شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   قـلـوب رومـانـسـيـة زائــرة (https://www.rewity.com/forum/f258/)
-   -   غزالة في صحراء الذئاب - قلوب أحلام زائرة - للمبدعة رحمة سيد*مكتملة & الروابط* (https://www.rewity.com/forum/t402798.html)

Rahma sayed 04-02-18 09:55 PM

غزالة في صحراء الذئاب - قلوب أحلام زائرة - للمبدعة رحمة سيد*مكتملة & الروابط*
 
https://upload.rewity.com/uploads/1517776180011.gif

صباح/ مساء الخير يا قلوبيات
بما أنه هذه أول مرة أقدم فيها رواية فالكلام ضاع :9[1]: :9[1]:
المووووووووووووووهم معنا رواية جميلة لكاتبة أجمل حبت تشارك ابداعها معنا أتمنى تستمتعوا بيها :chirolp_krackr:

وطبعا شكر كبير للحلوة فاتي على تصاميمها لي تاخذ العقل :eh_s(7):

والآن راح خليكم مع كلمة الكاتبة


السلام عليكم ..

انا رحمة سيد .. كاتبة مبتدئة من سنة ونص تقريبا.. ودي روايتي التانية..
اتمنى اعرف رأيكم بكل صدق ويارب تعجبكم ومستنية دعمكم
دمتم سالمين.


https://upload.rewity.com/uploads/1517776180022.gif

https://upload.rewity.com/uploads/1517776390592.png

https://upload.rewity.com/uploads/151783079671.gif

كتابة: رحمة سيد
تدقيق ومراجعة لغوية: رحمة سيد
تصميم الغلاف: Dr.FaTi
تصميم الفواصل والقالب الداخلي: Dr.FaTi
تعبئة الصفحات: Just Faith


https://upload.rewity.com/uploads/1517776180043.gif


الفصل الثالث والرابع
الفصل الخامس والسادس
الفصل السابع والثامن
الفصل التاسع والعاشر والحادي عشر
الفصل الثاني غشر والثالث عشر والرابع عشر
الفصل الخامس عشر والسادس عشر
الفصل السابع عشر والثامن عشر
الفصل التاسع عشر والعشرين
الفصل الواحد والعشرين والثاني والعشرين
الفصل الثالث والعشرين - الفصل السابع والعشرين
الفصل الثامن والعشرين - الفصل الحادي والثلاثين
الفصل الثاني والثلاثين - الفصل السادس والثلاثين
الفصل السابع والثلاثين - الفصل السادس والأربعين
السابع والأربعين والخاتمة


https://upload.rewity.com/uploads/1517776180054.gif

رابط التحميل ككتاب إلكتروني
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي


أستودعكم الله الذي لاتضيع ودائعه
قراءة ممتعة للجميع :amwa7: :amwa7:


https://upload.rewity.com/uploads/1517776180065.gif

سمية سيمو 05-02-18 06:03 PM

نورتي قلوب احلام يا روحي
وبالتوفيق دايما يا رب

الأسيرة بأفكارها 05-02-18 06:10 PM


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
مبارك على هذه الرواية الرائعة غاليتي:chirolp_krackr:.....
واتمنى لك التفوق والابداع المستمرين:elk::371094338::elk:....
انرتنا عزيزتي:amwa7:...
وشكرا من أعماق القلب لفاتي على تصميماتها الرائعة والمتميزة كروعتها وتميزها:elk::371094338::elk:...
تحياتي وودي...
:29-1-rewity:


bobosty2005 05-02-18 09:12 PM

مبروك الروايه 🌷🌷 غلاف رائع متابعه معك بالتوفيق 👍👍

مرمر1 05-02-18 10:08 PM

مرحبا مبرووك على الروايه

ندى الزهره 06-02-18 12:03 AM

Good luck with the story

رىرى45 06-02-18 12:35 PM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

قمر الليالى44 07-02-18 08:42 PM

الف مبروك نزول غزالة فى صحراء الذئاب
متابعة معاكى ان شاء الله
بالتوفيق

سمية سيمو 08-02-18 05:55 PM

الفصـل الأول
:

