آخر 10 مشاركات
قبل الوداع ارجوك.. لاتذكريني ! * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : البارونة - )           »          عروس المهراجا (163) للكاتبة: Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          253- لعبة الحب - بيني جوردن - دار الكتاب العربي- (كتابة/كاملة)** (الكاتـب : Just Faith - )           »          موريس لبلان ، آرسين لوبين .. أسنان النمر (الكاتـب : فرح - )           »          151 - قسوة الحب - روايات ألحان كاملة (الكاتـب : عيون المها - )           »          همس الشفاه (150) للكاتبة: Chantelle Shaw *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          البديلة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hollygogo - )           »          25 - تهربين إليه ! - شارلوت لامب ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          زَخّات الحُب والحَصى * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Shammosah - )           »          221 - مدللة - جيسيكا هارت (الكاتـب : Fairey Angel - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree306Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-12-18, 11:56 PM   #2481

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي




نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 31-12-18, 11:56 PM   #2482

هوس الماضي

نجم روايتي وعضوة بفريق الكتابة للروايات الرومانسية

 
الصورة الرمزية هوس الماضي

? العضوٌ??? » 330678
?  التسِجيلٌ » Nov 2014
? مشَارَ?اتْي » 1,193
?  نُقآطِيْ » هوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond repute
افتراضي

مل عام وانتم بخير ... سيدات روايتي العزيزات ...
كل عام وانت بخير سوسو ... وكل رواية وانت متميزة ومبدعة 😍😍😙
الخاتمة نزلت


هوس الماضي غير متواجد حالياً  
التوقيع












رد مع اقتباس
قديم 31-12-18, 11:58 PM   #2483

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي



نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 31-12-18, 11:59 PM   #2484

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي

انتهى العد التنازلي والليلة صفر الخاتمة .. شكرا من قلبي لكل مَن حضر ..
الكتاب الالكتروني بعد تدقيق الرواية بإذن الله في أسرع وقت
شكرا لوحي الأعضاء لاستقبالي بكل إشرافه وقرائه
دمتم بكل الخير
الخاتمة من أطول ما كتبت .. وأصعب ما كتبت .. كل مشهد أخذ من روحي جزءا .. فشاركوني وداع أبطالي


ختام الضباب


" آآآآآآه ... آآآآآه "

تعالى صراخها الباكِ بغرفة المشفى حيث وصلا منذ دقائق قليلة بعدما شعرت بآلام الطلق بعد الظهيرة رغم أن الدكتورة صفاء أبلغتها قبلا أن باقي أسبوعا تقريبا على ولادتها ..
الانقباضات المنتظمة بظهرها وبطنها تتزايد فتزيد دموعها مع الألم الرهيب كأن جسدها يُجلَد بلا توقف ..
تشد شمس على كفه وهى تكتم صراخها مع أنفاسها وأكمل يقول بتحشرج

" حبيبتي أنا بجانبكِ تحملي قليلا بعد "

ذراعه الأخر يحاول ضمها لصدره وهو واقفا جوار السرير حيث تجلس على حافته قدميها متدليتين على الأرض تكور أصابعها عليها بألم ..
ثوانٍ استسلمت لبكاء صامت بأنين متوجع مستندة بجبهتها لصدره فتقول بصوت مبحوح

" سأموت يا أكمل "

يميل برأسه نحو رأسها يمسح جبينها الذي يتصبب عرقا وهو يشد على جسدها بذراعه قائلا بنبرته القوية رغم قلقه

" بعيد الشر عنك يا نور عينيّ ستكونين بخير وتفرحين بأولادنا "

تعتصر شمس عينيها بقوة مطبقة شفتيها تمنع الصراخ لكنه أفلت منها رغما عنها فتصرخ

" آآآه .. إن حدث لي شئ ... "

قاطعها أكمل بلهفة ورعبها يحاصر قلبه

" اخرسي يا شمس وإلا ... "

علا صوتها بصراخها وأظافرها تحفر يده

" وإلا ماذااااا ؟ .. ستترك لي المشفى كما تترك لي البيت ! "

رغما عنه ابتسم قليلا يمسح على شعرها المجموع بأعلى رأسها وهو يهمس باختناق خائف

" أحبكِ .. تحملي لأجلي ولأجلهما "

تحاول شمس التنفس ببطء لكن جسدها كله ينسحق ألما فتنزل دموعها قائلة بأنفاس لاهثة

" ادع لي .. واجعل ماما راوية تدعو لي .. واتصل بأمي "

هز أكمل رأسه مغمضا عينيه يمنع نزول دمعتين لمعتا بعينيه خوفا فينبض قلبه بقوة وهو يرد

" حاضر حاضر .. أخر مرة أتحمل فيها هذا الألم "

لم يكن يشعر بكفه وهو يتركه لها تماما تشد عليه بلا وعي كأنه دعمها الوحيد ويده الأخرى تطبع رأسها على صدره لكنها صرخت فجأة بعدما أنهى كلامه

" آآآه ... أنا مَن تتألم يا أحمق ولا تقل هذا أريد أن أنجب منك فريقا كاملا يا ابن الفايد "

تتسع عينا أكمل الزرقاوتان بذهول وهو يسمع نعتها له بالأحمق عادي جدا ! .. ثم يعقد حاجبيه بذهول أكبر وهو يسمع .. ابن الفايد !! .. لم تقلها له يوما !!!..
ابتعد قليلا ينظر أسفل لوجهها المتألم المغرق بالدموع فيضحك بجزع وهو يحيطه بيده الحرة الوحيدة التي يملكها الآن قائلا بصدق

" ابن الفايد سيموت خوفا عليكِ "

طرقة خفيفة على الباب ثم فتحته الممرضة لتقول بعملية وهى تشير للسرير المتحرك خلفها

" هيا يا سيدة شمس .. لقد وصلت الدكتورة صفاء وغرفة العمليات جاهزة "

التفتت إليها شمس تقول مسرعة بوجع

" لحظة .. لحظة من فضلك "

اومأت الممرضة وهى تبتعد عن الباب قليلا فترفع شمس عينيها الدامعتين إليه تتحامل على الألم بأنفاس متسارعة تقول بلهفة مرتعبة كأن الوقت ينفذ منها

" أكمل .. أنت أحسن شئ حدث لي في حياتي ... لولاك لكنت مت ودفنت نفسي بالحياة .. أنا أحبك ولم أحب قبلك ولا بعدك "

هز أكمل رأسه وقلبه يتفتت وينتقل لصدرها وهى تترك يده أخيرا فأحاط وجهها بكفيه يميل ليقبل جبينها بقوة ثم يقول بنبرة قاتمة

" أعرف حبيبتي .. هيا الآن وستعودين إليّ بعد دقائق "

أشار للممرضة خارج الغرفة فسحبت السرير المتحرك للداخل ليساعدها أكمل على الوقوف ثم الاستلقاء على السرير وتغطيتها وظلت متشبثة بكفه حتى تركته عند باب غرفة العمليات .. وانغلق الباب في وجهه.

ظل واقفا جوار الباب مستندا للجدار يحاول أن يسيطر على ألمه وخوفه لكنه يتذكرها كل لحظة ووجهها يترجاه خوفا من أن يحدث لها شئ .. لم يدعها تكمل هذه الجملة ولا مرة واحدة .. ماذا كانت ستقول ؟ .. ماذا ؟ ..
هل هذا وقت عذاب جديد ؟ ..
شعر بخطوات متسارعة تقترب منه فأدار وجهه يبصر راوية تصل إليه متسائلة بلهفة

" هل دخلت ؟ .. خرجت حين اتصلت بي .. مسافة الطريق فقط "

حالما رأى وجه أمه تذكر قول شمس فيقول باختناق

" ادعِ لها .. لا تتوقفي عن الدعاء أمي "

تتبسم راوية في وجه ابنها البكر الشاحب المخطوف كقلبه الذي خطفته تلك الأنثى بالداخل .. كانت تعلم أنه يمر بلحظة ضعف نادرة لم تظهر عليه ربما منذ وفاة والده ..
تلمس راوية ذراعه بحنان قائلة

" ستكون بخير يا حبيبي لا تقلق .. هل اتصلت بأهلها ؟ "

يتذكر من جديد ما نساه فيخرج هاتفه يجري مكالمة سريعة مع والدها الذي أخبره أنهما سيأتيان ثم يغلق الهاتف ويرجعه لجيبه ..
على أحد المقاعد القريبة أراحت راوية جسدها وهى تدعو

" جعل الله ولادتها سهلة قادر يا كريم "

ينظر أكمل بساعته كل دقيقة وهو يقبض يده التي كانت متمسكة بها منذ شعرت بالألم .. لم تتركها حتى بالسيارة تركته يقود بيد واحدة لتتشبث هى بها ..
يضرب الجدار بهذه القبضة ثم يغمض عينيه هامسا برجاء

" يا رب .. يا رب .. أعدهم لي بخير "

تنتبه راوية إليه فتقول بخفوت

" يا ابني اجلس واهدأ "

قبضته تضرب راحة يده الأخرى بتوتر وأعصابه تحترق وهو يهتف

" ماذا يفعلون كل هذا الوقت بها ؟ "

تتعجب راوية وهى ترد عليه

" يا حبيبي لم يمر سوى ربع ساعة اهدأ !! ... ولادة التوأم تأخذ وقتا أطول "

ينظر أكمل بساعته مجددا .. ربع ساعة منذ جاءت أمه وعشر دقائق قبلها .. خمس وعشرون دقيقة من حريق الأعصاب ..
فجأة اقترب من باب غرفة العمليات ولا يعرف كيف ميز الصوت الذي وصل لأذنه فيضرب الجدار بغضب هاتفا

" إنها تصرخ .. تصرخ "

يزداد تعجب راوية وهى تقول

" لا حول ولا قوة إلا بالله .. ولادة طبيعية لابد أن تصرخ من الألم "

استدار أكمل إليها مشيرا لباب الغرفة هاتفا بجنون غاضب

" هذا لأن المجنونة الغبية رفضت الولادة القيصرية رفضا قاطعا وتوسلت الدكتورة أن تساعدها على الولادة الطبيعية وأنا واثق أنها سترفض أي تخدير يقلل الألم "

زفر بغضب عارم متذكرا ذلك اليوم وهى تخبر الطبيبة أنها ولادتها الثانية وتريدها طبيعية كالأولى بينما ترمقه هو بقلق وحرج من الماضي الذي لم يتجاوزه في هذه النقطة تحديدا ..
أرادت كل شئ طبيعيا وقالت للطبيبة بالحرف إنها تريدها طبيعية لتستطيع الاعتناء بالطفلين بعدها ولا تعاني آلام ما بعد القيصرية ..
مطت راوية شفتيها وهى ترى غضبه فتقول بتعقل

" الولادة الطبيعية أفضل لها وآلامها وقت الولادة فقط .. لكن هل كنت ستحتمل ألمها من القيصرية لأيام طويلة قادمة ؟ "

زفر أكمل مجددا وهو لا يفكر إلا أن يراها أمامه سليمة فتعاود راوية إقناعه برفق

" يا ابني .. لو طبيبتها رأت أنها لابد أن تلد بعملية قيصرية بسبب وضع الجنينين ما كانت ستنتظر رأيها لا تقلق "

سكن جسده فجأة وهو ينظر أمامه فظنت أن كلامها الأخير أراحه قليلا لكنه اندفع مبتعدا عن غرفة العمليات ليبتعد في الرواق الطويل وراوية تهتف

" أين ستذهب ؟ "

لكنه لم يرد حتى اختفى !.


بعد عشرين دقيقة عاد أكمل هادئا نسبيا رغم قلقه فتسأله راوية

" إلي أين ذهبت ؟ "

يرد عليها بسؤال

" ألم يخرج أحد يقول شيئا ؟ "

هزت رأسها نفيا قائلة

" لا داعي للقلق ستخرج بعد دقائق "

استند أكمل للجدار مغمضا عينيه وما هى إلا خمس دقائق أخرى وانفتح الباب ليخرج سريرها المتحرك فيتجه إليه ينحني يمسح على وجهها المتعب هاتفا بلهفة وهو يراها بعينيه

" شمس "

كانت مسبلة أهدابها مجهدة مستسلمة للنوم لكنها ما إن سمعت صوته حتى فتحت عينيها لتقول بضعف

" اياد وزياد يا أكمل .. اياد وزياد "

تسمر أكمل مكانه برجة قلب عنيفة وهى تضيف بإعياء قبل أن يبتعد السرير بها للغرفة

" اذهب إليهما "


بعد دقائق فُتِح باب الغرفة ليدخل أكمل يجلس أمامها وهى نصف مستلقية بسريرها تقاوم النوم حتى تطمئن على صغيريها فتبادره بسؤالها الضعيف

" هل رأيتهما ؟ "

ابتسم أكمل وهو يأخذ يدها من جوارها إلي شفتيه يقبلها بحرارة كل ما شعره من ألم وخوف وغضب ثم يقول

" سيأتون بهما بعد قليل "

تهز شمس رأسها بوهن تتنفس برتابة وملامحها مرهقة بشدة فيقترب منها ليضمها لحضنه برفق يسأل

" هل أنتِ بخير ؟ "

بالكاد سمع همسها وهى لا تقوى على رفع ذراعيها لتعانقه

" الحمد لله .. أريد أن أنام فقط بعدما اطمئن عليهما "

مسح على ظهرها لحظات مطمئنا قلبه أنها هنا ثم يسأل بعتاب

" هل ارتاح رأسكِ الصلب وولدتِ ولادة طبيعية ؟ "

تحرك شمس رأسها أكثر نحو عنقه قائلة بابتسامة ضئيلة ممازحة

" الحمد لله .. لو ولدت بعملية قيصرية لما كنت الآن في حضنك .. كنت سأكون ما زلت أهذي وأهلوس من التخدير عن شرائح الخيار ونقوش الحناء التي تريدها ! "

أبعدها أكمل يريحها على الوسائد العالية ضاحكا بخفوت ممسكا هو بيدها هذه المرة يشد عليها متسائلا بقلق

" هل أنتِ بخير حقا ؟ "

تتسع ابتسامتها تجيبه بخفوت

" الحمد لله .. ألم خفيف طبيعي لا تقلق "

أخرج أكمل من جيبه كيسا صغيرا به ثمرات صفراء ذات قشرة بنية بنهايتها ثم مد أصابعه داخل الكيس يأخذ واحدة ويقربها من شفتيها قائلا

" كلي هذا "

تنظر شمس لثمرة الرطب ( ثمرة التمر قبل أن يجف ويتجعد ) بين أصابعه فتسأل باستغراب

" من أين أحضرته ؟! "

رد أكمل برهبة تلك اللحظة وعيناه تلمعان بوهجهما الأزرق

" أعطاني إياه شيخ المسجد حين تركتكِ دقائق وذهبت لأصلي العصر عندما وجدني قلقا عليكِ .. قال لي أنه سيقلل أي ألم بعد الولادة وقرأ لي من سورة مريم ( فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ) صدق الله العظيم "

فغرت شمس فمها وعيناها تدمعان بينما يفتح أكمل الثمرة يخرج منها النواة ثم يقرب نصفها من شفتيها مجددا قائلا بابتسامة

" طلبت منه أن يدعو لكِ ولطفلينا وما إن عدت حتى خرجتِ بعدها بدقائق "

سالت دمعتها بصمت وهى تتناول النصف من يده تمضغه بضعف وهو يمسح دمعتها تلك ..
لا تعلم لمَ تذكرت ليلة الشظايا .. يوم رأته لأول مرة وهو يشرب فتحطم عالمها كله ورغم ذلك أحبته ..
ويوم آخر تتذكر راوية تخبرها أنه تغير بعدما انتقلوا من منطقتهم وتوصيها أن تتحمله إذا غضب ..
لكنه اليوم يعرف مقداره الكبير عندها .. بل أكبر بكثير مما قد يتخيله ..
يطعمها أكمل النصف الآخر ثم يمسح دمعة أخرى انسابت على وجنتها وهى تنظر إليه تبدو شفافة الأفكار لعينيه تماما فيقول بابتسامة شجن

" اعرف ما يدور برأسكِ ... مشوار طويل مشيناه معا يا شمس .. أنا تغيرت وأنتِ أيضا "

أدارت يدها جوارها تطلب يده فأمسكها بحنان وهى تقول بتأثر

" كلانا تغير للأفضل "

فُتح باب الغرفة لتدخل راوية بسعادة هائلة تقول بفرحتها

" ها هما ولديكما "

دخلت الممرضة حاملة الطفل بابتسامة رقيقة حتى وضعته في حضن شمس ثم تبعتها ممرضة أخرى وضعت الطفل الآخر جوارها وهى تبارك لها ثم خرجتا ..
نظرت شمس لتلك القطعة الصغيرة بانبهار وعدم تصديق ثم تنظر لأخيه جوارها هامسة

" ما أجملهما "

لا تصدق إلي الآن أنهما ولدين منذ أخبروها بغرفة العمليات ..
يا الله .. ضاع منها واحد فرزقها اثنين .. وزوج حنون كريم ..
تبتسم ابتسامة عريضة وقد زال التعب ناظرة لابنها ولسانها يهمس

" الحمد لله الحمد لله .. اللهم لك ألف حمد وألف شكر "

بينما كان أكمل يحدق جوارها في النائم الصغير فيمد اصبعه يداعب خده الأحمر مبتسما بانشراح ملأ قلبه بالرضا ..
ينظر للطفل الآخر في حضنها فتسري الأبوة بدمه بلحظة حب صافية لروحين جمعا عشقه لشمسه وعشقها له ..
تجلس راوية جوار شمس من الناحية الأخرى فتنظر للطفل قائلة بسعادة

" مبارك يا شمس "

ردت شمس عليها مبتسمة بوهن فيما تمد راوية ذراعها تربت بيدها على كتف أكمل قائلة بعينين دامعتين

" مبارك يا حبيبي .. عشت ورأيت أولادك "

أمسك أكمل يدها يقبل ظاهرها فتكاد شمس تقسم أنها تحب هذه السيدة الرائعة الحنونة .. منذ أول لقاء بينهما يوم قراءة الفاتحة حين تعجبت كيف أن هذه السيدة جميلة الروح أمه هو حين كان مجرد .. منتقم !..
اليوم تبصم بالعشرة أنها أمه !!..
تنظر إليها جميلة جمالا طبيعيا رغم كبر سنها فتقول بحب

" أدامكِ الله لنا وتربيهما رجالا كما ربيتِ أكمل "

ابتسم أكمل بعينين متوهجتين منتبها لنبرتها العفوية الصادقة رغم إرهاقها ..
نظرت راوية لعيني زوجة ابنها المحبتين فتضع كفها المجعد على جانب وجه شمس ثم تقبل خدها الآخر هامسة

" يا حبيبتي "

تقبلها عدة قبلات متتالية ثم تنهض لتتجه لحمام الغرفة قائلة بابتسامة

" أنا سأتوضأ لأصلي العصر وأصلي شكر لله على عطيته ”

تغلق راوية باب الحمام وأكمل يشاكسها بنبرة خافتة

" أحيانا اشعر أنكِ تحبين أمي أكثر مني "

تضحك شمس وقد عاد لوجهها بعض اللون بعد التعب ترد عليه

" والله أحبها "

نهض فجأة يقبل شفتيها قبلة طويلة مباغتة ثم يجلس مكانه قائلا

" هذه لأجل ما قلتِه لها منذ قليل "

يتورد وجه شمس تسأله بخفوت

" أعجبك ؟ "

يومئ أكمل إيماءة رجولية راضية لن يدرك معناها إلا مَن سمع جملة كهذه من زوجته لأمه .. أن تنتظر أن يكون أطفالها رجالا كأبيهم يحملان صفاته وطباعه .. لن يفهمها إلا رجل صار للتو أباً ..
تدخل شمس سبابتها في يد الصغير المغلقة ثم تميل برأسها تقبل تلك اليد وتقول بانبهارها وهى تنقل عينيها بينهما ثم تستقر على مَن بحضنها

" ياااا ربي على جمالهما ... لا يستطيع فتح عينيه تماما لكن اياد ستكون عيناه زرقاوتين مثلك "

دقق أكمل النظر بوجهه وعينيه الصغيرتين المغلقتين ثم امتدت يداه يحمل الآخر النائم لحضنه فيشعر بدفء خاص وهو يسألها بابتسامته الحانية

" أخر كلام ؟ .. اياد ذو العينين الزرقاوتين وزياد مؤكد سيكون بعيون بلون القهوة مثل أمه ؟!! "

من فرحتها لم تشعر بدموعها وضحكاتها وهى تقول بنبرة مشرقة بغاية السعادة

" نعم أخر كلام "

يقبل أكمل جبهة صغيره بحضنه ثم يرفع عينيه لشمسه طفلة قلبه الأولى وحبيبة الروح قائلا

" سيأتي والداكِ بعد قليل .. لا أريد أن يرى أحد دموعكِ غيري "

بصباح اليوم التالي تقرر خروج شهادتي ميلاد .. ' اياد الفايد ' و ' زياد الفايد ' .


