وقف مهند على الشرفة الخاصة بغرفته ..
نظر نحو السماء ... تنهد بعمق‘ وانتظر حتى سمع رنة هاتفه‘ فتوجه نحو الداخل حيث رأى أمه ..
ابتسم لها واتجه ليجلس بالقرب منه .. سامحا لذراعيها أن تضماه ..
بينما أصابعها وجدت طريقها لشعره الذي صففه نحو الأعلى ..
*تبدو وسيما ..
همست بذلك .. سمعها وابتسم ..
*لأنك أمي فقط ..
قال ذلك‘ ورفع نفسه ليقبل جبينها .. ثم همس لها بحب
*من قال لك أنني لا أريد أن أبقى ابنك المدلل ؟
لمح الدموع تلمع في عينيها فمسح على خدها برقة وطلب برجاء:
*توقفي عن الاعتقاد أني لن أعود في كل مرة أخرج بها ..
وبمرح أضاف
*في الواقع لن تتخلصي مني قريبا ..
ونهض من حضنها ليسحب يدها يقبلها بعمق
*لن أتأخر ..
لوح بيده وتركها ليخرج دون أن تجرؤ على التعليق بشيء‘ فقد خشت أن تنزل دموعها وهذا آخر ما تريده أمامه ..
وقلبها لا يقدر على الارتياح ..
في كل مرة يفتح بها الباب ليخرج تشعر بشيء يسلب منها الحياة‘ فلا تقدر على الراحة حتى تراه يعود مجددا ..
لمَ لا تقدر على فعل ما قاله باهر ..
ألّا تفكر فيما حصل ولا تذكر مهند به ؟
لمَ قلبها لا زال يؤلمها حد الموت ..
لمَ مهند تغير .. لكن من الجيد أنه عاد لحضنها‘جفاؤه معها كان سيقتلها ببطء‘ ألا تقدر على ضمه‘على الحديث بطبيعية معه ..
هو فقط يعود .. إنما ببطء .. وحتى يعود روحها ستظل تعذبها .. بشوق لطفلها .
بينما هو اتجه نحو دريد الذي ينتظره في بداية الشارع وما إن رآه حتى هتف
*تبا .. ما الذي يجبرني على القدوم وانتظارك هنا كل هذا الوقت !
ابتسم مهند ببساطة :
*لأنك صديقي !
كان جوابه كافيا ليتنهد دريد‘ وهو يخطو معه متجهين نحو النادي الرياضي ..
لا زالت بنية مهند الجسدية ضعيفة و لا زال قصيرا بعض الشيء ..
نظر له دريد يقارن بين طوليهما واعترف أنه ليس بعض الشيء إنما كثيرا !
لكن لا زال هناك وقت ليزداد طوله ..
المدرب قال أنه فجأة سيجد نفسه يزداد طولا دون أن يشعر ..
ما يجعل دريد يشعر بالقلق‘ هو مبالغة مهند بالتدريبات ..
هو لا ينكر رغبته أن يصبح قويا ‘لكن مهند فقط يتدرب بشراهة كما لو أنه يسابق الزمن ليزداد قوة ..
هو حتى الآن لا يسمح للمدرب بلمسه‘ حتى حين يريد مساعدته على التدريب‘ حيث أنه ينتفض مبتعدا عنه هو أيضا ..
ما مر به ليس سهلا .. لكنه لن يتكرر ..
كم تمنى أن يرافقه لإحدى جلساته عند الطبيب النفسي‘ لكن مهند في الفترة الأخيرة أصبح يذهب لوحده‘ هو حتى لا يأخذ باهر معه ..
*نعم أنا صديقك ..
أكد دريد بعد فترة من مشيهما بصمت لينظر له مهند باستغراب ..
ثم سأله فجأة :
*هل تشعر بالقرف مني ؟
نظر دريد نحو مهند بعدم تصديق ‘يريد التأكد إن كان يعني سؤاله حقا ..
ولعجبه .. بدا مهند جديا ..
مما جعله يغضب ثم قال بغيظ من بين أسنانه
*أنت مغفل كبير يا مهند .. توقف عن جعل نفسك في مرتبة دونية .. ما حصل ليس بإرادتك .. ولم يكن لك القدرة على ردّه‘ فتوقف عن لوم نفسك ولوم الآخرين ..