علي صوت زقزقة العصافير، وطلوع الشمس لتسطـع بنورها الذى ينير الاجواء، ليبث الطمأنينـة في روح كل شخص وبالأسفل أصوات اناس هادئة تعم المنطقة، تحديدًا في منطقة المعادى، تنـام علي فراشهـا الوتـير بشكل عشوائى، في غرفة صغيرة ضيقـة متهالكة، جدرانها قديمة جدًا، تكاد تهدم، مكونة من فراش صغير، ومكتب صغير، شعرها الأسـود الحريرى يتناثـر علي الوسـادة بجوارها كأنها رسمة علي ورق، ورموشهـا الكثيفـة تغطي جفن عينيها الرمادية التي يملؤوها اليأس، وحاجبيها السوداودين يشكلان شكلاً رائعــًا، ذات جسـد ممشوق متوسط، ملامحها البريئة تجذب كل من يراها من اول وهلة، بشرتها بيضـاء، ترتدى شورت قصير وتيشـرت دون حملات، الاصوات المتداخلة العالية بعض الشيئ ، افاقتها من سباتها العميق الذى تهـرب فيه من ذاك العالم، فتحت عيونها بتثاقـل، لتشـرق عينيها الرمـاديـة الجذابـة، وتتململ في الفراش بكسـل، أمسكت بهاتفها الصغير الموضوع علي المكتب، لتنظر في الساعة تجدها الثانية عشر ظهرًا، تأففت بضيق ثم نهضت وهي تجوب الغرفة بعينيها، لتجدها فارغـة، اتجهت للخارج بتنهيـدة لتجد والدتها تجلس علي الكرسي امام المنضدة لتحضر الطعام، نظرت لها والدتها " كريمة " ذات وجه بشوش، وجسد ممتلئ، ترتدى جلبـاب من اللون الأسود وطرحة صغيرة علي شعرهـا القصير الاسود، تمتـاز بالحنـان، وحبها الأبدى لأبنتها الوحيدة وزوجهـا، ونظرت لها ثم هتفت بهدوء :
_ انتِ صحيتي يا شمس، تعالي افطرى
إقتـربت منها " شمس " ثم هـزت رأسهـا نافيـة، ونظرت لها بحـزن قبل ان تهمس بألم تجسـد في نبرتها :
_ لا مش عايزة، انا هأروح ازور بابا، واخدله اكل معايا
هوت " كريمة " علي الكرسي الخشبي بثقل جسدها حتي اصدر صوتًا، نظراتها مثبتة علي شمس، تقول الف كلمة واولهم الي متي ستظهـر القوة وبداخلها يتآكل كالصدئ في الحديد، الي متي ستتحمل نظرات الجميع الموجهة نحوها بأتهـام شنيـع، وكأنها عليها وصمة عـار ابديـة، تشنـج وجهها وهي تجيبهـا بخفـوت :
_ ايوة تعالي وانا رايحة معاكِ بس بأخلص الأكل، انتِ عارفة اكل السجن ازاى
امـاءت بهدوء افتعلته بصعوبة لتسير متجهة للمرحـاض قبل إنهيـار حصونهـا الهادئـة، قبل ان تمتـزج بألم والدتها ويكونـا إعصَار قوى يدمـر كل من يقف امامهم، هي لا ترغب بذلك حتي لا تؤكد كلامهم ..
دلفت الي المرحـاض الصغير الذى يكمن بجوار الصالة تمامًا، فتحت الباب الخشبي المتهالك بقبضة يدها الصغيرة، واغلقته خلفهـا، تتنهـد بقـوة، تمنـع دموعها من الهطول بصعوبـة، اغتسلت ثم توضـأت بسرعة وخرجـت، ارتـدت ملابسهـا المكونة من بنطـال اسود طويل واسـع، وتيشرت اعلاه طويل الي حدًا ما ذو اكمام، تخفي كل جزء من جسدهـا الابيض، ابتسمـت بسخرية مريرة، فهذا كل ما تملكـه، هذا يعـد كل ممتلكاتـها في هذه الحياه التي سلبت منها كل شيئ، ارتـدت طرحتها الزرقـاء، ثم بدأت تؤدى فريضتها بخشـوع، وبالطبع لا تخلو من دعاءها لوالدها المسجـون، تقريبًا منذ ان كانت في الرابعة عشر من عمرهـا، وهي الان في الثانية والعشرون من عمرها، اخر سنة بكلية الحقـوق، خرجـت لتجـد والدتها قد ارتدت ملابسها ايضًا، نظـرت لها بتفحـص، ثم اقتربت منها وهي تقول متساءلة :
_ خلصتى يا امى ولا لسة ؟
اومـأت " كريمة " لتؤكد انها مازالت محتفظة بهدوءها وصبرهـا، تقدمت " شمس " ثم حملت الطعام، واتجهت للخارج بجوار والدتها، ثم اخرجت المفتاح من حقيبتـها، ألقـت نظرة اخيـرة على منزلها الضيق الصغير، وكأنها تبحث عن طيف سعادة كانت بـه يومًا، ولكن الان صار كالسجـن يخنق كل من يدخلـه ..
سـاروا متجهين للخارج من العمـارة الواسعـة، والتي يقطنون بها في الدور الارضي، تشعـر بالإنكـسار يجتاحها كلما تذكـرت جملة شخصًا ما عنه " ده بيت البـواب " لا شك انها تفتخـر بوالدها دائمًا، ولكن كم الضغوطات من حولها تفوق قدرة اى بشـر، تنهـدت بضيق استعدادًا وتهيئـة نفسية لأذنيـهـا للنصـوص التوبيخية التي ستـرن علي اذنيهـا كالطـبول الصاعقـة، بـدأ ما توقعتـه بقـول جارتهـم التي ما إن رأتهـم بسخريتها المعتادة :
_ ياعيني هو لسة ماخرجش من السجن
جـزت شمس علي شفتيهـا بغبطة، في حين والدتهـا ضغطت علي يدهـا بهدوء، تكتفهـا بضغطتها لتصمت كعادتهـا، تتحمل وتصبر، ولكن الي متـي ؟!
اكمـلت الاخرى وقد كانت نبراتها تحمل الشماتـة المكبوتـة بداخلها :
_ واحد قتال قتلة، اكيد مش هيطلع منها
آآه من كلماتهم التي كانـت كالسهام السامة تنغرز في قلب كلاهما بلا رحمة، تتشنـج جميـع اجزاء جسدهـا بمجرد سماعها لكلماتهـم اليوميـة، حاولت ان تعتادهـا، و دائمًا كان حبها لوالدها يصبح كالمطهـر سرعان ما يمحى كل كلماتهم القاسيـة، ليطبـع وشمًا ابديًا .. وهو الصبـر .

**********
في غرفـة متوسطـة المعيشـة، معظمها من اللون الاحمـر، تطل علي الشـارع، وبها دولاب متوسط من اللون الأسـود، ومكتبة معلقة علي الحائـط مرص بها العديد من الكتـب، هبت جالسة علي الفـراش الصغير بشهقـة عاليـة، تضـع يدهـا علي صدرها لتهدأ انفاسهـا اللاهثـة، تضغـط بقوة عليـه وكأنها رسالة تخبـره فيها ان يهدأ فهذه ليست المرة الأولي، وانما كل مرة يصبح الحلم اسوء وابشـع، الدمـوع متحجرة في عينيها، لا ولن تسمح لها بالحرية ابدًا، اصـدرت انينًا خافتًا متألمًا ليعبر عن مدى الحزن الذى يجيش بصدرها حتى كاد يقتلها مع الوقت، اطبقـت علي شفتيها الورديـة بقوة تعتصرهم لتمنع دموعها من الهطول، فتحت والدتها الباب بسرعة دون ان تقرعـه، واقتربت منها متساءلة بفزع بعدما رأت شحوب وجهها الأسمر وحالتهت المتجمدة تلك :
_ خلـوود، مالك يا حبيبتي
ظلت صامتـة، ثانية .. اثنان.. ثلاثـة، تزج الهدوء بداخلها لتخفي ذاك الحزن الذى كـاد يفترش علي قسمـات وجهها، ثم قالت بصوت مغلف بالوهن الذى اكتسحهـا :
_ نفس الحلم بشخص تانى، انا زهقت
زمـت شفتيهـا بعدم رضـا، تعترض وبشدة علي هذه الاحلام التي تقلق نومتها كل ليلة، تنهـدت بعمق قبل ان تردف بهدوء :
_ معلش يا حبيبتي معلش، حاسه بيكِ
كـان هدوءها عبارة عن قشـرة رقيقـة، من مجرد لمسها ينزاح ليظهر مدى الألم والصـراخ المكبـوت بداخلها، صراخ لو خرج منها لأصـاب اذن كل من سمعه من شدته، هـزت رأسها نافيـة ولم تنظـر لوالدتها، اكتفـت بالهمس المسموع بصعوبة :
_ لا، محدش حاسس بيا يا امى حتى انتِ
عضـت " عبير " علي شفتهـا السفلية بحـزن، ابنتهـا وزهرتهـا المتفتحة تراها تذبل كل يومًا عن ذى قبل، الي متي ستنتظـر، حتي تراها ذبلت كليًا وتصبح جسـد يزجـه القدر بلا روح ولا هدف !!
نظـرت لعينيها السوداء التي كسـتها الدموع حتي اعطتها لمعة ملتهبة زادت من سوادها المظلـم كحلكة الليل، ثم استطردت بلـوم :
_ ياما قولتلك نروح للشيخ حافظ يمكن يكون فيكِ حاجة وانتِ مش عايزة تسمعى كلامى ابدًا
كلماتـها عادت تجـرح فيها دون قصد من جديـد، من كثرة النقاش في هذا الموضوع اصبحت تشعر ان قواهـا خارت، تكفيها للعيش فقط، أعلنت قسمـات وجهها ما يدور بخواطـرها، لتتـابع والدتها بحنان :
_ ربنا يريح قلبك ويهديكِ يا حبيبتي
لم ترفـع ناظريها عن الأرضية وكأنها تبحث عن شيئً ما وردد لسانها تلقائيًا :
_ يااارب يا امي، انا محتاجة الدعوة دى اوى اوى
أقتـربت منها تحتضنـها بين ذراعيهـا، تطوقها بقـوة، لتختبئ زهرتها في حصـن منيـع لحمايتهـا، تريـد التقلص لتتوغل لداخلها وتمحو كل الأحلام هذه !!
فجأة ابتعدت خلود وسرعان ما تبدلت نظراتهـا للهلـع، ومن ثم قالت بقلق :
_ انا لازم اروح الحقــه
حالتها تلك ونظراتها تكفلت بإيصـال مقصدها علي الفور لوالدتها التي هبت واقفـة وأجفلـت وهي تهز رأسها بأعتراض شديـد، ثم قالت بجدية :
_ مستحييل اسيبك تروحـي
نهضـت متجهة لدولابها وبدأت تخـرج ملابسهـا بسرعة، كالتي توقف عقلها عن التفكيـر في اى شيئ سوى انقـاذ الضحية القادمـة، وجههـا واجـم، تكاد تختلع الرف بيدها وهي تخرج منه الملابس بسرعة، تقلص شعورها بالخجل من والدتهـا، وبدأت تبـدل ملابسها، انتهت ثم رمقـت والدتها بجدية يشوبها الحدة بهدف تغيير موقف والدتها الصارم :
_ محدش هيمنعني يا أمي
كـانت والدتها تطالعهـا بذهـول، وكأنها ليست ابنتهـا بتاتًا بل جزء منفصل عنها، جزء مختلف بكل جوانبـه، عينيها السوداء توحـي بأنذار الخطـر الذى سيهب بوجه خلود حتمًا، أستـدركت نفسها وعادت تنظر لها بحدة وقالت :
_ وانا مش هأنزلك غير علي جثتـي .. !

