شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات أحلام المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f203/)
-   -   413-حبيبتي كاذبة - لين جراهام-(كتابة /كاملة) (https://www.rewity.com/forum/t396758.html)

Just Faith 24-11-17 03:47 AM

413-حبيبتي كاذبة - لين جراهام-(كتابة /كاملة)
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

https://1.bp.blogspot.com/-zd3gc7Qm_...77513e4803.jpg

https://lh3.googleusercontent.com/kl...g=w130-h212-no


ازيكم أعضاء روايتي الحلوين والحلوات
اليوم مبارك بجد علينا وعليكم
عشرأعوام أكمل منتدنا من سنينه عشرة
قراءة ممتعة لكم جميعا





https://encrypted-tbn3.gstatic.com/i...gapEGs8-y5NCWH



413العدد :

لـلكاتبة : لين غراهام

حبيبتي كاذبة

الملخص:

إنه لا يستطيع أن يتذكر لماذا تزوج هيلاري .

كان رجل الأعمال راوول ساباتينو يشعر بالضياع فقد كان

يعاني من فقدان الذاكرة بعد حادث اصطدام . ثم اكتشف أن

لديه زوجة لا يستطيع أن يتذكر عنها شيئاً .

هيلاري فتاة لطيفة , جميلة . . . ولكنها عادية جداً , فلماذا

تزوجها , والأهم لماذا ما زالت عذراء .

وكأن كل هذا لا يكفي . حتى تفاجئه هيلاري بالرحيل .

بالضبط عندما بدأ يتذكر . . .


يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي


الرواية منقولة شكرا لمن كتبها

Just Faith 26-11-17 05:47 AM

عدد الفصول :
10
عناوين الفصول :
1 ـ
رجل جعلها تبكي
2 ـ
علاقة سرية
3 ـ
أتذكر أسمي ؟
4 ـ
تلك المرأة !
5 ـ
عروس زائفة
6 ـ
لن أسامحك أبداً !
7 ـ
في أحلامك !
8 ـ
ممثلة بارعة
9 ـ
أكرهك
10 ـ
أحبك


Just Faith 26-11-17 05:47 AM


نبذة عن الكتابة :
ولدت في شمال إيرلندا , خلاف سنوات المراهقة كانت من القراء
المتحمسين لـ (( ميلز أندبون )) . تعيش لين زواجاً سعياً مع زوجها
المتفهم , الذي تعلم الطهو ما أن بدأت هي بالكتابة !
حياتها مليئة بالحيوية و النشاط بسبب أطفالها الخمسة وكلبها
الكبير الذي يثير الفوضى في كل مكان , كما أنها تملك كلب صيد
صغير من نوع (( الغرير )) وعندما تسنح لها الفرصة تعمل في حديقة
منزلها بنشاط .

Just Faith 26-11-17 05:48 AM


:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: ::::::
1 ـ
رجل جعلها تبكي
قال راوول سابانيتو , الأسمر الوسيم الرزين , عابساً : (( من
الطبيعي ألا تجدد عقده . لا مكان في " مصرف ساباتينو " لمدراء
فاشلين )) .
كان صاحب مصرف عالمي ورجلاً مشغولاً , ما جعله يعتبر هذه
المحادثة مضيعة لوقته الثمين . وتنحنح مدير أعماله ستيفن :
(( أظن . . . لعل حديثـاً قصيراً يعيد راولنسن إلى الطريق
المستقيم . . . )) .
فقاطعه راوول بنبرة باردة كالثلج : (( أنا لا أؤمن بالأحاديث
القصيرة ولا أمنح فرصاً ثانية . إن سمعة مصرفنا تقوم على كفائتنا )) .
أخذ ستيفن يفكر في راوول الذي يعرفه خبيراً ذائغ الصيت في
عالم الاقتصاد . كان ثرياً سويسرياً من سلالة أصحاب المصارف
الخاصة الذين شهد لهم الجميع بالذكاء الكفاءة . لكن رغم ذكائه
البالغ ونجاحه الهائل , لك يكن يظهر أي عطف على مستخدميه . في
الواقع , كان موهوب الجانب قدر ما هو محط إعجاب .
ومع ذلك , قام ستيفن بآخر جهد للتوسط لذلك الموظف السيء
الحظ , فقال : (( زوجة راولنسن هجرته الشهر الماضي . . )) .
وجاء رد راوول الفظ : (( أنا رب علمه ولست طبيبه النفسي .
وحياته الخاصة لا تهمني )) .
وغادر مكتبه البالغ الفخامة ليهبط بمصعده الخاص إلى موقف
السيارات تحت الأرض حيث استقل سيارته فيما فمه القوي لا يزال
ملتوياً بازدراء عابس . ما نوع هذا الرجل الذي يدع فقدانه امرأة يهدم
حياته المهنية الواعدة ؟ يا لها من شخصية ضعيفة عديمة القدرة عى
التحكم في الذات!.
وهز راوول رأسه المتكبر باشمئزاز بالغ . الرجل الذي يشكو
مشاكله الشخصية , متوقعاً لذلك معاملة خاصة , شخص بغيض
بالنسبة إليه . عاش راوول حياة صارمة خالية من الفرح و الاستمتاع ,
فقد هجرته أمه قبل أن يتقن المشي . وتبددت أي لمحة من العناية
والمحب من حياته بين ليلة وضحاها , ثم أرسل إلى مدرسة داخلية
وهو الخامسة من عمره . وكان لا يُسمح له بزيارة منزلة إلا إذا
جاءت نتائج امتحاناته مرضية لأبيه , أريد له أن ينشأ خشناً قاسياً ,
ويتعلم منذ طفولته ألا يطلب أو يرجو أي عون أو محبة من أحد .
رن هاتف سيارته وهو عالق في زحمة السير . وندم لأنه لم
يستدع سيارته الليموزين مع سائقها الخاص . كانت المكالمة من
محاميه , بول كوريرو , وبما أن الحديث تناول أموراً سرية , فضل أن
يعتمد تعابير بول المتحفظة .
ـ بصفتي محاميك , أظن أن من واجبي أن أشير إلى أن الوقت
حان لتضع حداً لعلاقة معينة .
كان رتوول زميلاً لبول في الجامعة , وهما صديقان جيدان , قلا
أحد غيره يجرؤ على التحدث معه بمثل هذه الألفة . لكن مزاجه لم
يحتمل المماطلة , , فقال يستعجله : (( أدخل في صلب الموضوع )) .
فتردد بول بشكل غير عادي : (( منذ مدة و أنا أفكر في هذا الأمر .
لكنني انتظرت حتى تثير أنت الموضوع , وقد مضى الآن أربع
سنوات تقريباً . ألم يحن الوقت لفسخ زواج المصلحة ذاك الذي
عقدته ؟ )) .
بدا صوت بول رخيماً وهو يتابع , من دون أن يدرك التأثير الذي
أحدثه : (( هلا اتفقنا على موعد ما هذا الأسبوع لأنني سأكون في
إجازة ابتداءً من يوم الإثنين القادم )) .
رد راوول على الفور : (( هذا الأسبوع مستحيل )) .
فقال بول بشيء من الارتباك : (( أرجو ألا أكون قد تجاوزت
حدودي بإثارة هذا الموضوع )) .
فقال راوول ضاحكاً : (( يا إلهي , كنت قد نسيت هذا الموضوع ,
وأنت أخذتني على حين غرة ! )) .
فقال بول : (( لم أكن أظن هذا ممكناً )) .
ـ سأعاود الاتصال بك . . زحمة السير خائفة .
بدا فمه الجميل متوتراً . إن بول محق بالنسبة إلى موضوع ذاك
الزواج . وعاد راوول بالذاكرة أربع سنوات إلى الوراء .
كيف سها عن قطع تلك الصلة الهشة ؟ وذكر نفسه بأنه كان
مشغولاً إلى حد لا يصدق .
كان جده كليمنت رجلاً صارماً مدمناً على العمل حتى بلغ
الستينات . كان من كافة النواحي , أشبه بقطعة من الصخر . لكن ,
بعد أن تقاعد , وقع في غرام امرأة أصغر منه سناً , فتغير بشكل كامل
واعتنق فلسفات الجيل الجديد حتى أنه تزوج تلك الشابة الباحثة عن
الثروة . هذا السلوك أحدث جفاءً استمر لسنوات بين كليمنث وابنه
المتحفظ والد راوول . لكن راوول بقي على اتصال بجده .
وعندما توفي الجد منذ أربع سنوات , لم يصدق راوول شروط
وصيته الغريبة للغاية . أوصى الجد كليمنت بأن في حال لم يتزوج
هذا الأخير , في وقت معين . يتحول قصر (( كاستيلو ساباتينو )) , منزل
الأسرة , إلى الدولة بدلاً , من حفيده , وندم راوول طبعاً انه كان قد
أخبر جده أنه لن يفكر في الزواج وإنجاب وريث حتى يصبح في
أواخر منتصف العمر .
ورغم أن راوول تربى على احتقار العواطف , إلا أنه ما زال
يحتفظ بذكريات بعيدة عن عهد الطفولة , لزيارات سعيدة إلى بيت
الأسرة (( كاستيلو ساباتينو )) . ورغم أنه من الثراء بحيث يمكنه شراء
مئة قصر , إلا أن لقصر كاستيلو مكانة خاصة لديه .
لقد سكن آل ساباتينو القصر الذي يشرف على وادٍ سحيق منذ
مئات السنين . وقد تملك راوول الفزع وهو يري نفسه مهدداً بخسارة
القصر إلى الأبد .
وبعد شهرين , وفيما كان في رحلة عمل إلى لندن , اتصل
بمحاميه بول وحدثه عن المشاكل الناتجة عن وصية جده . وبما أنه
كان أثناء إجراء هذا الاتصال في مكان عام , إذ كان يحلق شعره ,
اعتمد اللغة الإيطالية , توخياً للسرية . لكنه علم أنه أخطأ فحلاقة
الشعر سارعت إلى إظهار تعاطفها معه , وعرضت عليه أن تلعب دور
الزوجة الزائفة , كي يبقى قصر (( كاستيلو ساباتينو )) للأسرة .
وفي النهاية , باعته هيلاري روس يدها في زواج صوري .
كم أصبح عمرها الآن ؟ لقد بلغت الثالثة والعشرين في عيد
العشاق الأخير . كانت صغيرة الحجم لكنها ذات مفاتن رائعة وذوق
بديع في اختيار الأزياء , فالسواد من الرأس حتى أخمص القدمين
وزينة وجهها تجعلها تبدو كمصاصة دماء . كان غريباً أن تبدو
مصاصة دماء مثيرة إلى هذا الحد . وقبل أن تتغير إشارة السير أخرج
محفظته وسحب منها صورة كانت هيلاري قد دستها في يده بعد أن
وقعتها مازحة : ( زوجتك , هيلاري ) وسجلت عليها رقم هاتفها .
لقد و قعا عقداً قانونياً يقضي بأن يبقى زواجهما صورياً , كمـا
أوضح ه بول أن الإخلال بشروط عقد الزواج الصوري , أي إتمام
الزواج , سيعرضه لملاحقة الزوجة التي ستطالبه بنفقة باهظة .
لا بد أن انجذابه إليها مجرد تخيلات , فما الذي سيجذبه إليها ؟
إنها غير مثقفة , فقد تركت المدرسة في السادسة عشرة من
عمرها , وهي من أسرة فقيرة عاملة . إنها تعمل في صالون حلاقة ! يا
إلهي . . حلاقة صغيرة , دائمة الضحك , قصيرة القامة , من دون أي
اهتمامات ثقافية أو حنكة اجتماعية . لا يجمع بينهما سوى الجنس
البشري . وسمح لنفسه أخيراً بأن ينظر إلى صورتها , مذكراً نفسه
بأنها لم تكن بغاية الجمال . وتملكه السخط وهو يرى نفسه مستغرقاً
بشكل يدعو إلى القلق في مثل هذه الأفكــار .
رأى أن حاجبيها مستقيمان كثيفان , وأنفها عريض قليلاً . لكن ,
بالرغم من عيوبها , بقيت عيناه مسمرتين على المرح في عينيها
والابتسامة الواسعة المتألقة على فمها الممتلئ المصبوغ بلون
التوت .
أفضت إليه ذات مرة من دون أن يسألها : ( عندما قابل جدي
جدتي , عرفت أنه حب حياتها قبل أن يتحدثا معاً . . على أي حال ,
لم يستطيعا أن يتحدثا معاً لأنها لم تكن تعرف حتى كلمة واحدة من
الإنكليزية كمـا أنه لم يكن يعرف كلمة إيطالية واحدة . ألا تظن هذا
شاعرياً ؟ ) .
لم يجبها يومها , وصد كل محاولاتها لتبادل الغزل معه . فهي
ليست من عالمه , وهو أذكى من أن يجازف وتبع خطوات أبيه وجده
فيقع في الغلطة الخطيرة نفسها ويتزوج فتاة تبحث عن رجل
ثري . وهكذا كبح ذلك الانجذاب إلى امرأة يراها غير مناسبة .
و مع ذلك لم يستطع أن ينسى آخر مرة رأى فيها زوجته الزائفة ,
وتلويحها له بيدها بمرح بالرغم من لمعان الدموع في عينيها ,
و الابتسامة المتمردة على شفتيها التي قالت له إنها ستبحث عن رجل
يؤمن بالحب الشاعري . . أتراها لم تعثر بعد على ذلك الرجل ؟ وهل
هذا هو السبب الذي يدفعها إلى عدم طلب الطلاق ؟
وفيما هو غارق في التساؤلات , برزت أمـامه طفلة تلاحق كلباً .
ضغط على الكابح بشدة , وأدار عجلة القيادة بعنف محاولاً أن
يتجنب الطفلة , فاصطدمت السيارة في جدار بعنف بالغ .
كان يمكن لراوول أن يخرج من الحادث من دون ضرر لو
سنحت له الفرصة للخروج من سيارته قبل أن تصطدم بها سيارة
أخرى . فعندما حدث ذلك , أحس بألم بالغ في أسفل رأسه أغرقه
في ظلام دامس .
كانت أصابعه لا تزال متشبثة بالصورة حين حملوه بسرعة إلى
المستشفى حيث استدعوا بوتيستا التي جلست تنظر باحتقار إلى
ممرضتين شابتين كادتا تلتهمان راوول بأعين متلهفة .
كانت امرأة سمراء مدللة متسلطة ترتدي ثياباً لا تناسب امرأة في
الستين . وكانت بوتيستا ثائرة لأنهم أفسدوا برنامجها , فعليها أن
تسافر إلى ميلانو في الغد لتحضر افتتاح معرض خطيبها , وهي
مصممة على ألا تغير برنامجها .
منذ عشرة أيام , أثار راوول غضبها عندما أخبرها أن الشاب
الوسيم الذي تريد أن تتزوجه , معروف بملاحقة النساء الثريات
الكبيرات في السن . لقد أهانها راوول بشكل فظيع . ما الذي يمنع
دييتر من أن يرغب فيها لنفسها ؟ كانت واثقة من أنها لا تزال حسنة
المظهر , ذات شخصية جذابة للغاية . عقدت أربع زيجات انتهى كل
منها بطلاق مكلف , لكنها لم تقلل من إيمانها بالحب و الزواج .
وعندما جاء الطبيب أخيراً , وأخبرها بأن راوول يعاني مؤقتاً من
فقدان ذاكرة جزئي , تملكها إحباط بالغ .
ـ هل زوجة السيد ساباتينو قــادمة ؟
ـ إنه ليس متزوجاً .
نظر إليها الطبيب مدهوشاً ثم مد لها يده بصورة مكرمشة قليلاً :
(( من هذه إذن ؟ )) .
تأملت بوتيستا الصورة وما كتب تحتها بذهول . هل راوول متزوج
من امرأة إنكليزية ؟ يا إلهي !
كان زواجه سيثير زوبعة في الصحف ما سيشعره بالاشمئزاز .
ورأت أن تفكيره هذا سليم وقراره صائب . متى كان ينوي أن يخبر
أقاربه أنه اتخذ زوجه ؟ وتملكها شعور بالسعادة وهي تفكر في أن
وجود زوجته سيعفيها من أي مسؤولية نحوه أثناء وجوده في
المستشفى . واندفعت إلى الهاتف لتتصل بعروس ابن أخيــها
الغامضة .
ما إن دخلت هيلاري إلى شقتها الصغيرة , ورأت الانزعاج على
وجه أختها إيما , حتى انقبض قلبها .
سألتها وهي تلقي جانباً بصحيفة المساء التي أحضرتها معها :
(( ماذا حدث ؟ )) .
ـ اتصلت امرأة أثاء غيابك . أريدك أن تجلسي قبل أن أحدثك
بما أخبرتني به .
كانت إيما فتاة طوية رشيقة ذات نظرات ثابتة تعكس نضجاً غير
عادي بالنسبة إلى فتاة في السابعة عشرة .
قطبت هيلاري حاجبيها : (( لا تكوني سخيفة . أنت هنا بسلام ,
ويس لي من الأقارب سواك . . من الذي اتصل . . الخبر ؟
فأجابت أختها بصوت خافت متوتر : (( أنـا لست كل مــــــا لديك مــن
أقرباء . راوول . . راوول ساباتينو . لقد أصيب في حادث سيارة )) .
شحب وجه هيلاري , وأخذت تحدق في أختها بذعر وقد وهنت
ساقاها : (( وهل . . . ؟ )) .
ـ نعم . . ما زال حيــاً .
وضعت ذراعها حول كتفيها وجعلتها تجلس على أريكة صغيرة
في المطبخ مضيفة : (( اتصلت عمه راوول . عن إنكليزيتها ضعيفة
للغاية , فلم يستغرق الحديث سوى دقيقتين تقريباً . . )) .
ـ هل إصابته خطره ؟
راحت هيلاري ترجف شاعره بالغثيان , فيما الأفكـار المخيفة
تملأ ذهنها . وفيما هي تصغي إلى جواب إيما , كانت تدعو الله أن
يحمل لها ذلك الجواب بعض الأمل .
ـ إن لديه إصابة في رأسه . و تـــكـــون لــدي انطباع بأنها على شيء
من الخطورة . لقد نقلوه إلى مستشفى آخر . تنفسي بعمق , يا هيلي .
ركـــزي على حقيــقة أن راوول بخير . إنك تعانين من صدمة , و لكن