..................

بعد شهر ونصف

سمعني نبضك .. دفيني بنار حضنك
ابيك الليلة وحدك اليَ تكووون
قرب عليا .. حس النار اللي فيا
ابي ايديك بايديا نلف الكون

انا وايش اقول .. وأنت معايا
وايش اقول انسى هوايا
وايش اقول .. أنت غلااااي



بفستانها الأبيض المنسدل على قوامها بزهوره الرقيقة الوردية والصفراء التي غطت صدره وأكمامه وذيله تتمايل بين ذراعيه على أنغام الشغف والشوق ..
هنا بمقهى شبابي مناسب للاحتفالات العائلية محجوز كله لأجل عينيها حفل جديد وزفاف جديد لها وحدها .. بعقد جديد ردها أمام كل المدعوين من أهلهما واصدقائهما المقربين ..
القمر بين يديه مجددا .. أجمل من القمر نفسه ..
لا شئ بالعمر يساوي نبضة عشق من قلبه لقلبها ..
تتراقص ألسنة اللهب الأخضر بعينيه على بضع خصلات حمراء زينت شعرها الأسود لأجله .. لأجل ولعه بغصن الياقوت ..
عيناها تتألقان بنور مشع بالفرح كأنها ما فرحت يوما .. فصولها كلها تتبدل من شتاء قارص غطى بالجليد جفونها لربيع أزهر ألوان الحياة ..
من خريف سقطت فيه كأوراق الشجر مرحبة بالسقوط لصيف لسعتها فيه حرارة العشق فألهبتها نيرانه ..
ثغرها يبتسم يحمل مائة شمعة أضاءتها لغرامه بوعد قاطع بعمر قادم معه ..
فإذا بشفتيه تبتسمان ابتسامتها الخاصة ليميل إلي وجهها بقبلة جبين .. فلتجف أنهار الحنين .. ويقتله الاشتياق لضم غصنها الملفوف إلي جسده ..
أنزل يدها اليسرى من خلف عنقه ليضع باصبعها خاتم الياقوت للمرة الأخيرة .. ' قمر حمزة ' هى مع الاحتفاظ بكيانها المستقل ..
هكذا فهمها بعد كل ما كان .. قد يكون غاضبا ومجروحا جرحا سيشفيه الزمن لكن .. قمر مكانها هنا معه .. بحضنه ..
تطلعت قمر إلي الخاتم بيدها لحظات طويلة قبل أن ترفع عينيها السوداء الكبيرة إليه .. ويا لها من نظرة ..
امتنان وعشق وتفهم وتقبل للأمر الواقع كما هو .. الخطأ ثابت لكن المستقبل مفتوح واسع فلمَ ندمره بالماضي ؟!..
الآن يمكنها القول أنها قمر حمزة دون أن تختنق .. دون أن تشعر بالخاتم طوقا لابد من ابتلاعه ..
الآن الصورة واضحة وإلا ما كانت عادت إليه .. عشقها له لم يغيره شئ رغم أفعالها المتهورة ولسانها الجارح ..
احتاجت فقط يداً تأخذ بيدها لتستطيع الحلم ووضع هدف حقيقي أمامها وإيجاد ذاتها المجهولة .. من البداية لو فهمها أحد ما اختارت طريقا أسود لتخاطر فيه ..
‏ اليوم تعود إليه برغبتها لتبني شيئا جديدا .. تبني بيتها معه ..
‏اتسعت ابتسامة قمر بشفتيها الوردية وهى تعيد ذراعها حول عنقه مع اللحن الشغوف متسائلة بنعومة

" الآن استحقه ؟ "

عقد حمزة حاجبيه يرد بمشاكسة وهو يحك خده

" بعدما اختبرت أخلاقكِ أخر مرة تستحقينه ! "

ضحكت قمر فتطرق برأسها تميل بجبهتها نحو ذقنه ثم ترفع عينيها نحوه هامسة بشقاوة

" وأنت استحققت الصفعة التي أخذتها مني ! "

يعض حمزة شفته السفلى بنفاذ صبر ويداه تشتدان حول خصرها ثم يهمس بنبرة آمرة مشتعلة

" قوليها "

تذوب ابتسامتها في اخضرار عينيه المجنون وهى تقولها من قلبها

" أعشقك وأعشق التراب الذي تسير عليه "

أغمض عينيه لحظات تكاد تسمع هدر نبضاته الملتهبة عشقا ..
ياااا الله .. أي لهيب يشتعل بصدره كلما قالتها ؟..
يلتئم جرحه مرة بعد مرة ويعرف الغفران طريقه .. هو الضائع في جنون رغبته بها التائق لفتنة قلبها المراهق الناري ..
فتح حمزة عينيه يقربها من حضنه أكثر قائلا بأنفاس ثائرة

" سأطالبكِ بها كل يوم "

تتلاعب قمر بخصلات شعره القصيرة بمؤخرة عنقه وهى تخفض عينيها بابتسامة ماكرة تضغط على مقدمة حذائه بحذائها الأبيض كما فعلتها يوم خطبتهما ثم ترفع عينيها الشقيتين هامسة بجمال

" كل ساعة .. وكل دقيقة سأقولها لك .. ما عاد هناك داعي لأخفيها "

نظرة من عينيه الحادتين لأسفل ثم أعاد عينيه إليها بنظرة عتاب لن ينتهي قائلا

" لكنكِ أخفيتِها طويلا "

مالت قمر برأسها بابتسامتها تقول باعتراض ماكر

" أنت أيضا لم تخبرني أنك ... "

قاطعها حمزة وهو يدور بها بعاطفة طاغية على كل جراحها به

" أحبكِ "

هل حقا هى أول مرة ينطقها ؟! ..
صريحة قوية كأجراس دقت بقلبها فارتجفت كل حواسها طربا ترقص في فرح غير منتهي ..
ومع كل الفرح غامت عيناها بألم أوجع قلبها معتصرا إياه ندما بحمقها القديم ..
ينظر للمعة عينيها الدامعة فيجيبها بابتسامة صغيرة عما سألته له العام الماضي

" أحبكِ واشتهيكِ وكل ما يمكن أن يأتي في عقلكِ الصغير هذا "

ابتسمت بألمها وفرحها وهى تتشبث بعنقه أكثر تخفي وجهها في صدره في رقصتهما الحالمة ..
لا بأس أن نخطئ .. المهم أن نتوقف قليلا لنرى خطأنا ونحاول إصلاحه ..
لا بأس أن نندم .. المهم ألا يأخذنا الندم لطريق أسود جديد تضيع فيه نفوسنا بعدما وجدناها.



يا فرح عمري .. معاك الوقت يجري
من شوفك ليه مدري .. تدوب الروووح
انسى اللى فيني .. من حضنك بين ايديني
يا حبي وكل سنيني .. فداك الروووح


بثوبها النبيذي الكلاسيكي الذي لف جسدها ببنطال واسع وسترة زينها حزاما ماسيا لامعا ترقص معه للمرة الثالثة ..
بلا أقنعة .. عيناها بعينيه يندمج ليلهما معا بليل عشق طويل جامح كركض الخيل فوق الأرض الشاسعة ..
‏عطره القاسي يحاوطها ويتخلل أنفاسها فتضمه أكثر تشعر بأنفاسه شهيقا وزفيرا .. تمتص ما بروحه وجعا أو أنينا ..
‏بنظرة عينيها البارقة يرى ذاته ويلازمه صوتها في أسر أنوثتها الساحر .. هى الشاطئ الذي استقر على نعومة رماله بعد حيرة طويلة ..
‏مثل ماء أحاطت بالنار علمت أنها في هواه ستُحرَق .. واعتادت الاحتراق ..
‏يحبها كما لم يحب رجل من قبل .. يحبها هى .. ذاكرته الأولى .. مدينته الأولى .. وطنه الوحيد ..
هى التي تلمس جراحه دون أن يتألم .. تحول الابتسامات من مجرد نقاط انقطاع إلي بدايات أمل ..
يتأمل جمال وجهها الذي لا يشبع منه فيكسر الصمت بقوله الخافت المشتاق

" اتركي فارس عند أمك الليلة "

لكنه كسر كل سحر اللحظة ! ..
تضحك دارين عاقدة حاجبيها وهى ترد عليه

" عند أمي !! .. ابنك عمره ثلاثة أشهر ونصف ! "

وسط الراقصين عالم خاص بهما يجمعهما كأول مرة فيمتد كفه لجانب رقبتها قائلا

" تعالي نترك أخيكِ ونخلع الآن إنه لا يحتاجنا أساسا وعيونه ستخرج إلي زوجته "

يرتفع حاجبا دارين وهى تكرر

" نخلع !! "

يده تعود لخصرها فتنغرس أصابعه فيه مكررا بتأكيد حار

" نخلع ! "

تضحك مجددا ناظرة لعينيه السوداء وغرامهما الجبلي الحاد .. كم تعشق هذا الغرام فيهما ..
تترقب صمتهما ونظراتهما وحركات ملامحه ونفور عروق رقبته حين يغضب .. كل ما فيك حبيبي ..
عيناه حادتا خلفها وتركزتا بعمقهما على شئ ما فتسأل دارين

" إلام تنظر ؟ "

أخرج رائد نفسا طويلا قائلا بنبرة غريبة

" هناك فتاة شقراء خلفكِ جمالها حكاية "

ابتسمت دارين وهى تنام على كتفه توسع له مجال الرؤية قائلة ببساطة

" خذ راحتك يا حبيبي ! "

أخفض رائد رأسه قليلا يغمر وجهه بشعرها فيملأ عبيره أنفه هامسا بأذنها

" آه نسيت .. دارين العامري لا تغار ! "

رفعت دارين رأسها تنظر إليه بعينيها الواثقتين فترد عليه العاشقة فيها

" بل أغار عليك .. وروحي فيك .. لكني أثق بك وبحبك .. وثقتي هذه تجعلني اتركك مع غيري وامضي مطمئنة أنك ستحفظ غيبتي "

ومَن غيرها تمتلك حرية التعبير ؟ .. أن تفصح عن كل مشاعرها لأقصى حدودها وبنفس الوقت تحفظ ذاتها الأبية ..
ترسم حدوده تاركة له الحرية وتدور حوله تذكره بفيض عشقها فيه .. روحها فيه .. بل روحه فيها ..
يبتسم رائد يحفظها بعينيه يضمها إليه أكثر قائلا وهو يستند بجبهته لجبهتها

" وأنا لا أريد غيركِ من الدنيا .. لن ينبض قلب بحبي مثل قلبكِ .. ولن تفهمني امرأة مثلكِ .. لا يوجد بالعالم مَن هى مثلكِ أصلا "

يا حبيبي .. بذكرى الفخر والألم .. بذراع واحدة احتضني أكثر .. وتمسك بي بيدك الأخرى لنهاية الزمان ..
تخفض عينيها لحظات تسرح بكلمات الأغنية بقلب نابض شوقا إليه ثم ترفع عينيها تنظر لساعتها في معصمها خلف عنقه لتقول بعبث

" عشر دقائق ونخلع ؟! "

اشتعلت عيناه بحرارة وهو يغمزها بخبث هامسا

" خمسة ! "



كل شي نسيته معاك عمري بديته
نسيت الكون كله معااااك
لو عمر ثاني .. غيرك ما احب ثاني
إلك كل لحظة أنا اشتااااق

وايش اقول .. وأنت معايا
وايش اقول انسى هوايا
وايش اقول .. أنت غلااااي



في العالم .. قد ينبثق سحر العواصم من مكان عتيق كأثر .. يشهد على طول أعوامه كل البشر ..
لكن في عالم العشق .. ينبثق السحر من عواصم قلوب العشاق الحية بالنبضات التي لا تقل .. قد تخفت حينا وتهدر حينا .. لكنها باقية ببقائهم على قيد الحياة ..
بثوب أسود طويل حتى كاحليها اختارته ليخفي ما زاد من وزنها حتى يعود جسدها كما كان رغم إنه يريده هكذا .. تقف بين ذراعيه وهو مَن يحركها مبتسما على إيقاع نبضاته قبل إيقاع الموسيقى ..
لم تكن تريد شيئا من العالم غير النظر لعينيه الزرقاء فتغرق وتغرق حتى إشعار آخر بالنجاة بين يديه ..
وكأن من عينيه الهوى .. ‏بريقاً يخطف الأنظار .. جمالا يحبس الأنفاس ..
كلما ظنت أن حبها له وصل منتهاه تضخم قلبها أكثر لحب آخر .. هى فتاة الأبيض والأسود ما تمنت سوى ضحكة طفل ضاع منها يوما ليأتها هذا الرجل حاملا الألوان كلها بكفيه ..
قادم من التاريخ الجميل .. من سنوات العشق الصاخب .. من أبيات الشعر العربي ..
قادم ليحيي حنانها ورقتها .. ليخرجها من قواميس القيد والأحزان .. هو كل العشق .. هو الجنون والحنان ..
حين عجزت عن الحلم كان لها ملجأ الأحلام .. حين خافت طوقها داخل نبع للأمان ..
أكمل .. رمز بكيانها تشتهي وجوده سكنها عشقه كالإدمان .
يبحر في عينيها الهائمتين اللامعتين فتتسع ابتسامته بحركة شفتيه

" اشتقت إليكِ "

بلا صوت همسها وصلتها برسالة نابضة .. اشتقت إليك فعلمني .. أن اشتاق أكثر ! ..
يعزف على أوتارها بخبرة رجل يعرف أدق أسرار امرأته .. نادرا ما تحدث لكنها حدثت معه وعرف أدق أدق الأسرار .. من ماضيها لحاضرها يا قلب .. اعشق ..
فتاته عاشقة الوحدة والآلام أقل النساء فضولا صارت عنه أكثرهم .. على أحد جدران قلبه صورة لها ما ظن يوما أن ينبض قلبه لأنثى هكذا .. فالقلب عالق بين أنفاسها والنبضات ..
تضغط شمس على مؤخرة عنقه بيديها تشعر وجوده سخي العاطفة فتهمس بغرام

" وأنا اشتقت إليك .. أكثر مما تتصور "

حركاته تبتعد بها قليلا عن الراقصين دون أن تشعر فقط كانت غارقة به تريده هامسة

" الليلة ... "

عيناه توهجتا بزرقتهما الداكنة فتتراشق أسهم بقلبها مدعيا عدم الفهم

" الليلة ؟! "

ابتسمت ابتسامة ذات مغزى وهى تؤكد له بتقطع ماكر

" الليلة ... !! "

عيناه انخفضت لشفتيها فانتعشت أنوثتها بتورد ساحر على ملامحها .. تحب هذه النظرة بدون كلام .. هى التي لم تعرف يوما قيمة النظرة للشفاه برغبة اشتياق ..
عادت عيناه لعينيها مبتسما فيقول مما مضى

" الليلة ... ستكون أحلى من البانا كوتا ! "

ضحكت بخفوت تهز رأسها بلمعان عينيها كلما تأملت مسار حياتها معه فتقول بحنين للندن وأيامها

" أيام لن أنساها بحياتي "

ظل أكمل ينظر إليها ثم استدار بها بغتة كعادته فخطف أنفاسها كلها إليه وهو يضحك متذكرا شيئا من لندن ! ..
مالت برأسها تسأله بعذوبة

" لماذا تضحك ؟! "

ارتفع حاجباه بنفس حار شعرته على وجهها قائلا بخفوت شديد

" ذكريني حين نعود أن أخبركِ شيئا "

تسأل شمس ببراءة تفتن ذلك القلب العالق المتوحد فيها

" ما هو ؟! "

وابتسامة على ثغرها تحمل جداول الخمر هدية مُحللَة إليه وحده .. الاشتياق .. وقبلة بمذاق الشيكولاتة .. وأخرى بطعم العسل ..
ثوبا ضبابيا مجنونا من عاصمة الضباب .. واحتراق الغيرة من شقراء ما أسرت عينيه ولو للحظة عابرة ..
عيناه ما أرادت سوى خبايا الحنان على صدرها .. وصحوة ارتعاد الجسد بنظرة عينها ..
رد أكمل وذاكرته تفيض عليه بأجمل ما مر بينهما

" لا .. لن ينفع هنا ! "

عبست شمس وهى تنظر له بشك مضحك فتقابل نظرته الخبيثة تكسر تماسكها وتشعل الشوق وهو يسأل بحنان

" هل أنتِ بخير اليوم حقا ؟ "

بخير منذ أيام لكنه ما أراد الاقتراب منها حتى تتعافى تماما بعد الولادة نفسيا وجسديا .. كل يوم يحضر لها الرطب طازجا .. وسبحان الله .. مفعوله أفضل من ألف نصيحة طبيب حتى شعرت أن جسدها عاد كما كان تماما ..
ترد شمس وهى تومئ برأسها تذكره بمكر

" بخير جدا جدا .. وستضطر للتوقف عن شرائح الخيار أخيرا ! "

ضحك أكمل مشتاقا لنقش الحناء الذي جددته بعد زوال نقش كتفها فجعلت قمر ترسمه لها بمنتهى الجنون والجرأة .. أسفل ظهرها ممتدا لبطنها ! ..
تهدأ ضحكاته قليلا وسط الموسيقى العالية قائلا

" لأستمتع ببكاء اياد وزياد ليلا مثل صوت سيارة رصف الشوارع ! "

زمت شمس شفتيها عابسة ثم هتفت بفخر أمومي

" لا تقل عن أولادي هكذا .. إنهما قمرين في تمامهما "

يرد أكمل بنبرة مستفزة مع حركات ملامحه

" إنهما يشبهاني ولم يأخذا منكِ شيئا .. وهذا بالطبع لأنكِ تحبين أبيهما كثيرا فصارا يشبهانه لهذه الدرجة "

ابتسمت شمس باستسلام ناثرة عطرها الحراق على قلبه

" أولا زياد يشبهني أنا .. ثانيا أنا حقا أحب أبيهما كثيرا وأكثر من نفسي "

صار أباً لصبيين كالقمر كما قالت .. يقولها فيهتز وجدانه وأعمق مشاعره تتغلف بأبوة حمائية لأسرته .. لطالما تدرب عليها مع جاد وشهرزاد .. لكن ولديه قطعتا روحه الملموستين على الأرض ..
وبكل روحه يرد عليها صادقا

" وهو يحبكِ أكثر من نفسه "



على طاولة جانبية كبيرة تجلس نجوى تهدهد زياد الصغير فتهتز بحركة رتيبة لا تشعرها وهى تراقب المدعوين من اصدقاء حمزة وقمر ثم تلمح رقصهم من بعيد حيث أن طاولتهم بعيدة وشبه معزولة بركن أهدأ قليلا ..
تنظر لزوجها جالسا بهيبته يشرب فنجان الشاي فتنظر له بعتاب ضئيل متسائلة

" هل ارتحت الآن يا سليمان ؟ .. حمزة ردها "

التفت سليمان إليها بملامحه الصلبة فيردد ما يردده دائما برضا

" الحمد لله "

رددتها نجوى بعده وهى تنظر أمامها تعود لحركتها الرتيبة كحياتها الرتيبة كلها .. لا يهمها سوى أن ابنتيها بخير .. قمر صارت أفضل بكثير .. وشمس صارت دائمة البسمة ولا تريد شيئا أكثر من الدنيا ..
تنظر لحفيدها زياد بحضنها مشتاقة لأخيه الموجود مع والدة أكمل بمنزلها فتبتسم للطفل النائم تدعو بطيبة

" أسعدكما الله يا شمس أنتِ وقمر "

على الطاولة المجاورة ينظر كامل إليها بثوبها الأخضر كعينيها فينادي بابتسامة

" شاهندا "

ملامحها ثابتة صلبة تنظر أمامها فترد بجفاء

" اعرف ما ستقوله .. انظري لوجه حمزة ستجدينه سعيدا ... نفس ما قلته لي يوم خطبة دارين "

يضحك كامل قليلا ثم يحك أنفه بكذبته

" لا .. كنت سأقول انتبهي لفارس ! "

بل كان سيقول ما قالته !! .. تنظر شاهندا لفارس نائما بحضنها ثم تقول بنفس النبرة

" فارس في عينيّ لا تقلق "

ابتسامته ظلت على شفتيه فيقول بنبرة ذات مغزى

" سبحان الله .. مع إنه .. ابن رائد ! "

ارتبكت عيناها قليلا فعلم أنه أوصل لها ما أراد قوله كاملا ! ..
تتنهد شاهندا ناظرة لحفيدها الجميل بحنان فتقول بصوت لان قليلا

" لكنه حفيدي .. ابن دارين حبيبة قلبي وقلبك "

يشرب كامل من عصيره قليلا وعيناه عليها ثم يضع الكوب على الطاولة قائلا

" ستحملين أولاد قمر هكذا إذن ! "

تمتعض ملامحها تقول من بين أسنانها بغيظ

" مؤكد .. سيكونون أولاد حمزة "

رغم ضيقها من عودة قمر لحمزة إلا أنها لم تعارضه .. احترمت قرار حمزة بصمت غاضب كعادتها .. وكامل يعرف أنها ستلين وتتقبل قمر مجددا مع الوقت ..
يميل نحوها قليلا قائلا بخفوت متلاعب مداعبا عقد جيدها بعينيه

" كبرتِ وأصبحتِ جدة يا شاهندا ! "

التفتت له أخيرا تشتعل عيناها كحمزة تماما وقت غضبه فتقول بنبرة حانقة وهى تعدل فارس على كتفها

" كبرت ! .. انتبه لشعرك الأبيض أولا .. وما دام كبرت يا كامل فأنا سأطلب من دارين أن تترك لي فارس الليلة "

ضحك كامل وهى تزم شفتيها الرفيعتين ثم تنهض متجهة لاحدى الطاولات الأمامية تقف مع صديقة لدارين وحمزة تكاد تقاربها عمرا بجمالها الذي تحافظ عليه .. ولا تعلم أن هذا ما ستطلبه دارين منها بالفعل !!.