**********
كـانـت تقـف امام الشرفـة المطلة علي الحديقـة الخضراء، تتطلع علي الاوراق اللامعة بفعل اشعة الشمـس، يُوضـح إنعكاس اشعتها في عينيها الزيتونيـة، عقصـت خصلاتهـا خلف اذنـها التي تطايـرت مع نسمات الهواء الهادئـة، تمتلىء ملابسها الضيقـة بجسدها الثميـن، تعطيه ظهرها بقامتها القصيرة، من يراها لا يصدق انها في الخمسـون من عمرها، عادت تتأفف بملل وهي تستمـع لمحاضرة زوجهـا التهذيبية اليوميـة، اعتادتها وملت منها، ألم يشعر ان مفعولها اصبح معدوم لديها ؟! .. ام انه يكابـر بمحاولات عديدة علها يكن لها تأثير واضح في مرة من المـرات من اجـل الوصول لمسعـاه، اولاده فقط، مالك .. زينة، قرة عينـه، قالت بضجر ولم تنظر له :
_ يوووه، انا زهقت يا جمال، كل يوم محاضرة، انا ملييييت
بالفعل استنفذت كل الفـرص لديـه، خطواتـه شبه الراكضة نحوها عبرت عن غضبـه الجامح الذى اجتاحـه، شعرت كما لو انه ثـور هائـج يركض باتجاهها، قبضتـه القوية علي ذراعها الأبيض جعلتها تتأوه بألم :
_ آآآه ايدى يا جمال سيبني
لم يتركـها وانما ظل يضغط اكثـر، كلماتها التي من المفترض ان تهدأ من روعـه تجعله يثور ويثور اكثر، الي متي سيظل هكذا؟ الي متي سيحاول ترميم علاقتهـا بولديهـا هكذا ؟!
زمجـر فيه بغضب وحدة رغم قوتهم إلا انهم لم يعبـروا عن ولو ربع ما يجيش بصـدره من عواصف :
_ هتفضلي كدة لحد امتي فهميني، انتِ استحالة تكونى ام استحالة
استطـاعت بمهـارة انتشـال الألم من خلجات وجهها، لترسـم السخرية التي باتت معتـادة منها، وغمغمت بتهكم :
_ اية ده بجد، وده اكتشفته امتي ؟
سمعت فقط صـوت انفاسـه اللاهثـة، تعلم بمقـدار جهده للسيطرة علي نفسـه حتى لا يرتكب جريمـة، ولكنها تستغل ذلك ..
باتت الحدة تزداد جلية في نبرتها اللوامة :
_ قولتلك ماتجيش تلومني بعد كل السنين دى، انت اكتر واحد عارف انك السبب
اصـدر انينًا خافتًا، يعلم انه السبب الرئيسي في انقطـاع حبال الأمومة والحنان بينها وبين ابناؤوه، ولكن كل متهم يُجازى بفترة ويعود للحرية، ولكنه من الواضح ان فترته كالسراب لا نهاية لها ابدًا !!
قال بصوت اشبـه للهمس :
_ ارحمينى بقا انا تعبت، لحد امتى هدفع التمن، طب بلاش عشانى عشان ولادنا، ذنبهم اية يدفعوا التمن
هى نفسها لا تعلم اجابـة هذا السؤال، ولكن ما هى متيقنـة منه بعض الشيئ انها تنتقم من نفسها قبل اى شخص ..
_ بردو خنـاق !! ربنا يجيرنـا بصراحة
هتـف بها شـاب في العشرينـات من عمره، قوامـه العريض يعطيه مظهر رجولى جذاب، بجوار ملامحـه التي باتت كالطريق المسحور تسحر كل من يسير ويدقق فيها، عينـاه البنيـة تخفي وميض ألم يصعب علي عالم في قراءة العيون معرفته، ينـزل علي درجـات السلم بخطى متاهفته، بعينيه نظـرات يفترض أن تؤلمهم، زفـر " جمال " بقوة قبل ان يجيبـه بأبتسامة صفراء امل ان تخفـي الغضب :
_ لا يا مالك يا حبيبي، احنا كنا بنتكلم عادى بنتناقش يعني
زم شفتـاه بسخريـة، يـرى بوضوح ما يحاولوا هم اخفـاؤوه، تتكفل اصواتهم العالية بفهـمه لكل شيئ، واحيانًا يفقدوا السيطرة علي اعصابهم فيزول ذاك الغطـاء الهادئ، ليحل محلـه شرارات غاضبـة كارهة، بمجـرد رؤيتهم يـرى صمتهم، وكأنه اتفـاق بينهم، ولكن.. يرى تصرفـات والدته التي باتت واضحة كعيـن الشمـس، اقترب منهم اكثر حتى اصبح امامهم يطالعهم بهيئتـه الساخرة، ثم جلي الجمود في نبراتـه :
_ انا رايـح شقة المعادى، مابقتش قادر اقعد هنا اكتـر
لمـس ولده لهجة الامر في نبرتـه، وكأن الأدوار تبدلت ليفعل ما شاء ويخبرهـم فقط، وهم يخشونـه كطفل مرتعد من والـده، ولكن يختتم تفكيره بالنهايـة بأنـه من فعل ذلك لا غيـره، وبصرامـة حاول جعلها تتوغـل لهجتـه :
_ بس ياريت مايبقاش فيها صحابك الصيع دول وخمرة وبنـات !
ضحـك بسخريـة، كلماتـه يلقيها بصرامة وكأنه يخشي سقوطه من حافـة الهاويـة، ولكن .. يظل فاقد الشيئ لا يعطيـه، كيف يريـده ان يصبح هكذا وهو من الاساس لم يكن هكذا .. !؟
اومـأ ثم استـدار وغادر علي عقبيـه تاركًا اياهم يعضـوا علي شفتيـهم ندمًا .