بإمكانك أن تكوني معه غداً صباحــاً .
دار رأسـهــا وهي تــنــطوي على نــفسها , راوول حب حياتها الســــري
الغالي . . رغم أنها لم تكن بالنسبة إليه سوى وسيلة ساعدته في إنهاء
مشكلته . كان غريباً ومفزعاً أن يؤثر فيها الحب بهذا الشكل .
راوول , زوجها الذي لم تستمتع معه حتى بقبلة . . . راوول
الطويل الأسمر القوي البالغ الحيوية , راوول يصارع في هذه اللحظة
الـــموت على ســـريـــر الــمستشفى . واشتــد الخوف , ودعت الله أن
يشفيه , لكنها لم تستطع أن تتحلى بالتفاؤل . لقد مضت سبع سنـوات
منذ سلب حادث سيارة والديها فاضطربت حياتهما , هي
و إيما . حينذاك , لم يسفر انتظارهما الطويل في المستشفى , عن أي
معجزة تشفيها .
وأخيراً رددت كلمات أختها : (( أن أكون معه . أكــون مع
راوول ؟! )) .
أيمكنها أن تسافر إليه ؟ هل تجـرؤ على المحاولة ؟ وتملكها أمل
عارم . لعلها زوجته بالإسم فقط , لكن هذا لا يعني أنها لا تستطيع
أن تتمنى له الخير . ألم تتصل بها عمته لتخبرها عن حادث السيارة ؟
يبدو أن زواجهما لم يكن سراً كما ظنت , ويبدو أيضاً أن أقــاربه
يعتقدون أن زواجهما هو أ:ثر من مجرد زواج على ورق .
أجابت إيما تطمئنها : (( أعرف أن الوقت مهم وعرفت بالضبط ما
الذي ترغبين في فعله . لهذا حجزت لك مقعدً على متن الطائرة التي
ستقلع إلى جنيـڤ في الصباح الباكر . . . )) .
جاهدت هيلاري لتكبح لهفتها و تتعقل : (( أريد أن أذهب إليه
طبعاً , ولكن . . . )) .
ـ ما من ( ولكن ) .
ونهضت إيما واقفة : (( إياك أن تمنعك كرامتك من الاندفــاع إليه
و البقاء معه . أنت زوجته وأراهن على أن ما كان بينكما ذات يوم ما
زال قابلاً للإصلاح . إنني كبيرة بما يكفي الآن لكي أقدر سوء
تصرفي و نتائجه )) .
فوجئت هيلاري للغاية بهذا الحديث . فحتى هذه اللحظة , لم
يكن لديها أي فكرة عن أن إيما تلوم نفسها على فشل زواج أختها .
فقال لها : (( علاقتي براوول لم تنجح , هذا كل ما في الأمــر . لا
تظني أن لك أي علاقة بذلك )) .
ـ كفي عن محاولات حمايتي . كنت فتاة أنانية , فبعد أن
فقدنا الأب و الأم كنت من التملك على حد جعلك تخشين حتى
السماح لي بمقابلة راوول !
رأت هيلاري أن كل كذبة , حتى لو كانت بيضاء لا ضرر من
ورائها , ترتد في النهاية على صاحبها . لا يمكنها أن تنظر في عيني
أختها الصغرى بعد الآن .
وقالت بضيق : (( لم تجر الأمور بيني وبين راوول على هذا
الشكل )) .
ـ بل كان كذلك . كان اهتمامك منصباً علي أولاً , وجعلتني
أفسـد يوم زفافك وأدمر زواجك حتى قبل أن يبدأ . كنت فظة للغاية
بالنسبة لراوول , حتى أنني هددت بالهرب من البيت إذا حــــاولت
أن تجعليني أعيش في الغربة . وقفت بينكما . . طبعاً فعلت . كنـت
تحبينه كثيراً . . . وما زلت لا أصدق مدى قسوتي نحوك . .
كافحت هيلاري لكي تركز عل أفكارهـا كانت مركزة على حالة راوول
الصحية , وأخيراً قررت أن تشرح لأختها حقيقة الموضوع في وقت
لاحق , فقالت : (( ماذا قالت عمه راوول بالضبط ؟ )) .
ـ قالت إنه كان يســأل عنك .
نطقت إيما بهذه الكذبة البيضاء , داعية الله أن يغفر لها . لكنها
كانت تأمل بما يكفي من الثقة كي تسافر إلى حيث زوجها .
أترى راوول كان يسأل عنها حقــاً ؟ وتملكتها دهشة تبعتها بهجة لا
توصف . وفجأة , وجدت نفسها قادرة عل مواجهة كافة التحديات .
يمكنها أن تسير على الجمر لتصل إليه , أن تجتاز البحيرات سباحة ,
وتتسلق أعلى الجبال لتكون بجانبه . راوول بحاجة إليها ! إذا كــــان
رجل بغرور راوول و ثقته بنفسه يطلب حضورها , فهذا يعني أنه
مريض للغاية . وتملك هيلاري القلق , وأسرعت إلى غرفتها تحزم
أمتعتها .
تأوهت وهي تختار الضروري من ثيابها , ثم هتفت : (( لكن
صالون الحلاقة . . من الذي سيشرف عليه ؟ )) .
ـ سالي . . . سالي ويذرستن . عندما مرضت وحلت مكانك قلت
إنها ذكية .
تناولت هيلاري الهاتف . كانت عيناها شاردتين رغم بريقهما ,
وشعرها الحريري يحيط بوجهها البيضاوي المتألق . كان لون أشقر
فضياً فتجد نفسها غالباً مرغمة على أن تؤكد لزبائنها أن لونه طبيعي .
وكانت أحياناً تضع ظلاً خفيفاً من لون آخر على أطرافه , و في هذا
الشهر استعملت لونـاً وردياً باهتاً أنيقاً .
رتبت أمر حصول سالي على مفاتيح الصالون , ثم اتصلت بحلاقة
أخرى اعتادت أن تردد على الصالون عندما يزيد العمل عن الحد .
تدبرت أمـر كل هذه التفاصيل , رافضة حتى التفكير في تكاليف
مثل هذه الترتيبات . ونظرت إلى أختها إيما , ثم أجفلت : (( كيف
أتركك هنا في هذه الشقة وحـدك ؟ )) .
ـ فرصتي المدرسية ستنتهي غـداً فــأستقل القــــطار عـــائــدة إلى
المدرسة . أرجو أن أتمكن من القيام بذلك بنفسي . أنـا في السابعة
عشرة , يا هيللي .
أحتضنت هيلاري أختـــها بــمحبـــة بـــالغــة . لم تستطع إلا أن تعجب
للتأثير الذي أحدثه راوول في حياتهما , هي وشقيقتها . فتلك الصفقة
المالية غيرت حياتهما . إنها مدينة له بدين لن تستطيع إيفاءه أبـداً !
منـذ أربع سنوات , كانت الشقيقتان تعيشان في شقة حقيرة معتمة
قذرة . وكانت إيما ذكية ماهرة ما جعل هيلاري تقرر ألا تدع مــأساة
فقدان والديهما تمنع الفتاة الصغيرة من متابعة تعليمها . حينذاك ,
أحست هيلاري بالفشل عندما اختلطت أختها الصغرى بمجموعة من
الفتيان سيئي السمعة ومن ثم أخذت تتغيب عن المدرسة . حينذاك ,
كانت هيلاري . تعمل لساعات طويلة , ولم يكن وضعها يسمح لها
بالانتقال إلى منطقة أفضـل , أو بقضاء وقت أطول في الإشراف على
مراهقة متمردة .
لكن سخاء راوول قلب حياتها رأسـاً على عقب . لم تشــأ في
البداية أن تقبل نقوده , لكنها عادت فأدركت أن تلك النقود ستمنحها
فرصة تعيد بها أختها إلى الصراط المستقيم . فأنفقت منها على إنشاء
صالونها الخاص بعيداً عن ضاحية (( هونسلو )) في لندن , وذلك من
أجل مصلحة إيما , كانت تعتقد أنها قامت بالأمر الصواب . لكنها
تتساءل أحياناً عما إذا كان راوول ليحترمها أكثر أو حتى يبقى على
اتصل بها لو أصرت على رفضها لنقوده وعل مساعدته من دون
مقــابــل .
على أي حــال , اختارت أن تتزوجه من باب المساعدة ليس إلا .
كانت متلهفة للقيام بأي شيء يرضيه , وهو الذي لم يكن يعلم , من
قبل , بوجودها في هذه الحيــاة . لكن المحزن هو أنها مــا إن
استسلمت لإغراء المال وسمحت لنفسها بــأن تقبله منه لتحـــل
مشاكلها , حتى غيرت كل ما بينهما .
حينذاك , قال لها بلهجة مطاطة : (( أحب أن أدفع أجـر كل خدمـة
تقدم لي , فأتجنـب أي سوء تفاهم )) .
وتملكها الفزع إذ جعلها تشعر وكـأنها صيادة رجــال .
وفي اليوم التالي , حــاول الدكتور ليرذو أن يكتم دهشته عندما
أشــارت سكرتيرته إلى زوجة راوول ساباتينو , بالدخول . فــالمرأة
الشقراء , الصغيرة الحجم , ذات العينين الزرقاوين الواسعتين
المليئتين باللهفة لم تكن ما توقعه أبــداً .
قالت هيلاري بسرعة : (( حــاولت أن أتصل قبل أن أغادر إنكلترا ,
لكن موظف الهاتف لم يستطع أن يعثر عل رقم هذا المكان )) .
كانت متوترة الأعصاب , فهذا المستشفى لا يشبه برفاهيته أي
مستشفى آخر دخلته من قبل . وقوبلت أسئلتها المتلهفة عن حال
راوول بصمت مهذب . وشعرت بالإحباط لأن عمة راوول , بوتيستا ,
ليست بانتظارها لتحييها وتيسر طريقها ما اضطرها إلى تقديم نفسها
بصفتها زوجة راوول ساباتينو . عندما فعلت ذلك , تملكها شعور
بأنها كاذبة لكنها كانت مقتنعة بأنها إذا قالت الحقيقة عن زواجهما
فلن يُسمح لها بالدخول لرؤية راوول .
مد الـــرجل الشائب يده ليصـــافحــها : (( هذا مستشفى خـــاص ,
ومرضانا يطلبون التكتم و الأمــان , لهذا لا يسمح بالزيارات . لقد
شعرت بالارتياح لحضورك بهذه السرعة )) .
ولاحت لها الكــآبـة خلف هذا التطمين فشحب وجهها وشهقت :
(( راوول ؟ )) .
ـ آسف . لـم أقـصـد أن أثير قلقك . فعدا عن صداع شديد , لا
يعاني زوجك سوى من رضوض بسيطة .
وبابتسامة لطيفة أجلسها الطبيب على مقعد : (( لكن ذاكرته لم تكن
محظوظة إلى هذا الحد )) .
تبددت أسوأ مخاوفها وغاصت هيـلاري في مقعدها الكبير وقد
بدت عليها الحيرة : (( هل هي . . . ذاكرته ؟ )) .
ـ تلقى السيد ساباتينو ضربة قوية على رأسه فغاب عن الوعي
لساعات . فقدان الإحساس بالزمان و المكان بعد حادث كهذا , ليس
أمراً غير عادي . . . لكن , ولسوء الحظ , يبدو أن ضعفاً مؤقتاً أصاب
الذاكرة .
تنبهت إلى لهجة الرجل البالغ الرزانة . فسألته وقد جف فمها :
(( المعنى ؟ )) .
ـ لقد خضع لفحص بعد استيقاظه مـن غيبوبته فكشف عن
اختلاط التواريخ في ذهنه .
ـ التواريخ ؟؟
ـ ذاكرة راوول مسحت السنوات الخمس الماضية من حياته .
وهو نفسه , لم ينتبه إلى وجود مشكلة , حتى أشرت أنـا إلى ذلك . إنه
يتذكر كل ما مر عليه من ماضيه , لكن الأحداث التي عاشها هذه
السنوات الخمس هي كتاب مغلق بالنسبة إليه .
نظرت هيلاري إليه غير مصدقة : (( كل تلك . . . السنوات
الخمس ؟ هل أنت واثق من ذلك ؟ )) .
ـ طبعاً كما أن السيد ساباتينو لا يتذكر حاد اصطدام سيارته .
ـ ولكن لماذا حدث له هذا ؟
ـ ليس مستغرباً أن يعاني الشخص من فقدان جزئي للذاكرة بعد
حادث يصيب الرأس , ولكن هذه الحالة تدوم لفترة قصيرة فقط
وتدعى (( فقدان الذاكرة المتقهقر )) . أحياناً يعود السبب إلى صدمات
عاطفية أو كآبة , لكنني استبعد ذلك في هذه الحالة بالذات . إنها
حالة مؤقتة بكل تأكيد , وربما سيتذكر كل ما نسيه . ربما سيتذكر كل
شيء دفعة واحدة .
فسألته بضعف : (( وكيف يتقبل راوول ذلك ؟ )) .
ـ عندما يدرك زوجك كم من الوقت أغفل ذاكرته , سيصاب
بصدمة بالغة .
ـ أنــأ واثقة من ذلك .
أضــاف الطبيب بأسف : (( قبل أن نكتشف هذا , كان السيد
ساباتينو على وشك أن يعود إلى مكتبه متجاهلاً نصائح الأطباء . في
الواقع , هذا الوضع يمثل تحدياً محبطاً لا يمكن قبوله بالنسبة إلى
رجل مثقف قوي الشخصية اعتاد السيطرة )) .
ارتسم الذعر على ملامح هيلاري المعبرة وهي تفكر في غياب
السنوات الخمس التي اختار الطبيب أن يصفها ببساطة : اختلاط
التواريخ في ذهنه .
وقالت بلهفة : (( بالله عليك . . حتى راوول لن يتذكرني ! )) .
ـ كنت ســأصل إلى هذه النقطة . لكنني مسرور جداً بوجودك هنــا
لكي تـــمنـــحي السيـــد العــــون الـــذي يــحـتـــاجه لمواجهة هذا
الوضع . . .
فرفعت حاجبيها : (( ولكن أليست عمة راوول هنـا , هي أيـضاً ؟ )) .
ـ علمت أن السيدة غادرت البلاد هذا الصباح لحضور مناسبة
اجتماعية .
تــملكها الـــذهول , وغصت بـريــقها ولم تـعرف بـمــاذا تـصف العمة
بوتيستا . ودار رأسها وقد اختلطت المشاعر في داخلها . لقد اطمأنت
في البداية إلى عدم خطورة حالة راوول , لكن علمها بفقدانه لذاكرته
جعلها تشعر بالعجز . وحاولت أن تتخيل نفسها تستيقظ لتجـد نفسـها
كما كانت منذ خمس سنوات وليست كما هي الآن , بمـزيـد من القلق
لما ستؤول إليه حال راوول من التشتت الاضطراب .
وتملكها الاشمئزاز لموقف عمته غير المكترث , لكنها لم تدهش
لأنها عاشت هي و أختها هذه المأساة مع قريبة لــهما . و فكــرت في
الدين الذي تشعر بأنها مدينة به لراوول , وبمقدار رغبتها في رؤيته .
يمكنها أن تساعده وتسنده . كانت هـذه فكرة طبيعية مثيرة , و لـكن ألـن
يكون تصرفها كزوجة حقيقية نوعاً من الخداع ؟ إنها زوجة على الـورق
ليس إلا .
وتملكتها موجة من الشعور بالعار والاشمئزاز . على أي حــال ,
لقد وعدت راوول بألا تكشف أبداً عن شروط زواجهما لأي كان .
لكن , ولكي تــريـــح ضميـــرها , قررت أن تكشف نـصف الحقيقة , فقالت
بارتباك : (( علي أن أعترف بأننـا . . أنـا و راوول كنـا . . متباعدين ! )) .
ـ أشكرك على ثــقــتــك بي وأطمئــنــك إلى أن مــــا أخبـرتـني بـه لن
يعرفه أحد . لكنني أطلب منك ألا تــكشفي عن أي شيء قد يــضايــق
مريضي . فما يعانيه زوجك من توتر بالغ يمكن أن يشكل خطراً على
شفائه التـام .
شحب وجهها وهي تسمع هذه الحقيقة القاسية , ثم أومــأت بلهفة
تظهر تفهمها . لن يعلم راوول منها مــا قد يكدره .
ـ بصفتك زوجة السيد ساباتينو , أنت أقرب الناس إليه مــا
يمكّنك من أن تساعديه أكثر من أي شخص آخر . إن عدد موظفيه
الذين يمتثلون لرغبته لا يحصى , لكن وضعك ولحسن الحظ , أفضل
بكثير . زوجك بحاجة إلى أن يشعر بأن لديه شخصاً يمكنه أن يثق
به . إياك أن تسيئي التصرف فحالته الحاضرة جعلته لا يحتمل شيئاً .
ـ لا أستطيع أن أتصور راوول عاجزاً . . .
وغصت بدمعها ولم تستطع أن تواجه نظرات الطبيب الرقيقة .
كانت تشعر بألم بالغ لأنها هي أيضاً أصبحت من تلك الفئة الحقيرة
بعد أن دفع راوول لها ذات يوم أجراً لتنفذ ما يريده . لكنه في الواقع
لم يجد سواها لتنفيذ هذا الدور , وهذه الحقيقة دمرتها .
ـ اسمعي , إن مسؤوليتك تقضي بأن تقفي بينه و بين موظفيه الذين
يرغبون في رؤيته . (( مصرف ساباتينا )) يجب أن يدار من دونه حالياً ,
فهو بحاجة إلى راحة , إنني على إطلاع تام على عالم الأسواق
المالية ما يجعلني أدرك أن أي إشارة إلى حالة السيد ساباتينو يجب
ألا تتجاوز جدران هذه الغرفة .
قطبــت هيــلاري إذ لــيـــس لــديــها حتــى شبــه اطـــلاع على أحـــوال
الأسواق المالية . و هي لا تفهم شيئاً من هذا الجانب من حيـــاة راوول
كما أن اهتمامها بهذا الأمـر محدود للغاية . و مع ذلك , استوعبت مـــا
يبدو أنه دورها . إن واجبها هو أن ترعى راوول حتى يستعيد ذاكرته .
ـ هل يمكنني أن أراه الآن ؟
تذكر الطبيب الرعب الـــذي بدا على ملامح مريـضه عندمــــا اكتــشف
أنه متزوج , لكنه سرعان ما نبذ هذه الصورة من ذهنه . لعل هيلاري
ستتمكن من الوقوف بحزم في وجه برودة زوجها البليونير وشخصيته
المستبدة . . لكن حتى لو كان الدكتور ليرذر مغامراً . . فهو لا يجرؤ
على المراهنة على النتيجة .
أخذت هيلاري نــفســاً عميـقاً ثم تبعت الممرضة . بعــد دقائق سترى
الرجل الوحيد الذي استطاع أن يجعلها تبكي . . .
* * *
نهايـة الفصل (( الأول )) . . .

