آخر 10 مشاركات
134- العاشق الغيور -روايات ألحان (الكاتـب : Just Faith - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          127 - بائعة الزهور -روايات ألحــــــــان (الكاتـب : Just Faith - )           »          124 - عاشقة بلا امل - روايات الحان (الكاتـب : samahss - )           »          1121-زواج ألزامي- بيني جوردان -دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          125 - كيف أنساك ؟ - روايات ألحان (الكاتـب : رهوفة العسولة - )           »          120 -أميرة النشل - روايات ألحــــان (الكاتـب : Roqaya Sayeed Aqaisy - )           »          119 - صداقة طفل - روايات الحان (الكاتـب : samahss - )           »          118-الفراق الصعب - روايات ألحــــان (الكاتـب : Roqaya Sayeed Aqaisy - )           »          116- الخير والشر - روايــات ألحــــــــــــــــــــــان (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات العربية المنقولة المكتملة

Like Tree2Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-01-18, 11:35 AM   #1

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 متاهة مشاعر / للكاتبة نهى طلبة ، مصرية مكتملة






بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


نقدم لكم رواية
متاهة مشاعر
للكاتبة : نهى طلبة



قراءة ممتعة للجميع۔۔۔۔۔۔




ندى تدى likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 16-11-18 الساعة 05:52 AM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-01-18, 11:40 AM   #2

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رواية

متاهة مشاعر
للكاتبة : نهى طلبة

(♡) .........*....•♫•......*........ (♡)

مشاعر تشاور تودع مسافر
مشاعر تموت وتحيي مشاعر
يا دي يا دي يا دي المشاعر

نبذة عن الكاتبه

نهى طلبة
من مواليد المنصوره
تعمل كطبيبة صيدلانية
لها عدد من القصص القصيرة

- واحد صحيح
- بتحبها ولا
- بحثاً عن حماية

وعدد من الروايات الطويلة

- نوفيلا
- صك ملكية



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-01-18, 11:43 AM   #3

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

مقدمة

إن للقلب صوتاً منفرداً.. خافتاً.. ناعماً..
ولكننا لا نملك إلا الخضوع له طائعين مستسلمين
تدفعنا سعادة أليمة لا يعرفها إلا عاشق..
عاشق حائر.. عاشق تائه في ملكوت الحب..



متابعة ممتعة لكم جميعاً۔۔۔۔

ميرا طه likes this.

لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-01-18, 11:46 AM   #4

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الاول


في تلك الليلة الصيفية الحارة تلألأت حديقة فيلا آل غيث بالأضواء الساطعة, وكأنها تنافس سماء يوليو المغطاة بآلاف النجوم.. حيث تعالت ضحكات الحضور.. واختلطت الهمهمات المختلفة.. مَن افتتن بألوان باقات الورود المنتشرة في كل مكان داخل وخارج الفيلا, والتي تم استيرادها من هولندا خصيصاً لتلك الليلة الموعودة.. ومَن شغل نفسه بتفحص أنواع الأطعمة التي وصلت تواً من أشهر مطاعم باريس وروما... وبالطبع تنافست سيدات الحفل في ارتداء أحدث صيحات الأزياء وأغلى وأندر أنواع المجوهرات.. فكُن كإعلان حي عن مدى ثراء أزواجهن, بل كانت الليلة بأكملها تصرخ بمدى الرفاهية التي يعيشها رواد الحفل..
التفت الجميع بانتباه عندما ظهرت نجمة الحفل.. فاتنة حمراء الشعر تتباهى بجمالها الفتان بثوب ناري اللون لا يضاهي جرأة لونه سوى تصميمه, الذي أظهر بالتصاقه بجسدها منحنياته المثيرة, كما خطفت ساقيها المرمرتين عيون الرجال من تحت تنورته القصيرة جداً.. هذا بدون الكلام عن فتحتي الصدر والظهر اللتان أظهرتا بشرة وردية غاية في النعومة, وتكاد تغطي بلمعتها على تلألأ حبات الألماس المنتشرة على صدر الفستان.. وكانت تلك الحبات ما لفتت نظر سيدات الحفل فاختلطت أصواتهن وشهقاتهن لتأكدهن أن ما يزين الثوب هو حبات من الألماس الحر المطعم أحياناً بحبات لؤلؤية صغيرة..
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتي نيرة المطليتين بالحمرة القانية وهي ترى تأثير ظهورها على الحضور.. فتهادت بخيلاء تستمتع بشهقات النساء ونظرات الرجال التي تلتهم جسدها التهاماً.. تعشق الشعور بالتمييز والانفراد.. وهذا ما حققته الليلة بارتدائها ذلك الثوب لتحتفل بخطبتها.. اختيار لم تكن تجرأ عليه إلا.. هي.. "نيرة غيث"..
استمرت في خطواتها المتراقصة والابتسامة معلقة على شفتيها تعبر عن سعادتها الغامرة, سعادة تنبع من تحقيقها لأغلى أحلامها الليلة بعد أن تمت خطبتها على حسن.. حسن حلم طفولتها وصباها.. تحبه, بل تعشقه بكل سنواتها العشرون.. وأخيراً الليلة وضع خاتمه في إصبعها.. أخيراً أصبح خطيباً لها.. مِلكاً لها وحدها..
وصلت بخطواتها إلى حسن الذي كان يقف شارداً وكأنه في عالم منفصل تماماً عمن حوله.. وقفت تتأمله للحظات, بطوله المهيب الذي يقارب السبعة أقدام ومنكبيه العريضين وشعره الأسود الحالك, والذي قصه ليكون قصيراً جداً.. فأظهر معالم وجهه التي تنبأ عن رجولة وعنفوان يبرزها عيناه شديدتا الخضرة واللتان كانتا تنظران إليها في برود شديد, لم تهتم هي ببروده وهي تقترب منه وتضع يدها على كتفه ببطء:
ـ حسن.. حبيبي, يلا علشان نرقص أول رقصة..
أجابها بهدوء وهو لم يتخلَ عن بروده:
ـ اتفضلي..
ألقت بنفسها بين ذراعيه بلهفة ليفتتحا الرقص معاً.. ابتعد عنها قليلاً جاعلاً بينهما مسافة مناسبة بينما هي ضمت جسدها إليه أكثر وهي ترفع وجهها الفاتن إليه وتسأله بشغف:
ـ حسن.. أنت مش ناوي تبوسني ولا إيه!!..
أجاب بدهشة:
ـ إيه.. أنتِ بتقولي إيه.. أبوسك إزاي يعني!.. وليه؟!!
ـ أيوة عادي وفيها إيه؟؟.. كل خطيب بيبوس خطيبته في ليلة خطوبتهم.. ده أنت حتى ما بوستنيش وأنت بتلبسني الدبلة!!..
ـ هو أنتِ كمان كنتِ عايزاني أبوسك قدام والدك!!
أهدته نظرة ماكرة:
ـ بس هو مش موجود دلوقتِ.
رمقها بذهول للحظات ثم طبع قبلة باردة على جبهتها وابتعد بسرعة:
ـ كويس كده.. مبسوطة؟!
ظهرت معالم خيبة الأمل على وجهها, وهي تسأله بعتاب:
ـ أنت ليه بتعاملني بالطريقة دي؟
زفر بضيق:
ـ نيرة.. أنا آسف, بس أنتِ عارفة الظروف.. وإزاي تمت خطوبتنا.. أنا محتاج شوية وقت.
ظهرت معالم غضب عاصف في عينيها أخفتها سريعاً.. ورسمت على وجهها ابتسامة ناعمة:
ـ خلاص يا حبيبي.. بس ممكن تحاول تغير من تعبيرات الاشمئزاز دي من على وشك.. الناس بدأت تاخد بالها..
هز رأسه وهو يكمل الرقص معها في صمت قطعه انتهاء الموسيقى وحضور صديقاتها اللاتي التففن حولها بصخب, فانتهز هو الفرصة ليتحرك مبتعداً إلى ركن منعزل بالحديقة... حيث أخرج هاتفه بسرعة واتصل بالرقم الذي يحفظه عن ظهر قلب.. انتظر قليلاً ولكنه لم يتلق أي إجابة.. اتصل مرة ثانية وثالثة ورابعة.. وأخيراً فُتِح الخط على الطرف الآخر ولكن لم يكن هناك رد.. فقط أنفاس مضطربة وتنهدات مسموعة.. تبعتها شهقات مختنقة مميزة لأصوات البكاء..
همس بألم:
ـ منى!!
مرة ثانية لا رد فقط صوت بكاء مكتوم..
عاد يهمس بحزن:
ـ منى.. الله يخليكِ كفاية بُكى وردي عليا..
أخيراً أجابته بصوت مخنوق:
ـ مبروك.
سألها بلوم:
ـ مبروك!!.. بتباركي لي يا منى؟!!..
ـ حسن..
قاطعها:
ـ بتباركي لي على ايه!!.. على حفلة الخطوبة اللي نفسي اختفي منها فوراً.. ولا على العروسة اللي مش فاكر ولا عارف أقول لها كلمتين على بعض.. تخيلي إني حتى مش فاكر ملامحها... رغم إني أعرفها طول حياتي.. كل اللي متأكد منه إنها مش حبيبتي.. مش أنتِ يا منى..
ازداد بكائها:
ـ حسن.. أنت بتوجعني.. أرجوك.. كفاية..
أخبرها بتوسل:
ـ قوليها.. قولي نعم وأنا هكون قدامك حالاً.
خرج صوتها بصعوبة من وسط شهقاتها:
ـ ما أقدرش يا حسن.. ما أقدرش.. مش ممكن أشجعك أنك تعصى والدك.. واستحالة أوافق أننا نتجوز من غير علم أهالينا.. أنت ما ترضاش لي بكده..
زفر بحنق:
ـ طيب إيه الحل.. إني أكمل في الجوازة دي.. أبعد عنك وأقتل قلبي وقلبك.. ندفن مشاعرنا جوانا.. وأكمل حياتي مع إنسانة بعتبرها زي أختي.. وكل ده ليه؟!!.. عشان الشراكة بين أبويا وأبوها!.. عشان عشرة العمر زي ما أبويا بيقول!!!..
ـ حسن.. أنت عارف إن نيرة بتحبك.. كل اللي حوالينا عارفين كده..
ثم تهدج صوتها:
ـ حاول.. ووهتلاقي قلبك بيميل لها و..
قاطعها بقسوة:
ـ أحاول!!.. أحاول إيه بالظبط؟.. كان ممكن أقدر أعمل كده.. بس أنتِ ناسية حاجة مهمة.. إن القلب ده اتملى فعلاً بالحب.. الحب ليكي يا منى.. وأنتِ دلوقتِ جاية تطلبي مني أمحي الحب ده.. لا.. وكمان أقتل قلبي.. لأن قلبي من ِغير حبك ميت يا منى.. ميت..
عاد بكائها يرتفع وهي تهمس:
ـ حـ..ســ..ن..
وجعه الألم في صوتها.. اخترق قلبه ومزقه تمزيقاً.. يحبها, بل يعشقها.. هي الحلم الذي جاهد لتحقيقه منذ سنوات.. منذ رآها طفلة صغيرة في العاشرة وهو كان فقط في الرابعة عشر.. وقرر.. تلك الصبية ذات الضفائر السوداء الطويلة ستكون لي..
ومر الوقت وكبرت الصبية ونضجت.. وازدادت بهاءً وحسناً ورقة.. العيون السوداء الكحيلة سرقت قلبه.. الجدائل صففت لتظهر خصلات سوداء ناعمة تحتضن وجه غاية في البراءة والنقاء مما سلب لبه.. أرادها كزوجة.. وظن أنه يمكنه تحقيق ذلك.. كانت تلك سذاجة منه.. يستطيع الاعتراف بذلك الآن.. فهو آن ذاك كان فقط شاباً يافعاً في العشرين.. ظن أنه عندما يذهب لوالده ليخبره بأنه وقع في الحب ويريد الزواج من فتاته فإن والده سيبارك ذلك الحب على الفور...
كم كان أحمقاً.. فكيف يقتنع والده السيد "حاتم العدوي" رجل الأعمال ذو الاسم الرنان بتزويج ابنه الأكبر من ابنة سائقه!!.. نعم فذات العيون الكحيلة لم تكن سوى "منى".. ابنة السائق..
"منى.. أنتِ بتاعتي.. هتكوني ليا أنا.. من نصيبي.. هاقنع والدي.. مهما طال الوقت.. هاقنعه"
ذلك ما أخبرها به منذ أربع سنوات.. تخرج خلالهم من كلية الهندسة واتخذ موقعه في شركة" العدوي- غيث".. للمقاولات والإنشاءات.. وطوال تلك السنوات لم ينجح في اقناع والده بالزواج من منى.. وطوال تلك السنوات لم يكف والده عن محاولات إقناعه بالزواج من نيرة.. "نيرة غيث".. ابنة شريكه وصديقه الحميم.. "عامر غيث"..
نيرة التي لم تكف طوال الفترة الماضية عن إظهار غرامها به واهتمامها المفرط بكل تصرفاته, لن يبالغ لو قال مطاردتها له.. أي رجل آخر كان ليشعر بالغرور من ذلك الاهتمام الواضح.. فنيرة فاتنة بكل معنى الكلمة.. تخطف عين أي رجل ولكن عيونه هو كانت متعلقة فقط بحبيبته التي لم ير من النساء غيرها.. والتي توسلها لتقبل الزواج به... ويتركا الزمان ليقنع والده
بصحة اختياره, ولكنها رفضت, وما زالت ترفض بعناد أن يتزوجا بدون موافقة والده..
وما يثير السخرية أنها تعتقد الآن أنه يعاقبها لرفضها ذاك بعقد خطبته على نيرة.. لكنها لا تعلم أنه يحاول حمايتها هي وأبيها..
أبوها الذي هدد والده صراحة بطرده من العمل, بل ولمح لما هو أكثر من ذلك إذا لم يمتثل حسن ويوافق على إعلان خطبته من نيرة..
وها هو الليلة ألبس نيرة خاتم الخطبة.. خاضعاً لوالده حتى يحمي حبيبته وعائلتها من بطش والده الذي لم يكن يمزح بتهديده..
ـ حسن..
عاد صوتها الحزين ليخرجه من أفكاره.. فأغمض عينيه بألم:
ـ منى.. أرجوكِ بلاش عناد و...
قطع كلامه صوت نيرة الذي تعالى وهي تبحث عنه..
ـ حســـــــــــن.. أنت فين؟
تحرك بخفة حتى لا تلحظ أنه انعزل عن الحفل كي ينفرد بهاتفه, ولكنها كانت لمحته وأدركت بسرعة لماذا اختفى فجأة من أمامها.. همست من بين أسنانها:
"أكيد بيتكلم مع الصعلوكة بتاعته.. حتى مش قادر يستنى لما يروح بيته.. بيكلمها وسط حفلة خطوبتي.. الملعونة.. همحيها من على وش الدنيا عشان أكون الوحيدة في قلبه"
رققت من صوتها وهي تضع به كل ما تملكه غنج ودلال:
ـ حـــســن.. حــبــيبي..
دوى صوتها المغناج في أذني حسن وسمعته منى على الجهة الأخرى من الهاتف فشهقت بقوة وأغلقت الخط..
زفر بحسن بضيق والتفتت ليتحرك نحو نيرة بهدوء مصطنع, ولكن أعماقه كانت تموج بالغضب.. غضب على الجميع.. على والده لإجباره على تلك الخطبة.. وعلى قيود مجتمعه التي تحرمه ممن عشقها قلبه, وعلى منى نفسها التي ترفض التمرد معه على تلك القيود, على النيرة التي وافقت على الخطبة رغم علمها بأن قلبه ملكاً لغيرها, وأخيراً على نفسه لضعفه واستسلامه للجميع..
لذا وبكل الغضب الذي يموج بأعماقه صاح بها:
ـ أنا هنا يا نيرة.. في إيه؟...
فوجئت بهجومه الحاد, فهو منذ أعلن موافقته على الخطبة وهو يلتزم صمت هادئ.. أحياناً تظنه شارداً عن الواقع ومنعزلاً عنهم جميعاً, ولكنه أبداً لم يكن غاضباً إلا الآن.. أعادت غضبه ذاك إلى محادثته الهاتفية, وتوعدت منى مرة أخرى وأقسمت أن تدفعها الثمن, ولكنها بمهارة أخفت ما يجول في ذهنها ورسمت ابتسامة حزينة على شفتيها وهي تسأله بعتاب:
ـ طيب بتعليّ صوتك ليه؟.. أنا بدور عليك من مدة, الناس بتسألني عنك ومش عارفة أقول لهم إيه!
شعر حسن بالذنب فور رؤيته الحزن الذي أجادت رسمه على ملامحها, فاقترب منها بهدوء وهمس لها معتذراً:
ـ يظهر إن اعتذاراتي كتير الليلة.. آسف مرة تانية يا نيرة.. بس مش بتحمل جو الحفلات والدوشة دي..
تعرفت نيرة على ملامح الذنب المرتسمة على وجهه وقررت استغلالها على الفور فقزت لتمسك بذراعه وتلصق نفسها به وتسأله بصوت متهدج:
ـ طيب إيه رأيك نسيب الحفله والدوشة دي ونروح على أي حتة هادية؟
هز رأسه موافقاً فقد كان يريد الابتعاد عن الجميع وعنها أيضاً... إلا أنه لم يتمكن من الهروب من إلحاحها وهي تردد:
ـ يالا بينا.. أنا أعرف حتة مطعم.. تحفة..
تحرك معها وهو يتعجب بداخله من انقياده لها, فهو في العادة لا يكون بذلك الخضوع, تساءل بسخرية في نفسه أيهما سيقود تلك العلاقة؟!!.. فهي تتحكم ومنذ البداية في كل شيء.. لما لا يعترض ويفرض رأيه وشخصيته كرجل؟.. لا يدري.. لقد سلب منه كل اختيار.. ومهما تعالى صوته وتعددت أسبابه ليتمسك برأيه يجد من يقمعه ويحبطه.. لقد سأم.. سأم من كل شيء..
كان يتمنى الهروب من ذلك الحفل بكل ما فيه ومن فيه.. وحده.. وليس برفقة أول من يريد الهروب منهم.. خطيبته الفاتنة..
اعترضت طريقهما صبية صغيرة بعيون رمادية متلألئة وخصلات كستنائية تمردت على تصفيفة الشعر الأنيقة التي صففت بها, فتشعثت خصلاتها ومنحتها مظهراً طفولياً محبباً فبدت أصغر من سنواتها الأربعة عشر:
ـ نيرة.. هتروحي فين وتسيبي حفلة خطوبتك؟
أجابتها نيرة ببرود:
ـ صبا.. ما تدخليش في اللي مالكيش فيه.
تذمرت الفتاة:
ـ بابا هيتضايق قوي.. ما يصحش تسيبي الحفلة من غير ما تبلغيه..
ثم التفتت نحو حسن:
ـ حسن.. قولها أنت.. خروجكم بالطريقة دي ما يصحش.
تنحنح حسن بإحراج وكأن كلام الفتاة الصغيرة لفت انتباهه إلى خطأ ما كان ينتوي فعله, فأجابها بهدوء:
ـ ما تقلقيش يا صبا.. طبعاً أنا كنت هستأذن عمي قبل ما نخرج.
قاطعته نيرة بنزق:
ـ إيه!!.. هو احنا لسه أطفال هنستنى الإذن؟!.. أنت ناوي تسمع كلام البنت المفعوصة دي ولا أيه...
همس لها بصوت منخفض:
ـ أختك عندها حق.. ما يصحش..
قاطعته بغيظ:
ـ ما تقولش أختك بس.. دي بنت فريدة..
ما إن سمعت صبا اللقب الذي تطلقه عليها نيرة حتى غمغمت معتذرة:
ـ عن إذنكم.. أنا هروح أشوف بابا... جايز يكون محتاجني.
ثم وجهت كلماتها إلى حسن وهي ترمق نيرة بنظرة ذات مغزى:
ـ مبروك يا حسن.. وحظ سعيد.
ثم ابتعدت برشاقة بينما رمقتها نيرة بغيظ:
ـ بنت خبيثة وسخيفة.
اسكتها بحزم:
ـ وطي صوتك.. ويللا بينا نحيي الناس.. برضوه دول جم هنا عشان يباركوا لنا.. وفعلاً.. ما يصحش نسيب الحفلة ونبعد..
ـ يعني إيه!.. مش هنخرج سوا؟...
ـ لأ.. هنأجل الخروج ليوم تاني..
ـ بكره؟
ـ خلاص.. ماشي.. بكره.. يلا بينا نسلم على الناس
اختلطا بالفعل وسط المدعوين وتلقى حسن التهنئة بقناع مبتسم رسمه على وجهه.. بينما نيرة كانت في أوج غيظها لضياع فرصة انفرادها بحسن, ولكنها قررت الاستمتاع بما تبقى من الليلة وهي تستعرض خاتمها الماسي
والقلادة التي تناسبه, وتتباهى بأن حسن أرسل لشرائهما خصيصاً من باريس
حتى يرضي ذوقها..
كان حسن يسمعها ويبتسم في سخرية, فهو لم يرَ الخاتم والقلادة الا عندما دفعهما والده في يده حتى يلبسها اياهم.. فهو تقمص دور المتفرج في تلك الخطبة من أول خطوة بها, حتى بذلته الفخمة اشتراها له مازن شقيقه.. الذي اقترب منه في هدوء ليضع يداً مؤازرة على كتفه:
ـ حسن.. حاول تشيل قناع السخرية اللي على وشك ده!
سخر حسن من نفسه:
ـ القناع التاني هيكون قناع الكآبة.. أي واحد يعجبك أكتر؟..
ـ خلاص يا سيدي.. السخرية أرحم من الكآبة.
رمق حسن شقيقه الأصغر لثوانٍ:
ـ مش قادر يا مازن.. مش قادر استمر في المهزلة دي.
رمقه مازن بنظرة غير مفهومة.. ثم أخبره:
ـ بس هي بتحبك قوي..
أومأ حسن موافقاً:
ـ أيوه.. منى كمان قالت لي نفس الكلام..
صاح مازن بدهشة:
ـ منى!!.. أنت كلمتها؟..
أومأ حسن مرة ثانية:
ـ أيوه.. ولسه مصرة أننا ما نتجوزش إلا بموافقة بابا.
ـ يا الله.. معقولة بتحبها للدرجة دي!
ـ بحبها!!.. بحبها دي كلمة بسيطة.. أنا بعشقها بتنفسها.. باعيش لأنها عايشة.. والدك العزيز خيرني بين خطبتي لنيرة وأنه يرمي عم نصر أبو منى في الشارع... لا ده لمح أنه ممكن يلفق له تهمة توديه في داهية هو ومنى.. وأنت فاهم طبعاً بابا كان قصده إيه..
هز مازن رأسه بتفهم:
ـ أيوه.. بس ما اعتقدش إن بابا كان ممكن يتمادى..
قاطعه حسن بألم:
ـ يتمادى!!.. ده في لحظة رفع سماعة التليفون وكان بيتصل بحسام بيه صاحبه.. طبعاً عارف إنه يبقى رئيس مباحث الآداب.. أنت قادر تتخيل كمية القهر اللي حسيت بيها لما استوعبت أنه ناوي يدمر سمعة منى.. ما حستش بنفسي إلا وأنا بصرخ له.. أني هسيب منى ومش هتجوزها.. بس هو يوقف الضغط عليا عشان أخطب نيرة.. لأنه أولا وأخيراً هيكون ظلم لها أني أخطبها وقلبي متعلق بغيرها.. لكن أبوك.. قعد يلعب بسماعة التليفون كأنه بيفكرني هو ممكن يعمل إيه.. لقيت نفسي بصرخ وأقول له موافق.. موافق.. وطبعاً هو كان في قمة سعادته بعد ما فرض رأيه عليا واطمن إن الشركة في الحفظ والصون.. طالما نيرة هتكون من نصيبي.. مش مشكلة إن الكل حزين.. الكل تعيس.. المهم إن دايرة الأعمال تدور..
سكت قليلاً ثم ربت على كتف شقيقه:
ـ أنا عندي استعداد أضحي بأي شيء.. بس أخرج من دور العريس السعيد.
ثم ترك أخاه وعاد للاختلاط بالمدعوين يسمع كلماتهم المتناثرة ويرد عليهم بما يليق, لا يعلم كيف... فهو يشعر كمخدر تماماً..
رمق مازن شقيقه بحسرة وهو يتحرك بقوة الدفع بين الحضور وكأن حزنه على فراق حبيبته يمنحه الطاقة للمضي.. كان يبدو كخيال إنسان.. أو ربما كإنسان آلي يتحرك بدون شعور..
غمغم مازن هامساً:
ـ مش أنت لوحدك اللي فقدت حبيبتك الليلة يا حسن..
التفتت ليلمح نيرة وهي تتألق بثوبها العاري بين المدعوين وهم يرمقونها بنظراتهم النهمة.. مما دفع بطاقة الغضب تجري في عروقه وهو يهمس لنفسه:
"أنا مش فاهم.. إزاي حسن موافق إنها تلبس فستان زي ده, والعيون بتاكلها أكل.. لو كانت خطيبتي.. كنت غطيتها من راسها لصباع رجلها الصغير.. بس لو.. "
لمعت نظراته بتعبيرات عشق خالص.. وهو ينظر إلى نيرة محركاً رأسه برفض لأفكاره المشوشة.


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-01-18, 11:47 AM   #5

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني


"بعض الحرمان.. كثير من الحزن.. بعض الفراق.. وكثير جداً من البكاء.. قليل من لحظات السعادة.. وكثير جداً جداً جداً من الألم.. إنها الوصفة السحرية لأي قصة حب مستحيلة.. لأي قصة عشق خيالية تدور أحداثها فقط في قلوب العشاق والمحبيين.."..



