويقول :

ـ حسناً ! إذا كنت تصرين على التصرف كطفلة , يا روزي . . .

وتحرك بسرعة لم تترك لها مجالاً للهرب وهو يرفعها عن الأرض

مبعداً إياها عنه قليلاً , ضاحكاً منها وهي ترفس بقديمها احتجاجاً ,

طلبة منه أن يتركها .

استجاب لطلبها ضاحكاً . وعندما ترك خصرها ومست أصابع

قدميها الأرض , شعرت بالمنشفة تنزلق عن جسدها .

عندما أخذت تكافح بذعر لالتقاطها , سمعت غارد يقول بهدوء :

ـ ربما أنت على حق يا روزي ! لعل النوم جنباً إلى جنب ليس

بالفكرة الجيدة . ولكن مع الأسف , ليس لدينا خيار آخر . ليس لأي

منا خيار آخر , ولهذا ليس أمامنا سوى القبول بالواقع . وهذا السرير

اللعين كبير بما يكفي لأن ينفرد كل منا بنفسه .

لا عجب من غضب غارد منها بهذا الشكل , كما أخذت روزي

تفكر وهو يدخل الحمام , تاركاً إياها تتكور تحت الأغطية . لو أنها لم

تكن غبية بذلك الشكل فتنسى نقل ملابسها . . .

اختنقت بالدموع وبردت قدماها . لماذا هي بلهاء عديمة الحنكة ,

ما جعلها تحدث كل تلك الضجة لأجل قميص نومها ؟ كان واضحاً

من الطريقة التي تصرف بها غارد أنه لا يريد إرغامها على شيء .

ولكن , أليس هذا ما ينبغي أن يكون , وما تريده هي ؟ أخذت

تحدث نفسها بذلك وهي تبتعد إلى حافة السرير البارد ثم تغمض

عينيها محاولة تجاهل الأصوات القادمة من الحمام .

يبدو أن غارد , بعكسها , اختار الدوش . ارتجفت من تصوراتها

المعذبة .

لكنها لم تكن تريده . . إنها لا تريده طبعاً . . . حتى إنه لا

يعجبها . . .

وتناولت واحدة من الوسائد الزائدة تضعها فوق أذنيها , مانعة

الأصوات التي تعذبها , القادمة من الحمام . . .

* * * * * *

: : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : :

Just Faith 26-11-17 07:33 PM

9 ـ

آخـــر اللعبة . . . الندم !


استيقظت روزي فزعة . كان هناك شخص يقرع باب الغرفة . ثم

صوت إدوارد يناديها وينادي غارد .

شعرت بالتوتر عندما أدركت أن سبب شعورها اللذيذ بالدفء

وكراهيتها الاستيقاظ هو أنها كانت , أثناء نومها , قد انتقلت من

مكانها في طرف السرير لتصبح الآن مستلقية ببراءة في وسطه بجانب

غارد .

ـ لا بأس يا روزي . إبقي هنا بينما أذهب أنا لأعرف ما يريد .

قال غارد ذلك وهو يجلس , ثم أضاء المصباح الذي بجانب

السرير , ونزل إلى الأرض . رأته من طرف عينها يتناول معطفه

المنزلي ويضعه على جسده , فتنهدت بارتياح .

سمعت غارد يسأل متجهماً , وهو يفتح الباب ساداً إياه بجسمه

لئلا يدخل إدوارد :

ـ نعم يا إدوارد , ماذا هناك ؟ .

ـ إنها مرغريت . هل روزي . . . ؟

ـ ماذا حدث , يا إدوارد ؟ ما بها مرغريت ؟

ـ إنها . . . لديها صداع . . وكنت أتساءل عما إذا كان لدى

روزي أسبرين أو ما أشبه . لم نجد عندنا شيئاً من ذلك .

رفع غارد حاجبيه غاضباً :

ـ صداع ؟ أتوقظنا الساعة الثانية صباحاً لأن زوجتك لديها

صداع؟!

أجاب إدوارد مدافعاً :

ـ حسناً , إنه صداع شديد من نوع الشقيقة ! .

ـ إذا كان لدى مرغريت مرض الشقيقة , لا أظن مجرد الأسبرين

سيفديها .