********
تحـت اضـواء الشمـس الحـارقة، تقريبًا في الصحراء، منطقـة مهجورة، اذا القـيت بسن رفيـع تسمـع صوتـه، او نبيـح الكلاب ولو صباحًا، امام سيـارة سـوداء كبيـرة فـي اخر المنطقـة، صـدح صوتـه المتساءل بأختنـاق :
_ يعني ملاقتش غير المكان ده
سألـها بنبـرة ظهر فيها الجـزع والملل، بجسـد لم يعتـاد علي هذه الشمس فربما تأكـل من كثرتهـا، وبدلتـه السوداء التي يرتديها تمتص الشمس وكأنها قاصدة تعذيبـه ليس إلا !!
نظـر له الواقـف بجواره امام السيارة وهو يرمقـه بنظرات حانقـة مستهانـة، لم يستطـع اخفاؤوها من عينيه السوداء ولو انه يعلم بمقدار خطورة ذلك، ثم قال بنـزق :
_ ما انت الي قولت لى مكان مقطوع يا ريس
اومـأ الاخـر، ثم ارتكـز بيداه علي السيـارة، ولاحت بعينـاه سحابـة غامضـة، قبل ان يستطـرد بجديـة معتادة منه :
_ انت عارف طبعًا انا جايبك هنا لية ؟
اومـأ بتأكيـد، فقد أصبح هذا الموضوع محور حياتهـم، مهما يتلفتـوا يعودوا له من جديـد، اصبح كالسلاسل الحديدة الخانقة تختنقهم كلما ارادوا الأرتيـاح .. !
تنـهد تنهيـدة خرجـت من اعماقه ثم تـابع بهدوء حذر :
_ لسة معرفتوش مكانها ؟
هـز رأسه نافيًا، هـزة جعلت الاخـر يرغب في الاطاحـة برأسه في نفس اللحظة من شـدة غضبـه، تطـايرت شرارات سوداء غاضبة مشتعلة من عينيه وهمس بنبرة اشبه لفحيح الافعـي :
_ لحد امتى !!
عقد حاجبيـه بعدم فهم ونظـر له مستفهمًا، مما دفعـه لإلقـاء اوامـره الحادة :
_ لحد امتى يا معتز، انت عارف دى مهمة لينا ازاى، دى الي هتودينا حبل المشنقة او تبعدنا عنه، انت لازم تلاقيها
ابتعد عن السيـارة يطالعه بغضب وحنـق حقيقي اظهرتـه ملامحـه التي اشتـدت وتشنجـت، ومن ثم صرخ فيه من دون وعى :
_ يعني اعمل اية ياريس، انا مابنامش الليل، لكن بردو مش لاقي حاجة
قـال بتحذيـر ألقي الرعـب فى قلبـه بلحظتها :
_ في خلال يومين تكون لاقيتها احسنلك
صمـت الاخـر بعجـز يتملكه، إن كان يبحث لمدة سنـوات ولم يجدهـا وكأنها اختفـت من الوجـود، يبحث عنها كالقشة في كومة قمح، بينما اعطـاه الاخر طفيف اخر امل بقولـه الخبيث :
_ ولو ملاقتهاش يبقي مفيش غير حل واحد بس.... !؟

************
كـانـت تجـلس "شمس" علي احدى المقاعـد الخشبيـة الصغيرة، بجوار والدتها التى كـانت تكبـح دموعها بصعوبة تعلم هي وحدها مقدارها، تطـالع زوجها الحبيب بهيئتـه المرزية تلك، ذقنـه الطويلة وشعره الذى تختلط به بعض الشعيرات البيضاء، جسده النحيف يوحى بمدى ضعفه وألمـه في هذا المكان القـاتم، اما عنها هى فلا حاجـة لسؤال تعلم اجابتـه بأتقـان، توغلها الألم بكثرة حتي اعتادتـه، فما المانع ان ازداد قليلاً وهى ترى اعز شخص لديها هكذا !؟
_ ازيـك يا ابو شمـس عامل اية ؟
سـؤال احمق حقًا، يشوبـه الاستنكـار، أنفلت لسانها ليسأله دون الاذن منها، كيف تسأله حـقًا وهي ترى الاجابـة المريرة بعينيها !؟
ابتسامة تعتبر متهكمـة ولكن راضيـة بعض الشيئ شقت وجهه، واجابها بخفوت :
_ الحمدلله
سرعـان ما قالت شمـس بأشتيـاق حقيقى :
_ وحشتنى اوى يا بابا، اوى اوى
قالتـها بأشتيـاق لا تعلم تأثيـره علي والدها، الأشتيـاق انتقل اليه في صـورة كسرة وألم، تعذبـه بكلماتها كل مرة دون أن تشعر، قال بهدوء يعكس ما يكمن بداخله :
_ وانتِ اكتر يا حبيبة بابا
تنهـدت كريمـة بقوة قبل أن تسألـه سؤال كل زيارة حمقـاء :
_ بردو مش عايزنا نقول للمحامى يرفع النقد في الحكم ؟
هـز رأسه نافيًا ببساطة، بأبتسامة كاذبة لم يصعب عليهم تفسيرهـا، هو بعلم سوء حالتهم الماديـة، سيأتى بملأ ارادتـه ويزيد من مشكلاتهم وهو ليس معهم !!؟
_ بابا ارجوك طب حتى قولنا اية الي حصل، احكى لنا ماتسيبناش كدة
قالتهـا شمس برجـاء حقيقي حـار، ولكن اعماقهـا هى من تطلبته وبشدة، ترغـب في المعرفة لتمدها بالطاقة اللازمة للمواجهـة، ولكن بالطبـع كالعادة لم تلقي سوى الرد بجديـة :
_ قولت لك يا شمس مش هأقول لحد حاجة، مش هاعرضكم للخطر بأيدى، لو ربنا كتب لى اخرج واتكلم ساعتها بس هتكلم وبقوة
تنهدت تنهيدة طويلة حارة تحمل بطياتها الكثير والكثير، كانـت تعلم انه لن يخبرهم بأى شيئ كما قال، ولكنه شعورها انه يتحمل ذنب لم يرتكبـه يخنقها كل فترة اكثر من ذى قبل، كلما تريد تفكك الخيوط لتبدأ بحلها تشعر بها تزداد تعقدًا اكثر وكأنها تعانـدها.. !
_ يلا الزيارة انتهـت يا اساتذة
جملة قالها العسكرى بجدية وبعض من الهدوء ولكنها كان لها اثر كبير في واقعهم الملموس، قطـع اخر امل لهم فى المعرفة من دون شعور بذلك ..