Just Faith 26-11-17 05:49 AM

يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

Just Faith 26-11-17 05:49 AM

:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: ::::::::::::::::::::::::::::::::::
3 ـ
أتذكر أسمي ؟
سال عرق على عنق هيلاري , علاقة غرامية سرية ؟ و تململت في
جلستها , ( امرأة لا بد أنه شاركها الفراش مرات كثيرة ؟ )) . من
الطبيعي أن يفترض هذا , إذ لن يخطر في باله أن زواجهما ليس
طبيعياً . تمتمت بارتباك , محاولة ألا تفضح عدم ارتياحها : (( إنك
تنظر إلى الأمور بشكل غير مألوف )) .
ـ إن وجهك يحمر خجلاً كفتاة مراهقة .
قالت بحدة لشكه في سبب احمرار وجهها : (( معك فقط )) .
أثناء المراهقة , جعلتها سرعة احمرار وجهها إذا ما تعرضت
للإحراج , عرضة لكثير من الإحراج في المدرسة . قال وهو يحتضنها
بذراعيه : (( لا يمكن أن نكون قد تزوجنا مدة طويلة )) .
فصرخت : (( لا تفعـل ! )) .
ارتسمت على وجهه الوسيم ابتسامة عريضة . فرغم أنها ليست
أكبر حجماً من الدمية بكثير , إلا أن شخصيتها ديكتاتورية مستبدة .
ـ لا تخافي , لا أظن أن تقبيل زوجتي سيعيدني إلى المستشفى .
سـألته وهي ترتجف , مرجعة رأسها إلى الوراء . . رغم رغبتها في
أن تلقي بنفسها عليه : (( وما أدراك ؟ ربما ينبغي عليك ألا تعانقني )) .
قال مداعباً وهو يرى القلق في عيني زوجته : (( هذه ليست
مشكلة )) .
وزاد من شعوره بالتسلية رؤيته لخوفها على صحتـه , فيما تابع
يقول : (( اعتبري هذا اختباراً مفيداً لعله يعيد لي ذاكرتي , يا
راوول . . .
لكن اللهفة راحت تزداد في داخلها بسرعة خبيثة . لم تشـأ أن
تمنعه . كما لم تجد لديها ما يكفي من الإرادة لتمنعه . كانت متلهفة
لتجربة ما حرمت منه .
تغلغلت أصـــابـعه في شعــــرها , و أرجع رأســها إلى الخلف ليـتـحكم
في عناقها . مالت إلى الخلف بين ذراعيه القويتين , وتسارع نبضها ,
وكــاد جسدها يحترق .
وفجأة تركها راوول متمتماً : (( لقد وصلنا إلى البيت )) .
أحنت رأسها وقد انقطعت أنفاسها , وحاولت أن تتحكم في
نفسها بعد أن تملكها الألم لخيبة أملها . وشعرت بالخجل من نفسها
تشجيعها له , وتساءلت إن كان بإمكانها أن تنظر إلى وجهه مجدداً .
ما الذي تفعله ؟ لقد تقبلها من دون إثبات لمجرد أنه وثق بكلامها .
ولتستحق هذه الثقة عليها أن تبقى بعيدة عنه . وعندما فتح السائق
الباب بجانبها ترجلت من السيارة بسرعة , ثم أخذت تنظر حولها .
البيت ؟ يبدو أن راوول يعيش في منزل فخم أشبه بالقصر , في
مكان معزول تحيك به أسوار عالية . رأت خادماً في منتصف العمر
يقف بجانب مدخل فخم , وردهة فسيحة تزينها تماثيل أثرية , وأثاث
ذهبي وأرض رخامية . تملكتها الرهبة إزاء هذه الفخامة وترنحت
خطواتها .
ـ يا إلهي . . .
هتاف راوول الخشن هذا جعل هيلاري تستدير على عقبيها . رأتــه
يحدق في لوحة فوق مدفأة رخامية جميلة فأدركت ما جرى بسرعة .
ثمة ما أدهش راوول . . . شيئاً بدا له مختلفاً أو على الأقل مغايراً
لما توقعه . وبما أنه ليس لديه فكرة عن التغيير الذي حصل , فلا بد
أنه سيشعر بالتشويش .
وعندما رأت الخادم يرمقه خفية , ســارعت إليه تمسك بذراعه
هامسة : (( دعنا نصعد إلى الطابق العلوي )) .
وفيما هو يتساءل عن السبب الذي وجعل إحدى لوحــات جده
المفضلة تنتقل إلى بيته في المدينة , إذا به يستجيب لتلك الدعوة
الأنثوية الخافتة كما يف أي رجل . وسرعان ما نسى لغز اللوحة
بعد أن أجفل لرغبته في أن يرفع زوجته الصغيرة بين ذراعيه .
اعتاد أن يتصرف على هذا النحو وشعر بصدمة قوية وهو يدرك
أن ليس لدية فكرة .
ـ لقد تذكرت أمراً لتوي . اصعد أنت أمــامي . . .
تركت ذراعه حين وصلا إلى فسحة السلم , وعادت إلى الخادم
قبل أن يتوارى عن الأنظار . قالت بضيق : (( أنــا واثقة من أنك
تتساءل عمن أكون . مـا اسمك ؟ )) .
ـ اسمي أمبرتو يا سيدتي . إنني أدير المنزل و أنت ضيفة السيد
ساباتينو .
قالت بنبرة خافتة : (( في الحقيقة أنـا لست ضيفة بل . . أنـا . .
زوجة راوول . . هيلاري )) .
ورغم تهذيب أمبرتو , إلا أنه لم يستطع إخفــاء دهشته , بينما
تابعت هي تقول : (( أرجو أن تحرص على عدم تحويل أي مكالمة
هاتفية , سواء أكانت معنية أو شخصية إلى زوجي )) .
تصلب جسم أمبرتو , وانفرجت شفتاه بقلق , فـــأضــافت : (( لا
تتجــاهل تعليماتي )) .
عندما انضمت إلى راوول , نظر إليها مقيماً , ثم انحنى وحملها
بين ذراعيه .
فوجئت بتصرفه هذا فهتفت : (( راوول . . ما الذي تفعله ؟ )) .
أطلق ضحكة رنانة وهو يسير بها نحو باب غرفته الذي دفعه
بكتفه : (( هل كنت تعطين أمبرتو التعليمات لعشاء الليلة . . أم طلبت
منه عدم إزعاجنا ؟ )) .
ـ أنزلني على الأرض . . أجروك . يفترض بك أن ترتاح الآن ,
يا راوول .
أنزلها على السرير الفسيح بعناية مبالغ فيها , وهو يقول : (( أنوي
فعلاً القيام بذلك . . ولكن يجب أن تكون معي رفيقة أرتاح معها )) .
انقلبت هيلاري على الفراش ثم قفزت عنه من الجانب الآخـر :
(( لن يكون هذا مريـحـاً )) .
أخذ يحل ربطة عنقه , ثم ألقى بها بعيداً و هو ينظر إليها بعينين
لامعتين قائلاً بتحدٍ : (( لست بحاجة لأن أتذكر السنوات الخمس
الماضيـة لأعلم أنني لا أحب الراحة أو التسكع بكسل في الأنحاء )) .
فقالت محبوسة الأنفاس : (( أنت تظن أنك تريد أن تشاطرني
الفراش . الحقيقة , أنت لا تريد . . . )) .
فقال ساخراً : (( لا أصدق أنني تزوجت امرأة تحلل هذه المسائل
بالمنطق )) .
ـ إنني أحــاول أن أفكر فيك , وهذا كل ما في الأمر . هذا ليس
ما تحتاجه حاليـاً .
ـ دعيني أقرر هذا بنفسي .
وفجأة , جمد مكانه , وحول عينيه عنها فيما بدا متوتراً .
فسألته : (( ما الأمـر ؟ )) .
عاد ينظر إليها و الكآبة و المرارة غي عينيه : (( جدي كليمنت . لقد
مات . . وهذا هو سبب وجود لوحة (( ماتيس )) في منزلنا لدلاً من أن
تكون في مكانها في قصر (( كاستيلو )) . هل كلامي صحيح ؟ )).
شحب وجه هيلاري , فــأردف ببرودة الثلج : (( في حالة كهذه ,
ليك ألا تكتمي عني المعلومات )) .
أومـأت برأسها وقد اغرورقت عيناها بدموع العطف : (( نعم .
آسفة . لقد مات جدك منذ أربع سنوات )) .
ـ وكيف مـات ؟
قالت راجية ألا يسألها عن التفاصيل : (( بنوبة قلبية , أعتقد أنها
كانت مفاجئة )) .
ســار إلى النافذة و قد تصلبت كتفاه توتراً . شعرت بأنه يريد أن
يبتعد عنها . لقد نبذها من حضوره , وكانت واثقة من ذلك كما لو أنه
صفق الباب في وجهها .
تمتمت وقد فاضت مشاعرها التي كبحتها خوفــاً من أن يجرحها :
(( راوول . . . ؟ )) .
فأجابها بجفاء : (( اذهبي وتفقدي قائمة العشاء )) .
لمعت عيــنــاها المضطربـتـان و قالت : (( لا يهمني هذا . تبعدني
عنك . أنـا أيضـاً أحببت جدتي كثيراً , وكاد موتها يدمرني . . . )).
فأجابها بعنف : (( واحد منا لا يحب عرض مشاعره الخــاصة )) .
ـ كمـا تـشـاء . . . كمـا تـشـاء !
وبوجه شاحب متوتر يعكس خيبة الأمل لرفضه مواساتها لـه ,
استدارت على عقبيها وغادرت الغرفة .
وجدت أمبرتو في الممر برفقته رجل آخر يحمل حقيبة ملابسها ,
فتوقفت هيلاري .
ـ سنيورا .
وبإيماءة خفيفة من رأس , فتح الخادم باب الغرفة التالية وتنحى
جانباً لتتمكن من الدخول أولاً . إنها غرفة نوما ! أخذت هيلاري
تطرف بعينيها و هي ترى روعة الأثاث والمساحة الشاسعة . يبدو من
غير المناسب أن يتشارك الزوجان الثريان غرفة واحدة . يا إلهي . . .
سيكون هذا مربكاً .
وعندما لمحت صورتها في المرآة رأت أن عينيها ما زالتا تلمعان
وكأن دموعها تهدد بالانهمار ! كيف يمكن لكلمة فظة من راوول أن
تحولها إلى امرأة لا تنفك تبكي ؟
لماذا تذكرت أن راوول تصرف معها برقة أكبر عندما أفضت إليه
و أرغمت نفسها على التركيز وهي تتبع أمبرتو إلى خارج الغرفة
مبتسمة بمودة : (( أحب أن أقوم بجولة سريعة في المنزل )) .
كانت تعلم أن هذا ضروري إ ليس بإمكانها أن تدعي أنا تعيش
تحت سقف واحد مع راوول إذا لم تكن تعرف طريقها في أنحائه .
وبالرغم من ذلك , بدأ خداعها هذا يثير أعصابا . لا بد أن
راوول سيستعيد ذاكرته خلال أيــام وعندئذ لن يعود في حاجة إليها .
أتراه سيقدر لها محاولتها أن تساعده ؟ في الواقع , لم تلعب سوى
دور الرفيقة الحسنة المعشر ؟
كان أمبرتو دقيقاً للغاية و هو يجول بها في الأنحـاء و كانت
هيلاري تدفع بسرعة من غرفة إلى أخرى , مذهولة لحجم المنزل .
أثبط همتها الأثاث المحافظ الرسمي رغم أ اللوحات الفنية أسبغت
سحراً على المكان . وفي المطبخ , تعرفت إلى الطاهي لكنها صعقت
حين علمت أن الطعام نفسه يقدم في كل مناسبة .
وإذ توقع الطاهي الفرنسي أن تمنحه مزيداً من الحرية , تقدم منها
و قبل يدها ثم أسرع إلى الحديقة حيث قطف زهرة صفراء عطرة وعاد
بها إليها . وضعتها هيلاري في شعرها ضاحكة ثم صعدت إلى الطابق
الأعلى لتستعد للعشاء .
كانت محتويات حقيبتها القليلة قد أخرجت وعُلقت في غرفة
الملابس . استحمت والتفت بمنشفة كبيرة ثم عادت إلى غرفة النوم
حافية وهي تبتسم لهذه الرفاهية التي لم تتعودها .
كان راوول في انتظارها في الغرفة , فوقفت مجفلة واتجه بصرها
إلى الباب المفتوح بين الغرفتين .
ـ يا إلهي . . . يا لها من زهر جميلة !
فرفعت يدها بخجل إلى الزهرة : (( لقد قدمها لي طاهيك . . . )) .
كان راوول قد استبدل بذلة العمل ببزة من الكتان الفاخر فبدا
غاية في الوسامة ما جعلها عاجزة عن تحويل نظرها عنه .
قطب راوول حاجبيه إذ لم تعجبه وقاحة طاهيه . ومع ذلك , رأى
ما أوحى إليه بهذه اللفتة . كانت بشرة زوجته رائعة وعيناها زرقاوين
كبحيرة شمالي متجمدة وفمها مثيراً كثمرة الكرز . أتراه يشعر في كل
مرة بأنه يريدها مرة أخرى ؟ أتراه يشعر دوماً بالرغبة في تملك الجيد
الأنثوي المثير ؟
وعندما التقت نظراتها بنظراته المشتعلة , شعرت بأنها تتجاوب مع
رجولتـه المــدمرة وسرت السخونــة في أنــحــاء جسمها وارتـجفت
سـاقاها . لم تستطع أن تتحرك , حتى أنها لم تجد ما تقوله .
وتكهرب الجو فيما قال بصوت خافت : (( أريدك , يا حبيبتي )) .
أثار هذا الاعتراف البهجة و الألم معاً في كيانها .
ذات يوم , كانت تحلم بهذه اللحظة السحرية , حين يتخلى راوول
عن تحفظه ويرى أنها مغرية . وما ظنت يوماً أن حلمها سيتحقق لكن
هاهو راوول يقول إنه يريدها .
وذكرت فسها بألم بـأن راوول لا يريدها حقـاً . إنه يعبر فقط عن
رغبة طبيعية في امرأة هي في الحقيقة وهم . المرأة التي يعتقد أنه
تزوجها بشكل طبيعي و التي يعتقد أن بإمكانه أن يثق بها . ولكنها
ليست تلك الزوجة بل هي مجرد امرأة دفع لها ذات يوم أجراً لتلعب
دور عروسه , امرأة لا يهتم بها شخصياً . كما أنها أنى منه مستوى
على الصعيدين الاجتماعي و المهني .
قطب راوول وهو يرى التعاسة و اليأس يعلوان ملامحها ومد يديه
إليها وهو يقول : (( هيلاري . . . ؟ )) .
فقالت بصوت خاف : (( لا علاقة من هذا النوع بيننـا )) .
تجـاهل مــحـــاولتها الــتــمـلص منــه , وأمسك بمعصمـهـا : (( لا
أفهم . . . )) .
خنقتها الدموع . تبين لها أن مــا اعتقدت أنه الصواب أصعب مــا
فعلت في حياتها . وأجابت : (( اسمع . . . هذا ليس بالأمر الهام , وما
مــن داعي للقلق . اعلم فقط أني لست بالأمـــر الـــــهام في حيــــاتــــك .
وعندمــا تستعيـد ذاكرتك ستتذكر ذلك و ستكون مســروراً لأنني جعلتــك
تتوخى الحذر . . . )) .
جمد راوول مكانه ونظر إليها بعينين لامعتين متسائلاً بارتياب :
(( ما الذي فعلته كي أعــاملك بمثل هذه الطريقة ؟ )) .
يبدو أن راوول نسي قوته , فقبضتـه العنيفة كــادت تحطم معصمها
ما جعلها تشهق بضيق : (( إنك تؤلمني )) .
ترك يدها على الفور , مسارعاً للاعتذار لكن كلمــاتـه التــاليــة
أوضحت أنه لا ينوي تجاهل الموضوع الذي كانا يناقشانه .
ـ أوضحي لي مــاذا عنيت بقولك إنك ( لست بالأمر الهـــام في
حياتي ) .
فقالت بضعف : (( كل ما عنيته هو أنــك مشغول دومـاً بحيث لا
تلاحظ وجودي بقربك )) .
ـ إذا كنت غير مخلصة فلا تخفي الأمر . احزمـي أمتــعتـك فقط
و اخرجي من حياتي مرة أخرى .
مــاذا فعلت ؟ فبــدلاً من أن تــدفــع راوول لالتـزام الهــدوء , هــــا هــي
تجعله أكثر توتراً و قلقاً . وهتفت بذعر : (( لا تكن سخيـفاً . . لا علاقة
للأمر بالإخلاص )) .
قال ساخراً وبعنف بالغ : (( اعتاد رجــال أسرتـنـا الزواج من نســـاء
طائشات , لكننا نسارع إلى طلب الطلاق )) .
ـ ســأعتــبــر هذا إنذاراً لــي .
وحــاولت عبثاً أن تبتسم بمرح قبل أن تدخـل الحمام . تملكته
الحيرة وهو يعود بذهنه إلى الوراء ليتذكر : ( لا علاقة من هـــذا النــوع
بيننا ) . ( أنــا لست بالأمر الهام في حياتك ) . ( إنك مشغول دوماً بحيث
لا تلاحظ وجودي معك ) .
أي نــوع من الــــزواج هذا الــــذي يـجمعهما يــنــامــان في غرفتـيـن
منفصلتين , فهل هذا الخيار خياره هـو ؟ لقد لمحت إلى أن علاقتهمــا
كانت كمـا أرادها هو . وثــار غضبه لهذا الاستنتاج فهو يكره الفشل .
كان غريزته تشير إلى أن زواجه يعاني من المشـاكل . وقــــد عكست
زوجتـه صورة عن نـفسه تـظهره مدمناً على العمل , نادراً ما يتقرب
منها . مـاذا يمكنه أن يظن غير ذلك و هو يتذكر تجـــاوبــها معه في
السيارة , وقد بدت عليها الصدمة والدهشة في البداية ثم ما لبث أن
تبعهما اللهفة و التشجيع ؟
لا بد أ إصلاح أي خطأ في علاقتهما ممكن !
ارتدت هيلاري تنورة سوداء قصيرة و بلوزة خضراء . وبعد أن
نظرت إلى الساعة , اتصلت بأختها .
سألتها إيما بلهفة : (( كنت أفكر فيك طوال النهار , كيف حال
زوجك ؟ )) .
ـ إنه بخير , لكن الإصابة في رأسه ما زالت تسبب له بعض
المشاكل . لم يعد هو نفسه تمامـاً .
ـ ما معنى هذا ؟
ـ معناه أن بإمكاني , حالياً , أن أكون مفيدة . . كصديق فقط .
منذ أربع سنوات , لم تطلع أختها على حقيقة زواجها الصوري
هذا , خوفاً من أن تخسر احترامها لها وللزواج أيضاً . ما بدا لها
حينذاك , مجرد كذبة بيضاء لا ضرر فيها , بدا الآن خدعة خبيثة
يصعب الصفح عنها . عندما تتحسن حالة راوول , ستطلع هيلاري
إيما على القصة كاملة . فهي لا تستطيع أن تترك الفتاة الصغيرة تعتقد
أنها السبب في فشل زواج أختها الكبرى .
ـ ما مشكلته بالضبط ؟
تنفست هيلاري بعمق , ثم شرحت لها الأمر باختصار , فهتفت
إيما : (( أتعلمين ماذا يعني هذا , سيمنحكما هذا فرصة لبداية
جديدة ! )) .
ـ لا مجال لأي شيء من هذا , أريد فقط أن أساعده حتى
يشفى . . وهذا كل ما في الأمر .
عندما هبطت السلم , أشار أمبرتو إلى غرفة الطعام المضاءة
بالشموع حيث يتألق الكريستال و الأطباق الصينية و الأدوات الفضية .
و كانت أزهار السوسن تزين المائدة .
وعندما دخل راوول كانت هيلاري تقول للرجل المسن : (( مـا
أجمل كل هذا )) .
كاد راوول يتأوه حين رأى المائدة الرائعة الزينة . ما المناسبة ؟
أهو عيد ميلادها أم عيد زواجهما ؟
وســأل : (( هل نحتفل بشيء مـا ؟ )) .
احمر وجه هيلاري ورفعت كـأسها بيد متوترة : (( أظننا نحتفل
بخروجك من المستشفى )) .
ـ لدي موضوع حيادي . أخبريني عن أسرتك .
لم تجد مانعاً من أن تتحدث في هذا الموضوع : (( ليس ثمة ما
يستوجب الحديث عنه )) .
ـ والداك ؟
كرر سؤاله يريد معلومات عن خلفيتها , فقالت : (( لقد توفيا . قتلا
في حادث سيارة عندما كن في السادسة عشرة . وكانت أختي إيما
في الحادية عشرة )) .
فقطب وســأل : (( ومن كان مسؤولاً عنكما ؟ )) .
لم تشـأ أن ترهق مشاعره بحقيقة حياتهما التعيسة فأجابت : (( عشنا
مع ابنة عم أبي . وإيما الآن في المدرسة الداخلية )) .
ـ هنـا ف سويسرا ؟
جمدت مكانها : (( لا بل في إنكلترا )) .
ـ أليس لديكما أقارب آخرون ؟
ـ كلا . لقد ربتني جدتي وهي إيطالية . عندما كنت طفلة عاشت
معنا .
فقال يلومها باللغة نفسها : (( مع ذلك أنت لا تتحدثين معي
بالإيطالية ؟ )) .
أجفلت , ثم قالت : (( هذا غير ممكن . فأنـا أفهم الإيطالية أكثر
ممـا أجد التحدث فيها . . )) .
فقال من دون تردد : (( لكن يُفترض بهذا أن يكون قد تغير )) .
فتابعت تجيبه بالإنكليزية وقد بان العناد في ملامحها : (( لا , إذ
ضحكت مرة حتى كاد يغشى عليك من لغتي الإيطالية لأن بعض
الكلمات التي أستعملها كانت قديمة الطراز )) .
ـ كنت أغيظك , يا عزيزتي .
غامت ملامحـــهـا . لا , لم يكن يــمـــازحها , فقد كـان متضايـقـاً
لمعرفتها باللغة الإيطالية بما يكفي لتفهم ما اعتبره حديثاً سرياً .
وعادت تقول : (( لقد تجادلنـا قليـلاً لكنني لا أريـد أن أتحدث في
هذا الموضوع )) .
قررت أنه من الفضل أن تبقى صامتة بدلاً من أن غامر وتعطيه
انطباعاً سيئـاً , فركزت على طعامها اللذيذ . وبعد العشاء رفضت
القهوة و أعلنت أنها ستذهب إلى الفراش باكراً لأنها متعبة .
قال برقة : (( لم بلغ الساعة الثامنة بعد )) .
فقالت بجفاء وهي تقف : (( أنا لا أسهر حتى وقت متأخر )) .
نهض راوول بدوره , وعندما مرت بقربه أمسك بيدها : (( ثمة
سؤال واحد عليك أن تجيبي عنه )) .
ـ لا . لا .
نظر في عينيها بحدة , فهو لا يطيق الرفض : (( فكرة من هي أن
نستعمل غرفتين منفصلتين ؟ )) .
فجف فمها وقالت مدركة أنه الجواب الوحيد المناسب : (( فكرتك
أنت . . )) .
بدت على فمه الجميل ابتسامة ساخرة , فــأخذ قلبها يخفق تجاوباً
أشبه بعصفور علق في الفخ . وترك يدها فعادت تكمل سيرها بساقين
واهنتين , وهي تتمتم : (( تصبح على خير )) .
بعد عشر دقائق , وبعد أن غسلت أسنانها , ونظفت وجهها من
زينه , أطفأت مصباح غرفتها ثم قفزت إلى سريرها المريح وهي
تتنهد باستحسان . لكن الإثارة بقيت أقوى من أن تسمح لها بالنوم ,
فعادت بها أفكارها المضطربة إلى الماضي و إلى بداية معرفتها .
لقد وقع في غرام رجـل لم يخرج معها قط في موعد غرامي .
عاد إلى الصالون بع شهر تقريباً . فلاحظ الموظفون الآخرون هذا ,
و أصرت أقدم العاملات على أن تأخذ مكان هيلاري . وتملكتها
الدهشة و السرور عندما اعترض راوول على هذا التغيير وطلبها
شخصياً . ســألته هيلاري : (( هل تذكرت اسمي ؟ )) .
ـ لقد وصفتك لهم .
ـ كيف ؟
ـ هل تكثرين الكلام دوماً ؟
ـ إذا أخبرتني كيف وصفتني فسأخرس .
ـ صغيرة الجسم , ذات شفتين قرمزيتين , وتنتعل حذاء عالي
الساقين .
لم تُسر بها الوصف لكن بعد خمس دقائق نسيت وعدها بأن
تخرس , وسرعان ما وجدت نفسها تسأله عن عمره وعما إذا كان
متزوجاً أن لا , وفي الزيارات التي تلت لم يكن يثرثر معها , لكنه
أصبح يسمح لها بأن تثرثر معه . وسـألـته عن نوع عمله , فأجاب : (( أنا
أعمل في مصرف )) .
وبعد حين , قرأت اسم (( ساباتينو )) صدفة في مقال في قسم
الأعمال من الصحيفة , فتبين لها أن راوول لا يعمل في مصرف بل
هو نفسه صاحب مصرف .
ويوم سمعته يذكر وصية جده واحتمال خسارته لمنزل الأسرة
الذي بدا أنه يعشقه , تدخلت في الموضوع لتعرض عليه أن تلعب
دور زوجته . ترك المكالمة الهاتفية و أخذ ينظر إليها غير مصدق ,
فتابعت وقد التهب وجهها لهذا الاقتراح : (( حسنـاً , ما المانع ؟ )) .
كانت متلهفة لأن تنتهز الفرصة , فتساعده بحيث يلاحظ وجودهـــا
أو حتى يشعر نحوها بنوع من المودة .
ـ يمكنني أن أفكر في ألف مانع و مانع .
ـ أنــت تــعقــــد الأمــــور لأنــــك رجــــل حــــذر للغايـة . لكن مشكلتــك
بسيطة , فأنت بحاجة إلى زوجة مزيفة لتحصل على بيتك و أنا مستعدة
لأن أســاعدك . . .
ـ أرفض منـــاقشة هذا الأمر معك , فقد استــرقت السمع إلى
حديثي .
ـ ربما عليك أن تطلب من أحد أصدقائك أن يساعدك و تخفف
من كبريائك هذه .
ـ أين تعلمت أن تتحدثي الإيطالية الثقيلة هذه ؟
قالت له غاضبة : (( ما الخطأ في لغتي الإيطالية ؟ )) .
راح راوول يضحك : (( أنت تستعملين تعابير قديمة
وكلمات . . . )) .
فقالت وهي تغلي غضباً : (( أنـت فظ للغايـة أحيـانـاً )) .
ـ لقد قاطعت حديثاً سرياً لتعرضي علي مشروعاُ مشيناً . . . فماذا
تتوقعين ؟
ـ كنت أعرض عليك مســاعدة . .
ـ لماذا ؟ إننا غريبان عن بعضانا البعض .
كانت طعنة في الصميم , فأحنت رأسها وهزت كتفيها : (( آسفة
لأنني تكلمت . . . )) .
ـ التجهم غير جذاب .
رفعت رأسها بسرعة مذهلة : (( و ما الذي تجده جذاباً في ؟ )) .
فـأجــاب بجفــاء : (( لا شيء )) .
ـ هيـا . . أنت لا عني هذا . . لا بد أنك تجد في شيئاُ معقولاً .
نظرت إليه في المرآة فوجدته يبتسم تلك الابتسامة النادرة التي
تجعل راحتيها تعرقان وقلبها بخفق . لكنه لم يقتنع . وبعد ثلاثة
أسـابـيـع اتصل بها وطلب منها أن تتناول الغداء معه في الفندق , قائلاً
إن الموعد يتعلق بعمل .
عندما عدد راوول شروط زواج المصلحة الذي اقترحته في
البداية , بدا كرجل أعمال رائع . لكنه قضى على شهيتها فلم تأكل
شيئاً . قال إنه سيدفع لها مكافأة لقاء الخدمة التي ستقدمها له ,
فرفضت . لم تشـأ أن تـأخذ أجراً وكانت تعني ذلك . عندئذ , ذكر
مبلغاً من المال قطع أنفاسها .
ـ فكري في هذا ملـيـاً , و سنناقشه عندما نجتمع فيما بعد . .
ـ اسمع . لو أردت مالاً لما عرضت عليك ما أفعله به . ليس من
الصواب أن آخذ نقوداً أجراً للزواج ؟ أعني أن كل ما تريده هو أن
تحصل على البيت الذي كان ملكاً لأسترك لمئات السنين , ولن أقبل
بأجـر لقـاء هذا .
نظر راوول إليها مقيـمـاً فترة طويلة : (( لا أرغب في التدخل في
أمورك الشخصية , لكنك تعيشين عند خط الفقر ولا أمل كبير لديك
في تغيير أحوالك . . . )) .
ـ أنها مسألة وجهة نظر . .
ـ مساعدة مالية ستمنحك خيارات لم تكن متاحة لك من قبل .
يمكنك أن تعودي إلى المدرسة . . .
فنظرت إليه بذعر : (( لا . شكراً ! المرة الأولى كانت سيئة بما
يكفي . كما أنني أعشق مهنتي )) .
أكمل راوول كلامه وكأنها لم تتكلم : (( عليك أن تكملي تعليمك ,
أن تكوني طموحة )) .
فسـألتـه بأمل مفاجئ : (( هل ستخرج معي إذا ذهب إلى الكلية ؟
لا أظنـك ستنتظر هذا الوقت كله )) .
ـ لا تكوني وقحة بهذا الشكـل . كنت أقدم لك بعض النصائح .
ـ وتغريني بنقودك .
وقد نجح في إغرائها . ففي الأيام التي تلت , خطر لها أن
بإمكانها أن تغير حياتها وحياة أختها بقسم بسيط من المبلغ الذي
ذكره . إذا استأجرت شقة في منطقة أفضل فستتمكن من أن تفصل
أختها عن المجموعة التي تعاشرها . لو اشترت لنفسها صالوناً
صغيراً , فستتمكن من أن تختار ساعات عملها وتمضي مزيداً من
الوقت مع إيما في البيت . في النهاية , وافقت على قبول جزي من
المبلغ الذي أراد أن يمنحها إياه . فقد أغرتها فكرة ما يمكن أن تفعله
بهذه النقود , ولم تشعر كم فقــدتــــه من احتــــرام راوول إلا بعد أن
أخذت الشيك منه .
كتــمت الآهــة التي تــصاعدت مـــن أعماقــها على الـــماضي الــــذي لا
يمكن تغييره , وعادت بذهنها إلى الحاضر بعد أن قاطع أفكـــارها صوت
الباب وهو يفتح . وبعد ثوانٍ , غمر الضوء الغــرفة . أجفلت و أخــــذت
تطرف بعينيها بعنف وهي تنظر إلى راوول , محاولة أن تفكر بوضوح .
و فجــأة , أمسكت يد متسلطة بأغطـيــة السرير و ألقـــتـها بعيداً فأطلقت
صرخة امتزج فيها الذهول و الشعور بــالإهــانـة , فيما انحنى وحملـــها
وكــأنــها طرد عــاد يسترجعه .
صرخت : (( مـا الذي تفعله ؟ )) .
قــال و هو يعدو إلى غرفتـه حاملاً إياهــا بين ذراعيه القويتين :
(( من الآن فصـاعـداً سنتشارك الغرفة نفسهــا يا عزيزتي )) .
فــأجـابـت متمتمة : (( لا أظنــهـا فكرة جيــدة )) .
* * *
نهاية الفصل (( الثــالـث )) . . .

Just Faith 26-11-17 05:50 AM

:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: ::::::::::::::::::::::::::::::::::
4 ـ
تلك المرأة !
وضع راوول هيلاري على سريره وقد توهج وجهها احمراراً .
كانت هيلاري تعشق ارتداء القمصان البالغة الأنوثة إذ تشعرها بأنها
رائعة الجمال . لكن أحداً لم يرها في هذه الملابس المثيرة . لذا ,
انتصبت جالسة في السرير , محاولة بلهفة أن تجذب الملاءة لتغطي
بها ساقيها .
فتح أزرار قميصه و انحنى ليخلع حذاءه فيما حبست أنفــاسهـا
وحاولت أن تحول نظراتها عنه فلم تستطع . إنها لم تنفد قط برجل
في غرفة نومها .
إنها لا تزال عذراء , فراوول هو أول رجل عرفته وتزوجته , وهذا
علمها أن تبتغي ما لا تستطيع أن تحصل عليه .
قد لا تكون مشاعر راوول ممــاثــلـة لمــشاعرها , لكنها لم تنسى
البهجة التي تملكتها حين تجاوبت معه .
كل من عرفته بعده كانت تقارنه به . كانت تحاول أن تشعر مرة
أخرى بما شعرت به مع راوول , ما جعلها صعبة الاختيار .
ـ ســأدخل الـحمــام , يا جميلتي . . .
احمــر وجهـها وحــولت انتباهـها عن عضــلات صـدره السمـراء القوية
البارزة من قميصه المفتوح , وتمتمت تقول : (( لا تنادني بهذه الصفة ,
فـأنـا لست جميـلة )) .
جلس على السرير ونظر إليهـا ضاحكـاً : (( إذا قلت إنك رائــعـة
الجمـال فأنـا أعني ذلك )) .
ـ ولكن . . .
ـ إن قوامك مذهـل .
ـ أنـا لست طويلة . .
ـ لكن قوامك خارق الجمال , لطالما ساورني دافع لا يقاوم لأن
أحملك وأمددك على أقرب سرير .
وهب واقفــاً بينمـــا خاضت معركة ضاربة مع ضميرها , لتحول
بصرها المتلهف للتجسس على حركاته . قالت (( يفرض بك أن
ترتاح الآن بينما أبقى أنـا في غرفتي )) .
فقال ضاحكـاً : (( نامي و كفي عن التـذمـر )) .
كان ضاحكاً مبتسماً . وبدا سعيداً بشكل غير مـــألـوف لها . تـقلبـت
على جنبها وهي تفكر في أن لا ضرر من النوم في ســـرير واحــد .
فالسرير واسع , ومن الغباء أن تثير ضجة بسبب هذا الأمر التافه .
لكن لنفرض أنه تقلب في منتصف الليل و ثارت مشاعره . نعم . .
مجرد افتراض . . فهل ستتمكن من مقاومته ؟ إنها تعلم أنها لا ترغب
في ذلك . واغرورقت عيناهــا بالدموع اشمئزازاً من نفسها , فغالبتها
بغضب .
وحدثها صوت في داخلها بأنه سيستعيد ذاكرته قريباً . وإذا مـــا
أقامت أي علاقة جسدية معه , فكيف سيكون شعوره حيال هذا
الأمر ؟ إنه رجل عازب ذو خبرة , وإذا ما تصرفت بشكل عفوي . . .
وضغطت بأصابعها الباردة على وجنتيها محاولة أن تقتل أفكــارهـــا
هذه . كانت مذعورة من فكرة أنهــا تحاول إقناع نفسها بأن تدع راوول
يفعل بها ما يشاء .
ـ أما زلت مستيقظة , يا حبيبتي ؟
عند سماعها صوته العميق , رفعت رأسها ونظرت إليه من تحت
الملاءة . كان قد لف حول وسطه منشفة كبيرة , وقد تلألأت قطرات
الماء على شعر جسده الأسمر المفتول العضلات .
تأملها بهدوء فيما أومــأت هي ببطء . جلس بجانبها على الفراش
فـأخذ قلبها يخفق بعنف إلى حد جعلها خاف من أن تصاب بنوبة
قلبية .
ـ راوول .
ـ تعجبني طريقتك في لفظ اسمي .
وانحنى إلى الأمام يحتضنها . و عندما تأوهت بصوت خافت وهي
ترفع يديها لتغرقهما في شعره الكث و قربه منها , همس متأوهاً :
(( لك أروع فم رأيته )) .
رفعت عينيها إلى ملامحه الوسيمة ورأسها يدور و قالت : (( لا
يمكننا أن نفعل هذا . . هذا غير ممكن )) .
قال بصوت أثخنته المشاعر : (( سترين . . . )) .
راح قلبـــها يـــخفق بعنـــف , فيما تملكها شعور غريب امتزج فيه
الخجل و الارتباك و البهجة .
ـ منــذ وقعت عيــنـــاي عليــك في المستشفى و أنـا أفكــر فــي أن
أحملك إلى سريري . كان شعوراً ملحاً للغاية . هـل كان الأمر على
هذا الحال في أول مرة رأيتك فيها ؟
فأجــابت وهي تختبئ وجهها في كتفه : (( إنك لم تقل هذا أبداً )) .
ـ أنــا إذن لا أشاركك كل مـا يخطر في بالي ؟
ـ كلا . . .
أبعد وجهه عن وجهها لكي يراها جيداً , ثم عـــاد يعانقها مرة
أخرى بقوة .
قال مسروراً : (( أنت حــارة يا جميلتي )) .
كان جسمها متوتراً حساساً بشكل لم تعرفه قط من قبل , كما لم
يتملكها قط مثل هذه الأحاسيس القوية . فقدت قدرتها على التفكير
وراحت تشعر فقط .
قال لها مداعبـاً بصوت خافت وهو ينظر إليها بعينين جائعتين :
(( لا تكوني عجولاً . . )) .
شهقت هاتفة باسمه : (( راوول . . . )) .
أحـاطت عنقه بذراعيها لئلا يبتعد عنها .
كل قبلة كانت أروع مما حلمت به , وسرعان ما تاهت في عالم
مظلم كان جديداً تماماً عليها .
مشاعرها الجارفة جعلتها تتلوى بارتباك وخجل . كانت تشتعل
شوقاً و تنهدت : (( راوول . . . أرجوك )) .
وفي خضم هذه المشاعر المحمومة , أصبحت عاجزة عن التحكم
في نفسها . جمد مكانه ونظر إليها مشككاً : (( هل ما زلت عذراء أم
أنني أتخيـل ذلك ؟؟ )) .
كانت قد اعتادت كلامه الجريء . لطالما حلمت بأن تكون
لراوول , ولا مجــال للندم : (( لم أكن أعلم أن مثل هذا الشعور
سيتملكني . . . )) .
فقال بلكنته الإيطالية المطاطة : (( زوجتي . . . عذراء فعلاً )) .
أحاطته بذراعيها و قالت : (( أرجوك . . . )) .
مـا إن قامت غريزياً بتشجيعه , حتى استسلم للإغراء . واستسلمت
هي بعجز ووهن لمـا أثاره فيها من أحـاسيس .
خطر لها أنها أوقعت نفسها في الشرك بعد أن أصبحت علاقتها
براوول حميمة .
و في تـلك اللحظة بــالذات , أحـــاطـها راوول بــذراعه وراح يـتــأمـل
وجهها المتوهج بعينيه البنيتين تحت أهداب سوداء , ثم طبع قبلة على
جبينها و هـــــو يقول : (( يا للزوجة العذراء المذهلة ! . هل مــا زلت
عروساً ؟ )) .
شحب وجه هيلاري وأحنت رأسها . لا بد أنه يتساءل عما إذا
كانا عروسين . ولو لم يكن ممسكاً بها , لاختبأت تحت السرير
ورفضت الخروج . كانت من الخجل من نفسها بحيث لم تستطع أن
تنظر إليه أو حتى تفكر في سلوكها .
أتراها جنت تمـامـاً ؟
ـ تبدين هادئة جداً .
فهتفت : (( أنـا متلهفة للاستحمام )) .
وقفزت من السرير .
كان الهرب هو المفر الوحيد الذي فكرت فيه . كان وجهها قد
احمر خجلاً , وحاولت أن تترك الغرفة بشكل طبيعي فيما بدا راوول
مقطباً لا يفهم شيئاً . سـألهـا غير مصدق : (( ما الذي حدث لك ؟ )) .
أرغمت نفسها على الابتسام وأجابت : (( وما الذي يمكن أن
يحدث لي )) .
وعادت إلى غرفتها , وما إن اطمأنت إلى أنها بعيدة عن الأنظــار ,
حتى دخلت الحمام وأقفلت الباب خلفها .
ما الذي سيظنه راوول بها عندما يستعيد ذاكرته ؟ وتملكها شعور
عنيف بالعار و الخزي . سيظنها امرأة استغلالية استفادت من
الظروف . سيدرك أن المرأة المخبولة وحدها تتشبث بالفرصة الوحيدة
التي تتاح لها لكي تقترب منه ؟ سيعلم أنها وقعت في غرامه منذ أربع
سنوات تقريباً وأنها ما زالت تراه جذاباً للغاية . لكنه سيراها هو مثيرة
للشفقة . وانكمشت من المذلة وماتت ألفة مرة لهذه الفكرة .
في الغرفة المجاورة لغرفتها رن جرس الهاتف الداخلي فرفع
راوول السماعة , وقال أمبرتو إن ثمة زائر قد وصل .
تناول راوول ملابسه وهو يسأل : (( من هو الزائر ؟ )) .
تردد الرجل المسن لا يرغب في ذكر اسم الزائر , لكنه أوحى بأن
الأمر يستوجب الكتمان البالغ .
انقبضت ملامح وجهه القوية لأن الاسم الذي ذكره الخادم لم
يعن له شيئاً ما ملأه غضبــاً و إحبـاطـاً .
سـأله أمبرتو : (( أتراني أخطـأت في السماح لها بالدخول ؟ )) .
شعر بالغيظ لضياعه الناتج عن فقدانه لذاكرته , لكنه رفض أن
يتخذ من خادمه المسن موضعاً لثقته . أراد أن يعلم سبب اعتقاد
خادمه أنه أخطـأ بإدخـال المرأة الزائرة إلى بيته , لكن كبرياءه الغاضبة
جعلته يسكت . دخل غرفة الاستقبال الخلفية التي نادراً ما يستعملونها
و التي فتحها أمبرتو للزائرة , فتقدمت منه سمــراء رائعة الجمــال ,
خضراء العينين , طويلة القامة وبالغة الأناقة . ألقت بنفسها بين ذراعيه
وهي تهتف : (( هل لديك فكرة عن مدى قلقي ؟ عندما سمعت شائعة تقول
إنك تعرضت لحادث اصطدام , لم أستطع إلا أن آتي إلى هنـا )) .
أبعدهـا عنه وقد تملكه الارتباك لتحيتها البالغة الإلفة هذه , وبدا
الحذر في نظراته الباردة : (( كما ترين , لم يكن قلقك ضروريــاً . أنـا
بصحة جيـدة )) .
ارتجفت سيلاين ديوروكس بشكل مبـالغ فيه وقالت شاكيـة : (( لا
تكن بارداً بهذا الشكــل )) .
فـأجـاب يريد أن يكسب الوقت : (( هـل كنت بارداً ؟ )) .
زمت السمراء شفتيها ورمقته بنظرة مثيرة من تحت أهدابها . أثـار
التكلف الذي رافق كل كلمة نطقت بها وكل لفتة أعصابه فيما تنهدت
هي وقالت : (( لا بأس . . أعلم أنه ما كان علي أن أخضر إلى هنا
لأنــك تـطالب خليـلتـك بــالتـكتــم و التــحفظ , لكننا لم نعد في القرن
التاسع عشر )) .
لـــم تكن الومضة التي ظهـــرت على ملامحــه , هـي الوحــيــــدة التي
كشفت عن الصـدمة التي أصــابـتـه لكلامها هذا , بـــل الشتــيــمة التي
أطلقــها بـــعد أن لـمعت في ذهنــه . لقــد فهم أخيـراً مـا الـــذي جعـــل
أعصاب أمبرتو الفولاذية تتوتر فسيلاين ديوروكس خليلته وهي واثقة
من نفسها بما يكفي لتزوره في بيته رغم علمها أنه متزوج .
موقف خليلته عكس ما سيكون عليه موقفه نحـــو زوجته . و خطـــر
في باه أن تلك الشتيمة التي خطرت لــه الآن , تــنـطبق أيــضــاً على
سلوكـه قـبل الحادث . لم يحتج إلى عبقرية ليدرك سبب فشل زواجه ,
أو لما قالت له زوجته إنه لا يهتم بها . . فقد كانت له علاقة .
ـ ما زلت أرى أنه كـان من الحكمة لو قــاومت رغبــتــك في القــدوم
إلى هنـا . لكن , وبمــا أنك هنـا الآن , فمــن الأفضـل أن أخبرك أن
علاقتـنــا انتهت .
عنـدمـــا أخذت تـتـأمله مدهوشـة غــاضبــة , أنهى حـديـثـه بــالأسـف
المعتاد ؟ كان بعلم أن كلامه غير مقنع , لكن همه الوحيد هو أن يبعــد
سيلاين عن بيته قبــل أن تـراهـا هيلاري فتعتبر ذلك بمثابة صفعة في
وجههـا . لم يـتـعود أن يـجد نـفسه مخطئـاً وقد ثــارت ثـائرته عنـدمـا
اكتشف أن حياته الخاصة مضطربة . أشارت سيلاين إلى أنه لم ينضم
إليها في الموعد المحدد بينهما أمس فقط , ما لا يترك مجالاُ للشك .
كان غير مخلص لزوجته , فلا عجب في أن يحس بمثل هذا التوتر
بالنسبة إلى علاقتهما .
ترى هل هيلاري على علم بعلاقته بسيلاين ؟ إنها على علم طبــعـاً
بوجود امرأة أخرى ! وهذا هو السبب في أن زواجهما غير مكتمل .
هل رفضت هيلاري أن تشاركه الفراش لأن لديه خليلة ؟ لقــــــد طُلب
منها ألا تعطيه معلومات مزعجة , وهي لم تـخبـره بشيء قد يزعجه .
لكنها لم تتمكن من إخفاء انزعاجها واضطرابها بعد أن ناما في سرير
واحــــد وإلا لاستــنــتــج أنها مــــا زالت عـذراء فقط لأنهما مــا زالا
عروسين .
لكن تفسير سبب عذريتها و الشعور بالذنب تجربة جديدة بالنسبة
إليه .في الواقع , وبما أنه رجل من آل ساباتينو فقد اعتاد أن يقدر
الأخلاق , فهم رجال ساباتينو يعتزون بكرامتهم .
لكن زوجـــاتــهم أظهرن طمعاً وميلاً إلى الخيانة وضعفاً أخلاقياً .
يبدو أن هيلاري أفضـل من النساء اللواتي اختارهن أسلافه .
بقي صامتـاً بينما راحت سيلاين تحاول أن تجعله يغير رأيه قبل
أن تتهمه , أخراً , بالقسوة و عدم الإحساس . لم ينطق بأي كلمة .
سيعوض عليها بشكل سخي بعد أن أنهى علاقتهما بشكل مفاجئ .
وتصاعد غضبها لفشلـها في أحداث تأثير ملموس فيه فتركته أخيراً
خارجة إلى الردهة . وكانت هيلاري قد استجمعت شجاعتها وقررت
البحث عن راوول إذ شعرت بالقلق حين غاب عن غرفة النوم
طويلاً . فخـرجت في الوقت نفسه الذي كانت سيلاين ديوروكس
تجتاز فيه الردهة في الأسفل . وقفت هيلاري جامدة على فسحة
السلم تحدق في المرأة الغريبة , ذات الشعر الكستنائي المرفوع ,
و الوجه المذهل الجمال والساقين اللتين بدتا لها بطولها .
رأت السمــراء تـخرج فتـســاءلت عمن تـكون . هــل كـانـت تـزور
راوول ؟ أيمكن أن تكون عشيقته ؟ لماذا لم يخطر في بالها أن راوول
على علاقة بامرأة ؟ وتملكها القلق و الضيق فـأسرعت عائـدة إلى غرفتها
و لجأت إلى السرير . آخـر فكرة خطرت لها قبل أن تستسلم للنـوم ,
هي أنه لو كان في حياة راوول امرأة أخرى لما اتصلت بها عمته في
لندن .
وبعد عشر دقائق , وقف راوول ينظر إلى زوجته النائمة . بدت
أهدابها مطبقة وكأنها بكي . الضمير الذي لم يكن يعلم انه يملكه ,
أخذ يخزه الآن . في مراهقته , لم يُضع وقتـاً أو جهداً على النساء .
لم يقع في الحب قط , واعتاد أن يتركهن هو . لكن هذه المرأة
بالذات مختلفة , لأنه تزوجها وجعلها تعيسة . أظافرها المقضومة
تتحدث عن ذلك وهي تستحق أكثر مما وجدت . لم تذكر سيلاين ,
وهذا أمر مناسب , وهو لن يـأتـي على ذكرها أيضـاً . إنها زوجته
وسيتابعان من تلك النقطة .
عنـــدمــــا استيقظت هيلاري أخـــذت تتمطى نظرت إلى ساعتها بـذعر ,
فوجدت أن بعد الظهر حل . راودتـها أحـــلام مزعجة مــــا جعل ليــلتــها
مضطربة فتأخرت في النوم . نزلت من الــســـريــر وحــاولت أن تــشغل
نفسها , لكن عقلــها راح يخونها طوال الوقت . تــذكرت راوول بشعــره
الأسود الرطب و عينيه القاتمتين الرائعتين وارتجفت . مجـــرد التـفكيــر
في راوول جعلها تشعر بوهن في ركبتيها . مظهره البـارد القاسي يخفي
خلفه مزاجاً دافئاً مشبوباً .
لكن سعادتها الكبرى تكمن في أنها أصبحت تجــرؤ على القول إن
راوول رجلها . ورغـــم سخــافة هذا الأمـــر إلا أنه حلمها . الليلة
الماضية , حطمها الشعور بالذنب لأنها شــاركت صادقة مع راوول
فراشه , لطالما كانت مستقيمة و صادقة لكن الأحداث جعلت من
المستحيل أن تكون مع راوول . لكن فيما هي تبعد الستائر لتكشف
عن نهار مشرق , قررت أنها متعبة للغاية و قاسية على نفسها .
إذن , فقد أتمت زواجها مع راوول ! وبينما يبدو هذا خطوة هائلة
بالنسبة إليها , إلا أنها تظن أنه ليس ذو أهمية بالنسبة إليه .
إنه بالغ الثراء و الوسامة و لا بد أنه ذو تجربة واسعة مع النساء ,
سواء أعجبها هذا أم لا . لعلها زوجته لكنه لا يتذكرها . ومع ذلك
لم يضع الوقت سدى . لكن , بصراحة , ليس لديها ما تشكوه من
هذه الناحية . في الواقع , كانت أشبه بجارية ترجو أن يشعر بالحرية
معها فيكرر ما حدث بينهمـــا .
إنها غارقة في غرام راوول ولم تكن تتصور أن تمنح رجلاً غيره
حبها . فماذا لا تجمع ما أمكنها من الذكريات غير الضارة
للمستقبل ؟ وبعده ستعيش وحدها لأنها لا تؤمن بالعيش مع ما
يسمونه بخيار ثان .
فما من رجل يقارن براوول البالغ الوسامة و الجاذبية , عدا عن
الذكاء و القوة . إن الرجال الآخرين يتقلصون أمــامه .
هذا هو السبب الذي جعلها لا تستطيع نسيـــان حبها . سمعت صوتـاً
في غرفة النوم فخرجت من الحمام و أحمر الشفاه لا يزال في يدها .
وعندما رأت زوجها واقفاً عند العتبة , تمتمت : (( آه . . . أهذا أنت ؟ )) .
فقال بصوت أجش : (( يا لك من محـبــة للنـوم )) .
استقرت نظراتها على وجهه القوي , وتسارعت خـفـقــــات قلبـهـا .
وعندما لاحظ مجموعة مساحيق الزينة الموجودة على الطاولة قطب
جبينه : (( لست بحاجة إلى هذه الأشيـاء . تـخلصي منها )) .
نزعته الاستبدادية أثـارت فيها نزعة التمرد , فعادت إلى المرآة
وأخذت تصبغ شفتيها بيد متمردة : (( أنـا أحب الزينة )) .
قال بنبرة عكست دهشته لاستخدامها مساحيق الزينة معه : (( لكن
يجب أن تعلمي أنني لا أحبـها )) .
فقالت : (( لحسن الحظ أن لديك الخيار في ألا تستعمل مساحيق
الزينة )) .
ـ دعي عنك السخرية . إنني أكره كل مـا هو زائف .
نظرت غليه قائلة بابتسامة عريضة متسامحة : (( إنك رجل مذهل . . .
فأنت متحكم , مدلل )) .
فقال بشيء من الارتباك : (( مدلل ؟ )) .
ـ نعم . أينمـا ذهبت يــحيـــط بـك أنـاس يتملقون أوامرك . خـــدم .
موظفون . . . ظنن أنك تعبت من السيطرة إلى هذا الحد , كن يبدو
أن استمرارك في إعطــاء الأوامر ينعشك )) .
فقال بهدوء : (( عندما أعبر عن تفضيلي لأمـر ما فهذا لا يعني أنني
أعطي أوامر )) .
ـ هذا أشبه بإعطـاء الأوامر . لن أزيل زينة وجهي فقط لأنها لا
تعجبك . أنت ترتدي بذلة مملة تماماً . . . فهل تلقي بها لأنها لا
تتناسب مع الزي الحديث ؟
ـ أنـا لا أرتدي الأزيـاء الحديثة في المصـرف .
سمعت نفسها تقول وقد تملكتها الإثـارة : (( لكنك لست في
المصرف الآن )) .
فجذبها إليه من دون سابق إنذار وهو يقول : (( أنت جريئة جداً )) .
أشرق وجهها وهي تنظر إليه . . . وجذبها أكثر فكادت تذوب بين
ذراعيه القويتين , وهمست : (( أتعني أنني و قحة ؟ )) .
أحــاط وجهها بيديه السمراوان . كانت عيناها الزرقاوان تعكسان
التشجيع , فتسمرت نظراته على ملامحها بنهم : (( كل ما أعرفه هو
أنك تبعثين الحرارة في كياني . ولولا أن الخادمات في الغرفة
المجاورة يحزمن أمتعتك , لبرهنت لك بالفعل مـا أقوله . وأظنك
ستحبين ذلك يا حبيبتي )) .
سرت الحرارة في جسدها . كادت لا تصدق أنه قال لها هذا
لكن نظراته العنيفة أكدت كلامه . ارتجفت ساقاها وشعرت بالوهن
والإثارة لجرأته , وتسارع نبضها .
و تابع يقول مفكراً : (( بإمكاني أن أفعل هذا من دون أن تتأثر زينة
وجهك )) .
فقالت بصوت خافت : (( ربمـا . . . )) .
نظر إلى وجهها التي تعلوه المشاعر المحمومة , وضحك راضيـاً :
(( لكنني سـأقـاوم لهفتي حتى تمسحيها عن وجهك )) .
ـ إذن , ستنتظر وقتاً طويلاً .
و انتزعت نفسها بــعنـف مبـتـعدة عنه , ثم ترددت . عليها أن تســألـه
عن زائرة الليلة البارحة سواء شاءت ذلك أم لا : (( رأيت المرأة التي
جـاءت لزيارتك الليلة الماضية وتساءلت عمن تكون . . . )) .
جمد راوول في مكانه : (( أي امرأة ؟ )) .
فـاحمر وجهها : (( شعرها طويل أسـود . . . وهي جذابة جداً )) .
ـ آه , تلك المرأة . .
وهز كتفيه بهدوء رائع من دون أن تتحــرك أي عضلة في وجهه :
(( إنها موظفة عندي )) .
مـــوجــــة الارتياح التي اكتسحت كيــــان هيلاري جعلتــــها تشــعر
بالدوار . غباء منها أن تخاف من كل سمراء جميلة . وسمعت شخصاً
في الغرفة المجاورة يوجه سؤالاً على راوول , فقال لهـا : (( هيلاري ,
تــــقول الخـــادمة إنـــها لم تجــد في حقيبتك سوى القليل من الملابس .
أين بقية ملابسك ؟ )) .
عـادت إلى الواقع بعنف وجمدت مكانها مذعورة . من الطبيعي أن
يتوقع راوول امتلاكها لكثير من الملابس . ألا يفترض أن تكون
زوجات الأغنياء مجنونات بالملابس الحديثة الطراز ؟ ألا يفترض أن
تكون غرفة الملابس تلك مليئة بالملابس ؟ كيف لها أن تفسر فراغ
الخزائن و الأدراج ؟
حاولت مذعورة أن تجد سبباً معقولاً لقلة ملابسها . وأخيراً هزت
كتفيها : (( حاولت أن أتخلص من كافة الملابس غير المرغوبة فيها )) .
ـ لكن الخادمة تقول إن لديك ثـوبين هنــا فقط , يا عزيزتي .
عضت شفتها السفلى و أخفضت بصرها . لقد أصبح ذهنها صفحة
بيضاء : (( شغلتني بعض الأمور مؤخراً . . . )) .
طال الصمت , فنظرت إليه متوترة لتجد ملامحه جــامدة .
بادلها النظر فتمتمت : (( علي في الحقيقة أن أذهب للتسوق )) .
ـ أظن أنك كنت تعيشين في مكان آخـر .
فهتفت متوترة : (( بالله عليك . . . )) .
ـ إذن , أوضحـــي لي بــشكــل مقنـع سبـب خلــو خزانــتــك من
الملابس .
تملكها توتر عنيف , وتنفست بعمق , وإذا بالإلهــام ينزل عليــها
فقالت : (( حدث بيننا خصاك غبي لأن ذوقي في الملابس لم يــكن
يعجبك . . . وتملكني الغيظ منك , فألقيت بعيداً بكل ما لدي ! )) .
أخذ ينظر إليها متأملاً : (( يمكنني أن أتصور ذلك بعد مــا عرفته
عنك من سرعة انفعــال )) .
خفف كلامه من توترها , وســألتـه : (( لمــاذا تـحــزم الخــادمــات
أمتعتي ؟ هـل نحن ذاهبان إلى مكــان مــا ؟ )) .
ـ نعم . إلى قصــر (( كاستيلو ساباتينو )) .
* * *
نهاية الفصل (( الرابع )) . . .

Just Faith 26-11-17 05:50 AM

:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: ::::::::::::::::::::::::::::::::::
5 ـ
عروس زائفة
كان (( كاستيلو ساباتينو )) قصراً من القرون الوسطى , يقف منتصباً
كالحارس مشرفاً على وادٍ مشجر قريب من الحدود الإيطالية . رأت
بحيرة هادئة ذات مياه كالبلور تداعب أسفل الأسوار الحجرية
العالية , بحيرة أشبه بمرآة تحت السماء الزرقاء وقرب جبال الألب
التي توجت قممها بالثلوج . كان القصر ومحيطه يحبسان الأنفاس
لجـمــالهــما , ولم تدهش هيلاري لأن راوول رضي بأن يتزوجها
ليضمن حصوله على بيت أسلافه .
الطائرة المروحية التي استقلاها في جنيف حطت في المكان
المخصص لها . حملها ونزل بها من الطائرة بسهولة , ثم أمسك
بيدها ليسيرا الأمـتـار القليلة الأخيرة . رأته يعبس في الشمس ثم
يخفض رأسه الشامخ وكأن أشعة الشمس المتألقة تؤذيه .
سألته بقلق : (( هل أنت بخير ؟ )) .
قال بصوت عميق وبنبرة مختصرة , بغيظ رجل لم يتعود التذمر
و الشكوى : (( أنـا متعب قليلاً , ليس إلا )) .
وبعد لحظــات صمت أردف : (( ذهبت إلى مكتب في الخامسة هذا
الصباح . . . )) .
فوقفت جامدة : (( ماذا . . . فعلت ؟ )) .
ـ أنـا صاحب مصرف (( ساباتينو )) و لا يمكنهم التصرف من دوني .
علي أن أتآلف مع الأحداث الجارية , وأطمئن إلى أن العمل مستمر
من دوني و أتصرف مع ما لا أفهمه .
ـ لا أستطيع أن أصدق أنك ذهبت إلى ذلك المصرف التعيس
مع طلوع الفجر , حتى قبل انتهاء الأربع وعشرين ساعة راحة التي
أمـر بها الطبيب .
ورآها ترتجف غيظاً , فقال : (( فعلت مــا هو مفروض بي أن
أفعله )) .
تأملت فكه الصلب الذي بدا وكأنه قُد من صخر , كان من العناد
بحيث أوشكت أن تصرخ . بدت بشرته السمراء , في الضوء الساطع
بلون الرماد . بدا مرهقاً للغاية .
ـ في الواقع , ليس لديك أي احترام لصحتك .
كان راوول في هذه الأثناء يجتاز البوابة الكبيرة لمدخــل القصر ,
فرمقها بنظرة قاسية بدا فيها فروغ الصبر : (( هل صورت حقاً أن
بإمكاني أن أغيب عن المصرف من دون أن أعلن السبب ؟ غيابي
سيسبب ذعراً سينتهي بانهيار العمل )) .
ســألته وهي ترى تقطيبة الألم في حاجبيه : (( وما هو السبب الذي
أعلنته ؟ )) .
ـ قلت إن الحادث تسبب في إصابتي بازدواج الرؤية , وإن علي
أن أريح نظري . وبهذه الطريقة ســأتـمكن من أن أتلقى المعلومات من
مساعدي من دون أن أثير الفضول و التعليقات .
فقالت بإعجــاب : (( يا لك من محتـال )) .
ـ وأضفت إلى ذلك أنني ســأستغـل الإجازة المرضيــة المفروضة
علي من العمل واستمتع بإجازة مع زوجتي .
ـ يا إلهي . . وهل أدهشهم هذا ؟
طرحت هذا السؤال وقد جف فمها , فالذهول الذي بدا على
أمبرتو حين سمع أن راوول متزوج جعلها تدرك أنه أبقى خبر زواجه
سراً عن الجميع باستثناء عمته بوتيستا . لذا فلا بد أن أي إشارة إلى
زواجه ستدهش الموظفين في المصرف .
قال : (( إن دهشتهم مبررة , فـأنـا لم أتـعود أخـذ إجــازات .
بالمناسبة , كان عليك أن تناقشي معي مسألة منع تحويل أي
اتصالات هاتفية إلي )) .
فاحمر وجههـا : (( كان عليك أن تصر أن بإمكانك أن تجيب
عليها )) .
ـ على المدى القصير , كانت فكرة حسنة .
وتوقف ليرد تحية مديرة المنزل وهي امرأة في منتصف العمر
خاطبها باسم (( فلورنزا )) . جمد عند أسفل السلم الحجري ,, ثم قال
بشيء من التعنيف : (( ولكن لا تتصرفي مرة أخرى بالنيابة عني من
دون أن تتشاوري معي )) .
أغضبها تعنيفه هذا , فتحت فمها لترد عليه بحدة لكنه ضغط
بأصبعه على شفتيها فارتجفت وقد شعرت فجأة بالشوق إليه , وعاد
يقول : (( أنت تعلمين أنني على حق . . )) .
ـ لا . لا أعلم أنـك على حق . ما الذي حدث ؟
حدق إليـها بنظرات شاردة , قبل أن يعبس ويعود فيحدق إليـها
سائلاُ بقوة : (( أنت ركضت خلفي في الشارع . . . )) .
عند هذا التصريح الغريب , نظرت إليه من دون أن تقهم . ولكن
عندما ضغط بيده على جبينه متشككاً , قالت : (( راوول . . إجلس ,
بالله عليك )) .
فقاطعهـا بخشونة : (( كلا . . . )) .
طوق خصرهـا النحيل مضيفاً بذراعه : (( سنصعد إلى الطابق العلوي
لنتحدث عن هذا على انفراد )) .
فهمست وقد شعرت بالتوتر : (( نتحدث عن ماذا ؟ )) .
فهمت عندئذ قوله : (( أنت ركضت خلفي في الشارع )) . فعادت
تقول : (( لقد تذكرت لتوك شيـئـاً من الماضي . . كما تذكرت شيـئـاً
عني . . . )) .
وتملكها حرج بالغ بينما قال : (( بهذا الأمر وكأن شخصــاً لوح
أمــامي بصورة قديمة . . )) .
وبحــــركة دلت على فـروغ صبره , دفع بـابــاً فانــفتــح على غرفة
استقبال أنيقة . ورغم أن هذا المقدار الضئيل من الذكريات الضائعة
حيره , إلا أنه أكسبه قوة . وتابع يقول : (( كنت تحاولين أن تعيدي إلي
بخشيشاً منحته لك . . )) .
ـ نعم . .
وشبكت يديها معاً ثم فكتهما ثم أعادت شبكهما , بينما أخــذ هو
يحدق إليها بحيرة وعدم تصديق : (( لماذا أعطيتك بخشيشاً ؟ هل كان
ذاك مزاحــاً أو مـا شابـه ؟ )) .
أصبــح وجههـا بشحوب وجوه الموتى وشعرت وكأنها تلقت
صفعة . رأت الهوة تتسع بينهما , فهي ليست كما توقع أن تكون ,
وهي ليست ولن تكون جزءاً من عالمه المترف .
قالت : (( كنت قد حلقت لك شعرك لتوي )) .
ـ شعـري ؟
وحدق إليـهـا وكــأنــها مهـــرج أمــــامه فيــما زمت هي شفتــيــــها وأومــأت
برأسهـا : (( أنـا . . أنـا حلاقة . وهذا (( البخشيش )) الذي دفعته , كان في
أول لقــاء لنـا . . . )) .
ـ يا إلهـي ! يمكنني أن أتـذكر مــا شعرت بـه وفكـرت فيه في تلك
اللحظة في الشارع ! آثرت في رغبة قوية للغاية . أردت أن أجــرك إلى
سيـارتـي الليموزين , ومن ثم إلى الفندق حيث نـمضي معاً عطلة نهاية
أسبوع كـاملة .
احمر وجههـا , ليـعود إلى طبيعته لاحقاً ببط وألم . حسنـاً , على
الأقل لم يحاول أن يزيف عواطفه بل اعترف بصراحة بما شعر به
وعيناه العنيفتان مسمرتان عليها . عليها أن تكون شاكرة لأنه وجدها
جذابة , رغم أنه كان من الجفاء و الفظاظة بحيث لم يظهر ذلك .
لكنها لم تكن شاكرة بل غاضبة مجروحة . ما الذي تصلح له برأيه ؟
تمضية عطلة أسبوع معها ؟ أهذا كل ما تصلح له ؟ أيظنها مومس
تذهب مع رجل تكاد لا تعرفه إلى الفندق ؟ وشعرت بألم مبرح .
كانت لترافقه لو طلب منها ذلك . لعلها ما كانت لتفعل ذلك في ذلك
اليوم الأول لتعارفهما لكن في ما بعد بعد أن سلب عقلها وقلبها
بحيث أصبحت مستعدة للقيام بكل ما يلزم للحصول عليه . وخنقتها
الدموع .
اتكأ إلى الجدار خلفه , محاولاً بجهد للتحكم في الإرهاق الذي
يشعر به , وقـال : (( هل يضايقك كلامي ؟ ما كان لي أن أقول ذلك )) .
فقالت بمرح زائف : (( لا تقلق لذلك , فــأنــا لــست مرهقة
الإحساس . أرجوك أن تستلقي فترة فأنت تبدو متعبـاً )) .
فك ربطة عنقه وفتح قميصه ثم سار إلى الغرفة الملاصقة لهذه
الغرفة . قالت له من عند الباب : (( أظن أن علي أن أستدعي طبيباً )) .
ـ لا شيء يستدعي ذلك . كفى اهتماماً لا داعي له .
أخذت تنظر إليه وهو يستلقي على سريره من دون أن يخلع
حذاء حتى , ثم جذبت الستائر على النوافذ .
قال وعيناه نصف مغمضتين : (( كان عليك أن تعلمي أنني من يقرر
لنفسي , يا عزيزتي )) .
ـ هذه ليست مشكلة .
تكلمت بحنان وعادت لتجلس على السرير ثم شبكت أصابعها
بأصابعه . رغبته في أن يتخذ قراراته بنفسه ليست مشكلة ما دام قراره
ينسجم مع استنتاجاتها .
ـ مــا قلتـه . . . إن وميض الذاكرة ذاك فاجأني ما جعلني غير
مهذب .
فأجابت بصوت هادئ , حلو كالعسل : (( لم تكن غير مهذب بل
جلفـاً نوعـاً ما , لكن سأسامحك هذه المرة لأنك لطالما كنت أكثر
الرجال الذين عرفتهم شاعرية )) .
استرخت قبضته ونظر إليها مذهولاً : (( شاعريـة . . .؟ )) .
حتى في حالة الضياع التي تتملكه , التوى فمه الواسع ساخراً من
كلامها وهو يتابع : (( هذه مزحة منك . . . )) .
ـ كلا , إنها ليست كذلك.
طوقها بذراعه وتمتم ناعساً : (( يمكنك أن تبقي هنـا حتى أنــام )) .
أوشكت أن تقترف غلطة فتسأله إن كانت أمه قد اعتادت أن تفعل
ذلك . لكنها , و الحمد الله , تذكرت أن مثل هذه الأمور لم تحصل في
طفولته , فقد كان عمره سنة واحدة عندما تركته أمـه هاربة مع عشيقها
ولم تعد حتى لزيارته . عندما لم يستطع أن يتجنب أسئلتها الكثيرة ,
أخبرها هذا في جملة واحدة مختصرة لكنها انغرزت في قلبها
الحنون .
عندما استغرق في النوم , نزلت إلى الطــابق السفلي و تـنـاولت وجبة
لذيذه في غرفة طعام رائعة مؤثــثـة بشكل فخــــم . لم يـــسمح قلبـــها
لأفكارها بـأن تتحول إلى أي موضوع آخــر غير راوول . بدا واضحـاً
أنها ستعود إلى وطنها قبل أن يمضي وقت طويل . و بـــدلاً من أن
تـسعدهــــا هذه الفكرة , شعرت بحزن لا يحتــمل فذلك يعني أنـــها
ستفقد راوول مرة أخرى . لقــد تذكر اليوم تفاصيل من السنـــوات
الخمس المفقودة من ذاكرته . حدث ذلك بشكل أسرع مما توقعت .
حين قــــــال الــــدكتـــور ليرذر إن فقدان الذاكرة لــــدى راوول مؤقت
اعتبرته متفائلاً جداً لكنها ترى الآن أنه كان على حق , قريباً سيتــذكر
راوول أحداث السنوات الخمس التي نسيها . بعدئذ لن يــحتـاجها .
لكن , هل سبق و أن احتاجها من قبل ؟ أم أن هذا مجرد تـمـنيـات
منـها ؟
تكومت في كرسي قرب سرير راوول , تتأمله أثناء نومه . حدثت
نفسها بأنها ستحرص من الآن فصاعداً على ألا تكون علاقتهما
جسدية . فعندما يتذكر حقيقة زواجهما , كيف ستكون نظرته إليـها ؟
ألن يجد اكتمــال زواجهما غريــبــاً ؟ هــل سيهتم بها على الإطلاق ؟
وهمس صوت في داخلها مواسياً بأنه رجل , أي أنه لن يضيع الكثير
من الوقت في التســاؤل عما جعلها تــقـــدم على بعض التــصرفـــات
المعينة . لا . . . جل ما سيرغب فيه هو العود إلى حياته الحقيقية .
لعله سيرتاح عندما يعلم أنـه ليس بحاجة لأن يعتبر نفسه متزوجـاً ,
بحسب الشروط المتفق عليها . عندما يستعيد ذاكرته كلياً , سيضحك
كثيراً لمنحى الذي اتخذته الأحداث .
عندما استيقظت هيلاري , كانت في السرير وضوء النهـــار يتسلل
من بين الستائر ليقع على رأس راوول المنحني ينظر إليها .
تمتمت وقد فوجئت : (( كم السـاعة الآن ؟ )) .
فقال وعيناه اللامعتان تتأملانها : (( السابعة وخمس دقائق . لقــد
نمت طويلاً , وأشعر أني . . . )) .
فقاطعته : (( لا أتذكر أنني نمت في سريرك )) .
ـ لم تفعلي , بل كنت نــائـمة على كرسي . ما كـان لك أن تقلقي
علي إلى هذا الحد , يا عزيزتي . إنني أجيـد رعايـة نفسي .
سرت نبرته الحنون في كيانها , ومن دون وعي منها وجدت
نفسها تندس فيه . لكنها ما لبثت أن ذعرت لتصرفها هذا بينما يُفترض
بها أن تقطع أي علاقة بينهما . وشعـــرت بـتــعاسة فجلست منتصبة
بحركة مفاجئـة ومن دون تردد أعــادهـا راوول إلى وضعها الأول ,
وعيناه تعكسان جوعاً من دون خجل : (( لن تذهبي إلى أي مكان , يا
" سيدة ساباتينو )) .
مخاطبته لها بلقب الزوجة زاد من ألمهــا .
ـ ولكن . . .
ـ أنت مضطربة جداً هذا الصبـاح ولكن من غير المسموح لك أن
تغادري السرير قبل أن أسمح بذلك .
عندما رفعت بصرها إلى وجهه الوسيم , انتفض قلبها وشعرت
بالوهن و الشوق .
أخـذ قلبها يخفق بسرعة راضياً بعد أن تـــأمـلــــها : (( أنت
تريدينني يا جميلتي )) .
ـ نعم . . .
لم تستطع أن تصدق كيف فقدت قدرتها على التفكير , فكيف
بقدرتها على مقاومة شعورها ؟ تلهفت إليه , وراح جسدها يحترق
بفروغ صبر , ما جعلها تخمد ذلك الصوت الخافت في أعماقها الذي
يحذرها من أن مــا تفعله خطـأ .
واستمتعت بعواطفه المشبوبة و احتضنت رأسه أسود الشعر وتخللت
شعره الكث بأصابعها لتمر بيديها بعدئذ على كتفيه العريضتين .
ـ أنت تجعلينني جائعاً إليك للغاية .
رفعت بصرها إليه , معجبة بجمال رجولته . تملكتها موجة من
الحب و الرضى , كما اغرورقت عيناها بدموع السعادة . راح يقاوم
تفحصها الدقيق له وحمرة الخجل على بشرتها العاجية . لكنها لم
تستطع التـوقف عن التحديق إليـه . كانت وجنتاه عاليتين وملامحه
تعكس الكبرياء . كما أن وسامته مذهلة بالرغم من لحيته التي لم
تحلق منذ يومين .
همست وهي ترتجف , واضعة أصابعها على فمه : (( و سامتـك
تحبس أنفاسي . . . )) .
أمسك بيدهــا ثم أخــذ يحـدق إلى أصابعها بدهشة : (( أين خاتم
الزواج ؟ )) .
تـملكها الذعر . كـــان عليها أن تتذكر أن الزوج يتوقع أن يرى
خاتـمــاً في إصبع زوجته .
ـ أنـا . . . لم أشـأ أن ألـبــس خــاتـماً .
اتــكـأ إلى الوسائد خلفه بعنف : (( لِمَ لا ؟ )) .
احمر وجهها وقالت متلعثمة : (( كنت . . . ظننت أن (( المحبس ))
تقليد قديم . لا أفهم لمـا علي أن أهتم . . . )) .
ـ لن أقـبـل هذا العذر . لقد تزوجتك و أتوقع منـك أن تلبسي خـاتـم
زواج .
شعرت بالـــذعر لاضطرارهــا إلى الاستـمــرار في الكذب لتـغطيــة
ادعائها , ولم تـستـطع مواجهة عينيه : (( ســأفكـر في ذلك )) .
قال وهو يقفز من السرير : (( لا , لن تفكري في ذلك . سـأشتـري
لك خاتم زواج وستلبسينه وتنتهي القصة )) .
عندمــــا وصـــل إلى منتصف الغرفة وقف والتفت إلــيـهـا . بـدا وجهه
جامداً وعيناه متحديتين حين قال : (( أتعلمين ؟ لم تخبريني قط لما لا
تزال زوجتي عذراء . . . )) .
قـالت بلهجة دفاعيـة متـوتـرة وهي تـجلس في الــســريــر ممسكـة
بالملاءة تشدها من حولها : (( ولن أخبرك طالمـا تتحدث إلي بهذه
اللهجة )) .
ـ علــيـك أن تصرفي بشكل أفضل , يا عزيزتي .
فردت عليه بالإيطالية بعنف : (( لا , لـيس علي هذا . عندمـا تستعيد
ذاكرتـك سـتـدرك أن ما من غموض يحيـط بعدم خـبرتي . . . )) .
ـ هل هذا صحيح ؟
ـ كما لن تعتبر الأمـــر مهمــاً للغايــة .
ـ أخبريني بأمـر واحد فقط . لمــاذا تزوجتـك ؟
جمــدت لحظة , ثم قالـت بغموض : ( تزوجتني للأسبــاب المعتـادة
كلها . . . )) .
ـ أتـعيــن أنني وقعت في غرامك ؟
ـ لن أقــول شيـئـاً .
ثم عــادت ففكرت في أن تـقول ما يـتـوقع أن يــسمعه فينتهي هذا
الموضوع .
ـ لا بأس . لقد وقعت في غرامــي .
استدار وتوجه نحوهـا بتـوتـر واضح : (( إذن , وقعت في شرك
الحكــايــات الخرافية ؟ )) .
فـقــالت بشيء من التوتر هي أيضـاً : (( وما الذي يمنع ذلك ؟ )) .
فانحنى يرفعها عن الـســريـر : (( لا شيء . وقعت في شرك الحكايات
الخرافية )) .
على مـائــدة الفطور في الفناء المغمور بــأشعـة الشمس و المزين
بمختلف أنواع الأزهـار و النباتات , سـألت هيلاري راوول عن تاريخ
القصر . بدا واضحاً لها غرامه بكل حجر مر عليه الزمن . حـاولت ألا
تـــفكر في الأكـاذيب التي أخبــرتــه بــها منذ فترة . لقد كف عن طرح
الأسئلة المربكة ولم يعد يقلق من ناحيــة علاقتهما , و هذا هو الأهم ,
فالطبيب نصحها بألا تــخبر راوول ما يــقلقه . ألا يــعنـي هذا أنـــها لم
تخطئ ؟ إن بعض الأكاذيب البيضاء الصغيرة لا تسبب أي ضرر .
قال وهو يدخـل إلى الصالة : (( لقد رتبت لك مفاجأة )) .
ـ ما هو نوعهـا ؟
ـ أظن أن الوقت حــان للاهتـمام بمشكلة الملابـس .
قـالها برقـة ثم فتح باباً يؤدي إلى غرفة استقبـال فسيحة مزدحمة .
كـــــان راوول قــد أرسل دعوات إلى عدد من مصممي الأزياء لزيارة
قصره مع بعض الأثواب . أُدخلت هيلاري إلى الغــرفة المجاورة حيث
أُخذ قياســها . وتملكهــا الذعر . كيف تسمح لراوول بـأن يشتري لها
الملابس ؟ لكن كيف تقنعه بـأنها ليست بحاجـة إلى أي ملابس جديدة
بينما رأي بنفسه مدى حاجتهـا إليهـا ؟
وبعد دقائق قليلة عادت إلى راوول وهي ترتدي بذلة من أحدث
الموديلات .
أخـذ راوول يــتــأملها . لون بذلتـــها الفيروزي أبــرز جمـــاله شعرهــا
الأشقــــر الفضي , بينمـا أظهــــرت الستــرة القصيـــرة المحكــمة على
جسدهـا , والتنورة الواسعة , قوامها المذهل بخصرها النحيل ووركيـها
البارزين فضلاً عن ســاقيـــها المتـنـاسقتين . ولمعت عيناه باستحســان
الرجل للأنثى , وتمتم هامسـاً في أذنها : (( لذيذة )) .
ولأول مرة في حيـاتـها , شـعرت هيلاري بأنها تستحق الاهتمام . .
وتبدد شعورهــا بالنقص إزاء استحسان راوول لها . احمر وجههـا
خجلاً لكنها , وفي الوقت نفسه , رفعت رأسها بزهو . عندما يبدي
راوول إعجابه بها تتلاشى عقدة النقص لديها من قصر قامتها وبروز
مفاتنها .
منـذ تلك اللحظة , أخـــذت هيلاري تستمتع بــتــخيـل أن راوول أصبــح
عالمها الوحيد . و أخذت تقيس ثوباً بعد ثوب . كـــانـت أقمشة الملابس
رائعة الملمس , و كانت المرايا الطويلة المذهبة على الجـــدران تعكس
صورتها بشكل لم تستطع معه أن تميز نفسها . رأت نفســها ترفــل في
ثوب سهرة رائع و في بـذلة مـذهلة , و سلسلة من الأثــواب القصيـرة
الجميلة بشكل لا يــصــدق . كان كل ثوب يترافق مع حقيـبـة و حـــذاء
يناسبه . شعــرت وكأنها في حلم رائع , إذ تضافر الجميع ليشجـعوهــا
على أن تمارس لعبتها المفضلة وهي ارتداء الملابس و تبديلها تماـماً
كما كانت تفعل وهي طفلة .
وخلال ســاعــات معدودة أصبح لديـهــا من الملابس أكثر مما اقتنته
طوال حياتها .
كانت تعلم أنها لن تلبس معظمها , وحدثت نفسهــا بأن راوول
يمكن أن يعيد الملابس إلى المتجر حالما تعود إلى وطنها .
قالت له وهي تلهث من الإثارة , بعد أن بقيت مرتدية تنورة تبنية
اللون و بلوزة من دون كمين : (( لن أتمكن من ارتداء كـل هذه
الملابس )) .
فقال : (( أنت زوجتي ويجب أن يكون لديك كل ما تريدينه )) .
انقبض قلبها والتمعت عيناها شاعرة بالألم إذ كانت تدرك أن هذا
ليس سوى ادعـاء .
ـ هيلاري ؟
ـ أنت في منتهى الكرم نحوي
ـ ألا تعرفين كيف تردين الكرم ؟
ورمقها بنظرة معبرة ترافقت مع ابتسامة شيطانية من فمه الجميل .
جف فمها و أخذ قلبها يخفق بعنف . كان رائعاً إلى حد جعلها
ترتجف . كان تأثيره فيها هائلاً .
وتباع يقول بصوت مثقل بالمشاعر : (( وإذا كنت لا تعلمين ,
فيمكنني أن أجعلك تدركين ذلك بالإشارة , يا حبيبتي )) .
كلامه هذا جعلها تشعر بالشوق إليه وصدمها رد فعلها هذا
فأخفضت بصرها مقاومة ضعفها قد إمكانها . لكنه جذبها إليه ,
وعندما شعرت بحرارة جسده توهج وجهها احمراراً , رغم أنها
أرادت أن تذوب فيه بكل خلية من كيانها . وتعلقت عيناه بعينيها :
(( تبدين بريئة إلى حد لا يصدق . ما أريده أكثر من أي شيء آخر في
العـالم هــــو أن تبقي بــيــن ذراعـــي . أظنني تزوجتك لأنك لا تنفكين
تدهشينني ! )) .
قالت هيلاري بــصوت مرتــجــف و هــي تمرر إصبعها على الخــاتم
الذي وضعه في إصبعها قبل أن تنظر إلى راوول حالمة : (( مذهل !
رائع ! لا أعرف مـاذا أقول . . لم أكن أتوقع هذا )) .
إنه خاتم زواج . وتأثرت حتى الأعمــاق برغبـتـه في أن يراها تضع
الرمز الذي يدل على عهودهما الزوجية . قال بهدوء وعيناه تتألقان :
(( لن أفشل في شيء , يا حبيبتي . أريد لزواجنا أن ينجح )) .
طعنة من الإحبـاط مزقت أحــلامهـا . فهي منذ أربعة أيام لم تكـن
تفكر في المستقبل لأكثر من دقيقة واحدة . لقد استمتعت بكل لحظة
أمضتها مع راوول , حتى أن حبــــها له ازداد . كـان يشعر بمرارة
الإحباط لأنه لم يستعد ذاكرته بــعــد , وتلك الذكرى المحـدودة التي
عاودته لــم تزده إلا فروغ صبر , لـكـنـه أظهر ذكاء غير عادي في
مواجهته وضعه الجديد مـا جعلها تدرك أكثر من أي وقت مضى
مدى ثقته بنفسه وانضباطه . حولت اهتمامها عن ملامحه البالغة
الوسامة , ثم تظاهرت بتأمل ما حولها . كان يوماً رائعاً , و المنــاظــر
من حولـها مذهلة . كــانــا يجلسان في شرفة مطعم خـــاص يقـــوم في
مكان مرتفع مشرف على بحيرة (( لوسيرن )) . كانت السماء الزرقاء
صافية و المدينة التي يـعود بــنــاؤها إلى القرون الوسطى تــمتـــد في
الأسفــل .
ـ هيلاري . . ؟
لفت راوول انتباهها عابساً عندما اقترب منها رجل كبير الجسم
أشقر الشعر جاد الملامح , ثم وقف على بعد مترين منها قائلاً
بدهشة : (( راوول ؟ )) .
نهض راوول وقد ارتـسمت على وجهه تـلك الابتسامـة لتحيته فيما
ذعرت هيلاري وهي ترى أن القادم هو (( بول كوريرو )) الشاهد الوحيد
على زواجــهمــا . تــملكــها الرعب و شلت أطــرافها وهي ترى المحامي
ينظر إليها بإمعان . هــذا رجـل يعلم أنهـا زوجـــة زائــفة , وأنهـا أخــذت
أجراً لتمثـل دور الـعروس في القــــداس الزائـف . و لا بــد أنـه مدهوش
لرؤيتـهـا في سويسرا برفقة راوول !
* * *
نهاية الفصل (( الخـامس )) . . .

