آخر 10 مشاركات
وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )           »          دُميتي.. لا تعبثي بأعواد الحب (4)*مميزة ومكتملة* .. سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          إنه انت * مكتملة * (الكاتـب : الكاتبة الزرقاء - )           »          سحر التميمة (3) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          رواية: ثورة مواجِع من عُمق الورِيد (الكاتـب : القَصورهہ - )           »          زوجة ساذجة (85) للكاتبة : سارة مورغان ..كامله (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          عديل الروح- شرقية-للكاتبة المبدعة:منى الليلي( ام حمدة )[زائرة] *مكتملة مع الروابط (الكاتـب : أم حمدة - )           »          شهم الطبايع يا بشر هذا هو الفهد *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (الكاتـب : الحكم لله - )           »          خريف الحب / للكاتبة خياله،،والخيل عشقي (مميزة) (الكاتـب : لامارا - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > منتدى روايات (عبير- احلام ) , روايات رومنسيه متنوعة > منتدى روايات أحلام العام > روايات أحلام المكتوبة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-11-17, 02:40 AM   #1

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
Flower2 424-درس في الحب -كاترين سبنسر -(كتابة /كاملة)


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته






ازيكم أعضاء روايتي الحلوين والحلوات
اليوم مبارك بجد علينا وعليكم
عشرأعوام أكمل منتدنا من سنينه عشرة
قراءة ممتعة لكم جميعا









روايات احلام

424_ درس في الحب_ كاثرين سبنسر

الملخص

" عندما وصلت ناتالي كافانوف الوريثة الوحيدة لثروة جدتها الطائلة إلى فيلا روز اموندا على الشاطئ الإيطالي .

لم تكن تضع في حسبانها الوقوع في غرام رجل ينحدر من عائلة مجرمين , رجل يبدو خطرا بكل ما للكلمة من معنى .

ديميتريو برتولوزي شاب طويل القامة , أسمر , ذو وسامة خانقة , يعمل بمفرده في ترميم منزل عائلته القديم .

ظل هذا الرجل غامضا تماما كغموض امواله , إلا أن ناتالي وجدت نفسها منجذبة إليه كانجذاب الفراشة إلى ألسنة النار , رغم إحساسها أن حبها لهذا الرجل سيحطم قلبها و سيضعها في دائرة الخطر ! "


محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي




الرواية منقولة شكرا لمن كتبها

ندى تدى likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 27-11-17 الساعة 07:29 AM
Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 26-11-17, 05:11 PM   #2

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

1- وجه في الظلام
كان ديميتريو يقف على السطح ، ما سمح له أن يرى بوضوع السيارة التي يقودها السائق بمهارة ليوقفها تحت رواق مدخل الفيلا المجاورة .
إنها سيارة مرسيدس أنيقة ، قوية ، تعكس شخصية المرأة التي تملكها .
باربرا وايد هي أسطورة في عالم الأعمال على المستوى الدولي ، و مصممة للحلى المرصعة بالماس .
لم يكن في حياتها زوج واحد بل أزواج ، فقد قرأ ديميتريو في مجلة فورنبر ، و فورتشن و مجلات مشابهة ، إنها أرعبت زوجيها الأولين و أبعدتهما عنها ، أما الثالث فقد أودت به إلى القبر .
في ذلك الصباح ، لم تخرج من السيارة باربرا وايد ، بل امرأة بالكاد تخطت سن المراهقة . رشيقة ، أنيقة ، ذات بشرة بيضاء كالرخام ، شعرها البني اللامع يتدلى بانسياب فوق كتفها .
استنتج ديمتريو أنها حفيدة باربرا ، فقد سمع عمال الحديقة المجاورة يتحدثون عن توقع وصولها .
و كأن المرأة أحست أن هناك من يراقبها ، فتوقفت في منتصف الطريق بين السيارة و الباب الأمامي للفيلا ، ثم رفعت رأسها و نظرت مباشرة إلى عينيه .
لو أن أي عامل عادي ضبط متلبساً بالتصرف بوقاحة في تلك المقاطعة الإيطالية الواقعة بين بوستيانو و أملافي ، لراح ينظر إلى البعيد متظاهراً بأنه يستمتع بالمناظر الطبيعية ، لكن ديمتريو برتولوزي يفتخر بأنه إنسان غير عادي ، لهذا استمر في التحديق بها .
إنه يعرف نفسه جيداً ، فهو ليس أكثر من شخص عنيد ، و قد زادته كبرياؤه الجريحة عنادا ، لكن موقفه هذا سيبدو بلا شك وقاحة في نظر تلك المرأة . بدا ذلك واضحاً في انحناء رأسها ، و التصلب الرقيق لعمودها الفقري .
من المستعبد أن يقدم أحد العمال الإيطاليين الذين يتصببون عرقاً على النظر بوقاحة إلى فاتنات المجتمع الأميركي ، وهو يرفع المطرقة بيده و الجزء العلوي من جسمه عارٍ ، إذا كان يرغب في الاحتفاظ بعمله .
لكن ما لا تعرف تلك المرأة بالطبع ، هو أنه ليس مسوؤلاً أمام احد ، بل هو سيد نفسه ، وحر ليحدق طوال النهار إن رغب بذلك .
وهذا ليس كل شيء . ظهرت إبتسامة صغيرة مرحة على وجهه . لا بد أنها ستشعر بالمهانة أكثر عندما تعرف المزيد من التفاصيل . بإمكانه أن يتخيل ما سيحدث .
- ذلك الرجل في المنزل المجاور ، جدتي ... من يكون ؟
- آه ! إنه شخص كريه جداً ، ابنتي الغالية ، وهو بالطبع ليس من الأشخاص الذين تريدين التعرف عليهم .
يمكن أن يراهن أنها لا تعرف عدداً كبيراً من الرجال . من المؤكد أنها لم تحصل على حبيب يوماً ، فهي تنضح بهالة مجردة من العاطفة ، وهذا واضح جداً .
في تلك اللحظة تقريباً ، أشرقت الشمس أواخر حزيران من السماء الصافية ، و قد امتد تحتها البحر التيراني الذي يصل حتى صقيلة . و بينهما ، على رأس منحدر صخري ، انتصبت فيلا ديلفني ، التي سميت كذلك على اسم جدته ، والتي هي الأن ملك له .
انحنى ديمتريو و التقط زجاجة الماء الموضوعة تحت ظل إحدى المداخن ، ورفعها إلى شفتيه من دون أن يبعد نظره عن الفتاة . أخيراً شعرت هذه الأخيرة بالهزيمة ، و أخفضت بصرها لتنظر بعيداً عنه .
وجالت بعينيها على الجدران الباهتة اللون و النوافذ المليئة بالغبار و الأوساخ .
عرف ديميتريو تماماً ما الذي رأته ، مضى أكثر من أربع عشر عاماً على إخلاء المنزل ، و هو مهمل منذ ذلك الحين . كما مرت تسعة أعوام على وفاة جده ، أوفيديو برتولوزي ، في السجن .
إنها النهاية الملائمة لرجل جمع حوله المجرمين الذين نشروا الرعب و الخوف في قلوب الناس ، فحصل على كرههم و احتقارهم له . في البداية ، لم يرغب ديمتريو بأي شيء لمسه أوفيديو ، فقد ترك هذا الأخير بصماته على كل جدار من الجدران .
أخيراً أدرك أنه سمح للرجل العجوز بأن يسيطر عليه حتى وهو في قبره , عندئذٍ سمح ديمتريو للمنفعة الشخصية أن تتغلب على كبريائه ، ووافق على الحصول على حصته في الميراث . لكن ذلك لم يشمل الفيلا الواقعة على شاطئ آمالافي ، فالذكريات هنا مؤلمة جداً ، و الجروح ما زالت تنزف .
إحتاج إلى السنوات قبل أن يتمكن من مواجهة ذلك ثانية ، وحتى الأن ، ما كان ليرجع لو لم يكن لرجوعه علاقة بجدته .
الفيلا و حديقتها كانتا ملاذها ، فقد أحبتهما و أحبت ديمتريو . إنها الإنسانة الوحيدة التي أحبته . لذلك عاد في نهاية الأمر ليعلن ملكيتهما مدفوعاً باحترامه و حبه لها . ل
ا شك أن قلبها كان ليتحطم لو رأت انتهاك حرمة منزلها من قبل المخربين ، و الخراب الناتج عن الطقس و القوارض و عوامل الزمن .
استدارت الأميرة الأميركية مبتعدة ، و قد بدت مرتعبة مما شاهدته في المنزل المجاور . لا يلحق الخراب بالفيلات المنتشرة على شاطئ آمالافي إلا إذا كان أصحابها من أفراد العصابات . عندها تصبح هدفاً سهلاً لأي شخص يرغب في تدميرها ، بينما تغض السلطات النظر بكل فرح و رضى .
اختفت ابتسامته ، و هو يمرر ذراعة فوق فمه ، قائلا بصوت ناعم :
(( لكنني لست مجرماً كما أنني لن اذهب إلى أي مكان أيتها الأميرة ، لذلك من الأفضل أن تعتادي على وجودي )) .
- اعتقدت إنني سمعت صوت السيارة تقترب! عزيزتي ! لماذا بحق السماء ما زلت واقفة هنا في هذا الحر الشديد ، بينما أنا بإنتظارك على الشرفة مع شراب بارد ؟
نزلت جدتها الدرج و هي تختال بعباءة طويلة من الحرير البرونزي اللون يصرخ بالثراء ، و ضمت ناتالي في عناق عابق بالعطر .
تماما كما تختار أفضل مصممي الأزياء ، و تنتقي المجوهرات الفريدة ، تفضل باربرا وايد عطر (( ديفا )) .
من المؤكد أنه العطر الوحيد المناسب للمرأة التي تستأثر بمركز السلطة فلا تهتم لأي شخص آخر . بالإضافة إلى أنها تملك عقلاً مدبراً للأعمال يجعل كل رجال الأعمال المميزين يلهثون وراءها ، تملك باربرا أيضاً قلباً لا حدود لقدرته على الحب و العطاء ، و هو النجم الهادي لناتالي منذ نعومة أظافرها .
طوقت ناتالي جدتها بذراعيها و قالت :
(( لا تتصوري مدى سعادتي لأنني قررت أن أمضي الصيف هنا ! أنت لم تتغيري أبداً ، و أشعر بالإمتنان كثيراً لذلك )).
أبعدتها جدتها عنها قليلاً لتتمكن من النظر إليها جيداً .
- سمعت بشأن لويس ، عزيزتي . هل تشعرين إنك محطمة ؟
ضحكت ناتالي بصوت مرح و قالت :
(( ما من امرأة ترغب في أن يتخلى عنها أي رجل ، لكنه لم يكن يوماً حب حياتي . صدقيني جدتي ، كنت لأنهي علاقتنا بنفسي ، إلا أنه سبقني إلى القيام بذلك . هذه هي كل القصة ))
- أعتقدت أمك أنك ستتزوجينه .
- أملت أمي أن أتزوج به ، و أنسى تماماً أي عمل له علاقة بشركة وايد العالمية ، وهذا أمر مختلف !
- نعم ، أعتقد أن ما تقولينه صحيح .
عادت جدتها تتأملها بإهتمام و حذر و هي تتابع :
(( ألهذا السبب لا تبدين كعادتك ؟ ألأنك تشاجرتِ مع ابنتي؟))
- لا !
نقلت ناتالي نظرها مرة ثانية إلى السطح المبنى المجاور . كان لا يزال هناك ، متكئاً على أحد أعمدة المداخن ، وهو ما زال يحدق إليها بوقاحة !
شعرت جدتها بالفضول لتكتشف ما الذي أثار إنتباهها ، فرفعت نظرها و سرعان ما قلبت شفتيها مظهرة اشمئزازها .
قالت بنبرة ملؤها الانزعاج :
(( انتقلت ملكية المنزل إلى الكلاب ، و هذا ما كنت أخشاه )) .
حثت ناتالي خطاها لتدخل إلى الفيلا بعيداً عن تحديق الشاب الوقح .
- تمنيت أن يعرض المكان للبيع ، علّ شخصاً محترماً يشتريه ، لكن ذلك لم يحدث .
لم تتمكن ناتالي من مقاومة النظر مرة أخيرة من وراء كتفها إلى الرجل .
- أتعنين أن ذلك الرجل يملك المنزل ؟
- لسوء الحظ ، هذا صحيح عزيزتي . لكن لا تشغلي بالك . لا أحد يرحب به في هذه المنطقة ، و هو يعلم ان من الأفضل له ألا يعترض طريقنا .
لكنه تعمد أن يفرض نفسه على ناتالي ، و إن يكن عن بعد. بدأ كأن نظرته الوقحة تخترق سترتها وتنورتها المصنوعتين من الكتان ، فتصل مباشرة إلى جلدها و عظامها .
شعرت ناتالي كأنما تمكن هذا الرجل من أختراق أعماق نفسها ، و وصل إلى أسرارها ، و آمالها و أحلامها التي لم تشارك بها يوماً أحد .
سألت و هي تتبع جدتها عبر المدخل :
(( لماذا تقولين إنه غير محترم ؟ )) .
- إنه من عائلة برتولوزي ، و أتمنى أن يكون أخر أفراد تلك السلالة السيئة . قدمت هذه العائلة من كروتون في الأساس ، حيث اشتهر أفرادها هناك بتورطهم في الجرائم المنظمة . تصوري أن والده توفي مقتولاً برصاص رئيس عصابة ، ثم وجد هذا الأخير مقتولاً ، معلقاً في مخزن لللحوم بعد مرور عدة أيام . لكن ما الذي يتوقعه المرء غير ذلك من أناس تدور حياتهم كلها حول الابتزاز و الاجرام ؟
رأت ناتالي المراوح تدور ببطء في السقف العالي ، حيث علقت الثريا المصنوعة من الكريستال اللامع فوق الدرج الدائري ، كما وضعت أوانٍ ضخمة من البورسلين استوردت خصيصاً من الصين و قد ملئت بالزهور التي قطفت من الحديقة هذا الصباح .
نظام العمل في منزل جدتها يبقى على حاله ، بغض النظر عن عدد الضيوف الذين يأتون للإقامة عندها ، فباربرا وايد تستطيع تقديم أفضل الخدمات لضيوفها ، و هي لا ترضى بأقل من ذلك ، مع ذلك ها هي الأن قد ابتليت بجار أقل ما يقال فيه إن علاقاته مريبة .
سالت ناتالي بفضول :
(( منذ متى تعيش تلك العائلة هنا ؟ ))
- منذ أكثر من خمسة عشرين عاماً ، اشترى جد هذا الرجل تلك فيلا.
- لا بد أن ثمن المنزل يوازي ثروة صغيرة حتى في ذلك الوقت ، فكيف استطاع تأمين ذلك ؟
أدارت جدتها عينيها باشمئزاز ، و قالت :
(( من يدري ؟ أمر واحد لا يقبل الشك أبداً ، هو أنه دفع ثمن تلك الفيلا من المال القذر )) .
- يدهشني أن يوافق السكان هنا على البيع .
- ما كانوا ليفعلوا لو أنهم عرفوا . لكن تمت عملية البيع بايد خفية من قبل تاجر لبيع الأراضي ، لم تكن لدى السكان الذين يعيشون هنا اية فكرة عن المالك الجديد إلا بعد أن تمت عملية البيع . لو عرف أحدنا بالامر لقمنا بالمستحيل كي نمنع تلك الصفقة . على أي حال تبدلت الأيام منذ عهد جده ، ولن يسمح أحد للشاب برتولوزي أن يقدم على أي عمل يثير الشبهة . إن تجرأ على ذلك سيتمنى لو أنه لم يظهر هنا مطلقاً .
بعد تلك الملاحظة ، فركت جدتها يديها معاً ، في إشارة إلى رغبتها بإنهاء الحديث عن العائلة المزعجة التي تملك المنزل المجاور.
- سيقدم روميرو الغداء بعد قليل ، و أنا لم أتناول الشاي بعد . هل ترغبين بمشاركتي ، أم تفضلين شراباً بارداً كالعادة ؟
أجابت ناتالي :
(( سأتناول الشراب البارد ، من فضلك ! ))
و تابعت السير برفقة جدتها وهي تسير بنشاط عبر المنزل إلى الشرفة الكبيرة المظللة التي تشرف على الشاطئ .
بغض النظر عن عدد المرات التي تزور فيها فيلا روز اموندا ، فإن النظرة الأولى إلى الاتساع الهائل للبحر و السماء يجعل ناتالي تحبس أنفاسها نظراُ لانحدار الارض في تلك المنطقة ، فقد سوّيت الحديقة على شكل مدرجات ، تاركة للمشاهد أن يحظى بمنظر يمتد من بلدة آمالافي من جهة الشرق إلى أقصى بوستيانو من جهة الغرب .
انتظرت حتى قدم لها الشراب ، ثم علقت بصوت الهادئ :
(( أنت تملكين هذا المكان منذ وقت بعيد جداً ، لكنني لم أسمعك تذكرين عائلة برتولوزي قبل الآن ))
- كما تذكرين من زياراتك السابقة ، بقي المنزل فارغاً لسنوات عدة . أوفيديو برتولوزي ، مؤسس العائلة ، مات في السجن ، و زوجته ماتت بعده بفترة قصيرة . كانت امرأة لطيفة ، رقيقة ، و جميلة جداً ، ولطالما تساءلنا ما الذي دفعها للزواج برجل مثله ، إذا إن عدداً كبيراً من الرجال الشرفاء كانوا يتمنون إتخاذها زوجة لأحدهم .
قالت ناتالي :
(( ربما كانت مغرمة به ))
طغت على ضحكة جدتها مسحة واضحة من السخرية قبل أن ترد :
(( يا لك من مخلوقة رومانسية لا يمكن شفاؤها ، مع أن الرومانسية ليست صفة مناسبة لامرأة يفترض بها أن ترأس شركة وايد العالمية في يوم من الأيام ، لكن بالرغم من ذلك ، مازلت عزيزتي غالية ))
- لا أرى سبباً يمنع الجمع بين الحب و العمل .أنت نفسك وقعت في الغرام بما يكفي لتتزوجي ثلاث مرات ، و في النهاية لم تسمحي للحب بأن يثني عزمك .
- يمكن للحب و العمل أن يجتمعا ، على ما أعتقد ، هذا إذا وجد التفاهم الواضح بين الشخصين . لكن لسوء الحظ ، ليس من السهل العثور على الرجال الأقوياء الذين يستطيعون التأقلم مع الزوجة الناجحة ، فمعظم الرجال يخافون أن ينتهي بهم الأمر بالتخلي عن رجولتهم .
- أعتقد أن هذا ما أخاف لويس .
- إذاً ، من حسن حظك أنك تخلصت منه .
أمسكت جدتها يدها بالحنان و قالت :
(( كيف هي الأحوال في المنزل ناتالي ؟))
- لا بأس ! لكن أبي لا يفهم لماذا لا أستطيع الاتصال بمكتب بوسطن ، و العمل من المنزل على الرغم من وجود كل تجهيزات التكنولوجيا الحديثة .
- لانه غير قادر على الرؤية أبعد من نادي الغولف أو يخته . ناسبه تماماً الزواج من امرأة ثرية .
- ليس ما يبقيه و أمي معاً ، فهما يحبان بعضهما كثيرا ً .
لم تقدّر باربرا يوماً شخصية صهرها اللطيفة و المعتدلة ، ولن تفعل ذلك مطلقاً . وهذا أمر اعتادت ناتالي و جدتها على عدم الاتفاق بشأنه .
تخلت ناتالي عن التعليق ، وعادت إلى الموضوع الاكثر إثارة لاهتمامها .
- إذا كما فهمت ، تفاجأتِ عندما علمت بوجود جارك من جديد ؟
- ارتعبت هي الكلمة التي تعبر أكثر عن ردة فعلي ! بقي المنزل مهجوراً لمدة طويل , و أمل كل شخص في المنطقة أن يتحول المكان إلى رماد ، فهكذا سننتهي منه ومن عائلة برتولوزي .
و فجأة ، في الصباح أحد الأيام ، فتحت الأبواب القديمة الصدئة , و رأينا الحفيد يقود شاحنة محملة بالمعدات و مواد البناء . لم نعرف يوماً هادئاً منذ ذلك اليوم ، فهو إما يستعمل المطرقة أو آلات ذات محركات منذ الفجر حتى الغروب .
- ربما هو يعمل على ترميم المنزل من أجل بيعه .
أنهت جدتها شرب فنجان الشاي ، و سلمته إلى روميرو ، قبل ان تعلق :
(( هذا ما أتمناه ، يا عزيزتي ! هذا ما أتمناه ! ))
كما يحدث عادة بعد رحلة طيران طويلة فوق المحيط الأطلسي ، كان جسم ناتالي مرهقاً و لا يعمل بانتظام . على الرغم من خلودها إلى النوم بعد العشاء مباشرة تلك الليلة ، وجدت نفسها تستيقظ بنشاط عند الساعة الواحدة صباحاً . حتى صوت تدفق الأمواج لم يتمكن من إعادتها إلى النوم .
رمت غطاء السرير بعيداً و خرجت إلى الشرفة التابعة لغرفتها.
كم تبدو النجوم مشعة وقريبة ! إنها أشبه بحبات من الماس كبيرة ومتعددة الأحجام معلقة في السماء الداكنة اللون .
اتكأت ناتالي على السياج الشرفة ، و قد اعتادت عيناها على نور الليل . امتدت الحديقة تحتها ، وراحت مياه البركة تتموج بلطف كأنها قطعة من الساتان.
لمحت بقرب من قدمها ، برعماً من نبتة ورد متسلقة في بداية تفتحه ، بدا احمر اللون داكناً كالدم . انحنت ناتالي لتستنشق عبيره الفواح ، ثم رفعت راسها بسرعة ما إن طغت على تلك الرائحة رائحة دخان عطر قوية سيطرت على حواسها.
قدمت تلك الرائحة من الجهة المقابلة للجدار الشرقي ، حملتها نسمة خفيفة من الهواء .
وقفت على رؤوس أصابع قدميها لتستكشف مصدر الرائحة ، و سرعان ما أدركت أنها ناتجة عن شمعة ذات رائحة عطرة أضئت لطرد الحشرات الطائرة على شرفة الطابق العلوي للمنزل المجاور.
استرعت انتباهها حركة إلى الجهة اليسرى ، فالتفتت ، و إذا بها ترى برتولوزي الحفيد متكئاً على الجدار. تساءلت كيف لم تلاحظ وجوده من قبل .
بدا كأن ضوء المصباح في الغرفة وراءه يلقي عليه نوراً خافتاً ، تاركاً وجهه في الظلام ، وفيما هي تتأمله ، رفع كوبه عالياً للحظة كأنه يلقي عليها التحية ، ثم أنزله إلى فمه و شرب منه.
أدركت ناتالي أنه رآها قبل وقت طويل من إدراكها لوجوده ، و أنه يراقبها منذ اللحظة التي خرجت فيها إلى الشرفة .
لو أنها استسلمت لردة فعلها الأولى لتراجعت إلى غرفتها ، و اختبأت وراء ستائرها الرقيقة ، لكن كبرياءها ثبتتها في مكانها . رفضت أن تخفض كتفيها وتبتعد عن الأنظار . بدلاً من ذلك ، نظرت إليه بتحدِ ، و الدم يضج بقوة في عروقها .
كيف تراه يبدو عن قرب ؟
تساءلت و هي تشعر بالغضب و الفضول معاً . ليست بحاجة إلى تلك الأخبار التي سردتها جدتها عن عائلته لتحذرها بأن تبقى بعيدة عنه إن كانت تملك ذرة من المنطق فهذا ما عليها أن تفعله .
الهالة الغريبة التي تحيط به تجعله لا يشبه أحداً من الذين عرفتهم من قبل ، كالرجال الذين يترددون إلى النوادي و رجال الأعمال ، فهؤلاء ، إن وجدوا أنفسهم يوماً بحاجة إلى القيام بأعمال مشبوهة ، سيستخدمون رجالاً للقيام بتلك الأعمال من دون أن يلوثوا ايديهم بها .
أما برتولوزي ، فهو بدون شك ليس كذلك إن اضطره الأمر إلى القيام بعمل قذر فسوف يقوم به بنفسه . لا شك عندها بذلك ! ما اسمه الأول؟ و كم يبلغ من العمر ؟ ألديه زوجة أم صديقة ؟ فكرت في قرارة نفسها ، أن من غير المنطقي أن تكون لديه صديقة عادية كغيره من الرجال ، رجل مثله قد تكون لديه عشيقة ، و من المحتمل أنها زوجة رجل أخر .
طغى عليها إحساس كبير بالفضول ، جعلها تشعر بالحرج و التردد . أخيراً قررت ناتالي أن تضع حداً لهذا الوضع الحالي قبل أن تحرج نفسها أمامه . في اللحظة التي أبعدت فيها نظرها عنه ، قفز مبتعداً عن الجدار الشرفة ، بحركة رشيقة تشبه حركات حيوانات الغابة .
أنهى شرابه ، و سار نحو الأبواب الفرنسية ، ثم توقف قليلاً ليواجهها مرة أخرى قبل أن يرفع يده محيياً.
لا شك أنه يتسلى ، محاولاً أن يؤثر عليها بإلقاء التحية ، وكأنه من جديد تمكن من معرفة ما يدور في رأسها من أفكار .
فارقها الكبرياء حينها ، وشعرت بخديها يتقدان . استدارت و تراجعت إلى غرفتها كأرنب خائف ، و هذا ما يجب أن تشعر به .
فيما هي تغلق الأبواب الفرنسية الطراز لغرفتها ، خيل إليها إنها سمعت صوت ضحكته المميزة تنساب مع هواء الليل البارد . أتراها سمعتها حقاً ؟ هي ليست متأكدة ...