**********
بعد فتـرة كـانت "شمس" تسيـر بمفردهـا تحمل الحقائـب الثقيلة التي يملؤوها الطعام و التي تركـت اثرًا واضحًا على اصابـع يدها البيضـاء، تناثرت خصلاتها السوداء من اسفل حجابهـا من دون ارادةً منها، كانت تسير بخطوات مسرعة قدر الإمكان، جبينهـا مصبب بالعرق، لا ترغـب في سمـاع اى كلمة من اى شخص قد تجعله ينـدم لأنه قالها، بالرغم من انها قطـة، ولكن قطة شرسـة وجدًا، اسمها يتناقض تمامًا مع الشمس الحقيقية، كم تشعر انها تكره اسمها !!
ربمـا لأن هذه الشمس لا ترغب ان تأتي فى جوف حياتها وتنيـره ولو لمدة قصيرة
دلفـت الي باب العمارة الكبيرة، وما إن خطت قدمها داخلها حتي وجـدت يدًا قويـة تطـبق علي خصرها بقوة جعلتها تصرخ من الألم قبـل الفـزع و .....

**********


سمية سيمو 08-02-18 06:01 PM

الفصل الثاني

صرخـة مدوية أطلقتهـا من بين شفتيها المرتعشتيـن بهلـع وألم من قبضتـه الحديديـة حول خصرهـا، رائحتـه المقـززة التى تكرهها تكفلـت بمعرفتهـا من هو، إلتفتت بسرعة تجاهد فى إبعـاده عنها، وكأنها تجاهد للحصول على الحريـة من قاضى فاسـد .. ظالـم .. متجبر، ظـلت تلهـث لدقيقتـان تحـاول السيطـرة علي حالة الهلع التـى سيطـرت عليها حتى لا تفتح له الطريق لما اراد، وصاحت فيه بجـزع حقيقي :
_ انت مجنـون، كم مرة اقولك بطل حركاتك دى بقا انت مابتزهـقش
كـان يقف بهدوء مفتعـل، وكل خلية من جسـده ترتعـش من إقتـرابه منها لهذا الحـد، لا يـدرى ماذا يجيش بصدره تحديدًا عندما يراهـا، ولكن ماهو متأكد منه ان قلبـه يتقافـز حماسًا للحصول عليها، ثـبت ناظريـه علي عينيها الرماديـة بنظرات ذائبـة، ثم اجابـها بمحاولة للهدوء :
_ مجنون بيكِ يا شمس، مش عارف امتـى هتحسي بيا بقا
حديثـه يخنقهـا رويدًا رويدًا، يكبلها بعشق لم ترغب به يومًا، ظهـرت اشباح التقـزز علي قسمَات وجههـا الأبيض، ومن ثم غمغمت بضيق :
_ مش هحس ومش عايزة أحس، قولتلك ارحمنـى بقا انت ابن خالتى وبس
أختـفي بريـق عينـاه اللامـع المشتـاق، ليجتاحها نظرات مشتعلة بفعل كلماتهـا الحادة، التى باتت تؤلمه وتنغزه في قلبه دون رحمة، ثم نظـر في المرآة الموضوعة على الحائـط الكبير، ينظر علي جسـده المتوسط، يطالـع هيئتـه الرجولية بنظرات متحسرة، ينظر لملامحـه الهادئة والحادة في آنٍ واحد وكأنه يسألها بجنون
" لما لا تجذبيهـا انـتِ لما !؟ "
الأجابـة كانت من شمـس، التي باتت تعيـد له نفس الكلمـة وكأن لسانها اصبح آلي يردد تلك الجملة :
_ انا مش رفضـاك لشكلك او مش هقبل بيك بردو لشكلك، بس انا عمرى ما هحبك، انت مجرد ابن خالتـى بس
إلتفتت لها في لمح البصر يمسـك بيدها التي ارتعشت من مسكتـه المقززة كالوبـاء، وراح يترجاهـا وهو محدق بها :
_ طب ادينـي فرصة وانا هتغير، هبطل اى حاجة بتضايقك، خمرة او بنات او اى حاجة، بس كونى ليـا
جهـر القلـب بأعتـراض شديد، اعتراض علي حاكم مستبد يرغب في افتراض نفسـه جبرًا عليه، هـزة نافية صارخـة من رأسهـا جعلتـه يحدجـها بقوة وكأنما لا يرى الرفض، فقالـت بجدية :
_ صعب اوى يا يحيى الي انت بتقوله ده، انا مش بأفكـر فى اى حاجة من دى دلوقتِ، ياريت نفضل ولاد خالة بس
ولا يسمـع ايضًا الرفـض، أقتـرب منها متعمدًا اثـارة توترهـا، يثيـره هيئتها الحمراء من الخجل، وإنتفاضة جسدهـا كالثعبان الذى لدغهـا، ولما لا يذقيهـا من نفس الكأس ألا وهو التوتر قليلاً، ثم قال بهمسـات حطمت جديتها لأشـلاء صغيرة :
_ بس هتفكـرى، اوعـدك يا شمس هتفكـرى وهتفكرى كتيير، وهتجيلي بأرادتـك
اختفـت الدماء هربًا بهلع من وجههـا، وتمنت الهرب كحبـات الدماء بسرعة، تحاملت علي نفسها وهى تسأله بخوف :
_ قصدك اية يا يحيى ؟
إبتعـد عنها " يحيى" وقد أصاب سهمه ما اراد تمامًا، لينظر لهيئتها المبعثرة بأستمتـاع يتشبعـه بجدارة :
_ انتِ فاهمـة قصدى كويس ولو مش فاهمة يبقي خليها مفاجأة
إبتلعـت ريقهـا الذى جف، وحاولت جمـع شتـات شجعاتها التي بعثـرت بفعل ريـاح تهديده وهى تقول :
_ انت متقدرش تعملى حاجة اصلاً
تقـوس فمـه بأبتسامة ساخرة مستفـزة، تعبر لها عن مدى عراهـا امامـه، ثم اومأ بتهكم :
_ هنشوف يا بنت خالتى
ثم استـدار وغادر على عقبيـه، مهما تبنى جدار امام جدار، بثقب خبثـه ولؤمـه يراها على الفـور، ليهد كل ما بنتـه في ثوانٍ معدودة ..

