آخر 10 مشاركات
✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          وأغلقت قلبي..!! (78) للكاتبة: جاكلين بيرد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          ساحرتي (1) *مميزة , مكتملة* .. سلسلة عندما تعشق القلوب (الكاتـب : lossil - )           »          بقايـ همس ـا -ج1 من سلسلة أسياد الغرام- للكاتبة المبدعة: عبير قائد (بيرو) *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )           »          أهواكِ يا جرحي *مميزة & مكتمله* (الكاتـب : زهرة نيسان 84 - )           »          586 - حب لايموت - صوفي ويستون - ق.ع.د.ن ( عدد حصري ) (الكاتـب : سنو وايت - )           »          602 - عودة الحب الى قلبي - كارول مورتيمر - ق.ع.د.ن *** (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          صفقة طفل دراكون(156)للكاتبة:Tara Pammi(ج2من سلسلة آل دراكون الملكيين)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          عالقة بشباك الشيطان (105) للكاتبة: Carole Mortimer *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات العربية المنقولة المكتملة

Like Tree47Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-04-21, 01:36 PM   #541

نقاء قلب22

? العضوٌ??? » 464609
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 417
?  نُقآطِيْ » نقاء قلب22 is on a distinguished road
Rewitysmile22 هغير والله ةىرررر،،،،،، 💕💕


نتابييبللا💕💅🤷‍♀️🤷‍♀️ثم💅غ



نقاء قلب22 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-04-21, 09:51 AM   #542

كرومه

? العضوٌ??? » 404831
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,143
?  نُقآطِيْ » كرومه is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

كرومه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-04-21, 12:07 PM   #543

ندى عطار

? العضوٌ??? » 393423
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 206
?  نُقآطِيْ » ندى عطار is on a distinguished road
افتراضي

رواية جميلة ورائعة...بارك الله بالكاتبة والناقلة

ندى عطار غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-04-21, 02:14 AM   #544

ام نينه

? العضوٌ??? » 210023
?  التسِجيلٌ » Nov 2011
? مشَارَ?اتْي » 253
?  نُقآطِيْ » ام نينه is on a distinguished road
افتراضي