توقفت خطوات دريد وسحبه من ذراعه يجبره على النظر في عينه
*من قال لك أن ما حصل قد لا يتكرر معي أو مع غيري هل ستشعر بالقرف منّا ؟
هز مهند رأسه بلا‘ فتنهد دريد وقال بحنق
*ربما طبيبك غبي حتى لم يتمكن من مساعدتك بعد كل هذه الفترة ..
توقف بعبوس ليلتفت له مهند بتساؤل ليقول دريد بتصميم
*أنت لا تحتاج طبيبا.. أنت تحتاج أن أضرب رأسك !
ارتفع حاجبا مهند ‘لكنه ضحك باستنكار حين ضربه دريد بالفعل على رأسه‘ واستعد لتكرار الأمر قبل أن يركض مهند بضحك من أمامه لينجو بنفسه ..
ربما مهند يظن أن ما تعرض له ترك ندبة في قلبه‘ لا يمكن أن تشفى بسهولة‘ ولكن لديه من حوله من يمده بالقوة .. لذلك يملك سببا ليمضي قدما محاولا تجاوز ما حصل .. هو مؤلم .. مرعب .. وكل يوم حين يحاول النوم يعيد في خياله ما حصل .. ضعفه .. عجزه .. خوفه ..
أكثر ما يكرهه هو الخوف ‘لذلك يسعى جاهدا لكي يتخطى حاجز الخوف الذي يتظاهر بعدم وجوده .. ويصاب بالإحباط حين يرتعب من مجرد لمسة عفوية من أحدهم .. وهذا يجعله يشعر أن تقدمه بطيء جدا ..
وكلما تذكر ما تعرضت له آيلا يزداد عزيمة .. لقد تأذت أكثر منه ومع ذلك فهي جاهدة تحاول ألا تتعثر خطوات علاجها ..
هو يأخذ قوته منها .. وقوتها من الرعاية الكبيرة التي يقدمها لها باهر رغما عنها ..
*نعم أنا يجب أن أتخطى ذلك ..
قال ذلك بصوت مسموع غير منتبه لدريد الذي سمعه وهز رأسه بيأس..
فقد مل حقا من كثر ما سمع هذه الجملة من مهند ..
على الأقل هو يحاول .. وحوله من يحاول معه
.....................................
بعد وقت طويل ..
جلست آيلا بالقرب من مهند وهي تقضم أظافرها بتوتر ..
نظرت لمهند الذي يلعب لعبة ( sam) على حاسبه لتنظر له مغتاظة‘ فعلى حد علمها هو لم يكن يحب هذه الألعاب فما بالك بهذه اللعبة المخيفة ..
بل ويبدو متحمسا !
هذا مغيظ أليس كذلك ؟
*مهند انصحني !
هتفت بعجز‘ وهو فقط لم يحول نظره عن اللعبة ليقول بملل:
*للمرة العاشرة آيلا أنت تحبين باهر فيكفي دلالا ..
أوقف اللعبة ونظر لها مضيقا عينيه
*ورجاء لا تقولي أنك خائفة‘ لا تنسي أننا نتعامل مع نفس الطبيب وقد اكد لي أننا أكثر شخصين تخطيا حالتهما عنده وما زلنا نذهب له ..
زم شفته باستياء
*لقد طردني فعليا آخر مرة ..
تنهدت آيلا وجلست على السرير محبطة
*لكن العلاج شيء والحقيقة شيء آخر ..
حك مهند عنقه وقال متذكرا :
*هذا ما حذرنا منه الطبيب إن كنت تذكرين .. أن لا نعترف بالعلاج واقعا .. فكري أنه لا فرق وكفى ..
ابتسم بتوسع وقال بسعادة
*لم أخف من المدرب بالأمس حين رفع يدي ليعلمني التصويب في حجرة القتال ..
ارتفع حاجب آيلا بغيظ منه ثم هبت واقفة فجأة تتمتم
*لن أفكر أصلا !
ثم وبجنون اتجهت نحو الباب وقالت بصوت عال
*باهر أنا موافقة على الزواج أنا أحبك ..
وتلك الجملة البسيطة جعلت باهر منصدما لفترة من الوقت قبل أن يعي ما حصل ..
لتبدأ مرحلة جديدة ..
بداية جديدة ربما ..
...............................
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .