آخر 10 مشاركات
أسيرة الثلاثمائة يوم *مكتملة * (الكاتـب : ملك علي - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          شهم الطبايع يا بشر هذا هو الفهد *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          تسألينني عن المذاق ! (4) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          غسق الماضي * مكتملة * (الكاتـب : ريما نون - )           »          الإغراء الممنوع (171) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 1 سلسلة إغراء فالكونيرى..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          علي الجهة الأخري (مصورة) (الكاتـب : دعاء ابو الوفا - )           »          رغبة التنين (1) للكاتبة: Kristin Miller (رواية خيالية قصيرة) .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          تحميل رواية بعد الغياب لـ أنفاس قطر بصيغة pdf_ txt _ Word (الكاتـب : جرح الذات - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > قسم ارشيف الروايات المنقولة

Like Tree76Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-12-17, 09:41 PM   #11

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



\\

عدنا. تعليقاتكم تثلج صدري الله يسعدكم بس..

التاسعة

=
=
=

"بعد شهرين"

=
=
=

بعد وفاة أبيهما، كادي ولمار انتقلا للعيش في بيت جدهما عبد المحسن مع أمهما.

تحددت ملكة وعرس كادي في نفس اليوم، وبقي على ذلك الموعد أسبوعان.

منال مشاعرها متضاربة ما بين فرحتها لرجوع ابنتيها لها وعرس كادي القريب، وحزن لا تعترف به للملأ على فقدانها للرجل الوحيد الذي أحبت.

عبد المحسن فرح لفرحة ابنته ومكوث حفيدتيه عنده، ومثقل أيضا بالوعد الذي قطعه لراضي قبل وفاته.

شاهين يوازن ما بين مسؤولية بنات أخته وعمله وهمومه الشخصية.

أسيل تبني الآمال مع كل تلميح تتلقاه من جهة منال.

أرملة راضي تقضي مدة عدتها، ومستقبلها مجهول.

عبد الرحمن يمضي قدما في بناء شركته وينوي تقديم استقالته حالما ينتهي من آخر ارتباط بمشروع لدى عمه.

غادة وسامر فقدا الصبر من عناد جلال وترانيم في أمر الزواج.

عبد العزيز ما بين ترقب وتوجس من زواجه القريب.

الوليد عقد عزمه للتقدم بخطبة قريبا.

سالم استلم أول معاشين له وأصلح سيارته، وبدأ في الإدخار لهدفه.

شادية ما زالت الصلة بين عمها الغافل و غالية اللحوحة، والهدف للنغزات واللمزات كلما رفضت خاطبا أو تزوج خاطب سابق لها بأخرى.

نواف ما زال بلا دليل يقوده لمعشوقته الهاربة.

=
=
=

دخلت كادي المجلس لترى لمار كالعادة تلعب على جهاز البلايستشن مع ابن خالتها سيف. قالت لتغيظها: "وإنتي عمرك ما بتكبرين؟"

التفتت لمار جهتها مضيقة لعيونها بامتعاض: "عشتوا! خلاص الأخت بتتزوج وصارت تشوف نفسها علينا!"

احمرت وتوترت: "وإنتي كل مرة تشوفيني فيها لازم تطرين زواجي؟"

غمزت لها لمار بابتسامة عريضة: "طاريه هو اللي بيأدبك."

كانت كادي سترد بانحراج عندما لمحت ما يُعرض على الشاشة لتبتسم بخبث: "والله اللي شايفته هو إنك إنتي اللي قاعدة تتأدبين.."

للحظة نظرت إليها لمار بعدم فهم إلى أن توجهت بالنظر إلى الشاشة مثلها ورأت أن سيف قد استغل انشغالها ليتقدم عليها في السباق: "يا غشاش، يا لئيم!"

وبدأت تتوعد وهي تضغط على الأزرار بكل سخط وسيف يضحك متسليا.

ابتسمت كادي بحب وهي تراقب أختها، تلاحظ حالها المتحسن يوما بعد يوم.

كانت شديدة القلق عليها في الفترة الماضية، فوفاة أبيها كان وقعها الأعنف على لمار، وأصبحت تعيش في قوقعة أحزان صامتة.

تحمد الله على زيارات ابن خالتها سيف المتكررة لبيت جدها، فاللعب معه كان ما ساهم في إخراج لمار من الصمت الذي غلفت فيه روحها، شيء شاركته أباها المرحوم فيه، تلك النزعة للكتمان.

شيئا فشيئا، بدأ ألق طبعها المعهود عنها يعود.

=
=
=

بدا على وجه عبد الرحمن التفاجؤ عندما فتح الباب ورآه. لا يتعجب شاهين من ردة فعله هذه، فمنذ سنوات وعلاقته بعبد الرحمن يشوبها البرود، ويعترف أن له ذنبا في ذلك.

دعاه داخل شقته بصمت مذهول، ليجلسا بعدها في غرفة الجلوس في صمت لحظي قبل أن ينطق شاهين: "سمعت من أبوي إنك ناوي تقدم استقالتك.."

أجابه عبد الرحمن: "إيه.."

لا يعرف كيف يبدأ القول، لكنه حاول: "إذا كان قرارك هذا بسببي.."

عندها ابتسم له عبد الرحمن بطيب خاطر ذكره بوقت مضى، يقاطعه: "مو كل شي له علاقة فيك يا المغرور." استطرد مفسرا: "السالفة وما فيها إني أبي أبني شي خاص فيني، وبصراحة قلبي في التجارة مو البنوك.."

عقد شاهين حاجبيه بتشكيك: "متأكد..؟"

أومأ له عبد الرحمن بنعم، ثم سأل بتردد: "ليش ما تدور لك شي برا البنك بعد.. وضعك.."

ولم يكمل، لأنه أمر لا يحتاج الإطالة.

ابتسم بسخرية على حاله الذي لاحظه الكل: "قاعد أثبت لأبوي نقطة.."

منذ تلك الحادثة، سحب أبوه كل الدعم منه وطرده خارج بيته.

كان صعبا، الوقوف على قدميه وحيدا بعد عيشه تحت كنف ودلال أبيه، لكنه عقد عزمه وجاهد ليؤسس نفسه بنفسه، حتى تقدم بعد سنوات بطلب عمل في فرع بنوك الجبر الرئيسي، مقر عمل أبيه. قبل أبوه طلبه، وعينه في أدنى الرتب وشدد عليه إلى درجة عدم معرفة الناس بحقيقة علاقتهما كإبن ووالده، حتى صعد رغما عن العوائق التي وضعها أبوه لمنصب مسؤول.

لم يعد للعيش في بيت أبيه إلا بعد طلاق منال وبطلب راج منها هي. وبكل صراحة، توقع رفض أبيه ليصدمه بعدم قول كلمة معترضة وتجاهل وجوده فحسب، وهذا جعل شاهين أكثر إصرارا في البقاء وجعله يعترف به بدل الهروب وبدء شيء بعيدا عن كل هذا.

(لسان حاله مع أبيه أصبح: أنا هنا.. أنظر إلي.. اعترف بي وبما أنجزته.. سامحني على ما فعلت ولم أفعل..)

قال يخرج نفسه من غمرة أفكاره تلك: "تعرف إن أبد ما كان عندي شي ضدك، صح؟"

رد الآخر بكل جدية، لأن كلاهما يعرف سبب التحفظ القائم بينهما: "أدري.."

لطالما كانت أم عبد الرحمن المعكرة لصفو علاقتهما. شيء مؤسف بحق.

لم يكن لشاهين إخوة رجال، لكنه منذ الصغر رأى عبد الرحمن في محل الأخ.

=
=
=

جلست شادية على "الفرشة" التي كان ينام فيها جدها في الحوش، وهزت كتفه بلطف توقظه من قيلولته التي أخذها بعد عودته من صلاة الظهر: "قم يبه، حطيت الغدا لك.."

نهض جدها وجلس أمام السفرة التي وضعتها له، وجلست هي جانبه، فجدها لا يحب الأكل وحيدا. قال بامتعاض بعد تفحصه السفرة بنظرة مقيمة: "نسيتي اللبن يا بنت. تعرفين معدتي ما عادت مثل أول وشابت، يبغالي من ذا اللبن عشان أمشي حالي.."

قامت من فورها وقالت: "يوه، نسيت! وكمان وش قلنا عن طاري الشيب، مو أنا وإنت اتفقنا على إنك أبو الشباب كلهم؟ شوفني أنا شيبة مقارنة فيك."

ابتسم جدها بحبور: "إنتي اللي سويتي السالفة ذيك كلها، ولا أنا مالي دخل!"

شهقت بمبالغة طريفة: "ذي خيانة عيني عينك يبه! ذي فيها قطع أرحام!"

عندها هتف بتهديد عرفت شادية أنه لن ينفذه بسبب تلك الضحكة التي أفلتت منه: "قومي جيبي اللبن قبل لا أكسر راسك بالشبشب! ذلتينا الله لا يذلنا!"

أسرعت في خطواتها تمثل الخوف من تهديده، وابتسامة عريضة مرتسمة على شفتيها. كم تحب هذا الرجل، جدها علي الذي كان أبا ثان عوضها عن حنان أبيها المرحوم، أولاها اهتماما ومداراة لم يعطها أحد. رجل عزيز النفس والكبرياء. رجل أعند من صخر وأشجع من أسد. رجل من شدة حبها وتعلقها به ربطت أمر زواجها فيه.

جدها يحتاج إلى مراعاة وعناية لكنه يرفض اعتناء أي أحد به سواها هي وأحيانا عمها سالم، ويرفض أيضا الانتقال من بيته هذا إلى أي بيت آخر. دائما ما قال أن هذه القرية دفنت فيها جدتها صفية، وسيموت ويدفن فيها إذا أتى أجله ولن يبرحها لأي مكان.

لا تستطيع الزواج والمضي قدما في حياتها وقلبها غير مطمئن عليه، فهي تعرف أنه مع غيرها سيكابر ويخفي ويضر بنفسه.

لذا وضعت شرطها، ذاك الذي بسببه رفضها الكثيرون: إذا تزوجت سيكون على زوجها السكن معها في هذا البيت، فهي لن تخطو خطوة واحدة خارجه.

الكثيرون رأوا في شرطها استنقاصا لهم ولما يملكونه من خير، من إمكانيتهم على توفير العيشة المرفهة لها. لِمَ تفضل هذا البيت المتهالك على الشقق الحديثة والفلل الفخمة والمزارع الشاسعة؟ هل كانت تريد إظهارهم بمظهر عديمي الكرامة، تتفضل عليهم هي ببيت أهلها؟

لم تخبر أحدا سوى غالية أن السبب الحقيقي لشرطها كان جدها، فهي خشيت من إجبار جدها لها على الزواج إذا علم بالحقيقة، وهي لا تستطيع رفض طلب له إذا أمر.

صوت جدها الحاني أيقظها من خواطر ذهنها، لتدرك أنها كانت تقف وبيدها اللبن بشرود: "خير يا بنيتي؟"

ابتسمت له تطمئنه: "ولا شي يبه.. ولا شي.."

إذا كان عليها الإنتظار طول عمرها لتجد رجلا جديرا يقبل بشرطها، ستفعل، لكنها أبدا لن تتنازل قدر إصبع عن عهدها.

=
=
=

تنهدت منال بضيق مجيبة لشاهين عن سبب قلقها البادي وشرودها المهموم: "خايفة يا أخوي يأخذوا لمار مني.."