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة just faith مشاهدة المشاركة
- 9 -
25 يونيو 2005،
منزل نور وتقى، القاهرة
أمها وتقى ونهى... ثلاث أعمدة كانت ترتكز عليها روحها... من دونهن غدت ورقة تطايرت في الفضاء هائمةٌ على وجهها، لم يتمكن أي شخصٍ كان من ملئ تلك الفجوة بداخلها التي أخذت تتسع لتتلاشى روحها التي كانت ذات يوم سعيدة وأصبحت تحيا على ذكرى الأيام التي قضتها معهن تقتات خبز فقدها كالتعساء إلى أن جاء عيسى وبدأ في ترميم تشوهات روحها.
لن تنسى أبدًا ذلك الجو المرح الذي كانت تبثه تقى بتناغمٍ رائعٍ مع نهى دائمة الحضور في أغلب أحداث حياتها ووجه أمها بنظراتها الطيبة المحبة الذي كان يفجر دائمًا ينبوعًا من السعادة بداخلها رغم صعوبات الحياة.
" إيه ده يا نور ..؟ إيه الفستان ده..؟ ماتلبسي حجاب بالمرة..!"
قالتها تقى وهي تشاهد نور التي ارتدت ثوبها بعد إلحاح من اختها كي تراها به، ضحكت نهى قائلة:
- والله يا توتة قولت لها كدة ما سمعتش كلامي...
قالت تقى: - صدره مقفل أوي يا نور إيه ده ...؟
قالت نور: - أنا غلطانة أني سمعت كلامك ولبسته افرجك عليه... أمشي روحي ذاكري ياللا ...
قالت تقى: - والله العظيم محمود ده ليه الجنة أنه هايتجوز واحدة زيك... يا عيني الراجل صابر طول شهرين الخطوبة منشفة ريقه عشان تكلميه واللا تقعدوا مع بعض... حتى لو عايز يفرجك على حاجة واللا ياخد رأيك في حاجة من ترتيبات الفرح لازم يا أنا يا رحاب يا طنط قدرية يا ماما نبقى معاك وهما كلمتين وبس... وفي الآخر جاية في كتب الكتاب تقفلي الدنيا... كدة أوفر يا نور والله...
قالت نهى: - بصراحة يا نور... أختك معاها حق...
قالت نور بعند: - هوا كدة لو كان عاجبه ...!
ضحكت تقى قائلة: - آه يا بنتي ما المصيبة أنه عاجبه وأصر أنه يعجل بكتب الكتاب عشان بس يقعد يتكلم معاكي شوية براحته من غير طرف تالت قاعد في النص... لأن سيادك يجي يقولك كلمة حلوة يسرقها كدة من ورا الطرف التالت تكشري وتقومي وتقولي له حرام كدة وأحنا لسة أغراب عن بعض وحلال وحرام... يجيب لك ورد ويسيبهولك عالباب... ولاااا الهوا... ولا تشكريه ولا تقولي له عجبني ولا أي حاجة لحد ما الراجل يا عيني يشك أنك أخدتيه ولما يسألك.. أيوة.. ماشي ... كويس...
قذفت نور الوسادة على اختها بمرح قائلة: - أديكي قولتيها... هوا عاجبه... أنت مالك بقى ...
قالت تقى لنهى: - شوفتي يا نهى أديها باعتنا في أول محطة... يعني نخرج منها أحنا... ماشي يا نور...
قالت نهى: - بصراحة يا توتة اختك معاها حق... الراجل عارفها وحافظها ومصر على الجواز... خلاص يا ستي ربنا يهني سعيد بسعيدة ... مالناش دعوة ...
أخرجت نور لسانها لهما ثم قالت: - أيوة مالكوش دعوة ... هاروح أفرج الفستان لمامتي وهيا اللي هاتنصفني فيكو ...
خرجت نور من غرفتها متجهة نحو غرفة والدتها في سعادة بينما قالت تقى: - مجنونة ...!! الله يكون في عونك يا دكتور محمود ...
لم تدر أيًا منهما أن محمود في تلك اللحظة كان حقًا في أمس الحاجة لمعونة إلهية تنتشله من بئر الحيرة والتردد الثائر الذي سقط به عقب ما سمع من أمه وشقيقته من ما حملته إحسان من أخبار. كان جالسًا على أريكة الصالون دافنًا وجهه بين كفيه. قالت له رحاب بلا مبالاة: - سيبك منها يا محمود ... أصلاً أنا كنت مش مستريحالها من الأول ...!
رفع رأسه نحوها في عنف هاتفًا: - يعني إيه أسيبني منها...؟ يعني إيه مش مستريحالها...؟ هوا أنت اللي هاتتجوزيها واللا أنا..؟
صاحت رحاب بدورها: - طب براحة شوية وما تزعقليش... أنا مش عارفة إيه اللي عاجبك فيها دي أصلاً مش حلوة ولا جميلة أوي عشان تتمسك بيها كدة ... عادية جدًا ... ده أنت أحلى منها يا أخي ... وطبعًا هيا مش هاتيجي حاجة في جمالي ... بس قولنا بنت يتيمة ومسكينة ونعمل فيها خير ونسيبك تتجوزها ... لكن صياعة وقلة أدب ... مابدهاش بقى ... مش ناقصين أحنا مسخرة و...
قاطعها محمود بصفعة قوية على وجهها وأمسك ذراعها هاتفًا بحدة: - مين دي اللي صايعة ومش جميلة...؟ نور دي متربية على إيدينا ... نور دي مابترضاش تسلم عليا واحنا مخطوبين ولا تخرج معايا لوحدها ... نور دي عمري ماسمعتها بتتكلم على حد وحش واللا بتغتاب حد ... نور دي رفضت دكتور غني بدون تطويل في التفكير حفاظًا على دينها وكرامتها ... نور دي اللي بتتكلمي عنها كدة تسوى عشرة زيك ... نور واللي زيها هما اللي ينفعوا زوجات يصونوا بيتهم وأزواجهم ... أما أنت واللي زيك بالأخلاق دي اللي طول عمري بانصحك تسيبيها ... ما تنفعوش غير للفتارين ... عرايس حلاوة فقط لا غير ...
بكت رحاب وحاولت التملص من قبضته المطبقة على ذراعها دون جدوى فقالت لأمها: - شايفة يا ماما ... شايفة ابنك بيعمل فيا إيه ..؟ إذا كان كدة من قبل ما يتجوزها أمال اما يتجوزوا هايعمل فينا إيه...؟ هايرمينا كلنا برة..
أسندت أمها رأسها على يدها قائلة بغضب: - ماهو لا أنتِ ولا هوا محترمين أمكوا اللي قاعدة بينكوا... خلاص بقى وجودي مالوش لازمة ...
ترك محمود ذراع أخته وانحنى نحو أمه قائلاً: - أنا آسف يا أمي ... أصلها هيا اللي هيا استفزتني جامد.. وأنا فيا اللي مكفيني أصلاً ...
أومأت أمه في تفهم ثم قالت لرحاب بحزم: - أمشي من هنا دلوقت يا رحاب وأقفلي الباب وراكي ... ومش عايزاكي تتكلمي في الموضوع ده تاني ...
خرجت رحاب متمتمة: - والله لوريك يا محمود، أنا وانت والزمن طويل ...
أستدارت قدرية إلى محمود الذي عاد ليجلس على الأريكة وأرجع رأسه إلى الخلف متأملاً سقف الغرفة شاردًا في ذاك الكلام الذي يتناقل حول خطيبته وأمها، قالت له قدرية: - هاااه يا ابني ناوي على إيه..؟
رفع محمود رأسه ونظر إلى أمه قائلاً وهو يحاول إيجاد بصيص أمل: - ما يمكن الكلام ده كله غلط يا ماما..!
قالت له: - ويمكن يكون صح ...
صمت محمود في حيرة، فربتت أمه على رجله بحنو وهي تقول: - أنا عارفة اللي أنت فيه ... لأني أنا كمان مش مصدقة ... دي علا دي صاحبتي ... ونور وتقى زيك أنت واختك بالنسبالي تمام ... بس يا ابني ... مافيش دخان من غير نار ...
نظر محمود إليها بيأس قائلاً: - قصدك إيه...؟
قالت بحيرة: - أنا بافكر معاك بصوت عالي يا ابني ومش عارفة برضه نعمل إيه ... مش عايزين نظلم حد...
صمت محمود في حيرة وألم، فقالت له أمه بعد برهة: - ما تروح تعرض الأمر على الشيخ عبد المنعم في المسجد تحت على أنها مشكلة واحد صاحبك ...
لمعت في عيني محمود بارقة أمل وهو ينهض هاتفًا: - حاضر ... هانزل دلوقتي ...
ونزل محمود وما هي إلا ربع ساعة إلا وعاد ليجد أمه في موضعها تسأله بلهفة: - هاااه ... قال لك إيه..؟
تهاوى محمود على أول مقعد .. وقد امتلأت عيناه بالعبرات وهو يخلع خاتم الزواج الفضي الخاص به معطيًا إياه لأمه وهو يقول: - روحي اعتذري لهم يا ماما ...
ابتلعت أمه ريقها محاولة التغلب على تلك الغصة بحلقها وهي تقول: - هوا الشيخ قال لك كدة..؟
أغمض محمود عينيه بشدة لتتهاوى منهما بعض العبرات وهو يقول: - قالي قول لصاحبك كلمتين ... "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس" فلازم الواحد يتخير لنسبه ونسب ذريته النساء الطيبات والأصول المعروفة بالخير ... غير المشكوك في صلاحها ... وأن النساء كثيرات ... والأفضل أنه يترك تلك المشكوك في أمرها ...
وكان حكمًا بالإعدام مِن مَن يُحسب على الدين شيخًا متجرئًا على إطلاق الأحكام دون تروي أو بحث، فنهضت قدرية بتثاقل لتحاول تنفيذ تلك المهمة الصعبة.
***
شعرت بها تحتضنها بعينيها... تكاد تكون لمست فرحة مطلة منهما... فرحة حقة تلمسها في عيني أمها لأول مرة ...! نحت علا جانبًا هاك الدفتر الذي كانت منهمكة في الكتابة فيه، ثم قالت لنور بسعادة:
- جميلة أوي في الفستان يا نور ... ربنا يتمم لك على خير يا بنتي ...
ابتسمت نور قائلة وهي تقبل أمها: - طبعًا جميلة زي مامتي ... صحيح يا ماما ... مش هاتقولي لي بقى إيه اللي كل ما ندخل عليكي نلاقيكي بتكتبيه ده...؟ انت بتذاكري من ورانا واللا إيه...؟
همت علا أن تقول شيء ما، إلا أن جرس الباب قاطعها ... سمعت تقى ترحب بقدرية، فابتسمت نور قائلة:
- أكيد طنط قدرية جاية تشوف الفستان ... منا قلت لها قبل ما انزل إني هاجيبه النهاردة ...
لم تمض سوى لحظات حتى دلفت قدرية إلى غرفة علا بوجه واجم ممتقع، قالت لها نور:
- جيتي في وقتك يا طنط ... شوفي ... إيه رأيك ...؟
تأملتها قدرية وهي تدور حول نفسها بالثوب الناصع وكأنها تراها من وراء غمامتين مثقلتين بدموعها، كيف ستقتل تلك الفرحة التي تراها في بيت علا وعينيها لأول مرة ...؟ لكنها خائفة ... نعم خائفة من تلك الثرثرة التي ستطولهم حتمًا وتطول ابنتها فلربما لا تتمكن ابنتها من الزواج بسبب تلك الأحاديث الحائمة حول علا وبنتيها إذا ما اقترن اسم أيٍ منهن باسم ابنها واسمهم... إنها تفعل ذلك من أجل المحافظة على بيتها ومستقبل ابنتها ناصع البياض.
- نور حبيبتي ... ممكن تسيبيني مع ماما شوية...؟
تأملتها نور في غير فهم... بوجهها الواجم وكأنما هبطت عليها صاعقة...! أنَّى ترتسم على وجهها ملامح الألم تلك ومن المفترض أنها أيام تملؤها السعادة..! أقنعت نور نفسها أنها لربما تعاني من شيء ما لا تريد أحد الإطلاع عليه سوى صديقتها علا، فتمتمت نور قائلة: - حاضر يا طنط اتفضلي ...
قالتها ثم خرجت شاردة متوجهة إلى غرفتها تبدل ثوبها وتعيده بحرص إلى غلافه، ثم جلست إلى مكتبها تحاول المذاكرة إلا أن عقلها كان يشرد منها إلى تقاسيم وجه قدرية ويغوص في تفاصيله محاولاً إيجاد مبررًا لتلك النظرات التي ارتسمت في عينيها وانعقاد حاجبيها وانزمام شفتيها وعدم ردها عليها بفرحة طيبة كعادتها.