حاولت روزي أن تجلس قليلاً , ساترة نفسها بالملاءة , وهي

تقول من الداخل :

ـ آسفة , يا إدوارد ! ليس لدي شيء هنا . يمكنك أن تجد شيئاً من

ذلك في خزانة الأدوية في المطبخ . مسكينة مرغريت ! لا بد أنها تتألم

كثيراً .

ـ حسناً ! سأنزل لأحضر لها شيئاً . آسف للإزعاج ! . . .

لم يكن في صوته ما يدل على الأسف . هكذا لاحظت روزي

بضيق , بينما غارد يرد الباب .

عادت روزي تعبر عن أسفها مجدداً :

ـ مسكينة مرغريت .

ـ نعم , مسكينة مارغريت لو كان لديها مرض الشقيقة حقاً ! أنا

شخصياً أشك في ذلك , وفي الواقع . . .

سألته روزي بقلق :

ـ ماذا تعني ؟ تريد أن تقول إن إدوارد أيقظنا متعمداً لكي

يرى . . . ؟

فقال غارد متجهماً :

ـ أننا نائمان معاً حقاً . إنه احتمال قوي !

العنف الذي بدا على وجه غارد جعل قلب روزي يخفق قلقاً .

حولت وجهها عنه وهي تعض على شفتها .

وعندما عاد إلى السرير وأطفأ النور , انخفض السرير قليلاً تحت

وزنه . همست روزي بصوت خافت :

ـ غارد , إلى أي حد تظن إدوارد يشك فينا ؟ أعني لا بد أنه تكهن

بشيء جعله يأتي إلى هنا , أليس كذلك ؟

ـ هذا ما يبدو .

قال غارد ذلك بعد لحظة صمت , وعندما تأوهت روزي بكرب

أضاف يقول :

ـ ولكن لا فائدة من التوصل بسرعة إلى الاستنتاجات , أو

القلق , وفي الواقع , لم ير شيئاً هنا الليلة يثبت ظنونه . . . بل على

العكس . . .

أدركت روزي أن غارد يقول الحقيقة , لكنها ما زالت تشعر

بالتوتر والانزعاج .

ـ ذهب إدوارد الآن , عودي إلى النوم !

قالت وهي ترتجف :

ـ لا أستطيع . أنا خائفة يا غارد . ماذا لو عرف إدوارد و . . .

سمعت حفيف ملاءات السرير عندما استدار غارد إلى المصباح

يضيئه , ثم يقول لها بهدوء وهو ينظر إليها :

ـ لا شيء هناك لتخافي منه . . . ما هذا يا روزي ؟ هل تبكين

حقاً ؟ !

قال ذلك برقة بالغة .

هزت رأسها بسرعة , لكنها أدركت أنه لا بد رأى الشك يلمع في

عينيها . قالت بصوت مختنق :

ـ قلت لي إننا سنذهب إلى السجن .

أجاب مصححــاً :

ـ بل قلت إننا ربما نذهب .

رأت صدره يتسع وهو يجذب نفساً عميقاً . شعرت بقشعريرة

غريبة تسري في جسمها . لكنها اندفعت في الكلام تخمدها , فقالت

بصوت أجش :

ـ لم أكن أتصور أنني سأخاف من شخص مثل إدوارد .

ـ وأنا لم أكن أتصور أن يوماً سيأتي تعترفين لي بأنك خائفة من

أي شيء ! لا بأس , يا روزي . أعدك بأن كل شيء سيصبح على ما

يرام . تعالي . . .

عندما مد يديه يأخذها بين ذراعيه , منعتها الدهشة من الكلام .

منذ زمن بعيد لم يحتضنها أحد مواسياً ومخففاً عنها . أخذت تتساءل

بينما كان غارد يرد شعرها عن وجهها . همست تقول :

ـ ما زلت لا أستطيع التصديق أن إدوارد يفعل شيئاً كهذا . أن

يأتي إلى هنا في منتصف الليل لكي يتأكد . . .

قال مواسياً :

ـ كفى حديثاً عن ذلك . لقد ذهب الآن .

ـ نعم , أعرف ( ورفعت رأسها عن كتفه لتنظر في عينيه ) ولكن ,

لو لم يجدنا معاً يا غارد . . . لو أنك كنت نائماً على كرسي , أو لم

كنت أنا . . .