يجلس عماد على أحد الطاولات يمر باصبعه على حافة كوب يحمل مشروبا لم يتذوقه وينظر إليهم يرقصون بمنتصف المقهى حيث تعلو الأغنية التالية بلحن أكثر نعومة لينضم إليهم ثنائيات أخرى وهو .. يفكر ويفكر و...
نظرة من عينيه نحو باب المقهى وارتج قلبه بمليون نبضة !..
زلزال شقق كيانه وعيناه تتسعان وهو ينهض ليقترب منها حيث تتحدث مع نادل يقف أمام الباب ثم تلتفت لتغادر وهى تفتش بحقيبتها الصغيرة ..
خرج من باب المقهى فيراها واقفة تضع هاتفها على أذنها ودون أن يسيطر على رجفة صوته نادى

" صدفة "

وقع الهاتف من يدها ! .. صوت ارتطامه بالرصيف كان أهون ألف مرة من نبض قلبها والحرارة تغزو وجهها ورقبتها تحت حجابها الأزرق كحمم بركانية فارت لتحرق كل ما بطريقها ..
انحنى عماد ليحضر الهاتف وهى ساكنة متجمدة بلا قدرة على الحركة ثم استدار ليواجهها فيمد الهاتف إليها متسائلا بنبرة لا تسمعها إلا معها

" ما الذي أحضركِ إلي هنا ؟ "

كلها يرتجف .. عيناها مسلطتان على صدره تقاوم ضعفها الغبي الذي صدقه وهو يسأل مجددا

" لمَ أنتِ هنا وبهذا الوقت ؟ "

أغمضت عينيها تتمالك نفسها ثم فتحتهما ترد بجمود قاتل

" الساعة بالكاد تجاوزت الثامنة ثم إنه لا دخل لك "

قدحت عيناه نارا وهى تحارب للوصول لعينيها التي ما رأى بجمالهما يوما ..
تمد صدفة يدها المرتعشة تأخذ هاتفها دون أن تنظر إليه لتتحرك خطوة مغادرة فيبعد الهاتف عنها متحركا معها خطوتها يسد طريقها مكررا سؤاله بنبرة أكثر حزما

" لمَ أنتِ هنا وبهذا الوقت ؟ "

وقفت مكانها ساقها تتحرك بتوتر لتطرق بحذائها على الرصيف بلا وعي تمد يدها قائلة بصرامة

" كان لدي موعد مع عميل واتفقت مع أبي أن يمر عليّ ويأخذني من هنا ولم أعرف أن المقهى كله محجوزا اليوم هل ارتحت ؟ .. أعطني هاتفي لو سمحت "

ألا يمكن أن يعطيها قلبه في هذه اليد الممدودة ؟! ..
لكنه واثق إن أعطاه لها الآن ستوقعه ! ..
وضع الهاتف في يدها قائلا بابتسامة صغيرة متلاعبة

" ما زلت متعبا لكن .. على كل حال أنا كنت عائدا للبيت .. هيا لأوصلكِ في طريقي واتصلي بوالدكِ حتى لا يأتي "

تجمدت يداها وهى تضع الهاتف بحقيبتها .. رفعت عينيها نحوه و .. ألف خنجر انغرس بقلبه ممهورا باسمها ..
ملامحها الجميلة يغطيها ازدراء غاضب يزيدها توهجا قاتلا وهى تسأله كرها

" أي بيت ؟! .. أي بيت من بيوتك الثلاثة يا عماد ؟ "

ألا تترفق بحروف اسمه قليلا ؟! ..
ظل ينظر إليها بلا أي تأثر بما قالت .. ابتسامته تتسع بغموض وعيناه تضيقان وتمكران وتغرقانها وهو يقول بتأكيد

" بيتي الرابع .. الذي سيجمعني بكِ "

زفرت نفسا كارها غاضبا ووجهها يعلوه احمرار ثائر وهى تهدر بحنقها العارم

" كفى ... كفى كذبا لقد تعبت منك ولا أريد رؤيتك مجددا "

تجاوزته مغادرة فظل يتابعها حتى دخلت شارع جانبي يقود لحافلات المنطقة التي تسكنها .. قلبه ما زال ينبض كأنه ما عرف النبض يوما إلا لأجلها ..

أي صدفة وضعتكِ في طريقي يا صدفة ؟!!.
أنا .. البحر الذي فيه ستغرقين
ولأجلي يا حبيبتي من عينيكِ ستبكين
ستأتين بين ذراعيّ وترتمين
أعدكِ يا فاتنتي لأحضاني ستستسلمين
ولن تشعرِ أبداً بما يحدث لي
فأنا رجل .. والرجال يا صغيرتي لا يبكون
العشق عندي سر .. في عمق دفين مكنون
والحب إذا أردتِ أن يجعلني بكِ كقيس مجنون
فاعلمي أنكِ تطلبين المستحيل


.................


أغلق حمزة الباب أخيرا بعد سهرتهما الطويلة التي خطفها فيها من المقهى ليقضيا ساعات وحدهما قبل أن يعودا للمنزل ..
يستند عليه بحلته السوداء وعيناه تمر على فستانها الأبيض البسيط .. أبسط مما تخيله .. فستان أميراتي مزين بورود رقيقة مثل مظهرها الخارجي لكنه لا يعكس أي من جموحها الداخلي ! ..
يتقدم خطوات منها فيصل إليها ذراعه يمتد لخصرها متسائلا بنبرة ذات مغزى

" هل يمكنني حملكِ الليلة أم ستركضين كالمجنونة وتغلقين باب الغرفة عليكِ ؟! "

كم مر على ذلك اليوم من العام الماضي ؟!! .. زفافهما الأول ! .. الأيام تجري حقا ومجنون مَن لم يستغلها ..
عيناها لمعت بشقاوة مع ارتفاع حاجبيها وانخفاضهما وهى تجيبه ضاحكة

" سأركض كالمجنونة عقابا على هذا السؤال ! "

هربت من ذراعه جريا وهى تضحك فيلحقها حمزة هاتفا

" تعالي هنا "

خطوات راكضة تحركتها نحو غرفة نومهما قبل أن يرفعها من خصرها عن الأرض بذراع واحدة وظلت معلقة على جانبه كعنزة شقية حتى أوقفها على قدميها وهى ما زالت تضحك ..
كانت تخرج كل ضحكاتها المحبوسة منذ طفولتها وهو يراقبها بقلب نابض حتى همست بصوت مزين بضحكها

" ماذا ؟! "

ابتسم حمزة ابتسامة صغيرة ممسكا كتفيها قائلا

" لم أركِ تضحكين هكذا منذ زمن طويل "

ردت قمر وهى تريح يديها على صدره

" لأنني لم أكن بهذه السعادة من قبل "

غامت عيناها السوداء بلمحة مختلطة من حزن وتوهان سنوات عمرها السابقة وهى تتابع عاقدة حاجبيها

" أنا كنت .. كنت اشعر أن بداخلي فراغ .. فراغ كبير كهوة سوداء تبتلعني ولا أستطيع التنفس .. كنت أجاهد لأخرج منها بأي طريقة .. كنت أخدش كل مَن يقترب مني حتى لو غرست أظافري في لحمه لأخرج ولا يهمني جراحه .. حتى اختفى هذا الفراغ تماما وأصبحت واقفة على أرض ثابتة مضيئة .. أتنفس بحرية لا يعيقني شئ "

المرة الأولى التي تقف من بعيد وتقيّم نفسها بين ماضيها وحاضرها .. أحاسيسها صارت مفهومة لا تُكبَت كالسابق فتتحول لعناد وغل وحقد ..
ربما تغيرت قليلا مما مرت به لكنها إن احتفظت بشئ أساسي بها ولن يتغير فسيكون الاعتراف بمشاعرها كما هى .. إن كرهت تظهر وإن غارت تبين وإن حقدت تؤذي بسموم الكلام ..
كانت تعترف أنها غرست أظافرها وجرحت كثيرا .. جرحته وجرحت شمس وجرحت أكمل وجرحت والديها بالخفاء .. لكن مجرد الاعتراف الآن يريحها حتى من دون تفاصيل مخزية ..
‏ارتفعت يدا حمزة يبعد شعرها خلف أذنيها ليستقر كفاه على جانبي وجهها سائلا بنبرة خافتة قاتمة

" كل هذا فعله أبي ؟ "

عادت عيناها لفرحتهما وهى تنظر إليه مجيبة بحب عظيم لرجل عظيم

" هو اليد الوحيدة التي امتدت إليّ "

ابتلع حمزة ريقه متأثرا ثم أطبق شفتيه لحظات تتملى عيناه الخضراء حسن صغيرته الكبيرة ثم يسأل

" وأنا أين كنت ؟ "

كان يقف على الخط الفاصل الذي لا يفارقه هذه الفترة .. بين غضبه منها وعشقه لها خطا واحدا يوازن نفسه عليه ..
بين تصلب عمه ورفق أبيه يحاول التعامل معها وإيجاد مفاتيحها التي جهلها رغم كل سنواتهما معا ..
هزت قمر كتفيها تجيبه ببساطة طفلة بريئة

" كنت تحبني على طريقتك "

مسح حمزة على شعرها الأسود ذو الخصلات الحمراء الجريئة متسائلا

" وأنتِ أردتِ أن أحبكِ على طريقتكِ ؟ "

هزت قمر رأسها تقول بابتسامة وهى تفك ربطة عنقه

" لا .. أنت قلتها بنفسك يوم السباق .. كان علينا أن نجد طريقا مشتركا لتستقيم الحياة بيننا لكنني عنيدة وأنت عنيد وكل منا صلّب رأيه "

ارتفع حاجبا حمزة يهز رأسه متفهما ثم يلقي بربطة العنق أرضا ليفك أول أزرار قميصه الأبيض بنظرة حارة فتستدير قمر تنظر حولها وهى تقول

" هل تعرف أنني جئت إلي هنا لآخذ باقي أغراضي .. لكنني وجدت كل شئ محطما ؟ "

يوم أدركت بصدمتها مقدار غضبه وألمه فكان ندما آخر فوق الندم .. اليوم كل شئ في مكانه وما تكسر من تحف ومرايا وأواني فخارية اشترى غيره ليعيد منزلهما كما كان ..
التف حمزة حولها بشعور غريب يمسك كفها يضعه على قلبه قائلا

" عرفت حين وجدت ملابسكِ وكل ما لكِ اختفى .. عنيدة وحمقاء ومتخلفة أحيانا لكن مكانكِ هنا "

شعور أنه معجب بأنثى داخل أنثى ! .. كأنها قمر القديمة وأخرى جديدة هدّأت ذلك التهور والاندفاع وأرشدت التوهان ..
واحدة منه وله والأخرى بإمضاء والده ليهديها إليه هدية عمر ..
عيناه تمطرانها بهذا الإعجاب الحار الحارق وهى تشعر بكل نبضة تحت يدها وتتلاشى فيها قبل أن تركض حرة في مروج عينيه ..
تتذكر شيئا قاله لها يوما فتأخذ هى كفه بيدها الأخرى تضعه على قلبها وهى تقول

" قلت لي يوما حين يدق قلبي كقلبك أن آخذ يدك وأضعها عليه لتشعره بنفسك "

ينظر حمزة لموضع يده فوق الزهور الوردية والصفراء فتضيق عيناه كأنه يرى نبضاتها تهرب لتتردد بعدها بداخله .. كل نبضة باسمه منذ زمن طويل لكنه أرادها هى أن تدرك هذا بنفسها ..
جسده يثور رغبة وأصابعه تضغط ببطء فيقترب أكثر سائلا بخفوت

" منذ متى أحببتِني قمر ؟ "

يتذكر حواره مع والده قبل أن يطلب ردها وهو يخبره أنها لم تكن حرة لتحرر حبها .. ويتوق لمعرفة إجابة سؤاله ..
تميل قمر برأسها قليلا تسأل بمكر

" هل تعرف أن زوج أختك سألني يوما هذا السؤال ؟! "

لحظة .. احترقت عيناه وهو يحيد عن الخط الفاصل للغضب فيقول بتشنج

" يوم وقفتِ معه تدخنين سجائر "

أشاح حمزة بوجهه جانبا ويده تنزل عن قلبها لكنها تمسك ذقنه الحاد تعيده إليها قائلة بثقة

" أجبته أني أحببتك منذ كنت في الثالثة عشرة من عمري .. قبل أن تتقدم لي بأربعة سنوات "

اختفى الغضب من عينيه رغم ملامحه الجامدة وكله ينجذب إليها وهى تواصل

" بعد ما حدث بيننا شعرت أني مصدومة في نفسي أني فعلت هذا بك .. كنت أردد لنفسي أن حب السنين ضاع في لحظة غباء مني .. كنت انتظر أي كلمة منك لأعود إليك "

نبضاته تتسارع ورغبته تعلو وأنفاسه تحتد وهى تقترب تلتصق به فتشعره بكل كلمة

" قلت لك أنني انسى لأرتاح لكني كنت أتذكرك كل يوم وكل ساعة واذكر نفسي بما فعلته بك لأتحكم في انفعالاتي ولساني المتهور كلما اندفع رغما عني "

شعرت بالندم ! .. ما كانت تريد أن تخبره بهذا ! .. ها هو لسانها المتهور يتهور وهى تتحدث عن تهوره !! ..
أنفاسه على وجهها ساخنة وتلك النظرة بعينيه تعرفها جيدا فترتفع يدها تلمس خده تتابع بلا تراجع

" أنت أصبحت ميزاني يا حمزة "

هذا أيضا ما كانت تريده أن يعرفه !..
دوما شمس كانت ميزانها .. لكن خطأها في حق حمزة أكبر بحيث هو ما صار يوازنها الآن .. لا يعرف أحد شيئا عن موازيينها السرية هذه ولا حتى شمس ..
الآن سرها بينها وبينه تتمنى أن يتفهمه حقا ..
نفخ حمزة نفسا حارا ليحيط وجهها بكفيه بقوة قائلا

" أنتِ متخلفة حقا لتذكريني بكل هذا الليلة .. قوليها فقط واخرسي حتى الصباح "

ابتسمت قمر بشفتيها الممتلئتين رغبة مثله فتقول بأنوثة جذابة

" أعشق التراب الذي تسير عليه "

يعقد حاجبيه بعينين صقريتين وكل ما به يطلب ثائرا

" مجددا "

إنه مؤكد أحمق ليجعلها تعرف تأثير هذه عليه .. لا يمل من سماعها وكلما سمعها ارتعد جسده بشعور يخطفه للسماء ثم يهبط به إلي الأرض منتشيا ..
تعض قمر شفتها بعبث وقد أدركت نقطة ضعف له فتهمس بجرأة وقحة وهى تفك أزرار قميصه ببطء مع كل كلمة

" أعشقك وأعشق التراب الذي تسير عليه "

نظراتها تتلاعب بشقاوة فيشتمها في سره وهو يخلع سترته ببعض العنف يرميها أرضا مطالبا

" مجددا "

نظرة واحدة لصدره وثار جسدها باشتياق هادر .. آآه كم اشتاقت لدفئه وصلابته وحتى عنفه ..
عيناها الجريئتان تريدانه فتبعد قميصه عن كتفيه مع جموح قولها

" أعشقك وأعشق التـ ..... "

ذاب التراب في حميمية العشق الحار .. لا يفكر حقا إلا كيف يقبلها بكل طريقة عرفتها ولم تعرفها منه بعد ..
قد يتسائلون .. عن سبب عودته لها وتحمل عناء الوقوف على ذاك الخط الفاصل .. لكن الإجابة ليست بحجم اخطائها التي جرحته ..
الإجابة بحجمها هى في قلبه .. سنوات وسنوات رباها أمام عينيه كأخته في حمايته لتصير بقدرة قادر حبيبته وفي قلبه وكيانه وروحه وليس حمايته فقط ..
أيعقل أن يتركها لغيره وهو متأكد أنها كانت ستكون لغيره يوما ما ؟! ..
كما قال مكانها بقلبه .. وليجدا طريقهما في الحياة معا .