لم يمض الكثير من الوقت حتى سمعت صوت باب المنزل يتم إغلاقه، نهضت نور من على مقعد مكتبها متوجهة إلى أمها وقد أنضم إليها كل من نهى وتقى اللتين كانتا تستذكران في ردهة المنزل. إحساس عام بالأنقباض راودها مذ أن وقعت عينيها على أمها وكأنما صار وجهها كصفحةٍ بيضاء باهتة تتأمل الفراغ في ألم. شيءٌ ما بداخل نور لم يكن يريد أن يسأل أمها عمَّا حدث منذ قليل... يجذبها إلى الخلف... يجذبها إلى وجه أمها السعيد الضاحك تمامًا قبل لحظة دخول قدرية إليها.
- ماما أنت كويسة...؟ إيه اللي حصل ...؟
لكنها قالتها وتسائلت، كانت تقى تقف خلفها في قلق ومعها نهى، تأملتها أمها في نظرات صامتة ثم فتحت ذراعيها تدعوها إليهما... فوضعت نور رأسها على صدر أمها محتضنة إياها فأحاطتها بذراعيها في حنان ثم همست لها: - عارفة أجمل حاجتين فيكي إيه يا نور..؟
رفعت نور عينيها إليها في غير فهم، فأردفت أمها: - إيمانك وقوتك ... أوعديني أنك دايمًا تكوني قوية مهما حصل...
كانت علا تخشى على قلب صغيرتها الغض من الانفطار... هاك القلب الرقيق الذي طالما دافعت عن سلامته باستماتة... لأن أي خدشة به ستقتلها؛ لكنها أخطأت كثيرًا عندما بنت آمالها على بشريٍ أيًا كان، أحيانًا يؤدي بنا الخوف من أمر ما إلى السير بخطىً حثيثةٍ نحوه ونحن نظن أننا نفر منه..! لقد خافت علا على بنتيها من الوحدة والإنكسار بعدها وفرحت كثيرًا عندما تمت خطبة نور إلى شخص ظنت أنه هو الذي سيحمي ابنتها من الوحدة والإنكسار... وهاهو ذي نفسه الذي قد يتسبب في إنكسار قلب ابنتها ووئد فرحتها في مهدها.
قالت نور وهي لا تدري ماذا يحدث: - حاضر يا ماما... بس قولي لي فيه....
لكنها قطعت سؤالها وقد وقعت عينيها عليه قابعًا على الفراش بجوار أمها... إنها تعرفه جيدًا فقد شاركت في اختياره.. إنه لامع فضي ذو شكل مميز... اصطدم بعينيها عندما خفضتهما... كان رائعًا وهو يحيط بخنصره... نعم... إنه خاتم الزواج الفضي الخاص بمحمود...! شعرت بغصة في حلقها وجزء من عقلها يحاول تبرير سبب وجود خاتم محمود هاهنا بأنه قد يكون قد صار ضيقًا عليه أو حدث له شيء ما...! لكنها إذا ما جمعت الأحداث سويًا كقطع أحجية ... ستصل إلى حقيقة واحدة لا مجال لمناقشتها. مدت يدٍ مرتعشة تتناول الخاتم، فوضعت أمها يدها على فمها في جزع وقد رأتها قد لاحظته قبل أن تنهي لها التمهيد لما حدث... قالت علا مكملة كلامها: - أنت صليتي استخارة يا حبيبتي أكتر من مرة ... وربنا بيقدر الخير كله... أكيد مش خير ليكي أنك تتجوزيه... ربنا أكيد شايل لك عنده حد أحسن... فربنا لطيف بعباده يا نور... عايزاكي تركزي في عبادتك ودراستك وتحاولي تنسي الموضوع ده ...
هتفت تقى بحنق شديد: - إيه الحركة بنت التييييت دي..؟ هوا فاكر نفسه إيه يعني ولا عمره هايلاقي زي نور في حياته ... أتجنن ده واللا إيه ...!
ووسط دقات قلبها المتسارعة وغصة حلقها القاتلة... ضحكت... نعم... ضحكت نور وهزت كتفيها متظاهرة باللامبالاة وهي تقول: - عادي يا جماعة... بتحصل كتير ... واحد وحس قبل كتب كتابه بيومين أن مش دي الإنسانة اللي عايزها زوجة... عادي ما تكبروش الموضوع ...
تعلقت أعينهم الحزينة الحانقة بنور في دهشة وهي تخلع خاتم الزواج الخاص بها قائلة: - اتفضلي يا ماما.. أدي دبلته ...
خيم الصمت على الجميع وهم في دهشة من أفعالها، إلا أنها رممت أنكسار روحها أمامهم بكبرياء زائف ومرح مصطنع وهي تقول: - ياللا يا نهى عندنا امتحان بكرة ... عن إذنك يا ماما هاروح أذاكر ... عايزة حاجة مني..؟
قالت علا: - لا يا حبيبتي عايزة سلامتك ...
تبعتها نهى في دهشة وكذا سارت تقى خلفها تراقبها في شك ... وحدها كانت علا تعرف جيدًا أن نور ليست كأي فتاة عادية تُبدي حزنها أو دموعها أمام أي شخص ... لم تكن لتدع أي شيء يكسرها على الملأ ... لكنها كانت خائفة من كبتها لمشاعرها.
كانت تقى أيضًا تعرف أن اختها لا تحب أن يطلع أي شخص على انكساراتها وتقوض مظاهر المرح وسقوط قناع الكبرياء الزائف لذلك تظاهرت بالنوم وهي تدرك جيدًا أن نور تدفن وجهها في وسادتها تبثها ما يعتمل في صدرها وتسقيها بدموعٍ لا يطلع عليها أحد سوى تلك الوسادة، كانت تعرف أنها لم تنم فأنفاسها المتلاحقة تصل إليها عبر ظلام الغرفة وصمت الليل كسهام أحزان تصيب قلبها ... إنها حزينة من أجلها ... لا تدر لم أقدم محمود على حماقة كتلك قبل عقد الزواج بيومين...! لم يمض كثيرًا حتى شعرت تقى بنور تنهض من على فراشها إلى الخارج، وعندما تأخرت في العودة... نهضت تقى تسير على أطراف أصابعها تتطلع أمر نور لتراها على ضوء القمر الفضي المتسلل من النافذة قد وقفت في ظلمة الليل بين يدي الله تبثه حزنها وترفع يد الضراعة إليه علَّه يمن عليها بالرضا التام على كل أقداره.
لم تنم نور ليلتها حتى أذن الفجر ... أيقظت تقى التي كانت تتظاهر بالنوم بدورها لتصلي وساعدت أمها على الصلاة ثم بدأت في الاستعداد للذهاب إلى الجامعة.
***
26 يونيو 2005،
كلية الطب، جامعة القاهرة
على باب لجنة الاختبار ... كانت كل طالبتين تدخل ليتم اختبارهما اختبارًا شفهيًا.
- " يااااه ... كنت مرعوبة ... بس الحمد لله الدكتور بيسأل اسئلة سهلة .. اطمنوا يا بنات ... كل اللي دخلوا بيقولوا كدة..."
قالتها أروى لزميلاتها عقب خروجها من لجنة الاختبار، ولم يمر وقت طويل حتى جاء دور نور مع زميلة لها تُدعى نسمة. جلست بالمقعد المواجه للأستاذ الممتحن... شردت للحظات لم تسمع ماذا كان سؤال نسمة الذي اجابته سريعًا، فتوجه الأستاذ إلى نور الشاردة وألقى إليها سؤالها ... لم تسمعه ... فهزتها نسمة قائلة:
- نور ... كلمي الدكتور ...
رفعت نور عينين منهكتين إلى الدكتور قائلة بأدب: - آسفة يا دكتور ...
عدل الدكتور الستيني منظاره على أنفه قائلاً: - قولي يا ستي ... كم نسبة البلازما في الدم ...؟
قالت نور شاردة: - كتير ...
قال الدكتور: - يا بنتي قولي الإجابة كام...؟
شعرت نور وكأن غمامة من الأفكار تحيط بعقلها تمنعها من استحضار الإجابة الصحيحة التي تحفظها عن ظهر قلب ... كانت تحاور الدكتور بوعي غائب ... حيث أن وعيها كان يجري حوارًا آخر بداخلها..!
- 60...؟
- ستين إيه...؟
وبداخلها كانت تقول ستون يومًا كاملين هي عمر سعادة كاذبة ولجت بها رغمًا عنها... سعادة كانت تشي بها الأيام أُجهضت قبل موعدها... لم تطلب منه ورودًا أو كلامًا معسولاً طوال ستين يومًا... كانت ترجوه أن يظل بعيدًا حاولت أن تبدو كالحائط الصد أمام نظرات اشتياق يغلفها بها وهدايا عشاق ليست من حقها .. لكنها في الخفاء كان لتلك الأشياء تأثير الماء في الصخر... أخذت تنحت صلابتها الصخرية وتتسلل كماء يروي ظمئها للسعادة... فرفعت رايات بيضاء واستسلمت لخمر السعادة الوهمية يغزو قلبها الصغير..! ارتشف قلبها منه ناسيًا أنه ليس كخمر الجنة الحلال بل هو خمر الدنيا المغيب للعقل...
- يا بنتي احنا ماقدمناش اليوم كله لو سمحتي جاوبي على السؤال بسرعة... كم نسبة البلازما في الدم..؟
- دم...؟
وأكملت حوارها الداخلي... أي دمٌ بارد ذاك الذي يستبيح قلبها باستنزاف مشاعره ثم طعنه من الخلف..؟ أي دمٌ بارد ذاك الذي يئد فرحتها وفرحة أختها وفرحة أمها التي تراها جلية واضحة ربما لأول مرة في حياتها ... كانت فرحة علا بزواج نور أكبر حتى من فرحتها بمجموعها في الثانوية العامة أو قبولها في كلية طب...! نعم... حاولت علا أن تجد لابنتيها بديلاً عنها إذا رحلت... وسقطت علا ومعها نور سهوًا في فخاخ إسائة الظن بالرب الخالق والمُدبر عندما ظنتا أن لا أحد غير محمود يمكنهن الاعتماد عليه... وجاء الابتلاء شديدًا علَّه يمحص قلوبهن مما ألم بها من مرض التعلق ببشريٍ فان.
- أيوة في الدم يا بنتي هاتزهقيني لييه ... قولي بقى كاااام نسبة البلاازما....؟ هاااه...؟ كااام...؟
- 80...
- تمانين إيييييه...؟ مش عايز رقم عاييز تمييز...
ومرة أخرى تغلفها غمامة أفكارها وتنقلها لحوارٍ داخلي لا يسمعه سواها... تخبره أنهن ثمانون زهرة متعددة الأشكال والألوان في ثمان باقاتٍ مغلفاتٍ بالتل الأحمر والأبيض والبنفسجي والوردي... على مدى شهرين كان يحضر لها كل أسبوع باقة ورد مكونة من عشر وردات حتى أنها اعتادت الأمر وصارت تنتظر الباقة كل يوم جمعة بعد الصلاة ... تنتظرها في ترقب كتموين أسبوعي لشحنة السعادة الوهمية..!
- لو ماجوبتنيش دلوقتي حالاً يبقى تتفضلي تطلعي يا آنسة ... أنا مش فاضي لك ...
- 200..؟
تسائلت في نفسها أكنَّ مائتي نجمة أولئك النجمات اللائي قامت بعدهن في السماء الليلة الماضية أم أكثر..؟ كانت تعد النجمات مع الاستغفار وكأنهن قد انتظمن في عقدٍ براقٍ كمسبحةٍ سماويةٍ ...
- قلت لك مش عايز أرقام عايز تمييز ...
كانت نسمة تهمس بشيء ما التقتطه أذني نور لتردده بآلية في حوارها اللاواعي مع الدكتور المُمتحن.
- لتر...
صاح الدكتور: - ميتين لتر ليه يا آنسة..؟ هوا دم الإنسان كام لتر...؟ دم الإنسان كله على بعضه 5 لتر... هوا انا باقول لك دم الفيل واللا حاجة...؟ والله العظيم أنتوا ناس خسارة فيكوا الطب ده احنا لسة بنقول باسم الله الرحمن الرحيم وأنت ...
- أنا آسفة يا دكتور ... تشكل بلازما الدم حوالي 55% من إجمالي حجم الدم في جسم الإنسان.
أنتزعها صياح الدكتور من حوارها الداخلي وبدد الغيوم حول عقلها فحاولت قدر الإمكان شحذ إنتباهها والتركيز في الاختبارات فقط ... لا غير.
***
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .


ام نينه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-04-21, 02:29 AM   #545

ام نينه

? العضوٌ??? » 210023
?  التسِجيلٌ » Nov 2011
? مشَارَ?اتْي » 253
?  نُقآطِيْ » ام نينه is on a distinguished road
افتراضي

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة just faith مشاهدة المشاركة
-4-
14 أغسطس 2003
صباح خميس صيفي مبهج ... حمل معه رائحة الأمل ... وطعم الإنجاز الذي شعرت به مع ذلك النداء المصحوب بتصفيق من يدي صاحبه ...
- "نور الهدى سليمان رحيل العربي ... بوووسطاااا"
هاقد وصل مفتاح البوابة السحرية ... جاء أخيرًا ... الخطاب الذي كانت تنتظره على أحر من الجمر ... نهضت نور وارتدت حجابها سريعًا ... فتحت الباب مهرولة لاستلام الخطاب بيدين مرتعشتين موقعة حيث أشار لها ساعي البريد ثم دخلت المنزل تفتح الخطاب في لهفة مغلقة الباب بقدمها، ثم ...
- "ماااااماااااااا .... تقى ...."
أسرعت نور إلى غرفة أمها تكاد تطير من على الأرض فرحة تبعتها تقى قائلة:
- إيه يا نور ..؟ لاقيتي كنز واللا إيه ..؟
متكئةٌ في إنهاك تحاول التماسك وتناسي صراخ خلاياها المحتلة بقرائة كتابٍ ما ... حتى دخلت صغيرتها التي رغم بلوغها السبعة عشر ربيعًا إلا أنها في عينيها ستبقى دائمًا تلك الصغيرة الهادئة ذات الابتسامة الساحرة ... دخلت تمسك بيدها ورقة وتخلع عنها غطاء رأسها ليتناثر شعرها الأسود الناعم حول وجهها .. عيناها تلتمعان بسعادة تشع لتبتلع آلامها وأرقها ... سعادة تنبئها أن ابنتها وقفت على أعتاب الحلم ... حلم الصغيرة الذي تضخم بداخلها فقط من أجلها ...!!!
مرت بعينيها على الكلمات التي فجرت ينبوعًا من الفرحة بقلب صغيرتها وابتسمت بدورها محتضنة ابنتها ... لكن ابتسامتها لم تكن بهاك الصفاء ... كانت مختلطة بحسابات وأرقام ومراجعات للنفس ... وسؤال يتردد بداخلها ... هل ستصمد أم ستتوقف فرحتها عند أسطر هذا الخطاب ...!
وكأنها قرأت أفكار أمها ... رفعت صغيرتها رأسها من بين ذراعيها ... نظراتها تخبرها في إصرار أنها ستتحدى كل الظروف والحسابات والأرقام ولن يخذلها القدير ... لقد بات الحلم قريبًا يا أمي ...
" فيه إيه يا جدعان ما تفهمونا .." قالتها تقى منتزعة الورقة من يد أمها، ثم استطردت عقب قرائتها:
- اااه بقيتي دكتورة رسمي ... ماحدش هايقدر يكلمك يا ست نور.. وأخيرًا جه جواب التنسيق المنتظر اللي كل شوية تسألينا عنه ...
وكزتها نور قائلة: - أديكي داخلة ثانوية عامة أهوه شيدي حيلك وحصليني..
صاحت تقى: - أحصلك فين يا اختي ... أنا لا بتاعة دح ولا طب ... وبعدين انا خلاص كتبت أدبي في الرغبات ... أنا باحب التاريخ والتدريس ... يا سلام لو أدخل آداب قسم تاريخ أو تربية .. كدة مية مية... مش طب وبتاع ...خليكي أنت في الطب ...
وكأن غيث السعادة لا يهطل إلا وتصحبه سحب الحزن القاتمة ..
وكأن فرحها الأبلج مولود بتوأم ملتصق من بؤس معتم ...
فكما كان باب منزلها بوابة للسعادة منذ دقائق... جاء رنينه يحمل صدى روحًا تتألم لم تجد سواه لتعبره بعذاب يضنيها منذ سنوات.
- "نهى..؟؟؟!"
كانت صديقتها نهى تقف بالباب يبدو عليها الإرهاق والتعب.
- "أهلا يا نهى جالك التنسيق واللا إيه..؟ اتفضلي اتفضلي ..." قالتها نور لصديقتها والقلق يعتصرها من هيئتها غير الطبيعية..! دخلت نهى وجلست في إرهاق على أول مقعد من مقاعد طاولة الطعام العتيقة القريبة من باب المنزل، كانت علا قد لحقت بابنتها وساورها القلق ذاته من هيئة نهى، فسألتها باهتمام:
- مالك يا بنتي ..؟ أنت تعبانة واللا حاجة...؟
قالت نور: - أنت جالك جواب التنسيق..؟ كنت لسة هاكلمك ...
قالت نهى بوهن: - أيوة جالي .. طب بيطري ..
ضحكت تقى قائلة: - وده اللي مزعلك أوي كدة..؟؟؟ ولاااا تزعلي نفسك ... هانبقى نخلي عم سيد اللي بيقف على عربية الفول يسمح لك أنك تكشفي على الحمار بتاعه ... أي خدمة ...
ابتسمت نهى ابتسامة سريعة باهتة وهي تقول: - بالعكس أنا مش زعلانة من التنسيق ... دي كانت رغبة من رغباتي الأوائل ...
أمسكت نور بيدها قائلة في قلق: - أمال مالك يا نهى ..؟ تحبي نقعد في أوضتي شوية و...
إلا أن نهى أجهشت بالبكاء قائلة: - خلااااص مش قااادرة يا نور ... تعبت ونفسيتي اتحطمت ... مش قادرة حتى أفرح بنتيجة التنسيق ولا نتيجة الثانوية العامة ...!
أخذت نور تربت على كتفها قائلة: - أهدي بس وقولي لي ايه اللي حصل ..؟؟؟
وبدأت نهى تقص على أسماعهن وسط شهقاتها وبكائها مأساتها. أخذت تخبرهن كيف أن أمها قد تركت المنزل منذ ما يزيد على الشهر وأنها هي التي تتحمل أعباء البيت ومطالب أبيها واخوتها الصغار ..
- طول عمرهم بيبتخانقوا وبتروح وترجع بس طولت أوي المرة دي... والضغط الكبير عليا أني أراضي في ده وده ...
بكت وهي تحكي عن أخاها الأكبر الذي صار يخرج من المنزل ولا يعود إلا في وقت متأخر وأحيانًا لا يرونه ولا يعرفون مكانه..! خرج صوتها من براثن انهيارها يخبرهن عن شقيقتها الصغرى التي لا تكف عن البكاء وقد تدمرت نفسيتها ... أما أخاها الأصغر ذو الأحد عشر عامًا ... فعاد للتبول اللاإرادي.
- مش عارفة أعمل إيه ... مش عارفة ... على طول صدى خناقاتهم اللي مابتخلصش في وداني ... على طول ألفاظ شتايمهم واتهامات كل واحد فيهم للتاني بتقطع في قلبي زي السكاكين...
بكت نهى بحرارة كأنها ترى إحدى خلافات أبويها النموذجية ... حيث يبدأ الأمر باختلاف حول المال .... عندما تطلب أمها أموالاً ويتمنع أباها متعللاً بأنه ليس معه حتى يتطور الأمر إلى تطاول بالألسن وأحيانًا بالأيدي من طرف أبيها. تضع نهى يديها على وجهها وكأنها تحاول منع ما تعرضه عليها ذاكرتها من ألغام يومية مدفونة بمنزلها بين أمٍ وأبٍ كطرفي سلكٍ عارٍ لا ينفك أن ينغرس بين ثنايا روحها محدثًا زلزالاً ضخمًا بكيانها. لكن الذكرى لم تكن تُعرض أمام عينيها، بل تثقل عقلها وقلبها فلم تملك نهى إلا أن تحرك بها لسانها علَّها تخف من وطئتها عليها...
- مد أيد بابا على ماما بيقطع فيا وحكايات ماما على مغامرات بابا النسائية وأنه غير أهل للمسئولية وعمره ما شال مسئولية بيتعبني ودايمًا حاسة بالقرف ...
صمتت نهى مستمرة في نشيج موجوع، فقالت تقى: - ثانية واحدة يا نهى عشان أنا مش فاهمة حاجة ... إزاي مامتك وباباكي بيتخانقوا عالفلوس وانتوا أصلا من الناس المحسودة في حتتنا ... يعني شقتكوا واسعة وعلى الشارع الرئيسي مش حارة زينا ومفروشة أحسن حاجة وعندكوا عربية وكماليات ... وبعدين مين ده اللي عنده علاقات نسائية ..؟ باباكي الحاج إسماعيل اللي بيصلي في المسجد...؟
صوبت علا نظرة عتاب إلى ابنتها تقى لتصمت، لكن نهى أخبرتها في حزن أن "كل هذا قشووور ..."، أخبرتها عن انعدام الحكمة في انفاق الأموال عندما يكون معهم بعضًا منها ... أخبرتها أن أباها يعمل يومًا ويجلس بالبيت عشرة لأنه "مش لاقي شغلانة تليق بجنابه" ... وإذا حدث ووجد وظيفة معقولة يبدد كل ما اكتسب على شراء سيارة أو تجديد ديكورات بالمنزل أو... أو ... أو... "ونرجع نعيش على الشحاتة تاني وفلوس الزكاة والصدقة". كانت موجوعة وكان الوجع هو المتحدث بلسانها.
- ... ماما اشتغلت شوية وماستحملتش تكمل شغل فاستسهلت مد الإيد لقرايبها وبابا خد على كدة ... ودايما خناقاتهم من هنا بتبدأ وبتطور ... أما حكاية بيصلي في المسجد دي... فمش عارفة إزاي إنسان يصلي في المسجد ويسب ويضرب كدة ...!! إزاي واحد ظاهره الدين كدة مطنش ابنه ومش حريص على دينه وسايبه يضيع ... قلبي واجعني على أخويا أوي... أ.. أنا بقيت أشد شعري ...