Just Faith 26-11-17 05:52 AM

:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: ::::::::::::::::::::::::::::::::::
6 ـ
لن أسامحك أبداً !
الإحساس بالخطـــر جعـــل قلبـــها يخفق بعنف . وأخيراً , قررت أن
لا خيار أمامها سوى أن تستعمل الوقاحة للخروج من هذه الورطة .
ـ أنـا و آنيا نقيم مع بعض الأصدقاء .
ـ أنـا و آنيـا نقيم مع بعض الأصدقــاء .
قال بول كيوريرو هذا لراوول الذي كان يقبل وجنتي امرأة حــامــل
جميلة حمراء الشعر تقف بجانب محاميه .
التفت راوول برأسه المتغطرس إلى هيلاري متـسائـلاً عما منعهـا
من مشاركتـه في تحية القادمين , فنهضت و العرق بتصبب منها وقد
رسمت على فمـــها المتوتر ابتسامة , وتقدمت نحوهمــا بــســاقيـــن
كالخشب .
ـ هيلاري . . خســارة لنـدن مكسب لنـا .
منحــــها بول كرويرو ابــتــســـامة نـاعمة أرسلت رعشة في كيانها ,
و كـادت تجفل لهذه السخرية . و وقفت كمجــــــرم ينتظــر تنفيذ حكم
الإعدام فيه . لكن راوول , ولحسن الحظ , حول اهتمام محاميه عنها
بالحديث معه بصوت خافت . وعندما أخذ الرجلان يتمشيان على بعد
أمـتـار , اقتربت رفيقة بول منها وقالت لها وهي تقيمها ببرودة : (( أنـا
آنـيــا زوجة بول )) .
ـ نعم .
كانت هيلاري من التوتر بحيث لم تستطع أن تفكر في أي رد
فعل على هذا التقييم العدائي .
اختلست نظرة إلى راوول و بول , وتساءلت بفزع عمـا يتحدثان
عنه . وتملكتها رغبة ملحة في الهرب , فتمتمت معتذرة ثم توجهت
نحو استراحة السيدات .
كيف يجرؤ بول وزوجته على النظر إليها وكأنها مجرمة ؟ كانت
منزعجة ومعدتها تغلي . فتحت الماء البارد على يدها بينما راحت
تكافح لتستعيد رباطة جأشها . ما قامت به كان لمصلحة راوول .
لقد أحبطته تلك الهوة التي تفصله عن العالم خمس سنوات ,
لكنه نجح في مواجهة الأمر تماماً ! ولكن هل كان بول كوريرو يخبر
راوول في هذه اللحظة أن هيلاري وزواجهما الظاهر زائـفان ؟ خرجت
هيلاري من استـراحة السيــدات لتـــجــد بول كوريرو في انتظـارهـــا ,
فأصــابـها شحوب بـالغ .
سألها الرجل الأشقر : (( ما هي لعبـتـك ؟ لقد أوضح لي راوول لتوه
سبب عدم ظهروه منذ حادث الاصطدام )) .
فقالت : (( يسرني أنه اتخــذ شخـصــاً آخر موضعاً لثقته )) .
وتســاءلت هيلاري إن كان راوول يعلم الآن أنها ليست بالزوجة
التي ادعتها , واعتصر قلبـها .
قـــال بول كوريرو بــصوت خـافت خشن : (( لا تعامليني وكأنني أبله .
رئـيـس فــريـــق الأمن لـــدى راوول اتـــصــل بي في الأمس ليسـألنـي
النصيــحة . تصوري ذهولي عندما علمت أنك جئت إليه في المستشفى
مدعية أنك زوجته السيدة ساباتينو ! هذا اللقاء ليس صدفة , بل قطعت
إجـازتـي لكـي أحضر إلى هنـا . يمكنك أن تؤذيـه بهذا الشكل )) .
أخـذت هيلاري ترتجف من احتقـــاره الـــموجع هذا . هــل ثمة فريــق
أمن يعمـل على حراسة راوول ؟ لقد كانوا من الحذر و التحفظ بحيــث
لم تعلم بوجودهم . وقالت : (( لم أقهم بما يؤذيه . هل أخبرت راوول
الحقيقة عن زواجنـا ؟ )) .
فـأجاب ساخراً : (( في المطعم ؟ أنوي أن أزوره في القصر عصر
اليوم . . . )) .
أمسكت هيلاري بكمه متوسلة : (( دعني أخـبــر راوول بنفسي .
أمنحني فرصة حتى الغد لأتدبر الأمر )) .
أنذرها بول كوريرو مظهراً عدم ثقته بها : (( كلا . ســأمنحك فرصة
حتى هذا المساء . وإذا لم تفي بوعدك , فسأقوم بذلك بدلاً منك )) .
احتاجت إلى قدر كبير من الشجاعة لتتمكن من مواجهة نظراته
المتهمة وهي تقل : (( أنا لست كما تظنني . أنـا أحـبــه و لطالما
أحببته . . . )) .
فـأجفـل المحامي وقاطعها : (( اعلمي على أي حــل أنه لن يغفر قط
هذا النوع من الخيـانـة )) .
عــادت هيلاري لتـقف بجــانب راوول ورأسها يـدور فيما كانت آنـيـا
تـتـوسل إليه أن يلقي خطاباً في حفـل خيري . انضم بول إلى زوجته
قائلاً إنهما تأخـرا عن موعدهمـا , فقطع راوول حديثه وأمسك بيد
هيلاري يقودها إلى سيارته الليموزين وهو يقول مقطباً : (( مزاج بول
غريب . لماذا بدا متضايقاً ؟ )) .
فتـمتـمت بضعف : (( آه , أنت تعرف بول )) .
ـ نعم . أعـــرفه جيـداً , وهو لا يـجيـد قط فن الخـداع . أحـسست
بنوع من عدم الاحترام في تعامله معك , ما جرحني وأزعجني .
عذبها الشعور بالذنب لكنها لم تقـل شـيـئـاً . لم تجــد مــا تقوله في
مثل هذه الظروف . كان راوول قوي الملاحظة , وقد لاحظ عداء
محاميه . على أي حال , سيعرف راوول الحقيقة قريباً ويفهم لماذا لم
يستطع بول كوريرو أن يخفي ازدراءه . وتملكها مزيج من الخوف
و اليأس . كيف يمكنها أن تخبر راوول أن زواجهما لم يكن حقيقياً ؟
كيف يمكنها أن تواجه هذا الأمـر ؟
وعندما توقفت السيارة أمـام صــالون خاص للتجميل , تذكرت
هيلاري أنها أخذت موعداً لتصفيف شعرها بالأمس .
فررت التخلص من الأطراف الوردية لأنها تضفي عليها مظهراً
صبيانياً نوعاً مـا و تساءلت عما يجعلها غير صادقة مع نفسها . لقد
اختارت اللون الوردي هذا لتبدو أكثر أناقة أمـام راوول . ولكن مــــا
الفائدة الآن ؟ و ما الهدف عندما تنهار أسس عالم أحلامها ؟؟
ـ هيلاري ؟
قالت من دون أن تجرؤ على النظر إليه : (( هل يمكننا أن ندور
بالسيارة لدقيقة أو اثنتين ؟ )) .
كانت من الاضطراب بحيث لم تستطع أن تـــفكــر بــشكل منـطقي ,
لكنها لم تشأ أن تترجل من السيارة وتتركه .
( الحقيقة مؤذيـة ) . من هــــو صاحب هذا القول ؟ ليس لديها فكرة .
كل ما تعرفه هو أنها , طوال الأسبوع الماضي , حــــــاولت أن تعيش
حلمـــها بكل حماقة . دفنــت شكوكــــها وتـنـاست وخـــز ضميـــرهــا
واستسلمت للحكايات الخرافية بادعائها أنها زوجة راوول . كـــانـــت
سعيدة للغاية , سعيدة أكثر مما ظنت يوماً أنها ستكون . . لأن الرجل
الذي تحب عاملها و كأنها زوجتـه . المشكلة تكمن في أنـها لم تــكن
كذلك , تمنيات العالم كلها لا تستطيع تغيير هذه الحقيقة .
لقد دمر بول كوريرو ادعــاءها المحزن كمـــا عليـــها أن تــدرك أن
عملها هذا سيعتبر عملاً أنانياً . لكنها لم تقصد قط أن تؤذي أو تقلق
أحداً . كمــا أنها حــاولت أن تخفف من الضـرر الذي لحق بحبيبها .
على أي حــال , مجرد ذكرى نظرة بول كوريرو إليها جعلت العرق
البارد يتصبب منها . ذاك الحلم الجميل لم يستمتع به سواهما , هي
وراوول . وتملكها اضطراب هائل .
سـألهـا راوول بشيء من فروغ الضبر : (( هل ستلغين ذلك
الموعد ؟ )) .
كان حازماً للغاية ويمكنه أن يجيب على أي سؤال عادي قبل أن
تنتهي من طرحه . ماذا سيكون شعوره نحوها عندما يدرك أنه شجعته
على مشاركتها الحياة معها بكذبة ؟ أتراه سيحتقرها لتصرفها هذا
كما لمح بول كوريرو ؟ هذه الفكرة آلمتها للغاية . لكنها بدأت تدرك
أكثر و أكثر أن ادعاءها هذا تجاوز الحد .
ـ مــاذا ؟
ـ لا بأس . لقد قررت الآن أن أصفف شعري !
ونـظرت إليـه بضحكة مصطنعة .
بـدا في عينيه الــلامعتــيــن مزيـــج من العجب و فـــــروغ الــصبر من
أسلوبها الغريب مقارنة مع طريقته في التفكير . ترجلها من السيارة لم
يخفف عنها وهي تراه بهذه الروعة المدمرة . و بحركة مفاجئة تقدمت
منه وقبلته بحرارة بالغة ثم تمتمت و هي ترتعش : (( كانت أيـاماً قليلة
رائعة . . . )) .
بعدئذ , اختطفت حقيبة يدهـــا وخرجت من السيارة قبل أن تـــربــكه
و تــربـك نفسها أكثر .
في صالون الحلاقة , شعرت وكــأن جـــداراً من زجـــاج يفصلها عن
النشاط المألوف لديها . و شعرت و كأنها فريسة صدمة . لقد أدركت
أخيراً لماذا كان ذهنها يكره أن يواجه الواقع ويتقبله لكن الوقت حان
كي تخرج من حيـــاة راوول مرة أخــرى , كمــا أن عليها أن تــرحل
بسرعة . مــا الهدف من العودة إلى القصر لكــي تـخــبـر راوول بما
فعلت ؟ هذا سيعرضها لمواجهة غير سارة , فما مصلحة أي منهما في
ذلك ؟
قررت أنـه من الأفضل أن تستقل الطائرة على لندن مباشرة .
وكانت , لحسن الحظ , تحمل جواز سفرها في حقيبة يدها . عندما
تنتهي من تصفيف شعرها يمكنها أن تتوجه إلى المطار في لوغانوا .
لم تحضر معها إلى سويسرا سوى أثواب قليلة وما ستتركه خلفها لن
يفتقده أحد . ستترك لراوول رسالة في سيارته تشرح له فيها الأمر .
أليس هذا هو الصواب ؟ عندما يدرك حقيقة ما فعلت . . سيذهل
ويغضب وربما سيعتبر نفسه محظوظاً لأنه تخلص منها . وأي رأي
حسن قد كونه عنها ستحطم كلياً .
خنقت الدموع . لماذا ساءت الأمور إلى هذا الحد ؟ في البداية ,
حاولت أن تساعد راوول وحسب لكنها وبشكل مــــا تورطت إلى حـــد
جعلها تصم أذنيها عن نداء العقل . لقد سمحت لنـفـسها بــأن تجرفـها
الأحلام . لكنها الآن , وعندما أصبحت مكرهة على أن تتساءل عـــما
سيكون عليه رأيه في سلوكها , أدركت أنها تجاوزت حـــدود الصـدق
و المنطق . أزعجتها هـــذه الحقيقة لأنــها لـم تتعود قط أن تــنــكــــر
أخطاءها . لكنها ستتلقى أسوأ عقاب بالنسبة إليها , وهو حقيقة أنها
لن ترى راوول مرة أخرى . . .
** ** **
ـ ألم تأخذي فترة راحتك بعد لتأكلي شيئاً ؟
طرحت سالي هذا السؤال على هيلاري التي كانت تضع مجموعة
من المناشف الحائلة اللون و المغسولة حديـثــاً على الرف خلف
المغسلة , فـأجـابـتــها : (( لست جائعة . . . )) .
ـ حسنـاً , يفترض بك أن تجــوعي . لا يمكنك أن تعملي طــيـلة
هذه الساعات ومعدتك فارغة . تبدين متعبة للغاية .
كانت زميلتها في الصالون تتحدث إليها وقد بان القلق على
وجههـا الحنون .
ـ كفى قلقاً علي . أنـا بخير .
وأحنت هيلاري رأسها ثم مضت تكمل عملها بنشاط واهتمام
بالغين وكأن حياتها كلها تعتمد عليه . في الواقع , كانت حياتها كلها
تعتمد بشكل عام على العمل , وذلك لكي تحول أفكارها عن
الماضي المؤلم . كانت تعلم أن الظلال تحيط بعينيها وأنها تبدو في
حالة سيئة . لقد فقدت شهيتها على الطعام كما لم تعد تنام جيداً .
كانت تعيسة للغاية لكنها حاولت أن تتصرف بشكل طبيعي و أن
تستعيد حيويتها .
مــا حدث قد حدث , ومر أسبوعان على مغادرتها سويسرا . بقي
راوول محور عالمها مدة سبعة أيام , لكنه لم يعد كذلك الآن ولن
يعود , وعليها أن تتعود على هذا الواقع . ما هي عليها تقبله هو أن
ما عاشته مع راوول , كان زائفاً , غير حقيقي . وما كان هذا الدرس
أقسى ما عليها أن تحتمل .
قالت سالي بصوت خافت : (( موعدك للساعة الحادية عشرة
حضر . . وهو شديد الوسامة . . يا لك من محظوظة . . . )) .
رفعت هيلاري رأسها لتجد راوول يقف وسط القاعة . ارتجفت
يدها فارتجت زجاجة الشامبو الكبيرة التي تحملها وأخذت تنسكب
في المغسلة .
تملكها اضطراب بالغ وهي تراه أمـامها , فشهقت بصوت مرتفع ,
وتسمرت عليه عيناها الزرقاوان بلهفة بالغة . كان يرتدي بذلة كحلية
بالغة الأناقة تبرز قامته الرائعة , وهو يميل برأسه المزهو جانباً , بينما
أعين الموجودين في المكان مركزة عليه متفحصة . كان ينظر إليها
بعينيه الذهبيتين الداكنتين , مواجهاً نظراتها المستمرة عليه , وهو يتقدم
نحوها بخفة وليونة الفهد .
همست : (( هل أنت موعدي للساعة الحادية عشرة ؟ )) .
أومـأ بالإيجاب وأخذ يتأمل جسمها المتيبس مما جعل الاحمرار
يعلو وجنتيها . كانت ترتدي قميصاً أبيض مقفلاً وبنطلوناً أسود مقلماً
وتنتعل حذاء يبلغ ارتفاع كعبيه الدقيقين حوالي تسع سنتيمترات .
هذا التأمل الساخر جعلها واعي بشكل محموم لجسدها ومعرفته
الحميمة به . ومع ذلك لم ينظر إليها قط من قبل بمثل هذه الطريقة .
لاحظت أن ثمة اختلافاً فيه لكنها لم تدرك ماهيته . كل ما أدركته هو
أنها شعرت بالخجل .
قال بلطف ورقة : (( علينا الذهاب إلى مكان يمكننا أن نتحدث فيه
على انفراد )) .
لسبب لا تفهمه شعرت بدمها يجري بارداً في عروقها .
تمتمت تجيب وقد تملكها الجبن : (( أنـا . . . أنـا في العمل )) .
ـ حسناً , لا أظن أن لديك مشكلة في أ يسمع زملاؤك وزبائنك
ما سأقوله لك .
و أكمل كلامه بالإنكليزية وقد بدت الصلابة على وجهه : (( و سأبدأ
بالقول إن عملك , الذي أتذكر أنك أسسته بنقودي , لا يهمني )) .
كادت تنكمش حيث تقف , لكنها بعد جزء من الثانية ارتجفت لمـا
عناه الكلام الذي كان يقوله . إذا تذكر راوول ما اتفقا عليه من
ترتيبات , فهذا يعني أنه لم يعد يعاني من فقدان الذاكرة . يبدو أن
راوول استعاد ذاكرته منذ تركت سويسرا , فتذكر السنوات الخمس
الماضية , تماماً كما تنبأ طبيبه .
و ارتجفت بقوة وهي تدرك أن راوول يتذكر الآن كل ما حدث
بينهما .
توترت أعصابها , فالتفتت إلى سالي تسألها إن كان بإمكانها أن
تحل مكانها حتى وقت الغداء . وقالت لراوول : (( يمكننا أن نتحدث
في الطابق العلوي . متى استعدت ذاكرتك ؟ )) .
ـ بعد أن اختفيت . ولا بد أن هذا ساعد في ذلك . علي أي
حال , جعلتني أعيش حياة هي ليست حياتي .
وكانت جملته الأخيرة ساخرة , فشحب وجهها من تلك السخرية
الخالية من الإحساس . وفتحت باب شقتها : (( يدهشني حضورك . لم
أكن أظنك ترغب في رؤيتي مرة أخرى )) .
ساد الصمت بينما أغلق راوول الباب خلفه . كانت الردهة ضيقة
ومعتمة . و قادته هيلاري منها إلى غرفة جلوس ومطبخ في الوقت
نفسه . أخذ يتأمل الأثاث الرث , ومظهر الحقارة في المكان بشكل
عام فبدا النفور على ملامحه .
ـ أنت أفقر مما تصورت , وهذا المكان قذارة . عندما اتصلت
بك عمتي بوتيستا و أنا في المستشفى , لا بد أن الإغراء تملكك
للاستفادة من المحنة التي تعرضت لها .
فقالت وهي تصر بأسنانها غضباً لهذه التهمة : (( هذا غير
صحيح . كيف يمكن أن تقول شيئاً كهذا ؟ كل ما كان يشغل بالي هو
حالتك الصحية . بالله عليك , ظننتك ستموت )) .
راح راوول يقرأ رسالة وجدها على الطاولة فأجفـل : (( هل أنت
مديونة ؟ )) .
شعرت بالحرج وهي ترى أنه قرأ رسالة من المصرف تطالبها برد
المبلغ الذي سحبته زيادة عن حسابها , فانتزعت الرسالة من يده :
(( اهتم بشؤونك فقط )) .
قال برقة لاذعة : (( كل ما يخصك يخصني أيضاً . ومعرفتي بهذا
تمنحني شعوراً طيباً )) .
لم تستطع أن تفهم مـــا الــذي يـهدف إليــه . على أي حــال , حصرت
على أن تدافع عن نفسها ضد اتهامه لها بأنها ذهبت إلى سويسرا كي
تستفيد من ثرائه وتعيش على حسابه .
قالت : (( دعني أشرح لك لماذا أنا مديونة . لقد أنفقت مبلغاً كبيراً
إلى سويسرا , ودفعت مبلغاً لزميلة لي لتحل مكاني أثناء غيابي .
وميزانيتي لا تحتمل هذا التبذير )) .
رفع حاجبيه الأسودين من دون أن يتأثر : (( هل الفقر هو العذر
الوحيد الذي دفعك لاغتنام الفرصة لإتمام زواجنا ؟)) .
وانقبضت يداها : (( أنت من أصر على ذلك . . )) .
كانت سخرته واحتقاره أشبه بسكين طعنها في الصميم .
وتابع يقول : (( أنت ممثلة غشاشة . كنت تعلمين تماماً ما تفعلين .
بإتمام زواجنا يمكنك أن تطالبي بمبلغ كبير ثمناً للطلاق )) .
بدا عليها الشحوب , وتملكها شعور تعيس بالمذلة و الإهانة
لشكوكه هذه . قالت : (( لن أطالبك بشيء , سواء الآن أو في أي
وقت آخر . لا أفهم لماذا تظن بي كل هذا . هل ارتكبت جريمة حين
رغبت في رؤيتك بعد أن سمعت بما أصابك ؟ أخبرتك في رسالتي
أنني آسفة . . . )) .
أطلق ضحكة ساخرة جعلتها تجفل : (( رسالتك بأسطرها الأربعة ؟
حتى فيها لم تستطيعي أن تخبريني الحقيقة أو تعترفي بخداعك لي .
لقد اختفيت من دون أن تتركي أي تفسير . . . )) .
ـ عندما أردت أن أفعل هذا , لم أجد ما أكتبه .
ـ لم ترغبي في أن تخبريني أنني كنت أعاشر امرأة غشاشة
كذابة .
هتفت به غاضبة مجروحة الكرامة : (( لا تصفني بهذه الأوصاف )) .
ـ كنت ممثلة جيدة , يا جميلتي .
و تعلقت عيناه الحاقدتان بنظراتها المعذبة من جون أن يتأثر : (( لقد
عرفت الطريق إلى قلبي . . طيلة الأسبوع كنت تحولين ذهني عن أي
سؤال محرج أوجهه إليك )) .
لشدة ألمها , أمسكت بفنجان على المائدة وقذفته به : (( لم يكن
الأمر بهذا الشكل , ولم أتصرف على هذا النحو )) .
بقى جامداً مكانه بشكل مزعج , وكان ابتعاده عن طريق ما قذفته
به يجرح كرامته . واكتفى بأن رفع حاجبه عندما اصطدام الفنجان
بالجدار قائلاً : (( عندما تحرجين تصبحين كالأطفال لكن هذا لن
يذيب الثلج الذي بيننا . . ولا حتى الدموع . . . )) .
فصرخت به بأعلى صوتها : (( لن أبكي من أجلك ! عليك أن
تعذبني لكي ترى الدموع ! )) .
فقال عابساً (( الـــدمــوع تضايقني و كذلك الــــمواقف الــــعاطفيــة
والأواني الطائرة في الغرفة . دعي عنك هذا حالياً . لكن إذا تصرفت
بغباء أمــام الناس مرة أخرى , ســأغضب منك للغالية )) .
تصاعد توترها ما جعل حاجبها يخفق بألم : (( أتصرف بغباء ؟ ومرة
أخرى ؟ ما الذي تتحدث عنه ؟ )) .
أخرج شيئاً من جيب سترته الداخلي وألقاه أمامها على المائدة
لتراه . كانت قصاصة من مجلة .
وتملكها الذعر وهي ترى صورة المرأة التي انهمرت الدموع على
وجهها التعيس . إنها صورتها , وقد التقطت لها في ذلك اليوم الأخير
في سويسرا عندما كانت في المطار في لوغانو لكنها لم تلاحظ
المصور . رأت تحت الصورة أسطر عدة بالفرنسية .
فسألته : (( ماذا تقو الأسطر هذه ؟ )) .
فترجم لها وهو يصرف بأسنانه : (( . . كل تلك الأموال وما زالت
تعيسة )) .
شبكت ذراعيها على صدرها : (( حسنـــاً , أنـــا آسفة إذا أحرجتـك ,
ولكن هذا يثبت أنني كنت حزينة للوضع الذي أصبحنا فيه . . )) .
ألقى عليها نظرة كالثلج : (( أصبــحنـــا ؟ ومن أوصلنـــا إلى ذلك
الوضع ؟ من ادعت أنها زوجتي ؟ من كذبت لتجد طريقاً إلى بيتي
وثقتي ؟ )) .
ارتجفت وأفلتت ذراعيها وقد التمع في عينيها التوسل والإحباط :
(( اسمع . حاول أن تفهم أنني اهتممت بالأمر أكثر مما يجب . عندما
ذهبت إلى سويسرا كنت أظن أن حالتك خطيرة فشعرت أنني أريـد أن
أراك . كما أنني صدقت أنك سـألت عني . . . )) .
ـ مـا الذي يجعلني أســأل عـــن امرأة لــم أرهـــا منــذ حوالي أربع
سنوات ؟ امرأة لم تكن تعني لي شيئاً ؟ كيف أسأل عن أي شخص
وأنا غائب عن الوعي ؟
حللت هــذه الــحقيــقة في ســرها فبـانـت خيبة الأمل على وجهها .
نعم , هذا غير معقول فعلاً . هل عمدت شقيقتها إلى إخبارها بكذبة
بيضاء . أترى إيما اختلقت ذلك في محـــاولة ساذجة منها لتشجـع
أختها الكبرى على السفر إلى سويسرا لتكون مع زوجها ؟
لكن وقبل أن تنتهي من تحليل هذا الاحتمال , عـــاد صدى كلمات
راوول منذ لحظــات , يدوي في أذنها بقسوة : ( إمرأة لم تكن تعني لي
شيئاً ) هذا ما قاله . هذه فكرته عنها . لم تكن تعني شيئاً بالنسبة إليه .
حسناً . . ما الذي كانت تتوقعه ؟ حناناً وعطفاً ؟ لفترة قصيرة لا تتعدى
الأسبوع جعله ادعاؤها يعتقد أنه يحمل لها بعض المشاعر , فتصرف
على هذا النحو . لكن ذلك الوقت الجميل انتهى الآن .
وإذ صممت على ألا تـــكشف لــــه عن مــــدى شعـــورهـــــا بالألم ,
جاهدت لكي تعود إلى النقطة التي كانت تنوي أن تتطرق إليها قبل
أن يطعنها في الصميم بقوله العفوي الصادق . قالت : (( حذرني
الدكتور ليرذر من أن أخبرك بما قد يزعجك . . . )) .
ـ لهذا تركتني أظن نفسي متزوجاً ؟ ألــم يخطر لك أن هذا الخبر
مزعج للغاية لرجل يستمتع بعزوبيته ؟
ـ أظنــك ستقدر حريـتــك الآن بعد أن أدركت أنــك لــم تــفقدهــا
قط . .
قال وقد امتلأت عيناه احتقاراً : (( أنـا لـــم أفقد حريتي بل أنت
سرقتـها مني . ادعيت أنــك زوجتي حتى سرت الشائعات بأنني
متزوج , قلم أستطع إنكار ذلك , كما أن الصحف نشرت صورة
لك )) .
اغرورقت عيناها بدموع الندم : (( لا بد أن هذا سبب لك إحراجاً
بالغاً . . . )) .
فقاطعها بجفـاء : (( أنا لا أشعر بالحرج بسهولة )) .
فتمتمت بتعاسة : (( لا أظنك تـدرك مــدى أسفي )) .
ـ الأسف لا يــكفـــي لإرضــائــي . أنت أردت حقــاً أن تــكــونــي
زوجتي .
بدا الحرج على ملامحها , فنظر إليها ساخراً : (( كنت متلهفة لأن
تصبحي زوجتي فاستعملت الكذب و الخداع لذلك )) .
تملكها شعور بالعار و الغضب لإذلاله لها بهذا الشكل : (( أعرف
أن تصرفي يبدو سيئاً , ولكن . . . )) .
فقاطعها : (( لن أصغي إلى عذابك . تصرفك يبدو سيئاً لأنه سيء .
لقد حولت حياتي الرائعة التنظيم إلى حيــاة تـافهة عقيمة . طردت
عشيقتي من أجلـك . . )) .
فحملقت فيه : (( فعلت . . . ماذا ؟ )).
ـ تلك السمراء الرائعة . كانت عشيقتي لكنني هجرتها لأنك
جعلتني أظن نفسي رجلاً متزوجاً .
أغمضت هيلاري عينيها : السمراء الرائــعة . كيــف سمحت لنفســها
أن تعتقد أن رجلاً مثل راوول ليس لديه امرأة في حياته ؟ حيــنــذاك ,
لم تشأ أن تتقبل فكرة أن في حياته امرأة لأن قبــولــها هـذا سيضعف
موقفها . أليس هذا هو السبب الذي جعلها تفترض أن راوول حر من
أي ارتــبــاط ؟ كيــف تــصرفت بهذه السذاجة و الأنانية ؟ لقد أفسدت
حياته , وعذبها الشعور بالذنب و الخجل , وإذا بـه يقول : (( بسببك
أصبح سريري خالياً وعليك أن تملئيه مرة أخرى )) .
ـ ماذا تقول ؟
وقطبت هيلاري جبينها عاجزة عن الفهم .
ـ ستعودين معي إلى سويسرا .
فبدا عليها الذهول : (( و لماذا أفعل ذلك ؟ )) .
ـ أنـا لا أتــرك لك أي خيـار . هل أعطيتني أي خيــار حين أخبرتني
أنني متـزوج ؟
شحب وجهها وكــأنـها أصيبت بصــدمة , وجنـبـت نـظراته : (( لا
أستــطيــع أن أجــد سبــبــاً يــجعلك تــــطالبني بـالعـودة معـك إلى
سويسرا . . . )) .
ـ أريــد أن أستــغلك كمـا استغليتني , ثـم ألقـي بـك بعــيـــداً عندما
يتملكني الملل منك . هل هذا يوضح الأمر ؟
كانت ملامحه القوية قاسية وواجه نظراتها المذهولة بثبات .
أطلقت هيلاري ضحكة صغيرة فيما راح رأسها يدور : (( أنت لا
تعني ذلك . . . )) .
ـ تدبرت أمر تناول الغداء مع أختك . وعليك أن تبدئي بحزم
أمتعتك .
جمدت هيلاري مكانها : (( كيف يمكننا أن نقابل إيما بعد الغداء ؟
إنها في مدرسة تبعد عن لندن أميالاً عديدة )) .
ـ أثناء كلامنا هذا تكون سيــارة تنقلها إلى هنا لهذه المناسبة .
ـ ولكن كيف . . أعني لماذا قمت بهذا الترتيب ؟
ـ لـــدي أسبـــاب ممتــــازة . أتــظنـين أنك الوحيدة التي يمكنها أن تقوم
بـحيـل قذرة ؟ إنني أستـاذ في المنـــاورات , يــا جميلتي . إيما تــظنــنــا
مستمتعين بالمصالحة وهي منتشية بهذا الخبر . لذا , عليـك أن تبتسمي
على الــدوام و تــكثـــري من الأحــاديـــث التي تحسنينها لكي تــجعليـها
سعيـــدة . .
جمدت هيلاري مصدومة , ثم قالت : (( و كيــف استــطعت الاتـــصــال
بشقيقتي ؟ )) .
ـ لقـد اتـصلت بي في بـيـتـي هذا الأسبـــوع , واعتــذرت لــي بــشكــل
مؤثر عن موقفها العدائي في بداية زواجنـا .
ـ آه . . لا . .
وتــأوهت هيلاري بـفزع امتــزج بـــالشعـــور بالذنب لأنها أدركت أن
الذنب ذنبها في اتصال إيما براوول . فمنذ عودتها من سويسرا , لـم
تتحدث هيلاري إلى أختها إلا عبر الهاتف متجنبة أسئلة أختها عن
علاقتها براوول . لم تستطع أن تخبرها الحقيقة لكنها لم تستطع أيضاً
أن تكذب عليها . وتابعت تقول :
ـ منذ البداية لم أستطع أن أعترف لها بسبب زواجنا , لأنني
كنت خائفة . . خائفة للغاية . . .
ـ لئلا تفقد احترامها لأخت تزوجت رجلاً من أجــل المــال ؟
سيريحك أن تعلمي أنني تركت أوهامها عنك كما هي . أخبرتني عن
مدى تكدرها و هي ترانا ننفصل مرة أخرى وسألتني إن كان الذنب في
هذا ذنبها هي .
ـ وماذا قلت لها ؟ أننا تصالحنا ؟ أليس هذا ما قلته منذ لحظات ؟
ـ قلت إننا تصالحنا فعلاً , و لــكن بــشــــروطي أنـا . إذا أصبحت طرفاً
في انتقامي , فلا تلومي سوى نفسك .
ـ أنت تظنني امرأة كاذبة مخادعة فظيعة . . . وســأكون مجنونة لـــو
رافقتك إلى أي مكان .
ـ هذه ليــست مشكلة فلا تقلقي لـذلـك . ســأصطحب أختــك وحـــدهـــا
إلى الغداء و أخبرها بكل تفاصيل علاقتنا غير السارة من البداية حتى
النهاية . . .
ـ تصرفك هذا سيكون في منتهى اللؤم .
قال عابساً قبل أن يغادر الغرفة : (( ســأكون قد قلت الحقيقة ليــس
إلا , علي عكســك أنت . يـريـحنـي أن أراك قــد أدركت حقيـــقة أن
تصرفك كان لا يغتفر )) .
ركضت هيلاري في أثره وهي تهتف : (( إذا أردتني أن أعفــر وجهي
بالتراب , فســأفعل , ولكن لا تورط إيما في هذا . . . )) .
فنـظــر إليها ساخراً : (( تعفير الوجه هو للفلاحين فقط . ولا بـد أنـك
عرفتني جيداً لكي تعلمي أنني إذا أردت شيئاً , فسـأحصل عليه .
ستتعلمين كيف تكونين زوجة ساباتينية , و ستوفرين علي الوقت
و الجهد اللذين سأبذلهما في العثور على خليلة أخرى بـأن تلعبي هذا
الدور شخصياً . . . )) .
فصرخت في وجهه : (( لا سبيل إلى ذلك )) .
ـ لكنــك بــذلت جهدك لتـنـالي هذه الصفة .
و عـــاد إلى الباب الأمامي يفتحه : (( من المؤكد أن الأمر يستحق
محاولة ثانية )) .
فقالت : (( لن تجرؤ على أن تخبر إيما بما فعلته )) .
ـ بل ســأفعـل . . .
ـ لكن هذا العمل لن يفيـدك بشيء . فلِمَ هذه القسوة ؟
ـ لأن هذا ما تستحقينه .
وتـأملها بكآبـة ثم قــال بــعنــف : (( بـخداعك , جعلتني أشتري لك
خاتم زواج . وقبل أن أعود فـأطردك من حياتي , سأثـأر لنفسي )) .
ـ أنـا لم أخــدعك . . . لم أفعل هذا .
لم يبد عليه أنه سمعها إذ قال : (( ستصل السيارة الليموزين بعد
ساعة ونصف لتأخذك إلى الفندق حيث سنتناول الغداء مع أختك
إيما . سأقابلك هناك لكنني سأتصل بمكتبي في لندن أولاً )) .
تملكها الذعر : (( إذا تركت عملي مرة أخـرى , فسيكون في ذلك
إفلاسي و لا يمكنني هذا لأن . . . )) .
فنظر إليها بازدراء : (( سـأسدد ديـونـك . . . )) .
أشــاحت بوجهها : (( إنها مئتان وخمس وخمسون جنيهاً دفعتها
أجراً للطـائـرة . . . لا بأس , إنــه ديــن عـلـي و لكــن كفى كلاماً
وكــأن . . . )) .
ـ إنني صاحب مصرف , وسحب مبلغ أكــبــر من الرصيد هو
دين . . .
ـ لا يمكنك أن تفعل هذا بي , يا راوول .
ودفعها اليـأس إلى اللحـاق به إلى فسحة السلم وهي تتابع : (( إذا
تركت لندن , فمن سيحل مكاني في غيابي ؟ )) .
ـ استخدمي مديرة . . . وسـأدفع أنـا النفقات . . .
بمزيـج من الإحباط وعــدم التـصديـق , أخــذت تنـظر إليه وهو يهبط
السلــم , ثم قالت : (( إذا مــا هدتني بعلاقتي بــأختي فلن أســامحك
أبداً )) .
نظر إليها بملامح كئيبة غامضة قائلاً : (( أتظنين أن هذا يهمني ؟ )) .
جمدت مكــانـــها ثـــم استدارت إلى الجدار خلفها وهي تتنفس بـعمق
لتهدئة نفسها . لعله مسرور بتهديدهــا بكشف كل شيء لأختـها . لا
يمكنها احتمال هذه المجازفة . ظنت أن أختها قد تتفهم السبب الـذي
جعلها توافق على زواج كهذا منذ أربع سنوات عندما كانت حياتهما
كئيبة للغاية , لكنها ستجرح بشكل بالغ بعد أن جعلتها هيلاري تعتقد
أن زواجهما حقيقي . وكيف ستفسر إيما سلوك هيلاري الآن ؟ هــل
سيدع راوول إيما تدرك أن أختها أتمت زواجها هذه المرة ؟ و تملك
هيلاري الرعب من فكرة أن تستعرض فشلها أمـام أختــها الأصغر ,
بينما يفترض بها أن تكون مثالاً لها , لا أن تحطمها .
اختــار راوول بـــدقة قاسيـة تهديداً قادراً على أن يجعلـــها رهـــن
مشيئته .
* * *
نهاية الفصل (( السادس )) . . .