كانت تلك بعض من خواطر خطها حسن بعد انتهاء حفلة خطبته وآوى أخيراً إلى عزلة حجرته.. إلا أن هاتفه ما لبث أن دق مراراً وتكراراً مظهراً على الشاشة اسم نيرة.. ولكنه يتجاهله.. ففي كل مرة يسمع رنينه يرفعه بلهفة عاشق لسماع صوت محبوبته, ولكن في كل مرة يصدمه الواقع باسم نيرة..
فقرر تجاهل الهاتف واستمر في كتابه أفكاره وخواطره.. عله يصدر بعض من الحزن الذي يعصف به إلى الورق..
أخرجه من اندماجه صوت طرقات على باب حجرته وما لبث أن دلف مازن إلى الغرفة وهو يصيح بدهشة بعدما رأى حسن جالساً على مكتبه:
ـ حسن!!.. أنت لسه صاحي!
رمقه حسن بسخرية:
ـ لا.. نمت!.. أنت شايف إيه؟!
هز مازن رأسه بأسى:
ـ أنت لسه برضوه لابس قناع السخرية دا؟
ـ ما تشغلش دماغك بيا.. كنت عاوز حاجة؟..
خبط مازن يده على رأسه:
ـ آآخ.. كنت هنسى!
ثم دفع إليه هاتفه قائلاً:
ـ نيرة بتحاول تتصل بيك بقى لها مدة.. يظهر إن تليفونك فاصل شحن.
أمسك حسن هاتف مازن في يده للحظات قبل أن يرفعه إلى أذنه:
ـ مساء الخير يا نيرة..
انطلق صوتها مرتفعاً من الجهة الأخرى:
ـ حسن.. أنت فين؟ ليه مش بترد عليا؟.. أنت كنت بتعمل إيه؟
وصل صوتها المرتفع إلى مازن الذي استأذن ليخرج من الغرفة وهو يغلق الباب خلفه بهدوء, ويخفي وجهه الذي ارتسمت عليه أقسى معالم المعاناة والألم.. بينما زفر حسن بحنق:
ـ نيرة.. أنتِ عارفة الساعة كام دلوقتِ؟.. ازاي تتصلي على تليفون مازن في وقت زي ده؟ الساعة عدت واحدة؟
سألته بلهفة:
ـ أنت بتغير عليّ يا حبيبي؟
أجابها بهدوء:
ـ أغير إيه وبتاع ايه!.. هغير من أخويا!!.. أنا بتكلم عن الأصول.
كادت أن تصرح له بعشق مازن لها.. عشقه المرتسم في نظراته.. في مراقبته لها.. في صوته.. في كل تصرفاته نحوها... ولكنها عنيدة لا تريد إلا صعب المنال.. حسن.. فلم يخلق بعد من يرفض نيرة غيث.. كانت بالفعل على وشك إبلاغه بذلك العشق, الذي لا تعلم كيف لم يتعرف عليه ولكنها تراجعت.. إنها لم تمتلكه بعد.. لا تملك السيطرة الكافية عليه حتى تحاول استخدام مازن كورقة رابحة.. لم يحن الوقت بعد..
غيرت من أسلوبها وسألته:
ـ ما قولتليش إيه رأيك في فستاني الليلة؟ حلو ومختلف صح؟
فوجئ حسن بالسؤال.. فستان!!!.. أي فستان هذا الذي تسأل عنه.. كيف يجيب على هذا السؤال؟!!.. هو بالفعل لا يتذكر الفستان.. لا يتذكر تصميمه أو شكله.. ولا حتى لونه.. حاول.. وحاول.. جاهد ليتذكر كيف كانت تبدو ولكن لا شيء.. لم يمر في ذهنه إلا وجه منى.. وصوت شهقاتها الحزينة..
لم يعرف بم يجبها.. فأنهى المكالمة بسرعة:
ـ آسف يا نيرة أنا مضطر أقفل لأن مازن محتاج تليفونه وأنا كمان مرهق وهنام تصبحي على خير.
أغلق الخط بسرعة مدركاً أنه أثار غضبها بذلك.. لكن قدرته على التحمل قد انتهت ولن يستطيع مجاراتها في لعبة الخطيبين السعيدين... وهي أول من تدرك أنها لعبة.. تدرك طبيعة مشاعره نحوها.. وتعلم تماماً أنه عاشق لأخرى.. ولكنها رفضت التراجع.. أبت مساعدته بعد أن ذهب إليها يتوسل مساعدتها...
عاد بذاكرته لأسبوع مضى.. سبعة أيام فقط .. غيرت من حياته..
كان يومها في مكتب والده يحاول كعادته إقناعه بفكرة زواجه من منى.. بينما والده يعدد له مزايا الزواج من نيرة.. وعندما لاحظ عامر عزوف حسن الكلي عن نيرة, ألقى بورقته الأخيرة.. وكان التهديد بطرد نصر والد منى.. بل لم يكتفِ بذلك ولكنه ألمح إلى تلويث سمعة منى.. وتدبير تهمة تمسها وتمس شرفها.. وأبلغه أنه حدد موعد خطبته على نيرة بالفعل.. وحذرة من مخالفة أوامره
لقد صعق حسن من فداحة ما وصل إليه تفكير والده, بل وتحديده موعد خطبته بالفعل وإبلاغه به كأنه شيء لا يخصه.. فأدرك أن الأمر قد خرج عن السيطرة.. والحديث مع والده لن يؤدي إلا إلى أسوأ النتائج.. فتركه غاضباً مقهوراً بعدما اضطر أن يوافق مرغماً على الخطبة..
فكر يومها أنه إذا صارح نيرة بحقيقة الوضع وطبيعة مشاعره نحوها, فإنها ستساعده في إقناع والديهما بعدم جدوى ذلك الارتباط...
ضغط أزرار هاتفه ليتصل بنيرة:
ـ نيرة.. مساء الخير.. أنا حسن..
هتفت بسعادة على الجانب الآخر:
ـ حسن!!.. ياااااااااه.. أخيرااااا أنت اللي اتصلت بيا!
ـ اممم.. نيرة ممكن أشوفك دلوقتِ؟
هتفت بلهفة:
ـ طبعاً.. أنا في الفيلا.. هستناك.
كانت بالطبع تعلم أنه يريد أن يتنصل من الخطبة حتى يتفرغ لحبه الأبله لابنة السائق.. هل يظنها عمياء ولا ترى نظراته التي تنطق بالحب عندما ينظر إلى منى؟!.. أو صوته الذي يرتعش بعشقه عندما ينطق اسمها!.. ولكنها لن تمنحه الفرصة للهروب من الارتباط بها.. فذلك الارتباط بينهما شيء مقدر.. وهي متأكدة أنه ما إن يمتلك جمالها.. ويشعر بأنوثتها بين يديه سينسى كل ما في ذهنه عن ابنة السائق..
وصل إليها بأسرع ما يمكنه, فوجدها بانتظاره في حديقة منزلها ترتدي بنطلون جينز يلتصق بها وكأنه جلد ثانٍ لها.. بينما كشفت الفتحة الواسعة لبلوزتها عن أحد كتفيها الذي لمع تحت خصلاتها الحمراء الناعمة..
ما إن وضع قدمه في حديقة الفيلا حتى وجدها تسرع إليه مرحبة:
ـ حسن.. أنا مش مصدقة عينيا.. معقول أنت هنا قدامي!!.. أكيد أونكل عامر بلغك بميعاد الخطوبة.. تصدق الأسبوع الجاي.. بسرعة كده.. أنا مش عارفة إذا كنت هلحق أجهز نفسي في الوقت المناسب.. أنا بعت فعلًا عشان أطلب الفستان.. و..
قاطع حسن استرسالها في الكلام:
ـ نيرة.. لحظة.. لحظة..
تنهدت بقوة:
ـ آسفة.. الكلام أخدني من فرحتي يا حبيبي.. ونسيت أرحب بيك.. اتفضل.. اتفضل استريح..
واصطحبته إلى مائدة مستديرة تقع بجوار المسبح الدائري والمظلل ليخفي من بداخله عن العيون المتلصصة.. ويفصله حاجز زجاجي عن حديقة الفيلا الرائعة...
جلسا معاً حول المائدة وساد الصمت للحظات.. ثم أجلى حسن صوته وبدأ في الكلام:
ـ نيرة.. اممم.. بصي.. أنا مش عارف أبدأ الكلام منين.. بس واضح أنك عرفتِ أنه والدك ووالدي حددوا ميعاد الخطوبة..
اندفعت نيرة في الكلام مرة أخرى:
ـ أيوه.. بابي بلغني.. و..
قاطع كلاماتها وهو يحاول إفهامها ما يريد قوله:
ـ اسمعيني بس يا نيرة.. أنا لازم أتكلم معاكِ في موضوع مهم..
تجمدت ملامح نيرة تماماً وقد أدركت أن محاولتها لإلهائه عن سبب حضوره والذي تدركه هي جيداً قد فشلت.. فسألته بحذر:
ـ إيه؟!.. خير؟.. في ترتيبات معينة في دماغك؟.. أصحابك أعزمهم أنت براحتك.. و..
عاد لمقاطعتها بنفاذ صبر:
ـ نيرة.. من فضلك.. اسمعيني..
رمقته بحذر:
ـ إيه يا حسن؟.. أنت خوفتني..
تردد قليلاً يحاول إيجاد طريقة مهذبة ليخبرها أنه لا يريد الارتباط بها, ولكن هربت منه الكلمات ليجدها تخرج أفكاره في صورة كلمات أطلقتها في وجه بمنتهى السهولة:
ـ أنا عارفة.. أنت جاي ليه دلوقتِ!
فوجيء بكلماتها وردد بذهول:
ـ عارفة؟!!..
نهضت فجأة لتقف على قدميها وهي تخبره ببساطة:
ـ أيوه.. أنا بس ما كنتش عايزة أتكلم في الموضوع.. بس مادام ده هيريحك.. خلاص وماله.. نتكلم.. أنا عارفة أنك جاي تصارحني بعلاقتك بــمنى!
لم تمهله ليجيب واندفعت كلماتها:
ـ ما تقلقش يا حبيبي.. أنا مش زعلانة منك.. أنا فاهمة طبعاً إن كل شاب بيكون في حياته نزوات وعلاقات عابرة قبل ما يتجوز ويستقر..
صرخ بها وقد فاض به الكيل من وضعها الكلمات في فمه:
ـ بس منى لا هي نزوة ولا علاقة عابرة.. منى تبقى بالنسبة لي حاجة كبيرة وغالية قوي.. وده اللي بحاول أقوله لك.. أنا مش عايز أظلمك يا نيرة..
سألته بتحدي:
ـ تظلمني!!.. يعني إيه..
عاد ليتكلم بنبرة أهدأ:
ـ الوضع اللي إحنا فيه ظلم للكل.. أنا عاوزك تساعديني إننا نقنع والدي ووالدك باستحالة الارتباط بينا..
رفعت نيرة رأسها بشموخ:
ـ استحالة ايه؟!.. إيه الكلام الفارغ ده!.. الخطوبة الأسبوع الجاي وأنت جاي تقولي استحالة ارتباط!.. كل ده عشان حتة السنكوحة اللي أنت ماشي معاها..
صرخ بها:
ـ نيرة.. أنا ما اسمحلكيش..
قاطعته:
ـ ما تسمحليش!.. ما تسمحليش بإيه؟!.. أني أصارحك بالحقيقة.. أنه كل اللي في دماغك ناحية منى ده وهم ولازم تنساه..
اقتربت منه بجرأة وهي تمسد وجنته بظاهر يدها وقد تغيرت نبرتها:
ـ أنا هنسيك.. هنسيك كل حاجة.. حبي ليك هيعوضك وهنعدي الأزمة دي..
وأضافت بنبرة ذات مغزى:
ـ ولا أنت عارف أونكل عامر زعله وحش قوي..
صدمته الجملة.. وشلت تفكيره للحظات.. حاول أن يتبين من ملامحها إذا كانت تقصد ما فهمه.. أنها مشتركة مع والده في مؤامرة لإجباره على ترك منى والارتباط بها هي.. ولكنه لم يستطع فك شفرة ملامحها التي كانت ترسم ملامح عشق جارف موجه له وحده ولكن نظرات عينيها كانت تنطق بتحدي سافر, وتملك واضح وكأنها تحاول إخباره انه ملكها وهي لن تتنازل عنه...
أعاده للواقع.. الصوت المنبعث من هاتفه ينبئ عن وصول رسالة.. فتناول هاتفه بلهفة ليجد رسالة من منى..
"تصبح على خير.. لا اله الا الله"..
زفر براحة.. أنها لم تنسَ عادتهما اليومية.. لم تتخلى عنه بعد..
ضغط بضعة أزرار ليرسل لها الرد المعتاد..
"احلمي بيا يا ملاكي زي ما بحلم بيكي ليل ونهار".. وأردف برسالة أخرى
"محمد رسول الله"...
وانطلقت من صدره آهه ألم..
"آه يا منى لو تطاوعيني.. أنا هصبر بس لحد ما تخلصي كليتك.. ووقتها ما فيش حاجة هتمنعني عنك.. ولا حتى تهديدات عامر بيه.. حتى لو أخدتك وهربنا لأبعد مكان في الأرض"
************
تهادت نيرة في أروقة أحد أشهر نوادي القاهرة ترافقها صديقتها الوحيدة علياء.. وبدا أن الاثنتين تجتذبان أنظار الموجودين بشدة.. فنيرة بخطواتها الرشيقة الواثقة التي تستعرض روعة وكمال قدها الممشوق, والذي أظهره الرداء المخصص لرياضة التنس.. بتنورته البيضاء القصيرة جداً لتظهر رشاقة ساقيها الطويلتين, وجزئه العلوي الذي احتضن جسدها بشدة ليظهر تفاصيله كاملة للعيون التي أخذت تلتهم ذلك الجمال الذي يعلن عن نفسه بوضوح وتركت خصلاتها الحمراء للتطاير حول وجهها لتمنحها جمالاً وحشياً متفرداً.. على العكس من علياء التي تمتلك جمال ناعم وهادئ.. جمال حزين تشبه أميرة الثلج بشعرها الأسود الطويل وبشرتها البيضاء الناعمة وعينين حزينتين بلون السماء..
لم تمتلك علياء ثقة نيرة بنفسها, ولكنها كانت تحاول مجاراتها في جرأة ملابسها فارتدت بنطلون جينز أسود التصق بساقيها بشدة _حتى يبدو وكأنه تم إلصاقه عليهما_ وقميص ضيق أحمر اللون يغطي خصرها بالكاد..
سألت علياء بتردد:
ـ نيرة.. أنتِ مش مضايقة ولا مكسوفة من النظرات اللي بتاكلك أكل دي..
زفرت نيرة بحنق:
ـ وبعدين معاكِ بقى يا عليا.. أنا ما صدقت أنك اقتنعت تغيري ستايل لبسك.. وسيبتي اللبس العجيب اللي كنتِ مصرة عليه قبل كده.. إيه لازمة الكلام ده دلوقتِ؟.. وبعدين مش أنتِ عايزة حبيب القلب ياخد باله منك؟.. يبقى لازم تلبسي كده.. ما هو مش معقول هيبص لخيمة ما فيهاش أي علامات أنوثة!!
ـ خلاص.. خلاص يا نوني.. أنا آسفة.. بس كل ما أفكر أن أعمامي لو شافوني باللبس ده هيعملوا فيه إيه.. ركبي ترعش..
قاطعتها نيرة:
ـ أعمامك مين يا عليا؟!!.. دول ما صدقوا يرموا همك على أونكل عصام جوز مامتك الله يرحمها.. صحيح.. أنتِ عاملة إيه مع تانت سهام.. لسه برضوه مش طايقاكِ؟..
أجابتها علياء بألم:
ـ ما أنتِ عارفة يا نوني.. أنها مش ممكن تحبني.. دي حتى كل ما تشوفني تقولي إني بفكرها بـماما الله يرحمها.. وترص لي بقى القصيدة اللي أنتِ عارفاها.. خطافة الرجالة.. خرابة البيوت.. وكلام من ده.. عشان كده أنا بفضل أقضي معظم الوقت في المزرعة.. عند جدو.. أقصد يعني.. أبو عمو عصام.. ولولا كده.. كانت طردتني من زمان.. وخاصة أنها واخدة بالها إني.. إني..
قاطعتها نيرة:
ـ إنك بتحبي المحروس ابنها.. البشمهندس يزيد بيه الغمراوي..
ـ أنت بتتريقي عليا يا نيرة؟
تأبطت نيرة ذراعها وهي تخبرها بمداهنة:
ـ لا يا حبي.. مش بتريق ولا حاجة.. هي صحيح قصة حبك دي ملعبكة.. يعني موقفك صعب شويتين.. هي مش ممكن هتنسى أنك تبقي بنت الست اللي اتجوزت جوزها.. بعد عشرة 20سنة.. موقف صعب مش سهل..
تنهدت علياء بيأس:
ـ أنت ناسية أهم حاجة.. أنه مش معبرني نهائي.. ولا كأني موجودة.. وأما بيجي يكلمني بيكون كل كلامه مجموعة من المحاضرات على اللي يصح واللي ما يصحش.. ويكملها بشوية تعليمات ونصايح.. وغير ده كله.. خطيبته الآنسة المبجلة.. ريناد.. بنت خالته.. ده بيموت عليها يا نوني.. وأنا..
كادت أن تختنق بغصتها.. فسكتت قليلاً ثم أكملت:
ـ وأنا.. انا بموت كل ما اشوفه معاها.. وهي حاطة ايدها في ايده كأنها بتقولي ده بتاعي.. وعمره ما هيبصلك أبداً..
قربت نيرة رأسها من علياء وهي تسألها باهتمام:
ـ أنت بتعملي زي ما بقولك ولا لأ؟..
ترددت علياء:
ـ ما هو أصل..
صاحت بها نيرة بغضب:
ـ اصل إيه وفصل إيه!!.. اسمعي كلامي أحسن لك لو عايزة سي يزيد بتاعك ده يبص لك.. وإلا هتلاقي نفسك بتحضري فرحه زي ما حضرتِ خطوبته ودمعتك على خدك..
ـ يا نيرة.. صعب.. صعب علي قوي أني أقرب منه أو إني.. إني..
رفعت نيرة احد حاجبيها وهي تسألها:
ـ أنك تغويه؟.. لا يا عليا مش صعب.. خليكي بس لازقة فيه في كل حتة.. لاحقيه.. خليكي قدام عينيه على طول.. وفي اللحظة المناسبة اضربي ضربتك.. ومش هوصيكي على اللبس والميك آب وكده..
هزت علياء رأسها بخوف:
ـ خايفة يا نوني.. خايفة..
ـ أنتِ بس خايفة عشان أنتِ لسه صغيرة.. أكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة.. وأنا أكبر منك بتلات سنين.. يعني أعرف حاجات وحاجات.. خليكي بس معايا وأنت تكسبي..
ـ أيوه يا نوني.. بس هو بيحب ريناد.. معقولة أني أقدر.. يعني أقدر أقرب منه وهو..
قاطعتها نيرة:
ـ أيوه تقدري.. أغلبيه بأنوثتك.. شوفتي إزاي أنا قدرت اخلي حسن يخطبني.. رغم إنه كان بيحب اللي اسمها منى دي.. المهم أنك تعرفي تلعبي بورقك صح..
ـ يا رب يا نيرة.. يا رب يحبني ربع ما أنا بحبه.. أنا راضية..
أكملا سيرهما وثرثرتهما معاً حتى سألت علياء:
ـ ما قولتيليش إيه أخبار حسن معاكي..
تغير وجه نيرة للحظات وهي تشرد في علاقتها بحسن أو بمعنى أصح انعدام علاقتها بحسن.. فهو يتجاهلها أو يتناساها منذ ليلة خطوبتهما, والتي مر عليها أسبوع كامل لم تره فيه ولو مرة وتعذره دائماً بكثرة العمل والمسئوليات.. حتى المكالمات الهاتفية.. تكاد تكون منعدمة.. ودائماً ما تكون هي المتصلة ولا تتعدى مدة المكالمة دقيقتين في أحسن الأحوال.. ولكنها لن تخبر علياء بذلك بالطبع.. فهي بغنى عن أي شماتة.. ليس أن علياء تكرهها, هي تحبها ومرتبطة بها بشدة.. تتبعها كالتابع المخلص.. إنها صديقتها الوحيدة.. رغم فارق السن بينهما لكنها الوحيدة التي تثق بها نيرة وتحكي لها أدق أسرارها, لعل فارق السن ذاك هو ما جذب نيرة لإقامة صداقة مع علياء.. فعندما تعرفت عليها كانت علياء فتاة خجولة منطوية تخشى الاندماج مع الناس.. هذا بخلاف ملابسها التي تشبة خيام الشاطئ.. لا تدري نيرة كيف قررت أن تتبنى علياء اجتماعياً وتتولى نصحها وإرشادها لتندمج في المجتمع الجديد عليها تماماً.. فهي كانت تقضي معظم وقتها في مزرعة الغمرواي.. ونادراً ما يسمح لها بالحضور إلي فيلا زوج والدتها بالقاهرة.. وذلك بالطبع بناء على رغبة سهام هانم الزوجة الأولى لعصام الغمرواي.. زوج والدة علياء.. والتي توفيت بعد زواجها من عصام بعام واحد.. تاركة ابنتها الوحيدة كأمانة في عنق عصام.. وذلك بناء على وصيتها التي أسرتها لعصام قبل وفاتها.. فأعمام علياء لا يبحثون سوى عن ميراثها من الأراضي الزراعية التي تركها لها والدها.. لذلك كانوا يتحينون الفرص ليضعوا أيديهم عليها, حتى عن طريق تزويج الفتاة التي لم تكن بلغت حينها الرابعة عشر إلى أحد أولاد عمومتها.. وهو الأمر الذي عارضه عصام بشدة.. واضطر أن يترك ميراث الفتاة تحت أيدي أعمامها مقابل السماح له برعايتها وتركها لتكمل تعليمها.. لكن ذلك لم يلقى استحسان سهام الزوجة الأولى لعصام, والتي قبلت على مضض زواجه المفاجئ من والدة علياء واعتبرته نزوة سرعان ما تزول.. وبالفعل زالت بعد وفاة نادية والدة علياء.. تاركة الفتاة الصغيرة التي قررت على الفور سهام نفيها إلى مزرعتهم لتعيش مع والد عصام.. لذا عندما تعرفت نيرة على علياء.. كانت الفتاة تستجدي الاهتمام والمواساة.. كما أن جمالها من النوع الحزين والهادئ والذي لن يؤثر على جمال نيرة الصارخ, بل وجودهما معاً يبرز وحشية جمال نيرة مقابل الجمال الحزين التي تمثله علياء.. وتحولت علياء إلى تابع مخلص أمين لنيرة تستمع لنصائحها وتنفذها بالحرف.. فغيرت من مظهرها وطريقة لبسها.. وعلمتها كيف تصبح سيدة مجتمع صغيرة.. كيف تلفت انتباه أي شاب ينال إعجابها بدون أن تمنحه أي وعد, لكن الشيء الوحيد الذي لم تستطع نيرة تغييره هو شعر علياء فكان منطقة محظورة ممنوع اقتراب المقص منه نهائياً بناء لوعد منحته علياء لأمها.. وعوضت نيرة ذلك بأن رسمت لها الخطط حتى توقع بيزيد.. ابن زوج والدتها.. لكن إلى الآن تلك الخطط لم تفلح سوى في إبعاد يزيد أكثر وأكثر...
خرجت نيرة من شرودها على صوت علياء:
ـ هاااااااه.. إيه يا بنتي.. روحتي مني فين؟.. آه على الحب وعمايله.. واضح إن حسن دايب فيكي وبقى زي الخاتم في صوابعك
ضحكت نيرة بتكلف:
ـ طبعا يا بنتي.. وهي بنت السواق دي تيجي جنبي حاجة.. يللا بينا نروح المطعم.. لأني مواعدة حسن هناك..
ولكنها كانت تكذب بالطبع فهي علمت بالصدفة بوجود حسن في النادي ليتناول الغذاء مع شقيقه مازن ويزيد صديقهما الحميم... وقررت أن تباغته بظهورها المفاجئ لتجبره على الاعتراف بها في حياته.. وممارسة دوره كخطيب فخور للفاتنة نيرة غيث..
***********
جلس الأصدقاء الثلاثة حول إحدى موائد المطعم الملحق بالنادي الشهير.. فجذبوا أنظار الجميع وخاصة النساء.. فكل واحد منهم يتميز بوسامة مميزة.. حسن بلون عينيه الزمردي النادر الذي تحسده عليه النساء.. ومازن بملامحه المنحوتة كأحد آلهة الأغريق.. ويزيد أكبرهم سناً وأكثرهم جذباً للأنظار بعينيه السوداوين التي تموج بالشقاوة والعبث وشعره الأسود الحالك.. وبشرته السمراء الجذابة.. كانوا اعتادوا على الالتقاء بانتظام.. ولكن ظروف العمل ومسئولياته جعلت أوقات لقائهم تتباعد أكثر وأكثر.. حتى أن يزيد لم يستطع حضور خطبة حسن لارتباطه بالسفر للخارج.. فقام بدعوة صديقيه على الغذاء كتعويض عن تقصيره في حقهما..
ربت يزيد على كتف حسن مهنئاً:
ـ ألف مبروك يا معلم.. عقبال الفرح والليلة الكبيرة بقى..
ابتسم حسن ابتسامة بلا معنى وهو يجيب صديقه:
ـ أنت مصدق نفسك يا يزيد.. لا وعاملي عزومة وغدا!!.. وأنت عارف اللي فيها..
تبادل يزيد النظرات مع مازن الذي أشار له خفية بتغيير الموضوع... فأطلق ضحكة مُحرجة وهو يتوجه بحديثه إلى مازن:
ـ وأنت بقى ناوي تقعد كده.. عايز تبقى أنت السينجل الوحيد اللي فينا.. يللا شد حيلك كده.. عشان نفرح فيك.. أقصد بيك أنت كمان..
ابتسم مازن بمرارة وهو يقول بسخرية:
ـ يللا يا سيدي إيدي على كتفك.. عندك عروسة لي؟.. بيتهيألي ريناد ما عندهاش أخوات بنات..
ابتسم يزيد:
ـ ريناد ما فيش منها اتنين.. هي ريناد واحدة بس..
ثم أردف بعبث:
ـ أنت بس شاور.. وهتلاقي البنات بتترص قدامك طوابير.. أنا فاكر أنهم كانوا أيام الكلية بيطنشوني أنا وحسن وبيموتوا عليك أنت..
ضحك مازن:
ـ أيوه يا سيدي قر بقى.. ما تسيبني سينجل ومرتاح..
دخلت نيرة بصحبة علياء في تلك اللحظة ولمحهما حسن من بعيد.. فقال بسخرية:
ـ خلاص يا مازن عروستك جت أهي!..
تبع مازن نظرات حسن والتقت نظراته بنظرات نيرة فشحبت ملامحه على الفور ولم يفهم ما يعنيه حسن.. فسأله بتوتر:
ـ عروسة!!.. عروسة مين دي؟!.. قصدك أيه يا حسن؟..
أشار حسن بعينيه نحو الفتاتين:
ـ أقصد علياء.. وكده يبقى زيتنا في دقيقنا زي ما بيقولوا..
جاء الدور على يزيد لتشحب ملامحه قليلاً وهو يقول بجدية:
ـ علياء إيه يا حسن.. إيه الكلام الفارغ ده!.. دي لسه عيلة صغيرة.. خلي بس نيرة تبعد عنها وتبطل لعب في دماغها..
التفت مازن بدهشة إلى ملامح يزيد التي زادت انقباضها بعد رؤيته لما ترتديه علياء.. والعيون التي ترمق جسدها الشاب بنهم.. وسمعه يغمغم بغضب:
ـ ماشي يا علياء.. حسابك بعدين.. أنا هعرفك ازاي تلبسي لبس زي ده تاني..
زادت دهشة مازن عند سماعه تلك الجملة.. وهز رأسه حائراً
"أرسى لك على بر يا صاحبي.. أنت عايز مين فيهم.. ريناد ولا علياء"؟..
سمع يزيد همس مازن لنفسه فقطب غاضباً:
ـ مازن!... أنت بتقول أيه؟!.. أنا..
قاطعه مازن:
ـ أنت مش عارف أنت عايز إيه..
أجاب يزيد بإصرار:
ـ ريناد طبعاً..
سأله مازن مشككاً:
ـ متأكد؟..
أشاح يزيد بنظره بعيداً وهو يجيب بخفوت:
ـ أيوه..
قاطع حسن حديثهما:
ـ أنتوا بتوشوشوا على إيه؟.. أنت صدقت بجد يا مازن وهتخطب علياء ولا إيه؟..
أجاب يزيد بخشونة:
ـ خلاص يا حسن.. أقفل الموضوع ده.. البنت جاية ومش لازم تسمع كلام زي ده.. زي ما قلت دي لسه طفلة..
اقتربت الفتاتان.. منهم وهنا انقلبت ملامح مازن وهو يرى ملابس نيرة وانتظر أي تعليق من حسن ولكنه بدلاً من ذلك سمع صوت يزيد وهو يصيح بعلياء:
ـ أيه اللي أنت لابساه ده يا هانم.. اتفضلي قدامي على البيت.. خليني أروحك بدل المسخرة دي اللي أنت عاملاها في نفسك..
واستأذن منهم وهو يسحب علياء من ذراعها بدون حتى أن يلقي التحية على نيرة أو يهنئها بالخطبة.. فهز مازن رأسه هازئاً..
ـ وبتقولي متأكد من اللي أنت عاوزه!!..
سأله حسن مستفهمًا عما يقصد.. فاعتذر مازن وانطلق هو الآخر راحلاً.. تاركاً حسن بصحبة نيرة..