رفعت عينيها الزائغتين إليهم مكملة وهي تخلع حجابها: - بشد شعري فعلا من التعب من التفكير شوفي شعري مقطع ازاي ... بقيت من تعب تفكيري بأذي نفسي ... شوفي إيدي عاملة ازاي ... مش قادرة أكلمهم وأصارحهم أني تعبت من مشاكلهم ... مش قادرة أنطق يا جماعة ... طول عمري ممنوع أقول رأيي .. طول عمري أمي بتجاوب عني وبتتكلم عني لحد ما بقيت خرسة لا بعرف أعترض ولا أتكلم ....
أقولكوا سر ... مرة ركبت أتوبيس وجه واحد قذر حاول يقف بطريقة مش مظبوطة ورايا خفت أوي واترعبت وماعرفتش أتكلم حاولت أبعد عنه وخلاص ... طول عمري لعبة في إيديهم مش باعرف اتصرف ... حتى صوتي سرقووه ...
أخذتها عُلا بين ذراعيها وقد تأثرت بكلامها وأخذت تمسح على رأسها قائلة: - أهدي يا بنتي أهدي يا حبيبتي ...
رفعت نهى عينيها إلى علا هامسة: - من ساعة ما وعيت على الدنيا وهما بيتخانقوا ومافيش أي ذرة احترام شوفتها بينهم إلا الاحترام الزائف اللي بيمثلوه قدام الناس ... طيب ليه يخلفونا ...؟ حاسة أنهم كانوا واخدين موضوع الخلفة ده تسلية اما مايلاقوش حاجة يعملوها يخلفوا عيل ورا التاني عشان يرموه في نار خلافاتهم اللي مابتنتهيش وينتهي بيه الأمر في الشارع زي أخويا بالظبط ....!!!
كانت نهى تنتفض بشدة بين ذراعي علا التي ساندتها لتنهض قائلة: - قومي تعالي معايا جوة نتكلم براحتنا..
سارت معها تجر قدميها بينما قالت علا لابنتها: - نور لو سمحت أعملي لصاحبتك عصير ليمون ..
قالت نور بسرعة وقد دمعت عينيها لحال صديقة عمرها: - حاضر يا ماما ...
جلست علا على الفراش وأخذت نهى بين ذراعيها ووضعت يمناها على جبهتها وبدأت في قراءة آية الكرسي حتى انتهت. طرقت نور باب الغرفة ثم دخلت وضعت كوب العصير بجوار أمها التي نظرت إليها نظرة معناها أن تتركهما بمفردهما فخرجت نور على الفور من الغرفة بينما أكملت علا قرائة المعوذتين وسورة الإخلاص ثلاث مرات على رأس نهى التي بدأت تهدأ وتسكن ويخفت نشيجها المتألم.
أعتدلت علا في جلستها وساعدت نهى على الجلوس باعتدال قائلة بابتسامة خفيفة: - ها عاملة إيه دلوقتي..؟
خفضت نهى عينيها وقد أدركت ما تفوهت به منذ لحظات وكأنها قالته في غفلة من العقل أو تحت ضغط كبير جعلها تخرج عن صمتها وتلجأ لصديقة العمر، قالت نهى: - أحسن الحمد لله ... أنا بس كنت حاسة بيأس و..
قاطعتها علا وهي تناولها العصير: -حاسة بيكي يا حبيبتي ... حاسة بمدى ألمك وحزنك وأنت عايشة في بيت مش لاقية فيه أقل الاحتياجات الأساسية من الأمان والثقة من أهم أشخاص في حياتك .. بابا وماما وأخواتك ... كل واحد فينا محتاج اللي يثق فيه ويحبه بدون شروط ... أنا عارفة أنك أكيد بتحلمي أن يتغير ما بين ماما وبابا وتبقى العلاقة مثالية لكن يا نهى يا حبيبتي التغيير ده مش فرض عليكي أنتِ ... ومهما تمنيتِ التغيير فلازم يكون منهم هما ... وبعدين خلاص هما أختاروا أنهم يعيشوا بالصورة المحزنة دي، لكن هل لازم أنت كمان تختاري كدة..؟
أنزلت نهى كوب العصير بعد أن أخذت رشفة منه ونظرت إلى علا بغير فهم، فقالت تلك الأخيرة موضحة: - حبيبتي .. علاقة بابا وماما تجربة حية تتعلمي منها رغم الألم وتكتسبي منها مهارات تعينك كزوجة إن شاء الله .
ابتسمت نهى بسخرية قائلة: - زوجة ..؟؟؟!!!!
ربتت علا على يدها قائلة: - آه زوجة يا حبيبتي .. عارفة أن علاقة بابا وماما المتوترة ممكن تخنق جواكي أي علاقة مستقبلية حميمية مع رجل يحل مكان بابا لأن مكان بابا وصورته داخلك مشوشة وسلبية جدًا، وأكيد هاتأثر على رؤيتك لكل الرجال، والتجارب السيئة اللي بتحصل لك برة البيت مع المشاكل اللي جواه أكيد هزت ثقتك بنفسك وده اللي أنا عايزة أركز عليه معاكي دلوقتي ... الحقيقة اللي عايزاكي تفهميها كويس جدًا أن ماحدش يقدر يغير حد ... الشخص الوحيد اللي أقدر فعلاً أغيره ... هوا أنا ...
استمعت نهى إلى أم صديقتها باهتمام، فأكملت علا: - أنا مسئولة عن تغيير نفسي وتحدي كل الظروف اللي حوليا..
قالت نهى بإحباط: - إزاي بس ..!!
قالت علا: - هاقولك يا نهى ... أولا يا حبيبة قلبي أشتغلي على علاقتك مع ربنا اللي أكبر من الكل ويمتلك قلوب كل البشر ... قوِّي علاقتك بالله لأنه ربنا هوا السند اللي انت محتاجة له ... ربنا عايزك تكوني قوية تنجزي حاجات رائعة في حياتك بإذن الله. التزمي بالعبادات من صلاة وقيام وصوم .... والدعاء، الدعاء، الدعاء يا نهى فهو فرصتك للكلام مع ربنا تقولي له كل اللي في قلبك الصغير من حزن وتسأليه العون على تقبل اللي ما تقدريش على تغييره وتطلبي منه المساعدة في تغيير نفسك...
بدأ شبح ابتسامة مرتاحة يرتسم على شفتي نهى، بينما تكمل علا: - حبيبتي ركزي على تنمية ثقتك بنفسك وبناء شخصية خاصة بنهى اللي هيا مش زي ماما ومش زي حد... الشخصية اللي تشبه نهى بس.... وبعدين أنت ما شاء الله عليكي رغم الظروف الصعبة جايبة مجموع عالي وهاتدخلي كلية كبيرة كانت رغبة من رغباتك زي ما قلتي ... ركزي بقى كويس في دراستك لأن دراستك يا نهى جزء كبير منك ... وحاولي تتعرفي على صديقات جدد في الجامعة وتشتركي في أنشطة ... حبي اخواتك الصغيرين وقدمي لهم اللي تقدري عليه واحتسبي الأجر عند الله .. وطبعًا ده برضه هايكون له مردود لما تتجوزي وتخلفي إن شاء الله .. هايبقى عندك خبرة من رعاية اخواتك وهاتربي ولادك أحسن تربية ... وبعدين أبقي روحي مع نور وتقى حلقة الحفظ اللي في المسجد اللي في الشارع اللي ورانا المعلمات هناك رائعات وحفظ القرآن هايخلي قلبك دايمًا في سعادة وطاير بآيات القرآن حتى لو عندك هموم الدنيا كلها ... لأنك هاتكوني مع ربنا وهاتبعدي عن الشيطان اللي بيفرح اوي لما يحزن المؤمن .. فأحب شيء إلى الشيطان: أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره ويوقفه عن سلوكه، عشان كدة هانبطل حزن ونغير من نفسنا ونركز في دراستنا ونحفظ قرآن ...
صمتت علا قليلا متأملة إمارات الراحة التي بدأت تذيب التوتر والوجل الذي كان مرتسمًا على ملامح نهى منذ قليل، ثم أردفت: - وعايزاكي تحطي في دماغك يا نهى أن جسمك كللله أمانة ربنا أدهالك ... يعني ماينفعش نشد شعرنا الجميل ده تاني ولا نجرح نفسنا عشان نحافظ على الأمانة اللي أئتمنا عليها ربنا ... أتفقنا..؟
أومأت نهى برأسها إيجابًا، فقالت علا: - حاجة كمان ... على قد ما تقدري ما تشتكيش إلا لربنا ... صلي في الثلث الأخير من الليل وتملقي ربنا وأحمديه وأشكريه وأدعيه وأشتكي له وكلميه ... هتلاقي نفسك مرتاحة جدا ومش محتاجة تشتكي لحد من البشر أبدًااا ... وطبعًا لو احتجتي حاجة أنا تحت أمرك يا قمر ..
ابتسمت نهى ونهضت محتضنة علا قائلة: - متشكرة ... متشكرة أوي يا طنط ... يياااه ... حضرتك عندك طاقة إيجابية قادرة على تغيير الإنسان اللي قدامك 180 درجة ... يا بخت بناتك بيكي ...
ابتسمت علا وهي تربت على كتفيها قائلة: - يا حبيبتي يا نهى أنت اللي جواكي طاقة حلوة تقدر تقهر أي صعوبات في الحياة بدليل تفوقك وتدينك رغم كل اللي انت فيه ... وعايزاكي تفهمي كويس أن كل انسان وعنده مشكلة في حياته ... ربك بيقسم الرزق بالتساوي بين عبيده يعني اللي عنده رزق أن أهله كويسين بيبقى ابتلاءه في حاجات تانية واللي عنده رزق أن معاه فلوس بيبقى ابتلاءه في حاجة تانية وهكذا ... المهم أن الإنسان يرضى عن ربنا ويحمده ويشكره ويعرف نعم الله عليه اللي لو حاول عدها .... مش هايعرف. ياللا بقى ادخلي الحمام اتوضي وظبطي حجابك عشان تنزلي مع نور وتقى تصلوا العصر في المسجد وتبدأي في حلقة حفظ من النهاردة ... ماشي.
قالت نهى بحماس: - ماشي ...
خرجت نهى من غرفة علا وكأنها إنسانة أخرى .. مبتسمة تقول في مرح: - أنا هاروح أتوضا عشان أروح معاكوا المسجد يا نور ...
وعندما دخلت دورة المياه كانت الدهشة تغمر نور وتقى فهمست تلك الأخيرة لأمها: - إيه يا ماما .. أنت سحرتي لها واللا إيه..؟ ده أنا كنت حاسة أنها أما دخلت معاكي كانت بتموت يا حرام ...