استفسر: "قصدك أعمامها؟"

أومأت له بنعم: "كادي خلاص مخطوبة وما ينخاف عليها، لكن المشكلة في لمار.. أخاف يطالبوا فيها ويورونها الشقى، ذولا ناس ما يرحموا.."

على غرار راضي، فإن إخوته كانوا أولي مصلحة وطمع، اتكاليين لا فائدة ترجى منهم. لم يكن لهم حضور سوى لأخذ المال من أخيهم.

تعرف منال أنهم سيتخذون لمار وسيلة في لي ذراعها وسحب كل ما يستطيعون منها، لن يداروها ولن يهتموا بها مطلقا.

بدا أخوها كأنه يفكر في خطة بعيدة المدى عندما قال: "لمار بتبقى عندك إن شاء الله، لا تخافين.."

=
=
=

أجاب عبد العزيز سؤال أمه وهدى: "ما عندي جدول أمشي عليه ولا بسوي واحد، شغلي حاليا ما يساعد. لاحقين على شهر العسل وخرابيطه بعدين.."

لتقول أمه تنظر إليه بمعنى: "ولاحقين كمان على زيارة جدتك.."

استرجته هدى: "واللي يرحم والديك لا تفشلنا في كادي! حرام عليك توديها بيت جدتي اللي في آخر الدنيا وهي توها عروس!"

رد ببرود: "وأنا قطعت وعد لأمي مريم أزورها ومعي زوجتي بعد ما أعرس على طول، ومو ناوي أخلف به.."

وضعت أمه يدا على خدها بقلة حيلة، وهدى هزت رأسها بأسى: "صدقني بيت جدتي بيخلي كادي تهج من عندك من الخوف.. أبدا ما راح تستحمله!"

لم يلقِ لمخاوفهم بالا، وعدم مبالاته ذاك جعل هدى تتحلطم بيأس: "عشرة وصداقة سنين بتروح في المشمش بسبة ولدك هذا يمه!"

=
=
=

تنهدت لمار بضجر، تركب السيارة بصمت.

متى ستتعلم أن تتفقد الرسائل قبل أن تتجهز للذهاب للجامعة؟ ها هي الآن قد ذهبت دون علم أن لا محاضرة لها اليوم بسبب اعتذار الدكتورة عن الحضور، لتكتشف أن رحلتها كانت بلا فائدة بعد وصولها.

كانت تفكر بشرود إلى أن لاحظت أن مسار السيارة بدا مألوفا لها، ولا عجب.

في طريقها لبيت جدها من الجامعة، كان السائق يمر بالشارع المؤدي إلى بيتها القديم. كل يوم كانت لمار تصد بالنظر عن ذاك الشارع والذكرى التي أحياها مرآه، لكن اليوم، طلبت من السائق الاتجاه جهته، إلى ما كان البيت الذي جمعها بأبيها المرحوم.

تساءلت وهي ترن الجرس إذا كان هناك أحد في البيت، وهل حقا بقيت زوجة أبيها فيه لأجل عدتها؟ إذا فعلت فلابد أنها بمفردها، فميشا رافقتها وكادي إلى بيت جدها، وكذلك فعل السائق.

كانت ستستسلم وتذهب بعد بضع دقائق قضتها دون إجابة، لولا ذلك الصوت الذي دل على أن أحدهم أجاب على الإنتركوم وينتظر تعريفها بهويتها. على الفور قالت: "فيه أحد؟ أنا لمار.."

مرت لحظات قبل أن يُفتح لها الباب دون رؤية من فتحه لها، لكنها سرعان ما رأت زوجة أبيها واقفة ورائه عندما أغلقته.

لاحظت لمار الحذر في تصرفات زوجة أبيها ولم تتعجب، فامرأة لوحدها بدون أي أحد معها ستكون عرضة للخطر.

نظرت لمار حولها لترى أن البيت ظل كما هو، لا تغير باد فيه.

سألتها زوجة أبيها بفضول وهما تتجهان نحو مجلس النساء: "فاقدة شي؟"

تكفلت كادي بنقل كل ما يحتاجانه من غرفتيهما إلى بيت جدها، ولم تأت لمار مرة قط بدلا عنها. أتتعذر بغرض تحتاجه تبرر فيه سبب زيارتها، أم تخبرها بالحقيقة؟

أخيرا أجابت وبصدق: "لأ.. جيت أشوف حالك.."

ستقتلها كادي حتما، ستجرح أمها قطعا.. لكن..

لكن..

لم تستطع إلا أن تحزن من أجلها، هذه المرأة أمامها، ولم تشعر سوى بانفطار قلبها لرؤية نظرة عدم الاستيعاب تكتسي عيونها، كأنها لا تصدق فكرة سؤال شخص عنها.

=
=
=

قد استخار وفكر مرات عدة في قراره هذا. أجل تنفيذه لحين حتى اليوم.

في مجلس الخال سامر قال الوليد يعلن عن هدفه من هذه الزيارة بالذات: "جايك يا خالي أطلب قربكم ويد بنتكم الكبيرة.."

انتهى البارت..~





najla1982 likes this.

لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-12-17, 12:17 AM   #12

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

كالعادة تعليقاتكم تزيدني فرح يوم بعد يوم. شوي تأخرت اليوم لأني واجهت مشاكل في الاتصال..
وبالنسبة لأيام التنزيل، فإذا الله قدرني على الاستمرار على الرتم الحالي، فبيكون التنزيل أيام السبت، الاثنين، الأربعاء، وأخيرا الخميس.

العاشرة

=
=
=

أخبر عبد الرحمن سالم عن الغداء الذي سيجمعه مع رجل أعمال بهدف الاستثمار في شركته النامية. رتب عبد الرحمن كل شيء، من الاستراحة التي سيستضيفه ووفده فيها، إلى المضيفين، لكن بقي أهم شيء: الغداء نفسه.

كان سيكلف أي مطعم جدير بصنع مائدة غداء تليق بالوفد، لكن ظروف رجل الأعمال هذا بالذات عرقلت ذلك الترتيب، فهو سعودي يعيش في كندا، وقد اشتاق إلى الأكل الشعبي البيتي، فأكل المطاعم المقلد أبدا لا يستهويه.

قال سالم يصف بكلمة وضعه: "ورطة.."

تنهد عبد الرحمن، يومئ موافقا بضيق: "واعدتهم على الغدا بكرة، وش أسوي..؟"

بدا على سالم التفكير، يد تحك تحت ذقنه، قبل أن يقول: "أظن عندي الحل.."

رمش عبد الرحمن بعجب: "حل وشهو؟"

أجابه بابتسامة: "وش فيك فاهي؟ أكيد أقصد حل لوضعك!" دق صدره بثقة: "خلي الغدا واللي معه علي! إنت بس أعطيني موقع الاستراحة واستريح.."

وحقا هذا ما فعله عبد الرحمن عدا عن بند الراحة ذاك، فهو قضى الوقت متوترا متوجسا متسائلا ما الذي كان يعزمه سالم، وإذا كان من الصواب إعطائه كل تلك الثقة، حتى أشرقت شمس الغد واقتربت ساعة الصفر. بقي على مجيء المستثمر ساعة ولم يأت سالم بعد.

-: "ارحم نفسك يا دحيم! تراك حفرت الأرض وإنت تروح وتجي.."

أخيرا تنفس الصعداء لرؤية سالم يقف أمامه وفي صندوق سيارته العديد من الحافظات، ينظر إلى ساعة يده وراض بالوقت الذي حضر فيه: "الوقت حلو، على رأي بنت أخوي يمدينا نسخن ونرتب على بال ما يجون.."

من شدة راحته اكتفى عبد الرحمن بهز رأسه مؤيدا بشرود.

بقي فقط الدعاء أن ينال ما جلبه سالم إعجاب المستثمر.

لم ينتظر الكثير ليعرف الحكم، فالغداء نال استحسان المستثمر بشدة، مشيدا عليه بإعجاب وجده عبد الرحمن مفرطا. لكن الحق يُقال، كان الغداء يستحق كل ذلك الثناء، ولكن للأسف، لم يبق منه شيء يرجعه معه إلى شقته.

انتهى الغداء بتأكيد المستثمر دعمه له، وعندما قال سالم أنه سيذهب أيضا، استوقفه عبد الرحمن ليبلغه جزيل شكره وعظم امتنانه لإنقاذه من وضع صعيب.

رد سالم بضحكة: "وحدة بوحدة يا دحيم! ماله داعي الشكر."

لكن عبد الرحمن أصر: "كم.."

قاطعه بحدة: "إذا تبا طيب خاطري عليك، لا تكمل اللي كنت بتقوله، ترى زعلي شين." ناوله حافظة، ثم استطرد بتسلية لرؤية التفاجؤ عليه: "أدري إن المشافيح قربوا يأكلوا الصحون وما خلوا لك شي، عشان كذا.. هذا قسط مخصوص لك."

لم يزعج عبد الرحمن نفسه بتهذيبه وكياسته المعتادة، فهو جعل طبخ بيت سالم الاستثناء منذ زيارته الأولى: "شكلك تبغاني أتم متلصق عند بابكم.."

ليرد سالم دون تردد قبل أن يودعه، لا يمانع أبدا الفكرة، تاركا له لوحده: "حياك في أي وقت يا شيخ!"

قد لا يستطيع قول قوله هذا لمن أعدت هذا الغداء الذي أنجده مباشرة، لكنه قالها بأية حال لمرأى الحافظة بين يديه، مبتسما بعرفان: "تسلم يديك.."

=
=
=

استغربت ترانيم الجدية البالغة التي كانت مرتسمة على ملامح أبيها. استغربت أكثر استدعائها إلى مكتبه بهذا الشكل المفاجئ.

قال أبوها بعد لحظة صمت، يعلن سبب استدعائه لها: "جاني خاطب لك.." وقبل أن ترد ترانيم كلمة، أكمل مقاطعا: "بعطيك خيارين، يا إما تقبلين فيه، يا إما تقعدين بدون زواج."

استنكرت ترانيم كلامه. ظنت للحظة أنها لم تسمعه جيدا: "إيش؟!" لم تستطع تصديق أن كلاما كهذا قد يخرج من أبيها الذي لم يقل لها "لا" قط، الذي لم يجبرها على شيء مطلقا: "بتغصبني يبه؟"

هتف بحزم: "سميه اللي تبغين.." تنهد بحرقة قبل أن يردف: "تظنين إن رفضك للي خطبوك كل ذي السنين ما كان له عواقب؟ إن علاقاتنا بالناس بتظل زي أول؟ إن الناس ما راح تتكلم عليك بالشينة؟ خلاص، ما عاد فيني صبر أمشي رفضك اللي ماله معنى.. أنا الغلطان اللي خليتك تسوين اللي تبغينه كل ذي السنين."

الصدمة ألجمتها من انفجار أبيها بهذا الشكل: "يبه.."

قال عندها بتحد حازم: "أعطيني سبب واحد، سبب واحد بس غير إنك مو جاهزة لرفضك كل اللي خطبك.."

افترقت شفاهها للرد على الفور وإعطائه ذاك السبب الوجيه، لكنها وجدت أنها لا تستطيع.

بدا أبوها كأنه توقع ذلك وقال: "هذاني أعطيتك خبر.. عندك ثلاث أيام تفكرين فيها وتعطيني ردك.." وذهب بنظره إلى أوراق عمله، متشاغلا عنها بكل برود كأنه لم يزلزل عالمها قبل لحظات.

لم يكن بوسعها سوى الخروج من مكتبه بغضب هادر حزين.

=
=
=

راقب سامر خروج ابنته بأسى.

لم يظن أبدا أن هذا ما سيؤول به الحال، لكنه لا يرضى على ابنته كلام الناس ورميهم لها بالاتهامات المبطنة.

على الأقل، هو مطمئن للوليد وطيب أخلاقه، ولديه الإعتقاد أنه سيكرم ابنته ويعزها.

=
=
=

سألته زوجته ذات مرة، منزعجة من تردد نواف على عتبة دارهم، أحقا لا يعرف أين هي ابنة أخيه فيصل؟

الحقيقة كانت نعم، لا يعرف.. رغم استطاعته الحصول على الجواب بسهولة. لكنه يعرف أن نواف يراقبه، ينتظر تلك اللحظة التي يتصل حامد بها ليتعقبها.

الحق يُقال، لم يكترث قط لها، ولم يكن ذلك بسببها هي، بل بسبب أبيها، أخيه من الأب.

كان أبوه خالد رجل محب للسفر، وصدف في إحدى سفراته أن تزوج على أمه، لينتج ذلك الزواج فيصل. فيصل الذي أتى به أبوه فجأة وأجبر أمه على الاعتناء به كأنه ولد لها. فيصل الذي كبر ليصبح مستهترا كثير المشاكل لا يتفق ولا ينخرط مع إخوته. فيصل الذي كان حله لمشاكله الهروب والاتكالية. فيصل الذي كان محبا للسفر كما كان والده، ليكرر فعلة أبيه ويتزوج في إحدى سفراته ويحضر ابنته الوحيدة معه. فيصل الذي مات بعد عودته بقليل وفي عز شبابه، لتصبح مسؤولية ابنته مسؤوليتهم على مضض.

ربما كانت إيجابية فيصل الوحيدة أنه كان يحب ابنته حبا جما، حتى أنه أوصى بها برجاء وهو يجاهد أنفاسه أن تتوقف.

تنقلت ابنة فيصل بين بيوتهم، وكلما سئم أحد أعمامها أو عماتها منها ومن المشاكل التي تسببت بها، أعطوا مسؤوليتها لمن يلي.

كانت في الثامنة عشر وتحت عهدة حامد عندما أتى نواف يخطبها. لم تكترث عندما قال أنها ستكون زوجته الثانية، بل كانت مصرة كل الإصرار على الموافقة عليه.

حذرها حامد عندها ألا تشتكي إليه إذا ندمت على قرارها، ولم يمض وقت بعد زواجها إلا وأتت إليه هاربة من نواف، تثبت له أنها كانت بحق ابنة فيصل.

وقتها لم يستمع لما أرادت قوله وتبريره، قد قال أنه لن يزعج نفسه بتحمل مسؤوليتها بعد الآن وكذلك إخوته. إما أن تعود إلى نواف أو تبحث عن مكان آخر تلتجئ إليه بعيدا عنهم كلهم.

وحقا، عادت إلى نواف، ليمضي وقت أطول قبل أن تعود إليه هاربة مرة أخرى، تتوسله ألا يرجعها إلى نواف وأن يطلقها منه، تتعهده أنها لن تطالبه بشيء بعدها، أن تقطعهم كلهم بالكلية إذا حقق لها طلبها ذاك.

رؤية انكسارها ودموعها الراجية، دموع لا يذكر أنه رآها تذرفها قط، حرك شيئا داخله، تجاه ابنة فيصل الذي لطالما مقته، ليتذكر لحظتها أنها كانت يتيمة قبل سنتها الأولى..

وقف أمام نواف وواجهه، وأخذ حكم الطلاق الذي أرادته. يذكر الفرحة العارمة التي ارتسمت على ملامح وجهها لرؤية الورقة التي أثبتت انفصالها عن نواف. يذكر قولها ودموع الفرح تتلألأ في مقلتيها: "مشكور يا عمي.. مشكور.."

كانت تلك المرة الأولى التي وجهت له الحديث كعم، كسند..

يذكر حامد وعد نفسه منذ تلك اللحظة، أنه ما دام في قلبه نبض، فإن نواف لن يصل منها طرفا.

=
=
=

رجع سالم إلى البيت والحماس يسيره ليخبر شادية ويريحها أن الغداء الذي أعدته قد لقي إعجابا، وكان سيدخل المطبخ لولا سماعه لذاك الصوت الذي أرقه اشتياقه إليه، صوت غاليته المتذمر. ببطء شديد تراجع للوراء، يستند بظهره على الجدار جوار باب المطبخ، يغمض جفنيه وينصت: "يختي انكسر ظهري من كثرة القدور! اعتقيني لوجه الله ودوري لي شغلة ثانية أساعدك فيها بدل البهذلة ذي!"

ردت شادية عليها ببرود لا مبال: " إنتي اللي تبرعتي وقلتي بتساعديني بشي غير الطبخ.."

تأففت غالية: "يا ليل ما أطولك! والله غلطان اللي يقول بيساعد وحدة ظالمة مثلك." أكملت تتمتم وصوت القدور التي كانت تفركها يقاطع كلماتها: "وليه أتعجب وعمك أكبر ظالم.."

ابتسم سالم بسخرية. كانت محقة، فهو كان أكبر ظالم لنفسه في حرمها رؤية من سرقت قلبه من سنين الطفولة، كان أكبر ظالم لنفسه في التزامه عهدا أدمى روحه ظمأ لقربها، كان أكبر ظالم لنفسه في ظنه أنه يقدر على بعدها بينما هو يعلم أن لمحة منها فقط ستضعفه حد الاستسلام.

فتح عيونه ليرى شادية تقف أمامه تنظر إليه باستغراب قلق. أشار عليها بإلتزام الصمت وعدم إخبار من عاثت في نفسه الفوضى دون رؤيتها حتى بوجوده، وانسحب بعدها يتجه إلى ملحقه، ليلملم شتات نفسه، يصبرها بكلمات أصبحت كالنفس من كثرة ترديدها.

"هانت، هانت.. كلها كم شهر وترجعيلي يا الغالية.."

=
=
=

رمشت زينب بعجب من كلام ترانيم، غير مصدقة أن العم سامر قد انفجر عليها بتلك الطريقة.

هي وترانيم صديقتان منذ الأزل، وعلى الرغم من طبع ترانيم الصعب، فإن صداقتهما ازدادت صلابة مع الأيام والشهور والسنين. تعرف أن ترانيم تخفي قلبا نقيا قادر على الحب والولاء بعنف وإخلاص تحت ركام كبرياءها، فلن تنسى تلك الأيام التي تدهور فيها حال مطاعم أبيها ووصولها إلى الإفلاس، كيف أن كل "صديقاتها" تركنها كأنها شيء موبوء.. إلا ترانيم. ظلت هي تعاملها كأن شيئا لم يتغير، تلعب معها، تزورها، تساعدها.. وصل الأمر أنها كانت تشتري من كل شيء اثنين، واحد لها وواحد لزينب، لم تشعرها قط كأنها تتفضل عليها، بل بكل بساطة أنها صديقتها التي أحبت مشاركتها بشيء أعجبها.

وعندما عاد أبوها إلى الساحة وبنى سلسلة مطاعمه من جديد ورجعت حالة عائلتها كالسابق، أتت "الصديقات" يتهافتن عليها كأن شيئا لم يكن، لكن زينب تعلمت درسها، وفضلت قضاء وقتها مع ترانيم.

مشكلة ترانيم كانت في مبالغتها في المجاملة واقتدائها بأمها التي كانت سيدة مجتمع لؤلؤية. لا تدري كيف تحتمل الجلوس مع تافهات لا تطيقهن حتى من أجل مكانة رمزية. حتى في أمر الزواج وضعنها تحت المجهر، يضغطن، يدققن، يتلامزن.. حتى باتت ترانيم ترفض بدون أي سبب يذكر رغم أنها ذكرت أكثر من مرة لها أنها لا تمانع فكرة تكوين أسرة!

إجبار العم سامر ترانيم على اختيار بين الزواج والحرمان منه كانت فرصة ذهبية، وستستغلها زينب لتحصل صديقتها على الاستقرار. تعرف أن العم سامر لم يكن ليجبرها على الزواج بمن لم يره جديرا، ولهذا اطمأنت وبدأت تنفذ خطتها: "وليه ما توافقين؟"

نظرت إليها ترانيم بعجب، لتكمل: "وافقي وأرضي أبوك، وبعدين انتقمي من عريس الغفلة على راحتك.."

استفسرت بتشكيك: "تبيني أطين عيشته معاي؟"

هزت زينب رأسها بالنفي بشدة: "لا، لا! إنتي استدرجيه لك وخليه يتعلق فيك، وبعدها بفترة معتبرة أبدي شوي شوي تردي كرامتك منه، لا هو بيطلقك بدري وتصير فضيحة لك ولأهلك، ولا هو بيتهنى فيك للأبد.."

بدا على ترانيم التفكير مليا بما تقوله، تقتنع به.

تعرف أن كبرياء ترانيم عصي عنيف لن يرضى على أن يجبر على شيء. فقط خطة مجنونة كهذه ستدفعها بالقبول على هذا الزواج.

دور زينب كان في إقناع ترانيم بالقبول، وأما الباقي كان على "عريس الغفلة"، أن يقنعها بترك الثأر لكبريائها والاستمرار معه.

انتهى البارت..~

najla1982 likes this.

لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-12-17, 02:15 PM   #13

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

البارتات 11 و 12 و 13 راح تتمحور حول كادي وبداية حياتها مع عبد العزيز ومن ثم راح نستأنف برنامجنا المعتاد..

الحادية عشرة

=
=
=

خرجت كادي إلى حديقة البيت، تلك البقعة البديعة المحببة إلى قلبها. قد حكت لها أمها مرة أن جدها عبد المحسن بناها لتحقيق أمنية جدتها عزيزة في الحصول على حديقة داخل بيتها، ليحققها بهذا الشكل الرائع الذي ما زال يحافظ عليه على الرغم من وفاة جدتها منذ عقود. لطالما بعثت هذه الحديقة في نفسها الهدوء والسكينة، خصوصا في الليل، شيء تحتاجه وبشدة، فزواجها بقي عليه يومان وتوترها بلغ أقصاه.

باقترابها، وجدت كادي أنها لم تكن الوحيدة التي فكرت في الخروج للحديقة.

رأت لمار عند الشجرة الضخمة وسط الحديقة، تتمسك بجذعها بشكل غريب. سألتها بتوجس: "وش قاعدة تسوين عندك؟"

التفتت لمار إليها فجأة وعيونها تحكي قصة من قُبض عليه بالجرم المشهود، لتبتسم عندها باستظراف: "تتذكرين أيام زمان لما كنت أتسلق ذي الشجرة؟"

أجابتها بوجوم: "أتذكر كل مرة قربتي تطيحين فيها.." ضيقت عيونها بشك: "لا تقولي ناوية تعيدين أمجادك يا لارا كروفت؟"

ضحكت عندها لمار بتوتر: "جاني فضول يختي، كم سنة مرت؟ أكيد اللحين كبرت وما بطيح..!"

جرتها كادي بصمت بعيدا عن الشجرة، وانصاعت لها لمار بسهولة فاجأتها، لتقول بعد أن دلفا داخلا: "بما أنك صاحية وشكلك مو ناوية على نومة، وش رأيك نسهر لنا على فيلم قبل لا يسرقك عريس الغفلة مني؟"

لم تستطع كادي كبت ضحكة: "لعبة أنا عشان أنسرق؟" فكرت للحظة قبل أن ترد: "طيب، ما عندي مشكلة.."

قفزت لمار بحماس: "حلو! خليني أجهز لسهرة ما حصلتش!"

مشت بخطى يسوقها الحماس إلى المطبخ، تاركة كادي تراقبها بشجن باسم.

وعندما أنهت لمار تجهيزاتها ورأت التشكيلة العامرة من الشيبسات والحلويات والعصائر التي تنتظرها، قالت قبل أن تنطق كادي بكلمة اعتراض: "لا تخافين، ما في شي هنا عندي حساسية منه."

حسنا إذا، لن تعترض، لكنها ستتفقد ما أحضرته أختها ليطمئن قلبها.

انضمت إليها بحماس وليد: "عسى اخترتي أفلام سنعة مو خرابيط الرومانس حقتك؟"

أومأت لمار بثقة وهي تفتح لابتوبها: "أدري بذوقك جرائم وتحقيقات وغموض. حملت لي كم فيلم بيعجبوا حضرتك.."

كانت سهرة مشابهة لكثيرات في الماضي، ممتعة جميلة بحق، بعثت فيها تلك السكينة التي سعت وراءها رغم صخبها.

سمعت لمار تقول بهمس قبل أن تخلدا إلى النوم بعد أن صليا الفجر: "لا تنسيني، أوكي..؟"

ردت كادي تطمئنها: "عشان تتورطين بداهية في الثانية اللي أغفل فيها عنك؟ العبي على غيري، بنشب لك حتى وأنا عجوز بعصاتي."

ضحكت لمار من ردها، وشعرت كادي بقدر الراحة التي بدت فيها.

=
=
=

استغربت منال تأخر ابنتيها عن مائدة الفطور. بحثت لفترة قبل أن تجدهما نائمتين في غرفة لمار.

كان منظرا مطابقا لما عهدته منذ زمن نتيجة سهراتهما معا، بكادي المقطبة ملامحها بإنزعاج ولمار بأحد وضعياتها العجيبة. هذه المرة، تسببت وضعيتها في ضغط قدمها اليسرى على خاصرة كادي.

سمعت كادي تتمتم بضيق ناعس: "يرحم أمك لمار عدلي وضع رجلك السايبة ذي!"

لم تلق جواب، ولا حياة لمن نادته، فلمار كان نومها ثقيلا حد الغيبوبة.

أعطتهما منال دقيقتين قبل أن تخطو مقتربة لتوقظهما.

=
=
=

ترقرقت مقلتاها بالدموع عندما رأت نفسها بالأبيض، على بعد دقائق من زفها لمن أصبح زوجها.

لم تشعر إلا وأمها تمسح الدموع قبل أن تفسد زينتها وتعب ساعات، تسألها بحنان دافق: "وش فيك يا بنتي؟"

هزت كادي رأسها تحاول طمأنتها لكنها فشلت: "تذكرت أبوي.. كان يتمنى يشوفني في الأبيض.." تنهدت والحزن يكسو صوتها: "الله يرحمه.."

رددت أمها وراءها: "الله يرحمه.."

لاحظت عمق الحزن الذي جاهدت أمها في إخفائه دون جدوى، فصمتت.

-: "ما شاء الله! قريتي على بنتك يا خالة ولا لسى؟ متأكدة أخوي راح تضيع علومه لما يشوفك..!"

اقتحام هدى المرح للغرفة أخرجهما من غمامة الأحزان. استأذنت أمها بابتسامة خالطها العرفان خارجا لتتفقد آخر التفاصيل قبل أن تُزف.

ردت كادي بابتسامة ضاحكة: "شوفوا مين يتكلم! وين مصعبوه عنك عشان يشوفك مشعللة بالأخضر؟"

تنهدت هدى بضيق مبالغ مسرحي، تتحلطم من ذكر خطيبها ذاك، فهو سافر بعد ملكتهما للدراسة وما زال غائبا: "يلا هانت كلها كم شهر ويخلص دراسته الردية ذي.." سألتها عندها، تغير الموضوع: "متأكدة من سالفة زيارة بيت جدتي؟ ترى أقدر أقوله إنك رافضة.."

هزت رأسها بلا: "هو وعدها يزورها وما بخليه يخلف بوعده.."

ابتسمت لها هدى بقلق خالطه الرضا: "إن شاء الله عزوز يعرف قد إيش هو محظوظ فيك.."

عقدت حاجبيها: "ما تلاحظي إنك متحيزة كثير ضد أخوك؟"

لتضحك هدى، ترد: "مقدر أمنع نفسي وش أسوي؟ من يومنا نتناقر وحنا صغار..!"

وقبل أن ترد كادي، أتت أمها ولمار يخبرانها أن وقت زفتها قد حان.

=
=
=

أحيانا تحتاج لمار إلى تذكير نفسها، حتى وكادي تجلس أمامها على الكوشة.

أختها الكبرى ستتزوج، ستترك جانبها..

أختها الكبرى التي كانت شديدة الغيرة منها بادئ الأمر، ترفض مشاركتها ألعابها وحلواها، ترفض اللعب معها ومرافقتها..

أختها الكبرى التي تبدل موقفها منها عندما أضحت لمار طريحة سرير مستشفى بسبب قلبها المريض منذ الولادة. تذكر عهود ووعود كادي الباكية بإعطائها كل ما تريد، ستشاركها ألعابها، ستلعب معها. فقط طلبت منها أن تعود بصحة جيدة.

أختها الكبرى التي أصبحت قريبة منها، حافظة سرها، أعز صديقاتها. أختها الكبرى التي أصبحت المداري الأول لها، التي أفرطت في حمايتها، حتى من أخف نسمة.

(تذكر مرة كانت في الصف الأول الإبتدائي وكادي في السادس، تذكر تعثرها في خطواتها وتسببها في تلطيخ زي طالبة من الصفوف العليا بالعصير الذي كان بيدها، ورد تلك الطالبة خطأها ذاك بصفعة ثم زجر صارخ.

تذكر كيف كان منظر كادي، كادي الهادئة اللطيفة، مثال الطالبة النموذجية، غريبا وهي تتقدم لتلك الطالبة بغضب وتنهال عليها بالضرب إلى أن تدخلت المعلمات.

تذكر عدم اكتراث كادي بالتوبيخ الذي تلقته، فقط سؤالها لمار بقلق إذا كانت بخير).

ربما شجعت كادي على المضي قدما في حياتها بعيدا عن تجربة أمها وأبيها، ربما أغاظتها بأمر زواجها المقترب، لكن لمار أخفت وراء حماسها حزنا.

لكن.. لن تكون أنانية، فأختها تستحق السعادة مع زوج يحبها وأطفال تحيطهم بحنانها الذي تنعمت هي به منذ الصغر.

قاومت دموعها وهي تهتف بمرح، تحضن أختها بقوة تهنئها: "مبروك يا أحلى عروس! أشهد إن الكوش بتحرم تستقبل عرايس من بعدك!"

=
=
=

ابتسمت ترانيم بصدق لرؤية ابنة خالتها كادي عروسا تُزف. قد لا تكون علاقتها بها وثيقة هذه الأيام، خصوصا بعد طلاق خالتها منال وبقاء كادي ولمار مع أبيهم، لكنها ما زالت تتذكر الماضي الذي جمعهم كلهم كأطفال صغار. تذكر أن كادي كانت رفيقتها الدائمة في اللعب.

باركت لها، وردت عليها: "الله يبارك فيك، وعقبالك.."

للحظة، رحلت الابتسامة عنها، لتذكرها موضوع الزواج والوجع الذي رافقه، لكنها سرعان ما لملمت نفسها وردت الابتسامة بأخرى أكثر زيفا ومجاملة.

تعرف أن رد كادي كان عفويا، فطبيعتها بعيدة كل البعد عن الخبث والتلميحات التي عهدتها، وليس لأحد علم بخاطبها هذه المرة، لكنها تذكرت في النهاية، كلام أبيها وجرحها منه، تخييره لها بين موقفين، وقرارها الذي توصلت إليه.

=
=
=

كانت من أقل الحفلات تكلفا التي حضرها شاهين، حفلة زفاف كادي. لا يتعجب، فابنة أخته تلك لا تحب التكلف حتى مع قدرتها عليه.

أكثر عليها الوصايا وأخذ منها الوعود بأن تطلب مساعدته إذا احتاجتها ولا تتردد، وأخذ على عاتقه مهمة إيصالها وزوجها إلى شقتهما.

عندما رجع إلى البيت، اتجه مباشرة إلى مكتبه ليراجع المعاملات التي سيطرحها بعد ساعات، يبدأ فيها يوم عمل جديد، دافعا تعبه وإرهاقه.

أيقظه صوت طرق على الباب من استغراقه في عمله واستغرب، ليأذن للطارق بالدخول ويرى أنها كانت لمار. سألها، يخمن سبب مجيئها: "ما قدرتي تنامين؟"

أومأت له بنعم: "ما قدرت وكادي مو فيه.." استطردت تفرك يديها بتوتر: "كنت بروح لامي وما أزعجك بس لقيتها نايمة، المسكينة هلكت نفسها شغل من بداية الأسبوع.."

رؤيتها تحاول تبرير لجوئها إليه وقطع سكون مكتبه فطر قلبه. لانت ملامحه بالحنان الذي تدفق إلى صوته وهو يأمرها بالإقتراب: "ما دامك جيتي، ساعديني ورتبي ذي الأوراق.."

ابتسامة لمار المليئة بالعرفان دلت على أن انشغال ذهنها بشيء ولو كان بسيطا كترتيب أوراق كان ما تبحث عنه تماما.

=
=
=

ظل ناظرها متركزا على يديها من اللحظة التي جلس جانبها. عبد العزيز، زوجها.

ستحتاج إلى وقت كي تتعود على مناداة رجل بذاك اللقب.

اللحظات التي مرت بعد وصولها لشقته مرت سراعا بالكاد استوعبتها. تذكر بضبابية تبديل ملابسها لأخرى أكثر راحة، ومن بعدها صلاتهما. تذكر جلوسها على السرير بانتظار متوتر.. ومن ثم استسلامها.. للنوم؟

أدركت عندما رأت ضوء الصباح أنها فعلتها بحق. استغرقت في النوم وهو تركها. اشتمت أثر عطر رجالي، وعندما تحسست الجانب الآخر من السرير، وجدته دافئا، مما يعني أن عبد العزيز قد رقد جانبها، وللتو استيقظ.

شعرت بجسدها يشتعل حرجا وخجلا عندما سمعت صوته يناديها ورفعت ناظرها إليه، لتراه جاهزا للخروج وبجانبه حقيبة صغيرة: "صلي اللي فاتك وتجهزي. بنروح بعد ساعتين تقريبا."

لو لم تكن مشوشة مشتتة الانتباه من حرجها، ربما كانت لتنطلق بالسؤال، لكنها الآن أومأت بصمت وذهبت لتجهز نفسها.

انتهى البارت..~

najla1982 likes this.

لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-12-17, 05:44 PM   #14

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


وبارت آخر..

الثانية عشرة

=
=
=

-: "عبد العزيز.."