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-01-18, 11:51 AM   #6

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثالث

انطلق يزيد بسيارته بسرعة تنم عن غضبه الشديد, بينما التزمت علياء الصمت وقد شعرت بالتوتر الشديد وهي تلمح اشتداد يديه على المقود في محاولة منه للتحكم بغضبه...
انتفضت بقوة عندما سمعت صوته يقول بغضب مكتوم:
ـ كام مرة قلت لك تاخدي بالك من طريقة لبسك؟
سكتت علياء وأخذت تفرك يديها معاً بتوتر فصرخ بها:
ـ ردي..
تلعثمت بشدة وهي تحاول الدفاع عن نفسها:
ـ بس أنا لبسي محترم.. مش قصير ولا مكشوف.
ـ علياء.. أنتِ فاهمة إني غبي.. ولا عايزة تستغبيني؟!..
ـ لا.. بس..
ـ من غير بس.. اللبس اللي أنتِ لابسة ده ما يتلبسش تاني.. اللبس المحترم يستر صاحبته مش يخلي عيون الخلق تنهش فيها.. مفهوم؟..
سكتت ولم ترد فأكمل هو مغلقًا الموضوع:
ـ انتهينا.. بطلي تمشي ورا نيرة.. أنا مش فاهم إيه اللي عجبك فيها؟..
كادت أن تصرخ به..
"لأنها الوحيدة اللي بتهتم بيا.. الوحيدة اللي بتسمعني وتساعدني من غير ما تحسسني إني حمل تقيل, أو انسانة غير مرغوب في وجودها"..
كانت الكلمات على لسانها ولكنها ابتلعتها كالعادة حتى لا تغضبه.. فهي لا تحتمل أن يكون على خلاف معها..
سمعته يسألها:
ـ وصلتِ امتى؟..
ـ النهارده الصبح بدري..
وأكملت وكأنها تبرر سبب حضورها من المزرعة:
ـ جيت علشان أقدم في مكتب التنسيق.. النهارده آخر يوم..
سألها بتأنيب:
ـ وأنتِ ايه اللي مأخرك لآخر يوم؟.. هو أنا مش بعت لك السواق من يومين ورجعتيه من غير ما تيجي معاه بحجة إنك لسه بتفكري..
رمقته بذهول.. فلم يحدث أي من هذا على الإطلاق.. وهل هي مجنونة لتفوت فرصة القدوم إلى الفيلا لتراه حتى ولو خمس دقائق!!..
لمح ذهول نظراتها فسألها بتشكك:
ـ ايه.. حصل ده ولا محصلش؟..
أدارت وجهها نحو النافذة ولم تجبه.. فهي إن أخبرته أن أي من هذا لم يحدث ستسبب الأذى للسائق المسكين, فمن المؤكد أن من أمره بعدم الحضور سهام هانم.. والرجل لن يستطيع مخالفة أوامرها...
كانت تلك الأفكار تدور أيضاً في رأس يزيد.. لذا سألها بخفوت:
ـ مين جابك النهارده؟..
التفتت له وهي تجيب في خفوت:
ـ نيرة.. مرت علي في المزرعة.. وأخدتني مكتب التنسيق.. وبعدين طلعنا على النادي..
زفر بغيظ:
ـ نيرة تاني!!
استاءت من ازدرائه لصديقتها فهتفت بغيظ:
ـ وإيه يعني؟!.. هو يعني كان في حد غيرها اهتم بيا ولا عبرني!..
وضعت يدها على شفتيها لتكتم باقي كلماتها.. فهي لا تريد الشكوى.. لن تطلب الاهتمام من عائلة عصام الغمراواي.. لن تكون مثيرة للشفقة أبداً... فهي أدركت منذ سنوات أنها لا تمتلك أي حقوق في ذلك المنزل.. فقط عليها أن تتلقى فتات الاهتمام التي يلقون بها إليها وتكون شاكرة على ذلك.. ولا تجرؤ على الشكوى حتى لا تكتسب عداوة سهام.. فهي عدو شرس.. لا ترغب في إثارته أبداً..
مرر يزيد كلماتها فهو يعلم أنه لن يستطيع تغيير قلب أمه نحوها وسألها بتقرير:
ـ كتبتِ فنون جميلة رغبة أولى, صح؟
هزت رأسها نفياً واجابت بصوت مكتوم:
ـ لا.. كتبت آداب..
التفت اليها بدهشة:
ـ إيه!!!.. آداب.. ليه؟!.. واللوحات والتصميمات اللي مليتي بيهم المزرعة دول إيه؟؟..
أدارت وجهها مرة أخرى نحو النافذة حتى تخفي الدموع التي ترقرقت في عينيها:
ـ آداب أفضل.. مش هكون مضطرة إني آجي من المزرعة يومياً.. ممكن مرة أو اتنين في الشهر لكن فنون جميلة.. لازم الحضور كل يوم.. وده هيكون مجهود كبير.. و..
قاطعها بغضب:
ـ إيه الكلام الفارغ ده!.. مجهود إيه وحضور إيه؟!!.. ما هو أنتِ طبيعي هتقعدي عندنا في الفيلا.. إيه اللي يخليكي ترجعي المزرعة؟
التفتت له بسرعة فلمح العبرات المتجمدة بعينيها.. فأعادت وجهها سريعاً نحو النافذة تتأمل الناس خارج السيارة.. كم واحد منهم استطاع تحقيق حلمه.. وكم منهم وأد حلمه في مهده مثلها.. فالمكالمة التحذيرية من سهام هانم والتي تلقتها وهي في طريقها إلى مكتب التنسيق _بعدما أخبرها جواسيسها في المزرعة بالطبع بوصول نيرة حتى تصطحب عليا وتقدم أوراقها_ ما زالت كلماتها ترن في أذنيها..
"اختاري أي كلية نظرية لو ليكي رغبة تكملي في الجامعة.. أنتِ عارفة إني مش هقبل وجودك في بيتي, فما تفرضيش نفسك عليّ عشان ما تندميش"..
هتافه باسمها جعلها تلتفت له لتخبره على عجل:
ـ خلاص.. أنا اخترت آداب وواثقة إني هقبل فيها.. ما فيش داعي لدوشة الكليات العملية..
كان يعرف أنها تكذب... لقد صدعت رأسه برغبتها في دراسة الفن.. تارة تتوق لدراسة الفن التشكيلي.. وتارة تحلم بأن تكون مصممة أزياء.. وأحياناً أخرى مصممة ديكور.. وأخيراً كانت تحلم بأن تكون مصممة جرافيك.. كان الرسم هو الهاجس المسيطر عليها.. لم تخلت عن حلمها؟.. وقررت اتباع الطريق السهل؟.. هل تلك إحدى الأعراض الجانبية لصلتها الوطيدة بنيرة؟.. أم أن والدته لها يد في ذلك؟..
هم بسؤالها ولكنهما كانا قد وصلا إلى الفيلا.. فأوقف السيارة لتقفز هي بسرعة خارجة منها قبل أن يتمكن من توجيه أي سؤال.. حاول اللحاق بها...
حتى يتأكد من شكوكه ولكن صوت أمه أوقفه وهو يسمعها تسأل علياء بكره:
ـ أنتِ!!.. ايه اللي جابك على الفيلا؟.. ما رجعتيش على المزرعة على طول ليه؟..
تلعثمت علياء في الرد وقد جمدتها الكراهية الخام في صوت سهام.. فاندفع يزيد يخبر والدته وقد تأكد إحساسه بأن والدته هي وراء تغيير رغبات علياء.. فعلى ما يبدو أنها تعلم بوجود علياء في المدينة:
ـ أنا جبت علياء معايا من النادي يا ماما..
سمع صوت رقيق يأتي من خلفه:
ـ ازيك يا بشمهندس.. إيه.. مش ناوي تسلم!!
التفت إلى صاحبة الصوت وهو يهتف بلهفة:
ـ ريناد!!..
مدت يدها إليه فتناولها بلهفة وهو يجذيها قليلاً مقبلاً وجنتها:
ـ ريناد عندنا.. يا ميت ألف أهلاً وسهلاً..
ضحكت ريناد برقة وهي تسير بجواره بعد أن طوق خصرها بذراعه واستئذن من والدته بنظرة سريعة.. انتهزتها ريناد لتمنح علياء نظرة مشتعلة بالغيرة.. وكأنها تحذرها من الاقتراب منه..
تلقت علياء نظرة ريناد بغيظ خاصة وهي تلمح ملابسها التي تشبه إلى حد بعيد ملابس علياء والتي أقام يزيد الدنيا عليها.. ولكن كل ما تفعله ريناد هو مقبول ومسموح به.. تمتمت علياء بغيظ..
"أنت محتاج فحص دماغ يا يزيد.. لأن اللي بتعمله ده اسمه شيزوفرينيا"..
ـ عليا...
أوقفها صوت سهام الصارم.. فالتفتت نحوها في تردد:
ـ هبعت لك غداكي في أوضتك.. وبعد كده هيوصلك السواق على المزرعة..
أومأت موافقة بصمت واتجهت إلى غرفتها بسرعة ولكن ليس قبل تلقي نظرة على الحبيبين اللذين كانا توغلا داخل حديقة الفيلا, ولكنها استطاعت أن تلمح ريناد وهي تحاول جاهدة التملص من عناق يزيد..
***************
جلست نيرة أمام حسن على المائدة التي فرغت تماماً إلا منهما وسألته بلوم:
ـ كده برضوه يا حسن.. أسبوع يعدي من غير ما تحاول تيجي تشوفني ولو مرة واحدة..
رد باقتضاب اغاظها:
ـ كان ورايا شغل كتير قوي..
سألته بدلال:
ـ يعني الشغل أهم مني؟..
ـ معلش يا نيرة.. أنا لسه ما تعودتش يكون عندي خطيبة والجو ده..
ـ ولا يهمك يا سيدي.. أنا مسامحاك.. بس بشرط.. اعزمني على الغدا..
ـ أيوه.. بس أنا لسه متغدي مع يزيد ومازن..
زمت شفتيها بفتنة:
ـ خلاص.. مش مشكلة أنا أساساً مش بتغدى إلا سلطة.. لازم أحافظ على رشاقتي.. أنت إيه رأيك؟.. تفتكر أنا محتاجة أنزل وزني شوية ولا كده كويس؟..
رافقت كلماتها بتمرير يدها على منحنياتها المثيرة.. وكأنها تملس على جسدها تبحث عن عيب ما..
تابعت عيناه حركة يديها لا إرادياً وهو يتأملها بتقدير ذكوري بحت.. فهو لا يستطيع الإنكار أنها جميلة بالفعل.. قد لا يستهويه جمالها إلا أنه لا يستطيع إنكاره..
لمحة نظراته التي تتأمل جسدها بنظرة تقدير لم تخطئها.. ابتسمت بخبث وقد حققت هدفها ولفتت نظره أخيراً إلى جمالها وأنوثتها..
أخبرته بلهجة مغوية:
ـ إيه رأيك اعزمك عزومة تحفة.. ديسكوتيك فظييع يا حسن.. الـ ـدي جى هناك تحفة.. هنرقص للصبح.. وإيه بيشتغل من بدري.. يعني عقبال ما أغير وآخد شاور يكون اشتغل..
سألها بلهجة ساخرة قليلاً:
ـ وأنتِ ما غيرتيش هدومك من بدري ليه؟..
ـ أووووه... حسن.. ما تغيرش الموضوع..
ـ الموضوع!.. آه قصدك الديسكو.. لا.. معلش.. أنا مش بتاع ديسكوهات..
ـ ازاي بقى!!.. أنت كنت بتروح قبل كده مع يزيد ومازن
ـ أنتِ قولتيها.. يزيد ومازن.. يعني شلة شباب مع بعض.. معلش اعذريني أنا أصلي دقة قديمة حبتين..
غيرت نيرة من تكتيكها وهي تخبره بدلال:
ـ دقة قديمة.. دقة قديمة.. وماله.. أنا أصلاً بعشقك في جميع أحوالك.. بس هتخرجني فين بقى؟..
نظر إلى ساعته نظرة سريعة:
ـ أنا أساساً اتأخرت.. لازم أمشي.. معاكِ عربيتك ولا أوصلك؟..
رمقته بغيظ.. فهي تحاول التقرب منه بكل الطرق ولكنه يصد كل محاولة منها.. لقد ظنت اليوم أنها تستطيع الانفراد به.. فهي علمت أنه استأذن من الشركة متعذراً بدعوة يزيد.. وها هو يزيد ينطلق بعلياء مثل الثور الأحمق.. فما الذي تأخر عنه حسن؟..
أخذ عقلها يعمل سريعاً.. هل تنتهز الفرصة وتطلب منه إيصالها وتقتنص بضعة دقائق أخرى معه.. أم تتركه يرحل وتتبعه لتعرف إلى أين سيذهب؟.. وما الذي أفرغ له جدوله لباقي اليوم؟..
ـ نيرة.. سرحتِ في إيه؟.. أوصلك ولا إيه؟
ـ هاااااه.. ولا حاجة.. لا يا حبيبي.. أنت شكلك مستعجل وأنا معايا عربيتي.. ما هو أنا روحت جبت عليا من المزرعة عشان تلحق تقدم أوراقها في مكتب التنسيق..
ـ بجد.. برافو عليكِ يا نيرة.. البنت دي مسكينة فعلاً..
ابتسمت نيرة وقد أدركت أن اهتمامها بعلياء أثار إعجاب حسن.. اذاً فلتستغل هذه النقطة, لتحاول أن تجعله يرى بعض الجوانب الإنسانية بها طالما لا تعجبه الجوانب الانثوية..
ـ تصدق مسكينة فعلاً.. تانت سهام مش بتسمح لها تقعد عندهم في الفيلا خالص.. دي حتى كان نفسها تحضر حفلة النادي الليلة.. بس مش هينفع عشان لازم ترجع المزرعة.. وأونكل عصام ويزيد مش هيوافقوا تيجي معايا لوحدها..
ابتلع حسن الطعم بسهولة:
ـ وهي فيها إيه الحفلة دي؟.. ليه مصرة عليها يعني؟..
ابتسمت نيرة بخبث وقد أدركت أنها قاربت على الوصول لغايتها, فلو طلبت منه الحضور معها إلى الحفل لوجد ألف عذر لعدم الحضور:
ـ لا دي حفلة عادية.. بس عليا كان نفسها تفرح.. تصدق أما نجحت في الثانوية العامة.. ما فيش حد قالها مبروك ولا احتفلوا بها..
كانت تكذب بالطبع ولكنها كانت واثقة أن كذبتها من الصعب أن تنكشف فلن يذهب حسن إلى يزيد أو والده ليعاتبهما على تقصيرهما المزعوم في حق اليتيمة التي تتربى في بيتهما..
ـ ياااه.. لدرجة دي.. أنا كنت فاهم إن يزيد بيخلي باله منها..
ـ أه.. هو بيحاول.. بس ريناد بتغير من عليا مووووت ومش بتمكنه إنه ياخد باله منها..
تعجب حسن لغيرة ريناد من علياء.. فمن المعروف تعلق يزيد بريناد منذ سنوات.. وهي التي كانت تؤخر ارتباطهما.. عقل النساء هذا لن يستطيع فهمه أي رجل..
عرض عليها ما كانت تخطط للحصول عليه:
ـ خلاص.. إيه رأيك لو أخدتك أنتِ وعليا علشان تحضروا الحفلة دي؟..
كانت صرخة السعادة التي أطلقتها نيرة صادقة للغاية:
ـ بجد.. بجد يا حسن.. دي عليا هتفرح قوي..
ـ خلاص.. أنا هكلم يزيد عشان عليا ما ترجعش المزرعة الليلة.. وهعدي عليكِ على الساعة 8.. كويس كده؟..
منحته أروع ابتسامتها:
ـ كويس قوي..
ـ طيب.. يا دوب أقوم أنا بقى عشان أخلص اللي ورايا قبل ميعاد الحفلة..
ـ ماشي يا حبيبي.. أنا هتمشى معاك لحد عربيتك.. وبعدين أروح آخد شاور..
وقفت لتتأبط ذراعه, ولكنه أخبرها بحزم:
ـ لا يا نيرة.. روحي الوقتي على طول غيري هدومك..
ـ ماشي يا حبي.. زي ما تحب.. بااااي
ثم رفعت له وجهها ليقبلها... فطبع قبلة سريعة على وجنتها وابتعد مسرعاً تاركاً إياها تغلي من الغيظ.. سيطرت على نفسها سريعاً.. وانطلقت خلفه حتى تستطيع اللحاق به.. وتتأكد من الشك الذي يموج بداخلها...
*********
صف حسن سيارته في جراج المول الكبير بوسط البلد والذي تعمل منى بأحد محلات الملابس الموجودة به..
التقط هاتفه بسرعة ليتصل بها.. فهي تتهرب منه منذ أسبوع.. منذ حفل خطبته, بل وقبل ذلك.. ولكنه لن يسمح بالمزيد من الهروب.. يجب أن تفهم دوافعه لخطبة نيرة.. وأن يفكرا معاً ليجدا حلًا ما..
أخيراً سمع صوت منى على الجهة الأخرى من الهاتف:
ـ منى.. أنا موجود تحت في الجراج.. انزلي أنا مستنيكي..
رفضت منى بحسم:
ـ حسن.. من فضلك.. امشي.. أنت عارف!!..
قاطعها:
ـ أنا مش عارف حاجة غير أنه لو ما نزلتيش دلوقتِ أنا هطلع لك ومش هتحرك من قدام المحل إلا لو جيتي معايا.. مش هينفع أنك تهربي مني أكتر من كده.. لازم نقعد ونتكلم.. أنا مستنيكي.. خمس دقايق.. وإلا هكون قدامك..
أغلقت منى الهاتف وهي تهتف بحنق:
"المجنون.. هو ليه بيصعبها علينا!.. أنا مش فاهمة!!.. مقابلتنا دلوقتِ هتفيد بإيه غير زيادة الوجع"..
تحركت لتلتقي به بسرعة قبل أن يأتي هو إليها.. فهي تدرك أنه لا يهدد عبثاً.. واستأذنت من صاحبة المحل لتأخذ وقت الراحة الخاص بها..
وقف حسن بجانب سيارته ينتظر ظهور منى, والتي ما أن لمحها حتى شعر بقلبه يقفز خارج صدره ليحيط بها كأنه يريد عناقها.. وحمايتها في نفس الوقت.. أخذ يتأمل شعرها الأسود الطويل الذي يحيط بوجه له شكل القلب.. تتوسطه عينان سوداوان كحيلتان.. خطفتا قلبه منذ سنوات.. لاحظ حركتها المألوفة برفع شعرها من فوق جبهتها.. وهي حركة تقوم بها عندما تتوتر.. فعلم أنها لمحته.. وأنها ما زالت معترضة على لقائهما..
تحرك ليقترب منها فالتقى بها قبل مسافة من سيارته ومد يده ليصافحها فصافحته بخجل وسحبت يدها سريعاً..
رحب بها بلهفة قائلاً:
ـ أهلاً.. بمنايّ
ابتسمت بخجل:
ـ ازيك يا حسن..
أجابها بلوم:
ـ ازيك يا حسن!.. بقى لي 10 أيام ما شوفتكيش.. وبعدين إزيك يا حسن!
تلعثمت بخجل:
ـ ما هو..
جذبها من يدها ليدخلا إلى السيارة:
ـ ما فيش ما هو.. إحنا مش هنتكلم في الشارع..
انطلق بالسيارة ولم يلحظ النظرات النارية التي انطلقت من عينين بلون الزبرجد.. ونيرة تلكم مقود السيارة بكل غضب الدنيا..
*********
وفي إحدى البواخر السياحية والتي ترسو على شاطئ نيل القاهرة جلست منى أمام حسن وهي تحاول التهرب من نظراته.. وتستمع إلى دوافعه لخطبة نيرة والتي حاول شرحها متجنباً تهديد والده بتلويث سمعتها.. وأوضح خطته للمماطلة في تحديد موعد الزواج حتى تنتهي منى من دراستها بعد سنة واحدة..
ظلت منى صامتة لعدة دقائق بعدما انتهى حسن من كلامه ثم ردت عليه بتردد:
ـ يا حسن.. أنت فاهم أنه ببعدي عنك بعاقبك.. أبداً والله.. أنا بس بحاول أوفر علينا ألم ووجع أكبر.. أنا مش بلومك على خطوبتك من نيرة.. أنا سبق وقلت لك إنها بتحبك وأنك لازم تحاول أكتر.. يا حسن احنا حكاية مستحيلة.. لازم نحاول ننسى..
قاطعها بغضب عاشق:
ـ يعني إيه يا منى؟.. عايزة تفهميني.. إنك ممكن توافقي تكوني لحد تاني غيري.. لو اتقدم لك دلوقتِ واحد وقالك أنه بيحبك.. هتوافقي عليه وتحاولي تنسي اللي بينا؟..
وضعت منى وجهها بين كفيها وهي تحاول كتم دموعها:
ـ لا طبعاً.. أنت بتقول إيه بس!!.. أنا مستحيل أكون لحد غيرك
هز رأسه بحيرة:
ـ أومال معنى كلامك إيه.. إني اتجوز نيرة وأعيش وأحاول أحبها كمان.. وأنتِ؟.. أنتِ هتعيشي على الذكرى!.. منى.. احنا مش في فيلم عربي قديم.. أنا إيه اللي يجبرني أرضى بصورة باهتة ممسوخة.. لما أنا عندي الأصل؟؟.. قولي علي أناني.. قولي طماع.. بس أنا عايز حياة كاملة طبيعية بس مع الشريكة اللي بحلم بيها من سنين..
ـ وإذا كان ده مستحيل.
ـ وليه مستحيل؟.. الحل في إيدك يا منى..
ـ أنا مش ممكن أتجوز من غير موافقة أبويا..
ـ ومين قال بس أننا هنتجوز من غير موافقته.. طبعاً هطلبك منه.. وهو كمان اللي هيسلمك لي بإيديه..
ـ أنت هتجنني يا حسن.. أومال إيه الكلام اللي قلتهولي من أول ما قعدنا..
ـ أنا عندي فكرة هحاول أحل بيها جزء من المشكلة.. اسمعيني بس..
استمعت منى إلى فكرة حسن بهدوء.. ثم التزمت الصمت بعدما انتهى من كلامه..
ـ إيه يا منى.. ساكتة ليه؟..
ـ مش عارفة يا حسن.. مش عارفة أقول لك ايه؟. مش قادرة أوافقك.. ومش قادرة برضوه اعترض.. لكن كل اللي هطلبوا منك.. أننا ما نتقابلش طول ما أنت خاطب واحدة تانية.. أنت عمرك ما كنت خاين يا حسن.. وأنا مش عايزك تتحول لواحد خاين حتى لو عشاني..
ـ أنتِ بتقولي ايه!!.. يعني عايزة تحرمني منك؟.. ما اقدرش يا منى.. أنا كنت هتجنن الأسبوع اللي فات..
ـ ده طلبي الوحيد.. وأوعدك أنه لو حصل وبقيت حر وجيت تطلبني من بابا.. هتلاقيني واقفة معاك بكل قوتي.. لكن لحد ما ده يحصل.. لازم تصون عهد صاحبة الدبلة اللي في ايدك...
خلع حسن دبلته بعنف وهو يضعها في كف يدها:
ـ شوفي يا منى.. شوفي أنا لابس دبلة مين..
أمسكت منى الدبلة بأناملها لتلمح النقش بداخلها باسمي حسن ومنى ويحيط بهما قلب صغير له أجنحة من الجانبين.. هطلت دموعها الحبيسة.. ولم يعد باستطاعتها حبسها أكثر من ذلك..
شعر بخناجر تنحر قلبه مع دموعها التي تتساقط.. فسألها بألم:
ـ بتعيطي ليه بس يا منى؟..
أجابته من وسط شهقاتها:
ـ كان نفسي ما اكونش ضعيفة كده يا حسن.. كان نفسي أقوي قلبي وأقسيه وأجبره أنه يبعد عنك.. لكن مش قادرة.. وكل ما بيمر الوقت الألم بيزيد..
أجابها بغضب:
ـ أنا اللي كان نفسي أكون أقوى.. وأقدر أدافع عني وعنك.. أنا كنت ساذج قوي لما افتكرت أن بابا هيكون اهتمامه الأول هو سعادتي.. لكن ملحوقة.. بس لو الخطة اللي في دماغي تمشي مظبوط, مش هيكون في أي حاجة يهددني بيها..
هزت رأسها بألم:
ـ ما تعملش في نفسك كده يا حسن.. مش بقولك كان نفسي أكون أقوى.. ما كنتش أتمنى أني أكون نقطة ضعفك..
أمسك بيدها بحنان:
ـ وأنا ما كنتش أتمنى أنه يكون لي نقطة ضعف غيرك..
سحبت أناملها من بين يديه بخجل:
ـ حسن..
ـ عيون وقلب وروح حسن..
نهضت فجأة وهي تتعثر في خطواتها:
ـ أنا لازم أمشي.. أنا.. اتأخرت.. و..
جذبها من يدها برفق لتجلس مرة أخرى:
ـ استني بس.. مش هنتغدى سوا؟..
تلعثمت:
ـ أصل.. بس..
أجاب حسن بحسم:
ـ من غير بس.. أنتِ حرمتيني منك أكتر من أسبوع.. أنا كنت هموت من غيرك..
جلست منى على مضض.. ولكنها نظرت إليه لتخبره بقوة مناقضة لخجلها السابق:
ـ هقعد أشرب عصير فراولة بس.. وبعدين همشي.. زي ما قلت لك يا حسن.. مش هنحول حاجة بريئة وحلوة زي حبنا لخيانة.. أرجوك.. تفهمني..
أومأ موافقاً:
ـ خلاص يا منى.. زي ما تحبي.. بس ما تحرمنيش من صوتك.. ماشي..
ابتسمت برقة:
ـ هيكون دايماً بينا.. "تصبح على خير.. لا اله الا الله"..
فرد عليها برقة مماثلة:
ـ "احلمي بيا يا ملاكي زي ما بحلم بيكي ليل ونهار".. .. "محمد رسول الله"
ابتسما معاً قبل أن يستدعي حسن النادل ليطلب لهما عصير الفراولة الذي تعشقه منى..
**************
وفي مكتب مازن جلس في كرسيه بعدما أغلق هاتفه للتو.. وقد تلقى المكالمة التي كان ينتظرها.. ثم استدعى سكرتيرته التي دخلت إلى مكتبه حاملةً بعض الأوراق تحتاج إلى توقيعه.. ولكنه أوقفها قائلاً:
ـ مش همضي حاجة دلوقتِ.. ابعتي هاتي لي عم نصر السواق بتاع بابا حالاً..


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-01-18, 12:00 PM   #7

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرابع


أخذت علياء تتلاعب بقطع الخضروات في طبق السلطة ضمن الوجبة التي أرسلتها لها سهام..
فقدت شهيتها للطعام تماماً.. فمن يرغب في الأكل وحيداً كأنه جرذ منبوذ.. وهذه الرسالة التي ترغب سهام بتوصيلها لها بالضبط..
كانت قد قررت العودة إلى المزرعة فوراً وتفويت وجبة الغذاء.. فــمشهد يزيد وهو يحاول معانقة ريناد.. يتكرر في رأسها مثل التعويذة الشريرة تدفعها للقيام بعمل طائش, كأن تنزل لتتناول الغذاء على مائدة سهام هانم, لتخبر ولدها وزوجها التهديد الذي مارسته السيدة الأرستقراطية عليها حتى تمتنع عن تحقيق حلمها بدراسة الفنون..
ابتسمت لنفسها بسخرية.. من تخدع؟!.. فهي تعلم أنها أجبن من أن تقوم بهذا.. لذا قررت الرحيل إلى منفاها في المزرعة, لكن طرقات على باب غرفتها أوقفت قرارها حين دلف يزيد ليخبرها أنها لن تعود الليلة إلى المزرعة لأنها ستذهب إلى حفلة النادي مع نيرة وحسن..
سألته بدهشة:
ـ حفلة!!.. حفلة إيه؟!..
سألها بسخرية طفيفة:
ـ مش عارفة حفلة إيه؟!.. مش دي الحفلة اللي أنا وبابا مش هنوافق نوديكي ليها.. ويا حرام صاحبتك أم قلب حنين هي اللي هتوديكي..
هزت علياء رأسها في حيرة:
ـ أنا مش فاهمة حاجة.. أنت بتقول إيه؟.. أنا أساساً كنت نازلة أقول للسواق يوصلني المزرعة دلوقتِ... أنا مش فاهمة أنت جبت الكلام ده منين!!
نظر إلى الحقيبة الصغيرة في كتفها وسألها بتشكك:
ـ يعني أنتِ ما اتفقتيش مع نيرة عشان توديكي الحفلة؟..
أرادت أن تلقي الحقيبة وتصرخ في وجهه أن يكُف عن ترديد كلمات والدته.. وما أوحته إليه هي وريناد.. لكنها للأسف لا تملك رفاهية الشجاعة.. تخشى على غضبه وليس من غضبه..
نفت اتهاماته بضعف:
ـ هي الحفلة دي مش بتحتاج فستان وكوافير وحاجات كتير... لو كنت ناوية أروح حفلة كنت هبقى هنا بعمل إيه؟..
ظهرت الحيرة على ملامحه.. بين ثورة كلمات والدته التي ما أن سمعت مكالمة يزيد وحسن حتى اندفعت تكيل الاتهامات لعلياء.. بأنها من دبرت تلك الخطة... وبين ما ظهر على علياء من ملامح الإنكسار وخيبة الأمل..
زفر بحيرة وهو يخبرها:
ـ بصي.. حسن اتكلم وقال لي أنه هيعدي عليكِ هو ونيرة على الساعة 8 ونص.. وأنا قلت له أنكِ هتيجي معايا أنا وريناد.. احنا كده كده رايحين..
صرخت بقوة:
ـ لا.. لا.. أنا مش عايزة أروح معاك أنت وريناد..
هي لا تتصور نفسها محبوسة في سيارة يزيد لتراقب نظراته المغازلة لريناد من هذا القرب.. وتتعذب من همساتهما والحسرة تتآكلها في كل لحظة أنها دائماً في المقعد الخلفي بينما ريناد جواره.
هتف بها بغضب:
ـ يعني ايه.؟..
استدركت بسرعة:
ـ أقصد خليني مع نيرة.. يعني لو عمو عصام وافق إني أروح الحفلة.. يبقى خليني مع نيرة.. عشان كمان لازم أشتري شوية حاجات وهي هتكون معايا..
ـ ما ريناد موجودة تحت.. هقولها تروح معاكِ.. و..
قاطعته بسرعة:
ـ لا.. أنا هكلم نيرة.. أكيد ريناد هتكون مشغولة.. و..
قاطعها:
ـ خلاص براحتك..
مد يده في جيبه ليخرج من محفظته إحدى بطاقات الإئتمان ليدفعها في يدها:
ـ خلي دي معاك عشان الحاجات اللي هتشتريها..
ـ لا.. لا.. أنا معايا بتاعتي..
ضغطها في يدها:
ـ خليها معاكِ.. بس خودي بالك.. أقسم بالله يا علياء لو جبتِ فستان قصير.. ولا عريان لأكون جرك من شعرك على المزرعة قدام الناس كلها ومش هيهمني.. فاهمة؟..
رفرفت برموشها وهي مأخوذة بالعنف في صوته.. فكرر بتأكيد:
ـ فاهمة؟؟؟
أومأت موافقة.. وهي ترتجف من الغيظ.. فها هو يعود لإلقاء الأوامر عليها مرة أخرى.. ويترك الحبل على الغارب لخطيبته الحسناء...
تمتمت بغيظ:
ـ أنت مش هتبطل الشيزوفيرنيا دي؟..
لسوء حظها وصله همسها فصرخ بها:
ـ ايه!!.. بتقولي إيه؟.. شيزوفرينيا إيه!!.. أنتِ اتجننتِ!!
عادت خطوتين للخلف وهي ترتجف من الخوف فقد أغضبته بدون أن تقصد..
حاولت تفسير كلماتها:
ـ أيوه.. أنت بهدلتني على هدومي.. وبتسيب ريناد اللي هي خطيبتك تلبس زي ما هي عايزة.. و.. وده يبقى اسمه ايه؟؟
ـ ريناد مش بتلفت الأنظار زيك..
خرجت الكلمات منه بسرعة وبدون أن يفكر بها.. ورمقته هي بذهول لا تدري ماذا يقصد بكلماته.. أيتهمها بمحاولة جذب الأنظار؟.. أم.. يعتقد أن خطيبته أقل جاذبية منها؟..
ظلت ترمقه بذهول وتساؤل.. بينما تجمدت الكلمات على لسانه ولم يستطع إضافة أي كلمة لتوضيح ما تفوه به للتو.. فما كان منه إلا أن خرج كالعاصفة مغلقاً الباب خلفه بعنف جعلها ترتجف في مكانها..
أخرجها من جمودها رسالة على هاتفها.. فتحتها لتجدها من نيرة..
"أنا قدام الفيلا.. انزلي.."..
********
ما أن أخبرته سكرتيرته بوجود عم نصر بالخارج في انتظار الإذن له بالدخول حتى تحرك مازن من خلف مكتبه ليفتح الباب ويستقبل سائق والده بود وترحاب:
ـ اتفضل يا عم نصر.. هو أنت برضوه محتاج إذن يا راجل يا طيب..
التفت مازن إلى سكرتيرته:
ـ اتنين شاي لو سمحتِ يا مدام كريمة..
ثم اصطحب نصر ليجلسا معاً على أحد الأرائك بعيداً عن المكتب ورسميته..
ربت مازن على ركبة نصر قائلاً بود:
ـ إيه.. إيه أخبارك يا عم نصر.. وأخبار صحتك ايه؟..
أجاب نصر بهدوء:
ـ بخير الحمد لله يا مازن بيه.. نشكر ربنا..
ـ إيه بيه دي بقى!!.. ده أنا متربي على إيديك.. وأنت أول واحد علمني السواقة.. حتى كان عندي 8 سنين..
ضحك نصر وهو يخبره بسعادة:
ـ علمتك إيه يا بيه.. ده أنت ما شاء الله عليك.. كنت طالع بالعربية لوحدك.. أنا يا دوبك قلت لك على شوية حاجات بسيطة كده...
شاركه مازن ضحكته قائلاً:
ـ أيوه.. وبقيت تداري علي قدام بابا.. وما بلغتوش إني باخد العربية..
سأله نصر بلوم:
ـ ودي معقولة يا بيه.. أنت فاكرني صغير ولا إيه!!.. طول ما أنا متأكد أنك في أمان.. يبقى خلاص.. أنا مطمن.. وأنت ما شاء الله عليك عاقل من يومك..
ربت مازن على كتفه بود:
ـ العفو يا عم نصر.. أهو كلامك ده بقى اللي هيشجعني أطلب منك اللي أنا عايزه على طول..
اعتدل نصر في جلسته وهو يسأل باهتمام:
ـ خير يا بيه؟..
ـ خير يا عم نصر إن شاء الله.. بقى أنا لي واحد صاحبي.. جمع قرشين كده.. وفكر أنه يشتري له تاكسي يشتغل عليه.. وفعلاً جاب عربية على الزيرو ورخصها تاكسي.. بس بقى..
سكت مازن قليلاً وهو يرمق تعبيرات وجه نصر وعندما لاحظ فضوله للقادم أردف:
ـ بس بقى جت له فرصة حلوة قوي أنه يسافر بره.. وهو مش عايز يبيع التاكسي خوفاً من أنه ما يتوفقش بره.. ففكرنا أنه يتفق مع واحد يشغل التاكسي في الفترة دي.. هيه.. ايه رأيك يا عم نصر؟..
سأله نصر بتعجب:
ـ رأيي في ايه يا بيه؟..
اقترب مازن منه وهو يخبره:
ـ بصراحة يا عم نصر.. هو قصدني أدور له على حد, وأنت أول واحد جه في بالي.. على فكرة.. هو هياخد ربع الإيراد بس.. والتلات أرباع هيكونوا من نصيبك.. إيه رأيك؟.
فوجئ نصر بالعرض الغير متوقع وسأل مازن بتردد:
ـ وشغلي مع أبوك يا بني؟.. هو اشتكى مني ولا حاجة؟.. أصل بقى له فترة متغير من ناحيتي..
نفى مازن بسرعة:
ـ لا طبعاً.. معقولة يشتكي منك برضوه؟!.. أنا بس قلت أنك أولى بالفرصة دي.. خاصة أنه عائدها المادي حلو قوي.. وأنت كمان هتكون حر نفسك..
وكمان دي خدمة هتعملها لي وعمري ما هنسى لك وقفتك جنبي في الحكاية دي.. أصل صاحبي ده عزيز علي قوي وله علي جمايل وأنا ما صدقت ألاقي فرصة أردها له..
هم نصر بالرفض ولكنه تذكر معاملة حاتم بيه في الفترة الأخيرة له.. ولومه وتوبيخه له على كل كبيرة وصغيرة.. كان الشك يراوده حول سبب تلك المعاملة؛ فهو يرى ويدرك ميل حسن إلى منى ابنته.. وبالطبع يدرك رفض حاتم بيه لتلك المشاعر.. لكن بعد خطبة حسن لنيرة ظن أن ذلك السبب قد زال.. ولكن حاتم بيه استمر في معاملته بجفاف قد يصل أحياناً إلى الإهانة وكأنه يدفعه دفع إلى ترك العمل.. هل لاحظ ابنه ما يقوم به والده فتحرك بدافع من شهامة يعلم نصر جيداً أنها متعمقة بداخل ولديّ حاتم العدوي.. أم ذلك عرض من الأب واستخدم ابنه كمرسال فقط.. على أي حال.. إنه عرض مغري للغاية.. ويجب أن يفكر به جيداً..
نهض نصر من فوق الأريكة فتبعه مازن بدوره وهو يتأمل وجه الرجل الأكبر سناً محاولاً معرفة ما يدور بداخله... لكن صوت نصر قطع تأمله وهو يردد:
ـ هو عرض مغري قوي يا مازن بيه.. بس!!!..
قاطعه مازن بسرعة:
ـ آه نسيت أقولك.. أن الكلام ده كله هيتكتب به عقد.. عشان نحفظ حقك يا راجل يا طيب.. وأنا همضي كمان كضامن للتنفيذ.. وكل الأمور المالية هتكون معايا.. لأنه زي ما قلت لك.. الراجل صاحب التاكسي هيكون مسافر..
أومأ نصر متفهماً ومد يده ليصافح مازن:
ـ أنا ما كانش قصدي يا بيه.. عقد إيه بس.. أنت كلمتك عقد.. أنا بس محتاج أشاور أم العيال.. وهرد عليك الليلة بأمر الله..
صافحه مازن بدوره وهو يخبره:
ـ هستنى تليفون منك يا عم نصر.. وياريت يكون الرد بالموافقة.. دي جميلة مش هنسهالك..
ربت نصر على كتف مازن وقد أدرك لباقة مازن حتى لا يبدو وكأنه يقدم له العرض كنوع من الاحسان أو الشفقة وأخذ يدعو له:
ـ ربنا يكرمك يا بني.. ربنا يكرمك وينولك اللي في بالك..
ثم خرج مغلقاً الباب خلفه ولسان حال مازن يردد..
"آمين"...
*************
انطلقت نيرة بسرعة جنونية فور أن دلفت علياء داخل السيارة.. مما دفع علياء إلى الصراخ:
ـ نيرة.. نيرة.. هدي السرعة شوية..
زادت نيرة من سرعة السيارة بينما سارعت علياء إلى وضع حزام الأمان وتشبثت بمقعدها بيأس.. وهي تحاول تهدئة نيرة التي كان الغضب يدور حولها مثل هالة مرئية:
ـ نيرة.. اهدي بس.. وقفي على جنب خلينا نتفاهم..
استمرت نيرة في سرعتها بدون أن تجيب على صديقتها حتى وصلت إلى منطقة وسط البلد.. فهدأت سرعتها قليلاً بفعل الزحام.. وأجابت علياء والغضب يلون نبرات صوتها:
ـ لسه بيشوفها يا عليا.. لسه بيقابلها..
ـ هو مين ده؟؟
صرخت نيرة بغضب:
ـ حسن يا عليا.. هيكون مين يعني؟..
ـ وأنتِ عرفتِ منين؟
ضغطت نيرة على اسنانها:
ـ شوفتهم بنفسي.. كنت هتجنن يا عليا.. حسيت إني مشلولة من القهر.. بقى يسبني أنا بسرعة ويجري جري عشان يقابلها..
ـ هدي نفسك بس يا نيرة.. يمكن كان بينهي اللي بينهم.. أو..
صرخت نيرة:
ـ بينهي اللي بينهم!!..إيه السذاجة اللي أنتِ فيها دي أنتِ كمان..
ـ أومال إيه بس يا نيرة؟.. أنتِ مش بتقولي إنكوا كويسين مع بعض..
أوقفت نيرة السيارة على جانب الطريق وهي تضرب بيدها مقود السيارة بعنف:
ـ أنا كنت فاهمة أنه هينساها.. هو بقى له أسبوع ما شفهاش.. أنا متأكدة.. لكن.. لا.. برضوه الصعلوكة دي لسه بتجري وراه.. وعارفة إزاي تجيبه لعندها على ملا وشه
تجنبت علياء سؤال صديقتها من أين لها تلك المعرفة.. فهي أدركت من زمن أن لنيرة وسائلها للوصول إلى ما تريده من معلومات..
التفتت نيرة لتفتح حقيبتها ويدها ترتعش من الغضب.. فأخرجت قداحة ذهبية صغيرة.. أشعلت بها إحدى السجائر التي سحبتها من علبة ذهبية مماثلة.. وظهر على وجهها التفكير العميق وهي تنفث دخان سيجارتها بغيظ..
أخذت تدق بطرف سيجارتها على العلبة بغيظ.. وهي تفرك شفتيها بين أسنانها.. ثم برقت عينيها بشدة وهي تنظر إلى العلبة الذهبية وتهمس بشماتة:
ـ ماشي يا منى.. أنا بقى عرفت إزاي اخليكي تبعدي عن حسن.. وما تفكريش تقربي منه تاني..
رمقتها علياء بقلق:
ـ ناوية على إيه يا نيرة؟..
هزت نيرة كتفيها بلامبالاة وهي تسأل علياء:
ـ أنتِ عارفة منى بتشتغل فين؟..
أومأت علياء موافقة:
ـ ايوه في محل فساتين سواريه في مول...
قاطعتها نيرة وعينيها تبرقان بخبث:
ـ طيب يلا بينا.. أنتِ أكيد محتاجة فستان عشان حفلة الليلة..
وانطلقت بسيارتها وهي تضحك بسخرية وشماتة مما تنوي فعله...
**************
دخل عامر إلى غرفة صبا ابنته الصغرى فوجدها تمسك بالهاتف وعينيها الجميلتين تلتمع بالدموع.. جلس بجانبها بهدوء وهو يملس شعرها الكستنائي المموج قليلاً.. وسألها بهدوء:
ـ كلمتِ فريدة؟..
أومأت برأسها في موافقة صامتة.. وظهر الحزن على ملامحها.. فضمها والدها إلى صدره وهو يخبرها:
ـ أنتِ عارفة إني مش همنعك أنك تروحي تعيشي معاها.. إحنا.. أنا وفريدة عمرنا ما اختلفنا على مصلحتك.. أو عارضنا في إنك تعملي اللي أنتِ عايزاه..
أومأت صبا مرة ثانية وهي تهمس لوالدها:
ـ أنا اخترت إني أكون هنا معاك يا بابا.. وأنا مقتنعة بكده.. وأن ده أفضل لي ولـــفريدة..
أبعدت رأسها قليلاً عن صدره وهي تمسح دموعها بظاهر يدها:
ـ حضرتك عارف أن فريدة صعب عليها تراعيني.. وهي بترسم.. وخاصة لو بتجهز لمعرض زي اليومين دول.. وأنا كمان مش بحب الحياة في باريس..
افتعل عامر ضحكة صغيرة وهو يخبرها:
ـ ما بتحبيش الحياة في باريس!!.. ما سمعتكيش نيرة.. كانت وقعت من طولها..
ضحكت صبا هي الأخرى.. ثم سكتت قليلاً.. وأخبرته بخفوت:
ـ هي سألت عليك وعلى أخبارك.. وطلبت مني أراعي صحتك..
أغمض عامر عينيه بألم لا يريد أن يظهره لطفلته الصغيرة.. تلك الفتاة التي يمزقها ولائها له وحبها لوالدتها.. فريدة
فريدة.. جنته وعذابه... فرحه وجرحه.. من أذاقته جنون الحب وآلامه.. من عرف معها روعة العشق ولوعته..
ظلمها.. ظلمها بشدة لا جدال.. ولكنها عاقبته بقسوة.. وتركته ليعيش على كل ذكرى له معها..
شعر بأنامل طفلته الصغيرة تمسح دمعة صغيرة خانته وسقطت على وجنته.. فربت على شعرها بحنان.. بينما هي ألقت نفسها بين ذراعيه وهي تضمه بقوة:
ـ أنا بحبك قوي يا بابا...
وبداخلها تتردد فكرة.. أنها لن تدع نفسها تسقط في الحب أبداً...
***************
وقفت علياء أمام المرآة تتأمل ثوبها الجديد الذي ابتاعته برفقة نيرة.. حسناً.. ليس تماماً.. فالثوب الذي اختارته نيرة وأصرت على علياء لتبتاعه معلق داخل الخزانة بأمان.. هذا لو أمكن اطلاق لفظة ثوب على قطعة القماش القصيرة والتي تتصل ببعضها عن طريق مجموعة من الشرائط والحبال المجدولة.. والذي تصر نيرة على أنه صمم خصيصاً لجسد علياء...
لا تنكر أنه يظهرها فاتنة ومغرية للغاية.. كأنها.. كأنها.. ساقطة.. نعم هذا أول ما خطر على بالها عندما رأت نفسها به أمام المرآة في محل الثياب وبالتأكيد هذا ما سيفكر به يزيد إذا رآها ترتديه.. لذا خلعته بهدوء وطلبت من البائعة أن توضبه في إحدى الأكياس وتجهز الفاتورة الخاصة به حتى لا تثير عواصف نيرة التي كانت مشغولة عنها بمراقبة وصول منى التي انتهت فترة راحتها ولم تصل بعد _ولله الحمد_... فانتهزت علياء تلك الفرصة وتوجهت إلى الثوب الذي خطف بصرها منذ اللحظة الأولى وقررت شرائه حتى بدون تجربته أولاً..
***********
التف ذراع يزيد حول خصر ريناد الرشيق وهو يحاول أن يضمها أكثر إلى صدره.. ليتمكن من مراقصتها كما يريد ولكن تلك الفراشة الكبيرة المثبتة على صدر ثوبها كانت تمنعه من تنفيذ ما يريد.. فهمس لها متأففاً:
ـ أنا مش فاهم أنتِ ليه بتحبي اللبس المكلكع ده.. إيه لازمة الفراشة اللي قاعدة تعضني دي..
ضحكت ريناد بتأنيب:
ـ الموضة يا حبيبي.. وبعدين أنت مش قلت أن نيرة هتحضر الحفلة.. عايزها تكون أشيك مني ولا إيه؟..
هز يزيد رأسه بتعجب لانشغال ذهن ريناد دائماً بالتفوق على نيرة.. وكأن هناك مسابقة ما بينهما لمن تتزعم درب الجمال والأناقة.. لا يعلم ما أسباب تلك المنافسة الغريبة.. فريناد ذات جمال مشرق يختلف عن جمال نيرة الوحشي.. فهي ذات شعر ذهبي وعيون بلون العسل.. وابتسامة أنثوية جذابة
حسناً قد تتشابه الفتاتان في شيء واحد فكليهما تعشق التفرد والتميز.. فريناد مثلاً ارتدت لتلك الحفلة ثوباً طويلاً من الساتان البرونزي, بلا أكتاف ولا أكمام.. يكشف عن ظهرها وصدرها الذي يكاد أن يختفي تحت الفراشة اللعينة والتي تنتهي بعقدة ذات لون ذهبي.. ثم يضيق الثوب ليظهر رشاقة قدها وبطنها المسطح, ووركيها الدقيقين والذي يبدأ الثوب في الاتساع بعدهما مباشرة في عدة ثنايات حتى يصل إلى ما بعد كاحليها... كانت مثالية في أناقتها.. وفاتنة بزينتها المتقنة.. وجاهزة تماماً لتكسب نقطة على نيرة في حفلة الليلة كما كانت تظن..
استمر يزيد في محاولة مراقصتها بوجود الفراشة الضخمة كحاجز بينهما.. وهمس في أذنها:
ـ أنتِ الليلة أجمل واحدة في الحفلة... لولا بس الفراشة دي..
ابتسمت ريناد في سعادة وقد عزز غزل يزيد من ثقتها بنفسها..
بينما عاد يزيد يسألها:
ـ مش ناوية بقى تحني علي وتكون الرقصة الجاية في فرحنا؟..
ـ أووه يا يزيد.. أنت مستعجل على إيه؟.. مش أنت وعدتني إنك هتصمم بيتنا مخصوص زي ما أنا عايزة..
زفر يزيد بضيق:
ـ ما هو أنا صممته يا ريناد.. ده اتصمم في وقت قياسي.. لكن أنتِ بقى لك أكتر من سنة بتغيري وتعدلي في الديكور.. ولسه ما فكرتيش في العفش..
أخبرته ريناد بسأم:
ـ هو احنا كل ما نشوف بعض لازم السيرة دي.. أنت عارف أنه بيتي لازم يكون بيرفكت.. ما فيش فيه غلطة.. أنت تكره يعني أنه بيتك يكون مثال للشياكة والأناقة..
هز رأسه بيأس:
ـ أنا كل اللي يهمني إننا نكون في بيت واحد..
ابتسمت ريناد له بعصبية بينما ظلت تترقب ظهور نيرة _غريمتها_ التي تتعمد بالطبع الحضور متأخرة عن الجميع حتى تحدث الأثر المطلوب في النفوس..
وعلى الرغم منه ترقب يزيد أيضاً وصول نيرة.. ليس اهتماماً منه بالنرجسية الحمراء.. ولكن حتى يطمئن على الجنية الصغيرة التي رفضت أن تأتي معه هو وريناد كما تعذرت بعدم انتهائها من ارتداء ثيابها حتى لا يرى ثوبها الجديد..
جمود ريناد بين ذراعيه مع الصمت الذي حل فجأة أخبره بوصول نيرة.. والتي تعلقت بذراع حسن مرتدية ثوب من الشيفون الأسود الشفاف.. يكشف عن أحد كتفيها ويترك الآخر عارياً.. بينما كانت البطانة الداخلية تغطي صدرها وحتى بداية وركيها.. تاركة باقي جسدها مغطى بطبقة شفافة وواسعة من الشيفون المشقوق كاشفاً عن إحدى ساقيها.. بينما كانت زينتها كاملة أبرزها طلاء شفتيها الأحمر الداكن..
بينما أنظار الجميع كانت مسلطة على نيرة بثوبها اللافت.. بحث يزيد بعينيه عمن تهمه حقاً.. وهو يتوعدها سراً بتنفيذ تهديده إذا خالفت أوامره..
لمحها أخيراً وهي تدخل خلف نيرة, بثوب من الشيفون أيضاً ولكنه لم يكن شفافاً.. بل يحتوي على بطانة داخلية ومكون من عدة طبقات من القماش الناعم.. والذي تدرج لونه من الأبيض الناصع عند الصدر ثم تداخل درجات من اللون الرمادى عند الخصر وتبدأ تدرجات من اللون الازرق من بعد الركبتين لتتداخل مع درجات الابيض مع تعدد طبقات الثوب..
كان الثوب مطابق لما طلبه منها حتى أنه يحتوي على كُمين لهما نفس تدرجات الثوب ويضيقان عند المرفق ليتسعا بعد ذلك.. كان الثوب المثالي باستثناء فتحة الصدر المربعة..
لاحظ يزيد تحول الأنظار من نيرة إلى الجنية الصغيرة التي جذبت الجميع كعادتها.. رغم أنها لم تضع من الزينة إلا الكحل الأسود وطلاء الشفاه اللامع..
حسناً.. ماذا يستطيع أن يفعل بها؟.. لقد التزمت بتعليماته تماماً.. ورغم ذلك يستطيع أن يرى نظرات الإعجاب في عيون الرجال ممتزجة بنظرات الحسد لذلك الرجل الذي تعلقت بذراعه.. والذي لم يكن سوى مازن..
ضغط يزيد على أسنانه حتى كادت أن تتحطم.. وهو يتوجه إلى الوافدين مصطحباً ريناد معه..
صافح الرجال بعضهم بينما اكتفت ريناد بهزة رأس بسيطة كتحية عابرة..
كانت عينيّ علياء معلقة على يزيد تنتظر ردة فعله على ثوبها.. والتي لم تستطع تبينها من ملامح وجهه المبهمة.. بينما أخذت نيرة وريناد تتأمل كلا منهما الأخرى وكأنها تبحث عن خطأ ما في مظهرها..
بادر يزيد بالسؤال الذي يؤرقه:
ـ انتوا جيتوا كلكوا سوا ولا إيه؟..
أسرع مازن بالإجابة وابتسامة غامضة ترتسم على وجهه:
ـ لا.. احنا اتقابلنا على الباب..
وأضاف وابتسامته تتسع:
ـ أنا جبت عليا.. على ما حسن يجيب نيرة.. يعني قولنا نوفر وقت..
توجه يزيد إلى علياء:
ـ طب مش كنتِ جيتي معانا, بدل ما نتعب مازن..
أجابه مازن باستمتاع:
ـ يا سيدي ما فيش تعب ولا حاجة..
قاطعت ريناد الحديث الدائر وقد أزعجها أن تكون علياء هي محور الاهتمام:
ـ هو احنا هنفضل واقفين كده.. مش هندخل نقعد..
رمقتها نيرة باستفزاز:
ـ وهو أنتِ هتعرفي تقعدي بالفستان ده.. بيتهيألي صعب..
احتقن وجه ريناد غضباً وهي تجيب:
ـ ما تقلقيش يا نيرة.. أنا دايماً فساتنيني بتتصمم لي أنا مخصوص.. يمكن أنتِ مش متعودة على كده..
كادت أن ترد نيرة برد آخر مستفز حينما تدخل حسن ليصطحبها داخل القاعة:
ـ نيرة.. أنا تعبت من الوقوف يلا بينا ندخل..
واصطحبها مبتعداً عن ريناد قبل أن يتطور النقاش بينهما إلى شجار علني.. بينما اصطحب مازن علياء ليجلسا حول أحد الموائد تحت نظرات يزيد الرافضة...
عندما لاحظ مازن أن علياء تفرك يديها قلقاً.. سألها مندهشاً:
ـ في حاجة يا عليا؟..
ترددت قليلاً:
ـ أصل.. يزيد متضايق..
ابتسم مازن بخبث:
ـ متضايق!!.. لا أبداً.. ما هو بيرقص مع ريناد أهو..
أومأت علياء موافقة ونظراتها معلقة بيزيد.. بينما نظر إليها مازن مشفقاً عليها من مشاعرها الواضحة.. فحاول جذبها لتبادله حواراً بسيطاً حول حياتها في المزرعة.. حتى استطاع بلباقته وسرعة بديهته أن يحول عينيها بعيداً عن الثنائي الراقص.. وشيئاً فشيء أخرجها من خجلها وترددها.. وبدأت تتعالى أصوات ضحكاتهما.. وهما يتبادلان ذكريات طفولتهما وخاصة المشاغبة منها..
لاحظت ريناد عيني يزيد التي تتابع ما يحدث بين مازن وعلياء.. فازداد غضبها الذي لم يهدأ بعد.. وقالت ليزيد بغيظ:
ـ يزيد.. أنت هتفضل قاعد تراقب البنت دي كتير.. أنا تعبت من الرقص وعايزة أخرج الفرانده شوية..
لم يفهم يزيد ما أصابه.. ففي الظروف العادية هو من يسعى جاهداً حتى ينفرد بريناد بعيداً عن العيون, لكن الآن وهي من تطلب الانفراد به.. تكاد كلمات الرفض تخرج من شفتيه.. فكل ما يرغبه الآن أن يلكم مازن_صديقه المفضل_ على أنفه..
وهذا الشعور على وشك اصابته بالجنون.. لذا مرغماً وافق ريناد واصطحبها خارجاً حيث الهواء النقي الذي يرجو أن ينقي أفكاره ايضاً..
رمقت نيرة حسن بنظرات عاشقة وهي تسأله:
ـ برضوه لسه زعلان من الفستان؟..
سألته هذا السؤال لتطمئن على موقفه منها, فعندما وصل لاصطحابها كانت ترتدي ثوباً آخر.. يكاد يكون فاضحاً.. فكان طوله بالكاد يصل إلى أعلى ساقها..
أشاح حسن بوجهه عنها:
ـ نيرة.. أنا مش بحب أفرض رأيي.. بس أنتِ شايفة أنه كان عادي أسيبك تخرجي بالشيء اللي كنتِ لابساه ده؟..
اقتربت منه تمسك بيده بأناملها الطويلة:
ـ أنا مش زعلانة.. أنا مستعدة أعمل كل اللي أنت تطلبه.. أغير نفسي زي ما تحب.. المهم أنك ترضى عليّ..
رمقها بذهول:
ـ غريبة!!...
سألته بقلق:
ـ ليه؟..
ـ كلامك ده مخالف لنيرة اللي أنا أعرفها..
أجابت بتبرم وقد خشيت أن تفشل خطتها الجديدة لاجتذابه... فبعد ما فشلت في الإنتقام من منى عصر اليوم.. حيث أن الأخيرة لم تعد إلى عملها بعد فترة راحتها واتصلت تعتذر عن باقي اليوم.. فلم تتمكن نيرة من تنفيذ خطتها.. لذا قررت مؤقتاً تعديل معاملتها لحسن بأن تُظهر له الخضوع واستعدادها الكلي للتغيير من أجله:
ـ أوووه.. يا حسن.. أنا هكون اللي أنت عايزه.. ده عشان خاطرك أنت بس..
شعر حسن بالمرارة تجري في حلقه.. فالتظاهر ليس من طبعه.. وهو لا يريد التورط أكثر من ذلك مع نيرة.. ولا أن يزداد تعلقها به.. وفي نفس الوقت لا يريد والده أن يشعر بما يحاول تدبيره هرباً من تلك الزيجة..
يحاول جاهداً إظهار جوانب الإختلاف بينه وبينها حتى تتأكد هي من استحالة ارتباطهما.. ولكنها تناوره بمهارة شديدة..
سمعها تناديه:
ـ حسن.. حسن.. مش هنرقص إحنا كمان..
التفت إلى ساحة الرقص ليجد إن مازن يصطحب علياء للرقص.. بينما الفرقة الموسيقية بدأت تعزف أحد الألحان المميزة لرقصة التانجو..
هز حسن رأسه نافياً:
ـ لا.. مازن بيرقص تانجو أحسن مني.. خلينا للرقصة الجاية..
برمت شفتيها بغيظ بينما أخذت تراقب مازن وهو يمد ذراعه على طولها لتقف علياء مواجهة له وتقوم بالمثل.. ثم تضع يدها في يده ليجذبها قريباً منه بينما هي تفرد كفها الأيسر على ظهره وترفع وجهها لتواجهه.. ليدورا معاً عدة مرات حول ساحة الرقص قبل أن يفلتها مازن لتستند على ذراعه الأيسر حتى يتلامس كفاهما فيعود ليجذبها مطوقاً خصرها بذراعه ويضمها إلى صدره.. فيما ترفع هي ساقها اليسرى قليلاً لتلفها حول ساقه اليمنى.. ليعود ويلفها حوله لمرتين بينما طبقات ثوبها المتعددة تلتف حولهما ثم يضمها إليه جاعلاً ظهرها ملاصق لصدره.. فترتفع ذراعها لتطوق عنقه ويرفعها من خصرها لتواجهه ثانية ثم يطلقها مرة أخرى لتدور حوله عدة مرات لتكون بطيات ثوبها سحابة سماوية رائعة..
كانت عيون الجميع معلقة بهما.. بينما توقف باقي الراقصين واكتفوا بالالتفاف حولهما في حلقة واسعة فقد كان من الواضح أن الاثنين على درجة عالية من الاحتراف والمهارة.. فتابعهما الجميع يتأملان تلك الرقصة التي تصرخ بمختلف المشاعر.. حيث تعالت الهمهمات حول كونهما زوج من العشاق يعبران عن عشقهما بالرقص.. ولم تكن الظنون بعيدة عن الحقيقة.. فالواقع أن الاثنين عاشقان بالفعل ولكن ليس لبعضهما فكلاهما عاشق في مثلث حب مستحيل..
فكلا منهما ارتسم على وجهه بوضوح معاناة عاشق.. وكأنهما برقصتهما تلك يعلنان بوضوح عن عشقهما اليائس...
استمرت الرقصة عدة دقائق أخرى قبل أن ينهيها مازن حيث جذب علياء التي انثني جذعها فوق ذراعه حتى وصل شعرها إلى أرض القاعة..
تعالى التصفيق من الراقصين حولهما ومن الجمهور أيضاً تحية لهما على مهاراتهما الواضحة..
ساعد مازن علياء على الاعتدال فطوقها بذراعه حتى تستعيد اتزانها.. بينما تابعت عينيّ نيرة ما يحدث وقد انتابها غضب غير مفهوم..
غضب.. لو كان لمحه مازن لرقص قلبه فرحاً.. لكن ما جذب نظره هو عينيّ يزيد الذي كان يرسل إليه نظرات كفيلة بإثارة الرعب لقبيلة من الرجال..
فيزيد كاد أن يجن محاولاً تفسير ذلك الغضب الذي يشعر به من مراقصة مازن لعلياء..
علياء التي بدت الآن بريئة كالملاك.. ومغرية كالخطيئة..