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 26-11-17, 05:17 PM   #3

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 26-11-17, 05:18 PM   #4

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

3- اصمت و ساعدني !
أثناء تناولهما العشاء في تلك الليلة ، قالت ناتالي لجدتها :
(( قمت بزيارة إلى منزل جيرانك اليوم ))
رفعت جدتها نظرها متفاجئة .
- عائلة برامبيلاز ؟ اعتقدت أنهم مسافرون ، و سيتغيبون طيلة هذا الأسبوع .
- إنني أتحدث عن جارك الأخر : السيد برتولوزي .
لو اعلنت ناتالي أنها وجدت أفعى حيّة في طبق الشواء ، لما بدت جدتها أكثر اندهاشاً . قالت المرأة المتقدمة في السن بأنفاس منقطعة :
(( يا إله السماوات ! طفلتي .. ما الذي اصابك لتقومي بأمر مماثل ؟ ))
- إنه يثير اهتمامي أيضاً
- و آل كابوني يثير اهتمامي أيضاً ، لكن لو إنه مازال حياً حتى اليوم ، و انتقل ليسكن بجواري ، آمل أن أمتلك ما يكفي من رجاجة العقل لأبقى بعيدة عنه .
بعد ان استردت أنفاسها من هروبها المخجل ذلك الصباح ، أخذت ناتالي الوقت الكافي لتسترجع كل ما حدث أثناء لقائها بذلك الرجل في المنزل المجاور ، و وصلت إلى نتيجة مفادها أنه لو كان سيئاً بمقدار عّشر ما سمعت عنه , فقد أعطته فرصة سانحة ليثبت ذلك .
و طالما أنه لم يسبب لها اي سوء ، فمن واجبها الأخلاقي أن تدافع عنه الأن .
- من الصعب أن أفكر أن السيد برتولوزي و آل كابوني من الصنف ذاته .اعتقد أن خطأه الوحيد هو أنه لم يتخل عن منزله ، و لا يمكنني أن ألومه على ذلك . ما كنت لأتخلى عن ذلك المنزل أنا ايضاً لو كان ملكي .
بتعمد واضح , ألقت جدتها شوكتها، و ركزت نظرتها على ناتالي . تلك النظرة التي تجعل موظفي شركات وايد يرتجفون في أماكنهم .
- إنه ليس مثلنا ، عزيزتي! هو من النوع الذي لا يرغب أي شخص في هذا المنطقة بأن تكون له صلة به .
- و كيف تعرفين ذلك ؟
رمتها جدتها بنظرة تخبرها بوضوح ما تفكر فيه بشأن ذلك السؤال السخيف ، أجابت وهي تلفظ كل حرف بصبر مبالغ فيه :
(( أخبرتك بذلك من قبل . إنها حقيقة معروفة تماماً ، فعائلته على علاقة .. ))
- بالجرائم المنظمة . صحيح ، فأنا لم أنس بعد .
- و هل تتذكرين ما أخبرتك به عن جده و ... ؟
- أتذكر كل كلمة قلتها . لكن ما علاقة ذلك كله به ؟
- حسناً ، عزيزتي ..!
قوست باربرا حاجبيها و هي تتابع :
(( ... من النادر أن تسقط تفاحة بعيدأً عن شجرتها ))
- كيف يمكن قول ذلك من دون أن تنفجري بالضحك ؟ اهتمامات أمي الوحيدة هي لقاء صديقاتها على الغداء ، و إبقاء مفكرتها مليئة بالمواعيد و اللقاءات ، اما بالنسبة إلى والدي ، فهو لا يعرف الفرق بين السند و الكفالة ، و لا يهمه حتى أن يعرف . لكن هذا لم يمنعك من ان تأملي بأن تحل ابنتهما الوحيدة مكانك كرئيسة لشركات وايد العالمية في يوم من الايام .
- لأننا نحن أشخاص مختلفون .
- لا ! لسنا كذلك . لدينا خزانة ملأى بالهياكل العظمية ايضاً .
- لا أحد منا يشبهه ، ناتالي . القتل ، الابتزاز ، التهديد و الاحتجاز ... هذه الامور لا وجود لها في تاريخنا .
- الجد الأكبر لعائلة وايد كان مقامراً .
- نعم لكنه لم يخدع أحداً .
في تلك اللحظة ، لم تستطع ناتالي إلا أن تنفجر بالضحك ، غير مصدقة ما تسمعه .
- هل تصغين إلى ما تقولينه . كان هذا الرجل يستغل الضعفاء من الناس و يسحب منهم رزق أطفالهم ! يقال إن أحد هولاء المساكين شنق نفسه لأنه خسر كل ما لديه بالمقامرة مع إدغار وايد .
- أولئك الرجال كانوا أحراراً في الابتعاد عن جدك في اي وقت يريدون . إن كانوا قد تصرفوا بحماقة فليست تلك غلطة جدك الاكبر .
- هذا ما اريد قوله بالتحديد ! ليست غلطة السيد برتولوزي أن والده وجده مجرمان .
مسحت باربرا زواية فمها بالمنديل ، و اتكأت على الطاولة ، ثم قالت باهتمام :
(( اسمعي ، ناتالي ! عانت عائلات كثيرة في هذه المنطقة بسبب عائلة برتولوزي ، أمهات شعرن بالخوف و الرعب على بناتهن ، أزواج سلبت منهم زوجاتهم ، آباء تعرضوا للتهديد بشكل لم يترك لهم اي خيار للرفض ... أناس تعرضوا للذل و المهانة لكي يتمكنوا من العيش من دون خوف على حياتهم ، و أبناء اختفوا من دون اي تفسير ، و لم يسمع عنهم مطلقاً بعد ذلك ، و منازل أحرقت بطريقة غامضة ))
-ذلك كله حدث منذ وقت بعيد جداً ، جدتي .
- بدون شك ! لكن ما زال الناس يتذكرون .
قالت ناتالي :
(( بالطبع ، يتذكرون . من يستطيع نسيان مآسٍ من هذا النوع ؟ لكنني أؤمن بمقولة : الإنسان برئ حتى تثبت إدانته . و حسب علمي ، لم يفعل السيد برتولوزي أي شيء يثير الشبهة . آه ! ما دمنا نتحدث عنه جدتي .. ما اسمه الأول ؟ أرى من السخافة أن نستمر في استخدام لقب السيد عند الحديث عنه ))
- لست متأكدة من اسمه ... ربما داميانو او اسم مشابه . برأيي ، بما أن هذا الرجل هو حفيد الشيطان ، فمن السخافة ان نتحدث عنه اصلاً .
- إن عدم التحدث عنه لن يرغمه على الرحيل .
- قد يحدث ذلك
- لا ، جدتي ! ليس هذا الرجل . لا أظن أنه شخص يهتم لما يقوله الناس عنه .
- حسناً ! وماذا عنك ، ناتالي ؟ هل حاولت التفكير قليلاً أن تصورك له كبطل قد يؤثر على مصداقيتك كرئيسة لشركات وايد العالمية في المستقبل ؟
- آه .. ! من فضلك !
حركت ناتالي يديها بإشمئزاز قبل ان تتابع : (( أنا أتحدث فقط عن التصرف بلطف معه بحكم الجيرة ، لا عن تقديم تنازل عن حصة من الشركة له ))
- لن يرى الأخرون الامر بهذه الطريقة . عدد من أصدقائي و جيراني هنا يمتلكون اسهماً في شركة وايد العالمية . انت ما زلت يافعة و عديمة التجربة , عزيزتي . لكن مع ذلك يجب ان تعلمي ان زعزعة الثقة بين عدد من مالكي الاسهم قد يؤدي إلى نتائج ضارة جداً . إن إقامة أية علاقة مع هذا الرجل هي مخاطرة حقيقية بالنسبة إليك .
في تلك اللحظة تحولت هذه المحادثة بالنسبة لناتالي إلى انزعاج كامل ، و قالت :
(( أنا لا أريد إقامة أي علاقة ، حباً بالله ،كل ما أقترحه .. ))
ماذا تقترح بالتحديد ؟ أتقترح بأن تدعواه في احد الأيام لتناول القهوة ؟ أم تقترح أن يتبادلا المعلومات بشأن تشذيب الزهور فوق جدار الحديقة ؟ إن كان هذا كل ما تفكر به ، فلماذا تشعر بالحرارة تجتاحها كلما ذكر اسمه . آه ..! حسناً ! لماذا يجب أن يذكر اسمه منذ البداية ؟
تأملتها باربرا منتظرة جوابها و سالتها :
(( ماذا ؟ ))
- لا شيء
هزت رأسها ، لعدم قدرتها على فهم سر اهتمامها المطلق بذلك الرجل ،فيما هو لم يظهر أي اهتمام بها .
- انت محقة , جدتي . أعتقد انني بحاجة إلى الخروج ، و التعرف على الناس أكثر .
***
حثها إدراكها ذلك ، على قضاء الأسبوع التالي في زيارة تريسا لامبرت ، وهي صديقتة لها منذ أيام الدراسة ، تعمل الأن في حقل الإعلام ، و تعيش في روما .
و تناولتا الغداء في مطعم فاخر يقع في احد اشهر المواقع التي تقام فيها عروض الأزياء ، و تجولتا في معرض للفنون افتتح منذ وقت قريب في مدينة الفاتيكان .
عندما تذهب تريسا إلى العمل ، كانت ناتالي تمضي الوقت بالتجول في المتاجر و بزيارات متكررة إلى المواقع السياحية المفضلة لديها . اما في الأمسيات ، فتخرجان مع أصدقاء تريسا حيث يسهرون في افخر الأمكان فيتناولون العشاء و يتبادلون الأحاديث ، و يمضون أوقاتاً مسلية .
أصدقاء تريسا هم الرجال جذابون ، ساحرون ، وسيمون ، لا عيب فيهم ، كما أنهم مثقفون و اسعو الإطلاع و مناسبون جداً . لكن في النهاية لم يترك أي منهم لدى ناتالي أي انطباع يميزه عن غيره من الرجال .
حيتها جدتها عند عودتها إلى فيلا روزا موندا ، قائلة :
(( حسناً ! هل أمضيت وقتاً مميزاً ؟ ))
- و رائعاً ايضاً .
قالت ذلك مع إنها في الحقيقة لم تعد تطيق صبراً للعودة إلى آمالافي بسرعة .
- همم ... ماذا أيضاً ؟
- ماذا ؟
- هل قابلت شخصاً أثار إهتمامك ؟
- في الواقع فعلت . جارة تريسا التي تسكن في الشقة المقابلة امرأة عجوز رائعة .
- تعلمين جيداً إنني غير مهتمة بالسماع عن السيدات العجائز . أنت تتلاعبين بي ، ناتالي !
اعترفت ناتالي بإشراق و فرح :
(( هذا صحيح ! ))
فجأة علا صوت المنشار الكهربائي المزعج من المنزل المجاور ، فبدا لأذني ناتالي كعزف موسيقي رائع . تابعت :
(( تعلمت ذلك منك جدتي ، فقد علمتني بطريقة جيدة فعلاً ))
بعد مرور عدة أيام ، تلقت ناتالي مكالمة هاتفية من مالك متجراً للفنون في بوستيانو ، أخبرها فيها إن المطبوعة الاثرية التي اختارتها من أجل إهدائها لأمها لمناسبة عيد ميلادها قد تم وضع إطار لها ، و أصبحت جاهزة للتسليم .
بدا النهار رائع الجمال ، و فكرت ناتالي إنها أمامها خيارين : إما أن تأخذ واحدة من السيارات الرياضية او أن تطلب من سائق جدتها أن يوصلها .
إلا ان ناتالي قررت التخلي عن كلا الخيارين و الذهاب سيراً على القدمين ، قاطعة مسافة الثمانية كيلومترات لتصل إلى البلدة ، فالرياضة مفيدة جداً لها ، كما يمكنها أيظاً أن تنعم بالسلام و الهدوء وهي في طريقها إلى هناك ، وتمتع ناظريها بالمناظر الطبيعة الرائعة الجمال .
على خلاف الطريق التي سلكتها ، كانت بوستيانو تعج بالسياح ، لكن ذلك لم يقلل من سحر الفيلات المطلية بألوان مختلفة ، و المنتشرة فوق تلالها . بعد أن استلمت اللوحة المطبوعة ، زارت متجراً للثياب بعد أن لفت نظرها عرض لقبعات كبيرة تحمي من أشعة الشمس ، و خرجت منه معتمرة قبعة واسعة زينت حاشيتها بعدد من الزهور الحمراء اللون .
في تلك الأثناء قررت أن ترتاح و تتجنب حرارة منتصف النهار ، فاختارت مطعماً ذا شرفة مطلة على البحر . بعد أن تجاوزت الساعة الثانية و النصف ، انطلقت عائدة إلى منزلها ، لكن ما إن قطعت ثلث المسافة تقريباً حتى انقطع رباط حذائها .
لم تكن تحمل شيئاً تستطيع ربطه بواسطته على قدميها ، وهكذا راح الحذاء يتأرجح حول كاحلها . و كأن ذلك لم يكن كافياً لإسدال غيمة على ذلك النهار الرائع ، اكتشفت ناتالي بعد قليل أن هاتفها النقال لا يعمل بسبب نقص في شحنة الطاقة ، ما منعها من الاتصال بأحدهم ليقدم لها المساعدة .
مازال أمامها أكثر من خمسة كيلومترات لتقطعها عبر ممر لم يصمم ليسير المرء عليه حافي القدمين ، لذا لم يبق لديها خيار آخر سوى المرور بصعوبة عبر الأشجار الكبيرة لتصل إلى الطريق العام . لم يكن ذلك عملاً سهلاَ ، لكنها أملت على الأقل ، أن تلتقي بشخص رقيق العاطفة ، يوقف سيارته بمحاذاتها و يعرض عليها المساعدة .
مرت حافلة سياحة أمامها ، يتبعها عدد من السيارات ، إلا أن سائقيها بدوا منشغلين بتركيز انتباههم على المنعطفات اللولبية أمامهم ، فلم يستطيعوا إبعاد نظراتهم عن الطريق لرؤية امرأة وحيدة تقف على جانبها .
مرت عشرون دقيقة ولم يحالفها الحظ بعد بتوقف سيارة بالقرب منها ، فبدأت ناتالي تمشي بتثاقل نحو البيت . إلا أنها ظلت تلتفت كلما سمعت صوت سيارة تقترب آملة ان تتوقف بقربها ، لتجد نفسها بعد ذلك وحيدة من جديد .
أخيراً ، بعد أن تخلت عن انتظار حدوث أعجوبة ما ، سمعت صوت شاحنة تبدو محملة بأشياء ثقيلة ما يجعلها تسير ببطء تقترب منها من وراء المنعطف .
خشيت ناتالي أن تمر هذه الشاحنة أيضاً بها من دون أن تتوقف أيضاً إن اكتفت برفع إبهامها بتهذيب طلباً للمساعدة ، لذلك أمسكت بقبعتها ، و لوحت بها بقوة لتجذب انتباه السائق .
أخيراً نجحت .. ها قد رآها السائق فأوقف السيارة بعد أن تجاوزها بمسافة قصيرة . اعتمرت قبعتها بسرعة ، و أمسكت المطبوعة جيداً ، و سارت قفزاً إلى حيث تقف الشاحنة ، فيما فتح السائق لها باب الشاحنة .
في تلك الأثناء ، اصبحت تسير وهي تعرج بشكل واضح ، بسبب الحرارة اللاذعة المنبعثة من الرصيف ومن الجرح الذي بات مؤلماً في قدمها اليسرى .
ما إن وصلت إلى الباب المفتوح قالت وهي تلهث :
(( شكراً لك ! أنت أنقذت حياتي ))
سألها السائق :
(( هل أنت متأكدة ؟ عندما التقينا من قبل راودني انطباع أنك تظنينني قاتلاً مأجوراً ))
غاص قلبها بين ضلوعها لدى سماعها ذلك الصوت . بدا شعرها ملتصقاً براسها ، و قميصها الرطبة ملتصقة بظهرها ، اما وجهها ... آه ! هي لا تريد أن تعلم كيف يبدو وجهها . يكفيها ما تشعر به من حرارة و توهج .جلس السائق بتكاسل وقد القى ذراعه فوق مقود السيارة ، أما الذراع الأخرى فألقاها على ظهر مقعد المجاور المغطى بالفينيل .
وها هو من جديد ، يرتدي بنطلون جينز أزرق قديماً ، و لا يرتدي قميصاً . صاحت به ناتالي :
(( هيه ، أنت .. ما خطبك ؟ ))
تابعت بغضب و هي تبعد نظرها عن عضلاته المشدودة :
(( هل عليك دائماً أن تتجول مستعرضاً جسدك ؟ ))
أجابها :
(( فقط عندما أتوقع أن من ستراني ستتأثر بمنظري ))
لم يحاول مطلقاً أن يبدي أي تحفظ و هو يتأملها بنظراته المتفحصة
- حسناً ! هذا خبر جديد لك ، سيد برتولوزي . انا لست متأثرة على الإطلاق .
كانت هذه كذبة واضحة للعيان ، بالطبع !
جال بنظره عليها ، ثم قال معلقاً :
(( أنا أيضاً لست متاثراً . أعرف أن أولاد الملوك لا يتميزون عادة بالذكاء ، لكن حتى عديمي الذكاء منهم يعلمون أن عليهم أن ينتعلوا احذية رياضية إن قرروا التنقل سيراً على الأقدام ))
- انقطع رباط صندلي .
- الصندل لا يعتبر حذاء رياضياً
- أنا لست من النوع الذي اعتاد تسلق الجبال
- ومن أنت إذا ، ايتها الأميرة ؟
- لن اقف هنا طوال النهار ، لأصغي إليك و انت تلقي علي محاضرات . هل ستقلني إلى المنزل ، أم لا ؟
- و لأي سبب أخر تعتقدين انني توقفت هنا ؟
قالت بغضب :
(( إذاً ، اصمت وساعدني كي اصعد إلى الشاحنة ))
حاولت جاهدة أن تجد ما تتمسك به ، لكي ترفع جسدها المتعب إلى داخل الشاحنة . انحنى الرجل قليلاً ، و أطبق بيده حول رسغها ، و شدها بقوة جعلتها تسقط كالكومة على المقعد المجاور مستلقية بوجهها عليه تقريبا .
- يا إلهي !
خرجت أنفاسها من فمها كالشهيق .
علق بهدوء :
(( قليل من الشكر يكفيني ، و سأقدر لك صنيعك إن أظهرت بعض الإحترام لمرافقي ))
جلست ناتالي بإستقامة ، ثم رفعت قبعتها عن ارض الشاحنة و هي توشك أن تساله عن اي مرافق يتحدث . و سرعان ما وقع نظرها على كومة متجمعة بقربه . رأت كلباً صغيراً لا يزيد عمره عن الشهرين , و قد لفه الرجل بقميصه ، فيما راح الكلب ينظر إليها باستغراب . فقط عناية الله جنبتها السقوط عليه.
قالت وهي تحمل الكلب الصغير لتضمه إليها وتضعه تحت ذقنها :
(( آه كم أنت رائع ! ))
لم يستطع هذا المسكين الصغير بعظامه البارزة إلا أن يتحرك بضعف ويئن من الألم . شعرت بضلوع ذلك المخلوق المسكين حتى من فوق قماش القميص , أما ما ظهر من وبره الأسود فبدا مليئاً بالأوساخ .
أبعدت جزءً من القميص لتعاينه بصورة أوضح ، ثم نظرت إلى منقذها بنظرة منتقدة وقالت :
(( هل هذا الكلب لك ؟ ))
-ولمن هو إن لم يكن لي ؟
- إنه نحيل ومليء بالبراغيث و ربما بحشرات أخرى أيضاً . إنه أكثر حيوان مهمل رأيته في حياتي ، وهو بحاجة إلى طبيب بيطري . منذ متى تتعهد هذا المسكين؟
- منذ عدة ساعات
رماها بنظرة عاجلة ، و تابع بهدوء :
(( و إذا كان الأمر يهمك، فهو يعبث بقميصك ))
-عدة ساعات فقط ؟!
تفاجأت مما سمعته ،و اختارت أن تتجاهل ملاحظته المرحة الأخرى ، فتابعت :
(( حسناً ! لم تقل لي ذلك ؟ ))
-لأنك لم تسألي
هزت رأسها وهي تزفر بانزعاج
-حسناً ! إذاً كان هذا هو أسلوبك في الحديث ، أجبني عن سؤالي :
(( من أين حصلت عليه ؟ ))
تجهم وجهه ، وقال :
(( وجدته في صندوق من الكرتون في زقاق في نابولي ))
-أتقول إنك أنقذت حياته ؟
-هذه صحيح !
تنهد بقوة وتابع :
(( يبدو أن يومي هذا مخصص لالتقاط المشردين )).
ردت بسخرية :
(( يا للأمر المسلي ! ))
لامست بأنفها الكلب الصغير ،ثم مررت إصبعها على رأسه و هي تقول :
(( هل كان وحده في الصندوق ؟))
نظر إليها متعجباً للحظة قبل أن يسألها :
(( ألا يكفي كلب واحد ؟ ))
-أعتقد أنه يكفي ..
ترددت للحظة قبل أن تتابع :
(( لاحظت أنك تتحدث اللغة الإنكليزية بطلاقة واضحة ، مع مسحة من اللكنة الأميركية )).
-أهذا ما ترينه ؟
-أنت لست مستعداً لتقديم أية معلومات عنك، أليس كذلك ؟
ظهرت ابتسامة ساخرة على شفتيه ، قبل أن يجيب :
(( ما من داعِ لذلك أيتها الأميرة . فلا بد أنك سمعت من جدتك الثرية كل ما يتعلق بي ، وما يمكن أن يقال عني أيضاَ ))
-ليس كل شيء
وطبعت قبلة على الأنف الصغير الأسود ،و هي تتابع :
(( هي لا تعرف إنك تقوم بمساعدة الكلاب التائهة ))
رماها بنظرة حائرة و قال معلقاَ :
(( و هي لا تعرف أنك تركبين شاحنتي أيضا . تخيلي ما ستكون عليه ردة فعلها عندما تعرف بذلك ، أم أن هذا سيبقى سراَ بيننا نحن الاثنين ؟ ))
-بالطبع لا ! فأنا راشدة بما فيه الكفاية ، و لست بحاجة إلى طلب الموافقة على كل ما أفعله من جدتي .
أبعد نظره إلى الناحية الأخرى و أطلق زفرة استياء غير مصدق مما سمعه .
-إن كا., هذا ما تريدينه .. أيتها الأميرة !
-هذا ما أريده ! و أرجو أن تكف عن مناداتي بذلك الاسم ... اسمي ناتالي .
غرق الرجل أكثر في مقعده ، و راح يحدق أمامه من خلال الحاجب الزجاجي .
دفنت ناتالي موجة أخرى من الغضب في أعماقها ، و قالت :
(( و أنت تدعى داميانو . أهذا صحيح ؟ ))
-لا ! خطأ
صرت بقوة على أسنانها ، سألت :
(( ما اسمك إذا ؟ ))
-أتقصدين أن جدتك لم تخبرك ؟
-ما كنت لأسأل لو أنها أخبرتني ، كل ما أعرفه هو أنك من عائلة برتولوزي .
-في هذه الأرجاء ، هذا أكثر من كافِ.
انعطف عن الشارع العام المزدحم ، و سار عبر الطريق الخاص الطويل الذي يؤدي إلى المنطقة المطلة على البحر .
-أين تريدين أن تنزلي ؟
-أمام أبواب فيلا جدتي ، بالطبع .
رفع كتفيه بلا مبالاة و علقت :
(( ظننت أنك لا ترغبين بأن يراك أحدهم برفقة العدو ))
-أنا لا أعتبرك أبدا عدواَ ، سيد برتولوزي . بالنسبة لي ، أنت ببساطة رجل يعيش في المنزل المجاور ، ولديك استعداد كبير للشجار و القتال .
علت فمه شبه ابتسامة قبل ان يقول :
(( و أنت امرأة مزعجة و متشبثة برأيك )) .
-أنا امرأة تشعر بامتنان كبير لأنك مررت من هنا . ما كنت لأستطيع مطلقاَ العودة إلى المنزل سيراَ على قدمي .
-في المرة التالية ، اصنعي معروفاَ مع نفسك و استعملي جزءَ من ميراثك الضخم لشراء حذاء رياضي .
حدقت ناتالي إليه بانزعاج ، وقالت :
(( ما الذي تعرفه عن ميراثي ؟ ))
أجاب :
(( يمكنك أن تتصوري ما أعرفه بنفسك))
وابتسم مرة ثا نية واحدة من تلك الابتسامات التي باتت معروفة لديها
-الكلام ينتشر بسرعة ، و كل شخص في هذه المنطقة يعرف أنك الحفيدة الوحيدة للسينورا وايد ، و أنها تنفق في يوم واحد ما يكفي لإطعام شعبى نابولي كله سنة كاملة المعكرونة و البندورة .
-لم أفكر إنك من الأشخاص الذين يصغون إلى الثرثرات العقيمة .
-عليك ألا تفكري بي على الإطلاق !
أخبرها بذلك ، و هو يوقف شاحنته أمام بوابة فيلا روزا موندا الحديدية المزخرفة ، و أردف متابعا :
(( جدتك ليست الشخص الوحيد الذي تتمنى لو أنني أختفي عن سطح الكرة الأرضية .اسألي أي شخص هنا و سيخبرك أنني نذير شؤم ، و أن تعرضين نفسك للخطر في التورط معي )) .
تجاهلت ناتالي كيف تسارعت دقات قلبها :
(( أنا لا أشعر بأي خوف منك ))
قال بنبرة سطحية :
(( عليكِ أن تخافي )) .
-شكرا على تحذيرك ، لكن إذا كنت حقاً تريد الاحتفاظ بسمعتك الرديئة ، عليك أن تتوقف عن إنقاذ الكلاب التائهة ، فهذا لا يناسب مطلقاً الصورة التي تعمل جاهداً على إظهارها
طبعت قبلة أخيرة على رأس الكلب صغير ، و وضعته بلطف قرب صاحبة الجديد ، و تحركت لتقفز إلى الطريق ، فارتطم إصبع قدمها الحافية بحافة صندوق خشبي طويل موضوع تحت المقعد .
صرخت متألمة :
(( أوه . ماذا لديك في هذا الصندوق)).
أجاب بصوت أجش تظهر فيه التسلية:
(( بندقية !لإبقاء المتجولين بعيداً عن أرضي . من الأفضل لك أن تراقبي خطواتك ؟ في المستقبل ))
-لا أصدقك !
لم يتمالك الرجل نفسه وضحك بطريقة عفوية قبل أن يقول :
(( هذه غلطة أيتها اأميرة ))
-لا أعتقد ذلك . أنا أعتبر نفسي جديرة حقاً بالحكم على الأشخاص ، و أنت لا تشكل خطراً على المجتمع كما تحاول أن تظهر .
قفزت من الشاحنة ، و أعتمرت قبعتها ، ثم وضعت اللوحة تحت ذراعيها و تابعت :
(( شكراً لك من جديد على صنيعك ، سيد برتولوزي )) .
و بينما كادت تغلق باب الشاحنة ، قال الرجل :
(( بالمناسبة .. اسمي ديميتريو )) .
ظهرت على وجهها ابتسامة كبيرة واسعة .
- ديميتريو !!
إن اسم قوي و مليء بالفخر و الكبرياء لرجل قوي و فخور جداً !
تركها تتحدث مع نفسها , و أدار المحرك منطلقاً بالشاحنة عبر الطريق الفرعية إلى حيث البوابات الصدئة لمنزله .
لم ينتظر ليتأكد أنها أصبحت بأمان داخل المنزل ، فقد أضاع ما يكفي من الوقت لأجلها فيما هناك الكثير من المسائل الملحة التي تحتاج إلى اهتمامه ، كإصلاح السقف لمِنع تسرب المياه .
عليه أن يفعل ذلك في أقرب وقت ممكن ، إن كان يريد الحفاظ على طلاء سقف غرفة النوم الرئيسية . كما يجدر به سد بعض الثقوب في الجدران , و تغير شبكة الأنابيب الداخلية ، و شبكة الأسلاك الكهربائية ... قائمة أعماله لا نهاية لها . و الأن ها هو قد أضاف إليها الاعتناء بهذا الكلب الصغير . يا إلهي ! إنه بحاجة إلى من يصلح له رأسه المتعب .
أوقف الشاحنة خارج المرآب الذي يستعمله الآن كمشغل ، ثم حمل الكلب إلى مكانه صغير مسقوف يقع بالقرب من باب المطبخ ، و وضع له وعاء صغيراً ملأه بالماء ، ثم راح يبحث عن قفص ليستعمله كمقر مؤقت له ريثما يصنع له مسكناً ملائماً في الحديقة .
لم ينقذ ذلك المسكين من الموت المحتم في نابولي ليتركه يهرب من أرضه .
بعد أن تأكد أن الكلب بخير ، عاد إلى الشاحنة وبدأ بتفريغ الحمولة ، بدأ بالصندوق الذي كان قد وضعه تحت المقعد المجاور المقعد السائق . إنه ليس بندقية ايتها الأميرة ! إنه رف للأواني في المطبخ .
مجرد التفكير بها دفعه للإبتسام ، و ساوره إحساس غريب لم يعد مألوفاً لديه في الفترة الأخيرة . فكر أنه عندما يكون بقربها ، لا يستطيع أن يبقى عابس الوجه . من الأفضل له أن يركز على معرفة سبب شعوره بالتسلية عندما يلتقي بها ، بدلاً من التفكير بما يشعر به نحوها .
من المحتمل أنها تظنه أحمق , لأنه جلس يراقبها ، بدلاً من أن يعرض عليها المساعدة لتنزل من الشاحنة .
و من المحتمل أيضاً إنها تعتبره مختلفاً من الناحية الإجتماعية ، لأنه أبقى الحديث بينهما في حده الأدنى ، لكن الحقيقة ليست كما تبدو للعيان . لقد عرف العديد من النساء في حياته ، لكنها لا تشبه أية واحدة منهن ، فما من امرأة أثارت لديه أحاسيس كتلك التي تثيرها فيه هذه المرأة بالذات .
و هو لا يعرف بالتحديد كيف يمكن أن يتعامل مع تلك الأحاسيس . فعل خيراً إذ قرر عدم البوح لها بأي شيء ، و الألتزام بالصمت و الوقار ، مع أن كل خلية من خلايا جسده تثور عليه معترضة على ذلك .
و بدأ بتفريغ كومة ألواح الخشب التي وضعها في صندوق الشاحنة . كان الوقت متأخراً بعد ظهر ذلك اليوم ، و حرارة الشمس قوية إلى حد قد يصيب من يعمل في تلك الاثناء بضربة شمس ، لكنه لم يهتم لذلك مطلقاً .
استمر بالعمل حتى شعر بالإنهاك ، ظناً منه أن هذه هي الوسيلة الوحيدة ليبعدها عن أفكاره . لكن على الرغم من جهوده كلها ، بقي وجهها متشبثاً بعناد في مخيلته ، و ظلت هي تشغل أفكاره .
إنها من سلالة أصيلة ، تاريخا معروف لعدة أجيال . لا مجال مطلقاً للشك بذلك . لكن ما يجعلها لا تنسى لا علاقة له بنسبها أو بجمالها و نعومتها او بلباقة تصرفاتها .
إنها الطريقة التي تعاملت بها مع الجرو الصغير . قامت باحتضانه و راحت تدندن له كأنه كلب أصيل ، و لم تهتم مطلقاً للفوضى و الأوساخ التي تركها على ثيابها الأنيقة الباهضة الثمن .
عندما ذكر لها أين وجد ذلك الجرو المسكين سألته إن كان وحيداً في الصندوق . لقد كذب بطريقة ما في جوابه ، لأنه أدرك أنها ستشعر بالالم إن علمت إنه وجد ثلاثة كلاب أخرى ، و كلها ميتة .
تباً ! لقد شعر بالألم هو أيضاً . الفرق بينهما . هو أنه تعلم منذ وقت طويل جداً كيف يتعامل مع كل ما تحمله الأقدار إليه ، و هو يشك بأن تكون لها المقدرة نفسها على التعامل مع الألم .
الحقيقة ببساطة ، هي أنها أكبر بقليل من ذلك الجرو الصغير . ربما هي تننتمي إلى سلالة أفضل ، لكنها بريئة و ناعمة مثله ، و هو لا يستطيع تحمل الاعتناء بهما معاً في وقت واحد .
من الافضل له أن يبعدها نهائياً عن أفكاره و عن حياته ، و ألاّ يدعها مطلقاً تقترب منه ... لكن الكلام أسهل من الأفعال .