قالت علا: - خلاص يا تقى .. البنت كانت حزينة وفضفضت وارتاحت خلاص ...
قالت نور شاردة: - مسكينة أوي نهى ...
وخيم عليهم صمتٌ مثقل بالأفكار...
فقد أدركتا أن هنالك مصائب أكبر من غياب الأب ...
أحيانًا وجوده يكون هو المعضلة ...!!
***
24 نوفمبر 2011، في الطائرة
الساعة 19:00
عاد إلى مقعده بعد أن نهض ليتمشى قليلاً بالطائرة فلم يجد أيًا من نور أو عيسى، رفع عينيه ليراهما قادمين من الناحية الأخرى لممر الطائرة ... كانت تنحني نحو صغيرها .. تتحدث معه لا تبتسم إلا له .. لا تمل من لهجته الممطوطة ولعثمته واسئلته المتكررة حول كل شيء ... ظل واقفًا ليسمح لهما بالمرور فجلسا وعاد عيسى إلى ثرثرته ثم هتف قائلاً له بفخر: - عـ...عارف يا عمو .. الصلاة على الطيارة حـ... حلوة أوي ...
أنحنى زين نحو عيسى قائلاً: - أنت صليت امتى على الطيارة...؟
هتف عيسى: - د...دلوقتي يا عمو أنا وماما اتوضينا وروحنا عند الستارة اللي هـ... هناك دي صلينا عندها المغرب والعشاء ... هـ... هيا الطيارة كانت بتتهز شوية ... بس أنا ماخفتش وكملت صـ... صلاة مع ماما..
رفع عينيه إلى نور التي كانت منهمكة بإحكام ربط حزام المقعد حول ابنها قائلاً:
- وانتوا عرفتوا تحسبوا توقيت الصلاة...؟
رغم أنها لم ترفع رأسها نحوه قط إلا أنها عرفت أنه يقصدها بسؤاله ذاك، فأجابت بصوت لا يكاد يُسمع وهي تُخرج شيء ما من حقيبتها:
- المغرب مش محتاجة حسابات فلكية أو جغرافية يا باشمهندس ... احنا في السما ... قرب الشمس اللي اختفت من شوية بديهي جدًا انها غربت وحان وقت المغرب ... ولأننا على سفر وعشان ما اتلخبطش بحسابات وقت العشاء والفجر، جمعت العشاء مع المغرب ...
قالتها بكل بساطة ثم أخرجت كتابًا ما من حقيبتها وانهمكت في قرائته بينما عاد صغيرها إلى التلوين وتركيب بعض قطع الأحاجي التي أخرجتها له منذ قليل. كان زين على علم بتلك المعلومة وقد قام بالفعل بأداء الصلاة لكنه لم يتخيل أنها قد تحرص على الصلاة في الطائرة "تمثيليات ... بتأفلم وتعمل تمثيليات...!" ترددت تلك الكلمات في ذهنه ... تذكر كل ما قيل عنها وعن ... "أوركيد" ... تعود تلك الكلمة لتطغى على تفكيره مربكةً إياه..! فيمسك بكوب القهوة الذي عاد به بعد الصلاة و يرتشف منه متأملاً عيسى الصغير الذي يحاول جهده الحديث رغم تأتأته الواضحة التي لم تخف لغته العربية السليمة رغم ولادته ومعيشته الأمريكية، حدَّث زين نفسه أن عيسى لا يشبه أباه أبدًا فالفتى ذو الشعر الاسود الفاحم الناعم المنسدل حول وجهه الأبيض وهاك العينين العسليتين المتقدتين ذكاءًا لا يمتان بصلة لأبيه، أرجع زين رأسه إلى الوراء شابكًا يديه خلف رأسه وقد مرت به أطياف أعوام مضت ... أعوام تزيد عن عمر ذلك الصبي بعام أو اثنين.
***
يناير 2004، الواحات البحرية
في تلك البقعة من الواحات البحرية التي تقع جنوب غرب القاهرة وتبعد عنها بحوالى 360 كم، خاصة تلك المزرعة الشاسعة التي تحدها من كل صوب أشجار شاهقة الارتفاع، أخذ زين يجد السير وهو يتصبب عرقًا... يتفقد المزروعات يزيل بعض الأعشاب التي يصادفها حتى التقى بشاب طويل يرتدي جلبابًا واسعًا، قال له: - بدر .. الله يكرمك زي ما قولتلك ممنوع استخدام المبيدات الكيميائية ... ممنوع استخدام الأسمدة الكيميائية ... وممنووووع عزيق للأرض... فهمتني ..؟
قال بدر باسمًا: - فهمان عليك يا ولد عمي .. متخافش ما في ذرة سماد كيماوي هاتقرب من الزرع ... أني متابع المزرعة زين ..
ربت زين على كتفه قائلاً: - تسلم يا بدر ... برضه نبه على طلال والرجالة اللي معاكوا ... أنا هدفي ان المزرعة دي كلها تبقى أورجانيك بمعايير الجودة اللي أحنا متفقين عليها مع المستوردين في فرنسا وامريكا وشركات التوزيع في مصر هنا ... وزي ما وعدت الچدة هانطلع محصول من أفضل ما خرجته أرضنا في يوم من الأيام ..
قال بدر: - ما تعتل هم يا زين، أطمن يا خوي ...
قال زين وهو يستدير راحلاً: - أنا مطمن يا بدر بس كنت باأكد عليك ... ياللا أنا في مكتبي لو احتجت حاجة كلمني ..
وعندما رحل زين لم يلحظ اقتراب أحدهم من بدر قائلاً بصوت أجش وهو يعقد حاجبيه: - على إيش يؤمر ويتأمر سي زين ..؟ زيه زيينا في المزرعة ... واللا لأجل دراسته وعلامه هايعمل علينا سي الأستاذ...!!!!
التفت بدر قائلاً: - يا طلااال بزيااادة بقى ولا عاد تحط زين في راسك ... مش ابكيفك ولا بكيفي ولا حتى بكيفه اللي بيحصول أهنه ... كل أشي ابترسم له الچدة وأحنا ما علينا إلا التنفيذ ... فالأحسن يا خوي أنشوف شغلنا ومانشغل بالنا بحاجة ماإلنا فيها يد ...
شرد طلال قائلاً: - ما إلنا يد فيها ..! راح تشوف يا خوي كيف ما إلنا يد فيها..!
أما زين فقد دخل منهكًا إلى مكتبه في المزرعة الموجود في مبنى متوسط السعة مكون من طابق واحد ومدخلين، كان المدخل إلى المكتب هو المدخل الخلفي، دخل زين ليفاجأ بوجود شخص ما في مكتبه يجلس على المقعد خلف المكتب ويمد رجليه على المكتب الذي أمامه عابثًا ببعض الأقلام، قال له زين في دهشة:
- زكريا...؟؟؟ أنت رجعت من القاهرة امتى..؟؟؟
قال زكريا مبتسمًا: - أنا هنا من الفجر يا باشا ...
قال زين: - أنت امتحاناتك خلصت يا ابني عشان تيجي ..؟ مش عندك امتحان بكرة..؟ كنت تخليك في القاهرة لحد ما تخلص امتحانات ... أنت عارف أنت بقالك اد ايه مش عارف تاخد تالتة تجارة...؟ يا ابني اخلص بقى ...
ضحك زكريا ضحكة طويلة ونهض قائلاً: - يا عم أنسى الجامعة والكلية والامتحانات ... أنا خلاااص .. عرفت طريقي ...
قالها ثم أخرج سيجارة وشرع في إشعالها، فأوقفه زين بصرامة قائلاً: - مش هنا يا زكريا ... أطفيها من فضلك ...
اطفأ زكريا سيجارته في عصبية قائلاً: - هوا لا هنا ولا في البيت الكبير...! إيه الخنقة دي..!
قال زين مغيرًا الموضوع: - مش فاهم تقصد إيه بأنك هاتنسى الجامعة والامتحانات، وطريقك إيه بقى اللي أنت عرفته ...؟؟
قال زكريا: - مش الچدة امبارح قررت معاك انها هاتفتح مكتب صغير في أمريكا يبقى تبعنا ويتولى التعاقد مع الشركات الأوروبية والأمريكية وتوزيع منتجاتنا اللي بتطلب بالاسم مننا...؟
اتسعت عينا زين قائلاً بدهشة شديدة: - أنت عرفت منيين الكلام ده..؟ الموضوع ده لسة حاصل امبارح ومايعرفش بيه إلا أنا وأبوك والچدة... ده حتى امك ماتعرفش...!!!
ضحك زكريا وقال وهو يضع يده على كتفي زين: - زين يا حبيبي انت صحيح أخويا الكبير ... بس أنا داير عنك يا معلم وأعرف أجيب المعلومة اللي عايزها من المكان اللي عايزه ..
قال زين: - والله ..؟ طيب يا عم الداير والفاهم .. إيه دخل ده بامتحاناتك...؟
أمسك زكريا بياقتيه بكلتا يديه قائلا بزهو: - ماهو أخوك هوا اللي هايمسك الشغل هناك بأمر الله .. أنت نسيت الكام سنة اللي قضيتهم في أمريكا واللا إيه .. يااااه على أمريكا ومزز أمرييكا ... احلى فكرة فكرت فيها يا اخويا اننا نفتح مكتب يدير شغلنا هناك...
قال زين بامتعاض: - مُزز..؟؟؟ يا اخي انتقي الفاظك وخاف ربنا شوية ...
هتف زكريا: - لااااا يا باشمهندس بلاش انت تبدأ في التنظير ... انت نسيت انا شوفتك في الجامعة واقف مع مين واللا ايه..؟ حتة مزة تحل من على حبل المشنقة ... بلونداية كدة بعيون زرق وقوام رشيق ولا مزز امريكا ... فامتبصليش انا في ...
قاطعه زين بحدة: - زكريا لو سمحت انا ماسمحلكش ... البنت دي بنت الدكتور عمر هجرس المشرف على رسالة الماجستير بتاعتي وكانت في مكتب باباها وانا عنده وحصل اني نسيت الرسالة بتاعتي واوراقي عند الدكتور عمر في المكتب فجت ورايا تديهالي بس .. ولا اعرفها ولا شوفتها قبل كدة ...
ربت زكريا على كتف اخيه قائلا: - بس هنيالك يا زين البنت قمرررر...