جذب رائد ذراعها قبل أن ترتفع قدمها أول خطوة على درج منزلهما فارتد جسدها لصدره يشعر ضخ قلبه الحار ..
يمد يديه وهو يميل نحو عنقها تشعر أنفاسه فيفك مشبك الحزام الماسي لسترتها النبيذية ثم ينزلها عن كتفيها الناعمين يتركها أرضا مبعدا شعرها ليقبل نبض عنقها المرتجف قبل أن يهمس بأذنها بتملك

" اعزفي لي قليلا "

ابتسمت دارين وهى تستدير بكنزتها النبيذية الضيقة التابعة للثوب بشريطين رفيعين على كتفيها العاريين تتأمل ملامحه لحظات ثم تمسك يده ليتجها لغرفة البيانو ..
على كرسيها جلست ترفع غطاء البيانو الأسود وتبدأ بعض النغمات قبل أن تعزف أجمل نساء الدنيا لأنه يحبها ..
وعلى كرسيه الهزاز جلس بركنه المعتاد واضعا ساقا فوق الأخرى يراقبها مفكرا بماضيه وحاضره ..
الألحان تنساب برقة فنانة ووفاء محبة وغرام عاشقة .. أجمل نساء الدنيا .. يقسم أنها هى ..
دقائق مرت حتى انتهت لتلف بكرسيها إليه مبتسمة فتلتقط نظراته الشاردة وهو يسأل بعينين مظلمتين

" كيف تحملتِ كل ذلك مني دارين ؟ "

كانت أجمل نظرة بعينيه تعترف لها بإنارة العتمة وإعادة البسمة .. دائما ينظرها لها حين يقف بين الماضي والحاضر فيجد يدها التي امتدت لروحه في الظلام ..
تميل دارين برأسها تجيبه بشجن لامع بعينيها

" قلت لك من قبل لو كان غيرك ما تحملت .. ما وافقت على الزواج أساسا من البداية "

الزواج أساسه احترام .. وهى تعترف من البداية أنه ما احترمها إلا حين تسللت إلي قلبه .. لو كانت سمعت من صديقة لها شئ كهذا لكانت نصحتها بتركه ربما والاعتزاز بكرامتها لكن في حالتها .. القلب تدخل من البداية واختار ..
بل من قبل البداية اختاره .. امتزج الحب بإنقاذ روح أظلمت وظنت أنها ماتت ..
أيصدق أحد إن لو لم يحبها بصدق كانت ستنقذه بروح إنسانيتها .. فقط من إنسان لإنسان ثم تتركه بعدها لينعم بحياته مع مَن يريدها ..
لكنها .. لكنها تحمد الله أن قلبه عشقها وروحه تعلقت بروحها ..وإلا ..
رجفة سريعة مرت بجسدها فتكتف ذراعيها تمسح بيدها اليمنى على كتفها الأيسر العارِ تتابع بعذوبة

" أنت تعرف كم أعتز بكرامتي ولا أسمح لأحد أن يمسها ولو بكلمة .. لكن أنت .. أنت حبيبي "

ومع ذلك ثأرت لكرامتها حين اقتربت منه أنثى أخرى .. لن ينسى ذلك اليوم بحياته وهى تكشف له وهما عاش فيه سنوات ..
يتابع حركة يدها على كتفها فيقول بنبرة خافتة آمرة

" تعالي "

يحب قولها .. ويرضيه تنفيذها .. وتعشق هى سماعها ..
تتسع ابتسامتها وهى تنهض تقترب منه ببريق عينيها المتلاعب فينزل ساقه من فوق الأخرى ليجذبها بقوة لتجلس على رجليه فيقول بخشونة

" لم تقولِ أحبك اليوم ! "

تمر دارين بسبابتها على وجهه فتصل بين حاجبيه تفك عبوسه متسائلة

" ألابد أن أقولها كل يوم حتى تعرف ؟! "

يده تمر على كتفها صعودا ونزولا لذراعها وهو يرد

" أحبها منكِ "

يدها تستقر على جانب رقبته تستجيب أنوثتها للنظرة الراغبة الخطرة بعينيه هامسة بنبرة خطرة مثلها

" وأنا أحب حين تنظر إليّ بهذه الطريقة "

ما زال واقفا بين الماضي والحاضر لا يعلم لمَ يتذكر أشياءا كثيرة الليلة .. تختلط مشاعره بين الذنب والندم والغضب أنها لم تأتِه وتركته في الوهم .. لكنه غضب منها ويختفي فيها فلا يخرج عليها أبدا ..
يده تتوقف على كتفها وذكرياته تتدفق فيتذكر قولها ليلة عيد الأضحى حين كان يبحث عن غيرتها لأول مرة قائلا

" تحبين عينيّ بهذه النظرة "

هكذا قالتها يومها فاصطدم قلبه بجدار عصي سيمنع عنه برودة الغربة ويدثره بدفء الوطن ..
تومئ دارين وهى تشم عطره المشابه لرائحة الحطب حين يجتمع مع قسوة أشواك الزهور مع نسيم الجبل وحطام الصخور .. عطر يسحر أي أنثى ألا تقاوم بأس الجبال وبرية الخيول المحاطة بكنف الرجولة ..
ابتسم رائد فجأة ثم تحولت ابتسامته لضحكة خافتة بذكرى أخرى لكن ليس معها فيقول

" ارقصي لي "

اندهشت دارين تماما وهى تنظر له فتهتف ضاحكة

" ماذا ؟! "

كأنه يقف يشاهد نفسه من بعيد بين الذكريات فيشعر أن عمره كله كان مع دارين .. ذكريات ليلى ? بخار تلاشى مع ضباب قلبه حين عاد للحياة .. لا يتذكر منها الكثير لكن كلما تذكر واحدة أراد أن يجربها مع دارين ..
يريد أن يلحق بما فاته ويضع كل شئ بمكانه الحقيقي الصحيح .. يتذكر رد فعل ليلى حين قامت من جواره بخجل وأغلقت باب غرفة عليها فيتوق لرد فعل دارين ..
أحاط رائد خصرها بذراعه فيقول ضاحكا بعبث

" لا اعلم لمَ لا أتخيلك ترقصين شرقي .. اشعر أنكِ .... "

لمعت عيناها أكثر بثقتها وهى تعض شفتها السفلى ثم تسأل بدلال

" أني ماذا ؟! "

عقد حاجبيه وهو يبحث عن كلمة مناسبة ثم يقول

" ااا ... ممكن نقول .. راقية "

حركت دارين رأسها تكرر باستغراب

" راقية ؟! "

يده الأخرى أحاطت وجهها يتأمل جمالها الكلاسيكي الفاتن ثم يمررها بشعرها قائلا باعجاب

" اشعر أنكِ lady ( سيدة ) جدا كالأميرات "

اتسعت ابتسامتها وهى تفهم قصده .. وكم أعجبها تلك النظرة منه .. أن يضعها بمكانة أعلى من أي أنثى أخرى لدرجة أنه لا يتخيلها برقصة شرقية له ..
ألم يقل لها بأول لقاء بينهما .. أنني رد سجون ؟! .. ناسيا علمه وثقافته وعمله وقابعا في ظلام قضبانه ..
أحاطت عنقه بذراعيها تقرب وجهها من وجهه فتخبره بنبرة أنثى يتملكها برضاها

" لا تتخيل لأنك لا تستطيع التخيل .. لكن لمَ التخيل ؟! .. سأرقص لك وبجلباب بلدي لو تحب ! "

ضحك رائد عاليا حتى انغلقت عيناه وتغضنت زاويتيهما فعاد أعواما للخلف ضاعت منه .. يعوض كل ما فات حتى الإجابات الخاطئة التي اعترضته بالخجل كانت تُمحَى لتحل محلها إجابات حقيقية ملموسة جريئة منعشة للقلب مبهجة للحياة ..
في كل الإجابات التي توقعها لم يتوقع هذه أبداً !! ..
وكانت هى تراقب ضحكة يبتهج لها قلبها منذ سنوات حين كانت تلمحها من بعيد .. اشتاقت لها كثيرا منذ دخلت هذا البيت وها هى أخيرا تحصل عليها فيرتج قلبها بعشق صاخب السعادة ..
يتخيلها رائد بالجلباب البلدي فتنحدر عيناه لجيدها ثم تلامس نارهما المشتعلة كتفيها العاريين نزولا لحافة اللون النبيذي على صدرها فيبتلع ريقه قائلا بصوت مبحوح

" من ناحية أحب فأحب جدا ! .. البلدي يؤكل !! "

ترتفع عيناه لعينيها فيمسك فكها يحرك إبهامه على شفتها السفلى قائلا بنظرة خطره

" أما من ناحية التخيل فأنا أتخيل تماما كل ما أسفل هذا الثوب لذلك سنؤجل الرقص لأني أريد شيئا أكثر فعالية "

أمسك خصرها بقوة ليوقفها ويقف هو ممسكا بكفها مغادرا الغرفة بثورة أعماقه الراغبة فيها لكنها توقفت وهى تشد على يده فالتفت خلفه ناظرا إليها يقابل نظرتها الحرة ..
ستقول شيئا ويعجبه ! .. يعرف تلك النظرة حين تعبر عما تريد بلا خجل ولا تردد .. كأنها ضوء مشع يجذب مشاعره لمنحدرات عواطفها ..
بابتسامتها المتألقة تشع عيناها بامتلاك قولها

" احملني "

ضاقت عيناه أكثر ومفرقعات نارية تشتعل بثورة جسده وهو يجذبها بعنف لصدره مختطفا شهقة صغيرة من شفتيها لشفتيه وهو يميل واضعا ذراعه تحت ركبتيها ليحملها دون أن يحرر شفتيها ..
ليت الزمان يعود يوما ! ..
ينخفض رأسه يقبل جيدها بلا صبر وعيناه تظلم بذلك الغضب منها فيقول بشراسة عاطفته

" ليتكِ أتيتِني منذ سنوات دارين "

تنغمر كلها بحرارته مخفية وجهها في جانب عنقه قائلة بعشق

" أعدك أن عمري القادم كله لك "

العشق .. العشق ليس أعمى .. العشق يبصر الحقيقة .. يبصر بالبصيرة وليس البصر .. يبصر أعماق لا تصلها عيون ..
قد يتسائلون .. لمَ قبلت من البداية وهددت صروح كبريائها وتنازلت وتحملت وهى حرة أبية ؟! ..
لكن القلب أجاب مراراً .. فليوفروا كلامهم لمَن لا عيوب به ! .





تتلاعب بخصلات شعره السوداء الكثيفة فتختفي أصابعها وتظهر بحركتها الناعمة وهو يريح رأسه على رجليها المنثنية جوارها يغطيهما فستانها الأسود ..
بمنتصف السرير تجلس شعرها يغطي ظهرها وينام هو على رجليها إحدى ساقيه مرفوعة على السرير والأخرى مفرودة تكاد تصل الأرض وكفه يضم يدها الأخرى على صدره ..
تنظر شمس لملامحه الوسيمة النائمة فتبتسم منادية بخفوت

" أكمل ! "

يهمهم دون أن يفتح عينيه

" اممم "

تتسع ابتسامتها ممررة أصابعها على جبهته وخطوطها العرضية الخفيفة وهى تقول بتلاعب

" أنت تضيع وقتك ! "

ابتسامة حسية مالت بها زاوية شفتيه ثم يرد عليها باسترخاء

" منذ ولادتكِ كلاهما ينام بحضنكِ وأنا لا "

تضغط شمس بسبابتها على أنفه قائلة بتظلم

" يا مفتري .. كل ليلة أنام بحضنك "

ضرب أكمل يدها لتبتعد عن أنفه قائلا

" قلت أنا وليس أنتِ يا صماء "

ارتفع حاجباها ويدها تقبض على ياقة قميصه هاتفة بتهديد

" أنا صماء يا أكمل !! "

لوى أكمل فمه بابتسامة ساخرة ثم قال ببساطة

" لا .. أنا الأحمق ! "

ليس مجددا ! .. إنها حتى لا تتذكر متى قالتها له بالمشفى ! ..
زفرت شمس ثم قالت باعتراض

" كنت اتألم يا أكمل لا اشعر بما أقوله ومؤكد لم أقصد "

عادت أصابعها تتلاعب بشعره تبتسم متابعة بدلال خافت

" لكنني مؤكد أيضا قصدت أنني أريد إنجاب فريقا كاملا منك "

فتح أكمل عينيه فتغرق في زرقتهما تتابع بنبرة مؤثرة

" أريد أسرة كبيرة جدا .. أولاد وبنات اشعر معهم أنني أم وأخت وصديقة وطفلة .. وكلنا نلعب حولك وأنت تحيطنا برعايتك وأمانك .. أتخيل نفسي منذ الآن جدة وأنت جد ومحاطون بأحفاد كثيرين يملئون البيت علينا "

ثغرها يبتسم بسعادة وهى تختم قولها بعينين لامعتين

" إن شاء الله "

منذ ولادتها وهى تنتابها لحظات تقف فيها أمام المرآة تنظر لشمس متوهجة مشعة بالسعادة مضاءة بالفرحة وتتذكر شمس قديمة منطفئة ماتت وهى تظن نفسها حية ..
صارت تخطط مثله للمستقبل الطويل وتترك الباقي على ربها كما دبر لها حاضرها بأحسن حال فيقينها بتدابيره أعمق من كل مخاوفها القديمة ..
وكان يدرك ما يكتمل فيها منذ ولادتها .. يعلم أنها أغلقت صفحة الماضي منذ أن أحبته لكن قلبها كان يتذكر طفلها بالحزن .. اليوم صارت تنظر لوجه ولديها فتنسى الدنيا وما فيها .. بدأت لهم صفحة جديدة تماما ملأتها دفئا وإشراقا ..
يرفع أكمل يده لمؤخرة عنقها يقرب وجهها منه هامسا

" إن شاء الله "

ما إن مست شفتاه شفتيها حتى تعالى صراخ اياد من الغرفة المجاورة فتبتسم شمس بحذر وهى ترفع رأسها فيقول أكمل بامتعاض

" تعالي قابليني إن أنجبنا ربع طفل بهذا الوضع ! "

تضحك وهى تخفض رأسها تقبل شفتيه بخفة ثم تنهض وهو يرفع رأسه ليضعها على السرير قائلة

" لن اتأخر "

غادرت الغرفة لكن فجأة عادت تصعد على السرير توليه ظهرها فأجفلته وهى تجمع شعرها على كتفها قائلة بلهفة

" افتح لي السحاب بسرعة "

عقد أكمل حاجبيه منتبها لفستانها المغلق فلن تستطيع إرضاع اياد ثم مد يده يسحب السحاب من أعلى لأسفل قائلا بتذمر

" لم أتوقع أن افتحه بهذه السرعة ! "

تحركت شمس تغادر مجددا تنظر له بعبث قائلة بغنج

" حين أعود أغلقه مجددا وافتحه بمزاجك !! "

دخلت غرفة طفليها التي جهزتها لهما على ذوقها قبل ولادتها فتتجه لسرير اياد الصغير تحمله وهى تدلله وتهمس له أن يهدأ ثم تجلس على السرير وتبعد الفستان عن كتفها لترضع صغيرها وهى تتأمله بحنان تتحسس شعره الخفيف الناعم وتنظر مبتسمة للزرقة الداكنة التي بدأت تتضح بعينيه كأبيه ..
اشتاقت له الساعات القليلة التي تركته فيها عند جدته لتحضر حفل قمر وحمزة وحين أخذته من عندها كان نائما ..
كل ليلة ينامان جوار سريرها بغرفة نومها هى وأكمل بسرير صغير متسع للصغيرين لكن الليلة وضعتهما بغرفتهما بما أنها ليلة أحلى من البانا كوتا ! .. ويظهر أنه لن يكون هناك أي بانا كوتا !! ..
تضحك بخفوت شاعرة بدفء العالم كله تتابع حركة شفتي صغيرها وهو يتناول طعامه بصوت ممتع .. سبحان الخالق فيما أبدع ..
عينا اياد تنغلقان ببطء وهى تغني له لامسة شعره

" نام يا حبيبي نام .. نام وأذبح لك زوج حمام .. نام لأني اشتقت لبابا ... نام يا حبيبي نام .. وبابا يحضر لك الحمام ! "

ضحكت على نفسها شاعرة بالبلاهة لكن فجأة يعلو صوت أكمل من عند باب الغرفة

" شمس .. الـ... "

رفعت رأسها مسرعة تقاطعه

" ششش .. زياد ما زال نائما واياد سيرضع وينام "

نسى ما كان سيقوله ! .. منظرها يحمل كل أنوثة النساء في لوحة لأم وطفلها .. وتلك الخصلة الشاردة على عينها ..
يقترب منها حتى جلس جوارها فيلف تلك الخصلة على سبابته وهو يسأل همسا لأذنها

" هل هناك أمهات جميلة هكذا ؟! "

تبتسم شمس وجسدها يقشعر باستجابة عفوية وهو يقبل ذلك الكتف العاري فتبعده عن شفتيه الحارتين قائلة بتمنع متدلل

" توقف .. تحملت كل تلك الأسابيع فتحمل خمس دقائق أخرى "

زفر أكمل نفسا حارا وهو ينظر لابنه بحضنها فيميل مقبلا رأسه ثم ينظر لزياد في سريره يطمئن عليه ..
دقائق قليلة ونهضت شمس برفق تضع اياد بسريره تدثره بغطاء طفولي ثم ترتب وسادتين كحاجزين على جانبيه كأخيه حتى يعودا لسريرهما الصغير ذو الحواجز ..
اتجهت لأكمل الواقف ينتظرها عند الباب مبتسمة لعينيه الخبيثتين فتستدير تبعد شعرها على كتف واحد ليظهر ظهرها من السحاب المفتوح وهى تقول باغراء

" ممكن تغلقه ؟! "

مرر أكمل أصابعه على ظهرها ليميل نحو أذنها هامسا

" لا داعي ! "

استدارت شمس تضع يديها على صدره فتشهد بداية اندلاع حرب نبضاته هامسة

" قلت لي أن اذكرك بشئ "

طيف ? شهاب حارق مر بعينيه ليمسك كفها متجها لغرفتهما حتى أوقفها أمام السرير ليميل يلثم خدها يتتبع بقبلاته مساره الناعم حتى أذنها فيهمس ويهمس ويهمس ...
وهى .. تبتسم وابتسامتها تتسع وتتسع ووجهها يحترق بتوهجه الأحمر حتى ضحكت عاليا لحظات طويلة ثم تهمس

" أكمل "

يده تسحب شعرها على ظهرها مهمهما بتكاسل وهو يريد أن يكمل كلامه

" امممم "

ما زالت تضحك باشعاع جرئ فتقول باستمتاع

" أنت قليل الأدب !! "

رفع أكمل رأسه مبتسما بخبث متسائلا ببراءة رجولية

" هل قلت شيئا بعد ؟! "

نظرت لوجهه لحظة ثم انطلقت ضحكتها مجددا عالية صافية حتى شعرت أنها ما ضحكت هكذا من قبل ..
نظر لضحكتها متذكرا أول مرة قالتها بها حين أخبرها أن زواجهما سيكون في خلال شهر فيضحك قليلا سائلا

" هل تذكرين أول مرة قلتِها لي ؟ "

ازدادت ضحكاتها حتى هدأت فتتحسس سخونة خديها ثم تنظر لعينيه بقولها الخافت

" في أول لقاء بيننا "

حين ذكرها أنها أرملة .. حين كان يظن هناك خطة للإيقاع به .. حين ... لم يعد يهم ..
لكنها قالتها متجهمة مظلومة قاسية قاصدة كل حرف بكره ..
اليوم .. قالتها وهى تحبها ! ..
تنهدت شمس تنظر إليه بابتسامة هادئة تحولت شيئا فشيئا لمغوية ثم امتدت يداها لكتفيه تديره نحو السرير لتدفعه عليه قائلة بنبرة مغوية

" لكن .. فارق كبيييير بين ذلك الوقت والآن "

جذبها أكمل من يدها لتقع فوقه ثم ينقلب مشرفا عليها بهمسه

" يكفي إضاعة لوقتنا المحدود إذن ! "

بعد أقل من ساعة تعالى صراخ زياد الباكِ فقطع أنفاسهما اللاهثة وقلبها يهفو إليه وإلي أبيه بوقت واحد ..
انقلب أكمل على ظهره ممتعضا

" بدأ رصف الشوارع ! "

تضحك شمس تغيظه وهى تعبر فوقه وشعرها يتدلى على صدره لتنزل من جهته على السرير مخرجة له لسانها لتتجه لخزانتها فتأخذ مبذلا زيتونيا ترتديه مسرعة وتغلق حزامه قائلة

" سأعود سريعا .. لا تنام "

تخرج شعرها من المبذل مغادرة الغرفة وهى تسمعه

" على حسب وقت عودتك !! "

دخلت الغرفة المجاورة تحمل زياد بحنان فتسمع صوت أكمل المرتفع

" اشكريه أنه ترككِ تلك الدقائق لي ! "

ضحكت وهى تجلس على السرير لترضع زياد تعرف أنه لن ينام وسينتظرها ..
قد يتسائلون .. لا يهم كلام الناس .. فليتسائلوا كما يشاءون ! ..
المهم أنها سعيدة وأسرتها بخير .




....................

صباح اليوم التالي

وقفت قمر في شرفة غرفة النوم التي تطل على الحديقة الصغيرة بعدة درجات لدرج رخامي تضع الحبوب الصغيرة بقفص العصافير ..
العصفوران الكهرماني والأزرق ينتظران إفطارهما فترتفع أصواتهما بزقزقة مبهجة ثم يطيران في حدود حركتهما بالقفص ليتناولا طعامهما الصغير ..
كم تود أن تحررهما كما حررها عمها وهى أكثر مَن تدرك مرارة التقيد بقفص لكنها تحبهما .. لا تستطيع بدء يومها إلا بلحظة سعادة طفولية تعيشها معهما ..
رغم أن حمزة دائما ما أهداها بعيد ميلادها لكن لم يهدها يوما شيئا حيا .. كان يهديها ذهبا أو عطور أو أدوات زينة أغلى مما يسمح لها والدها بشرائها .. لكن هذه المرة هديته تعكس نظرته لها .. وهى تحب هذه النظرة الحلوة ..
ابتسمت وهى تدخل سبابتها بين قضبان القفص تداعب العصفور الأزرق فيطير منها .. تنظر للحديقة المهملة فتقرر أنه حان الوقت لبعض الاعتناء بها ..
تركت العصفورين ليتناولا طعامهما بسلام وزقزقتهما مستمرة بلا توقف ودخلت غرفة النوم مغلقة باب الشرفة الزجاجي خلفها ثم تغلق الستار عليه قليلا ..
خلعت مبذلها الطويل لتظل بسروال أسود قصير للغاية أسفل بلوزة برتقالية بشرائط رفيعة على كتفيها لتقف مستندة على كرسي منضدة الزينة تنظر إليه نائما على بطنه وأحد ساقيه على جانبها هى من السرير ..
ضحكت بخفوت وهى تقترب منه لتجلس جواره ثم تمد يديها تبعد الغطاء الخفيف قليلا لتمسد ظهره العاري بحركات حسية جريئة حتى شعرت بتغير أنفاسه مستيقظا وحينها مالت على أذنه هامسة

" صباح الخير "

لم يفتح حمزة عينيه وهو ينفخ سائلا باعتراض

" كم الساعة ؟ "

ضربته قمر على ظهره بكفها ثم تقول

" أقول لك صباح الخير تسألني عن الساعة ! .. الساعة العاشرة "

تململ حمزة يتثاءب محركا جسده على جانبه قليلا ليرمقها بعين نصف مغلقة قائلا بحنق

" لماذا توقظيني الآن ؟ .. ثم كيف استيقظتِ أنتِ ؟! .. لم ننم حتى السادسة صباحا ! "

توهج وجهها متوردا وابتسامتها تتسع فتُفتح عيناه أكثر قائلا بفظاظة

" سبحان مغير الأحوال .. أتذكر صباحيتنا الأولى أنا مَن أيقظتكِ بعد الظهر تقريبا .. بالأمارة كان جسدكِ كله مُكسَر ! "

تضحك قمر فينتبه لشعرها الرطب وملابسها التي لم تكن ملابس أصلا ! .. يبدو أنها صارت من بائعي الحليب لتستيقظ مبكرا !! .. إحدي علامات والده أيضا ؟!!! ..
تعدد على أصابعها وملامحها تتبدل مع كلامها بين مكرها وشقاوتها

" أولا جسدي كله مُكسَر اليوم أيضا لأنك لا تراعي هشاشتي ورقتي البريئة ! .. ثانيا لم استيقظ لأجلك بل لأجل عصافيري لأنه موعد إفطارهما ! "

عقد حمزة حاجبيه متسائلا بجدية مزيفة

" حقا ؟! .. هل هو موعد إفطارهما ؟! "

هزت قمر رأسها ببراءة المظلومة فيلف حمزة ذراعه حول خصرها فجأة ليجذبها جواره قائلا

" تعالي في حضن مَن أحضر لكِ العصافير إذن "

تندس بحضنه ضاحكة وهو يعاود النوم على بطنه ونصف جسده تقريبا عليها كما يحيط ذراعه خصرها فتقول

" لم تخبرني بعد بالكلمة الناقصة على البطاقة ! "

مغمضا عينيه باسترخاء وعطر شعرها المغسول يريح أعصابه الصباحية يرد بهدوء

" مَن يحضر لكِ شيئا حيا فإنه .. يحبكِ .. كثيرا .. لدرجة أنه يسلمكِ أرواح بريئة لتعتني بها كما يملك قلبه تأكيدا أنه إن سلمكِ روحه هو ستعتنين بها "

ما أجمل نظرته حقا .. كانت تعي قيمة هديته لكن من شفتيه المعنى أجمل ..
التفتت قمر لوجهه القريب للغاية يكاد أن يختفي بعنقها فتبتسم كقلبها المبتسم الراضي وهى تقول

" الآن حمزة كامل العامري هو مَن يتحدث "

فتح حمزة عينيه ينظر لها لحظات ثم يسأل بجدية

" لماذا لم تخبريني يوما أن عمي كان يضربكِ بحزامه وأنتِ صغيرة ؟ "

اختفت ابتسامتها وهى تتذكر ما كتبته برسالتها ثم افترقت شفتاها لكنها عجزت تماما عن الرد للحظات طويلة ..
عيناها انكسرت فجأة بشبه دموع لمعت لحظيا ثم قست غضبا ثم تاهت منه وهى تسأل بجمود

" كيف أخبرك شيئا كهذا ؟ "

مال حمزة برأسه يقبل كتفها ثم تستقر رأسه عليه قائلا

" لن أمد يدي عليكِ مجددا مهما فعلتِ "

أغمض عينيه كأنه يعفيها من حرج استشعره بها أن تنظر لعمق عينيه فيرى فتاة حطم والدها ثقتها بنفسها ..
ظلا دقائق في صمت قاس وهى تضع يدها على ذراعه المحيطة بخصرها لتقطع الصمت وهى تمر بأصابعها فوق العروق

" بمناسبة يدك .. هل أخبرتك من قبل أني أحب هذه العروق النافرة بذراعك ؟ "

ابتسم قليلا لطريقتها في تغيير الموضوع .. ربما صار ميزان لسانها حقا ! ..
بابتسامته يمر على كتفها النائم عليه بقبلات صغيرة فيقشعر جسدها بلحيته الخفيفة ثم يسأل بتكاسل

" عيناي والعروق النافرة وماذا أيضا ؟! "

يدها الأخرى تتلاعب بشعره وهى تهمس بعبث

" كل شئ ! "

رفع حمزة رأسه ينظر إليها بشك سائلا بوقاحة

" كل شئ ؟! "

أخفضت قمر بصرها كاتمة ضحكتها فتهمهم

" اممم "

يده تتسلل تحت بلوزتها وهو يقبل شفتيها الماكرة فتستجيب بشوق وهى تحاوط عنقه قبل أن تبعده قليلا بقولها الناعم

" أحضرت لك الإفطار وسأدعوك الليلة للعشاء من يدي "

نظر حمزة جوار السرير ليرى صينية صغيرة بها بعض الشطائر مع كوب عصير مانجو فيرتفع حاجباه بدهشة هاتفا بعجب وهو يعيد عينيه إليها

" قمر العامري بجلالة قدرها تدخل المطبخ ويوم صباحيتها !! .. ماذا حدث للكون ؟! .. هل أغلقت محلات البيتزا والأسماك والمشويات التي جربناها جميعها والحمد لله ؟!! "

عبست قمر تمط شفتيها جانبا بغيظ ثم دفعته بقوة قائلة وهى تنهض

" أنا مخطئة .. ابتعد "

جذبها حمزة من ذراعها فوقعت جواره مجددا بغضب وهو يقول بتسلية مقبلا عنقها

" لا تقولي ابتعد هذه أبدا .. أنا عريس وبشهر العسل وكنت محروووم "

سكنت مقاومتها متذكرة فكرة ما فتسأل بشك مبتسمة

" حقا ؟ "

رفع رأسه باستغراب نبرتها فيعقد حاجبيه متسائلا بخشونة

" أنتِ سعيدة أني كنت محروم أم ماذا ؟! "

اتسعت ابتسامتها وهى تهز رأسها مؤكدة

" هذا ... هذا يعني أنك لم .... كل تلك الأشهر "

قلبها يبتهج أكثر وأكثر .. هى التي فكرت حين ركبت سيارته كم فتاة ركبتها معه وهو حر ! ..
يرفع أحد حاجبيه قائلا مثلها بوقاحة

" هناك كلمة ناقصة !! "

أحاطت رقبته بذراعيها تقربه إليها أكثر فيهمس في أذنها بحرارة

" لا يشبعني إلا جسدكِ يا غصن الياقوت "

كم فاتها معه ! .. أكانت مجنونة خرقاء حين كانت تغتاظ عندما يناديها هكذا ؟! .. أي غباء ذلك وهو يراها بعينيه غصنا ملفوفا يعشقه ؟! .. غبية .. غبية ..
ملامحها تتأثر وهى تهمس برغبة مرتجفة

" أريدك "

نظر حمزة إليها فتشتعل عيناه نيرانا هائلة قائلا

" قوليها مجددا "

تبتسم وهى تهمس

" أعشق التراب الذي تسير عليه "

يرتعد جسده بجملة فيطلب أخرى بضجيج آخر

" لا .. قولي أريدك "

نقطة ضعف جديدة ! .. تضحك قليلا ثم تهمسها صدقا

" أريدك "

ظل ينظر لها طويلا عيناه تتأرجح بين جنون وشئ آخر أشبه بعدم التصديق أو تفحص لصدقها ! .. ثم نهض فجأة ليسحبها من كفها قائلا

" تعالي أريكِ شيئا أولا ثم نعود لهذه الغرفة لا نخرج منها إلا مساءا "

تضحك وهما يغادران الغرفة للبهو ثم إلي غرفة الصالون الأنيقة وهو يتابع

" والعشاء اليوم بيتزا لأنني لن اترككِ "

تلاشت ابتسامتها ببطء وهو يوقفها أمام أحد الجدران حيث لوحة مُعلقة لفتاة معصوبة العينين وسط النيران .. تلك اللوحة التي رآها بالمعرض ثم طلبها بعد مدة طويلة لتكون له ..
تتأمل قمر اللوحة بمشاعر تختلط بعنف ثم تسأل

" هل هذه أنا ؟ "

رد حمزة باقتضاب وهو يتابع ملامحها بترقب

" نعم "

عيناها ترنو نحو توقيع دارين المميز أسفل اللوحة فتقول بنبرتها الباردة

" إنها محقة "

لم تكن تحدد مشاعرها تماما هذه اللحظة .. كانت تكمل وقوفها البعيد وتقييم نفسها .. هل كانت مكشوفة لهذه الدرجة ؟! .. هل فهمتها دارين بهذا العمق ؟! ..
لا تعرف أتشعر بالغيرة من نظرة دارين الثاقبة أم تشعر بالغضب لأن دارين مؤكد أشفقت عليها وهى ترسم اللوحة ؟!..
بعض الحقد يتسلل إليها لكن .. لقد أغلقت صفحة دارين منذ شعرت بقيمتها .. يبدو أن الدفاتر القديمة موجودة في أرشيف ذاكرتها للحظات كهذه ! ..
ينظر حمزة مثلها للوحة فيقول بنبرة تحمل بعض الغضب

" كل يوم كنت أقف أمام هذه اللوحة أحاول معرفة الخطأ الذي حدث .. لكن يوم قرأت رسالتكِ ظللت جالسا أمامها حتى الصباح أعيد قراءة الرسالة مرة بعد مرة .. تلك الرسالة هى التي غيرت كل شئ "

هى التي امتصت الغضب كأنه ما كان ليدخل معها عمقا آخر .. اليوم وهى تقول أريدك بهذا الصدق دخل هذا العمق مجددا ليرى الخطأ الذي كتم كلماتها بذلك الشكل ..
ما قالت له يوما شيئا كهذا .. دائما نظرتها له أنه كان يشتهيها .. اليوم هى مَن تخبره أنها تشتهيه وتريده وتترك له نفسها تماما منذ الأمس بلا برودها وجمودها ..
استدارت قمر لتعانقه تهرب الكلمات منها كرغبتها بالهرب معه

" اريد أن أسافر معك لأي مكان وحدنا "

ابتسم محيطا خصرها مؤكدا أفكاره وأفكار أبيه .. كلها صار حرا حتى كلماتها ..
معك ! .. قمر كانت ستهتم بالمكان أولا وقبل كل شئ لكنها لم تهتم إلا بـ .. معك ..
يشاكسها ويده تتسلل مرة أخرى لكن بضمير

" هل ستتركين عملكِ وتقضينها شهر عسل أم ماذا ؟! "

اتسعت عيناها لتدفعه عنها فجأة هاتفة بجمود قاس

" لا "

قلبه يدق ويدق متفاجئا مضيقا عينيه يسأل بلا تعبير

" حتى إن قلت لكِ أنا .. اتركيه "

ثارت عيناها بعناد مهول وهى تهتف بصرامة قاسية

" لن تلغي كياني مرة أخرى "

نظر إليها نظرة اخرستها فكأنه أعادها لوعيها لتستدرك ما قالته فتبتلع ريقها ثم تقول بحذر

" أتمنى ألا يكون هذا اختبار جديد لأخلاقي ! "

امتلأت عيناه عتابا مخيفا وهو يبتعد عنها جالسا على الأريكة صدره يعلو ويهبط بيأس غاضب فرفعت قمر يدها لجبهتها تقول بخفوت نادمة

" هو اختبار أليس كذلك ؟! .. أنت قلت لي بالمشفى أني سأكون معك .. إذن هو اختبار وفشلت فيه ! "

اختبار ! .. كانت مجرد مزاحا لا أكثر !! ..
انحنت عيناها بألم وهى تقترب منه لتجلس جواره مع قولها

" هل هذا يعني أني أفسدت اليوم هكذا ؟! "

لم تلين ملامحه المجافية وهى عاجزة عن سبر أفكاره .. عيناه مظلمتان وابتسامة استهزاء تلوح على شفتيه .. فأغمضت عينيها متنهدة بحزن ثم حاولت مرة أخرى

" اعرف أنك لا تريد إلغاء كياني أو رأيي .. أنت كنت تحضر لي ملفات الشركة لتعلمني ولو بطريقة غير مباشرة "

ظلت ملامحه صلبة صخرية ونفس طويل ارتفع به صدره لكنها لمست قلبه كما لمست ذراعه تناديه برجاء

" حمزة "

التفت حمزة إليها بعينين مستنكرتين يسأل بقسوة بصوت ضرب قلبها

" هل يصعب عليكِ قول أنا آسفة لهذه الدرجة ؟! "

أجفلت ملامحها قليلا ثم انغلقت مثله .. هى التي لم تعتذر له يوما يريد اعتذارا والآن ! .. حتى لو كانت مخطئة لن تعتذر !! .. قالت أنها ندمت ماذا تفعل أكثر ؟! ..
عقدت حاجبيها وملامحها تمتقع بنظرة متجاهلة لتقول بعد فترة بجفاء

" ها أنت عدت لتربيتي مجددا كما عاد كلامي الطائش .. كلانا لن يتغير يا حمزة .. هناك طباع متأصلة بنا مهما حاولنا "

شعر بضربة مباغتة بمنتصف صدره فتلوت احشاؤه بعنف وهو يراها انقلبت لوجه آخر ظن أنه بعيدا عن حياتيهما على الأقل هذه الفترة .. ويعترف بينه وبين نفسه أنها محقة .. ‏لكنه قرر من قبل أن هذه المرة سيُنجح زواجهما بأي طريقة ..
‏حاولت قمر النهوض بغضب فجذبها من معصمها ليجلسها على رجليه مختطفا شفتيها بضراوة يخرج بها غضبه ويداه تلف الخصلات السوداء المختلطة بالأحمر ليشدها بقوة حتى ابتعد بعد لحظات بأنفاس ثائرة ينظر لملامحها المهتاجة مثله فتسأل قمر بنبرة راغبة غائمة

" هل ستكون هذه طريقة الصلح بيننا كلما تشاجرنا ؟! "

يعرف أنها لن تعتذر .. وهو أيضا لن يلين .. كلاهما ركب العناد رأسه مجددا فيقول حمزة بخشونة صلبة لا مبالية

" لا بأس .. طالما تعجبنا معا فلنخرج أحلك طاقاتنا بها ! "

عادي ! .. لا يوجد شئ مثالي !! ..
ابتسمت قمر ابتسامة صغيرة مغرورة تبادله جنونه الأسود الحالك حتى تلون شيئا فشيئا بعشقهما العنيد ..
يحبها هكذا .. وتحبه هكذا ..
قد لا يتغيرا كثيرا لكنهما وجدا طريقهما حتى لو كانا بأول خطوة منه .




..............

فتح أكمل عينيه شاعرا بحركة خفيفة جواره فأخذ نفسا طويلا وهو يستيقظ تماما فيراها جالسة جواره ترضع اياد .. يعرف ولديه من شعرهما ولون أعينهما وبشرتهما لأن ملامحهما قريبة للغاية ..
اياد ذو العينين الزرقاوتين والشعر الأسود وزياد ذو العينين البنيتين الداكنتين والشعر الأفتح من الأسود المقارب للبني ..
نهض جالسا يمسح وجهه يقابل صباحها المبتسم

" صباح الخير حبيبي "

نظر للساعة بهاتفه جواره ثم أعاده مكانه وهو يرد عليها

" صباح النور .. ألم تنامي أم ماذا ؟! "

ردت شمس بابتسامة وهى تلاعب اياد بحضنها فيبتسم لها بعد أن أنهى رضاعته

" نمت قليلا "

نظر لوجهها عابسا وقد ظهر تعبها من نومها المتقطع وخاصة بالأمس منذ بداية اليوم وحتى نهايته بحضنه فيقول بغير رضا

" قلت لكِ نحضر تلك السيدة التي قالت عليها نعمة لتساعدكِ "

أعادت شمس اياد للسرير الصغير لتأخذ زياد تلاعبه قليلا وهى تقول

" لا .. لن يفعل أحد شيئا لأولادي غيري "

جلست جواره فتلتفت تنظر له تتابع بهدوء مبتسم

" لا تقلق .. الوقت الذي تأتي فيه نعمة تفعل كل شئ بالمنزل قبل أن تغادر بعد المغرب وأنا أهتم باياد وزياد فقط .. ثم إن بعد بضعة أشهر سينتظم نومهما لساعات أطول "

يعرف أنها تعاند وقلة النوم بدأت تضعفها فيقول بتأكيد

" المهم صحتك .. فاهمة ؟ "

اومأت شمس بابتسامتها الجميلة مثلها فيمد يده يمسك ذقنها قائلا بقلق

" لا أريد أن أرى وجهكِ مرهقا هكذا "

تشعر بإبهامه يلمس الحسنة البارزة بذقنها فترد بقلة حيلة

" إنها ضريبة الأمومة ! "

مرر أكمل يده بشعره مرجعا رأسه لظهر السرير بقوله الحانق

" لكن ضريبة الأبوة أسوأ بكثير .. بالأمس شعرت أن أحد ما يركض خلفي ! "

ضحكت شمس ناظرة له فيسألها

" ماذا قررتِ بشأن عملكِ ؟ "

زمت شفتيها لحظات ثم قالت بترفع مصطنع

" ااا .. أخذت إجازة عدة أشهر أخرى .. يمكنك القول أن أوراقي ستتجمد في إجازة طويلة بلا راتب "

ابتسم أكمل بانتصار متسائلا بخبث

" هل هذا القرار متأثر بكلامي أم .. من عقليتكِ الفذة ؟! "

أطبقت شمس شفتيها بغيظ ثم حركتهما يمينا ويسارا بتفكير لكنها لم تجد مفرا من الاعتراف

" لا تسخر .. ولا تظن أنك أثرت عليّ بإلحاحك لكن .. فلنقل أنني اقتنعت بوجهة نظرك .. إجازة ثلاثة أشهر فقط لن تكفي واترك اياد وزياد كل يوم وعمرهما ثلاثة أشهر فقط ... "

أصدرت صوتا معترضا ثم تضيف باستسلام

" لن ينفع "

أشاح أكمل بوجهه هامسا بانتصاره

" أحسن "

رفعت شمس حاجبا متوجسا وهى ترنو نحوه بنصف عين متسائلة بتحذير

" ماذا تقول يا أكمل ؟! "

ابتسم في وجهها بلطف زائد ليرد بنبرة ألطف

" لا شئ حبيبتي ! "

مررتها له بعقلية الزوجة المتفتحة الأصيلة ! .. ثم نهضت تضع زياد بالسرير ليلعب بقدميه الصغيرتين كأخيه ثم تسأل

" قلت لي بالأمس أن لديك موعد بعد ساعتين لذلك لن تذهب لعملك اليوم أليس كذلك ؟ "

نظر أكمل إليها لحظات بمنامتها العسلية الخفيفة وقد تلطخ كتفها ببقعة حليب حين تجشأ اياد وتشعث شعرها من الأمام من عبث زياد به لكنها كانت جميلة .. أكثر خفة وحيوية ..
أنزل ساقيه من السرير ليفتح درجا جواره يأخذ منه مفتاحا وهو يرد عليها

" نعم سأجهز نفسي لكن أريدكِ أن تأتي معي أولا "

لابد أن يخبرها الآن وإلا ستكتشف بنفسها وهو يريد أن يرى رد فعلها ! ..
التفتت إليه شمس باهتمام وهو يتجه إليها يسحبها من يدها ورائه حتى البهو ثم إلي باب المنزل فتتسائل باستغراب

" أين ؟! "

لم يرد وهو يفتح الباب ليخرجا فتتعجب أكثر حتى وصل بها خلف المنزل فوقفت مسمرة مكانها والمفتاح يتدلى من يده أمام عينيها ..
أمامها سيارة بيضاء فخمة خطفت أنفاسها فتسأل بعدم استيعاب

" هل هذه لي ؟! "

رفع أكمل يدها يضع المفتاح به وهو يهز رأسه مؤكدا فنظرت هى إلي المفتاح بيدها قائلة

" أنا .. ظننتك تمزح حين قلت أنك ستعلمني القيادة "

أمسك كتفيها متذكرا ذلك اليوم الكارثي الذي أنهى كل شئ بينهما فيقول

" أنا علمتكِ من قبل بالفعل وكنت أنوي تعليمكِ الباقي لكن ... "

لكن عاد جلال وعادت قمر وعادت وجدان ودخل والدها المشفى بيوم واحد ..
رفعت عينيها له غير راغبة بتذكر أي شئ ثم أخفضتهما نحو السيارة .. لطالما رفضت ركوب سيارة والدها حتى لا يكون عم فتحي سائقها حتى لا تجرح جلال فكانت تستخدم المواصلات العامة .. وحين تزوجها أكمل خصص لها سيارة بسائق أينما ذهبت ..
لكن أن يكون لها سيارتها ! ..
تشعر أنها تحررت تماما من كل الكبت الذي عاشت فيه .. لطالما كانت راضية ولم تستسلم لنقمة قمر على حياتيهما المغلقة .. لكنها لن تنكر أنها ما شعرت بقيمة لحياتها إلا حين دخلها أكمل .. حولها لحياة حقيقية ..
الأمر ليس مجرد سيارة .. بل نظرة كاملة لكينونتها .. نظرة أبيها لها دائما ما بعثت بها خضوعا وتصلبا مقيتا وقسوة ..
ونظرة أكمل لها أعادت الأنثى فيها للتنفس بحرية .. أعادها نابضة مشعة بالأمل مشرقة بالحياة ..
تشعر أنها كانت بركة مياه راكدة ملوثة حتى جاء أحد نقاها وألقى مياهها بنهر صافٍ واسع تتماوج فيه بحرية ..
تلمس يدها مقدمة السيارة الناصعة فترتجف ابتسامة على شفتيها وهى تسأل بتردد

" هذه سيارتي حقا ؟! "

أشعلت نارا بقلبه .. لا يعلم لمَ تذكر ذلك اليوم بالمطار حين سافرت معه لأول مرة بحياتها فرآها متخبطة تائهة شبه جاهلة بما تفعل ولم يعلم أحد أنها تحضر رسالة الماچستير ! ..
الأمر ليس مجرد تعليم عابر نلقي به أولادنا ونريح ضمائرنا أننا فعلنا ما علينا .. خاصة وإننا نعرف مستوى التعليم جيدا !! .. لكن الأمر مواجهة للحياة كلها فإما نربيهم على قدر المسئولية والمواجهة وإلا فالأفضل ألا ننجب أيتاما ونحن على قيد الحياة ..
أرادها يومها أن تكون أجرأ وأقوى .. تسأل وتعرف وتفهم ما تجربه للمرة الأولى .. ليس عيبا أن تجرب الشئ للمرة الأولى .. لكنها خافت حتى السؤال كأنها تربت على الصمت وغلق الأفواه .. انكمشت خائفة ضعيفة عاجزة عن مواجهة أبسط مواقف الحياة .
ابتلع أكمل ريقه ناظرا لملامحها فيمازحها دون أن يظهر ما فكر فيه

" بما أنكِ في حالة بيات شتوي مع أولادكِ فكرت أن اشتريها لكِ الآن لتكون حافزا لتتعلمِ "

نظرت شمس إليه فتقول بارتباك تحاول إخفاءه

" ما فكرت يوما أنه ستكون لي سيارتي "

كان يعلم خوفها من كل جديد .. هكذا تربت .. أن تسير جوار الحائط تأخذ المعتاد الذي يُقدَم لها لا أكثر ..
لكنه سيبتعد بها عن نظريات ' سليمان العامري ' الميتة ..
سيعلمها أن تعيش الحياة .. كالأحياء ..
أمسك أكمل وجهها بين كفيه فيطمئنها بنبرة قوية

" رغم أني أغار أن تقودِ وأنتِ بكل هذا الجمال حتى لا يضايقكِ أحد لكن مَن يضايقكِ أوقفيه واتصلي بي وسأكون عندكِ بعد ثوان أخرب بيته "

ضحكت شمس شاعرة بالكثير من الامتنان .. والخوف .. والتردد .. والقليل من الحماس .. والقليل جدا من الإثارة .. يبدو أن بداخلها كبت والدها ما زال قائما قليلا مؤثرا عليها طوال حياتها لدرجة الخوف من قيادة سيارة والسير بها في الشارع ..
الآن أدركت .. لقد أشرقت داخل بيتها معه ومع طفليها .. لكنها ما زالت تعاني رهبة الخارج التي زرعها فيها أباها ..
تتذكر يوم المشفى وهى لا تعرف التعامل مع أي إجراءات فتدمع عيناها بعجز ..
لكنها ضمت نفسها إلي صدر أكمل داحضة كل مخاوف مواجهة البشر عازمة أن تكسرها وهى تقول من قلبها

" أدامك الله لي "

أحاطها أكمل بذراعيه يميل نحو رأسها قائلا

" منذ الغد أيضا ستتابعين رسالة الماچستير .. أنتِ قلتِ لم يتبق فيها الكثير "

شددت شمس ذراعيها حول جذعه هامسة

" حاضر "

أيا يكن ما رأته سابقا وصنع خارجها قشرة قاسية لتخفي بها ضعف داخلها .. لكنها ستجد طريقها لأجل أولادها.



..............

خرجت من مطبخها الصغير لتفتح باب الشقة الخشبي القديم ثم أشرق وجهها المستدير بابتسامة عريضة قائلة بترحاب

" يا أهلا يا أهلا .. يا ألف أهلا وسهلا "

ابتعدت عن الباب تفتحه أكثر ليدخل رائد ودارين والمرأة تقول بمودة

" تفضلوا .. تفضلوا "

يخلع رائد حذاءه كعادته ففعلت دارين المثل والمرأة تربت على ظهرها بطيبة قائلة

" اهلا يا حبيبتي تفضلي "

ابتسمت دارين في وجهها وهى تصافحها والمرأة تتأمل جمالها ورقيها بفضول محبب ثم تشير بيدها لتتقدمهما خطوات لغرفة الجلوس البسيطة بآرائكها المغطاة بمفروشات ملونة حيث ابتسم محمود على كرسيه المتحرك قائلا ببشاشة

" أهلا وسهلا أنرتما .. تفضلا "

انحنى رائد يصافح الرجل ثم يقبل رأسه الأشيب بعدما كان يصافحه من بعيد ثم يسأله

" كيف حالك يا عم محمود ؟ "

أشار لهما محمود بالجلوس وهو يرد برضا قوله المعتاد

" في نعمة والله يا بني .. سألت عنك العافية "

جلست زوجته على الأريكة المقابلة تنظر لدارين وملابسها الأنيقة ومحمود يقول لها

" أهلا يا ابنتي شرفتينا بالزيارة "

ردت دارين بابتسامة صادقة

" الشرف لي يا عم محمود "

تنظر دارين حولها للجدران المشققة والأثاث البسيط والمفروشات المبهرجة ورغم ذلك بدا أن أهل البيت يحمدون الله على الستر بين أربعة جدران .. هنا الحياة الحقيقية للعامة حيث الكفاح للقمة العيش وسط الرضا بالمقسوم .
كانت سعيدة أن رائد أخذ هذه الخطوة معها فلم يعد يخفي عنها شيئا ..
تسمع صوت محمود العجوز المؤنب فتنظر لكرسيه المتحرك والغطاء الداكن الذي يغطي ساقيه المبتورة

" أخيرا قبل دعوتنا للغداء .. كل مرة يتحجج بشئ ما ولا يريد أن يأكل ببيتنا "

بطرف عينها تنظر لرائد تدرك حرجه وإحساسه بالذنب وهو الذي تسبب في عجز هذا الرجل .. يبتسم بهدوء مخفضا بصره أرضا فترد هى عنه ممازحة

" لا يا عم محمود لا تقل هذا .. بصراحة أنا السبب .. قلت له ببداية زواجنا المكان الذي ستأكل فيه خارج البيت ظل فيه للصباح "

ضحك محمود وزوجته فنظر إليها رائد يقابل عينيها المتفهمتين ولم يستطع كتم ضحكة خافتة صادقة من قلبه .. الله يرحم بداية زواجهما ! ..
كان يريها وجهه الآخر .. يريها مَن أحبت ؟ .. ذلك المجرم الذي أفقد عائلة كاملة رجلها الأكبر .. ويخاف أن يقل حبه بقلبها .
رد محمود ضاحكا بطيبة

" أسعدكما الله يا ابنتي "

أعاد رائد عينيه إليه يسأل باهتمام

" كيف صحتك ؟ "

انسحبت زوجة محمود لترى الطعام بالمطبخ وتجهزه وهو يرد

" بأفضل حال الحمد لله "

بعد دقائق قليلة جاءت المرأة بجلبابها الأزرق المورد على جسدها الممتلئ المشابه لوشاحها المربوط على رأسها تقول بابتسامة

" تفضلوا الغداء جاهز "

خرج محمود أولا بكرسيه المتحرك فأمسكت دارين يد رائد خفية تشد عليها كأنها شعرت احتياجه لدعمها هذه اللحظات .. قبل أن يخرجا خلف محمود للصالة الضيقة حيث جهزت زوجته الغداء على طاولة خشبية مستطيلة ..
يسأل محمود زوجته وهو يقترب من الطاولة بكرسيه

" متى ستأتي دهب ؟ "

ردت المرأة وهى تصب الماء في الأكواب

" لديها محاضرات للساعة الخامسة "

رفعت رأسها مبتسمة ودارين تجلس أمامها فتقول بفخر البسطاء

" ابنتي الصغيرة دهب أنهت عامها الأخير بكلية الآداب والآن تدرس دبلومة ... لا أتذكر اسمها "

أنهت كلامها بضحكة خافتة وهى تجلس حول الطاولة فتقول دارين بمودة

" إن شاء الله تنهيها بنجاح وترينها عروس كالقمر "

الرائحة شهية والأصناف كثيرة دسمة وكل صنف تقريبا تكاد تشعر بمذاق السمن البلدي به .. كانوا يظهرون مودتهم الصادقة نحو رائد لما يفعله معهم لكنه لن يتوقف عن شعوره بالذنب وهى تعلم إحساسه الآن وهو يكشف لها هذا الجزء من حياته.
يسأل محمود وهو يتناول الطعام

" وكيف حال المولود ؟ "

رد رائد بخفوت وهو يأكل ببعض الحرج

" الحمد لله "

كانت تفهم سبب حرجه .. أنه يكمل حياته بخير بعدما تسبب به .. ربما لم يسامح نفسه تماما لكنه عرف كيف يتعايش مع الأمر ..
هى تفهم رائد أكثر من نفسه .. لا يستطيع أن يتقبل الحقائق بسهولة .. حين يحزن يحزن عمرا .. وحين يتألم ينغمس في الألم .. وحين يتملك يأخذ ما يريد بشراسة ولا أحد يقف بوجهه ..
تدعو المرأة وهى تضع طعام أكثر بطبق دارين فجعلتها تنتبه لها مبتسمة من شرودها

" فرحكما الله به "

بعد الغداء جلسوا جميعا يشربون الشاي مع الأحاديث الطيبة المليئة بالمودة وبساطة الحياة تتخللها ضحكات راضية بالقدر مرتاحة البال ..
حتى وضع رائد كوب الشاي على الطاولة الصغيرة أمام الأريكة مستئذنا وهو يقف

" نستأذنكما نحن حتى لا نتأخر على فارس "

ردت المرأة بطيب خاطر

" مبكرا هكذا ؟ "

وقفت دارين تقول بابتسامة متسامحة

" فرصة ثانية إن شاء الله أحضره معي ونقضي معكم اليوم "

ربتت المرأة على كتفها وهى تقبلها على وجنتيها قائلة

" تشرفوا يا حبيبتي .. والله قلبي أحبكِ "

ترد دارين وهى تلمح رائد يضع ظرفا أبيض جوار محمود

" القلوب عند بعضها "

صافح رائد الرجل قائلا

" اعتني بصحتك يا عم محمود وأنا اطمئن عليك من الطبيب دائما "

ينظر محمود للظرف ثم يرفع عينيه لرائد داعيا

" رزقك الله يا بني وفرحك بولدك "

يده ارتعشت لحظة رأتها دارين قبل أن يقبضها بصمت فتمد يدها لمحمود قائلة

" مع السلامة يا عم محمود "

صافحها محمود قائلا بطيبة

" في رعاية الله يا ابنتي "

بعد دقائق كانت معه في السيارة بعد أن خرجا من الشارع الضيق ليتوقف رائد على جانب الطريق ناظرا أمامه بصمت فتسأل دارين

" لمَ أحضرتني إلي هنا اليوم ؟ "

التفت إليها بنظرة غريبة واجمة لكنه قال بعزم

" لم يعد هناك أسرار بيننا دارين .. إذا حدث لي شئ أريدكِ أن تكملِ من بعدي .. واوصي فارس أيضا بذلك .. هذا الرجل وأسرته في رقبتي ليوم الدين "

انقبض قلبها بقوة وهى تنظر لعينيه .. كان ينتظر منها شيئا .. خوف بعيد قابع في أعماقه ينتظر تطمينها ..
اومأت برأسها بتأكيد ثم مدت يدها تمسك يده على فخذه قائلة بصدق

" أنا أحبك حتى لو كنت قتال قتلة .. هل ارتحت ؟ "

ابتسم أخيرا مرتاحا رغم الذنب الذي يلون ابتسامته وهو يرفع يدها لشفتيه يقبلها ثم يسأل

" هل رأيتِ تاريخ اليوم ؟ "

ردت وهى تضغط على يده مبتسمة

" تعرف قيمة بعض التواريخ بحياتي "

نظر رائد أمامه لحظات قبل أن يعيد عينيه إليها قائلا بخفوت

" أنا أيضا ذاكرتي تحتفظ بتواريخ لن أنساها .. اليوم تاريخ الحفل التنكري .. يوم رأيتكِ لأول مرة لتقلبين بعدها كل حياتي "

أطرقت دارين لحظات مبتسمة تتذكر ذلك اليوم .. ومعزوفة مونامور .. ورقصها بين ذراعيه أول مرة ..
حتى رفعت رأسها إليه بقولها الهادئ

" الأقنعة تخدع .. لكن عقولنا تخدعنا أكثر .. منذ ذلك اليوم ما تمنيت إلا أن تكون بخير حتى لو لم تكن معي .. واليوم يكفيني حبك من كل الدنيا "

نبض قلبه متضخما بقوة وعيناه تحتدان بطبيعته وهو يغطي جانب وجهها بيده قائلا بمشاعره الهادرة

" أي شئ جميل فعلته لتكونِ جائزتي بالدنيا ؟ .. حبك حلالي وعدلي وحقي ولا أريد أكثر من هذا "

ابتسمت وفي عينيها وعد لليلة .. ستعيد له تلك الليلة .. بنفس الفستان .. ونفس الرقصة .. يوم بدأت قصتهما التي لن تنتهي بامتداد أجيالهما.



يتبع....


نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 31-12-18, 11:59 PM   #2485

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي


بعد أشهر

خرجت لمياء من المبنى العتيق حاملة بيدها ملفا من أوراق كثيرة .. رفعت عينيها للخلف حيث شرفة الدور الثالث المُعلق عليها لوحة كبيرة باسم دار النشر والتوزيع ثم ابتسمت بمرارة ..
وسالت الدموع في الشارع ..

ثقل بحنجرتها عالقا يمنعها حتى من ابتلاع ريقها ..
مشت في طريقها المتعثر دموعها تنزل بصمت وهى لا تملك سواها .. تجر خلفها أذيال خيبتها الجديدة ..
قلبها محطم ونفسيتها منهزمة وتعاني صفراً حياتيا محبطا ..

ثالث دار للنشر والتوزيع ترفض كتابها بحجة أنها متحاملة على الشعوب العربية وتركز فقط على أسوأ ما فيها ..
شهور وشهور ظلت تكتب لا تملك هدفا سوى أن تنشر موهبتها وتعمل بما تحب .. حلمت كثيرا أن يكون اسمها على غلاف الكتاب .. حلمت بالنجاح ..

بحثت طويلا وذكرت نماذج سلبية من جميع الدول العربية وبنهاية كل نموذج كانت الحكمة واضحة مما حدث برسالة قوية ومؤثرة ..
تقسم أنها كتبت بضمير وناقشت الكثير مما يتغافل عنه الجميع ويمثلون أنهم بخير ..
تغاضت عن الخيبة الأولى من دار النشر الأولى .. تغاضت عن الخيبة الثانية من دار النشر الثانية .. ولا تعرف كيف صمدت رغم كل الانهزام والإحباط لتصل لدار النشر الثالثة وها هى تتلقى منهم خيبة ثالثة .. وأخيرة ..

حتى أموال الماچستير الذي أوقفته لم تكفها لتنشر كتابها على حسابها .. وها هى الأموال تقبع في درج مهمل ستعطيها لأمها لتشتري بها خضراوات وفاكهة أفضل !..
قدماها تسير وسط زحمة البشر ليلا منهم مَن يبحث عن حافلة ليعود بيته ومنهم مَن يجري لينحشر على درج وسيلة المواصلات الشعبية التي ما أصبحت شعبية وقد ارتفع ثمن تذكرتها هى الأخرى كأنهم يعاقبون الشعب ..

منهم مَن يقف عند بائع الفاكهة عيناه تتطلعان إلي الفاكهة المحروم منها ثم يسير بخيبته هو الآخر وقلة ما بجيبه .. وأخرى تقف عند بائع الخضراوات تتشاجر معه عن ثمن كيلو الطماطم ثم تقلب الكيس بوجهه وتمشي غاضبة تاركة الطماطم تتدحرج على الأسفلت والبائع يشتمها .. لم يسمع دعواتها عليه وعلى كل مسئول عن حريق قلبها وخواء بيتها لقلة المال ..