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-01-18, 12:01 PM   #8

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الخامس


جلست علياء على إحدى الأرائك الحجرية المنتشرة على الشرفة حيث اصطحبها مازن بعد انتهاء رقصتهما.. حتى تنعش نفسها قليلاً بالهواء النقي.. كما أخبرها مازن, الذي ارتسمت على شفتيه ابتسامة غامضة وهو يلمح محاولة يزيد للتقدم منهما, تلك المحاولة التي أحبطتها ريناد بفاعلية حينما تعلقت بعنقه استعداداً للرقصة القادمة... فما كان منه إلا جذب علياء نحو الشرفة الخارجية.. بعيداً عن جموع الشباب الذين بدءوا بالتحلق حولها طمعاً في مراقصة فراشة الحفل.. كما اطلقوا عليها...
وقف مازن أمامها وهي تتأوه بنزق بينما تخلع صندلها وتفرك أصابع قدميها في الأرض المكسوة برخام فخم:
ـ آآآآه.. يااااه.. أنت عارف أنا بقى لي قد ايه ما رقصتش تانجو.. يجي خمس سنين..
ضحك ضحكة خفيفة وهو يسألها:
ـ خمس سنين!!.. ليه هو أنتِ اتعلمتِ الرقص وأنتِ عندك كام سنة؟..
ضحكت علياء بسعادة وهي تسترجع أيام سعيدة بالنسبة لها:
ـ أنا اتعلمت الرقص قبل المشي.. ماما الله يرحمها قبل ما تتجوز كانت راقصة باليه محترفة.. علمتني حاجات كتيير.. ولولا الظروف كان ممكن احترف الرقص.. على الأقل الباليه.. لكن وفاة بابا.. وتحكم أعمامي.. أجبر أمي أنها تهرب منهم.. لكنها ما قدرتش تبعد عن الرقص.. ففتحت صالون لتعليم الرقص كان في جزء للبنات الصغيرين كانت بتعطيهم مبادئ للباليه.. وجزء تاني لرقص الصالونات.. والــ تانجو وسامبا وحتى سالسا.. وأنا بقى كنت معاها على طول.. أخرج من المدرسة.. جري... على قاعة الرقص.. أراقب.. وأتعلم.. وأما كبرت شوية بقيت أشارك في الدورات اللي ماما بتنظمها.. لحد ما اتجوزت عمو عصام.. و.. بدأت تتعب.. و..
أدرك مازن أن ذكرياتها السعيدة انتهت بوفاة والدتها فحاول تغيير الموضوع:
ـ بصراحة أنا اتفاجئت.. طول الوقت بتخيلك في المزرعة بين الخيل والزرع.. سرحانة في عالم لوحدك.. بترسمي لوحاتك.. زي ما يزيد بيقول.. بس أنتِ بترقصي روعة.. محترفة فعلاً..
أجابته بخجل:
ـ أنت كمان بترقص كويس قوي..
ضحك وهو يخبرها:
ـ آه.. هقولك سر.. جدتي كانت بتصر أننا ناخد دروس في الرقص.. حسن كان دايماً بيهرب.. وأنا اللي كنت بتدبس.. بس دلوقتِ.. زي ما أنتِ شايفة.. أكيد هو هيموت من الحسد.. وهو شايفني برقص مع فراشة الحفلة..
ابتسمت علياء بخجل ولم ترد على إطرائه الرقيق.. وعاودت ارتداء صندلها.. ووقفت تستعد للدخول الى القاعة.. فسألها بفضول:
ـ عايزة تدخلي ولا ايه؟..
أومأت موافقة:
ـ ايوه ما يصحش نتأخر بره أكتر من كده..
سكتت قليلاً.. ثم أخبرته بتردد:
ـ أنا متشكرة قوي..
أجابها بعجب:
ـ على إيه؟!..
ـ على الرقصة.. و..
احتارت ماذا تقول له.. فهو أنقذها من ليلة كانت ستقضيها وحيدة تراقب يزيد يراقص ريناد.. ونيرة تشاغل حسن.. كل شخص له من يؤنس وحدته ما عدا هي..
قالت بتردد:
ـ وعلى كل حاجة..
ربت على كتفها بمودة:
ـ أنتِ زي أختي الصغيرة يا عليا.. لو احتجتِ أي حاجة..
شدد على جملته ثانية:
ـ أي حاجة يا عليا.. أوعي تترددي تتصلي بيا.. ماشي..
أومأت موافقة وقد بدأت تترقرق دموع الإمتنان في عينيها لصدق كلماته, فتحركت حتى تدخل القاعة بسرعة, وتحرك ليدخل معها عندما رن جرس هاتفه.. فالتقطه ليرى من المتحدث.. اقتربت منه هامسة:
ـ على فكرة.. نيرة كانت متضايقة قوي من رقصنا سوا..
تجمدت يده على الهاتف وهو يلمح الصغيرة تدلف إلى القاعة وهي تشير له أنها ذاهبة إلى غرفة السيدات.. وبذهنه يتردد ألف سؤال..
" ما الذي تقصده الصغيرة؟.. وهل حقاً غضبت نيرة لرقصه مع علياء؟.. ولماذا تغضب؟.. "
دار عقله بدوامات من الأفكار بينما تعالى رنين هاتفه للمرة الثانية.. فأجابه وهو غائب مع أفكاره ليجد عم نصر على الهاتف ليخبره بموافقته على عرضه السابق بالعمل على السيارة الأجرة لصديقه..
أجابه مازن بارتياح:
ـ ألف مبروك علينا وجودك معانا يا راجل يا طيب.. العقد هيكون جاهز عشان تمضي عليه بكره إن شاء الله..
جاءه صوت نصر المحرج:
ـ بس.. مش الأول افاتح والدك في أني هسيب الشغل معاه.. دي الأصول يا بني ولا ايه؟..
ـ براحتك يا عم نصر.. العقد موجود والعربية كمان مفاتيحها معايا.. في الوقت اللي يناسبك.. نبدأ إن شاء الله..
أغلق مازن هاتفه والتفت ليفاجئ بيزيد في مواجهته.. وإمارات الغضب تبدو على وجهه..
***********
ما أن اقتربت علياء من الباب المؤدي إلى غرفة السيدات حتى سمعت النقاش الساخن الذي يدور بين ريناد ونيرة.. حيث سمعت صوت نيرة يسأل باستفزاز:
ـ صحيح يا ريناد.. هو انتوا لسه ما حددتوش الفرح؟.. ايه هو يزيد ناوي يقضيها خطوبة وبس..
ثم أطلقت ضحكة ساخرة عالية قطعتها على الفور عندما أجابتها ريناد باستخفاف:
ـ لو كان على يزيد كنا اتجوزنا من شهور.. بس في حاجة اسمها.. إنك تعززي نفسك عند خطيبك.. تخليه هو اللي هيتجنن علشان يجمعكوا بيت واحد.. بس يمكن أنتِ بس ما سمعتيش عن الحكاية دي..
دفعت علياء الباب بقوة لتدخل قبل أن تتهور نيرة وتقوم بقتل ريناد أو فقأ عينيها..
ـ مساء الخير..
ألقت التحية في هدوء.. فلمحت النيران المشتعلة في أعماق عينيّ نيرة.. وهي ترمق ريناد بنظرات كفيلة باحراقها حية..
أما ريناد فما أن رأت علياء حتى أخبرتها بهدوء يخفي وراءه غضب:
ـ حلوة الرقصة بتاعتك يا عليا..
شكرتها عليا في هدوء:
ـ متشكرة قوي..
صمتت الفتيات الثلاث بينما كان حديث النظرات أبلغ مما يمكن ان تعبر عنه أي كلمات..
وأخيراً استأذنت ريناد لتخرج تاركة علياء مع نيرة وحدهما.. فتكلمت عليا بتردد:
ـ هو حصل ايه؟.. شكلك متضايق قوي.. هي قالت لكِ حاجة ضايقتك؟
رمقتها نيرة بنظرة فاحصة.. لا تعلم إذا ما كانت سمعت تعليق ريناد المستفز حول وضعها مع حسن.. أم لا.. ولكنها تعلم تمام المعرفة أن علياء تحبها ولن تشمت بها أبداً.. ورغم أن رقصتها مع مازن أشعلت مراجل الغضب بأعماق نيرة.. ولكنها لا تستطيع الصراخ بها أو حتى الغضب منها.. لا تعلم ماذا يوجد بهذه الفتاة ويمنعها من إظهار طبيعتها السيئة معها..
أجابتها بهدوء:
ـ لا ما تقلقيش.. العادي اللي بيني وبين ريناد.. بس هي عندها حق.. رقصتك كانت حلوة وملفتة قوي..
قالت كلمتها الأخيرة بنبرة غير مفهومة.. فسألتها علياء بقلق:
ـ يعني إيه ملفتة؟.. قصدك إيه يا نوني؟..
أمسكت نيرة كتفي علياء وهي تخبرها بهدوء:
ـ أنا عارفة أني قلت لك تحاولي تخلي يزيد يغير.. بس مش لازم مع مازن..
رفعت عليا يديها إلى وجهها وهي تشهق بقوة:
ـ يا خبر.. لا يا نيرة.. أنا مش ده كان قصدي.. أنا بس حبيت أرقص.. رجعت لذكرياتي مع ماما.. صحيح كنت بفكر بيزيد.. لكن ما حاولتش استخدم مازن أبداً..
سكتت قليلاً وهي تنزل يديها لتخبر نيرة بلهجة رقيقة:
ـ مازن ده إنسان جميل قوي.. هو أخد باله إني لوحدي وكده.. فعرض علي نرقص..
لمعت شرارات غضب في عيني نيرة:
ـ وبعدين عملتوا إيه في الفرانده بعد كده؟..
أجابت عليا بنفس اللهجة الرقيقة:
ـ نيرة.. هو مازن يهمك؟.. أقصد..
أشاحت نيرة بيدها وهي تنفي بقوة:
ـ لا طبعاً.. أنتِ بتقولي إيه.. أنا بس مش عاوزة تحصل مشاكل.. خاصة أنه مازن ويزيد أصحاب قوي..
أومأت عليا برأسها بتفهم وشيء بداخلها يخبرها أن الأمر أكبر من هذا.. هي لا تجهل طبيعة نيرة الأنانية.. فهل غضبت نيرة لأن علياء جذبت منها الأنظار؟.. أم لأن عقلها الملتوي صور لها أن علياء تحاول خطف عاشقها المتيم...
************
ـ مازن.. أبعد عن علياء.. ما تدخلهاش في صراع هي ما لهاش فيه..
كانت تلك كلمات يزيد التي وجهها مباشرة إلى مازن فور إن التقى وجهيهما..
أجابه مازن بعجب:
ـ صراع!!.. صراع إيه..
ـ بص.. أنت عايز نيرة تغير.. وتفوق من هوسها بحسن.. بس..
قاطعه مازن بغضب:
ـ يزيد.. أوعى.. شوف أوعى يجي على بالك للحظة واحدة أني ممكن أعمل أي حاجة عشان ألفت انتباه نيرة.. خطيبة أخويا.. فاهم..
أجابه يزيد بقوة:
ـ خطيبة أخوك اللي هو مش عايزها..
ـ حتى لو هو مش عايزها.. لكنها في الأول والآخر شايلة دبلة عليها اسمه.. يعني شايلة اسمه.. ومش أنا اللي أطعن أخويا في ضهره..
ـ أومال ليه الرقصة؟..
أجابه بسخرية:
ـ يمكن عايز حد تاني يفوق!!
صرخ به يزيد:
ـ وبعدين معاك بقى في التلميحات دي؟
وضع مازن يده على كتف يزيد وهو يخبره بهدوء:
ـ يزيد.. فكر كويس قوي قبل ما تتسرع في جوازك لمجرد إنك بتهرب أو بتراضي أي حد على حساب نفسك.. دور شوف يكون في مشاعر جواك ناحية عليا.. البنت بتحبك.. أي أعمى ممكن يشوف مشاعرها في عينيها..
قبل أن يرد يزيد بأي كلمة دخل حسن إلى الشرفة ليجدهما يتهماسان معاً فصاح بهما في غيظ:
ـ أنتوا هنا!!!.. بتعملوا إيه... أنا قاعد لوحدي بقى لي ساعة..
افتعل يزيد ضحكة قصيرة:
ـ يعني الحق علينا اللي بنفضي لك الجو مع نيرة هانم..
دفعه حسن في كتفه بغيظ:
ـ أيوه.. اتريق اتريق.. ما هو أنا بقيت النكتة بتاعتك اليومين دول.. بس اطمن.. نيرة هانم راحت تصلح مكياجها..
ضحك يزيد وهو يخبره:
ـ أيوه.. وريناد كمان.. نفسي أعرف مين اللي كسره لهم..
ضرب حسن كفه بجبهته وهو يتصنع الخوف:
ـ ريناد مع نيرة في مكان واحد.. لازم نستعين بقوات مكافحة الشغب..
ضحك الرجال الثلاثة معاً.. وهم يتبادلون المزاح قليلاً ثم تحول حوارهم إلى العمل وأحوال السوق وما إلى ذلك.. حتى نظر يزيد إلى ساعته واستأذن من صديقيه لليذهب بحثاً عن ريناد.. فأخبره حسن:
ـ أنا اتفقت مع نيرة أننا نوصل عليا..
فأشار له يزيد بابهامه علامة الموافقة.. ثم ذهب بحثاً عن خطيبته بينما التفت مازن إلى حسن:
ـ عم نصر وافق على العرض..
تنهد حست بارتياح:
ـ بجد يا مازن.. الحمد لله.. كده ابقى ارتحت من ناحية عم نصر.. وبعدته عن أذى بابا.. على الأقل مش هيكون مهدد بقطع عيشه..
ـ بس أنت عارف بابا.. وأنت فاكر باقي تهديداته.
أومأ حسن موافقاً:
ـ ايوه فاكر.. والحل الوحيد إني أتجوز منى بسرعة.. أنا كنت ناوي استناها أما تخلص الكلية السنة دي.. لكن كل ما اتحركت أسرع كل ما كان أفضل.. لأن بأي حال من الأحوال بابا مش هيقدر ينفذ تهديده وهي مراتي.. هيخاف على اسمه..
ـ تفتكر يا حسن؟
ـ أيوه.. هو أهم حاجة عنده الاسم والسمعة.. لكن ده مش معناه أنه هيسكت.. أكيد هيقلب الدنيا.. بس خلي كل شيء لوقته.. أنا ماشي خطوة بخطوة.. وعندي ثقة كبيرة في ربنا إنه يساعدني..
ربت مازن على كتفه:
ـ ربنا معاك يا حسن..
****************
دلف يزيد إلى غرفته وأغلق الباب خلفه وهو يزفر بحنق.. لا يدري ماذا أصابه.. ولا يستطيع وصف مشاعره.. إنه غاضب..
كلا.. بل أنه محبط..
كلا.. كلا..
إنه غاضب لأنه محبط..
بل غاضب لأنه غير قادر على إيجاد سبب وجيه لإحباطه ذاك..
وذلك يشعره باختناق شديد..
خلع سترته بغضب واتبعها بربطة عنقه.. وفتح عدة أزرار من قميصه ولكن شعوره بالاختناق لم يقل.. فاتجه نحو النافذة ليفتحها على مصرعيها ويأخذ نفس عميق.. ليطلقه بعد ذلك بزفير ساخن.. يحمل سخونة قبلاته لريناد منذ قليل..
ابتسم ابتسامة بلا معنى وهو يتذكر إيصاله لريناد إلى منزلها منذ قليل..
لقد توقف بالسيارة أمام الباب الداخلي للفيلا.. وأوقف السيارة ليسمعها تلقي عليه تحيتها المعتادة.. وانتظر خروجها من السيارة ولكنها ظلت جالسة بجواره ترمقه بنظرات طويلة.. ثم سألته أخيراً:
ـ مالك يا يزيد؟؟ أنت زعلان مني؟.
هز رأسه نفياً:
ـ لا طبعاً.. هزعل ليه؟..
ـ عشان موضوع تأجيل جوازنا.. وعشان تغييري المستمر في ديكور البيت.. والله أنا نفسي أكون معاك.. بس مش بقدر أسيطر على إحساسي أنه كل حاجة لازم تكون مثالية زي ما تخيلتها بالظبط.. أرجوك يا يزيد.. حاول تفهمني..
أطرق يزيد برأسه ولم يجب عليها.. إنه مدرك لذلك الهوس الشديد الذي تعاني منه حول فكرة المثالية والكمال في كل شيء.. ولكنه بحاجة إليها.. يريدها إلى جواره.. يحتاج حبها أن ينزع من تفكيره أي خيال عن فراشة الحفل.. نعم.. لقد سمع اللقب الذي أطلقه عليها جمهور الحفل الليلة.. كم يناسبها لقب الفراشة.. فهي ناعمة رقيقة.. سريعة العطب مثل الفراشة بالضبط..
سمع ريناد تناديه بدلال:
ـ يزيد.. زيزو.. رد علي..
التفت لها ليجيبها برقة:
ـ أيوه.. يا ريناد.. أنا فاهم كويس ومقدر والله.. بس عايزك جنبي..
شعر بأصابع ريناد الرفيعة وهي تتلمس كم بذلته وهي تهمس له:
ـ طيب ما أنا كمان عايزاك جنبي..
التفت لها وفوجئ بنظراتها المغوية والتي يلمحها في عينيها للمرة الأولى.. وأناملها التي مازالت تداعب ذراعه بإلحاح.. فما كان منه إلا أن أحنى رأسه ببطء ليقترب من شفتيها وهو يتوقع تهربها منه كالعادة.. ولكنها وعلى الغير المتوقع رحبت بقبلته, بل وبادلته إياها.. قبلة استمرت واستمرت.. بل إنها رفعت ذراعيها لتطوق عنقه وكأنها شعرت أن أفكاره جمحت بعيداً.. بعيداً عنها, فأرادت تطويقه بشبكة جاذبيتها وحبها الذي يستجديه منها في كل مرة وهي تقابله بالدلال والتغليّ..
خبط يزيد إطار النافذة بغيظ.. أخيراً.. نال قبلة من حبيبته المتمردة.. لابد أن يكون في أقصى درجات السعادة والنشوى.. فلماذا يشعر بهذا الإحباط.. هذا الخواء الشديد بداخله.. وكأنه لم يحلم بتلك القبلة لسنوات.. فلماذا هذا الإحساس المقيت بداخله الذي يطالب بالاكتفاء.. لماذا تركته ريناد كالعطشان الذي أطفأ ظمأه بماء البحر.. لم يرتوي بل ازداد ظمأً.. فلا هو ارتوى.. ولا ظل على عطشه القديم.. بل أدرك أن ماء البحر لن يطفأ ظمأه أبداً..
ازداد إحساسه بالاختناق فخلع قميصه ليرميه بعيداً.. ودخل إلى الحمام حيث ألقى برأسه تحت الماء البارد حتى يهدأ من فوران أفكاره..
شعرت عليا بارتجاف كل خلية بجسدها.. دقات قلبها تدوي كطبول الحرب.. أنفاسها تتسارع وكأنها تعدو هاربة من خطر داهم.. وأخذت تلوم نفسها وتعنفها ألف مرة على تهورها الخطر فهي لا تعلم ماذا دهاها لتستمع لنصيحة نيرة...
"اضربي الحديد وهو سخن.. ده عينه كانت هتطلع عليكِ الليلة"
ونفذت علياء النصيحة بحذافيرها فلم تخلع ثوبها بعد عودتها من الحفل وظلت ساهرة بانتظار عودة يزيد بعدما قام بايصال ريناد.. وتوجهت إلى غرفته وطرقت الباب بخفة ثم فتحته ودخلت بسرعة قبل أن يلمحها أي من سكان المنزل...
خرج يزيد من الحمام ليفاجئ بعلياء في غرفته فهتف بها في غضب:
ـ أنتِ بتعملي ايه هنا؟..
ما أن لمحته علياء عاري الصدر حتى هربت منها الكلمات.. ولم تعرف أين تذهب بنظرها أو ماذا تخبره.. فبدأت تتلعثم بكلماتها:
ـ أنا.. أنا.. أصل...
جذبها من مرفقها بقوة وهو يصيح بها:
ـ أصل إيه وفصل إيه!!.. إيه اللي جايبك أوضتي في الوقت المتأخر دا يا علياء؟
رفعت قبضتها تضغطها بين أسنانها وهي تحاول التحكم في رجفتها.. واسترجاع كلمات نيرة بأن تحاول استمالته والاقتراب منه, بل وملامسته إن أمكن..
حاولت تحريك يدها لتضعها على صدره لكنها تذكرت عريه فشهقت بقوة.. وأدركت أنها أضعف من أن تبدأ بالمحاولة فلم تستطع سوى التفوه ببضعة كلمات تافهة:
ـ أنت.. أنت ما قولتليش رأيك إيه في فستاني؟
ترك مرفقها وهو يزفر بغضب ويصيح بها:
ـ أنتِ بتهزري!!.. جاية أوضتي وش الفجر عشان تسأليني على فستانك؟.. أنتِ ناوية على إيه؟.. مش كفاية عرض الليلة مع مازن!!
سألته بتردد:
ـ أنت شوفت الرقصة؟.. عجبتك؟..
أمسكها من ذراعيها وهو يهزها بشدة:
ـ عايزة إيه يا علياء؟.. أنتِ هنا ليه؟..
استمر في هزها بقوة مما دفع الدموع للتقافز من بين أجفانها فبدأت تفتحها وتغلقها بسرعة.. وارتعشت شفتيها بشدة فعضت عليها بخوف..
تسارعت وتيرة أنفاسها فازداد ارتفاع وانخفاض صدرها... وتناثر شعرها على كتفيها ووجها وصدرها.. شهقت بعنف تحاول التقاط أنفاسها.. ولكن يزيد استمر في هزه لها وكأنه يريد التنفيس عن غضبه وإحباطه..
رفرفت برموشها محاولة إبعاد خصلاتها من على عينيها لتفاجئ بعينيه تبرقان بنظرات أرعبتها.. وهو يتأمل مظهرها وقد تناثر شعرها وبرقت عيناها بفعل ترقرق الدموع بهما واحمرار وجهها نتيجة هزه الشديد لها وارتجاف شفتيها الورديتين..
أرعبتها نظراته ولعنت نفسها لاستسلامها لخطط نيرة.. فهمست بخوف:
ـ يزيد..
كان صوتها هو القشة التي حطمت مقاومته فهبط برأسه سريعاً متناولاً شفتيها في قبلة قاسية متملكة وكأنه بالفعل ينفس عن إحباطه الذي تبخر في ثوانٍ.. وكأنه لم يكن.. ولكن غضبه اشتد من إدراكه لذلك فازدادت شراسة قبلته.. حتى شعر بملوحة دموعها بين شفتيه.. فدفعها بقوة بعيداً عن جسده الذي شعر به يكاد يحترق توقاً إليها.. وصرخ بها بعنف:
ـ اطلعي بره الأوضة دي دلوقتِ.. واستنيني في العربية.. أنت هتروحي المزرعة الليلة.. مش ممكن تنامي هنا الليلة.. مش ممكن..
نظرت له في ذهول وقد سقط أحد كتفي ثوبها فأظهر بشرتها اللامعة.. وتجمدت الدموع في عينيها وهي تضع أناملها على شفتيها المكدومة بفعل قبلته الشرسة..
صرخ بها ثانية وقد تمزق قلبه من مظهرها وصرخ به ضميره مؤنباً بينما جسده يصرخ مطالباً إياه بمعاودة تقبيلها:
ـ اخرجي دلوقتِ يا علياء...
انطلقت تعدو حتى وصلت إلى سيارته.. وهناك انطلقت دموعها ولم تتوقف حتى بعد أن أوصلها للمزرعة وانتظر حتى دخلت إلى منزل جده..
ليترك العنان لغضبه فأخذ يلكم مقود السيارة بجنون وهو يلعن نفسه ألف مرة لاستسلامه المخزي لأهوائه وغريزته البدائية.. فسبب الرعب لفتاة صغيرة..
لا ذنب لها..
"كيف لا ذنب لها؟"..
همس له شيطانه.. "إنها أتت بحثاً عن وصالك.. عن قبلاتك.. تستحق تماماً ما نالته"..
صرخ به ضميره..
"كلا.. هي مازالت طفلة ساذجة.. لقد أتت إليك لأنها تثق بك فحسب"..
"طفلة!!.. من ذابت بين ذراعيك ومنحتك تلك المتعة.. طفلة!!.. من شفت غليلك وروت ظمأك وأشعلت نيرانك.. طفلة!!.. ألا تريد الصعود إليها الآن وإكمال ما بدأته؟.. وخمن ماذا!!.. هي لن تمانع"..
ذلك ما همس به شيطانه..
صرخت أعماقه بعنف الصراع الدائر بها ليلقي برأسه فوق مقود السيارة..
"ريناد.. ليتك تنقذيني قبل فوات الأوان"...
*************
ألقت علياء بنفسها في أحد أركان غرفتها بعدما أوصدت بابها.. جمعت ثوبها حولها واحتضنت نفسها بقوة تاركة دموعها التي لم تتوقف منذ تركت الفيلا مع يزيد.. رفعت أناملها بضعف لتلمس شفتيها التي لا تزال متورمة بفعل تلك القبلة الشرسة التي انتهك بها يزيد براءة شفتيها..
"لقد سعيتِ لذلك.. ماذا كنتِ تنتظرين من ذهابك إلى غرفته؟.. هل كان سيربت على كتفك ويقص عليكِ حكاية ما قبل النوم!!"
صرخ بها عقلها..
"لم أكن أنتظر أن يكون بهذه القسوة.. لم أتخيل أن تكون قبلتي الأولى منه بتلك الشراسة.. ولكنني لست غاضبة منه.. فهو لم يقصد أذيتي.. بالتأكيد لم يقصد"
كان ذلك رد قلبها المهزوم بعشقه..
"أنتِ حمقاء.. ستجعلين من مشاعرك ممسحة لقدميه.. وجسدك متنفس لغضبه"
صرخ عقلها ثانية..
هزت رأسها برفض بينما يؤيدها قلبها الأحمق
"هو لم يقصد أذيتي.. لم يقصد أذيتي"..
*************
دلفت نيرة إلى المكتب الخاص بسكرتيرة حسن ورمقتها بنظرة متعالية.. ثم توجهت سريعاً نحو مكتب حسن بدون أن تتكبد عناء إلقاء التحية على سكرتيرته التي تحركت مسرعة محاولة منعها من الدخول على حسن:
ـ آنسة نيرة.. آسفة.. بس لازم أدي للبشمهندس حسن خبر الأول..
رمقتها نيرة بنظرة صاعقة:
ـ أفندم... أنتِ بتقولي إيه!!.. أنتِ عارفة أنا مين؟..
ـ أيوه والله عارفة بس دي الأوامر..
أبعدتها نيرة باستعلاء:
ـ الأوامر دي ما تمشيش عليَّ..
وفتحت الباب لتدخل على حسن الذي رفع رأسه على الفور وضاقت عينيه وهو يتأمل بلوزتها ذات فتحة الصدر الدائرية والتي كانت شفافة تماماً حتى أنه رأى حمالة صدرها بوضوح تام.. كانت ترتدي معها تنورة لم يكد طولها يصل لمنتصف فخذها مظهراً طول وجمال ساقيها الممشوقتين..
راقبها تتقدم نحوه حتى وصلت إلى مكتبه والتفت حوله لتقف أمام المقعد الذي يجلس عليه وتميل على وجهه لتقبله فحرك وجهه مانحاً إياها وجنته.. ليمنعها من تلقي القبلة التي تتوق إليها.. رفعت نفسها على مكتبه للتتكأ عليه بصورة جانبية مانحة حسن صورة في غاية الاغراء لجسدها المحني عليه وهي تهمس له وتداعب وجنته بأناملها الناعمة:
ـ إيه رأيك في المفاجأة دي؟..
تحرك حسن بعدم ارتياح في مقعده وحاول النهوض منه إلا أنها انزلقت من فوق المكتب لتحتك به تماماً في نفس اللحظة التي تمكن بها من النهوض..
ارتبك حسن قليلاً وحاول أن يبعدها عنه إلا أنها اقتربت لتطوق عنقه بذراعيها وهي تهمس له:
ـ وحشتني.. وحشتني قوي..
فك تشابك ذراعيها من حول عنقه وهو يجيبها برسمية:
ـ شكراً!..
ضربت نيرة الأرض بقدمها حنقاً وهي تتصنع الألم ولكن كان غضبها حقيقي:
ـ وبعدين بقى يا حسن في طريقتك دي..
أجاب بهدوء مستفز:
ـ وبعدين إيه يا نيرة.. إحنا في مكان شغل ما ينفعش فيه الحركات دي.. وبعدين إحنا مع بعض كل يوم.. مش معقول يعني لحقت أوحشك..
ـ هو أنت هتعد علي الساعات اللي بنقضيها سوا!!.. مش هو ده المفروض.. إننا نقرب من بعض أكتر..
مسح حسن وجهه بكفيه في تعب.. فهو مجهد.. مستنفذ.. عاطفياً وبدنياً فمنذ أسبوع كامل بالتحديد منذ ليلة الحفل ونيرة تصر على التواجد أمامه في كل وقت وكل لحظة.. وهو يحاول مجاراتها.. على قدر ما يستطيع.. ولكنه أوشك بالفعل على الانفجار غضباً وغيظاً.. خاصة إن منى تكتفي برسائلها المسائية فقط.. ولا تجيب على أي من مكالماته.. لقد اتصل بها فوق الألف مرة في هذا الأسبوع.. وهي مازالت متمسكة بصمودها ومبدأها.. ما يعزيه قليلاً أن عم نصر ترك العمل مع والده بالفعل وبدأ بالعمل على السيارة الأجرة التي ابتاعها من أجله..
رن جرس الهاتف الخاص بحسن بنغمة تمنى لو يسمعها منذ أسبوع كامل.. فالتفت بلهفة- لم تفت على نيرة- ليلتقط الهاتف بسرعة.. وهو يتأمله بفرحة ويخبر نيرة بعجلة:
ـ آسف يا نيرة.. تليفون مهم.. لازم أرد عليه..
رفعت حاجباً واحداً وهي ترد باستفزاز وقد أدركت هوية المتصل:
ـ ما ترد.. هو أنا منعتك؟!!
ارتبك قليلاً:
ـ أصل.. ده عميل مهم.. والشغل اللي بينا سري..
لوت شفتيها بسخرية بالغة:
ـ عميل!!.. والعميل بتخصص له نغمة "حبيبي يا عاشق"!!..
ـ قصدك إيه يا نيرة؟
ـ قصدي معروف.. وقصدك أنت كمان.. بس أنا مش هسكت.. ومش هستسلم.. باي يا خطيبي يا حبيبي..