شقت ابتسامة طريقها إلى شفتي عبد العزيز، فهذه المرة الأولى التي تنطق فيها كادي اسمه وهو يسمع. أبعد نظره من الطريق للحظة لينظر إليها: "هلا؟"

سألته عندها: "متأكد تعرف للطريق؟"

رفع حاجبا مستغربا سؤالها: "ليش تسألين؟"

ردت: "لأن ذي خامس مرة أشوف لافتة المخرج رقم 10."

لهذا وجد الطريق مألوفا: "ما عليه، كنت سرحان شوي.."

صمتت عندها، ربما راضية بتبريره، لتنطق بعد ربع ساعة: "عبد العزيز.."

"اها، شكلي اللحين مسكت الخط صح!": "هلا؟"

أشرت كادي بصمت إلى اللافتة التي بدأت تلوح مقتربة، لافتة مكتوب عليها: مخرج رقم 10.

=
=
=

قبل زواجها بعبد العزيز، عرفت كادي بضع تفاصيل عنه. ككونه أكبر منها بست سنوات، كإختياره دراسة الطب منذ أن كان في الإبتدائية، كماضيه كمشاغب الحي وفتى عراكات بلا منازع.

تساءلت عن السبب الذي لم يتم إبلاغها، تحذيرها، عن حس عبد العزيز المعدوم بالاتجاهات؟

بعد سلسلة من الإقتراحات، اقترحت كادي عليه أخيرا التوقف في أحد استراحات الطرق واستجماع أفكارهم فيها، ليرد بأن لا داعي لذلك وأنه سيجد المخرج الذي يريده قريبا.

كان ذلك قبل ساعة من الآن، قبل أن تتوقف عليهما السيارة في وسط الطريق.

تساءلت كادي، للحظة، إذا كان الوقت مبكرا على الندم؟

=
=
=

وجد عبد العزيز بعد مشقة من ساعده على تحريك سيارته، ليركب ويعلن بعد تنهيدة تعب، شاكرا لتقديم كادي له قارورة ماء، فالشمس أحرقته وهو ينتظر المساعدة: "بنرتاح في الاستراحة.."

=
=
=

التزمت كادي الصمت بعد دخولهما أحد غرف الاستراحة، وظلت تلتزمه حتى بعد قضاء فروضهما.

أتاها صوته سائلا لها: "ليه ساكتة؟"

وكان سؤاله ذاك ما فجر طوفان غيظها المكتوم منذ تلك المرة الخامسة التي رأت فيها لافتة المخرج رقم 10: "وليش أتكلم ورأيي ماله لزوم؟ قلتلك خلينا نستعمل الجي بي إس، قلت المحافظة اللي ساكنة فيها جدتك ما سجلوها على الخارطة ومشيناها. قلتلك نسأل عنها أي أحد على الطريق ورفضت بحجة مافي أحد يعرف لها ومشيناها. قلتلك خلينا نتوقف عند الاستراحة ورفضت ومشيناها. ووش صار لنا بعدها؟ أبد طال عمرك تعطلت السيارة وصلحناها ورجعنا للاستراحة اللي مرينا عليها قبل كم كيلو واحنا فاطسين حر..!"

ربما كان يجب عليها ضبط نفسها أكثر، لكنها لم تستطع كبح جماحها، فليست هذه الطريقة التي تخيلت فيها بداية حياتها الزوجية، أن تكون هذه صباحيتها. لا تطيق نفسها من الحر، تكاد تسقط في مكانها من الإرهاق.

ظل عبد العزيز يحدق بها كأنه أدرك شيئا، ليبتسم بعدها بخبث: "تدرين إنك فتنة وإنتي معصبة؟"

احتاجت كادي دقيقة حتى تستوعب، لتحمر بخجل مرتبك زيادة على غضبها. استطرد وهو يتجه إلى السرير ليريح جسده المنهك، يتوقف ناظره عليها ثانية بمعنى: "خسارة إننا هلكانين تعب.."

=
=
=

كادت هدى تصل حد لطم الخدود من تحسرها بعد اقفال أخيها الخط: "فشلنا في بنت الناس يمه! إلا وإلا أسوي اللي في بالي وأزور جدتي. امحق صباحية الكرف ذي!"

تنهدت أمها بقلة حيلة: "اللحين وينهم فيه؟"

أجابتها هدى بوجوم وكآبة: "في استراحة الله العالم وينها فيه.." زفرت بغيظ: "أنا الغلطانة اللي اقترحت عليه كادي، ولا عزوز وجه عرس؟!"

=
=
=

كان بمنتهى الصراحة عندما أخبر أهله بأوضاعهم، وتعجب من إخفاء كادي للحقيقة وتسترها عليه.

أجابته عندما سألها عن ذلك: "مابي أصير أرملة.."

تبسم ضاحكا من قولها. يعجبه تهكمها الطريف. بكل صدق، يعجبه كل تفصيل فيها.

ربما لاحظت نظراته لأنها تأففت بصوت مسموع متذمر متقصد عن الغرفة: "مدري كيف أخذت غفوة فيها. أشك إنهم ينظفوها حتى..!"

ضحك متسليا ليراها تتشنج حرجا، ربما لأنها عرفت أنه فهم ما بين السطور.

=
=
=

أتى الصباح، ليكتشفا أن السيارة سُرقت.

أتضحك أم تبكي؟

بدوره، فإن زوجها الموقر لم يترك أحدا في الاستراحة إلا وتعارك معه، إما بالكلام، إما بالأيدي.. وبين ثوراته واستجوابه الخشن لمساكين لا علم لهم بما يجري، كان يتمتم بسخط لنفسه كلاما، آخره لهذه اللحظة كان: "شكله السيارة مصكوكة بعين قوية، ولا وش اللي يفسر إني باليالله تهنيت فيها من اليوم اللي اشتريتها فيه؟"

تساءلت بتلبد لحظي سرعان ما سيذوب بعد دقائق من الحنق، هل إلى جانب معدومية حسه بالاتجاهات وعناده المقيت، أكان زوجها مهملا لممتلكاته؟

أخيرا توجه إليها، يشاركها بالوضع الذي فهمته منذ فترة: "توني قدمت بلاغ، واللحين عندنا خيارين، إما نقعد في ذي الاستراحة لين ما يجينا خبر، ولا ندور لنا فاعل خير يوصلنا بيت جدتي واستقصي الأخبار بعدها."

أجابته: "ندور لنا أحد يوصلنا أحسن، لأني أشك نقدر نتم هنا وإنت تهاوشت مع الكل."

ضيق عيونه بعدم رضا من الاتهام في كلماتها، لكنه في نهاية الأمر أومأ لها بموافقة.

كانت تلك المرة الأولى التي أخذ برأيها، ولسوء الحظ، تبين أنها لم تكن على صواب في اختيارها أبدا.

=
=
=

أنهت لمار المكالمة التي كانت تجريها بعد حصولها على نفس الرد.

هزت رأسها بـلا، مجيبة سؤال أمها الصامت: "لساته جوالها خارج التغطية.."

كانت أمها سترد لولا تلقيها لاتصال من خالها، ربما عن آخر ما لقي من أخبار بعد أن قدم بلاغا لأمن الطرق.

دعت لمار ربها وقلبها مثقل بالقلق أن تكون أختها بخير.

=
=
=

من مكانها في المقاعد الخلفية، همست كادي بحدة خشية سماع "فاعل الخير" الذي قبل أن يوصلهما لها، تستغل انشغاله بمكالمة: "عبد العزيز..هيه، عبد العزيز!"

في المقعد جانب السائق، أمال عبد العزيز رأسه بشكل غير ملحوظ، يدلها بصمت على أنه يسمعها، لتردف بصوت أخفت: "مانيب مرتاحة لذا الرجال.."

ليهمس لها بدوره: "ولا أنا.."

بدت هيئة الرجل الذي تبرع بمساعدتها غريبة مريبة لم يلحظاها في خضم هروبهما من لهيب أشعة الشمس وإلى أحضان سيارته الفارهة المكيفة، نعيم مقارنة مع الجو خارجا.

لكن سرعان ما فاحت رائحة الشكوك والارتياب، وأول ما وجدته مريبا هو نظراته ومن ثم أسئلته الشخصية، الوقحة حتى! لحسن الحظ، زوجها الموقر لا يعرف فن المجاملة وكان يرد على كل سؤال باستهجان وتهديد، كأنه ناسي لموضعه، وكون الرجل متبرعا لإيصاله.

لم تظن كادي أبدا أنها ستفرح برؤية موقف جحود صريح كالذي يرسمه زوجها، لكنها الآن فعلت، بل شجعته في سرها أن يزيد العيار، لعل "فاعل الخير" هذا يصمت وينهي معروفه على خير.

لكن "فاعل الخير" سرعان ما أظهر حقيقته عندما توقف بهما في أرض فضاء.

على الفور أمرها عبد العزيز بالخروج عندما لم يوفر الآخر سببا لتوقفه، ليخرج هو بدوره ويقف أمامها حاميا.

احتمت بظهر عبد العزيز أكثر عندما رأت ما أخرجه الغريب عندما تبعهما، لتهتف بذعر: "من وين جاب ذا الساطور؟!"

أجابها عبد العزيز وهو يشمر عن ساعديه بسخط لا ينبغي أن يشعر به هذه اللحظة! أين الخوف، أين ردة الفعل الطبيعية لأي شخص؟!: "مدري عنه، بس شكله مستعجل على قبره ما دامه ناوي لنا شر!"

وحقا كان سيهجم عبد العزيز عليه لولا شدها له بذعر أكبر: "إنت اللي شكلك مستعجل على قبرك! خلينا نهج ونتركه!"

خلص عبد العزيز نفسه منها بلطف وجدته غريبا مقارنة مع النية التي كان يبيتها: "ما بتركه لين يموت الحيوان!"

هذه المرة لم تستطع كادي منعه، ولكن، ويا للعجب، فإن الغريب بدأ يتراجع للخلف بتوتر نتيجة تقدم عبد العزيز المتهور إليه، ربما ظانا أن أي شخص يتصرف بهكذا جنون لابد ولديه حيلة يخفيها. تراجع وتراجع إلى أن وقع "الساطور" من يده ليبدأ يهرب راكبا سيارته مبتعدا بها، فبدون سلاحه، فإن عبد العزيز سيكون ذو الأفضلية بلا شك ببنيته الأقوى.

لا تدري إلى أي حد نوى عبد العزيز أن يطارد الغريب، ولم تنوي أن تعرف. قالت وهي تلهث بعد لحاقها بزوجها: "بتلحقه وتخليني لحالي..؟!"

عندها التفت بالنظر إليها كأنه يتذكر وجودها، ليسألها بوجل: "إنتي بخير؟ صابك شي؟"

هزت رأسها بلا، واكتفت بذلك، متنفسة الصعداء، متنهدة بتعب. بحق لا تستطيع تكوين حرف هذه اللحظة.

على الأقل، بدا على عبد العزيز تفهم ذلك.

وبذلك بدآ مشوار قطع الصحراء ليصلا إلى الطريق. لكن كادي سرعان ما بدأت تتباطأ في خطواتها، فلم تكن أبدا بتلك التي تقوى على المشقة، خصوصا ليس والشمس تكاد تشويها!

سمعت صوت عبد العزيز يقول عندما تهاوت جالسة في مكانها على الرمال الحارقة: "تحملي شوي، شايف الطريق قدامي اللحين.."

هزت رأسها باعتراض وقوى خائرة: "مقدر.. مقدر.."