******

يتجسـد كل شخـص امامهـا كحبـة لؤلؤ رقيقـة هادئـة، لتقترب عاصفـة قويـة وتهدمهـا، لتصبح قطع صغيرة متناثـرة، وتركض هى لمحاولة لعودتهم كما كانـوا، ولكن من الممكن ان نقل للماضي .. هيـا عـد ؟! ، ام انه لا يعود بأكملـه بل شظايا مؤلمـة منه فقط ليس إلا !!
نظراتـها وحدها لا تكفـي للتعبير عن مدى عجزهـا.. وحزنهـا، ليس كل من يراها يستطيع إبعـاد ذاك الغلاف الهادئ عنها، أخفـت دموعها بصعوبـة، تكاد تشعر بنهر من الدموع الساخنة يتناثر علي وجنتيها من شدتـه، وقالت بصوت مهزوز :
_ حرام عليكِ يا أمى، كان ممكن أنقـذه
هـزت رأسهـا بأعتراض شديد تلقائيًا، عاطفة الأمومة هى المسيطرة الان فقط، ثم اردفـت بحزم :
_ مش هتروحى يا خلود، انا مش مستغنية عنك يا حبيبتي
خـارت قواهـا بأكملها وحان وقـت الاستسلام، فتحت الابـواب وأعلنـت راية الأستسلام، لتقع امام "عبير" فتاة هزيلة اهلكها ماضي مؤلم، وصرخت فيها من دون وعى :
_ انا مش هنتحررر يا امى افهمى
من يغفر لها وكان مثل الجدار الذى يعزل نار غضبها عنها ما هو إلا معرفتها بحالتها النفسية، تجـز على اسنانـها بقوة لتكبح غضبها بداخلها، ثم تابعت بصوت آمـر :
_ قولت مش هتنـزلى، هى كلمة واحدة
إبتلعت ريقهـا بإزدراء، وتابعت دموعها الهطـول بغزارة، نظـرت لها نظرة تفهم مقصدهـا جيدًا، نظرة دائمًا ما تلعب دورهـا بأتقـان، ثم تابعت مترجيـة :
_ ارجوكِ يا امى سيبني اعمل حاجة واحدة أقف بيها في وش النـاس واقول لهم ده مش ذنبـي انهم بيموتوا .. !
تأففت والدتهـا وابتعدت بعينيها عن مفعول عينيها السحرى الذى يخدرها في كل مرة، ثم قـالت هادئـة :
_ عشان تنقذيـه أفرض بعيد الشر حصل لك انتِ حاجة، انا هعمل اية ساعتها ؟!
اهتـزت رأسها نافيـة تلقائيًا بأعتراض شديد، وراحـت دموعها الساخنة تنهار من جـوف خنقتها داخل عينيها البنية لتتحرر واخيرًا لتحاول التعبير عما يجيش بصدرها من معانـاة بدت ابديـة .. !
ثم سقطـت منهارة علي الأرض، لتستطـرد وسط شهقاتها المميتـة لوالدتها :
_ كل ما أروح احاول ألحـق حد، يفتكر إنى انا الي فيا حاجة، الناس بقت بتخاف تقـرب منى لأصحـى تانى يوم اقولهم انتم هيجرالكم حاجة، كل واحد بيرمى كلمة براحتـه ومش واخد باله إنى انسـانة بتحس، انسانة اترمت وسط ذئـاب بتنهش فيها وبس
أقتـربت منها تحتضنـها بحنـان، تمنـع دموعها من الهطـول حتى لا تكسر ذاك الجزع الذى تستنـد عليه خلود، أطبقت عليها برفـق وقالت بمرح :
_ يلا يا ستي الأستـاذ اخوكِ عايز ياكل مش هيستنى كتير
ابتسمـت بخفة من بين دموعهـا ثم نهضت مبتعدة عن والدتها بهدوء، ليتجهوا سويًا للخارج، حيث وجدوا شاب في اوائل الثلاثينـات من عمره، يضـع يده اسفل خده، يجلس علي الكرسي المواجه " للسفرة " وما إن رأهـم حتى قال بملل وضيق مصطنع :
_ شكلنا مش هناكل النهاردة عشان ست خلود بقاا
ضحكت خلود ومن ثم إقتـربت منها واجابته بهدوء :
_ هناكل يا طفس بس اهدى عشان حاسه إنك شوية وهتاكلنا احنا شخصيًا
غمغم بضيق مصطنـع :
_ اما نشووف بقاا .
تنتقـل حياتها دومًا كالأمواج، هادئة حزينة غاضبة، متقلبة غير مستقـرة ابدًا، دائمًا ما تشعر انها ليست المتحكمة في حياتها، ولكن ما يرطب ويهدأ صفو حياتها ولو قليلاً هو اخاها الأكبر الوحيد ووالدتها من بعد والدهـا الراحل " على " ..

********

كـانت تتوسـط أصدقائهـا السـوء، الحلقة السوداء، في احـدى الملاهى الليلية الشهيـرة، تضع قدم فوق الأخـرى، لتظهر نصف قدمهـا البيضـاء أسفل الشورت القصير الذى ترتديــه، وبالأعلي تيشرت احمر نصف كم،وبالطبـع ملامحها الهادئـة لا تخلو من بعض مساحيق التجميل، وتترك شعرها الأسود ينسـدل علي ظهرهـا، ومن حولها حلقة دائريـة يشكلها بعض الشبـاب والبنات، كـان الضجـر يظهر علي ملامحها ويتشبعها بقوة، اقتـرب منها احد الشبـاب، ذو جسد هزيل، وملابس لا تليق بشيئ للشباب، وشعره يصففه بشكل مضحك، وتنحنح قائلاً بهـدوء :
_ مالك يا " زيــنـة " ؟!
هـزت رأسهـا نافيـة، مثبتـة عينيها علي اللاشيئ، ثم همست بصوت قاتم :
_ مفيش حاجة يا زياد
نظـر لها بطـرف عينيـه، ثم أمسـك يدها بقبضتَه السمراء، يعلم بكل ما يجيش بصدرها الان، يحفظ كل مراحلها، ولكن بكل مرحلة يخطط لأستغلالها اسوء استغلال، كل ما يريـده هو أن يتوغل بداخلها بقوة، ليصبح كالدماء التي تسير في شرايينها .. !
مط شفتيـه وقال بضيق مصطنع :
_ كدة مش عايزة تحكى لزيزو صديقك ؟
تأففت بملل، سماء ذهنهـا ممتلئة بما يكفيهـا، لا ينقصها ثرثرته هذه الان !
ثم أجابتـه بهدوء حذر بعكس ما بداخلها :
_ قرفانـة من كل حاجـة
قـرب فمه من أذنيهـا، ليهمس بصوت أشبه لفحيح الأفعـي :
_ طب والي يروقلك مزاجك ده
_ يروقـه ازاى يعنى !؟
سألتـه مستفهمة بعد أن قطبت جبينها، ليجيبهـا بخبث :
_ استنى دقيقة
نهض بخفـة متجهًا لمكان ما، وبالطبع سمعت الهمهمـات بسهولة، تعتقـد أن كل من ينظر له نظرة ذات مغزى حقـود وكاره، ولكن .. لتكن نظرتها هى المغلفة بقنـاع الغرور ليس إلا ..
تقـدم "زياد " منها يحمل بيـده سيجـارة، ولكن ليست بسيجار عادى، وإنما من يجعلك تغيب بكامل عقلك عن هذه الدنيـا ..
مد يـده لها بهدوء، لتعقـد حاجبيها ثم تقول متساءلة بعدم فهم حقيقي :
_ اية ده بقا، انت عارف إنى بطلتها
تنهـد بقـوة قبل أن يتابع بنبرة كسـاها الخبث والاغراء :
_ دى هتريـحك من وجع دماغك وهتخليكِ تنسي أهلك شخصيًا
نظـرت له بطرف عينيهـا، جزءً ما بداخلها يحذرهـا وجزءً يشجعها على اخذها، ولكن الحبـال المتينة تزجهـا نحو السوء، لتمد يدهـا وتأخذ منه تلك السيجـارة، ثم وضعتها بين شفتيها الحمراء واخذت نفسًا عميقًا غير مبالية بالغـد ابدًا ..