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 26-11-17, 05:18 PM   #5

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

4_ هل تبحث عني ؟
اسمي ديمتريو !
كلمتان فقط ، و ضعتا حداً لأي فكرة قد تراود ناتالي بتجاهله .
أتراها تستطيع تجاهله ، على أي حال ؟ و هل يسهل نسيان رجل وسيم مثله ، يحوط به الغموض و الخطورة ؟ كما أن وجود كلب تائه ضمن ذلك الغموض كله ، لا يساعد في جعلها محصنة كي لا تقع في شباكه .
استيقظت ناتالي في صباح اليوم التالي على صوت مطرقة قادم من المنزل المجاور ، يصلها عبر أبواب غرفة نومها المفتوحة .
تساءلت ما الذي يجعل هذ الرجل مميزاً ، فمما بدا لها حتى اليوم ، هو أنه غير ملتزم بعمل ما ، يعيد بناء تلك الفيلا على الرغم من ذلك الخراب الذي يسودها .
أما شاحنته ، فعلى الرغم من أنها تقوم بمهامها ، لكنها قديمة جداً .
استنتجت ناتالي أنه يسافر كثيراً ، أو أنه مثقف جداً ، دلها على ذلك طلاقته في التحدث باللغة الإنكليزية . لكن جسده القوي يدل على أنه عاش حياة تتطلب عملاً جسدياً قاسياً .
ربما حصل على تلك البنية الجسدية القوية وهو في السجن ، حيث عمل و هو مقيد بالسلاسل في النهار ، و درس اللغة الإنكليزية في الليل .
آه ، مهلك! و بخت نفسها بشدة لتفكيرها هذا . إنها ليست أفضل من أي شخص أخر ، فهي تفترض الأسوأ عنه
لاحظت جدتها انشغال بالها و هما تتناولان الفطور ، فقالت :
(( تبدين شاردة الذهن تماماً ، عزيزتي )) .
فكرت ناتالي للحظة ، ثم قررت أن لا جدوى من إخفاء الأسرار ، فقالت :
(( حدث أمر ما البارحة ! ))
- أعرف . أوصلك ذلك الرجل برتولوزي من البلدة إلى المنزل .
- وهذا أمر لا يسعدك مطلقاً ، أليس كذلك ؟
- بالطبع ، هذا لا يسعدني . فبالإضافة إلى غرابة اللقاء بينك و بين ذلك الرجل ، فأنت مازلت شابة جداً ، ومن الخطورة أن تقضي وقتاً بمفردك مع رجل مثله .
- إنني في الخامسة و العشرين ، حباً بالله ! أنا كبيرة بما فيه الكفاية .
- و مع ذلك ، أنت مازلت طفلة عندما يتعلق الأمر بذلك المخلوق برتولوزي . العمر ليس مجرد عدد يقل أو يكثر من السنوات ، ناتالي . إنه يعتمد على مدى الخبرة في الحياة . بالنسبة لهذا الرجل ، فإن خبرته في الحياة أمر لا يرغب أحد بمعرفته ، أما أنت فلا خبرة لديك على الإطلاق .
التقت نظراتها بنظرات جدتها الثابتة ، و من دون أن يرمش لها جفن ، قالت ناتالي :
(( ليس عليك الموافقة على كل شخص أرافقه جدتي ، لكنني أطلب منك أن تحترمي حقوقي باختيار أصدقائي من دون أن تتأكدي من أسمائهم )).
ظهر على وجه باربرا إعجاب لم تستطع إخفاءه .
- حسناً ! أنت تذكرينني بنفسي عندما كنت في العشرينات من عمري .كنت أعمل المستحيل لأقوم بما أريد القيام به ، ولم أبالِ مطلقاَ بالصعاب التي كانت تعترض طريقي .
ابتسمت ناتالي مظهرة حبها الكبير للمرأة الوحيدة التي اعتبرتها بطلتها على الدوام .
- كنت واثقة من أنك ستنظرين إلى الأمور من وجهة نظري .
- لا تتوقعي مني أن أدعو الرجل إلى العشاء في أي وقت قريب . و ... حباً بالله ! تمسكي بقليل من الحكمة في تصرفاتكِ . معاملة الرجل بشيء من المجاملة أمر ، و الوقوع في غرامه أمر مختلف تماماً .
- في الحقيقة ، أنا واقعة في حب كلبه لا في حبه هو .
- لم أكن أعلم أن لديه كلباً .
ضحكت ناتالي :
(( إذاً ، مازال هناك بعض الأشياء التي لم يلتقطها رادارك ، في نهاية الأمر )) .
- ذلك صحيح . أي نوع من الكلاب لديه ؟
- مازال كلبه جرواً صغيراً ، و هو ضعيف جداً ، فكرت في شن غارة على المطبخ ، لأجمع بعض فضلات الأطعمة لذلك المسكين . لست متأكدة من أن ديمتريو يستطيع إطعامه بشكل جيد .
أدركت ناتالي غلطتها في اللحظة التي تفوهت فيها باسمه . و بالطبع ، تمسكت جدتها بتلك الكلمة بسرعة تفوق سرعة هرة في القفز على فأر . سألتها بضيق و إنزعاج :
(( آه ! أصبح الرجل ديمتريو الأن . أليس كذلك ؟ ))
- لا داعي لأن تصابي بأزمة قلبية ، جدتي . كل ما في الأمر ، أن هذا هو اسمه ، ما من شيء غير عادي في هذا الامر . كل شخص يملك اسماً خاصاً به ، كما تعلمين .
أصدرت جدتها شخرة تدل على شعورها بالضيق ، ما جعلها تدرك أنها استغلت كل ذرة من الصبر لديها ، فتمتمت :
(( أفكر في السباحة قليلاً في البركة ، فالجو حار جداً هنا )).
نهضت ناتالي مبتعدة عن الطاولة ، و سارت بسرعة لتخرج من الغرفة على غير عادتها بالسير بأناقة و دلال .
***
عندما سارت ناتالي في الممر المليء بالحفر في الجهة الخلفية لمنزل ديمتريو ، بعد ظهر ذلك اليوم ، وجدته جالساً على الأرض وقد أسند ظهره إلى الجدار اتقاء لأشعة الشمس ، و هو يشارك قطعاً من الخبز و الجبن مع كلبه .
- فكرت أنك قد ترغب في تقديم هذا الطعام له .
رفعت الغطاء عن الوعاء البلاستيكي الذي تحمله ، ليرى الحساء المعد من اللحم و الخضار .
تجاهل ديمتريو الطعام و اقتراحها معاً ، و نظرا إليها من تحت رموشه السوداء الكثيفة ، ثم قال بصوت عميق أجش :
(( هل تساورك رغبة بالموت ، أو شيء من هذا القبيل يا امرأة ؟ ))
للحظة ، شعرت ناتالي برجفة من الخوف تجتاحها ، ثم قالت :
(( ما الذي تريد قوله بالتحديد ؟ ))
- إذا اصريت على التجول بالقرب مني ، فإن سمعتي السيئة سوف تسيء إليك ، فتصبحين امرأة غير مرحب بها في سهرات المجتمعات المخملية ، حيث تعتبر جدتك ضيفة دائمة .
استعمل ديمتريو عبارتي (( المجتمعات المخملية )) و (( جدتك ضيفة دائمة )) ، بينما كان بإمكانه القول ، ببساطة ، لن تتم دعوتك إلى الحفلات التي تذهب إليها جدتك العجوز .
إن استخدام تلك اللغة المتقنة الخالية من الأخطاء اللغوية لا توافق مطلقاً فكرة السفاح الذي يقوم بالأعمال الشريرة .
شعرت أنها تتصرف بحماقة فعلاً ، و رغبت في الجلوس كي تشعر بالارتياح . لم تنتظره حتى يدعوها إلى ذلك ، بل جلست بالقرب منه ، تاركة بينهما مسافة كافية بحيث لا يكون هناك أي تلامس جسدي بينهما ، لكنها كافية لجعلها تشعر بالهالة التي تحيط به .
راح الكلب يدور و يقفز حول قدميها كأنه يتوسلها كي تنظر إليه . حملت الكلب و وضعته في حضنها ، ثم عادت إلى الموضوع الذي سبق لها أن طرقته في وقت سابق ، فقالت :
(( من علمك اللغة الإنكليزية ، ديمتريو ، نجح في عمله بشكل واضح )) .
- أحقاً ؟
أبعد نظره عنها ، وقد لمعت عيناه بالمرح .
- أنت تجد كلامي مسلياً .أليس كذلك ؟
- بل أجدك أنت مسلية ، أيتها الأميرة .
لامست الكلب بأنفها ، وحفت رأسها به و هي تقول :
(( و أنا أجدك مثيراً للاهتمام . من المحتمل أنك لا تريد سماع ذلك ، لكنني معجبة بك أيضاً ))
أدار رأسه كي يتمكن من النظر إليها مباشرة ، و اختفت كل علامات المرح و التسلية من وجهه .
- لا حاجة لك مطلقاً إلى الاعجاب بي ، و لا حاجة لك أيضاً إلى التجول في أملاكي كلما شعرت بالرغبة في ذلك .
- ولمَ لا ؟
شعر ديمتريو بالضيق فأطلق زفيراً قوياً ، ثم قال بنفاد صبر :
(( لأنك لا تملكين أدنى فكرة عما تقحمين نفسك فيه .))
- هذا ما أخبرتني به جدتي هذا الصباح بالتحديد ، وها أنا هنا بكل الأحوال .
- عليكِ أن تصغي إلى جدتك هذه المرة ، فهي تعرف تماماً ما الذي تتحدث عنه . فتاة مثلك لديها فرص كثيرة لاختبار ماهو أفضل .
أشار لها بيده راغباً في إنهاء التحدث عن الموضوع ، قبل أن يتابع قائلاً :
(( يجب أن تعلمي أن من الأفضل لك ألا تضعي عينيك على رجل مثلي ! )) .
- حسناً ! أولاً , أنت لست فتاة , بل أنا امرأة راشدة . ثانياً , أتيت لأحضر طعاماً لهذا الكلب الصغير , لأن هذا عمل محبب بين الجيران , و ليس لأنني أريد عذراً لأتمكن من إيقاعك في شباكي كي أتزوج بك . و ثالثاً , إن العائلة التي توقع والداي أنني سأتزوج ابنه قررت أنني لست جيدة بما فيه الكفاية له , لذلك لا تزعج نفسك بالتحدث بكلام لا قيمة له عن انتمائنا إلى عالمين مختلفين , لأنني لا اصدق مثل هذا الهراء .
- أتقولين إن هنالك شاباً , سليل عائلة محترمة لم يرغب في الزواج بك ؟
هزّ رأسه غير مصدق , ولمعت عيناه من جديد بالضحك , و هو يتابع :
(( لم لا ؟ هل يفتقر هذا الشاب إلى صفات الرجولة الحقيقية ؟ ))
لم تستطع أن تمنع نفسها من الإستمتاع بالإطراء المبطن في كلامه , قالت :
(( هل هذا يعني أنك معجب بي ، ديمتريو ؟ ))
نظرت عيناه الزرقاوان بسرعة إلى وجهها , و ظهرت الحدة و التوتر في أعماقهما , ما جعلها تستشعر ارتعاشاً على امتداد عمودها الفقري . أعلمها ديمتريو بكل وضوح :
(( بل هذا يعني أن الطيور على أشكالها تقع , أيتها الأميرة ))
- أصبحت هذه وجهة نظر قديمة الطراز في عصرنا هذا . ألا تعتقد ذلك ؟
- أحقاً ؟ في الواقع كدت أن تخدعينني !
ضحكته جذبت نظرها إلى وسامته , فابتلعت ناتالي غصة و قالت :
(( إذا كان بعض الناس هنا لا يريدون التعرف إليك , فذلك لا يعني أن الجميع لديهم الشعور نفسه . أنا لست معتادة على إدانة الرجل بسبب الصفات التي يطلقها عليه الآخرون . و أفضل أن أحكم عليه من خلال تجربتي الشخصية ))
لامست الكلب بأنفها , و تابعت :
(( أنا أعرف أن خلف مظهرك القاسي هذا يكمن رجل رقيق الشعور , و هذا الكلب الصغير خير دليل على ذلك ))
- غلفي الحقيقة بأي غلاف خيالي تختارينه , لكن لا شيء سيغير حقيقة أنني الشخص الوحيد المتبقي من سلالة عائلة إيطاليا شريرة , و أنكِ أميركية من سلالة عريقة .
وضع مرفقيه على ركبتيه و نظر إلى السماء متابعاً :
(( و هذا يعيدنا إلى القول القديم عن الزيت و الماء , أيتها الأميرة . حتى لو وضعتهما معاً فإنهما لن يمتزجا أبداً ))
لاحظت ناتالي أن شيئاً ما ربما مسماراً , او قطعة قاسية من الخشب المنشور قد أحدثت خدشاً كبيراً في ذراعه , ما ترك آثار دماء جافة على بشرته السمراء . متجاهلة خطورة ما تفعله , مررت إصبعها بخفة على الجرح , و قالت :
(( بالحديث عن الماء و ... هل غسلت هذا الجرح و طهرته ؟ ))
توترت العضلة تحت إصبعها , و كانت تلك العضلة الوحيدة التي تحركت في جسمه كله . أما تبقى من جسمه , فبدا كأنه نحت من الغرانيت . سيطر على المكان صمت مليء بالتوتر , و لم تعد تسمع إلا دقات قلبها المضطرب .
أدركت أن عليها التوقف عن لمسه , لكنها أحست كأن إصبعها منجذب إلى ذراع ديمتريو بقوة مغنطيسية خارجة عن سيطرتها . أصابها الذهول وراحت تحدق بيديه اللتين تتميزان بالأناقة و القوة , على الرغم من الشقوق و القشور البادية عليهما .
فأصابعه طويلة مصقولة ورسغاه قويان , تميزهما أناقة مدهشة . ما إن مرت تلك اللحظة المربكة , أطلق ديمتريو شتيمة , و أمسك معصمها بقبضة من حديد .
تنفست ناتالي بقوة , كأن جسدها بكامله انتفض ممتلئاً بالحياة , بل كأن لمسة واحدة , حتى لو لم تكن لمسة ودودة , أيقظت في داخلها إحساساً قوياً سيقضي عليها في نهاية الأمر . أيقنت بقوة أنه شعر بذلك هو أيظاً . أدار وجهه نحوها . قال بصوت عميق :
(( أنت حقاً تحبين اللعب بالنار , أليس كذلك ؟ إلى أي مدى أنت مستعدة للإحتراق قبل أن تتعلمي درسك ؟ ))
سيطر عليها إحساس مؤلم بالشوق إليه , جعلها تهمس بتهور :
(( لا أعرف لم لا تعلمني ؟ ))
للحظة , اعتقدت أنه سوف يعانقها , ويلف ذراعيه حولها , و أدركت أنها لن تتردد في مبادلته العناق . إلا أن ديمتريو بدد كل ما نسجته من خيالات و أفكار حوله , حين أبعدها عنه بقوة , و قفز واقفاً على قدميه .
- سوف أخبرك لماذا . لأنني أمتلك خططاً تتعلق بحياتي , و تلك الخطط لا تشملك مطلقاً.
لو أنها تمتلك ولو جزءً صغيراً من كبرياء عائلة وايد الشهير , لرمته بنظرة تحوله إلى شخص عقيم لا جدوى منه , و سارت مبتعدة من دون التفوه بأية كلمة تحط من قدرها .
لكن يبدو أنها لم تشعر بالإهانة بشكل كاف , لأنها بدلاً من ذلك , أشارت إلى وعاء الطعام الذي أحضرته معها و قالت معترضة :
(( لكن ماذا عن هذا الطعام ؟ بالطبع أنت لا تريد أن ترميه ))
قالت ذلك و كأن ما أحضرته تحفة فنية لا تقدر بثمن , لا مجرد بقايا طعام . بدا أنها مستعدة للقيام بأية تضحية , و تحمل كل إهانة , في سبيل الإبقاء على روابط الاتصال مع هذا الرجل .
ما الذي أصابها , بحق الله ؟
أجال بصره في ما حوله , و رمى ما تبقى في فنجان قهوته فوق كومة من الأوساخ , ثم أشار برأسه نحو المطبخ القديم المتداعي , و قال :
(( إن كان الأمر يهمك إلى هذه الدرجة , ضعيه هناك قبل أن تغادري . سيأكله الكلب في وقت لاحق )).
بعدئذ , و قبل أن يتسنى لها الوقت الكافي كي تجيبه , اختفى ديمتريو خلف الفيلا , سائراً بخطى و كأنه يقفز قفزاً .
على الرغم من إنكاره لما يشعر به نحوها , إلا أن سرعته في مغادرة المكان فضحته . أما ناتالي فقد راقت لها فكرة أنه يهرب مبتعداً عنها . بعد مرور دقيقة واحدة , علا صوت المنشار الكهربائي ليملأ المكان , واضعاً حداً لأمنيتها الهزيلة بإمكانية عودته .
حملت فنجان القهوة الفارغ و وعاء الطعام , و سارت إلى المطبخ , بينما راح الكلب يتراقص عند قدميها . كانت بقايا من غداء ديمتريو ما تزال على الطاولة المؤقتة الموضوعة في وسط المطبخ : قالب من الجبنة , قطع من اللحم المجفف المدخن , نصف رغيف من الخبز و وعاء من الزيتون . بالإضافة إلى إبريق القهوة الموضوع فوق الفرن .
جالت ناتالي بنظرها على كل ما في المطبخ , و هزت رأسها باستياء . يجب إعادة الطعام إلى البراد و إزالة الأطباق الوسخة , قبل أن تصبح مسرحاً للذباب الذي يئز عند النافذة . و هكذا بدأت العمل على الفور .
باحت بما تفكر به إلى الجرو الصغير , الذي كان منشغلاً بمهاجمة قدميها عند كل خطوة تقوم بها .
-بالطبع , أنا لا أتوقع منه أن يشكرني , لكنه يستحق أن يعود إلى مكان خالٍ من الفوضى , بعد هذا المجهود المضني الذي يبذله تحت أشعة الشمس الحارقة طيلة النهار .
حرك الجرو ذيله القصير موافقاً , و سار نحو وعاء الماء . سرعان ما قفز إلى داخله , فشرب منه و هو يرش الماء في كل الإتجاهات , بعدئذ سار نحو الطاولة تاركاً وراءه بقعة من الماء , شعرت ناتالي كأنها مجبرة على مسحها . كانت قد قررت في الواقع أن الغرفة كلها بحاجة إلى تنظيف , فآثار الغبار و الأوساخ المندفعة من الحديقة تملأ المكان , فيما يجتمع الكثير منها بين شقوق البلاط المكسور و ثقوبه .
لم تفكر مطلقاً في التجوال في المنزل , لكن عندما اختفى الكلب عبر الباب الذي يؤدي إلى بقية أنحاء المنزل , لم تجد ناتالي أمامها خياراً سوى اللحاق به لإعادته . لاحظت أن ديمتريو بنى حظيرة في زاوية المطبخ , ما يدل بوضوح على إنه لا يريد للكلب الذي أنقذه أن يهرب من المنزل .
طاردت الكلب الصغير عبر ممر واسع , فوصلت في النهاية إلى قاعة كبيرة محاذية لمدخل صغير حيث يقع الباب الرئيسي للمنزل . لاحظت أن أرضها مغطاة برخام من اللونين الأبيض و الأسود , بحيث تبدو كرقعة كبيرة من الشطرنج , و هي واسعة إلى درجة تصلح معها لإقامة حفلة تضم مئة شخص و ربما أكثر .
في وسط القاعة علقت ثريا بسلسلة تتدلى من السقف المرتفع , و قد بدت رائعة الجمال بالرغم من الغبار الذي يغطيها . إلى يمينها تصل إلى ما يشبه الشرفة الداخلية , تتفرع إلى جهات ثلاث , تصل جميعها إلى الطابق العلوي , و تنتهي عند بهو مخصص للفرقة الموسيقية فوق الباب الرئيسي .
في الجهة اليسرى من القاعة , هنالك مدخل تعلوه قنطرة و هو يؤدي إلى غرفة واسعة من المحتمل أنها غرفة الطعام الرسمية , إذا رأت ناتالي خزائن مليئة بالخزف الصيني تغطي جداراً بأكمله , إلى جانبها مكتبة ذات رفوف من الزجاج . أما قبالة الدرج فهنالك قاعة استقبال أنيقة و واسعة . احتوت هذه الغرف الثلاث على مدافئ من الرخام , و هي ذات أبواب زجاجية تطل على الشرفة المسقوفة . تجولت ناتالي من غرفة إلى أخرى , و الكلب يسير وراءها , و هي تشعر بالإثارة و الحزن معاً لرؤية ذلك المنزل الرائع الجمال على هذه الحال من الإهمال .
بدت السقوف مزينة بلوحات من الجص باهتة الألوان , و قد أحاطت بالمدخل الذي تعلوه قنطرة من الرخام .
أما الأبواب المواجهة للشرفة فهي ذات إطارات مزخرفة بطريقة فنية رائعة , إلا أن ناتالي لاحظت الثقوب الواضحة في الجدران , و ألواح القرميد المحطمة في وسط المدافئ , و الألواح الخشبية المنزوعة من أماكنها .
إذا كانت حالة هذه الغرف الثلاث تعكس الحالة العامة للفيلا , فكم من المؤلم بالنسبة إلى ديمتريو أن يعود إلى هذا المنزل من جديد ! كيف تراه يأمل بأن يتمكن من ترميم هذا الخراب كله بمفرده ؟
سارعت ناتالي إلى الإمساك بالجرو و اقتربت من الشيء الوحيد الذي بدا بمنأى عن كل خراب و دمار . في قاعة الإستقبال تلك و إلى جوار المدفأة وضعت صورة كبيرة لعروسين بالأبيض و الأسود , إطارها من اللون الذهبي القاتم . تدل الثياب التي يرتديها العروسان , أن هذه الصورة التقطت في أواسط الخمسينيات .
بدت العروس جميلة جداً , و هي في حوالي العشرين فقط من عمرها . شعرها أسود و عيناها سوداوان آسرتان , إلا أن تعابير غريبة ظهرت في ملامحها البريئة , كما بدا فمها مألوفاً بشكل غريب بالنسبة لناتالي .
أدركت على الفور أن هذا الفم يشبه فم ديمتريو , فركعت على ركبتيها لتتمكن من معاينة الصورة من مسافة أقرب .
تأملت صورة العريس و سرعان ما شعرت برجفة تسيطر عليها . جعلتها ملامح ذلك الرجل تجفل , حتى من خلال صورة بهتت ألوانها بسبب تعرضها لأشعة الشمس لوقت طويل . كان الرجل يحدق إلى عدسة آلة التصوير بنظرة باردة كالثلج , نظرة رجل مجرد من الدفء الإنساني . بدا طويل القامة , شديد الوسامة , لكنه لا يحمل أي أثر للحياة في محياه .
تأثرت ناتالي بما تراه عيناها إلى درجة لم تدرك معها أنها لم تعد بمفردها ، إلى أن رأت ظلاً يسقط على الأرض أمامها . توقعت أن تسمع توبيخاً قوياً على وجودها في مكان لا يحق لها التواجد فيه , فقفزت واقفة على قدميها , و هي تشعر بالذنب لدرجة أنها تركت الجرو يسقط من حضنها . لكن الرجل الذي دخل الغرفة عن طريق الأبواب المزدوجة المفتوحة على الشرفة , لم يكن ديمتريو ! إنه رجل قصير القامة , رمادي الشعر , ذو شارب أنيق , و هو يبدو في أواخر الستينيات من عمره .
يرتدي بذلة عاجية اللون , و يحمل قبعته الكبيرة بيده
ابتسم الرجل , فبدت سنه الذهبية . فكرت ناتالي بسرعة أنه يبدو أشبه بأحد أفراد عصابة ما , أو أنه ينتمي إلى عالم هوليود أكثر من إنتمائه إلى ساحل أمالافي . خنقت ضحكة كادت تفلت منها هي أقرب إلى ضحكة هستيرية ، إذا لم يكن هناك شيء مسلٍ في هذا الشخص الذي ينبعث منه عبق الشر و الإجرام .
-بونا سيرا
التحيه التي أطلقت بصوت هامس جعلت دمها يتجمد في عروقه بصورة لا إرادية . انحنت لتمسك بالجرو , لكن الفضول الطبيعي للحيوان الصغير جعله يتملص منها ليسير نحو الرجل الغريب كي يقوم باستكشافه .
سبقها الرجل إليه , فانحنى و التقط الكلب من مؤخرة عنقه ثم رفعه عالياً . تلوى الجرو المسكين بين يديه معترضاً , و راحت قوائمه تتحرك في الهواء .
شهقت ناتالي , و كادت تختنق من الخوف . قالت :
(( أعطني إياه ! ))
-بالطبع , سنيورينا !
بدا التهديد واضحاً في رده الناعم و في ابتسامته الخبيثة و في كل حركة يقوم بها . مدّ الرجل يده و لوح بالجرو عالياً في الهواء .
أدركت ناتالي , بدون أدنى شك أن حياة ذلك المخلوق الصغير باتت معلقة بخيوط واهية , فهذا الدخيل الذي لا تستطيع ابتسامته إخفاء الشر الواضح في وجهه , لن يفكر للحظة في ترك ذلك الحيوان برفق , بل سيرميه دون شفقة محطماً عظامه على الأرض عند قدميها .
قالت تتوسله :
(( من فضلك , لا تسبب له الأذى )) .
أرجح الرجل الجسم الصغير إلى الأمام و إلى الوراء كرقاص الساعة , و قال بنبرة صوت هامسة :
(( ولِمَ لا ))
***
بعد الإنتهاء من عمله الشاق وضع ديمتريو المنشار جانباً , و فكر في التوقف عن العمل لفترة , و بالسباحة في البركة لبعض الوقت .
لكن عندما أدار رأسه إلى جانب الأخر ليمسح جبهته بظهار يده , لاحظ السيارة المتوقفة تحت الرواق المحاط بالأعمدة عند مدخل الفيلا , و هي سيارة طويلة سوداء اللون , نوافذها مظللة .
لاحظ ديمتريو بإنزعاج أنها تشبه سيارة من الطراز نفسه , اعتاد أن يراها في الفيلا عندما كان يعيش هنا و هو ولد صغير .
اقترب من الجهة الأمامية للمنزل , فسمع أصواتاً منبعثة من النوافذ المفتوحة في قاعة الإستقبال : صوت رجل يتكلم بنبرة خافتة , إلا أن نبرته تبدو مهلكة , أما الصوت الآخر فهو صوت نسائي يملؤه الخوف .
إدراكه أن ناتالي لم تغادر المكان كما افترض , جعله يشعر بالرعب حتى كاد يسقط على ركبتيه . فجأة بدأ بالركض مجتازاً الدرج الأمامي , قاطعاً ثلاث درجات في كل خطوة , و امتلأ فمه بطعم أشبه بطعم النحاس لخشيته من أن تصاب بأذى بسببه .
سوف يقتل ذلك الرجل إن حصل لها أي مكروه .
دفع تلك الفكرة جانباً , و هو غير قادر على مواجهة ذلك الإحتمال . إنها لجوجة , متطفلة و مزعجة كالجحيم , لكنها شابة جميلة و فاحشة الثراء , و هذا يجعل منها رهينة مثالية لمن تسول له نفسه مثل تلك الأساليب الملتوية .
فكر أنه إن دخل كالسهم إلى هناك , مليئاً بغضب مدمر , فسوف يقحمها في وضع أشد خطورة مما تواجهه الأن .
عليه أن يؤجل اندفاعه البطولي إلى وقت آخر , أما الأن فهو بحاجة إلى التركيز و الهدوء .
رأى في الداخل شخصين فقط : ناتالي و ذلك الرجل الغريب الذي لم يتعرف عليه . لم يسمع أي منهما وقع خطواته و هو يقترب , فقد كانا منشغلين ببعضهما . شعر أن ذلك الزائر يضمر خبثاً و شراً أكيدين ، أما ناتالي فتحاول السيطرة على خوفها , و لم تلاحظ مطلقاً أن شخصاً ثالثاً انضم إلى الإجتماع .
دخل ديمتريو إلى الغرفة بهدوء , و هو يحمل مطرقة بيده . اقترب من الرجل الذي كان يدير ظهره له , ثم ربت على كتفه , و سأله ببرودة :
(( هل تبحث عني , سنيور ؟ )) .