الجميع في خيباته الصغيرة والكبيرة .. ومنهم ذلك الشاب وقد تعلقت بذراعه خطيبته ويتضاحكان همسا بالكلمات بسعادة مختلفة ..
مراهقون عائدون من دروس الثانوية العامة يحملون آمالا عريضة لا يعرفون أنها ستتحطم كلها على عتبة صفحة التنسيق ..
هى أيضا تحطمت يوما حين فشلت في دخول كلية الطب بفارق اثنان بالمائة فأصبحت فاشلة لكن بأناقة كلية عملية أخرى توهم نفسها أنها حققت شيئا صغيرا حتى لو كان مجالا لا تحبه ..

خطواتها تتباطأ أمام صندوق قمامة أزرق وبكل آمالها التي تحطمت ارتفعت يدها لتلقي بكتابها في القمامة ملقية معه موهبتها التي ربما ستنساها تماما ثم تسير وتسير وما زالت تبكي لا أحد ينتبه لدموعها .. الكل منشغلا بمآساته ..

كان النجاح قريبا تراه كقمرا بالسماء ينير قلبها .. اعتزلت العالم كله مع أوراقها وحاسوبها تخفي فشلها السابق وتتحمل نظرات والديها الصامتة وهم يجدونها لا تبحث عن عمل بعد خسارتها لعملها في شركة الأدوية الكبرى ..
تحملت لأجل النجاح .. دعت الله أن تتذوق النجاح طوال الشهور السابقة لكن لاح بحياتها فشل جديد خنق أنفاسها وأسكن قلبها بالهم والغم ..

استقلت أخيرا حافلة لتعود لبيتها تختبئ فيه من قسوة البشر .. لم يعد أحد يساعد أحدا .. الكل يريد أن ينجح وحده ..
مَن يمتلك - أولاد الحلال - يقفون معه وبظهره في هذا الزمن فإنه يمتلك أكبر نعمة قد يحصل عليها ولا يعلم ..
الهواء يضرب وجهها الباكِ بصمت من النافذة المفتوحة حاملا معه غبار السيارات الخانق طوال الطريق المعتاد لمنزلها ولا طريق غيره ..
أيصدق أحد أنها ما تعرف من مدينتها أي أماكن أخرى كالتي ترى بها زملائها على مواقع التواصل الاجتماعي ؟ ..
إنه اختناق تام لأحلامها وطموحاتها وشبابها وأنوثتها ..
هى ما حلمت يوما سوى بنجاح في دراستها وبيت صغير تسمع فيه كلمة أحبكِ صادقة .. حلمت فقط بابتسامة صافية من القلب ..

الأمر لم يعد له علاقة باحساسها بالذنب عن ذنوب اقترفتها .. الأمر شعورها بأن حياتها توقفت وقلبها عجوز يتيم وهذا هو كل ما يسيطر عليها ..
عند منعطف معين طلبت من السائق أن يتوقف وترجلت من السيارة بكآبة لتمشي الشارع المؤدي لمنزلها وهى تمسح دموعها أخيرا ..
تمر على نفس الأماكن كلما نزلت حتى توقفت أمام مكان معين .. نفس المكان .. نفس الإعلان معلق منذ أسابيع ..

بهدوء ميت دخلت فقام رجل عابس ليأخذ طلبها فسألته بصوت لا حياة به

" لو سمحت أنا أريد السؤال عن هذا الإعلان "

أشارت نحو الورقة المعلقة على الباب الزجاجي بتردد كأنها تريد الهرب قبل أن تكمل جملتها ..
عبس الرجل أكثر كأن عيناها ينقصها هموما ليحملها هذا الرجل هم عبوسه بوجهها وهو يسأل بجدية خانقة

" هل عملتِ بصيدلية من قبل ؟ "

هزت لمياء رأسها بنظرتها الميتة قائلة

" نعم عملت لعدة أشهر ولدي خبرة جيدة .. وهذه سيرتي الذاتية "

أخرجت ورقة من حقيبتها موجودة دائما لكنها كانت مطوية مجعدة تمنت ألا تستعملها مجددا في مواقف كهذه ..
أمسك الرجل الورقة بازدراء لينظر لها نظرة ممتعضة من إهمالها لكنها لم تبالِ .. لم تشعر بشئ كأن مشاعرها كلها ماتت مع الحلم الذي مات ..
ظل يقرأها لحظات حتى سألته

" هل أستطيع الحصول على العمل ؟ "

وضع الرجل الورقة أمامها بلا اهتمام قائلا وهو يتجه ليجلس مكانه بعنجهية

" تعالي غدا صباحا للدكتور صاحب الصيدلية وهو يقرر .. وغالبا سيوافق على فترة تدريب أسبوع أولا "

هزت لمياء رأسها وخرجت من الصيدلية بلا كلمة تاركة سيرتها الذاتية مكانها على المنضدة الزجاجية بلا مبالاة ..
هى الآن خاسرة كبيرة .. خسرت الماچستير وخسرت ذاتها وخسرت براءة روحها وخسرت حلمها ..

العالم كله يدور بسرعة احترافية حول البعض .. البعض الذين يصلون للقمم العالية ثم مَن يليهم ثم مَن يليهم حتى يصلوا للقاع فينسحق البعض الآخر سحقا .. هى من ذلك البعض الآخر ..
من آلاف الشباب الخريجين الذين بلا عمل بعد أن أنهكهم البحث .. بعد كثرة السعي بلا فائدة ربما ينتهي بهم المطاف على المقاهي ..

قرأت يوما في كتاب أعجبها أن الكليات تطردهم طردة لطيفة كمَن يطرد كلبا رامية لهم - عظمة - الشهادة وتغلق الباب في وجوههم فيجدون أنفسهم في الشارع مستيقظين على الواقع ..
كان أجمل وأصدق تشبيه قرأته في حياتها عن التعليم ..

يقولون ذنبهم وليعملوا أي عمل شريف أفضل لهم .. لكن ..
هناك ناس قدرتهم على التحمل ضعيفة .. مساكين مغلوبين على أمرهم لا يستطيعون مواجهة الحياة الصعبة ولا مواجهة البشر ولا نحت الصخر ..
هناك ناس بفطرتهم أنقياء للغاية شديدي البراءة لا يجيدون حتى رفع أصواتهم فكيف يكون مصيرهم ؟ ..

اليوم عرفت أنها من ملايين المهزومين في الواقع .. بل هذا هو الواقع ..
ماذا تنتظر ؟ .. النجاح والملاحقة من الشهرة والأضواء وحب الناس رغم الانطوائية ..

ليس الجميع ينال فرصته .. ليس الجميع ينال السعادة .. السعادة رزق والحب رزق .. وهى لم يأتِ رزقها بعد لكن .. فلتظل طاقة صغيرة مفتوحة بالأمل في روحها ..
قد يأتها الحب يوما حاملا السعادة .. قد تستطيع النجاح يوما .. لكن الآن .. هذا هو واقع آلاف غيرها ..

العودة لنقطة الصفر .




.........................

فتح حمزة باب مكتب عمه ليدفعها داخله هاتفا بنبرة مشتعلة بالغيرة

" ادخلي "

استدارت قمر بعينين متسعتين تراه يغلق الباب فتهتف بغضب

" كيف تفعل هذا وتحرجني هكذا ؟ "

ينظر لوجهها الذي ازداد جمالا بريئا وشعرها الأسود ثائرا على جانبيه فيحترق صدره أكثر قائلا بسخرية

" متأسف أني قطعت عليكِ وصلة الضحك مع سي عماد ! "

نفخت قمر وهى تمرر يدها بشعرها قائلة بنبرة نارية مثله

" هذا ليس مبررا لما فعلته وتأخذني هكذا وأنت تقول له بعد إذنك من تحت ضرسك ! "

هدرت أنفاس حمزة بنظرة مخيفة ثم رد بحدة

" كنتِ تضحكين معه هل كنت أقف وأضحك معكما عادي ؟!! "

نظرت للسقف بغيظ واستدارت وهى تشد شعرها ثم عادت تواجهه مجددا هاتفة

" ضحكت على شئ قاله .. شئ عابر .. هل حُرِمَ الضحك ؟! "

صمت حمزة لحظات ثم قال بنبرة حازمة صلبة

" عامة لن تكونِ مضطرة للتعامل معه مباشرة بعد اليوم "

اتسعت عيناها مشهرة سبابتها أمامه لتقول بعنفوان

" حمزة .. قلت لك من قبل عملي هذا هو كياني ولن أتنازل عنه أبداً "

اقترب منها بنظرته المخيفة فتراجعت بخوف رغما عنها حتى وقف أمامها ثم قال محذرا

" وأنا قلت لكِ من قبل ليس كلما تكلمنا تظنين أني أحاول إلغاء كيانكِ أو إجباركِ على ترك العمل "

تنفست نفسا طويلا مرتاحا لكنها لم تظهر ارتياحها وهى تشمخ بذقنها تتسائل بلا مبالاة باردة

" ماذا تقصد إذن بأني لن اتعامل معه ؟ "

ارتفعت يدا حمزة راغبا بشد شعرها لكنهما انقبضتها جوار وجهها وهى تغمض عينيها بتعبير مضحك ثم تفتح عينا واحدة حين طال صمته فيقول من بين أسنانه بغيظ ساخر

" قلت مباشرة .. أنا قلت مباشرة يا سيدة الأعمال الخبيرة ! "

هزت رأسها بلا فهم فتسأل بنفس النبرة المتعالية

" ماذا تقصد أيضا ؟! "

تنهد بقوة ليمسح وجهه بكفه ثم يقول بجدية

" أقصد أن هذا سيكون مكتبكِ منذ اليوم "

فغرت فمها لحظات تنظر إليه بنفس عدم الفهم ثم تلفتت حولها بكل ركن بمكتب أبيها لتسأل بشحوب

" هل قال أبي هذا .. أم أنك ... ؟ "

لا لم يقل .. بل لم يثق وهو يظنها ما زالت تلعب بالشركة بوظيفة متشبثة بها تشغل بها وقت فراغها رغم التقارير التي تصله في منزله عن عملها لكنه .. لا يقتنع أن قمر بإمكانها أن تنجح ! .. هو حر ..
لكن عن نفسه أقنعه أن قمر بحاجة لمكتب وحدها بعد أن أخبره أنه لا يرتاح لوجودها مع عماد وبالطبع أيده عمه ووافق مباشرة فأكد عليه حمزة ألا يخبرها بالأمر .. لكن ..
حقيقة الأمر ليس عماد .. بل هى نفسها .. أراد المكتب لها وهو حقها بعد إنجازها لأكثر من عام ..
لكنه فضل ألا يضايقها فقال الحقيقة ناقصة

" نعم .. قال أن المكتب صار لكِ "

يعلم حساسيتها تجاه عمه وهى ما زالت تنظر للمكتب بعينين متألمتين لكن تحملان شعلة فرح باهتة فتقول

" لكن أنا ظننتك أنت ... "

صمتت فتابع الكلام الناقص بخجلها

" أني سآخذه مع الصلاحيات ؟! "

اومأت قمر بذلك الخجل فقال بنبرة عميقة صادقة

" لا يا قمر .. أنا سأظل بمكتبي حتى لو أصبحت مدير الشركة كلها .. هذا المكتب حقكِ "

رأسها يتلفت ببطء حولها حتى وصلت للمكتب وخلفه الكرسي الجلدي الأنيق فدق قلبها برهبة وهى تشعر أن قيمتها وصلت لما تريده هذه اللحظة فتقول بتأثر شارد

" أنا سأكون هنا .. بمكتب أبي ؟! "

تتذكر يوما سألت نفسها هل ستأخذه أم سيكون من نصيب حمزة .. كل يوم كانت تلقي عليه نظرة تشعل اصرارها وتحديها ..
تكاد تصرخها .. إنها مكان ' سليمان العامري ' بعد عذاب الذات المجهولة التي لا يشعر بها أحد ..
عيناها تدمعان وغصة بحلقها تخنقها فتستدير تخفي عنه حزنها تقول بابتسامة مريرة

" مؤكد أنت مَن أقنعته .. طوال عمرك مقنع ! "

هل يظن أنها ستصدق قوله ؟! .. لقد قالها لها أباها أخر مرة زارته .. اتركي هذا العمل والكلام الفارغ واعتني ببيتك وزوجك لا نريد أن يتكرر ما حدث .. هل يظن حمزة الآن أنها قد تصدق أنه يعطيها مكتبه بنفسه ؟! ..
لكنها على الأقل ممتنة لحبيبها لأنه حقق لها أمنية مختبئة بقلبها منذ عملت هنا ..
اقترب حمزة أكثر فاحتضن ظهرها لصدره النابض شاعرا بطفلته المجروحة فيغير الموضوع متسائلا بعبث

" بمناسبة المكتب الجديد هل يمكن أن نأخذ إجازة ونسافر كالمرة السابقة ؟! "

حين طلبت منه أن تسافر معه وكانت رحلة العمر .. وسط مشاجرات ومشاحنات لا تنتهي لتذوب الكلمات بين شفتيهما وينتهي الأمر بمجادلة هادئة مزينة بالعشق ..
بعض الرجال لا يجيدون إنهاء الشجار إلا هكذا ! .. وبصراحة ووقاحة تعترف أنها أحبت الأمر !! ..
أخذت قمر نفسا عميقا ثم استدارت بين ذراعيه بطاقمها الكلاسيكي الأسود تبتسم بمكر وهى تسأل

" هل سأكون مجنونة إن قلت أريدك الآن ؟! "

اشتعلت عيناه بصفائهما الأخضر المميز فتقدح لهبا راغبا أن يذهب فيغلق الباب بالمفتاح ويطارحها غراما لا ينتهي لكنه زفر بغيظ قائلا بكبت

" مجنونة ومتخلفة كعادتك .. قصدت إجازة بريئة طالما طبيبكِ أعطاني راحة مؤقتة من مهامي الزوجية ! "

عبست قمر فجأة متذكرة فتبعده عنها بغضب لتتجه وتجلس على أريكة جانبية مكتفة ذراعيها قائلة ببرود

" بمناسبة طبيبي .. أنا كنت غاضبة أساساً أنك لم تأتِ معي بالأمس "

دارت عيناه في المكان بحذر ثم تخصر قائلا بثبات

" نسيت .. عادي جدا ! .. جميع البشر ينسون أحيانا "

امتعضت ملامح قمر وهى ترمقه باستهزاء ساخرة

" هاهاها .. ينسون أم قهوة ؟! "

أطبق حمزة شفتيه رافعا أحد حاجبيه ثم قال بخشونة

" سخيفة ! "

تنهدت وهى تفك ذراعيها لتهبط يداها على رجليها بيأس قائلة بخفوت

" نسيت لأنه كان عندك سباق .. مجددا "

أنزل حمزة يديه من خصره مقتربا منها وهى تتابع بقلق

" أنت قلت ستتوقف حين يكون عندك أولاد "

جلس جوارها فيقرص خدها مداعبا بابتسامة مستفزة

" حين يأتي الأولاد سأتوقف ! "

صمتت قمر طويلا ثم قالت

" ستأتيك بنت "

نظر حمزة لبطنها الغير ظاهرة مبتسما بلا تصديق هامسا

" ماذا ؟! "

رفعت له عينين حزينتين تائهتين قائلة

" فوّت الموعد وفوّت معرفة ذلك وفوّت سماع دقات قلبها الصغير "

ابتسامته تتسع محيطا جانب وجهها بكفه متسائلا بفرحة قلبه

" بنت ؟ "

تلهفت عيناها إليه هاتفة بنبرة قوية راجية

" توقف يا حمزة أتوسل إليك .. أموت رعبا كل مرة تخرج فيها ليلا .. افعل أي شئ آخر عدا تلك الهواية المجنونة .. اركب خيل مثل دارين أو عد للرماية .. اقض أوقاتك في أي شئ عدا ذلك الخطر "

ذابت عيناه حنانا ناظرا إليها بابتسامته التي يخصها بها فتهمس برجاء مس قلبه

" لأجل ابنتك القادمة "

ضمها لصدره برفق فتشبثت بعنقه وهو يهمس في أذنها

" بل لأجلكِ أولا يا غصن الياقوت .. حتى لا يموت قلبك من الرعب عليّ "

يقبل عنقها مشتاقا هامسا بسعادة

" مبارك "

ابتسمت قمر ثم لمعت عيناها باصرار وتحد جديد وهى تقول بشقاوة

" من الآن أقولها لك .. ابنتي ستسحر فارس أختك ! "

ضحك حمزة وهو يرد عليها مدللا عنقها بقبلاته

" ربما !! " ‏‏

لمعان عينيها يشتد .. ‏ولمَ لا ؟! .. فارس ابن دارين سيكون حقا .. فارسا ! .. إنه تربية الفتاة الوحيدة التي تمنت أن تكون مثلها يوما .. لدرجة الغيرة !!.



...............



خرجت دارين من باب المنزل لتلتف حوله إلي الحديقة الخلفية وهى تسمع صهيل الخيل منذ الصباح .. تنظر للسماء الصافية بضوء النهار وآشعة الشمس تظهر لمعان اللمحة البنية الطبيعية لشعرها الأسود ..
وصلت إلي ساحة التدريب المستديرة فتبتسم شفتاها وهى تراه ممتطيا رعـد ويحاول ترويضه ! ..
لحظة .. هذا ليس رعـد ! ..
تستند دارين بمرفقيها على سياج الساحة ببنطالها الجينز وبلوزتها الخضراء الفاتحة ثم تسأل بصوت مرتفع قليلا

" ما هذا ؟! "

التفت رائد برأسه ينتبه إليها ثم التف بفرسه الأسود مبتسما قائلا

" هذا .. كونجرين "

تأملت دارين الفرس الأصيل كأنه نسخة من رعـد ثم ترتفع عيناها المتألقتين لصاحب الفرس على السرج الأسود الجلدي المزين بالفضة ..
شامخا واثقا بريا كحصانه الساحر كاسمه المشتق من السحر .. يمسك بأحد يديه لجاما عتيدا وبيده الأخرى سوطا ضاريا ويرتفع صوته الرجولي الصارم آمرا لفرسه ..
هذا هو مَن أحبته .. هذا النابض بالحياة .. فارس الرعـد .. وسيظل هكذا بقلبها عمره كله ..
ابتسمت بحنين وكل ما مر بهما يرنو لخيالها لحظة ثم تسأل بعد تنهيدة طويلة

" هذا إذن هو سبب انشغالك الأيام الماضية "

يتحرك رائد بفرسه يمينا ثم يسارا ثم يشد لجامه فيوقفه تجاهها قائلا بثقة متملكة

" اخترته من بين عشرات "

يعانده الفرس فيصهل عاليا ثم يركض بعنف وأقدامه تزلزل الأرض تحت قدميها فيضرب رائد الأرض بسوطه مصدرا صوتا مفزعا فيطيعه الحصان مجددا ..