لاحظته قد انحنى منخفضا أمامها، يشير لها: "يلا طيب، اركبي ظهري."

اعترضت: "كيف! وإنت..؟!"

ليكرر بخشونة ظاهرية وحنان قلق مبطن: "اركبي ظهري وفكيني من الوقفة تحت الشمس يا بنت الناس!"

بتردد شديد، فعلت كما أمر، ليظللها بجاكيته وينطلق ماشيا، يقول بخفوت خصصه لها حتى في عزلة الصحراء: "آسف لأني بهذلتك معاي.."

على الرغم من هذا الوضع العجيب الذي كانا فيه، لم تستطع كادي منع بسمة من الافلات منها، برضا وتأثر. تعلم أنه مرهق مثلها، لكنه تحامل على نفسه من أجلها. دل ذلك على كثير، أليس كذلك؟: "خلي كلامك لبعدين، لما نوصل بيت جدتك.."

من تصلبه اللحظي، خمنت كادي أنه كان متفاجئا. سألها بنبرة شابتها التسلية جانب التأكيد: "يعني أفهم من كلامك إنك لساتك بتكملي المشوار.."

ضحكت هي بخفة، تشعر كمن أصابه دوار: "أنا ما وافقت عليك عشان أتطلق. بنكمل والله يرزقنا الصبر والسلوان.."

ليرد هو: "أجل تحملي اللي بيجيك."

لم يفتها دفء نبرته، ولا الفرحة البادية فيها.

=
=
=

كانت نعمة من الله، إيجادهما لسيارة أمن طرق بعد وصولهما إلى الطريق العام، ثم إعلام الشرطي لعبد العزيز أن سيارته قد وُجدت بحوزة أحد الشباب الطائشين بعد سويعات من سرقتها، ثم أخيرا، إعلامهما أن "فاعل الخير" المجرم تم القبض عليه وهو الآن محتجز يواجه عقوبته على الجرائم التي ارتكبها بحق آخرين غيرهم.

تكفل الشرطي في إيصالهما لبيت الجدة الذي طال النشد عنه، يكمل البشارة والفرج التي تمثل في لقياه.

لكن لحظة..!

تعرفت كادي على الطريق الذي كان يسلكه الشرطي، وخصوصا تلك اللافتة!

أخبرهما الشرطي عندها أنه للوصول إلى المحافظة التي يريدانها، فإن عليهما سلوك المخرج رقم 10، لا المرور جانبه، قد قال بضحكة: "كيف ضعيتها يا أخوي؟ ما في أسهل إن الواحد يروح لذيك المحافظة بالذات..!"

تجاهل عبد العزيز بشكل تام النظرات التي وجهتها كادي نحوه.

انتهى البارت..~


najla1982 likes this.

لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-12-17, 11:43 PM   #15

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,432
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 31-12-17, 11:59 PM   #16

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,432
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 02-01-18, 04:57 PM   #17

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


عدنا.. تسلمولي حبيباتي على تعليقاتكم ودعمكم اللي يشرح الروح : )
بحاول أنزل بارت كل يوم لين الجمعة عشان يكتمل عدد بارتات الأسبوع الأربع.. ومن بعدها نكمل البرنامج الأول..

الثالثة عشر

=
=
=

كانت جدة عبد العزيز في استقبالهم حال دخولهما بيتها، تقف تشير إلى عبد العزيز بالاقتراب. ابتسمت كادي لرؤية عبد العزيز ينحني في وقوفه ليطبع قبلة حانية على جبين جدته، بينما احتضنت جدته كفيه بين يديها تبدو كأن الدنيا لا تسعها فرحا لمرآى حفيدها واقفا أمامها.

ابتعد عبد العزيز خطوة حتى يوجه نظر جدته إليها: "هذي كادي، زوجتي.."

نظرت لها الجدة بنظرة مقيمة شبه ناقدة قبل أن تسأل: "هذي اللي..؟"

قاطعها عبد العزيز مبتسما، وألف معنى يلوح لها في ابتسامته تلك: "إيه.."

وكأن جوابه ذاك كان سحرا، تحولت نظرة الجدة لتصبح أدفأ وأعطف، تشير إليها بالاقتراب، تنظر إليها برضا وحنو. تساءلت كادي ما الذي كانت بعزم قوله قبل أن يقاطعها عبد العزيز، ولماذا قاطعها بادئ الأمر.

=
=
=

قضيا يومهما الأول في بيت الجدة ما بين أخذ الراحة وطمأنة الأهل، بين قلق أمها ولمار وتشكيك خالها واستجوابه، من زجر هدى الصارخ لعبد العزيز وطلبها السماح منها لتوريطها به. كانت اتصالات حافلة بحق.

بقي عبد العزيز يتسامر مع جدته إلى وقت متأخر من الليل. حاولت كادي انتظاره لكن بدون جدوى، فهي كانت تتبع نظاما دقيقا في النوم قلما خرقته. كم من مرة أغاظتها لمار بوصفها بـ"الدجاجة"؟

وكما أصبح حدثا محرجا بتكراره، استيقظت لترى أن الشمس أشرقت منذ فترة، وأن عبد العزيز قد استيقظ قبلها. لكن على غرار المرة السابقة، كان يجلس على السرير جانبها، منشغل بتفحص شيء في جواله. سألته بضيق: "ليش ما صحيتني للفجر؟"

أجابها بفكر منشغل: "حاولت بس ما رضيتي تصحين.."

لطالما كانت خفيفة النوم وتستيقظ من أخفت نداء لها. ألتلك الدرجة كانت مرهقة؟

استغفرت ربها وصلت ما فاتها، لتسأله عندما لاحظته ما زال مشغولا بجواله عندما انتهت: "وش قاعد تسوي؟"

رد: "أجاوب على زميل لي يستشيرني في حالات جاته.."

أولا جدته، ومن بعدها عمله؟ هل كان من الأنانية أن تتساءل أين موقعها في تلك المعادلة؟

لم تسأله شيئا بعدها، لكنها لم تخفي عدم الرضا في ملامحها. قررت أن تستحم لتشغل نفسها بشيء ولو كان بسيطا.

=
=
=

كان ما زال يقرأ رسائل زميله عندما سمع شهقة عالية من الحمام، ليتجه بأسرع ما يمكن جهته ويرى كادي تهرع خارجه ومنشفة تستر جسدها فقط.

على الفور دخل الحمام يتفقده بعيون متوعدة شرا، لكنه لم ير شيئا خارج المعتاد. رجع ليسألها بقلق: "شفتي شي؟"

أومأت له بنعم تشد منشفتها حولها جزعا: "عنكبوت وش كبره! خلع قلبي لما شفته!"

حدق عبد العزيز بها لوهلة قبل أن يسأل، غير مصدق لما يسمع: "اللحين كل ذي الدراما.. عشان عنكبوت؟"

نظرت كادي إليه كأنها لا ترى خطبا في هذا الوضع: "أجل عشان وش؟"

عدد الخيارات: "عشان حرامي، عشان قاتل، عشان واحد صايع يتجسس على بيوت خلق الله.. بس عنكبوت؟"

لوحت بسخط بيدها، تهتف كأنها تكلم نفسها: "من يوم ما دخلت ذا البيت وأنواع الكائنات تجي قدامي! ما كفاني أم الأربع والأربعين اللي شفتها في الحوش عشان يجيلي ذا العنكبوت؟!"

إذا هذا كان قصد هدى من عدم استحمال كادي لبيت جدته. بالكاد منع ابتسامة متسلية من الارتسام على شفتيه، لا يريد أن يزيد غضبها وهياجها ويحوله عليه: "وش تتوقعين؟ البيت قديم ومعمر حده.."

أشارت إلى الحمام برجاء وجده مضحكا: "روح دور على العنكبوت واقتله.. مقدر أرجع وهو موجود..!"

لا يحتاج للبحث، فالعنكبوت الذي كانت تتحدث عنه كان يزحف على جانبها المغطى بالمنشفة. وقبل أن تلحظ أين اتجه ناظره وترى العنكبوت، شدها إليه يحتضنها واضعا يدا على جانبها، يهمس: "سمعت عن حركات قمصان النوم ومدري وش، بس مناشف وفقاعات صابون؟ موضة جديدة والله.."

شعرها تتصلب خجلا بين ذراعيه، تتذكر كيف تبدو. غلب خجلها ذعرها وأبعدته لتتجه، تهرب، إلى الحمام، تاركة له يشتعل من قربها له، ومبتسما من عفوية تصرفاتها.

نظر إلى العنكبوت المسحوق في قبضة يده: "كنت برحمك، بس لمست اللي ملكي.."

=
=
=

ارتدت دراعة أنيقة باللونين الرصاصي والعنابي، وتزينت بحليها وكحلها. ربطت شعرها بعقدة بسيطة أظهرت التدرج في طوله بشكل أبهى.

عندما نظرت إلى نفسها في المرآة، بدت أخيرا كعروس في صباحية عرسها.

قد لاحظت تلصص عبد العزيز النظر إليها منذ أن بدأت بتزينها، مشتت الانتباه من زميله المزعج. وكم كان من الصعب منع ابتسامة رضا من الارتسام على شفتيها والتظاهر بأنها لم تلاحظه. وعندما بدأت تضع أحمر شفاهها، بدا كأنه نسي ما كان يفعله أصلا، كل اهتمامه منصب ناحيتها.

سمعته يبدأ بالقول وهو يتجه إليها، يديرها نحوه: "تدرين.."

وجدت قلبها يقرع طبوله من نبرته هذه، استحتثته مغمغمة بـ"همم؟"

اقترب أكثر، حتى لم يعد يفصل بينهما كثير: "ليلة عرسنا كبرتي المخدة ونمتي على طول، ما لحقت استوعب شكلك بالأبيض.." أردف بتسلي: "شخيرك لكن.. استوعبته وحفظته."

هتفت تدافع عن نفسها، ناسية للحظة الموضوع الذي كان يُطرح: "أنا ما أشخر..!"

زادت نبرته استفزازا: "مو إنتي اللي كنتي صاحية ذاك الوقت.. وبأية حال، الشخير مو عيب، ويمكن يكون من الدلائل الأولى لمشكلة أكبر.." نظر إليها بتقييم: "يبغالي أدرس نومك وأتابع نمط تنفسك.."

زفرت بحنق: "عبد العزيز..!"

رفع يديه باستسلام: "طيب، طيب.. كنت أكذب، كنتي زي النسمة. ما سمعت منك صوت ولا شفت إلا ظهرك اللي عطيتني إياه، يا الظالمة..!"

رمشت تتذكر ما فتح موضوع "الشخير" أصلا، لترجع خصلة من شعرها وراء أذنها بتوتر: "اللحين كل هذي اللفة عشان إيش؟"

كان على وشك النطق بإجابته عندما أتى طرق على الباب، ثم صوت خادمة جدته تعلمهما أن الفطور جاهز.

تركها لتتنفس بحرية أكبر، لتشعر بخيبة غريبة، بإحباط بعد خمود ترقب لم تلحظ أنه كان يتصاعد في نفسها.

=
=
=

عندما انفردت بها جدة عبد العزيز بركن بعيد عن سمع حفيدها، قالت لها بنصح حان: "أدري بوليدي، راسه يابس ويولع على أتفه سبب، بس قلبه مافي أحن منه.. اعرفيله وإن شاء الله يعيشك عيشة طيبة.."