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 26-11-17, 05:19 PM   #6

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

5_ أي خطر أكبر ؟
وحده الصمت أجاب عن سؤاله , ناسجاً حول الأشخاص الثلاثة عش عنكبوت سام , ينذر بتهديد غير معلن . أدار الرجل رأسه قليلاً , و قال :
(( بالطبع , سنيور برتولوزي . لكنني قابلت زوجتك الجميلة بدلا منك )) .
شعر ديمتريو بشيء مألوف ولو بشكل غامض في ذلك الرجل جعله يحس بالإنزعاج و الإستياء معاً . رمى الزائر بنظرة ثاقبة , و علق قائلاً :
(( السيدة ليست زوجتي ... إنها ضيفتي . لذا دعها تأخذ كلبها , و سنتحدث بعدئذ بأي أمر تريده مني )) .
ابتسم الرجل , إلا أن ذلك لم يجعل منظره مفرحاً . تمتم و هو يتابع تحريك الكلب بعيداً عن يديها :
(( بالطبع ! تفضلي , سنيورينا . كله لك )) .
تحركت ناتالي غير واثقة , و ما أن ظهر عليها التردد , حرك الجرو بطريقة شريرة , و قال بصوت يحمل نبرة شيطانية :
(( خذيه ! ))
قال ديمتريو بصوت هادئ , من دون أن يبعد نظره لحظة عن الرجل :
(( افعلي ما يقوله لك , ناتالي ! ))
استجمعت قوتها , و أسرعت بالتقدم نحوه . أخيراً تمكنت من إمساك الجرو ما إن أسقطه الزائر من يده . تصاعد الأدرينالين في دم ديمتريو مالئاً صدره بفورة من الغضب ، لكنه قال لها :
(( و الأن , من فضلك دعينا بمفردنا , و خذي الكلب معك )).
أطاعته ناتالي , فضمت الجرو إلى صدرها , و هي ترتجف بقوة , و سارت مبتعدة . لم تعرف كيف تمكنت من الإمساك بالكلب , ناهيك عن وضع قدم أمام الأخرى لتتمكن من الخروج من الغرفة .
راقبها حتى أصبحت بعيدةً عن الأنظار و عن سماع ما سيتحدثان به , قبل أن يعيد انتباهه من جديد إلى الزائر .
-أنت تعرف اسمي , سنيور . فيما لا فكرة لدي مطلقاً عن اسمك .
أجاب الرجل :
(( كاتانسكا .. غيدو كاتانسكا ))
تجاهل ديمتريو اليد الممدودة إليه , و قال بنبرة سطحية :
(( لا فكرة لدي مطلقاً عن سبب وجودك في منزلي , سنيور كاتانسكا.لكن أقترح عليك أن تغتنم هذه الفرصة جيداً , لأنك شخص غير مرحب بعودته إلى هنا ثانية ))
ابتسم كاتانسكا و رفع كتفيه قبل أن يقول :
(( قد تبدل رأيك , عندما أخبرك بما أريده ))
-أشك بذلك كثيراً
-أحقاً ؟
ابتسم كاتانسكا من جديد , ثم لوى شفتيه قليلاً تحت شاربيه المتأنقتين , و تابع :
(( أنت لم تتعرف علي , أليس كذلك , ديمتريو ؟ ))
-وهل يجب أن أعرفك ؟
-حسناً ! نحن التقينا من قبل , مع أنك كنت ما تزال ولداً صغيراً في ذلك الوقت . كنت أزور جدك في مناسبات عدة , فقد كنا صديقين مقربين , و لطالما أمضيت برفقته أوقاتاً مسلية تحت ظلال تلك الشرفة في الخارج .
-بما أنك كنت صديقاً لجدي , فعدم الترحيب بك أصبح مضاعفاً , لأنني لا أشاركه ذوقه في اختيار الأصدقاء .
-آه , لا داعي لأن تشعر بالإهانة , أيها الشاب ! أنا لست مؤذياً , كما أنني أشد نزاهة مما كان عليه أوفيدو في ذلك الزمن . فأنا أعمل في تجارة الأراضي منذ سنوات عديدة , و أكثر أعمالي استثمارية في الوقت الراهن . في الواقع أنا هو الرجل الذي أتاح لجدك شراء هذا المنزل , و هذا الأمر جعله يشعر بالإمتنان لي بصورة دائمة.
شك ديمتريو في أن يكون جده قد شعر يوماً بالإمتنان لأي مخلوق على الأرض لأجل أي شيء .
-وما سبب وجودك هنا الأن ؟
قال كاتانسكا , و هو ينظر بلا مبالاة إلى أظافره :
(( أتيت لأقدم لك عرضاً . إنني راغب في شراء هذه الملكية , و سأدفع لك مبلغاً جيداً ))
-إذاً , أنت تضيع وقتك . هذه الأملاك ليست للبيع .
ضحك كاتانسكا بنعومة و قال :
(( ولدي العزيز , كل شيء قابل للبيع عاجلاً أم عاجلاً . الأمر ببساطة يتعلق بالسعر وبقدرة الشاري على الدفع )) .
-ربما يكون ذلك صحيحاً في عالمك , لكن ليس في عالمي أنا .
تمتم كاتانسكا , و هو ينظر إلى أظافره نظرة أخيرة :
(( عنيد ! تماما ً مثل جدك , لكنك لا تملك ذكاءه , كما أرى ))
مقارنته بجده , فجرت غضب ديمتريو , لوح بطريقة مهددة , و كأنه يؤكد ما يقوله : (( أقترح عليك المغادرة هذا المكان الأن , قبل أن يصبح النقاش مزعجاً . و لكي أوضح ما قلته جيداً : أنت شخص غير مرحب به هنا سنيور كاتانسكا , لا اليوم , و لا غداً , و لا في أي يوم أخر , مطلقاً ! ))
أجابه كاتانسكا بنبرة مهدئة : (( لا داعي لأن تهددني باستعمال العنف . ديمتريو )) .
مع أنه شعر بالحذر الكافي ليتراجع خطوة إلى الوراء , قبل أن يتابع : (( على العكس مما تظنه , لا تتم الأعمال بهذه الطريقة , هذه الأيام . لكن قبل أن تصرفني و كأن ما قلته لا أهمية له , انظر حولك للحظة , و قل لي : كيف تتوقع أن ترمم هذا المكان بمفردك ؟ ))
جاهد ديمتريو للسيطرة على غضبه . رفع ذقنه و نظر إلى الثقوب في الجدران و إلى الألواح الخشبية المنزوعة , فيما تابع الرجل يقول :
-واجه الأمر بواقعيه , يا صديقي الشاب . أنت تنفق المال سدى في هذا المكان , و إن استمريت في عملك هذا , ستنزف حتى الموت . لذلك أكرر مرة ثانية : كن ذكياً , و فكر بعرضي من جديد .
- لن يحصل ذلك في حياتي هذه . و الأن , اخرج من أملاكي قبل أن أكسر أنفك .
-ياإلهي ! أعتقد أن جدك كان ليفخر بك في النهاية فما زال هناك أمل فيك بني .
-لكن لا أمل لك أنت , كاتانسكا لن أسمح لك بالحصول على هذا المنزل , أو على الأرض المحيطة به .
-أهذه هي كلمتك الأخيرة ؟
-إنها كلمتي الأخيرة !
-إذاً , أتمنى لك الحظ السعيد .
-لست بحاجة لأي حظ .
-جميعنا بحاجة إلى الحظ , أيها الشاب المشاكس العنيد , فالحوادث تحصل دوماً , و من يعلم أين أو متى ستحصل في المرة القادمة ؟
مرر كاتانسكا يده على عمود من الرخام قربه , و تابع :
(( قطعة أثرية جميلة , و من المؤسف أن يراه المرء يتدمر . فقد يحدث أمر سيئ يطيح بكل ما تفعله , فيذهب جهدك و عملك القاسي سدى )) .
أدرك ديمتريو من دون أي شك أن الأمر ليس مجرد فكرة محتملة , بل هو إنذار صريح .
إنه يعرف جيداً ما سيكون عليه رده فعل جده لو أنه مازال حياً . تماماً مثل أي فرد من أفراد عائلة برتولوزي : العنف , و العنف فقط . و ستظهر جثة كاتانسكا في مكان ما على الشاطئ مع رصاصة في جبهته . يستطيع ديمتريو المتابعة من حيث توقفوا , فيقاتل كما قاتلوا , كما يستطيع أن يبقى وفياً للعهد الذي قطعه على نفسه منذ أربعة عشر عاماً , فينتصر للعدالة و الحياة الشريفة . لم يتردد لحظة واحدة قي اتخاذ قراره : سوف يبقى دائماً على العهد الذي أقسم عليه !
-غادر أرضي حالاً , كاتانسكا , الأن !
لوى كاتانسكا شفتيه المتجعدتين ’ و لمس حافة قبعته الكبيرة الباهظة الثمن , و قال :
(( لا داعي لأن تشعر بالتوتر و الحنق , بني . سأغادر . لكن إن كنت أستطيع تقديم نصيحة قبل رحيلي , أقترح عليك ان تراقب ضغط دمك , و أن تتبنى نظرة أكثر إيجابية للحياة كلها بشكل عام . وداعاً ! )) .
تمتمت ناتالي , و هي تجلس على الأرض بالقرب من الحاجز الذي بناه ديمتريو للكلب :
(( لا بأس , أصبحت بأمان الأن )) .
لكن من تحاول طمأنته ليس الجرو بدون أي شك , فهو نائم بين ذراعيها براحة و أمان متجاهلاً حقيقة أن حياته كانت في خطرة مرة أخرى . في المرتين , عليه أن يشكر ديمتريو على إنقاذه إياه .
تابعت بيأس :
(( الهررة تحظى عادة بتسع حيوات لا كلاب )) .
حتى صوت ثرثرتها بدأ أفضل لها من الإصغاء للنقاش الدائر في القاعة . بدا صوت الزائر مليئاً بالمكر و الدهاء رغم برودته , أما صوت ديمتريو العميق فينضح بالغضب .
-أنت صغير جداً و نحيل لتتمكن من الدفاع عن نفسك , حتى لو كنت تملك أكبر أقدام رأيتها لجرو . عليك أن تكون أذكى من ذلك , إن كنت تريد البقاء حياً . لا يمكنك الركض نحو أي شخص كان مفترضاً أنه صديقك . فهناك الكثير من الأشخاص السيئين في هذا العالم , يا صغيري !
-من الأفضل أن تبدأي باتباع نصائحك بنفسك .
قال ديمتريو ذلك بحزم , و هو يسير بخطى واسعة داخل المطبخ .
-لقد قابلتِ للتو أسوأ رجل يمكن أن تلتقي به . رجل كهذا يمكن الوثوق به بمقدار الوثوق بأفعى سامة ملتفة على عنق ضحيتها .
بحذر شديد , وضعت ناتالي الكلب على الغطاء الموضوع داخل الحاجز , كي لا تزعجه . ثم وقفت على قدميها .
-لَمِ أتى إلى هنا ؟
-الأمر أكثر أهمية , لَمِ أنت هنا ؟ ألم أطلب منكِ أن تغادري ؟
-اعتقدت ... أنك قصدت فقط أن أنتقل إلى غرفة أخرى .
قال بنبرة سطحية :
(( إذاً , أخطأت باعتقادك )) .
-لم أرغب في ترك الجرو بمفرده . ذلك الرجل شرير , ديمتريو ! كان يجب أن ترى كيف أمسك بالكلب . خشيت أن يسبب الأذى فعلاً لذلك المسكين الصغير .
-من حسن حظك أنه لم يفعل , مع أنني لا أعتقد أنه سيتورع عن إيذائه .
-هل هو صديقك ؟
تردد صوت ضحكة ديمتريو في أرجاء المكان , ضحكة مليئة بالمرارة . .
-لست بائساً إلى هذه الدرجة , لكنه يدعي أنه كان صديقاً لجدي .
شعرت ناتالي بارتجافة من البرد تسيطر عليها , فضمت ذراعيها إلى صدرها و قالت :
(( إنه شرير ! يمكنني أن أشعر بالشر ينضح منه تماماً كما ينتشر الضباب في شهر تشرين الثاني البارد )) .
-و هذا سبب كاف يدعوك للبقاء بعيداً , أليس كذلك ؟
-لست خائفا على نفسي , فالرجل أتى إلى هنا سعياً وراءك أنت .
أرادت ناتالي أن تتخلص من التوتر و القلق اللذين شعرت بهما فاقتربت منه , و مرة ثانية خاطرت بإثارة غضبه عندما وضعت يدها على ذراعه .
قالت :
(( لم أتمكن من سماع كل ما دار بينكما من حديث , لكنني فهمت أنه أطلق نوعاً من التهديد )) .
ارتجفت من الإشمئزاز و الإنزعاج و هي تتابع :
(( بدا التهديد واضحاً في صوته . و أعتقد أنه يجدر بك إبلاغ الشرطة )) .
مرة ثانية ، و بسبب ملامسة يدها , شعر ديمتريو بالتوتر يسيطر عليه .
-وماذا أقول لهم ؟ إن امرأة بالكاد تعرفني تشعر بالقلق و تخشى ألا أتمكن من الدفاع عن نفسي ؟
-حسناً ! ماذا لو كنت فعلاً غير قادر على الدفاع عن نفسك ؟ ماذا لو لم تستطع مواجهة رجل مثله ؟
اعترت رجفة بشرتها من جديد و هي تتابع : (( قد يبدو لك أنني ميلودرامية , لكنني أعتقد أنه لص كبير و مجرم )) .
حرك ديمتريو عينيه بطريقة مسرحية .
-توقفي عن هذا الكلام , أيتها الأميرة . أنت تخيفينني !
-يمكنك السخرية قدر ما تشاء مما أقوله , لكنني أثق بحدسي . الرجل الذي يقدم على إخافة جرو صغير , لا يتورع عن ارتكاب أي نوع من أنواع الشر .
هذه المرة , أظهر ديمتريو نوعاً من الإستجابة لملامستها . لامس خدها بأصابعه الطويلة القوية , و هو يقول بلطف :
(( ناتالي ! اهدئي . أنت تسمحين لخيالك بالذهاب بعيداً . صحيح أن الرجل مزعج حقاً , لكنه ليس مجرماً , ولن يأتي لمطاردتي في منتصف الليل حاملاً خنجراً . إنه رجل أعمال مشهور في هذه المنطقة , و لديه سمعة يريد الحفاظ عليها , حتى لو كان رجلاً سياً )) .
-لكن .. لَمِ أتى إلى هنا ؟
-يريد أن يشتري منزلي .
-وهل ستبيعه إياه ؟
-لا !
-هل سيعمد إلى مضايقتك من جديد ؟ هل تعتقد أنه سيفعل ؟
نطقت بالسؤال و فمها يرتجف , فيما عاد الخوف الذي اعتقدت أنها سيطررت عليه ليعذبها بمرارة و قوة .
-قد يفعل
تابع ديمتريو بصوت قاسٍ كالفولاذ جعل عمودها الفقري يرتجف من التوتر :
(( مهما يكن الأمر , سأكون مستعداً له )) .
-وماذا ستفعل ؟ هل تفكر باستخدام المنطق معه ؟
لفت أصابعها حول معصمه , و هي تشعر بالارتجاف في داخلها .
-لا أريد أن تعترض للمشاكل مع رجل مثله . لا أريد أن يحدث لك أي سوء , ديمتريو .
سادت لحظة مليئة بالتوتر . لم يتحرك ديمتريو خلالها , و لم يتكلم . بعدئذ وضع يده فوق يدها و شدها إليه . ثم تمتم و هو يرميها بنظرة تلتهب بألسنة من النار الزرقاء :
(( فات الأون الأن ! أنت ما يحدث لي أيتها الأميرة , و هذا أسوأ ما يمكن أن تصل إليه الأمور )) .
في وقت سابق من هذا النهار , عندما كانا جالسين معاً بالخارج , اعتقدت ناتالي أنه سيعانقها , و شعرت بخيبة أمل كبيرة لأنه لم يفعل . أما الأن , فلم تتوقع شيئاً . فجأة أمسك بها ديمتريو , و عانقها بقوة جعلتها تنسى ما جرى بينهما من نقاش و رفض و حذر .
عانقها عناق رجل يشعر بشغف كبير و حاد , عناق أذاب عظامها بحرارته و لهيبه . لو عاشت ناتالي لتصبح عجوزاً في المئة من عمرها , فإن هذا العناق سيبقى محفوراً في ذاكرتها . استجابتها له بمثل هذا الشوق أمر لا قدرة لها على السيطرة عليه .
في هذه اللحظة بالذات , لا شيء يهمها ! كل ما تريده , هو المزيد من عناقه . تساءلت بانبهار : أهذا ما يحدث عادة لأي رجل و امرأة يواجهان الخطر ؟ مع تصاعد الشوق في داخلها , توقفت عن التبحر في تلك الأفكار الجنونية . فما الفائدة من ذلك , فأفكارها كلها مشتتة , تخضع لسيطرة عواطفها .
امتلأت أذناها بحفيف الريح بين الأشجار , و أدركت أنها ستصاب بالدوار , فتمسكت بقوة بقميص ديمتريو كي تحافظ على توازنها .
ابتعد ديمتريو عنها فجأة , إذا وجد أن من الحكمة أن ينقذها من نفسها و منه .
تراجع إلى الوراء , و هو ينظر إليها بعيني زائغتي النظرات , و ما إن لفته الحقيقة بواقعيتها , حتى أبعدها عنه .
تمتم :
(( تباً ! )) .
نفض يديه بقوة كأنه يريد أن يمحي أثرها عنهما .
تمسكت ناتالي بالطاولة كي لا تتعثر , و قد غادرتها تلك العواطف الجميلة الرائعة بسبب الإزدراء الذي رأته في عينيه . شدت بقبضتيها على حافة الطاولة إلى أن شعرت بالألم في روؤس أصابعها .
بدأت بالقول , و هي تشعر بخيبة الأمل :
(( ديمتريو .. ! ))
لم يسمح لها بأن تكمل كلامها . أمسكها من ذراعها , و سار بها إلى الخارج حيث أشعة الشمس الذهبية تسطع بقوة بعد ظهر ذلك اليوم , ثم أشار بحزم بيده نحو الممر الذي يوصل إلى الطريق قبل أن يقول بغضب :
(( توقفي عن التصرف كحمقاء , و ابقي بعيدة عن الجحيم الذي أعيشه فيه )) .
لو إنه تحدث إليها بنبرته السابقة التي تظهر انزعاجه من تطفلها , لأطاعته و لربما اقتنعت أنه فعلاً يريد التخلص منها , لكن صوته العميق الذي يخفي غضباً ممزوجاً بمشاعر أقوى بكثير من انزعاجه جعلها تدرك إنه خائف عليها , و خائف منها .
شعرت ناتالي بسعادة لأنه لا يستطيع أن يظهر عدم الإهتمام الذي يحاول جاهداً أن يبديه . تخلصت ناتالي من ترددها , و قالت :
(( لا ! هناك رابط ما بيننا , ديمتريو . شعرت بذلك منذ البداية , و كذلك أنت . و هذا يجعل ما يحدث معك شأناً من شؤوني ! )) .
علق بسخرية :
(( أنت تشاهدين الكثير من المسرحيات الخيالية ! )) .
-حتى لو ما تقوله صحيحاً , فلن يغير ذلك ما أشعر به .
وضع ديمتريو يديه في جيبي بنطلونه الخلفيتين , و حدق بضيق إلى السماء الصافية .
-إن كنت ترغبين بمغامرة مسلية أثناء إجازتك الصيفية , عليك أن تبحثي عن شخص سواي في مكان أخر , فأنا لدي أعمال كثيرة بإنتظاري .
-أعرف ذلك , و سأقوم بمساعدتك لتتمكن من إنجاز ما تريد إنجازه .
-تلوثين بالتراب هاتين اليدين الناعمتين , و تكسرين هذه الأظافر المطلية بطريقة رائعة ؟
ضحك بصوت عالٍ , و فارقه كل إحساس بالسخرية و هو يتابع :
(( حسناً ! أنا أصدقك عندما أرى ذلك بأم عيني )) .
-إذاً , كن مستعداً لتغيير رأيك .
استدارت مبتعدة عنه , و أمسكت رفشاً موضوعاً قرب الحائط , ثم بدأت تجمع قطعاً من الخشب المتناثر هنا و هناك قرب المنزل , و الغضب يتفجر من كل حركة من حركاتها . انفجر ديمتريو قائلاً بنزق :
(( توقفي عن العمل ! لا يمكنك القيام بذلك ! )) .
-من يقول هذا ؟
-أنا ! أنت لست مهيأة للقيام بهذا النوع من الأعمال .
سار نحوها ليأخذ منها الرفش , لكنها سارت مبتعدة كي لا يمسك بها .
-يبدو أنك نسيت أنني حفيدة باربرا وايد !
قام ديمتريو بمحاولة ثانية , و هذه المرة تمكن من الإمساك بها , فخطف الرفش من يدها قائلاً : (( و ماذا يعني هذا ؟ )) .
-لم تصل جدتي إلى ما هي عليه الأن , لتتبوأ قمة إمبرطوريتها الإقتصادية , بالجلوس بارتياح و ترك الأخرين يقومون بالأعمال عنها . لقد سارت بثقة نحو عالم الأعمال الذي يسيطر عليه الرجال , و عملت بجهد مثل تماماً , و إن كان المجال مختلفاً .. و أنا أقول لك شيئاً هاماً ديمتريو : أنا لست مختلفة عنها مطلقاً !
-قد تظنين ذلك , لكن ...
-هذا ما أعرف جيداً ! يمكنني أن أتعلم بسرعة , كما أنني عنيدة , أواجه ما يجب القيام به من دون خجل , حتى لو كان مختلفاً عما أن معتادة عليه . علمني فقط و ستجدني ألمع النوافذ , أغسل السقوف و أطلي الجدران ...
تنهد ديمتريو و أدار عينيه الزرقاوين الجميلتين بيأس و هو يقول :
(( أنت لن ترحلي و تتركيني و شأني , أليس كذلك ؟ )) .
هزت رأسها مؤكدة كلامه :
(( لذلك من الأفضل أن تعتاد على الفكرة , و أن ترضى بها بامتنان )) .
-حسناً !
رفع ديمتريو كتفيه باستسلام , و أعطاها الرفش من جديد و هو يقول :
(( يمكن أن تعملي قدر ما تشائين . إذا رغبت في المتابعة بعد أن تنتهي من العمل هنا , هناك كومة من الخشب يجب أن تنقل إلى الداخل , كما لاحظت بنفسك و أنت تتجولين في المنزل )) .


