![]() | #1 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ![]() ازيكم أعضاء روايتي الحلوين والحلوات اليوم مبارك بجد علينا وعليكم عشرأعوام أكمل منتدنا من سنينه عشرة قراءة ممتعة لكم جميعا ![]() لم أعد طفلة العدد : 213 للكاتبة : بيني جوردان الملخص : لم أعد طفلة على روزي ويندهام الزواج في غـــضون ثلاثة أشهر أو تحل الكــارثة ! ومع أنها جميلة ومحبوبة , فحياتهــــا خالية من رجل جاهز للزواج بهـــا , فمــا العمـــــل ؟ كان غارد جيميسن رجلاً نـــاضجاً وجذاباً . . . وأعـــزب , فلما لا (( تطلب يده )) ؟ . لم يكن هناك من سبب يدفع غارد للقبول وهو الذي طالما اعتبرهـا طفلة مضحكة , ولكنه وافق , وموافقته تعني أن هناك ثمناً غالياً على روزي أن تدفعـــه ! الرواية منقولة شكرا لمن كتبها التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 27-11-17 الساعة 07:30 AM | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #2 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() عدد الفصــول: 10 عناوين الفصول : 1 ـ أريــد زوجـــاً ! 2 ـ بــأمــر عينيه 3 ـ كيف يعامل الرجل المرأة ؟ 4 ـ الوجه الآخـــر للزواج 5 ـ امـــرأة لا طفلــة ! 6 ـ لم تستطــع الهرب 7 ـ بين عدوهـا وزوجهــــا 8 ـ غـــارد والحب 9 ـ آخـــر اللعبة . . . الندم ! 10 ـ نـــار من قلب الدموع : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #3 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 1 ـ أريــد زوجـــاً ! (( هل تتزوجني , غارد )) ؟ . أخذت (( روزي )) تــــذرع أرض غرفتها , وقد توترت ملامحها , وانقبضت يداهـــا , كمـا أظلمت عيناهــــا الزرقاوان , الصريحتان فــي العادة , وهي تكرر نفس الكلمات مرة بعد مـــرة بصـــوت خافت ومع ذلك ما زالت غير واثقة من أنها ستتمكن من قولها بصوت عــال : (( هل تتزوجني ؟ هل تتزوجني ؟ هل تتزوجني ؟ )) ها أنها قالتها , وإن لم تبد الكلمات بالحزم والتأكيد المطلوبين . على أي حال , اجتازت الآن الحاجز الأول , وبإمكانها إذن اجتياز الآخــر . . . هكذا أخذت تحدث نفسها بشجاعة . ابتلعت ريقها بصعوبة , ثم نظرت إلى التليفون القائم بجانب سريرها : (( لا فائدة من التردد , ومن الأفضــل الانتهاء من هذا الأمر الآن ! )) . ولكن ليس هنا ! ليس وحدها في غرفتها المنعزلة بينما هي . . . وحولت عينيها فجأة عن غطــاء السرير المزين بباقات الأزهار , بذوق الفتيات الصغيرات . فقد كانت في الرابعة عشرة عندما اختارته , بينما هي الآن في الثانية والعشرين تقريباً . في الثانية والعشرين ! ولكنها ما زالت بالسذاجة والبساطة التي كانت عليها . . . أو هكذا قيل لها . شعرت بغصة في حلقها , وهي تتذكر من قال لها هذه الكلمات . فتحت باب غرفتها , ثم أسرعت تهبط السلم . ستستعمل تليفون الغرفة التي كانت مكتب أبيها وجدها من قبل . من الأفضل أن تقول تلك الكلمات من غرفة المكتب تلك , فهذا يمنحها وزناً وكرامة . رفعت السماعة ثم أخذت تدير الأرقام , توتر جسمها وهي تسمع الرنين . ثم قالت للفتاة التي أجابتها من الطرف الآخر : ـ أريد (( غارد جيميسين )) , من فضلك ! أنا (( روزي وندهام )) . أخذت تنتظر الاتصال وهي تقضــم باطن شفتها السفلى متوترة . . . وهذه عادة تملكتها منذ طفولتها وظنت أنها تجاوزتها . ـ الأطفــال فقط يفعلون هذا , أمـــا النساء . . . كان هذا ما حذرها منه غارد عندما كانت في الثامنة عشرة . ثم سكت حينذاك ونظر إليها ساخراً , ما جعلها تســأله دون تفكير : (( مــاذا تفعل النساء ؟ )) . مال إلى الأمـــام وأشــار إلى شفتها السفلى المتورمة , ثم قال بالسخرية نفسهـــا : ـ النساء , يا روزي العزيزة البريئة , لا يكون هذا الأثر على شفاههن إلا بفعل عــاشق . . . لقد ضحك طبعاً لاحمرار وجنتيها . هذا هو غارد ! (( لو كان عاش في الزمن القديم , لكان قاطع طريق أو قرصاناً . . . رجلاً لا يهتم لأحد ويضع بنفسه قوانينه وأنظمته )) ! هذا ما كان يقوله جدها على الدوام . جدها الذي كانت تشعر أنه يكن له دوماً نوعاً من العطف رغم عدم اعترافه بذلك . ـ مــاذا تريدين يا روزي ؟ ماذا حدث ؟ دفعتها خشونة صوته إلى تشديد قبضتها على السماعة مدركة أنه ما زال يثير في نفسها الإضطراب . هذا رغم أنها تعلمت أثناء نضجها كيف تتجاهل تعليقاته الساخرة التي ما زال يعذبها بها أحياناً . لم يكن يتصرف على هذا النحو مع النساء الأخريات , بل كان يفيض معهن إحساساً ودفئاً . لكنه , طبعاً , لا يعتبرها امرأة , وإنما فقط . . . ـ روزي هل ما زلت على الخط ؟ . أعادها الضيق الذي بدا على صوته , إلى الواقع . تنفست بعمق : ـ نعم , ما زلتُ هنا ! غارد . . . هناك شــيء يا غارد أريد أن أســألك عنه الآن . . . ـ لا أستطيع الكلام الآن , يا روزي ! إنني بانتظار مكالمة هامة . اسمعـــي ! سأزورك هذه الليلة ونتحدث في ما تريدين . شعرت روزي بالذعر , وقالت على الفـــور : ـ لا ! لا ! تريد أن تســأله من مسافة بعيدة . إنها لا تريد أن تعرض عليه الزواج وجهاً لوجه . وغصت بريقها , لكنه كان قد وضع السماعة فلم تستطع إخباره بأنها لا تريد رؤيته . عندما وضعت سماعتها , أخذت تحدق في أنحاء الغرفة بحزن . أربعمائة عام من التاريخ تنام في هذه الغرفة من هذا المنزل الذي أنشــئ هنا منذ وهبت الملكة اليزابيت الأولى قطعة الأرض لـ بيبرس ويندهام , هدية مقابل خدمات أداها لها . هكذا قيل رسمياً , لكن الشائعات حينذاك قالت إنها مقابل علاقة شخصية حميمة . أطلق (( بيرس )) على المنزل اسم (( مرج الملكة )) اعترافاً منه بكرم اليزابيت . لم يكن منزلاً فخمــاً , حتى ولا فسيحاً . لكنه في نظر روزي كان فسيحاً للغاية بالنسبة إلى شخص واحد , أو حتى أســـرة واحدة . . . خصوصاً عندما علمت أثناء عملها في الملجـــأ كم من الناس دون مأوى وفــي حاجة ماسة إلى سقف فوق رؤوسهم . آخر مرة طرقت هذا الموضوع مع غارد , قال لها ساخراً معنفاً : ـ لو كان لك الخيار ماذا كنت ستفعلين ؟ تسلمينهم المنزل ؟ ثم تتفرجين عليهم وهم ينتزعون خشب الجدران ليستعملوه حطباً في المدفــأة ؟ تتفرجين عليهم وهم . . . ؟ . احتدت حينذاك بغضب : ـ هذا ليس إنصافاً ! أنت غير منصف . . . حتى (( رالف )) , المسؤول عن الملجــأ , قال في أكثر من مناسبة إنها غير واقعية , وإنها مبالغة في المثالية ورقة القلب , كما أن ثقتها بالآخرين هي أكثر مما يجب . خُـــيل إليها أن رالف يميل إلى احتقارها , إذ كان , منذ البداية , عدائياً نحوها , ساخراً من بيئتها التي نــشأت فيها ولهجتها المميزة , مديناً ثروتها وأسلوب حياتها , مقارناً كل ذلك بحياة أولئك القانطين في الملجــأ . قال ذات مرة , هازئاً : ـ إن قيامك بعمل إنساني يجعلك تشعرين بالرضى عن نفسك , أليس كذلك ؟ . فــأجابت حينذاك بصدق : ـ هذا ليس صحيحاً ! لأن أموالي , أو ثروتي كما تحب أن تسميها , هي . . . تحت الوصاية , ولا يمكنني التصرف بها حتى لو رغبت في ذلك . وأعتقد أنني إذا سعيت إلى عمل (( حقيقي )) , أي عمل بأجر , أكون سلبت ذالك العمل من شخص بحاجة إليه ليعيش . تحسنت الــعلاقة بينهما هذه الأيام كثيراً , رغم أنهما كانا شديدي الكراهية لبعضهما البعض , والأحرى القول إن رالف هو الذي يكره غارد , ذلك أن غارد لم يكن يعبر عن مشاعره تجاه أي كان . وفي الواقع , كان الشك يساورها أحياناً في أن غارد قد عرف حقاً المشاعر البشرية في حياته . إنها تعلم مبلغ كراهية رالف الذهاب إلى غارد كي يطلب مساعدة مالية للملــجأ , لكن غارد كان أغنى رجل في المنطقة , وأعماله أكثر الأعمـــال رواجاً . قال لها أبوهـــا ذات مرة : ـ إنه مزيج نادر جداً ! إنه مقاول ناجح للغاية , كما أنه رجل نزيه وذو مثل عليا ! أمـــا رالف فكان يدعوه (( بغلاً متعجرفاً )) . ـ جذاب ! همست بذلك إحدى زميلات روزي القديمات في المدرسة عندما جاء لزيارتها . كانت متزوجة , وقد سئمت زوجها على ما يبدو . فقد نظرت إلى غارد بنهم مكشوف لم تجده روزي محرجاً فحسب , بل مذلاً أيضاً . كانت سارا , بنظراتها المحرقة التي أخذت تلقيها على غارد باستمرار , والتلميحات والإيماءات المكشوفـــة , وبعض الملامسات المتعمدة , تبرز , بشكل ما , عدم نضج روزي , مبررة بذلك ما اعتاد غارد أن يوجهه إليها من انتقادات ساخرة . هي تعلم جيداً أن غارد يظنها ساذجة غافلة . . لا بأس ! فلتتحمل تعليقاته وسخريته المربكــة , والمؤلمة أحياناً , لكنها سبق وعاهدت نفسها منذ زمن طويل ألا تندفع في علاقة غرامية من خارج مشروع الزواج , ومع رجل له مثل مشاعرها , رجل يحبها ولا يخجل من الإعتراف بحبه , مــا يجعلها تتخلى معه عن تحفظاتها وتكشف له عن الجانب العاطفي من طبيعتها . إنها لم تقابل ذلك الرجل حتى الآن , وستعرفه عندما تقابله , لكنها غير مستعجلة , على كل حال . فهي ما زالت عذراء في الحادية والعشرين . في الحادية والعشرين وعلى وشك عرض الزواج على رجــل . . . ليس بالتأكيد من النوع الذي تطلبه ! نظرت إلى ساعتها , إنها الرابعة ! كانت تعلم أن غارد غالباً ما يبقى في مكتبه فترة طويلة بعد مغادرة الآخرين . وهذا يعني أنه لن يــأتي إليها قبل السابعة أو حتى الثامنة . كل تلك الساعات للانتظــار ! . . . ولتهيئ نفسها لعرض الزواج ذاك ! واحمر وجهها ضيقاً . ماذا سيقول ؟ سيضحك منها دون شك ! كل ذلك كان ذنب محاميها ! لو أن (( بيتر )) لم يقترح . . . وسارت نحو النافذة وهي تتذكر آخر كلمات بيتر قبل أن يخرج : ـ عديني بأن تسأليه , على الأقل , يا روزي . حينذاك أجابته غاضبة : ـ ولماذا أضحي بنفســي لأنقذ هذا البيت ؟ هذا غير ممكن حتى ولو كنت أريده . . . أنت تعرف شعوري . رد عليها بيتر معترضـاً : ـ أنت تعلمين ما الذي سيحدث إذا ورثه (( إدوارد )) . سيهدمـه بالتأكيـــد وهو يشعر بالسرور . ـ وأيضــاً ليعود إلى منزل جدي . نعم , أعلم هذا . كان إدوارد ابن عم أبيها . وقد تشاجر مع جدها قبل أن تولد روزي بوقت طويل , شجاراً خطيراً بسبب سلوكه والمال , كان من نتيجته أن منعه الجد من وضع قدمه في هذا المنزل مرة أخرى . لكل أسرة نعجتها السوداء , كما يقال , وأسرتهم غير مستثناة من ذلك . حتى وهو في منتصف عمره الآن , وبالرغم من مظهره المحترم وزواجه , ثمة شــيء غير سار في شخصية إدوارد . قد لا يكون تجاوز القانون في معاملاته المالية , ولكنه بالتأكيد تجاوز حدوده تحت ستار الظلام غير مرة , كما اعتاد أبوها أن يقول أبوهــا . . . أشاحت روزي بوجهها عن النافذة , ونظرت نحو الـمكتب . كانت صورة أبيها الفتوغرافية ما زالت فوقه . صورة أخذت له بالبذلة العسكرية قبل موت أخيه الأكبر بوقت قصير . لقد ترك الجيش , حينذاك , وعاد إلى البيت ليكون بجانب أبيه . . . ولم يكن هو نفسه غريباً عن الموت منذ وفاة والدة روزي . كان المنزل (( مرج الملكة )) يعني الكثير بالنسبة إلى أبيها وجدها . كانت هي تحب البيت طبعـــاً ــــ ومن ذا الذي لا يحبه ؟ ــــ وإنما دون شعــور بالتملك . لم يكن ما شعرت به وهي تجول في حجراته , هو الزهو , وإنمــا الشعــور بالذنب . يا ليت الأمــور كانت غير ما هي عليه الآن ! يا ليت إدوارد غير ما هو عليه ! إذن , لغادرت هذا المنزل بسهولة وسرور واشترت أو استأجرت لنفسهــا شقة صغيرة في المدينة ومنحت كل وقتهـا واهتمامها للعمل في الملجـــأ . ولكن كيف بإمكــانها أن تفعل ذلك الآن ؟ لقد حذرهــا بيتر حينذاك , قائلاً : ـ سيهدم إدوارد المنزل . سيجمع أولاً كــل ما يستحق البيع من محتوياته ثم يهدمه حجراً بعد حجر , ثم يبيع الأرض لأحد أصدقائه المقربين الذي سوف . . . قاطعته محتجــة : ـ كلا ! لا يمكنه القيام بذلك . المنزل مسجــل تراثياً و . . . ـ حسب معرفتي بإدوارد , لن يصعب عليه أبداً العثور على من يدعي أن البنائين أساوؤا فهم التعليمات التي أعطيت لهم . هل تظنين أن هذا البيت سيصمد طويلاً عندما يهاجمه نصف (( دزينة )) من الرجال مع (( بلدوزراتهم )) ؟ وطبعاً , لن تكون لإدوارد أية صلة بما حدث ! إنه يكره جدك , يا روزي , وهو يعلم كم كان هذا المنزل غالياً عليه وعلى أبيك . قالت روزي متنهدة : ـ كثيراً جداً ! لا , يا بيتر , هذا المكان أكبر من أن تسكنه أســرة واحدة , مهما يكن مقدار جماله . . . آه ! لماذا لم يستمع جدي إلــي ويسجله مؤسسة خيرية ؟ لماذا لم يفعل ذلك ؟ . ـ أنت إذن لا تهتمين بما يحدث للمنزل ؟ إلا يهمك أن يرثه إدوارد ويدمره . . . يدمـر أربعمئة عام من التاريخ ؟ . قالت متبرمـــة : ـ طبعاً يهمني ! ولكن ماذا بإمكاني عمله ؟ إنك تعرف شروط تلك الوصية الحمقاء , التي تركها جدي , كما أعرفها : في حال وفاة ولديه قبله , يذهب منزله ومزرعته إلى أقرب أقربائه بشرط أن يتزوج خلال ثلاثة أشهـر من وفاته ويصبح قادراً على إنجاب وريث . لقد كتب تلك الوصية منذ سنوات بعد وفاة عمــي توم , ولو أن أبــي لم . . . سكتت حينذاك مختنقة بالدموع . لم تكن استوعبت بعد فكــرة وفاة أبيها بنوبة قلبية قبل أسابيع فقط من وفاة جدها بعد إصابته بغيبوبة توفي على أثرها . ثم قالت بــأسف : ـ شروط تلك الوصية مكتملة جميعها في إدوارد . . . قاطعها بيتر بهدوء : ـ إنك أقرب أقــرباء جدك . أجابته حينذاك , بجفــاء : ـ نعم , لكنني لست متزوجة , ومن غير المحتمل أن أتزوج , على الأقــل ليس خلال الأشهــر الثلاثة القادمة . حينذاك قال بيتر بثقة : ـ بل يمكنك عقد زواج مصلحة . زواج لغرض محدد يمكنك من استكمال شروط وصية جدك . زواج يمكن إنهاؤه بسرعة وسهولة . ـ زواج مصلــحة ؟ وحدقت به روزي باهتمام . بدا لها الأمر وكــأنه من إحدى الروايات الخيالية التي تحب قراءتها . موضوع شــاعري جميل لكنه لا يحدث في الحياة الواقعية . ـ لا ! قالت ذلك بانفعال واستنكــار , وهي تهز رأسهــا بعنف جعل خصلات شعرها السوداء تترامى على كتفيها . دفعتها عن وجهها بضيق . كان شعرها آفة حياتها . . . أسود داكناً متمرداً يضج حيوية ؛ ولطالمـا دعاها جدها , وهو يدللها , بالغجرية الصغيرة . لكنها كلما حاولت ترويضه وتنظيمه , كان يثور ويعود إلى شكله السابق , كومة من الخصل الجعدة حالما ينغلق باب الحلاقة خلقها . وهكذا تخلت في النهاية عن كل محاولة للسيطرة عليه . ـ هذا مستحيل ! وحتى زواج المصلحة , يحتاج إتمامه إلى شخصين . وأنا لا أعرف شخصــاً يقبل . . . لكن بيتر قاطعها , حينذاك , قائلاً : ـ أنا أعــرف . أتراها سمعت نبرة شؤم في هذه الكلمات , أم أنها تخيلت ذلك ؟ سكتت وهي ترفع بصرها إلى وجه محاميها , بارتياب ثم سألته بحـــذر : ـ من ؟ ـ غارد جيميسن ! ما إن قال ذلك حتى انهارت جالسة على السلم وهي تقول بحــزم : ـ لا ! أبداً هذا غير ممكن ! . لكنه تابع يقول بحماسة وكأنه لم يسمع اعتراضها : ـ إنه اشخص الناسب تماماً ! وهو على أي حال , لا يخفي رغبته في امتلاك هذا المنزل . أجابت بجفاء وهي تتذكر كم من المرات كان غارد يزعج جدها متوسلاً إليه أن يبيعه المنزل : ـ أبداً ! إذا كان يريد هذا المنزل حقاً , يمكنه إقناع إدوارد ببيعه . رفع بيتر حاجبيه : ـ هيا , يا روزي ! أنت تعلمين أن ادوارد يكره غارد بقدر ما كان يكره جدك تقريباً . تنهدت روزي . كان هذا صحيحاً ! ذلك أن غارد وإدوارد عدوا مصلحة قديمان . وكما قال أبوها في أكثر من مناسبة : لم تحدث بين الرجلين مواجهة , إلا كان غارد هو الرابح . قالت : ـ نعم ! ومجرد معرفته بمبلغ حب غارد لهذا المنزل , يقوي رغبته في هدمـــه . ـ إن حديثنا يتناول فقط بعض الترتيبات العملية بينكما , أنتما الاثنين . بعض الاجراءات الشكلية البسيطة التي تمكنك من استيفاء شروط الوصية , وفي الوقت المناسب , يمكن فسخ الزواج . يمكنك أن تبيعي البيت لغارد و . . . فسألته بارتياب : ـ في الوقت المناسب ؟ كم من الوقت يستغرق ذلك ؟ . ـ سنة أو سنتين . . . لا أظن أن هناك شخصاً آخر تريدين الزواج منه , أليس كذلك ؟ وإلا لما كان هناك مشكلة أو حاجة للزواج من غارد . قالت بحـــزم : ـ لا يمكنني القيام بذلك , الفكرة كلها تبدو لــي كريهة منفرة . ـ حسناً ! عليك إذن أن توطني نفسك لقبول حقيقة أن إدوارد سيرث . لقد مضى على وفاة جدك شهــر تقريباً . قالت متجاهلة قول بيتر : ـ لا يمكنني القيام بذلك . لا يمكنني أن أطلب من رجـــل أن يتزوجني , خصوصــاً غارد . . . ضحك بيتر حينذاك : ـ إنه عرض عملي , ليس إلا . فكـــري في ذلك , يا روزي . إننــي أعرف تذبذب مشاعرك نحو المنزل (( مرج الملكة )) , لكنني لا أصدق أنك تريدين أن تري إدوارد يهدمــه . ـ لا ! لا أريد ذلك بالتأكيــد ! . ـ ومــاذا ستخسرين إذن ؟قالت عند ذاك : ـ حــــريتي ! عند ذلك ضحك بيتر : ـ آه , لا أظن غارد سيتدخــل في هذا الأمر . إنه أكثر انشغالاً من أن يهتم بما تفعلين . عديني بأن تفكري في الموضوع على الأقل , يا روزي . إنني أفعل هذا لأجلك , لأنك إذا سمحت لإدوارد بهدم المنزل , فلن يمكنك التخلص من الشعور بالذنب . فسألته بجفــاء : ـ هل تخدمني بابتزازي ؟ . وإذ بدا عليه , حينذاك , شـــيء من الضيق , قالت : ـ لا بأس . ســأفكــر في الأمــر . وأخيراً , فعلت أكثر من مجرد التفكير في الأمر , كما اعترفت روزي وهي تعود بأفكارها إلى الحاضر . ـ المشكلة معك هي أنك أرق قلباً مما يجب أن تكونــي . كم من المرات سمعت هذا الإتهام يوجه إليها على مر السنين ! مرات لا تحصى ! لكن بيتر على حق . لا يمكنها أن تدع إدوارد يدمر المنزل من دون أن تحاول منعه , بتضحيتها بنفسها ! وارتسمت على شفتيها ابتسامة حين التمعت في ذهنها فكرة ماكرة . يا لخيبة غارد لو أنه تمكن من قراءة أفكارها ! كم من النساء يعتبرن , مثلها , الزواج منه تضحية . . . ؟ لسن كثيرات . . . حتى ولا واحدة , على ما تعتقد . حسناً إنها فتاة غريبة إذن . . . وشاذة بحيث أنها , لسبب ما , لم تستطع أن ترى فيه أية جاذبية كسائر النساء . إنها إذن حصينة إزاء مواهبه التي تنهار أمامها النساء . . . تنضح أعينهن رهبة وهن يهذين بشكله المثير وعينيه الملتهبتين . . . بفمه وكتفه وجسمه , وشخصيته المهيبة وهالة الغموض التي تحيط به . من الغريب أن آخر شــيء كن يذكرنه هو ثروته ! حسناً , لا يمكنها أن ترى فيه ما يجذبها عاطفياً . فهو بالنسبة إليها خنزير ساخر متغطرس لا يسره شــيء أكثر من جعلها موضعاً للهزل . أثناء حفلة عشاء منذ شهر واحد فقط , قالت لها المضيفة إن ابن عمها يرغب في الجلوس بقربها أثناء العشاء . مال غارد نحو روزي , وكان قد سمع الحديث , قائلاً بتهكم : ـ إذا كان يرجو أن يجد امرأة تحت هذه الكتلة الشعثاء من الشعر , وهذا الثوب المضحك الذي ترتديه , يا روزي , سيصاب دون شك بخيبة أمل مرة , أليس كذلك ؟ . ولما كان (( الثوب المضحك )) الذي أشار إليه عزيزاً جداً عليها , إذ صنعته بنفسها من قطع قماش أحضرتها من المبرات الخيرية , فأصلحتها وغسلتها ونسقتها بكل فخر واعتزاز ــــ إذ كان الأمر كذلك , فقد رمقته بنظرة بالغة المرارة وهي تقول : ـ ليس كل الرجال يحكمون على المرأة من خلال إغرائها , يا غارد ! . فكان أن أجاب حينذاك , دون اهتمام بمشاعرها : ـ هذا من حسن حظك ! لأنك , حسب الأقاويل , ليس لديك أدنى فكـــــرة عن هذا الموضوع ! . احمر وجهها طبعاً , ليس فقط لما قاله فهي , على كل حال , لا تشعر بالخجل لأنها غير مستعدة لإقامة علاقات عابرة ولكن للطريقة التي كان غارد ينظر بها إليها . . . للسخرية البادية في عينيه , وأيضاً للصورة المفزعة التي مرت للحظة في خيالها إذ تمثلته مع إحدى عشيقاته المغـــرمات ! نبذت هذه الصورة من ذهنها على الفور , لائمة نفسها على خيالها الخصب وتهويماتها المزعجة . ذاك المساء , كانت قد تابعت الجدال مع غارد , قبل أن يغادر المنزل مع شقراء رائعة الجمال والأناقة كانت بصحبته . كانت قالت له و هي ترفع ذقنها الصغير تحدياً : ـ على كل حال , من الأصوب هذه الأيام عدم إقامة علاقات عاطفية . أجابها بلطف موافقاً : ـ من المؤكد أن الظروف الحالية مناسبة جداً للتهرب والاختباء , خصوصــاً . . . ـ خصوصاً ماذا ؟ فقال متهكماً : ـ خصوصاُ في مثل وضعك ! ومنعتها عودة صاحبته من قول أي شــيء آخر , حينذاك . زواج مصلحة من غارد ! ستكون مجنونة إذا سمحت لبيتر أن يقنعها بهذه الفكرة الحمقاء . لكنه كان قد أقنعها بذلك ولم يعد بإمكانها التراجع الآن . هل رغبة غارد بتملك منزل (( مرج الملكة )) تكفــي لكي يوافق ؟ ـ حسناً يا روزي , ما سبب مكالمــــتك إذا كنت تسعين إلى هبة أخرى منــي لمؤسستك الخيرية تلك ؟ عليك أن تعلمـــي أنني , حالياً , لا أشعر بأية رغبة في العطــاء . . . أخذت روزي تنظر إليه صامتة وهو يدخــل الردهة . كان قلبها يخفق بقوة وكــأنه على وشك أن يخترق صدرها . لم تتذكر أنها شعرت من قبل بمثل هذا التوتر . . . حتى ولا عندما علم جدها بتسللها خفية في إحدى الليالي لســرقة السمك من مزرعته مع كليم أنجرز . كادت تغرق في تداعياتها ولكنها ما لبثت أن عادت بأفكـــارها إلى الواقع , بحزم . حضر غارد مبكــراً أكثر مما توقعت . حضر ببذلته الأنيقة الغالية الثمن , وقميصه القطني المنشى الناصع البياض , ولو لم يكن مألوفاً لديها بهذا الشكل لوجدت ذلك مثبطاً جداً لعزيمتها . لكن غارد قد يكون مثبطاً حتى في ملابسه العادية , على ما حدثت نفسها . ولم يكن هذا بسبب طول قامته , حتى ولا عرض كتفيه وعضلاته المشدودة التي طالما تأوهت صديقاتها لرؤيتها . بل كان هناك شــيء يتعلق بغارد نفسه . . . شــيء معين لا تدركه الحواس . . . هو الذي يجعله مختلفاً عن غيره من الرجال . . . هالة من القوة والسيطرة , من . . . الرجولة الخالصة التي تعترف بها روزي نفسها . كانت تشعر بها إنما لا تنجذب إليها , كما ذكرت نفسها بحدة . لا يمكن أبداً أن تنجذب إلى غارد , فهو ليس نموذجها المفضل بين الرجال . إنها تحب من الرجال الرقيق الدافــــئ العواطف . . الأليف , والأكـــثر . . . إنسانية , والأقـــل . . . الأقــل هوســـاً . وتنحنحت متوترة . ســـألها بجفــاء : ـ مــاذا حدث ؟ إنك تحدقين في كأنك تحدقين في كلب ! . ردت عليه بحدة وألم : ـ أنا لست خائفة منك ! . ـ أنا مسرور جداً لسماع ذلك . علي أن أستقل الطائرة إلى بروكسل عند الصباح , يا روزي , ولدي حقيبة يد مليئة بالمستندات لأقــرأها قبل ذلك . أخبريني فقط ماذا تريدين , يا فتاتي الطيبة , إنما لا تتراجعي الآن قائلة إن الأمر غير هام . نحن الاثنين نعلم جيداً أنك ما كنت لتتصلي بي لو كـــــان الأمر عادياً . قطبت جبينها قليلاً للسخرية البادية في صوته , لكنه كان ينظر إليها بنفاذ صبر وهو يفك أزرار سترته ويحل ربطة عنقه . وعندما ركزت نظراتها على حركات يديه , شعرت بالإنقباض في قلبها يشتد . ـ هيا , يا روزي ! لا أريد أية ألاعيب ! مزاجي , حالياً , لا يحتمل هذا . ذكــرها تحذيره الشفهي المصحوب بنظرته العنيفة الثاقبة , بزلتها القديمة مع (( كليم أنجرز )) وعقابه القاسي لهما . ابتلعت ريقها متوترة . فات أوان التراجع الآن . استجمعت شجاعتها وجذبت نفساً عميقاً . ـ غارد ! أريدك أن تتزوجــــني . . . * * * * * * : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #4 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #5 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 3 ـ كيف يعامل الرجل المرأة ؟ ســألت روزي غارد , وهي تنهض وتسير لتقف عند نافذة المكتبة . ـ هل من المفروض أن يكون احتفالاً كنسياً ؟ كانت قد فوجئت بحضوره منذ نصف ساعة . ذلك أن الساعة التاسعة من صباح يوم السبت ليست وقتاً معتاداً لاستقبال الزائرين . ـ زائرين ؟ قال غارد ذلك بلهجة مطاطة عندما أخبرته بذلك . وبسرعة , تخللت شعرها الجعد بأصابع إحدى يديها , بينما حاولت خلسة أن تلعق ما سال على أصابع اليد الثانية من المربى . في حياة جدها , كانت وجبة الفطور , خصوصاً أثناء عطلة نهاية الأسبوع , أمراً شبه رسمي , يقدم في غرفة الطعام . ولكن , منذ أن أصبحت وحدها , تعودت أن تأكل في المطبخ الواسع . كما أصبحت السيدة (( فرينتنون )) تأتي مرة واحدة في الأسبوع بدلاً من الحضور يومياً للتنظيف و المطبخ . ذلك أن روزي أخذت تشعر بالذنب لاستخدامها امرأة في أعمال الطبخ والتنظيف بينما تستطيع أن تفعل ذلك بنفسهـــا . ـ عزيزتي روزي , نحن على وشك الزواج , والمفترض في نظر الناس أننا غارقان في الحب . ليس الغريب زيارتي الباكرة , بل عدم قضائي الليل بطوله هنـــا . تملك روزي الضيق عندما شعرت بحمرة الخجل تصبغ وجهها . قــال : ـ برنامجي مليء بالعمل , وهناك أمور معينة علينا أن نناقشها قبل أن يعلم سائر الناس خبرنا . سألته غاضبة وهو يتبعها إلى غرفة المكتبة : ـ ولماذا على الآخرين أن يهتموا بما نفعل ؟ أم أنك تعني بسائر الناس صديقاتك العزيزات ؟ لكن النظرة التي رمقها بها سرعان ما أسكتتها . كان غارد , مثلها يرتدي ثياباً عادية . لكن مشيته كان لها تأثير مغناطيسي غريب . شعرت بالارتياح عندما جلس أخيراً على إحدى كراسي المكتبة . أجابها الآن عن سؤالها الأســاسي : ـ نعم , هذا يهمُّهنَّ ! ما هو اعتراضك ؟ . ـ حسناً ذلك فقط . . . وهزت كتفيها بضيق , لا تريد أن تعرض نفسها للمزيد من سخريته . فهي تشعر على نحو ما بأن من الخطـــأ , إجراء الزواج في الكنسية , بينما يعلمان تماماً أن زواجهما هو مجرد مصلحة . قال يلح عليها : ـ ذلك فقط مــاذا ؟ ـ إنه فقط . . . أن العرس في الكنسيــة مربك , بــالغ الضوضـــاء والتعقيد و . . . احمر وجههــا أمام نظرته الباردة . في وضوح هذا النهار الصــافي المــشــمــس , بدا مستحيلاً أن تكون هاتان العينان الباردتان هما نفس العينين اللتين رأتهما الليلة الماضية تتحرقان رغبة وشوقاً . حولت عينيها عنه بسرعة . كانت حدثت نفسها الليلة الماضية , بعد ذهابه , بأن مـا حدث بينهما من عناق لن يتكرر , غارد فعل ذلك بسبب إدوارد , وبإمكانها أن تشكره على عمله . . . لكنه أمر لا ينبغي أن يتكرر على الإطلاق . ـ كفى مراوغة يا روزي . إنك لا تريدين الزواج في الكنسية لأنه زواج غير حقيقي . هذه هي شخصيتك ومفاهيمك المشوشة عن الحياة . حاولي أن تفكري في الأمور بمنطق , أنا وأنت , على اختلاف طبعينا , لدينا مكانة معينة في المجتمع , سواء أحببت ذلك أم لا . إدوارد لن يكون مسروراً لما ستقوم به , ونحن نعلم ذلك , ولا فائدة من زيادة شكوكه . تفضلين احتفالاً صغيراً بسيطاً , ولا ضـــرورة لأن يكون كنسياً , أليس كذلك ؟ أما بالنسبة للضوضاء والتعقيدات , دعي ذلك لي . من الأفضل أن تطلبي من السيدة فرينتون أن تأتي إلى هنا للعمل في البيت طوال النهار . ـ لماذا ؟ إنني لا أستعمل سوى بضع غرف و . . . ـ هذا صحيح . ولكن بعد الزواج علينا القيام بواجبات الضيافة . لدي شركاء في العمل يريدون أن يتعرفوا إلى عروسي . فإذا لم تكوني مستعدة لترك عملك في الملجأ لتبقي في المنزل طوال النهار . . . تترك عملها في الملجأ ؟ وقالت بعنف : ـ لا ! بكــل تأكيد ! . ـ اتصلي إذن بالسيدة فرينتون أخبريها بأننا سنتزوج وبأنني ســأنتقل إلى هنا واطلبي منها أن . . . ـ تنتقل إلى هنا ؟ فقال ســاخراً : ـ من الطبيعي بالنسبة إلى زوجين أن يعيشا تحت سقف واحد . إلا إذا كنت تريدين الانتقال إلى شقتي . بالرغم من . . . شقته ؟ أخذت روزي تحدق فيه . عندما عرض عليها بيتر في البداية فكرة الزواج من غارد لم يخطر ببالها سوى ذاك الحرج من مفاتحته في الأمـــر . قالت بذعر : ـ لكننا لا يمكن أن نعيش معاً !. ـ لا يمكننا ماذا ؟ آه , هيا , يا روزي , كم تبلغين من العمر ؟ لا يمكنك أن تكوني بهذه السذاجة ! لا يمكنك أن تقنعي الناس بأن هذا زواج حقيقي إذا كنا نعيش في منزلين منفصلين . كوني عاقلة ! قالت بضعف وهي تسمع نبرة السخط في صوته : ـ لم يذهب تفكيري , في الواقع , إلى ذلك الحد . أردت فقط أن . . . قاطعها بلهجة لاذعة : ـ أرادت فقط إنقاذ البيت من إدوارد . أعلم هذا . إنك في الثانية والعشرين من عمرك تقريباً , يا روزي . ألم يحن الوقت بعد لكي تكبــــري ؟ أجابت ساخطة : ـ إنني كبيرة . وأنا راشدة الآن , يا غارد و . . . ســألها بنعومة : ـ و . . . ماذا ؟ امرأة ؟ . ـ نعم ! قالت ذلك بعنف وهي تنظر إليه يروح ويجيء في الغرفة , ثم يرمقها بنظرة آمــرة : ـ استديري وانظري إلى نفسك في تلك المرآة , ثم أخبريني بما ترين . فكرت في أن ترفض , لكنها عندما تذكرت مبلغ السرعة والسهولة التي قهرها بها الليلة الماضية , امتنعت عن ذلك . وهكذا اضطرت للقيام بما طلبه منا , وأخذت تحدق , ليس في صورتها في تلك المرآة الضخمة , بل فيه هو . كم هو طويل بالنسبة إلى قصر قامتها ! ومــا أقوى عضلاته الواضحة من تحت قميصه الصوفي الرقيق ! أما هي فكان قميصها فضفاضاً وفتحة عنقه واسعة , ما كشف بوضوح عن رقة عظامها الهشة . أبرز القماش الصوفي الأسود الناعم , بشكل ما , بياض بشرتها الشفاف , واستدارة صدرها . قال ســاخراً : ـ امرأة ! إنك تبدين فتاة صغيرة ! قد تصبحين امرأة بعد سنوات , يا روزي , لكنك ما زلت مختبئة خلف طفلة بمظهرها وسلوكها . ( ومد يده محاولاً ملامسة فمها , لكنها أمسكت بمعصمه تبعد يده عنها , وقد أظلمت عيناها غضباً وذهولاً ) . لا أحمر شفاه , ولا أي نوع من مواد التجميل . أجابت باحتجاج : ـ إنه صباح السبت . أما ما لم تخبره به , أو ما لم تستطع أن تخبره به , فهو أنها غادرت سريرها للتو , وأنها لم تستطع النوم في الليلة الماضية . . . لأنها . . وأحست بأثر لمسته تحرق شفتها , فعضتها بحركة غريزية . تابع غارد يقول بقســوة : ـ لا زينة على الوجه ! وتتعمدين بملابسك هذه إخفاء معالم الأنوثة . هل سبق لرجل أن لمســك ؟ ـ ليس علي أن أعتذر لك أو لأي شخص آخر لعدم رغبتي في إطلاق العنان لنفسي في علاقات عابرة . وهذا لا يعني أنني غير ناضجة , أو أنني أقل من امرأة . ـ هذا صحيح . لكن احمرار وجهك , وهربك مني , وجهلك الواضح بالجنس الآخر . . . كل هذا يقول إنك لست امرأة , يا روزي . وسيقولون بالتأكيد إنك غير متزوجة . قالت بحدة وهي تشيح بوجهها لئلا يرى احمرار وجهها أو الألم الذي خلفته كلماته : ـ حسناً , لا يمكنني فعل شيء بالنسبة لهذا الأمر . أليس كذلك ؟ إلا إذا اقترحت علي أن أخرج وأفتش عن مغادرة طائشة كي لا أحرجك بنقص . . أنوثتي وخبرتي ! . ـ يا إلهي ! لو رأيتك . . . شهقت وهي تراه يمسك بها يهزها بعنف , ثم يتركها فجأة . لم تجد وقتاً لتفتح فمها احتجاجاً على خشونته هذه , وهو يقول غاضباً : ـ إننا لا نقوم بلعبة , يا روزي ! بل هي حقيقة . . . وحقيقة خطرة للغاية ! هل فكرت في ما قد يحدث لي ولك إذا ما أقام علينا إدوارد دعوى احتيال ؟ ـ إنه لن يفعل . . . لا يستطيع أن يفعل هذا . ـ لقد رأيت مظهر وجهه , كما رأيته أنا عندما علم بأنه لن يرث المنزل . أي تلميح إلى أن هذا الزواج زائف , يجعله يسرع إلى إرسال محاميه إلينا . . . قالت وهي ترتجف : ـ لكنه لن يستطع أن يعلم . لا يمكنه إثبات شــيء . ـ نعم , هذا صحيح إذا تمسكنا بالحذر , وطالما تتذكرين أننا أصبحنا تقريباً زوجين , وغارقين في حب بعضنا البعض . ابتلعت روزي ريقها متوترة . إن لديها مخيلة جيدة . . . مخيلة جيدة جداً . . . لكن أن تحاول تخيل نفسها غارقة في حب غارد . . . ثم تحاول أن تتصوره يبادلها نفس ذلك الحب ! ـ هل ثمة انتقادات أخرى ؟ قالت روزي ذلك بتحدٍ , مقاومة اليأس الذي أخذ يتملكها . ألقى عليها غارد نظرة هبط لها قلبها , وهو يقول محذراً : ـ لست في موقف أحسد عليه . وفجأة , شعرت روزي بأنها نالت ما يكفي . فقالت : ـ لا يتوجب عليك القيــام بــذلك , كمــــا تعـــلم . ليس هناك من يرغمك على الزواج بي , كما أنني أنا أيضاً لا أريد الزواج بك . إسمع , لماذا لا تنسى كل شيء , يا غارد ؟ لم لا . . . ؟ فقاطعها بعنف : ـ لماذا لا تحاولين التفكير قبل أن تفتحي فمك الصغير الحلو هذا ؟ ولسبب ما , بدا أكثر غضباً من ذي قبل , كما لاحظت روزي , بينما تابع يقول : ـ هل نسيت شيئاً ؟ إدوارد يعلم جيداً أننا سنتزوج . ـ ماذا في ذلك ؟ يمكننا الادعاء بأنه شجار بين عاشقين . وهذا يحدث كثيراً . وكان عليك أن تعلم ذلك . من الغريب أن تأثير تهكمها هذا عليه كان أقل من كلامهــا السابق عن عدم الزواج . قال بجفاء : ـ العاشقون يعودون فيتصالحون , على الأقل حتى ينفصلوا نهائياً عن بعضهم البعض . كلا يا روزي , إننا ملتزمان الآن . فات وقت تغيير الرأي . ـ كان بيتر على صواب في شيء واحد على الأقل . وهو أنك تريد هذا المنزل بأي ثمن , وهذا ما يجعلك تقدم على هذا الأمر في سبيله . وهزت كتفيها مقهورة وهي تدير له ظهرها , محاولة تجاهل خيبتها عندما لم تفكر في مستقبلها المباشر . سمعته يقول برزانة : ـ نعم , هذا صحيح ! وبالمناسبة , تحدثت مع الكاهن , واتفقنا على أن احتفالاً بسيطاً وسط الأسبـــوع هو الأفضل . ـ لماذا فعلت ! ولكن . . . ـ أنت التي عرضت علي الزواج . كــبحت روزي صرخة أوشكت أن تفلت منها . مهما قالت أو فعلت , بإمكان غارد أن يتغلب عليها حيلة وخداعاً . حسناً , يوماً ما . . . يوماً ما ستكون هي التي تتغلب عليه . تعهدت لنفسها بذلك . ســألته بتهكم لاذع : ـ هل عينتما يوماً , أنت والكاهن ؟ أم أنه مســموح لــي برأي في ذلك ؟ قال متجاهلاً تهكمهــا : ـ نعم , يوم الأربعاء الذي يتلو الأربعاء القادم . ـ بهذه السرعة ؟ ولكن . . . ابتلعت روزي احتجاجها وكبحت إحساساَ ثوياً بالخشية والارتياب . ـ لا فائدة من تأخير الأمور . ليس أمامنا سوى شهرين نحقق فيهما شروط وصية جدك , وأمامي عدة رحلات عمل . وفي الواقع , علي أن أعود إلى بروكسل في اليوم التالي للزفاف , ما يعني أننا , لسوء الحظ , لن نتمكن من القيام برحلة شهر العسل التقليدية . وعندما رأى ما ارتسم على وجه روزي , ضحك ساخراً وقال : ـ نعم , فكرت في أن هذا قد يعجبك . كوننا سنتزوج بسرعة , يعني أننا لسنا بحاجة إلى دعوة أناس كثيرين , وليس منا من له أسرة كبيرة . أما حفلة الاستقبال فسنقيمها في ما بعد . وكما قلت لك , يمكنك ترك كل الترتيبات لي , عدا شيئاً واحداً . . ثوب زفافك . . نظرت إليه بارتياب , متكهنة بما هو آت : ـ ثوبي ؟ إنني لن أضيع نقودي على ثوب زفاف . ـ ماذا ستلبسين إذن ؟ لا أظنك سترتدين هذا الذي عليك الآن ؟ حملقت فيه تقول : ـ لا تكن سخيفاً . سوف . . . ـ اسمعي يا روزي . لن أضيع وقتي في الجدل معك . كــــان لأسرتك , ولا يزال , مكانة جيدة في المجتمع , هي تعني الكثير جداً بالنسبة لجدك . يعجبني فيك أنك فتاة عصرية تنفقين ثروتك الموروثة في سبيل مبادئك . ولكن علينا أحياناً أن نصل إلى حل وسط بين مبادئنا ومتطلبات الآخرين . ـ أتعني أنك تريدني أن أرتدي ثوب الزفاف التقليدي كيلا أسبب لك الخجــل ؟ ـ لا . ليس هذا ما أعنيه . جعلها غضب صوته تنظر إليه مباشرة . رأت أنها أغاظته حقاً . كان وجهه مكفهراً وشفتاه متوترتين تنذران بالشر . وحتى اقترابه منها كشف عن نفـــاذ صبره . ـ لا أهتم مثقال ذرة إذ أنت وقفت في الكنيسة مرتدية كيس خيش , إذ يبدو واضحاً تماماً أن هذا ما تريدين . ما بك يا روزي ؟ هـــل تخشين أن بعض الناس , شخصاً ما , لن يفهم تماماً الدافع وراء هذا الزواج ؟ وأن ذلك الشخص قد لا يدرك التضحية الكبرى التي تقومين بها ؟ حسناً , دعيني أحذرك الآن , يا روزي , حتى إذا أنت فكرت فــي أن تخبري رالف ساوثرن بالسبب الحقيقي لهذا الزواج . . . رالف ؟ ما هذا الذي يتحدث عنه غارد ؟ ولماذا تخبر هــــي رالف بشــيء من هذا القبيل ؟ إنها تعرف مسبقاً ردة فعله إذا هي فعلت . والازدراء الذي سيشعر به نحو رغبتها في حماية وحفظ المنزل . . . تابع غارد يقول متجهماً : ـ إذا ظننت أنــني . . . هزت روزي رأسها وقد تبددت من نفسها كل رغبة في القتال : ـ لا بأس , يا غارد . ســـأرتدي ثوب زفاف حقيقي . قالت ذلك بجفاء . كانت تعلم أن عينيها امتلآتا بالدموع , ورغـــم محاولتها لإشاحة وجهها , إلا أن غارد لاحظ دموعها . سمعته يشتم بصوت خــافت ثم يقول بخشونة : ـ لا بأس ! آســف إذا كنت سببت لك ألمــاً بــشيء قلته . إنما عليك أن تدركــي أن . . . قالت بغضب وهي تغالب دموعها : ـ لا , إنه ليس . . . ليس بسبب شيء قلته . أنا أعلم مسبقاً رأيك بي يا غارد . المسألة هي أنني كنت دائماً أتصور . ورفعت رأسها غير مدركة مبلغ الضعف البادي عليها والتردد فــي صوتهــا . ـ أتصور أنني عندما أتزوج . . . عندمـــا أختار ثوب زفافي . . . سيكون ذلك . . . ( وغصت بالدمع ) سيكون لرجل يحبني . . . لرجل أحبــه . رأت وجه غادر يتوتر . لعله ليس كما كانت تظن وتتصور . . . ربما هو أيضاً , في أعماقه , تصور ذات يوم أنه سيتزوج لأجل الحب . وعادت تقول , محاولة التظاهر بعدم الانفعال : ـ ومع ذلك , أظن بإمكاني أن أفعل فــي . . . أكمل غارد كلامها بخشونة : ـ في المرة القادمة . لم تعرف روزي ما الذي قالته فأغضبه بهذا الشكل الواضح . انفجرت فيه تقول متحدية , متجاهلة الغريزة التي أوحت إليها بأن ما تفعله هو شيء خطير : ـ ربما تظنني غبية مثالية للغاية وشاعرية ساذجة . نعم أنا كذلك حقاً , يا غارد ! ربما عندما أصبح في مثل سنك , سأشاركك الرأي بأن الحب المتبادل ليس مهماً , وأنه شيء يثير السخرية . . . لكنني لا أستطيع الآن منع نفسي من هذه المشاعر . ولأنك لا تشعر بالشــيء نفـســه . . . قاطعها بلهجــة لاذعة : ـ أنت لا تعلمين شيئاً عـــن مشاعري الحالية , وعما سبق أن شعرت به واختبرته . . . أحست بحرارة تحرق جلدها وهي تلمس الحقيقة في ما يقول وما لم يقل . كان غارد رجلاً بالغ الخبرة والجاذبية ومحترم المشاعر , ولا بد أن هناك نساء . . أو امرأة . . . في حياته , جذبته روحاً وجســـداً . وبشــكل مــــا , نبههـــــا تجاوبه هذا , إلى هذه الحقيقة . طوال مدة معرفتها به , كانت تشعر بأنهــــا مرغمة على محــــاربته ومقاومة رغبته في السيطرة , لكنها الآن تراه مختلفاً . وبدلاً من أن تسأله لماذا , بعد خبرته بتلك المشاعر , لا يزال عازباً , كبحت تلك الرغبة في التحدي . سمعته يقول بعد أن أشاحت بوجهها عنه : ـ دعيني أحذرك , يا روزي ! لا أريدك أن تبحثي عن الحب الشاعري المثالي أثناء زواجك بي ! عليك أن تؤجلي هذا , مع الأســف . نظرت إليه غير واثقة . هذا النوع من الكلام كان يقوله عــادة بسخرية لاذعة . إنما الآن لم يكن ثمة أثر للهزل أو السخرية في عينيه . نادراً ما كانت تراه رزيناً إلى حد التجهم , كما هو الآن , ما جعلها تتمسك بالحذر ـ لاستمرار هذا الزواج , أمام الآخرين , أنا عاشقك وحبيبك بكل ما في هاتين الكلمتين من معنى . إن فتور صوته وبرودته سلبا كلماته كل إحساس . ومـــع ذلك , شعرت روزي بجلدها يلتهب , وتحركت مخيلتها , عدوتها اللدودة عندما تصل إلى غارد , تستعيد الكلمات التي استعملها . . . العاشق , الحبيب . ارتجفت فجأة , محاولة أن تنبذ تلك الصور التي خلقتها مخيلتها البالغة النشاط , صور شخصين , عاشقين , متعانقين بلهفة بالغــة . نبذت روزي تلك الصور من ذهنها بسرعة , وقالت غاضبة : ـ لا حاجة بك للقلق . لن أعمل شيئاً يشوه صورتك المعروفة في مجتمعك . أليس كذلك , يا غارد ؟ العاشق الأسطوري الشهير يتزوج امرأة لا تريده . . . رد عليها متجهمــاً : ـ ليس صورتي , كمــا تسمينها , هي ما يهمني , وإنما سمعتي المهنية وكذلك سمعتك . أنت تدركين أن ما نقوم به , أنا وأنت , جل عملية غش واحتيال , أليس كذلك ؟ أما بالنسبة إلى زواجي من امرأة لا تريدني كما تقولين . . . فأنت لست امرأة , يا روزي , بل طفلة , وأشك في أنني سأجد صعوبة في العثور على سلوى في مكان آخر , أليس كذلك ؟ لم يكن يضاهيه أحد في الغطرسة , كما أدركت ثائرة وهي تبتعد عنها ويمـد يده إلى جيب سرته الداخلــي . قال بلهجة واقعية وهو يناولها علبة مجوهرات صغيرة . ـ ستكونين بحاجة إلى هذا . فتحتها روزي بأصابع مرتجفة , وإذا بشهقة صغيرة تفلت من بين شفتيها وهي ترى الخاتمين داخلها . خاتم الزواج كان عادياً بسيطاً من الذهب . أما خاتم الخطوبة الذي يتلاءم معه . . وأخذت تحدق فــــي حجر الياقوت الأزرق المحاط بأحجــار مربعة متألقة من الماس ! قالت بدهشـــة : ـ إنها . . . رائعــة . كان حجر الياقوت كثيفاً داكن الزرقة , بنفس لن عينيها مـــا أدهشها وهي تتأمله , قالت بتردد : ـ لا أستطيع لبسه , يا غارد . . . إنه . . . إنه باهظ الثمـــن . أجــاب بحـــزم : ـ بل يجب عليك ذلك . إن هــذا ما يتوقعه الناس . . . ويتطلعون إليه . أخــذت تتساءل عمــا إذا كان اختيار لون الياقوت متعمداً , أم أنه قرار عشوائي توصل إليه بسرعة وضيق دون أن ينتبه إلى الشبه بين لونه ولون عينيها . ـ أعطيــني يدك . فعلت ذلك كــارهة , وهو يدخل الخاتم في إصبعها بحزم , ثم قالت بأدب : ـ إنه . . . إنه رائع جــداً . شكــراً لك . ـ هل هذا أحسن ما بإمكانك صنعه ؟ صوتك أشبه بصوت صبي يشكــر رجلاً يمنحه مزيداً من مصروف الجيب . من المتعارف عليه أن تشكـر الخطيبة خطيبها على مثل هذه الهدية بطريقة أكثر حرارة . كان ينظر إلى شفتيها وهو يتكلم . شعرت بالضيق للخجل الذي تملكها . كان يتعمد ذلك , طبعاً . حسناً , إنها ستريه . رفعت رأسها إليه مذعنة وهي تشد على أسنانها مغمضة العينين , ثم انتظرت . . وانتظـــرت . عندما لم يحدث شيء , فتحت عينيها وحملــقت فيه بغــــضب . فقال ســاخراً : ـ إذا كان هذا غاية ما يمكنك عمله , فالأفضــل إخفاء زواجنا عن الأنظار . لمعلوماتك الخاصة يا عزيزتي روزي , المرأة المخطوبة حديثاً , والمفروض أنها غارقة في نشوة الحب , لا ترفع وجهها وتنتظر قبلة خطيبها وكأنها مرغمة على تناول ملعقة دواء . قالت غاضبة : ـ لكننا لسنا غارقين في الحب . ـ ولكل الأسباب التي تحدثنا عنها , كم من المهم جــداً ألا يعلم أحد بهذا الوضع . إدوارد ليس أحمق , يا روزي ! إذا اكتشف أن لديه فرصــة , مهمــــا كانت ضئيلة , لمنازعتك حقك في هذا المكان , لن يتردد في انتهازهـــــا . فقالت بحدة : ـ ماذا علي أن أفعــل إذن ؟ آخــذ دروساً فــي كيفية عناق رجـــل وكأنني أحبه بينما لست كذلك ؟ كلا , شكراً , لست بحاجة ذك . ـ لا , ليس هذه ما أريد ! عناق بين عاشقين ملتزمين لا يشبه بشيء تصرفك العشوائي المرتبك !. حملقت روزي فيه بمزيج من الغضب والارتباك . أرادت أن تخبره بأنها تعرف تماماً ما هو الشعور الذي يرافق عناقاً مع رجل تريده , لكنها كانت تعلم أن هذا غير صحيح . ذك أن الرجال الذين عرفتهم حتى الآن , لم يحركوا فيها أي عاطفة . قالت له بدلاً من ذلك : ـ أنا لست ممثلة , يا غارد! لا أستطيع إظهــار عواطف محمومة عند الطلب . . . قال بنعومة : ـ ربما حان وقت تعلمك هذا . كان ما يزال ممسكاً بيدها . . . وقريباً منها بحيث أن كل ما عليه , لكي يملأ الفراغ الذي بينهما , هو التقدم خطوة واحدة . أجفلت روزي متوقعة أن يأخذها بين ذراعيه , عالمة بأنه من القوة بحيث لا يمكنها تحرير نفسها منه . لكنه لم يفعل سوى أن رفع يده ببطء وأخذ يزيح شعرها عن وجهها برقة وهو يقول بهدوء : ـ هكذا يعامل الرجل العاشق المرأة التي يريد الزواج بها , يا روزي, إنها تبدو له من الضعف والهشاشة والرقة بحيث يخاف تقريباً من لمسها . يخاف تقريباً من أن مجرد لمسها سيشعل فيه من العاطفة ما لا يستطيع السيطرة عليه . إنه يريدها من كـــل قلبه وبشكــل طاغٍ , لكنه في نفس الوقت يريد أن يسير معها ببطء بالغ . . إنه مــوزع بين هاتين الرغبتين , لهفته إلى امتلاكهـا , و رغبته في . . أن يمنحها كل مـا يمكنه من بهجـة . . . وهكذا يلمس بشرتها برقة وربما بيـد غير ثابتة . وأثناء ذك , ينظر في عينيها , يريد أن يرى فيهما أن عواطفه , رغبته , حبه , كل ذلك متبادل بينهما . يريدها أن تعلم وتفهم مبلغ الجهــد الذي يبذله للسيطرة على نفسه . بدت كالمنومة مغناطيسياً حتى إنها لم تطرف بعينيها عندما رفع غارد يدها اليسرى إلى ذقنه . تحررت لحظة من مغناطيسية عينيه حين لامست أناملها خشونة ذقنه الــخفيفة . شعرت بحرارة أنفاسه تلفح وجهها . وانفتحت شفتاها قليلاً لحاجتها إلى المزيد من الهواء . أذهلها ما شعرت به من فارق بين خبرته وخبرتها . كان عناقه من الخفة , كأنه غير موجود , وكان ينبغي له مثل هذا التأثير عليها . . . ثم فجأة ازداد ضغط ذراعيه بقوة كادت تشلها . هكذا يعانق الرجل إذن ؟ أخذت روزي تفكر في ذلك ورأسها يدور . . . كانت صدمتها أشبه بألم جســدي سرى في كيانها جاعلاً عينيها تغرورقان بالدمع . . . . ابتدأت ترتجف عندما غمرت كيانها المشاعر . . . تملكها الحرج وهي تحاول أن تفهم السبب في أن عناق غارد له القدرة على خداع حواسها . . . فاندفعت إلى الخلف مبتعدة عنه بذعر . لم ترَ من قبل عيني غارد بهذا الشكــل . . . ثم بصوت ممزق : ـ لا . وما لبثت أن تنفست بارتياح عندما حررها ووقف بعيداً عنها . بيد أنها ما زالت تشعر بالاحمرار يصبغ وجهها رغم جهودها في كبح ذلك . حــاولت أن تقول شيئاً . . أية ملاحظة عابرة . . . لكن عقلها رفض أن يفكــر . حين ابتعد متجهاً نحو الباب , وجت نفسها تتساءل بصمت كم من النساء مررن في حياته ليبعثن فيه حقيقة هذه المشاعر العنيفة التي لمستها لديه . ولما وصل إلى الباب , استدار نحوها محذراً : ـ لقد فات أوان تغيير الرأي الآن , يا روزي ! * * * * * * : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #6 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 4 ـ الوجه الآخـــر للزواج ـ ماذا ستفعلين ؟ شعرت روزي بالتعاسة وهي تلاحظ الذهول والغضب في صوت رالف . مضى أكثر من أسبوع قبل أن تستطيع حمـل نفسها على إخباره بزواجها . ليس لأنها كانت تتوقع منه ردة الفعل هذه , بل لأنها خافت من أن يتكهن بالحقيقة . كان بيتر ,مثل غارد , قد حذرها من الوضع الخطر الذي ستضع نفسها فيه إذا ما تملكت الناس الشكوك في أن زواجها ما هو إلا حيلة لترث المنزل , قائلاً : ـ ربما نعلم , أنا و أنت , مبلغ ما تتضمنه دوافعك من إيثار وحب للغير , ولكن الآخرين قد لا يعلمون ذلك . ـ قال غارد إن إدوارد ربما يرفع دعوى احتيال ضدنا . هل هذا صحيح ؟ قال بيتر حينذاك , بحــذر : ـ هذا محتمل , ولكن عليه أن يقدم دليلاً كافياً يثبت زيف الزواج . وأن يتمكن مثلاً من إثبات استحالة إنجاب طفل من هذا الزواج . . . ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ ـ لكنك تعلم أن هذا صحيح . ـ أنا أعلم وأنت تعلمين , وكذلك غارد , لكن غيرنا لا يعلم بذلك , ولا يجب أن يعلم . تجنبت روزي إخبار رالف عن الزواج , خوفاً من أن لا يستطيع تمثيل دور الزوجة الغارقة في الحب . ولكن , في النهاية , لم يكن حبها لغارد ما سألها رالف عنه , وإنما حب غارد لها . ـ بالله عليك يا روزي , ألا ترين مــاذا يهدف إليه ؟ إنه يريد الشيء الذي يعلم أن أمواله لا يمكنها شراؤه . ـ أتعني أنــا ؟ فقال متجهمــاً : ـ كلا , بل أعني منزل (( مرج الملكة )) . رغبته الدائمة في ذلك المنزل ليست سراً , وقد رفض جدك أن يبعه إياه .: قاطعته حينذاك , متشاغلة بتسوية ثنيات ثوبها : ـ أنا وغارد نحب بعضنا بعضاً , يا راف . ـ آه يا روزي . . . ألا يمكنك أن تري ؟رجل مثل غارد لا يقع في الغرام . . سكت فجأة واحمر وجهه قليلاً . ـ اسمعي , لا أريد أن أسبب لك ألمـاً , يا روزي . إنك فتاة جذابة . . . فتاة بالغة الجاذبية . . . أمـا بالنسبة للخبرة . . . فأنت وغارد كأنكمـا , تقريباً , من كوكبين مختلفين . لقد رأيت بنفسك , هنا في الملجأ , ما يمكن أن تسببه العلاقات غير المتوازنة من تعاسة . الألم الناشئ عن زواج غير متكافئ . هل ترين حقاً أنكمـا متماثلان في كــل شيء ؟ أنك وهو . . . ؟ أخذت تكرر قولها : ـ إننا مغرمان ببعضنا , و . . فقاطعها قائلاً : ـ وهو سيعلمك كل ما تجهلينه من أمر العلاقة العاطفية , كلام فارغ! إذا كنت تعتقدين ذلك حقاً , أنت إذن لست الشخص الذي أعرفه . إنه سيستمتع بالعبث معك عدة أسابيع , بكل تأكيد , ومن الممكن , عدة أشهر . . . ولكن بعد ذلك . . . لا تقدمي على هذا الزواج, يا روزي ّ لستِ بحاجة للزواج به , أنت . . . ـ بل أنا بحاجة إلى ذلك . نطقت بهذا الاعتراف الهادئ الحزين قبل أن تتمكن من منع نفسها . خرجت هذه الكلمات رقيقة خافتة لدرجة أن رالف لم يتمكن من سماعها . رفعت بصرها إلى باب المكتب الذي انفتح فجأة واندفعت منه امرأة مصحوبة بولدين صغيرين , طالبة التحدث إلى رالف . كانت (( ليز فيليبس )) إحدى زبائن الملجأ المنتظمات . إنها غالباً ما تهجر زوجها القاسي العنيف , معلنة بأن لا قوة على الأرض تجعلها تعود إليه , لتعود إليه بعد أسابيع من تركه . كانت روزي ترى ببراءة , وذلك في بداية عملها في الملجأ , أن هذه المرأة تحب زوجها , ولذلك تعود إليه بعد كل خلاف . وكان رالف يجيبها : ـ نعم , كمـا يحب مدمن الكحول شرابه , ومدمن المخدرات جرعــاته . إنها مدمنة عليه . . على عنف علاقتهما , جزء منها يحتاج ويشتاق إلى ما تراه إثارة في علاقتهما . ولكن مقابل كل (( ليز فيليبس )) هنا , هناك مئة امرأة يرغبن بصدق في إنهاء علاقاتهن والبدء من ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــ جديد , وهن بحاجة إلى مساعدتنا . سألته ذات مرة بحيرة : ـ وكيف تميز الفرق ؟ ـ بالخبرة . ككـل شيء آخــر . ذلك الحين , ظنت أن رالف قاسٍ بغير حق . لكنها الآن أصبحت أكثر حكمة . وها هي للمرة الأولى , تفكر في مشاكلها الخاصة أكثر ممـا تفكر في الملجأ ونزلاته . لم يبد السرور على غارد حين أخبرته بأنها ستدعو رالف إلى حفلة زفافهما . لكن روزي أصرت على الأمر . كان بيتر هو الذي سيحتل مكان ولي أمرها في الكنيسة , كما أن المدعوون إلى الاحتفال يتجاوزون بضعة أشخاص . بقي على موعد الزواج يومان , وبعد ذلك يصبحان زوجاً وزوجة . كان هذا وضعاً لم تستطع مخيلتها استيعابه . هي وغارد . . . زوج و زوجة . . . وهي وغارد مشتركان في حيلة إذا ما اكتشفها أحــد . . . هل كل العرائس يتملكهن مثل هذا الشعور ؟ أم برودة يـديها وجمود ذهنها هما فقط بسبب ظروف زواجها غير العادية ؟ هكذا أخذت روزي تتساءل بتوتر حين وقفت السيارة أمام الكنيسة وخرج منها بيتر . هذا الصباح , وهي ترتدي ثوب الزفاف وتقف أمام المرآة , بينما السيدة فرينتون تساعدها وتعتني بها , تملكها من الغم والكرب والشعور بالذنب ما أوشكت معه أن تمزق الثوب وتهرب . لكن بيتر كان قد وصل حينذاك حاملاً الأزهـار التي أرسلها غارد إليها , ومـا لبثت أن تطورت الأحداث على نحو تصعب مقاومته . وها هي ذي الآن , تدخل الكنسية الشامخة , مارة بالنافذة الأثرية الملونة , التي كانت هدية من أحد أسلافها , بثوب زفافها الساتان العاجي اللون الذي كان لأمها من قبلها . ومع ذلك , كان عليها أن تعصر نفسها , بالرغم مما فقدته من وزن في الأسبوع الأخير . . . فقد كان خصر أمها بالغ النحافة . وما زال بين ثنياته أثر من عطر تذكرت روزي أن أمها كانت تستعمله , وعندما تعطرت به شعرت وكأنها تحمل جزءاً من أمها . دفعت هذه الذكريات دموعاً حارة إلى عينيها أخذت تغالبها بعنف . كان خمارها أبيض , في ما مضى , لكنه بمرور الزمن , أصبــح عاجي اللون , وقد ورثته عن جدتها . ارتداؤها لهذه الملابس التي سبق وارتديت بحب كبير , جعلها تشعر بنوع من التعويض عن نقص مشاعرها الحالية زواج ؟ لم يكن هذا زواجاً وإنما اتفاقية عمل , وهذا كل شــيء . إنه عقد . . . شعرت بجو الكنيسة بارداً . برودة البلاط تحت قدميها تخللت نعل حذائها الرقيق . كانت الكنيسة خالية بشكل كئيب . لم يكن سوى الصفين الأولين من المقاعد مشغولاً . شخص مـا , لا بد أنه غارد , زين المكان بباقات ضخمة من الأزهار البيضاء والعاجية اللون , ما أسبغ دفئاً خفف من عتمة المكان وصرامته . عندما وقع نظرها على غارد , اضطربت خطواتها قليلاً . ومع أنها كبحت آهة الضيق فلم يسمعها , إلا أنه التفت إليها . بدا شارد الذهن . كان من الصعب التصور أنها على وشك الزواج به . ارتجفت , وسرها ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ أن الخمار أخفى ما ارتسم على ملامحها . قال بيتر لها محذراً : ـ إدوارد ! لم تكن روزي لاحظت وجوده في الكنيسة . لكنه رأته الآن مصحوباً بزوجته وولديه . . . نسختين شاحبتين مقهورتين عن أمهما . الشعر مسرح إلى الخلف , ويلبسان زيهما المدرسي , امتعضت روزي قليلاً وحولت عينيها عن أطول الولدين . إنها تحرمه , بزواجها من غارد , من وراثة (( مرج الملكة )) . ولكن , إذا ورثه إدوارد , فلن يكون هناك (( مرج الملكة )) كي يرثه هذا الولد ! تعلقت بهذه الفكرة تلتمس فيها العزاء حين وصلت أخيراً إلى جانب غارد . أهـي جلجلة أجراس الكنيسة المبتهجة التي تشعرها بالغثيان , أم لعلها صدمة تلك اللحظة عندما رفع غارد خمارها ونظر في أعماق عينيها , بعد أن أعلنهما الكاهن زوجاً و زوجة ؟ أوشكت , لجزء من الثانية , أن تنخدع بتلك المشاعر الرقيقة التي نطقت بها عيناه وهو ينظر في عينيها , ظناً منها أنها حقيقة ! كانت هناك مجموعة من الناس تدور حولها . من أين جـاؤوا ؟ ميزت بينهم مجموعة من النساء قدمت من الملجأ , أناساً كانوا يعرفون أباها وجدها . كلهم باسمون ضاحكون , يلقون بالتعليقات المازحة عن فجائية هذا الزواج . كلهم ما عدا إدوارد . توجسن روزي خيفة وهي ترى الحقد في عينيه . كانت تعلم دائماً أنه لا يحبها . لكن ذلك لم يكن يقلقها قط , فهي لم تكن تحبه أيضاً , لكنها الآن تدرك أن كراهيته لها مختلفة . إنها الآن تقف بينه وبين ما يتوق إليه ويعتبره حقاً له , وتملكتها قشعريرة . ـ ما هذا ؟ مـاذا حدث ؟ أجفلت دهشة لسؤال غارد . لم تكن تتوقع منه أن يلاحظ قشعريرة التوجس الصغيرة التي تملكتها . إذ كان يبدو مستغرقاً في حديث مع بيتر بحيث لا يدع له مجالاً للانتباه إليها . ـ لا شــيء !. أجابته بذلك , مدركـة أن إدوارد ما زال يراقبها , بل يراقبهما معاً . قال لها أحدهم : ـ ثوبك جميل جداً !. أجابت شاردة الذهن : ـ شكراً , إنه ثوب أمـي !. ـ هذا ما توقعته ! . كان هذا غارد! إلتفتت إليه بدهشة فعاد يقول : ـ كان أبوك يضع صورتها على مكتبه وهي ترتديه , إنه يلائمك , ولونه ينسجم مع لون بشرتك . إن له نفس اللون الدافئ . . قال ذلك وهو يلامس عنقها بأصابعه . نبهته بصوت خافت مختنق : ـ إدوارد يراقبنا ! ـ نعم أعرف هذا . سـألته باضطراب : ـ أتظنه يشك فـي شيء ؟ ـ إذا كان الأمر كذلك , فهذه ستوقفه عند حده . ـ هذه . . . ؟ ورفعت بصرها إليه مستفهمة , ثم جمدت في مكانها وهي تراه يأخذها بين ذراعيه ويعانقها بطريقة تظهر للمشاهدين رجلاً بالغ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ الشغف بعروسه إلى ح لم تمنعه نظرات المتحفظين المستنكرة من إظهـار شعوره وعلى غير توقع منها , ومن خلف جفنيها المغمضين , شعرت بالدمع يحرق عينيها . ليس هذا الوقت مناسباً للانفعالات العاطفية ! ليس وقتاً لمقارنة مشاعر أمها , حين ارتدت هذا الثوب , بمشاعرها هي الآن . . عندما ترك غارد روزي , تنهدت زوجة إدوارد بحسد , قائلة : ـ آه ! يا لشاعرية هذا المشهد ! . . . يا ليت أبوك . . . سمعت روزي غارد يقول بهدوء : ـ كان جون يعلم بشعوري نحو روزي . أقرت روزي في نفسها بصحة قوله , ولكن ليس بهذا المعنى تماماً . إنها تتذكر ما قاله أبوها مرة بشيء من الحسد , عن أن بإمكان غارد أن يحصل على المرأة التي يريد . كانت روزي في السابعة عشرة حينذاك , فتصرفت تبعاً لذلك إذ قالت لأبيها متحدية : ـ إنه لا يستطيع الحصول علي ! . ضحك أبوها , قائلاً : ـ أنت لم تصبحي امرأة بعد , يا حلوتي . وأنا أشك كثيراً في أن غارد سيرغب فيك , على كل حال , لأنه يعرف جيداً أي صغيرة سليطة اللسان أنت أحياناً . . . سمعت روزي إدوارد يسألها : ـ أين ستذهبان في شهر العسل ؟ أم غير مسموح لنا بالسؤال ؟ أجاب غارد عنها : ـ لسانا ذاهبين إلى أي مكان , ليس حالياً على الأقل . لدي اجتماع في بروكسل بعد يومين لم أستطع التملص منه . سنذهب , أنا و روزي , إلى هناك غداً صباحاً . يذهبان إلى هناك ؟! نظرت روزي إليه , لكنه كان ينظر في اتجاه آخـر يجيب زوجة الكاهن عن بعض الأسئلة . وهكذا كان عليها أن تنتظر إلى أن يصبحا وحدهما في سيارة الزفاف , لتسأله بضيق : ـ لماذا أخبرت إدوارد أننا سنذهب معاً إلى بروكسل ؟ سيشك فـي الأمر عندما يكشف أنني لم أذهب معك . همست بهذا السؤال رغم أن الزجاج بينهما وبين السائق كان مغلقاً , وهي تفكر بتعاسة في عواقب الخداع . . إذ يبقى الشخص حريصاً . . . حذراً . . . شاعراً بالذنب . . . ـ لن يكون هناك ما يدعوه إلى الشك , لأنني عنيت ما قلته . سألته ساخطة : ـ أتعني أنك تتوقع مني مرافقتك إلى بروكسل حتى دون استشارتي ؟ لكنني لن أستطيع ذلك . . . المفروض أنني سأكون في عملي في الملجأ . . . ـ لا تكوني سخيفة , يا روزي ! رغم أن رالف يكرس نفسه لعمل الخير , إلا أنه لن يتوقع عودتك إلى العمل بهذه السرعة . قالت بتحد : ـ لكنني أنا أريد ذلك . فقال محذراً : ـ إذا فعلت ذلك , ستعرضيننا للخطر , الزواج يتطلب أكثر من مجرد طقوس كنسية . أشاحت بوجهها عنه بغضب . إنها تعرف جيداً ما هي متطلبات إتمام الزواج . لكن زواجهما لن يتضمن ذلك الجزء المعين , وغارد ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ يعلم هذا . تابع غارد بهدوء : ـ إنه يتطلب درجة معينة من العلاقة الحميمة يقوم بها الأزواج . لكن علينا , أنا وأنت , أن نعثر على طريقة أخرى , إننا بحاجة إلى قضاء بعض الوقت بمفردنا لنثبت نفسنا في دورنا الجديد , يا روزي . وعندما لم تجب , قال متصلباً : ـ أنت التي أردت هذا الزواج , يا روزي ! . . . قاطعته بغضب : ـ لإنقاذ المنزل , وليس لأن . . . في أعماقها , كانت تشعر أن غارد على حق , لكن آخر ما كانت تريده هو أن تمضي معه وقتاً بمفردهما . إن هذا , في نظرها , يعقد المشكلة بدلاً من أن يحلها . قالت بلهجة تنذر بالخطر : ـ لا أريد أن أذهب معك , يا غارد! لا أريد أن أعود لأرى الناس ينظرون إلينا . . . متفحصين . . . متخيلين . . . معتقدين . . . قال رافعاً حاجبيه متحدياً : ـ ماذا ؟ تمتمت متجنبة النظر إليه مباشرة : ـ أنت تعلم ! . ـ يظنون أننا كنا معاً في السرير ؟ وأن رحلة العمل ما هي إلا قصة خيالية ؟ رأت من زاوية عينها كيف كان يطيل النظر إلى صدرها , فاحمر وجهها على الفور . قال ساخراً : ـ يا لهذا الخجل ! سوف تختبئين إذن لو أخبرتك كيف أريد أن تتصرف معي زوجتي التي أحب ! فقاطعته : ـ أنا أعرف كيف تحب أن تهزأ مني , يا غارد ! نعم , أنا أخجل عندما تتحدث عن مثل . . . مثل هذه الأشياء الخاص جداً . صحيح , أن خبرتي لا يمكن مقارنتها بخبرتك , ولكنني أفضل أن أكون دائماً كما أنا . و عندما لم يحاول مقاطعتها أو السخرية منها , أضافت بشيء من الثقـة . ـ أفضل ألا أفعل . ـ سؤال صغير فقط , يا روزي . لماذا لا تريدين أن تفعلي هذا ؟ أجابت بصوت متهدج : ـ أنت تعلم السبب . قال ساخراً : ـ لأنك تدخرين نفسك لرجل أحلامك ؟ وماذا يحدث إذا لم تعثري عليه , يا روزي ؟ ألم يسبق أن سألت نفسك هذا السؤال ؟ ألقى غارد عليها هذا السؤال بعنف بالغ غير متوقع , ما جعلها ترتجف . * * * * * * : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : 5 ـ امـــرأة لا طفلــة ! ـ لكن هذا ليس فندقاً !. قالت روزي محتجة عندما صعد غارد بسيارتهما المستأجرة في طريق خاص ثم أوقفها أمام مدخل قصر مهيب مبني بالحجر . منذ أعلن غارد أنها ستذهب معه إلى بروكسل , أخذت روزي تحتج وتجادل , ولكن من ون جدوى . ذات مرة انفجرت فيه غاضبة : ـ وما المفروض أن أقوم به أنا أثناء وجودك في الاجتماعات ؟ ـ لم يخطر ببالي قط أنك أنانية إلى هذا الحد ! حملقت فيه آنذاك بارتياب , وساورتها شكوك في دوافعه الخفية , وخيل إليها أنها تعلم جيداً ما هي . إنها ليست حمقاء . . . وكان ردهـا : ـ لست ذاهبة معك , يا غارد ! ولا أريد الذهاب ! . ولكن , بطريقة أو بأخرى , لم تنفع كل احتجاجاتها . وها هي ذي الآن هنا تنظر إليه بقنوط , ساخطة لقدرته على البقاء هادئاً في حين كانت مشاعرها تضطرب اضطراباً شديداً . لم تكن معتادة على أن لها زوج , وكرهت افتراض غارد بأنه هو الذي يقرر ما يجب أو لا يجب عمله . أجاب الآن بهدوء : ـ لا , إنه ليس فندقاً . إنه بيت خاص . و (( المدام )) صاحبة القصر هي سيدة فرنسية . وبدلاً من أن تبيع البيت بعد وفاة زوجها , قررت أن تزيد دخلها بتأجير غرفه . ومثل أكثر الفرنسيات , هي ليست طاهية ممتازة فحسب , وإنما مضيفة ممتاز وماهرة جداً في توفير أسباب الراحة . قطبت روزي جبينها . شيء ما في صوت غارد وهو يتكلم عن صاحبة القصر ضايقها . ومن دون حاجة إلى مزيد من الوصف , تصورتها روزي على الفور إحدى تينك الفرنسيات الأنيقات دائمات الشباب اللواتي تشعر , هي شخصياً , بالخوف منهن . ـ لكن , قلت إن لديك عملاً في بروكسل , وهذا المكان يبعد عنها أميالاً ! . ـ ليس أكثر من ساعتين بقليل في السيارة . و هذا كل شيء ! وإقامتي هنا تعطيني عذراً لئلا أتورط في أحداث بروكسل السياسية . فكرت في أنك ستحبين هذا المكان . كنت تقولين دائماً إنك تفضلين الريف على المدينة . ابتعدت روزي بنظراتها عنه . كان صحيحاً أنها تفضل الريف , وربما كانت ستستمتع بهذه الرحلة في أحوال عادية . لكنها , في العادة , ما كانت لتأتي إلى هنا مع غارد , زوجة له . في هذه الأثناء , كان غارد قد نزل من السيارة واستدار ليفتح لها الباب . ورغم تفضيلها الكنزة والبنطلون عادة , إلا أنها كانت ترتدي تنورة صوفية طويلة وصداراً مناسباً تحته قميص حريري بني اللون , وفوق كل ذلك سترة مناسبة أحضرتها معها تحسباً للبرد . كانت ارتدت هذه الملابس لعلمها أنها تُظهرها نحيفة , ما جعلها مسرورة عندما انفتح باب القصر وبرزت امرأة غارد الفرنسية . كانت ترتدي السواد . . تنورة سوداء من الكريب اشتبهت روزي في أنها من إحدى دور الأزياء , فوقها قميص بسيط من الساتان ووشاح من الكشمير حول كتفيها . عقد اللآليء الذي كان يتألق حول عنقها , والمؤلف من ثلاثة حبال , لا بد أنه حقيقي , وكذلك الخواتم الماسية في أصابعها والقرطان في أذنيها . ولكن ليست أناقتها هي التي أذهلت روزي , التي أخذت كارهة تصعد السلم خلف غارد , وإنما عمرهـا . لم تكن المرأة , كما توقعت روزي بين الخمسين والستين من عمرها , وإنما أقرب إلى الأربعين . إنها أقرب إلى غارد في العمر منها هي . أما لماذا شعرت بمثل هذا العداء نحو (( المدام )) فلم يكن لديها جواب . وأما أنه شعور متبادل , فالأمر واضح ! التفتت (( المدام )) إلى غارد , متجاهلة روزي تماماً , لتقول له ببرودة : ـ آه , لم أدرك أنك ستحضر معك . . . صديقة ! قال غارد بحزم وهو يقدم روزي : ـ روزي هي زوجتي . أكانت صديقة أم زوجة , لم يشكل ذلك أي فرق بالنسبة إلى (( المدام )) كان واضحاً أن وجود روزي لم يسرها . ـ وضعتك في جناحك المعتاد . أخبرت غارد بذلك وهي تقف بينهما بشكل جعلها تواجه غارد , مديرة ظهرها لروزي , ثم أخذت تتحدث إليه بلغتها الفرنسية . لكن روزي تتحدث الفرنسية بطلاقة . كان لديها موهبة تعلم اللغات , نمتها سنوات إقامتها في ألمانيا مع والدها . وفرنسيتها , في الواقع , أكثر طلاقة من فرنسية غارد بكثير . كانت (( المدام )) تقول : ـ وعلى كل حال , إذا كنت تفضل غرفة أخرى . . . غرفة أخرى ! . . وخفق قلب روزي بضيق . كانت تفترض أن إقامتها ستكون في فندق كبير , وفي غرفتين منفصلتين . كما افترضت أن رغبة غارد في مشاركتها غرفة واحدة ستكون ضعيفة مثل رغبتها هي . قال غارد للمدام : ـ لا ! جناحي المعتاد مناسب تماماً ! الردهة الواسعة , المعرضة لتيارات الهواء , جعلت روزي مسرورة بتنورتها الطويلة . كان منزلها (( مرج الملكة )) أكثر دفئاً بسقفه المنخفض والخشب السميك الذي يغطي الجدران . لكن هذا المكان , بغرفة العالية السقوف , وجدرانه الحجرية العارية , لا بد أنه يسكون كابوساً . . . بالنسبة إلى الدفء . هكذا أخذت روزي تحدث نفسها , فيما كانت المرأة تتقدمها صاعدة السلم الحجري . كانت السجادة التي تغطيه , رغم أنها بالية تقريباً , مطرزة بما افترضت روزي أنه شعار أسرة الزوج الراحل . وقفت تتفحصها عن قرب , متسائلة عما إذا كانت ترجمتها صحيحة لما قرأته في ناحية منها . ومفاده أن إحدى سيدات القصر كانت في وقت ما عشيقة للملك وولدت منه طفلاً . كانت (( المدام )) تصعد الدرج مع غارد , جنباً إلى جنب , معربة بالفرنسية عن أسفها لأن وجود زوجته معه يعني أنهما لن يتناولا العشاء بمفردهما . أجابها هو بالانكليزية بكياسة بالغة : ـ مع الأسف ! لكنني واثق من أن روزي ستستمتع بتذوق طعامك اللذيذ . قوله هذا جعل روزي تحملق فيه . لم يكن ثمة حاجة لأن يتدرب هنا على تمثيل دور الزوج المحب . كادت تقول أن بإمكانهما , هو و المدام , أن يستمتعا بالجلوس وحدهما قدر ما يشاءان من المرات , دون أي مانع من ناحيتها . لكنها بدلاً من ذلك , قالت للمدام بابتسامة باردة ولغة فرنسية طليقة بأنها , في الواقع , تتشوق إلى طعامها اللذيذ . لم تقل المدام شيئاً , بل نظرت إليها بعينين ضيقتين , وزمت فهما المصبوغ باللون القرمزي . ولم تعد تتحدث إلى غارد بالفرنسية , وهي تقودهما خلال الممر ثم تقف أمام باب من الخشب الثقيل قائلة لروزي بتكلف ودون قناعة : ـ أنا واثقة من أن كل شيء سيكون حسب رغبتكما !. وهذه المرة , جاء دور روزي لتكون شاردة الذهن غير متجاوبة . عندما تركتهما المرأة , خطر في ذهنها أن العلاقة بينها و بين غارد هي أعمق بكثير من تلك التي بين المضيفة والنزيل . لكن من الغريب أنها لم تفصح عن شكوكها هذه , علماً أن تسرعها كان على الدوام مدار مزاح في أسرتها . كانت تعلم , آسفة , أنها تميل إلى الكلام قبل التفكير , ولكن بالنسبة إلى حياة غارد الشخصية , وخبرته مع النساء , لم يكن الإدلاء بتعليقات غير حذرة من شأنه أن يمنح غارد الفرصة لتعييرها ببراءتها وجهلها . لم تكن تشعر بمثل هذا الضيق مع الرجال الآخرين , وإنما العكس تماماً . عندما تجاوزت غارد داخلة إلى غرفة الجلوس في الجناح , شمت على الفور رائحة عطر المدام في الجو . أخذت تتفحص ما يحيط بها بصمت . الأثاث المذهب , المرآة الضخمة المذهبة فوق المدفأة , الأغطية المطرزة باليد , والستائر الحريرية القديمة الطراز . كما أضفت زهريات تحتوي على زنابق بيضاء أناقة على الغرفة . أدركت روزي ذلك وهي تنظر إلى البساط (( الأوبيسون )) الذي بهت لونه , مقطبة الجبين , شاعرة بالرهبة من هذا الجو القديم المحيط بها . ـ أنا عادة أستعمل غرفة النوم هذه . سمعت غارد يقول هذا من خلفها وهو يفتح أحد البابين اللذين يؤديان إلى خارج الغرفة . ـ إن لها حمامها الخاص خلافاً للغرفة الأخرى . ولكن إذا كنت تفضلين . . . ما تفضله هو أن تكون الآن في بيتها وحدها , كما يعلم جيداً . ـ هذا لا يهمني . ولكن أليس الأفضل لك أن تنام في الغرفة ذات الحمام ؟ وبعد , أنا واثقة من أن المدام تتوقع أن تكون مستعداً تماماً حين تنضم إليها لعشائكما المنفرد! . ـ أتغارين ؟! هذا اللوم الرقيق غير المتوقع , جعلها تصمت ذاهلة . تغار . . . كيف يمكن أن تكون كذلك ؟ إن غارد لا يعني لها شيئاً . المشاعر الوحيدة التي بينهما هي سخريته منها وبغضها العقيم له . تغار . . . هذا مستحيل ! . . . إن غارد يعلم ذلك , فلماذا إذن يرميها بالغيرة ؟ هزت رأسها غير قادرة على الإنكار . ولماذا تفعل وليس هناك ما تنكره ؟ بدلاً من ذلك , أشاحت بوجهها عنه وهي تقول بغضب : ـ لم أكن أريد القدوم إلى هنا , يا غارد . ـ ربمــــــا هــــــذا صحيــح , ولكنك هــــنا الآن . أنت هنــا , وأثناء وجودنا . . عندما أخذت تبتعد عنه , توجه نحوها ساداً طريقها إلى باب غرفة النوم . ـ انظري إلي يا روزي . إنك لم تعودي طفلة لكي يُسمح لك بالهرب من النقاش لإنقاذ ماء وجهك حين تعرفين أنك خاسرة . فنظرت إليه بمرارة : ـ النقاش ؟ وهل هناك من هو مسموح له بأن يناقشك , يا غارد ؟ إنك كُلي القدرة . . كلك رأي . . وكلك معرفة . استمر إذن . . ماذا عن (( أثناء وجودنا هنا ))؟ يمكنني الجلوس كطفلة مطيعة بينما أنت و المدام . . . قال متجهماً : ـ لا شيء بيني وبين الكونتيسة ! ـ ربما كلامك صحيح . لكنها تحب أن يكون ذلك . استمر يقول متجاهلاً تعليقها : ـ أكرر أن لا شيء بيننا . ولو كان هذا موجوداً . . . فساعدته على إتمام كلامه , ساخرة : ـ لكان ذلك ليس من شأني . ـ ربما هذا صحيح . ولكنه ليس ما كنت أريد قوله . ما كنت أريد قوله يا روزي هو أن عليك أن تحاولي وضع عداوتك لي جانباً , وتستخدمي المنطق والتعقل بدلاً من إطلاق مشاعرك . إن سبب إصراري على إحضارك معي في هذه الرحلة هو أن نمنح نفسنا وقتاً نعتاد فيه على وضعنا . . . الجديد . هل من التعقل إذن أن أفعل ذلك ثم أحضرك إلى منزل عشيقتي ؟ ليس عليك أن تقلقي , يا عزيزتي , عندما ألح عليك بالمجيء معي في رحلة عمل , وإنما عندما أبداً باصطناع المعاذير لئلا آخذك معي . . . لأمر ما , كان يبتسم , وهذا ما أثار غضب روزي فصعد الدم إلى وجهها . قال ساخراً وهو يلمس وجنتها بأنامل باردة : ـ كثير من المشاعر المتوقدة وقليل من المنافذ لتصريفها ! أمرته قائلة بحرارة : ـ كفى استعلاءً يا غارد ! أنا لست طفلة ! اختفت ابتسامته ليحل مكانها نظرة تقييم هادئة : ـ لست طفلة ؟ ليت هذا صحيح ! ـ لا , شكراً , لا أريد مزيداً من الشراب ! رفضت روزي ذلك وهي تهز رأسها محاولة كبت تثاؤبها . لم يبالغ غارد في مدح موهبة (( المدام )) في الطهي . لكن روزي لم تستمتع حقاً بالطعام . فالطريقة التي تعمدت فيها المدام استبعادها من الحديث , مقتصرة على غارد , جعلتها تشعر إزاءها بالتسلية أولاً , ثم بالضيق بعد ذلك . وتوخياً للإنصاف , كان عليها أن تعترف بأن غارد بذل وسعه لكي يوقف سلوك المدام السيء , محاولاً إدخال روزي في الحديث , لكن روزي تعبت من هذه اللعبة وتمنت لو تعتذر ثم تهرب إلى سريرها . قالت بهدوء : ـ في الواقع , إذا لم يكن هناك مانع , أريد أن أذهب إلى النوم . ثم وقفت قبل أن يتمكن غارد من قول شيء . حيت مضيفتها بتكلف , مادحة الطعام . قال غارد بصوت هادئ غير متوقع : ـ أظنني سآتي معك . قالت باحتجاج : ـ كلا , بل إبق هنا ! لكن غارد كان سبق وأمسك بمرفقها , مضيفاً شكره إلى شكرها , وهو يسير معها نحو الباب . عندما أصبحا في الردهة , قالت له بحدة : ـ ما كان يتوجب عليك ذلك . كان يمكنك البقاء . قال ساخراً : ـ وأترك عروسي وحدها ؟ حملقت فيه مزمومة الشفتين وقالت غاضبة : ـ لا حاجة للسخرية بهذا الشكل ! لست حمقاء على الإطلاق , يا غارد ! أنا أعلم جيداً أنك . . . عندما سكتت , قال بسرعة : ـ أنني ماذا ؟ لكن روزي رفضت الجواب مكتفية بهزة من رأسها . ما الفائدة من قول ما يعرفانه , هما الاثنان؟ أنها آخر امرأة كان غارد سيفكر في الزواج بها , كما أنه آخر رجل كانت تريد الزواج به . عادت تكرر اعتراضها السابق , وبانفعال هذه المرة : ـ لا أدري لماذا أحضرتني إلى هنا ! ما المفروض أن أفعله بنفسي حين تكون في بروكسل ؟ أطلب من المدام أن تعلمني الطهي ؟ ـ إنك لن تبقي هـنا , بل سترافقينني . ـ مـاذا ؟! ـ أظنك ستجدين السيد (( ديبوا )) على شيء من الأهمية . وحيث أنه لا يتكلم الانكليزية , وفرنسيتي ضعيفة نوعاً ما , سأكون شاكراً مساعدتك . ماذا يعني غارد بقوله إنها ستجد السيد (( ديبوا )) مهماً ؟ إن عمل غارد يتضمن تفاصيل معقدة جداً وبرامج على الكمبيوتر , وهو موضوع لا تعرف عنه روزي إلا القليل , كما يعلم غارد جديداً . تابع غارد يقول وكأنه يقرأ أفكارها : ـ السيد ديبوا عالم خبير بالبيئة . وهو المتحدث باسم مجموعة بالغة النفوذ في السوق الأوروبية المشتركة تطالب بمزيد من السيطرة على فساد البيئة في الأرياف . وحيث أنني أعلم اهتمامك بهذا الأمـر , ستجدان الكثير لتتحدثا عنه . ليس من عادة غارد أن يعطيها رأياً لا يتضمن نوعاً من السخرية , ما جعلها , لأول مرة , لا تعرف ماذا تقول . ـ وطبعاً , وجودك معي سيوفر علي أجر مترجم . نظرت إليه ساخطة . للمرة الأولى تخدع به فتظنه يعتبرها نداً له . . . امرأة راشدة . تملكها حنق كاد يدفعها إلى رفض الذهاب معه . لكن البقاء في القصر وحدها لم يكن شيئاً ساراً . قال لها وهو يفتح باب جناحها : ـ لدي بعض الملاحظات أريد قراءتها . إذا كنت تريدين استعمال الحمام أولاً . . . أدركت أن عليها أن تشكر لباقته هذه , لكنها بدلاً من ذلك , شعرت بالانزعاج والارتباك كطفل أرسل إلى النوم لئلا يزعج وجوده الكبار . هل ادعاء غارد بأنه سيقوم ببعض الأعمال , ليس إلا عذراً للعودة إلى الطابق السفلي لموافاة المدام ؟ لو كان غارد يريد البقاء مع المرأة الفرنسية , لما كان بحاجة إلى الكذب ! هكذا فكرت روزي بغضب , إنه حر تماماً من هذه الناحية , أو هما الاثنان كذلك . لماذا إذن شعرت بالضيق حين رأيت فم المدام القرمزي يهمس شيئاً في أذن غارد ؟ سبب ذلك , كما أخذت روزي تفكر باستياء , ليس سلوك المدام المريب , و إنما هو استياءها من طعامها الدسم في معدتها . عندما وافقت بيتر على القيام بمحاولة إنقاذ المنزل , لم تدرك بالضبط ما عليها أن تواجهه . فكرت في هذا باكتئاب وهي تخلع ملابسها وتنزل في حوض الحمام الضخم . كان ضغط أحداث الأسبوعين الأخيرين أكثر مما توقعت . . ومما تريد أن تعترف به . مضت لحظة , أثناء تناولها فطور يوم الزفاف , نظرت فيما حولها إلى الوجوه المألوفة . فشعرت فجأة , بلهفة قوية إلى أبيها وجدها ليخففا عنها . وإذ ملأت الدموع عينيها وخنقتها , أكبت فوق صحنها , آملة ألا يكون أحد قد لاحظ ذلك . كان غارد مستغرقاً في حديث مع زوجة إدوارد , أو هكذا ظنت , ما جعلها تشعر بمزيد من الخجل عندما دس في يدها منديلاً كبيراً نظيفاً , قائلاً بهدوء : ـ أنا أيضاً أفتقدهما , يا روزي ! إنه , على الأقل , شعور مشترك . اغرورقت عيناها الآن بالدموع , على غير توقع منها . أخذت تغالبها غاضبة . ماذا حدث لها هذه الأيام ؟ لم تكن قط من النوع الذي يبكي بسهولة . قد تكون المدام سخية بالنسبة للطعام , لكنها بخيلة بالنسبة للماء الساخن . أخذت روزي تفكر في ذلك وهي تغتسل بسرعة وتقفز إلى خارج الحوض , لتلف نفسها بمنشفة كبيرة بيضاء ثم تبدأ بتنشيف جسمها بسرعة لتبدد بذلك ذكرياتها غير المرغوب فيها . عندما ارتدت قميصها القطني بالصورة الكاريكاتورية المطبوعة عليه من الأمام , نظرت في المرآة وعبست . اعترفت بأن أحداً لن يصدق أنها عروس سعيدة إذا ما رأى صورتها على هذا النحو . عندما يتزوج غارد , أو إذا تزوج , لا يمكن أن يكون ذلك بفتاة أو امرأة ترتدي ليلة عرسها قميصاً قطنياً وملابس داخلية عادية , التقطت ملابسها التي كانت خلعتها , ثم توجهت إلى غرفتها منادية عندما دخلتها : ـ انتهيت من الحمام الآن , يا غارد ؟ سكوت ! أتراه سمعها ؟ قطبت جبينها وهي تعض باطن شفتها , ناقلة نظراتها بين باب غرفتها المغلق وبين السرير . . . آخر ما كانت تريده هو أن يوقظها طرق غارد على بابها ليعرف أين هي . تأوهت بصوت خافت ثم سارت إلى الباب تفتحه . كان غارد جالساً إلى المكتب أمام النافذة , ورأسه فوق أوراق منشورة أمامه . أخذت تراقبه لبضع ثوانٍ. كان شيئاً نادراً , بالنسبة إليها , أن تتمكن من مراقبته دون أن يلحظها . يا له من رجل بالغ الوسامة ! اعترفت لنفسها بذلك وقد خفق قلبها . رجل تتمنى معظم النساء الزواج منه . لكنها ليست واحدة منهن . . عندما تتزوج . . . ـ ماذا حدث , يا روزي ؟ ألقى بهذا السؤال الهادئ من دون أن يرفع رأسه أو ينظر إليها , موضحاً بذلك أنه لم يكن غافلاً عن وجودها . وأضاف متجهماً : ـ إذا كنتِ ستخبرينني بأنك لا تستطيعين النوم من دون دميتك , إذن فأنا آسف . . . أظلمت عيناها غضباً . إنها لم تنم مع دميتها منذ سنوات . حسناً , فقط أثناء الأسابيع الأخيرة , عندما حطمها فقدها لأبيها وجدها . قالت له بكبرياء : ـ جئت لأخبرك بأنني خرجت من الحمام . ـ أتريدين فنجان قهوة قبل النوم ؟ فاجأها سؤاله . اتسعت عيناها قليلاً واحمر وجهها عندما وضع من يده الأوراق التي يدرسها ثم التفت إليها . شعرت بأنها تحب أن تتناول فنجان قهوة , لكنها كانت خجلى من كونها في قميص النوم . قالت بضيق : ـ الأفضل . . . الأفضل أن أذهب لألقي علي رداء آخر . . . أنا . . . أجفلت عندما وقف , رافعاً حاجبيه الأسودين بسخرية وهو يتقدم نحوها . ـ هذه حشمة بالغة يا روزي ! لكنها غير ضرورية . أظن لدي ما يكفي من السيطرة على مشاعري فلا أستسلم لإغراء منظرك بقميص النوم . ثم إن قميصك هذا ليس شديد الإغراء , أليس كذلك ؟ إنه ليس قميص عروس , بالضبط كما . . . ـ أظنك عندما تذهب إلى سريرك ستلبس بيجاما حريرية . دافعت روزي عن نفسها بهذا القول متذكرة رواية كان البطل فيها يرتدي تلك الملابس . وتابعت تقول : ـ ولكن لمعلوماتك الخاصة . . . سكتت فجأة عندما أخذ غارد يضحك . لم تكن رأته يضحك من قبل إلا نادراً . ولأمر ما , سبب ضحكه هذا , لها , طعنة مؤلمة في صدرها . سألته بارتياب : ـ ما هذا , ولماذا تضحك ؟ قال يهز رأسه والمرح بادٍ في عينيه : ـ لا يا روزي ! أنا لا أرتدي بيجاما حريرية . أنا , في الواقع لا أرتدي شيئاً على الإطلاق . قال جملته الأخيرة , وهو يحدق فيها بإمعان . لم تستطع روزي منع وجهها من الاحمرار خجلاً وارتباكاً . ليس فقط لما قاله , حتى ولا لضحكه هذا , وإنما للصورة المفزعة التي تمثلته فيها عارياً . غصت بريقها , وقد منعتها صدمة مشاعرها من ملاحظة كيف تحول الهزل في عيني غارد إلى تفحص دقيق . قطب جبينه لما بدا على وجهها من شحوب وألم . سمعته يقول لها فجأة : ـ اذهبي إلى سريرك , يا روزي ! لقد عانيت كثيراً من التوتر والإجهاد , مؤخراً تصبحين على خير . . . شعرت روزي بأن كل هذا كثير عليها , فقالت بصوت خنقته الدموع : ـ أنا لست طفلة , يا غارد . أنا امرأة . . راشدة , وقد حان الوقت لأن تدرك هذه الحقيقة وتعاملني على أساسها . غالبت بغضب دموعها التي كانت تحجب عنها الرؤية , وإذا بها تسمع صوت غارد يقول محذراً : ـ لا تغريني , يا روزي ! لا تغريني ! . * * * * * * : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #7 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 6 ـ لم تستطــع الهرب ـ إذن , فقد تزوج غارد أخيراً ! لا يبدو أنني أستطيع لومه ! قال السيد (( ديبوا )) هذا لروزي وهو يصافحها بعد قيام غارد بواجب التعارف بينهما . ثم سأل غارد بإنكليزيته الحذرة : ـ متى تزوجت , يا صديقي ؟ ـ منذ فترة قصيرة . قال السيد (( ديبوا )) لروزي معتذراً : ـ لا بد أنك غاضبة مني جداً , يا سيدتي . ولكن ليس بمقدار غضب غارد , كما أظن . لكنه الوحيد الذي أثق به للقيام بمثل هذا العمل الهام لنا . من المهم جداً , عندما نعرض قضيتنا على السلطات , أن يكون لدينا كل المعلومات . . . الواحد منا , هذه الأيام , لا يكتفي بالمعلومات والبلاغة , بل عليه أن يقدم وقائع , وأرقاماً , ورسوماً بيانية . عليه أن يتعلم الكمبيوتر , أو يتحمل العواقب . هل أخبرك غارد شيئاً عن أعمالنا ؟ سأل روزي هذا وهو يدعوهما إلى مكتبه الفسيح المشرف على مركز الأعمال في المدينة . ـ بعض الأشياء . أجابته بذلك , معترفة لنفسها على كره منها , بأنها مستمتعة , نوعاً ما . شعرت بالسرور لاستعمال عقلها وقدراتها اللغوية , وأكثر من ذلك شعورها بأنها ماهرة في شيء لا يستطيع غارد أن يماثلها فيه تماماً . وكما سبق أن قال غارد , كانت إنكليزية السيد (( ديبوا )) محدودة جداً . كثير من الاصطلاحات التقنية التي كان يستعملها وهو يشرح لها بحماسة احتياجات مؤسسته , غير مألوفة لديها , رغم أنها تمكنت بسرعة من تفسير معانيها . أثناء متابعة غارد لحديثهما . استطاعت أن ترى من تقطيبة لجبينه , بأنه يجد صعوبة في ذلك . ودون أن تعلم السبب , وجدت نفسها تسكت السيد (( ديبوا )) بلطف , ثم تلتفت إلى غارد بسرعة لتشرح له ما كانا يقولان , غير منتبهة أثناء ذلك لجو السلطة والثقة بالنفس الذي بدا في صوتها أو للنضج الذي أسبغه ذلك عليها . عندما نظر السيد (( ديبوا )) في ساعته أخيراً , هتف مدهوشاً للوقت الطويل الذي أمضوه . دهشت هي أيضاً لسرعة مرور الوقت , ولمبلغ استمتاعها بما كانت تفعل , رغم أنها كانت تزعم دائماً أمام أبيها وغارد أنها لا تحب الكمبيوتر وملحقاته , ويسعدها جداً أن تدع الأمور كما هي . عندما نهضا للخروج , التفت السيد (( ديبوا )) إلى غارد , قائلاً : ـ أنا وزوجتي سنقيم حفلة عائلية صغيرة هذا المساء , احتفالاً بتخرج ابنتنا الكبرى من الجامعة . و يسرني جداً أن تكونا معنا إلا إذا كان لديكما خطط أخرى . . . أجاب غارد بسرعة : ـ كلا على الإطلاق ! متى تريدنا أن نكون هناك ؟ حالما أصبحا بمفردهما , التفتت روزي إليه محتجة . ـ لا يمكنني الذهاب إلى حفلة , يا غارد . لم أحضر معي ملابس لائقة بالمناسبة قال بجفاء . ـ ليست بروكسل قائمة على كوكب آخر ! إن فيها متاجر جيدة جداً , على ما أعتقد . كما علي أن أحذرك , يا روزي , من أن السيد (( ديبوا )) رجل تقليدي . وأظن أن تقديره البالغ لك سيصدم بشكل ما إذا أنت لبست ثوباً في حفلة ابنته سبق واشتريته من الحوانيت الخيرية , وربما سيعتبر ذلك إهانة . التفتت إليه روزي غاضبة وقالت بحدة : ـ لست بحاجة إلى أية محاضرة منك , يا غارد , بالنسبة لما ألبس أو لا ألبس . كان لديها في بيتها ثوبان أسودان قصيران اشترتهما خصيصاً لتلبسهما عندما كانت تخرج مع أبيها أو جدها في المناسبات الاجتماعية المختلفة . ربما كانت تفضل البنطلون المريح , أو الأثواب المخملية و الحريرية التي تلتقطها من التنزيلات والأسواق الخيرية . لكنها ما كانت , بأي شكل لتُحرج أيا منهما بارتدائها ثوباً تعلم أنه يشعرهما بعدم الارتياح . لكن غارد كان شيئاً مختلفاً تماماً . لقد أحبت , على كل حال , السيد (( ديبوا )) , وأدركت بنفسها , دون حاجة إلى معلومات غارد , أنه من النوع التقليدي . قال غارد وهو بنظر إلى ساعته : ـ لسوء الحظ , لدي اجتماع آخر عصر اليوم , وإلا لذهبت معك إلى السوق ! قالت له باختصـــار : ـ لا داعي , شكراً . إن آخر ما تريده هو أن يقف غارد معها في متجر أزياء ليخبرها بما عليها أن تشتري . سألها : ـ ما رأيك بتناول الغداء ؟ أجابت كاذبة : ـ سلت جائعة . تبددت الآن تلك الغبطة التي كانت تشعر بها . لم يجعها غارد غاضبة فقط بتعليقاته على ملابسها , وإنما . . . وإنما ماذا ؟ جرح كرامتها ؟ آلمها ؟ هذا مستحيل . لا شيء مما يقوله غارد يمكن أن يحدث فيها بهذا الأثر . ذلك لأن ليس له عليها مثل هذا التأثير . ـ إذا كنت بحاجة إلى نقود , يا روزي . . . لكنها هزت رأسها نفياً قائلة بغضب : ـ بمقدوري شراء ملابسي , يا غارد . ـ نعم , أعلم هذا ! اسمعي , يا روزي ! عندما تعثرين أخيراً على رجلك الكامل الرائع , أرجو أن تتذكري كم ما زلنا , نحن الرجال , رجعيين , من طراز ما قبل التاريخ . سألته بارتياب : ـ ماذا تعني ؟ ـ أعني أنه , بالرغم من أنني لا أكره شيئاً كما أكره المرأة التي تلتصق بالرجل كالنبات المتسلق , إلا أننا , نحن الرجال , ما لنا تستمتع بكوننا نستطيع تدليل نسائنا وإطلاق العنان لهن . ـ بمكافأتهن على حسن سلوكهن ! بشراء أشياء تلقونها إليهن كما تلقون بقطعة بسكويت إلى الكلب ؟ قالت متحدية , وعيناها تنضحان ازدراء وغضباً وهي تتابع : ـ الرجل الذي أحب , ينبغي أن يعاملني معاملة الند للند يا غارد , في كل شيء . آخر شيء يريده هو أن أشعر نحوه بالامتنان لأي شيء . ما سيعطيه الواحد منا للآخر , يعطيه إياه مجاناً . سكتت فجأة مقطبة جبينها وهي ترى كيف كان غارد ينظر إليها : ـ ما هذا ؟ ماذا حدث ؟ سألته ذلك مترددة . لم تره قط من قبل ينظر إليها بهذا الشكل , ويحدق إليها بمثل هذا التركيز العنيف . أجاب بخشونة : ـ لم يحدث شيء ! ولكن , يوماً ما , يا روزي , سيكون عليك أن تنضجي وتختبري الألم الذي يرافق مثل هذه المثالية . وعندما يحدث ذلك أرجو أن يكون بجانبك من يلملم حطامك . . . تمتمت بتمرد , بصوت منخفض : ـ على أن لا تكون أنت ذلك الشخص . * * * مضت ساعة تقريباً منذ أنزلها غارد في منطقة التسوق في المدينة , لكنها حتى الآن لم تجد شيئاً يعجبها . أخذت روزي تفكر في ذلك وهي تقف بجانب متجر صغير , تتفرج على الثوب المعروض في واجهته , والمصنوع من المخمل الأسود والتافتا . كان قسمه الأعلى من المخمل الأسود , بينما انحدرت فتحة العنق قليلاً عن الكتفين , هذا إلى كمين طويلين ضيقين . كان المخمل محكم التفصيل حول الخصر بينما كانت التنورة التافتا تتسع من فوق الوركين مباشرة . القماش النفيس واللون الأسود منحا الثوب مظهراً رصيناً . لكن التنورة جعلته ثوباً للفتيات لا يلائم امرأة كالمدام الكونتيسة , مثلاً . دخلت روزي المتجر مملؤة بعزم . قالت البائعة متشككة عندما سألتها روزي عن الثوب : ـ إنه قياس صغير جداً . . . ولكن , نعم قد يلائمك ! أضافت الجملة الأخيرة بعد أن خلعت روزي معطفها لتجرب الثوب . وأخذت تتأمل صورتها في المرآة . كان سواد المخمل يبرز لون بشرتها العاجي , وخصلات شعرها التي تلامس كتفيها المكشوفين تُضفي عليهما شيئاً من النحول ما جعلها تقطب جبينها قليلاً . قالت البائعة بحماس : ـ إنه مصنوع لك خصيصاً . أجابت مترددة : ـ ولكنه غالي الثمن .! كان عليها أن تشتري حذاء جديداً يلائم الثوب . وفي النهاية , كانت عادة غارد في السخرية من ملابسها وذوقها , هي التي جعلتها تحزم أمرها بينما البائعة تؤكد لها أنها لن تندم على شرائه وهي تلفه لها , قائلة : ـ إنه ثوب كلاسيكي لا يبطل طرازه . وتابعت روزي طريقها إلى متجر الأحذية الذي سبق ومرت به . وعندما وافاها غارد , في ما بعد إلى المكان المتفق عليه , كان الشيء الوحيد الذي قاله : ـ إذن , فقد وجدت شيئاً يعجبك ! كانت تحمل عدة أكياس أخرى بالإضافة إلى الثوب . . حذاء , حقيبة يد صغيرة للسهرة تلائمهما , وشاحاً ناعماً من الكشمير لتلبسه فوق الثوب , صندوقاً صغيراً مزخرفاً من طراز القرن الرابع عشر وجدته في حانوت للتحف اشترته هدية لابنة السيد (( ديبوا )) . في الطريق إلى الحفلة , أخذت تفكر في أنه ربما كان من الأصوب لو اشترت شيئاً عادياً , لكن هذا الصندوق كان رائع الجمال . ـ تباً لي ! قال غارد ذلك فجأة , ما جعل روزي تنظر إلي مستفهمة وتابع مفسراً : ـ كنت أريد أن أطلب منك شراء هدية لابنة السيد (( ديبوا )) لكن الوقت فات الآن و . . . قالت وهي تلتفت إلى المقعد الخلفي تتناول اللفافة التي سبق ووضعتها هناك : ـ لكنني اشتريت لها هدية , فعلاً . ثم فتحت اللفافة تريه الصندوق المزخرف . عندما لم يقل شيئاً , هبط قلبها قليلاً , يبدو أنه لم يعجبه ! تملكها الغضب . لا بأس , فقد أعجبها هي . . . ـ أتعلمين يا روزي ؟ إنك تدهشينني أحياناً . تتظاهرين بعدم اهتمامك بالأشياء القديمة , وتعلنين أن من الإجرام تقريباً الاحتفاظ بمكان مثل (( مرج الملكة )) منزلاً خاصاً , ومع ذلك تذهبين لتشتري شيئاً كهذا . . . ـ إذا لم يكن يعجبك . . . قالت ذلك بتحد , لكن غارد سارع إلى القول : ـ كلا , لا أقصد . . . إنه رائع الجمال ! جعلها مديحه غير المتوقع لا تدري ما تقول . رفعت بصرها إليه فباغتتها نظرته , لكأنه . . كأنه . . وتملكها شعور غريب غير مألوف . ـ روزي ! . . . لماذا تشعر الآن بقشعريرة لنطقه باسمها , وهي التي طالما سمعته يتلفظ به من قبل ؟ لماذا تذكرها طريقة لفظه لها بالماء الرقراق في النهر ؟ باحتكاك المخمل الناعم بالبشرة ؟ بهمس العاشق لحبيبته . . . ؟ اندفعت تتكلم بسرعة , محاولة التخلص من هذه الأفكار الخطرة : ـ حتى إنني تذكرت شراء ورق ملون , يا غارد , وبطاقة . أتعرف اسمها ؟ كان يجب أن أسأل عنه السيد (( ديبوا )) . أرجو ألا تظننا متطفلين , فهذه حفلتها وهي لا تعرفنا . ـ أعتقد أن اسمها (( هلوزا )) . لا أظنها ستكره حضورنا . قال ذلك وقد ران عليه هدوء مفاجئ . لم يتكلم بعد ذلك إلا حين وصلا , فقط ليقول إنهما , ما داما لم يتغديا , ولا بد أنها جائعة , لهذا سيسأل المدام عما إذا كان ممكناً أن يتناولا الغداء في جناحهما . ـ آه ! هذا حسن ! أنت جاهزة إذن , سنكون هناك في الوقت المناسب , ولكن . . . أحست روزي بالارتباك حين سكت غارد فجأة وراح يتأملها . أخذت تنظر إليه مترددة من باب غرفة النوم المفتوح . في المتجر , كانت واثقة من حسن اختيارها للثوب , لكنها الآن , فجأة , لم تعد واثقة . صمت غارد , والطريقة التي ينظر بها إليها . . . استجمعت ثقتها بنفسها وقالت : ـ ماذا حدث ؟ إذا لم يكن الثوب مناسباً . . . هز غارد رأسه وهو يسير إلى حيث سترته فيرتديها : ـ بل هو ممتاز . . . بدا صوته متوتراً على غير عادة , أبح قليلاً , فانصرفت بذهنها عن مظهرها هي إلى حركات عضلاته تحت القميص الأبيض , شاعرة بجفاف في حلقها . فجأة أصبحت أحاسيسها مرهفة بشكل غير عادي , ما جعلها تشم رائحة جسده رغم بعد المسافة بينهما . تسارعت خفقات قلبها . احمر وجهها , واستدارت بسرعة عائدة إلى غرفتها وهي تقول بصوت عال : ـ وشاحي ! . . . كدت أنساه في هذا الجو البارد . . . هل استطاع غارد أن يسمع الارتباك والاضطراب في صوتها كما سمعته هي ؟ لم تكن تشعر أبداً بالبرد , ولكن أي تفسير آخر يمكن أن تقدمه لارتجاف جسدها ؟ ـ هل تشعرين بالبرد ؟ سألها هذا وهو يتبعها إلى غرفة نومها , مقطباً جبينه . أجابت وهي تضم الوشاح حولها بإحكام . ـ كنت كذلك ولكنني الآن بخير . ظننت . . . ظننتك تريد الخروج . لا أريد أن نتأخر . أجاب بجفاف : ـ كذلك لا نريد أن نصل باكراً . ثم إننا , على كل حال , عروسان . . . عندما أخذت تنظر إليه بحيرة , فسر لها الأمر متجهماً : ـ استعملي ذكاءك , يا روزي ! نحن عريسان من المفترض أنهما غارقان في الحب . ولو كان الأمر كذلك حقاً , لما سمحت لك بالخروج من هنا بسهولة , ولما كنت تقبلين بالخروج ! كان صوته انخفض إلى حد الهمس , مشبهاً التنويم المغناطيسي , وأطلق رجفة محمومة أخرى في كيان روزي , بينما تابع يقول : ـ لو كنا حقاً عريسين مغرمين لكان ثوبك الصغير هذا مُلقى على الأرض وأنت بين ذراعي . صرخت وهي ترتجف : ـ أسكت , يا غارد , أسكت ! نحن لسنا مغرمين ببعضنا البعض . نحن لسنا . . . ليس الأمر بهذا الشكل . . و . . قال بجفاء : ـ لا ! من المؤكد أننا لسنا كذلك . هل أنت واثقة من أنك تريدين هذا الوشاح ؟ تبدين متوهجة تماماً . . . قال ذلك وهو يفتح لها الباب . حملقت روزي فيه وهي تهم بالخروج إنه يعلم جيداً ما الذي سبب احمرار وجهها بهذا الشكل . تباً له ! عندما أسرعت تهبط السلم , تملكتها رجفة أخرى , أكثر حدة هذه المرة , مصحوبة بالألم , ما جعلها تعض شفتها بحدة لتكبحها . خافت من أن تشعر بالاستغراب والضيق بين أناس لا تعرفهم , أو أن تكون ابنة السيد (( ديبوا )) كارهة دعوة أبيها لهما . مخاوفها تلك سرعان ما تلاشت , ليس فقط أمام حرارة ترحيب السيد (( ديبوا )) وزوجته , وإنما من الاستقبال الحماسي الذي تلقياه من (( هلواز )) نفسها , وسرعان ما رأت روزي نفسها وسط مجموعة من الشابات والشبان , بينما بقي غارد يتحدث إلى مضيفه ومضيفته . كانت (( هلواز )) وأصدقاؤها مجوعة ذكية مليئة بالحيوية من شبان وشابات أخذوا يتحدثون عن آرائهم ومعتقداتهم بصراحة , مازحين مع روزي قليلاً لما رأوه من استنكارها مفهوم المواطنية الأوروبية . لكنها سرعان ما اكتشفت أنهم , مثلها , يهتمون كثيراً بأحوال البائسين , ثم وجدت نفسها مستغرقة في حديث مع أحد أصدقاء (( هلواز )) عن المشكلة المتفاقمة لمتشردي المدن . رغم أن هذا الفتى , واسمه (( رينولد )) , لم يكن يشبه , رالف شكلاً . . . إذ كانت بنيته أكثر صلابة , شعره كثيفاً جعداً بني اللون , وكذلك لون عينيه اللتين كانتا تطفحان حرارة وإعجاباً كلما نظر إليها . . . إلا أنه كان يشارك رالف كثيراً من مثله العليا التي يغلفها بروح مرحة تنقص رالف . قال يخاطبها بحماسة وهو يفصلها عن الآخرين ليتمكن من التحدث إليها على انفراد : ـ يخيل إلي أن هذه المشكلة عامة في كل البلاد . يبدو لي أننا جميعاً سنستفيد كثيراً من تبادل الآراء والخبرات , ومشاركة بعضنا بعضنا ما نتعلمه . قالت مازحة : ـ أتعني أن نقيم مؤتمراً ؟ ـ ربما نتدبر شيئاً أقل تمسكاً بالشكليات من المؤتمرات . إنني أذهب إلى انكلترا أحياناً لإداء بعض الأعمال , وسيهمني أن أزور الملجأ , إذا كان ممكناً ترتيب هذا الأمر . أجابت بحماسة : ـ أنا واثقة من إمكانية ذلك , وأعلم أن رالف سيهتم جداً بالتعرف إليك . ـ لكنك تعيشين خارج لندن كما أخبرتني . هـــل هنالك فندق . . . ؟ قالت بسرعة : ـ آه , لن يكون ثمة ضرورة لذلك . يمكنك أن تقيم معنا . فقال برقة : ـ إنني الآن أتطلع بشوق إلى ذلك . قالت (( هلواز )) لها مازحة وهي تنضم إليهما بعد ذلك بعشر دقائق : ـ لا تنظري إلى رينولد بجد أكثر من اللازم . إنه مغازل رهيب . . . قال رينولد محتجاً , دون أن يخجله كلاهما : ـ أنت غير منصفة , يا (( هلواز )) . أنا جاد تماماً في ذلك . كان الثلاثة ما زالوا يضحكون عندما جاء غارد لينضم إليهم بعد عدة دقائق . قال لروزي موضحاً للآخرين : ـ آسف لأن الوقت حان لذهابنا . علينا أن نستقل الطائرة في الصباح الباكر . ـ أهكذا سريعاً ؟! قالت روزي ذلك باحتجاج , غير قادرة على إخفاء دهشتها حين أخبرها غارد عن الوقت . وعندما صارا في السيارة متجهين إلى القصر , قال : ـ لا حاجة لأن أسألك إن كنت استمتعت بالحفلة . كان في صوته نبرة لم تفهمها روزي . لم تكن غضباً أو ضيقاً بالضبط , إنما . . . , شيء ما . . . ـ يبدو أنكما , أنت والفتى (( رينولد بريسيه )) وجدتما الكثير لتتحدثا عنه . الفتى رينولد . . . ؟ قطبت روزي جبينها . كان رينولد أخبرها , في غمرة الحديث , أنه احتفل لتوه بعيد ميلاده الخامس والعشرين , وهذا ربما يجعله أصغر سناً من غارد , لكنه طبعاً لا يجعله يستحق نبرة الاحتقار الغريبة في صوت غارد . قالت بلهجة المدافع : ـ كان يحدثني عن اشتراكه في مشروع ملجأ مماثل لملجئنا . بدا عليه الإهتمام البالغ بعملنا . وأنا . . . أنا دعوته لزيارتنا والتعرف إلى رالف عندما يذهب إلى لندن لقضاء أعماله . أسرعت بكلامها متجنبة النظر إلى غارد أثناء كلامها . أما لماذا تملكها شعور بأنها أخطأت بعض الشيء . . وأنها , بشكل ما , أغضبت غارد ؟ فهذا ما لم تجد له تفسيراً واضحاً . قال غارد باستفزاز : ـ وهل هذا سيكون غرضه الوحيد من زيارته ؟ أن يتعرف إلى رالف ؟ ارتاحت روزي لجو السيارة المعتم الذي أخفى احمرار وجهها . فقد تضمن صوت غارد شيئاً من التوتر عزز شكلها السابق . قالت : ـ طبعاً , أي سبب غير هذا يجعله يحضر ؟ ـ هيا , يا روزي ! حتى أنت لست بهذه السذاجة ! كان واضحاً تماماً أن (( رينولد بريسيه )) أكثر اهتماماً بتفحص سريرك منه بتفحص أسرار الملجأ . قالت محتجة : ـ هذا ليس صحيحاً , حتى ولو كان ذلك . . . سكتت فجأة وهي تدرك أن الادعاء الذي كادت تتفوه به , وهو أن هذا ليس من شؤون غارد , هذا الادعاء لم يعد صحيحاً تماماً . أدركت أنها نسيت تقريباً علاقتهما الجديدة . سألها بصوت خشن : ـ حتى ولو كان ذلك , ماذا ؟ أنك غير مهتمة به ؟ ليس هذا ما لاحظته . ـ كنا نتحدث , وهذا كل شيء . قالت ذلك وهي تفكر . . . ما الذي حدث لغارد ؟ كان يبدو تقريباً وكأنه . . . وكأنه ماذا ؟ كأنه يغار ؟ هذا مستحيل ! ورغم ذلك , فإنها لم تفعل شيئاً يستحق غضبه . ابتدأت السعادة , التي شعرت بها في الحفلة , تتبدد . أشاحت بوجهها عن غارد وأخذت تنظر من النافذة إلى القلعة . شعرت برجفة خفيفة وهي تتذكر ما كان بيتر قاله لها عندما سألته كيف سينهيان , هي وغارد , (( زواجهما )) ! , قال لها , آنذاك , محذراً : ـ سيكون عليكما البقاء معاً سنة على الأقل ! أي مدة أقل من تلك يمكن أن تثير الشكوك بالإمكان في البداية , اختيار الانفصال وبعد ذلك تتجهان نحو الطلاق . سنة على الأقل ! بدل لها ذلك مدة طويلة . . . طويلة جداً . سمعته يقول متوتراً : ـ لا فائدة من العبوس والصمت , يا روزي ! إنك تعلمين ما هو الوضع . . الدور الذي وافقت عليه , واخترت القيام به . إنك عروس جديدة . و العروس الجديدة لا تتجاهل زوجها لتعبث مع رجل آخر . قالت بغضب : ـ إذا كنت تعني رينولد , أنا لم أكن أعبث معه . كنا نتحدث فقط . سكتت والتفتت إيه بعينين ملتهبتين . كان يركز اهتمامه على الطريق , وعيناه مسمرتان أمامه وقد توتر فكه . قالت له برعونة : ـ ربما لست قادراً على التحدث مع امرأة من دون أن تعبث معها , يا غارد ! ولكن ليس كل الرجال مثلك , والحمد الله ! قال بخشونة : ـ هذا صحيح ! أشك في أن عزيزك الغالي رالف , مثلاً , أوه (( رينولد بريسيه )) , مستعد للمجازفة بسمعته في زواج احتيالي , فقط لأجل . . . وعندما سكت ألحت عليه بالقول : ـ فقط لأجل ماذا ؟ لأنني طلبت منك ذلك ؟ إنك غير منصف , يا غارد . إننا , نحن الاثنين , نعلم بالضبط لماذا وافقت أنت على هذا الزواج . إنك تزوجتني لأنك تريد المنزل . شعرت روزي , وهي تقول هذه الكلمات , بغصة في حلقها حين اكتسحتها موجة عنيفة من الشعور بالوحشة . لم تكن تريد زواجاً زائفاً . . زوجاً لا يكن لها حتى نوعاً خاصاً من المودة , وليس الحب . آخر شيء كانت تريده هو أن تعيش حياة ملؤها الكذب والخداع . . أن تعيش مع رجل لا يشعر نحوها بسوى الاحتقار ويسخر منها على الدوام . كل ما تقوم به هو ضد مبادئها . لا عجب إذن من شعورها بعدم الرضا عن نفسها , ومع كل هذا التوتر والتعاسة . كانت حمقاء إذ أصغت إلى بيتر , وظنت أن . . . ـ وطبعاً , فإن الرجال أمثال رالف ورينولد في هذا العالم هم غاية في الكمال والتعقل ليفكروا بشيء كهذا . هل هذا ما تظنينه ؟ لا تخدعي نفسك , يا روزي ! لو أنك ألقيت بأوراق ملكية (( مرج الملكة )) طعماً أمام رالف , لما فكر مرتين بما يتضمنه مثل هذا الزواج أخلاقياً . أما بالنسبة إلى رينولد , لا أدري إذا كان فكر في أن يخبرك , أثناء مثابرته على مغازلتك , أن أسرته وأسرة (( هلواز )) متفقتان منذ سنوات على أنهما , هو وهي , سيتزوجان في النهاية ؟ إنهما قريبان تربط بينهما أمور معقدة متعلقة بالأملاك والعمل . . . والزواج بينهما سيحل كل هذه الأمور بشكل حسن جداً بالنسبة إلى الأسرتين . وإن كان هذا لا يمنعه من أن يغازلك . ـ أسكت ! . . . أسكت . أخذت روزي تصيح به وهي ترتجف , رافعة يديها تغطي بها أذنيها وهي تسأله بعنف : ـ لماذا تنتقدني دوماً وتسخر مني ؟ لماذا تفسد كل شيء بالنسبة إلي ؟ إنني لست حمقاء على الإطلاق يا غارد , مهما كان ظنك بي ! وإذا كنت أختار وأفضل أن أرى محاسن الناس , فهذا لا يعني أنني قليلة الحذر . وعندما أخذت تغالب دموع الغضب التي أوشكت على الانهيار , أشاحت بوجهها عنه وهي تقول بصوت منخفض متألم : ـ لا بأس ! ربما كان رالف سيوافق على الزواج مني لو أنني قدمت إليه (( مرج الملكة )) . لكنه , على الأقل , ما كان ليأخذ البيت لنفسه , وإنما . . . قاطعها غارد بخشونة : ـ لكان دمره تماماً مثل إدوارد ! إكبــري , يا روزي ! هـــــل تصدقين حقـــــاً أن رالف كان سيهتم مثقال ذرة بالمنزل وتاريخه ؟ وأنه ما كان ليسحب أخشاب الجدران , ببالغ الســــرور , ليغطي بها السلم إذا وجد ذلك ضرورياً لمؤسسته الخيرية ؟ هل تعلمين ماذا كان سيحصل (( لمرج الملكة )) في مثل تلك الظروف ؟ إذا كنت تظنين أن أي شيء . . أي شيء , على الإطلاق , من المنزل الأساسي كان سيبقى مألوفاُ لأبيك أو جدك في الوقت الذي ينتهي فيه رالف وجماعته منه , أنت إذن حمقاء . قالت غاضبة : ـ إنك لم تحب رالف قط , أليس كذلك ؟ كنت دائم السخرية منه . حسناً , لا تظنني لا أعلم السبب , يا غارد . . . سكتت روزي فجأة وهي تلتفت إليه لترى تأثير كلامها هذا عليه . لم يبد عليه ما توقعت . لا الغضب البالغ ولا السخرية . . . كان فكه متوتراً وكأنه يحاول السيطرة على نفسه. رأت النظرة التي بدت في عينيه وهو يلتفت إليها . تملكتها رجفة لا إرادية وهي تسمعه يقول بنعومة : ـ استمري , يا روزي . . . آه , كم تمنت لو أنها لم تبدأ هذا الحديث قط ! لكن فات أوان التراجع الآن ! . . قالت تتحداه بشجاعة : ـ إنك تكره الحقيقة أنه ليس مثلك , إنه لا يهتم بالمال أو المادة , لأنه . . . أجفلت حين أخذ غارد يضحك , وتملكها الاضطراب لردة فعله غير المتوقعة هذه التي نبهتها وحذرتها أكثر مما لو كان ثار غاضباً منها مستنكراً مزاعمها . قال معنفاً : ـ رالف لا يهتم بالمال ؟ لماذا إذن يزعجني على الدوام بطلب التبرعات للملجأ الغالي ؟ ـ هذا أمر مختلف . إنه لا يريد المال لنفسه . إنه . . . ـ لا ؟ هل هذا ما تظنينه حقاً يا روزي ؟ لا بأس . أنا أوافقك على أنه لا يطلب المال لينفقه على نفسه , وعلى شراء أملاك لنفسه , لكنه حتماً يريد المجد الذي يعرف جيداً أنه سيحصل عليه بتحويله ذلك المكان الحقير المثير للشفقة إلى مبنى أفخم وأكبر حجماً وأهمية . عضت روزي شفتها وحولت نظراتها عنه . رغم ما في كلام غارد من قسوة , إلا أنه كان يحتوي على بذرة من الحقيقة هي أكثر نزاهة وصدقاً من أن تنكرها . شعرت بالارتياح وهي تدرك أنهما وصلا إلى مدخل القصر . ولعل المدام تنتظرهما في الردهة , أو بالأحرى تنتظر غارد . ـ ماذا . . ؟ لا شيء تقولينه عن نفسك , أو تدافعين به عن عزيزك رالف ! ولا أدري سبب ذلك. قال غارد ذلك ساخراً وهو يوقف السيارة أمام القصر . لكنها لم تهتم بأن تجيبه . وما الفائدة , على كل حال ؟ أخذت روزي تخلع ثوبها , متعبة . لم تكن المدام في انتظارهما , ولكن عندما وصلا إلى جناحهما , أعلن غارد أن لديه عملاً عليه إنجازه . ثم جلس خلف المكتب متجاهلاً إياها كلياً وهذا بالضبط ما تريده هي . أما لماذا جعلها هذا متضايقة سيئة المزاج , فلم يكن لديها أي تفسير . لا يمكن أن يكون السبب هو خسارتها نقاشاً معه , حتى ولا شعورها بالغم من عبء هذا الدور غير المألوف ولا المرغوب فيه . قطبت جبينها عندما تعطل سحاب ثوبها . تملكها الضيق وحاولت إصلاحه . بعد عشر دقائق , وبعد أن آلمتها ذراعاها فيما لا يزال السحاب معطلاً , اعترفت بالهزيمة , مدركة أن ليس أمامها سوى خيارين . . إما أن تنام بثوبها هذا , وإما أن تلتمس المساعدة من غارد . سارعت على كره منها إلى باب غرفتها تفتحه ثم تقف في العتبة تنظر إلى غارد مترددة , بينما هو منكب على عمله . كان ظهره نحوها . بدا منكباً على عمله بحيث ترددت روزي في مقاطعته . . . ربما إذا هي حاولت مع السحاب مرة أخرى . . . ـ نعم , يا روزي ! ماذا تريدين ؟ قفزت نظرات روزي المجفلة لتقابل نظرات غارد الذي وضع القلم واستدار نحوها . ـ إن السحاب في ثوبي معطل و . . . ـ الأفضل أن تأتي إلى هنا وتقفي في الضوء لأتمكن من روية ما أقوم به بشكل صحيح . قال ذلك مشيراً إلى وسط الغرفة . ـ ربما أنت تكبرين رغم كل شيء . قال ذلك بجفاء وهو يمسك بكتفيها ليتمكن من فحص ظهر ثوبها . سألته متصلبة : ـ ماذا تعني ؟ . حاولت أن تستدير , شاعرة بأنه أخذ يسخر منها مجدداً , لكن غارد كان يمسك كتفيها بشدة منعتها من الحركة . تملكها شعور غريب لإحساسها بأنامله على بشرتها , ولرؤيتها صورتهما معاً في المرآة التي تعلو المدفأة . صورتهما معاً في وضع حميم كان يمكن أن يكون لعاشقين . . أحست بقشعريرة خفيفة , وتنبهت إلى أنها ترى غارد , ليس كما تراه دائماً , وإنما بصفته رجلاً ! . . ماذا لو كان غارد هو الذي تعرفت إليه في الحفلة هذه الليلة , مثلاً , وهو الذي مدحها وغازلها ؟ . . خفضت نظراتها إلى الأرض , شاعرة بشيء من الخجل لاتجاه أفكارها على هذا النحو . سألها برقة : ـ متى حدث هذا , يا روزي ؟ متى أصبح إصلاح ثوب أهم لديك من عدائك نحوي ؟ قالت كاذبة : ـ لا أدري ماذا تعني ! . هل هو دليل نضج لديها أن تفضل طلب العون من غارد على تمزيق ثوبها ؟ إذا كان الأمر كذلك , فقد بدأت تتمنى لو أن قرارها كان أقل نضجاً . إنها تشعر الآن بالتوتر يزحف على امتداد جسمها فيما غارد يتفحص السحاب , مزيحاً شعرها من طريقه . كانت قرأت في الروايات عن أنفاس الحبيب , لكنها كانت تسخر من ذلك معتبرة إياه مبالغة كبرى . أما الآن . . . ابتلعت ريقها بصعوبة , مكورة أصابعها بشكل قبضتين صغيرتين مرتجفتين بينما تلفح حرارة أنفاس غارد ظهرها . قال بغيظ : ـ اهدئي , يا روزي ! قوله هذا جعلها تدرك ما كانت تفعل . كانت لا إرادياً تميل بظهرها إلى الخلف لتلتصق به وكأنها . . . قالت محاولة الإبتعاد عنه : ـ آه , دعه , يا غارد ! تملكها الذعر إذ انتبهت إلى أن هناك شيئاً مريباً جعل المشاعر تشتبك في كيانها . ـ اهدأي ! يمكنني أن أرى المشكلة الآن . هناك قطعة صغيرة من القطن مشتبكة بالسحاب . أظنني سأتمكن من نزعها . ـ أين ؟ دعني أراها . . . ربما يمكنني نزعها بنفسي . قالت روزي ذلك محاولة الابتعاد عن غارد والاستدارة , في الوقت نفسه , لتنظر من فوق كتفها . ولكن عندما تقدمت إلى الأمام , كان غارد تمكن من إطلاق السحاب , تاركاً المخمل اللين الناعم ينزلق عن كتفيها والقسم الأعلى من جسمها . تمسكت روزي بذعر , بالمخمل , متسمرة مكانها من المفاجأة وقد التهب وجهها بينما أخذ غارد يتفحصها بنظره . ـ كفى , يا غارد , كفى ! لا تحق إلي بهذا الشكل ! انفجرت تقول بصوت يماثل جسدها ارتجافاً . أرادت أن تستدير هاربة , لكنها , لسبب ما , لم تستطع أن تتحرك . بقيت جامدة في مكانها بينما نظرات غارد تتجول فوقها . قال برقة : ـ بأي شكل ؟ إنني , على كل حال , زوجك يا روزي . في الحقيقة . . . عندما تقدم خطوة نحوها , حملقت فيه بعينين واسعتين ذاهلتين وهي ترتجف , غير قادرة على سلخ نظراتها عنه . تابع يقول برقة : ـ وفي الحقيقة , هل لديك فكرة عما تفعلينه بي في هذه اللحظة , وأنا أراك بهذا الشكل ؟ لو أنك تعمدت هذا العمل , لما تمكنت من اختيار وضع أكثر إثارة , هل تعلمين ذلك ؟ لو كنت حقاً زوجك , يا روزي , ما وقفت هكذا أتحدث إليك ! عندما سمعها تصدر شهقات صغيرة متتابعة , قال معنفاً : ـ ماذا حدث ؟ من المؤكد أنك لست بريئة ساذجة إلى هذا الحد . . . ـ لا! . . . لا ! . . . صرخت روزي باحتجاج وهي تستدير هاربة إلى غرفتها ثم تصفق الباب خلفها وتستند إليه , بينما جسدها يرتجف كمن به حمى , وقلبها يخفق بعنف أشعرها بالغثيان . دموع العذاب التي انهمرت على وجنتيها من بين أجفانها المغمضة لم يكن لها علاقة بالحرج البالغ , أو الغضب من غارد لما فعل . منذ لحظة واحدة فقط , كانت تستمع مسحورة إلى رقة صوته ! الصدمة , الشعور بالحرج , بالذنب , بالخوف . . . كل ذلك شكل لها نوبة من الذعر والألم الغامض . ابتعدت روزي عن الباب ببطء وهي ترتجف من رأسها إلى أخمص قديمها , شاحبة الوجه من تأثير الصدمة . ما الذي يحدث لها ؟ ما الذي حدث لها ؟ اغتسلت بسرعة ثم خرجت من الحمام واستعدت للنوم , رافضة النظر إلى صورتها في المرآة . توهج وجهها احمراراً , لا بد أن شيئاً غير عادي حدث لها إذ تتصور غارد يغازلها برقة وهي تستجيب له ! . إنه فقط خداع مخيلتها , كما أخذت تطمئن نفسها , وغداً ستتغير مشاعرها وتعود إلى حالتها الطبيعية . * * * * * * : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #8 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 7 ـ بين عدوهـا وزوجهــــا ـ ماذا حدث يا روزي ؟ لا أظنك ما زلت مستاءة لأنني أفسدت عليك الغزل مع رينولد , أليس كذلك ؟ سألها غارد هذا بجفاء . التفتت روزي إليه بحذر , وهي تمد يدها إلى حزام الأمان عندما أعلن المضيف في الطائرة أنهم على وشك الهبوط . هــــــل نسي غارد , حـقـــــاً , مــــــا حـــــدث تلك الليلة ؟ مـــا قـاله لها , والطريقة التي نظر بها إليها ؟ كان مقطباً جبينه قليلاً وهو يربط حزامه , وشيء من نفاذ الصبر يوتر فمه . هذا الصباح , بدا غارد مختلفاً تماماً . من المستحيل أن يكون هو نفسه ذاك الرجل الذي نبهها إلى ذاته , وإلى نفسها بشكل مثير . أتراها بالغت فــــي ردة فعــلـها إزاء ما حدث ؟ هل ضخمت الأمور أكثر مما هي عليه ؟ وهل كان ضرورياً بقاؤها مستيقظة معظم الليل , خائفة من مواجهة غارد في الصباح , ومما قد يقوله ؟ وعندمــــا لم يـشـــــر في الصــــباح إلى مــا حدث , شعرت بما يشبه الخيبة . ليس هذا فقط , وإنما عاد يعاملها وكأنها طفلة مزعجة أكثر منها . . . أكثر منها ماذا ؟ امرأة ؟ تملكها انقباض مؤلم في صدرها , وسرت في وجهها وجسمها حرارة أشعرتها بالضيف . عندما استقرت الطائرة على المروج , قال غارد لها : ـ هيا , يا روزي ! ليس علينا أن نرجع بمظهر يدل على أننا متخاصمين . أجابته بتكلف : ـ أنا لست مستاءة , أنا . . . متعبة فقط هذا كل شيء . ـ متعبة . . . بعد رحلة عمل دامت يومين ؟ هذا غريب ! قال غارد ذلك ساخراً , متجاهلاً احمرار وجهها خجلاً , ثم تابع , ـ سأوصلك إلى (( مرج الملكة )) وبعد ذلك علي أن أذهب إلى مكتبي لمراجعة بعض الأمور , ثم إلى شقتي . هل طلبت من السيدة فرينتون أن تهيئ لنا غرفة . هـــــــزت روزي رأسها . هي تعلم أنها تتصرف كالنعامة . لكنه حتى الآن لم تستطع أن تحمل نفسها على مواجهة النواحي العملية التي يفرضها الزواج . ليلة زفافهما , كانت رقدت في الغرفة التي تحتلها منذ طفولتها , بينما رقد غارد في واحدة من غرف الضيوف . لكنها تعلم الآن أن لا سبيل للحفاظ على مظهر زواجهما إذا استمرا في النوم في غرفتين يفصل بينهما ممر طوله نصف ميل تقريباً . ـ أنا . . . فكرت في أن هناك غرفتين للضيوف يصل بينهما باب داخلي ؛ فإذا نظمت الفراش بنفسي , عند ذلك لا يمكن للسيدة فرينتون أن . . . فقاطعها : ـ لا يمكن للسيدة فرينتون ماذا ؟ لا يمكنها أن تعلم أننا نرقد في غرفتين منفصلتين ؟ هذا رائع يا روزي ما دامت لا تعلم . أما إذا انتشر الخبر بأننا نرقد في غرفتين منفصلتين , فيمكنك أن تثقي بأن محامي إدوارد سرعان ما يطرق بابنا . . . ارتبكت روزي , فسألها : ـ ألا توجد غرفة نوم بسريرين ؟ ـ هناك غرفة المخزن , وسيبدو الأمر غريباً شاذاً إذا رقدنا فيها . قال بلهجة مطاطة : ـ هذا صحيح . وفي طريقهما إلى البيت , قال ساخراً : ـ ابتهجي ! . إنها سنة واحدة فقط . ثم , من يدري ؟ ربما سيعجبك ذلك في النهاية . قالت باستنكار وتحد : ـ أبداً .! لكنها , على الفور , تذكرت ما شعرت به الليلة الماضية , فاحمر وجهها . ألقى عليها نظرة جانبية وهو يقول محذراً : ـ حذار , يا روزي ! فقد يعتبر الرجل هذا الكلام تحدياً ويحاول أن يثبت لك أن . . . وفيما كانت روزي تشعر بالتشنج , رافضة كلام غارد , انعطف بالسيارة صاعداً في طريق البيت , وإذا به يقطع كلامه فجأة ليسألها : ـ أليست تلك سيارة إدوارد ؟ أجابت بفتور : (( بلى ! )) . ـ . . . أتساءل ما الذي يفعله هنا . أتظنينه يقيم لنا حفلة ترحيب بالعودة إلى البيت ؟ يا له من إنسان حساس يهتم بالآخرين ! قالت متجهمة الوجه : ـ ما كان إدوارد يوماً حساساً . كانت له دوماً دوافعه الخفية . ـ . . . وليس هناك مكافآت لمن يتكهن بها هذه المرة , أليس كذلك ؟ عندما نظرت روزي إليه مستفهمة , قال مفسراً : ـ المنزل , يا روزي , المنزل ! . ـ لكن فات أوان ذلك , هو يعلم الآن أننا متزوجان . أخذت تتساءل بقلق عما يفعله إدوارد في البيت . إنه يعلم مقدار كراهيتها له وعدم رغبتها في وجوده . نبهها غارد وهو يفتح الباب الثقيل : ـ ابتسمي يا روزي , ابتسمي ! عندما أمسك لها الباب لتمر , كان عليها أن تحتك به في مرورها , فبدا وكأنه يلفها بذراعيه وعندما التفتت إليه لتقول إن آخر شيء تفكر فيه هو الابتسام , نظر إليها متمتماً : ـ وضعك هذا جيد جداً , وإذا ازددت اقتراباً مني وفتحت فمك قليلاً ربما يظن الناظر أنك تريدينني أن أقبلك . . . أن يقبلها ! بدا السخط في عيني روزي . وقبل أن تقول شيئاً , أسرعت السيدة فرينتون إلى الردهة , تستقبلها بقلق بادٍ على وجهها : ـ آه , يا روزي ! . . أعني يا سيدتي . . . ـ يمكنك مخاطبتي باسمي , يا سيدة فرينتون , يبدو عليك الاستياء ! مـاذا حدث ؟ قبل أن تجيب المرأة , سمعت روزي شخصاً يهبط السلم , وعندما رفعت بصرها رأت أنه إدوارد يبتسم لها ابتسامة التسامح الزائفة . ـ آه , روزي . . . وغارد ! هتف بذلك , ثم تبددت ابتسامته وهو يهز رأسه باكتئاب : ـ آسف للخبر السيئ ! اكتشفنا الأسبوع الماضي أن العيب الذي كان ظهر في بناء بيتنا وكنا نظنه بسيطاً , وهو في الواقع خطر جداً . لذلك لم نجد أمامنا سوى الانتقال إلى هنا أثناء قيام العمال والمهندسين بعملهم . وقد تملك مرغريت القلق بشأن انتقالنا إلى هنا من دون إعلامكم بذلك . لكنني وبختها على هذا العناء , وإلا ما فائدة القرابة إذا لم يساعد الأقرباء بعضهم بعضاً عند الحاجة ؟ وإلى أين نذهب ؟ كان من المستحيل علينا الانتقال إلى فندق بكل أوراقي السرية , كما أن الضجيج سيصيب مرغريت بالصداع الرهيب الذي يعادوها في مثل هذا الحال . ثم عندما تبدأ العطلة الدراسية ويعود الولدان . . . قلت على الفور إن علينا الانتقال إلى هنا . ما زالت مرغريت في البيت تشرف عل نقل آخر الأمتعة . لكنها سرعان ما تصل . لقد سمحت لنفسي بإعطاء السيدة فرينتون الأمر بتجهيز جناح الجد لنا . علينا طبعاً أن نحضر سريرين من غرفة المخزن . إننا نفضل هذا النوع من الأسرة هذه الأيام , لأن مرغريت لا تستطيع النوم جيداً . . . ساد صمت مطبق أخذت روزي أثناءه تحدق في إدوارد , غير مصدقة ما سمعت . ـ أنا مدرك طبعاً أنكما عريسان , لكنني أتعهد لكما بأنكما لن تشعرا بوجودنا هنا , كما ستجدين في مرغريت عوناً لك في شؤون البيت , يا عزيزتي روزي . إنها معتادة على إدارة البيوت الواسعة , وتنظيم الحفلات , وسائر الأمور المشابهة . جذبت روزي نفساً متقطعاً , وفتحت فمها ثم عادت فأقفلته , غير واثقة مما عليها أن تقول . بدلاً من الكلام نظرت إلى غارد متوسلة . الحمد الله أنه معها ههنا . إنه يعرف كيف يتعامل مع إدوارد وكيف يحمله على مغادرة المنزل . لكنها ذهلت وهي تراه , بدلاً من أن يأمر إدوارد بالمغادرة على الفور , يقول له بلهجة عادية : ـ جناح جد روزي ! أظن أنه الجناح الرئيسي في المنزل ! فقال إدوارد بلطف : ـ نعم , هذا صحيح ! ثم أضاف بهجة اهتمام بدت لها زائفة : ـ آه , عرفت من السيدة فرينتون أنكما , أنت و روزي , لا تستعملانه . يبدو أنها , في الواقع لا تعلم أين ستنامان . . . أخذ ينقل نظرات الثعلب بينها وبين غارد , ثم عاد يقول : ـ وطبعاً , الحمام الملحق بالجناح الرئيسي . . . ـ ولهذا السبب , مع الأسف , عليك أن تختار غرفة أخرى . هكذا قاطعه غارد بهدوء بينما اتسعت عينا روزي ذاهلة غير مصدقة . ما الذي يقوله غارد ؟ لماذا لم يخبر إدوارد بأن عليه المغادرة فوراً ؟ أجفلت حين مد غارد ذراعه حولها , وجذبها إليه . تصلب جسدها رافضاً بغضب وهي تحملق فيه , بينما يتابع : ـ كنا , أنا و روزي , نتحدث لتونا أثناء رحلة العودة عن تجديد ذلك القسم من المنزل . إنني , في الواقع , أنوي الاتصال بالمهندس غداً . لأكون صادقاً معك , يا إدوارد , أعتقد أنك ستجد غرف الطابق العلوي أكثر ملاءمة . . . خصوصاً , مع قدوم العطلة المدرسية وحضور الأولاد . وطبعاً , لأننا عريسان جديدان نرغب في العزلة , كما قلت بنفسك . ثم التفت إلى روزي قائلاً برقة : ـ أليس كذلك , يا حبيبتي ؟ لم ينتظر جواباً منها , لحسن الحظ , وكذلك إدوارد . قال إدوارد بحذر : ـ أفهم من كلامك عن الطابق العلوي أنك تعني غرفتي النوم في طابق الأمتعة القديمة , طابق الخدم . . . ـ هذا صحيح ! والآن , نرجو المعذرة , يا إدوارد , لأن علينا القيام ببعض الأمور . وبما أنك لست ضيفاً ههنا , فإنك لا تتوقع منا البقاء معك احتفاءً بك , آه , كما أظنك لن تستطيع استدعاء السيدة فرينتون لمساعدتكم . آسف لأنني أتصرف بشكل تدعوه روزي تزمتً تقليدياً ! يا إدوارد . . . أنا أعلم أنك لن تتأثر بما سأقول ؛ و حيث أننا سنعيش تحت سقف وأحد , أعرف أنك ستتفهم رغبتي في عدم دخولك أنت أو أسرتك إلى المكتبة و المكتب بما أنني عريس , أحب أن أمضي كل ما أستطيعه من وقت مع عروسي , وهذا يعني أنني سأعمل , قدر الإمكان , في المنزل . ثم أضاف مبتسماً في وجه روزي الساخط : ـ ليس عليك أن تقلقي من هذه الناحية , يا حبيبتي , سأقوم بكل الترتيبات مع الفنيين بخصوص الفاكس والكومبيوتر وغير ذلك . آه . . . هذه أنت سيدة فرينتون ؟ أنا و روزي قادمان من رحلة متعبة . هلا أحضرتِ لنا غداء خفيفاً إلى غرفة الجلوس الشتوية ! لن أدعوك للغداء معنا , يا إدوارد , لأنني أعلم كم أنت مشغول . . . آسف لحظك السيء ! أعني بالنسبة إل تصدع بيتك . أضف غارد ذلك بينما أخذ إدوارد ينظر إليه بحذر . كان ضغط أصابع غارد المؤلم تقريباً على ذراع روزي هو الذي منعها من أن تنفجر غاضبة قبل أن يصلا إلى الصالة الشتوية الصغيرة المبطنة جدرانها بالخشب . ولكن عندما أصبحا هناك , انغلق الباب خلفهما بأمان , نفضت نفسها بعيداً وسألته بغضب والدموع تنفر من عينيها : ـ لماذا لم تطلب من إدوارد مغادرة البيت ؟ لماذا تركته يظن أن لا بأس في بقائه هنا ؟ إنك تعلم أنه لن يستطيع البقاء . لا أريده هنا! لا أصدق أنه لا يملك مكاناً آخر يذهب إليه . إنه يفعل هذا فقط لأجل . . . لأجل . . . قال غارد متجهماً : ـ استمري . لأجل ماذا ؟ اندفعت تقول غاضبة : ـ لأنه يريد أن يتجسس علينا , لأنه . . . قال غارد عابساً : ـ لأنه يرتاب فينا ! حولت عينيها إلى ناحية أخرى . لقد بدأت تدرك معنى وجود إدوارد في هذا البيت والغرض منه . ظنت في البداية أنه انتقل إلى هنا ليغيظهما فقط . لكن غارد جعلها تعلم أن إدوار ذو غرض أشـــــد لؤماً وخطورة . وهذه الخطورة جعلت الدم يهرب من وجهها مخلفاً شحـوباً بالغاً وتوتراً . ـ تقول إنه يرتاب في أننا لسنا . . . أن زواجنا . . . ولكنها مجرد تكهنات منه . قالت ذلك وهي تذرع أرض الغرفة متوترة الأعصاب , ثم اقتربت من غارد تنظر إليه متوسلة كأنها تطلب الموافقة على كلامها . أجاب مسلماً بقولها : ـ في هذه المرحلة , نعم . إنما لا تقللي من شأنه يا روزي . إنه رجل خطر للغاية . ـ إذا كنت تظن ذلك حقاً , لماذا إذن تركته يبقى هنا ؟ كان عليك أن تطلب منه المغادرة . ـ وأجازف بتقوية شكوكه ؟ لا . . . لا أستطيع القيام بذلك . كنت أنذرتك أن شيئاً كهذا ربما يحدث , وذلك منذ البداية . ـ لا , أنت لم تخبرني . إنك لم تقل شيئاً عن انتقال إدوارد للسكن معنا , أو . . . ـ ليس بالضبط . لكنني أشرت لك إلى المجازفة التي نحن مقدمان عليها . وكذلك حذرتك من أنني لن اسمح أبداً بتعريض سمعتي , الشخصية والعملية , للخطر بهذا الزواج . لا تخدعي نفسك , يا روزي , لن يكون المنزل وحده ما سنواجه خسارته لو أن إدوارد استطاع رفع دعوى ضدنا . . . الناس يواجهون أحكاماً بالسجن لأمور أقل من هذه . وسكت وهو يهز رأسه . شحب وجه روزي ذهولاً , وهمست : ـ السجن ! . . لا ! . . لا! . . إنك تحاول إخافتي فقط . توترت روزي وقطب غارد جبينه عندما سمعا طرقاً على الباب . دخلت السيدة فرينتون حاملة صينية واسعة , فهدأت روزي قليلاً . . لكن توترها سرعان ما عاد إليها نظرت مديرة المنزل إليهما بقلق , ثم انفجرت تقول : ـ لا أريد أن أقول شيئاً ليس من شأني , لكنني اشتغلت عند جدك مدة طويلة . . . وقد بدأ السيد إدوارد يلقي علي كثيراً من الأسئلة . سألها غارد بهدوء : ـ أي نوع من الأسئلة , يا سيدة فرينتون ؟ أخذت روزي تتسائل : كيف يستطيع الاحتفاظ بهدوئه في مثل هذه الحال ؟ ألم يخبرها لتوه أن الوضع دقيق وخطر ؟ ! . . . السجن ! . . هذا مستحيل ! . . . ـ حسناً , أراد أن يعلم أي غرفة ستستعملانها أنت و روزي . مثلاً , قال إنه لا يريد أن يزعج أي شخص بأخذ الغرفة التي يريد . وقال إنه لاحظ أن أشياء روزي ما زالت في غرفتها . . . شهقت روزي ثائرة . كيف تجرأ إدوارد على دخول غرفتها ؟ لو كان جدها ما زال حياً , لما سمح مطلقاً . . . لو كان جدها ما زال حياً لما حدث أي من هذه الأمور , ولما كانت احتاجت إلى الزواج من غارد . لما شعرت بحاجة إلى الكذب والخداع . شعرت بالدموع الحارة تتجمع في مآقيها . ـ قلت له إنني لا أعرف أية غرفة ستستعملان , لكنه ظل يلح علي بالأسئلة . سألني عن الغرفة التي بتما فيها بعد الزفاف . . . واحمر وجه السيدة فرينتون خجلاً و هي تنظر إليهما . قال غارد يطمئنها بسرعة : ـ لا بأس , يا سيدة فرينتون . كنا , في الحقيقة , سنتباحث معك في أمر غرفة النوم , لأنني واثق من حسن تفهمك . هناك غرفة معينة لا تريد روزي استعمالها , وذلك لأسباب عاطفية . غرفة أبيها , مثلاً , وكذلك غرفة جدها . وقد سبق وأخبرتها بأنني لا أستطيع مشاركتها غرفتها الحالية . قال غارد ذلك بلطف , جاعلاً روزي تنظر إليه ساخطة . ذلك أنهما لم يتحدثا في مثل هذه الأشياء . وإذا كان يظن أنه يتظارف . . فمن الواضح أن مديرة المنزل تعلم أن ليس بإمكانهما استعمال تلك الغرفة , خصوصاً أن ليس فيها سوى سرير فردي . ـ كنا فكرنا في القيام بجولة في أنحاء البيت لنختار غرفتنا رغم أنني أعتقد أن أية غرفة نختارها ستكون مؤقتة , إذ أن أغلب الغرف ينبغي تحديثها . أنا شخصياً أفضل الحمامات الواسعة , وذلك لأسباب مختلفة . أضاف غار ذلك بمكر ناظراً إلى روزي , ما جعلهما , هي ومديرة المنزل , تحمران خجلاً . وتابع يقول : ـ لكن روزي تصر على شراء أحدث طرازاً , وأعترف أنني سأفتقد الدوش القوي الذي في شقتي . . . انتظرت روزي حتى خرجت مديرة المنزل , ثم هزت رأسها غاضبة عندما سألها غارد عما إذا كانت تريد أن تأكل شيئاً , متسائلة كيف يمكنه أن يأكل الفطائر بمثل هذا الهدوء وكأن شيئاً لم يحدث . انفجرت تقول : ـ إنك تعلم أننا سبق وقررنا أي غرفة سنستعمل . . . قاطعها قائلاً وهو يضع صحنه جانباً ثم ينتصب واقفاً : ـ هذا في الماضي . أما الآن , فقد تغيرت الأمور يا روزي , ولهذا عليك أن تنامي في غرفتي طوال مدة وجود إدوارد وأسرته ههنا . ـ في غرفتك ؟ وأين ستنام أنت ؟ كانت قد تكهنت بالجواب مسبقاً , والنظرة التي رمقها بها أكدت أسوأ شكوكها . قالت بسرعة : ـ آه , كلا . لا , لا . . ليس ذلك ! لن أشاركك غرفتك . . يا غارد , وأنام في نفس . . . لا , لا أستطيع ! قال متجهماً : ـ ليس دينا خيار آخر . إما أن تشاركيني الغرفة و الفراش , يا روزي , وإما تشاركي شخصاً آخر في أحد سجون المملكة المتحدة . قالت مستنكرة : ـ لا , لا ! إنك تحاول إخافتي فقط . ـ ماذا ؟ أتظنينني حقاً متلهفاً إلى أي امرأة فألجأ إلى إخافتك كي تنامي معي ! اكبري , يا روزي ! ليس هذا الأمر ما يقلقني حالياً , وإنما جريمة الإحتيال . قال غارد ذلك ساخراً , بينما أخذت تعض شفتها قلقة . ثم سألته بهدوء : ـ هل تعني هذا حقاً ؟ هل تظن حقاً أن إدوارد يرتاب في أمرنا . صدرت عنها رجفة خفيفة وبدا الخوف في عينيها , وهي تتابع : ـ إننا لن نذهب حقاً إلى السجن , يا غارد , أليس كذلك ؟ أعني , ليس الأمر وكأننا . . . ـ وكأننا ماذا ؟ وكأننا ارتكبنا ذنباً في تآمرنا معاً لحرمان إدوارد من إرثه ؟ أشك في أن المحكمة ستتساهل في أمر كهذا . هذا طبعاً إذا اخترت أن تتجاهلي نصيحتي و تجازفي . . . ـ لا ! سارعت روزي تنفي ذلك . كانت قد بدأت حقاً تشعر بالخوف . قال : ـ إنني لست أسعد منك بهذا الوضع . وافقت أن أتزوجك , يا روزي , لا لأنام معك . وصدقيني إذا كان هناك طريقة أحمل بها إدوارد على مغادرة البيت دون أن أزيد من شكوكه , لما تأخرت باستعمالها . لم يكن غارد يريد أن ينام معها , أن يشاركها سريره ! قطبت روزي حاجبيها مشككة في كلامه . وهذه المشاعر الضبابية الغريبة التي تملكتها , هل هي خيبة أمل وجرح في الكرامة لهذا الرفض ؟ لا , بكل تأكيد ! * * * ـ وهكذا . . يبدو أن هذه الغرفة هي الأكثر ملاءمة . إلا إذا كنت تفضلين واحدة من الأخريات ! هزت روزي رأسها بصمت . لقد أمضيا لتوهما ساعة كاملة يتفحصان الغرف ! كانت روزي توقفت لحظة قصيرة أمام الغرفتين المتصلتين اللتين سبق وتحدثت عنهما , لكن غارد أمسك بذراعها يجرها بعيداً , وهو يتمتم متجهماً : ـ اعتبري نفسك محظوظة لتمكني من دفع إدوارد بعيداً عن طابقنا , وإلا كنا رأيناه في الغرفة التالية متلصصاُ علينا , مسجلاً بلهفة كل صوت . . . عندما رأى تغير ملامحها , عبس ساخراً : ـ أتجدين هذا كلاماً منفراً ؟ حسناً , صدقيني أنه لا شيء يذكر بالنسبة لما قد تسمعينه في المحكمة . . . كانا الآن يقفان في غرفة واسعة في الطرف المقابل من البيت , من الغرف التي كانوا , هي وأبوها و جدها , يحتلونها . وقفت روزي صامتة تتأمل السرير الضخم ذا الأربعة أعمدة . هذه الغرفة , بسريرها الواسع المريح , وخشبها الدافئ الذي يبطن الجدران , و مدفأتها , حتى الأريكة العميقة تحت النافذة . . . هذه الغرفة ربما كانت في وقت ما ملجأ لامرأة أخرى تشعر فيه بالراحة والسلام , وربما بمتعة الحب . . . لكنها , هي روزي , لا يمكنها أن تراها بهذا الشكل . عضت شفتها بعنف , محاولة صد ما تشعر به من كرب . أدركت , لأول مرة في حياتها تقريباً , أنها تشعر بالخوف ! ليس من غارد , مهما بلغ تهربها من مشاركته الغرفة . . والسرير . . لا , ما كانت تخافه هو الخطر الذي كشف لها عنه . سألته بصوت خافت وقد جفت شفتاها : ـ نحن لا يمكن . . . إننا لن نذهب حقاً إلى السجن , أليس كذلك ؟ ـ ماذا تريدينني أن أقول لك , يا روزي ؟ أن أكذب عليك بكلمات حلوة لأخفف عنك ؟ إنك أنت التي تصرين على أنك امرأة ولست طفلة ! ـ ولكن إذا اعتقد إدوارد أننا ننام مع بعضنا البعض , أننا متزوجان حقاً , أتظنه سيتوقف إذ ذاك عن الارتياب فينا ؟ ـ من المؤكد , عندئذ تصبح شكوكه واهية الأساس إنما لا تقللي من شأن إدوارد , يا روزي . إنه كاذب خداع . ومثل كل الكذابين الخداعين , يعرف تماماً كيف يميز هذه الخصال في الآخرين . ـ لا أظن أحداً نام في هذه الغرفة منذ حفلة عيد ميلاد جدي السبعين . قالت روزي ذلك بصوت متوتر , متجاهلة كلام غارد , ثم تقدمت نحو أوسع نافذتي الغرفة . كان المخمل الذي يغطي الأريكة قديماً باهت اللون كالستائر وغطاء السرير , لكنه ما زال سميكاً ناعماً ينطق بالترف ولا يماثله أي نسيج عصري , في شهر العسل . . . أجاب غارد بهدوء : ـ نعم . أعلم هذا ! كان في صوت نبرة لم تسمعها منه من قبل . بدا وكأنه يشعر نحوها بالعطف . . . بالشفقة . . . ـ روزي , أنا أعلم أن هذا ليس أمراً سهلاً بالنسبة إليك . . . تصلب جسم روزي وهي تلاحظ تقدمه نحوها من الخلف . تحولت عن النافذة مندفعة في الحديث : ـ إننا بحاجة إلى ملاءات نظيفة و . . . مناشف . هنالك بعض الملاءات , كما أظن , كبيرة الحجم . . . إنها إرلندية وكانت جزءاً من جهاز جدتي إنه سرير كبير الحجم جداً . . . ـ نعم , سرير كبير الحجم جداً , أكثر اتساعاً مما نحتاجه وكذلك عليه وسادتان مستطيلتان . ـ وسادتان مستطيلتان ؟ ـ نعم , وسادتان مستطيلتان إنك تضعينهما على طول السرير فتقسمانه إلى قسمين . في وقت ما , لم تكن أي رواية عاطفية تخلو من (( وسادة خالية )) . . . أو هذا ما سمعت عنه ! قال ذلك هازلاً . قالت بابتسامة باهتة : ـ لا يمكننا استعمالهما رغم وجودهما . ربما يراهما إدوارد ! تهدج صوتها فجأة والدمع يفيض من عينيها ثم صرخت بتعاسة : ـ لم أتصور قط أن الأمر سيكون بهذا الشكل . كل ما فكرت فيه هو حماية المنزل , هذا كل شيء ! ـ نعم , أعرف هذا . هيا ابكي ما شئت , هذا يخفف عنك . قال غارد ذلك وهو يجتاز الغرفة ويأخذها بين ذراعيه بحنان غريب . لم يكن لديها وقت للاحتجاج أو الرفض . كان رجلاً مختلفاً . أدركت ذلك وهي تستكين إلى صدره وذراعيه الدافئتين . أشعرها بمبلغ ما كانت تحس به من وحدة . . . لقد رحل أبوها وجدها ولم يعد لها أحباب تلجأ إليهم لتشكو أحزانها ومشاكلها . هذه الأفكار جعلت دموعها تفيض بغزارة مبللة قميص غارد القطني الأبيض . قالت محتجة وهي تشهق مع الكلمات : ـ لم أكن أقصد هذا . ـ أعرف . بدا صوت غارد حنوناً مغرياً في أذنيها , بنفس الحنان الذي تشعر به بين ذراعيه . ـ أنا خائفة يا غارد . ماذا سنفعل ؟ اعترافها الهامس هذا جعل ذراعيه تشتدان حولها قليلاً . لا بد أن غارد خائف هو أيضاً , كما أخذت روزي تفكر , وإلا لما ضخم من خطورة موقفهما بهذا الشكل . ـ حسناً , هناك طريقة واحدة يمكننا بها التخلص من إدوارد ! انتفضت روزي ورفعت رأسها عن كتفه تحدق فيه غير مصدقة : ـ أتعني أن نخبره بالحقيقة ؟ نعترف بأننا تعمدنا خداعه ؟ لا . . . لا يمكننا القيام بذلك ! أحبطت عندما تركها غارد فجأة مبتعداً عنها بجفاء وفتور , ثم وقف مديراً لها ظهره وهو يقول بصوت خشن : ـ الحق معك ! لا يمكننا القيام بذلك ! اسمعي , علي أن أذهب إلى المكتب الآن وسأحاول العودة بأسرع وقت ممكن . أما إدوارد , فسيكون مشغولاً بنقل أوراقه السرية , وسيكف عن مطاردتك أثناء غيابي . ماذا حدث للتناغم الذي كان بينهما منذ لحظات فقط ؟ أين ذهب كل ذلك ؟ ولكن , كان عليها أولاً أن تسأل نفسها من أين جاء ذلك , كما حدثت نفسها والتعب يتملكها , وعما إذا حدث ذلك فعلاً أم أنها كانت مجرد تخيلات . . . هكذا أخذت روزي تتساءل بقلق بعد خروج غارد . لم يحدث بينهما تقارب عاطفي قط , من قبل . . . ومع ذلك , يمكنها أن تقسم أنها شعرت , حين أخذها غارد بين ذراعيه , بأنه يريد أن يواسيها من كل قلبه , أن يطمئنها , أن يتقرب منها . . غارد يريد أن يتقرب منها ؟! ها هي ذي الآن تسمح لمخيلتها بأن تذهب بها بعيداً . لا شك أنه , في الواقع , يلعن اليوم الذي وصلت به الحماقة إلى القبول بالزواج منها . ـ كل ما أجروه هو أن تقدر ما نفعله لأجلك . همست بذلك للمنزل وهي تلمس الجدار, عندما فتحت باب غرفة النوم . ـ ما أجمل فرش السرير اللائق بالملاءات ! هتفت السيدة فرينتون بذلك راضية وهي تتراجع إلى الخلف لتبدي إعجابها بما أنجزته مع روزي . السرير ذو الأعمدة الأربعة , وكذلك كل قطعة من الأثاث في الغرفة , بما في ذلك خشب الجدران . كل ذلك صُقل ولمع , وغسلت النوافذ . صنابير المياه النحاسية في الحمام دُعكت حتى أصبحت كالذهب , وأخيراً , فُرش السرير بالملاءات والبطانيات والغطاء التقليدي المطرز باليد . نظراً لاتساع السرير , احتاج فرشه إليهما معاً . واستاءت روزي داخلياً عندما قالت مديرة المنزل إن الأسرة العصرية تجعل الحياة أسهل : ـ إنك تتعبين كثيراً في العثور على غطــاء لسرير بهذا الحجم يكفي اتساعه لنوم الأسرة كلها , أليس كذلك يا روزي ؟ أُسرة ! . . ومرت أمام عيني روزي سحابة صغيرة وهي تنظر السرير . تملكها شعور بالفـــراغ . . إحســـاس مؤلم بالوحــدة البالغة , بعدم وجود شخص حميم يشاركهما حياتها , إنه شعور لم تعرفه من قبل . شعور تملكها , لأول مرة , عصر هذا اليوم , بعد أن أبعد غارد من حولها ذراعيه . وتملكتها قشعريرة أقلقتها . عندما كتب جدها وصيته , كان يريد أن يبقى البيت ضمن الأسرة . أن يعيش أحد فيه . أن يحبه أحفاده . ثم أخذت روزي تحدث نفسها بثقة : غارد سيحبه ويعيش فيه ! سيحمي المنزل ! وفي النهاية , سيعيش فيه أولاده . تملكها الذعر لعنف الشعور بالوحشة الذي اكتسحها , خصوصاً وهي لا تعلم نماماً سبب شعورها هذا . . هل هو التفكير في أن أولاد غار لن ينشأوا في (( مرج الملكة )) , كما نشأت هي , أم التفكير في أن أولاد غارد هم الذين سينشأون فيه ؟ ومع ذلك , لم يحدث قط أن شعرت نحو المنزل بنزعة التملك . لا نحو المنزل ولا نحو غارد , وإنما العكس . القشعريرة البسيطة أصبحت رجفة عنيفة عندما أخذت الأفكار والتصورات تُلهب مخيلتها , فحاولت إخمادها بالحديث إلى مدبرة المنزل , محدثة نفسها بأن وجود إدوارد في البيت هو وحده مصدر قلقها وتعاستها . * * * * * * : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #9 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 8 ـ غـــارد والحب ـ حسناً , والآن أظنكما تريدان أن نترككما بمفردكما . الابتسامة الوحيدة التي منحها إدوارد لروزي لم تزدها إلا اشمئزازاً . ـ ليس عليك أن تبقى هنا , يا مرغريت ! أمر زوجته بذلك , بعد أن اختفى ظرفه المصطنع , وهو يشيح بوجهه عن روزي ويحدق في زوجته عبر مائدة العشاء , متابعاً : ـ ما زال هناك أشياء كثيرة عليك أن ترتبيها , لا أدري كيف تبقين جالسة عديمة النفع بهذا الشكل ! استاءت روزي بغضب لأجل مرغريت , عندما احمر وجه المرأة الشاحب الهزيل ونهضت على الفور طائعة تلبي أوامر زوجها . حاولت روزي مساعدتها بشكل آلي , دافعة كرسيها إلى الخلف وهي تقول لها بسرعة : ـ لماذا لا تؤجلين ذلك إلى الغد , يا مرغريت ؟ لن أذهب إلى العمل في الملجأ قبل العصر , وبذلك يمكنني مساعدتك , وأنا واثقة من أن السيدة فرينتون لن تمانع في مساعدتنا كذلك . . . ـ الملجأ ! . . ( ارتفع حاجبا إدوارد وهو يقاطع روزي بغلاظة ) يا إلهي ! . . كنت أظن غارد وضع حداً لذهابك إلى هناك . بالنسبة إلى تلك الحثـــالة من الناس القانطين في الملجأ , لا أدري ماذا بإمكانك . . . قاطعته روي غاضبة : ـ إنهم ليسوا من حثالة الناس ! ليس منهم من كان يريد أن يكون شريداً دون مأوى , يا إدوارد . . . ليس منهم من كان يريد أن يعتمد على الآخرين , على الدولة للحصول على صدقات و . . . نفرت عندما أمسك غارد بيدها . أرادت أن تنتزع أصابعها من قبضته , لكنها لم تجرؤ تماماً على ذلك . عملها في الملجأ كان على الدوام موضوع جدال , خصوصاً مع جدها الذي كانت وجهه نظره تنزع إلى الطراز القديم . كذلك , اشتبهت روزي في أن غارد يشارك إدوارد رأيه , وسرعان ما سمعته في فكرها يقول بحزم وجهة نظره بأن ما كانوا يحاولون إنجازه من وراء هذا الملجأ ما هو إلا تبديد للوقت والمال . ـ روزي على صواب تماماً , يا إدوارد ! وهــؤلاء الناس لا يستحقون عطفنا فقط وإنمــا مساعداتنا العملية كذلك . وبمعزل من موقفي الخاص , وحتى لو كنت أخالفها الرأي , فليس من حقي التدخل في عملها . هي زوجتي , ونحن متماثلان في الحقوق . إنني احترم حقها في تقرير ما تفعله وما لا تفعله . وعلى كل حال , إذا لم يكن هناك احترام وثقة متبادلين بين الزوجين , كيف يمكن أن يكون هناك حب ؟ استدارت روزي تنظر إلى غارد ذاهلة ! لم تتوقع منه قط أن يعبر عن مثل هذه الآراء ! أتراها بعيدة إلى هذا الحد عن غارد ؟ غارد الذي كانت تظن نفسها تعرفه ؟ غاد الذي طالما اعتبرته دوماً متغطرساً مستبداً ! بطرف عينها , رأت وجه مرغريت بملامحه الكئيبة التعسة . مسكينة مرغريت ! كم هي مأساة أن تتزوج رجلاً مثل إدوارد ! وكم تكون المأساة أكبر لو أنها أحبته ذات يوم ! هذه الحادث الصغيرة استقرت في ذهنها , وعندما أصبحت هي و غارد بمفردهما أخيراً , استدارت نحو تسأله بتشكيك : ـ هل كنت تعني حقاً ما قلته ؟ من . . . عن اعتقادك بأن . . . بأن حبك لشخص بمعنى الاحترام له والثقة به ؟ النظرة الفاحصة التي رمقها بها جعلتها تتمنى لو أنها لم تثر هذا الموضوع . سألها بجفاء : ـ إنها المرة الأولى , أليس كذلك , التي تكتشفين فيها أن لدي أفكاراً ومشاعر بدلاً من . . . ؟ ـ بدلاً من ماذا ؟ هز رأسه ببساطة , ثم قال بهدوء : ـ نعم ! أنا أعتقد حقاً أن الاحترام والثقة يسيران مع الحب جنباً إلى جنب . . . الحب الحقيقي وليس ذلك الحب الشائع المبني على الشهوة . الذي يحب شخصاً ما , يعني أنه يحبه كما هو لذاته , يريده أن يكون هو نفسه بدلاً من محاولة تغييره إلى الصورة المسبقة التي رسمها في خياله . هذا يعني أنه يحبه لما هو عليه وليس بالرغم مما هو عليه . . . وإذ لاحظ عليها شيئاً من الاضطراب , قطب جبينه وسألها برقة : ـ ما هذا ؟ ماذا حدث ؟ أجابت تلقائياً : ـ لا شيء ! لا شيء أبداً ! لم تجرؤ على النظر إليه مباشرة لاحتمال أن يرى المشاعر في عينيها فيتكهن بتأثير كلماته عليها . هل يمكن أن يحبها شخص ما بهذا الشكل ؟ بمثل هذا الصدق ؟ أذهلها أن غارد هو , من بين جميع الناس , الذي وصف لها الحب كما تتصوره وتتمناه بالضبط . غارد الذي لو كانوا سألوها عنه , لما ترددت في القول إنه لا يستطيع فهم هذه المبادئ ولا المشاركة فيها . سمعته يقول لها : ـ يبدو عليك التعب لماذا لا تذهبين إلى سريرك قبل أن يقرر إدوارد فرض صحبته علينا ؟ ربما نال كفايته من إرهاب مرغريت ! لم تستطع مقاومة سؤال ألح عليها , فقالت بهدوء : ـ أتظنها أحبته يوماً مــا ؟ هز رأسه قائلاً بلهجة حاسمة : ـ لا ! أبداً ! أما أنه الرجل الذي انخدعت بأنه يحبها , أظن نعم ! . . . ويا لتعاسة تلك المرأة ! . ـ لا أدري لماذا تبقى معه وهو يعاملها بهذا الشكل الرهيب . ـ لعله دمر احترامها وتقديرها لنفسها إلى درجة لم تعد تستطيع معها الرحيل . ثم هناك طبعاً ولداها . ـ إنه شخص رهيب يتلذذ بإرهابها وتعذيبها . . . قال غارد محذراً : ـ نعم ! وهذا لا شيء بالمقارنة بما قد يريده لنا إذا ما اكتشف الحقيقة عن زواجنا . ارتجفت روزي قليلاً , وهي تقول متوسلة والخوف في غينيها : ـ لا تقل شيئاً , يا غارد ! قال يطمئنها : ـ لا بأس ! ليس ثمة سبب يجعله يكتشف الحقيقة ما دمنا , نحن الاثنين , حذرين . . . همست قائلة : ـ لم يخطر لي قط أنه سيفعل شيئاً كهذا , ينتقل إلى هنا . . . ـ كفى قلقاً لهذا الأمر ! ولا تنسى أن عليك الظهور بمظهر عروس في غاية السعادة ! منحته روزي ابتسامة شاحبة : ـ هذا صحيح ! وأياً ما كان الأمر , لا سيما إذا كنا نحب بعضنا بعضاً , فإن وجود إدوارد أو أي شخص آخر هنا , هو شيء غير مرغوب به . قال موفقاً : ـ غير مرغوب به على الإطلاق . شيء ما في نظرته و نبرة صوته , جعل قلبها يخفق ووجهها يحمر قليلاً . قالت بصوت أبح : ـ الحق معك ! يجب أن أذهب إلى فراشي . إنني متعبة . . . ـ أما أنا فسأتأخر ساعة أو نحوها علي أن أنجز بعض الأمور . ـ هذا حسن ! تصبح على خير إذن . تمتمت روزي ذلك بلهجة غريبة , متجنبة النظر إليه عندما فتح لها الباب . كانت في منتصف الممر عندما سمعت إدوارد يناديها . انقبضت على الفور و أخذت نفساً عميقاً قبل أن تلتفت . سألها إدوارد ساخراً عندما وصل إليها : ـ أذاهبة أنت للنوم في هذا الوقت المبكر ؟ استطاعت روزي , بشكل ما , أن تمنع نفسها من الرد عليه بالطريقة التي ترغب بها وقالت بهدوء : ـ كانت مرغريت بدو متعبة جداً أثناء العشاء , يا إدوارد ! لا بد أن الأمر كان مرهقاً جداً لها , أعني الانتقال إلى هنا بتلك السرعة . ـ لا عليك , إنها تحب تضخيم الأمور . هذا هو طبعها . أين غارد ؟ ـ لديه بعض الأمور الخاصة . نظرة إدوارد إليها أشعرتها بمزيج من الغضب وعدم الارتياح . قال ساخراً بشكل مهين : ـ إنه لم يسأمك , أليس كذلك ؟ عليك أن تراقبيه , يا روزي ! إن رجلاً بمثل سمعته . . . قال غاضبة : ـ لقد اختارني غارد زوجة له ؛ وإذا كانت لديه علاقات ماضية فهي بالضبط من الماضي . . . يا إدوارد . شعرت بالزهو لجوابها هذا الذي بدا أنه هز إدوارد حتماً . ثم قالت له بلهجة ازدراء واستنكار : ـ ما الذي تفعله هنا في هذا الطابق ؟ ـ كنت في طريقي لأحضر أشياء وضعتها في الكاراج . يجب أن أدخل أمتعتنا بسرعة , وهذا سيستغرق ساعتين على الأقل . أتعلمين , يا روزي , كان عليك التفكير ملياً قبل الاندفاع إلى الزواج من غارد ؟ إنها مجازفة كبرى منك ! . شعرت روزي بخفقات قلبها تتسارع , فقالت متحدية , راجية ألا يرى في عينيها إحساساً بالذنب : ـ ماذا . . . ماذا تعني ؟ ماذا ستفعل أو تقول لو أخبرها بأنه يعرف سبب زواجها من غارد ؟ . لماذا تركته يحاصرها بهذا الشكل في غياب غارد ؟ لماذا جاءت . . . ؟ قال إدوارد بلطف : ـ إنك تعلمين ماذا أعني . نعم , يمكنني أن أفهم سبب وقوعك في غرامه . من المؤكد أن غارد يعرف كيف يعامل النساء . طبعاً لكثرة تجاربه . . . ولكن هل سألت نفسك يا روزي لماذا تزوجك ؟ أجابت على الفور : ـ لأنه يحبني . للحظة واحدة فقط , ظنت أن إدوارد تكهن بالحقيقة . وحتى لو لم يحدث ذلك , فمن الواضح أنه يشتبه في شيء ما . سلمت روزي بهذه الفرضية وهي تستدير على عقبيها وتتركه . بهذا النور الخافت بدت غرفة النوم الفسيحة مريحة حميمة بشكل مدهش . لعل السبب هو السرير ! بدا السرير وكأنه . . . حولت نظراتها عنه بسرعة . حسناً , لا يبدو على هذا السرير أنه صُمم لينام عليه شخص عازب وحيداً , وإنما العكس تماماً . . . خرجت روزي من الحمام متباطئة , وتناولت منشفة لفتها حول جسدها . لقد أمضت وقتاً طويلاً وهي مستلقية في الحوض , متنعمة بتلك الرفاهية البالغة , والمياه الدافئة المعطرة التي جعلتها تشعر بالنعاس . سارت مبتسمة إلى غرفة النوم , وإذا بها تقف فجأة وقد اختفت ابتسامتها . تذكرت أن قميص نومها , فضلاً عن بقية ثيابها وملابسها الداخلية ما زالت في غرفتها السابقة . أثناء انشغالها بتجهيز هذه الغرفة , وقلقها من انقضاض إدوارد المفاجئ عليهما , نسيت تماماً نقل أمتعتها . نظرت إلى باب الغرفة بحيرة وهي تعض شفتها . هل يمكنها المجازفة بالركض في الممر وهي على هذه الحال لإحضار ملابسها , أم عليها أن تعود وترتدي ثيابها السابقة خوفاً من أن يراها إدوارد ؟ كانت ما تزال واقفة تقلب الأمر في ذهنها , عندما انفتح الباب ودخل غارد . حدقت فيه روزي , وهي تتأكد من التفاف المنشفة حولها بإحكام . ـ أظنك قلت إنك ستمضي ساعتين في العمل ! ـ هذا صحيح ! لكم إدوارد كـــــان هــنــــاك بتعليقاته الساخـــرة حول العرسان والعرائس المهجورات . . . ـ هل ما زال هناك ؟ ـ نعم . يبدو أن لديه بعض الأمتعة التي يريد نقلها إلى الطابق العلوي هذه الليلة . لماذا ؟ عبست روزي بضيق قائلة : ـ نسيت نقل حاجياتي من غرفتي القديمة . هز غارد كتفيه بعدم اهتمام : ـ يمكنك نقلها عند الصباح . إذا قال لك شيئاً قولي له إنك لم تجدي وقتاً لنقلها قبل الزفاف . قالت مستنكرة : ـ لا , إنك لم تفهمي قصدي , ليس . . . ليس لدي شيء . . لا شيء مطلقاً ! ملابسي الداخلية , قميص نومي , كل ذلك ما زال في غرفتي القديمة ! وكذلك الحقيبة التي أحضرتها من بروكسل . قالت ذلك بانفعال , ثم هدأت قليلاً أمام نظرة غار الباردة وتابعت مدافعة عن نفسها : ـ نسيت كل شيء عندما فوجئت بحضور إدوارد , ثم انشغلت بعد ذلك بإعداد هذه الغرفة . علي أن أذهب وأحضرها . فقال غارد بحدة : ـ لا ! قالت بذعر : ـ لكن علي أن أحضر قميص نوم ! ليس لدي ما أنام به ! أنت لديك كل أشيائك ! ذلك أنها سبق وأفرغت , مع السيدة فرينتون , الحقيبة التي أحضرها غارد من شقته وفيها بعض الملابس . آنذاك , قال لهما ساخراً إنه لم يتوقع منهما القيام بذلك , قال لها الآن : ـ العروس يا روزي , لا تترك غرفة عريسها لتذهب وتحضر قميص نوم ! ثم إن هذا العمل لا حكمة فيه بالنسبة إلى وضعنا الحالي , خصوصاً وأن إدوارد ما زال يجول في أنحاء البيت . أظن أن عليك , لهذه الليلة على الأقل , أن تنامي . كما أنت . . . أخذت روزي تحدق فيه , ثم قالت بصوت مختنق : ـ لا ! لا أستطيع . . . ـ تستطيعين طبعاً ! فأنا أفعل هذا على الدوام . أخذت تنقل نظراتها بذعر بينه وبين السرير الضخم . ـ لن أنام إلى جانبك في هذا السرير إلا إذا كان أحدنا . . بل نحن الاثنين , مرتدين ثياباً ! سألها بهدوء : ـ وما المانع؟ أخذت تحدق فيه باضطراب . ما الذي يعنيه بقوله ( ما المانع ) ؟ أليس الأمر واضحاً ؟ قالت باستنكار : ـ لأن هذا غير مناسب ! رفع غارد حاجبيه : ـ أحقاً ؟ يخيل إلي أن لديك فكرة غريبة جداً عن الزواج , يا روزي ! أؤكد لك أن هذا هو المناسب بالضبط . سكت وأخذ ينظر إليها فيما الخجل يلهب جسدها من الرأس حتى القدمين . ثم قال ممازحاً : ـ ما هذا , يا روزي ؟ أتخافين من أن تفقدي السيطرة على نفسك وأنت معي ؟! كانت تعلم أنه يمزح وبدلاً من الشعور بالارتياح لمحاولته تلطيف الجو , شعرت بشيء من الانقباض . ابتلعت ريقها بصعوبة وأزعجتها مشاعر لا تجرؤ على تسميتها . لم تعرف ماذا تقول , وبدلاً من ذلك تناولت وسادة وقذفت بها غارد بغضب . تلقى الوسادة بيديه وهو يضحك منها استخفافاً , ويقول : ـ حسناً ! إذا كنت تصرين على التصرف كطفلة , يا روزي . . . وتحرك بسرعة لم تترك لها مجالاً للهرب وهو يرفعها عن الأرض مبعداً إياها عنه قليلاً , ضاحكاً منها وهي ترفس بقديمها احتجاجاً , طلبة منه أن يتركها . استجاب لطلبها ضاحكاً . وعندما ترك خصرها ومست أصابع قدميها الأرض , شعرت بالمنشفة تنزلق عن جسدها . عندما أخذت تكافح بذعر لالتقاطها , سمعت غارد يقول بهدوء : ـ ربما أنت على حق يا روزي ! لعل النوم جنباً إلى جنب ليس بالفكرة الجيدة . ولكن مع الأسف , ليس لدينا خيار آخر . ليس لأي منا خيار آخر , ولهذا ليس أمامنا سوى القبول بالواقع . وهذا السرير اللعين كبير بما يكفي لأن ينفرد كل منا بنفسه . لا عجب من غضب غارد منها بهذا الشكل , كما أخذت روزي تفكر وهو يدخل الحمام , تاركاً إياها تتكور تحت الأغطية . لو أنها لم تكن غبية بذلك الشكل فتنسى نقل ملابسها . . . اختنقت بالدموع وبردت قدماها . لماذا هي بلهاء عديمة الحنكة , ما جعلها تحدث كل تلك الضجة لأجل قميص نومها ؟ كان واضحاً من الطريقة التي تصرف بها غارد أنه لا يريد إرغامها على شيء . ولكن , أليس هذا ما ينبغي أن يكون , وما تريده هي ؟ أخذت تحدث نفسها بذلك وهي تبتعد إلى حافة السرير البارد ثم تغمض عينيها محاولة تجاهل الأصوات القادمة من الحمام . يبدو أن غارد , بعكسها , اختار الدوش . ارتجفت من تصوراتها المعذبة . لكنها لم تكن تريده . . إنها لا تريده طبعاً . . . حتى إنه لا يعجبها . . . وتناولت واحدة من الوسائد الزائدة تضعها فوق أذنيها , مانعة الأصوات التي تعذبها , القادمة من الحمام . . . * * * * * * : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #10 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 9 ـ آخـــر اللعبة . . . الندم ! استيقظت روزي فزعة . كان هناك شخص يقرع باب الغرفة . ثم صوت إدوارد يناديها وينادي غارد . شعرت بالتوتر عندما أدركت أن سبب شعورها اللذيذ بالدفء وكراهيتها الاستيقاظ هو أنها كانت , أثناء نومها , قد انتقلت من مكانها في طرف السرير لتصبح الآن مستلقية ببراءة في وسطه بجانب غارد . ـ لا بأس يا روزي . إبقي هنا بينما أذهب أنا لأعرف ما يريد . قال غارد ذلك وهو يجلس , ثم أضاء المصباح الذي بجانب السرير , ونزل إلى الأرض . رأته من طرف عينها يتناول معطفه المنزلي ويضعه على جسده , فتنهدت بارتياح . سمعت غارد يسأل متجهماً , وهو يفتح الباب ساداً إياه بجسمه لئلا يدخل إدوارد : ـ نعم يا إدوارد , ماذا هناك ؟ . ـ إنها مرغريت . هل روزي . . . ؟ ـ ماذا حدث , يا إدوارد ؟ ما بها مرغريت ؟ ـ إنها . . . لديها صداع . . وكنت أتساءل عما إذا كان لدى روزي أسبرين أو ما أشبه . لم نجد عندنا شيئاً من ذلك . رفع غارد حاجبيه غاضباً : ـ صداع ؟ أتوقظنا الساعة الثانية صباحاً لأن زوجتك لديها صداع؟! أجاب إدوارد مدافعاً : ـ حسناً , إنه صداع شديد من نوع الشقيقة ! . ـ إذا كان لدى مرغريت مرض الشقيقة , لا أظن مجرد الأسبرين سيفديها . حاولت روزي أن تجلس قليلاً , ساترة نفسها بالملاءة , وهي تقول من الداخل : ـ آسفة , يا إدوارد ! ليس لدي شيء هنا . يمكنك أن تجد شيئاً من ذلك في خزانة الأدوية في المطبخ . مسكينة مرغريت ! لا بد أنها تتألم كثيراً . ـ حسناً ! سأنزل لأحضر لها شيئاً . آسف للإزعاج ! . . . لم يكن في صوته ما يدل على الأسف . هكذا لاحظت روزي بضيق , بينما غارد يرد الباب . عادت روزي تعبر عن أسفها مجدداً : ـ مسكينة مرغريت . ـ نعم , مسكينة مارغريت لو كان لديها مرض الشقيقة حقاً ! أنا شخصياً أشك في ذلك , وفي الواقع . . . سألته روزي بقلق : ـ ماذا تعني ؟ تريد أن تقول إن إدوارد أيقظنا متعمداً لكي يرى . . . ؟ فقال غارد متجهماً : ـ أننا نائمان معاً حقاً . إنه احتمال قوي ! العنف الذي بدا على وجه غارد جعل قلب روزي يخفق قلقاً . حولت وجهها عنه وهي تعض على شفتها . وعندما عاد إلى السرير وأطفأ النور , انخفض السرير قليلاً تحت وزنه . همست روزي بصوت خافت : ـ غارد , إلى أي حد تظن إدوارد يشك فينا ؟ أعني لا بد أنه تكهن بشيء جعله يأتي إلى هنا , أليس كذلك ؟ ـ هذا ما يبدو . قال غارد ذلك بعد لحظة صمت , وعندما تأوهت روزي بكرب أضاف يقول : ـ ولكن لا فائدة من التوصل بسرعة إلى الاستنتاجات , أو القلق , وفي الواقع , لم ير شيئاً هنا الليلة يثبت ظنونه . . . بل على العكس . . . أدركت روزي أن غارد يقول الحقيقة , لكنها ما زالت تشعر بالتوتر والانزعاج . ـ ذهب إدوارد الآن , عودي إلى النوم ! قالت وهي ترتجف : ـ لا أستطيع . أنا خائفة يا غارد . ماذا لو عرف إدوارد و . . . سمعت حفيف ملاءات السرير عندما استدار غارد إلى المصباح يضيئه , ثم يقول لها بهدوء وهو ينظر إليها : ـ لا شيء هناك لتخافي منه . . . ما هذا يا روزي ؟ هل تبكين حقاً ؟ ! قال ذلك برقة بالغة . هزت رأسها بسرعة , لكنها أدركت أنه لا بد رأى الشك يلمع في عينيها . قالت بصوت مختنق : ـ قلت لي إننا سنذهب إلى السجن . أجاب مصححــاً : ـ بل قلت إننا ربما نذهب . رأت صدره يتسع وهو يجذب نفساً عميقاً . شعرت بقشعريرة غريبة تسري في جسمها . لكنها اندفعت في الكلام تخمدها , فقالت بصوت أجش : ـ لم أكن أتصور أنني سأخاف من شخص مثل إدوارد . ـ وأنا لم أكن أتصور أن يوماً سيأتي تعترفين لي بأنك خائفة من أي شيء ! لا بأس , يا روزي . أعدك بأن كل شيء سيصبح على ما يرام . تعالي . . . عندما مد يديه يأخذها بين ذراعيه , منعتها الدهشة من الكلام . منذ زمن بعيد لم يحتضنها أحد مواسياً ومخففاً عنها . أخذت تتساءل بينما كان غارد يرد شعرها عن وجهها . همست تقول : ـ ما زلت لا أستطيع التصديق أن إدوارد يفعل شيئاً كهذا . أن يأتي إلى هنا في منتصف الليل لكي يتأكد . . . قال مواسياً : ـ كفى حديثاً عن ذلك . لقد ذهب الآن . ـ نعم , أعرف ( ورفعت رأسها عن كتفه لتنظر في عينيه ) ولكن , لو لم يجدنا معاً يا غارد . . . لو أنك كنت نائماً على كرسي , أو لم كنت أنا . . . قاطعها بجفاء : ـ مرتدية قميص نومك ! سبق وقلت لك , يا روزي , إنسي هذا ! ارتجفت فجأة ودفنت وجهها في كتفه , قائلة : ـ لا أستطيع ! لا أستطيع ! ـ روزي ! لم تستجب لضغط يده على كتفها يبعدها عنه . لم تشأ أن تبتعد عنه , لم تشأ أن تعود إلى ناحيتها الباردة الموحشة من السرير . لم تشأ . . . سمعته يحذرها برقة : ـ روزي . . . إنك تعلمين ما سيحدث إذا لم تتركيني , أليس كذلك ؟ تتركه ؟ اتسعت عيناها ذهولاً عندما أدركت ما يعنيه . إنها تريد أن تبقى بجانبه كما هي الآن , بالضبط على مقربة منه . ـ غارد . . . أتراه سمع الاضطراب في صوتها ؟ اتسعت عيناها وهو يحيط وجهها بيديه , وعيناه أشد ظلاماً وتألقاً . . . عضت روزي باطن شفتها بأسنانها متوترة . ـ لا تفعلي هذا ! سمعت غارد يتمتم بذلك , قبل أن ينحني ليعانقها . لم يسبق أن عرفت روزي أحاسيس عميقة كهذه التي تشعر بها وهو يحتضنها . كان تأثيرها أشبه بالصدمة . ابتعد غارد عنها قليلاً وقال بصوت اختلطت فيه الرقة بالشك . ـ هل تريدينني يا روزي ؟ ـ نعم . ـ قوليها مرة أخرى . قالت وهي تتشبث به . ـ نعم ! نعم ! نعم ! ـ أتعلمين كم حلمت بأن أراك , جميلة ورقيقة . . . ؟ أنت حقاً امرأة مكتملة . . . كان وقع كلماته على قلبها كنار أذابته أكثر فأكثر . عاد يردد : ـ يا لك من ساحرة يا روزي ! لو لم أكن أعرفك لاعتقدت . . . خنقت المشاعر صوت غارد فلم يكمل جملته . جرفهما الشوق الدفين كل باتجاه الآخر . ولم يعد للتردد مكان في هذه اللحظة . أدركت أنها أحبت غارد وأنه يحبها أيضاً . روعة تلك المشاعر أثارت الخوف في نفسها . حبها لغارد كان شيئاً جديداً طرأ عليها . اكتسحها الذعر مجدداً فأشاحت بوجهها عنه , شاعرة بالتوتر الذي تملكه وجعله يبتعد عنها قليلاً لينظر إليها . ـ روزي ! ما الذي . . . دفعها التوتر إلى الاندفاع في الكلام , غير واثقة من أنها تريد أن تسمع ما قد يقوله : ـ حسناً , على الأقل لن يتمكن إدوارد الآن من الادعاء بان زواجنا غير صحيح . تصلب جسد غارد ثم قال باختصار وهو يبتعد عنها كلياً : ـ هل هذا سبب كل ما حدث بيننا ؟! أخذ يشتم بصوت خافت , ثم تابع يقول : ـ يا إلهي ! . . . بينما أنا ظننت في الواقع . . . ـ غارد ! هتفت باسمه مترددة , لكنه لم يكن يستمع إليها . . . حتى إنه لم ينظر إليها . . . وتملكتها التعاسة وهو يبتعد عنها إلى الناحية الخالية من السرير ثم يطفئ المصباح . قال متجهماً وهو يوليها ظهره : ـ نامي يا روزي ! فقط نامي . . . تكورت روزي بشكل كرة صغيرة حزينة . تملكها الألم واختنقت بالدموع فلم تستطع أن تفسر له موقفها ومبلغ الصعوبة التي وجدتها لتتعود على حقيقة مشاعرها نحوه . . . لعله لم يشعر نحوها بنفس ما شعرت هي نحوه ! لعلها أخطأت في التعبير ! ولكنه يعلم تماماً رأيها في الزواج وأنه لا يمكنها التمادي مع أي رجل . . . دون حب ! وعندما ابتدأت الدموع تنهمر على وجنتيها , عضت شفتها بشدة لتمنع نفسها من إصدار أي صوت ينم على ذلك . * * * فتحت روزي عينيها بحذر , لكن الأمر كان على ما يرام , كانت وحدها في الفراش , ويبدو أنها وحدها في الغرفة أيضاً . جلست ببطء , تلف حولها ملاءات السرير . تحول الحذر إلى شوق كئيب وهي تنظر إلى مكان غارد الخالي بجانبها . كانت حمقاء الليلة الماضية عندما تركت غارد يبتعد عنها دون أن تخبره بشعورها نحوه . أما اليوم , فسيكون الأمر مختلفاً . حدثت نفسها بذلك متفائلة . ولكن , أين ذهب غارد ؟ أبعدت عنها أغطية الســــرير , ثم قطبت جبينــها حـــيــن تذكـــرت أن ليس لديها ملابس نظيفة . عليها أن ترتدي ملابس أمس ثم تذهب إلى غرفتها القديمة . ازداد تقطيـبـها عندمـا وقعت عينـاهـا على كومة من الملابس الداخلية البيضاء على كرسي , هي ملابسها . هنالك شخص مـــا , هـــو غارد بالتـأكيـــد , توقع ما هي بحاجة إليه . وارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها . كان غارد على صواب تماماً ! استقرت على هذا الرأي وهي تخرج من الحمام بعد أن اغتسلت وارتدت ثيابها . لم تكن قمصان نومها , وهي فتاة , تصلح حقاً لامرأة متزوجة ! ثم إنها ليست ضرورية تماماً . حاولت روزي , أن تبعد عن ذهنها هذه الأفكـــار غير اللائقة . لكنها حين نظرت في المرآة , أدركت أن توهج وجهها وتألق عينيها يفضحانها . وحين يراها غارد , سيتذكر على الفور الليلة الماضية . فتحت باب غرفة النوم ورأسها يدور , ثم أسرعت تهبط السلم . لم تتصور قط أن حبها لشخص ما سيثير مشاعرها إلى هذا الحد . لكن غارد حبيب جداً إلى قلبها . تنفست بسعادة غامرة . عندما و صلت روزي إلى أسفل السلم , كانت السيدة فرينتون خارجة من غرفة المكتبة . ـ أين غارد ؟ سألتها روزي بلهفة وعلى شفتيها ابتسامة سعيدة . بدت الحيرة على وجه السيدة فرينتون لسؤال روزي وكأنه أدهشها . قالت : ـ لقد خرج , يا آنسة روزي . أمرني أن أتركك تنامين لأنك أمضيت ليلة مزعجة , وأن أخبرك بأنه سيعود متأخراً هذه الليلة . قال شيئاً عن تناوله العشاء مع زبون بالغ الأهمية في لندن . شحب وجه روزي , وتحولت بهجتها إلى ارتباك . لماذا لم يوقظها غارد ويقل لها شيئاً ؟ كيف يتركها بهذا الشكل بعد الليلة الماضية , دون كلمة ؟ دون ذكر لما حدث ؟ بدا النهار أمامها فارغاً , مليئاً بالساعات التي تمضي بطيئة بينما هي تنتظر عودة غارد . سألتها المرأة : ـ هل يمكنني إحضار الفطور لك ؟ هزت روزي رأسها صامتة وهي تبتلع غصة في حلقها . بعد ذلك بعشر دقائق , كانت وحدها في المكتبة تنظر باكتئاب من النافذة عندما انفتح الباب . فكرت لحظة في أنه غارد . انتعشت روحها والتفتت بابتسامة ترحيب دافئة . لكن ليس غارد من دخل إلى المكتبة وإنما إدوارد . قال : ـ أليس غارد هنا ؟ حسناً , لا تقولي إنني لم أحاول تحذيرك . إنك تعلمين سبب زواجه منك , أليس كذلك , يا روزي ؟ أرادت أن تطرده , لكن الكلمات التصقت في حلقها . وبدلاً من ذلك , أشاحت عنه بوجهها , محاولة إسكاته بتجاهلها له . لكن إدوارد ضحك بخشونة . ـ إنك لا تريدين سماع الحقيقة , أليس كذلك ؟ ألا يمكنك مواجهتها ؟ حسناً , يا عزيزتي روزي . علينا جميعاً , مع الأسف , أن نواجه أموراً كريهة من وقت لآخر ! أنا , مثلاً , عندما علمت أنني لن أرث هذا المكان , وجدت ذلك أمراً كريهاً للغاية . قالت له بصوت غير واثق : ـ إنك علمت شروط وصية جدي . أجاب بلؤم : ـ آه , هذا صحيح ! كما أنني لم أكن الوحيد الذي علم بذلك حينذاك , أليس كذلك يا روزي ؟ ألم يســاورك الشك حين عرض غارد عليــك الزواج ؟ كان يعــــرفك منذ زمن طويل , ولو كان يريدك لكــان تقـــدم إليك . . . قالت بغضب : ـ ليس علي أن أستمع إلى كلامك هذا , يا إدوارد ! مشاعر غارد ومشاعري وزواجنا هي أمور خاصة ليس لك شأن بها . قال بمرارة : ـ بل لي شأن بها . اكبري يا روزي وواجهي الحقائق , إنه تزوجك لسبب واحد فقط , تزوجك لأجل (( مرج الملكة )) . وهو لن يستقر حتى يطمئن إلى أن ولده سيرث . لو كان يحبك لتزوجك منذ سنوات . قال ذلك بغلاظة بينما شهقت روزي ذهولاً وقد شحب وجهها . وزاد إدوارد من قسوته وهو يضيف : ـ ولماذا يرغب فيك رجل مثله ؟ بإمكانه أن يحصل على أيه امرأة يريدها . . . أية امرأة . لا أريد أن أجرحك , يا روزي . ( قال ذلك متصنعاً رقة تثير الغثيان ) إنني فقط أحاول أن أساعدك . . . أحميك . يمكنك أن تتركيه الآن , قبل فوات الأوان . اخبريه بأنك رأيت من تصرفاته ما يدل على عدم حبه لك . إنك تعلمين أنه لا يريدك , أليس كذلك يا روزي ؟ لو كان يحبك حقاً , لكان معك هنا الآن . هل تعلمين حتى أين هو أو مع من ؟ لم تجرؤ روزي على الاستدارة نحوه وموجهته كيلا يرى الألم في عينيها . لقد تزوجها غارد لأجل (( مرج الملكة )) . هذا صحيح طبعاً . . . وهي تعلم ذلك . دائماً كانت تعلم . ما الذي جعلها بهذه الحماقة لتظن العكس ؟ أتى صوت من جهة الباب : ـ إدوارد , هـــــل لــــي بدقيقة من وقـــتـــك ؟ لم أعثـــــر على مفاتيح سيارتي . أحســـت روزي بالارتياح وهي تسمع صــــوت مرغريت آتياً من عند عتبة الباب . لاحظت تذمر إدوارد وهو يتبع زوجته إلى الردهة . أحست مجدداً بالأسى على مرغريت لزواجها من رجل لا يحبها , متسائلة كيف يمكنها احتمال البقاء معه ؟ لعل وضعها مع غارد يشبه على نحو ما وضع مرغريت مع إدوارد . لم يحبها غارد , بينما بلغت بها الحماقة أن ظنت أنه يحبها . . . أو أن بإمكانه ذلك . إن تغير مشاعرها نحوه بهذا الشكل لا يعني أن مشاعره هو أيضاً تغيرت . كيف تصرفت بكل ذاك الغباء ؟ وكيف يمكنها أن تواجهه بعد الآن ؟ الحمد لله أن إدوارد جعلها , دون قصد منه , تدرك الحقيقة قبل أن تخبر غارد بأنها تحبه . ابتلعت ريقها بألم . وعلى الرغم من تحطم قلبها , فإن كرامتها على الأقل ستبقى محفوظة . وإذا واجهها غارد بما حدث بينهما , ستقول له ببساطة إن ذلك كان بسبب خوفها من أن يكتشف إدوارد الحقيقة . * * * * * * : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : : | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|