*********

وصل " مالك " امام البنايـة الكبيرة بالمعادى التي بها منزلـه المتوسط، ترجـل من سيارتـه السوداء الكبيـرة، ثم أبعد النظارة عن عينيه البنـية، لتظهر تلك الجوفتين العميقتين الغامضتيـن، تنظران نحو ملجأها الوحيد الذى لم تلمحه منذ فترة كبيرة، سار بخطوات واثقة حتى دلف من باب البنايـة، ثم إتجـه نحو الحارس الذى يجـلس على احدى الكراسي الخشبية وهب منتصبًا حين رأه، وقال بجدية وحذر :
_ اهلاً اهلاً يا مالك بيـه
عقـد مالك حاجبيـه السوداويـن، ثم قال متساءلاً بحيـرة :
_ اية ده امال فين عم صابر ؟!
نظـر الحارس للأسفـل، ثم حك ذقنـه بطرف يده، يفكـر في حلاً ما لتلك الأجابـة، نظر له مرة اخرى واجابه بهدوء حذر :
_ اصله ساب الشغل يا بيه
سأله " مالك " دون تردد :
_ لية ساب الشغل يعنـي ؟!
توتـر بشـدة، يخشـي سقوطـه في حفـرة ما عميقـة تسلب منه كل شيئ، عمله.. مكانته .. ولربمـا أسرتـه الصغيرة، نظر له بهدوء مصطنـع ومن ثم قال متلعثمًا :
_ اصل آآ اصله دخل السجن يا بيه
حـدق مالك به بصدمـة، ثم اردف فاغرًا شفتيـه :
_ ازاى يعني، ده راجل قمة
رفـع كتفيـه بمعنى لا اعلم، ثم غمغم بعدم معرفة مصطنعة :
_ منا كنت بقول كدة، بس الله هو اعلم بخلقـه بقا يا ساعت البيه
اومـأ مالك بلامبالاة، ثم استـدار وغادر علي عقبيـه، توقف للحظة وإلتفت له يطالعه بنصف عيـن قائلاً :
_ ابقي ابعتلي اى حد ينضف الشقة يا عم محمد لو سمحت
اومـأ موافقـــًا بسرعة، ليغادر مالك بهدوء، في حيـن تنهـد هو بقوة وقال في خواطـره بلوم لشخصـه :
_ ربنا يكون معاك يا "صابر" .. ويسامحنى
أستـدار هو الأخـر وإتجـه نحو الداخـل بهو البنايـة الكبير، ليصل امام منزل شمس الصغير، ثم طرق الباب بهدوء، وبعد ثوانى فتحت والدة شمـس وعلى رأسها حجابها الصغير، لتسأله في هدوء :
_ ايوة يا عم محمد خير ؟
اجابـها بهدوء مماثل بل زائـد، مغلف ببعض الأسـف :
_ الاستـاذ مالك صاحب الشقة الي فوق عايز حد يطلع ينضف له الشقة، وزى ما انتِ عارفة يا ست كريمة، استاذ محمود صاحب العمارة قال واحدة منكم تبقي تطلع عشان الايجـار وكدة
أطـرقت رأسهـا بحـزن، تشعـر بقلبها يتمـزق بمجرد ذكر انها او ابنتهـا سيعملـوا كـ خدم، تشعر انها بداخل غابـة مليئـة بالذئـاب، وبمجرد ان ذهب راعيـهم إلتفـوا حولهم ليهاجموهـم، حتى انحصروا في زاويـة صغيـرة.. وما لبث أن مرت فترة وجيـزة هاجموهم مرة اخرى !!
تمتمت بنـبرة حملـت الحزن والأسف والألم معًا في طياتهـا :
_ حاضر .. حاضر يا عم محمد
استـدار ليغــادر محمل شعوره بالأسف نحوهـا، أما كانـت تلك السيدة الفاضلة التي يحترمها كل شخص، الان ستعمل وابنتهـا كخادمـة فقط !! .. يا الهـي كم تدور هذه الدنيـا وتدور حتى تسقطـك في نفس الحفرة التي تخشاها دومًا .. الان نظراتهـا تجعلك تشعر بالشفقـة، نظرة لو ظلت تنظرهـا لشخص ما يعذبها لأسقط من يده كل مقاليـد تعذيبهـا ليتركهـا حـرة !!
دلـفـت لأبنتـها الوحيدة، لتجـدها تجلس على الكرسي الخشبي الصغير، تعد الطعـام، نظرت لها دون ظهور اى تعابير، ثم هتفت بهدوء اصطنعته بمهارة :
_ شمس، انـا طالعـة انضف شقة الاستاذ الي لسة جاى
رفعـت شمس ناظريها لها تطالعهـا بدهشة، وسرعان ما قالت بجدية تلقائيـة :
_ لا طبعًا، انتِ عارفة إن انا الي هأطلع مش انتِ يا أمـي
تنهـدت تنهيـدة حـارة تحمل الكثير والكثـير، ثم اردفـت بقلة حيلة :
_ لأ يا شمس مينفعش يا حبيبتي
نهضـت مسرعة، ظهـر بريـق لامع في عينيها الرماديـة، بريق ما إن لمحتـه والدتها حتى علمت أن موجـه العنـد لن تـزول إلا أن تفعل ما ارادتـه، فاستطـردت شمس بتصميم :
_ لأ انا طالعة، الشقة الي ف اول دور مش كدة ؟
اومأت والدتها مؤكـدة، فتقدمـت شمس وامسكت بحجابها الصغير ترتديـه ومن ثم اتجهت للخارج، لتتجه لمنزل مالك بهدوء دون بت كلمة اخرى ..