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 26-11-17, 05:20 PM   #7

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

6- أمسية تحت ضوء القمر
تصور ديمتريو إنها لن تتحمل هذا العمل الشاق لأكثر من خمس عشرة دقيقة , و هذه فترة كافية لكليهما . فوجودها بالقرب منه يسبب له ارتباكاً و إلهاء لا قدرة له مطلقاً على تحملهما .
أما الأسوأ من ذلك , فهو إن وجودها في المكان غير المناسب و في الوقت غير المناسب , جعلها تقابل رجلاً لا يجدر بامرأة محترمة أن تقابله في حياتها كلها . مازال ديمتريو يتصبب عرقاً من فكرة وجودها بمفردها في تلك الغرفة مع كاتانسكا . إنه رجل بلا ضمير , لا يتردد للحظة في استغلال أي كان أو أي شيء في سبيل الوصول إلى غايته .
أدركت ناتالي ذلك أيظاً , ولو بعد حين , عندما وجدها ديمتريو تحتضن الكلب و هي جالسة على أرض المطبخ , قرب الحاجز الذي صنعه له .
بدت كلوحة زيتية رائعة الجمال , إلا أن ذلك لا يعطيه العذر ليقوم بمعانقتها . هز رأسه و هو يشعر بالإشمئزاز من نفسه . لديه ما يكفي من التعقيدات , و هو ليس بحاجة إلى التورط في علاقة عاطفية مع وريثة أميريكية .
لم تلاحظ ناتالي أنه ينظر إليها بمزاج نكد , فيما هي تستخدم الرفش بقسوة , محدثة غيمة من الغبار و هي تجمع كومة لا بأس بها من الحطام . عندما انتبهت أنه يراقبها , توقفت عن العمل , ثم وضعت قبضتها على وركها , و حدقت به بسخرية و غضب .
-هاي ! لم أعرض عليك المساعدة , كي أتولى أنا القيام بكل شيئ بينما تتسكع أنت متكاسلاً .
نفخت خصلة من شعرها لتبعدها عن وجهها , و تابعت :
(( ما رأيك في أن تقوم بعمل مفيد , فتجد لي عربة لأنقل هذا الحطام من هنا ؟ )) .
هي جميلة جداً , و جذابة جداً , إلا أن جاذبيتها تتخطى بكثير جمالها الخارجي و ثرائها . إنها تملك الشجاعة و الحزم و الروح العالية .
بوجود امرأة مثلها إلى جانبه , يستطيع أن ... !
أي أحمق هو ! أجفل بسبب الأفكار التي جرفته , و ما لبث أن استدار على عقبيه و سار نحو المرآب الذي يتسع لعدد من السيارات , و الذي تحتل سيارة الفراري ربع مساحته , و قد وضع عليها غطاء من القماش السميك . حول ديمتريو ما تبقى من المكان إلى مخزن لمواد البناء و المعدات التي اشتراها لهذا الهدف , بالإضافة إلى محترف صغير له . وجد عربة نقل , فوضع عليها مجرفة و قفازين سميكين , و سار بها إلى حيث تعمل ناتالي .
قال بضيق , و هو يرمي القفازين نحوها :
(( من الأفضل أن تستعملي هذين القفازين )) .
-شكراً !
اسقطت الرفش من يدها , و لبست القفازين . بدوا كبيرين بشكل مضحك , فقد ابتلعا يديها و جزءً كبيراً من ذراعيها كأنهما عملاقان كبيران . بإمكانها أن تضع كلا قدميها في واحد منهم فقط , إن رغبت بذلك , و سوف يبقى هنالك متسع أيظاً .
-يمكنك أن تغادري , عندما تنهين عملك .
قال ديمتريو ذلك , و هو يعلم أنه لو كان يملك ماضياً مختلفاً , لما تردد في التودد إليها . التقرب من ناتالي لن يحسن صورته الرديئة , بل سيبدو كأنه يرغب بالتسلق إلى المجتمعات المخملية الفاحشة الثراء في إيطاليا من خلالها .
- هل ستغادر ؟
خيبة الأمل التي ظهرت في صوتها مزقت أحشاءه . فكر بصمت : أفعل ذلك مرغماً , أيتها الأميرة .
- نعم سأغادر . علي القيام ببعض الإتصالات .
***
بعد مرور ساعتين , شارفت فترة بعد الظهر على الإنقضاء . أنهى ديمتريو عمله اليوم , و عاد عبر المنزل إلى المطبخ .
نظر إلى الباحة الخارجية متوقعاً أن ناتالي قد رحلت منذ وقت بعيد , و بدلاً من ذلك وجد أنها لا تزال تعمل و بجهد واضح . أنهت تجميع حطام البناء و وضعته في العربة , و هي الأن جاثية على ركبتيها , تنزع الأعشاب الضارة من الأرض التي كانت في ما مضى حديقة جدته .
يا إلهي .. إنها ليست امرأة عادية ! على الرغم من أن الإجهاد أخذ منها مأخذاً , إلا أنها تخلت عن القفازين , و هي تقوم بالعمل بيديها العاريتين . يبدو أنها وجدت قطعة معدنية رقيقة , استعملتها كملقط لشعرها الرائع , فعقدته في أعلى رأسها .
أصبحت قميصها مبللة بالعرق , و بدا وجهها متورداً يعلوه الغبار . شعر ديمتريو بالهزيمة , فحمل زجاجتين من عصير الأناناس من البراد , ثم أخرج الكلب من الحظيرة , و خرج للقائها . قال :
(هذا يكفي . هنالك قوانين في هذا البلد تمنع من الأعمال التعفسية . حان وقت انتهاء عملك ! )) .
لأول مرة , لم تجادله ناتالي . نهضت و هي تشعر بالألم في كاحليها , و تبعته إلى حيث ذهب ليجلس تحت ظل الشجرة , و جلست مرهقة بقربه .
فتح الزجاجة و قدمها لها :
(( تفضلي ! )) .
ردت بصوت رقيق ملؤه التعب :
(( شكراً )) .
تكور الكلب في حضنها , و لمس بأنفه الصغير ركبتها .
طرف ديمتريو بعينيه , و أبعد نظراته عنها , ثم رشف رشفة كبيرة من زجاجته , قبل أن يجرؤ على النظر من جديد نحوها قائلاً :
(( أهلاً بك , فأنت تستحقين استراحة بعد القيام بذلك العمل المجهد )) .
- كلانا نستحق بعض الراحة .
تنشق رائحتها من تلك المسافة القريبة بينهما , و هي مزيج رائع من رائحة الشامبو العطر الممتزجة برائحة الأرض المنعشة .
لو علمت ناتالي في تنظيف الحظيرة , و لم تغسل شعرها منذ أسبوع , فهو سيشعر بذلك الإنجذاب نفسه نحوها . من تراه يخدع ؟ هو لم ينس للحظة واحدة عناقها البريء , لم ينس كيف تجاوبت معه و ذابت بين ذراعيه .
يا إلهي ! إنها تشكل تهديداً له أكبر من ذلك الذي يشكله كاتانسكا .
علقت ناتالي بعد أن لاحظت تشتت أفكاره :
(( أدفع جنيهاً لمعرفة ما تفكر به )) .
رأى لطخة من الغبار على أنفها , كأنها تتوسله كي يزيلها , لكنه أدرك أنه إذا لمسها فلن ينتهي الأمر بينهما عند ذلك الحد . أجاب :
(( كنت أفكر بالخطوة التالية التي يجب علي القيام بها )) .
في الواقع , لم يكن ديمتريو كاذباً تماماً بإفصاحه عما يفكر به بطريقة ملتوية . جالت بنظرها عبر الحديقة و فوق الجدران العالية للفيلا , ثم هزت رأسها مستغربة , و علقت :
(( باشرت بعمل ضخم جداً في هذا المكان . هل أنت متأكد أنك قادر على إتمامه ؟ )) .
- ما كنت لأبدأ العمل لو لم أكن واثقاً من أنني قادر على إنهائه .
هزت رأسها متسائلة :
(( من الواضح أن هذا المنزل مهم جداً لك , ديمتريو . أليس كذلك ؟ لكن أليس من الأسهل بالنسبة إليك أن تبدأ العمل في مكان أخر , و في منزل أصغر حجماً ؟ )) .
- أنا لا أقوم بالأعمال السهلة ... و حتى لو فعلت , فلن أبيع هذا المنزل مطلقاً . إنه منزل جدتي . و هي كانت تعتبر كل شيء داخل سور هذه الحديقة كنزاً حقيقياً . لا بد أن قلبها كان ليتحطم لو قدر لها أن ترى المنزل اليوم , في وضعه الحالي !
- حتى لو كان الأمر كذلك , هنالك الكثير من العمل هنا . إنه مشروع ضخم . هل تخطط للقيام بكل هذا العمل بنفسك ؟ إذا كنت مصمماً على إعادة المنزل و الحديقة إلى حالتهما السابقة , أليس من الأفضل أن تستخدم عمالاً لهذا الغرض ؟
ضحك و هو يقول :
(( أنت حقاً ساذجة , ناتالي ! هل تعتقدين أنني سأجد من يرضى بالعمل لدي ؟ ))
- لا بد أن تجد أشخاصاً يقدرون أنك تحاول الإحتفاظ بمنزل ذي هندسة مميزة و إعادته إلى مجده السابق .
- الحصول على تقدير الأخرين ليس على رأس اهتماماتي . السبب الرئيسي الذي يدفعني للقيام بذلك هو أن الأمر مهم بالنسبة لي , و لأنني أستطيع القيام به .
- لكن كيف يمكنك تغطية ... ؟
توقفت عن الكلام , و بدت كأنها عضت لسانها . تابعت بعد قليل :
(( أعتقد أنني لا أملك الحق كي أسألك مثل هذا السؤال )) .
- لا ! لا تملكين الحق بذلك .
لمعت عيناها الرماديتان الجميلتان من الغضب .
- حسنا ! تأكد أنني لن أرتكب مثل هذه الغلطة مرة ثانية ! لكن حتى شخص ساذج مثلي , كما تقول , يستطيع أن يعي بوضوح أن ترميم هذا المكان يحتاج إلى ثروة , فما زال أمامك الكثير من الأعمال لتقوم بها .
- هذا شأني الخاص , و ليس شأنك !
تبع شجارهما صمت مرير . تسمرت ناتالي بهدوء في مكانها لدقيقة أو أكثر , قبل أن تضع زجاجة العصير جانباً و تبعد الكلب عن حضنها .
- إذاً , سأتركك تتمتع بذلك الإنجاز بمفردك , فقد أطلت البقاء هنا بما يكفي .
-هذا ما كان يجب أن تفعليه منذ البداية .
تمتم بذلك , إلا إنه لم يشعر بالإرتياح بسبب قرارها بالرحيل , كما يفترض به أن يفعل .
وافقته بشموخ و كبرياء :
(( هذا صحيح , من دون أي شك ! ))
وقفت على قدميها و شدت بقميصها إلى الأسفل متابعة :
(( شكراً لك على ضيافتك . سأقدم خدمة لنا معاً , و لن أفرض نفسي عليك مرة ثانية )) .
- هذا أفضل !
***
سارت ناتالي بشجاعة و قوة , و ما إن وصلت إلى الطريق العام , حتى أجهشت بالبكاء . فكرت و هي تمسح دموعها المنهمرة على وجهها بغضب , انها تنتحب كما لو أنه تخلى عنها في حفلة الزفاف , بينما في الواقع , قدم لها ديمتريو العذر الأمثل لتتخلص منه .
إنه رجل صامت , متحفظ و ثائر , لا عجب مطلقاً أن الناس لا يشعرون بأي تعاطف معه . هي تدرك بالطبع أنها أخطأت بسؤاله عن أحواله المادية , لكن طريقته العدوانية في صدها جعلتها تفكر بأشياء ما كانت لتخطر في بالها من قبل .
يحضر ديمتريو كل مشترياته من نابولي , و هي مدينة معروفة بإزدهار الأعمال المشبوهة فيها , و حيث تنشط تجارة المخدرات و حرب العصابات في مناطق كثيرة من تلك المدينة . أهذا هو مصدر أمواله ؟ أتراه ينوي تجديد الفيلا و ترميمها من المال الذي يجنيه من المضاربة في السوق السوداء أم من تجارة سرية مشبوهة ؟
هي لا تملك أي جواب . كل ما تعرفه هو أنها تشعر باليأس و الحزن , و أن أملاً انكسر في داخلها قبل أن يحظى بفرصة كي يزهر و ينمو .
ما الذي يعجبها في شخصيته , و الذي يجذبها إليه بمثل هذه القوة ؟ أتراها تشعر أنه شريك روحها , أم أنه فاكهة محرمة تغريها إلى هذه الدرجة ؟ لم تكن ناتالي يوماً امرأة تحب اللعب بالنار , لكن الإحساس بالإثارة و الحماس ملأ حياتها منذ أن دخل إليها هذا الرجل .
فكرت فجأة : هل سيصبح عالمها صامتاً و فارغاً الأن بعد أن تخلصت من ذلك الإحساس ؟
علقت جدتها , ما إن دخلت إلى المنزل :
(( عزيزتي يبدو لي أنك لست على ما يرام ... لَمِ لا تستحمين و ترتدين ثوباً جميلاً , و تأتين معي لزيارة عائلة سانتينوس ؟ اتصلت بي مريانا منذ نصف ساعة لتدعوني إلى تناول العشاء في منزلها , فحفيدها أوغوستو أتى من فينيسيا لزيارتها . أظنك ستستمتعين بلقائه )) .
لم تستطع ناتالي تخيل نفسها و هي تمضي الأمسية متظاهرة أنها سعيدة برفقة رجل الأخر .
- شكراً جدتي , لكنني لا أستطيع الذهاب الليلة . أشعر بأنني سأتعرض لأسوأ صداع , و أفكر في النوم باكراً .
لم تكن تكذب فهي ستصاب بالصداع إن وافقت على تلك الدعوة .
تجهم وجه جدتها و قالت :
(( همم , تبدين هزيلة . و عيناك حمراوان ))
قالت ناتالي بسرعة :
(( ربما تعرضت لأشعة الشمس لفترة طويلة ))
لم تعد ناتالي قادرة على تحمل تفحص باربرا لها بنظراتها الثاقبة , فتابعت :
(( خرجت من المنزل اليوم أيظاً من دون اعتمار قبعة ... لا بد أنك تفكرين أن الوقت حان لأدرك أهمية ذلك عندما أتجول في هذه المنطقة . أذهبي بدوني جدتي , و سأراك عند الصباح ))
***
استغرقت ناتالي وقتاً طويلاً كي تستحم و ترتاح . ما إن خرجت من حوض الإستحمام و لبست رداءً قطنياً ناعماً , حتى فكرت في أن تطلب عشاء خفيفاً إلى غرفتها , عندئذ سمعت طرقاً خفيفاً على باب غرفتها .
قالت إحدى خادمات المنزل :
(( هناك من يطلبك على الهاتف , سنيورينا . و المتصل هو رجل )) .
افترضت ناتالي أنه والدها ! فارتمت على السرير , و أمسكت سماعة الهاتف . لم تستطع أن تفكر بأحد سواه قد يتصل بها . لكن الصوت المنساب عبر الهاتف , لا يشبه مطلقاً صوت والدها .
- ما الذي تفعلينه في هذه اللحظة , أيتها الأميرة ؟
لم يقل مرحباً أو كيف حالك .. أو أرجو ألا أكون قد أزعجتك ... أو أسف لأنني تصرفت بحماقة بعد الظهر . أغمضت عينيها و ابتسمت , و تبخرت من كيانها على الفور كل ذرة من التعب و خيبة الأمل بسبب الدفء الذي سرى في عروقها .
- مستلقية على ظهري , أحدق في السقف . و أنت , ما الذي تفعله ؟
- أحدق بإبريق من العصير الطازج , و أتمنى أن أجد من يشاركني به .
غدا صوته هامساً كأنه يحاول السيطرة عليها و هو يتابع :
(( هل ترغبين بمساعدتي بذلك ... أيظاً ؟ ))
- همم .. لست أدري !
قالت ذلك و هي تعلم جيداً أن رفضها لدعوته ليس احتمالاً وارداً على الإطلاق . على الأرجح أن هناك نساء يتمتعن بالصلابة فلا يستسلمن للمشاعر المتناقضة , كالأحمرار خجلاً أو الإرتجاف من البرد عندما يتحدثن إلى رجل شديد الجاذبية , رجل يتميز بلهجة هي مزيج من الأميريكية و الإنكليزية معاً موشاة بلكنة إيطالية , لكنها ليست واحدة منهن ...
- ماذا لو حضرت لك عشاء من حواضر البيت ؟ هل سيكون ذلك كافياً لإقناعك ؟
سيطرت عليها مشاعر بدائية عميقة ، فقالت :
(( هذا يعتمد على ما ستقدمه . هل علي أن أرتدي ثياباً رسمية ؟ أقصد ... ))
قال بصوت هامس , جعل الدماء تضج في أذنيها :
(( لا ! يمكنك المجىء كما أنت .. بثياب النوم إذا أردت . إنها مناسبة عادية ))
بالنسبة إليها , لا شيئ يتعلق بديمتريو برتولوزي يمكن اعتباره عادياً . فهو وسيم جداً , جذاب جداً , و فكرة مشاركته العشاء تجعل قلبها يخفق بسرعة .
ضغطت بقبضة يدها على قلبها الذي تسارعت دقاته و قالت :
(( في أي وقت ؟ ))
- كم تحتاجين من الوقت لتستعدي ؟
نظرت إلى الساعة الموضوعة قرب سريرها فإذا هي قد تجاوزت السادسة بعشر دقائق .
قالت :
(( أحتاج إلى ساعة من الوقت ))
كذبت ! فهي تستطيع أن تصبح جاهزة في غضون خمس دقائق .
قال ديمتريو :
(( أراك عند الساعة السابعة إذاً ! ))
و أنهى الإتصال .
لم يقل وداعاً , و مع هذا , قررت ناتالي أن ذلك فأل حسن .
إعترض طريقها في اللحظة التي خرجت فيها من أبواب فيلا جدتها إلى الطريق . ظهر من بين الظلال خلسة , فأجفلت و صرخت من الصدمة .
- أسف ! لم أقصد أن أخيفك .
- حسنا ! لقد أخفتني , سواء أردت ذلك أم لا .
اتسعت عيناها و التمعتا رغم الظلام الحالك , و قالت متابعة :
(( ماذا تفعل هنا في الخارج ؟ ظننتك تعمل على تحضير العشاء الذي وعدتني به ! ))
- الظلام شديد في الخارج
ضحكت بإرتياح , فبدا صوتها كشلال من الفضة :
(( و ماذا في ذلك ؟ لا أظنني سأتوه في هذه الطريق ))
أمسك معصمها بنعومة , فشعر بتسارع نبضها الناتج عن الخوف .
رفع كتفيه قائلاً :
(( ربما ! لكنني معتاد على مرافقة صديقتي عندما أدعوها لملاقاتي , و لا أتوقع منها أن تأتي بمفردها , و مادمت لا أستطيع الوصول إلى الباب الأمامي في فيلا جدتك لأعلن عن نفسي بصراحة , و جدت أن الخيار الثاني هو الأفضل ))
ما قاله هو جزء من الحقيقة فقط , و قد ساقه لها بلباقة كافية كي لا تطرح المزيد من الأسئلة , لكنه في الواقع لن يخدع نفسه . حضور كاتانسكا المزعج بعد الظهر , و التهديد المبطن الذي أطلقه , أزعجا ديمتريو أكثر مما يستطيع الإعتراف به .
قالت :
(( كنت لتشعر بالأمان لو أنك أتيت من الباب الرئيسي الليلة , فجدتي ليست في الفيلا ))
- لست خائفاً من جدتك . أنا مستعد لمواجهة غضبها في أي وقت من الأوقات , إن رغبت أنت بذلك . أنا أتجنب مواجهتها لأنني لا أريد أن أسبب لك الإحراج . هذا كل ما في الأمر .
أمالت ناتالي رأسها إلى جهة واحدة ثم قالت :
(( أنت لن تسبب لي أي إحراج ديمتريو , لكن ربما من الأفضل أن نبقى الأمر سراً بيننا . لا جدوى من إثارة تعليقات غير ضرورية ))
- إن كنا سنلتقي بصورة مستمرة , إذا يبدو أننا لا نستطيع البقاء بعيداً عن بعضنا البعض , سنحتاج إلى وسيلة أكثر ملاءمة للقاء . ما الذي ستكون عليه ردة فعل جدتك , برأيك , إن أقمت ممراً بين ممتلكاتي و ممتلكاتها ؟
لا بد أنه يمزح ! لكن ناتالي تمسكت بالفكرة بحماس و فرح .
- لا فكرة لدي مطلقاً . أقترح أن تباشر بالعمل , فالأراضي واسعة جداً , و من المحتمل أنها لن تلاحظ ذلك .
- ماذا إن فعلت ؟
مالت نحوه و هي تبتسم له ابتسامة ساحرة , و قالت :
(( من الأفضل لك أحياناً أن تطلب العفو من أن تطلب الإذن للقيام بعمل ))
أوشك ديمتريو على الرد , و فجأة عكر هدوء ذلك المساء صوت نباح كلب ضعيف . شعرت ناتالي بالتوتر و سألته :
(( أهذا صوت الجرو ؟ ))
- يبدو إنه كذلك
- يا إلهي ! ماذا لو تبعك وضل طريقه ؟
- لا مجال لذلك ! تركته محجوزاً في الحظيرة في المطبخ . إنه فقط يعلمنا إنه غير راضٍ عن تركه بمفرده .
- ربما استطاع الهرب . هيا ديمتريو ! لنتأكد أنه بخير
أمسكت بيده , محاولة أن تشده للسير على الطريق , لكن محاولتها ذهبت سدى إذ قرر أن يقاوم , لكن ما تقوله منطقي , فالجرو ما زال صغيراً جداً و قد يتمكن من الخروج من بين الحواجز التي بناه له .
ما إن دخلا إلى مطبخ , وجد ديمتريو أن كل شيء ما زال كما تركه , و أن الكلب مازال في حظيرته , حيث تركه تماماً .
نظرت ناتالي إلى الجرو الصغير , فلاحظت عينيه الحزينتين , و أذنيه المتدليتين , لكنها أطمأنت أنه مازال بأمان .
قال ديمتريو :
(( أرأيت ؟ كما قلت تماماً , الجرو بخير ))
- حسناً ! كيف لي أن أعلم ؟
سارت نحو الحظيرة , و حملت الجرو فوق ذراعيها .
- بصراحة , يبدو هذا المسكين حزين جداً . أعتقد أنه يفتقدك . هل تذكرت أن تقدم له العشاء ؟
- مباشرة بعد رحيلك أيتها الأميرة . أكل كل ما أحضرته له فوضعت له المزيد من الطعام . قبل أن تسألي . سأخذه غداً إلى عيادة الطب البيطري في بوستيانو .
قبلت ناتالي أذني الجرو , و حفت خدها برأسه و هي تقول :
(( لقد عانيت من بداية صعبة جداً , يا قطعة الحلوى , لكن الحياة ستصبح أسهل و أجمل من الأن فصاعداً ))
فكر ديمتريو : إن الحياة رائعة جداً بالنسبة إليه الأن , و أنت تضمينه إليك بهذه الطريقة !
حاول جاهداً أن يجعل صوته يبدو عادياً , و هو يقول :
(( يؤلمني جداً أن أقاطع لقاء عاطفياً كهذا , لكن إذا كنت تحرصين على البقاء ثوبك نظيفاً . يجب أن نخرج الكلب إلى الحديقة لقضاء حاجته ))
- سأخذه بنفسي .
- لا !
حمل كوبين و إبريق العصير و تابع :
(( سنذهب معاً . و سنشرب العصير تحت ضوء القمر المكتمل , و نحن نجلس على قمة المنحدر الصخري ... على فكرة أيتها الأميرة , أرفض أن تنادي كلباً أملكه " قطعة الحلوى " ))
- حسناً ! بم ترغب أن أناديه , إذاً ؟
أمسك بمصباح يدوي كبير عن سطح البراد , ثم قال و هو يصوب ضوء المصباح إلى ممر حجري يصل بين المطبخ و زاوية الحديقة الخلفية :
(( لا أدري ... ما الخطأ في تسميته مات . أو مانفي مات على سبيل المثال , فالأسم له رنة خاصة به ما رأيك بذلك ؟ ))
- رأيي هو أنك فعلاً بحاجة إلى مساعدة بشكل خطر جداً .
ضحكت و هي تمسك بالكوبين اللذين كانا في خطر الإنزلاق من يده . و تابعت :
(( ما رأيك بإسم أمير أو نبيل أو ملك ؟ ))
- لأجل هذه الكومة من الفرو ؟ لا بد أنك تمزحين !
تشاجرا بطريقة ودية طول الطريق , و وصلا إلى اتفاق عندما اقتربا من الجدار الذي يفصل بين الحديقة و المنحدر , فاعتمدا اسم بيبو كحل يرضيهما معاً . وجه ديمتريو ضوء المصباح اليدوي ليسطع نوره على نتوء صخري يمتد على مساحة واسعة , و ركز الضوء على مقعد حجري قديم مواجه للبحر .
- إجلسي على المعقد هناك , و سأسكب العصير ثم أنضم إليك .
اجتازت ناتالي الطريق عبر الأعشاب البرية , و مررت راحة يدها على المقعد الذي ما يزال دافئاً بسبب حرارة شمس النهار .
قالت بصوت كهديل الحمام :
(( آه , كم هذا رائع ! ))
نظرت إليه بدلال و تابعت :
(( قل لي إنك رتبت هذا المكان لي ))
- أخشى أن هذه ليست الحقيقة . هذا هو المكان الخاص و المميز لجدتي . غالباً ما كانت تأتي إلى هنا لتراقب غروب الشمس أو إطلالة القمر , فكرت أنك سوف تستمتعين بهذا المنظر الرائع أنت أيظاً .
ظهرت إبتسامة على وجهها , ثم ضمت تنورتها الواسعة ذات اللون الزهري إليها كأنها بتلات زهرة , و قالت تمازحه :
(( أنت على حق ))
كل ذرة من تصرفها الأنيق يعلن أنها سليلة أسرة عريقة , كأنها ملكة على عرشها . انضم ديمتريو إليها , ليجلس قربها على المقعد .
- يسعدني أن المكان أعجبك .
رشفت رشفة صغيرة من كوبها قبل أن تقول و قد أصبحت تعابير وجهها حازمة فجأة :
(( شكراً لك على دعوتي للحضور إلى هنا , ديمتريو . أشعر بإعتزاز كبير لأنني أشاركك في هذا المكان الرائع ))
مرة ثانية , اجتاحت كيانه المشاعر الصادقة , لتسيطر عليه و تمنعه حتى عن الكلام . فسحرها و تصرفاتها النبيلة هي غاية في الكمال . لا بد أن جدته كانت لتحبها و كأنها حفيدتها .
- هذا من دواعي سروري , أيتها الأميرة .
تنهدت ناتالي بإرتياح , و رفعت رأسها لتحدق بالنجوم .
- أحب رائحة الحدائق في الليل , لا سيما تلك المزروعة بالياسمين و الليمون .
لم تسمع تعليقاً على ما قالته , فمالت بنظرها إليه قائلة :
(( لَمِ لا نتناول العشاء هنا في الخارج ؟ المكان رومنسي جداً , و بإمكاننا أن نستعمل سطح الجدار كطاولة ))
- رومنسي ؟! يا إلهي ! هنالك سحليات و أفاعٍ تعيش في تصدعات الجدار , من دون أن أذكر العناكب ...
صرخت بصوت ناعم قبل أن تقول :
(( أكره العناكب , أما بالنسبة للأفاعي ... ))
ارتجفت من الإنزعاج قبل أن تتابع :
(( هل تدرك أنني تسلقت ذلك الجدار من قبل , و جلست عليه لأكثر من خمس دقائق , و كنت أرتدي بنطلوناً قصيراً ؟ حصل ذلك يوم وجدتني أسرق المياه من مطبخك ))
- أعرف ذلك !
لم يدرك ديمتريو أن ذراعه امتدت و التفت حول كتفيها :
(( ربما ستصبحين أكثر حذراً في المستقبل , فتكفي عن المخاطرة بنفسك ))
شعر بحرارة جسدها , و تنشقت حواسه عبير عطرها . ثم أنزلقت يده نحو خصرها , فأصبحت غير قادرة على التنفس , إلا أنا تركته يضمها إليه أكثر .
شعرا بالإنسجام معاً بقوة فاقت توقعاتهما , فالإنجذاب المتبادل بينهما بدا أقوى من أي كلام . هكذا تحول النقاش بينهما إلى صمت مليء بالمشاعر اللطيفة الممتزجة بإحساس الصداقة التي تجمعهما حتى الأن .
تظاهر ديمتريو أنه منشغل بمراقبة الجرو و هو يقفز ملاحقاً فراشة , لكنه في الواقع كان يراقبها بانتباه شديد . قالت , من دون أن تنظر إليه :
(( جنيه أخر من أجل أفكارك , ديمتريو . ما الذي تفكر فيه هذه المرة ؟ ))
- أفكر بك , أيتها الأميرة .
تنهدت مبتعدة عنه :
(( هذا ما ظننته . أنت نادم لأنك طلبت مني الحضور أليس كذلك ؟ ))
هل هذا ما يحدث ؟ قال بصراحة :
(( أجل ! ))
- إذاً لَمِ دعوتني ؟
- لم أستطع إلا أن أفعل .
- و الأن ها أنا هنا , و أنت لا تعرف ما الذي عليك أن تفعله .
رفع حاجبيه , و نظر إلى البحر الأزرق الغارق في الظلمة , متمنياً لو أنه يستطيع مقاومة مشاعره نحوها .
- أعتقد أنك تعرفين ما الذي أحب أن أفعله .
- هذا ما أفكر به أيظاً . لذلك بدلاً من مقاومة ما نشعر به , لَمِ لا نستسلم لمشاعرنا ؟
قفز ديمتريو عن المقعد كأن حشرة سامة لسعته , ثم سار بخطوات واسعة نحو الجدار .
- لأننا سنكون مجنونين إن فكرنا حتى بالأمر .
لَمِ يتحدثان عن مشاعرهما بمثل هذا الغموض , فيما يدرك كلاهما كم هما منجذبان إلى بعضهما البعض ؟
قالت ناتالي :
(( لا يمكنك أن تسمي ذلك جنوناً ))
- في حالتنا , هذا جنون مطبق . عائلتك .. عائلتي ... ! نحن ننتمي إلى عالمين مختلفين , ناتالي . وجدتك ...!
نهضت من مكانها , و سارت إلى حيث يقف . أمسكت بكوبه , و وضعته قرب كوبها على الجدار , ثم قالت بنعومة و هي تلف ذراعها حول عنقه :
(( ديمتريو , لا علاقة مطلقاً لجدتي بالأمر . الأمر يتعلق بي و بك فقط , لذلك من فضلك توقف عن البحث عن أعذار , و عانقني )) .
نــــــــهـــــــــــايــ ــــــــــــة الفصل الـــــــــــــســـــــــ ـــادس