Just Faith 26-11-17 05:52 AM

:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: ::::::::::::::::::::::::::::::::::
7 ـ
في أحلامك !
احتضنت إيما هيلاري بحماسة بالغة , وهي تقول : (( عندما أدخل
الجامعة بعد العطلة الصيفية , لن تريني كثيراً . وكنت قلقة عليك لما
ستعانيه من وحدة . هل هذه أنانية مني ؟ )) .
أجـــابــتـــها هيلاري لابتسامة متــألقـــة بقـــدر ما استطاعت : (( كلا
بالطبع )) . الحياة بعيداً عن المنزل جعلت إيما ذات شخصية مستقلة .
ورغم أن هذا يؤلمها أحياناً , إلا أن إيما أصبحت أكثر قدرة على
الحكم على الأمور , ما جعل هيلاري مزهوة بها للغاية .
قال إيما راوول بجد : (( هيلاري بحاجة إلى شيء من المرح .
لقد ضحت بالكثير من أجلي , المنحة الدراسية لا تغطي سوى جزء
من النفقات , فكانت هيلاري تدفع البقية ؛ ولهذا السبب تجدهــا
مفلسة دائماً . عندما أدركت كم كانت دراستي تكلفها , حاولت أن
أقنعها بأن تنقلني . . . )) .
فقــالت هيلاري تقــاطع هذا السيــل الــمربــك من المــعـلـومــات
الشخصية التي تقدم لراوول مجاناً : (( كانت نتائجك جيدة حيث أنت
وهذا هو المهم . إيما تريد أن تصبح محامية في القضايا الدولية وهي
ماهرة جداً في اللغات )) .
تحدث راوول إلى أختها بالفرنسية فأجابته بهدوء ومن دون غلط .
كان الاثنان يتميزان بذلك الشعور بالثقة بالنفس الذي طالما حسدت
هيلاري الآخرين عليــه . وبعد الغداء , أجاب راوول على اتصـــال
هاتفي فانفردت هيلاري بأختها لدقائق . كانت إيما تنوي العودة إلى
المدرسة لتراجع دروسها قبل أن تقدم الإمتحان النهائي . وعندمــا
تنتهي سنتها الدراسية , ستسافر إلى أسبانيا لتقيم مع أسرة صديقة
لها . وبعد أن ودعت هيلاري أختها , صعدت على سيارة راوول وهي
تقول : (( لم أنته من توضيب أمتعتي بعد , لهــذا أريـد أن أعود إلى
شقتي )) .
فنظر إليها بخشونة : (( ليـس لديـنـا وقت )) .
فرفعت رأسها متحدية : (( ليس لديك وقت إنما أنـا لدي )) .
ـ سـأؤجل موعد سفرنا إلى وقت لاحق من هذه الليلة . . .
فقالت بفتور : (( هذا ليس ضرورياً . إنني بحاجة إلى مزيد من
الوقت لكي أنظم أموري . أفضل السفر غداً )) .
أخـذ يتـأمل جانب وجهها المتمرد : (( لن أترك لندن من دونك )) .
ـ لا أريد أن أذهب إلى سويسرا .
فتمتم بصوت أجش : (( كـــاذبة )) .
ـ مــاذا تعني ؟
مر بإصبعه على شفتها السفلى الممتلئة فشعرت برعشة واختنقت
أنفاسها في حلقها .
قال بنعومة : (( أريني مدى كراهيتك لي يا جميلتي )) .
ورغم رغبــتــها في مـقــــاومته , إلا أنها وجدت نفسها تميل نحـــــوه .
وعندما ضمــها إليه , أصبحت كالنـــار بعــــد أن كانت كالثلج , وراحت
تشتم رائحته المألوفة التي امتزجت فيها رائحة رجولته برائحة محلول
بعد الحلاقة المثير للغاية .
ـ أنت لست جــادة في المحاولة .
ـ محــاولة ماذا ؟
كان ذهنها خالياً تماماً , وصوتها أجش وهي تجــاهـد لكي تتكلم .
رفع حاجبه ومر بإصباعه على خدها فأخذ قلبها بخفق بعنف ,
وشعرت برأسها ثقيلاً فأرجعته إلى الخلف بعد أن اشتعلت فيها نيران
الرغبة .
وفجأة ابتعد عنها بشيء من السخرية , فاحمر وجهها , وانقبضت
يداها . أرادت أن تضربه , أن تشتمه , لكنها تمكنت من لجم نفسها
في الوقت المناسب . كانت مجروحة لشعورها بالعجز . كيف تملكها
مثل هذا الضعف ؟ إذا ما استمرت في تقديم نفسها له على طبق ,
فسرعان ما سيدرك أنها غارقة في حبه . وهذا أسوأ ما قد يحصل
و أكثر الأمور إذلالاً ؛ لذا من الأفضل أن يعتبرها باحثة عن الثروة .
توقفت لسيارة أمام صالون الخلاقة , فنزلت هيلاري منها
بسرعة . كانت سالي بحاجة ماسة إلى فرصة استراحتها فحلت
هيلاري مكانها , حتى حان وقت إقفال الصالون . وقد وافقت سالي
على إدارة الصالون ما دام لديها مبلغ كافٍ للطوارئ يمكنها من
استخدام بديلة لهيلاري قادرة على مساعدتها . تملك هيلاري
الارتياح بعد أن اطمأنت إلى أنها تركت العمل بين أيدي أمينة .
وبعد أن راجعت الحسابات مع سالي , عادت إلى شقتها لتنهي
حزم أمتعتها .
عند السابعة مساء , قرع جرس الباب فظنت أن الطارق راوول ,
إلا أنه لم يكن هو بل (( غاريث )) وهو مهندس خرجت معه مرتين في
الماضي ليصبح بعدئذ صديقاً لها .
ـ يعجبني شعرك كثيراً .
وضحك وهو يشعث شعرها بأطرافه السوداء اللامعة التي بدت
مناقضة تماماً مع لون شعرها الأشقر الفضي .
ـ هل أعجبك ؟
ومنحته ابتسامة عريضة , إذ أن راوول لــم يلاحظه أبــداً . في
الحقيقة , لم يكن هذا مهماً لأن اللون الأسود اللامع سيزول حالما
تغسل شعرها .
ـ أتحبين أن تخرجي معي الليلة ؟
وإذا بصوت يتعالى من فسحة السلم فيما هو يتقدم منها عابساً :
(( لدى هيلاري موعد آخــر )) .
فقال غاريث بوقــاحة : (( هل أنت سكرتيرها . . أو من هــذا
القبيل ؟ )) .
فــأجـاب راوول ببطء : (( أنــا زوجهــا )) .
احمــر وجه غاريث , وأسرع ينزل السلم إلى الأسفل , وأدركت
هيلاري أنه لن يقف على عتبة بابها مرة أخرى , فرمقت راوول بنظرة
تعنيف غاضبة لتدخله : (( كان هذا غير ضروري أبداً . . . )) .
فواجهها بنظرة عدم موافقة : (( كنت تغازلينه . . . )) .
ـ لا , لم أكن أغازله . وحتى و فعلت , مــا شــأنـك أنت ؟
وبصعوبة بالغة تمكنت هيلاري من التحكم بأعصابها عد أن رأت
سائق راوول قادماً لينقل حقائبها .
قال راوول بصوت خشن منخفض : (( كنت تنتظرين هذا الشاب
الليلة ولهذا أردت تأجيل السفر إلى الغد )) .
كانت تـهم بنزول السلم , لكنـه جعلها تشعر وكــأنـها تضاهي
سحراً هيلين ملكة طروادة التي دارت من أجلــها الحروب , فتــألــق
وجهها : (( أنـا فتاة ذات دم حار , وسيتوجب عليك أن تراقبني ليلاً
نهاراً في سويسرا . هل أنت واثق من أنني أستحق هذا الجهد ؟ )) .
ومن دون سابق إنذار , أمسكها من كتفيها ودفعها إلى جدار
فسحة السلم . حدث هذا بسرعة ما شتت ذهنها وجعلها تشهق :
تأملت عيناه البرونزيتان الملتهبان وجهها المجفل بتحذير عاصف :
(( هل لاحظت شيئاً ؟ أنا لا أضحك . حذار ! إذا رأيتك تغازلين رجالاً
آخرين , فلن أكون مسروراً )) .
جف فمها , وتملكتها إثارة خطيرة لعنفه هذا : (( كنت أمزح
فقط . . . )) .
ـ هذا ليس مضحكاً .
ولمعت في عينيها روح النكتة : (( على الأقل غاريث لاحظ أنني
أصبغ أطراف شعري باللون الأسود . . . )) .
ـ إنه من النعومة بحيث لم يخبرك أنـك تبدين أشبه بالقنفذ .
وتركها لينزل السلم . أخـذت نفساً ممزقــاً وهي تتـأمله . قنفذ ؟
وتملكها شعور بالإهانة . وفيما كانا يسيران في المطار لم تستطع أن
تمنع نفسها من النظر إلى صورتها في واجهات المتاجر التي تمر
بها , كما لم تستطع أن تمنع نفسها من ملاحظة قصر قامتها وامتلائها
بجانب قامته الطويلة الضامرة . وقفا ينتظران الصعود إلى طائرة
راوول النفاثة الخاصة , فرن هاتف هيلاري الخلوي , وجاءها صوت
صديقتها بيبا , فابتعدت عن راوول لتتكلم على انفراد .
كانت بيبا و زوجها أندريو دالسيو يعيشان في إيطاليا . وكانت بيبا
تخبر هيلاري أنها وزوجها قادمان إلى لندن لتمضية عطلة نهاية
الأسبوع , وأنهما متشوقان للقائها . لكن هيلاري ردت بأسف : (( أنـا
أتحدث إليك من المطار أثناء انتظاري الطائرة التي سأستقلها إلى
سويسرا . كما أن من حقك أن تستائي مني لأنني أخفيت عنـك سراً .
أنــا متزوجة . . . )) .
ـ متـزوجة ؟ لا أصدقـك !
ـ لا , بل عليك أن تصدقيني , فهو يقف بجانبي يستمع إلى
الحديث . لكن قصة زواجنا هي . .
ونظرت إلى راوول متحدية , وإذا به ينتزع الهاتف من يدها بسرعة
جعلتها تفغر فاها , بينما أكمل كلامها : (( قصة خرافية كلياً . أنـا زوج
هيلاري . . . و أنت ؟ . . . )) .
أخذت هيلاري تدور حوله ثائرة , بينما هو يثرثر مع صديقتها , ثم
أنهى الحديث بإعلانه أن طائرتهما وصلت .
هتفت وهي ترتجف غضباً : (( كيف تجرؤ )) .
رافقها إلى الطائرة و هو يقول ساخراً وعيناه على وجهها : (( لم
تتركي لي خياراً , فقد كنت على وشك أن تبوحي , بثرثرتك , بكافة
الأسرار )) .
فقالت و هي تصرف بأسنانها : (( أنـا لا أثرثر )) .
ـ يـمكـنــك أن تــثـــرثــري في إنكلترا من الهاتف العمومي و في
الطائرة .
ســـــارت هيلاري إلى قـــــاعـة متــرفة واختارت أبعد مقعد رأته عن
راوول , فقد ثارت ثائرتها لتدخله في مكالمتها الهاتفية ثم اتهامه لها
بالثرثرة . كم هو جـريء !
وعندما ارتفعت الطائرة وتركهما المضيف بمفردهما , سمعت
نفسها تقول له : (( من تظن نفسك ؟ )) .
فقابل نظراتها المتهمة ببرودة : (( أنـا شخص يحب الخصوصيـة ,
ومـا يحدث بيننا يجب أن يبقى خاصاً بنا هو أيضاً ولا مكان لثرثرة
النساء بيننا )) .
أشــاحت بوجهها عنـه , ثم تــكورت في مقعدهــا المريح . لم يــكـن
من عادتها أن تبكي لكنها شعرت فجأة أن نهراً من الدموع يمكن أن
يسيل من عينيها . ربما كان لهذا علاقة بشعورها بالتعب إلى حد لــم
تستطع معه أن تبقى عينيها مفتوحتين . عرض عليها الخادم طعامــاً
فهزت رأسها رافضة , إذ تشنجت معدتها لفكرة تناول الطعام . أرادت
أن تتشاجر مع راوول , لكنها , راوول مرة , لم تكن لـديـها الطـــاقة
لـذلـك .
في الصـــبــاح الـــتـــالــي , تـــأخرت هيــلاري في النـــــوم , وعندمـــا
استيقظت , كانت متلهف لمواجهة راوول و لقول كـــل مـــا عجزت عن
قوله أثناء تناول الغداء مع أختها . على مائدة الفطور , أخبرها أمبرتو
أن راوول ذهب إلى المصرف منذ وقت طويل .
ما تذكرته عن كيفية خلودها إلى النوم الليلة الماضية كان غائماً
لكنه محرج . فبعد أن شعرت بالدوار أثناء الطيران أخذت تتعثر وهي
تسير في المطار , ثم شعرت بالدوار مرة أخرى في السيارة فسمحت
لراوول بأن يحملها إلى السرير عند وصولهما إلى البيت . لم يتملكها
مثل هذا الإرهاق قط من قبل . وتملكها الارتياح وهي تحس بأنها
استردت طاقتها .
كانت تظن أنها جائعة جداً , لكن عنــــدما وصــل الفطور الـــذي طلبته
فقدت شهيتها فجأة . دفعت الطبق بعيداً و أخــذت تـــأكل بــعض الخبز
وتشرب الكاكاو الساخن الذي استمتعت بـه كثيراً . وإذ رأت أن زيـارة
إلى قدس الأقداس , مصرف ساباتينو , تتطلب جهداً خاصاً من ناحيـة
الأنـــاقة , تــملكها الارتــيــاح و هي تكشف أن الملابس الفـاخرة التي
اشتراها راوول لــها لا تزال في غــــرفة الملابس . ارتدت ثوباً مزيناً
بالدانتيل بدا أكثر تحفظـاً عندما وضعت فــوقه معطفاً قصيــــراً موشى
بالأزهـار .
كان فرع مصرف ساباتينو في جنيف بالغ الفخـــامة والاتســاع ومبنياً
على أحدث طراز .
راح توتر أعـصــابــها يـزداد . إعلام مكتب الاستـقـبــال أنــها زوجــة
راوول أثار موجة من الاهتمام المتحفظ , حيث رافقها شاب أنيق إلى
الطابق الخاص من المبنى , وأدخلها إلى مكتب فسيح للغاية .
كان راوول يتكئ إلى الخلف بـرشاقة الفهد في كرسي مـــوضـــوع
خلف مكتب خشبي مصقول . أما بذلته الزرقاء الداكنة مع قميــص
رمادي وربطة العنق الأنيقة جعلته يبدو غاية في الأناقة .
قال لها بنعومة : (( أخبريني عن سبب هذه الزيارة . ما المناسبة ؟ لا
أظنه عيد مولد أحد )) .
ـ أردت فقط أن أتـحدث إليك .
ـ كان عليك إذن أن تستيقظي من النوم باكراً . إنني في عملي
الآن ولست مستعداً لأي زيارات شخصية .
قالت آملة أن تستحوذ على انتباهه : (( هذا حسن . . لأن هذه زيارة
تتعلق بالعمل )) .
وقف ومد يده إليها : (( تعالي , أريد أن أريك شيئاً )) .
تقدمت نحوه فأمسك بيدها وجرها نحو باب في الناحية الأخرى
من مكتبه .
ـ إلى أين تأخذني ؟
إنها غرفة الغسيل . ســار خلفها ثم أوقفها أمــام الحوض ما أمكنها
أن ترى انعكاس صورتيهما في المرآة . كـانت عينـاها الزرقـــاوان
مسمرتين على وجهه الأسمر . وتسارعت دقات قلبها فأخذت نفساً
عميــقــاً .
قال وهو يخلع عنها معطفها : (( مـاذا ترين ؟ )) .
فجمدت مكانها : (( نحن الاثنين )) ؟ .
أزاح حمالتي الثوب معرياً كتفيها النحيفين .
توقفت هيلاري عن التنفس كلياً , ونسيت في هذه اللحظة سبب
حضورها لرؤية راوول .
سألها بصوت ناعم كالحرير : (( هل هكذا تلبس المرأة من أجل
موعد عمل يا عزيزتي ؟ )) .
أجابته لاهثة : (( أعلم أن الثوب مكشوف قليلاً لكنني أحبــه كثيراً ,
وقد ارتديت هذا المعطف فوقه ليبدو محتشماً ومتحفظاً )) .
فقال : (( هذا ليس ما أردت توضيحه . ما أردت أن أقوله هــو
ضعي ثوباً كهذا على جسد بارز المفاتن كجسدك , ولا يمكن أن
تصفي النتيجة بالتحفظ )) .
مــالـت إلى الـخـلــف , ومنحـتـه ابتــســامة حـالمـة : (( هل أعجبـك
الثــوب ؟ )) .
ـ أليـس هذا ما أردته أنت ؟
ـ لم أفكـ{ فيه ولكن لعلك على صواب .
لمعت عيـنـاه الذهبـيـتـان و أبـعدها عنه بيدين حـــازمتــيـــن و هـــو يقول :
(( إذن , هذا المشهد هو لغرفة النوم وليس لمكتبي في المصرف )) .
طرفت بعينيها وهي تشعر بأزيز في داخلها أنار ذهنها . يبدو أنه
ظنها جاءت إلى هنا لتغريه وتخرجه من مكتبه في هذا المبنى
الحجري القديم ! فقالت بحدة : (( جئت إلى هنا لأجري معك حديثاً
جـاداً )) .
بعدئذ , تناولت معطفها وعادت إلى المكتب : (( و أنا مصممة على
إجراء هذا الحديث . آسفة إذ لم تستطع أن تركز ذهنك على العمل
لأن امرأة ترتدي ثوباً مغرياً . . . )) .
أظلم وجهه وألقى عليها نظرة لاذعة : (( جربي . . .)) .
ـ منــــذ حوالي أربــع سـنــوات , وقعت عقــداً لأصبــح زوجــتـك ,
ومقابل ذلك تسلمت مبلغاً معيناً من المال وقد أعدت إليك ثلثي ذلك
المبلغ بعد أن اكتشفت أنني لست بحاجة إليه , ثم . .
رفع راوول يده يسكتها : (( توقفي . تقولين إنك أعدت جــزءاً من
ذلك المبلغ ؟ كيف ؟ )) .
ـ لق أعدته إلى الحســاب الذي فتحته أنت , وأرســلــت إلـــيــــك
رسالة عبر محــامـيــك . ذلك الرجل المشكك بول . . .
ـ الرجل النافذ البصــيـرة ؟ بسبب تصرفك الغريب , هشمت أنفه
في الأسبوع الماضي . . .
حملقت فيه وســألـت : (( فــعـلــت مـــاذا ؟ هشمت أنفه ؟ ولكن
لمــاذا ؟؟ )) .
ـ من سوء حظه أنـه أشــار إلى أن زوجتي لـيــست كمــا أظنـها . .
وذلك قبل أن أستعيد ذاكرتي .
احمر وجهها لهذه الإهــانــة : (( حسناً . . كنت أتحدث عن ذلك
المال )) .
لم يبد عليه التأثر , وقــال : (( لم أعــرف أنـك أعدت أيــاً من ذلك
المال )) .
ـ حسنــــاً , الـمسألة هي أنني أعـــرف . أدركت أنني لســت بحــاجــة
لأن أشتري بيتاً بينما يمكنني أن أستأجر واحداً . احتفظت فقط بمـبـلغ
يمكنني من استئجار شقة , و افتتاح صالون حلاقة في المتجر الـــذي
في الطابق الأرضي . الصالون كلف الكثير . عملي ليس مشروعاً يدر
المال لكنه يكفي لدفع الإيجار ونفقات العيش . لم أتذمر قط . . .
ـ هل لك أن تخبريني إلى أين سيقودنــا هذا الحديث ؟
ـ عندما تنهي إيما دراستها , ســأبـيــع الــــعمل و أعيـــد إليـك كل مــا
لأعطيـتـني إيـاه . لذا , إذا ما قطعت لك وعداً فنكون متعادلين وتدعني
أعود إلى وطني .
ـ هل أرتديت أكثر ملابسك إثارة لتقدمي لــي هذا العرض ؟
تملكها الغيظ من تهربه من الجواب مــا يـــوضح أنـــه يعتبر هـــذا
العرض لا يستحق أي اعتبار . أخذت تتنفس بعمق , بينما عاد هـو
إلى مقعده خلف مكتبه وأخذ ينظر إلى صدرها الممتلئ و هو يرتفع
و ينخفض تحت (( الدانتيل )) .
و أخيراً قال برقة : (( بالنسبة إلي , الأمر لا يتعلق بالمال ولم يكن
كذلك قط . من المؤكد أنك أدركت ذلك )) .
ـ أعلم أنك تعتقد أنني مدينة لك . وأعلم أن لديك نوعاً من
المبادئ التي لا تعرف الصفح .
قال متسلياً : (( لديك قدرة كبيرة على فهم الأمور )) .
ـ لا أستطيع أن أجد سبباً معقولاً يجعلك تصر على إرغامي على
البقاء هنا . .
فابتسم ساخراً : (( لكنني لـدي أكثـــر من سبب معقول . لــدي حب
السيطرة . اشعر بالرضى البالغ لإرغامك على القيام بما أريده )) .
ـ هذا مقزز . . عليك أن تخجل من نـفسـك .
ثــار غضبها وهي تراه يعترف بذلك من دون تردد .
ضــاقت عيناه : (( ولكن ألم تفعلي الشيء نفسه ؟ شعرت برضا بالغ
عندما استغليت فـقـــــدان ذاكرتي لــكـــي تـمنـحـينـي شعـــوراً زائــفاً
بالاطمئنان )) .
ـ أنــا لـست مثــلــك . . كمــــا أنني لــم أستــغلك . حــاولــت فقط أن
أجعلك هادئاً سعيداً .
نطقت بهذه الكلمــات شـاعرة بالألم , فالــتـــوى فمه هـازئاً : (( أؤكـــد
لك أنك جعلتني أبتسم في غرفة النوم . أمـا بالنـسبـة إلى إرغــــامي لك
على القدوم إلى هنا , فـلم يحن الوقت بعد لكي تواجهي الحقائق ؟ )) .
ـ أيه حقــائــق ؟
ـ أنــت لــم ترفضي القـــدوم معـــي إلى البــيــت كمـا لم تقــاومــي
وتصرخــي . أنت تريدينني أيضــاً .
فقالت بحرارة : (( ليــس إلى الــحد الــذي يجعلني أسمح لك بـأن
تستغلني )) .
فقال وهو يمر بأصابعه على خدها : (( وما هو الحد ؟ )) .
اشتــعـل جـســدهـا حيـث مر بأصابعه و أصبح حساساً وكأن كل خلية
فيه التهبت .
قالت وهي ترتجف : (( المعاشرة الزوجيـة ليـست كـل شيء بالنسبة
إلــي )) .
فقال بصوت أجش : (( أستـطيــع أن أجعلها كذلك )) .
ـ إنني أقدر نفســي أكثر .
ـ لــكــنـك لــم تكونـي كذلك منذ أربــــع ســنـــوات . لو أشــرت إليــك
بإصبعي لهرعت إلي ركضـــاً .
دمرهـــا قوله هذا . وعـادت بذهنـها لحظة إلى المـاضي , حين كانت
غارقة في غرامه وبدون أمل . كانت حمقاء صغيرة السن و مستعدة
للقيام بأي شيء لكي تحصل على فرصة معه . فكرة أنـه كان يعرف
شـعورها نحوه بالضبط , ومع ذلك تركها ومضى , كانت مؤلمة إلى
حد لا تستطيع احتماله .
ـ أيها الحقير . أنت أيضــاً انجذبت إلي لكنـك لــم تفعل شيـئـاً حيال
ذلك . . .
ـ كنت متـعقلاً أكثـر ممـا ينبغي . . .
ـ بل متكبراً أكثر مما ينبغي . أراهن على أني لـو كنت تلك الـفتــاة
الفاسدة لمنحتني فرصة َ!
ـ أنا لست متكبراً . إنما لدي تطلعــات في مجــالات معيـنـة و لــن
أعتذر عن ذلك .
ـ أنت رجل ولــد و في فمـــه ملعـقــة من ذهب . اعتدت أن تـنــال
الأفضل طوال حياتك . نظرت إلي فشعرت نحـوي بالانجذاب نفسه
الذي شعرت به نحوك . . أنا أعرف هذا . . لأنك اعترفت لي بذلك
حين كنت فاقداً لذاكرتك . .
كانت تتكلم بمزيج من الغضب والألم و الإتهام . . .
ـ لقد تركتك ورحلت لأنـك كنت صغيرة في السن . . .
ـ بـل تركتني ورحلت لأن عقلك يقوم بوظيفته بجمود بالغ . .
فقال بنعومة : (( هل هذا هو تقديرك للأمور ؟ )) .
ـ . . . ولأنك لم تجدني مناسبة . .
ـ وما زلت غير مناسبة . . ومع ذلك أنت هنا . .
ووضع يديه على خصرهــا وجذبـها إليـه فقالت ثائرة : (( أتظن أن
عناقك سيجعلني أقل غصبـاً منك ؟ )) .
لكنه سحق عظامها ثم أطـــال العنـــاق مستمتــعاً , فارتجفت ورفعت
يديها تمسك بكتفيه القويتين . وقربها منه أكثر ما جعل الدم يتسارع
في عروقها بشكل جنوني .
قال بصوت ثخين : (( لا أستطـيـع الانتظار حتى السابعة ليلاً )) .
ـ آه . .
لا يفترض فيه أن يعانقها فهي غاضبة منه . لكنها غرزت أظــافرها
في قماش سترته الفاخر وعادت تلتصق به .
وتملكها الذعر : (( إننـا في المــصرف . . قد يدخـل علينا شخـص مـا
من هذا الباب في أية لحظة )) .
ـ إنه مقفل . . نحن في أمــان .
وأرجع رأسه إلى الخلف مستمتعاً بالنظر إليــها قبل أن يقول :
(( لكنـك لست كذلك . . . )) .
حــاولت أن تتملص منه إلا أن راوول رفعها بين ذراعيه بسهولة .
ـ راوول !
ـ لا يمكن مقاومة هذا . . .
بـدت الــرغـبــة على وجهه القـوي وهو يـقول : (( أنت تسرين في
جسدي كالحمى )) .
راح الهـــاتف يــرن , فشتــم و مــد يده إلى خلفها ليوقف الرنين , تخلل
شعرها بأصابعه وهو يضمها إليه , فتمتمت لاهثة : (( أريدك )) .
ـ ليس بقدر ما أريدك يا جميلتي .
وصمت لــحظة قبل أن يــردف : (( عــلــمتــني أن أســبــوعـيـن من عمر
المرء قد يمران وكأنهما الحياة بأكملها )) .
بعدئـذ , حملها راوول إلى عـــــالـم من الأحــاسيس , لم تـكن حتى
تـحلم بوجوده . وعندمـا عادا إلى أرض الواقع , أوشكت أعصابها
على الانهيار نتيجة استسلامها هذا . أما هو فقد وقف ينظـر إليـها
مذهولاً : (( لا أستـطيـع أن أصــدق أننا فعلنا ذلك . لا أستطيـع أن
أصدق أني تمـاديت إلى هذا الحد في مكتبي )) .
كانت هيلاري بحاجة فقط إلى من يذكرها بهذا كله , فهبت واقفة
كالقطة . أرادت أن تزحف إلى تحت المكتب وتختبئ لــكنها لـــم
تفعــل .
وأضــاف راوول ببرودة : (( عليك عدم دخول مكتبي بعد الآن )) .
قــالـت مــتــلعثــمـة بــانــفعـال بـالغ : (( آسفة . . قل . . قل هذا مرة
أخــرى . . )) .
ـ أظنـك خططت لتـمثيـل هـــذا الـــــدور المــســرحي لتظهري نـــفــوذك
و تأثيرك . جئت إلي متــعمــدة ارتــــداء هذا الثوب لكي تنتصري علي .
تلكم ببرودة أثــارت أعــصــابها فكــادت تهجم عليه و هـي تــــصــــرخ
بهستيرية . هل يظنها خططت لانهــيارهـا هذا . هـــــل يــظنـها مزهـوة
باستسلامها . أتراه فقـــد عقله . واحمــــر وجـهها خجلاً . حــاولـت أن
ترتب ثوبها بأصابعها المضطربة وهي تقول : (( ما إن دخلت من ذلك
البــاب , حتى سيطرت على ذهنك فكرة واحدة . فــإيــاك أن تـجرؤ على
لومـي )) .
صمتت لحظة تستعيد فيها أنفــــاسها ثم تابعت : (( من أقفل الباب ؟
من تجاهلني عندما حاولت أن أذكره بمكان وجودنا ؟ من أخبرني أن
مرور أسبوعين يمكن أن يكونا أشبه بمرور الحياة بأكملها ؟ )) .
ـ هيلاري .
ـ وما إن نلت مــا تريد , حتى رحت تـتــصرف وكــأنني ألقيت بنفسي
عليك .
كانت تتكلم بشكل محموم فيما تتجه إلى الباب متــجنــبــة النظر
إليــه :
ـ من حملني بين ذراعيـه ؟ صدقـني أن الــشيــاطين نفسها لا يمكنها
أن تعيدني إلى هذا المكتب مرة أخرى .
حمل راوول معطفها ليضعه على كتفيها فقالت له شامتة : (( ثمة
أحمر شفاه على قميــصك )) .
ـ أريــد أن أتفق معك على تكرار هذه الزيــارة , يا حبيبتي .
فرمته بقولها : (( في أحلامك )) .
فتمتم بنعومة : (( أنـا خبير . العلاقة الحميمة بهذا الشكل نادرة )) .
شحب وجه هيلاري وأحنت رأسها . إنه من دون مشــاعر , لكنه
وببضع كلمات قادر على أن يسلخ جلدها عن عظامها .
متى بالضبط نسيت شعوره نحوها ؟ متى بالضبط نسيت رأيه فيها
على أنها باحثة عن الثروة ؟ وأنها كاذبة ومخادعة و أنها استغلته أثناء
ضعفه ؟ ضعفه ! وتــأملت راوول . . إنه حيوان ذكوري لا يعرف
الضعف . رجل ينظر إليها بمزيج من الرغبة و البرودة . رجل يغرقها
في الأحاسيس لينسى وجودها تماماً بعد ذلك . باختصار , إنه رجـــل
قادر على أن يؤذيها إلى حد بالغ إذا لم تكن حذرة . . .
ـ هذا لن يحدث بعد الآن أبـداً .
وأطلقت شــتــيــمة و هي تـستديــر على عقبيها متــوجهة نــحو الباب
لتهرب من مشهد هزيمتها هذا .
ـ على أي حـال , ليس قبل أربع وعشرين ســاعة لأنني ســأغـــادر
إلى زوريخ هذا المساء . ســأراك مســاء الغد .
فكـــرت هيلاري في ردود متــنــوعــة تـهاجمه بهـــا مثـــل : لا تـسـرع
بالعــــودة إلى البــيـــت , لكــنها رأت أن أي جواب كهذا لن يترك تأثيراً
مذكوراً فيه , فغادرت المكتب بصمت شاعرة بالضيق . في الــــخــارج ,
رأت مجموعة من الموظفين في الانـتـظـــــــار و قـد بـدت الحيــرة على
وجوههم . تراجع الكل ليــدعوهـ تمر , فسـارعت نـحو الـــمــصــــعد إذ
شعرت أن مــــا كـــانــت تــفعله في الداخــل مكتــوب من دون شك على
وجنتيها المتوهجتين .
لقد اكتشف , بشكل مــا , السحـــر الـــذي يـــحولها إلى امرأة تتصــرف
كامرأة عاشقة . لهذا وحـــده عليها أن تــكرهه و تــذكرت رد فعله على
وجودها . لقـــد أفقدته المشاعر المشبــوبــة التي غدرت بــهما اتـزانه ,
فأعلمها أنها ممنوعة من دخول مكتبه , ممنوعة وكأنها تتمتع بجاذبيـة
طاغيــة تــجعلها خطراً علـيــه في مكتبه حيث الاستقامة والصـــرامة
والانضباط . وأرجعت رأسها إلى الخلف وعلى فمها ابتسامة عريضة
وقحــة .
* * *
نهاية الفصل (( السابع )) . . .


الساعة الآن 09:05 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.