ترفع دارين يدها تسند خدها عليها في وقفتها المائلة المستندة على السياج ضاحكة بقولها

" الدنيا مليئة بالخيل وأنت لا تختار إلا بريا عنيدا لتروضه ! "

تحكم في فرسه بملامح جبلية عنيدة ثم ينظر إليها فتلين ملامحه وهو يرد عليها باستفزاز

" ترويضهم متعة خاصة أم نسيتِ مخالفتكِ لأوامري وركوب رعـد ! .. على الأقل أنا لم أقع من على حصان من قبل ! "

اعتدلت دارين في وقفتها شامخة الكبرياء تلمع عيناها بتحد تقابل إغاظته لها بمنتهى البساطة .. حتى وإن وقعت وهى تروضه فهى قامت مجددا إلي أن نجحت ..
الضربة التي لا تقتل تقوي .. أو الوقعة التي لا تكسر عظاما تشعل الاصرار التائق للنجاح ! ..
قدمها تلتف حول الأخرى بأنوثة فتقول متذكرة رعد

" سيغار رعـد "

ينظر رائد لقوامها فيتذكر ليلة أمس بكل تفاصيلها .. والجلباب الأحمر البلدي ذو الحلقات الذهبية ! .. ومزيج دلال سامية جمال على أنوثة سهير زكي وببصمة الكاريوكا .. وثقة ' دارين العامري ' الجريئة !! ..
تشتعل كريات دمه الحمراء في أوردته قائلا بخبث غمزة من عينه

" ( رعـد ) ... أصبح لا يريد سواكِ ! "

هل يتحدث عن رعد ؟! ..
ابتسمت بإشراقة خاصة به وانخفضت عيناها متوردة الخدين ثم ارتفعتا لعينيه الجريئتين لكن باللحظة التالية هوي قلبها مفزوعا وهى تصيح بخوف

" رائد انتبه "

ركض كونجرين بقوة في الاتجاه الآخر وفي لحظة صاعقة كانت قدماه ترتفع كالطود ليعبر سياج ساحة التدريب ليركض مسافة قصيرة ثم .. توقف ! ..
لكن نبضاتها ما توقفت .. تكاد تسمعها كالطنين الصاخب وهى مسمرة مكانها ترتجف خوفا عليه ..
التف رائد حول الساحة قليلا ليقترب منها فيضحك ناظرا لملامحها الشاحبة التي لمست قلبه وهى تقف متسعة العينين واضعة يدها على قلبها فيقول بهدوء مغيظ

" قلبكِ خف بعدما أصبحتِ أما ! "

نظرت دارين للجام المثبت بيديه ثم ارتفعت عيناها لملامحه الواثقة رغم مكرها وأشاحت بوجهها تهدئ قلبها من خوفه ..
تحاول التنفس بانتظام وهى تسمعه

" العام القادم ستواجهينني في السباق .. بالطبع إذا لم تكونِ حامل "

التفتت إليه تنظر لابتسامته الجذابة وعيناه تبرق كما كانت يوم مزاد رعـد وهو يصر على الحصول عليه مواصلا بتحدٍ

" ماذا ؟! .. أتخشين هزيمتكِ أمامي ؟! "

قلبها هدر بدقات أخرى أكثر حياة وعيناها تتألقان ببريق التحدي مثله .. أنفاسها تنتشي وهى تراه عاد إليها كما أحبته ..
متحديا متملكا .. فارسا وصيادا وفتاكا كما سرق قلبها أول مرة ..
‏ابتسامة رآها كثيرا ظهرت على شفتيها عنوانها ثقة وعنفوان لأنثى استثنائية تنازل الحب بكبرياء جبار ..
‏وبدون كلام استدارت بأناقة فيراها متجهة لغرفة رعد الحجرية وبعد دقائق كانت تخرج فارسته التي عرفها ..
‏فرس تمتطي فرس ..
تقترب دارين منه ممسكة بلجام رعد فتقف جوار فرسه ناظرة له بشموخ .. ‏
أقال أن قلبها صار خفيفا ؟! .. إنها سيدة أفعال لا أقوال ! ..
ابتسامتها تتسع وهى تسأل بصوت خافت ساحر

" أتخشى أنت هزيمتك أمامي ؟! "

عيناه تغطيها كلها على الفرس مأخوذا بجمالها كأنه يرى بها ما لم يكن يراه بأول لقاء فتنظر دارين أمامها قائلة بثقة

" هناك شجرة ليمون بنهاية الحديقة بعيدا .. لا اعرف إن كنت تتذكرها أم لا .. لكنك ستجدني عندها "

التفتت إليه لحظة فتغمز له بأنوثة ساحرة ثم انطلقت برعـد بأقصى سرعته ..
ثانية واحدة .. وانطلق خلفها بـكونجرين يشق الأرض كما تزلزل هى أعماقه بعشقها .. ضعفها القوي وأنوثتها المبهجة ..
هى حكاية أنثى كالفخ علق فيه فتعلقت روحه بروحها .. أنثى ? مصيدة ماسية التفت حوله طاردة القضبان لتتنفس روحه من جديد ..
وما يريد يوما الخروج من المصيدة ..
نظراتهما تتلاقى بعناد وهما يركضان جوار بعضهما حتى تقدم رائد عليها وهى تجاريه بقوة رعـد الثائرة لكن كونجرين لم يكن سهلا .. كان فرسا ساحرا حقا .. لهذا اختاره من بين العشرات ..
ولاحت شجرة الليمون .. اقتربت أكثر ودارين تتقدم عليه باصرار .. اقتربت أكثر .. وأكثر ..
وتوقف هو قبلها بفرسه الأسود العنيد ..
مبتسما لاهثا وهو ينظر إليها تتوقف بعده بلحظة واحدة وجهها أحمر شهي وأنفاسها ترفع وتخفض صدرها بقوة ..
يلف رائد بالفرس حولها قائلا بنبرة مغرورة مشتعلة بالإثارة

" عيب ! .. أتظنين أن لقب فارس الرعـد جاء عبثا ؟!! "

لكنها كانت أكثر مَن سعيدة لهزيمتها .. هى مَن أعادت فارس الرعـد لساحته ..
تضحك وتضحك وعيناها تنبضان إثارة مثله ثم ترد عليه

‏" عادي ! .. أنت هُزِمَت أمامي منذ وقت طويل .. لا بأس أن اخسر هذه الجولة ! "

‏توقف رائد جوارها بفرسه مبتسما لضحكاتها الشجية معترفا

‏" وكانت أجمل هزيمة أريد أن أظل بها عمري كله "

‏هدأت ضحكاتها تنظر إليه ترى ماضيها وحاضرها ومستقبلها .. هو حبيب روحها منذ عرفت هذه الدنيا ..
‏قلبها ينبض بحنين قائلة بنبرة سعيدة مرتاحة هادئة

‏" كان بيننا موعد منذ زمن .. لكنه تأجل قليلا "

‏غامت عيناه وابتسامة صغيرة عالقة على شفتيه ملاحظا عينيها اللامعتين بدموع متأثرة وهى تتابع

‏" كان سيكون بيننا حكايات .. لكن رواها شخص آخر حتى نعود فنروي معا "

‏بلحظة واحدة كان كلاهما يترحمون على ليلى بقلبيهما .. ما بقي سوى ذكريات لا تُذكَر إلا كل أشهر بعيدة ..
‏مد رائد ذراعه فيسحب يدها من اللجام يرفعها لشفتيه مقبلا باطنها قبلة طويلة ثم يقول

‏" أنتِ كل الحكاية دارين .. لولاكِ ما كانت ولا عادت "

‏تمسح دارين عينيها بيدها الأخرى ثم تمسك اللجام مجددا هامسة

‏" أنا أحبك "

‏أخذ رائد نفسا عميقا تاركا يدها ثم اعتدل بفرسه للجهة الأخرى قائلا بمكر

‏" ها قد حصلت على أحبك لهذا اليوم وبالتالي أنا مضطر للعودة لأني اشتقت لابني فارس كثيرا ومؤكد سباق العودة أنا أيضا مَن سيكسبه ! "

‏وانطلق بسرعة كونجرين المجنونة وظلت هى تراقبه لحظات قبل أن تثبت اللجام بيديها لتنطلق ساحرة البرق بالرعـد تنوي الفوز .. لكن ..
‏لا يهم فائز أم خاسر .. إنه سباق العشق .. وفي العشق الجميع رابحون .



......................



صباح يوم جديد .. وأشرقت الشمس

تقف بمقدمة اليخت يتطاير شعرها الطويل كما يتطاير فستانها الأصفر الواصل لمنتصف ساقيها مع النسيم البارد .. تبتسم بروحها وعيناها تلمعان وهى تنظر للبحر الواسع أمامها ..
الشمس تنثر ماساتها على وجه المياه فيلمع كالشمس الكبيرة المرسومة على تنورة فستانها بآشعتها البرتقالية الشقية ..
تشعر بخطواته المقتربة خلفها فتتسع ابتسامتها وهو يصل إليها يمد إحدى يديه لجانب خصرها والأخرى تمر على الشريط الرفيع للفستان على كتفها بهمس صوته المغوي

" أخيرا وحدنا يا خمرية "

كان يا ما كان .. كانت غافية على طريق مهجور فإذ به ينير عتمة حواسها ويشعل أوردتها .. كالبيت العتيق الذي توقفت حياته .. وفجأة مر الحب يطرق الباب .. و ..

استدارت شمس بين ذراعيه مبتسمة تجيبه بعينيها المشتاقتين بلا كلام ثم تسأل

" لمَ قررت شراء اليخت بعد كل هذه الأشهر ؟ "

و .. خطف الحب خطفته .. لم يبال بجراح ساكنة البيت .. شاهدت اصراره يوما بعد يوم ليصير ما خطفه ملكه بإرادتها .. كان أناني العشق .. أجمل ما رأت بحياتها .. و ..

رد أكمل متأملا ملامحها المشرقة بشمس العشق

" لأختطفكِ عليه "

و .. مرت الأيام .. وبنى الحب لها بيتا أكثر دفئا .. خطته بقدميها فلم تستطع الخروج ? سمكة صغيرة خرجت من الشباك ليفتح لها المحيط الواسع ذراعيه .. وكم هو واسع بحق .. و..

تغوص في وسع عينيه محيطية اللون متسائلة

" هل كان لابد من اختطافي اليوم ؟ "

و .. سافرت معه على الغيم .. كان شاطئها الضائع .. مرسى قلبها الأخير .. هى التي اعتادت سفر الظلام حافية القدمين .. تتلقى أشواك الأرض القاسية .. و ..

يشبك أكمل أصابعه بأصابعها محترقا بجمرات الشوق قائلا بتأكيد

" اممم .. احتفالا بنجاحكِ وحصولكِ على الماچستير "

و .. انتظر .. انتظرها طويلا حتى أدركت نقوشه على جدرانها .. هو الذي ما اعتاد انتظارا لما يريد .. لكنها أخذته من نفسه قبل أن يأخذها من نفسها .. و ..

تنظر شمس ليديهما معا ثم تقترب منه أكثر تقول بعينين لامعتين

" هذا يعني أنك فخور بزوجتك "

و .. توحد كلاهما في الآخر .. أحاطهما الهوى بأحد أمسية اللهفة على إيقاع نبضات القلب .. هو سندها .. ظهرها .. هواء أنفاسها .. هل ظنا أنهما افترقا يوما ؟.

كان أكثر من فخور لكل ما تجتازه بإرادة قوية لأجله وأجل أولادهما كأنه عهدا قطعته على نفسها .. أيصدق أحد أنهما حضرا اليوم بسيارتها البيضاء وهى تقودها ؟! .. بابتسامته الراضية يقول سعيدا بها

" فخور جدا ... وستأخذين فترة راحة والعام القادم تقدمين أوراقكِ للدكتوراه "

لا .. لم يفترقا .. كان كلا منهما بداخل الآخر .. لكن بكل منا شئ من ضباب .. شئ لا نعرف كيف أتى .. لكننا وجدنا أنفسنا هكذا .. المهم أن نفتح بصيرتنا لا أبصارنا .. لكي نرى ما نعجز عن رؤيته .. و ..

تنظر له شمس باستغراب فيسألها أكمل وهو يمرر يديه على كتفيها

" ما بكِ ؟ "

و .. بأنين الروح جُرِح الحب بلا قصد .. ابتعد وظن أنه يهجرها .. لكنه كان يهجر نفسه .. مطعونا بسهم عشقها .. نازفا دون أن يخبرها .. وبجذوره التي انغرست بأعماقها انفلقت بذرة ثنائية العشق .. و ..

تحيط عنقه بذراعيها واقفة على أطراف أصابعها وعيناها تلمعان كنجمتين بالسماء وهى تقول

" اشعر أنك أحيانا داخل رأسي ترى أحلامي "

و .. طرق الحب الباب مجددا .. روى أزهار الروح بعدما ذبلت .. أنار الطرقات التي أظلمت .. جاء دليلها وسط التوهان .. مزق العشق الغفوة .. وهاج المحيط طوفانا .. و ..

مرر أكمل أصابعه بخصلات شعرها كلما تطايرت تخطف نبضاته يجيبها بصوته الواثق

" لأن أنا وأنتِ .. واحد "

و .. جاء للدنيا رمزان صغيران .. لكنهما أكبر مما يعلم الجميع .. هما بذرة الأرض الجافة حين أمطر عليها الحب .. وصارت كل معاني العشق ملكهما .. كيان واحد وملايين النبضات .. لحبه ولاشتياقه ومئات لخوفه عليها .. و ..

تنام شمس على كتفه تقبل رقبته ثم تقول بوهج احساسها

" لم اشعر بهذه السعادة من قبل .. منذ دخلت حياتي واشعر بك تجري بدمائي تملأني سعادة وفرحة "

و .. لم تنتهِ الحكاية .. و ..

يرتفع كفه على ظهرها ببطء لخص العالم بلحظة جميلة معها فيقول بخفوت ساحر

" الحياة لا تُقاس بالأنفاس التي نأخذها .. بل باللحظات الجميلة التي تخطف أنفاسنا "

رفعت شمس رأسها فيميل أكمل مقبلا جانب شفتيها ويختفي عالمها وهو يبتعد ينظر لعينيها بحماية روحه لها ..
استدارت بين يديه تستند لصدره بظهرها تواجه البحر الشاسع فتقول براحة

" المنظر ساحر حقا "

غامرا وجهه بشعرها يشم عبيره يمر بيده على ذراعها حتى أمسك يدها فيرفعها ليلفها حول عنقه هامسا

" أنتِ الساحرة "

تلمس شمس خصلات شعره وهو ينثر فراشات قبلاته على كتفها فتذكره بعشق لكل ما جمعهما

" أنا الضباب ذاته .. وأنت انتظرت شروق الشمس "

و .. بدأت الحكاية .


رد أكمل مشددا ذراعيه حول خصرها للعمر كله بحضنه

" وأشرقت الشمس "



★ تمت ★
بداية الفكرة ٧ / ٢٠١٧
تاريخ تنزيل المقدمة ٨ / ١ / ٢٠١٨
تاريخ تنزيل الخاتمة ٣١ / ١٢ / ٢٠١٨

كل عام وأنتم بخير
سنة سعيدة على الجميع




نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 01-01-19, 12:00 AM   #2486

r_501

? العضوٌ??? » 327960
?  التسِجيلٌ » Oct 2014
? مشَارَ?اتْي » 557
?  نُقآطِيْ » r_501 has a reputation beyond reputer_501 has a reputation beyond reputer_501 has a reputation beyond reputer_501 has a reputation beyond reputer_501 has a reputation beyond reputer_501 has a reputation beyond reputer_501 has a reputation beyond reputer_501 has a reputation beyond reputer_501 has a reputation beyond reputer_501 has a reputation beyond reputer_501 has a reputation beyond repute
افتراضي

*"غداً سيبدأ عام جديد❤"*

اتركوا المباركات و رددو ..

الحمدلله الذي بلغنا عامه الجديد و نحن بصحه وعافيه
اللهم ارحم من توفى و اجعله في عليين
اللهم لا ترينا في عامنا الجديد مكروهاً في غالي
اللهم و بلغنا مرادنا و اجعله عام مليء بطاعتك و رحمتك

اللهم و اغفر لنا خطايانا و تجاوز عنا سيئاتنا
اللهم لك الحمد على كل لحظه فرحنا بها
و لك الحمد على كل لحظه حزنا بها
اللهم لك الحمد على كل شي حصل
في عامنا الفائت ..

*"اللهم اجعل عامنا الجديد عاماً تتحقق به كل امانينا يارب العالمين❤❤"*


r_501 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-01-19, 12:27 AM   #2487

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

تسجيل حضور ياقمرة
ويارب سنه خير وسعادة عليكى وعلى احبابك ان شاء الله


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 101 ( الأعضاء 62 والزوار 39)
‏ام زياد محمود, ‏laila2019, ‏Theroro, ‏موضى و راكان, ‏ام رمانة, ‏abirAbirou, ‏rontii, ‏redrose2014, ‏Zozat, ‏فديت الشامة, ‏همس البدر, ‏Yoely, ‏مليكة النجوم, ‏NoOoShy, ‏ام ياسر., ‏حنان ياسمين, ‏إلين 1988, ‏rowdym, ‏وردة شقى, ‏métallurgier, ‏Lautes flower, ‏rashid07, ‏الرسول قدوتى, ‏sira sira, ‏r_501, ‏قلب حر, ‏dodoalbdol, ‏mannoulita, ‏وغدا نلتقي, ‏affx, ‏سميرة احمد, ‏باذنج, ‏marwa omari, ‏رسوو1435, ‏houda4, ‏amana 98, ‏ميادة عبدالعزيز, ‏dina adel, ‏هوس الماضي, ‏ندى بدر, ‏Hagora Ahmed, ‏بنت الامراء, ‏shatoma, ‏Lolo rabah, ‏Enas Elmogheer, ‏غنى محمد, ‏تهاني تهاني خلدون, ‏نداء1, ‏زهرة الحنى, ‏ام معتوق, ‏أسـتـر, ‏raniea, ‏بيون نانا, ‏Sa Lma, ‏Chaima cht, ‏رباب بدر, ‏توين الحربي, ‏nooni3, ‏شيماء عبده


ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 01-01-19, 12:31 AM   #2488

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sandynor مشاهدة المشاركة


وااااااااااااااااااو ايه التصميمات المبهرة والمبهجه دى تسلم ايدك


ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 01-01-19, 12:42 AM   #2489

ميادة عبدالعزيز

? العضوٌ??? » 378366
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 377
?  نُقآطِيْ » ميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond reputeميادة عبدالعزيز has a reputation beyond repute
افتراضي

لدي رغبة مُلحة في الكتابة والبكاء وأشعر أنها ستمطر دون أنذار لكن رغبتى الاقوي هي في الأختباء وإعادة قراءة هذاا الروايه مره مره 💔
الروايه دي دائما هرجع اقرها في المستقبل

فهي من الروايات التي لا تنسى

لغتها الشاعرية المتكلفة
و تفاصيلها الجميله الغنية
و حكاياتها الحزينة
.
كلمة رائعة قليلة في هذه الخاتمة و الرواية و .عشنا معها كل انواع المشاعر الانسانية من حب ...حنان...غيرة...جنون...تملك...إ� �ثار...عقلانية... ضياعه ‘‘‘تشتتتت..جموح...حمايئية.. .التزام...ثبات...ألم...حزن ...مررنا بهم كلهم مع ابطالنا و بطلاتنا...

إنها حقاً النهايه

ولكم يؤلم قلبي انها انتهت

انا حقاً لا استطيع التعبير
ولا اعرف كيف اكتب
قلبي بحق في هذه الروايه مفتون
وملجأ دائم للخيال والجنون
..
الكلمات لا تعدل في مواقف كهذه..
كنتي معلمه بكل كلمه سطرتها ..
كنتي حنونه بوضع كل حرف كتبته..
كنتي كنتي كانحله بختيارك لمل موقف..
كنتي ملكه بختيارك نهاية كل..سطر ووقفه..


الوداع الذي نقدم فيه كل جميل ونفيس لأحبتنا..
أتقنت بجداره وفزتي بقلب كل من قرأ لك كلمه..
تركتي ما لا ينسى..
أبكيتي وأضحكتي أحزنتي وأفرحتي..بكل..موقف.كان لنا خطوه لاتنسى..
روايتك كان لها مكانه في حياتي..و واثقه أن الكل يشاركنيي..


ميادة عبدالعزيز غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-01-19, 02:11 AM   #2490

Khawla s
 
الصورة الرمزية Khawla s

? العضوٌ??? » 401066
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,978
?  نُقآطِيْ » Khawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond reputeKhawla s has a reputation beyond repute
افتراضي

واوووووو الخاتمه بغايه الروعه يانور رهييبه تسلم اناملك ياقمر ابدعتي بالوصف الكلمات والمشاعر والاحاسيس 😍😍😍😍
بعد كل الصعوبات والاوجاع مع ابطالنا وحكياتهم نهايه سعيده وهييييح من الااااخر 💕💕
عشنا اجمل واحلى ايام معك ياقمر ومع ابطالنا
ودعنا عشقك عاصمه ضباب ولكن لنا لقاء قريب ان شاء الله
الف الف تيرليون مبرووك ياقلبي دمتي مبدعه ومتألقه ❤❤❤
بانتظارك دائماً ان شاء الله حبيبتي وعام مليئ بالسعاده ورضى من الله 😘😘


Khawla s غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:02 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.