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 26-11-17, 05:22 PM   #8

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

7- لا تبعدني عنك !
قال و هو يبتعد عنها :
(( هذا لن يحصل ! إنه أسوأ أمر يكنني القيام به ))
مع ذلك , عانقها ما إن إقتربت منه , أحاط بوجهها بيديه و ضمها إلى صدره بشغف كبير , مفجراَ في داخلها عاطفة و شوقاً لا حدود لهما . لفهما الشغف المتبادل بغمامة كثيفة من المشاعر , نقلتهما إلى عالم ساحر لا يعرف الزمان و لا المكان و لا اللغات أو الفروقات الإجتماعية . عالم لا يعترف بالحواجز و المسافات ... لا يعترف إلا بالمشاعر الجياشة و الأحاسيس المضطرمة .
عناقه المليء بالشغف جعلها تنسى كل ما يتعلق بالأفاعي و السحليات و العناكب , إذا لم تعد تشعر إلا به و بقربه منها .
كم يسهل عليها أن تغرق في أعماق عينيه الزرقاوين , و أن تذوب بين ذراعيه ؟
شعرت أن حياتها باتت معلقة بهذا الرجل . لم تراودها مثل هذه الأحاسيس من قبل تجاه رجل , و لم تظن يوماً أنها سوف تشعر بها . لكن ماذا لو فكر ديمتريو بالتلاعب بمشاعرها ثم تخلى عنها لاحقاً ؟
رفعت وجهها و قالت :
(( ديمتريو , هناك أمر يجب أن أخبرك به , قبل أن تتطور الأمور بيننا ))
قال بصوت أجش :
(( ماذا ؟ هل أخفتك أيتها الأميرة ؟ ))
- لا , مطلقاً ! لكن , أنا ...أنا ...
التصقت الكلمات في حلقها رافضة أن تنطلق .
ابتلعت غصة بصعوبة , و حاولت من جديد . فلتقل ما تريد قوله بسرعة قبل أن تفقد شجاعتها .
- أنا عذراء و لم أسمح لرجل قبلك بمعانقتي , لكنني أشعر أنك أنت الرجل الذي انتظرته طيلة حياتي !
انفجرت الكلمات الأخيرة من فمها كأنها طلقة مدفع . استغرق ديمتريو بعض الوقت كي يتمكن من استيعاب ما تعنيه , بدليل أنه جمد في مكانه دون حراك . أصبح هادئاً جداً , كأنه أصيب بصدمة قوية . بعدئذ , أبعد يديه عنها بهدوء مطلق ثم قال :
(( هذه مشكلة كبيرة جداً بالنسبة لي , أيتها الأميرة . أتعرض للكثير من المشاكل , لهذا يجب أن نتوقف عن عناقنا هذا الأن و إلى الأبد ))
تذمرت قائلة :
(( لا ! أنا لم أقصدك ذلك .. إنما ... ))
أبعدها ديمتريو عنه بسرعة , حتى إنها كادت تقع بسبب إرتجاف ساقيها .
قاطعها بنبرة ملؤها التوتر و الغضب :
(( مهما يكن الأمر , لدي ما يكفي من الأزمات و المشاكل , من دون أن أضيف إلى لائحتي خطيئة إغواء أميرة أميريكية ))
قالت و هي تمسح دمعتها :
(( آه , ديمتريو ! لا تبعدني عنك ! ))
- حاولي أن تقولي هذا الكلام للرجل المناسب الذي تختارينه شريكاً لحياتك لا لرجل مثلي .
- ماذا لو كنت أنت الرجل المناسب ؟
تردد صدى ضحكته في الليل , ضحكة قاسية و ساخرة معاً .
- بالطبع , أنا لست ذلك الرجل , أيتها الأميرة . و لن أكون كذلك ولو بعد مليون سنة !
قالت ناتالي بإصرار : (( و كيف تعرف ذلك ؟ ديمتريو , أعتقد أنني وقعت في حبك .. هذا ما شعرت به في اللحظة التي دخلت فيها إلي حياتي ))
يا إله السموات ! إن كانت تسعى إلى إبعاده فقد نجحت في ذلك بدون أي شك بعد أن تفوهت هذه الكلمات بصوت عالٍ ! لكن الحقيقة سيف ذو حدين , و إعترافها هذا لم يعد سراً بعد ما باحت به في البداية .
بدا بوضوح أنا أصابته بالدهشة من جديد . و على الفور أشاح ديمتريو ببصره جانباً , و هز رأسه منزعجاً . بعد قليل أغمض عينيه , و زفر أنفاساً متقطعة و حادة .
أخيراً نظر إليها و قال :
(( أنت لا تعرفين عما تتحدثين . يمكنني أن أعد على يد واحدة عدد الساعات التي أمضيناها معاً . نحن لا نعرف بعضنا لأيام , أو أسابيع , أو شهر , أيتها الأميرة , لكن لساعات فقط ! كيق يمكن بحق السماء أن تغرمي برجل في ذلك الوقت القصير , لا سيما إذا كان الرجل مثلي ؟ ))
- لا تحتاج المرأة إلا إلى دقائق فقط لتنظر إلى قلبها و ترى الحقيقة في داخله .
أطلق ديمتريو شتيمة و ابتعد عنها قليلاً . توقف لفترة قصيرة ليرميها بتعليق من وراء كتفيه قبل أن يتوجه إلى المنزل :
(( ألم تسمعي كلمة واحدة مما قلته ؟ قلت لك سابقاً : أنا و أنت أشبه بالزيت و الماء , مهما حاولت أن تمزجيهما فإنهما لن يمتزجا ))
راقبته ناتالي و هو يغادر المكان و قد غمرها اليأس , و ملأ الحزن قلبها . و كأنما الكلب الصغير شعر بخيبة أملها , فوضع قائمتيه الأماميتين على ركبتيها متذمراً . انحنت و حملته بين ذراعيها , ثم دفنت وجهها في جسمه الصغير الدافئ .
همست :
(( أنا لا أصدقه , و لا أهتم لما قاله , فأنا مغرمة بكما معاً , و لا أستطيع إنكار ذلك ))
رفع الجرو رأسه , و راح يلعق وجهها بحماس . فكرت ناتالي أنه على الأقل لا يعتقد أنها مجنونة .
أطلق ديمتريو شتيمة غاضبة , و هو يدخل إلى المطبخ . شعر بأنفاسه تتسارع و بجسده يتصبب عرقاً كأنه كان يركض في الماراثون . ما الذي دهاه بحق السماء , كي يسمح للأمور بأن تتطور بينهما لتصل إلى درجة الخطر ؟ مع ذلك , فكر , مبرراً لنفسه , أن أي رجل تجري الدماء في عروقه سوف يتأثر بجمالها و سحرها .
طرف بعينيه ما إن سقطت قطرات من العرق على وجهه . كل ذرة فيها , من رأسها حتى أخمص قدميها , رائعة بما يكفي لجعل الرجل يحيد عن صوابه , حتى لو كان ناسكاً . و ديمتريو برتولوزي هو أبعد ما يكون عن الناسك .
كل ما فعلته بدا صادقاً إلى درجة جعلت مشاعره تفيض شوقاً إليها , ديمتريو ليس معتاداً على مثل ذلك الصدق و مثل تلك البراءة , لا فكرة لديه مطلقاً عن كيفية التعامل مع هذا الوضع , كل ما قام به هو إنه ركض بعيداً عنها بكل ما أوتي من قوة .
لكن المشكلة هي أن الرجل لا يستطيع الإستمرار في الهروب من نفسه . ففي نهاية السباق سيجد أن المشاكل مازلت وراءه تماماً , و إنه لا يستطيع الهروب منها , فعاجلاً أم آجلاً عليه مواجهتها .
سمع خطواتها المترددة تقترب منه عبر الحديقة , ما جعله يدرك أن المواجهة ستكون قريبة , و قريبة جداً .
بالطبع لن ترضى ناتالي بأن تختفي في الظلام و تتركه بسلام . لا بد أنه أحمق كبير إن ظن إنها ستفعل ذلك . خنق تنهيدة في صدره , قبل أن يستدير لمواجهتها .
قالت بصوت حزين :
(( أحضرت بيبو إلى المنزل . لا أعتقد أنك تريده أن يبقى في الخارج , لكن ... هذا هو السبب الوحيد لوجودي هنا , فأنا أعلم أنك تريدني أن أرحل ))
اعتصر قلبه ألماً و إشفاقاً عليها بسبب الحزن الذي نضح في صوتها .
نعم , هو يريدها أن ترحل , لكن ما يريده بإلحاح أكبر هو أن يبقيها هنا بقربهِ ... ليس فقط من أجل معانقتها .. يريد أن يجعلها تبتسم و أن يسمع ضحكتها , يريد أن يمتع عينيه برؤيتها عبر الطاولة , فيتحدث إليها و يعرف المزيد عنها و هما يتشاركان العشاء البسيط الذي قرر إعداده .. حتى أنه يريد أن يشاركها بذكريات من حياته , و هذا أمر لم يشعر به مطلقاً من قبل .
مع ذلك , و من أجل مصلحتهما معاً , فإن التخلص منها هو أفضل حل .
لم يعرف ديمتريو كيف انتهى به الأمر ليقول :
(( يمكنك أنت أيظاً البقاء . عليك أن تأكلي , و هنا لدي الطعام كاف لنا نحن الإثنين ))
لمست بطرف لسانها شفتها العليا بتوتر , و قالت :
(( أنت فقط تحاول أن تبدو مهذباً ))
- حسناً ! لم لا أيتها الأميرة ؟ الأخلاق الحسنة ليست حكراً على الأولاد الأثرياء فقط , كما تعلمين .
تورد خدا ناتالي من الإرتباك , و ردت بسرعة :
(( لم أقصد ما فهمته من كلامي ))
- إذاً , توقفي عن الإلتصاق بحاجب الباب . إدخلي و إشربي كوباً من العصير بينما أحضر وجبة العشاء .
اقتربت منه و هي تنظر إليه بقلق , كأنه طلب منها القيام بعمل مشين .
- أيمكنك أن تطهو ؟
- نعم
سار نحو البراد و أحضر زجاجة أخرى من العصير , سكب كوباً و قدمه لها قبل أن يسكب كوباً أخر لنفسه و هو يقول :
(( لم يفاجئك ذلك ؟ ))
- لأن معظم الرجال الذين أعرفهم لا يستطيعون أن يسخنوا الماء . ما الذي تحضره ؟
- المعكرونة بالكاربونارا على طريق برتولوزي . هذا الطبق ليس منتشراً في هذه الأرجاء , لكن ...
قطع كلامه و انشغل بإحضار المواد اللازمة من البراد و من خزانة الطعام التي بناها في مدخل قديم في المطبخ
لم تفهم ما قصده , فقالت :
(( لكن , أهذا هو الطبق الوحيد الذي تجيد تحضيره ؟ ))
جمع ديمتريو المكونات التي يحتاج إليها لتحضير الطبق الرئيسي : بيض , شرائح من اللحم المدخن , جبنة بيكورينو , رغيف من الخبز و المعكرونة الطازجة الذي أحضرها هذا الصباح من متجر في بوستيانو , أما البندورة فقد اشتراها من بائع للخضار و هو في طريق عودته .
قال متفاخراً بنفسه :
(( لا ! على الإطلاق . أنا إيطالي , فكيف يمكنني ألا أطهو بطريقة جيدة ))
تركت ناتالي الكلب ليركض على هواه في المطبخ , و جلست على أحد المقاعد في الجانب المقابل من الطاولة و أمسكت كوبها بين يديها .
- صحيح إنك إيطالي , لكن كما ذكرت لك من قبل , هناك لهجة أميريكية واضحة في لغتك. فما سر ذلك ؟
- أمي أميريكية الأصل . قابلت والدي عندما أتت في زيارة إلى إيطاليا , و تزوجا في غضون شهر واحد . بعد موته , عادت إلى الولايات المتحدة و أخذتني معها , كنت في االرابعة من عمري حينذاك .
اتسعت عيناها الرمادتيان الجميلتان من خيبة الأمل .
- يا له من أمر مأساوي بالنسبة إليها ! أن تصبح أرملة و هي ما تزال شابة , و أن تكبر أنت بدون والدك .
عدل ديمتريو حرارة النار تحت مقلاة من الحديد الصلب , و سكب في داخلها مقداراً من زيت الزيتون , و بينما كان الزيت يسخن ، قطع اللحم المدخن و فصاً من الثوم مستخدماً سكيناً قديماً .
قال وهو يضع الثوم و اللحم في المقلاة :
(( في عالمك أنت , ربما , لكن ليس في عالمي . توفي والدي في قتال مع عصابة من المجرمين , قتل في وسط الشارع في وضح النهار , و يمكنني أن أراهن أن أمي لم تذرف دمعة واحدة عليه . و مما علمته في ما بعد , كان زواجهما أقرب إلى الجحيم , فهي لم تشعر بالأمان مطلقاً هنا ))
- يمكنني أن أفهم لما غادرت , إذا . و أفترض أيظاً إنها أرادت أن تضع مسافة بينك و بين تلك الأحداث المريعة – أرادت بداية جديدة , و هذا ما وجدته .
قام بخفق البيض في الوعاء عميق , ثم أضاف إليه الجبنة المبروشة و طحن فوقه البهار بنشاط كبير مبالغ فيه , تابع بضيق :
(( لسوء الحظ , لم أكن جزءً من تلك البداية . مرري لي وعاء الملح , من فضلك ))
- ما الذي تقصده بقولك إنك لم تكن جزءً من تلك البداية ؟
أعطته ناتالي وعاء الملح , ثم حدقت به , و قد علا وجهها تجهم خفيف .
- لا تقل لي إنها تخلت عنك ؟!
- ليس على الفور .
أصبح اللحم جافاً و أشقر اللون , فرفعه عن النار و وضعه فوق مزيج البيض , بعدئذ أشعل النار تحت و عاء من الماء تركه يغلي على المدفأة , ثم أضاف له ملعقة من الملح , و عندما بدأت المياه بالغليان , وضع في داخلها المعكرونة .
- تزوجت أمي بعد أن أصبحت في السادسة من عمري , و عندما قرر زوجها الجديد أنه لا يريد أن يحمل عبء طفل مزعج هو ابن رجل عصابة , أرسلتني للعيش مع عائلة والدي .
شهقت ناتالي مخطوفة الأنفاس , و قالت :
(( كيف يمكن لأم أن تفعل ذلك مع صبي صغير .. مع ابنها الوحيد ؟ ))
رفع كتفيه قائلاً :
(( أرادت أن تحطمني , لكنني لم أهتم لذلك , فجدتي منحتني كل الأمومة التي كنت بحاجة لها , عندما ماتت .. ))
توقف ديمتريو عن الكلام , بعد أن اجتاحته موجة غير متوقعة من الحزن . خمسة عشر عاماً على وفاة جدته , خيل إليه خلالها أنه يشفي تماماً من خسارتها .
إلا أنها عادت تملأ أفكاره منذ أن عاد إلى الفيلا , فهو يراها في حديقتها تعتني بأزهارها الغالية , و يسمعها تدندن له لينام في سريره . كانت تنتظره عندما وصل إلى عتبة بيتها , طفلاً مشرداً يحمل حقيبة تحتوي الثياب و لعبة على شكل دب صغير ممزق , حتى إنه يشم رائحة عطرها في خزانة الثياب في غرفة النوم الرئيسية .
قالت ناتالي تحثه على الكلام , بصوت ناعم مليء بالعاطفة :
(( ماذا ؟ ما الذي حدث بعد ذلك ؟ ))
ظل يبكيها لمدة أسبوع . كانت تلك الدموع الأولى التي انهمرت من عينيه منذ أن ابتعدت عنه أمه , و تركته مع امرأة تعمل في شركة طيران إيطاليا رافقته طوال الرحلة إلى إيطاليا . تباً !
اللطف و الإهتمام اللذان تبديهما ناتالي يدفعانه بشكل خطير إلى البكاء من جديد الأن . ألا يكفي ما تفعله تلك المرأة بأحاسيسه و مشاعره , لتأتي الأن فتحطم حصن الدفاع الذي بناه حول عواطفه , فتمزق قلبه الذي مازال مليئاً بالجراح . إنه أمر لا يحتمل بدون أي شك .
ما إن نضجت المعكرونة بشكل كافٍ , اتخذ ديمتريو من ذلك عذراً ليستدير مبتعداً عنها . رفع الوعاء عن النار , و سكب الماء في المغسلة , ثم إنشغل بوضح اللحم و مزيج البيض فوق المعكرونة الحارة . من دون أن تسأله , بدأت ناتالي بتوزيع الأواني التي هيأها من قبل على طرف الطاولة , ثم نزعت مناشفة ورقية من لفة الورق الموضوعة فوق المغسلة .
- مناشف ورقية بدلاً من المناديل المطرزة , و أوانٍ فخارية بدلاً من الخزف الصيني . هذا لا يشبه ما أنت معتادة عليه . أليس كذلك , أيتها الأميرة ؟
قالت :
(( توقف عن محاولاتك بأن تبدو غير مثقف . ما إن تنتهي من العمل في غرفة الطعام , حتى تذهب و تشتري كل الأواني الصينية و الكرستال التي يشتهيها قلبك , و عندها سوف تحتفل بأناقة لا مثيل لها ))
- أشك بأن تكوني هنا عندما يحدث ذلك .
- لن تتمكن من التخلص مني بسهولة , ديمتريو . لن أذهب إلى أي مكان , في الوقت الراهن .
أعطته ملاحظتها الأخيرة المدخل ليسأل سؤالاً يدور في ذهنه منذ اليوم الذي وصلت فيه إلى فيلا جدتها .
- ما هو الوقت الذي تتوقعين أن تمضيه هنا ؟
- حتى أخر الصيف .
- و ماذا ستفعلين طيلة ذلك الوقت ؟
- لا شيء . أنا في إجازة ة هذه هي الإجازة الأولى التي أحصل عليها منذ أكثر من ثلاث سنوات .
بكلمات أخرى , ستبقى مصدراً دائماً للتوتر و لتشتيت أفكاره , كما إنها ستكون مصدر إغراء برئ له للأشهر الثلاثة القادمة , أمر رائع ! فهذا تماماً ما يحتاجه .
قالت :
(( أعطني سكيناً . سأتولى أنا تحضير البندورة , بينما تسكب أنت الكاربونارا ))
أجبر ديمتريو نفسه على التفكير في إعداد الطعام , فقدم لها سكيناً حاداً و هو يقول :
(( بالنسبة إلى امرأة ترعرعت و هي محاطة بالخدم الذين يلبون كل طلباتها , لا أظن أن خبرتك في تقطيع الخضار تزيد خبرتك في الإعتناء بالحديقة . حاولي ألا تقطعي رؤوس أصابعك و أنت تقطعينها . اتفقنا ؟ ))
ضحكت لكلامه , و مرة ثانية أجبر نفسه على الإستدارة و النظر بعيداً , رنة ضحكتها , لمعان عيناها , بشرتها الناعمة كالحرير و استدارة عنقها و هي تميل رأسها إلى الوراء , تهدد بقوة سيطرته على نفسه .
قال لها :
(( لا تمضي الليل بطوله و أنت تقومين بذلك , فالمعكرونة أصبحت جاهزةً . ))
و دفع نحوها طبقاً واسعاً و إبريقين زجاجيين يحتوي أحدهما على الخل و الأخر على الزيت .
تناولت ناتالي العشاء في ضوء الشموع في أشهر مطاعم العالم , و في أجمل مدن العالم , تارة كضيفة دبلوماسية , و تارة أخرى كسليلة إحدى العائلات الإرستقراطية , أو كرئيسة لشركتها العالمية . تناولت وجبات أعدت من قبل طهاة ذوي شهرة عالمية , إلا إنها لم تتأثر يوماً بالأجواء الرومانسية كما تأثرت هذه الليلة , و هي برفقة ديمتريو , في ذلك المطبخ القديم الواسع . حيث تحولت قطعة خشبية واسعة إلى طاولة الطعام , عليها طبق واحد من المعكرونة كطعام رئيسي .
إنها غلطة ديمتريو . لو إنه ترك المصباح الوحيد في الغرفة مضاءً , لما وجدت نفسها محاطة بمثل هذا الدفء و هذا السحر . لفتهما دائرة من أضواء الشموع جعلت ما تبقى من مساحة الغرفة يتقلص و يتحول إلى ظلالة ملونة , و تشابكت نظراتها بنظراته معاً , و تحول صوتهما إلى همس أجش و هما يتبادلان نتفاً من الأحاديث المتعلقة بحياتهما الشخصية.
قالت تخبره :
(( أحببت المدرسة كثيراً ))
قال :
(( أنا كرهتها كثيراً ))
استغرقت في الذكريات متابعة :
(( كان كل يوم مليئاً بالوعود , و كنت أنام كل ليلة و أنا أحلم بما سيحمل لي الغد من مفاجأت ! ))
- لم أنم ليلة واحدة نوماً عميقاً , خشية أن أستسلم للكوابيس .
مدت يدها عبر الطاولة , و لفت أصابعها حول أصابعه , و سألته :
(( أي نوع من الكوابيس ؟ ))
- النوع الذي لا يتبخر و لا يندثر حتى في ضوء النهار .
لمعت عيناه بالألم , و بدا الحزن على وجهه و هو يتابع :
(( ما زلت أذكر ليلة محددة , كأنها حدثت البارحة , استيقظت على صراخ امرأة شابة مسكينة تتوسل جدي ليحافظ على حياة زوجها , تسللت خارجاً من غرفتي , و راقبت ما يجري من قاعة الموسيقى .
(( لم تتجاوز المرأة العشرين من عمرها يومها , رأيتها راكعة على ركبتيها عند قدمي جدي , و هي حامل في الأشهر الأخيرة . في ذلك الوقت اعتقدت إنها سمينة فقط .. رأيت زوجها واقفاً إلى الجانب الأخر و يداه مربوطتان وراء ظهره , و بدا وجهه شاحباً و هزيلاً . راحت المرأة تنتحب قائلة :
(( أنا احمل طفله دون برتولوزي ... أنت لديك عائلة , و تعرف معنى الحب .. كيف يمكنك أن تحرم هذا الطفل الذي لم يولد بعد من والده ؟ ))
تجمدت ناتالي في مكانها , فالألم الذي نضح من صوته جعل بشرتها تقشعر من الخوف و الحزن معاً , قالت :
(( ما الذي حدث ؟ ))
- سقط صراخها في أذني جدي الصماء , لم يتحرك , بل أومأ برأسه إيماءة خفيفة , ثم تنحى جانباً , بينما ظهر رجاله فجأة من الظلام , فسحبوا زوجها إلى الخارج , ثم رموه في سيارة و أخذوه بعيداً .
حدق ديمتريو في كوبه , و غاص في صمت مقلق كئيب بسبب ذكريات لا يمكنها أن تتصورها ولو في أغرب أحلامها .
أخيراً استأنف كلامه :
(( لم أعرف مطلقاً ما الذنب الذي اقترفه ذلك الرجل , لكن النظرة التي ارتسمت في عينيه و هو ينظر إلى زوجته النظرة الأخيرة , تلك النظرة المليئة باليأس المطلق و الخوف و الضياع , طاردت أحلامي لأشهر طويلة بعد ذلك الحادث ))
تأثرت ناتالي إلى درجة لا يمكنها وصفها فقالت :
(( ديمتريو ! أشعر بالأسى لأنك شاهدت أشياء مخيفة و مرعبة كهذه . كم كان عمرك في ذلك الوقت ؟ ))
- كنت في السابعة أو ربما في الثامنة , لا أعرف بالتحديد .
- يا إلهي ! لو أن جدتك علمت ...
- هذا ما حدث بالفعل ! وجدتني جدتي جاثماً في الصالة .. لا أدري كيف حصل ذلك .. ربما صدر عني صوت ما , أو ربما ذهبت إلى غرفتي لتتفقدني قبل أن تذهب إلى غرفتها .. أتذكر أنها أتت من غرفة الجلوس الخاصة بها في الطابق العلوي , و حملتني إلى سريري , و بقيت بقربي إلى أن غفوت . في اليوم التالي , لم ألاحظ أي شيء غير عادي في الفيلا , و بدا كأن شيئاً لم يحدث في الليلة السابقة . لم تذكر جدتي ذلك الحادث مطلقاً , و أنا كذلك .
- لَمِ لم تأخذك بعيداً , و تترك ذلك الزوج المتوحش ؟
- لأنها عرفت إنه لن يدعها ترحل أبداً , و إن حاولت ذلك فسوف يجد وسائل لمعاقبتها . لا يمكنك أن تتخيلي أساليبه الجهنمية .
أهي تلك الوحشية المطلقة التي رأتها على وجهه ما جذبها إليه إلى درجة لا تقاوم ؟ أتراها لهذا السبب تشعر برغبة قوية في أن تمسح ذلك الفراغ من عينيه و تملأ روحه بالأمل و الدفء و الإيمان بالخير في الحياة ؟ ربما , أو ربما يعلمها حدسها الأنثوي أن لا شيء يمحو ذلك الخوف و الحزن الساكنين في مخيلته إلا حب امرأة .
تمتمت و هي تشده بعيداً عن الطاولة :
(( لنصعد إلى الطابق العلوي , ديمتريو . أريد أن أرى غرف المنزل الأخرى ))
قال :
(( لا أعتقد ذلك , أيتها الأميرة . يبدو لي إنها ليست فكرة جيدة على الإطلاق ))
اقتربت منه بدلال و هي تهمس :
(( ثق بي , إنها أفضل فكرة في العالم ! ))
بطريقة ما , وجدا نفسيهما يسيران عبر القاعة الكبرى , حتى و صلا إلى الدرج المتفرع . و من هناك صعدا إلى الطابق العلوي , و تجولا في الغرف التي تخلو من الزخرفة حتى وصلا إلى الغرفة التي كان يشغلها و هو طفل صغير , و التي ما تزال غرفة نومه حتى اليوم . عرفت ناتالي ذلك من ثيابه المعلقة في الخزانة المفتوحة , رأت في هذه الغرفة أغطية و وسائد وقد وضع غطاء رائع الصنع على السرير , أما على الطاولة الصغيرة الموجودة بقرب السرير فهنالك مصباح صغير و كتاب مفتوح , كذلك فإن النوافذ الضيقة مفتوحة لهواء الليل المنعش و للسماء المضاءة بالنجوم الساطعة .
مع ذلك فوجودها معه جعل الهواء مثقلاً بالتوتر .
كسرت ناتالي دائرة الصمت المربك قائلة :
(( بالكاد يبدو هذا السرير كافياً لرجل بحجمكَ ))
- إنه يخدم الهدف الذي وجد لأجله , حتى الأن .
- لو كنت مكانك لنمت على هذه الأريكة , فهي تبدو أكثر اتساعاً منه .
قالت ذلك و توجهت نحو الأريكة , فجلست عليها و مددت ذراعيها في الإتجاهين قبل أن تتايع : (( إنها كبيرة حتى تكاد تتسع لشخصين معاً , تعال ... إجلس لتتأكد من وجهة نظري ))
استدار ديمتريو نحوها و قال بصوت حازم :
(( توقفي عن القيام بذلك , ناتالي . هذا يكفي ! ))
وقفت ناتالي ثم اقتربت منه و وضعت يديها على كتفيه قائلة :
(( يمكنني البقاء هنا الليلة , سأنام أنا على السرير و أنت على الأريكة , و هكذا نمضي بقية الليلة معاً , ما رأيك ؟ ))
قال بصوت أجش :
(( ساحرة ! ))
أدرك ديمتريو أن عليه أن يرفض عرضها فهو لا يريدها أن تتعلق به , لكن شيئاً في داخله أغراه بالقبول , و هل من شيء أروع من الإستيقاظ صباحاً على رؤية وجهها الملائكي و التمتع برفقتها ؟
شعر بقطرات من العرق تتصبب على جبهته , حاول الإبتعاد عنها مبقياً إياها على بعد ذراع منه .
- إذهبي إلى منزلك , قبل أن أنسى أنني أحاول السيطرة على نفسي و التصرف كسيد نبيل .
- أريد أن بقى معك , ديمتريو . من فضلك , لا ترسلني بعيداً .
- أنت فقط متأثرة بما سمعته مني قبل قليل .
لم تكن ناتالي متأثرة بما سمعته , إلا إنها أدركت أن ديمتريو... و لأول مرة منذ تعرفت إليه .... شاركها بخبايا نفسه من دون أن تسحب الكلمات من فمه كلمة بعد أخرى .
لقد سمح لها بمعرفة شذرات من ماضيه , و باح لها بأحاسيس كامنة في داخله لا مجال للشك بها مطلقاً , و مع كل كلمة و كل نظرة , كان يشق طريقه بعمق أكثر نحو قلبها .
إن الإنسجام و التفاهم اللذين غمراهما هما أعمق بكثير من قدرتها على التخلي عنه , على الرغم من أن لقاءهما لم يدم لأكثر من ساعات معدودة .
بدا كأنها و صلت إلى قرار حاسم حين نظرت إليه قائلة :
(( توقف عن الجدال و عانقني )) .