حكت لها أكثر عن عبد العزيز وصباه، كيف أن أباه كان يرسله في العطل ليبقى مع جدته، على أمل أن هدوء هذه المنطقة وقلة سكانها سيخفف من وطأة طبعه النزق وعدد عراكاته. أخبرتها جدته أيضا أنه على الرغم من طباعه السيئة وشدة تمرد مراهقته، فإن عبد العزيز كان بارا حنونا مطيعا لها، وزياراته المتكررة لها جعلتهما قريبين من بعضهما، وكانت جدته له حافظة لشكواه وهمومه وأسراره كما لم يكن له أحد من عائلته وأصدقائه.

بسبب الفكرة التي كونها الناس عنه وعن أطباعه، فإن إصرار عبد العزيز على دخول مجال الطب لقي العجب ممن حوله في أحسن الحالات، والاستهزاء الصريح في أسوأها. لكن جدته بقيت واثقة منه ومن إمكانياته، بل وأخذت تكاليف دراسته في الخارج على عاتقها عندما واجهت أباه مشاكل مالية ذلك الوقت، مقتطعة من ورثها الخاص.

وكما حكت لها جدته، فإن عبد العزيز لم ينس دعمها ذاك، وحال عودته وحصوله على مركز في مستشفى تكفل هو ببيتها والقيام فيه من إصلاحات وتجديدات، وزيارتها بشكل مستمر دون انقطاع.

كل كلمة حكتها أثرت في كادي، جعلتها تتمنى أن تعرف أكثر وأكثر حتى توافه الأمور وأصغرها.

=
=
=

عندما حل الليل ورجعا إلى غرفتهما، سألته كادي: "لما كنت تعرف جدتك فيني، ليش قاطعتها لما هي استفسرت..؟"

ليسألها بدوره، يحاول صرف انتباهها: "كم بتدفعين عشان أقولك؟"

أجابته بحزم موقف وإصرار: "اللي تباه."

وكان على وشك استخدام إجابتها تلك ضدها عندما صدح صوت ذئب يعوي، لتقفز كادي بذعر تحتمي به تحضنه بقوة من خوفها. مسح على ظهرها يحاول تهدئتها: "ما يجي البيوت لا تخافين."

صوتها كان مرتجفا مكتوما بسبب ضغطها وجهها على صدره: "وليه أصلا فيه ذيب في محافظة؟!"

رد وقلبه يخفق لقربها الخانق له، لتهدم حصون صبره أمام غزو عطرها: "بيت جدتي في آخر المحافظة وما وراه إلا الصحرا، عشان كذا نقدر نسمع صوته، ولا هو ما بيطب بين الناس.."

وكانت قريبة من الاستكانة والتحرك بعيدا عنه عندما عوى الذئب مرة أخرى، لترجع تحتضنه بشكل أقوى.

من تجربته يعرف أن الذئب سيواصل عواءه طول الليل، وربما سينضم إليه آخرون من بني جنسه..

هل كان من اللئامة أنه كان شاكرا لذلك؟

همس لها وقد فاض به التوق: "تبيني أشتت انتباهك عنه..؟"

ارتجفت بين أضلاعه لسؤاله، لكنها لم تبتعد. أخذ ردة فعلها تلك كنعم.

وعندما اقترب منها أكثر، لم تقاومه.

=
=
=

استيقظت على تلمسه الرقيق لتلك الندبة على ذراعها، تلك التي جمعتها به لأول مرة.

انكمشت من الحرج، من وضعها الحالي.. ولاحظ هو ذلك ليضحك بخفة.

لا تستطيع رؤيته بوضوح في ظلمة هذا الوقت المتأخر من الليل، لكنها لا تحتاج، فملامحه وهو يضحك طُبعت على قلبها من المرة الأولى التي رأته يضحك فيها.

الضحك والبسمة يغيرانه بشكل عجيب، يظهران الروح والحياة خلف خشونة مظهره وتصرفاته. كم من مرة وجدت نفسها تحدق به، كأنها مأخوذة به.. طبعا لا، ما زالت أسوار قلبها كالجبال حتما.

الفضول، نعم. فقط الفضول ما كان يسيرها نحوه، فضول يجعلها تتساءل عن معقولية وجود تناقضات كثرى في شخص واحد.

من يرى تلمسه الحريري لندبتها لا يظن أنه كان من خاطها بكل آلية وعملية. من يرى ويحس بلطف أنامله على بشرتها لا يظن أن تلك الأنامل نفسها جُمعت في قبضة هددت وضربت كل من وقع غضبه عليه.

من يراه وديعا هكذا لا يظن أنه نفسه المجنون الذي كان على وشك قتال مجرم يلوح بساطوره.

(عجبك عريس الغفلة، عجبك للآخر!)

أعجبها عندها، ويا للغرابة ما زال يعجبها بل زاد..!

"لا يا كادي، لا.."

بصرامة، أبعدت نفسها عن التفكير فيه بكل ذلك العمق الجارف، الذي حتما سيودي بدب نبض عاطفة لا تريدها إذا استرسلت فيه.

=
=
=

في الليلة التي سبقت عودتهما، استدعتها جدة عبد العزيز إلى المجلس لوحدها. أهدتها صندوقا خشبيا عتيقا، صغير الحجم خفيف الوزن.

فتحته لترى أنه يحتوي على بخور فاخرة وحلي أثرية رائعة البهاء. الصدمة ألجمت لسانها للحظة قبل أن تنطق أخيرا: "مقدر أقبل فيها.."

لترد الجدة بحزم وعناد لا يتزحزح شبرا من محله، وعرفت كادي لحظتها من أين ورث زوجها عناده ذاك: "حالفة من أول ما يأخذ ذا الصندوق إلا عروس عبد العزيز، وهذاني ألاقيك اللحين." وقبل أن تعترض كادي صفقت يديها بابتسامة عريضة وأردفت بحماس: "إلبسي الحلق أشوف..!"

فعلت كما أمرت بعد ثانية من التردد، لتسأل وأقراط ذهبية تتدلى برنين خافت من أذنيها: "حلو؟"

ازدادت ابتسامة الجدة عرضا عندما أجابت: "قمر! والله عرف وليدي كيف يختار!"

=
=
=

أصرت الجدة أن يرافقهم سائقها الخاص في طريق العودة، تقول بضحكة متسلية شابهت تلك لحفيدها: "أدري بك تضيع دربك لو كان قدامك يا عزوز!"

لم تزعج كادي نفسها في كتم ضحكتها بدورها، تتجاهل تماما نظرة الغيظ التي وجهها عبد العزيز نحوها.

افترقوا على وعد زيارة قريبة، وعلى الرغم من المشقة التي مرت بها، فإنها لم تندم على هذه الزيارة أبدأ.

سألها عبد العزيز مقاطعا ضجيج خواطرها: "وين تبين تسافرين لشهر العسل؟ أول ما بلاقي فرصة بسوي حجز.."

نعم، صحيح أنها لم تندم على هذه الرحلة، لكنها تعلمت دروسا منها أيضا، وأبدا لن تخاطر في السفر لوحدها مع عبد العزيز إلى بلد آخر!

أجابته أخيرا: "خلينا في الديرة أحسن.."

انتهى البارت..~

najla1982 likes this.

لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-18, 08:27 AM   #18

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

يسعدكم ربي على جمال كلماتكم..

الرابعة عشر

=
=
=

بدت شادية متفاجئة من حضورها، تتردد حتى في إدخالها. نظرت غالية إليها باستغراب مستهجن: "ما أعهدك تذلين الناس عالوقفة عند باب بيتك."

غلب طبعها الكريم حالة الغرابة التي كانت فيها، لتدخلها إلى البيت وإلى المطبخ، محل تسامرهن الدائم.

لم تنس غالية غرابة تصرف شادية واستجوبتها على الفور: "وش فيك يا بنت؟"

مالت شادية مقتربة منها، تهمس: "أصلا عمي موجود، وكان يدخل ملحقه لما دقيتي الباب.."

خفق قلبها مسرعا لذكر محبوبها، لكنها مثلت الصلابة واستفسرت بنبرة محايدة: "وليه موجود اليوم؟ لا اليوم جمعة ولا هو اللي يغيب من شغله لأي سبب.."

أجابتها شادية: "هذيك قلتيها، ما يغيب لأي سبب. اليوم هو تعبان ومسخن حده، ما قدر يمشي خطوتين ورى بعض في الصبح..! بس اللحين حالته أحسن الحمد لله.."

على الفور قامت غالية من مكانها تتجه للملحق وإلى غرفته، سمعت شادية تناديها: "هيه، وين رايحة؟!"

رأت سالم مستلقيا على ظهره، يغطي وجهه بساعده، غاط في نوم عميق.

لم تصدر صوتا وهي تتقدم داخل الغرفة التي جمعتهما، تجلس على طرف السرير ببطء خشية إيقاظه، تكتفي بمراقبته عن قرب هكذا في ضوء الغرفة الخافت من الستائر المسدلة، تمنع شعاع ما بعد الظهيرة من التسلل. أحست بقلبها ينفطر أشلاء من قهرها على عدم مقدرتها على فعل شيء، فكيف يمكنها رعايته وهو يرفض رؤيتها قبل تحقيق عهده الغبي ذاك؟!

لزوجها كبرياء عنيد وعزة نفس لا ترضى بالذل. كلمات والدها وتقليله من شأنه جرحاه وبشدة، ولولا عظم قدر حبها في قلبه، لكان قد طلقها مستغنيا عنها.

تعرف أنه لن يرضى أن تعود له إلا كما يريد ويراه مناسبا لرد اعتباره واعتبارها، وإن حدث وعادت له عنوة فلن يرضى أبدا.

لذا، صبرت عليه وعلى بعده، صبرت عليه كما صبر هو عليها بعد إجهاضها لأول حمل لها ودخولها حالة عزلت نفسها عن الكل فيها، حتى عنه هو. تذكر كيف راعاها، كيف عاملها بكل عطف، كيف احتواها، حتى تخطت تلك المرحلة.

تجرأت واقتربت منه أكثر، حتى قبلت ظاهر ساعده، تهمس: "فيني ولا فيك يا قلبي.."

نهضت خارجة بذات الهدوء، تتساءل بشجن متى يريد أن يرحمها من بعده.

=
=
=

بدا على عمها الشرود عندما استيقظ، لتسأله بقلق: "لساتك مسخن؟"

رد: "لا، لا.. شفت لي حلم حلو وبس.."

ارتسمت على شفتيها ابتسامة: "من بطولة ست الحسن؟"

ضحك: "وفيه غيرها؟"

هل تخبره أنه مهما رأى، فإنه كان حقيقة وتخون وصية غالية لها ألا تُعلمه بحضورها؟ أم توفي بوصية زوجة عمها وتبقى صامتة..؟

في النهاية، اختارت شادية الصمت، وتركت عمها يظن أن ما رأى كان حلما جميلا ويسرح فيه.

"صدق ما لقيت من وساطة الغراميات ذي إلا الشقى.."

=
=
=

في زياراتها الأولى لزوجة أبيها المرحوم، لم تطل لمار في البقاء، وأوصت السائق نور على التزام الصمت وعدم فضح أمر زياراتها هذه. وبسبب مدة بقاءها القصيرة، لم تسمح لها الفرصة في الاسترسال في الكلام، فقط طرح بضع أسئلة سطحية عن حالها.