ازاح زين يده بحدة قائلا: - يعني ايه هنيالي..؟؟ باقولك اول مرة اشوفها..
قال زكريا:- وانا باقولك من نظرة خبير ان نظراتها ليك بعيونها الزُرق دول معناها انه هنيالك يا عم وبكرة تقول زيكو اخويا الله يمسيه بالخير هوا اللي بشرني، اصلا يا عم دي ماتتسابش لو ماكنتش مرتبطة..
صمت زين لحظات ثم قال: - طيب خلصني عايز ايه مني دلوقتي عشان ورايا شغل ومذاكرة كتير..
قال زكريا:- عايز فلوس بصراحة ...
اتسعت عينا زين في دهشة قائلاً: - فلوس إيه ...؟ بتهرج صح..؟
قال له زين: - لا طبعا مش باهرج ... انت عارف أبوك الشيخ سليم رحيل العربي ... شيخ العرب ... هو والچدة مابيدوش إلا في حدود التكلفة بس ... يعني خنقة ... وأمريكا محتاجة وجاهة وشوية مصاريف زيادة وحبشتكنات وكدة ...
نظر إليه زين مليًا ثم قال: - ماتطلب من أبوك ...
قال زكريا:- ييي .. مانا باقولك مش هايديني حاجة .. طلبت منه وقالي اللي معاك كفاية للشغل... وطيب انا يا حاج ومصاريفي طززز شوية فكة ماينفعوش.. ياللا يا زين بقى أديني مبلغ كدة محترم وهاردهولك اما اشتغل في امريكا..
تردد زين قليلا، ثم قال: - شوف يا زكريا .. انا أولا مش هاقدر اديك مبلغ كبير ثانيا لو اديتك فلوس اوعدني انك مش هاتصرفهم في حاجة تغضب ربنا.. يعني لا سجاير ولا حاجة من دي ...
قال زكريا بسرعة: - طبعًا طبعًا يا زيزو ... أنت فاكر ايه .. انا عايز اجيب كام طقم زيادة كدة لزوم الأناقة انت عارف اخوك مابيجبش إلا الماركات الجامدة ...
أخرج زين من درج مكتبه مبلغًا ماليًا أعطاه لأخيه قائلاً: - اتفضل يا سيدي اتمنجه براحتك ..
اختطف زكريا الأمول من أخيه ثم ارتدى منظارًا شمسيًا قائلا وهو يدور على عقبيه راحلاً: - متشكر اوي يا أخووووي تسلم يا عم زين ... ياللا اسيبك انا بقى تكمل شغل ومذاكرة .. سلاااااام
جلس زين على مقعد مكتبه وابتسم بجانب فمه الأيسر كعادته لتبدو غمازة طويلة بجانب فمه وهو يتمتم:
- عمرك ما هتتغير يا زكريا .. ربنا يهديك ...
أما زكريا فقد خرج من مكتب أخيه وقفز في سيارة جيب مكشوفة قادها عابرًا أراضي زراعية شاسعة ممتلئة بالنخيل حتى وصل إلى بوابة حديدية ضخمة فتحها له غفير ما فدخل مسرعًا حيث تراءى على جانبي الطريق حديقة رائعة الجمال ذات نخيل باسقة ومساحات خضراء حتى انتهى به المطاف أمام منزل يقع على مساحة كبيرة من الأرض مكون من طابق واحد غير الأرضي، دار حول المنزل وأوقف السيارة خلفه، أخرج سيجارة أشعلها ثم أخذ ينفث دخانها وهو يعد ما معه من أموال.
لم يكن ثمة أتفاق في الشكل أو الشخصية بين الأخوين سوى القامة الطويلة فقط، حيث كان زكريا شديد النحافة بينما يتمتع زين بجسد متناسق، كما كان زكريا أسمر البشرة ذو شعر مجعد أسود بينما كان زين ذو بشرة خمرية ملوحة وشعر اسود ناعم قصير وملامح رجولية منحوتة.
- "بسسسس ... بسسسسس"
انتفض زكريا وهو يسمع تلك الهمسات، أخذ يبحث حوله عن مصدرها حتى رأى شبح لشخص ما يتوارى خلف أحد الأبواب، ترجل زكريا من سيارته المكشوفة مبتسمًا في مكر وهو يتجه نحو الصوت..
- و ... حـ ... شـ ... تـ ... يـ ... نـ ... ـي..
قالها وهو ينفث دخان سيجارته نحو حسنائه البرونزية التي أطلت من خلف الباب بجديلتيها الممسكتين بعقال شعر حالك مموج طويل لم يفلح ذاك الوشاح الذي القته على رأسها كيفما اتفق في تغطيتهما تمامًا أو تغطية خصلاتها السوداء الثائرة التي انسدلت نحو عينين لوزيتين سوداوين كحيليتين.
- "لا والله ما هو باين اهه .. من ساعة ما نزلت مصر ما عاد نشوفك و لا اتكلمنا ... ورجعت الفجر وكمان لا شفتك ..." كذا همست تلك الفتاة، فتناول زكريا يدها الباردة كالثلج قائلاً: - يا حبيبتي يا حسناء أنتِ الأصل يا قمر ...
سرت ببدنها قشعريرة باردة وقالت وهي تسحب يدها من بين يديه: - لا يا ولد خالي .. ماهو لو أنا الأصل كيف ما بتحكي كنت سألت علي وحاولت تشوفني زي ما بعمل المستحيل عشان اشوفك ..
قال زكريا ممعنًا النظر في عينيها: - حبيبتي يا سنسن أنا كنت عايز اقابلك لوحدنا عشان انت ليكي هدية عندي كنت عايز اديهالك في جو رومانسي جميل مكافئة ليكي على اللي عملتيه عشان خاطر حبيبك زيكو، أنا خلاص يا حسناء مسافر أمريكا هاشتغل هناك ...
عبست حسناء قائلة: - أمريكا ...؟؟!! يالهوي ... أمريكا مرة واحدة يا ولد خالي .. ده انت بتروح مصر ببقى هاتجنن ومابعرف أشوفك اتروح أمريكا ..؟؟ يا خيبتك يا حسناء يا ريتني ما اتجسست ولا سمعت كلام الچدة وخالي سليم مع اخوك ولا قلتهولك .. أنا اللي استاهل .. أنا اللي ..
قاطعها زكريا: - اييه اييه انت هاتندبي واللا إيه ... يا بت افهمي .. أنا خلاص لا ورايا دراسة ولا مذاكرة ولا هاستنى اتخرج عشان نتجوز ... أنا هاروح اظبط شقة الزوجية بتاعتنا يا قمر وارستأ نفسي وكلها كام شهر واجي اخطفك على امريكا وانت مراتي حبيبتي .. هاجي نتجوز ونسافر على طوول .. جهزي نفسك بقى من دلوقتي يا حسناء مفهوم..
قالها مداعبا ارنبة انفها بسبابته، فخفق قلبها والتمعت عينيها بأمل زائف ثم قالت: - صوح..؟ صوح فعلاً يا زكريا ..؟
قال زكريا :- أنا عمري وعدتك بحاجة ومنفذتهاش..؟
هزت رأسها يمينًا ويسارًا أن لا، فقال: - أهوه .. أديكي قلتي .. يبقى نجهز نفسنا عشان كلها كام شهر بالكتير وانزل عشان نتجوز يا حبيبتي وتروحي أمريكا معايا .. هاتتبسطي في أمريكا أوي يا حسناء .. هاتلبسي اللي انت عايزاه وتروحي الاماكن اللي عايزاها ... هاظبطك هناك ... ودلوقتي بقى ماتنسينيش .. غمضي عنيكي عشان أديكي هديتك ..
أغمضت حسناء عينيها وقلبها يكاد يزغرد من الفرحة .. يكاد يقفز من مكانه وهي تشعر بذراعي زكريا يحيطان عنقها ثم يداعبان شعرها من الخلف، ثم يقول:- فتح يا جمييييل...فتحت عينيها لتجد قلادة فضية يتدلى منها قلب قد احاط زكريا عنقها بها، قال لها في وله: - خلي بالك من قلبي واوعي تشيليه من رقبتك أبدًا..
شعرت حسناء بسعادة بالغة ... شعرت وكأنها تعيش في فيلم من الأفلام الأبيض والاسود التي تدمنها.. أومأت له في استسلام قائلة: - حاضر..
إلا أن عينيها اتسعت في رعب وهي تنظر خلف كتفي زكريا ورفعت وشاح رأسها تغطي وجهها وهي تقول منصرفة: - سلام بقى يا زكريا احسن ياسر اخوي جاي من هناك اهوه .. اخاف يشوفني ..
أمسكها زكريا من ذراعها قائلاً: - ماتنسيش ... تبعتي لي كل شيء بيدور في البيت هنا . كل دبة نملة زي ما علمتك على النت مفهوم يا حسناء..؟
قالت بسرعة: - ما تقلق يا زكريا مش هانسى بس سيبني اخويا قرب منينا ..
اطلق زكريا سراحها لتجري مسرعة بينما يلقي هو بسيجارته أرضًا داهسًا إياها بقدمه عندما أقبل عليه شابًا في منتصف العشرينات متوسط القامة ذو بشرة بيضاء يرتدي عوينات طبية، قال له زكريا:
- ازيك يا دكترة ..
عدل ياسر من وضع عويناته وهو ينظر خلف زكريا قائلاً: - أهلا يا زكريا، هوا ... انت واقف عند باب المطبخ كدة ليه ..؟؟
قال زكريا: - مافيش يا سيدي كان في ايدي سيجارة قلت أخلصها هنا قبل ما ادخل وعمك الشيخ سليم يقفشني ... وأديني رميتها اهوه ... أنت بقى ايه اللي بيدخلك من باب المطبخ يا خبيييث..؟
قال ياسر: - أنا بحب أول ما أدخل أشوف أمي ... وهيا بتبقى قاعدة في المطبخ مع زينب أغلب الوقت، فبدخل اسلم عليها وأطلع أوضتي ...
قال زكريا: - ماشي يا عم ياللا بينا وأهي فرصة اسلم على عمتي قبل ما امشي ...
قالها ثم دلف كل منهما إلى داخل البيت الكبير.
***
-5-
”الشجاعة هي أن لا نخاف من لحظات خوفنا. درّب قلبك على مجابهة الأشياء التي تخيفه“
محمد الرطيان، وصايا
***
24 نوفمبر 2011، في الطائرة
الساعة 19:30
من نيويورك إلى القاهرة ... آلاف الأميال .. تجلب إلى الذاكرة المنهكة آلاف الذكريات ... وتجتاح مخيلتك آلاف الأفكار، أثني عشر ساعة كاملة بين السماء