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-01-18, 12:05 PM   #9

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السادس


وقف عامر أمام نافذة مكتبه وهو يستعيد الحوار الذي دار بينه وبين صبا منذ عدة أيام..
ابتسم بحزن وهو يتذكر همسها بأن فريدة سألتها عنه..
فريدة.. هل ما زالت تتذكره؟.. هل تحن إليه كما يحترق شوقاً إليها؟..
هل من الممكن أن تسامحه في يوم من الأيام؟!!..
لقد هدم كل ما بينهما في لحظة حماقة.. وفشل في اختبار تمسكه بها.. استمعت أذناه لكلمات انطلقت من بين شفتيها وغفل قلبه عن صراخ روحها اليائس..
ابتسم ساخراً من نفسه.. كيف من الممكن أن تسامحه بينما هو غير قادر على مسامحة ذاته؟؟!!...
تحرك متوجهاً نحو أحد الأدراج ليخرج منه صورة حديثة لسيدة في منتصف الثلاثينات من عمرها.. كانت عينيها الفضية ترمق الفضاء بنظرات غامضة بينما أحاط شعرها الداكن الشقرة بوجهها وأراحت إحدى وجنتيها على يدها وهي تبتسم ابتسامة غامضة وحزينة.. وكأنها تدرك أن صغيرتها ستمنحه تلك الصورة لتكون زاده في سنين بعده عنها..
تلمست أنامله ابتسامتها الحزينة وهو يتذكر لقاءه الأول بها..
كان ذلك منذ أكثر من خمسة عشر عاماً.. وكانوا قد بدأوا بتنفيذ فكرة حاتم العبقرية بتولي أعمال الديكورات للمجمعات السكنية التي تتولى شركتهما بنائها.. فتعاقدوا مع مكتب لأعمال الديكورات لتلك المهمة وهو المكتب الذي كانت تعمل به فريدة..
كان هو مايزال يتخبط جراء فقده لزوجته وحبيبة عمره ورفيقة دربه منذ شهور قليلة فقط.. كان تقريباً يعيش على هامش الحياة معتزلاً الجميع وذاهلاً عن كل ما حوله.. فحاول حاتم معه بقوة ليخرج من تلك الحالة فقد مرت شهور وهو لا يزال يعيش في صومعة أحزانه.. فما كان من حاتم صاحب التفكير العملي إلا أن أجبره على تولي تصميم المجمع السكني الجديد الذي تعاقدوا على انشائه مؤخراً, وكذلك الإشراف على أعمال مكتب الديكورات حتى يتم تسليم الوحدات جاهزة تماماً..
في أحد الأيام ذهب لتفقد تقدم العمل بأحد الفيلات ليفاجئ بتلك الفتاة ضئيلة الجسم, قصيرة القامة وقد جمعت كتلة من الشعر الشقر تحت قبعة بيسبول ووضعت فرشاة للرسم بين أسنانها.. بينما أمسكت بأخرى وجلست القرفصاء منهمكة في رسم أشكال غريبة على أحد جدران الفيلا..
ألقى التحية بهدوء لينبهها لوجوده.. فانتفضت بشدة لتقف وتواجهه والفرشاة ما زالت بين أسنانها.. وسألته بعنف:
ـ أنت مين؟.. وبتعمل إيه هنا؟؟!!
نظر إلى مظهرها الصبياني وقال بلهجة متفكهة:
ـ أنا اللي مفروض أسأل السؤال ده.. أنتِ مين وبتعملي إيه هنا؟..
رفعت حاجباً متعجرفاً ومرسوماً بدقة وهي تسأله بسخرية متبادلة:
ـ ليه بقى؟.. سيادتك تبقى مين؟..
أغضبته سخريتها فصاح بغضب:
ـ إحنا هنزر!!.. ردي على السؤال..
رفعت القبعة من فوق رأسها فتناثرت خصلات بلون سنابل القمح, كلا.. بل أغمق قليلاً, خطفت نظراته على الفور فضيق عينيه وهو يتأملها بتقدير مختلف.. فلم تعد ذات هيئة صبيانية متشردة بعد الآن..
لم تخفِ نظراته عنها فابتسمت له بتحد مستفز.. لكنه فوت فرصة الشجار عليها عندما أخبرها بلهجة أقل غضباً:
ـ أنا المهندس عامر.. المهندس اللي صمم المجمع السكني ده..
كان يظن أنه سيبهرها بتلك الجملة إلا أنه فوجئ بهزة لامبالاة من كتفيها.. وهي تخبره بمنتهى الإستفزاز:
ـ تصميم سخيف جداً... على فكرة.. أنا مش فاهمة أنت فخور قوي كده ليه..
كانت تلك الجملة بمثابة شرارة البدء لعلاقة عاصفة استمرت عدة أشهر.. لم يهتما خلالها بفارق العمر فقد كانت فريدة فقط في التاسعة عشر.. بينما هو في بدايات أربعينياته...
كان أحياناً يُخضع جنونها لحبه, فيزدادا اقتراباً.. وأحياناً أخرى تتمرد عليه وتهرب منه ومن عواطفه التي تحكمت به بطريقة لم يظنها ممكنة, فقد كان يظن أنه سيعيش مع ذكرى حبه لزوجته الراحلة ما تبقى له من عمر ليفاجئ بقلبه يدق بقوة عاشقاً لفريدة وجنونها..
شعر وقتها أن لحظة لقاءه بها كانت فاصلة في حياته.. وأن ما عاشه سابقاً كان مجرد لحظات تمهيدية لعشقه لتلك المتمردة فضية العينين..
تزوجها أخيراً بعد معاناة لإقناعها بأنه لن يُحجم من طموحها الفني.. وعاشا معاً عدة شهور في سعادة مطلقة.. تخلت فيها فريدة طواعية عن عملها واكتفت بدراستها في كلية الفنون فقط.. وتناست طموحاتها الفنية من أجل عيون عامر ورغبة منها للتفرغ له, ابتعدا عن الناس والواقع في عالم يضمهما فقط.. حتى كانت العودة المتوقعة للحياة الطبيعية والتي كانت بالطبع تضم ابنته نيرة..
نيرة.. الطفلة الصغيرة ذات السنوات الست والتي ترفض بشدة وجود بديل لأمها.. أو بالأحرى رفضت المرأة التي سرقت منها والدها.. وسلبت لبه..
فتفننت في افتعال المشاكل وإثارة المتاعب.. ونظراً لسن فريدة الصغيرة عجزت عن التعامل مع مشاكل ابنة زوج متمردة وحاقدة بشدة..
وفي وسط تلك المشاكل اختار عامر الهروب.. الهروب من اتخاذ موقف حاسم من ابنته المدللة.. فوجد في ذكرياته مع زوجته الراحلة متنفساً للهرب من حياته المتقلقلة.. فبدأ ينتابه شعور محرق بالذنب تجاه ذكراها.. وتعجب كيف استطاع نسيان حبه لها بتلك السرعة ليرتبط بعلاقة زواج سريعة مع فتاة تصغره سناً بعدد غير قليل من السنوات وغير قادرة على تولي مسئولية أمور بيته وابنته.. وبدأت تظهر المشاكل بينهما وهو يقارن بينها وبين زوجته الراحلة..
وازداد البعد والجفاء خاصة مع إعلان فريدة برغبتها في العودة إلى عملها فهي تشعر بالفراغ معظم الوقت خاصة مع ابتعاد عامر عنها مغموراً بشعوره الأحمق بالذنب.. وفي خضم تلك المشكلات ولدت صبا.. ذلك الملاك فضي العينين بخصلاتها الكستنائية الملتفة.. والتي فتنت والدها وسرقت قلبه وعقله معاً.. فعاد لفريدة معتذراً طالباً لمغفرتها عن تصرفاته الحمقاء نحوها.. وسامحته فريدة مانحة إياه أعمق ما تملك من مشاعر.. وراغبة بفتح صفحة جديدة من حياتها معه, وبالفعل هدأت المشكلات لفترة واضطرت فريدة لتناسي عودتها للعمل حتى تلازم صبا الصغيرة..
لكن وجود صبا لم يمر بسلام على نيرة.. فازداد تمردها وحقدها.. وامتد لتؤذي الصغيرة.. فكانت تصرخ بها حتى تجهش الفتاة ببكاء هيستيري.. أو تضربها أحياناً.. ورغم هذا لم يوجه عامر أي لوم أو عتاب إلى نيرة, بل عاد للابتعاد والهروب وكأنه يعاقب نفسه وقلبه على تناسيه السريع لزوجته الراحلة.. فتعمق إحساسه بالذنب ورفض معاقبة نيرة وكأنه بذلك يعتذر لروح الحبيبة الراحلة عن عشقه الجارف للزوجة الحالية...
وبدأ عامر التنفيس عن إحساسه الوهمي بالذنب على فريدة التي استطاعت إختراق قضبان قلبه فكان يدأب على توجيه اللوم لها وإخبارها أنها أم غير صالحة لأي من ابنتيه..
كانت فريدة تحتمله في صبر معتمدة على رصيد حبه في قلبها.. فكانت طبيعتها العاطفية وصغر سنها تدفعها لمسامحته في كل مرة يهينها أو يغضبها فيها, لكن تفاقم الأمر مرة واحدة عندما ضربت نيرة صبا الصغيرة حتى ظهرت علامات أصابعها واضحة على وجنتي الصغيرة .. كانت تبكي بهيسترية غير طبيعية.. فاضطرت فريدة إلى معاقبة نيرة بالضرب لأول مرة منذ زواجها من عامر... الذي ما أن علم هذا حتى توجه بسلسلة طويلة من الإهانات والصراخ في وجه فريدة مخبراً اياها بقسوة:
ـ أنا اللي غلطان اللي اتجوزت واحدة مهملة ومستهترة زيك.. لو كنتِ أم طبيعية زي أم نيرة الله يرحمها كنتِ عرفتِ تتعاملي مع البنت ومنعتيها أنها تأذي أختها زي ما بتقولي.. لكن أنتِ كل دماغك في الرسم والألوان والعبط ده..
جمدتها الكلمات فأخبرته بهدوء مستفز:
ـ وايه اللي يجبرك أنك تستمر في الغلطة دي؟.. طلقني.. طلقني يا عامر..
أطلق الرصاصة الأخيرة في علاقتهما:
ـ خلاص يا فريدة لو هي مش فارقة معاكي كده.. أنتِ طالق.. طالق..
عاد من ذكرياته على تلك الكلمة.. التي أخرج بها فريدة من حياته مصراً على ابقاء ابنته صبا معه بعدما قررت فريدة الابتعاد عنه للأبد والرحيل الى فرنسا..
أخذ يتلمس الصورة بحنين جارف.. ثم أعادها إلى الدرج مرة أخرى وأغلق عليها..
************
جلست علياء على المقعد الخلفي للسيارة وهي تضع قبضتها بين أسنانها.. تلك العادة المصاحبة لها كلما شعرت بالقلق والحيرة.. وهو ما تشعر به الآن.. فقد أرسل عصام الغمراوي السيارة لها صباحاً لتأتي بها من المزرعة.. ظنت في البداية أنه يريدها أن تتناول معهم الغذاء في الفيلا.. ولكن السائق أخبرها أنهما سيتوجهان إلى مقر مجموعة الغمراوي.. ظل القلق يعصف بها طوال المسافة الى المجموعة.. وانتابتها الحيرة مما يريده عصام منها..
هل أخبره يزيد بما حدث ليلة الحفل؟.. هل لهذا لم يأتِ هو أو يزيد إلى المزرعة طوال الأسبوع ولا حتى لتهنأتها بعيد ميلادها الذي مر منذ يومين ولم يتذكره أحداً سوى نيرة التي ملأت لها غرفتها بزهور القرنفل التي تعشقها علياء.. هل استدعاها اليوم ليخبرها أنه سيرسلها إلى أعمامها؟..
كانت ترتجف من هذا الإعتقاد عندما وصلت إلى مقر المجموعة وهناك التقت بعصام الذي اصطحبها إلى مكتبه..
ـ تعالي .. اقعدي يا عليا.. أخبارك ايه يا بنتي؟.. في أخبار عن نتيجة التنسيق؟..
ابتلعت علياء ريقها براحة وهي تتنهد بداخلها.. فيبدو أن يزيد لم يخبر والده بشيء.. فعصام يتحدث معها بطريقة طبيعية تماماً..
عاد عصام ليحدثها:
ـ إيه يا عليا.. سرحانة في إيه؟.. ولا أنتِ زعلانة مني؟..
نفت علياء بقوة:
ـ لا أبداً يا عمو.. هزعل ليه؟..
توجه عصام إلى أحد أدراج مكتبه وأخرج منه علبتين من المخمل الأزرق.. ثم تحرك نحو علياء ليجلس بجوارها..
ـ يمكن تكوني فاكرة أني نسيت عيد ميلادك..لا والله يا بنتي.. بس مشاغل الشغل بتاخد الواحد..
ـ أنا مقدرة مشاغلك يا عمو.. ومش زعلانة..
قدم إليها إحدى العلبتين:
ـ ماشي يا ستي.. اتفضلي.. دي هدية عيد ميلادك.. ولو أنها متأخرة.. كل سنة وأنتِ طيبة يا عليا.. كبرتِ وبقيتِ عروسة زي القمر.. وخلاص هتدخلي الجامعة.. لو كانت مامتك عايشة..
تهدج صوته قليلاً:
ـ الله يرحمها كانت بتحلم باليوم ده.. وبتتخيلك وأنتِ نازلة الصبح أول يوم.. وراجعة لها تحكي لها عن تجربتك في أول يوم ليكي في الكلية.. الله يرحمها.. أكيد هي حاسة بيكي دلوقتِ.. و...
لم يستطع عصام إكمال كلماته فقد خنقته غصة شديدة وهو يتذكر نادية الرقيقة الناعمة.. والتي رغم كل ما يقال عن ظروف زواجه بها من كونها أزمة منتصف العمر إلا أن الحقيقة أنها هي من أنقذته من تلك الأزمة..
تأمل تساقط الدموع على وجنتيّ علياء ومسارعتها لتمسحها..
فربت على كتفها وهو يحاول التحكم في أحزانه:
ـ هاه.. إحنا هنقلبها نكد ولا إيه.. يلا افتحي العلبة كده وقولي لي رأيك..
أومأت علياء بصمت وهي تمسح باقي دموعها وتفتح العلبة المخملية ليطالعها سوار غاية في الرقة.. كان يتكون من حلقات متداخلة من البلاتين والذي تزينه فصوص ماسية صغيرة..
شهقت عليا بقوة وهي تهتف:
ـ ده جميل قوي.. متشكرة قوي قوي يا عمو..
ابتسم بسعادة وهو يثبت لها السوار بمعصمها:
ـ العفو يا حبيبة عمو.. شوفتِ إزاي أني ما نسيتكيش.. ولا حتى يزيد..
همست عليا بخفوت:
ـ يزيد!!
ـ أيوه.. اتفضلي دي كمان يا ستي.. دي هدية من يزيد.. أنا كان المفروض أعدي على المزرعة يوم عيد ميلادك فأعطاني العلبة أوصلها لكِ.. بس ظروف الشغل عطلتني زي ما قلت لك..
أخذت منه علياء العلبة الأخرى وهي تتحرق من داخلها لترى هدية يزيد, ولكنها في نفس الوقت كانت تريد رؤيتها بمفردها بدون مراقبة عصام لها.. وكأن القدر استجاب لدعواتها.. فانطلق رنين هاتف المكتب ليتحرك عصام استجابة له..
وأخذ يتبادل مع محدثه حوار خاص بالعمل... بينما أنامل علياء تداعب العلبة بشعور متناقض بين توق لفتحها, وخوف من أن تصدمها الهدية بداخلها, فهو لم يعطها لها بنفسه بل أرسلها مع والده وكأنه يريد أن يخبرها أنه لا يرغب في رؤيتها ثانية..
التفت على صوت عصام وهو يستأذنها:
ـ عليا حبيبتي.. استأذنك.. خمس دقايق بس هروح أخلص المشكلة دي وهرجع على طول.. استنيني ما تمشيش.. أنا لسه عايزك في موضوع ضروري..
أومأت عليا برأسها وهي تسمع باب غرقة المكتب يغلق خلف عصام..
ظلت أناملها تداعب العلبة التي تحتوي على هدية يزيد لعدة دقائق.. ودقات قلبها تعلو.. خوفاً وتوقعاً.. ثم فتحتها بتردد لتجد سلسلة رفيعة من الذهب الأبيض وقد تدلت منها حبة من الماس لتشكل دَمعة صغيرة..
مدت يدها لتتلمس تلك الدَمعة وكأنها تسألها..
"لماذا اخترت إهداء الدموع لي؟.. هل هي مصادفة أم أنك تعمدتها يا يزيد؟"..
عادت تتلمسها برقة متناهية.. ثم لم تستطع مقاومة فضولها.. فنهضت متوجهة نحو زجاج النافذة.. لترتدي السلسلة وتتأمل صورتها المنعكسة على الزجاج اللامع ولم تنتبه إلى دخول يزيد للغرفة ووقوفه واجماً يتأمل بدوره هديته تزين جيدها.. والدمعة الماسية تبرق وقد توسدت تلك الفجوة الرقيقة بين عظام ترقوتيها.. كما تخيلها تماماً وهو يختار لها هدية مولدها التي أعطاها لوالده حتى يوصلها إليها.. فبعد ما حدث في غرفته ليلة الحفل أصبح لا يضمن نفسه وحيداً معها..
أخذت عيناه تتابعها وهي تتلمس دمعته الماسية برقة.. لم يدرِ لم تصور أنها تهمس لها بشيء ما.. شيء أراد سماعه بشدة..
استمر في متابعة أناملها وهي تتحرك بخفة فوق السلسلة وشعر بعقله يشتعل بأفكار لم يرد أن يستمع لها, بل وجمحت به خيالاته الطائشة وهو يتصور شفتيه هي التي تتحرك على طول السلسلة حتى يصل إلى تلك الدمعة المتلألئة فيتذوقها وقد استمدت الدفء والعطر الخاص بفراشته الصغيرة.. عندما وصل به جموح أفكاره لتلك النقطة, آثر السلامة وقرر الابتعاد عنها ومغادرة الغرفة ولكن علياء التفتت في تلك اللحظة ولمحته وهو يمسك بمقبض الباب فهتفت بعجب:
ـ يزيد!!.. أنت هنا من امتى؟..
التفت إليها على مضض وهو يحاول إبعاد أي أفكار مجنونة تدور برأسه, ولكن يبدو أنه لم ينجح بذلك فما أن التقت عيناهما حتى وجدها ترفع أناملها بلا وعي لتغطي شفتيها وكأنها تحميها منه.. فأخفض بصره على الفور وحياها بهدوء:
ـ إزيك يا علياء.. أنتِ عاملة إيه؟..
تجمدت الكلمات على شفتي علياء.. فبعد أن مرت لحظات المفاجأة الأولى لوجوده معها بالغرفة.. ولمحت تلك النظرات المشتعلة بعينيه وجدت نفسها تتذكر قبلتهما الوحيدة وتلقائيا ارتفعت يدها إلى شفتيها بدون أي تفكير, ثم ما لبثت أن لعنت نفسها لحركتها تلك فلابد أنه سيظن أنها تريد منه تكرار تلك القبلة وخاصة بعدما وجدته يخفض بصره أرضاً هرباً من مواجهتها.. فحركت أناملها من شفتيها إلى الدمعة الماسية المعلقة بجيدها كأنها تذكره بهدية عيد ميلادها.. فبادرها مهنئاً:
ـ صحيح.. كل سنة وأنتِ طيبة يا علياء.. بابا وصل لكِ الهدية؟..
أومأت موافقة بدون أن تفتح شفتيها بكلمة.. فعاد يسألها محاولاً تبادل حوار طبيعي معها كأنه يسعى لمحو أي ذكرى تمر بعقلها بما قام به من قبل..
ـ إيه بقى لكِ مدة مختفية.. أنتِ ما بتروحيش النادي ولا إيه؟..
رفعت علياء عينيها إليه ولمعت زرقة عينيها بتساؤل حائر.. ولكنها أجابت بهدوء:
ـ أنا بروح النادي مع نيرة بس.. وهي كانت مشغولة الأسبوع ده مع حسن.. يا دوب بس جت زارتني يوم عيد ميلادي..
سكت يزيد قليلاً وهو يفكر إذا ما كان عليه مواجهة الأمر والإعتذار منها عما حدث ليلة الحفل.. لكن صوتها سبقه ليسمعها تخبره برقة:
ـ عمو قالي أنكوا انشغلتوا جامد عشان كده ما قدرتوش تيجوا يوم عيد ميلادي.. والله بجد أنا مش زعلانة.. ومتشكرة قوي على الهدية الرقيقة.. كفاية أنكوا افتكرتوني..
اندفعت فجأة الكلمات إلى شفتيه فهو لم يتحمل شعورها بالامتنان في حين أنها يجب أن تصرخ به معاتبة:
ـ بصي يا علياء.. أنا آسف قوي.. آسف على كل حاجة..
هزت علياء رأسها بحيرة:
ـ بتعتذر ليه يا يزيد؟.. أنا..
قاطعها:
ـ أنتِ أختي الصغيرة يا علياء.. وأنا غلطت في حقك غلط جامد ليلة الحفلة.. عشان كده ما اقدرتش آجي وأواجهك يوم عيد ميلادك.. أنا آسف مرة تانية ويا ريت تسامحيني..
حاولت علياء حبس دموعها التي هددت بالإنهمار وهي تسمعه يصفها بأنها مجرد أخت صغيرة له.. لم تعرف بم تجبه وهو يهدم كل أحلامها ويغتال مشاعرها نحوه بتلك الكلمات البسيطة.. بينما هو لعن في نفسه مازن وتلميحاته المستمرة.. وتلك الرقصة اللعينة.. التي أشعلت بركان كان يظن أنه نائم, بل ميت.. ولكنه يشعر به الآن يرسل حمماً مشتعلة تكاد تقضي على راحة باله للأبد..
عاد يلمح دموعها الحبيسة وتعمد إساءة فهم السبب وراءها.. فهو يريد إغلاق فوهة ذلك البركان بداخله.. فغمغم محاولاً إقناع نفسه قبلها:
ـ خلاص يا علياء.. هنرجع أصحاب وأخوات زي الأول؟؟
أومأت علياء في صمت, فهي تعلم أنها لو فتحت شفتيها فستشهق ببكاء لا ينقطع..
اقترب منها ليطبع قبلة أخوية على وجنتها كعربون للصلح..
لم يدرِ ماذا حدث بعد ذلك.. ففي لحظة كانت شفتاه على وجنتها.. ولكنه شعر بيدها على صدره.. لم يعلم إذا كانت تدفعه أو تداعبه.. كل ما يعلمه أنه في اللحظة التالية كان يضع خيالاته حيز التنفيذ متذوقاً دمعته الماسية وقد تشبعت بعبق فراشته الصغيرة..
***********
لم يهتم حسن للحظة بخروج نيرة الدرامي من مكتبه.. كل ما كان يعنيه في تلك اللحظة هو سماع صوت منى..
فتح الخط على الفور وهو يهتف:
ـ منى.. أخيراً يا حبيبتي..
جاءه صوتها متلعثماً بخجل أذاب قلبه:
ـ وبعدين يا حسن!!.. مش قلنا بلاش مكالمات..
سألها بعتاب:
ـ وقدرتِ يا منى؟.. ما كونتش أعرف أنك قاسية كده!
ـ مش قسوة يا حسن.. بس..
ـ بس إيه؟..
ـ خوف يا حسن.. خوف..
ـ يبقى أنا ما أستحقش أعيش يا منى لو سيبتك تشعري بالخوف ده
هتفت بسرعة:
ـ بعد الشر عليك..
سألها بشقاوة:
ـ خايفة عليّ؟..
تهدج صوتها:
ـ طبعاً.. خايفة عليك.. خايفة عليك من كل حاجة.. حسن.. أنا خايفة أني أعذبك وآلمك أكتر لو...
قاطعها:
ـ العذاب الحقيقي هو أني ما اسمعش صوتك يا حبيبتي.. أنا كنت محتاجك قوي.. قوي.. يا منى الفترة اللي فاتت.. كنت هتجنن وأشوفك أو حتى أسمع صوتك..
أجابته وقد تلون صوتها قليلاً بغيرة محببة:
ـ ليه يا حسن؟.. كنت محتاج لوجودي ليه؟.. أنت خايف أنك تضعف قدام جمال نيرة؟.. بدأت تحبها؟..
سألها وقد عادت الشقاوة لصوته:
ـ بتغيري عليّ يا عمري؟..
هتفت بسرعة تحاول نفي شعورها بالغيرة:
ـ لا أبداً.. أنا..
قاطعها بسعادة:
ـ أنتِ بتغيري.. وأنا هطير من السعادة.. بس عايز أقولك أنك مش محتاجة تغيري من أي واحدة في الدنيا.. لأن قلبي ما دخلتوش غير واحدة بس... دخلته وقفلت وراها والمفتاح معاها هي بس..
سكت قليلاً وهو يستمتع بأنفاسها المضطربة نتيجة كلماته المغازلة:
ـ عارفة دي تبقى مين؟.. تبقى حبيبة عمري كله.. وحلم عمري اللي قربت أحققه..
سألت منى وقد غمرها الأمل رغماً عنها:
ـ بجد يا حسن؟..
أجابها بثقة:
ـ بجد يا منى.. الحمد لله أن عمي نصر وافق على مشاركة صاحب مازن..
أجابته منى بتردد:
ـ أنا صحيح شجعت بابا على أنه يدخل في الشراكة دي.. بس برضوه مستغربة منها حبتين
سألها بتوتر:
ـ ليه يا منى؟..
ـ يعني.. العرض كان وقته مريب خاصة بعد ما قلت لي آخر مرة.. أنك بتفكر تبعد بابا عن والدك.. و..
قاطعها حسن سريعاً وقد خشي أن تصل بذكائها لحقيقة الأمر وهي أنه هو الصديق الغامض لمازن:
ـ يا منى.. العرض مش مريب ولا حاجة.. أنا لما سمعت من مازن عن صاحبه ده.. الفكرة ظهرت في دماغي.. والحمد لله.. عمي نصر وافق على العرض.. المهم بقى أنتِ عند وعدك؟..
ـ أكيد طبعاً.. بس وعد ايه؟..
ـ أنك هتكوني جنبي بكل قوتك.. لو اتقدمت لوالدك..
قاطعته:
ـ بس تكون حر يا حسن.. أنا مش هدخل في النص بينك وبين نيرة..
هتف بها بغضب:
ـ أولاً ما فيش حاجة اسمها بيني وبين نيرة.. ثانياً.. عايز أسمع منك يا منى أنك معايا.. حتى لو طلبت منك أننا نتجوز قبل ما تخلصي كليتك..
قاطعته:
ـ بس يكون بابا عارف وموافق..
ـ ده شيء مفروغ منه زي ما قلت لك قبل كده.. عايز وعد يا منى..
همست:
ـ أوعدك يا حسن.. أوعدك أني مش هكون غير لك.. أنت بس.. أنت بس يا حسن..
ـ هيحصل يا منى.. قريب قوي يا حبيبتي..
أرادت أن تسأله كيف سيتخلص من خطوبته من نيرة ولكنها جبنت.. هو لم يخبرها في آخر لقاء لهما إلا عن فكرته في إبعاد والدها عن براثن والده.. وهو ما تحقق بالفعل.. لكن كيفية تخلصه من الإلتزام بالزواج من نيرة لم يصرح لها عن كيفية تحقيقه.. وما لا تعرفه هو أنه يحاول جاهداً إبراز وجوه الاختلاف بينه وبين نيرة.. وإظهار وجه ممل وسخيف له في التعامل معها علها تيأس من إيقاعه في شباكها أو تقرر أخيراً أنه لا يستحق عبء مطاردتها له..
عادت تسمع صوته وهو يسألها بأمل:
ـ هشوفك إمتى؟..
ردت بحزن:
ـ مش هينفع يا حسن.. أرجوك احترم رغبتي.. أنا آسفة.. فترة راحتي انتهت ومضطرة أقول لك مع السلامة... لا إله إلا الله..
أجابها بهمس حزين:
ـ محمد رسول الله..
أغلق الخط.. وهو يفكر في خطوة قوية ليبعد بها نيرة عن كاهله.. ويجعلها هي من تطلب فك الارتباط.. لقد كان يعتمد على الصبر حتى تتبين هي بنفسها استحالة استمرار ارتباطهما.. ولكن صبره نفذ سريعاً خاصة وهي تحبط محاولته واحدة تلو الأخرى للابتعاد عنه, فكبريائها وغرورها يمنعاها من التسليم بأن حسن لن يسقط في شباكها..
كبريائها وغرورها!!..
ترددت الكلمتان في ذهنه وعقله يرسم له خطة على قدر بساطتها فهي ستكون شديدة الفاعلية.. وكلها تعتمد على كبريائها وغرورها...
ولم يدرك أن نيرة بنفسها هي من ستمنحه قريباً السكين ليقطع أي خيط يربط بينهما...
***************
لم تعلم علياء ما الذي حدث لها.. ففي لحظة شعرت بيزيد يمنحها قبلة أخوية بسيطة.. ولكن روحها وقلبها وكيانها بأكمله تمردوا على تلك الصلة الأخوية التي يفرضها عليها.. فوجدت أناملها تمتد بلا إرادة منها لتداعب زر قميصه الأعلى والقريب من بشرة صدره العارية فشعرت باتصال سريع لم يتعدَ ثوانٍ مع بشرته الساخنة.. ولكن ما لم تحسب له حساب هو رد فعله الفوري على هذا الاتصال والذي تمثل في ضمه لها بقوة حيث لف إحدى ذراعيه حول خصرها.. ورفع الأخرى ليثبت رأسها إلى الخلف حتى يتمكن من ضغط شفتيه فوق الدمعة الماسية ليتذوق عبق عليائه ممتزجاً ببريق الماس...
لم تعرف علياء كيف تتصرف أو تتجاوب مع عاطفته التي كان يعتذر عنها منذ لحظات قليلة فقط, فتمسكت بكتفيه مستسلمة لشفتيه التي تمسح جيدها برقة شديدة..
صوت والده العالي خارج غرفة المكتب وهو يملي على سكرتيرته بضعة أوامر هو ما أفاقه من نشوته.. فابتعد عن علياء سريعاً.. واتجه نحو النافذة يحاول تهدئة جسده والتقاط أنفاسه الهاربة منه والتي سجنتها الدَمعة اليتيمة المعلقة بجيد الساحرة الصغيرة..
عاد يلعن مازن ألف مرة.. ويلعن ذاته ملايين المرات وهو يلمح نظراتها الزائغة وهي تستمع لإعتذار والده عن تأخره عنها وتركه لها وحيدة.. ثم ما لبث أن لمح يزيد فهتف بارتياح:
ـ يزيد.. طيب كويس أنك هنا.. أنا كنت لسه هبعت لك..
تنتح يزيد ليجلي صوته وهو يسأل والده:
ـ خير يا بابا في حاجة؟.
أشار عصام لهما ليجلسا.. فاتجهت علياء لتجلس على أحد الأرائك متجنبة الجلوس على المقعد المواجه لمكتب عصام فقد خشيت أن يلمح تشوشها وتخبط أفكارها.. خاصة وهي تغطي بيدها على دمعة الماس وكأنها تخفي قبلة يزيد عن أعين والده...
فضل يزيد الوقوف كما هو مواجهاً للنافذة حتى لا يكشف عن ثورة جسده.. وفوران مشاعره..
سمع صوت والده:
ـ طبعاً يا عليا.. أنتِ عارفة اتفاقي مع أعمامك.. أنهم يعطوني الوصاية القانونية عليكِ في كل شيء ما عدا الأمور المادية اللي أصروا تكون في إيديهم.. وأنا ما اعترضتش وقتها عشان أقدر أوفي كلمتي لمامتك أنك تكوني تحت رعايتي.. الوقتي بقى أنتِ وصلتِ 18 سنة.. لو عايزاني أكلم المحاميين عشان نحرك الأمور.. وأحاول أسترد أرضك اللي تحت سيطرة أهل والدك.. وخاصة أنهم مش أشقاء له.. فأنا تحت أمرك.. إيه رأيك؟..
هزت علياء رأسها بحيرة فعقلها من الأساس يدور في دوائر مفرغة وما فعله بها يزيد منذ قليل جعل الضباب الوردي يغلف عقلها:
ـ أنا مش عارفة يا عمو.. بصراحة ما فكرتش في الموضوع ده قبل كده.. ممكن آخد شوية وقت عشان أفكر فيه..
أومأ موافقاً وهو يتجه بنظره ليزيد:
ـ وأنت رأيك ايه يا يزيد؟..
ـ طبعاً لازم تحاول تدور على حقها.. ده شيء مفروغ منه..
ردت علياء بتردد:
ـ بس.. بس.. أنا مش عايزة حاجة منهم.. الأرض دي بابا-الله يرحمه- سابها وساب البلد كلها عشان يبعد هو وماما.. حتى ماما.. ما فكرتش في أي وقت أنها تطالب بالأرض دي..
ـ بصي يا بنتي.. زي ما قال يزيد.. دي أرضك وده حقك.. فكري كويس.. وبعيد عن أي عواطف.. فكري بعقلك.. وأنا هنفذ لك أي قرار.. موافقة؟..
أومأت برأسها في موافقة صامتة.. فهز عصام رأسه راضياً:
ـ نرجع بقى للسبب التاني اللي طلبتك عشانه..
ـ خير يا عمو؟؟
ـ خير يا حبيبة عمو.. مش قلت لك أنك كبرتِ وبقيتِ عروسة.. وعروستنا الحلوة مش متقدم لها عريس واحد.. لا.. دول تلات عرسان.. وإيه.. من أعرق العائلات.. يظهر يا شقية أنك سحرتِ شباب النادي يوم الحفلة..