قاطعها بجفاء :

ـ مرتدية قميص نومك ! سبق وقلت لك , يا روزي , إنسي هذا !

ارتجفت فجأة ودفنت وجهها في كتفه , قائلة :

ـ لا أستطيع ! لا أستطيع !

ـ روزي !

لم تستجب لضغط يده على كتفها يبعدها عنه . لم تشأ أن تبتعد

عنه , لم تشأ أن تعود إلى ناحيتها الباردة الموحشة من السرير . لم

تشأ . . .

سمعته يحذرها برقة :

ـ روزي . . . إنك تعلمين ما سيحدث إذا لم تتركيني , أليس

كذلك ؟

تتركه ؟ اتسعت عيناها ذهولاً عندما أدركت ما يعنيه . إنها تريد أن

تبقى بجانبه كما هي الآن , بالضبط على مقربة منه .

ـ غارد . . .

أتراه سمع الاضطراب في صوتها ؟

اتسعت عيناها وهو يحيط وجهها بيديه , وعيناه أشد ظلاماً

وتألقاً . . .

عضت روزي باطن شفتها بأسنانها متوترة .

ـ لا تفعلي هذا !

سمعت غارد يتمتم بذلك , قبل أن ينحني ليعانقها . لم يسبق أن

عرفت روزي أحاسيس عميقة كهذه التي تشعر بها وهو يحتضنها .

كان تأثيرها أشبه بالصدمة .

ابتعد غارد عنها قليلاً وقال بصوت اختلطت فيه الرقة بالشك .

ـ هل تريدينني يا روزي ؟

ـ نعم .

ـ قوليها مرة أخرى .

قالت وهي تتشبث به .

ـ نعم ! نعم ! نعم !

ـ أتعلمين كم حلمت بأن أراك , جميلة ورقيقة . . . ؟ أنت حقاً

امرأة مكتملة . . .

كان وقع كلماته على قلبها كنار أذابته أكثر فأكثر .

عاد يردد :

ـ يا لك من ساحرة يا روزي ! لو لم أكن أعرفك لاعتقدت . . .

خنقت المشاعر صوت غارد فلم يكمل جملته . جرفهما الشوق

الدفين كل باتجاه الآخر . ولم يعد للتردد مكان في هذه اللحظة .

أدركت أنها أحبت غارد وأنه يحبها أيضاً . روعة تلك المشاعر

أثارت الخوف في نفسها . حبها لغارد كان شيئاً جديداً طرأ عليها .

اكتسحها الذعر مجدداً فأشاحت بوجهها عنه , شاعرة بالتوتر الذي

تملكه وجعله يبتعد عنها قليلاً لينظر إليها .

ـ روزي ! ما الذي . . .

دفعها التوتر إلى الاندفاع في الكلام , غير واثقة من أنها تريد أن

تسمع ما قد يقوله :

ـ حسناً , على الأقل لن يتمكن إدوارد الآن من الادعاء بان زواجنا

غير صحيح .

تصلب جسد غارد ثم قال باختصار وهو يبتعد عنها كلياً :

ـ هل هذا سبب كل ما حدث بيننا ؟!

أخذ يشتم بصوت خافت , ثم تابع يقول :

ـ يا إلهي ! . . . بينما أنا ظننت في الواقع . . .

ـ غارد !

هتفت باسمه مترددة , لكنه لم يكن يستمع إليها . . . حتى إنه لم

ينظر إليها . . . وتملكتها التعاسة وهو يبتعد عنها إلى الناحية الخالية

من السرير ثم يطفئ المصباح . قال متجهماً وهو يوليها ظهره :

ـ نامي يا روزي ! فقط نامي . . .

تكورت روزي بشكل كرة صغيرة حزينة . تملكها الألم واختنقت

بالدموع فلم تستطع أن تفسر له موقفها ومبلغ الصعوبة التي وجدتها

لتتعود على حقيقة مشاعرها نحوه . . .

لعله لم يشعر نحوها بنفس ما شعرت هي نحوه ! لعلها أخطأت

في التعبير ! ولكنه يعلم تماماً رأيها في الزواج وأنه لا يمكنها التمادي

مع أي رجل . . . دون حب !