ام نينه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-04-21, 02:30 AM   #546

ام نينه

? العضوٌ??? » 210023
?  التسِجيلٌ » Nov 2011
? مشَارَ?اتْي » 253
?  نُقآطِيْ » ام نينه is on a distinguished road
افتراضي

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .


ام نينه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-04-21, 06:46 AM   #547

آلجآزي

? العضوٌ??? » 328038
?  التسِجيلٌ » Oct 2014
? مشَارَ?اتْي » 113
?  نُقآطِيْ » آلجآزي is on a distinguished road
افتراضي

الف شكر ع الروايه الجممممممميله

آلجآزي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-05-21, 12:44 PM   #548

لويسفر

? العضوٌ??? » 340690
?  التسِجيلٌ » Mar 2015
? مشَارَ?اتْي » 29
?  نُقآطِيْ » لويسفر is on a distinguished road
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

لويسفر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-05-21, 01:40 AM   #549

صبوشي

? العضوٌ??? » 448992
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 321
?  نُقآطِيْ » صبوشي is on a distinguished road
افتراضي

روايه رائعه
جدا جدا


صبوشي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-05-21, 12:51 AM   #550

nana abdo

? العضوٌ??? » 380008
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 77
?  نُقآطِيْ » nana abdo is on a distinguished road
افتراضي

الروايه حلووة اووى كنت قريتها زمان وحد فكرنى بيها تانى

nana abdo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:10 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.