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 26-11-17, 05:22 PM   #9

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

8 – عودي إلي
يا إلهي ! إنه يتحرق شوقاً إليها منذ أن وقعت عيناه عليها . ضمها إليه في عناق حار ليطفئ نار ذلك الشوق التي ألهبت مشاعرهما معاً .
لم يعرفا كم من الوقت مر عليهما و هما يتبادلان العناق , شعر كل منهما إنه ألقى عن كاهله كل هموم حياته , بعد أن وجد رفيق روحه .
- أحبك !
شعرت ناتالي بالحب يغمر قلبها ليملأ صدرها بهجة و سعادة , حتى إنها لم تعد قادرة على كتمان تلك الكلمات في داخلها .
ساد صمت مطبق في الغرفة , بعد أن تجمد ديمتريو في مكانه دون حراك , فبدا هادئاً .. هادئاً جداً , قال :
(( هل أنت بخير ؟ ))
أربكتها ردة فعله , فقالت :
(( لماذا تسألني ؟ ألانني قلت إنني أحبك , و أنت تعتقد أنني قلت ذلك متأثرة بحرارة عناقنا فقط , و أنني سوف أندم على ذلك في ما بعد ؟ ))
أطلق ديمتريو تنهيدة تنم عن قلة الصبر أو .. ربما الندم أو التوتر , ثم قال :
(( من الطبيعي أن أسألك , يبدو واضحاً إنك تفتقدين إلى التجربة في العلاقات العاطفية , إن أي رجل في مكاني سوف يهتم لذلك ))
- آه أنت لست أي رجل .
أمسكت يده و وضعتها بنعومة على صدرها , ثم تابعت :
(( هل تشعر كيف تتسارع دقات قلبي , ديمتريو ؟ و أنت تعلم إنك السبب . تأكد أن عقلي لم يكن يوماً أكثر صفاء مما عليه الأن . أنا حقاً أحبك ))
مرة ثانية خيم الصمت على الغرفة كأنه ستار ثقيل إسدل في المشهد الأخير للمسرحية , مبدداً الأجواء الرومانسية العاطفية التي تشاركا بها , حتى الليل أصبح أشد ظلمة بعد أن إختفى القمر وراء شجرة كبرى . أخيراً قال ديمتريو بصوت ملؤه التهذيب , ما أرسل قشعريرة من البرد في عمودها الفقري :
(( أظن إنه يجدر بك الرحيل الأن , قبل أن تكرهينني ))
مرة ثانية لمست ناتالي خده بنعومة و قالت :
(( لا أستطيع مطلقاً أن أكرهك ))
أبعد يديها عن وجهه مبدياً إنزعاجه , ثم قال :
(( إذهبي إلى بيتك , أميرتي ))
على الرغم من عدم خبرتها العاطفية , إلا إن القسوة التي ظهرت في نبرة صوته أنبأتها , دون أي شك , إنه يرغب في إبعادها عنه . نزلا معاً إلى المطبخ , و عندما أراد أن يرافقها إلى منزلها , أوقفته برفع يدها معترضة :
(( تمكنت من التحمل طيلة السهرة على الرغم من قسوتك و عنادك , و أعتقد إنني أستطيع أن أقطع المسافة بين منزلينا بمفردي ))
الجرح الذي أصاب كبرياءها جعل صوتها يبدو متصلباً و كذلك عمودها الفقري , ما ينم عن حزم و إرادة شديدين .
تمكنت من القول بصعوبة :
(( عمت مساء , ديمتريو ))
ثم إختفت في الظلام من دون أن تضيف كلمة أخرى .
كان الوقت متأخراً جداً , فالساعة تقارب منتصف الليل . فكرت ناتالي إنها تستطيع التسلل خلسة إلى غرفتها دون أن يلاحظ أحداً , لكن ما إن فتح الباب الرئيسي , و ما هي إلا لحظة حتى وجدت نفسها مسمرة تحت أنوار الثريا المعلقة فوق الدرج الملتوي , و جدتها تحدق فيها بإنبهار شديد .
سمعت نفسها تقول متلعثمة :
(( إعتقدت إنك خلدت إلى النوم منذ وقت طويل ))
شعرت بالذنب كأنها تلميذة مدرسة داخلية ضبطت .
أجابت باربرا بحزم بنبرة ملؤها الإستنكار :
(( هذا ما إعتقدت إنك ستفعلينه طيلة الأمسية , لكن من الواضح إنني أخطأت , هل أستطيع أن أسألك أين كنت ... ))
توقفت عن الكلام و جالت بنظرها على ناتالي محدقة بحذائها الذي يتدلى من بين أصابعها , قبل أن تتابع :
(( ... كي تعودي إلى المنزل متسللة كما أنت الأن ؟ ))
شعرت ناتالي إنها حزينة و بائسة جداً إلى درجة لم تحاول معها التفكير بتلفيق أية كذبة .
قالت ببساطة :
(( أنت تعرفين جيداً أين كنت جدتي , لذلك لا داعي لممارسة الألاعيب , لقد تناولت العشاء مع ديمتريو برتولوزي ))
- و هل دام العشاء حتى هذه الساعة ؟ كم عدد الأطباق التي قدمها ؟
تمالكت ناتالي أعصابها كي لا تعترف لها إنه بقدر ما كان العشاء لذيذاً و ممتعاً فإن التحلية التي تلته في الطابق العلوي كانت مسببة للصدمة . رفعت كتفيها بعد أن تمكنت من الحفاظ على رباطة جأشها .
- إنها توازي ما قدمته مريانا سورينتينو . على ما أعتقد , ما دمت أنت أيظاً وصلت الأن لتوك إلى المنزل , و قبل أن تبدأي بالإسهاب من جديد حول حماقة ما أفعله بالتقرب من ديمتريو , لا بد إنك ستشعرين بالسعادة إذا ما عرفت إنه يوافقك الرأي , فالطريقة التي إفترقنا بها الليلة , تجعلني أشك بأن يدعوني إلى زيارته من جديد .
إفتر ثغر جدتها عن إبتسامة مقتضبة قبل أن تصرح قائلة :
(( إذاً , لن أضيف أية كلمة أخرى , حتى عبارة (( سبق أن قلت لك ذلك ! )) )) .
***
أمضى ديمتريو معظم الليل و هو يذرع الغرفة ذهاباً و إياباً . راح يشتم نفسه تارة بسبب ضعف و إستسلامه لعناقها , متذكراً الألم الذي سببه لها بعد ذلك , و الوضع الصعب الذي وصلا إليه معاً , و يشتمها تارة أخرى بسبب إيمانها العنيد بإنه يستحق حبها .
إنه في الرابعة و الثلاثين من عمره و هو مشهور بعلاقاته بالجنس الأخر , لكنه أيظاً قاسٍ . أعتاد أن يكون كذلك , ليتمكن من البقاء حياً تحت رعاية جده . لو لم يكن كذلك لمات منذ وقت طويل . في نهاية الأمر تمكن من بناء حياة جديدة , محققاً النجاح في حياته , كما تمكن أيظاً من بناء صداقات مع عدد من الأشخاص المحترمين المعروفين بنزاهتهم و إجتهادهم .
لكن ذلك لا يعني إنه نسي ما معنى أن يكون المرء في الجهة الأخرى من الحياة . هنا يكمن الفرق الذي لا يمكن التغلب عليه بينه و بين ناتالي .
إن سمح لها بأن تدخل إلى قلبه و الله وحده يعلم كم يرغب ذلك سوف تكتشف بطريقة قاسية جداً أمراً فهمه هو منذ وقت طويل عندما كان طفلاً " رفضه من قبل المجتمع الذي يضمها إليه بكل فخر و حب .
عندها سوف تصاب بجرح لن تشفى منه أبداً . لن تتمكن ناتالي من تجاوز صدمة قاسية كهذه , و هو لن يسمح لها بأن تستدرجه ليثبت لها ذلك .
كان بإمكانه أن يجعل الأمور أكثر سهولة بينهما , لو إنه شرح لها لماذا يقدم نفسه للمجتمع كرجل عادي فقير ورث هذه الفيلا المهدمة , لكنه أقسم منذ زمن بعيدا ألا يبرر تصرفاته لأي كان .
أولئك الأشخاص الذين يحيطون بها , جعلوا حياة جدته بائسة و حزينة , و هو لا يستطيع تغيير نفسه إلى درجة تمنعه من الإحساس بالسعادة و الرضى حين يأتي الوقت المناسب و يندمون على ما قاموا به . لن تتمكن ناتالي من رؤية ذلك الأن , لكنه يقدم لها خدمة بإبقائها بعيدة عنه , لأن الجميع سوف يكرهونه عندما يتفذ إنتقامه . جدتها و أصدقاؤها لن يسامحوه مطلقاً لإنه سيكون قد سخر منهم , و أثبت لهم إنهم أغبياء , و إن كانت ناتالي تسانده و تناصره , فهم لن يغفروا لها أيضاً .
بعد مرور أربعة أيام , ذهب ديمتريو إلى بوستيانو ليعاين معدات محلية الصنع لدى سمكري يقيم هناك , و عندما عاد إلى شاحنته , وجد العجلة الخلفية مثقوبة .
اجتاحه الغضب بشكل لا يحتمل , فرفس العجلة المثقوبة بقدمه . صحيح إن الشاحنة تبدو قديمة لكن العجلات جديدة , لذلك إستغرب الأمر , و لم يعرف السبب الذي أدى إلى ثقبها . أما الأسوأ من ذلك كله فهو إنه مضطر إلى إفراغ الشاحنة من المواد التي إشتراها للتو ليتمكن من الوصول إلى العجلة الإحتياطية , وفي هذا الطقس ذي الحرارة المرتفعة الخانقة .
أطلق زفرة طويلة قائلاً بتذمر :
(( يا لها من نهاية سيئة لأسبوع سيء , إنه أشبه بالجحيم ))
أفرغ كل المعدات من الشاحنة , و أخرج العجلة الإحتياطية و الرافعة .
- تباً لهذه العجلات الرديئة !
- هل تحتاج إلى المساعدة ؟
رفع ديمتريو نظره , فالتقت عيناه بنظرات رجل يمر بقربه . بدا الرجل في الثلاثين من عمره , يرتدي بنطلوناً قصيراً و قميصاً قطنية قصيرة الكمين , وينتعل حذاء رياضياً و يحمل آلة تصوير علقها حول عنقه , و قد تخلل شعره الأسود الداكن , بضع خصلات من اللون الأشقر , فيما تدلى قرط فضي صغير من إذنه اليسرى . الإنطباع الذي يعطيه هذا الرجل للمشاهد العادي هو إنه مجرد سائح يتجول مستمتعاً بالمناظر المحيطة به , أما ديمتريو الذي يملك تجارب كافية مع الشرطة تعود إلى أيام شبابه , فيتعرف مباشرة على الشرطي المتخفي ما إن يصادفه , حتى لو راح هذا الأخير يبتسم له بمودة .
رفع نحور العجلة بمفتاح الربط , و بدأ يفك المسامير , ثم قال :
(( منذ اللحظة التي أعلنت فيها عن إسمي و أدرك الناس من أنا , أظن إنني أصبحت شخصاً مشكوكاً بأمره في هذه المنطقة ))
إنحنى الرجل قربه , و عرف عن نفسه بصوت منخفض :
(( التحري كريستوفاني روسو ))
بدا الأمر بالنسبة للناظر إليهما كأن الرجل يقدم له المساعدة في إصلاح عجلة الشاحنة . تابع الرجل قائلاً :
(( أعلمك إن إسمك هو نقطة لصالحك و صالحنا معاً , في هذه الفترة ))
- و كيف ذلك ؟
- أتى لزيارتك شخص منذ عدة أيام ... مستثمر يدعى كاتانسكا .
- أتقول لي إنني تحت مراقبة ؟
- أنت لست كذلك سنيور بل كاتانسكا , فكل تحركاته تثير الشبهة لدينا .
- إذاً , من المحتمل أن تكون قد عرفت إنه يريد شراء الفيلا .
هز روسو رأسه , و أجاب معلقاً :
(( أراد إمتلاكها منذ وقت طويل , و أعتقد إنه سيحصل عليها في نهاية الأمر , حتى ظهرت وبدأت في ترميمها و إعادتها إلى سابق عهدها ))
- و أنت مهتم بالأمر بسبب ... ؟
- وضع خطة تقضي بتحويل أرضك إلى مجموعة من عشرين منزل صغير , و بذلك سيضيف إلى ثروته مبلغاً ضخماً ببيعها بأسعار خيالية .
- في تلك المنطقة ؟
استمر ديمتريو في العمل بسرعة لينزع العجلة , ثم نظر إلى الشرطي بإستهزاء و هو يتابع :
(( لا مجال لذلك مطلقاً , إتحاد المقيمين سيصوت ضد ذلك العمل ))
- سيفاجئك أن تعلم إلى أي مدى وصلت علاقات كاتانسكا خلال السنوات الماضية .
قدم روسو له المسامير بينما كان يضع العجلة الإحتياطية في مكانها , شارحاً له في الوقت نفسه مقدار الفساد الذي يستخدمه هذا الرجل في أعماله و المساوئ التي ينشرها في هذه المنطقة .
- كاتانسكا قرش كبير في عالم المال فهو يدين المال بفائدة عالية , متستراً وراء قناع مستثمر كبير . إشتهر الرجل بتعامله في السوق السوداء , و هو يعتمد الرشوة و المراوغة للتملص من القوانين , كما يقوم بخداع مالكي الأراضي مخفياً عنهم القيمة الحقيقية للأراضي التي يشتريها منهم , و بإستعمال مواد بناء رديئة .
إنه يتمادى بأعمال السوء من دون أن يتم القبض عليه ولو مرة واحدة , و نحن نعتقد أن بإمكانك مساعدتنا على القيام بذلك .
تراجع ديمتريو إلى الوراء حتى جلس على عقبيه , بعد أن تفاجأ مما سمعه :
(( ولَمِ أنا ؟ ))
- أنت الشخص المثالي المؤهل لهذا العمل , رجل متحدر من عائلة ذات تاريخ يحتمل كل نوع من الشك , يعمل على ترميم منزل بحاجة إلى ثروة , و هو لا يملك ما يدل على إنه قادر على الوفاء بإلتزاماته .
سارع ديمتريو إلى القول :
(( توقف عند هذا الحد ! أولاً , الأمور ليست فعلياً كما هي الظاهر , ثانياً , أنا لا أرضى بتعريض سمعتي للشبهة حتى لأجل خدمة الشرطة ))
- أجرينا بحثاً شاملاً عنك , و نحن ندرك جيداً أن هناك الكثير من الأمور المتعلقة بك التي لا تظهر للعيان . سنيور , نحن لا نطلب منك أن تخون مبادئك , فنزاهتك بالتحديد هي ما جعلتك الرجل المثالي للعمل الذي نفكر فيه . إن أسوأ ما يمكن أن نطلبه منك هو أن توافق على التعامل مع كاتانسكا , كي نتمكن من مراقبته عن كثب , و تبقي إتفاقنا طي الكتمان الشديد .
- رجعت إلى هنا لأشعر بالسلام و الطمأنينة , و لأجعل جيراني يقتنعون بأنني أستحق العيش بكرامة , و إنني لا أريد أن أبدأ حرباً معهم , و هذا أمر لا يمكن تحقيقه إذا ما عرف عني إنني أتعامل مع شخص مثل كاتانسكا .
- ما إن نحقق هدفنا , سوف نعلن بوضوح تام براءتك من أي تورط معه , و من الطبيعي أن نعطيك تعهداً خطياً بذلك .
توقف روسو عن الكلام لفترة كافية ليقنع ديمتريو إنه يحتفظ بأفضل ما لديه ككلمة أخيرة .
- في النهاية سيكون الأمر لمصلحتك أيظاً , سنيور . فبالنسبة إليك , هذه صفقة رابحة في مطلق الأحوال , و إذا قمت بهذا العمل , فإنك لن تحصل فقط على إحترام جيرانك , بل ستحصل أيظاً على إمتنانهم و إعجابهم بك .
يا له من عرض مغرٍ !
- لكنك لم تخبرني بعد ما الذي تريد مني أن أفعله .
- في الوقت الراهن ...
ساعده روسو ليعيد المعدات إلى الشاحنة , ثم صافحه و هو يقدم له بطاقة عمل , ثم تابع يقول :
(( .. خذ يوماً أو أكثر لتفكر بما قلته لك , و إن قررت الموافقة , إتصل بي ))
- حسناً ! لكن بدون أية وعود .
- أتفهم ذلك !
أغلق ديمتريو الباب الخلفي للشاحنة , و قال : (( شكراً على المساعدة ))
- على الرحب و السعة .
إستلقت ناتالي على بطنها فوق منشفتها على الشاطئ الرملي الساحر , متمتعة بحرارة الشمس المنعشة و هواء البحر اللطيف , مصغية إلى صوت تصارع الأمواج البعيدة عنها . إنتابها حالة من الخدر الذهني المحبب ساعدتها على نسيان الألم القوي الذي تشعر به في قلبها , تذكرت بصورة ضبابية النقاش الذي دار بينها و بين جدتها هذا الصباح .
- أنا مدعوة إلى حفلة في كابري , تعالي معي , ناتالي , سيكون هناك الكثير من الأشخاص في مثل سنك , عزيزتي , و أنا متأكدة من إنك ستستمتعين .
بالطبع ! جدتها تريد لها كل الخير , لكنها لا تدرك أن ناتالي في وضعها الحالي , لا تستطيع أن تتعامل مع هذا الإهتمام الذي تظهره باربرا .
قالت :
(( شكراً جدتي , لكنني سأتمكن من التعامل مع حالتي بطريقة جيدة ))
- لكن الوحدة ليست أمراً جيداً , عزيزتي . أنت بحاجة إلى الخروج من المنزل .
- أنا أفعل ذلك كل يوم .
- البقاء ساعات بمفردك على الشاطئ , ليس ما أعنيه بالتحديد .
الشاطئ هو المكان الذي تهرب إليه , حيث تستطيع أن تبقى بمفردها لتعالج جروحها العاطفية .
قالت تجادلها :
(( الهواء منعش هناك , كما إنني أفضل السباحة في البحر ))
هذا صحيح بالطبع , ففي الأيام الأخيرة , إرتفعت درجة الحرارة بشكل كبير , ما جعل المياه في بركة السباحة في المنزل حارة إلى درجة لا تحتمل .
هزت جدتها رأسها و هي تقول :
(( من يعرف ما الذي تحتوي عليه مياه البحر , عزيزتي , هناك حشرات و عوالق ... أما بالنسبة لصعودك و نزولك عبر المنحدر الصخري ... ))
- التمارين الرياضية مفيدة لي
- حسناً! أعتقد أن أي شيء تقومين به هو أفضل من إضاعة وقتك مع ذلك الشخص المخيف ديمتريو برتولوزي .
على الرغم من حالة الخدر التي تسيطر عليها ، فإن تذكر إسمه جعل أصابعها تنكمش فوق الرمال الساخنة .
- لا أريد أن أتحدث عن هذا الرجل جدتي ! و إن أصريت على التحدث عنه في كل فرصة سانحة ، سابدأ في النوم على الشاطئ أيظاً . إذهبي إلى كابري ، و إستمتعي بوقتك , سأكون بخير هنا بمفردي .
بعد أن أوضحت ما تريده تماماً , غادرت جدتها المنزل ، و إستسلمت ناتالي للسلام و الهدوء اللذين تشتاق إليهما روحها . لا بد إنها غفت ، و هو أمر تفتقده بشكل تام في الليل . تنهدت متأوهة , و تركت الإحساس بالإسترخاء يسيطر عليها ، و الظلام يخيم على أفكارها .
إنها في قطار في طقس ماطر بارد , و هي تستطيع أن تسمع صوت محركه البخاري ، و تستطيع أن تشعر بلسعة باردة على كتفيها العاريتين , تبدل الطقس فجأة فغدا صيفاً , و شعرت بزخة غريبة من المطر تصفق خدها .
إستيقظت و خبأت وجهها بالمنشفة ما إن تطاير عليها رذاذ من الرمل الرطب . شعرت بلسان دافئ يلامس أذنها , و أظافر صغيرة تنغرز في ذراعها ... غمرها فرح كبير أنساها كل أثر للنعاس , ما إن تنشقت رائحة الجرو , و شعرت بأنفاسه الرطبة . أدارت وجهها فإذا وجه بيبو أمامها تماماً.
- آه ! قطعة حلوى ...
جلست على ركبتيها , و أمسكت الكلب الصغير الرطب , و ضمته إليها ثم قبلته و لم تبال مطلقاً بتساقط الوبر و الرمل عليها .
- كم إشتقت إليك ! كيف عرفت أين تجدني ؟
قال ديمتريو , من مكان ما خلفها :
(( في الواقع , هو لم يعرف . أنا من أحضره إلى هنا ))
هل يمكن للثلج أن يحرق ؟ هل يمكنه أن ينزلق فوق بشرتها و يتركها مجهدة غير قادرة على التنفس لشدة حرارته .
تابع ديمتريو :
(( أنا أسف ! لو علمت إنك هنا , لما ... ))
لم تجرؤ على الإستدارة و النظر إليه . هزت رأسها و هي تقول :
(( لا داعي للإعتذار , فأنا لا أملك الشاطئ ))
- و مع ذلك , ما كان علي إزعاجك
- لم تفعل
- كنت نائمة
- لا , كنت أهم بالمغادرة
أطلقت سراح بيبو , و أمسكت بمنشفتها و حذائها , ثم وقفت على قدميها و إستدارت نحو المنحدر . و لكن بدلاً من أن تنطلق , وجدت نفسها في مواجهة صدره ... صدره العاري . لا شيء جديد في هذا , أليس كذلك ؟ فهي لم تعرف مطلقاً رجلاً يكره إرتداء القميص مثله .
أمسك ديمتريو بمرفقيها , فشعرت بيديه حارتين و قاسيتين على بشرتها , قال :
(( أنت تكذبين , أميرتي ))
ردت بقوة :
(( نعم . أكذب ... لإنك لست قادراً على تحمل الحقيقة ! و الأن , أبعد يديك عني و دعني أرحل ))
- لا !
- ماذا ؟
فتحت فمها بغضب و إستياء محدقة به . الرجال الذين تعرفهم ... كما يحلو لديمتريو أن يسميهم , يعرفون أن ليس عليهم تجاهل كلام امرأة عندما تطلب منهم أن يتركوها و شأنها .
كرر من جديد :
( لا ))
- بإمكاني أن ألقي بك في السجن بسبب ذلك
قال :
(( أميرتي ! ))
شدها إليه بعناد , حتى كادت كلماته تلامس وجهها . تابع :
(( الأفكار التي تملأ رأسي الأن , و ما أتمنى القيام به , قد يقودني للبقاء في السجن لعشر سنوات متتالية , لكنني و في هذه اللحظة بالذات , لا أعير الأمر أية أهمية ))
عانقها بيأس رجل مشرف على الغرق و يشهق محاولاً التنفس , بلهفة رجل ضائع و مشتت الأفكار . تنهد بقوة فبدا كأن تنهيدته تخرج من أعماق روحه , و لم تستطيع ناتالي منع نفسها في مبادلته العناق .
لم يعرفا كم من الوقت مر عليهما و هما متعانقين .. ربما بيبو وحده يعرف , إذ نفذ صبره أخيراً فنبح بقوة , و تعلقت مخالبه بساقي ناتالي . أطلق ديمتريو شتيمة خافتة , و إبتعد عنها .
تراجعت ناتالي قليلاً , و وضعت يداً مرتجفة على وجهها
- لَمِ فعلت ذلك ؟
- ما السبب برأيك ؟
تابع و عيناه مليئتان بالأسى :
(( لأنني لم أستطع التغلب على نفسي , و لأنني أحمق كبير , كما إنك هنا , و الإبتعاد عنك أمر يفوق قدرتي على الإحتمال ))
- لماذا تعتبر نفسك أحمق ؟
نظر حوله , و ظهرت تلك الإبتسامة العذبة المليئة بعدم المبالاة و التفاخر على وجهه .
- أنا أبعدتك عني , أليس كذلك ؟
قالت , و هي تشعر بألم في حلقها :
(( صحيح ))
- حسناً ! ماذا سأقول ؟ إنني أطلب منك العودة إلي
- لماذا ؟
- إنظري , إلي , أميرتي ! لماذا برأيك ؟ لأنني أفتقدك كثيراً .
***
حتى تلك اللحظة , لم يكن قد إتخذ قراره بعد . لكن بعد أن ضمها بين ذراعيه , قرر أن يقبل عرض كريستوفاني روسو . سيقدم على أي عمل ليبرهن إنه يستحق فرصة أخرى معها .
ثم جلس إلى جانبها و عانقها من جديد . غرقا معاً في عناق طويل , حملهما إلى عالم مليء بالسحر و البهجة . جلسا متقاربين لفترة , إستمتعا بكل لحظة أمضياها معاً , كما لو إنهما وجدا بعضهما من جديد بعد فراق طويل .
قال لها و هو يضمها إلى صدره :
(( أتمنى أن نبقى معاً لأطول وقت ممكن ! ))
- أيعني هذا إننا سنتقابل ثانية ؟
قال :
(( تأكدي من ذلك , أنا أتطلع بشوق لقضاء أمسية برفقتك تحت ضوء القمر ))
- و هل ستعد العشاء لي أيظاً ؟
شعر بغصة من الندم لأنه مجبر على خداعها , لكنه قال :
(( ليس الليلة , أميرتي . لدي عدد من المشاغل الليلة , ما رأيك في أن أقفز فوق السور , و أقابلك عند بداية الممر في أرض جدتك حوالي الساعة التاسعة ؟ لا أريدك أن تسيري بمفردك في الظلام ))
على الرغم من شعورها بخيبة الأمل , لم تظهر ناتالي ذلك بل قالت :
(( سألقاك هناك ))
- سأكون بإنتظارك
ما إن وصل إلى المنزل , إتصل ديمتريو بروسو , و بادره قائلاً :
(( هل هذا وقت مناسب للتحدث إليك ؟ ))
أجاب التحري :
(( هذا يعتمد على ما ستقوله ))
- إنني مهتم للأمر , إن كنت أستطيع المساعدة في التخلص من كاتانسكا , فيمكنك الإعتماد علي
- هذا ما أملت سماعه . هناك مقهى في الهواء الطلق , في الساحة الواقعة خلف مركز الشرطة في بوستيانو . قابلني هناك غداً عند الساعة الحادية عشرة , لكن لا تقترب لتجلس إلى الطاولة التي أجلس عليها نفسها . سأعمل على أن تبقى الطاولة المجاورة لطاولتي خالية كي تجلس عليها أنت .
- حسناً ! أراك غداً
- إلى اللقاء
تابع روسو مؤكداً ما قاله في المرة السابقة :
(( تذكر ديمتريو ! لا تتحدث بأية كلمة لأي كان , إذا إنكشف ما نخطط له , سيضيع عملنا كله ))
- هذا واضح
***
بدا الليل ساكناً يغمره نور القمر , و الأزهار تملأ الحديقة بأريجها العطر , كأنها ترحب بناتالي و هي تشق طريقها للقاء ديمتريو في المكان الذي إتفقا عليه . وجدته بإنتظارها , و هو يحمل مصباحاً يدوياً , و غطاء مطوياً ملقى على ذراعه . قال :
(( مرحباً ! ))
ثم ضمها إليه معانقاً إياها بقوة , حتى إنها خشيت ألا تتمكن بعد ذلك العناق من السير عبر المنحدر برباطة جأش لكن بالطبع , ما كان عليها أن تقلق .
سار ديمتريو أمامها , متوقفاً بين الفنية و الأخرى ليضيء الطريق أمامها بنور المصباح . قادها بأمان حتى لامست قدماها الرمال التي لا تزال حارة . وضع الغطاء على الأرض , و سألها :
(( أتريدين أن نتمشى قليلاً ؟ ))
- حسناً ! لنتمشى قليلاً قبل أن نجلس
سارا على الرمال الدافئة متشابكي اليدين . لم يتبادلا الأحاديث مطلقاً , بل أصغيا إلى صوت الأمواج المتهادية التي ترتطم بالشاطئ , لكن صمتهما هذا لم يحل دون إنسجامهما معاً برابط أقوى من الكلام .
بدت تلك اللحظات رقيقة و مؤثرة , حتى إن ناتالي شعرت بالدموع تنهمر على خديها لشدة السحر الذي يحيط بهما .
عانقها ديمتريو برقة و حنان جعلاها تشعر إنها أسعد امرأة في العالم . من الذي قال إن المال هو ما يصنع السعادة ؟ أن تكون حبيبة مثل هذا الرجل لهي سعادة تفوق كثيراً ما أملت يوماً أن تعيشه , حتى إنها لم تفكر يوماً إن مثل هذه السعادة موجودة أساساً .
إنها الجنة على الأرض ! تساءلت متعجبة كيف تمكنت أن تشك برجل يجمعها به مثل ذلك الإنسجام , في الفكر و الروح و الجسد معاً .
***
عندما دخل ديمتريو المقهى وجد روسو بإنتظاره . كان الرجل يقرأ جريدة الصباح , و هو جالس إلى واحدة من ثلاث طاولات و ضعت في زاوية الساحة . إلى طاولة الثانية جلست سيدتان في منتصف العمر تتحدثان و هما تشربان القهوة .
جلس ديمتريو إلى الطاولة الثالثة , و أدار ظهره إلى روسو . طلب فنجان قهوة و راح يقلب صفحات جريدة تركها زبون السابق . علق روسو :
(( هنالك مقالة جيدة في قسم الرياضة ))
قلب روسو الصفحة , و أعاد الجريدة إلى الأمام عينيه , ثم تابع :
(( قد ترغب في أخذها معك عندما تغادر . في الوقت الحالي , تظاهر إنك تهتم بقراءة العناوين , و إنتبه لما ستقوله ))
علقت المرأة الأقرب إليه من الطاولة الثانية :
(( هذه هي الخطة الرئيسية ))
و بدأت تشرح له الخطة , بينما إقتربت صديقتها منها , و قد إتسعت عيناها , و كأنها لا تستطيع تصديق الأخبار التي تسمعها .
الخطة بسيطة و سهلة ؛ عليه أن يتظاهر إن ماله قد نفد , و إنه لا يستطيع الحصول على قرض من المصرف , ثم يتقرب من كاتانسكا أملاً في مساعدته , فيطلب منه قرضاً لمدة ستين يوماً , و يوافق على رهن الفيلا كضمانة له , كما عليه أن يرضى بكل ما يقدمه له كاتانسكا , و يوافق على أي مقدار من الفائدة يريده , على أن يتظاهر دائماً إنه يشعر بالقلق طيلة مدة القرض .
تابع روسو :
(( إنها ستون يوماً , بمعنى أخر , هي الفترة الكافية لجمع الأدلة التي نحتاجها لنتمكن من إلقاء القبض عليه , و عندما يتم ذلك , سيكون عملك قد إنتهى ))
وضع ديمتريو الجريدة على الطاولة , و مد يديه إلى أقصى ما يمكنه كأنه يتمطى .
- يبدو لي أن ذلك سيكلفني مبالغ طائلة .
قالت المرأة و هي تضحك :
(( لا , سنيور . من الناحية المالية لن تخسر شيئاً . نحن نطلب فقط تعاونك و القليل من وقتك . سيتم بيعك بضائع مسروقة و مواد رديئة , و سوف يجبرك كاتانسكا على قبول عمال غير كفوئين يعملون لديه بصورة دائمة . أنت خبير في ميدان عملك , و تعرف ما تريده . عليك أن تحتفظ بسجلات و وثائق عن كل شيء , و أن تعاين أي نوع من البضاعة يقدم لك . لن يغيب عن نظرك أي شيء , أتعتقد إنك تستطيع القيام بهذا العمل ؟ ))
لقاؤه ليلة البارحة بناتالي , سمح له بأن ينام ملء جفونه طيلة الليل , لأول مرة منذ أسبوع , كما إستيقظ عند الصباح مستعداً لمواجهة النهار بطاقة كبيرة و تفاؤل , و إن كانت هذه المهمة هي مجرد ثمن عليه تقديمه لإستعادتها في حياته , فسيدفع هذا الثمن بطيبة خاطر , حتى لو كان مضاعفاً ثلاث مرات .
- نعم يمكنني القيام بذلك , لكنني لم أفهم مدى فائدة عملي هذا .
- لا داعي لأن تفهم . ما تقوم به أنت هو عبارة عن جزء صغير من عملية كبيرة , و كلما كانت معلوماتك أقل عن الأمور التي تجري حول كاتانسكا , كلما كان القيام بدورك أكثر سهولة و تلقائية .
- لا تنظر الأن , لكن صديقنا كاتانسكا يقطع الساحة و يتجه نحونا
نهض روسو بهدوء و هو يتابع :
(( أظنها فكرة جيدة أن تطالع صفحة الرياضة , و أن تأخذ الورقة الموضوعة هناك قبل أن تصبح موضوع إهتمامه ))
ما إن أنهى كلامه حتى سار مبتعداً .
و جد ديمتريو ورقة وحيدة موضوعة بين صفحتين من صفحات الأخبار الرياضية . طوى الورقة جيداً , و وضعها في جيب سترته الداخلي .
قالت المرأة :
(( يا له من توقيت جيد ! لقد رآك سنيور , و هو يتجه نحو طاولتك مباشرة , إن كنت مستعداً , يمكنك البدء في الحديث منذ الأن ))
فتحت حقيبة يدها , و أخرجت علبة صغيرة , ثم نظرت إلى المرآة و مررت أحمر الشفاه على شفتيها , بعدئذٍ نظرت إلى صديقتها و قالت :
(( هل إنتهينا ؟ ))
حملت صديقتها حقيبة مليئة بالمشتريات كانت قد وضعتها عند قدميها , و أجابت :
(( أعتقد ذلك ))
و من دون أن تلتفتاه للحظة نحوه , غادرتا . بعد مرور دقيقة واحدة سقط ظل على جريدته , فرفع ديمتريو نظره ليرى كاتانسكا يضع حقيبته من الجلد غالية الثمن على الطاولة , و يجلس على الكرسي المواجه له .
طوى ديمتريو الجريدة و وضعها على حافة الطاولة , ثم فكر بعزم : لتبدأ المعركة !
***
قال لها , و هو يسير برفقتها إلى منزل جدتها ليلة أمس , إنه سيعمل طوال النهار في اليوم التالي , و هكذا علمت أن قدومها إلى منزله سيعيق أعماله . تابع قائلاً إنه يرغب في إصطحابها إلى العشاء في المساء .
فاجأها كلامه فرددت بفرح :
(( أتعني أن نخرج في موعد غرامي إلى مطعم ؟ ))
قال و إبتسامته تلمع تحت ضوء القمر :
(( هذا ما أفكر فيه . يمكنني أن أصطحبك إلى مكان لا يتعرف علينا فيه من أصدقاء جدتك ))
- آه ! أنا لا أهتم لهم
هزت ناتالي رأسها و هي تشعر بالدهشة من التبدل السريع للحياة . منذ أربع وعشرين ساعة فقط كانت تحاول جاهدة أن تبتسم , و الأن هي لا تستطيع أن تمسح الإبتسامة عن وجهها .
- لم أظن مطلقاً إنك تفكر في أن نخرج في العلن معاً , هذا كل شيء . لكنني سعيدة جداً لأنني كنت مخطئة .
- حسنا ! أخبرتني أن جدتك ذهبت إلى كابري , و أنت تعرفين القول الشائع عما يحدث عندما يغيب الهر .
- أتعني أن الفئران تسرح على هواها ؟
- بالضبط . لكن ليس علينا أن نتباهى بعلاقتنا في بلدتها . سيبدو ذلك كأننا نبحث عن مشاكل أنت بغنى عنها . أنا لا أريد أن أخلق مشاكل لا داعي لها بينك و بين جدتك .
قالت :
(( لن تفعل ذلك . تعلمت منذ سنين عديدة كيف أتعامل مع جدتي عندما تحاول السيطرة علي , و هي تعلم إنني قادرة على الإنتقال للعيش في فندق إن حاولت التدخل في حياتي الإجتماعية ))
- حسنا ! سأمر لإصطحابك عند السابعة ؟
هزت رأسها موافقة و قالت :
(( إضغط على جهاز الإتصال بالداخل , و سيعمل روميرو على فتح الأبواب الكهربائية لك ))
- أتعتقدين أن إصطحابك من مدخل الفيلا فكرة جيدة ؟
- ديمتريو ! عندما أبعدتني عنك شعرت باليأس , أما و قد التقينا من جديد , فقد سئمت من المغادرة خلسة و التظاهر بعدم معرفتك , لذلك أريدك أن تأتي لإصطحابي من أمام الفيلا , إلا إذا ....
توقفت عن الكلام للحظة قبل أن تتابع :
(( هل سنذهب بالشاحنة ؟ ))
- و هل يسبب لك ذلك مشكلة ؟
- لا ! لكن إن كنت ترغب , يمكنني أن أقود أية سيارة من السيارات الأربع الموجودة في المرآب .
- لا , لا أرغب في ذلك !
قال ذلك بصوت بارد كالثلج
سارعت ناتالي توضح له :
(( ما أفكر فيه هو إنك تنفق ثروة على إصلاح منزلك , و نظراً لإرتفاع ثمن الوقود هذه الأيام , لا أريد أن أثقل عليك بنفقات إضافية من أجلي ! ))
- دعيني أقلق بنفسي على ما أستطيع تقديمه , أميرتي . أنت فكري فقط كيف ستستمتعين غداً بوقتك.
أخذت نصيحته على محمل الجد , فأمضت طيلة النهار في منتجع في بوستيانو , تهتم بجمالها . و الأن , فيما xxxxب الساعة تشير إلى السابعة إلا عشر دقائق , كل ما بقي لديها من عمل هو أن ترتدي فستانها القطني الرقيق و تنتعل حذاءها المرتفع الكعبين اللذين إشترتهما هذا الصباح .
رأت روميرو يفتح الباب الأمامي في الوقت الذي نزلت فيه الدرج , و أدركت ناتالي إنه تفاجأ لرؤية شاحنة تقف أمام مدخل الفيلا , و لأن مرافقها للأمسية هو ديمتريو برتولوزي الرجل السيء السمعة , لكنه يملك من الحنكة ما يكفي كي لا يظهر دهشته .
ساعدها روميرو لتجلس على المقعد , و إستدار ليفتح الباب ديمتريو قائلاً بإحترام كبير :
(( إستمتع بأمسيتك سنيور ))
--------------------------------------------------------------------------------
راحت الشاحنة تصدر طقطقة و هي تمر خلال الأبواب لتصل إلى الطريق العام . قالت له :
(( أرأيت ؟ لم يكن الأمر صعباً , أليس كذلك ؟ ))
خفف من سرعته حتى توقف تحت ظل الجدار و ضمها إليه عبر المقعد بقوة , و هو يقول بخشونة :
(( تحدثي عن نفسك ! تبدين رائعة جداً , حتى إنني عندما رأيتك , كدت أندفع لمعانقتك , و لم يمنعني من ذلك إلا خشيتي أن يسقط رئيس الخدم في منزل جدتك ميتاً من الصدمة ))
إشتدت ظلمة الليل فغدا داكناً كالحبر , و إختفت النجوم من السماء , و شحب لون القمر من حرارة عناقه . أخيراً عندما إبتعد عنها , كانت ناتالي ترتجف من رأسها حتى أخمص قدميها .
قال :
(( هذا يكفي الأن ))
أعاد إنتباهه إلى القيادة الشاحنة عبر الطريق العام , و هو في غفلة تامة عن إضطراب مشاعرها و الخدر الذي أصاب كل ذرة من جسدها .
إصطحبها ديمتريو إلى نابولي حيث توجها إلى مطعم صغير هو عبارة عن كهف يشرف على مياه الخليج , حيث قدم لهما الخبز الساخن الشهي المصنوع في المنزل على ألواح خشبية , أما الحساء الذي لم تتذوق ناتالي مثله في حياتها فقد قدم في أوعية من الفخار مع بقية المأكولات المحلية.
بعد تناول الطعام , رقصا على أنغام أغاني دين مارتن التي قام بعزفها على بيانو قديم بحار عجوز . شعرت ناتالي كأنها في الجنة , فالقمر يسطع فوق الخليج نابولي , و الشموع الرائعة الجمال تضيء الصالة , فيما ديمتريو يضمها إليه و هما يرقصان . لم تشعر يوماً في حياتها بسعادة مماثلة .
سألها ديمتريو و هو يمسك بيدها :
(( ما الذي فعلته اليوم ؟ ))
- ذهبت إلى بوستيانو منذ الصباح الباكر , و تسوقت .
أتراها تخيلت أن التماعة من القلق ظهرت في عينيه للحظة ؟
تابعت :
(( و ماذا عنك ؟ هل قمت بكل ما خططت له ليومك ؟ ))
- أجل
- أنت تمضي الكثير من الوقت في عملك في المنزل , لا بد إنك سعيد بأخذ فرصة و لو لعدة ساعات .
- هذا صحيح !
و على الفور بدل ديمتريو الموضوع , ليسألها :
(( متى ستعود جدتك ؟ ))
- لم تقل لي . لماذا ؟
رفع يدها ليطبع قبلة على راحتها , و يعلق :
(( أتساءل كم من الوقت أستطيع الإستفادة من وجودك هنا , قبل أن تأتي باحثة عني و هي تحمل بندقية في يدها ))
إتسعت إبتسامتها , لأنها فعلاً ضغطت على نفسها كي لا تقول : يمكنك الإستفادة من وجودي حتى أخر حياتك , إن أردت ذلك , و لأنها شعرت بفرح لا يوصف من لمسة شفتيه على كفها .
و كأنما لاحظ ديمتريو ما تشعر به , فقال :
(( هل نستطيع الذهاب من هنا , أميرتي ؟ لنذهب إلى مكان نستطيع البقاء فيه بمفردنا ؟ ))
قالت ناتالي و هي تضحك :
(( لا مانع لدي . إنها فكرة رائعة ! )) .