*******

في السجـن كـان "صابر" يجلس علي الفراش الصغير الحديدى الموضوع علي الجانـب، بجوار الحائط المتهالك بعض الشيئ، يمدد جسـده الهزيـل عليه وينظر للأعلي بشــرود، نظرات لطالما حاول من حوله أن يفهموهـا ولكن فشلـوا، منذ دخوله السجن وهو كذلك، لم يتفـوه بما يجيش بصدره ولو للحظـات، لدرجة أنه يشعر أن ذات يوم سينفجـر من كثـرة البراكيـن المشتعلة بصدره .. وكثرة الألم الذى بـات لا يشعر به، بمعنى اوضـح قد اعتـاده وانتهى الأمر .. ولكن ليس بسلام اطلاقـــًا ..
أقتـرب منه أحد الاشخـاص، في منتصف عمره، ذو وجه هادئ ولكن عليه بعض الندبـات، ينظر له بهدوء، ثم تنحنح قائلاً :
_ اية يا عم صابر عامل اية ؟
لم ينظـر له ثم اجابـه بصوت أقـرب للهمس :
_ الحمدلله رب العالميـن
تنهـد الرجـل، ورمقـه بنظرات يعرفهـا جيدًا دون أن يراهـا، يشعر بها تختـرقه لتستكشفه بفضول قاتـل، ولكنه يوقفها عن الحد المناسـب دائمـًا، ثم سألـه الرجل بصوت أجـش :
_ انت محكوم عليك كام سنة يا عم صابر
_ مؤبــد
كلمـة نطـق بها بسهولة، ولكن بعدها شعر أت لسانـه شُـل عن الحركـة، كلمة كلما تذكرهـا كانـت حروفها تقطعه ببرود، تعيـد عليه ما مر منذ سنـوات، تذكره بقيـده الأبدى الذى قيـد به من دون ذنـب، الحديدى .. القاتل الذى لن يتحرر منه ولا يريـد أن يحاول التحرر منه.. قيد علمـه الأستسلام .. والصبر ..
بينمـا إتسعت حدقتـا عينا الرجل، الذى قال بصدمـة شابت بالتعجب :
_ مؤبد وقاعد كدة عادى يا عم صابر ؟
تابـع مبتسمًا ابتسامة منكسرة :
_ اديك جاوبت نفسك، " يا عم صابر " يعني انا صابر وراضى بقضـاء ربنا
يتعجـب اكثر واكثـر، يتوغل بداخله شعور أنه شخص تافـه .. متعجرف، غير راضٍ بقضـاء حكم عليه لشيئً فعله، بينما الأخر يرضي بحكم علي شيئ من المفترض أنه لم يفعله اسـاسًا، اى بشر هذا ؟!
عاد يسألـه بصوت قاتـم :
_ انت عملـت اية اصلاً يا حاج ؟
تنهـد صابـر بقوة، ثم نظـر له بنصف عيـن، ثم قـال مشاكسًا برغم كل ما بداخله من همـوم :
_ انت هنا ف سجن اية ؟
تنحنح بحـرج واجابه بهدوء :
_ قتل
رفـع كتفيـه بهدوء بمعنى هذا، حائـط أمـن بناه لحماية ابنته الوحيدة وزوجتـه ولن يهدمه مهما حدث، وإن حاول الجميع كسره سيقاوم كل عضو بداخله بقوة قبل ان يتحرك هو ..
بينما استطرد الرجل قاطبًا جبينه :
_ طب ازاى قتلت يا عم صابر وانت راجل باينلك عارف ربنا
_ الزمـن يابنـي
قالهـا بلجهـة امتلأت بالحزن والألم، تجسدوا في هاتان الكلمتـان بكل معانيهم، وكأن هذا الزمن عدوًا له ليهلكه هكذا دون ذنـب مفتعـل !! ، بداخله يحترق بمجرد التذكرة فقط.. لو كان الغضب والحزن لهم رائحـة لكانت فاحت الرائحة منذ زمن ..
راح يسأله الرجـل كالقاضي مستفسرًا في قضية ما :
_ طب لية ما تدافعش عن نفسك وتعمل نقض وتحكى كل الي حصل يا عم صابر
صمت برهه، وإنزلـق لسانه بعفـوية :
_ اصل انا سمعت إنك ماقولتش حاجة غير انك ماقتلتش، لكن ما حكيتش اى تفاصيل، ومستغرب بما انك مفروض برئ يبقي ده عبط كدة
ابتسـم بخفة علي عفويتـه، ولكن سرعان ما تحطمـت بقولـه الغامض :
_ لو اتكلمت هأذيهم، وانا مليش غيرهم، يا إما اخرج انا واتكلم، يا إما اسكت، لكن مش هحاول أأذيهم عشان اطلع انا
عقـد حاجبيه ثم اردف بتفكير :
_ يااه، هى مشكلة عويصة للدرجة !
اومـأ صابـر بهدوء، ثم نهض قائلاً بصوت هادئ :
_ تعالي بقا نساعدهم عشان كدة مش هيأكلونا ..

*******

طـرقـت شمس البـاب عدة مرات بهـدوء، تفــرك يدها بتوتر شديد لمعرفتها أنـه شـاب في اوائـل عمره، عدلت من وضعية طرحتها الصغيرة لتخفـي الشعيرات السوداء المتناثرة اسفل حجابها، مرت ثوانٍ وفتح مالك البـاب، أُصيـب بالدهشة قليلاً لمعرفته أن زوجة الحارس السابق هى من ستقوم بالتنظيف، وليست فتـاة كهذه !؟ .. صمت برهه وظل هكذا يطالعها بأعيـن حادة كالصقـر، إلتمعت بوميض غامض، ولكن سرعـان ما تسللت الأبتسامة له، وانفرج ثغـره ليصبح في شكل خطوط متعرجة حوله، وتحولت نظراته لنظرات لم تفهمها شمس بسبب نظرها للأرضية الرخامية، ليقـول مالك بصوت هادئ ولكن يحمل الخبث في طياتـه :
_ هو انتِ بقا الي بعتـك
اومـأت شمس مسرعة دون تفكيـر بما ستجلبه لها هذه الهزة الصغيرة، لتنقلب حياتها رأسـًا على عقـب !!
رفع الهاتف الذى كان في يـده ليضعه على اذنـه ليتابع بصوت رجولى خشن اثار الرجفة في انحاء جسدها المرهق :
_ خلاص يابنى اهى جات
_ ..........
_ اه مع انى مستغرب بس ..
صمت برهه ينظر لشمس من اعلاها الي امحص قدميهـا ولم يستطـع إخفـاء نظرات الاعجـاب واللمعة تلك من عينيه ليستطرد بصوت قاتم :
_ بس اشطا .. يلا سلام انت
اغلق ينظر لها ثم تنحنح قائلاً بأبتسامة زادت من القلق الذى كان يتوغل بداخلها رويدًا رويدًا :
_ اتفضلي اتفضلي واقفة لية هنا
ما إن مدت شمـس قدمها للداخـل حتى وجـدت من يضربهـا بقوة على رأسهـا، جعلتها تسقطت فاقـدة الوعى من دون أن تصرخ حتى، بين ذراعى مالك الذى التقطها علي الفور و.......

*********



الساعة الآن 07:56 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.