وعندما ابتدأت الدموع تنهمر على وجنتيها , عضت شفتها بشدة

لتمنع نفسها من إصدار أي صوت ينم على ذلك .

* * *

فتحت روزي عينيها بحذر , لكن الأمر كان على ما يرام , كانت

وحدها في الفراش , ويبدو أنها وحدها في الغرفة أيضاً .

جلست ببطء , تلف حولها ملاءات السرير .

تحول الحذر إلى شوق كئيب وهي تنظر إلى مكان غارد الخالي

بجانبها .

كانت حمقاء الليلة الماضية عندما تركت غارد يبتعد عنها دون أن

تخبره بشعورها نحوه . أما اليوم , فسيكون الأمر مختلفاً . حدثت

نفسها بذلك متفائلة . ولكن , أين ذهب غارد ؟

أبعدت عنها أغطية الســــرير , ثم قطبت جبينــها حـــيــن تذكـــرت أن

ليس لديها ملابس نظيفة . عليها أن ترتدي ملابس أمس ثم تذهب إلى

غرفتها القديمة . ازداد تقطيـبـها عندمـا وقعت عينـاهـا على كومة من

الملابس الداخلية البيضاء على كرسي , هي ملابسها .

هنالك شخص مـــا , هـــو غارد بالتـأكيـــد , توقع ما هي بحاجة إليه .

وارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها .

كان غارد على صواب تماماً ! استقرت على هذا الرأي وهي

تخرج من الحمام بعد أن اغتسلت وارتدت ثيابها . لم تكن قمصان

نومها , وهي فتاة , تصلح حقاً لامرأة متزوجة ! ثم إنها ليست ضرورية

تماماً .

حاولت روزي , أن تبعد عن ذهنها هذه الأفكـــار غير اللائقة .

لكنها حين نظرت في المرآة , أدركت أن توهج وجهها وتألق عينيها

يفضحانها . وحين يراها غارد , سيتذكر على الفور الليلة الماضية .

فتحت باب غرفة النوم ورأسها يدور , ثم أسرعت تهبط السلم .

لم تتصور قط أن حبها لشخص ما سيثير مشاعرها إلى هذا الحد . لكن

غارد حبيب جداً إلى قلبها . تنفست بسعادة غامرة .

عندما و صلت روزي إلى أسفل السلم , كانت السيدة فرينتون

خارجة من غرفة المكتبة .

ـ أين غارد ؟

سألتها روزي بلهفة وعلى شفتيها ابتسامة سعيدة .

بدت الحيرة على وجه السيدة فرينتون لسؤال روزي وكأنه

أدهشها . قالت :

ـ لقد خرج , يا آنسة روزي . أمرني أن أتركك تنامين لأنك

أمضيت ليلة مزعجة , وأن أخبرك بأنه سيعود متأخراً هذه الليلة . قال

شيئاً عن تناوله العشاء مع زبون بالغ الأهمية في لندن .

شحب وجه روزي , وتحولت بهجتها إلى ارتباك .

لماذا لم يوقظها غارد ويقل لها شيئاً ؟ كيف يتركها بهذا الشكل

بعد الليلة الماضية , دون كلمة ؟ دون ذكر لما حدث ؟ بدا النهار أمامها

فارغاً , مليئاً بالساعات التي تمضي بطيئة بينما هي تنتظر عودة غارد .

سألتها المرأة :

ـ هل يمكنني إحضار الفطور لك ؟

هزت روزي رأسها صامتة وهي تبتلع غصة في حلقها .

بعد ذلك بعشر دقائق , كانت وحدها في المكتبة تنظر باكتئاب

من النافذة عندما انفتح الباب . فكرت لحظة في أنه غارد . انتعشت

روحها والتفتت بابتسامة ترحيب دافئة . لكن ليس غارد من دخل إلى

المكتبة وإنما إدوارد . قال :

ـ أليس غارد هنا ؟ حسناً , لا تقولي إنني لم أحاول تحذيرك . إنك

تعلمين سبب زواجه منك , أليس كذلك , يا روزي ؟

أرادت أن تطرده , لكن الكلمات التصقت في حلقها . وبدلاً من

ذلك , أشاحت عنه بوجهها , محاولة إسكاته بتجاهلها له . لكن

إدوارد ضحك بخشونة .

ـ إنك لا تريدين سماع الحقيقة , أليس كذلك ؟ ألا يمكنك

مواجهتها ؟ حسناً , يا عزيزتي روزي . علينا جميعاً , مع الأسف , أن

نواجه أموراً كريهة من وقت لآخر ! أنا , مثلاً , عندما علمت أنني لن

أرث هذا المكان , وجدت ذلك أمراً كريهاً للغاية .

قالت له بصوت غير واثق :

ـ إنك علمت شروط وصية جدي .

أجاب بلؤم :

ـ آه , هذا صحيح ! كما أنني لم أكن الوحيد الذي علم بذلك

حينذاك , أليس كذلك يا روزي ؟ ألم يســاورك الشك حين عرض غارد

عليــك الزواج ؟ كان يعــــرفك منذ زمن طويل , ولو كان يريدك لكــان

تقـــدم إليك . . .

قالت بغضب :

ـ ليس علي أن أستمع إلى كلامك هذا , يا إدوارد ! مشاعر غارد

ومشاعري وزواجنا هي أمور خاصة ليس لك شأن بها .

قال بمرارة :

ـ بل لي شأن بها . اكبري يا روزي وواجهي الحقائق , إنه

تزوجك لسبب واحد فقط , تزوجك لأجل (( مرج الملكة )) . وهو لن

يستقر حتى يطمئن إلى أن ولده سيرث . لو كان يحبك لتزوجك منذ

سنوات .

قال ذلك بغلاظة بينما شهقت روزي ذهولاً وقد شحب وجهها .

وزاد إدوارد من قسوته وهو يضيف :

ـ ولماذا يرغب فيك رجل مثله ؟ بإمكانه أن يحصل على أيه امرأة

يريدها . . . أية امرأة . لا أريد أن أجرحك , يا روزي . ( قال ذلك

متصنعاً رقة تثير الغثيان ) إنني فقط أحاول أن أساعدك . . . أحميك .

يمكنك أن تتركيه الآن , قبل فوات الأوان . اخبريه بأنك رأيت من

تصرفاته ما يدل على عدم حبه لك . إنك تعلمين أنه لا يريدك , أليس

كذلك يا روزي ؟ لو كان يحبك حقاً , لكان معك هنا الآن . هل

تعلمين حتى أين هو أو مع من ؟

لم تجرؤ روزي على الاستدارة نحوه وموجهته كيلا يرى الألم

في عينيها . لقد تزوجها غارد لأجل (( مرج الملكة )) . هذا صحيح

طبعاً . . . وهي تعلم ذلك . دائماً كانت تعلم . ما الذي جعلها بهذه

الحماقة لتظن العكس ؟

أتى صوت من جهة الباب :

ـ إدوارد , هـــــل لــــي بدقيقة من وقـــتـــك ؟ لم أعثـــــر على مفاتيح

سيارتي .

أحســـت روزي بالارتياح وهي تسمع صــــوت مرغريت آتياً من عند

عتبة الباب .

لاحظت تذمر إدوارد وهو يتبع زوجته إلى الردهة . أحست مجدداً

بالأسى على مرغريت لزواجها من رجل لا يحبها , متسائلة كيف

يمكنها احتمال البقاء معه ؟

لعل وضعها مع غارد يشبه على نحو ما وضع مرغريت مع

إدوارد .

لم يحبها غارد , بينما بلغت بها الحماقة أن ظنت أنه يحبها . . .

أو أن بإمكانه ذلك . إن تغير مشاعرها نحوه بهذا الشكل لا يعني أن

مشاعره هو أيضاً تغيرت . كيف تصرفت بكل ذاك الغباء ؟ وكيف

يمكنها أن تواجهه بعد الآن ؟ الحمد لله أن إدوارد جعلها , دون قصد

منه , تدرك الحقيقة قبل أن تخبر غارد بأنها تحبه .

ابتلعت ريقها بألم . وعلى الرغم من تحطم قلبها , فإن كرامتها

على الأقل ستبقى محفوظة . وإذا واجهها غارد بما حدث بينهما ,

ستقول له ببساطة إن ذلك كان بسبب خوفها من أن يكتشف إدوارد

الحقيقة .

* * * * * *

: : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : :


الساعة الآن 02:32 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.