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-01-18, 12:07 PM   #10

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السابع


دوي صوت ريناد في الهاتف وهي تصرخ مذهولة:
ـ أسبوعين!!.. أسبوعين إيه يا يزيد؟.. مش ممكن طبعاً ألحق أخلص أي حاجة في أسبوعين, مش أقل من ست شهور..
هتف بدوره بغضب يتزايد بداخله:
ـ إيه!!.. ست شهور!!.. احنا مخطوبين من سنة ونص.. سنة ونص تبديل وتغيير في كل ركن في البيت وياريت في الآخر بترضي عنه.. خلاص.. احنا نتجوز وابقي اعملي التباديل والتوافيق براحتك واحنا متجوزين..
سألته ريناد بهدوء وقد استشعرت غضبه:
ـ هو في إيه يا يزيد؟.. احنا كنا لسه مع بعض امبارح .. الكلام ده جديد عليّ..
سألها يزيد والغضب مازال يلون صوته:
ـ أنا مش فاهم إيه اللي يزعلك في أننا نعجل من جوازنا؟..
أجابته بنزق:
ـ وإيه اللي جد عشان العجلة دي كلها؟..
ضرب سطح مكتبه بقبضة يده.. حتى شعر أنه على وشك تحطيمها..
ماذا يستطيع أن يخبرها؟.. أنه كان على وشك خيانتها.. ليس مرة, بل اثنتين.. هذا على أرض الواقع.. أما عدد مرات خيانته لها في خياله فهي لا تحصى.. ففراشته الراقصة لم تبرح خياله منذ قبلتهما في غرفته ليلة الحفلة.. يراقصها ويحتضنها.. ويقبلها كما تستحق وكما يشتهي هو.. فلم يتذوق ملوحة دموعها بأحلامه, بل شهد شفتيها الذي لا يكتفي منه.. كل تلك الخيالات انفجرت بوجهه لحظة أن لامست شفتيه وجنتها.. فلم يدري بنفسه إلا وهو يضمها.. يقبلها.. يتذوقها.. وقد اعتلت دمعته جيدها.. وما يثير جنونه.. ويأجج مشاعره.. أنها لا ترفضه.. لا تبعده أو تقاومه, بل تذوب بين أحضانه.. تستسلم له في خضوع عاشقة وكأنها ولدت لتحيا بين ذراعيه..
لم لا تشعر ريناد به؟.. باحتياجه لها ولحبها.. لتواجدها بجواره.. يريدها أن تنقذه من خيالاته.. من أوهامه حول علياء..
نعم..
أنها خيالات وأوهام.. فوران هرمونات ورغبات جسد..
بالطبع ذلك ما يشعر به.. يجب أن يكون كذلك.. لا يهم ما شعر به منذ قليل وكلمات والده تخترق أذنيه كالخناجر السامة... كالأحجار المسننة التي تمزق تماسكه الهش وهو يلمحها تغطي بيدها فوق قبلته.. ووالده مستمر في تعداد مزايا كل زوج محتمل من الذين فتنوا بالفراشة الأثيرة..
هرب من سماع كلمات والده وخرج مندفعاً من الغرفة قبل أن يخونه تماسكه ويصرخ به.. أن ولده خان أمانة اليتيمة المعلقة بأعناقهما.. أراده أن يمتنع عن ذكر كل اولئك الرجال الذين يرغبونها.. فذلك يزيد من تأجج رغبته بها.. ويضيف إلى جنونه جنون آخر.. جنون الامتلاك.. يريدها له وحده.. ولكنه لا يستطيع أن ينالها.. فأي وجود لها في حياته كفيل بتحطيم أعز الناس إلى قلبه.. أمه.. فيكفيها ما نالها من والده.. منذ سنوات.. وكانت السبب فيه نادية والدة علياء.. تلك السيدة الرقيقة التي عجز عن كراهيتها عندما أخبره والده عنها وعرفه بها.. مخبراً إياه أنه يدين لها بالكثير.. ولم يزد عن ذلك.. فقد كانت نادية في أقسى مراحل مرضها..
الذنب الذي شعر به لعجزه عن كراهية السيدة التي حطمت سعادة والدته وأمانها.. تحول إلى حقد على علياء.. ابنتها الصغيرة.. فعلى مدار سنوات كان يتفنن في إغاظتها والتضييق عليها.. حتى أفاقه مازن بتلميحاته المتكررة على حقيقة مشاعره وأن كل تصرفاته تعود إلى أنانيته الخالصة ورغبته التامة في اخفائها عن العيون لتكون له وحده, لقد التقط عقله الباطن مدى هشاشتها ورقتها فتحول تلقائياً لحمايتها من الجميع وأولهم والدته.. ولكنه للأسف فشل في حمايتها من نفسه..
أعاده صوت ريناد إلى الواقع وهي تقول:
ـ البيت مش جاهز و..
قاطعها:
ـ شهر واحد يا ريناد.. هو شهر.. ما فيش يوم واحد زيادة..
حاولت ريناد مجادلته إلا أنه أنهى المكالمة بحسم:
ـ أنا هكلم ماما عشان تتفق مع خالتي.. وأنتِ حاولي تخلصي اللي تقدري عليه.. والباقي بعد الجواز.. ده آخر كلام عندي..
أغلق الخط وهو يزفر بحنق واضعاً وجهه بين كفيه.. ليفاجئ ببعض شعيرات سوداء قد تعلقت بأصابعه..
اللعنة.. أنها تنتمي إلى علياء..
خلص أصابعه منهم بعنف.. وهو يصرخ من أعماقه..
اللعنة.. لقد أصبحت لعنته وهاجسه..
قطع رنين الهاتف استرسال افكاره.. فرفعه إلى أذنه مرحباً بالمقاطعة.. ليجد حسن هو المتصل يطلب منه مقابلته في النادي.. لأمر هام...
**************
ظلت علياء تستمع إلى ثرثرة نيرة بذهن غائب.. فعقلها قد توقف عن العمل في اللحظة التي أحاطها يزيد بذراعيه.. فهو له ذلك التأثير المخدر على حواسها وإدراكها.. أنها حتى لا تتذكر ما حدث بعدما أطلقها من بين ذراعيه..
كل ما يمر في ذهنها خيالات عن حوار ما.. كانت هي أحد أطرافه, بل كانت تجيب عمها عصام أيضاً على أسئلته.. الشيء الوحيد الواضح الذي يلمع في ذهنها هو صوت رأس يزيد يصطدم بزجاج النافذة.. بعدما أخبرها عصام عن خطابها المحتملين.. ثم اندفاعه خارج الغرفة متعذراً بأشياء لا تتذكرها..
ثم تكرار عصام لعروض الزواج.. ولكنها اعتذرت بسرعة مستخدمة دراستها كعذر صلب لتختفي خلفه..
قاطع شرودها صوت نيرة النزق:
ـ عليا.. أنتِ فين؟.. إيه سرحانة في إيه؟.. من لحظة ما دخلتِ العربية وأنتِ مش هنا..
أجابتها علياء بشرود:
ـ هااه.. لا أبداً ولا حاجة..
ـ إزاي ولا حاجة!!... في إيه؟.. يزيد زعلك في حاجة؟.. أنتِ ما قولتليش إيه اللي حصل ليلة الحفلة؟..
تلعثمت عليا.. ولم تعرف بم تجيب نيرة.. فهي تريد الاحتفاظ لنفسها فقط بما يدور بينها وبين يزيد.. تشعر أنه شيء خاص جداً.. ولا تريد إطلاع أي شخص عليه حتى لو كانت نيرة.. حتى لو كانت تحتاج إلى مشورتها بشدة.. فهي لا تعلم كيف تتعامل معه بعد الآن.. فهو يخبرها بشفتيه أنه يعتبرها كأخت صغيرة.. ثم تجده بعد لحظات يقبلها بنفس الشفتين..
ماذا يريد منها؟.. وماذا يظن بها؟..
هي لا تعلم.. حتى رد فعله الغريب على كلام والده لا تعرف ماذا يعني..
هل تشعر بخيبة الأمل لأنه لم يصرخ رافضاً؟.. نعم..
ولكنها كانت تقريباً تتوقع هربه من المواجهة.. ولم يفاجئها ذلك.. أنها لا تريد إلا حبه فقط.. حتى أنها لم تفكر ماذا ستفعل لو بادلها مشاعرها بالفعل!.. وكأن أقصى أمانيها هي حبه فقط.. بل أنها وللعجب لم تفكر لحظة في إزاحة ريناد من طريقها.. لا تدري أتلك سذاجة منها؟.. أم أن قلبها يعلم أن المشكلة لا تكمن بريناد, بل بيزيد نفسه...
أعادها صوت نيرة للواقع مرة أخرى:.
ـ عليا!.. في إيه؟.. لا!!.. أنتِ مش عجباني نهائي..
هزت علياء رأسها بقوة لتحاول تركيز أفكارها وأجابت نيرة بأول ما جاء على لسانها:
ـ أصل.. أصل عمو عصام بلغني أنه في ناس عايزة تتقدم وتخطبني..
صرخت نيرة بحبور:
ـ والله.. دي أخبار عظيمة..
التفتت علياء إليها بذهول:
ـ عظيمة!!.. عظيمة إزاي يا نيرة؟.. ويزيد؟..
ـ أيوه طبعاً عظيمة.. دي فرصة هايلة أنه يشوفك مع واحد تاني.. يشوف أنك ممكن تضيعي منه.. ساعتها هيحس بقيمتك..
هزت علياء رأسها برفض:
ـ قصدك إني أوافق وارتبط بشخص تاني فعلاً؟!..
أومأت نيرة موافقة:
ـ أيوه طبعاً..
أجابتها علياء برفض تام:
ـ بس دي كده تبقى خيانة.. أنا كده هخون الشخص ده وأنا برتبط به ومشاعري مع غيره, وخاصة أني مش هكمل معاه.. وكمان بخون نفسي ومشاعري..
لوحت نيرة بيدها:
ـ عليا.. بلاش كلام الشعارات ده.. أهم حاجة ازاي توصلي للي أنتِ عايزاه..
ـ خلاص يا نيرة.. الموضوع انتهى.. أنا بلغت عمو عصام.. أني مش بفكر في الجواز.. ومش هفكر فيه إلا بعد ما أخلص دراسة..
سكتت قليلاً وهي تلمح علامات الامتعاض على وجه نيرة ثم سألتها:
ـ إحنا رايحيين فين؟.. ده مش طريق النادي..
ارتسمت ابتسامة جذلى على شفتي نيرة وهي تجيب:
ـ أيوه.. إحنا رايحيين البوتيك اللي بتشتغل فيه منى..
اتسعت عينا علياء بخوف:
ـ ليه؟.. بلاش يا نيرة..
تركت عينا نيرة الطريق قليلاً لتلتفت لعليا وقد ارتسمت على ملامحها كل معالم الكراهية:
ـ أيوه.. أيوه يا عليا.. لازم أنهي الموضوع ده النهارده.. والليلة بنت السواق هتكون مشرفة في السجن..
شهقت عليا:
ـ إيه!!.. السجن!!.. نيرة.. الموضوع ما يوصلش للدرجة دي؟.. أنتِ ناوية على إيه؟..
ضغطت نيرة على أسنانها بغيظ:
ـ يعني إيه ما يوصلش للدرجة دي؟؟.. هي اللي بدأت.. وبتحاول تسرق مني حسن.. خلاص يبقى العقوبة على أد الجريمة.. ولو عليّ كنت محيتها من الدنيا..
ـ هتعملي إيه يا نيرة؟..
هزت نيرة كتفيها بلامبالاة:
ـ أبداً.. أنا الفترة اللي فاتت كنت بروح البوتيك يومياً.. بس في وقت هي بتكون مش موجودة فيه.. بقيت زبونة... في آي بي... النهارده بقى أما نروح هقول أن الولاعة وعلبة السجاير الدهب بتوعي ضاعوا.. أنتِ عليكِ أنك تحطيهم في شنطتها من غير ما تاخد بالها.. وهوووبا... هتشرف الهانم في السجن.. بس عشان تتعلم أنها ما تبصش لفوق...
برقت عينا عليا برعب وهي تستوعب ما قالته نيرة وما تنوي عليه بينما ارتسمت على شفتي نيرة ابتسامة متشفية وهي تتخيل منى بالفعل خلف القضبان..
************
طرق حسن غرفة جدته باحترام.. وانتظر حتى سمحت له بالدخول..
دخل غرفتها ليجدها تجلس على أريكتها المريحة الموجودة بمواجهة فراشها.. وقد وُضعت أمامها مائدة صغيرة وعليها المصحف الخاص بها.. وكتاب المأثورات وأذكار الصباح والمساء.. بينما أمسكت بين أصابعها مسبحة طويلة وأخذت تسبح في صمت..
تنحنح حسن.. حتى يلفت انتباهها لوجوده وحياها بهدوء:
ـ صباح الخير يا جدتي..
ابتسمت له:
ـ صباح الخير يا روح جدتك روح..
وضحكا معاً لتحيتها المعتادة له.. فــــ روح هو اسمها...
أشارت له:
ـ تعالى أقعد جنب روح واشتكي لها همك..
جلس بجوارها واحتار كيف يخبرها ما يريد فسألها:
ـ حضرتك فطرتِ؟..
أجابته بصبر:
ـ أنت عارف أني بصحى من قبل الفجر.. ادعي وأصلي.. وأشرب الليمون بالعسل.. وكمان.. آخد الثوم المفصص والمقطع بتاعي.. أنت عارف هو حلو قوي للمناعة.. وبعدين أفطر فتة اللبن بالعيش.. نظامي وعمري ما هغيره أن شاء الله..
ضحك حسن:
ـ ربنا يديكي الصحة..
ربتت على ركبته:
ـ احكي لي عن همك يا ابن حاتم.. قلبك اللي تاعبك.. وأبوك رماك للنار.. وهو عارف أنك مُغرم بنسمة هوى رقيقة..
ـ حضرتك عارفة كل حاجة أهو يا جدتي..
أومأت:
ـ أيوه يا حبيبي.. وأبوك بسرعة عمل الخطوبة وأنا في رحلة الحج.. عشان ما اتدخلش.. بس لو عايزني أدخل.. أنا هساعدك يا حبيبي..
اندفعت الكلمات على لسان حسن وهو يخبرها أنه يحتاج لرأيها فيما يفكر به..
وبدأ يحكي لها عن الخطة التي توصل لها..
عندما انتهى سألته:
ـ ما فيش طريقة تانية يا حسن؟..
هز رأسه:
ـ ما فيش قدامي غير أني أتقمص شخصية حاتم العدوي.. وأفكر زيه.. عشان أحمي منى.. وفي نفس الوقت برضوه ما أسببش أذى كبير لنيرة..
هزت رأسها وهي تخبره بحزن:
ـ هقول لك ايه يا ابني!.. حاول على أد ما تقدر أنك ما تأذيهاش كتير.. ولو عايز مساعدة مع نصر.. أنا هكون جانبك.. لأنه أكيد هيرفض جواز بنته بدون موافقة أبوك.. نصر بيحترمني.. أنا أعرفه من هو صغير..
أمسك حسن يد جدته وقبلها بحب شديد:
ـ ربنا يخليكي يا روح.. يا روح حسن..
ضحكت جدته وهي تسأله:
ـ بقى روح.. هي روح حسن!!.. أومال منى تبقى ايه يا شقي؟!!..
ضحكا معاً وهو يشعر بالارتياح يغمره فقد اكتسب حليف قوي..
***********
جلس حسن مع يزيد بمدرجات التنس وبديا للجميع وكأنهما يتابعان المبارة التي تدور بين نيرة وريناد.. حيث بدت نيرة في مزاج رائق وهادئ تكاد تكون منتشية.. مما مكنها من السيطرة على المبارة بكل سهولة بعكس ريناد التي كانت في مزاج متفجر..
مما دفع حسن إلى سؤال يزيد:
ـ مالها ريناد؟.. شكلها هتفجر الملعب باللي فيه!..
ابتسم يزيد بسخرية:
ـ إيه خايف إنها تخبط الكورة في نيرة؟
هز حسن كتفيه:
ـ مش معنى أني مش بحبها بالطريقة اللي هي عايزاها.. أني أتمنى لها الأذى.. بالعكس.. أنا أتمنى لها كل خير.. بس يكون بعيد عني.. برضوه ما قلتش.. أنت لك دخل بمزاج ريناد؟..
ـ أخيراً أخدت موقف من موضوع تأجيلها للجواز.. وحددت له ميعاد بعد شهر.. وده طبعاً مش جاي على هواها.. سيبك أنت.. خلينا في الخطة الجهنمية بتاعتك دي..
ـ أنا ما كنتش عايز ألجأ لكده.. وحاولت معاها كتير.. أنا حسيت أني بقيت حد بايخ وسخيف عشان هي تبعد من نفسها.. لكن ما فيش فايدة.. وأنا تعبت.. مش قادر أتحمل أكتر.. ومنى رافضة أني حتى أشوفها.. أنا عاذرها طبعاً.. لكن خلاص بقى.. كل شيء وله حد.. وأنا جبت آخري..
شردتا عينا يزيد للحظة وهو يتابع دخول مازن إلى أحد المدرجات كان لا يراهما من موقعه.. لكن يزيد كان يراه بوضوح حيث جلس ليتابع المباراة وبدا أنه في انتظار شخص ما.. فأخذ ينظر في ساعته أكثر من مرة..
وما أن لفت انتباه حسن لوصول مازن.. حتى انتفضا لسماع صرخة نيرة القوية.. فقد قامت ريناد بارسال الكرة بقوة مبالغ فيها لم تتوقعها نيرة فارتطمت الكرة برأسها بقوة.. ولكن ما جذب انتباه حسن الشديد هو رد فعل مازن الذي انتفض فزعاً وقلقاً وبدا الهلع الشديد على ملامحه وهو يتابع نيرة التي أمسكت رأسها لعدة ثوانٍ ثم بدأت تدلكها وتنظر إلى ريناد بغيظ.. وبدأت في توجيه مختلف الاتهامات لها.. وبعد أن انتهت من تفريغ غضبها اتجهت نحو غرف تغيير الملابس وهي تشير إلى علياء التي كانت جالسة في الملعب تراقب المباراة أن تنتظرها في المطعم..
حينها هدأ انفعال مازن وهو يراقب تحركات نيرة بنظرات رقيقة.. وملامح عاشقة, ولم يكن يدري بالطبع أن حسن يراقب كل ما حدث حيث تحجرت نظراته على وجه شقيقه وهو يقرأ عشقه المحروم والمحرم.. عشق لا يستطيع قراءته إلا عاشق..
أخذ يشير ليزيد بكلمات متعثرة:
ـ أنت كنت عارف؟.. كنت عارف يا يزيد..
تابع يزيد نظرات حسن ليلمح وجه مازن وقد ظهرت إمارات العشق والإشتياق على ملامحه بوضوح.. فحاول تهدئة حسن:
ـ اهدى بس يا حسن.. مازن عمره ما حاول يلفت انتباه نيرة أو..
قاطعه حسن:
ـ أنت بتقول إيه يا يزيد.. أنت فاكر أني بشك في أخويا.. أخويا اللي كان بيتعذب طول الوقت وأنا مش واخد بالي.. وقاعد أشكي له همي.. وأطلب منه يساعدني.. وهو.. هو مش قادر حتى يلمح لي باللي واجع قلبه.. إزاي.. إزاي ما اتكلمش.. طيب أنا أتصرف إزاي دلوقتِ.. أواجهه؟.. أكلمه؟.. ألمح له؟.. طيب هقول له إيه؟.. اللي أنت بتحبها أنا بموت وأنا بخطط عشان أبعدها عني.. أنا.. أنا مش عارف أعمل إيه!!!..
لم يستطع يزيد الرد على كلمات حسن العاطفية.. وأخذ يربت على كتفه بمؤازرة..
بينما استطرد حسن:
ـ آااااه.. أنا تعبان قوي.. مش قادر أرفع راسي.. مش قادر أفكر.. أنا كنت الأول بحاول أحافظ على كرامة نيرة وشعورها.. باجاريها أحياناً في تصرفاتها.. لكن دلوقتِ.. إزاي.. إزاي.. إزاي وأنا عارف إنه في كل لحظة بجاريها فيها بموت أخويا بالبطئ..
ـ خلاص يا حسن.. هانت.. واللي أنت ناوي عليه هيعطي لمازن فرصة كويسة أنه يتدخل.. أنت ناوي تنفذ خطتك امتى؟..
ـ أنا كنت ناوي يوم عيد ميلادها.. بعد شهرين.. لكن دلوقتِ.. مش هنتظر لحظة زيادة.. بس هحتاج مساعدة من ريناد..
لم يسمع أي رد من يزيد الذي تعلقت عيناه بالشخص الذي كان مازن في انتظاره.. ولم تكن سوى علياء التي كان يبدو عليها الإضطراب الشديد وهي تتوجه نحو مازن الذي أمسك بيدها ليصطحبها إلى أحد المقاعد ويجلس بجوارها.. وبدا أنه يحاول تهدئتها بينما هي كانت تلوح بيديها وتحركها في انفعال شديد..
ظل تركيز يزيد موجهاً نحو جلسة مازن وعلياء.. بينما استمر حسن في شرح ما يريده من ريناد.. حتى فوجئ بشرود يزيد.. وابتعاده بأفكاره كلية..
وكزه حسن في كتفه:
ـ يزيد.. أنت سمعت حاجة من اللي قلتها؟.. يزيد.. أنت روحت فين؟..
التفت يزيد إليه وكأنه تذكر وجوده:
ـ في إيه يا حسن؟.. أنت عايز حاجة؟..
ثم عاد ليراقب الثنائي الذي أطار عقله من رأسه.. تابع حسن نظراته ليلمح علياء وهي تجلس مع مازن.... فهتف بتعجب:
ـ هي إيه حكاية علياء مع مازن؟.. أنا مش فاهم حاجة!!..
نهض يزيد فجأة وهو يتمتم:
ـ أنا هعرف حالاً في إيه بالظبط..
**********
حاول مازن تهدئة علياء التي كانت في قمة انفعالها وهي تخبره في خوف:
ـ نيرة أكيد هتزعل مني لو عرفت أني قلت لك.. بس أنا مش عارفة ألجأ لمين؟.. أو أحكي لمين؟.. أنت قلت لي أني اتصل بيك لو احتجت لأي حاجة و..
قاطعها مازن مهدئاً:
ـ اهدي بس شوية يا عليا.. تحبي نروح نشرب حاجة؟..
هتفت بفزع:
ـ لا.. أنا لازم أحكي لك قبل ما نيرة تخلص الشاور بتاعها..
ـ طيب اهدي كده وفهميني بالراحة..
أخذت علياء نفس عميق وبدأت تحكي لمازن غضب نيرة الشديد من وجود منى في حياة حسن.. وكيف أنها ترددت على مكان عملها بمحل الملابس حتى أصبحت من أهم زبائنه ثم وصلت لخطة نيرة للزج بمنى في السجن.. بتهمة السرقة.. هنا صاح مازن في غضب ممتزج بالذهول:
ـ إيه.. أنتِ بتقولي إيه يا عليا!!.. مش ممكن توصل الأمور للدرجة دي!!..
بدأت علياء تنشج بالبكاء وهي تخبره:
ـ والله يا مازن أنا حاولت أمنعها.. والحمد لله أنه ربنا هداني لفكرة وقفتها عن خطتها دي..
سأل مازن بسرعة:
ـ فكرة إيه؟..
أجابته علياء بخجل:
ـ قلت لها أنها لو نفذت خطتها وفعلاً منى اتحبست, حسن هيعرف أنها هي اللي ورا الحكاية دي.. وده هيزود الجفا بينهم أكتر.. وهيقربه من منى أكتر وأكتر..
سألها بلهفة:
ـ هيه واقتنعت؟..
أومأت برأسها:
ـ أيوه.. بعد إلحاح شديد مني.. ومحاولات كتير اقتنعت أنها كده هتزود مشاكلها مع حسن مش هتقللها.. بس.. بس..
واختنقت علياء بغصتها وهي تجهش في البكاء مرة ثانية.. مما دفع مازن لأن يربت على كتفها مهدئاً:
ـ طيب اهدي بس يا عليا وفهميني حصل إيه بعد كده.. عشان أقدر أساعدك..
ـ لا بعد ولا قبل يا مازن.. لو علياء عندها مشكلة, أنا كفيل بحلها.. شكراً على تعبك ووقتك....
كان ذلك يزيد الذي ظهر فجأة خلفهما ليجذب علياء من ذراعها.. ويجرها خلفه بينما مازن يهتف خلفه:
ـ استنى بس يا يزيد.. استنى يا مجنون..
لم يستمع يزيد إليه وهو يتحرك بسرعة جاذباً علياء خلفه بدون أن ينتظر لحظة واحدة حتى يستمع إلى تفسيرات مازن الذي تمتم بحيرة:
ـ وبعدين في المجنون ده!!.. طيب أنا دلوقتِ هعرف باقي الحكاية إزاي!!..
************
ضمت منى ركبتيها إلى صدرها وقد كومت نفسها فوق فراشها.. وانهمرت دموع القهر من عينيها..
كانت كل شهقة تخرج منها كأنها خنجر يمزق صدرها وهي تتذكر الموقف الذي وضعتها به نيرة.. وكلفها في النهاية عملها..
لم تهتم بخسارة ذلك العمل بقدر ألمها وهي تحاول تحريك شفتيها وتستدعي بعض كلمات الإعتذار الذي أمرتها بتقديمه صاحبة البوتيك... ولكنها عجزت.. شعرت وكأن لسانها يرفض أن يخضع لأوامر عقلها ويقدم اعتذار عن اساءة وهمية لم تصدر منها..
أغمضت عيونها لتسقط الدموع على وجنتيها.. دموع حبستها طويلاً والآن بدا أنها بدأت في الانهمار ولن تتوقف.. لقد عاهدت نفسها ألا تبكي من بعد تلك الليلة التي أعلن فيها حسن خطبته على نيرة, واحتفظت بتماسكها طويلاً.. لم تتنازل ولم تخضع لحبها.. حافظت على كرامة أبيها وحرصت على مبادئها, ولكن أي من هذا لم يشفع لها.. عندما قررت نيرة أنه حان الوقت للتخلص منها..
استمرت دموعها بالهطول وهي تتذكر دخول نيرة إلى البوتيك وكأنها الملكة المتوجة للمكان وبصحبتها علياء صديقتها الحميمة.. حيث توجهت نيرة على الفور إلى صاحبة البوتيك السيدة نسرين.. ودار بينهما حوار ضاحك أظهر عمق العلاقة بينهما..
ثم بدأت نيرة تتجول بين حوامل الملابس وكأنها تنتوي الشراء بالفعل.. فأشارت السيدة نسرين إلى منى لتقوم بعملها وتبدأ بعرض الثياب على الزبونة الهامة..
تحركت منى بتثاقل نحو نيرة وألقت عليها التحية:
ـ مساء الخير يا نيرة.. بتدوري على حاجة معينة؟..
رفعت نيرة حاجبها بعجرفة:
ـ نيرة كده!!.. من غير هانم ولا حتى آنسة..
ثم رفعت صوتها لتسمعه صاحبة البوتيك وأكملت حديثها مع منى:
ـ إيه الأشكال دي.. مش عارفة تتعاملي مع الناس.. يبقى شوفي شغل تاني.. تنضفي الأرض أو تمسحي الغبار..
انسحب اللون من وجه منى وهي تلمح نظرة متشفية ومتوعدة في نفس الوقت في عينيّ نيرة.. بينما ارتسم الحرج على وجه علياء وهي تمنح منى نظرة معتذرة ومشبعة بالذنب..
فغمغمت منى بحرج:
ـ حضرتك بتدوري على حاجة معينة يا نيرة هانم؟..
وضغطت على حروف هانم بشدة.. فعادت الابتسامة المتشفية للظهور على وجه نيرة وهي تطلب منها:
ـ أيوه.. عايزة فستان سواريه لمناسبة خاصة.. خاصة جداً.. أنا عايزة أعمل مفاجأة لخطيبي.. بس يا ريت يكون الفستان لونه أبيض.. هو بيحب اللون ده عليّ قوي.. وآه.. يكون مقفول لأنه بيغير عليّ مووووت..
أغمضت منى عينيها لتخفي ألمها عن عينيّ نيرة.. وابتلعت تلميح تلك الأخيرة عن عمق علاقتها بحسن.. فهي تعد له سهرة خاصة تحرص فيها على ارتداء ما يحب.. هل معنى ذلك أنها بدأت تنجح في غزو قلب حسن؟.. غيرة عاصفة شعرت بها منى.. شعور لا إرادي لم تستطع التحكم به.. وهي تفكر أن حسن يهتم بنيرة بأي طريقة.. غضبت من نفسها لذلك الشعور.. ولكنها ليست ملاك حتى تسمو على تلك المشاعر.. وتتغاضى عنها.. حبها لحسن وغيرتها عليه.. رغم أنها لا تظهرها.. لكنها تحدث رغماً عن إرادتها...
ومجبرة بدأت تعرض على نيرة مجموعة من الثياب توافق طلباتها.. ومع كل ثوب كان تذمر نيرة يزداد.. كما كان يرتفع صوتها بالشكوى من العاملة المهملة والغبية.. وكانت تقصد منى بالطبع..
تذرعت منى بالصبر.. وتسلحت بالهدوء ورفضت أن تنقاد الى محاولات نيرة المستميتة لاستفزازها..
وأخيراً قررت نيرة انهاء اللعبة.. فأسقطت علاقة مفاتيحها ثم نظرت لمنى بكل عجرفة الدنيا لتطلب منها إحضارها من الأرض..
التمعت نظرات منى بالقهر وهي تلمح نظرات التشفي في عيون نيرة والشفقة والذنب بعيون علياء.. لم تعلم لم ذبحتها شفقة علياء أكثر من شماتة نيرة.. ولم تحتمل أن تكون في ذلك الموقف.. شعرت بجسدها وقد تخدر بفعل الألم.. ورفضت عضلاتها الاستجابة لأوامر عقلها باتخاذ أي حركة.. دموعها كانت تخزها من تحت رموشها.. وهي تحاول منعها من الانهمار.. ملامح وجهها تجمدت حاملة قناع من عدم التصديق المؤلم..
صوت نيرة العالي هو ما أخرجها من جمودها وهي تنادي السيدة نسرين.. لتحكي حكاية وهمية عن تطاول منى عليها, بل وادعت أن منى طلبت منها بعض الأموال حتى تعرض لها المزيد من الثياب.. وأنهت تمثيليتها بنبرة غضب برعت في ادعائه وطالبت باعتذار ورد اعتبار لمكانتها التي أهدرتها عاملة بسيطة بالبوتيك..
بالطبع سارعت السيدة نسرين تحث منى على تقديم اعتذار محترم للزبونة الهامة.. وهو ما رفضت منى القيام به..
فدوى صوت نيرة الغاضب:
ـ مدام نسرين.. بنت زي دي بتعطي دعاية سيئة عن البوتيك.. دي لازم تمشي..
وإرضاءً لنيرة قامت نسرين بطرد منى من العمل بدون تردد مؤكدة أن العاملات من أمثالها يسهل العثور عليهن ولكن زبونة هامة مثل نيرة غيث لا يمكن إغضابها..
التقطت منى حقيبة يدها وتحركت لتخرج من البوتيك وهي تحاول أن تحتفظ برأسها مرفوع قدر ما يمكنها ولكن صوت نيرة عاد يدوي:
ـ دي قرصة ودن بسيطة.. عشان ما تبصيش تاني لفوق يا شاطرة.. فاهمة..
لم تحتمل منى نظرات الانتصار في عينيّ نيرة فتوجهت مسرعة للخارج وهي تكاد لا ترى الطريق أمامها وأخذت تركض حتى وصلت إلى بيتها فتكومت على فراشها تبكي كرامتها وقهرها وحبها..


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:11 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.