قد عرفت أن زوجة أبيها لا تخرج من البيت أبدا، ولا تحتاج، فعلى حسب قولها، ما لديها يكفيها، والقيام بالبيت لم يكن بتلك المشقة.

مع ذلك، لم يطمئن قلب لمار. قد بدت الأخرى ذابلة بعض الشيء، خافتة. وفي بعض اللحظات، في لمحات خاطفة بالكاد تُرى، بدت كأنها.. قلقة.. لكن من ماذا؟

بدأت لمار بصنع الأعذار لتطيل، ولحسن حظها فإن خالها كان منشغلا هذه الأيام وإلا كان ليكشفها بكل سهولة.

مر على عرس كادي يومان عندما زارتها، للمرة الثامنة ربما، وككل مرة، بدت زوجة أبيها متفاجئة من حضورها، كأنها تتوقع منها العكس والتوقف يوما من هذه الأيام.

حكت لها لمار عن حفل زفاف كادي وترتيباته بحماس متزايد: "صديقاتي استلموني تعليقات ذيك الليلة! اللي تقول أخيرا شكلك زي أي أنثى صاحية، واللي تقول إني ناوية أنخطب، واللي مسوية فيها خطابة..!"

وعلى الرغم من ثرثرتها وخوضها في أدق التفاصيل، لم توقفها زوجة أبيها مرة، بل استمعت لها بكل انصات، أحيانا تسألها أسئلة بدت غريبة بديهية.. أعطت لمار الفكرة أن زوجة أبيها لم تحضر عرسا قط.

ليتبين أن تلك الفكرة كانت صحيحة: "ولا مرة رحتي؟"

أجابتها: "ما كان له داعي أروح."

رأت إجابة زوجة أبيها عجيبة، فحتى هي التي لا تحب أجواء الأعراس وصخبها الزائد قد حضرت عددا معتبرا من الأعراس في حياتها: "طيب وأهلك؟ ما غصبوك تروحين معاهم مرة ولا مرتين؟"

لسماع سؤالها ذاك، ابتسمت زوجة أبيها ابتسامة بالغة السخرية: "لا، ما غصبوني أروح أبد.."

تفصيل غامض آخر في حياة هذه المرأة أمامها، رسمة فرشاة أخرى على هذه اللوحة المبهمة التي كانت تعطيها، معلومة أخرى تعرفها عنها..

وبالحديث عن المعلومات..: "كم عمرك؟"

رفعت هي حاجبا بعجب، لتردف لمار بزخم أخرق مرتبك: "فيني فضول أعرف.. مو باين عليك كبيرة.."

كانت الابتسامة التي أعطتها هذه المرة مائلة متسلية: "ما قالوا لك عيب تسألي مرة عن عمرها؟" وكانت لمار سترد لولا إكمالها: "عمري ثمانية وعشرين سنة.."

ثمان وعشرون سنة؟ فقط أكبر من أختها كادي بسنتين، ومنها بسبع؟ مقارنة مع أبيها الذي كان في أواسط الخمسينيات، باديا عمره وتعب السنين عليه، كانت صغيرة.. وجدت نفسها تسأل بهمس: "ليه..؟" لكنها لم تكمل.

لكن زوجة أبيها بنباهة فهمت ما تعنيه وردت بتعابير وجه باردة: "ليه تزوجت أبوك وما بيني وبين أكبر بناته شي؟ بسيطة، أبوك مثل لي فرصة وأخذتها.."

زمت لمار شفتيها بضيق: "فرصة عشان وش..؟"

لترد الأخرى بذات البرود: "واضحة.."

شيء ما جعل لمار غير قادرة على تصديق ما قصدته، ليس وتصرفاتها طيلة الفترة التي عاشت معها في هذا البيت تناقض إدعاءها، ليس وآخر فعل فعلته ما زال يتردد صداه في ذهنها.

إذا كانت حقا تسعى وراء المال كما تلمح، لِم تنازلت عن ورثها من أبيها المرحوم؟

تساءلت لمار في نفسها، بكل العجب الذي رافقها في تعاملها معها، منذ تلك الحادثة التي منعتها فيها من الذهاب لحفلة شذى، عندما تعمدت الظهور بمظهر زوجة الأب اللئيمة وهي في الحقيقة تداري مصلحتها..

"ليه تحبين الناس يظنون فيك الشينة؟"

لم تطل بقاءها بعدها، ولكن على عتبة الباب قالت: "بجيك الأربعاء، توصين على شي؟"

ظلت زوجة أبيها تحدق بها قبل أن تهز رأسها بـلا، تهمس: "سلامتك.."

كان لديها الإحساس أن زوجة أبيها تحاول جعلها تنفر منها، لكنها لا تعرف مدى إصرار لمار عندما تعقد عزمها.

=
=
=

فور عودة ابنتها وزيارتها لها، انهالت عليها منال بالأسئلة، تتأكد من أنها كانت مرتاحة مع زوجها، تحثها على إخبارها إذا ضايقها بشيء.

بدورها أجابتها كادي أنها كانت مرتاحة وبدا عليها الصدق، بل ظهر في عيونها شيء مما كانت تراه في عيونها هي في الماضي، في بداية حياتها مع راضي.

استيقظت من خواطرها تلك لدخول لمار الصاخب للمجلس وهتافها وهي تضم أختها، تنهال عليها بنفس الأسئلة التي سألتها هي: "يا الخاينة قلتي بتجي في الليل!"

=
=
=

عندما أبلغت ترانيم أبوها موافقتها على خاطبها، رد هو أن ملكتها ستتم بعد أسبوعين من الآن وزواجها بعد شهر.

كأنه يريد التخلص منها!

لكنها لم تبدِ انفعالها، فقط ردت: "إذا على كذا، فشرطي إن ملكتي تكون بلا شوفة.."

لم يظهر على أبيها استساغة الفكرة، لكنه رد بدوره: "لك اللي تبين."

=
=
=

منذ أن أعلن أبوه موافقة أخته على الزواج بمن خطبها وجلال في حالة ذهول.. فأخته لم يبدُ عليها أي بادرة على تفكيرها في تغيير موقفها والنزول من قصرها العاجي. زاد شكه عندما عرف من خطبها، ابن عمته من الرضاعة، يتذكر محادثة ماضية مع أبيه..

(-: "جا يخطب ترانيم؟"

-: "لا.. بس لو جا عندي خاطب ما برده.."

-: "هذي نبرة جديدة.."

-: "يمكن..")

ظل يحدق بأبيه متسائلا، أيمكن أنه أجبر أخته على الموافقة؟

"بأية حال، السالفة فيها إن.."

قد شارك خاله بشكوكه تلك، ليرد عليه بسؤال: "كلمت أختك؟"

أشار بالنفي: "لساتني مو مستوعب الخبر، بس بكلمها قريب.."

تنهد خاله: "أجل كلمها ونشوف وش بتقول، إذا أبوك غصبها بنحاول فيه.." نظر بعدها إليه بمعنى: "و ما دامنا في طاريه، متى ناوي تفكر تتزوج حضرتك؟"

نظر جلال إليه بشك: "كلمتك أمي ولا وش؟"ثم استطرد قائلا بابتسامة: "واللحين مو أنا وإنت اتفقنا تزوجني بنتك لما تجي للدنيا؟ عجل علينا ترى الوقت يمضي..!"

ابتسم عندها خاله بمكر عرف من خلاله أن محاولته قلب الوضع عليه لم تنجح: "يمكن ما عندي بنت من صلبي، بس فيه وحدة أعدها بمنزلة بنت لي وأبغاك تتزوجها.."

لم يستطع جلال إلا النطق بـ"ها؟" بعدم استيعاب لما يقوله خاله.

انحسرت الابتسامة من ملامح خاله، ليحل بدلها الجدية التامة: "إذا طلبتك بتردني؟"

بحمية، مدفوعا بقدر خاله الغالي عنده أجاب: "أطلب مني اللي تباه يا خال، فداك.."

أخبره عندها خاله عن خالته منال وتوجسها من أعمام ابنتها ومخاوفها من أهدافهم، من كونهم سيستخدمون ابنتها ضدها لتلبية أطماعهم. لكن، بعقد قرانها به، فإنه لن يكون لهم سلطة على لمار وستبقى مع خالته.

سأله خاله عندها، بعد أن أعطاه لحظة للتفكير: "وش قلت..؟"

ليرد بثقة: "لما قلت إني بسوي اللي تبغاه مني عنيتها يا خالي، وعشانك وعشان خالتي، أكيد موافق."

صدقا، لم تكن ابنة خالته لمار أبدا في مجال راداره، لا يملك عنها فكرة سوى أنها صغيرة، لا يمتلك ذكريات تجمعه بها في الطفولة سوى بضع متفرقة مبهمة لا يستطيع تذكرها بسهولة. لم يكن ليخطر على باله خطبتها أبدا.

بدا خاله الفخر الفاضح به، الراحة الواضحة لسماع إجابته، وهذا عزز موافقته أكثر على طلبه: "ريحتني يا ولد أختي.." أردف وهو ينخرط في تفكير عميق: "لساتنا عالبر ويبغالي أفاتح البنت في الموضوع، إذا رفضتك بدور لي حل ثاني، مقدر أغصبها عليك.."

استنكر جلال بغرور: "وش جاب طاري الرفض؟ أكيد بتوافق علي..! إنت بس فكر في الإجراءات وبس يا خالي.."

ابتسم خاله بتسلية: "ارحمنا يا أبو الثقة إنت!"

=
=
=

لم يمض أسبوع بعد استقالته من العمل لدى عمه إلا وأمه تواجهه بمعرفتها بالخبر، بثورانها الكاسح لتأكيده ما سمعته: "ليه تحب تكسر كلمتي يا ولد غانم؟! ليه تتنازل عن حقك؟!"

ولأول مرة، واجهها عبد الرحمن بالحقيقة ولم يصمت ليراعي شعورها، مهما ظنه خاطئا: "حقي اللي تركه جدي لأبوي من الورث. بنوك عمي أسسها من ورثه هو وحنا مالنا علاقة فيها يمه..!" أردف يرجوها أن تفهم: "وش اللي يحدنا نعيش على إحسان عمي؟ ليه نحط عيوننا على حقه وهو حافظ حقنا ومتفضل علينا ببيته وفلوسه؟"

ظلت أمه صامتة، باديا فيها الاستياء والغضب وعدم الرضا بكل كلمة قالها، وتركته متجاهلة لندائه خلفها، ليستسلم ويتنهد بضيق..

"الله يهديك يمه.. الله يهديك.."

انتهى البارت..~


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-18, 10:50 AM   #19

انت عشقي

نجم روايتي

alkap ~
? العضوٌ??? » 96758
?  التسِجيلٌ » Aug 2009
? مشَارَ?اتْي » 623
?  نُقآطِيْ » انت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond reputeانت عشقي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

ولأبداع عنواين..وأنتي احدها..البارت روعه.⁦♥️⁩

انت عشقي غير متواجد حالياً  
التوقيع
ﻛﺎﺭﺩﻱﻣﻴﺮﺳﻲ
رد مع اقتباس
قديم 04-01-18, 10:54 AM   #20

Msamo
 
الصورة الرمزية Msamo

? العضوٌ??? » 366128
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,821
?  نُقآطِيْ » Msamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond reputeMsamo has a reputation beyond repute
افتراضي

اول ما شفت اسمك فرحت كتير وهبدا بقراءتها
انت من الكاتبات المميزات اتمنى أن تمتعينا بابداعك


Msamo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:35 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.