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 26-11-17, 05:23 PM   #10

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

9 – لو كنتِ رجلاً
عندما عادت فجراً إلى المنزل وجدت جدتها جالسة على رأس طاولة الطعام وحيدة , و قد ظهر الغضب بوضوح على وجهها .
- هل أستطيع أن أسألك أين كنت أم يمكنني ببساطة أن أفترض الأسوأ ؟
بدت ناتالي مليئة بالنشاط و الفرح , و أجابت :
(( يمكنك أن تفترضي ما تشائين , ما دمت تعرفين أن ما يحدث معي هو الأفضل لي ))
- كنت معه إذاً ! و أنا كنت أعتقد إنك عدت إلى رشدك
- هذا ما حصل معي بالضبط !
أضاءت وجهها إبتسامة كبيرة , قبل أن تتابع : (( يجب أن تعلمي أنني لن أبتعد عنه مادام يريدني أن أبقى بقربه ))
لمحة من الإستياء و الحزن غطت ملامح وجه جدتها , و قالت : (( فهمت ! ))
- لا أعتقد إنك فعلت
رشفت باربرا رشفة من فنجان قهوتها , و كشرت كأنها شربت مياه آسنة .
- أرى إنك مصممة على الذهاب إلى الجحيم بقدميك , لكنني لن أتظاهر بأنني أفهم ما هو السر الذي يجعلك تتعلقين بهذا الرجل فترين إن لا يقاوم
- إذاً دعيني أخبرك عن ذلك بصراحة : إنه رجل نزيه , و هو لا يخاف من العمل القاسي , و أنت من بين جميع الناس يجدر بك أن تحترميه بسبب ذلك .
- إحترام إيمانه بالعمل الجاد أمر هام ناتالي , لكن مرافقته و إتخاذه صديقاً في الحياة الإجتماعية أمر مختلف تماماً , كما تعلمين .
و رفعت عينيها إلى الأعلى كأنها تستنجد بالعناية السماوية . قالت غير مصدقة ما سمعته :
(( لا أعرف مطلقاً كيف يمكنك أن تفعلي ذلك بنفسك ... ترافقين رجلاً كهذا ! ))
- إنه رجل رائع جداً , و قد حان الوقت ليدرك جميع من يعيشون هنا ذلك .
رفعت جدتها حاجبها بإستهزاء , و علقت :
(( أخشى القول إن الأمر يحتاج إلى أكثر من صداقته مع امرأة مثلك ))
- لماذا ؟ ما هي جريمته ؟ هو لم يعتدِ على أحد . و بالنسبة لصداقتنا , أنا امرأة ناضجة , و ما أفعله هو أمر خاص بي وحدي , أما في ما يتعلق به , فكل ما يريده هو إعادة منزل جدته إلى سابق عهده , و لا أدري ما الخطأ في ذلك ؟
- هذا الأمر بحد ذاته ليس خاطئاً , و إن أردت الحقيقة , جميعنا سعداء لإنه يقوم بترميم ذلك المنزل المهدم . لكن لا شيء من ذلك سيغير حقيقة إنه غير مرغوب به هنا , و هو لن يصبح شخصاً مرغوباً به أبداً . إنه ببساطة , ليس مثلنا .
- حسناً ! إنه من نوعي أنا , لذلك من الأفضل أن تعتادي على الأمر . هو يعرف ما يريده , و لا يخاف من السعي وراءه , كما إنه يدرك تماماً ما تفكرون به , لكنه مهتم فقط بتحقيق أهدافه , من دون الإعتماد على أحد , فالتأثير بالناس أمر خارج نطاق إهتماماته .
- مع ذلك يبدو إنه أثر بك , عزيزتي
أجابت و قد تورد خداها :
(( لإنه رجل حقيقي ... و بصراحة , لم أقابل الكثير من هؤلاء مؤخراً ))
نظرت جدتها إليها بعينين ضيقتين , و قالت :
(( حسناً ! إنني متأكدة من ذلك . لقد أثر بك في أسابيع قليلة أكثر مما فعل لويس مادسون في سنوات . لا أذكر إنك دافعت عنه مرة واحدة بمثل هذا التعاطف . على أي حال , فإن لويس لم يفعل شيئاً كي تضطري إلى الدفاع عنه أساساً ))
قالت ناتالي متأففة :
(( آه , جدتي ! لِمَ لا تعطين ديمتريو فرصة ؟ ))
- و لماذا علي أن أفعل ذلك ؟
- لإنه لا يستحق أن يتعامل الجميع هنا معه كشخص ينبذه المجتمع فقط لإنه لا يقود سيارة خيالية أو لا ينتمي إلى عدد من النوادي المنتشرة في المنطقة . كل ما يحتاج الأمر هو كلمة منك لتتغير كل وجهات النظر السيئة حوله .
- أنت تعطينني الكثير من القدرة هنا , عزيزتي .
- لا . لكن الناس ينظرون إليك دائماً بإحترام , و هم يتبعون خطاك حيث تسيرين .
قالت جدتها بضيق :
(( إلى أين تريدين الوصول ناتالي ؟ ))
- أريد أن تقيمي حفلة العشاء , و أن تدعيه إليها .
- أن أدعوه ... مع أصدقائي و معارفي ؟
قالت بسرعة :
(( بالطبع ! و ماذا تعتقدين ؟ أأطلب منك أن تدعيه هو و كلبه ؟ )) .
- لن يقبل الدعوة .
- قد يفعل . لا سيما إن شجعته على ذلك . و إن فعل , فستكون تلك بداية جديدة لعهد جديد في حياته .
نظرت جدتها إليها بنظرات ملؤها الشفقة , و قالت :
(( هل أنت حقاً مسلوبة العقل بهذا الرجل إلى درجة تجعلك لا تلاحظين كم يبدو كلامك مستهجناً ؟ إذا وافقت على دعوته إلى العشاء , سوف يكون كالسمكة التي أخرجت من الماء . كل ما ستنجحين به هو أن تسببي له الإحراج ))
ثم هزت رأسها مستغربة و هي تتابع :
(( ناتالي , عزيزتي ! يصعب علي كثيراً أن أقول لك (( لا )) في هذه المرحلة , أخشى إنه يجب علي الرفض )) .
- أنت لست عادلة , جدتي ! إنه يستحق فرصة ليثبت نفسه .
- ليفعل ذلك على مائدة شخص غيري , لإن إعادة إعتباره لن تحدث على طاولتي . لن أعرض أصدقائي إلى الإحراج بقضائهم أمسية برفقة ذلك الرجل , حتى من أجلك . أنا أسفة ناتالي , لكن هذه هي كلمتي الأخيرة في هذا الموضوع .
خلال شهر كامل ظلت تلك الكلمة الأخيرة في أي موضوع هام يطرح بين ناتالي و جدتها . صحيح إنهما تمكنتا من المحافظة على علاقة حضارية بينهما , لكن الجو العام لفيلا روزا موندا بقي بارداً .
لكن ليس هذا ما يمكن قوله عما يجري في المنزل المجاور . أحيانا , كانت ناتالي تمضي عدة أيام في منزل ديمتريو تنزع الأعشاب الضارة من أحواض الزهور , و تزرع إكليل الجبل و الطرخون و الحبق في الحديقة .
راحت ناتالي تعد الغداء ولو كان بسيطاً كالخبز و الزيتون و الجبن مع التين الطازج , فيتناولانه في الشرفة الخلفية للمنزل . كما عمدت إلى تدريب بيبو و تعليمه كيفية الإمتثال الأوامر , بالإضافة إلى إعتنائها به و بتمشيط وبره .
جرت العادة أن يعد ديمتريو العشاء , حيث يمضيان معاً أجمل الأوقات , فيتبادلان العناق كحبيبين مشتاقين . أملت ناتالي أن يطلب منها الزواج بها يوماً ما , و هكذا يقطفان ثمار حبهما و يصبحان زوجين أمام الله و القانون و المجتمع . لكن حتى الجنة لا تخلو من وجود أفعى , و ليس هناك إستثناء , فأحياناً كان ديمتريو يطلب منها الرحيل و يوصيها بألا تعود قبل أن يتصل بها , فيقول :
(( سوف يكون هناك الكثير من العمل القاسي هنا ! )) أو (( وجودك يشكل عثرة في الطريق , و قد تصابين بالأذى )) .
حسناً ! بالطبع هناك الكثير من الأعمال التي تجري هنا , إذ بدا فجأة كأنه يملك ما يكفي من المال ليحضر كل أنواع المساعدة الإضافية التي يحتاجها .
جاء عمال كريهو المنظر , و بدلاً من تحسين أوضاع المنزل أضافوا المزيد من الفوضى إليه , حتى بدا أكثر سوءاً مما كان عليه . راح هؤلاء العمال السيئون يراقبونها من زوايا أعينهم و يتهامسون في ما بينهم . و عندما تسأله ناتالي عنهم يعمد إلى قطع الحديث بطريقة مفاجئة و يلوذ بالصمت .
في إحدى المرات , كان ديمتريو في الخارج يتحدث إلى العمال عن أمر ما , و رن جرس الهاتف الذي تم تزويد المنزل به مؤخراً . خشيت ناتالي أن يكون هذا إتصالاً هاماً , فذهبت لتجيب , لكن ما إن رفعت سماعة الهاتف حتى أسرع ديمتريو إلى المطبخ و خطفها من يدها .
قال بصوت كالزئير في سماعة الهاتف :
(( سأتصل بك بعد قليل )) .
و سارع إلى إنهاء الإتصال , ثم إستدار نحوها , قائلاً بصوت جعل الدماء تجري باردة في عروقها :
(( لا تجيبي مطلقاً على إتصالاتي الهاتفية مرة ثانية )) .
تراجعت ناتالي قليلاً إلى الوراء و هي تشعر بالرعب , و قالت :
(( كنت فقط أحاول المساعدة , ديمتريو ))
- توقفي عن المحاولة . لست بحاجة إلى مساعدتك !
قال ذلك بغضب و قفل عائداً إلى الخارج . نظرت من خلال النافذة فرأته يقطع بخطى واسعة المسافة أمام بركة السباحة , حاملاً الهاتف النقال على أذنه , و تعابير وجهه جامدة كالصخر .
طريقة معاملته لها أخافتها , و سببت لها الألم . ألا يستطيع الوثوق بها ؟ ما الذي يخفيه ؟ و لِمَ تراها ترضى بتحمل هذه المعاملة السيئة ؟ أحست بالإنزعاج بسبب ضعفها تجاهه , فقامت بجمع أغراضها و غادرت المنزل , لكنها لم تكد تصل إلى منتصف المسافة التي تفصلها عن الطريق الفرعية المؤدية إلى منزل جدتها , حتى لحق بها و ضمها إليه في عناق قوي و مؤثر . همس : (( لا تذهبي ... أنا أسف ! لا أملك أي حق بالتكلم معك بتلك الطريقة )) .
عانقته بدورها و دفنت شكوكها في مكان عميق , لكت تلك الشكوك لم تبقَ مدفونة , لإنه ظل دائماً منشغل البال , كتوماً و متحفظاً .
في أحد الأيام , أعلن إنه سيذهب إلى نابولي لشراء بعض اللوازم المعدنية لخزائن المطبخ التي سيتم تركيبها في الأسبوع التالي . عرضت ناتالي أن تذهب معه , إلا إنه طلب منها البقاء مع بيبو , ثم أضاف إنه سيحضر معه بيتزا من تلك التي تشتهر نابولي بصنعها .
وعدها قائلاً :
(( سنتناول العشاء بجانب البركة , و سنسبح بعد الإنتهاء من تناول الطعام )) .
و بالفعل تميزت تلك الليلة بنوع من السحر جعلها من الأمسيات التي لا تنتسى , لكن الأمر المحزن أن ديمتريو بدا شارداً يكتنفه الغموض معظم الوقت . و على الرغم من براعته في لعب دور العاشق المتيم , لم يطلب منها البقاء عنده , فعاودتها الشكوك المزعجة التي عملت جاهدة طيلة الأسبوع لتتخلص منها , بصورة لا تستطيع تجاهلها . هنالك شيء يجري هنا , و هو شيء خاطئ . إنها تشعر بذلك في أعماق أعماقها ...
في صباح اليوم التالي و لاول مرة منذ اسابيع انضمت ناتالي الي جدتها لتناول الفطور
قالت باربرا:
-من الرائع ان اراك تجلسين الي الطاولة معي من جديد
الاهتمام والحزن الواضحان في كلام جدتها جعل الدموع تنهمر من عيني ناتالي
اساءت جدتها فهم سبب انهمار دموعها فقالت:
-اه عزيزتي! انا ايضا اكره عندما تصل الامور بيننا الي هذا الحد
قالت ناتالي وهي تمسح دموعها بمنديل الكتان
-انا ايضا
-حسنا ! علي الاقل الامور تتحسن في المنزل المجاور اري ان السيد برتولوزي يرمم الجدار الذي يحيط بالفيلا من جهة المدخل الامامي
جاهدت ناتالي بقوة لتبدو تحت السيطرة وقالت:
-انني سعيدة ايضا لان المطبخ الجديد سيصل في الاسبوع القادم فالمطبخ الحالي مخيف
علقت جدتها بلطف
-لا تبدين سعيدة ناتالي الحزن باد علي وجهك عزيزتي .هل الامور بينكما علي ما يرام؟
لم يكن هناك اي لمحة من الانتقاد او الشماتة في السؤال وفجأة ارادت ناتالي ان تعترف بمكنونات صدرها للمرأة الوحيدة التي تقف دائما بجانبها مهما صعبت المواقف بينهما
-في معظم الاوقات نحن متفاهمان لكنني اشعر انني لااستطيع فهمه كما ارغب
حدقت بها جدتها للحظة فتحت فمها لتتكلم ثم بدت كانها تفكر بالامر و اغلقت فمها من جديد
-ان كان هناك ما تفكرين به جدتي من الافضل ان تتحدثي بالامر
رفعت باربرا كتفيها بعدم مبالاة وعلقت
-ربما المشكلة الحقيقية لا تتعلق بفهمك له بل بحقيقة انك لا تعرفينه جيدا كما تعتقدين
-لا تتكلمي بغموض جدتي فانا لست مستعدة لحل الالغاز فقط اخبريني ما الذي تريدين قوله!
-حسنا اخبرتني ماريانا سورنتينو انها راته البارحة
-هذا يفاجئني ! كان عليه الذهاب الي نابولي
-لا ! لم تشاهده في نابولي عزيزتي بل في بوستيانو .رأته جالسا في مقهي علي الطريق في وضح النهار مع رجل مقيت ذي سمعة سيئة بالطبع ,انت لاتعرفين ذلك الرجل ويمكنني ان اؤكد لك انه شخص لا ترغبين مطلقا في التعرف اليه
-الانك تصنفينه في قائمة الاشخاص الذين يشبهون ديمتريو؟
-يا الهي! لا اتمني ذلك مطلقا هذا الرجل سئ تماما انه بصراحة شخص حقير, في الواقع اذكر انني ذكرته لك عندما سالتني كيف تمكنت عائلة برتولوزي من الانتقال الي هذه المنطقة
غاص قلب ناتالي وارادت ان تضع يديها علي اذنيها رافضة ان تسمع اي شئ اخر لكنها لاتستطيع ذلك الان
-ما اسم ذلك الرجل؟
-غيدو كاتانسكا ...لا اعتقد ان اسمه سيعني لك شيئا
غاب اللون من وجهها وشعرت بدوار في راسها حتي كادت تتقيأ الطعام
الذي تناولته سمعت صوت جدتها يصل اليها من بعيد
-ناتالي....هل انت بخير؟
همست: لا
اسرعت بالوقوف وهي تقول
-يبدو انني تناولت شيئا لا تتقبله معدتي
وصلت الي غرفة الحمام في الوقت المناسب ان مجرد ذكر اسم ذلك الرجل الرهيب جعل معدتها تنقلب رأسا علي عقب سرت قشعريرة من الخوف في اوصالها لتذكر صورة وجهه المقيت .لم يبق امامها اي خيار بالطبع
الا مواجهة ديمتريو مع انه طلب منها البقاء في منزلها هذا اليوم لكن ما ان تمكنت من التقاط انفاسها حتي سارت مباشرة الي منزله.
كاد العمل ينتهي في السور العالي الذي يحيط بالفيلا فقد رات ناتالي رجلين يعملان علي تركيب ابواب حديدية كبيرة عند نهاية الطريق الخاص من الان فصاعدا لن يحتاج ديمتريو الي اصدار الاوامر اليها عندما يرغب بابعادها كل ما عليه القيام به هو اقفال الابواب وجدته في قاعة الاستقبال يتحدث الي احد العمال الذين يعملون بالطلاء
قبل ان تهجرها شجاعتها قاطعتهما قائلة بصوت حاد
-احتاج الي التحدث اليك ديمتريو الان وعلي الفور
فاجاته نبرتها تلك فاتسعت نظرة عينيه وقال
-حسنا! اعطيني دقيقة واحدة وساقابلك علي الشرفة
بدا الهواء منعشا في الظل فالطقس معتدل و مفعم بالسكينة
من ورائها فتحت الابواب وخرج ديمتريو منها سار نحوها ولامست يده بلطف مؤخرة راسها ثم ادارها بيده الاخري
-تبدين منزعجة اميرتي .ما الامر؟
ابتعدت ناتالي عنه ثم استدارت ببطء لتواجهه فيما ساورها شعور بالخوف مما ستسمعه كرد علي سؤالها
- إلى أين ذهبت البارحة بالتحديد ؟ و من قابلت ؟
- ما الذي تقصدينه بسؤالك هذا ؟ تعلمين إنني ذهبت إلى نابولي لشراء معدات حديدية للمطبخ الجديد , و قد رأيتها بنفسك عندما أحضرتها إلى المنزل .
- إلى أين ذهبت أيظاً , بالإضافة إلى نابولي ؟
تجهم وجهه و علته تلك التعابير الغامضة التي أصبحت تخشاها .
- أما من أسباب تخفيفية لجريمتي , ناتالي ؟
- لا أعتبر هذا جواباً عن سؤالي .
- و أنا لا أعتبر أن لديك الحق في إستجوابي كما لو إنك أمي .
نظرت إلى عينيه مباشرة , و سألته :
(( ماذا أعني لك بالتحديد , ديمتريو ؟ )) .
شعر ديمتريو بالضيق , فأطلق زفرة قوية و صفع جبهته بيده غاضباً .
- حباً بالله , يا امرأة ! أنا غارق في المشاكل حتى عنقي . ألا يستطيع هذا النقاش الإنتظار ليوم آخر ؟
قالت :
(( لا ! أريد أن أعرف الآن , قبل أن تتطور الأمور بيننا إلى أكثر من ذلك )) .
قال بصوت كالإنفجار :
(( الأمور ؟ أية أمور ؟ )) .
صرخت :
(( نحن , ديمتريو ! من نحن ؟ و ماذا نعني لبعضنا البعض ؟ )) .
- الأمر واضح جداً
- هذا ما ظننته أيظاً , إلى أن أعطيتني أسباباً كي أشك بك
- و كيف تراني فعلت ذلك بالتحديد ؟
قالت بوضوح :
(( لقد كذبت علي أكثر من مرة , على ما أعتقد )) .
اكتسى وجه ديمتريو بلون أحمر داكن و لمعت عيناه كالنار , ثم قال :
(( لو كنت رجلاً , لواجهتك بلكمة على وجهك بسبب كلامك هذا )).
- و أنا أعطي كل ما لدي فقط لأسمعك تقول إنني مخطئة .
قال بهدوء :
(( ليس علي أن أقول أي شيء . من المفترض أن تعرفيني بما فيه الكفاية حتى تثقي بي . لماذا تجدين الأمر صعباً جداً , ناتالي ؟ ألأنني من عائلة برتولوزي ؟ )) .
قالت بصوت ضعيف و حزين :
(( لا ! لأنني أحبك , و أريد أن أؤمن بك , بينما أنت تجعل ذلك مستحيلاً . و لأن هناك من شاهدك تشرب القهوة في بوستيانو , في الوقت الذي ظننت أنا إنك في نابولي تشتري حاجاتك ))
ظهر الضيق على وجهه بشكل كبير , و سألها :
(( من الذي شاهدني ؟ ))
- لا أهمية لذلك . يكفي إنني سمعت عن الأمر من شخص سواك .
- و منذ متى أصبح توقف رجل لشرب القهوة في مكان ما و هو في طريقه إلى مكان آخر أمراً بالغ الأهمية ؟
- يصبح الأمر ذا أهمية إذا ما اختار أن يفعل ذلك بصحبة رجل يدعى كاتانسكا .
شحب وجه ديمتريو على الرغم من لون بشرته السمراء , و أخفض رموشه حتى كاد يغمض عينيه .
هز رأسه قائلاً :
(( آه , أميرتي ! ))
- هل ما سمعته صحيح ؟
قال و هو ينظر إلى عينيها :
(( نعم .. صحيح ! ))
- قلت لي إنك لا تريد أية علاقة مع ذلك الرجل , فلماذا عدت و جلست لتناول القهوة معه ؟ أهذه كذبة إضافية على القائمة , ديمتريو ؟
أطلق شتيمة بصوت منخفض , و حدق إليها بغضب , ثم تحرك فجأة و تقدم نحوها و هو يرفع يده لينزلها على رأسها . قبل أن يتسنى لها الوقت لتتجنبه , و فيما هو يفعل ذلك , قال بصوت غاضب : (( ابقي هادئة ... عنكبوت ! ))
لأول مرة منذ أن التقيا , شعرت ناتالي فعلاً بالخوف منه , فابتعدت عنه و هي ترتجف . من المؤسف إنها لم تستطع إخفاء خوفها الذي بدا جلياً , حتى بعد أن أدركت ما يحصل . قال بصوت كالرعد :
(( ما بك , بحق السماء ؟ ))
توقف و يده مازالت معلقة في الهواء قبل أن يتابع :
(( هل ظننتِ إنني سأضربك ؟ ))
همست :
(( لا ))
شعرت بقلبها يضرب بقوة بين ضلوعها , فتابعت تقول :
(( لا , لم أعتقد ذلك .. حقاً ))
ترك يده تسقط بإعياء إلى جنبه , و هز رأسه من جديد . قال بصوت ضعيف و هو لا يصدق ما يراه :
(( بلى , هذا ما ظننته . من الذي يكذب الآن , ناتالي ؟ ))
آلمتها النظرة التي ارتسمت في عينيه . بدا لها أن الألم مطبوع بوضوح على معالم وجهه كلها , شعره الأسود الداكن , عيناه اللتان تخترقان روحها مباشرة , فمه المنحوت ببراعة .. أدركت في تلك اللحظة إنها تحبه , و إنها ترغب في ضمه بين ذراعيها كي تمسح ذلك العذاب الذي سببته له . غمرها إحساس بالخسارة فتنهدت قائلة :
(( أنا آسفة إن كنت .... ))
- وفري على نفسك الإعتذار
تابع ديمتريو بصوت قاس كالفولاذ :
(( سبق لي أن ضربت رجالاً , و سأفعل ذلك من جديد من دون أي تردد إن كنت بذلك أدافع عن مخلوق ضعيف . لكنني لم أضرب امرأة قط في حياتي , و لا أريد أن أبدأ الأن بذلك . لماذا تجدين صعوبة في تصديق ذلك , ناتالي ؟ لماذا تفترضين الأسوأ بي ؟ لِمَ لا تثقين بأنني أستطيع القيام بما هو الأفضل ؟ ))
- أنا أثق بك
لكن صوتها المرتجف خذلها . سألها بقسوة : (( إلى أي درجة ؟ ))
- بمقدار ثقتك بي ..
انهمرت دموعها على وجهها و هي تتابع :
(( يبدو أن هذه الثقة ليست كافية . أليس كذلك ؟ ))
- ذلك اللعين !
بدا كأنه يحاول السيطرة على غضبه قبل أن يسيطر عليه . راح يذرع الشرفة بسرعة ذهاباً و إياباً لعدة مرات قبل أن يواجهها من جديد . بدا أقل توتراً و هو يقول :
(( هذا جنون , و أنت تدركين ذلك . أليس كذلك ؟ أنا آسف لأنك علمت بشأن كاتانسكا , لكن هناك تفسير منطقي لوجودي معه , و كنت لأخبرك عنه بنفسي غير إنه لا يستحق إضاعة الوقت لأجله . لقد توقف أمام طاولتي ليكرر عرضه بشراء المنزل , و أنا رفضت طلبه مرة ثانية . هذا كل شيء . لكن إن كان إخفاء هذا الأمر عنك جعلك تنقلبين ضدي إلى درجة تدفعك إلى إنهاء علاقتنا , أخبريني بذلك فقط , و سأبقى بعيداً عن حياتك ))
قالت :
(( لا أريد أن ننهي علاقتنا ))
لمس وجهها بيديه الاثنتين بنعومة فائقة , ثم قال برقة :
(( أنا أيضاً , أنا أميرتي .. لا أريد ذلك ))
فتحت الأبواب من جديد , و علا صوت رجل يرتدي بزة من الكتان برتقالية اللون :
(( نحتاج إليك برتولوزي . أنت تؤخرنا عن إتمام عملنا ))
تمتم و هو يحدق إليها بعينيه الزرقاوين الرائعتين :
(( علي أن أعود إلى العمل , و أنت تبدين مرهقة . إذهبي إلى منزلك و استريحي . سأنهي عملي باكراً , و أمر لاصطحابك عند الساعة الثانية . سنذهب إلى بوستيانو , فنستقل المركب إلى كابري لقضاء فترة بعد الظهر هناك , و عندما نعود إلى البر سنتناةل العشاء في رافيلو ))
نعومة صوته و نظرات عينيه أزالت كل تحفظاتها , و أعطتها أملاً جديداً بأن علاقتهما قد يكتب لها النجاح .
- يبدو هذا رائعاً !
- إذاً , اتفقنا ! سأراك عند الساعة الثانية .
راقبها و هي تسير مبتعدة , فيما راحت مشاعره تتصارع كأنها في زوبعة . يحق لها أن تشك به , فمنذ أن اتفق مع روسو و مساعديه , بات مضطراً للكذب عليها من وقت إلى آخر . إلى أن ينتهي هذا العمل المزعج مع كاتانسكا , لا خيار لديه إلا الاستمرار في القيام بذلك . ليس فقط لإنه أقسم على السرية و الكتمان , بل لإنه قد يقدم على أي عمل ليحميها من أي لقاء قد يحدث بينها و بين ذلك الشخص الكريه كاتانسكا .
مجرد ذكر الرجل أرسل قشعريرة في بدنه . فهذا ما يحدث له كلما تذكر ذلك اللقاء بينهما في المقهى في الساحة العامة .
- تبدو حزيناً جداً , صديقي الشاب .
قال له كاتانسكا ذلك مظهراً تعاطفاً كاذباً , يمكن لأي أعمى أن يكتشف زيفه و لو على بعد ميل .
قام ديمتريو بالدور الذي أسند إليه , فتعمد أن يبدو في وضع يائس لا خلاص منه .
- هذا ما كنت ستبدو عليه أيضاً لو إنك أنفقت أموالك حتى آخر يورو , و لم تجد مصرفاً يقرضك المال و لو لفترة وجيزة .
تنهد كاتانسكا و قال :
(( إذاً المال هو المشكلة . أليس كذلك ؟ ))
وضع يده الكبيرة على ذراع ديمتريو , ما اضطر هذا الأخير إلى بذل جهد كي لا يدفعها جانباً .
- أليست هذه مشكلة معظم الناس ؟ ماذا لو قلت لك إنني أستطيع مساعدتك , تماماً كما ساعدت غيرك ممن هم مثل وضعك ؟ ما هو المبلغ الذي نتحدث عنه ؟
احتاج ديمتريو إلى بعض الوقت كي يجيب , إذ فكر إنه يجب أن يبدو ذليلاً , خائفاً و متواضعاً .
- الآلاف , سنيور . كنت على حق في ما قلته سابقاً . لقد كلفني الأمر أكثر بكثير مما توقعت , و ما زلت أحتاج إلى الكثير لأتمكن من ترميم الفيلا .
- الآلاف ليست مشكلة بالنسبة لي , بني . من جهة أخرى أنا رجل منطقي , و أنا متأكد من إننا نستطيع الوصول إلى اتفاق . كيف يبدو لك ذلك ؟ تابع كاتانسكا حديثه شارحاً أن المبلغ سيتضاعف بعد مرور ثلاثين يوماً , و سيصبح ثلاثة أضعاف بعد مرور ستين يوماً , و أدرك ديمتريو أن هذا ابتزاز واضح و وقح .
أنهى الرجل حديثه قائلاً :
(( و بالطبع , هناك مسألة صغيرة تتعلق بالضمان . أنت تفهم ذلك بالطبع لأنك بحاجة إلى رهن شيئ ما لدي كضمانة للمبلغ الذي سأقرضك إياه ))
- ما رأيك بالشاحنة ؟
- ما رأيك بالفيلا ؟
أيها المرابي ! كم من المساكين عملت على ابتزازهم , و تركتهم بدون أي فلس ؟ و كم من الأشخاص دفعتهم إلى الإنتحار ؟
- لا أستطيع المخاطرة بفقدان الفيلا .
أخبره كاتانسكا :
(( سبق لك أن فعلت ذلك , ديمتريو . ما الذي سيحدث عندما يبدأ الدائنون بملاحقتك ؟ ))
كاد ديمتريو يصاب بالإختناق بسبب المجهود الذي يبذله . بدا حزيناً جداً و هو يجيب :
(( لديك وجهة نظر صحيحة ))
ثم تابع في سره : ليتني استطيع الإمساك بآلة حادة بما في الكفاية , لأغرزها مباشرة في قلبك الجشع .
- لا تدع الحزن يسيطر عليك .
لوح كاتانسكا إلى النادل ليلفت انتباهه , و طلب فنجانين من القهوة , ثم تابع محدثاً ديمتريو :
(( إنها ليست نهاية العالم . اسمع يا صديقي ! سأفعل ما هو أكثر من إقراضك المال , سأعرفك على أشخاص يقدمون لك المعدات و العمال أيضاً , و سيتم الأمر على خير ما يرام في النهاية .. ))
بالطبع ! سيتم ذلك من أجل مصلحتك . بعد هذه المحادثة غدا ديمتريو أكثر تصميماً على تحطيم ذلك اللعين من خلال لعبته نفسها . وقع الإتفاق معه , ذلك الإتفاق الذي حدث أن كاتانسكا يحمله في حقيبته .
قال :
(( لو لم أكن أعرفك جيداً , لاعتقدت إنك أتيت إلى هنا مستعداً للقيام بذلك ))
و دفع الورقة باتجاهه عبر الطاولة .
- أنا دائماً مستعد لتقديم خدماتي عندما يحتاج أي شخص إلى المساعدة .
ابتسم كاتانسكا بفخر و اعتزاز قبل أن يتابع :
(( سوف أتصل بك كل ثلاثة أو أربعة أيام , لأرى كيف تجرى الأمور معك . فأن أحب أن ألاحق مشاريعي ))
و هكذا قام بالإتصال به عدة مرات منذ ذلك الوقت , لينظم لقاءات وجهاً لوجه مع ديمتريو : لقاءات كان هذا الأخير يرغب كثيراً في تجنبها , لكن عمله يقضي بالتقاط أية معلومات يمكنه الحصول عليها و تمريرها إلى روسو و مساعديه . حتى الآن لم يعرف ديمتريو إن كان ما قدمه لهم مفيداً أم لا , و هو لا يهتم لذلك . جل ما يريده هو الإنتهاء من ذلك العمل , و هو يبذل قصارى جهده للوصول إلى ذلك .
و لكي يستطيع الإستمرار , حرص على إبقاء يومين في الأسبوع بدون عمل , كي يتمكن من التخلص من البضاعة التي يرسلها إليه كاتانسكا , و يستبدلها بتلك التي يحتفظ بها في المرآب . في تلك الأيام بالتحديد , كان يجد عذراً لناتالي لتبقى بعيدة , لإنه لم يجد طريقة لتفسير ذلك التصرف غير العقلاني من قبله . لكن ناقوس الخطر بدأ يقرع في حياته مؤخراً , و بات يشعر كأنه يرقص فوق حافة حادة ؛ تلك اللقاءات المشبوهة , أولئك الأشخاص الأشرار الذين يروحون و يجيئون على أرضه , و قذارة هذه العملية برمتها , حيث يقوم بالتجسس و ممارسة أعمال أشبه بأعمال جده ... إن الأمور تزداد صعوبة , لإنه لم يعد قادراً على إخفاء استياءه و نفوره .
يدرك ديمتريو أن ما يقوم به أمر خطر , فعندما ينظر في عيني كاتانسكا الخبيثتين يجمد الدم في عروقه للحظة . الرجل ليس أحمق , و لا بد إنه سيصبح عدواً شرساً جداً إن لم تنجح الخطة . أما الوجه الإيجابي للمسألة فهو إنه لم تبق سوى بضعة أيام قبل أن ينتهي دوره في الخطة .
فتحت الأبواب الفرنسية من جديد , و سمع الصوت الخشن نفسه يقول :
(( هاي برتولوزي ! هل قررت أن تخبرنا ماذا تريدنا أن نفعل هنا , أم تريدنا أن نحزم أغراضنا و نرحل ؟ ))
شعر أن قابليته للجدال قد استنفدت فجأة فقال :
(( هيا .. إرحل بسرعة ! خذ فريق عملك معك , و لا تزعج نفسك بالعودة إلى هنا ثانية )) .


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:28 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.